تفسير سورة الماعون

اشارة

نام كتاب: تفسير سورة الماعون

نويسنده: عاملى، سيد جعفر مرتضى

موضوع: تحليلى- پرسش و پاسخ قرآنى

قرن: 15

زبان: عربى

مذهب: شيعى

ناشر: المركز الاسلامي للدراسات

مكان چاپ: بيروت

سال چاپ: 1419 ق

نوبت چاپ: اول

مقدمة الناشر

بسم اللّه الرّحمن الرحيم

و الحمد للّه حمدا كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، و الصلاة و السّلام على رسوله محمد (ص) و على آله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

مما لا شك فيه أن للقرآن موقعا في المعارف الإسلامية لا يدانيه شي ء آخر من حيث كونه المصدر الأساس للمعرفة الحقيقية، و من حيث كونه الحجة القاطعة في هذا الدين الحنيف.

و مما لا شك فيه أيضا أن لعلم التفسير أسسا ينبغي للخائض في هذا البحر العميق الاستناد إليها و التسليم بها و مراعاتها ..

و مما لا يرقى إليك شك أيضا أن أهل البيت (عليهم السّلام) هم القرآن الناطق و هم معدن الوحي و التنزيل.

تفسير سورة الماعون، ص: 6

و هم (عليهم السّلام) و القرآن الثقلان اللذان يجب على كل مسلم التمسّك بهما حتى لا يضل فإنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم).

من هنا نقول: إن المنهج، كل منهج، لا بد أن يعتمد في تفسير كتاب اللّه على ما رسموه، و يلتزم بما قالوه، و يرفض كل ما يتنافى مع ما يثبت عنهم (عليهم السّلام).

و ها نحن اليوم نقدم للقارئ الكريم الكتاب الثالث من سلسلة" دروس في تفسير القرآن" للعلّامة الحجة المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي (أدام اللّه بقاءه) و هو خصوص تفسير" سورة الماعون".

و كان قد صدر سابقا الكتاب الأول و هو تفسير" سورة الناس" و تبعه تفسير" سورة

الفاتحة" في طبعته الثانية البيروتية بعد أن طبع أولا في قم المقدسة.

و قد لقي هذان الكتابان صدى طيبا و استحسانا لدى القرّاء.

تفسير سورة الماعون، ص: 7

و يمكن رد ذلك لأسباب عدة:

1- إن هذه المطالب رغم أنها كانت تقدم في درس أسبوعي لبعض الراغبين، الأمر الذي جعلها، من بعض الاعتبارات، تختلف عما يؤلف و يكتب فيما يعنيه ذلك من تتبع و استقصاء و تأمل، نقول رغم ذلك فقد جاء التفسير مليئا باللطائف النورانية و اللمحات الأخلاقية و الإلتفاتات المعرفية التربوية.

2- من ناحية المنهج المتبع في هذا التفسير و الذي أطلقنا عليه، في مقدمة تفسير" سورة الناس" اسم" المنهج الاستنطاقي في تفسير القرآن"، و الذي يعتمد على استنطاق القرآن بكل مفرداته و التدقيق في دلالاتها و معانيها بما يتوافق مع ما جاء عن أهل البيت (عليهم السّلام) دون أن يغفل عن مقارنة هذه الدلالات مع السياق القرآني العام و النظر في أسباب النزول.

و ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أنّ العلّامة المحقّق لا يدعي، فضلا عن أن ندعي نحن، أن هذا التفسير قد راعى هذا المنهج بشكل دقيق، لأنه، و كما ذكرنا، قد جاء على شكل دروس لا بد أن تراعى فيها حالة المخاطب في

تفسير سورة الماعون، ص: 8

الزمان و المكان و في غير ذلك من خصوصيات.

نعم، نذكر القارئ الكريم أن هذا المنهج ظاهرة ملفتة في هذا التفسير و إن لم يستجمع- بعد- جميع عناصره و أدواته.

و اللّه هو الموفق و عليه التكلان.

المركز الإسلامي للدراسات

تفسير سورة الماعون، ص: 9

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمة:

و الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السّلام على خير خلقه، و أشرف بريته، محمد و آله الطاهرين. و اللعنة على أعدائهم

أجمعين إلى قيام يوم الدين.

و بعد ..

فإن اللّه قد وفقني لإثارة جو تفسيري حول آيات السورة المباركة" الماعون"، ربما يجد إخواني الأعزاء، الذين تداولت معهم هذه اللمحات و الخواطر في جلسات سميت جلسات تفسير: أنها قادرة على أن ترسم حدودا تقريبية لمعالم شبح معنى لم يزل يتألق في سماء تساميه عن افهامنا الممعنة في القصور و العجز.

و قد كانت هذه الجلسات في سنة 1419 ه. ق. ما بين 11 جمادى الأولى و 30 جمادى الآخرة.

تفسير سورة الماعون، ص: 10

و أعتبر نفسي في غنى عن التأكيد على القارئ الكريم على غاية عجزي و قصوري عن نيل معاني القرآن و عن إدراك مراميه. و لعل خير شاهد و دليل على ذلك هو نفس ما يجده في هذه الأوراق التي بين يديه، بالإضافة إلى ما ربما يقرؤه في الكتيبات الأخرى التي صدرت باسم:" تفسير سورة الفاتحة" و" تفسير سورة الناس".

و رغم ثقتي بأن القارئ العزيز لن يبخل علي بتصويباته لما ربما يجده من أخطاء، و توجيهاته المفيدة في تصحيح الطريقة و المسار، و المنهج، و تنبيهاته على الهفوات، و إلفاتاته إلى ما فات .. فإنني أعود فأؤكد عليه بذلك، متكلا على سعة صدره، و رضي خلقه، و خلوص أخوته و محبته.

و الحمد للّه، و صلاته و سلامه على عباده الذي اصطفى محمد و آله الطاهرين.

23 شهر رمضان المبارك 1419 ه.

جعفر مرتضى العاملي

تفسير سورة الماعون، ص: 11

تمهيد

فضل قراءة سورة الماعون:

1- ابن بابويه باسناده، عن عمرو بن ثابت، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:" من قرأ سورة أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ في فرائضه و نوافله كان فيمن قبل اللّه عز و جل صلاته و صيامه و لم يحاسبه مما كان

فيه في الحياة الدنيا".

2- روي عن النبي (ص) أنه قال:" من قرأ هذه السورة غفر اللّه له ما دامت الزكاة مؤداة و من قرأ بعد صلاة الصبح مائة مرة حفظه اللّه إلى صلاة الصبح".

3- و قال رسول اللّه (ص):" من قرأها بعد عشاء الآخرة غفر اللّه له و حفظه إلى صلاة الصبح".

4- و قال الصادق عليه السّلام:" من قراها بعد صلاة

تفسير سورة الماعون، ص: 12

العصر كان في أمان اللّه و حفظه إلى وقته في اليوم الثاني".

أسباب نزولها:

علي بن إبراهيم في معنى السورة، قوله أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ قال: نزلت في أبي جهل و كفار قريش «1».

______________________________

(1) البرهان: ج 4، ص 510/ 511.

تفسير سورة الماعون، ص: 13

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ* وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ

صدق اللّه العلي العظيم

تفسير سورة الماعون، ص: 15

تفسير قوله تعالى: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ

اشارة

تفسير سورة الماعون، ص: 17

تبدأ السورة بقوله تعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ

و قد تحدثنا حول آية البسملة في تفسير" سورة الفاتحة"، فمن أراد الإطلاع على ما قلناه، فعليه بمراجعة ذلك الكتاب.

و بالنسبة لسورة الماعون، نقول: إن هذه السورة تتحدث عن خصوصيات و مواصفات الذي يكذب بالدين، و المراد بالدين هو يوم الجزاء.

و تقول: ان من مواصفات هذا المكذب، أنه يدع اليتيم، و أنه لا يحض على طعام المسكين.

و نحن نبدأ حديثنا حول هذه السورة بطرح سؤال، و محاولة الإجابة عليه، فنقول:

تفسير سورة الماعون، ص: 18

سؤال و جوابه:

اشارة

لو سألنا سائل: من هو الذي يكذب بالدين؟

فسنقول له: إنه الإنسان الجاهل، المتكبر، الإنسان الضال، المغرور برأيه و بنفسه.

و لا يخطر على بالنا: أن مجرد عدم حض الناس على طعام المسكين، و كذلك دع اليتيم، يصلح أن يكون عنوانا للتكذيب بالدين، أو أن له أي ارتباط به.

و معنى ذلك هو أن هناك أمورا نتخيل أنها لا أهمية لها، ثم يتبين لنا أنها ترتبط بأمور خطيرة جدا، حتى على مستوى التكذيب بيوم القيامة. و من جملة هذه الأمور ما ذكرته السورة المباركة من أن أوصاف و خصوصيات من يكذب بالدين أنه لا يحض على طعام المسكين .. فكيف نفسر ذلك! و على وفق أي معيار يمكننا أن نفهمه و نتعقله؟!

و يمكن أن يقال في الجواب: إن قضية التدين أساسا، إنما تعني العبودية، و الخضوع، و الانقياد للّه عز و جل، و الالتزام بأوامره و نواهيه، و هذا الخضوع يحتاج إلى

تفسير سورة الماعون، ص: 19

استعداد نفسي، و لا يكفي أن يمارس الإنسان خضوعا ظاهريا جوارحيا، و حسب.

فالجندي مجبر على تأدية التحية لرئيسه، و لكنه لو خلي

و طبعه فقد يكون يكرهه، بل و يكره الدخول في الجيش من الأساس.

و من الواضح: أن الخضوع الحقيقي للّه عز و جل يحتاج إلى معرفة و وضوح في الرؤية بالنسبة لألوهيته سبحانه و تعالى، و بالنسبة إلى صفاته، ثم إلى تقييم دقيق لحقيقة النعم و الألطاف و الرعاية التي يحبوه بها سبحانه.

و بتعبير آخر: إن التدين عبودية إرادية، و خضوع يحتاج إلى معرفة، و المعرفة تحتاج إلى معايير و مقاييس و قيم، نقيس بها ما نعرفه، و تكون هي التي تتحكم بهذه المعرفة، و تستثمرها لتنتج معرفة جديدة، و تنتج أيضا موقفا و حركة، و مشاعر، و أحاسيس، و حالة إيمانية، و أخلاقا إنسانية ..

فلا تكفي معرفة أن اللّه عز و جل قادر منعم خالق، بل ثمة حاجة إلى مقاييس و قيم، لتقييم هذه النعم: كالخالقية، و الرازقية، و ثمة حاجة أيضا الى تحديد حقيقة هذه

تفسير سورة الماعون، ص: 20

القدرة الإلهية، و مدى حاجة الإنسان إليها، و ما هو موقعه منها. ثم لا بد من استثمار هذه المعرفة في استمرار التنامي و التكامل، إذ ليس المطلوب تلك الحالة العلمية المعرفية فحسب و إنما العلم الذي يستتبعه عمل الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ.*

فعلى سبيل المثال: حينما نعلم أن اللّه منعم، فالنعمة تستدعي قيمة معنوية، هي حالة عرفان و شكر، ثم نستثمر هذه القيمة في أنفسنا خضوعا، و في موقفنا حزما، و في حركتنا سلوكا، و في روحنا محبة. فبدون هذه المقاييس، لا نقدر أن نحول معرفتنا باللّه و بنعمه و بخالقيته و بقدرته إلى مشاعر، ثم إلى مواقف صلبة للدفاع عن الحق، و عما يرضي اللّه تعالى في موقع رضاه.

لكن هذه القيم، التي هي من

قبيل العرفان و الشكر للنعمة، و التي اعتبرناها هي المقاييس و المعايير، تستدعي أن يكون ثمة أخلاقية تجعل للقيم و المعايير دورا. و هذه الأخلاقية تنشأ عن صفات روحية و نفسانية و إنسانية توجد في داخلنا، بها قوام إنسانيتنا.

تفسير سورة الماعون، ص: 21

فالأخلاق و الحالات و الميزات للإنسان كإنسان- لا كبشر- عاقل حكيم كريم شجاع قوي الخ .. هي التي يريد اللّه سبحانه أن تنتج لنا أخلاقية تتحكم بالمعايير التي تجعلنا نستثمر المعرفة باللّه، التي تتحول إلى حركة و موقف، و سلوك، و مشاعر، و محبة، و رفض، و قبول.

فينتج عن ذلك: أن الأخلاق، بما تكشف عنه من ميزات و خصائص في الشخصية الإنسانية الإلهية، هي أساس التدين و الالتزام.

فرعون مثال واضح:

و نقدم فرعون كشاهد على ذلك؛ فإن فرعون حتى و لو كان عارفا، فإنه لم يكن يملك معايير لتثمير المعرفة؛ لأنه لا يملك ميزات في داخله روحية و إنسانية و أخلاقية، تنتج له هذه المعايير، أو تجعله يحكم هذه المعايير في معارفه، و يستثمرها.

بل كانت هذه الخصائص و الميزات في داخل شخصية فرعون تتجه نحو السلبية العاتية و المدمرة، فكانت خصائصه هي الجبن و الشح و اللؤم و الضعف،

تفسير سورة الماعون، ص: 22

التي نتج عنها حالة أخلاقية سيئة هي الاستعلاء، الذي تجسد في ممارساته طغيانا و غطرسة و غرورا، إلى درجة إدعاء الربوبية.

و أعطف على ذلك قصة إبليس، الذي انته به الأمر ليس فقط إلى أن لا يستعمل المعايير المطلوب استعمالها في الحالات التي تستدعي ذلك، بل هي قد أنشأت له معايير خاطئة، جعلته يسير في مسار انحرافي إلى الأبد، رغم أنه لم يكن يعاني من جهل فيما تكون معرفته ضرورية له في مثل هذه

المواضع و لعل انقلاب المعايير هذا، بسبب الخلل الأخلاقي هو الذي دفع ذلك الذي آتاه اللّه آياته إلى أن ينسلخ منها.

قال تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ، فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ «2».

و قال تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ، وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ، وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «3». حيث لا شك في أن الضلال المراد هنا هو

______________________________

(2) سورة الأعراف، الآية 175.

(3) سورة الجاثية، الآية 23.

تفسير سورة الماعون، ص: 23

الضلال العملي. أي ضلال من ناحية العمل و السلوك، المسمى بالانحراف السلوكي، و ليس الضلال العلمي المعرفي.

خلاصة و بيان [حول الناحية الأخلاقية]:

و الخلاصة: أن الناحية الأخلاقية هي الأساس في تكوين الحالات الإنسانية العقلية و السلوكية، و في تكوين المشاعر، و في المحبة و البغض، و ما إلى ذلك.

و هنا نلاحظ: أن هذا هو السبب في أن البعض ينتهي إلى درجة: أن لا يحض على طعام المسكين، ثم يدع اليتيم. فإن نفس أن يفقد الإنسان الداعي، و المحرك الوجداني الإنساني العاطفي، و الميزة الروحية، يؤدي به إلى هذه النتيجة الخطيرة، و هي الخروج عن حالة التوازن، و الإمعان في الانحراف إلى درجة التكذيب بيوم الدين، حتى و إن لم يصل إلى درجة أن يتصف بالصفة الأسوأ، مثل حالة الاستكبار، أو ما إلى ذلك.

فلا يجوز إذن أن يستهين الإنسان ببعض ما يراه صغيرا، و لا أهمية له، فإنه قد يكون معبرا عن حالة

تفسير سورة الماعون، ص: 24

نقصان و فقدان لأمر خطير كهذا.

أهمية الأخلاق في حياة الإنسان:

اشارة

و في كل هذا، دليل واضح على أهمية و حساسية القيم و المعايير التي يتحرك الإنسان على أساسها؛ حيث إنها تنشأ في الغالب عن الحالة الأخلاقية حسبما أوضحناه. و ذلك يؤكد خطورة و أهمية دور الأخلاق التي تغرس في النفس المعاني الإنسانية و صفات الخير، و تنشؤها، و ترشدها. و كم لها من تأثير على مستقبل الإنسان، بسبب عمق تأثر الحالة الفكرية و الإيمانية و المعرفية، بالميزات الروحية، و بالأخلاق. حتى أن فقدها (أي القيم و المعايير) يؤثر على سلامة المعرفة لدى الإنسان و يؤدي إلى أن يجحد بيوم الدين. و هذا يفسر لنا: أن من الناس من يضله اللّه على علم، كما أنه يعرفنا كيف أن الطهارة من الذنوب تعين على فهم القرآن «4» حسبما روي عن الإمام السجاد عليه السّلام.

______________________________

(4) الصحيفة السجادية، الدعاء عند

ختم القرآن ص 136.

تفسير سورة الماعون، ص: 25

و كذا الحال في ما ورد من أن العلم ليس بكثرة التعلم، و إنما هو نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء.

و المقصود ليس هو العلوم المادية طبعا، فإنها مما يصل إليه المؤمن و غير المؤمن.

فإذا كان العلم نورا، فذلك يعني: أن القضية ليست في أن يتعلم الإنسان في المدرسة، أو لا يتعلم فيها، بل القضية هي أن هناك درجات من العلم، لا يحصل عليها المتعلم إلا من خلال الأخلاق و الإيمان و السلوك المستقيم، حتى إذا أخل بهذا الجانب، و حرم من الصفاء الروحي، فإنه يحرم من درجات و أنواع من العلوم.

و قد ألمحنا فيما سبق إلى قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها، فكم هو دقيق و لطيف هذا التعبير بالانسلاخ الذي يشير إلى أن هذه الآيات ملتصقة في فطرته، ناشئة معه، حتى أصبحت جزءا من كيانه، حتى ليحتاج إلى الانسلاخ منها؛ (فَانْسَلَخَ مِنْها).

تفسير سورة الماعون، ص: 26

و هذا ما يشير إليه أيضا قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «5».

و قوله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا «6»، و أمثال هذه الآيات كثير.

يزكو على الإنفاق:

و لا يفوتنا التنبيه إلى أن تحكيم القيم و المعايير بالمعرفة، و تثميرها بصورة إيجابية، يؤدي إلى الحصول على المزيد من المعارف، حيث إن هذا الاستثمار يهيئ الإنسان روحيا، و يرفع من درجة استعداده و استيعابه، و يفتح أمامه آفاقا، و يثير لديه أسئلة كثيرة أخرى، فكل ذلك يجعله يتحفز للانتقال إلى درجات أعلى، تحتاج إلى و سائل و أدوات أرقى و أقوى و أدق، مثل: التقوى و العمل

الصالح، و إلى رقابة دقيقة على ذلك كله، من موقع الهيمنة و المعرفة و التدبير، فيحتاج إلى الحكمة الهادية

______________________________

(5) سورة البقرة، الآية 7.

(6) سورة الفرقان، الآية 44.

تفسير سورة الماعون، ص: 27

لتلك الأخلاقية، و حافظة للمعرفة. قال تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «7».

و قال عز و جل يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ* «8».

أين دور الإنسان؟

و لعلك تقول: إن هذا يعني أن المعرفة و القيم الإنسانية و كذلك الحكمة، هي الأساس في صياغة شخصية الإنسان. فأين دور الإنسان نفسه و دور ملكاته في إنتاج الحدث، و في صنع المستقبل؟.

و يجاب عن ذلك: إننا نتحدث عن الوسائل و الأدوات، التي يحتاجها المصنع في إنتاج سلعته التي يتاجر بها مع اللّه، أو مع الشيطان. و لم نتحدث عن المصنع نفسه الذي هو الكيان، أو فقل الشخصية

______________________________

(7) سورة البقرة، الآية 269.

(8) سورة آل عمران، الآية 164. و الجمعة، الآية 2.

تفسير سورة الماعون، ص: 28

الإنسانية، التي خلقها اللّه تعالى فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ لو لا أنها هي التي تفرط بما و هبه اللّه إليها، فتبدأ بخسران ما حباها اللّه به، و تعود إلى أسفل سافلين، حيث قال اللّه سبحانه و تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «9» و قال أيضا: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ «10».

فإن اللّه عز و جل يعطي الإنسان كل ما يحتاجه، فهو يعطيه فطرة، ثم يعطيه عقلا، و قدرة، و غير ذلك من أمور تجعله في أحسن تقويم لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ...

و يقول له: إن أجهزتك

صحيحة، مضبوطة كأي جهاز آخر، و يقول له: إن باستطاعتك تشغيلها، و ستعمل بصورة صحيحة، إذا استعملتها حسب الأصول، أما إذا لم تحسن استعمالها، فالذنب ذنبك و سيحدث الخلل في أكثر

______________________________

(9) سورة التين.

(10) سورة العصر، الآية 4.

تفسير سورة الماعون، ص: 29

تحسن استعمالها، فالذنب ذنبك و سيحدث الخلل في أكثر من موقع، و تكاثر الخلل و يتسع إلى أن تسقط عن صلاحية الاستعمال.

لماذا الاستفهام: أ رأيت؟

و قد بدأت السورة بالاستفهام بالهمزة" أ رأيت"؛ فما هو المقصود و الغرض بالاستفهام هنا؟

و نقول في الجواب: إنه يمكن أن يكون ثمة عدة معاني يراد الإيحاء بها، من خلال استعمال هذا الاستفهام.

فيمكن أن يقال: إنه قد جاء على طريقة إياك أعني و اسمعي يا جارة، أي بهدف الإنكار على من يفعل ذلك، و توبيخه، و تحذيره.

و يمكن أن يقال إنه للتقرير، و التقرير يلاحظ من وجوه:

أحدها: أن هناك غرضا عقلائيا مقصودا من تقرير الطرف الآخر، و تسجيل اعترافه الصريح بأنه قد رأى ذلك، و التفت إليه.

تفسير سورة الماعون، ص: 30

الثاني: أن هذا التقرير يهدف إلى تنبيه الطرف الآخر، و إخراجه من حالة الغفلة و الذهول إلى حالة الوعي و الالتفات.

الثالث: المبالغة في التعجب من هذا الأمر، أَ رَأَيْتَ .. و ذلك بهدف المبالغة في إظهار بداهة الأمر و وضوحه إلى درجة أن كل إنسان لا بد أن يلتفت إليه.

الرابع: أن يراد تحذير الناس من هذا الأمر الخطير، و تهجينه بهذه الطريقة.

لماذا الاستفهام بالهمزة لا ب" هل":

و أما لماذا استعملت الهمزة في مقام الاستفهام، و لم تستعمل كلمة" هل" فلعله لأجل أن المراد هو الإلماح إلى شمولية الاستفهام عن جميع الحالات، و على جميع التقادير.

و كلمة" هل" ليست لها هذه الشمولية، لأنها حرف استفهام موضوع لطلب التصديق الإيجابي، دون التصور، و دون طلب التصديق السلبي، فلا يقال مثلا: هل لم يقم زيد. كما أن كلمة" هل" تستعمل بمعنى" قد" التي تفيد

تفسير سورة الماعون، ص: 31

الإثبات، علما بأن المورد هنا مورد النفي.

أما الهمزة فهي أصل أدوات الاستفهام، و ليست خاصة في شي ء من ذلك، فهي ترد لطلب التصور، مثل:

أزيد قائم أم عمرو. و لطلب التصديق، نحو: أزيد قائم.

و قد تخرج

عن الاستفهام الحقيقي ليراد بها التعجب، و التقرير، و الإنكار، و غير ذلك.

كلمة" رأى":

ثم استعمل في الآية الكريمة كلمة" رأى"؛ ليبين أن هذا الأمر على درجة من الوضوح حتى إنه ليرى بالعين، مما يعني أنه قد صار كأنه تجسد على صفحة الواقع، و في هذا ما لا يخفى من المبالغة القوية لإظهار وضوحه و ظهوره.

و ربما كان هو السبب في أنه تعالى لم يقل: أعرفت أو أعلمت، بل اختار كلمة:" أ رأيت" التي تستعمل عادة في الأمور المشاهدة و الظاهرة.

تفسير سورة الماعون، ص: 32

لماذا تاء الخطاب للمفرد؟

كما انه تعالى قد جاء بتاء الخطاب للمفرد، فقال:

" أ رأيت" فمن هو المخاطب بذلك يا ترى؟ هل هو النبي (ص)؟ أو كل عاقل يمكن أن يدرك هذه الحقيقة؟:

و نستطيع أن نجيب: بأن من الواضح: أن النبي (ص) هو رئيس العقلاء؟، و سيد البشر، فإذا كان الخطاب للعقلاء، فهو (ص) أولى بإدراك هذه الحقيقة.

فإذا كان الناس العاديون يرونها رأي العين، حتى كأنها متجسدة لهم، فكيف برسول اللّه (ص).

و هذا أولى من جعل الخطاب خاصا بالرسول (ص)، فقد يتوهم متوهم أن غيره (ص)، قد لا يدرك ذلك، فضلا عن أن يكون يراه.

الَّذِي

ثم انه تعالى لم يقل: أ رأيت من يكذب بالدين، بل قال: أَ رَأَيْتَ الَّذِي .. و لعل ذلك يعود إلى أن كلمة" من" تستعمل عادة في مثل هذه الموارد للعاقل، فلو أنه عبر

تفسير سورة الماعون، ص: 33

بها، فسيكون في ذلك بعض الإيحاء بأن من يتحدث عنه يملك عقلا و وعيا، مع أنه تعالى لا يريد أن يعترف لهذا المكذب بالدين، بشي ء من ذلك؛ لأنه لا يستحق هذا الوسام الشريف. و سيأتي حين الحديث عن كلمة الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ما لعله يفيد في هذا الموضع أيضا، فلا بأس بمراجعته.

يُكَذِّبُ

اشارة

و هو تعالى قال:" يُكَذِّبُ" بصيغة المضارع، و لم يقل:

كذب" بصيغة الماضي"، أو المكذب" بصيغة اسم الفاعل".

و لعل السبب في ذلك هو أن الفعل المضارع يفيد التجدد و الاستمرار، فكأنه تعالى يريد أن يفيد استمراره في ذلك، و أنه لم ينقطع عن هذا التكذيب، بل هو مصر عليه، و لم يزل يصدر منه مرة بعد أخرى.

كما أنه يريد أن يلفت النظر إلى اختيارية هذا الأمر، و أنه يصدر عن فاعله باختياره.

أما لو قال: أ رأيت الذي كذب" بصيغة الماضي" فلا يفيد استمرار التكذيب، فلعله حدث مرة و انته.

تفسير سورة الماعون، ص: 34

و كذا لو قال:" المكذب" بيوم الدين فإنها ليس فيها إشعار بصدور التكذيب منه باختياره، و لا تفيد أن هذا يتجدد منه باستمرار، و لم يزل يمارسه و يقدم عليه ..

الخوف من الدين:

ما المقصود بكلمة:" الدين". هل المقصود بها الجزاء؟ أم الإسلام؟ أم غير ذلك؟

و يمكن أن نرجح أن المقصود بالدين هو يوم الجزاء، لأن ما يخشاه هؤلاء الناس هو هذا الأمر بالذات، و قد قلنا في تفسير سورة هل أتى، في قوله تعالى بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ «11»: أن الإنسان إذا آمن بيوم الحساب و الثواب و العقاب فإن حياته ستنقلب رأسا على عقب. لأن معنى ذلك هو أن تصبح حركته مقيدة، و إرادته منقادة لإرادة من سيحاسبه، فيقول له:

" اعمل كذا لأثيبك، و إن عملت كذا أعاقبك"، مع أن

______________________________

(11) سورة القيامة، الآية 5.

تفسير سورة الماعون، ص: 35

الإنسان يريد أن يكون مطلق العنان، يعمل على هواه و يمارس ما يحلو له.

إن المشكلة عنده ليست في الاعتقاد بالإله، إذا كان هذا الإله لا شغل له معه. و ليس في الاعتقاد بالنبي، إذا كانت

النبوة مقاما، و ملكا، و منصبا دنيويا، همها المال، و الجاه، و النساء، و غير ذلك.

و قد كان المشركون على استعداد لأن يعطوا النبي (ص) كل ما يريد، من مال أو ملك، و نساء، و غير ذلك.

و لكن بشرط أن لا يقول لهم أن هناك آخرة و حساب و عقاب و ثواب، لأن ذلك يعني مصادرة قرارهم، و تقييد حرياتهم، و هم يريدون أن يكونوا أحرارا في دنياهم- حسب فهمهم- يدعون اليتيم، و لا يحضون على طعام المسكين، و يراؤون، و يمنعون الماعون، و عن صلاتهم يسهون، و يغفلون .. بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ.

و ربما يكون هذا مرجحا لأن يكون المقصود بالدين هو الجزاء في يوم الجزاء، و لعل هذا هو بعض ما يرمي إليه الإسلام من اهتمامه بالآخرة، و زيادة يقين الناس

تفسير سورة الماعون، ص: 36

بها، فشرع زيارة القبور، و قال: زوروا القبور تذكركم الموت و قال عن الصيام:" اذكروا بجوعكم و عطشكم جوع و عطش يوم القيامة"، إلى غير ذلك مما يفوق حد الحصر. مما يدل على اهتمام الإسلام بربط الإنسان بالآخرة، باعتبارها من أهم أسس الالتزام بالتشريع، و هي الوسيلة الأكثر فعالية في ضبط حركة الإنسان في الحياة، لأن الإيمان باللّه أولا و من ثم الإيمان أن هناك آخرة و يوما للحساب من شأنه أن يغير من سلوك الإنسان تغييرا جذريا يجعل المؤمن لا يستوي مع غيره أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ «12» ..

بِالدِّينِ

اشارة

و يبقى هنا سؤال، و هو: أنه لماذا قال: يُكَذِّبُ بِالدِّينِ و لم يقل:" يكذب بيوم الدين".

و الجواب: أن التكذيب بأصل الجزاء و الدين أشد قبحا و هجنة من التكذيب بيوم الدين.

و ذلك لأن هذا

______________________________

(12) سورة السجدة: آية 18.

تفسير سورة الماعون، ص: 37

الأمر يخالف المعايير العقلية و الفطرية، لأن معناه: أن يعتقد الإنسان بعدم وجود ضوابط و أسس بنيت عليها هذه الحياة؛ و لذلك لا يجاز المسي ء بإساءته، و لا يثاب المحسن بإحسانه، مع أن هذا هو المعيار الأساس فيما يرتبط بتعامل الناس مع بعضهم، و مع اللّه، و مع كل شي ء، لأن تكذيب أصل الجزاء، و أن يكون هناك قيمة للعمل: مثوبة، إذا كان حسنا، و عقوبة، إذا كان قبيحا- إن هذا التكذيب- إنما يعني هدم أساس الحياة.

و هذا أخطر ما يمكن أن يواجهه الإنسان في حياته.

و هو أن لا يبقى هناك ضابطة لما يقوم به، و يصبح عمله منطلقا من غرائزه، و شهواته، و تخيلاته. و بذلك يصير العمل عشوائيا، و تفقد القوانين و الشرائع الإلهية و كذلك القيم قيمتها، و تفقد حتى القوانين البشرية فعاليتها.

و يسقط كل شي ء، و لا يبقى ما يحكم حركة الإنسان و سلوكه في الحياة.

و لو أنه تعالى قال:" يكذب بيوم الدين" فقد يتخيل أن هذا لا يعني التكذيب بنفس الجزاء، و بالدين، باعتبار أن الجزاء حتى لو كان ثابتا، لكن ليس بالضرورة أن

تفسير سورة الماعون، ص: 38

يكون في الآخرة، فقد يكون في دار الدنيا، و قد يكون فيهما معا.

كما أن صور الجزاء قد تكون مختلفة، فقد يجازيه بالمرض، أو بالهم، و بالتضييق عليه بالرزق.

و قد يكون بالاقتصاص العلني الفاضح، و بغير ذلك.

و الخلاصة: أن التكذيب بوجود يوم محدد، يحاسب فيه الإنسان على فعله لا ينافي الاعتقاد بأصل وجود الجزاء.

فاليهود يرون أو يرى قسم كبير منهم على الأقل:

أن جزاء الأعمال إنما هو في هذه الدنيا، في واد يسمى

وادي الهلاك، حيث يتعرض الإنسان فيها لمصائب و مصاعب، أو نحوها. أما الآخرة بما لها من تفاصيل كوجود جنة و نار، و حساب و ثواب، و صراط، و شفاعة، و غير ذلك فإنهم لا يعتقدون بذلك.

و لأجل ذلك أحب اليهود هذه الحياة الدنيا كأشد ما يكون الحب، و كانوا أحرص الناس على حياة مهما كانت تافهة و حقيرة و ذليلة. و لأجل ذلك أيضا وضعوا تعاليم تبيح لهم ارتكاب كل جريمة و عظيمة.

تفسير سورة الماعون، ص: 39

أسلوب تهجين:

ثم إن نفس أن يستعمل كلمة" الذي" دون كلمة" منى" الموصولية، ثم أن يكون الاستفهام بالهمزة، ثم اختيار كلمة" رأيت"، و تاء الخطاب، و غير ذلك مما تقدم، إن هذا كله يهيئ إلى أن ينفر الإنسان من هذا الشخص، و أن يستقبح و يستهجن صدور ذلك منه.

تفسير سورة الماعون، ص: 41

تفسير قوله تعالى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ

اشارة

وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ

تفسير سورة الماعون، ص: 43

السقوط المريع:

ثم أراد سبحانه استثمار هذه الحالة، بتجسيده نتيجة هذا التكذيب بالدين، فيما ذكره بقوله: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ حيث ظهر أن من يكذب بالدين سينتهي به الأمر إلى رفض المثل و القيم. و يتجلى ذلك في أنه يدع اليتيم، الأمر الذي يدل على فقدانه للعواطف الإنسانية، التي هي من أهم لوازم الوعي و المعرفة، نتيجة يقظة الضمير، و نبضات الحياة في المشاعر.

فالذي يكذب بالدين، ليس فقط لا يتورع عن الإساءة إلى اليتيم، بصورة عابرة، بل هو يندفع إلى اليتيم، و يلاحقه ليوصل إليه الأذى، حيث يدعه، أي يدفعه بعنف.

مع أن هذا اليتيم هو إنسان قد أقبل عليه، و رمى نفسه في أحضانه، فالمفروض بحسب خلقيات البشر أن

تفسير سورة الماعون، ص: 44

يحتضنه، و يرحمه؟، و يخفف من آلامه، و إذا به ليس فقط لا يرحمه، و لا يحتضنه، و لا يمسح دمعته، و لا على رأسه، و إنما يعامله بقسوة و عنف. متجاوزا القول إلى الفعل باستعمال قوة الجوارح، و شراسة الطاغي، فيلحق بنفسية اليتيم الأذى، و يحدث عنده صدمة مدمرة، لأنه لا يرى في نفسه أنه أساء إليه، أو اعتدى عليه.

فاء التفريع؟ أم فاء الفصيحة؟

و عن الفاء في قوله: فَذلِكَ، نقول: هل هي للسببية؟ أم فاء الفصيحة؟ فإن كانت للسببية صار المعنى: أن التكذيب بالدين ينتج عنه دع اليتيم؛ فالسبب هو التكذيب بالدين، و المسبب و الناتج هو دع اليتيم.

أما إذا كانت الفاء هي فاء الفصيحة، فهي تشير إلى هذه السببية بطرف خفي. فإن فاء الفصيحة أو الفضيحة- هي التي تفصح عن شرط مقدر؛ فكأنه قال:

أ رأيت الذي يكذب بالدين؟ إن كنت لم تره فنحن نريك إياه، إنه الذي يدع اليتيم، و لا يحض الخ .. و

في ذلك

تفسير سورة الماعون، ص: 45

إشارة إلى أن هذا الأمر لا ينسجم مع التفكير السليم، و لا مع الفطرة المستقيمة، و هو أمر لا يعرفه الناس، بل هم إذا رأوه ينكرونه.

و إنما سمي المنكر منكرا، لأنه لا يعرفه الإنسان المؤمن و لا يألفه، و لا يليق بأن يفكر فيه، أو أن يحضره في ذهنه. و المعروف هو الذي يألفه و يعرفه بعقله، و وعيه، و مشاعره، و فطرته، و يميل إليه، و ينسجم معه.

و إذا ارتكب البعض هذا الأمر المنكر و المرفوض من قبل العقل و الفطرة، و المشاعر، فإن الناس سيلتفتون إليه، و ينكرونه لأنه غير مألوف لهم، و لأنه يصادم فطرتهم، و عقلهم، و مشاعرهم.

البعد عن ساحة الكرامة:

و قد جاء بكلمة" ذلك" للإشارة إلى المخاطب البعيد أكثر من المعتاد: لأن كلمة ذاك للبعيد، و ذلك للأبعد.

فيرد هنا سؤال هو: إن كلمة" رأيت" فيها إلماح إلى قرب ذلك الذي يتحدث عنه، لأنه على مرأى و مسمع منه، حتى أنه يقول للمخاطب،" أ رأيت".

تفسير سورة الماعون، ص: 46

و الإشارة بكلمة ذلك صريحة في بعده عن ساحة القرب أكثر من المعتاد، فكيف نجمع بين الأمرين؟.

و الجواب: إن كلمة" رأيت" تشير إلى أن من يدع اليتيم، لا يخجل بفعله، بل هو يتجاهر به، و كأنه من الأمور العادية عنده، حتى إنه ليراه القريب و البعيد يفعل ذلك.

و استعمل اسم الإشارة للأبعد، للتأكيد على إرادة تحقير هذا الشخص، و أنه منبوذ عن مقام التشريف و الكرامة، و لا يستحق أن يكون في محضر الناس الذين يحترمون أنفسهم، لأنه شخص رذل، سفيه، منحط في أخلاقه. و لأجل ذلك لم يقل: فهو الذي يدع اليتيم، و لا قال: فذا الذي، و

لا قال: ذاك الذي، بل استعمل الإشارة للأبعد، فقال:" ذلك"، لإظهار المبالغة في إبعاده عن مقام الكرامة، لأنه لا يملك صفات تؤهله لأن يكرم.

المقصود بالبيان هو الصلة و ليس الموصول:

ثم أنه تعالى قال:" الَّذِي يَدُعُّ" فأتى باسم الموصول، و لم يأت بالاسم الظاهر، أو بالضمير لأجل التنصيص

تفسير سورة الماعون، ص: 47

على الصلة. و ذلك لأنك تارة تريد أن تعرف شخصا، كزيد مثلا، فتقول: هو شاب أبيض اللون طويل، الخ ..

من دون أن يكون لهذه الأوصاف أية قيمة سوى أنها تعرف مخاطبك به، و تميزه له عن غيره.

و مرة يكون المقصود هو التعريف بأوصافه، أو أفعاله، حيث يراد التنفير منها و الردع عنها، فتقول: هو قاس، ظالم، منحرف، يدع اليتيم، و يكذب بيوم الدين، من دون أن يكون لك غرض بالشخص، من حيث طوله، و عرضه، و اسمه، و عنوانه، و لا تريد تمييزه عن غيره.

فالمقصود هو صلة الموصول و هو أنه منحرف، و قاس، و يدع الخ .. و ليس المقصود نفس الموصول.

فيصح منك- و الحالة هذه- أن تتحدث عنه بواسطة الإشارة بذا، ثم الحديث عنه بالموصول، و ذلك من أجل التوصل إلى تقبيح فعله، و إدانة ما يصدر منه من تصرفات، و تسجيل تحفظ على هذا النوع من الاتجاه الانحرافي، و التفكير المريض.

تفسير سورة الماعون، ص: 48

يدع اليتيم:

و نلاحظ هنا: أن اللّه سبحانه و تعالى لم يقل: يدفع اليتيم، أو يرد اليتيم، و إنما قال: يدع اليتيم. و الدع هو الدفع بجفاء و قسوة، و عدم احترام.

و من الواضح: أن أقصى درجات سوء الخلق هو أن تدفع يتيما عنك، و هو مقبل عليك، بكل أمل و رجاء- نعم تدفعه- بقسوة، و عنف، و بدون احترام.

و لو أنه تعالى قال: يدفع اليتيم، لاحتمل السامع أن يكون قد دفعه برفق، فإن مجرد دفعه لا يدل على أنه لا يحترمه، أو لا يعطف عليه، فلعله

دفعه، لأنه لا يريد، أو لا يستطيع أن يلبي طلباته.

و لكنك حين تقول: يدع، فإن معناه: أنه يتصرف تصرفا مسيئا و مشينا على جميع الاحتمالات، و ذلك لما يتضمنه من عنف و قسوة، و هذا لا يناسب حالة اليتيم، و لا ينسجم مع عنوان اليتيم، الذي يستبطن حالة الحاجة إلى العطف و إلى الاحتضان، و يشير إلى أن إقباله على ذلك الشخص هو إقبال اليتيم، و ليس إقبال الطاغي،

تفسير سورة الماعون، ص: 49

و الباغي ..

الأمر ليس مجرد حدث قد مضى و انقضى:

ثم إنه تعالى لم يقل: فذلك الذي دع اليتيم، ربما لأنه يريد أن يبين أن هذا الفعل مما جرت عليه عادته و سيرته، فهو حالة مستمرة الصدور منه. فكأن هذا العمل يصدر منه عن طبيعة و خلق، الأمر الذي صحح الإشارة إلى هذا الاستمرار الطبيعي بواسطة الفعل المضارع.

من هو اليتيم؟!

و اليتيم هو إنسان: لم يبلغ الحلم، قد فقد أباه الذي يكفله، و يدبر شؤونه من موقع المحبة و الدراية، و الحكمة.

أما من يفقد أمه فلا يقال له يتيم في المصطلح الشرعي.

فاليتيم إذن يحتاج إلى راع، و كفيل يعامله معاملة

تفسير سورة الماعون، ص: 50

إنسانية، و يحتاج إلى رفق و حنان، و عاطفة ليعوضه عمل فقده، و يسد له خصوص هذا النقص، و يدبر أموره بحكمة، و بدافع عاطفي إنساني.

فإذا توجه هذا اليتيم إلى من يأمل فيه ذلك، فواجهه بالقسوة و العنف، فكيف ستكون حاله، و كيف يمكن وصف مشاعره و انفعالاته في تلك اللحظات.

فالذي يدع اليتيم يفقد الدافع الإنساني و الشرعي لمساعدته، و الرادع الخلقي و الشرعي عن الإساءة إليه، فهو لا يملك مشاعر إنسانية، و لا عاطفة لديه، و لا يشعر بآلام غيره، و لا يحس بالمسؤولية الشرعية، و لا يرى أن هناك جزاء على فعله، و لا يخاف من حساب و لا عقاب و لا عتاب، و من يكون كذلك، فأي شي ء يمنعه من الإيذاء و الاعتداء على الآخرين و الإساءة إليهم، و لماذا لا يتلذذ بزيادة آلام المعذبين، و التشفي بهم؟!.

منتهى السقوط البشري:

ثم إنه تعالى قال: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فأشار سبحانه هنا إلى أدنى درجة انحط إليها

تفسير سورة الماعون، ص: 51

هذا الإنسان في تعامله مع اليتيم، و ذلك لأن هناك نوعان من الناس:

الأول: ذلك الإنسان الذي يرفض إطعام المسكين، لسبب أو لآخر- مثل حاجته هو إلى طعامه، أو إلى ماله، أو لشح نفسه به. و لكننا نتوقع منه أن يعمل على تهيئة من يطعم هذا اليتيم، انطلاقا من شعوره الإنساني و إحساسه بآلامه و تشجيعا منه لآماله.

الثاني: الإنسان الذي لا

يحض على طعام المسكين حتى أصبح ذلك ظاهرة في حياته، و سلوكا طبيعيا له، مما يعني أنه فاقد للعاطفة الطيبة، خصوصا و أن الذي يحتاج إلى هذا الطعام ليس مجرد فقير عادي، بل هو فقير إلى درجة أن فقره أسكنه عن الحركة، و أقعده عن طلب الرزق، و منعه من السعي و الظهور، الأمر الذي يعني أن ما يحتاجه هو مما تقوم به حياته، و ليس هو لمجرد التوسعة، و الخروج من حالة الضيق العادي.

المسكين:

و يلاحظ: أن كلمة مسكين لا تخلو من الإلماح إلى

تفسير سورة الماعون، ص: 52

التكثير أيضا؛ لأنها جاءت على طريقة صيغ المبالغة؛ فهي على وزن كلمة" منطيق"، بل قد يدعى أنها مثل كلمة:" شريب، و سكيت، و ضليل".

و قد قال ابن قتيبة:" ما كان على (فعيل) فهو مكسور الأول، لا يفتح منه شي ء، و هو لمن دام منه الفعل نحو رجل (سكير) .." إلى أن قال:" و لا يقال ذلك لمن فعل الشي ء مرة أو مرتين، حتى يكثر منه، و يكون له عادة" «13».

و خلاصة الأمر:

إنه إذا كان التعبير بكلمة" مسكين" يشير إلى أن فقر هذا الإنسان قد ظهر و بدا عليه في سماته، و في حركته و مظهره؛ فعدم الحض على طعامه يظهر مدى قسوة قلب الذي ليس فقط لا يطعمه، بل هو لا يشجع على إطعامه و لا على إرجاع طعامه إليه، و لم يتحرك قلبه تجاه ما يراه من حاجته و بؤسه.

______________________________

(13) النحو الوافي: ج 3، هامش ص 259.

تفسير سورة الماعون، ص: 53

فاتضح: أن هذا الأمر الذي قد لا يلفت نظر أحد، قد أرشدنا إلى حقيقة مهمة تكمن في شخصية الإنسان، و هي أنه يفقد شيئا مهما جدا و أساسيا في الحياة. حتى و إن لم يفعل شيئا مؤذيا للمسكين، حيث إنه لم يضربه، و لم يشتمه، و لم يمنع أحدا من إطعامه، و لم يبادر إلى دعه و دفعه بقسوة، نعم .. رغم ذلك فقد تحدث القرآن عن أن هذا الموقف اللامبالي هو أيضا من مظاهر التكذيب بالدين، تماما كما هو الحال في من يدع اليتيم.

لماذا بصيغة المضارع؟

و أما لماذا قال:" يحض" بصيغة المضارع، و لم يقل" حض" بصيغة الماضي. فلعله ليظهر أن هذا الشخص مستمر على هذا الأمر دائب عليه، حتى ليبدو أنه سجية له. مما يكشف عن أنه لا يملك مشاعر، و مواصفات إنسانية، و معنى أن يكون الإنسان مسلما:

أنه يتحلى بالميزات الإنسانية، من شجاعة، و كرم، و صدق، و وفاء، و غيرها .. كما أن معنى كونه مسلما:

أنه يملك المشاعر الجياشة، و العاطفة الفياضة، و كل ذلك

تفسير سورة الماعون، ص: 54

يتناقض مع كل صفات الرذيلة و السوء و الشر، و يحتم التخلص منها.

الشخصية المتوازنة:

ثم إن المشاعر و الأخلاق، و الحالات النفسية للإنسان لها دور أساس و حساس في تدينه، و قد قلنا: إن السبب الذي دفع فرعون ليدعي الربوبية هو استكباره، و هو حالة أخلاقية، و كذلك إبليس.

و بسبب عدم الالتفات إلى هذه الحقيقة فقد يخطئ من يقرأ حياة رسول اللّه (ص)، و حياة الأئمة (عليهم السّلام) في تفسير بعض ما يصدر عنهم (ع)، أو يشكل عليه فهمه، و فهم مراميه، و مقاصده، و مغازيه.

فما أكثر ما نجد في سيرة النبي (ص) أو الإمام علي عليه السّلام أنه قد بكى لهذا الحادث، أو لذاك، الأمر الذي يثير أسئلة ملحة عن السبب في ذلك، فهل سببه هو أن مشاعره مرهفة، و عواطفه جياشة و حساسة إلى هذا الحد؟ كيف و نحن نجد أن هذا النبي يصمد هو و وصيه في وجه جيش بأكمله، يتحرق ليقطعهما إربا، إربا، حتى

تفسير سورة الماعون، ص: 55

إن بعض نساء ذلك الجيش، و هي هند أم معاوية، قد استخرجت كبد عمه الحمزة، و حاولت أن تأكل منه.

أما ابن عمه علي عليه السّلام الذي كان

يبكي لأي مشهد عاطفي يواجهه، فإنه ذلك الرجل القوي، و الحازم، و الشجاع، الذي يقتل في ليلة الهرير مثلا خمس مائة و ثلاثة و عشرين رجلا، و هو الذي اقتلع باب خيبر و قتل مرحب اليهودي، و كان قد قتل عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق.

أما الإمام الحسين عليه السّلام الذي بكى في أكثر من مقام في كربلاء فيحارب ثلاثين ألفا بسبعين رجلا من أصحابه، ثم يذبح طفله الرضيع على يديه من الوريد إلى الوريد، فيتلقى دمه بكفه و يلقي به نحو السماء، و يقول:

هون ما نزل بي أنه بعين اللّه «14» .. فكيف نفسر هذا البكاء، و هذه الرقة هنا، و هذا الحزم و تلك الشدة هناك؟.

و في مقام الإجابة على هذا السؤال نقول:

إن البكاء ليس دليل ضعف؛ لأن اللّه عز و جل، من خلال الفطرة و الإيمان، و العلم و العمل، قد جعل شخصية النبي

______________________________

(14) مقتل الحسين للمقرم: ص 331- 333 عن مصادر كثيرة.

تفسير سورة الماعون، ص: 56

(ص) و الإمام علي عليه السّلام، و كل مؤمن، شخصية متكاملة و متوازنة. و لا يمكن أن نفسر بكاء الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء في العديد من المناسبات، على أنه بكاء ضعف و انهزام، لأنه عليه السّلام قد سجل في كربلاء أروع صور البطولة و الفداء بنفسه و بأهل بيته و أصحابه حتى لم يبق منهم أحد .. ثم أقدم على الشهادة مع علمه بسبي نسائه و أطفاله، فلو أن الحياة الدنيا كانت هي هدفه عليه السّلام، فقد كانت الخيارات الأخرى مفتوحة أمامه.

إن الحقيقة هي: أن هذا البكاء ليس بكاء ضعف، و إنما هو بكاء القوة، و بكاء الإنسانية و العاطفة، تتجلى في

سمات الشخصية المتوازنة، التي صنعها الإسلام بالإيمان و العمل الصالح، و المعرفة باللّه عز و جل، و في دائرة التربية و الرعاية الإلهية لأصفيائه و أوليائه.

فبكاء النبي (ص) و الولي عليه السّلام، و كل مؤمن، هو دليل كماله، و دليل و اجديته للمشاعر الإنسانية التي يريد اللّه له أن يتحلى بها، و على أن لديه الخشية من اللّه، و على أنه يشعر بآلام الآخرين، لأن اللّه هو الذي يريد منه ذلك.

تفسير سورة الماعون، ص: 57

جمعت في صفاتك الأضداد:

ثم إنك حين تكون شجاعا، قويا، و حازما و وفيا، و ..

فلأن اللّه يريد أن تكون كذلك. و ليس ثمة أي تناقض فيما بين هذه الحالات و بين حالات الرقة، و الرأفة، و الانفعال العاطفي، إلى درجة البكاء، حين يكون ثمة ما يقتضي ذلك. بل هي منسجمة تمام الانسجام، و في كمال الوفاق و الوئام.

و أما قول صفي الدين الحلي رحمه اللّه في علي عليه السّلام:

" جمعت في صفاتك الأضدادفلهذا عزت لك الأنداد"

فما هو إلا قول شاعر، أراد أن يجري كلامه وفق ما ألفه الناس و اعتادوه، أو ما اختاروه لأنفسهم و أرادوه.

الإنسان يختار إنسانيته:

و الإسلام يريد لهذا الإنسان أن يستأنف سيره التكاملي، و يحصل على المزيد من المكاسب في هذا

تفسير سورة الماعون، ص: 58

الاتجاه بواسطة الإيمان و العمل الصالح، و بالصبر على مكابدة ذلك. و الذي لا يحض على طعام المسكين قد انتهت به الأمور إلى درجة أنه لم يعد يتفاعل مع الأشياء، و لا يتأثر بما تختزنه من حوافز. فبأي شي ء يتكامل إذا؟ و كيف يحصل على الميزات الإنسانية التي يريد الإسلام أن يوجدها فيه، فإن اللّه لا يجبر أحدا على اختيار ميزاته الإنسانية، بل الإنسان هو الذي يبادر إلى الحصول عليها، بجهده و تعبه، و بمل ء إرادته. فهو يولد على الفطرة، و هي صفحة بيضاء نقية، كالمرآة، و قد تتعرض للتلوث لسبب أو لآخر، و لكنها تلويثات تبقى قابلة للإزالة، و يتوجه التكليف إليه هو بالذات ليتولى ذلك، و ليصونها من أي طارئ آخر.

ثم أنه مما آتاه اللّه من عقل، و إرادة، و اختيار، و مما زوده به، أو وضعه تحت اختياره من إمكانات، يستفيد منها وفقا للتكليف الشرعي، المنطلق من المعرفة،

يصبح قادرا، و مكلفا ببناء شخصيته، و الحصول على خصائصه و ميزاته الإنسانية بجهده، و عمله الدائب، و بإرادته، و اختياره.

تفسير سورة الماعون، ص: 59

و بذلك يفترق الإنسان عن الحيوان الذي لا اختيار له في ما يرتبط بصفاته و ميزاته الحيوانية، لأن اللّه قد خلقه كاملا في ذلك، و يبقى كذلك.

طعام أو إطعام:

و أما لماذا قال:" على طعام" و لم يقل:" على إطعام المسكين"؟.

فالجواب: هو أن هذا الإنسان الذي عبر عنه القرآن هنا بالمسكين؛ قد انته به الفقر إلى درجة أنه أسكنه عن الحركة، و أذله.

و قد قرر اللّه له في أموال الناس حقا معلوما، للسائل و المحروم.

و هذا المسكين هو أصدق و أظهر المصاديق لذلك القرار الإلهي، فلماذا لا يأخذ أمواله التي جعلها اللّه له؟!.

إذن فقول اللّه عز و جل: لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ و لم يقل:" على إطعام المسكين" ليعرفنا أن هذا الطعام هو طعامه، قد ملكه اللّه إياه، فهو دين له عندنا، فإذا أخذه فإنه قد أخذ ماله، و لم يأخذ مال أحد من الناس.

تفسير سورة الماعون، ص: 60

و لو أنه عبر بإطعام لم يدل ذلك على أن الطعام له، فلعل الطعام للناس، و نحن نطلب منهم أن يبذلوه له، على سبيل الهدية أو الصدقة الحسنة منهم، انطلاقا من كرم أخلاقهم!!.

و إذا كان هذا الطعام ملكا للمسكين، فلا يحق لأحد أن يمتن به عليه، و لا حتى أن ينتظر منه الجزاء، أو الشكر عليه، فهل يصح الامتنان على الإنسان بما هوله؟!

و بعد ما تقدم نقول:

أي قلب قاس، هذا الذي لدى إنسان ليس على استعداد حتى لأن يحض غيره على طعام هو ملك و حق للمسكين نفسه، أي على أن يبذلوه له. و لعله

لم يورد كلمة" بذل" و أوقع الحث على الطعام مباشرة من أجل الإشارة إلى لزوم التسريع في البذل و الإيصال المباشر إليه لمسيس حاجته إلى هذا الطعام. فلا مجال للتأخير، و لا لأن يفصله عنه زمان حتى و لو زمان تلفظ بكلمة واحدة هي كلمة" بذل". و لذلك قال: و لا يحض على طعام و لم يقل على بذل طعام.

و بعد ما تقدم نقول:

تفسير سورة الماعون، ص: 61

إذا كان حال المسكين هو هذا، فأي قلب لدى هذا الإنسان الذي ليس على استعداد حتى لأن يحث غيره على إعطاء الحق إلى صاحبه، رغم أن الحق هو من جنس الطعام الذي به قوام الحياة، و رغم أن صاحب الحق هو إنسان قد بلغ به الفقر حدا أسكنه عن الحركة، و أخمد نبضات الحياة فيه.

نعم .. لقد بلغت الصلافة و القسوة بهذا المكذب بالدين حدا خطيرا .. و مرعبا .. فلن تجد لديه أي أثر للمشاعر الإنسانية و للأخلاق النبيلة، و يكفيك شاهدا على ذلك، أنه ليس على استعداد لأن يتفوه و لو بكلمة واحدة تحث غيره على إيصال مال الناس إليهم، حتى و لو كان صاحب المال مسكينا، و كان ماله من جنس الطعام. فهل يمكن و الحال هذه أن نتوقع منه أن يسخو بمال نفسه على أي إنسان آخر؟ مهما كانت حالة ذلك الإنسان بالغة السوء و الهوان؟!.

الحديث عن حالة إنسانية:

و نلفت الانتباه إلى أن اللّه عز و جل قد تحدث هنا عن

تفسير سورة الماعون، ص: 62

خصوص الحالة الإنسانية، و لم يتحدّث عن الاندفاع إلى مساعدة المسكين بدافع التقرّب إلى اللّه سبحانه، ربما لأنه يفقد هذا الدافع؛ لأنه لا يخاف اللّه، و إنما يخاف من العصا، و

إذا كان لا يؤمن بجزاء و لا بحساب و لا بعقاب و لا بيوم دين، فليس ثمة من عصا يخافها.

و ربما كان هذا هو السبب في أنه تعالى قد أبرز الصفة الأشد سوءا لديه و هي كونه يفقد العاطفة الإنسانية، و المشاعر النبيلة التي لا يخلو منها بشر- بحسب العادة- حتى و لو لم يكن مؤمنا، إلّا أن المكذّب بالدين هو الذي يفقدها.

لا يكفي الاستدلال:

و قد ظهر مما تقدّم: أن التكذيب بالدين، يفقد الإنسان خصائصه الأخلاقية، و الإنسانية، أو يضعفها، الأمر الذي يؤدي إلى أن تضعف في نفسه المشاعر و الأحاسيس و القيم. و هذا بدوره يؤدي إلى صعوبة التسليم و الانقياد للّه عز و جل، حتى لو قامت الأدلة عنده على الألوهية و التوحيد.

تفسير سورة الماعون، ص: 63

تفسير قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ

اشارة

تفسير سورة الماعون، ص: 65

المكذب بالدين لا ينتفع بأفضل أعماله:

ثم قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. و لنبدأ حديثنا في هذه الآية عن الفاء، فهل هي للسببية أو للتفريع؛ فإن كانت للسببية، كان المعنى: أن من يفعل تلك الأمور يصير إنسانا سيئا إلى درجة أن تنقلب حسناته، و أشرف و أفضل أعماله إلى سيئات، مع أنها يفترض أن تسهم في تهذيب نفسه، و ترسيخ كمالاته، و تصفية روحه، و تأكيد فضائله .. حتى أن صلاته، التي يفترض أن تكون معراجه إلى اللّه، و وسيلة القرب إليه عز و جل، و تسهم بتطهير نفسه، تصبح في خدمة الرذيلة، حين يستعملها لخدمة الأهداف السيئة، و معولا يستعمله في هدم فضائله و كمالاته، و مروءته، و شرفه، فهو يرائي بصلاته، و بأعماله الصالحة ليخدع الناس، و يكيدهم بها، و ليتوغل في

تفسير سورة الماعون، ص: 66

المعصية، و ليسي ء إلى الآخرين، فيسلب أموالهم، و يتسلط عليهم، و يتوصل بها إلى ارتكاب الموبقات، التي تلوث روحه و تهدم شخصيته الإيمانية و الإنسانية.

حب الدنيا هو السبب:

و الذي مهد لذلك هو: أن السبب في دع اليتيم، و عدم الحض على طعام المسكين، هو حب الدنيا، و سيطرة الشهوات، و الأهواء عليه، و ضعف أو عدم إيمانه بالدين و الجزاء. فيسر له ذلك التظاهر بالصلاة، لكن لا ليتقرب بها إلى اللّه لضعف الدافع لديه إلى ذلك، بسبب فقده الإيمان بالجزاء حتى لو اعتقد باللّه، فأنه اعتقاد لا أثر له إذا كان لا يخاف من حسابه و لا من عقابه، بل هو حتى إذا تظاهر بأنه أراد اللّه يعمل من أعماله، فإنما يريده كأداة توصله إلى شهوات الحياة الدنيا.

و على هذا الأساس فإن دعه لليتيم، و غير ذلك مما يشبهه، سوف ينشأ عنه الغفلة و السهو عن

الصلاة، التي يريد أن يسي ء بها إلى الآخرين، و يستخدمها وسيلة

تفسير سورة الماعون، ص: 67

للوصول إلى مآربه، حسبما ألمحنا إليه فيما تقدم.

الأولوية الظاهرة:

هذا كله، لو كانت الفاء في قوله:" فصل" للسببية، أما إذا كانت للتفريع، بمعنى أنه إذا كان هذا يدع اليتيم، و .. فإن صدور الإساءة منه المتجسدة بغفلته عن صلاته، و عدم الاهتمام بها، تكون بطريق أولى. لأن كلا الأمرين يعود إلى منشأ واحد و لو لم يكن أحدهما سببا للآخر.

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ

و قد ورد في بعض الروايات: أن كلمة:" ويل" اسم واد في جهنم، فيكون المعنى: أن اللّه أعد هذا الوادي لهؤلاء الناس الذين يسهون عن صلاتهم، و يراؤون و يمنعون الماعون.

و يلاحظ: أنه تعالى قد انتقل من الحديث عن آثار الذنوب إلى الحديث عن العقوبة أو عن الحالة المخزية

تفسير سورة الماعون، ص: 68

و النتيجة التي ينتهي إليها من يدع اليتيم، و من لا يحض على طعام المسكين، حيث ينتهي به الأمر إلى أن يستخدم حتى صلته مع اللّه في الإساءة إلى الناس و إلى نفسه، حيث يدمر خصال الخير فيها. فمن انته به الأمر إلى هذا الحد كيف ستكون حاله، و ما هو مآله، فهل سوف يقتصر سوء فعله على دع اليتيم، و عدم الحض على طعام المسكين؟ أم أنه سوف يترقى في إجرامه إلى ما هو أعظم و أخطر من ذلك، على نفسه، و على المجتمع.

و في نطاق الجرأة على إله العباد؟.

إبهام العقوبة، لماذا؟

و يلاحظ هنا: أنه يوجد نوع من الإبهام للعقوبة التي تنزل بهذا النوع من الناس، حيث اكتفى بالإشارة إلى أنهم سيواجهون واديا في جهنم اسمه" ويل".

و لو أخذنا جانب الإطلاق في كلمة" ويل"، و فسرناه بما يوجب الحرب و الويل، و المصائب و البلايا، فإننا نجد أنه لم يذكر ما هو حجم العقوبة و لا حدد نوعها. فهو لم يقل:

أنه سيعذبهم بعذاب جهنم، أو أن لهم مقامع من

تفسير سورة الماعون، ص: 69

حديد، أو أنه سيطعمهم من الزقوم و الضريع الخ .. بل ترك الأمر مبهما فيما يرتبط بما سيواجهونه من مصير ..

فقد يقال: إن هذا الإبهام قد قصد به التهويل بالأمر و تعظيمه ليذهب تفكير الإنسان و خياله في تصور هول هذا العذاب أو هذا المصير المشؤوم إلى أي مدى شاء؛ بحيث لا يريد أن يضع لتصوراته أي حدود أو قيود ..

و قد يكون سبب هذا الإبهام (إذا فسرنا الويل بالمصائب و البلايا) أنه يريد أن لا يتحدث عن عذابهم بصورة تفصيلية، فاكتفى بإثبات المصاب العظيم لهم، و لم يحدد كونه في الآخرة أو في الدنيا، و لا غير ذلك من خصوصياته و حالاته. و ذلك مسايرة منه للتخيل الحاصل لهم؛ لأنهم يكذبون بالدين، فإن إبهام العقاب، و كميته، و نوعه، و موقعه: أين، و كيف، و ما هي وسائله، و مراحله، يتناسب مع ما يدور في خلدهم، و مع الذهنية التي يعيشونها؛ و ذلك ليفهمهم أن تكذيبهم بالدين لا يحل مشكلتهم، و لا ينجيهم من عقابه سبحانه و تعالى.

تفسير سورة الماعون، ص: 70

لماذا ذكر خصوص الصلاة؟

قلنا سابقا: إن الصلاة هي أشرف، و أسمى، و أفضل أعمال الإنسان. و هي عنوان إسلامه، و هي عمود الدين، و هي التي تربي و تنمي، بل هي كالنهر الذي يكون أمام دارك، فتغتسل منه خمس مرات كل يوم؛ فمن يغتسل خمس مرات يوميا من نهر الصلاة، لا يحتمل في حقه أن يكون فيه أثر للتلوث، الذي إنما يكون في المستنقعات، حيث الراكد القليل، أما النهر الذي يتدفق باستمرار، و يتغير باستمرار، فلا مجال لذلك فيه. فإذا اغتسل فيه

الإنسان كل يوم خمس مرات، فكم يكون نظيفا و طاهرا؟ و إذا كان هذا هو حال الصلاة الواجبة، فكيف إذا زاد عليها النوافل اليومية و غيرها.

فمن يضيع هذه النعمة و الرحمة، و يحولها إلى عذاب و نقمة، حتى ليصلي و إن صلاته لتلعنه، أو أن صلاته تلف في خرقة، و يضرب بها وجهه، نعم، إن ضيع نعمة الصلاة التي هي خير موضوع فهل تراه سيحفظ غيرها من النعم التي لا تدانيها في ذلك؟!

تفسير سورة الماعون، ص: 71

ساهون عن صلاتهم أم في صلاتهم:

و يلاحظ: أنه تعالى قد قال هنا: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ و لم يقل .. في صلاتهم .. لأن الإنسان قد يسهو في صلاته: الكبير و الصغير، و العالم و الجاهل، و المرأة و الرجل. لكن هؤلاء يدخلون في صلاتهم قاصدين للتقرب بها، ثم يعرض لهم سهو في بعض أجزائها. إلا أن السهو عن أصل الصلاة حتى كأنه لا يفطن لوجودها من الأساس، رغم أنه يمارس حركاتها؛ يبقى هو الأخطر، و الأسوأ و الأدهى.

للمصلين: بصيغة اسم الفاعل:

هذا، و قد قال سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ بصيغة اسم الفاعل، و لم يقل:" للذين يصلون" بصيغة الفعل الذي يدل على الحدوث و التجدد، و لعله ليشير إلى أنهم ثابتون في هذا الاتجاه، فإن صلاتهم و إن كانت مستمرة و لكن سهوهم عن الصلاة أيضا مستمر- سهوهم عنها لا

تفسير سورة الماعون، ص: 72

سهوهم فيها- كما أشرنا إليه.

و قد يحدث للإنسان في بعض المناسبات أن يسهو عن بعض شأنه، لانشغال باله بأمر عارض، و لكن أن يستمر على هذا السهو فهو مصل دائما، و ساه عن صلاته دائما. فذلك يمثل الغاية في سوء التوفيق، و يعبر عن مدى خذلان اللّه له، و بعده عنه.

الصلاة: بصيغة المفرد لا الجمع:

ثم إنه تعالى لم يقل: عن" صلواتهم"، بصيغة الجمع، بل قال: عن" صلاتهم"، ربما .. ليشير إلى أن الغفلة إنما هي عن حقيقة و طبيعة الصلاة، و ليس عن أفرادها. و السهو عن الطبيعة و الحقيقة، يستبطن السهو عن الأفراد؛ لأن الحقيقة تدل على أفرادها، و تتطابق معها على صعيد التجسد الخارجي.

و ربط السهو بطبيعة الصلاة يعطي: أن القضية ليست قضية سهو، ربما جاء صدفة في مورد معين في زمان معين، فإن سهوا كهذا ليس خطيرا إلى درجة أن يعبر عن أن طبيعة هذا الساهي لا تنسجم مع الصلاة،

تفسير سورة الماعون، ص: 73

و لا تتفاعل معها، لعدم وجود سنخية و ملائمة بين طبيعته و حالاته، و بين الصلاة.

ساهون أم يسهون:

ثم إنه تعالى عبر بكلمة: ساهُونَ دون كلمة" يسهون" لأن كلمة" يسهون" تفيد التبعيض في السهو، بمعنى أنك إذا قلت: هذا الإنسان يسهو عن صلاته، فذلك يعني أن ذلك يصدر عنه أحيانا و بصورة رتيبة فهو في حال انقطاع و حدوث من جديد لأنه حدوث بعد حدوث مما يعني وجود فواصل تتطلب وجود يقظة ثم سهو. فلا تدل كلمة يسهون على أنه السهو مستمر عنها بحيث لا يلتفت إليها أبدا و لا تكون هناك أية فواصل فهو سهو واحد عن حقيقة الصلاة يستمر و لا ينقطع ليحتاج إلى تجديد. و إلى نشوء سهو جديد تحدث اسبابه و موجباته عند كل صلاة. و فيها في مرات متعاقبة.

أما كلمة:" ساهون"، فتفيد الدوام و الثبوت و الاستمرار.

تفسير سورة الماعون، ص: 75

تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ

اشارة

وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ

تفسير سورة الماعون، ص: 77

الذين هم يراؤون:

تفسير سورة الماعون 95

و يستمر الكلام عن أولئك الذين يكذبون بالدين، و عن أوصافهم، و سماتهم، فذكر قسوتهم من حيث أنهم:

يدعون اليتيم لعدم وجود مشاعر و أحاسيس إنسانية لديهم خصوصا و أنهم لا يحضون على طعام المسكين.

بدون حرف عطف:

ثم أضاف هنا صفة أخرى لمن يكذب بالدين، و قد ذكرها بدون حرف عطف، ربما لكي يشير بذلك إلى أن عقوبة الويل نشأت عن أمرين كل منها صالح لأن يكون سببا مستقلا لاستحقاق هذه العقوبة .. و لو أنه أتى بحرف العطف، لاحتمل التشريك بينهما في التأثير، بحيث يكونان معا سببا واحدا لذلك.

تفسير سورة الماعون، ص: 78

إذن، فكون المصلين يراؤون و يمنعون الماعون يجعلهم مستحقين للويل. و كون المصلين عن صلاتهم ساهون هو الآخر يجعلهم مستحقين للويل، و إن لم يكن ثمة رياء و منع للماعون ثم إنه تعالى قد عبر هنا أيضا بصيغة الفعل المضارع المفيد لتجدد حدوث و صدور الفعل منهم مرة بعد أخرى، عن إرادة و تصميم و اختيار، مشيرا في نفس الوقت إلى أن هذا الفعل الذي يصدر منهم بصورة مستمرة- كما يفيد الفعل المضارع- و إن كان يبدو لأول وهلة أن المأتي به هو فعل واحد يسمى الصلاة، أو الصدقة، أو الصوم، أو قضاء حاجات المؤمنين، أو فعل الخيرات للناس و المجتمع، و غير ذلك.

و لكن الحقيقة هي أنه ليس كذلك، بل يصاحبه فعل آخر اسمه" الرياء"، قد أصبح هو الحقيقة الطاغية، حتى إن الفعل نفسه قد تلاشى، و اضمحل، و لم يعد له ذكر أصلا، و لذلك أهمل سبحانه الحديث عنه بالكلية و صار الحديث عن الرياء، و الرياء فقط. و ذلك لأن الفعل نفسه قد فقد قيمته بسبب الرياء، و

أصبح بحكم المعدوم.

و كذلك الحال بالنسبة إلى الذين يرائيهم بأفعاله، فإنه

تفسير سورة الماعون، ص: 79

قد أهمل الإشارة إليهم أيضا، و تمحض الحديث عن خصوص حالة الرياء، و صدورها منهم عن اختيار، بصورة تجددية و مستمرة، مما يعني أن الرياء قد محق الفعل الذي تلبس به، و أفقده قيمته. فما يبقى لهذا العامل هو رياؤه الذي هو دليل أنانيته، و حبه للدنيا، و عدم انقياده للّه في أوامره و زواجره، حتى لم يعد يهمه رضاه، بل يهمه رضا الناس.

و بذلك يكون هذا الإنسان قد انقطع عن الآخرة هو و عمله، الذي فقد الامتداد و أصبح مقصورا على حياته الحاضرة.

الطموح و الرياء:

كما أن هذا الرياء يدل على محدودية الطموح لدى العامل، فهو لا يملك الطموح إلى الخلود، و إلى الحياة الحقيقية، و إلى التكامل؛ لأنه أخلد إلى الأرض، و أراد أن يعيش لها، و فيها، و لا يريد أن يتسامى عنها، و أن ينطلق منها في صراط التكامل، ليصل إلى الحياة الأفضل، و الأكمل، بل يريد أن يحتفظ بهذا الوجود المحدود،

تفسير سورة الماعون، ص: 80

الضعيف، المتواضع، و الداني جدا، الذي سماه اللّه بالحياة الدنيا.

المراءاة من الطرفين:

و كلمة راءى من باب فاعل، مثل" ضارب، و قاتل، و عامل، و جاهد".

فتارة ينظر في كلمة جاهد و قاتل إلى صدور الفعل" الجهاد" من نفس فاعله.

و أخرى ينظر إلى أن المفاعلة لا بد أن تحصل من طرفين. فقاتل مثلا: معناها أن هذا يريد قتل ذاك، و ذاك يريد قتل هذا.

و كذلك الحال في كلمة راءى فهي تدل على أن هذا الإنسان يري عمله لذاك، و ذاك يريه الثناء عليه، و المدح له، و الإعجاب به، فهذا يرائي ذاك في عمله، و ذاك يرائي هذا بمدحه و ثنائه، و إعجابه. فكل منهما ينتظر من الطرف الآخر- لا من اللّه- مقابل عمله، لأنه لم يراء اللّه بعمله بل راءى المخلوقين، و طلب منهم المثوبة.

تفسير سورة الماعون، ص: 81

فهذه هي حدود طموحات المرائي، و هذا هو مداه و أفقه الضيق و المحدود، يريد أن يأخذ مقابل عمله في هذه الحياة الدنيا، من هذا الشخص الذي يرائيه، و لا يريد أن يصل بعمله إلى الآخرة، لو كان يصدق بالآخرة، و كان لديه طموح لها.

فالمراءاة إذا تصبح نتيجة طبيعية لصرف النظر عن الآخرة، إما لعدم التصديق بها، أو لعدم الرغبة فيها.

و ذلك يعني: أنه لا يدرك،

قيمتها و لا يعرف خصوصياتها، أو لا يصدق بها و لا يصدق بوعد اللّه فيها.

و لو أنه صدق و عرف لرغب بها أشد ما تكون الرغبة.

قد قال تعالى: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «15». فقوله: لو كانوا يعلمون، يشير إلى ما ذكرناه.

______________________________

(15) سورة العنكبوت، الآية 64.

تفسير سورة الماعون، ص: 82

المرائي لا يهتم للآخرة:

و بعد، فإنك إنما تنشد إلى محبوبك، لأنك تعرفه، و تعرف مزاياه، و تجد فيه ما يشدك إليه إما غريزيا أو عاطفيا، أو عقلانيا، و غير ذلك.

و المرائي لا يرى للآخرة دورا في هذه الحياة، أو لا يجد لدورها قيمة تستحق أن يسعى إليها. فينتهي به الأمر إلى التكذيب بالآخرة، أو إلى الاستهتار بها، و بالقيم التي تشد و تدفع إليها.

و حتى لو كانت لديه درجة من القناعة بالآخرة في مرحلة التعقل، فإن ذلك لن يكون له تأثيره في مجال الفعل و الممارسة، لأن الإيمان شي ء و أن يستسلم العقل للدليل شي ء آخر. و قد قال تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «16».

______________________________

(16) سورة النمل، الآية 14.

تفسير سورة الماعون، ص: 83

إن الإيمان هو: أن يشعر الإنسان بالأمن، و بالطمأنينة، و السكينة إلى جانب ما يؤمن به، ثم أن يحتضن هذا الأمر في قلبه، و يحس بالحنان و بالعطف على ما يحتضن فيحدب عليه و ينجذب إليه، و يحنو عليه بمشاعره. و إلا فإن مجرد القهر العقلي من خلال عجز العقل عن مواجهة الأدلة و المعادلات ليس هو الإيمان الذي نتحدث عنه. إن الإيمان فوق العقل، و العقل من خدامه، يعمل على تسهيل الطريق له، و تيسير الوصول إليه، و الحصول عليه.

و يمنعون الماعون:

و يقولون: إن الماعون مأخوذ من المعنى، الذي هو الشي ء القليل الذي لا قيمة له، و الذي لا يمنع في العادة عن الآخرين. فكأن الناس يرون أن هذا الشي ء مطلق بالنسبة إليهم، لا شي ء يمنع من الوصول إليه، لأن الناس لا يمنعونه عن أحد بسبب قلته. و ربما سمي الماعون ماعونا لأنه يوضع فيه ذلك المعن القليل.

تفسير سورة الماعون، ص: 84

إذن، فمن يمنع

الماعون فهو ليس فقط لا يملك عواطف أو مشاعر إنسانية، و إنما لا يخجل حتى مما يخجل منه الناس، و يرون ضرورة بذله، لأنه مما تقتضيه طبيعة الحياة، و منعه يوجب نوعا من الخلل في حياة الناس، لا سيما إذا رافق ذلك شعور بخيبة الأمل، و انسياق إلى حالة من اللامبالاة بحاجات الآخرين؛ إن لم يصل بهم الأمر إلى محاولة استغلال حاجتهم بطريقة بعيدة عن الشعور النبيل.

و قد رأينا أن القرآن الكريم قد أولى بعض الأمور أهمية كبيرة، مع أننا كنا نحسب أنها عادية جدا، فعلى سبيل المثال نجد أنه سبحانه حين أعلن ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، لم يتحدث عن علم علي عليه السّلام و لا عن شجاعته، و لا عن عصمته، و لا عن أي من كراماته الكبرى، و مقاماته الكثيرة، بل قال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «17» و ذلك حين دخل مسكين إلى المسجد، و طلب الصدقة من الناس، فلم يعطه أحد فكان

______________________________

(17) سورة المائدة، الآية 55.

تفسير سورة الماعون، ص: 85

أمير المؤمنين عليه السّلام يصلي، و كان راكعا، و بيده خاتم، فأشار إليه، فجاء و استخرج الخاتم من إصبعه، و ذهب.

فنزلت هذه الآية لتعلن إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام و ولايته على الأمة، بهذه الطريقة الحاسمة و القوية، حيث يقرن اللّه عز و جل هذه الولاية بولاية نفسه، و بولاية رسوله (ص).

الولاية و أركانها الثلاثة:

و قد ذكر في هذه الآية الشريفة ثلاثة أركان للإمامة، و هي: الإيمان، و إقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة في حال الركوع.

مع أن تفكيرنا القاصر لا يهتدي بسهولة لمبررات الاقتصار على هذه الأمور الثلاثة. فإن الناس

كلهم مطالبون بالإيمان، و بإقامة الصلاة، و بالزكاة في حال الركوع، و في غيرها من الأحوال.

فكيف أناط اللّه عز و جل هذا المنصب الإلهي الخطير جدا بهذه الأمور دون سواها، فجعل عليا أمير المؤمنين عليه السّلام لأجلها وليا، و إماما للمسلمين إلى يوم القيامة، منه

تفسير سورة الماعون، ص: 86

يأخذون معارفهم، و علمهم، و أخلاقهم، و كل معالم دينهم، و ينقادون له، و بدونه لا يقبل لهم عمل، و لا يدخلون الجنة، و لا يشمون ريحها.

ثم إنهم يقولون: ان عمر بن الخطاب قد تصدق بسبعين خاتما لكي تنزل فيه آية من هذا القبيل فلم يكن له ذلك. و كأن عمر يتصور أن القصة قصة خاتم!

و نقول في مقام شرح هذا الأمر: إن العناصر الثلاثة التي ارتكزت عليها ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام هي:

1- الإيمان: الذي يريده الإنسان و يختاره عن و عي و معرفة .. فلاحظ كلمة: آمنوا، المفيدة لصدور الإيمان منهم من حيث هو حدث، يبادر إليه المكلف باختياره، حيث لم يقل تعالى: و المؤمنون، لأن هذه الصيغة تجعل الإيمان صفة للإنسان، و لا تشير إلى التفاته و لا إلى اختياره.

2- إقامة الصلاة: و قد عبر عن هذا الأمر بصيغة الفعل المضارع، المفيد للحدوث، و أنه في الحال، و المشيرة أيضا إلى الاستمرار، و الالتفات، و الاختيار، و الإرادة. مع الالتفات إلى أن اختيار كلمة" يقيمون" دون

تفسير سورة الماعون، ص: 87

كلمة" يصلون"، يفهمنا أن المهم هو أن تتجسد الصلاة في حياتهم، و ليس المهم مجرد صدورها و حدوثها منهم.

و تجسد الصلاة في حياة الإنسان يمثل الخضوع و الانقياد الحقيقي للإرادة الإلهية، ليكون إنسانا إلهيا بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

3- إيتاء الزكاة: ثم

ينضم إلى هذين العنصرين، اللذين هما الإيمان، و الطاعة للّه، العنصر الإنساني في الشخصية القيادية، المتمثل بإيتاء الزكاة في حال الركوع، و هو إنما صدر مرة واحدة، و ذلك في قضية تصدق علي عليه السّلام بالخاتم، و لكن التعبير جاء بصيغة الفعلى المضارع دون الماضي، ليفيد الحدوث، و الفعلية، و الاستمرار، و الالتفات، و الاختيار، و الإرادة.

و ذلك يعني: أن هذا الفعل الإرادي الإنساني يرشح من حالة إنسانية راسخة في عمق الكيان. و ليس مجرد حدث عابر اقتضاه الأمر و النهي الإلهي، أو أريحية عارضة.

و التعبير بالإيتاء، دون كلمة" الإعطاء" لأن معنى آتاه: أوصل إليه شيئا ساقه إليه، من دون إلماح فيها

تفسير سورة الماعون، ص: 88

إلى أن من يفعل ذلك هل هو مالك للشي ء، غير مالك له.

أما الإعطاء، فقد يقال: بأنها لا تخلو من إشارة إلى مالكية و سيطرة من قبل من يعطي على ما أعطى.

و المناسب في هذا المورد هو عدم الإشارة إلى ذلك، فهذه الأركان الثلاثة هي التي تقتضي هذا المقام الإلهي الكريم، أعني به مقام الولاية.

أما العلم و العصمة، و الجهاد، و الزهد، و السخاء، و الشجاعة، .. فهي من مكونات العناصر الثلاثة السابقة، التي ارتكز عليها مقام الولاية و الإمامة، و بعضها مما تتجسد و تتجلى فيه تلك العناصر، بملاحظة خصوصية المورد الذي يقتضي أن تتمظهر في هذه الحالة أو تلك.

عود على بدء:

فاتضح أن آية: وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ، هي من هذا النوع من الآيات التي تشعرنا أن هناك أمورا ربما يراها الإنسان لا قيمة و لا دور لها في بناء الحياة، مع أن لها تأثيرا عظيما جدا، و مصيريا، إلى درجة أنه يحدث

تفسير سورة الماعون، ص: 89

تغييرا أساسيا في التكوين النفسي

للإنسان و في عواطفه و أحاسيسه. فإن منع هذه الأمور الصغيرة عن الآخرين مع مسيس حاجتهم إليها سيكون حاله حال رجل يسأل عن الطريق فلا يدله الناس عليها، فإن ذلك- و لا شك- لسوف يترك أسوأ الآثار على روحه و نفسه، و هو يرى أنه يمنع الناس حتى من أصغر الأشياء فما أهون أمره على الناس، و ما أقل شأنه عندهم.

و ذلك يعطينا تصورا واضحا عن طبيعة ما سوف يكون عليه تعامله المستقبلي مع هؤلاء الناس، و نظرته إليهم، بعد أن استقرت في نفسه حقيقة نظرتهم إليه!!

تفسير سورة الماعون، ص: 91

كلمة أخيرة: و بعد ..

فتلك هي البضاعة المزجاة «18»، التي نأمل من الرب الرحيم بسببها: أن يتصدق برحمته علينا، و أن يوفي لنا الكيل، و لا يردها علينا و يرجعنا بها خائبين خاسرين.

و التي نأمل من القارئ الكريم أيضا أن يلتمس لنا أكثر من عذر على عدم تمكننا من تقديمها إليه بالحلة التي تليق بشأنه، و بالأسلوب الذي يرتضيه، لأننا أحببنا لها أن لا تخرج من عفويتها التي كانت عليها حينما تداولناها مع الإخوة الذين صبروا على استماعها منا في تلك الجلسات التي سميت باسم جلسات التفسير ..

______________________________

(18) البضاعة المزجاة: القليلة، أو الردية التي يتم صلاحها، فترد و تدفع رغبة عنها.

تفسير سورة الماعون، ص: 92

نسأل اللّه سبحانه أن يلهمنا صواب الفكر، و صدق القول، و حسن العمل. و قبل كل ذلك و معه و بعده أن يرزقنا- خلوص النية و صفاءها، و نبل التوجه، و سلامة المسار، في خط الهدى و على صراط النجاة.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين، و صلاته و سلامه على عباده الذين اصطفى محمد و آله الطيبين الطاهرين.

بيروت 23 شهر رمضان المبارك

1419 ه.

جعفر مرتضى العاملي

تفسير سورة الماعون، ص: 93

المحتويات

مقدمة الناشر 5

مقدمة 9

تمهيد 11

فضل قراءة سورة الماعون 11

أسباب نزولها 12

تفسير قوله تعالى:

أ رأيت الذي يكذب بالدين سؤال و جوابه 18

فرعون مثال واضح 21

خلاصة و بيان 23

أهمية الأخلاق في حياة الإنسان 24

يزكو على الإنفاق 26

أين دور الإنسان؟ 27

لماذا الإستفهام: أ رأيت؟ 28

كلمة" رأى" 31

لماذا تاء الخطاب للفرد؟ 32

الذي 32

يكذب 33

الخوف من الدين 34

بالدين 36

تفسير سورة الماعون، ص: 94

أسلوب تهجين 39

تفسير قوله تعالى:

فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين السقوط المريع 43

فاء التفريع؟ أم فاء الفصيحة؟ 44

البعد عن ساحة الكرامة 45

المقصود بالبيان هو الصلة و ليس الموصول 46

يدع اليتيم 48

الأمر ليس مجرد حدث قد مضى و انقضى 49

من هو اليتيم؟! 49

منتهى السقوط البشري 50

المسكين 51

لماذا بصيغة المضارع؟ 53

الشخصية المتوازنة 54

جمعت صفاتك الأضداد 57

الإنسان يختار إنسانيته 57

طعام أم إطعام 59

الحديث عن حالة إنسانية 61

لا يكفي الإستدلال 62

تفسير قوله تعالى:

فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون

تفسير سورة الماعون، ص: 95

المكذب بالدين لا ينتفع بأفضل أعماله 65

حب الدنيا هو السبب 66

الأولوية الظاهرة 67

فويل للمصلين 67

إبهام العقوبة، لماذا؟ 68

لماذا ذكر خصوص الصلاة؟ 70

ساهون عن صلاتهم أم في صلاتهم 71

للمصلين: بصيغة اسم الفاعل 71

الصلاة: بصيغة المفرد لا الجمع 72

ساهون أم يسهون؟ 73

تفسير قوله تعالى:

الذين هم يراؤون و يمنعون الماعون الذين هم يراؤون 77

بدون حرف عطف 77

الطموح و الرياء 79

المراءاة من الطرفين 80

المرائي لا يهتم للآخرة 82

و يمنعون الماعون 83

الولاية و أركانها الثلاثة 85

عود على بدء 88

كلمة أخيرة 91

محتويات الكتاب 93

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.