منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم

اشارة

سرشناسه : روحاني، محمدصادق ، شارح.

عنوان قراردادي : المكاسب. شرح.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم/ محمدصادق الروحاني.

مشخصات نشر : قم:انوار الهدي ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : 6 ج. در 3 مجلد.

شابك : ج.1 : 9789648812602 ؛ ج. 2 : 9789648812619 ؛ ج. 3 : 9789648812626 ؛ ج. 4 : 9789648812633 ؛ ج. 5 : 9789648812640 ؛ 15000 ريال (بهاي هر جلد) : ج. 6 : 9789648812657 ؛ 15000 ريال(بهاي هر جلد)

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : جلد پنجم اين كتاب قبلا توسط انتشارات سپهر منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1 و 2 المكاسب المحرمه .--ج. 3 و 4. بيع .--ج. 5 و 6. خيارات.

عنوان ديگر : التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب -- نقد و تفسير.

موضوع : معاملات (فقه).

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب. شرح.

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7034 1386

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 1128879

الجزء الاول

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية إلي الحق.

و الصلاة و السلام علي أشرف النفوس القدسية و أزكي الذوات المطهرة الملكية محمد المصطفي و عترته المرضية هداة الخلق و أعلام الحق.

و بعد فهذا هو الجزء الاول من كتابنا (منهاج الفقاهة) و يليه خمسة أجزاء أخر و هي شرح لكتاب (المكاسب) للشيخ الاعظم، خاتمة الرعيل الاول من المجتهدين، و أفضل المتأخرين آية الله العظمي الشيخ مرتضي الانصاري قدس سره الذي أصبح اليوم منتجع العلم و محور الدراسة في الحوزات العلمية.

إذ كانت مباحث هذا الكتاب فتحة عهد جديد مبارك في الدراسات الفقهية و التتبع و التحقيق، تقتضي مزيدا من العناية بشرحها و تيسير الاطلاع عليها- و هذا ما توخيناه

في هذا الكتاب- و الله من وراء القصد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 7

[المكاسب المحرمة]

و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة

اشارة

علي سبيل الضابطة الكلية للمكاسب من حيث الحل و الحرمة (1) فنقول مستعينا بالله تعالي (2)

[رواية تحف العقول]

روي في الوسائل و الحدائق عن الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (3) عن مولانا الصادق (صلوات الله عليه) حيث سئل عن معايش العباد.

______________________________

(1) كر المصنف قدس سره بعنوان الضابطة روايات أربع، خبر تحف العقول و ما عن فقه الرضا، رواية عن دعائم الاسلام و رواية نبوية عامية.

و ستعرف أن شيئا من هذه النصوص لا يصلح دليلا في المسائل الآتية.

(2) هذه أولي الروايات الاربع و هي رواية طويلة رواها المصنف عن الوسائل «1»

و الحدائق «2» و لكن المتن الموجود فيهما يختلف عما في تحف العقول «3»

(3) لا كلام في ان الحسن بن علي مؤلف كتاب تحف العقول جليل القدر عظيم المنزلة، و كتابه هذا جليل و انه معتمد عليه عند الاصحاب كما صرح بذلك كله ائمة الفن، الا انه، لم يرو هذا الخبر مسندا، بل ارسله عن الامام الصادق عليه السلام فلا تشمله ادلة حجية خبر الواحد.

و استدل لحجيته بوجوه.

الاول قيام القرينة علي اعتبار الرواة المحذوفين، و وثاقتهم.

و فيه: ان المراد بها ان كان نقل هذا الشيخ الجليل عنهم، فيرد عليه ان جلالة قدره تمنع عن كذبه لاعن نقله عن غير الثقة، و إن كان غير ذلك فغير ظاهر علينا.

الثاني: انجبار ضعفه بعمل المشهور.

و فيه: ان عمل المتقدمين من الاصحاب به الذي هو الجابر لضعف السند غير ثابت و عمل المتأخرين غير نافع بل يمكن منع عملهم به أيضا، فإن فتاوي جلهم في المسائل المتفرقة لا تطابق بعض جمل الخبر و ذلك: لان بعض جمله يدل علي حرمة بيع النجس

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من ابواب ما

يكتسب به كتاب التجارة، حديث 1.

(2) الحدائق ج 8 ص 67.

(3) تحف العقول ص 331.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 8

فقال: جميع المعايش (1) كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات (2) و يكون فيها حلال من جهة و حرام من جهة.

______________________________

مطلقا، مع أنه يفت به الاكثر، و بعضها يدل علي حرمة التقلب فيه و إمساكه مع أنه لم يفت به احد.

الثالث: موافقة مضمونه لمضمون جملة من الروايات الصحيحة المعتبرة.

و فيه: ان الخبر الضعيف لا يصير حجة و معتبرا بالموافقة لما هو الحجة.

الرابع: ان آثار الصدق منه ظاهرة.

و فيه: انه لم يظهر لي معني آثار الصدق في مثل هذا الخبر سوي اضطراب متنه و تكرار جمله و هو كما تري.

فتحصل: ان الاقوي عدم حجية هذا الخبر، فلا يصح جعله في صدر الكتاب و اخذه مدركا للاحكام الآتية، بل لا بد في كل مسألة من ملاحظة مدركها بالخصوص.

(1) (قوله عليه السلام جميع المعيش … الخ) المراد بها ما يحتاج اليه العباد في بقاء نوعهم او شخصهم من المأكولات و الملبوسات و المناكح، و الظاهر ان المقصود بالسؤال هو ان تلك الاشياء من اي سبب يحل تحصيل و من اي سبب لا يحل، كي يجوز تناولها في الاول و لا يجوز في الثاني، لا السؤال عن حكم المسببات من حيث هي الذي هو مذكور في كتاب الاطعمة و الاشربة.

(2) (قوله عليه السلام اربع جهات.. الخ) اورد علي الحديث بعدم انحصار طرق المعاش في الاربع، فإن فيها الحيازات و الهبات و الاوقاف و احياء الموات و إجراء القنوات و نحوها.

و اجيب عنه: تارة: بدخول جملة منها في الاجارات كالجعالات و العمل للغير بمجرد

الاذن و حق الوكالة و النظارة و الوصاية، و جملة منها في التجارات كالهبات و الصدقات، و جملة منها في الصناعات كإحياء الموات و الحيازات و نحوهما.

و اخري: بأن الرواية مسوقة لبيان حصر المعاملات في الاربع حصر كلية طرق المعاش فيها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 9

فأول هذه الجهات الاربع: الولاية، ثمّ التجارة، ثمّ الصناعات، ثمّ الاجارات (1) و الفرض من الله تعالي علي العباد. في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك و اجتناب جهات الحرام منها، فاحدي الجهتين من الولاية، ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم علي الناس، و الجهة الاخري: ولاية ولاة الجور،

فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل، و ولاية ولاته بجهة ما أمر به الوالي العادل بلا زيادة و نقيصة، فالولاية له و العمل معه و معونته و تقويته حلال محلل.

______________________________

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان كون المراد من الصناعة كل فعل من الشخص يكون سببا لتعيشه كي تشمل ما ذكر غير معلوم، بل قوله عليه السلام في آخر الخبر: و أما تفسير الصناعات فكل ما يتعلم … الخ يدل علي عدم كون المراد بها ذلك، و منه يظهر ما في دعوي شمول الاجارات للجعالات و التجارات للاباحات.

و أما الثاني: فلان الظاهر أن المراد من هوله عليه السلام وجوه المعاملات لا سيما بقرينة كون السؤال عن حكم جميع الطرق ليس هي المعاملة المصطلحة بل المعني اللغوي الشامل لجميع المذكورات.

فالصحيح أن يجاب عنه: بأن الحصر إضافي، و انه عليه السلام في مقام بيان الافراد الغالبة لا جميع الافراد.

(1) (قوله عليه السلام فاول هذه الجهات الولاية ثمّ … الخ) الفرق بين الولاية و الاجارة ان الولاية منصب مجعول من طرف الغير

بالانفراد و لا يعتبر فيها القبول و الرضا ممن جعلت له و يترتب علي جعلها استحقاق مال، و هذا بخلاف الاجارة.

فمحصل الاقسام المذكورة معايش العباد كما نبه عليه بعض أعاظم المحققين قدس سره ان سبب المعيشة إما أن يكون من قبل الغير بالانفراد فهو الولاية، أو يكون من قبل نفسه بالانفراد فهو الصناعة، أو يكون بينه و بين الغير و هو إن كان بنقل الاعيان فهو البيع، و إن كان بنقل المنفعة فهو الاجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 10

و أما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته، فالعمل لهم و الكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله او كثير، لان كل شي ء من جهة المئونة له معصية كبيرة من الكبائر، و ذلك ان في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة الي الدم و الميتة. (1) و أما تفسير التجارات في جميع البيوع و وجوه الحلال من وجه التجارة التي يجوز للبائع ان يبيع مما لا يجوز له، و كذلك المشتري الذي يجوز له شرائه مما لا يجوز له (2).

______________________________

و قد يستشكل في عد الصناعات من المعاملات بانها ان اعتبرت من حيث انفسها مع قطع النظر عن اخذ اجرة عليها فليس تلك من المعاملة في شي ء و ان اعتبرت من حيث انه يعملها للغير و يأخذ الاجرة عليها فهي داخلة في الاجارة و ان اعتبرت من حيث انه يعملها ثمّ يبيعها فهي داخلة في البيع فكيف عدت قسما من المعاملات.

و فيه: الظاهر ان الصناعة و بعبارة اخري عمل الصنعة بنفسه مال مكتسب، فان

السرير قبل ان يعمل كان له مقدار من المالية و قد ازدادت بهذا العمل كما هو واضح،

فتحصل تلك الزيادة اكتساب.

(1) (قوله عليه السلام الا بجهة الضرورة … الخ) و الذي يدل عليه هذه الجملة من الحديث انما هو عدم حرمة العمل و الولاية في حال الضرورة، و انه يحل له التصرف فيما يأخذه من العوض، و أما كون ذلك من جهة جواز التكسب بالولاية في حال الضرورة حتي بالنسبة الي الحكم الوضعي او كون اخذ الاجرة تقاصا عن المنفعة المفوتة، فالخبر ساكت عن بيانه، فاستظهار الاول مما لا شاهد له، فتأمل.

(2) (قوله عليه السلام و كذلك المشتري … الخ) يحتمل ان يكون بصيغة الفاعل، فيكون معناه: و كذلك تفسير وجوه الحلال من البيوع بالنسبة الي المشتري، و يحتمل ان يكون عبارة عن البيع، و يكون الفرق بين الجملتين انه اريد بالاولي تمييز البيع الجائز عن غيره بنفسه، و بالثانية تمييز المبيع الذي يجوز بيعه عما لا يجوز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 11

فكل مأمور به (1) مما هو غذاء للعباد، و قوامهم به في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها، و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه، و شراؤه، و امساكه، و استعماله و هبته و عاريته.

و أما وجوه الحرام: من البيع و الشراء، فكل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه (2) من جهة اكله، و شربه، او كسبه، او نكاحه (3) او ملكه، او امساكه،

او هبته، او عاريته، او شي ء يكون فيه وجه من

وجوه الفساد، نظير البيع بالربا او بيع الميتة، او الدم، او لحم الخنزير او لحوم السباع من صنوف سباع الوحش.

______________________________

(1) (قوله عليه السلام: فكل مأمور به … الخ) الظاهر ان المراد من قوله مأمور به هو المرخص فيه، و ان المراد من وجه الصلاح عدم الفساد، فلا يكون الخبر ساكتا عن حكم ما لا يكون فيه الفساد و لا الصلاح.

(2) (قوله عليه السلام: فكل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه … الخ).

… الظاهر من هذه الجملة و ما بعدها و ان كان حرمة بيع ما فيه الفساد بقول مطلق،

و ما فيه وجه من وجوه الفساد و ان كان فيه جهة الصلاح و لازم ذلك وقوع التزاحم بين هذه الجملة و بين ما قبلها من الجملة الدالة علي جواز بيع ما فيه الصلاح، الا انه من جهة ان الظاهر و لا أقل من المحتمل كون المشار اليه بقوله عليه السلام فهذا كله حرام محرم هو بيع المذكورات و قد علل هذا الحكم علي هذا بحرمة جميع التقلبات و التصرفات فيها، فيكون المستفاد حينئذ ان علة المنع هي حرمة جميع التصرفات، فيقيد بهذه الجملة اطلاق الجملة المتقدمة لان العلة تعمم و تخصص، و لا ينافي ذلك قوله عليه السلام: من جهة اكله … الخ فانه علي ذلك يحمل علي ارادة ما كان فائدته العقلائية منحصرة في الاكل كاللحم فتأمل.

(3) (قوله عليه السلام: او نكاحه … الخ) الظاهر ان تذكير الضمير باعتبار لفظ ما و ان المراد به الوطء، بعنوان الملك، فيكون المراد به ان المرأة التي يحرم نكاحها علي من انتقلت اليه لكونها ممن تنعتق عليه لا يجوز بيعها و يفسد لعدم استقرار ملكه لها

و انعتاقها عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 12

او الطير، او جلودها او الخمر او شي ء من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرم لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و التقلب فيه، فجميع تقلبه في ذلك حرام، و كذلك كل مبيع ملهو به، و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله

عز و جل او يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي، او باب يوهن به الحق،

فهو حرام محرم بيعه، و شراؤه، و امساكه، و ملكه، وهبته، و عاريته، و جميع التقلب فيه الا في حال تدعو الضرورة فيه الي ذلك.

و أما تفسير الاجارات: فاجارة الانسان نفسه، او ما يملك او يلي امره، من قرابته، او دابته او ثوبه بوجه الحلال، من جهات الاجارات ان يؤجر (1) نفسه او داره او ارضه او شيئا يملكه، فيما ينتفع به من وجوه المنافع، او العمل بنفسه، و ولده، و مملوكه، و اجيره، من غير ان يكون وكيلا (2) للوالي او وليا للوالي، فلا باس ان يكون اجيرا (3) يؤجر نفسه، او ولده، او قرابته او ملكه او

______________________________

(1) (قوله عليه السلام ان يؤجر نفسه او داره الخ) الظاهر انه اريد بذلك الاجارة لمطلق منافعه و يكون الخيار بيد المستأجر في صرفه فيما يريد و أريد بقوله عليه السلام او العمل الخ العمل بمجرد الاذن بلا اجراء صيغة الاجارة، و اريد بقوله: او يؤجر نفسه في عمل الخ الاجارة لمنفعة خاصة.

(2) (قوله عليه السلام: من غير أن يكون وكيلا … الخ) يحتمل أن يكون راجعا إلي الجميع، يعني يعتبر في حلية إجارة نفسه او ولده او ما يملكه أن لا يكون الموجر

واليا للوالي او وكيلا للوالي، فإن الاجارة حينئذ إنفاذ لولاية الوالي الجائر، و يحتمل ان يكون قيدا لخصوص اجيره، يعني يجوز اجارته لاجيره اذا لم تكن اجيريته له من جهة كون الموجر وكيلا للوالي، فإنه حينئذ يكون اجيرا للوالي فلا يجوز اجارته لنفسه، و ايضا فهو حينئذ أجير للوالي باجارة فاسدة، فلا سلطنة له عليه في الواقع.

(3) (قوله عليه السلام: اجيرا … الخ) المراد به الموجر، و اطلاقه عليه باعتبار أن الموجر نفسه يصير أجيرا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 13

وكيله في إجارته (1) لانهم وكلاء الاجير من عنده ليس هم بولاة الوالي نظير الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشي ء معلوم، فيجعل ذلك الشي ء (2) الذي يجوز له حمله بنفسه او بملكه او دابته او يؤجر نفسه في عمل يعمل ذلك بنفسه او بمملوكه او قرابته او بأجير من قبله، فهذه وجوه من وجوه الاجارات حلال لمن كان من الناس ملكا،

او سوقة، او كافرا او مؤمنا، فحلال اجارته و حلال كسبه من هذه الوجوه:

فأما وجوه الحرام من وجوه الاجارة نظير: أن يؤاجر نفسه علي حمل ما يحرم أكله أو شربه، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء او حفظه، او يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا او قتل النفس بغير حق، او عمل التصاوير و الاصنام و المزامير و البرابط و الخمر و الخنازير و الميتة و الدم او شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الاجارة فيه، و كل امر منهي عنه، من جهة من الجهات، فمحرم علي الانسان إجارة نفسه فيه (3) او له أو شي ء منه او له الا لمنفعة من استأجرته،

كالذي يستأجر له الاجير له الاجير ليحمل الميتة

ينحيها عن أذاه أو أذي

______________________________

(1) (قوله عليه السلام: أو وكيله في اجارته … الخ) سوق العبارة يشهد بأنه معطوف علي نفسه، و المراد به: انه يوجر موكله في الاجارة أو انه يؤجر أجيره، و لا تبعد دعوي أظهرية الثاني.

و علي اي تقدير يكون قوله عليه السلام لانهم وكلاء الاجير، راجعا الي الموجر باعتبار انه متعدد في المعني و الغرض منه ان هذه الاجارة ليست من جانب الوالي بل هو وكيل له من عند نفس الاجير، لانه باختياره جعله وكيلا لنفسه.

(2) (قوله عليه السلام: فيجعل ذلك … الخ) الظاهر انه من غلط النساخ، و الصحيح فيحمل كما ان الاظهر ان عمل التصاوير غلط لعدم صحة حمل الخنازير و الميتة و الدم عليها، و الصحيح كما في بعض النسخ حمل التصاوير.

(3) (قوله عليه السلام: فيجعل ذلك … الخ) و الفرق بين الاجارة في الشي ء و للشي ء ان ذلك الشي ء في الاول هو مورد الاجارة و في الثاني موردها المنفعة لتحصيل ذلك الشي ء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 14

غيره، و ما اشبه ذلك الي ان قال: و كل من اجر نفسه او ما يملك او يلي امره، من كافر او مؤمن، او ملك او سوقة علي ما فسرنا مما يجوز الاجارة فيه، فحلال محلل فعله و كسبه.

قال- و أما تفسير الصناعات فكلما يتعلم العباد او يعملون غيرهم من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و التجارة و الصياغة و السراجة و البناء و الحياكة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني و انواع صنوف الآلات التي يحتاج اليها العباد منها منافعهم و بها قوامهم و فيها بلغة جميع حوائجهم فحلال فعله و تعليمه

و العمل به و فيه لنفسه او لغيره، و ان كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها علي وجوه الفساد و وجوه المعاصي و

تكون مقوية علي الحق و الباطل فلا باس بصناعته و تعليمه، نظير الكتابة التي هي علي وجه من وجوه الفساد تقوية و معونة لولاة الجور كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس و غير ذلك من وجوه الآلة التي تصرف الي جهات الصلاح و جهات الفساد و تكون آلة و معونة عليهما فلا باس بتعليمه و تعلمه واخذ الاجر عليه و العمل به و فيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق، و محرم عليهم فيه تصريفه الي جهات الفساد و المضار، فليس علي العالم و المتعلم اثم و لا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم و قوامهم و بقائهم، و انما الاثم و الوزر علي المتصرف بها في وجوه الفساد و الحرام، و ذلك انما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجئ منها الفساد محضا نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الاصنام و ما اشبه من ذلك من صناعات الاشربة الحرام، و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعليمه و العمل به واخذ الاجر عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها الا ان تكون صناعة قد تتصرف الي جهات الصنائع و ان كان قد يتصرف بها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به، و

يحرم علي من صرفه الي غير وجه الحق و الصلاح.

فهذا تفسير بيان وجه اكتساب معائش العباد و تعليمهم في جميع وجوه اكتسابهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 15

و حكاه غير واحد (1) عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد قدس سره، و في الفقه المنسوب (2) الي مولانا الرضا عليه السلام: اعلم رحمك الله ان كل ما هو مأمور به علي العباد، و قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون، و ينكحون، و يملكون، و يستعملون، فهذا كله حلال بيعه و شراؤه وهبته و عاريته، و كل امر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة اكله، و شربه، و لبسه، و نكاحه، و امساكه، بوجه الفساد، مثل: الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر، و ما اشبه ذلك، فحرام ضار للجسم و فساد للنفس، انتهي.

______________________________

(1) منهم صاحب الوسائل في الوسائل ج 12، ص 57 و منهم صاحب الحدائق فيها، ج 18، ص 70.

(2) الظاهر ان تلك الرسالة لا يعتمد عليها، و ذلك لانها تفسير النعماني المعروف و صاحبه و ان كان شيخا من اصحابنا الابرار الا انه لا يعتمد عليه لان من جملة رواته احمد ابن يوسف و حسين بن علي بن ابي حمزة و اباه، و هم من الضعفاء.

مع ان الموجود في ذلك الكتاب ان معايش الخلق علي خمسة اوجه، باسقاط الصناعات و اضافة العمارات و الصدقات و الاحكام المذكورة فيه المترتبة علي هذه الاقسام غير ما في خبر تحف العقول، و عليه فلا مورد لقوله قدس سره و حكاه غير واحد الخ.

فقه الرضا عليه السلام

(3) قد

استدل لاعتباره بوجوه عمدتها ما نشير اليه:

الاول: ان اول من اطلع علي هذا الكتاب هو الثقة الفاضل السيد امير حسين طاب ثراه، و هو اخبر بكون هذا الكتاب للامام عليه السلام فيصدق في اخباره لكونه ثقة.

و فيه: انه لا شبهة في كون الرجل من الثقات و لكن خبره هذا غير مشمول لأدلة حجية خبر الواحد، لان اخباره اما ان يكون مستندا الي القرائن من الخطوط الموجودة فيه للامام عليه السلام و نحوها الموجبة لحصول العلم العادي له، او الي اخبار ثقتين عدلين من اهل قم للسيد بكون الكتاب للامام عليه السلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 16

______________________________

و شي ء من الطريقين لا يصلح لإدراج الخبر، في الاخبار المعتبرة.

اما الاول: فلان المخبر عنه عليه يكون من الامور الحدسية التي ليس بينها و بين

اسبابها ملازمة عادية بحيث يلزم من العلم بها العلم بها، لان حصول العلم للسيد بكون الكتاب للامام عليه السلام انما كان من القرائن التي لا توجب العلم المزبور عادة، و انما اوجبت العلم لخصوصه، فانه من اي طريق يحرز كون الخطوط للامام عليه السلام غير طريق الحدس الشخصي، فلا تشمل ادلة حجية خبر الواحد لاخباره لانها مختصة بالاخبار الحسية و الحدسية التي تكون بين الاسباب و مسبباتها ملازمة عادية.

و أما الطريق الثاني: فلان اخبار هذين العدلين اما ان يكون لحصول العلم لهما من القرائن فالكلام فيه حينئذ هو الكلام في اخبار السيد، و أما ان يكون لسماعهما من غيرهما،

فغاية ما يكون حينئذ هو كون الخبر من الاخبار المرسلة غير المعتبرة كما تقدم، مع ان الذي حكي المجلسي الاول عنهما انهما قالا: ان هذه النسخة قد اتي بها من قم الي مكة المشرفة و عليها خطوط العلماء

و اجازاتهم و خط الامام عليه السلام في عدة مواضع، و اين هذا من اخبارهما بكون الكتاب للامام عليه السلام.

الثاني: انه فيه عبارات تنطق بكونه للامام عليه السلام مثل ما في اول الكتاب يقول:

عبد الله علي بن موسي الرضا عليه السلام، و في بعض كلماته: نحن معاشر اهل البيت، و غير ذلك من العبارات.

و فيه: ان هذه العبارات لو سلم انه لا يصح صدورها عن غير الامام عليه السلام، لكن مجرد ذلك لا يوجب صدورها عنه بعد انفتاح باب الوضع و الجعل و الافتراء، مع انه يمكن ان يكون المؤلف رجلا علويا.

الثالث: موافقة تاريخه لزمان الرضا عليه السلام و هو كما تري.

الرابع: موافقة الكتاب لرسالة علي بن بابويه الي ولده الصدوق و فتاوي ولده الصدوق من دون تغيير او مع تغيير يسير في بعض المواضع، و هذه كاشفة عن اعتمادهما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 17

و عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري (1) عن مولانا الصادق عليه السلام: ان الحلال من البيوع كلما كان حلالا من الماكول و المشروب و غير ذلك، مما هو قوام للناس، و يباع لهم الانتفاع و ما كان محرما اصله منهيا عنه، لم يجز بيعه و لا شراؤه،

(انتهي).

______________________________

عليه في الفتوي و ان لم يسميا به.

و فيه: انه من الممكن اخذ مؤلف الفقه الرضوي من تلك الرسالة التي يتعامل الفقهاء معها معاملة متون الاخبار عند اعوزاز النصوص، بل هذا الاحتمال اقوي من الاول المستلزم لإسناد ابن بابويه كتاب الرضا عليه السلام الي نفسه من دون ان ينبه عليه.

الخامس: عمل جمع من الاساطين به كالمجلسيين و غيرهما.

و فيه: ان مستندهم في العمل هي الوجوه المذكورة التي عرفت ما فيها.

فتحصل: انه لا دليل علي

اعتبار هذا الكتاب، بل الظاهر كونه رسالة عملية لفقيه ذكرت فيها الفتاوي و الروايات بعنوان الافتاء، لان اكثر رواياته انما هي بعنوان: روي، و نحوه، او نقل عن الرواة، و لما صرح به المحدث النوري قدس سره بان فيه احكاما متناقضة و ما يخالف مذهب الشيعة بكثير، و حمل ذلك علي التقية مع ان فيه ما يخالفها، و تكذيب العامة و الازراء عليهم في المتعة كما تري.

دعائم الاسلام

(1) هذا الخبر «1» غير معتبر لوجهين:

الاول: ان مؤلف هذا الكتاب و هو ابو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور قاضي

مصر و ان تبصر عن كونه مالكيا و صار اماميا بلا شبهة كما صرح بذلك ائمة الرجال الا ان كونه اثني عشريا و ثقة غير ثابتين، لعدم تصريح القوم بشي ء منهما.

الثاني: انه مرسل، غير مجبور بشي ء.

______________________________

(1) المستدرك باب 2، من ابواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 18

و في النبوي المشهور: (1) ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه …

______________________________

و دعوي انه علي فرض وثاقته لا يضر ارسال الخبر بحجيته لقوله في اول كتابه: اني اقتصر فيه علي الثابت الصحيح مما رويناه عن الائمة من اهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله، فيكون هذا توثيقا اجماليا للرواة المحذوفين، مندفعة بان ثبوت الصحة عنده لا يلازم ثبوتها عندنا،

لاحتمال استناده الي القرائن الموجبة لعلمه بالصحة، غير الموجبة عندنا للعلم لو اطلعنا عليها.

النبوي المشهور

(1) الظاهر ان هذا النبوي «1» و ان كان مشهورا الا انه لا أصل له في اصول العامة و الخاصة، فان الموجود في اصول العامة انما هو هكذا: ان الله اذا حرم علي قوم اكل شي ء حرم عليهم ثمنه «2» مع اضافة لفظ اكل فهو لم يثبت كونه رواية.

و أما ما هو الموجود في اصولهم فلضعف سنده و عدم انجباره بشي ء لا يعتمد عليه،

مع ان عمومه علي هذا لم يعمل به احد، فان كثيرا من الامور التي حرم اكلها يجوز بيعها.

بل الظاهر: انه لو كان الموجود في كتب الحديث هو ما اشتهر في ألسنة الاصحاب لما كان يعتمد عليه لضعف السند، و عدم الانجبار بالشهرة اذ، و ان كانت فتاويهم

علي وفق مضمونه حينئذ الا انه لم يثبت استنادهم اليه في الفتوي.

بل الظاهر انهم استندوا في افتائهم بذلك الي اعتبارهم المالية في العوضين المتوقفة علي كون الشي ء ذا منفعة محللة، و انما يذكرون النبوي للتاييد، هذا بناء علي ان يكون المراد من تحريم الشي ء تحريم جميع منافعه.

و ان كان المراد به تحريم بعض منافعه فعدم عملهم به اوضح: فانهم افتوا بجواز البيع.

______________________________

(1) أورده العامة و الخاصة في كتبهم الاستدلالية راجع مستند احمد، ج 1، ص 322 و البحار، ج 23، ص 17- و الخلاف، ج 1، ص 225- و الغنية و غيرها.

(2) مسند احمد، ج 1، ص 247 و ص 293- السنن الكبري، ج 6، ص 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 19

اذا عرفت ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته فنقول: قد جرت عادة غير واحد علي تقسيم المكاسب الي محرم و مكروه و مباح مهملين للمستحب و الواجب بناء علي عدم وجودهما في المكاسب. مع امكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة و الرعي مما ندب اليه الشرع. و الواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصا اذا تعذر قيام الغير به، فتأمل (1).

______________________________

اقسام المكاسب

فتحصل ان شيئا من هذه الاخبار لا يكون دليلا في المسائل الآتية بل لا بد في كل مسألة من ملاحظة مدركها بالخصوص.

(1) المكاسب جمع مكسب، و هو مصدر ميمي بمعني الكسب او التكسب، و هو تارة يلاحظ بما انه فعل المكلف مع ما يطرأ عليه من العناوين الثانوية، و اخري يلاحظ من حيث هو مع قطع النظر عن تلك العناوين، لا كلام في انه ينقسم بالاعتبار الاول الي خمسة اقسام كما لا يخفي.

انما الكلام في انه بالاعتبار الثاني هل ينقسم الي قسمين، المكروه كبيع

الاكفان، و المباح كبيع الاشياء المباحة، كما اختاره بعض المحققين قدس سرهم، ام الي ثلاثة، و هي ما تقدم باضافة المحرم كبيع الخمر مثلا كما لعله المشهور، ام الي اربعة و هي ما تقدم بضميمة المستحب، ام الي خمسة كما اختاره المصنف قدس سره.

الظاهر ان القول الاول ضعيف لوجود المكاسب المحرمة كما سيمر عليك، اللهم الا ان يقال ان حرمتها التكليفية انما تكون من جهة انطباق احد العناوين المحرمة كعنوان تقوية الكفر و نحوها عليها، لا انها محرمة من حيث الاكتساب و لذا يحرم هبتها ايضا عندهم.

و أما المكاسب الواجبة فقد مثل المصنف قدس سره لها بالصناعات الواجبة كفاية اذا وجد القائم بها اكثر من واحد، وعينا اذا لم يوجد الا واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 20

______________________________

و فيه: ان الواجب في الصناعات الواجبة انما هو التصدي لتلك الصنعة لا التكسب

بها، مع ان وجوبها انما يكون من جهة وجوب اقامة النظام، لا انها واجبة من حيث هي.

و بذلك يظهر اندفاع ما اورد علي الوجه الاول.

و حاصله: انه قد يجب التكسب بها، و هو ما اذا افضي التصدي لها مجانا الي اختلال النظام، فيكون وجوبه نظير التكسب بالنذر، او اليمين، او العهد.

و قد مثل بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم للتكسب الواجب ببيع العبد المسلم علي مولاه الكافر، و بيع المصحف علي الكافر.

و فيه: ان الواجب انما هو رفع سلطنته عنهما باي نحو كان و لذا لو رفعت سلطنته بالهبة و شبهها لا يجب البيع.

و أما التكسب المستحب: فقد مثل له الشيخ الاعظم بالزراعة و الرعاية للنصوص الدالة علي استحباب الرعي و الزرع.

كخبر الواسطي عن الامام الصادق عليه السلام عن الفلاحين فقال عليه السلام هم الزارعون كنوز الله

في ارضه، و ما في الاعمال شي ء احب الي الله من الزراعة، و ما بعث الله نبيا الا زارعا الا ادريس فانه كان خياطا «1».

و خبر ابن عطية قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان الله عز و جل اختار لأنبيائه الحرث و الزرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء «2» و خبر عقبة الآتي «3» و نحوها غيرها.

و فيه: ان غاية ما يستفاد من هذه النصوص، كونهما مستحبين في انفسهما و لو فعل الرعي مجانا او في غنم نفسه و زرع بذر الغير في ملكه مجانا، و لا يكونان مستحبين

______________________________

(1) الوسائل، الباب 10، من ابواب مقدمات التجارة، حديث 3.

(2) الوسائل، الباب 3، من كتاب المزارعة و المساقاة، الحديث 4.

(3) الوسائل، الباب 3 من كتاب المزارعة و المساقاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 21

و معني حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الاثر المحرم. و اما حرمة اكل المال في مقابلها فهو متفرع علي فساد البيع لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي و ان قلنا بعدم التحريم. لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الي ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة. اما لو قصد الاثر المحلل فلا دليل علي تحريم المعاملة الا من حيث التشريع (1).

______________________________

بعنوان التكسب، و ما دل علي ثبوت البركة في الغنم لا يدل علي استحباب التكسب بها. و انما يدل علي وجودها في نفسها، و مما يدلنا علي استحبابهما في انفسهما الحكم المذكورة في الاخبار «1» لذلك فانه ذكر فيها في وجه استحباب الزراعة انها توجب التوكل، و في وجه استحباب الرعاية انها موجبة لاستكمال النفس و التمرين علي ادارة شئون الرعية.

ففي رواية عقبة عن

الامام الصادق عليه السلام ما بعث الله نبيا قط حتي يسترعيه الغنم و يعلمه بذلك رعية الناس «2».

فتحصل ان الاظهر انها تنقسم الي اقسام ثلاثة او الي قسمين.

معني حرمة الاكتساب

(1) و قد افيد في معني حرمة الاكتساب تكليفا وجوه:

الاول ما في المتن و حاصله: ان معني حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال مقيدة بقصد ترتب الاثر المحرم عليه كبيع الخمر للشرب.

و استدل له: بانصراف الادلة الي صورة قصد ترتب الاثر المحرم.

و فيه: اولا: انه قدس سره لا يلتزم بذلك في المباحث الآتية، حيث انه يلتزم بحرمة بيع الصليب و الصنم و آلات القمار مطلقا، و كذلك يلتزم بحرمة بيع السلاح لأعداء الدين و ان لم يقصد البائع تقويتهم علي المسلمين.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من كتاب المزارعة و المساقاة.

(2) البحار، ج 11، ص 65، من الطبع الجديد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 22

______________________________

و ثانيا: ان دعوي الانصراف ممنوعة جدا، و عليه فلا وجد لتقييد ما دل علي

حرمة البيع بالقصد المذكور لكونه تقييدا بلا موجب، نعم اذا كان دليل الحرمة هو ما دل علي حرمة الاعانة علي الاثم صح ما ذكره بناء علي اعتبار قصد ترتب الاثر في صدق الاعانة و سيجي ء تنقيح القول فيه.

الثاني: ان المراد من حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب امضاء من بيده الامر عليه.

و فيه: ان تقييد ما دل علي حرمة الاكتساب بذلك تقييد بلا موجب.

الثالث: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره و هو: ان معني حرمة الاكتساب هو حرمة انشاء النقل و الانتقال بقصد ترتب اثر المعاملة و هو التسليم و التسلم للمبيع و الثمن.

و فيه: ان حرمة المعاملة ان كانت من جهة تعلق النهي التحريمي بنفس المعاملة فلا بد من

الالتزام بان المحرم انما هو الاعتبار النفساني المبرز بمبرز خارجي سواء تعلق به الامضاء من الشرع او العرف ام لا، فان هذا هو حقيقة المعاملة كالبيع مثلا علي ما سياتي تحقيقه في اول البيع، و ليس المحرم هو الاعتبار النفساني المجرد و لا الإنشاء الساذج، و لا يعتبر فيه شي ء آخر غير ذلك، و ان كانت الحرمة متعلقة بها لأمر خارج عن حقيقتها المنطبق عليها كعنوان تقوية الكفر المنطبق علي بيع السلاح للاعداء علي اشكال في المثال،

فلا بد من ملاحظة انه هل ينطبق علي خصوص المعاملة ام عليها مع تسليم المثمن، ام ينطبق علي خصوص التسليم؟ فعلي الاول تحرم المعاملة، و علي الثاني يكون المركب من المعاملة و التسليم متعلقا لها، و علي الثالث لا تحرم المعاملة، و هذا هو الضابط في المقام.

و به يظهر ما في كلمات المحقق المذكور و سائر الاعلام فلا حاجة الي اطالة الكلام في ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 23

______________________________

حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها

و لا بد في المقام من امر يبتني عليه كثير من الفروع الآتية، و هو ان حرمة المعاملة، هل تستلزم فسادها كما لعله المشهور، أم تستلزم صحتها كما عن أبي حنيفة، أم لا تستلزم شيئا منهما بل لا بد في إثبات صحتها أو فسادها من التماس دليل آخر.

و تنقيح القول في المقام ان النهي المتعلق بالمعاملة تارة يكون ارشاديا، و أخري يكون تحريميا و ثالثة يكون تشريعيا.

و علي الثاني قد يتعلق النهي بالآثار و التصرف في الثمن او المثمن كقوله عليه السلام ثمن العذرة سحت و قد يتعلق بنفس المعاملة او بعنوان منطبق عليها.

لا ريب في دلالة القسم الاول علي الفساد، و كذلك القسم الثاني إذ لا وجه للمنع عن

التصرف في الثمن او المثمن، سوي عدم صحة المعاملة و بقائه علي ملك مالكه، نعم دلالة القسم الاول عليه تكون بالمطابقة و دلالة الثاني بالالتزام.

و أما القسم الثالث و هو النهي التحريمي المتعلق بالمعاملة فهو قد يتعلق بالاعتبار النفساني القائم بالمتعاملين و قد يتعلق بابرازه بمبرز خارجي.

توضيح ذلك: ان في المعاملة كالبيع اربعة أمور:

احدها اعتبار الملكية القائم بالمتبايعين.

ثانيها اعتبارها القائم بالعقلاء.

ثالثها الاعتبار القائم بالشارع الاقدس.

رابعها إظهار المتبايعين اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي، من لفظ او غيره.

أما الاعتبار القائم بالشارع فهو غير قابل لتعلق النهي به، و ذلك لانه من الافعال الاختيارية للمولي و خارج عن تحت قدرة المكلف، مع انه إذا كان مبغوضا له فلأي جهة يوجده.

و أما الاعتبار القائم بالعقلاء الذي يعبر عنه في كلماتهم بالمسبب العرفي أي إمضاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 24

______________________________

العقلاء اعتبار المتبايعين فهو ايضا غير قابل لتعلق النهي به لكونه خارجا عن تحت قدرة

المتبايعين، و ليست نسبته إلي فعلهما نسبة المسبب التوليدي إلي سببه كي يصح النهي عنه للقدرة علي سببه.

و بذلك يظهر فساد ما افاده المحقق النائيني قدس سره حيث التزم بأن متعلق النهي هو المسبب العرفي.

و علي ذلك فيتعين تعلق النهي اما بالاعتبار القائم بالمتبايعين، او بما يكون مظهرا له في الخارج، و علي كل تقدير لا يدل النهي علي الفساد.

أما علي الثاني: فواضح سواء تعلق النهي بذات ما هو مظهر كانشاء البيع باللفظ اثناء الاشتغال بالفريضة او به بما له مظهر للاعتبار المزبور.

و أما علي فرض تعلقه بالاعتبار النفساني: ما قيل في دلالة علي الفساد وجهان: الاول: ما افاده المحقق النائيني قدس سره و هو: انه يعتبر في صحة المعاملة امور ثلاثة:

احدها: كون كل من المتعاملين مالكا للعين

او بحكمه. ثانيها: أن لا يكون محجورا عن التصرف فيها من جهة تعلق حق الغير بها او غير ذلك من اسباب الحجر ليكون له السلطنة الفعلية علي التصرف فيها.

ثالثها: أن توجد المعاملة بسبب خاص و آلة مخصوصة، فاذا تعلق النهي بالمسبب، أي الاعتبار النفساني، و بعبارة اخري: بالملكية المنشأة كما في النهي عن بيع المصحف من الكافر، كان النهي معجزا مولويا للمكلف عن الفعل و رافعا لسلطنته عليه، فيختل بذلك الشرط الثاني المعتبر في صحة المعاملة، و يترتب عليه فسادها.

و بالجملة: يعتبر في المعاملة السلطنة الفعلية علي التصرف في العين و منع المولي يوجب رفع السلطنة فلا محالة تفسد المعاملة.

و فيه: ان توقف نفوذ المعاملة و صحتها علي السلطنة الوضعية بديهي، و أما كون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 25

______________________________

النهي موجبا لسلب هذه السلطنة فهو أول الكلام: نعم، النهي يوجب رفع السلطنة

التكليفية و نفوذ المعاملة غير متوقف عليها.

و بالجملة: المعتبر في صحة المعاملة إنما هي السلطنة الوضعية، و الحرمة إنما توجب رفع السلطنة التكليفية، لا السلطنة الوضعية، إذا لا منافاة بين حرمة شي ء و نفوذه وضعا الوجه الثاني: الروايات الواردة في نكاح العبد بدون إذن سيده، الدالة علي صحته مع اجازته لا بدونها، معللة بانه لم يعص الله و إنما عصي سيده، فإذا أجاز، جاز.

كصحيح زرارة عن الامام الباقر عليه السلام سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال:

ذاك إلي سيده إن شاء اجازه و إن شاء فرق بينهما، قلت: اصلحك الله ان الحكم بن عتيبة و ابراهيم النخعي و أصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد و لا تحل إجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه السلام: انه لم يعص الله و إنما عصي سيده، فإذا

أجازه فهو له جائز «1».

و صحيحه الآخر عنه عليه السلام: ساله عن رجل تزوج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها ثمّ اطلع علي ذلك مولاه قال عليه السلام: ذلك لمولاه إن شاء فرق بينهما و إن شاء أجاز نكاحهما- إلي ان قال- فقلت لابي جعفر عليه السلام فانه في أصل النكاح كان عاصيا؟ فقال أبو جعفر عليه السلام إنما اتي شيئا حلالا و ليس بعاص لله، إنما عصي سيده و لم يعص الله تعالي، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة و اشباهه «2» و نحوهما غيرهما.

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ان النكاح لو كان مما حرمه الله تعالي عليه كان فاسدا.

______________________________

(1) الوسائل باب 24، من ابواب نكاح العبيد و الاماء، حديث 1.

(2) الوسائل باب 24، من ابواب نكاح العبيد و الاماء، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 26

______________________________

و فيه: إن محتملات المراد من العصيان في الجملتين أربعة:

الاول: أن يراد به فيهما العصيان الوضعي.

الثاني: أن يراد به فيهما العصيان التكليفي.

الثالث: أن يراد بالعصيان في الاولي: التكليفي منه، و في الثانية: الوضعي منه.

الرابع: عكس ذلك.

و الاحتمالان الاخيران يدفعان بوحدة السياق، فيدور الامر بين الاولين، و الظاهر هو الاول، و ذلك لوجهين:

الاول: إن إنشاء البيع او التزويج ليس تصرفا عرفا كي يكون حراما، و لذا لو أنشأ البيع العبد لغير نفسه لما توقف علي اجازة سيدة بلا كلام.

الثاني: إن عصيان السيد حرام شرعا، فمعصيته تكون معصية للّٰه تعالي، فكيف يتصور ان يكون فعل معصية للسيد و لا يكون معصية لله، فلا محالة يكون المراد منه العصيان الوضعي، أعني عدم النفوذ.

فالمتحصل حينئذ: أنه لا توقف في نفوذ النكاح من قبل الله

تعالي، و ليس نكاحا غير مشروع في نفسه، بل التوقف في نفوذه إنما هو من قبل السيد لاعتبار رضاه فيه،

فيدور عدم الصحة مدار عدم رضا السيد حدوثا و بقاء، فاذا أجاز، جاز. لا يقال:

ان العصيان الوضعي للسيد مستلزم لعصيان الله تعالي ايضا، لان عدم امضاء السيد، موجب لعدم امضاء الله تعالي.

فإنه يقال: ان عصيان السيد و مخالفته حرام شرعا، و المحرم الشرعي ليس علي قسمين، و بعبارة اخري: بالاجازة و الرضا البعدي لا ينقلب ما وقع معصية عما وقع عليه،

و هذا بخلاف عدم الامضاء، فإن عدم امضاء الشارع الاقدس لما لم يمضه السيد عدم امضاء مادامي اي ما دام لم يجز السيد، فتدبر فإنه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 27

______________________________

و يؤيد ما ذكرناه من كون المراد من العصيان فيهما العصيان الوضعي: تمثيله عليه السلام

لعصيان الله تعالي في الصحيح الثاني بالنكاح في العدة و اشباهه.

فتحصل: انه لا دليل علي دلالة النهي التحريمي علي الفساد.

و مما ذكرناه ظهر انه لا يدل النهي عن المسبب علي الصحة ايضا، لانه قد استدل لذلك بوجهين: الاول: انه يعتبر في متعلق النهي القدرة، و لا يكاد يقدر علي المسبب الا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة.

الثاني: النصوص المتقدمة، بتقريب انها صريحة في ان عصيان السيد لا يستلزم بطلان النكاح، و بما ان عصيان السيد يستلزم عصيانه تعالي، يستفاد منها ان عصيانه تعالي لا يستلزم الفساد، و أما عصيانه تعالي المستلزم للفساد بمقتضي مفهوم قوله عليه السلام لم يعص الله فلا بد ان يراد به العصيان الوضعي.

و كلاهما فاسدان،

أما الاول: فلانه يتم لو كان متعلق النهي الاعتبار القائم بالشارع، و قد عرفت عدم معقولية ذلك، و إنما المتعلق له الاعتبار القائم بالمتبايعين و

هو مقدور و ان لم يكن صحيحا.

و أما الثاني: فلتوقفه علي ان يكون المراد من العصيان في كل من الموردين معني يغاير ما يراد منه في الآخر، و قد عرفت فساد ذلك ايضا.

فتحصل: ان النهي التحريمي عن المعاملة لا يستلزم فسادها و لا صحتها، و لا بد من الحكم بأحدهما من التماس دليل آخر.

و أما القسم الرابع: و هو النهي التشريعي فملخص القول فيه: إنه إن تعلق نهي بمعاملة خاصة فهو لا محالة يكون دالا علي فسادها و عدم مشروعيتها و أما المعاملة التي لا يعلم مشروعيتها و لا دليل عليها إذا أتي بها بما أنها مشروعة فمقتضي عموم النهي عن التشريع حرمتها، و مقتضي اصالة عدم الانتقال هو البناء علي الفساد ما لم ينكشف كونها ممضاة، و إنما الكلام فيما لو انكشف كونها مشروعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 28

و كيف كان،

فالاكتساب المحرم أنواع

اشارة

نذكر كلا منها في طي مسائل ثمان:

الاولي:

[النوع الأول] الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني.
و فيه مسائل:
الأولي: يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم بلا خلاف ظاهر،
اشارة

لحرمته و نجاسته و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة (1) فيما عدا بعض أفراده كبول الابل

______________________________

فعلي المختار من عدم دلالة النهي النفسي المتعلق بالمعاملة علي الفساد صحت هذه المعاملة، و أما علي ما اختاره المحقق النائيني تبعا للمشهور من دلالة علي الفساد فلا بد له من الالتزام بالفساد بناء علي ان المحرم في المقام، إذا لا فرق بين تعلق نهي خاص بمعاملة خاصة و بين انطباق عنوان عام محرم عليها، فإن المبغوضية إن استلزمت الفساد فهو في الموردين، و الا فكذلك، و بذلك ظهر أن اختيار المحقق النائيني قدس سره الصحة في الفرض، و عدم دلالة النهي التشريعي علي الفساد لا ينطبق علي مسلكه، فليكن ما أطلنا الكلام فيه و حققناه في المقام علي ذكر منك لانه ينفع في كثير من الفراغ الآتية.

المعاوضة علي أبوال ما لا يؤكل لحمه

(1) لا يخفي ان المصنف قدس سره خلط في المقام بين الحرمة التكليفية و الحرمة الوضعية كما صنع ذلك في المباحث الآتية، و ظاهر كلامه كون كل من الحرمة و النجاسة و عدم الانتفاع دليلا علي كلا الحكمين و عليه، فلا بد من التعرض لكلا الحكمين، و ما ذكر مدركا لهما.

و الكلام يقع اولا في الدليل علي الحرمة التكليفية.

ثمّ في ما استدل به علي الحرمة الوضعية.

أما المقام الاول: فقد استدل لها بوجوه:

الاول: انه نجس و يحرم بيع النجس كما دل علي ذلك قوله عليه السلام في خبر تحف العقول او

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 29

______________________________

شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و

ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع

تقلبه في ذلك حرام «1».

و فيه اولا: ما تقدم من انه ضعيف السند غير مجبور بعمل الاصحاب.

و ثانيا: ان الخبر مختص بمقتضي التعليل المذكور فيه، بما اذا لم يكن للنجس منفعة محللة، و ستعرف ان للبول منفعة محللة فلا يشمله الخبر.

و دعوي انه لا يجوز الانتفاع بالنجس بجميع منافعه، ستعرف ما فيها عند تعرض الشيخ للمسألة.

الثاني: انه حرام و لا يجوز بيع الحرام لقوله صلي الله عليه و آله في النبوي المشهور: ان الله اذا حرم شيئا، حرم ثمنه «2».

و فيه: انه ان اريد بذلك حرمة بعض منافعه كالاكل و الشرب فالحرمة لا تستلزم عدم جواز البيع لعدم الدليل عليه، و النبوي مختص بما حرم بجميع منافعه، و لو فرض وجود دليل عليه لا بد من رفع اليد عنه و الا لزم تخصيص اكثر افراده المستهجن.

و ان اريد به حرمة جميع منافعه فهي و ان استلزمت عدم جواز البيع وضعا كما سيمر عليك الا انه لا دليل علي كونها موجبة للحرمة التكليفية، و النبوي مضافا الي ضعف سنده، دال علي عدم الجواز الوضعي لتعلق الحرمة بالتصرف في الثمن، و قد مر ان مثل ذلك دليل علي الفساد الوضعي مضافا الي انه ستعرف انه لا دليل علي حرمة جميع منافع ابوال ما لا يأكل لحمه.

الثالث: عدم جواز الانتفاع به فلا يجوز بيعه.

و فيه: ما تقدم من جواز بعض الانتفاعات به اولا.

و ان ذلك يستلزم فساد البيع كما سيمر عليك لا الحرمة التكليفية ثانيا.

______________________________

(1) الوسائل باب 2، من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) قد تقدم مصدر هذا الحديث في ص 18.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 30

الجلالة او الموطوءة. (1) فرعان: الاول: ما عدا بول الابل من

ابوال ما يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور ان قلنا بجواز شربها اختيارا (2) كما عليه جماعة من القدماء.

______________________________

الرابع: الاجماع المحكي عن غير واحد من الاعاظم.

و فيه: انه من المحتمل لو لم يكن هو الظاهر استناد المجمعين الي ما تقدم من الوجوه.

فالاجماع علي فرض ثبوته لا يكون تعبديا، فلا يصلح للاعتماد عليه.

و أما المقام الثاني: فقد استدل علي الحرمة الوضعية بوجوه: الاول: نجاسته و قد عرفت ما فيه.

الثاني: حرمته و قد مر ما يمكن ان يورد عليه.

الثالث: عدم جواز الانتفاع به، فان حرمة الانتفاع به تستلزم نفي ماليته التي لا بد منها في تحقق البيع، و سيجي ء ان بول ما لا يؤكل لحمه ينتفع به ببعض المنافع.

و أما الايرادات التي اوردها الاستاذ الاعظم فسيجي ء الكلام فيها في النوع الثالث مما يحرم التكسب به.

الرابع: حرمة بيعه تكليفا، فان حرمة المعاملة تستلزم فسادها.

و فيه: مضافا الي ما تقدم من منع الحرمة التكليفية، انه قد عرفت ان حرمة المعاملة.

لا تستلزم فسادها.

فتحصل: ان الاقوي جواز بيع بول ما لا يؤكل لحمه وضعا و تكليفا.

و منه يظهر جواز بيع بول ما يؤكل لحمه، من دون فرق بين اقسامه.

(1) الظاهر انه استثناء من قوله: و عدم الانتفاع به، و المراد ان بول ما لا يؤكل لحمه ليس له منفعة محللة معتد بها الا بول الابل الجلالة، فان له منفعة محللة ظاهرة.

(2) و فيه ان مجرد جواز الشرب بعد تنفر الطباع عن شربها لا يوجب فرقا بينها و بين ابوال ما لا يؤكل لحمه لانه حينئذ لا يعد من المنافع الظاهرة، و العجيب: انه قدس سره يعترف فيما يأتي بان الاكل لا يعد من منافع الروث فلا فرق بين بول ما يؤكل

لحمه و بول ما لا يؤكل لحمه، و عرفت ان الاظهر جواز بيعهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 31

و المتأخرين بل عن المرتضي دعوي الاجماع عليه، فالظاهر جواز بيعها (1).

______________________________

نعم لو فرضنا عدم وجود منفعة معتد بها لشي ء منهما لا يجوز بيعه وضعا بناء علي ما سيجي ء في النوع الثالث مما يحرم التكسب به من ان ما لا نفع له لا يجوز بيعه. فانتظر.

يحرم شرب ابوال ما يؤكل لحمه

(1) و لا بأس تبعا للشيخ الاعظم من التعرض لحكم فرع في المقام، و ان كان غير مربوط بما وضع الكتاب له، و هو انه: هل يجوز شرب ابوال ما يؤكل لحمه اختيارا كما عن جماعة، بل عن السيد المرتضي، دعوي الاجماع عليه، ام لا يجوز، ام يفصل بين بول الابل و غيره فيجوز في الاول خاصة؟ و قد استدل للاول: بالاصل، و بما عن قرب الاسناد: عن ابي البختري، عن جعفر،

عن ابيه: ان النبي صلي الله عليه و آله قال: لا بأس ببول ما اكل لحمه «1».

و لكن يرد علي الاول: انه انما يرجع اليه بعد فقد الدليل.

و يرد علي الثاني: مضافا الي ضعف سنده لان في طريقه وهب بن وهب الذي قال النجاشي في حقه: انه كان كذابا، انه لا ظهور له في جواز الاكل، بل الظاهر و لا أقل من المحتمل ان المراد منه طهارته و عدم نجاستة، مع انه لو سلم دلالته علي ذلك يتعين تقييده بما دل علي الجواز في حال الضرورة.

و استدل للثاني بقوله تعالي: (و يحرم عليهم الخبائث «2» بدعوي البول مطلقا من الخبائث، و بخبر سماعة، عن مولانا الصادق عليه السلام عن شرب الرجل أبوال الابل و البقر و الغنم ينعت له من الوجع

هل يجوز له ان يشرب؟ قال عليه السلام نعم لا بأس به «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب الاطعمة و المباحة، حديث 2.

(2) سورة الاعراف، آية 158.

(3) الوسائل، باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 32

و إن قلنا بحرمة شربها كما هو مذهب جماعة أخري لاستخباثها ففي جواز بيعها قولان:

من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها، و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شي ء و التداوي بها لبعض الاوجاع لا يوجب قياسها علي

______________________________

و فيهما نظر: أما الاول: فلانه لم يثبت كون المراد من الخبيث هو ما تتنفر عنه الطبائع، بل الثابت خلافه، فإن كثيرا من الاشياء التي تتنفر عنها الطبائع يجوز شربها و ان لم يكن للتداوي، و قد اطلق الخبيث علي العمل القبيح الذي لا تتنفر عنه الطبائع في الآية الشريفة، بل الظاهر ان المراد بالخبيث هو ما فيه مفسدة و رداءة، و لم يثبت كون الابوال منه بهذا المعني.

و أما الثاني: فلان التقييد إنما هو في كلام السائل، مع انه لو كان في كلام الامام عليه السلام لما كان يدل عليه الانباء علي حجية مفهوم القيد.

فالصحيح أن يستدل له بمفهوم موثق عمار عنه عليه السلام: انه سئل عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال عليه السلام: إن كان محتاجا إليه يتداوي به يشربه، و كذلك أبوال الابل و الغنم «1».

و استدل للاخير، أي الجواز في خصوص بول الابل: بخبر الجعفري، قال سمعت ابا الحسن موسي عليه السلام: يقول: أبوال الابل خبر من ألبانها، و يجعل الله الشفاء في ألبانها «2».

و فيه: اولا: انه ضعيف السند لبكر بن صالح.

و ثانيا: انه يدل علي ثبوت الخير في بولها،

و هو اعم من الجواز التكليفي، إذ يمكن ان يكون ذلك من جهة كونه دواء لكثير من الامراض.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سره في الجواب عنه من انه إنما سيق لبيان مضرية ألبانها، فغير تام، فإن ذلك ينافي ما في ذيل الخبر، و يجعل الله الشفاء في ألبانها.

و ما في سائر النصوص من انها دواء من كل داء و عاهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 1.

(2) الوسائل باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 33

الادوية و العقاقير، لانه يوجب قياس كل شي ء عليها للانتفاع به في بعض الاوقات (1) و من ان المنفعة الظاهرة و لو عند الضرورة المسوغة للشرب كافية في جواز البيع و الفرق بينها و بين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بانه لا منفعة فيه و سيجي ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة.

______________________________

الاكتساب بالابوال

(1) توضيح ما أفاده، انه قد يقال بعدم جواز بيعها لعدم المنفعة المحللة المقصودة

فيها، و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شي ء.

و اورد عليه: بانه يتداوي بها لبعض الاوجاع، و هذه فائدة مترتبة عليها، فهي نظير الادوية و العقاقير.

لانه يوجب قياس كل شي ء عليها للانتفاع به في بعض الاوقات.

و اورد عليه: بأن هذا في بادئ النظر، جواب نقضي و لذا قال بعضهم: ان هذا جواب لا يليق أن يذكر، إذ علي الفقيه أن يدفع قياس كل شي ء عليها.

و قال الاستاد الاعظم: إن التداوي بها لبعض الاوجاع يجعلها مصداقا لعنوان الادوية، و انطباق الكلي علي أفراده غير مربوط بالقياس.

و لكن: يمكن ان يقال: ان مراده قدس سره بذلك ان أبوال ما يؤكل لحمه بعد فرض انحصار

فائدتها بالتداوي لبعض الاوجاع علي ما هو مفروض الكلام، بما انها مبتذلة و لا ينحصر التداوي بها غالبا، بل قل ما يتفق الاحتياج إليها الموجب ذلك لعدم تعلق الغرض بحفظها لا تكون عند العرف من الاموال و لا يعدون ذلك من منافعها، و لا يعتنون بمثل هذه الفائدة في ابتذال المال بازائها، و هذا بخلاف الادوية و العقاقير، و لذا تري أنها تجلب من أقاصي البلاد و يكون بيعها و شرائها من التجارات المهمة، و الشاهد علي ذلك انهم عند الاحتياج إليها يعدونها من الاموال و يعاملون عليها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 34

نعم يمكن أن يقال: قوله صلي الله عليه و آله و سلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام، يدل علي أن ضابطة المنع تحريم الشي ء اختيارا، و إلا فلا حرام الا و هو محلل عند الضرورة و المفروض حرمة شرب الابوال اختيارا،

و المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا، فلا ينتقض بالطين المحرم أكله، فإن المنافع الاخر للطين اهم و اعم من منفعة الاكل المحرم، بل لا يعد الاكل من منافع الطين، فالنبوي دال علي انه إذا حرم الله شيئا بقول مطلق، بأن قال يحرم الشي ء الفلاني حرم بيعه، لان تحريم عينه إما راجع إلي تحريم جميع منافعه او الي تحريم اهم منافعه الذي يتبادر عند الاطلاق، بحيث يكون غيره غير مقصود منه، و علي التقديرين يدخل الشي ء لاجل ذلك، فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة، و الطين لم يحرم كذلك بل لم يحرم إلا بعض منافعه الغير المقصودة منه و هو الاكل بخلاف الابوال، فانها: حرمت كذلك، فيكون التحريم راجعا إلي شربها

و غيره من المنافع في حكم العدم. و بالجملة فالانتفاع بالشي ء حال الضرورة منفعة محرمة في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه (1).

______________________________

و بالجملة: بعد كون مناط المالية رغبات الناس بلحاظ حاجاتهم إليها علي حسب الحالات و الازمنة، الفرق بين الابوال و الادوية و العقاقير واضح.

(1) و قد يستدل لعدم جواز بيعها: بان النبوي المتقدم: انه إذا حرم الله شيئا حرم ثمنه. يدل علي عدم جواز بيع ما حرم اختيارا و الا فلا حرام إلا و هو محلل عند الضرورة،

و المفروض حرمة شرب الابوال اختيارا.

و لكن قد عرفت ضعف سند النبوي و عدم صلاحيته للاعتماد عليه، فلا بد من الرجوع إلي القواعد، و هي تقتضي فساد بيع ما لا يكون له منفعة محللة، و صحة بيع ما له منفعة كذلك كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في النوع الثالث مما يكتسب به، و عليه فيجوز بيع كل ماله منفعة جائزة حين جوازها و لو كان ذلك حين الاضطرار، إذا أهل العرف يرونه في حال الاضطرار مالا لرغبتهم إليه بلحاظ الحاجة و يبذلون المال بإزائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 35

و لا ينتقض ايضا بالادوية المحرمة في غير حال المرض لاجل الاضرار (1) لان حلية هذه في حال المرض ليست لاجل الضرورة بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع.

______________________________

و أما ما ينتفع به في حال الاضرار، و لا ينتفع به حال الاختيار، فهل يجوز بيعه في حال الاختيار مطلقا، ام لا يجوز كذلك، ام يفصل بين الموارد؟ وجوه: اقواها الاخير، اذ لو كان للشي ء منافع محرمة في حال الاختيار، او لم تكن له منفعة، و منفعة محللة في حال الاضطرار، و كان الاحتياج اليه قليلا، و كان

ذلك الشي ء مبتذلا لا يعد ذلك في حال الاختيار مالا عرفا، لا سيما اذا احتاج الي مئونة، و أما اذا كانت منفعته المحللة في حال الاضطرار شائعة بان كثرت الحاجة الي التداوي به، او كانت نادرة و لكن عز وجوده و قل كلحم الافعي فيصح بيعه، لان اهل العرف يعدون ذلك الشي ء مالا و يبذلون المال بازائه قبل زمان الاضطرار للتداوي به عند الابتلاء به او بيعه من المريض.

(1) محصل النقض انه كما ان الادوية محرمة الاستعمال في غير حال الصحة لإضرارها بالنفس، و مع ذلك يجوز بيعها لاستعمالها حال المرض. كذلك الابوال بناء علي حرمة شربها في حال الصحة و الاختيار فانه لجواز استعمالها حال المرض يجوز بيعها.

و اجاب عن ذلك المصنف قدس سره بقوله: ان حلية هذه في حال المرض ليست لاجل الضرورة بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع.

و فيه: ان عنوان الاضرار من العناوين الثابتة لاستعمال كل شي ء من المشروبات و المأكولات زائدا عن حده، و في غير محله، حتي الخبز اذا اكل الانسان في حال الشبع و انطباقه علي الادوية ايضا يكون كذلك، فهذا لا يصلح جعله مناطا للحرمة و علة لعدم جواز البيع اذ عليه لا يجوز بيع شي ء من المشروبات و المأكولات.

و مع الاغماض عن ذلك، ما ذكره من الفرق غير فارق، اذ علي فرض صحة سند النبوي و دلالته علي ان ما حرم في حال الاختيار لا يجوز بيعه، لا وجه للفرق بين كون الحرمة ثابتة له بعنوانه الاولي او بعنوان الاضرار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 36

و مما ذكرنا يظهر ان قوله عليه السلام: في رواية تحف العقول المتقدمة، و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من

جهة من الجهات، يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار (1) دون الضرورة و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها فان الاول من قبيل الابوال، و الثاني من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها، و لا ينافيه (2) النبوي: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم،

فباعوها (1) و اكلوا ثمنها، لان الظاهر ان الشحوم كانت محرمة الانتفاع علي اليهود بجميع الانتفاعات، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.

______________________________

(1) و فيه ان مقتضي اطلاقه صحة بيع ما فيه جهة الصلاح حين وجودها من غير فرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار، و ايضا من غير فرق بين كون تلك الجهة شائعة ام

بيع شحوم ما لا يؤكل لحمه

(2) وجه التنافي هو توهم دلالته علي ان استحقاق اليهود للعن انما هو من جهة بيعهم ما حرم اكله، و لو لا الملازمة بين حرمة الاكل لما كان وجه لذلك.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بان الظاهر ان الشحوم كانت محرمة الانتفاع علي اليهود بجميع الانتفاعات لا كحرمة شحوم غير الماكول علينا.

و اورد عليه الاستاذ الاعظم: بانه لا منشأ لهذا الظهور لا من الرواية و لا من غيرها.

و يرد عليه: ان منشأ استظهاره اسناد الحرمة الي الشحوم انفسها لا إلي اكلها اذ الظاهر من اسناد الحرمة الي شي ء بقول مطلق حرمة جميع منافعه.

فالصحيح ان يورد عليه: بان استظهار ذلك مع عدم كون الكلام مسوقا لبيان حرمة الشحوم في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 37

و لكن الموجود من النبوي في باب الاطعمة عن الخلاف ان الله اذا حرم أكل شي ء حرم ثمنه و الجواب عنه مع ضعفه (1) و عدم الجابر له سندا و دلالة لقصودها لزوم تخصيص الاكثر الثاني

بول الابل يجوز بيعه إجماعا علي ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع اما لجواز شربه اختيارا (2) كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية لجعفري أبوال الابل خير من ألبانها «1»

______________________________

و لكن يصح الجواب عن الاستدلال: بانه يحتمل ذلك اي كون الشحوم محرمة الانتفاع علي اليهود بجميع الانتفاعات لعدم معلومية كيفية حرمة الشحوم عليهم، فلا يمكن رفع اليد عن الادلة الاخر بهذا الخبر.

(1) الظاهر زيادة كلمة (مع) و مراد المصنف قدس سره ان الخبر ضعيف السند.

و الدلالة، للزوم تخصيص الاكثر، لا انه مضافا إلي ضعفه سندا و دلالة يلزم تخصيص الاكثر كي يورد عليه بانه لا وجه لضعف الدلالة سوي ذلك فتدبر.

ثمّ إن حمل الخبر علي إرادة حرمة الاكل من المأكولات أعني ما يقصد للاكل دون ما حرم أكله مطلقا، فلا يلزم منه تخصيص الاكثر، كما عن المحقق الايرواني قدس سره حمل تبرعي لا يصار إليه مع عدم القرينة.

بيع بول الابل

(2) و فيه أولا انه ضعيف السند لبكر بن صالح.

و ثانيا: انه يدل علي ثبوت الخير في بولها، و هو اعم من الجواز التكليفي، إذ يمكن ان يكون ذلك من جهة كونه دواء لكثير من الامراض.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سره في الجواب عنه، من انه إنما سيق لبيان مضرية ألبانها.

فغير تام فإن ذلك ينافي ما في ذيل الخبر و يجعل الله السفاء في ألبانها و ما في ساير النصوص من أنها دواء من كل داء و عاهة.

______________________________

(1) الوسائل باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 38

و أما لاجل الاجماع المنقول لو قلنا بعدم جواز شربها إلا لضرورة الاستشفاء كما يدل عليه (1) رواية سماعة

قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الابل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز أن يشرب؟ قال عليه السلام: نعم لا بأس «1» و موثقة عمار عن بول البقر يشربه الرجل قال إن كان محتاجا إليه يتداوي بشربه فلا بأس به كذلك بول الابل و الغنم «2» لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا (2) أشكل الحكم بالجواز إن لم يكن اجماعيا كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية.

______________________________

و ثالثا أبوال الابل بما انها مبتذلة و لا ينحصر التداوي بها غالبا بل قل ما يتفق الاحتياج اليها، بعد فرض انحصار فائدتها بالتداوي لبعض الاوجاع، الموجب ذلك لعدم تعلق الغرض بحفظها لا تكون عند العرف من الاموال و لا يعدون ذلك من منافعها، و لا يعتنون بمثل هذه الفائدة في ابتذال المال بإزائها.

و بالجملة بعد فرض كون مناط المالية المصححة لجواز البيع رغبات الناس بلحاظ حاجاتهم إليها علي حسب الحالات و الازمنة عدم جواز بيع الابوال واضح.

(1) و فيه اولا ان التقييد في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السلام.

و ثانيا انه لو كان في كلام الامام عليه السلام لما كان يدل عليه الا بناء علي حجية مفهوم القيد.

نعم موثق عمار يدل عليه بمفهوم الشرط.

(2) و يرد عليه انه لو كان للشي ء منافع محرمة في حال الاختيار او لم تكن له منفعة،

و منفعة محللة في حال الاضطرار و كانت تلك المنفعة شائعة بأن كثرت الحاجة إلي التداوي به او كانت نادرة و لكن عز وجوده و قل كلحم الافعي يصح بيعه في حال الاختيار لان أهل العرف يعدون ذلك الشي ء مالا و يبذلون المال بإزائه قبل زمان الاضطرار

للتداوي به عند الابتلاء به او بيعه من المرض نعم ما أفاده يتم في بول الابل كما مر

______________________________

(1) الوسائل باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 7.

(2) الوسائل باب 59 من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 39

و ابن سعيد في النزهة قال (1) في النهاية: و كذلك البول يعني يحرم بيعه و ان كان طاهرا للاستخباث كأبوال البقر و الابل و ان انتفع به في شربه للدواء لانه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به (انتهي) أقول: بل لان (2) المنفعة المحللة للاضطرار و إن كانت كلية لا يسوغ البيع كما عرفت.

الثانية يحرم بيع العذرة من كل حيوان علي المشهور
اشارة

(3) بل في التذكرة كما عن الخلاف الاجماع علي تحريم بيع السرجين النجس و يدل عليه مضافا إلي ما تقدم من الاخبار رواية يعقوب بن شعيب ثمن العذرة من السحت، نعم في رواية محمد بن مضارب لا بأس ببيع العذرة.

______________________________

(1) لا ظهور لكلام العلامة قدس سره في عدم جواز البيع علي تقدير حرمة شربه اختيارا خاصة، بل يحتمل أن يكون مراده عدم الجواز حتي مع جواز شرابه، لما ذكرناه من ان جواز الشرب ليس مناط المالية فراجع.

(2) الصحيح ما ذكره العلامة قدس سره كما يظهر لمن راجع ما ذكرناه في بعض الحواشي السابقة ضابطا لجواز البيع فراجع.

حكم بيع العذرة

(3) هذا هو المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة بل عن صريح غير واحد كالعلامة و صاحب الجواهر و غيرهما، و ظاهر آخرين، دعوي الاجماع عليه.

و أما النصوص الواردة في المقام فهي علي طائفتين:

الاولي: ما تدل علي عدم جواز البيع و كون ثمن العذرة من السحت، كخبر يعقوب بن شعيب عن الامام الصادق عليه السلام ثمن العذرة من السحت «1».

الثانية: ما تدل علي

الجواز: كحسن محمد بن مضارب عنه عليه السلام قال: لا بأس ببيع العذرة «2».

و أما موثق سماعة قال: سال رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر فقال: إنّي رجل أبيع

______________________________

(1) الوسائل باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 40

و جمع الشيخ بينهما (1) بحمل الاول علي عذرة الانسان و الثاني علي عذرة البهائم، و لعله لان الاول نص في عذرة الانسان ظاهر في غيرها، بعكس الخبر الثاني، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.

______________________________

العذرة فما تقول؟ قال عليه السلام حرام بيعها و ثمنها، و قال: لا بأس ببيع العذرة «1».

فالظاهر أنه خبران، جمع الراوي بينهما و ذلك لوجهين: الاول: تكرار كلمة (قال) و لو كان خبرا واحدا صادرا عن المعصوم في مجلس واحد لما كررها.

الثاني: أنه لو كان خبرا واحدا لكان للمعصوم عليه السلام ذكر المضمر موضع المظهر و كان يقول لا بأس ببيعها، فما ذكره بعض من ان روايات الباب علي طوائف في غير محله.

بل هي طائفتان: مانعة، و جوزة.

و قد ذكر الاساطين في مقام الجمع بين الطائفتين وجوها:

(1) الاول: ما نقله المصنف قدس سره عن شيخ الطائفة و هو حمل خبر المنع علي عذرة الانسان و خبر الجواز علي عذرة البهائم.

و فيه: أولا ان حمل الظاهر علي نص إنما يكون جمعا عرفيا فيما إذا كانت النصوصية باقتضاء نفس الدليل كما في أفعل و لا بأس بتركه، حيث ان الثاني نص بنفسه في عدم الوجوب، لا فيما إذا كانت من جهة تيقن اندراج فرد أو أفراد في الدليل من جهة مناسبة الحكم و الموضوع أو غيرها، إذ

أهل العرف لا يرون مثل هذا النص قرينة علي التصرف في الظاهر.

و إن شئت قلت: ان النص الذي يكون قرينة هو النص في تمام المدلول لا في بعضه كما في المقام، و ذلك فإن جعل احد الدليلين في أمثال المقام قرينة علي التصرف في ظاهر الآخر،

اما أن يكون باعتبار معناه الظاهر، أو باعتبار بعض مدلوله الذي هو نص فيه، لا سبيل إلي توهم الاول، فإن ظاهر كل منهما ينافي صدور الآخر و يستدعي عدم صدوره لا حمله علي بعض مدلوله.

و أما بالاعتبار الثاني فإن ادعي كونه قرينة بذلك الاعتبار قبل تخصيصه به فهو كما

______________________________

(1) الوسائل، باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 41

و يقرب هذا الجمع (1) رواية سماعة قال سأل رجل ابا عبد الله عليه السلام و انا حاضر عن بيع العذرة فقال اني رجل ابيع العذرة فما تقول؟ قال: عليه السلام حرام بيعها و ثمنها و قال لا بأس ببيع العذرة، «1» فان الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل علي ان تعارض الاولين ليس الا من جهة الدلالة فلا يرجع فيه الي المرجحات السندية او الخارجية.

______________________________

تري، و ان ادعي كونه قرينة بعده فهو دور واضح، مثلا جعل ثمن العذرة سحت، قرينة لحمل لا بأس ببيع العذرة علي عذرة غير الانسان لا يصح قبل تخصيصه بعذرة الانسان كما هو واضح، و لا بعده، فان تخصيصه بها لا وجه له سوي لا بأس ببيع العذرة الذي لا يكون قرينة علي ذلك الا بعد تخصيصه بعذرة غير الانسان المتوقف علي قرينية ثمن العذرة سحت، فتدبر فانه دقيق.

و ثانيا: لا نسلم نصوصية لا بأس ببيع العذرة، في عذرة

غير الانسان كما لا نسلم نصوصية ثمن العذرة سحت في عذرة الانسان اذ جواز البيع و عدمه لا يكونان تابعين للطهارة و النجاسة، بل انما يكونان تابعين لوجود المنفعة المحللة و عدمها، و لا أقل من احتمال ذلك، و عليه فبما ان منفعة عذرة الانسان تكون ازيد للانتفاع بها في التسميد و نحوه،

و لا اقل من التساوي، لا تصح دعوي النصوصية المذكورة كما لا يخفي.

و ثالثا: انه لو صح الحمل المذكور كان مقتضاه جواز بيع عذرة مأكول اللحم، و عدم جواز بيع عذرة غير مأكول اللحم، لا خصوص الانسان و البهائم.

و رابعا: الظاهر ان العذرة لا تطلق علي خرء البهائم بل هي حقيقة في خصوص عذرة الانسان و لقد خرجنا في المقام عما يقتضيه الادب و الله تعالي مقيل العثرات.

(1) و فيه اولا: انه لو تم ذلك فانما هو لو ثبت صدورهما من المعصوم عليه السلام في مجلس واحد لا فيما اذا صدرا عنه عليه السلام في مجلسين و الراوي جمع بينهما، و قد عرفت ان الاظهر هو الثاني.

______________________________

(1) الوسائل، باب 40، من ابواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 42

و به يدفع ما يقال من ان العلاج في الخبرين المتنافيين علي وجه التباين الكلي هو الرجوع الي المرجحات الخارجية ثمّ التخيير او التوقف (1) لا إلغاء ظهور كل منهما و لهذا طعن علي من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر علي الاباحة و النهي علي الكراهة و احتمل السبزواري حمل خبر المنع علي الكراهة و فيه ما لا يخفي من البعد.

______________________________

و ثانيا: لا يتم ذلك و ان صدرا منه عليه السلام في مجلس واحد، إذ لو لم تكن إحدي الجملتين

قرينة علي التصرف في الاخري لا مناص عن الحكم بالاجمال و سقوطهما عن الاعتبار.

و دعوي ان دليل التعبد بالخبر الذي فيه الجملتان يقتضي معاملة الصادر معهما المستلزمة للعمل بما و لهما.

مندفعة بأن غاية ما يدل عليه دليل التعبد صدورهما، و أما حمل كل من الجملتين علي معني لا تكون ظاهرة، فبه أو الحكم بالاجمال فهو اجنبي عنه، و لزوم اللغوية من التعبد بخبر محكوم بالاجمال لا يوجب العمل بمأولهما بعد كون دليل التعبد هي الادلة العامة،

بل يستلزم عدم شموله له لعدم الاثر.

و ثالثا: ان الجمع بينهما في رواية واحدة لو سلم كونه مقتضيا للعمل بمأولهما فإنما يقتضي وجود الجمع بينهما، لا تعيين خصوص ما ذكره الشيخ قدس سره بعد كونه في نفسه جمعا تبرعيا كسائر طرق الجمع.

(1) يعني إذا وقعت الجملتان في خبر واحد يكون مفادهما خاصا فيه يقيد إطلاق كل من الخبرين الشاملين لهما منعا و ترخيصا.

الثاني: ما عن كفاية السبزواري قدس سره و هو حمل خبر المنع علي الكراهة.

و أجاب عنه المصنف قدس سره بقوله و لا يخفي ما فيه من البعد.

و ذكر بعضهم في وجه استبعاد المصنف قدس سره ان خبر يعقوب صريح في المنع إذ السحت لا يستعمل في الكراهة بل هو في اللغة علي ما صرح به أئمة الفن، عبارة عن الحرام.

و فيه: انه قد اطلق السحت في جملة من النصوص علي ثمن ما يجوز بيعه و لكنه مكروه كثمن جلود السباع كخبر الجعفريات عن الامام علي عليه السلام حيث عد من السحت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 43

و أبعد منه ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع علي بلاد لا ينتفع به و الجواز علي غيرها (1)

______________________________

ثمن جلود السباع

«1» و نحوه غيره.

و كسب الحجام، كموثق سماعة عن الامام الصادق عليه السلام: السحت أنواع كثيرة: منها كسب الحجام «2» و نحوه غيره.

و قبول الهداية مع قضاء الحاجة كخبر العيون عن الامام الرضا عليه السلام عن آبائه عن سيدنا علي عليه السلام في قوله تعالي (أكالون للسحت) هو الرجل يقضي لاخيه الحاجة ثمّ يقبل هديته. «3» إلي غير ذلك من الموارد التي يجوز فيها البيع علي ما ثبت في مواردها فليكن المقام من تلك الموارد.

فالاولي ان يقال في وجه بعد هذا الجمع- مضافا إلي أن الالتزام بكراهة التصرف في الثمن مع جواز بيع العذرة مخالف للاجماع المركب لا يمكن المصير إليه- إن موثق سماعة صريح في الحرمة لا يصح حمله علي الكرامة.

(1) الثالث: ما عن المجلسي قدس سره احتماله و هو حمل خبر المنع علي بلاد لا ينتفع بها، و حمل خبر الجواز علي بلاد ينتفع بها.

و فيه: انه جمع تبرعي لا شاهد له، و كونها في بلاد لا ينتفع بها، لا يوجب سلب ماليتها بعد الانتفاع بها في بلاد اخر، فلا يصح جعله قرينة لهذا الحمل، اللهم الا ان يقال انها لابتذالها و كثرتها لا تنقل من بلد الي آخر، فتدبر. مع ان الظاهر ورود الاخبار المانعة و المجوزة سؤالا و جوابا في صورة كون البيع سفهيا.

الرابع: حمل خبر المنع علي عدم الجواز الوضعي، و خبر الجواز علي الجواز التكليفي، فيكون بيع العذرة فاسدا غير محرم.

______________________________

(1) المستدرك باب 5 من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 5 من ابواب ما يكتسب به، حديث 2.

(3) الوسائل، باب 5 من ابواب ما يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 44

و نحوه حمل خبر المنع

علي التقية لكونه مذهب اكثر العامة (1).

______________________________

و فيه: ان هذا الجمع ان صح بين خبري يعقوب و ابن مضارب، لا يصح في موثق سماعة، اذ قوله عليه السلام حرام بيعها، ظاهر في الحرمة التكليفية، و قوله حرام ثمنها، ظاهر في الحرمة الوضعية علي ما عرفت في ضابط دلالة النهي علي الفساد.

الخامس: ما عن العلامة المامقاني من حمل خبر الجواز علي الاستفهام الانكاري و هو كما تري.

فتحصل: ان الطائفتين متعارضتان لا يمكن الجمع بينهما.

فحينئذ، قد يقال: ان خبر المنع و هو خبر يعقوب ضعيف السند. للارسال، و لجهالة علي بن مسكين.

و فيه اولا: ان العلامة و ان ارسله في المنتهي، الا انه مروي في كتب الاحاديث مسندا، نعم ابن مسكين مجهول الا انه يمكن دعوي جبر ضعف السند بالشهرة.

و دعوي ان ابتناء الشهرة في المقام ثابتة مع بنائهم علي جواز الانتفاع بها في التسميد و نحوه، و الشهرة الثابتة في مطلق النجاسات انما هي فيما لا ينتفع به منفعة محللة، فيستكشف من ذلك ثبوت الشهرة في خصوص بيع العذرة، و يؤيده تصريحهم بذلك و دعوي جماعة منهم الاجماع علي المنع عن بيع العذرة خاصة.

و ثانيا: انه قد مر عدم اختصاص خبر المنع به، بل موثق سماعة ايضا دال عليه و علي الحرمة التكليفية.

(1) و قد يقال: انه يحمل خبر المنع علي التقية.

و اورد عليه: بان المنع و ان كان مذهب اكثر العامة الا انه لا يفيد، مع كون فتوي معاصر الامام الذي صدر عنه خبر الجواز و هو امامنا الصادق عليه السلام هو الجواز، فان ابا حنيفة افتي بالجواز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 45

و الاظهر ما ذكره الشيخ لو اريد الترع بالحمل لكون اولي من الطرح

و الا فرواية الجواز لا يجوز الاخذ بها من وجوه لا تخفي (1).

______________________________

و فيه: ان ابا حنيفة من المفتين بالمنع في العذرة غير المختلطة بالتراب، و انما افتي بجواز بيع المختلط و بيع السرجين و بيع البعر كما يظهر لمن راجع فقه المذاهب الاربعة.

و لكن يرد علي هذا الحمل: ان مخالفة العامة انما هي من المرجحات بعد فقد جملة من المرجحات لا مطلقا.

و التحقيق ان يقال: انه بناء علي ان المرجح الاول انما هي الشهرة الفتوائية، و انه مع وجودها لا يرجع الي المرجحات الاخر و لا يعارضها غيرها، يتعين في المقام تقديم خبر المنع لكونه مشهورا، و أما بناء علي ان المرجح هي الشهرة الروائية لا الفتوائية، فحيث انهما معا مشهوران، و موثقا سماعة لا مرجح لاحدهما علي الآخر من حيث صفات الراوي، فيتعين تقديم خبر الجواز لكونه مخالفا للعامة.

(1) الظاهر ان الوجوه المشار اليها انما هي: مخالفتها للمشهور، و للإجماعات المنقولة، و لفتوي ابي حنيفة، و للروايات العامة المتقدمة، و ما عن المجلسي قدس سره من ضعف سند خبر الجواز.

اما الاول: فقد عرفت انه يوجب تقديم خبر المنع.

و أما الثاني: فالاجماع المنقول غير التعبدي لا يكون من المرجحات و التعبدي حجة مستقلة، و أما المخالفة لفتوي ابي حنيفة فقد مر ما فيها فراجع.

و أما ضعف سند خبر الجواز، فالظاهر ان منشأ تخيله خلط ابن مضارب بابن مصادف، حيث ان الاول مجهول الحال، و الثاني الذي هو الراوي حسن، و في كتب الحديث روي الخبر عن الثاني، و أما الروايات العامة فقد تقدم ما فيها، مضافا الي ما سيجي ء من انها انما تدل علي عدم جواز بيع النجس الذي لا ينتفع به منفعة محللة،

و لا تشمل ما له نفع كذلك كما في العذرة فانه ينتفع بها في التسميد كما دل عليه خبر ابي البختري المجبور ضعفه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 46

______________________________

بعمل الاصحاب، مع ان العام الفوق لا يوجب ترجيح موافقه علي مخالفه في المتعارضين، بل لو

قدم مخالفه يخصص به.

تتميم

و للمحقق النائيني قدس سره كلام لا بأس بذكره و حاصله: انه بناء علي كون النجاسة مانعة عن صحة البيع مستقلا لا يمكن الجمع بين المتعارضين، فيتساقطان و يرجع الي عموم ما دل علي عدم جواز بيع النجس، و أما بناء علي ان النجاسة مانعة عن صحة البيع إذا توقف الانتفاع بالشي ء علي طهارته و الا فلا، فيمكن الجمع بين المتعارضين باختلاف البلاد للمناسبة بين الحكم و الموضوع، التي هي من القرائن المكتنفة بالكلام الموجب ذلك لخروج الجمع بينهما عن الجمع التبرعي، او التورعي.

و في كلامه قدس سره مواقع للنظر:

الاول: فيما ذكره بناء علي مانعية النجاسة بنفسها من تساقط المتعارضين و الرجوع إلي عموم ما دل علي عدم جواز بيع النجس: فإنه يرد عليه انه عند تعارض الخبرين، و عدم امكان الجمع بينهما يتعين الرجوع الي المرجوع الي المرجحات، و عند فقدها يتخير في الاخذ بأيهما شاء، و ستعرف ان الترجيح مع خبر المنع فلا وجه للرجوع إلي ذلك العموم.

الثاني: ما ذكره بناء علي عدم مانعية النجاسة من الجمع بينهما باختلاف البلاد لمناسبة الحكم و الموضوع: فإنه يرد عليه، ان المناسبة إن اوجبت ظهور كل من المتعارضين فيما عليه الذي لازمه الحمل عليه حتي مع عدم المعارض فلا كلام، و إلا فالجمع يكون تبرعيا كما يظهر لمن راجع ما ذكرناه في الحشية السابقة هذا كله مضافا الي ما عرفت

من أن مورد خبر المنع ايضا هو بيع العذرة في بلد ينتفع بها فيه فيدبر جيدا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 47

ثمّ إن لفظ العذرة في الروايات إن قلنا إنه ظاهر في عذرة الانسان كما حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة، فثبوت الحكم في غيرها بالاخبار العامة المتقدمة و بالاجماع المتقدم علي السرجين النجس و استشكل في الكفاية في الحكم تبعا للمقدس الاردبيلي إن لم يثبت الاجماع و هو حسن إلا أن الاجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الاخبار العامة السابقة.

______________________________

بيع السرجين النجس

قوله قدس سره ثمّ ان لفظ العذرة في الروايات ان قلنا انه ظاهر في عذرة الانسان.

بناء علي جواز بيع عذرة الانسان يجوز بيع السرجين النجس مطلقا.

و أما بناء علي القول بالمنع فيها كما اخترناه، فهل يجوز بيع السرجين النجس مطلقا أم لا، قولان: قد استدل للاول بصدق العذرة عليه فيدل علي المنع ما دل علي المنع عن بيعها، و بالاخبار العامة المتقدمة، و بالاجماع المدعي في محكي الخلاف و التذكرة علي المنع،

و بآية تحريم الخبائث، بدعوي أنها تدل علي حرمة جميع الانتفاعات و منها البيع.

و في الجميع نظر.

أما الاول: فلانه بعد تصريح من اللغويين باختصاصها بعذرة الانسان لا يبقي وثوق بالصدق، و معه لا وجه للتمسك بما دل علي عدم جواز بيع العذرة.

و أما الثاني: فلما عرفت في أول الكتاب من أنها ضعيفة السند لا تصلح أن يعتمد عليها في الحكم.

و ما ادعاه المصنف قدس سره من أن الاجماع المنقول هو الجابر لضعف سندها، غير تام، إذ لم يحرز استناد الاصحاب إليها كي يكون ذلك جابرا للضعف، إذ مجرد موافقة فتواهم لها لا تكون جابرة، مع انك قد عرفت، و سيأتي تنقيحه ان تلك

الاخبار لا تشمل ما ينتفع به منفعة محللة.

و أما الثالث: فلان الاجماع المنقول في المقام علي فرض ثبوته لا يكون اجماعا تعبديا إذ لا أقل من احتمال استنادهم إلي بعض ما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 48

و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان،

لحمله أخبار المنع علي عذرة الانسان و فيه نظر. (1) فرع: الاقوي جواز بيع الارواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة (2) و عن الخلاف نفي الخلاف فيه. و حكي أيضا عن المرتضي قدس سره الاجماع عليه.

______________________________

و أما آية تحريم الخبائث فقد مر ان الخبيث عبارة عما فيه مفسدة و دنائة، لاما يتنفر الطبع منه فصدقه علي السرجين غير معلوم.

مضافا الي ما نبه عليه المصنف من أن المراد منها تحرمها أكل الخبائث لا مطلق الانتفاعات بها.

فالاظهر جواز بيعه، لعموم ادلة حل البيع إلا أن يستدل لعدم الجواز بما تقدم من خبر المنع في العذرة بضميمة الاولوية او بتنقيح المناط.

(1) إذ لعله أراد بالحمل علي عذرة الانسان الحمل علي عذرة غير مأكول اللحم،

بل هذا هو الظاهر، كما يشهد له قوله في محكي المبسوط، فلا يجوز بيع العذرة و السرجين مما يؤكل لحمه، و في محكي الخلاف فالسرجين النجس محرم بالاجماع فوجب ان يكون بيعه محرما.

و أما ما ذكر المحقق التقي، في وجه النظر من أن الجمع التبرعي لا يقتضي ثبوت القول بالجواز و تبعه تلميذه المحقق.

فغير سديد إذ الشيخ قدس سره لا يري ذلك تبرعيا بل يكون ما ذكره عنده جمعا مقبولا كما لا يخفي.

بيع الارواث الطاهرة

(2) هذا هو المشهور بين الاصحاب علي ما نسب إليهم.

و يشهد له العمومات الدالة علي حلية البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 49

و

عن المفيد حرمة بيع العذرة و الابوال كلها إلا بول الابل و حكي عن سلار ايضا و لا أعرف مستندا لذلك إلا دعوي ان تحريم الخبائث في قوله تعالي (و يحرم عليهم الخبائث) يشمل تحريم بيعها و قوله عليه الصلاة و السلام إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام و غيرها، و يرد علي الاول ان المراد بقرينة مقابلته لقوله تعالي (يحل لهم الطيبات) الاكل لا مطلق الانتفاع (1) و في النبوي و غيره ما عرفت من ان الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي ء بحيث يدل علي تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة الروث ليست هي الاكل المحرم فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا.

______________________________

و قد استدل للمنع بما دل علي عدم جواز بيع العذرة بدعوي صدقها عليها، و بالاخبار العمة، و بآية تحريم الخبائث.

و قد عرفت في الفرع المتقدم ما في جميع ذلك.

(1) أورد عليه المحقق الارواني قدس سره بأن آية حل الطيبات كآية تحريم الخبائث و لا قرينة تخصصها بالاكل لتكون قرينة علي هذه ايضا.

و أجاب هو قدس سره عن هذا الوجه بأن البيع ليس انتفاعا بالمبيع و لا تصرفا فيه حتي يقدر عند نسبة الحرمة إليه.

و يرد علي ما ذكره أولا أن آية حل الطيبات بقرينة صدرها و ذيلها ظاهرة في حلية خصوص الاكل كما يظهر لمن لاحظ الآية الشريفة.

و يرد علي ما ذكره ثانيا، أي ما ذكره في الجواب عن الاستدلال: انه لو سلم ان آية تحريم الخبائث تشمل جميع المنافع يكون لازم ذلك عدم جواز البيع إذ ما لا يكون له منفعة محللة مقصودة لا يجوز بيعه، مع انه لو سلم عموم الحرمة

لغير الاكل فيما ان المقدر ليس هو الانتفاع بالعين كي يصح دعوي عدم شموله للبيع، بل كل فعل متعلق بها و من جملة تلك الافعال بيعها، فلا مناص عن تسليم شمول الآية للبيع ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 50

الثالثة: يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف،
اشارة

بل عن النهاية و شرح الارشاد لفخر الدين و التنقيح الاجماع عليه (1) و يدل عليه الاخبار السابقة.

______________________________

حكم بيع الدم

(1) الظاهر: أنه لا إشكال في فساد البيع إذا لم يكن له منفعة محللة، إنما الكلام فيما إذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ و التسميد لبعض النباتات.

و قد استدل للفساد في هذا الفرض بوجوه: الاول: الاخبار العامة المتقدمة الدالة علي عدم جواز بيع النجس.

و هو فاسد من وجوه: الاول: انه ليس في شي ء من النصوص المتقدمة ما يمكن الاستدلال به في المقام إلا ما في خبر تحف العقول، و هو قوله عليه السلام أو شي ء من وجوه النجس … الخ «1». و أما البقية فقد اعترف هو قدس سره باختصاصها بما إذا لم يكن للمبيع منفعة محللة مقصودة.

الثاني: ما تقدم من أن الاخبار المتقدمة كلها ضعيفة السند لا يمكن الاستدلال بشي ء منها.

الثالث: ما تقدم منا، و سيعترف هو قدس سره به من أن التعليل فيه لمنع بيع شي ء من وجوه النجس بكونه منهيا عن أكله و شربه إلي آخر ما ذكر فيه يدل علي ان المانع حرمة الانتفاع لا النجاسة من حيث هي فمع فرض ترتب منفعة محللة علي النجس يجوز بيعه، مع انه لو سلم ظهوره في عدم جواز بيع النجس مطلقا يقع التعارض في أمثال المقام مما ينتفع به منفعة محللة، بين هذه الجملة منه و بين قوله عليه السلام و كل شي ء يكون لهم

فيه الصلاح من جهة من الجهات المقتضي للصحة، و بما ان التعارض ليس بين روايتين بل جملتين من رواية واحدة، لا سبيل إلي الرجوع إلي المرجحات، بل تتساقطان و يرجع الي عموم ما دل علي جواز البيع.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 51

______________________________

الثاني: ان بيع الدم إعانة علي الاثم فيكون محرما.

و فيه: مضافا الي ما سيجي ء من عدم حرمة الاعانة علي الاثم، و إلي ما تقدم من عدم ملازمة الحرمة للفساد، ان النسبة بين بيع الدم و بينها عموم من وجه، إذ قد يشتري الدم لغير الاكل بل للتسميد و نحوه.

الثالث: ما دل من الكتاب و السنة علي حرمة الدم كقوله تعالي (إنما حرم عليكم الميتة و الدم «1» بضميمة النبوي: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.

فيه: مضافا الي ما تقدم من ضعف سند النبوي، ان المراد من حرمة الدم حرمة اكله خاصة و قد مر عدم الملازمة بين تلك و بين الفساد.

الرابع: مرفوع ابي يحيي الواسطي قال: مر امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة اشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم … الخ «2».

و اورد عليه الاستاذ الاعظم: بانه ضعيف السند، و باختصاصه بالدم النجس، و بان الظاهر منه ارادة عدم جواز البيع للاكل فقط- تكليفا او وضعا ايضا- كما نبه علي ذلك العلامة الانصاري قدس سره.

و الجميع نظر:

اما الاول: فلان ضعفه مجبور بعمل الاصحاب و افتائهم بعدم الجواز، فعن النهاية و المبسوط و المراسم: ان المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة حرمة بيع الدم النجس، و عن التذكرة: دعوي الاجماع علي عدم بيع نجس العين.

و أما الثاني: فلانه لا محذور في الالتزام

بذلك. بل ظاهر الفتاوي ايضا كالنص هو ذلك.

و أما الثالث: فلانه لا وجه لهذه الدعوي سوي دعوي الانصراف و مناسبة سياق اخواته، و كلتا الدعويين كما تري.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية 174.

(2) الوسائل، باب 31، من ابواب الاطعمة المحرمة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 52

فرع: و أما الدم الطاهر

اذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ و قلنا بجوازه ففي جواز بيعه وجهان: اقواهما الجواز. لانها عين طاهرة ينفع بها منفعة محللة. (1) و أما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة: بيع الدم و الغدد و اذان الفؤاد و الطحال، الي آخرها (2) فالظاهر ارادة حرمة البيع للاكل، و لا شك في تحريمه لما سيجي ء من ان قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع بل بطلانه (3) و صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر لاستخباثه. و لعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الاكل المحرم.

______________________________

فتحصل: ان الاظهر عدم جواز بيع الدم النجس، هذا في غير دم الانسان.

و أما دم الانسان فالكلام فيه محرر في (المسائل المستحدثة).

و أما الدم الطاهر: فالخبر لا يدل علي المنع عن بيعه، فلو فرض له منفعة محللة كالصبغ علي القول بجوازه يجوز بيعه بمقتضي العمومات.

و لكن قد يقال بعدم جوازه، و لا وجه له سوي توهم انه مما تقتضيه آية تحريم الخبائث و قد مر ان الخبيث عبارة عن ما فيه مفسدة و دنائة، و ليس المراد به ما يتنفر منه الطبع، مضافا الي ما تقدم ايضا من اختصاصها بالاكل.

و قد يقال: انه علي القول بجوازه لا يجوز البيع، و غاية ما قيل في وجه عدم الجواز مضافا الي ما تقدم الذي عرفت ما فيه: ان

الصبغ و كذا ما شابهه ليس من المنافع الشائعة للدم، فيصح ان يقال: انه شي ء لا ينتفع به منفعة محللة فيشمله النبوي: ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه. لكنك عرفت ان النبوي ضعيف السند، و القواعد تقتضي صحة بيع كل ما له منفعة شائعة كانت ام نادرة. فالاظهر جواز بيعه.

(1) قد ظهر مما مر منا عدم الفرق بين النجس و الطاهر بعد وجود المنفعة المحللة الموجبة للمالية عرفا.

(2) قد مر من حمل الدم في المرفوعة علي الدم النجس.

(3) سيجي ء البحث في ذلك في مسألة بيع العنب بقصد ان يجعل خمرا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 53

الرابعة: لا إشكال في حرمة بيع المني

لنجاسته و عدم الانتفاع به اذا وقع في خارج الرحم (1).

______________________________

بيع المني

(1) تنقيح القول في المقام يستدعي البحث في شقوق بيع النطفة التي عنونها المصنف في الكتاب و هي ثلاثة:

الاول: بيع المني اذا وقع في خارج الرحم.

الثاني: في بيعه بعد ما اريق في الرحم الذي يسمي بالملاقيح.

الثالث: في بيع عسيب الفحل و هو ما في الصلب من الماء و يسمي بالمضامين.

اما الموضع الاول: و هو بيع المني اذا خرج و وقع في خارج الرحم و المصنف قدس سره حكم بحرمته لنجاسته، و عدم الانتفاع به.

و لكن يرد علي الوجه الاول ما قد تقدم مرارا و يعترف به المصنف في بيع الميتة ان النجاسة من حيث هي ليست مانعة عن صحة البيع.

و يرد علي الوجه الثاني ان المراد من عدم الانتفاع ان كان حرمة الانتفاع بالنجس مطلقا كما عن التنقيح الاجماع عليها فهي ممنوعة كما مر.

و ان اريد به عدم الانتفاع خارجا فلا يكون مالا فلا يصح بيعه.

فهو غير تام في هذا العصر حيث انه يمكن ان ينتفع بالمني الواقع

في خارج الرحم في الظروف الخاصة في المصانع الحديثة او بالتركيب مع نطفة الانثي فتصير بذلك مالا يرغب فيه و يبذل بازائه المال و قد شبعنا الكلام في ذلك في كتابنا المسائل المستحدثة.

نعم اذا القيت النطفة في خارج الرحم في مكان و زمان خاص لم يكن الانتفاع بها لا يصح بيعها لعدم جواز بيع ما ليس له منفعة و لو نادرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 54

و لو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري، لان الولد نماء الام في الحيوانات عرفا و للأب في الانسان شرعا. (1) لكن الظاهر ان حكمهم (2) بتبعيته الام متفرع علي عدم تملك المني و الا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع. فالمتعين التعليل بالنجاسة. (3) لكن قد منع بعض من نجاسته اذا دخل من الباطن الي الباطن.

______________________________

(1) هذا هو الموضع الثاني في المسألة، و هو بيع المني بعد ما وقع في الرحم.

فقد استدل لعدم جواز بيعه بوجوه:

الاول: انه لا ينتفع به المشتري، اذ الولد نماء الام في الحيوانات عرفا، فبمجرد وقوع المني في الرحم يصير ملكا لمالك الانثي بالتبعية، فلا يجوز بيعه لا من صاحب الام و لا من غيره.

(2) و فيه: مضافا الي ما ذكره المصنف من انه بناء علي تملك المني يكون هو كالبذر المغروس في ارض الغير يتبعه الذرع.

انه لو سلم كون الولد نماء الام في غير الانسان، يمكن تصحيح شراء صاحب الانثي بانه لا وجه لعدم جوازه سوي كونه نماء ملكه و هو انما يمنع عن شرائه بعد الاستقرار في الرحم لا قبله، لانه يكفي في المنفعة حصول الولد في ملك المشتري فتدبر.

كما يمكن تصحيح شراء غيره بان يشتري من صاحب الانثي لا من صاحب

الفحل، او منه مع اجازة صاحب الانثي.

(3) الثاني: انه نجس فلا يجوز بيعه.

و فيه: اولا: لا نسلم نجاسته اذا دخل من الباطن الي الباطن كما هو المفروض.

و ثانيا: انه قد تقدم مرارا- و يعترف به الشيخ ره في بيع الميتة- ان النجاسة من حيث هي ليست مانعة عن صحة البيع.

الثالث: الجهالة، و المراد بها هو الجهل بالحصول و صيرورته ولدا لا الجهل بالكم، و عليه فالايراد علي هذا الوجه كما عن جمع من المحققين كالمحقق الايرواني و الاستاذ الاعظم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 55

و قد ذكر العلامة من المحرمات بيع عسيب الفحل و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم (1).

______________________________

و غيرهما من أن الجهالة إنما توجب المنع فيما كان المطلوب فيه الكم و تختلف القيمة باختلاف الكم و الكيف دون مثل المقام، في غير محله.

الرابع: عدم القدرة علي التسليم.

و يرد عليه: ما أوردوه من ان تسليم كل شي ء بحسب حاله، و هو في المني وقوعه في الرحم و هو حاصل في الفرض.

و يشهد لعدم جواز البيع- مضافا إلي الجهالة- ما عن الصدوق في معاني الاخبار روايته بسند متصل عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه نهي عن المجر و هو ان يباع البعير او غيره بما في بطن الناقة، و نهي عن الملاقيح و المضامين، فالملاقيح ما في البطون و هي الاجنة، و المضامين ما في أصلاب الفحول، و كانوا يبيعون الجنين الذي في بطن الناقة و ما يضرب الفحل في عام أو أعوام «1».

و مصحح محمد بن قيس عن مولانا الباقر عليه السلام لاتبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل «2».

و عن العلامة قدس سره: ان النبي صلي

الله عليه و آله و سلم نهي عن بيع الملاقيح و المضامين.

و بما ان النهي عن المعاملة ظاهر في الفساد لا الحكم التكليفي فلا يستفاد من هذه النصوص إلا بطلان البيع.

فتحصل: ان الاظهر عدم جواز بيعه.

(1) هذا هو الموضع الثالث و يشهد لعدم جواز بيعه امور: الاول: جهالته، بالمعني المتقدم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب عقد البيع و شروطه، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 56

______________________________

و الايراد عليه بأنه إنما يعتبر العلم بعوضي المعاملة من جهة الغرر المرتفع بالعلم

بالطروقة و الاجتماع فلا تضر الجهالة كما عن الاستاذ الاعظم. في غير محله إذ الغرض المهم المترتب علي عسيب الفحل الموجب لصيرورته مالا إنما هو صيرورته ولدا، لا مجرد الطروقة و الاجتماع، فمع الجهل بذلك لا ريب في صدق الغرر.

الثاني: عدم القدرة علي التسليم، إذ الموجود في أصلاب الفحول غير مقدور علي تسليمه، فتدبر، فإن ذلك لا يخلو عن إشكال.

الثالث: جملة من النصوص: كالموثق المروي عن الجعفريات عن سيدنا علي عليه السلام و قد عد من السحت ثمن اللقاح و عسب الفحل و جلود السباع «1».

و مصحح محمد بن قيس المتقدم و نحوهما غيرهما.

و أورد علي الاستدلال بها: ان في المقام طائفة اخري من النصوص تدل علي جواز إكراء التيوس و نفي البأس عن أخذ أجورها: كموثق معاوية عن مولانا الصادق عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: أجر التيوس؟ قال: ان كانت العرب لتعاير به و لا بأس «2».

و خبر حنان بن سدير قال: دخلنا علي ابي عبد الله عليه السلام و معنا فرقد الحجام فقال له:

إن لي تيسا أكريه فما تقول في كسبه؟ قال

عليه السلام كل كسبه فإنه لك حلال «3».

و الجمع بين الطائفتين يقتضي حمل الطائفة الاولي المانعة علي الكراهة.

و فيه: ان الطائفة المجوزة إنما تدل علي جواز الاجارة و المانعة تمنع عن البيع، و لا دليل علي اتحاد حكمهما، بل مقتضي القاعدة هو الالتزام بالمنع عن البيع و جواز الاجارة،

كما لعل هذا هو المشهور بين الاصحاب.

______________________________

(1) المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(3) الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 57

كما أن الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار، كما في جامع المقاصد و عن غيره (1) و علل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة و عدم القدرة علي التسليم (2).

______________________________

و أما الايراد علي موثق الجعفريات بأنه في نفسه ظاهر في الكراهة لاشتماله علي جلود السباع التي لا إشكال في جواز بيعها.

ففي غير محله لما حققناه في محله من أن ثبوت الترخيص في بعض الامور التي نهي عنها لا يصلح دليلا علي الجواز فيما لم يدل دليل علي الترخيص فيه.

و حمل الطائفة المانعة علي التقية، مضافا إلي انه لا وجه له، إذ موافقة العامة من مرجحات إحدي الحجتين علي الاخري بعد فقد جملة من المرجحات لا من مميزات الحجة عن اللاحجة، ان المسألة محل الخلاف بين العامة أيضا.

(1) قال في جامع المقاصد في مسألة بيع العسيب: و الفرق بينه و بين الملاقح أن المراد بها النطفة بعد استقرارها في الرحم. و العسب هي قبل استقرارها و المجر أعم من كل منهما الظاهر أن المقصود ببيع الملاقيح و المضامين بيع ما تكون أو يتكوّن أو يولد حيوانا

من هذا الفحل أو من هذه الناقة لا بيع النطفة و الماء المبحوث عنه هنا.

(2) قال في الغنية: و لما ذكرنا من الشرطين نهي أيضا عن بيع حبل الحبلة و هو نتاج النتاج، و عن بيع الملاقيح و هو ما في بطون الامهات و عن بيع المضامين و هو ما في أصلاب الفحول، لان ذلك مجهول غير مقدور علي تسليمه.

و أنت تري أن محط نظر الغنية بيع الملاقيح و المضامين، و قد عرفت أنهما غير بيع النطفة المبحوث عنه هنا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 58

المعاوضة علي الميتة

الخامسة: يحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها التي تحلها الحياة
اشارة

من ذي النفس السائلة (1) علي المعروف من مذهب الاصحاب و في التذكرة كما عن المنتهي و التنقيح الاجماع عليه. و عن رهن الخلاف الاجماع علي عدم ملكيتها.

(2) و يدل عليه- مضافا إلي ما تقدم من الاخبار- ما دل علي أن الميتة لا ينتفع بها، منضما إلي اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلا يدخل في عموم النهي عن أكل المال بالباطل.

______________________________

(1) لا خلاف بين الاصحاب في حرمة بيع الميتة و أجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة بل عن التذكرة، و المنتهي، و التنقيح الاجماع عليها و عن الخلاف، و التذكرة، و المستند دعوي الاجماع علي حرمة بيعها وضعا و تكليفا.

و استدل لها بوجوه: الاول الاجماع.

و فيه: انه ليس إجماعا تعبديا بل الظاهر ان مدرك المجمعين هو الوجوه المذكورة التي ستمر عليك ان شاء الله تعالي.

الثاني: الاخبار العامة المتقدمة.

و فيه: ما تقدم من أنها ضعيفة السند لا يعتمد علي شي ء منها، و لم يحرز استناد الاصحاب إليها في المقام كي ينجبر ضعفها.

(2) الثالث: ما ذكره المصنف قدس سره قال: ما دل علي ان الميتة لا يتنفع

بها منضما إلي اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع.

فالكلام في موردين: الاول: حكم الانتفاع بالميتة. الثاني حكم بيعها.

أما المورد الاول فقد استدل لعدم جواز الانتفاع بالميتة مضافا إلي الاجماع و الاخبار العامة المتقدمة الذين عرفت ما فيهما بوجهين.

1- ما دل من الآيات و الروايات علي عدم جواز الانتفاع بالنجس.

و يرده ما سيأتي عند تعرض المصنف لتلك المسألة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 59

______________________________

2- النصوص الدالة علي ان الميتة لا ينتفع بها.

كموثق سماعة سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها فقال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا «1».

و خبر علي بن مغيرة قلت لابي عبد الله عليه السلام الميتة ينتفع منها بشي ء قال: لا.

(الحديث) «2» و نحوهما غيرهما.

و قد يقال إن هذه النصوص و ان دلت علي عدم جواز الانتفاع بها مطلقا، إلا انه يختص بما يعد استعمالا عرفا كما عن كاشف الغطاء قدس سره.

و أورد عليه الشيخ: أنه ليس في النصوص ما ينهي عن خصوص الاستعمال حتي يقال باختصاص تلك النصوص بقرينة إضافة الاستعمال إلي الميتة بالاستعمال فيما يكون المقصود منه، فالايقاد بالميتة وسد ساقية الماء بها و إطعامها لجوارح الطير غير مشمولة لها،

و بعبارة اخري: انصراف الاستعمال إلي الاستعمال المعهود المتعارف من كل شي ء بل المنهي عنه ما يكون انتفاعا بها.

نعم يمكن ان يقال: إن مثل هذه الاستعمالات اي غير المعهودة من كل شي ء لا تعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة المعدوم.. فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد عرفا غرضا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة.

أضف إليه أن الانتفاع المنفي في الميتة و ان كان مطلقا في حيز النفي إلا ان اختصاصه بما ادعيناه من الاغراض المقصودة من

الشي ء دون الفوائد المترتبة من دون ان تعد مقاصد ليس من جهة انصرافه إلي المقاصد حتي يمنع انصراف المطلق في خبر النفي بل من جهة التسامح، و الادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم، فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها أنها مما لا ينتفع به.

______________________________

(1) الوسائل باب 34 من أبواب الاطعمة المحرمة، حديث 4.

(2) الوسائل باب 34 من أبواب الاطعمة المحرمة، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 60

______________________________

و فيه انه لا ريب في ظهور النهي عن الانتفاع بعنوان من العناوين في ان المنهي عنه

هو ما يقصد منه من المصارف لاما يقصد من المادة المشتركة، إلا ان ما يقصد من العنوان أيضا علي قسمين: الاول المنافع الشائعة.

الثاني المنافع النادرة.

و الثاني: أيضا علي قسمين: الاول ما لا يعد منفعة له من جهة مزاحمته مع ما هو أهم منه كإطعام اللحم للطيور،

فإنه منفعة للحم إلا انه لاجل مزاحمته مع الاكل لا يحسب من منافعه.

الثاني: ما لا يعد منفعة له في نفسه و لو مع عدم المزاحم، و ما ذكره قدس سره يتم في القسم الثالث و لا يتم في القسم الثاني إذ لا وجه له فيه الا الانصراف الذي لا يصلح للتقييد لكونه بدويا زائلا بأدني التفات.

و أما قوله قدس سره (حتي يمنع انصراف المطلق.. الخ) فقد اورد عليه بعض الاعاظم بان الوقوع في حيز النفي لا يمنع الانصراف في المنفي، اذ شان أداة النفي إفادة العموم فيما المنفي ظاهر فيه، سواء كان الظهور بالوضع أو الانصراف أو القرائن.

و فيه: ان ما ذكره قدس سره يتم بناء علي عدم كون النكرة الواقعة في حيز النفي ظاهرة في العموم وضعا كما هو الحق، او علي توقف دلالة أداة العموم

عليه علي اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها، و إلا فلا يتم كما لا يخفي.

و لكن يرد عليه: ان المطلق في المقام واقع في حيز النهي و عليه فلا فرق بين كون الحكم تحريميا أو وجوبيا في اختصاصه بما ينصرف إليه المتعلق.

و أما قوله: (و الادعاء العرفي … الخ) فليس مراده بذلك المسامحة في تطبيق المفهوم علي المصداق حتي يقال بأن المسامحات العرفية في المورد تضرب علي الجدار، بل مراده ان الانتفاع بمثل المنافع المذكورة ليس انتفاعا، و بعبارة اخري: مفهوم الانتفاع بحسب المتفاهم العرفي لا يشمل حقيقة أمثال هذه الانتفاعات، فلا وجه للايراد عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 61

و خصوص عد ثمن الميتة من السحت في رواية السكوني (1).

______________________________

و لكن بما انه وردت في الميتة روايات «1» دالة علي جواز بعض الانتفاعات بها،

كإذابة الالية و الاسراج بها و الاستقاء بجلدها و غير ذلك من ما ورد فيه النص يتعين حمل ما تضمن انه لا ينتفع بالميتة علي ارادة المنع عن استعمالها فيما يشترط بالطهارة دون مطلق الاستعمال.

و أما المورد الثاني فقد استدل لعدم جواز البيع بما دل علي ان الميتة لا ينتفع بها.

و فيه ان الاستدلال بهذه النصوص، ان كان من جهة اثبات عدم حلية الانتفاع بها اللازمة في صحة البيع، فيرد عليه: ان الكلام في المقام فرع جواز الانتفاع بها، و ان كان من جهة ان النصوص كما تدل بالدلالة المطابقية علي عدم جواز الانتفاع بها تدل بالدلالة الالتزامية علي عدم جواز بيعها لاشتراط صحة البيع بكون المبيع ذا منفعة محللة،

و لو دل الدليل علي جواز بعض الانتفاعات بها كما هو المفروض فانما يوجب ذلك التخصيص في الدلالة المطابقية فتبقي الدلالة الالتزامية علي حالها،

فيرد عليه ما حققناه في محله من ان الدلالة الالتزامية كما تكون تابعة للدلالة المطابقية وجودا كذلك تكون تابعة لها حجية.

و ان شئت قلت: انها تدل علي عدم جواز بيعها لعدم المنفعة، فمع فرض وجودها لا تكون هذه الدلالة منها باقية.

(1) الرابع: النصوص الخاصة كخبر السكوني عن مولانا الصادق عليه السلام (السحت ثمن الميتة) «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 34، من ابواب الاطعمة المحرمة و باب 30 من ابواب الذبائح.

(2) الوسائل، باب 34، من ابواب الاطعمة المحرمة، حديث 1.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 62

نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز، مثل رواية الصقيل، قال: كتبوا الي الرجل: جعلنا الله فداك انا قوم نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون اليها. و انما غلافها من جلود الميتة من البغال و الحمير الاهلية لا يجوز في اعمالنا غيرها. فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون الي جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا اليها.

فكتب عليه السلام: (اجعلوا ثوبا للصلاة) (حديث) (1) و نحوها رواية اخري بهذا المضمون و لذا قال في الكفاية و الحدائق ان الحكم لا يخلو عن اشكال.

______________________________

و لا وجه للخدشة في سنده: اذ ليس في سنده من يمكن القول بعدم حجية خبره سوي النوفلي و السكوني- و هما ثقتان علي الاظهر-، و ان قيل ان الاول صار غاليا في آخر عمره و الثاني عامي.

و ما رواه الصدوق باسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام: يا علي (من السحت ثمن الميتة) «1».

و موثق الجعفريات عن

سيدنا علي عليه السلام: (من السحت ثمن الميتة) «2».

و مرسل ابن بابويه: (و ثمن الميتة سحت) «3».

و لا يبعد دعوي كون هذه الروايات رواية واحدة مروية بطرق متعددة.

و تدل علي المنع- مضافا الي ذلك- النصوص الدالة علي المنع عن بيع اليات الغنم المقطوعة كصحيح البزنطي عن مولانا الرضا عليه السلام عن الرجل يكون له الغنم يقطع من الياتها و هي احياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع؟ قال عليه السلام: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها، و لا يبيعها «4». و نحوه خبر ابن جعفر عن اخيه عليه السلام «5».

(1) و بازاء هذه النصوص خبر الصيقل و ولده «6» الذي توهم دلالته علي الجواز

______________________________

(1) الوسائل، باب 38، من ابواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 9- 8.

(3) المستدرك باب 5 من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(4) الوسائل، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 9- 8.

(5) الوسائل، باب 6، من ابواب ما يكتسب به، حديث 6.

(6) الوسائل، باب 6، من ابواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 63

و يمكن ان يقال: ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا في ضمن السيف علي ان يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد.

فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال (1) و لذا جوز جماعة منهم الفاضلان في النافع و الارشاد علي ما حكي عنهما الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب مع عدم قولهم بجواز بيعه مع ان الجواب لا ظهور

فيه في الجواز الا من حيث التقرير الغير الظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية (2).

______________________________

المذكور في المتن.

و قد ذكروا في بيان الجمع بينه هذه النصوص و بيان المراد من خبر الصيقل وجوها:

(1) و

(2) ما في المكاسب من عدم دلالة خبر الصيقل علي الجواز، فلا معارض لنصوص المنع بدعوي ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شرائها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا في ضمن السيف، مع ان الجواب لا ظهور له في الجواز الا من حيث التقرير غير الظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.

و لكن الاظهر فساد كلتا الدعويين:

اما الاولي: فلان الظاهر من السؤال هو السؤال عن حكم بيع الاغماد، اذ الظاهر رجوع ضمير عملها الي جلود الميتة، و كذلك و مسها، كما لا يخفي و هذا يوجب ظهور رجوع ضمير و شرائها، و بيعها اليها، لا إلي السيوف، فالجواب يكون ظاهرا في جواز بيعها.

مع ان هذا لو تم فنما هو في هذه المكاتبة، و لا يتم في مكاتبته الاخري قال:

كتبت الي الرضا عليه السلام: اني اعمل اغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي فاصلي فيها؟ فكتب عليه السلام: (اتخذ ثوبا لصلاتك) «1».

و دعوي انه لم يذكر فيها البيع و الشراء، مندفعة بان الظاهر ان المسئول عنه هو

______________________________

(1) الوسائل، باب 38، من ابواب ما يكتسب به، حديث 4

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 64

______________________________

بعينه ما كان سال عنه في تلك المكاتبة كما يشهد له سؤاله ثالثا عن الامام التقي عليه السلام كما

سيمر عليك مع ان عمل الاغماد ليس الا للبيع او الاصلاح.

و أما الثانية: فلان التقرير بنفسه يكفي في مقام بيان الحكم، و مجرد احتمال التقية لا يمنع عن العمل

بالخبر، و الغريب انه قدس سره مع ذلك قوي الجواز بعد ما بين اختصاص النصوص المتقدمة بالنجس الذي لا ينتفع به منفعة محللة بناء علي جواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة، اذ لم يظهر لي وجه عدم عمله قدس سره بنصوص المنع التي هي اخص من تلك الادلة العامة.

(3) ما ذكره المحقق النائيني قدس سره و هو: ان الاخبار الواردة في حرمة بيع جلد الميتة قابلة للحمل علي بيعه لما تتوقف الطهارة عليه، فتكون ارشادا لعدم قابلية الانتفاع.

و فيه: ان قابليتها لذلك لا توجب حملها عليه ما لم يكن عليه شاهد كما في المقام.

(4) ما ذكره بعض اعاظم المحشين للمكاسب (ره) و هو: ان المنع عن البيع انما يكون بمناط الانتفاع بها فيما يحرم الانتفاع به و لو من اجل حصول التلويث بها، ثمّ عدم المبالاة في اتيان ما يشترط بالطهارة في تلك الحالة و الجواز بمناط الصرف في الحلال انتهي.

و فيه: ان هذا الجمع جمع تبرعي لا شاهد له، و تعليل المنع عن الانتفاع باليات الغنم بالاسراج بذلك لا يصلح شاهدا لحمل النصوص الواردة في البيع علي ذلك كما لا يخفي.

(5) ما ذكره بعض مشايخنا المحققين (ره) و هو: ان رواية السكوني و ما بمضمونها مخصصة بمكاتبة الصيقل لأخصيتها منها، و نصوص اليات الغنم لو لم يحتمل اختصاصها بالمنع محمولة علي صورة عدم الاعلام بالنجاسة حتي يسرج بها.

لنصوصية مكاتبة الصيقل في صورة علم المشتري، بقرينة قوله: (و لا يجوز في اعمالنا غيرها).

هذا بناء علي جواز الاسراج بها، و الا فتحمل نصوص المنع علي صورة عدم وجود المنفعة المحللة و الجواز علي صورة وجودها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 65

______________________________

و فيه: ان مكاتبة الصيقل و ان

كانت اخص من رواية السكوني و ما بمضمونها

لاختصاصها بما ينتفع به منفعة محللة، الا انها ليست اخص من نصوص اليات الغنم

لدلالتها علي عدم جواز البيع في خصوص هذا المورد.

و أما نصوص اليات الغنم، فلا يصح حملها علي ما ذكره لوجهين:

الاول: عدم ظهور المكاتبة في الاختصاص بصورة علم المشتري لان عدم صلاحية غير جلد الميتة لا يوجب علم المشتري الذي ليس من اهل هذا الفن بكون المبيع من جلد الميتة، مع انه تدل المكاتبة علي الجواز حتي لو فرض وجود مشتر غير عالم بذلك. و ان شئت قلت: ان غلبة علم المشتري بذلك لا تصلح دليلا لاختصاص دليل الجواز بهذه الصورة بعد كونه مطلقا.

الثاني: الظاهر ان الصيقل اراد بقوله: (و لا يجوز في اعمالنا غيرها) انه لا بد لنا في بيع السيوف من عمل الغلاف من الجلود و بيعه معها، و لذا في سؤاله عن امامنا التقي عليه السلام قال: فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية.

(6) اختصاص المكاتبة بصورة الاضطرار.

و فيه: ان الضمير في قوله: و نحن مضطرون اليها يرجع الي السيوف لا الجلود كما هو واضح.

و التحقيق يقتضي ان يقال: عدم دلالة المكاتبة علي الجواز، فلا معارض لنصوص المنع، اذ الظاهر ان الصيقل لم يفهم من جواب الامام الكاظم عليه السلام حكم بيع الغلاف الذي هو من جلود الميتة، و لذا سال هذه المسألة عن الامام الرضا عليه السلام، و قد تقدمت تلك المكاتبة ايضا، و حيث انه عليه السلام اجابه بمثل جواب ابيه عليه السلام و كان مجملا لا يفهم منه شي ء كتب الي الامام التقي عليه السلام هذا السؤال بعينه.

قال: كتبت الي ابي جعفر الثاني عليه السلام اني كتبت الي ابيك بكذا

و كذا فصعب علي فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية.

الذكية فكتب عليه السلام الي كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا باس «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 34، من ابواب النجاسات، حديث 4.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 66

هذا و لكن الانصاف انه اذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة كالاستقاء بها للبساتين و الزرع اذا فرض عده مالا عرفا (1) فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البيع لو لا الإجماع علي حرمة الميتة بقول مطلق (2) لان المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة لا مجرد النجاسة. (3) و ان قلنا: ان مقتضي الادلة حرمة الانتفاع بكل نجس، فان هذا كلام آخر سيجي ء ما فيه بعد ذكر حكم النجاسات.

لكنا نقول: اذا قام الدليل الخاص علي جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشي ء من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه، لان ما دل علي المنع عن بيع النجس من النص و الاجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع.

فان رواية تحف العقول المتقدمة قد علل فيها المنع عن بيع شي ء من وجوه النجس بكونه منهيا عن اكله و شربه، الي آخر ما ذكر فيها.

______________________________

و يظهر من هذه المكاتبة ان الصيقل لم يفهم من جواب الامامين الكاظم و الرضا عليهما السلام جواب مسالته من جواز بيع ما كان يعمل و لذا ترك استعماله حتي سال عن الامام الجواد عليه السلام فبين الحق من غير اجمال و تقية. و جوابه عليه السلام ظاهر في عدم جواز البيع.

و لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا دلالتها علي الجواز و حيث انها معارضة مع نصوص المنع و لا يمكن الجمع بينهما، فيتعين الرجوع الي المرجحات، و هي تقتضي تقديم نصوص

المنع للاشهرية و غيرها من المرجحات.

فتحصل: ان الاقوي عدم جواز بيع الميتة.

(1) مع فرض وجود المنفعة المحللة لا محالة بعد مالا عرفا فلا وجه للترديد.

(2) و فيه ان الاجماع، مضافا الي عدم ثبوته، لا يكون تعبديا بل يحتمل كونه مدركيا، اضف الي ذلك انه لا إطلاق له، و المتيقن من مورده ما لو بيع علي نحو ما يباع المذكي للاكل و نحوه.

(3) و قد مر الكلام فيه و عرفت ان النجاسة من حيث هي لا تكون مانعة عن صحة المعاملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 67

و مقتضي رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه. (1) و أدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل الانتفاع بها.

و استدل أيضا علي جواز بيع الزيت النجس بأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء قال: و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك (انتهي).

فقد ظهر من أول كلامه و آخره ان المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع و انه يجوز مع عدمها، و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع حيث ذكر النبوي الدال علي إذن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في الاستصباح ثمّ قال و هذا يدل علي جواز بيعه (انتهي)، و عن فخر الدين في شرح الارشاد و الفاضل المقداد في التنقيح الاستدلال علي المنع عن بيع النجس بأنه محرم الانتفاع و كل ما كان كذلك لا يجوز بيعه.

نعم، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع و حليته بعد اشتراط الطهارة و استدل للطهارة بما دل علي وجوب الاجتناب

عن النجاسات و حرمة الميتة. و الانصاف إمكان إرجاعه إلي ما ذكرنا فتأمل. (2) و يؤيده أنهم أطبقوا علي بيع العبد الكافر و كلب الصيد، و علله في التذكرة بحل الانتفاع به. ورد من منع عن بيعه لنجاسته بأن النجاسة غير مانعة، و تعدي إلي كلب الحائط و الماشية و الزرع، لان المقتضي و هو النفع موجود فيها.

______________________________

(1) رواها عن الامام الصادق عليه السلام قال: الحلال من البيوع كل ما هو حلال من المأكول و المشروب و غير ذلك مما هو قوام للناس و صلاح و مباح لهم الانتفاع به و ما كان محرما أصله و منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه «1».

(2) ففي الغنية في ذكر شرائط البيع قال و قيدنا بكونها مباحة تحفظا من المنافع المحرمة و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره إلا ما أخرجه الدليل.

______________________________

(1) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، كتاب البيوع، فصل 2، حديث 23.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 68

و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لو لا الاجماع إذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء يظهر حكم جواز المعاوضة علي لبن اليهودية المرضعة بأن يجعل تمام الاجرة او بعضها في مقابل اللبن فإن نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه. (1)

فرعان:
الأول: انه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة إلي مذكي.

(2) و لو باعها فإن كان المذكي ممتازا صح البيع فيه و بطل في الميتة كما سيجي ء في محله.

و إن كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا لانه لا ينتفع به منفعة محللة بناء علي وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين، فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع، فأكل المال بإزادة أكل المال بالباطل (3) كما أن أكل من المشتبهين في حكم أكل

الميتة.

______________________________

(1) ما ذكره مبني علي نجاسة أهل الكتاب نجاسة ذاتية و لكن الاقوي طهارتهم.

حكم بيع الميتة منضمة الي المذكي

(2) في المسألة أقوال، عدم جواز بيع الميتة منضمة إلي المذكي مطلقا، جوازه كذلك، التفصيل بين البيع علي مستحلي الميتة فالجواز و غيره فعدمه، جوازه بقصد بيع المذكي.

لا كلام فيما إذا امتازت الميتة من المذكي، و انه يصح البيع في المذكي خاصة، إذ انضمام كل منهما إلي الآخر لا يغير حكمه.

إنما الكلام في صورة الاشتباه و عدم الامتياز، و الكلام في هذه الصورة يقع تارة علي القول بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة، و أخري علي القول بعدم الوجوب و جواز ارتكاب احدهما.

(3) أما علي القول بالوجوب فقد يقال كما في المتن بأن مقتضي القواعد العامة هو عدم جواز البيع، و ذلك لانه لا ينتفع بشي ء منهما منفعة محللة، لوجوب الاجتناب عن كل منهما فكل منهما في حكم الميتة فلا يجوز بيعهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 69

و من هنا يعلم أنه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره لكن في صحيحة الحلي و حسنته (إذا اختلط المذكي بالميتة بيع ممن يستحل الميتة) و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر و استوجه العمل بهذه الاخبار في الكفاية و هو مشكل (1).

______________________________

و فيه: ان الاظهر جواز الانتفاع بالميتة كما حقق في محله، فالعلم الاجمالي بكون احدهما ميتة لا يوجب لزوم الاجتناب عنهما كي يمنع من صحة البيع، مع انه لو تم ذلك فلا يقتضي فساد البيع لو اشتري برجاء زوال الاشتباه و لم يكن مأيوسا منه، أو اشتري ثمّ اتفق زواله، مضافا إلي أنه لو بيع من شخصين لما وجب الاجتناب كما لا يخفي، فالصحيح أن

يستدل للفساد، بأن المبيع مجهول مردد بين شيئين، و هو يضر بصحة البيع هذا بحسب القواعد.

و أما النصوص الخاصة، فيشهد للجواز إذا بيع من المستحل للميتة موثق الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام إذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه «1».

و حسنه عنه عليه السلام: انه سأل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة، ثمّ ان الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه فإنه لا بأس به «2».

و أجاب المصنف قدس سره عنهما بوجهين:

(1) الاول: ما ذكره بقوله و هو مشكل، و الظاهر ان جهة توهم إعراض

الاصحاب عنهما الموجب لوهنهما و سقوطهما عن الحجية، فلا يقاومان العمومات المانعة.

و ما ذكره بعض مشايخنا قدس سرهم من أن العموم المانع عن بيع الميتة لا يشمل بيعه من المستحل للانصراف، و إمكان المنع عن صدق الاكل بالباطل عرفا مع امضاء ملكيتهم للميتة في الجملة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 7، من أبواب م يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 70

______________________________

غير سديد، إذا الانصراف ممنوع، و إمضاء ملكيتهم لها أعم من جواز البيع.

و لكن الاظهر حجية الروايتين و عدم الاعراض عنهما، إذ مضافا إلي أن جماعة منهم الشيخ

في محكي النهاية و ابن حمزة أفتوا بمضمونهما، و جماعة آخرين من المحققين كالمحقق و العلامة و الشهيد ذكروا لهما محامل، الكاشف ذلك عن عدم طرحهم الخبرين، و إنما لم يفتوا بمضمونهما لما توهموا من مخالفتهما للقواعد، و قد ادعي في محكي مجمع البرهان: ان المشهور بين الاصحاب هو العمل بما تضمناه

و الافتاء به.

و مع ذلك كله، دعوي إعراض الاصحاب عنهما و طرح الخبرين الواجدين لشرائط الحجية كما تري. هذا من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فقد حملهما المحقق في الشرائع علي البيع بقصد المذكي تخلصا عما المستحل أيضا، مع أن هذا مستلزم للتخالف في القصد الموجب للفساد الا مع قصد المشتري أيضا ذلك، مع ان قصد المذكي يجب كون المبيع مجهولا.

و لعله لذلك قال العلامة قدس سره في محكي المختلف: انهما يحملان علي كون ذلك استنقاذ المال المستحل، لا بيعا.

و لكن يرد عليه: ان المستحل ربما يكون محترم المال كالذمي مع انه مناف للظهور.

و منه يظهر ضعف ما قيل من ان المراد بالبيع في الخبرين مطلق النقل الذي يكون بالصلح و الهبة المعوضة و نحوهما مما لا يشترط فيه المعلومية.

و أما ما ذكره المصنف قدس سره من حملهما علي صورة قصد البائع المسلم أجزائها التي لا تحلهما الحياة، و تخصيص المشتري بالمستحل، لان الداعي له الانتفاع باللحم أيضا،

و لا يوجب ذلك فساد البيع لعدم وقوع العقد عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 71

مع أن المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه يرمي بهما (1).

______________________________

فيرد عليه: أولا: ان مجرد قصد البائع لا يفيد بل يوجب الفساد لتخالف القصد،

فلا بد من التقييد بقصدهما معا.

و ثانيا: انه لو كان الداعي للانتفاع باللحم بالاكل المحرم علي المستحل أيضا بناء علي ما هو الحق من ان الكفار مكلفون بالفروع لزم فساد البيع بناء علي مختاره قدس سره من أن الاشتراء بداعي الحرام فاسد، هذا كله مضافا إلي ان جميع هذه المحامل تبرعية لا يصار إلي شي ء منها بلا دليل و حجة.

فالصحيح في الجواب عن الحلي: ان الانتفاع بالميتة جائز علي

الاقوي، مع انه لو سلم عدم الجواز لا بد من تخصيص ما دل عليه الموجب لفساد البيع بهذين الخبرين لأخصيتهما منه، فلا وجه لرفع اليد عن ظهورهما.

الجواب الثاني الذي ذكره المصنف قدس سره ما ذكره بقوله

(1) مع ان المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام …

هذه الرواية مروية في الجعفريات عن جعفر بن محمد عن أبيه عن سيدنا علي عليه السلام انه سال عن شاة مسلوخة و اخري مذبوحة عن عمي علي الراعي او علي صاحبها فلا يدري الذكية من الميتة قال عليه السلام يرمي بهما جميعا إلي الكلاب «1».

و لكنها لا تعارض الخبرين، إما لكون الرمي كناية عن عدم الانتفاع بهما بما يتوقف علي الطهارة، أو لانهما علي فرض عمومه لجميع أنحاء التقلبات حتي البيع أخصان منها فتخصص بهما، كما انهما لا يعارضان مع ما دل علي ان اللحم المشتبه غير المعلوم انه مذكي أم ميتة يعرف بالعرض علي النار فان انقبض فهو ذكي و كلما انبسط فهو ميت «2». بل يعمل بالجميع، فما عن الدروس من الميل إلي تعرفه بالنار و عدم جواز بيعهما من المستحل، ضعيف.

______________________________

(1) المستدرك، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 37، من أبواب الاطعمة المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 72

و جوز بعضهم البيع بقصد بيع المذكي، و فيه أن القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكي لاجل الاشتباه.

نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة و جواز ارتكاب أحدهما جاز البيع بالقصد المذكور. (1) لكن لا ينبغي القول به في المقام، لان الاصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية. غاية الامر العلم الاجمالي بتذكية أحدهما و هو غير قادح في العمل

بالاصلين. و إنما يصح القول بجواز ارتكاب أحدهما في المشتبهين إذا كان الاصل في كل منهما الحل و علم إجمالا بوجود الحرام، فقد يقال هنا بجواز ارتكاب أحدهما اتكالا علي أصالة الحل و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذرا عن ارتكاب الحرام الواقعي و إن كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا لكن القول به ممكن هنا بخلاف ما نحن فيه لما ذكرنا، فافهم.

______________________________

فتحصل: ان الاظهر جواز بيعهما من المستحل. هذا بناء علي القول بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة، و أما علي القول بعدمه فمن حيث النصوص الخاصة الحكم هو ما تقدم من جواز البيع من المستحل: لاحظ موثق الحلبي و حسنه المتقدمين.

و أما من حيث القواعد العامة: فقد قال المصنف قدس سره بعد بنائه علي أنها تقتضي عدم الجواز في الفرض الاول:

(1) جاز البيع بالقصد المذكور … الخ.

و لكن: البيع بقصد المذكي لا يصح و ذلك لان البيع مجهول و مردد بين شيئين،

مع أنه بناء علي عدم جواز الانتفاع بالميتة لا يصح هذا البيع من جهة اخري و هي عدم الانتفاع بالمبيع، لا لما أشار إليه قدس سره من جريان أصالة عدم التذكية في كل من الطرفين،

لان حرمة الانتفاع من آثار الميتة و هي لا تثبت بأصالة عدم التذكية الا علي القول بالاصل المثبت بناء علي ما هو الصحيح من أن الموت أمر وجودي لا عدم التذكية كما حققناه في محله.

بل لان جواز ارتكاب بعض أطراف العلم الاجمالي لا يوجب إلا جواز الانتفاع بأحدهما، و لا يعلم ان الذي يختاره للانتفاع هل هو المبيع المذكي أم غيره، فلا يصير البيع مما ينتفع به بجريان أصالة الحل في أحدهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص:

73

______________________________

اللهم الا ان يقال: ان اعتبار جواز الانتفاع بالمبيع انما يكون من جهة اعتبار

المالية المتوقفة عرفا علي وجود منفعة محللة في المبيع، و عليه فبما ان من فوائد البيع و

ملك المذكي هو جواز ارتكاب احدهما يعتبرون العقلاء له المالية و هذا يكفي في صحة البيع، و هذا هو الوجه في صحة هذا البيع من هذه الجهة.

لا ما ذكره بعض اعاظم المحشين من ان جواز الانتفاع ببعض الاطراف يكون داعيا عقلائيا لشراء المذكي.

كي يرد عليه ما ذكره من انه لو صح البيع جاز كل بيع محرم اي فاسد لعدم المالية اذا حصل هناك غرض صحيح.

و قد يقال: انه بناء علي عدم وجوب الاجتناب عن جميع الاطراف في الشبهة المحصورة يجوز بيع احدهما معينا، اذ باصالة الحل يرتفع المانع عن الجواز.

و فيه: انه لو كان المانع هو عدم جواز الانتفاع بالميتة صح ما ذكر، و لا يصغي الي ما قيل من ان المانع هو عدم جواز الانتفاع واقعا، و هو لا يرتفع بجريان اصالة الحل، اذ قد عرفت ان اعتبار جواز الانتفاع بالمبيع انما هو ليصير مالا، لا لخبر الدعائم و نحوه كما تقدم، و لا يفرق في ذلك بين الجواز الواقعي، و الظاهري، الا ان المانع عن الصحة هو الموت، و عليه فبما انه لا يثبت باصالة الحل ان موردها ليس بميتة، فيتعين الرجوع الي اصالة الفساد.

و بما ذكرناه انقدح انه في مقام التسليم يكفي تسليم احدهما لو باع بقصد المذكي بناء علي عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة عن الطرفين، اذ وجوبه انما يكون مقدمة للانتفاع و المفروض عدم جواز انتفاعه الا باحدهما، و ليس وجوبه تعبديا كي يقال انه لا بد من تسليمهما كي

يحرز تسليم المبيع المذكي.

و قد نقل المصنف خبر البزنطي المتقدم الصريح في المنع عن بيع اليات الغنم المقطوعة منها و هي احياء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 74

و عن العلامة حمل الخبرين علي جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه و فيه ان المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه الا بالاسباب الشرعية كالذمي و يمكن حملهما علي صورة قصد البائع المسلم اجزائها التي لا تحلها الحياة من الصوف و العظم و الشعر و نحوها و تخصيص المشتري بالمستحل لان الداعي له علي الاشتراء اللحم ايضا، و لا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من الياتها و هي احياء، أ يصلح ان ينتفع بها؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1»، و استوجه في الكفاية العمل بها تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة في بعض اقواله. و الرواية شاذة، ذكر الحلي بعد ايرادها: (انها من نوادر الاخبار، و الاجماع منعقد علي تحريم الميتة و التصرف فيها علي كل حال الا اكلها للمضطر معللا بقوله عليه السلام اما علمت انه يصيب الثوب و اليد و هو حرام «2» و مع الاغماض عن المرجحات.

______________________________

و اشكل عليه بعض مشايخنا المحققين: بان ذلك غير مرتبط بما سبق، فانه قدس سره انتقل عن حكم بيع المختلط الي جواز الانتفاع بالميتة، ثمّ قال: و علي اي حال فلم يعلم وجه للاضافة التي ذكرها بقوله، مع ان الصحيحة صريحة في المنع.

و يمكن دفع هذا الاشكال، بانه قدس سره لما بني جواز بيع الميتة و عدمه علي جواز الانتفاع بها

و عدمه، ثمّ قال: لا يجوز بيع الميتة منضمة الي المذكي، و علله بانه لا ينتفع بالمذكي ايضا للعلم الاجمالي كان ذلك كاشفا عن بنائه علي عدم جواز الانتفاع بالميتة،

ثمّ ذكر صحيح البزنطي ايرادا علي نفسه، حيث انه يدل علي جواز بعض الانتفاعات،

فلازمه جواز البيع، فاجاب عنه: اولا: باعراض الاصحاب، ثمّ بمعارضته بما دل علي المنع في مورده، ثمّ بانه صريح في المنع عن البيع.

و لكن الظاهر ان الايراد المذكور لا يندفع بشي ء مما افيد.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 573.

(2) الوسائل، باب 32، من ابواب الاطعمة المحرمة، حديث 1، و فيه (اما تعلم).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 75

اقول: مع انها معارضة بما دل علي المنع من موردها معللا بقوله عليه السلام اما علمت انه يصيب الثوب و اليد و هو حرام «1» و مع الاغماض عن المرجحات يرجح الي عموم ما دل علي المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا «2»، مع ان الصحيحة صريحة في المنع عن البيع الا ان يحمل علي ارادة البيع من غير الاعلام بالنجاسة.

الثاني: ان الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها

اذا كانت مما ينتفع بها او ببعض اجزائها كدهن السمك الميتة للاسراج و التدهين، لوجود المقتضي و عدم المانع، لان ادلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة. (1) و صرح بما

ذكرنا جماعة، و الظاهر انه مما لا خلاف فيه.

______________________________

اما كون الرواية شاذة فلانه يرده ان حكم المشهور بعدم جواز الانتفاع لا يكون كاشفا عن اعراضهم عن الخبر، اذ لعله مستند الي ما استدل به لذلك الذي ذكرناه مع جوابه في الجزء الثالث من هذا الشرح مفصلا، فالاعراض غير ثابت، فلا وجه لرفع اليد عن الخبر الجامع لشرائط الحجية.

اما معارضته بما دل علي المنع في مورد فلان الخبر المذكور ظاهر

في عدم حرمة الاسراج في نفسه، بل حرمة ما يلازمه في الاستعمال المتعارف من تلويث اليد و اللباس. و مقتضي ذلك عدم حرمة الاسراج مع عدم تلويثهما.

و أما صراحته في المنع عن البيع من شواهد ما اخترناه من ان الموت مانع تعبدي عن الصحة لا بلحاظ عدم جواز الانتفاع.

ميتة ما ليس له دم سائل

(1) و استدل له: بوجود المقتضي، و هو الانتفاع بها بالمنافع المحللة، و عدم

______________________________

(1) الوسائل، باب 32، من ابواب الاطعمة المحرمة، حديث 1، و فيه (اما تعلم).

(2) الوسائل، باب 34، من ابواب الاطعمة المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 76

السادسة: يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين (1) اجماعا
اشارة

علي الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة، و كذلك اجزاؤهما.

______________________________

المانع عنها لعدم ما يصلح للمانعية عن المعاوضة علي الميتة الطاهرة، اذ الروايات العامة ضعيفة السند، و الروايات الخاصة ظاهرة في الميتة النجسة.

و فيه: ان بعض النصوص و ان اختص بالنجسة الا انه لا مفهوم له كي يقيد اطلاق سائر النصوص المتضمنة ان ثمن الميتة من السحت الشاملة للطاهرة ايضا، و توهم اختصاص تلك النصوص بانفسها بالنجسة لا وجه له سوي الانصراف الممنوع اذ مضافا الي ان قلة افراد صنف بالنسبة الي غيره لا يكون منشأ للانصراف، لا نسلم قلة افراد الميتة الطاهرة لكثرة الميتات الطاهرة من السمك و غيرها.

حكم بيع الكلب

(1) تنقيح القول في المسألة يستدعي البحث في مقامات:

الاول في بيع الكلب.

الثاني: في بيع الخنزير.

الثالث: في بيع اجزائهما.

اما المقام الاول فالمشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة عدم جواز بيعه، و عن بعض الاساطين دعوي الاجماع عليه.

و ملخص القول في المقام: ان الحرمة التكليفية لا دليل عليها، و ما عن التذكرة:

الكلب ان كان عقورا حرم بيعه عند علمائنا، ليس نقل اجماع تعبدي علي الحرمة كي يكون دليلا عليها، مع انه من المحتمل ارادة الحرمة الوضعية، و قوله عليه السلام في بعض النصوص و نهي عن ثمن الكلب «1» لا يدل عليها كما لا يخفي.

و أما الحرمة الوضعية: فتشهد لها جملة من النصوص كخبر السكوني عن مولانا الصادق عليه السلام السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 77

______________________________

و موثق الجعفريات عن سيدنا علي عليه السلام و قد عد فيه من السحت ثمن الكلب «1»

و

نحوهما غيرهما، و قد تقدمت جملة من تلك النصوص.

و هذه النصوص و ان كانت مطلقة الا انها تقيد بالنصوص الدالة علي جواز بيع كلب الصيد.

و هذه النصوص مختصة بالبيع لعدم اطلاق الثمن علي العوض في غير البيع من المعاوضات، فعموم الحكم لسائر انحاء المعاوضات يبتني علي ثبوت عدم الفصل او الاجماع التعبدي، او عدم وجود المنفعة المحللة له الموجب لعدم ماليته.

حكم بيع الخنزير

و أما المقام الثاني فالمشهور بين الاصحاب: عدم جواز بيع الخنزير، بل لعل المجمع عليه بين الخاصة و العامة عدم جواز بيعه.

و أما النصوص الواردة في المقام فهي طوائف:

الاولي: ما تدل علي عدم الجواز اذا كان البائع مسلما، و الجواز اذا كان ذميا:

كموثق علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن رجلين نصرانيين باع احدهما خمرا او خنزيرا الي اجل فاسلما قبل ان يقبضا الثمن هل يحل له ثمنه بعد الاسلام؟ قال عليه السلام: انما له الثمن فلا باس ان يأخذه «2» فانه كما يدل علي جواز بيعه قبل الاسلام يدل بمفهومه علي عدم جوازه بعد الاسلام كما هو واضح.

الثانية: ما تدل علي عدم جواز بيع المسلم الخنزير: كخبر معاوية بن سعيد عن الامام الرضا عليه السلام عن نصراني اسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره

______________________________

(1) المستدرك، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 61، من ابواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 78

______________________________

و خنازيره فيقضي دينه؟ فقال عليه السلام لا «1».

الثالثة: ما تدل علي جواز بيع الذمي اياه: كموثق منصور قلت لابي عبد الله عليه السلام

لي علي رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و انا حاضر فيحل لي اخذها؟ فقال عليه السلام:

انما

لك عليه دراهم فقضاك دراهمك «2».

و موثق عمار عن الامام الصادق عليه السلام عن رجلين نصرانيين باع احدهما من صاحبه خمرا او خنازير ثمّ اسلما قبل ان يقبضا الدراهم قال عليه السلام: لا بأس «3».

الرابعة: ما تدل علي الجواز مطلقا كحسن زرارة عن مولانا الصادق عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثمّ يقضي منها قال عليه السلام لا بأس. او قال: خذها «4» و نحوه غيره.

فان هذه الطائفة صريحة في جواز استيفاء الدين من ثمن الخنزير، و لازم ذلك.

صحة بيعه، و الا لزم استيفاء الدين من مال الغير، و هو اكل المال بالباطل.

الخامسة: ما تدل علي المنع مطلقا كخبر الجعفريات، حيث جعل الامام عليه السلام فيه من السحت ثمن الخنزير «5». و نحوه خبر دعائم الاسلام «6».

و الجمع بين النصوص يقتضي الالتزام بجواز بيع الذمي الخنزير و عدم جواز بيع المسلم، و ذلك لان الطائفة الاولي بمنطوقها تقيد اطلاق الطائفة الخامسة، و تعضدها في ذلك الطائفة الثالثة، و بمفهومها تقيد اطلاق الطائفة الرابعة المجبورة، و تعضدها في ذلك الطائفة الثانية.

هذا كله في الجواز الوضعي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 57، من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 60، من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

(3) الوسائل، باب 34، من ابواب الاشربة المحرمة، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 60، من ابواب ما يكتسب به، حديث 3.

(5) المستدرك، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(6) المستدرك، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 5.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 79

______________________________

و أما من حيث الحكم التكليفي، فالظاهر هو الحرمة حتي فيما جاز البيع وضعا

كما يشهد له حسن ابن مسلم عن الامام

الباقر عليه السلام في رجل كان له علي رجل دراهم

فباع خمرا او خنزير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به اما للمقتضي فحلال و أما للبائع فحرام «1».

فانه صريح في الجواز الوضعي من جهة صراحته في جواز استيفاء الدين من ثمن الخنزير، و في الحرمة التكليفية.

البحث في اجزاء الكلب و الخنزير

و أما المقام الثالث، و هو البحث في حكم بيع اجزاء الكلب و الخنزير.

فملخص القول فيه ان موضوع النصوص هو الكلب و الخنزير، ففي كل مورد يحكم بعدم جواز البيع لا بد و ان يحرز صدق احد هذين العنوانين و الا فلا وجه للحكم به، و لا ريب في عدم صدق عنوان الكلب و الخنزير علي اجزائهما، و عليه فلا مورد لاستفادة حرمة بيعها من النصوص المتقدمة.

و دعوي ان المستفاد منها فساد بيع كل جزء من اجزائهما، اذ لو كان بيع بعض اجزائهما جائزا لما كان وجه لكون تمام الثمن سحتا، كما عن بعض المحققين.

مندفعة بان المستفاد من النصوص فساد بيع كل جزء من اجزائهما حتي الاجزاء التي لا تحلها الحياة الا ما يكون تبعا في البيع و لا يقع جزء من الثمن في مقابله.

و لكن ذلك في صورة الانضمام و صدق عنوان الكلب و الخنزير لا في صورة الافتراق، اللهم الا ان يدعي العلم بعدم دخل خصوصية الانضمام في هذا الحكم، و بعبارة اخري: بعد ما لا ريب في صدق عنوان الكلب و الخنزير علي الميتة منهما و لو بالمسامحة و العرفية، و دلالة تلك النصوص علي حرمة بيعها، دعوي العلم بعدم دخل خصوصية الاتصال في الحكم و كون تمام الموضوع بحسب المتفاهم العرفي في

______________________________

(1) الوسائل، باب 60، من ابواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 1، ص: 80

نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة.

السابعة: يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع

اجماعا نصا و فتوي (1).

______________________________

جسد الكلب و الخنزير بلا دخل للاتصال فيه، قريبة جدا، و عليه فلا يجوز بيع اجزائهما التي لا تحلها الحياة بالتقريب المتقدم عن بعض المحققين. نعم في خصوص شعر الخنزير دلت النصوص علي جواز بيعه كموثق زرارة عن الامام الباقر عليه السلام:

قال: قلت له: ان رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير قال عليه السلام: اذا فرغ فليغسل يده «1». و نحوه غيره من النصوص المعتبرة.

و لو تنزلنا عما ذكرناه يدل علي عدم جواز بيع اجزائهما التي تحلها الحياة ما دل علي حرمة بيع الميتة الصادقة عليهما.

التكسب بالخمر و كل مسكر

(1) يحرم التكسب بما يزيل العقل كالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع بلا خلاف

في شي ء من هذه الثلاثة، بل غير واحد: دعوي اجماع العلماء علي ذلك كله، بل عليها اجماع المسلمين.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في كل واحد منها.

اما الخمر: فيشهد لعدم جواز بيعها وضعا جملة من النصوص كحسن محمد بن مسلم عن امامنا الصادق عليه السلام- في حديث- ان رجلا من ثقيف اهدي الي رسول الله صلي الله عليه و آله

روايتين من خمر فامر بهما رسول الله صلي الله عليه و آله فاهريقتا، و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها «2».

و خبر المدائني عن ابي عبد الله عليه السلام: من اكل السحت ثمن الخمر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 55، من ابواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 55، من ابواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 81

______________________________

و نحوهما غيرهما فلا اشكال في عدم صحة بيعها.

و يشهد لحرمة

بيعها تكليفا الخبر المشهور من ان رسول الله صلي الله عليه و آله لعن الخمر و

عاصرها و معتصرها و بائعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة اليه «1».

و في خبر ابي الجارود المروي عن تفسير القمي عن الامام الباقر عليه السلام: حرم الله الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها «2».

و ما ادعاه المحقق النائيني قدس سره من انه لا يستفاد من الاخبار الواردة في المقام التعبدية الصرفة بل ظاهرها كون عدم جواز بيعها لاجل كونها مما لا ينتفع به، و عليه فبناء علي جواز اقتناء الخمر للتخليل فبيعها لذلك جائز للمعلومات.

غير تام، اذ يرد عليه: ان هذا مخالف لظاهر النصوص، فان مقتضي ظاهر فساد بيعها بقول مطلق، اي و ان جاز اقتنائها.

و ظاهر بعض النصوص كحسني زرارة و محمد بن مسلم المتقدمتين في المسألة السابقة و ان كان جواز بيعها وضعا، الا ان الجمع بين النصوص يقتضي الالتزام بالجواز لو كان البائع ذميا، و عدم الجواز اذا كان مسلما، و ذلك لان في المقام طوائف من النصوص.

الاولي: ما تدل علي عدم الجواز مطلقا، و قد تقدمت.

الثانية: ما تدل علي الجواز كذلك كالحسنين.

الثالثة: ما تدل علي الجواز اذا كان البائع ذميا كموثق منصور عن الامام الصادق عليه السلام المتقدم في المسألة المتقدمة، فانه اخص من الطائفة الاولي فيقيد اطلاقها،

فتختص بالمسلم، فتقلب النسبة بذلك و تصير الطائفة المانعة اخص من المجوزة فيقيد اطلاقها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 55، من ابواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 1، من ابواب الاشربة المحرمة، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 82

و في بعض الاخبار: يكون لي علي الرجل دراهم فيعطيني خمرا قال:

(خذها و افسدها) (1) قال ابن ابي عمير: يعني اجعلها خلا و المراد به اما اخذ الخمر مجانا ثمّ تخليلها، او اخذها و تخليلها لصاحبها ثمّ اخذ الخل وفاء عن الدراهم.

______________________________

(1) و كما يدل بعض النصوص علي جواز تخليل الخمر و اقتنائها لذلك، كذلك يدل موثق ابن ابي عمير و علي بن حديد عن جميل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام يكون لي علي الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا فقال: خذها ثمّ افسدها، قال علي عليه السلام:

و اجعلها خلا «1»، علي انها تملك و يجوز اخذها وفاء عن الدين للتخليل.

و قيل في بيان المراد من الخبر وجوه:

الاول: ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره و هو: انه ليس في الخبر اشارة الي اخذ الخمر بدلا عن الدراهم، و اجتهاد الراوي لا يفيد، فيحكم ببقاء الدراهم في الذمة، و أما الخمر فيفسدها حسما لمادة الفساد و فيه: ان السائل انما سال عن اخذ الخمر وفاء للدين و الامام عليه السلام في مقام الجواب قال خذها و ظاهر ذلك اخذها بذلك العنوان الذي يعطيه صاحب الخمر.

و علي ذلك فظاهر الخبر ان الخمر مما يملك، و لازم ذلك جواز اقتنائها للتخليل كما دلت علي ذلك بعض النصوص الاخر، فقوله عليه السلام و افسدها ظاهر في ارادة التخليل،

فاجتهاد ابن حديد في محله.

(2) الثاني: ما في المتن و هو: ان المراد اخذ الخمر مجانا ثمّ تخليلها.

و فيه: ان لازم ذلك عدم سقوط الدين مع انه صريح في سقوطه، و بعبارة اخري:

ظاهره اخذ الخمر وفاء للدين.

(3) الثالث: ما في المتن ايضا، و هو اخذها و تخليها لصاحبها ثمّ اخذ الخل وفاء للدين.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من ابواب الاشربة المحرمة، حديث 6.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 83

______________________________

و فيه: ان ظاهره كون الخمر نفسها وفاء للدين مع انه علي هذا يحتاج اخذ الخل

وفاء الي اذن جديد من المالك لعدم اذنه في التملك، و لا ينافي ذلك عدم جواز

بيعها كي يقال انه يدل علي جواز البيع و الشراء بقصد التخليل فيقيد اطلاق ما دل علي المنع.

و أما غير الخمر من المسكرات المائعة، فان قلنا بصدق الخمر عليها حقيقة كما صرح بذلك جمع من اللغويين و نطقت به جملة من النصوص فلا كلام، و الا فيشكل الحكم بحرمة بيعها الا اذا قام اجماع تعبدي عليها او يدعي تنقيح المناط.

و استدل لها بوجوه: الاول: قوله عليه السلام في موثق علي بن يقطين عن الامام الكاظم عليه السلام: ان الله لم يحرم لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «1».

و نحوه قوله عليه السلام في خبره الآخر: فما فعل الخمر فهو خمر «2».

بدعوي انهما بعموم التنزيل يدلان علي ترتب جميع احكام الخمر علي كل مسكر، و منها حرمة البيع.

و فيه انهما بقرينة صدرهما ظاهر ان في ارادة التنزيل من حيث حرمة الشرب خاصة.

و الغريب ان الاستاذ الاعظم تمسك بهما لذلك بدعوي دلالتهما علي كون النبيذ المسكر خمرا واقعا اذ ينافي ذلك قوله عليه السلام ان الله لم يحرم الخمر لاسمها الذي هو كالصريح في عدم صدق الخمر علي كل مسكر.

و اغرب من ذلك دعواه اختصاص الخبرين بالنبيذ المسكر و عدم شمولهما

______________________________

(1) الوسائل، باب 19، من ابواب الاشربة المحرمة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 19، من ابواب الاشربة المحرمة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 84

______________________________

للمسكرات الجامدة، اذ لم يظهر وجه ذلك مع كونهما مطلقين.

الثاني: حسن عمار بن مروان

عن الامام الباقر عليه السلام: و السحت انواع كثيرة، وعد

منها ثمن النبيذ و المسكر «1».

و فيه: اولا: انه لو ثبت هذا المتن لدلّ علي عدم الجواز الوضعي في جميع المسكرات جامدها و مائعها، و لا يدل علي الحرمة التكليفية.

و ثانيا: ان الحديث مروي في غير نسخة التهذيب مع اسقاط لفظ (واو) فيكون المسكر وصفا للنبيذ، فغاية ما يستفاد من الحسن عدم صحة بيع النبيذ المسكر.

الثالث: قوله صلي الله عليه و آله «2» في خبر عطاء: كل مسكر خمر. حيث ان الظاهر ترتيب جميع آثار الخمر علي كل مسكر.

و فيه: ان الخبر ضعيف السند لضعف عدة من رواته.

و بما ذكرناه ظهر حكم المسكر الجامد و ما يمكن ان يستدل به علي عدم جواز بيعه و ما يرد عليه.

و علي فرض التعدي الي كل مسكر مائع لا ينبغي التوقف في اختصاص الحكم بما كان المطلوب منه الشرب و الاسكار.

و أما المسكرات المستحدثة التي ليس الشرب منفعة مقصودة منها و لها منافع اخر، كتطهير القذارات العرفية، و قتل الجراثيم الهوائية، و غير ذلك من المصالح النوعية و الاغراض العقلائية، فلا يحرم بيعها لا وضعا و لا تكليفا، و ذلك اما بناء علي كون التعدي عن الخمر الاجماع و تنقيح المناط فواضح، و أما بناء علي كون المدرك الروايات الخاصة، فلانصرافها عنها كما لا يخفي وجهه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من ابواب ما يكتسب به، حديث 12.

(2) الوسائل، باب 15، من ابواب الاشربة المحرمة، حديث 5.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 85

الثامنة: يحرم المعاوضة علي الاعيان المتنجسة الغير القابلة للطهارة

إذا توقف منافعها المحللة المعتد بها علي الطهارة (1).

لما تقدم من النبوي: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) «1» و نحوه المتقدم عن دعائم الاسلام «2» و أما

التمسك بعموم قوله عليه السلام في رواية تحف العقول (أو شي ء من وجوه النجس) ففيه نظر، لان الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة لان ظاهر الوجه هو العنوان (2).

نعم يمكن الاستدلال علي ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك و هو قوله عليه السلام: (لان ذلك كله محرم أكله و شربه و لبسه) إلي آخر ما ذكر «3»

______________________________

حكم بيع المتنجس

(1) هذا هو المشهور بين الاصحاب بل عن بعضهم: دعوي الاجماع عليه.

و استدل له بقوله عليه السلام: في خبر تحف العقول: أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه النجس.

(2) و أورد عليه المصنف: بأن الظاهر من وجوه النجس العناوين النجسة، لان ظاهر الوجه هو العنوان.

و قد استدل هو قدس سره لهذا الحكم فيما إذا كانت منافعه المعتد بها متوقفة علي الطهارة: بالنبوي المشهور، و خبر دعائم الاسلام المتقدمين، و بقوله عليه السلام في خبر تحف العقول: لان ذلك كله محرم أكله و شربه و لبسه … الخ.

و فيه: ما تقدم من ضعف سند النصوص فلا يعتمد عليها.

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأن المراد من الحرمة فيها ان كان هو الحرمة

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 2، ص 110، حديث 301.

(2) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، حديث 23.

(3) وسائل الشيعة، باب من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 86

ثمّ اعلم أنه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها و لما كان الاقوي طهارتها لم يحتج الي التكلم في جواز بيعها هنا. نعم لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة كان محل التعرض له ما سيجي ء من أن كل طاهر له منفعة محللة مقصودة يجوز بيعه. و سيجي ء ذلك في ذلك في ذيل القسم الثالث

مما لا يجوز الاكتساب به لاجل عدم المنفعة فيه.

و أما المستثني من الاعيان المتقدمة فهي أربعة تذكر في مسائل أربع:
اشارة

______________________________

الذاتية فلا تشمل المتنجس، و إن كان هو الاعم منها و من الحرمة العرضية فلا وجه للفرق بين ما يقبل التطهير و ما لا يقبل.

و فيه: ان المراد هو الثاني، و وجه الفرق بين القسمين عدم صدق حرمة الشي ء بقول مطلق في الاول و صدقها في الثاني.

و أورد عليه المحقق الايرواني قدس سره بأن قبول الطهارة إن كان مسوغا للبيع يسوغ في الاعيان النجسة لانها قابلة للتطهير بالاستحالة و الاستهلاك.

و فيه أنه في هذين الموردين إنما يحكم بعدم بقاء النجاسة لارتفاع الموضوع و انعدام النجس و عليه فالفرق بين المتنجس القابل للطهارة و النجس انه في الاول بما انه قابل للطهارة فهذا الموجود مما له منفعة محللة فيجوز بيعه، و هذا بخلاف الثاني فإنه و إن فرض جواز الانتفاع بما استحيل اليه الا ان بيع شي ء و موجود خاص لاجل ما يترتب علي موجود آخر من المنافع لا يصح.

نعم هذا علي مسلك المصنف قدس سره و هو ان دليل فساد البيع فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة هو الاخبار العامة.

و أما بناء علي المختار من عدم صحة الاستدلال بها، و ان المدرك عدم صدق عناوين المعاملات علي ما لا نفع له، فالاظهر تمامية ما ذكره اذ لو فرضنا وجود منفعة محللة لما استحيل اليه العين النجسة يصدق عنوان البيع هو الاعطاء لا مجانا، و تجارة عن تراض، غيرهما من عناوين المعاوضات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 87

الاولي يجوز بيع المملوك الكافر اصليا كان ام مرتدا مليا (1)

بلا خلاف ظاهر

بل ادعي عليه الاجماع و ليس ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة كاسترقاق الكفار (2) و شراء بعضهم من بعض، و بيع العبد الكافر اذا اسلم علي مولاه الكافر، و عتق الكافرة، و

بيع المرتد، و ظهور كفر العبد المشتري علي ظاهر الاسلام، و غير ذلك.

و كذا الفطري علي الاقوي (3) بل الظاهر انه لا خلاف فيه من هذه الجهة، و ان كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف لوجوب قتله.

و لم نجد من تامل فيه من جهة نجاسته عدا ما يظهر من بعض الاساطين في شرحه علي القواعد، حيث احترز بقول العلامة: (ما لا يقبل التطهير من النجاسات) عما يقلبه و لو بالاسلام كالمرتد و لو عن فطرة علي اصح القولين. فبني جواز بيع المرتد علي قبول توبته. بل بني جواز بيع مطلق الكافر علي قبوله للطهر بالاسلام.

______________________________

(1) و يشهد له مضافا الي الاجماع، جملة من النصوص.

كموثق ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السلام في شراء الروميات، قال عليه السلام:

اشترهن و بعهن «1».

و خبر اسماعيل بن الفضل عن الامام الصادق عليه السلام عن شراء مملوكي اهل الذمة قال اذا اقروا لهم بذلك فاشتر و انكح «2» و نحوهما غيرهما.

و الاستدلال لعدم الجواز بالاخبار العامة.

فاسد، من وجوه، تقدمت مع ان هذه النصوص اخص منها فتقدم عليها.

(2) جواز الاسترقاق لا يدل علي جواز البيع و انما يدل علي التملك، كما ان بيع العبد الكافر اذا اسلم علي مولاه الكافر لا يدل علي جواز بيعه و هو كافر.

(3) و الذي يظهر من مجموع كلماتهم في وجه عدم جواز بيع الفطري، وجوه:

الاول: كونه في معرض التلف لوجوب قتله.

و فيه: ان كونه في معرض التلف اعم من وجوب قتله من وجه و اخص منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من ابواب بيع الحيوان، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 1، من ابواب بيع الحيوان، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 88

و انت

خبير بان حكم الاصحاب بجواز بيع الكافر نظير حكمهم بجواز بيع

الكلب لا من حيث قابليته للتطهير نظير الماء المتنجس. و ان اشتراطهم قبول التطهير انما هو فيما يتوقف الانتفاع به علي طهارته ليتصف بالملكية لا مثل الكلب و الكافر المملوكين مع النجاسة اجماعا و بالغ تلميذه في مفتاح الكرامة فقال: (اما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا لعدم قبول توبته فلا يقبل التطهير). ثمّ ذكر جماعه ممن جوز بيعه- الي ان قال-: (و لعل من جواز بيعه بناه علي قبول توبته) انتهي. و تبعه علي ذلك شيخنا المعاصر.

______________________________

كذلك اذ مع وجود المتصدي للقتل يكون في معرض التلف و لو كان القتل عدوانا، و مع عدمه لا يكون كذلك و ان وجب قتله، و علي اي تقدير لا يوجب ذلك سلب المالية ما دام لم يقتل كي لا يجوز بيعه.

الثاني: ما يظهر من بعض الاساطين في شرحه علي القواعد و هو نجاسته.

و فيه: انه قد مر ان النجاسة لا تكون مانعة عن صحة البيع مضافا الي ما تقدم من دلالة جملة من النصوص علي جواز بيع الكافر و هي اخص مما دل علي مانعية النجاسة لو كان بناء علي ما هو المشهور من نجاسة اهل الكتاب.

و علي فرض مانعية النجاسة تعبدا لا وجه للحكم بالصحة فيمن يقبل التطهير بالاسلام اذ الاسلام لا يوجب رفع مانعية ما قبل تحققه، كما انه، علي القول بالعدم يجوز بيعه مع عدم الاسلام و عدم قبول توبته.

فالتفصيل بين من تقبل توبته و من لا تقبل توبته، في غير محله.

الثالث: تضاد الحكمين، و المراد بهما وجوب الوفاء بالعقد الموجب لحفظه و تسليمه، و وجوب اتلافه بالقتل.

و لكن يمكن الجواب عنه

بامور: الاول: ان وجوب الوفاء انما يوجب التسليم و هو لا ينافي وجوب القتل الممكن بعد الاقباض، الثاني: ان دليل وجوب الوفاء في المقام بيان الحكم الوضعي و دليل وجوب القتل متضمن للحكم التكليفي، الثالث: انه لو سلم كونهما معا في مقام بيان الحكم التكليفي و عدم امكان امتثالهما معا لا يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 89

______________________________

ذلك مانعا عن صحة البيع اذ لازمه سقوط احد الحكمين، فلو سقط وجوب القتل فلا

كلام، و لو سقط وجوب الوفاء يكفي للحكم بالصحة، احل الله البيع، و غيره.

اقول: لا إشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه، و يجوز له الانتفاع به بالاستخدام ما لم يقتل، و انما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل بل واجب الاتلاف شرعا، فكان الاجماع منعقد علي عدم المنع من جهة عدم قابلية طهارته بالتوبة.

قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة، و استشكل في المسالك من جهة وجوب اتلافه و كونه في معرض التلف، ثمّ اختار الجواز لبقاء ماليته الي زمان القتل.

و قال في القواعد و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة علي اشكال.

و ذكر في (جامع المقاصد) ان منشأ الاشكال انه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق اولي و ان مقصود البيع حاصل.

و أما مقصود الرهن فقد لا يحصل بقتل الفطري حتما، و الآخر قد لا يتوب، ثمّ اختار الجواز.

و قال في (التذكرة): المرتد ان كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر ينشأ من تضاد الحكمين و من بقاء الملك، فان كسبه لمولاه، اما عن غير فطرة، فالوجه صحة بيعه لعدم تحتم قتله، ثمّ ذكر

المحارب الذي لا يقبل توبته لوقوعها بعد القدرة عليه و استدل علي جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتد عن فطرة و جعله نظير المريض المأيوس عن برئه.

نعم منع في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة، و المحارب اذا وجب قتله للوجه المتقدم عن التذكرة، بل في الدروس ان بيع المرتد عن ملة ايضا مراعي بالتوبة.

و كيف كان فالمتتبع يقطع بان اشتراط قابلية الطهارة انما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به علي طهارته.

و لذا قسم في المبسوط المبيع الي آدمي و غيره، ثمّ اشترط الطهارة في غير الآدمي، ثمّ استثني الكلب الصيود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 90

الثانية: يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة (1)
اشارة

بلا خلاف ظاهر

الا ما عن ظاهر اطلاق العماني، و لعله كإطلاق كثير من الاخبار بان ثمن الكلب سحت، محمول علي الهراش، لتواتر الاخبار و استفاضة نقل الاجماع علي جواز بيع ما عدا كلب الهراش (2) في الجملة، ثمّ ان ما عدا كلب الهراش علي اقسام:

احدها: كلب الصيد السلوقي و هو المتيقن من الاخبار و معاقد الاجماعات الدالة علي الجواز. (3) الثاني: كلب الصيد غير السلوقي و بيعه جائز علي المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة و النهاية، و يدل عليه قبل الاجماع المحكي عن الخلاف و المنتهي و الايضاح و غيرها الاخبار المستفيضة.

______________________________

(1) هذا في الجملة مما قام عليه الاجماع و النصوص الكثيرة بل المتواترة المروية من الفريقين تشهد به، و ما نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 28) قال و لا مخالف سوي الحسن العماني علي ما حكي يتعين حمله علي ما افاده المصنف لو صح النقل.

(2) و الغرض هنا البحث فيما استثني من الكلاب و المتيقن من موارد المنع الكلب الذي لا

خاصية له و لا منفعة عقلائية توجب ماليته او تمحض منافعه في المحرمة، كما ان المتيقن من موارد كلب الصيد اذا كان سلوقيا، و الاقسام الاخر وقع الخلاف فيها و ستعرف ما هو الحق في المباحث الآتية.

(3) و تشهد له جملة من النصوص: كموثق محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت «1».

و خبر ابي بصير عنه عليه السلام: عن ثمن كلب الصيد قال عليه السلام: لا بأس بثمنه، و الآخر لا يحل ثمنه «2».

و خبر الوليد عنه عليه السلام: عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال عليه السلام: سحت، و أما الصيود فلا باس «3». و نحوها غيرها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من ابواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل: باب 14، من ابواب ما يكتسب به، حديث 5.

(3) الوسائل، باب 14، من ابواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 91

منها قوله عليه السلام في رواية القسم بن الوليد، قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن ثمن

الكلب الذي لا يصيد، قال: سحت، و أما الصيود فلا باس به، و منها الصحيح عن ابن فضال عن ابي جميلة عن ليث قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟ قال: نعم، و يؤكل ثمنه.

و منها رواية ابي بصير قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن كلب الصيد، قال: لا بأس به، و أما الآخر فلا يحل ثمنه.

و منها ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: لا بأس بثمن كلب الصيد و منه مفهوم رواية ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال:

قال رسول الله صلي

الله عليه و آله ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت،

و منها مفهوم رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، و لا بأس بثمن الهرة، و مرسلة الصدوق و فيها ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت، ثمّ ان دعوي انصراف هذه الاخبار كمعاقد الاجماعات المتقدمة الي السلوقي (1) ضعيفة، لمنع الانصراف لعدم الغلبة المعتد بها علي فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف، مع انه لا يصح في مثل قوله ثمن الكلب الذي لا يصيد او ليس بكلب (2)

______________________________

(1) و قد يتوهم اختصاص هذه النصوص بالسلوقي، بدعوي انصراف كلب الصيد اليه لكثرة وقوع الاصطياد به.

و فيه: اولا: ان الاصطياد، بغيره ايضا كثير، و ان كان بالنسبة اليه اقل.

و ثانيا: ان غلبة الوجود كغلبة الاستعمال لا تكون منشأ للانصراف الموجب

للتقييد.

(2) و اجاب المصنف (ره) عنه بجواب آخر و قال قدس سره مع انه لا يصح في مثل قوله:

ثمن الكلب الذي لا يصيد او ليس بكلب الصيد … الخ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 92

الصيد لان مرجع التقييد الي ارادة ما يصح عنه سلب صفة الاصطياد، و كيف كان

فلا مجال لدعوي الانصراف بل يمكن ان يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي مطلق الصيود، علي ما شهد به بعض الفحول من اطلاقه عليه احيانا، و يؤيد بما عن المنتهي حيث انه بعد ما حكي التخصيص بالسلوقي عن الشيخين، قال: و عني بالسلوقي كلب الصيد، لان سلوق قرية باليمن اكثر كلابها معلمة، فنسب الكلب اليها و ان كان هذا الكلام من المنتهي يحتمل لان

يكون مسوقا لاخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية، و ان المراد بالسلوقي خصوص الصيود لا كل سلوقي، لكن الوجه الاول اظهر.

______________________________

ما ذكر من منع الانصراف علي فرض التنزل و تسليم انصراف كلب الصيد الي السلوقي في المثال الاول تام، اذ الظاهر منه الكلب الذي لا يكون متصفا بصفة الاصطياد، و معلوم انه ليس في صفة الاصطياد انصراف الي اصطياد السلوقي، و لا يتم

في المثال الثاني، اذ المستثني هو الكلب الذي لا يكون كلب الصيد، و هو منصرف علي الفرض الي السلوقي، فالمستثني منه هو الكلب غير الصيود و غير السلوقي.

مع ان منع الانصراف في المثالين لا يضر بالاستدلال بانصراف سائر النصوص، اذ غاية ما يثبت بهما- بعد منع الانصراف- اختصاص المنع الثابت بدليلهما بالكلب الذي لا يصيد، و ليس لهما مفهوم كي يدلان علي جواز بيع كلب الصيد مطلقا.

و ربما يستدل علي الاختصاص بالسلوقي بوجه آخر و هو: ان الروايات المجوزة علي قسمين: الاول: ما دل علي جواز بيع الكلب المتصف بوصف الاصطياد سلوقيا كان ام لم يكن، و عدم جواز بيع غيره كالنصوص المتقدمة.

الثاني: ما دل علي جواز بيع كلب الصيد، و عدم جواز بيع غيره كخبر ابي بصير المتقدم، و الظاهر من كلب الصيد هو نوع كلب الصيد و ان لم يتصف بعض افراده بهذا الوصف لاما كان صيودا بالفعل، اذ في اضافة الموصوف الي وصفه لا يعتبر الاتصاف الفعلي، بل اضافة الموصوف الي وصف نوعه في غاية الكثرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 93

الثالث: كلب الماشية و الحائط، و هو البستان و الزرع و الاشهر بين القدماء

علي ما قيل المنع، و لعله استظهر ذلك من الاخبار الحاضرة لما يجوز بيعه في الصيود

المشتهرة بين المحدثين كالكليني و الصدوقين، و من تقدمهم بل و أهل الفتوي، كالمفيد و القاضي و ابن زهرة و ابن سعيد و المحقق، بل ظاهر الخلاف و الغنية الاجماع عليه،

نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد قدس سره حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع، ثمّ قال لا خير في الكلب فيما عد الصيود و الحارس و ظاهر الفقرة الاخيرة لو لم يحمل علي الاولي جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها، كحارس الدور و الخيام و حكي الجواز أيضا عن الشيخ و القاضي في كتاب الاجارة:

______________________________

فالمتحصل من هذا القسم من الاخبار: ان الكلب السلوقي الذي هو في نوعه صيود يجوز بيعه و غيره لا يجوز بيعه، و النسبة بين هاتين الطائفتين عموم من وجه، و تتعارضان في السلوقي غير الصيود و الصيود غير السلوقي، و حيث ان دلالة كل منهما علي موردي التعارض بالاطلاق فيتساقط الاطلاقان و يرجع الي الطائفة الثالثة من النصوص و هي ما دل علي المنع عن بيع الكلب مطلقا.

و فيه أولا: ان ما تضمن من النصوص تجويز بيع كلب الصيد ضعيف السند.

و ثانيا: انه من المحتمل ان يكون المراد بكلب الصيد هو المعني الاعم من نوع كلب الصيد، و ما هو صيود بشخصه، لكفاية أدني الملابسة في صحة الاضافة، و علي هذا فالنسبة بينهما عموم مطلق و تكون النتيجة جواز بيع كلب الصيد سلوقيا كان أم لم يكن، و عدم جواز بيع غيره و لو كان سلوقيا، فتدبر فإنه دقيق.

بيع كلب الماشية و الحائط

و قد استدل لجواز بيع كلب الماشية و كلب الزرع و كلب الحائط بوجوه:

الاول: ان ذلك مما يقتضيه

الجمع بين الاخبار المانعة عن بيع الكلب، و بين قوله عليه السلام في خبر تحف العقول: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شرائه … الخ. الدال علي جواز بيع كل ما فيه جهة من جهات-

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 94

و عن سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة و ابن إدريس و أكثر المتأخرين

كالعلامة ولده السعيد و الشهيدين و المحقق الثاني و ابن القطان في المعالم، و الصيمري و ابن فهد و غيرهم من متأخري المتأخرين عدا قليل وافق المحقق كالسبزواري، و التقي المجلسي، و صاحب الحدائق، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه و فقيه عصره، في شرح القواعد و هو الاوفق بالعمومات المتقدمة المانعة،

إذ لم نجد مخصصا لها سوي ما أرسله في المبسوط (1) من انه روي ذلك، يعني جواز البيع في كلب الماشية و الحائط المنجبر قصور سنده و دلالته لكون المنقول مضمون

______________________________

الصلاح فان النسبة بينهما عموم من وجه، و الكلاب المزبورة من موارد الاجتماع لجواز الانتفاع بها في الحراسة و غيرها، و حيث ان دلالة خبر تحف العقول علي الجواز بالعموم دلالة تلك الاخبار علي المنع بالاطلاق، فيقدم عليها.

و أجيب عنه بجوابين:

الاول: ان الاخبار المقسمة للكلب الي كلب الصيد و غيره تكون أخص من خبر تحف العقول فيخصص بها.

و فيه: ان النسبة عموم من وجه، إذ الكلب الهراش و العقور ليس لهما جهة من جهات الصلاح، اللهم إلا ان يقال: ان حمل النصوص المانعة علي خصوص الكلب الهراش و العقور الذين يكفي في عدم جواز بيعهما عدم المنفعة المحللة لهما عبارة أخري عن القائها رأسا، و هذا بخلاف حمل خبر تحف العقول علي

غير الكلب، فيتعين ذلك كما لا يخفي.

الثاني: ان هذه الجملة من خبر تحف العقول لا يصح الاستدلال بها في نفسها لمعارضتها مع الجملة الاخري المتضمنة للمنع عن بيع النجس، و حيث ان دلالة كل منهما تكون بالعموم فتتساقطان في المقام.

و فيه: ما عرفت من ان الجملة المتضمنة للمنع عن بيع النجس مختصة بالنجس الذي لا يكون له منفعة محللة مقصودة فلا تشمل المقام، و لكن الذي يسهل الخطب ضعف سند خبر تحف العقول و عدم صحة الاستدلال به.

(1) الثاني: مرسل المبسوط، فإنه قال بعد الافتاء بجواز بيع كلب الصيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 95

الرواية لا معناها، و لا ترجمتها باشتهاره بين المتأخرين، بل ظهور الاتفاق المستفاد

من قول الشيخ في كتاب الاجارة (1) ان أحدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و إجارتها، بعد ملاحظة الاتفاق علي صحة إجارتها، و من قوله قدس سره في التذكرة يجوز بيع هذه الكلاب عندنا و من المحكي عن الشهيد في الحواشي ان أحدا لم يفرق بين الكلاب الاربعة فيكون هذه الدعاوي قرينة علي حمل كلام من اقتصر علي كلب الصيد علي المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة.

كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية حيث اعتبر أولا في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثمّ قال: و احترزنا بقولنا ينتفع به منفعة محللة عما يحرم الانتفاع به، و يدخل في ذلك كل نجس إلّا ما خرج بالدليل من بيع

______________________________

المعلم و روي: ان كلب الماشية و الحائط مثل ذلك «1».

و لكن: الاستدلال بهذا المرسل علي الجواز يتوقف علي ثبوت أمرين: أحدهما:

جبر ضعف سنده، و ثانيهما: جبر قصور دلالته.

أما الاول: فلا رسالة، و أما الثاني:

فلان من المعلوم أنه لم يكن في كلام الامام عليه السلام اسم الاشارة فهو نقل مضمون كلامه عليه السلام لا ألفاظه و لا ترجمتها، و حيث ان نقل المضمون مشتمل علي اجتهاد الراوي و ليس هو حجة علينا، فالاستدلال به يتوقف علي إثبات حجية نقل هذا المضمون.

أما ضعف سنده فقد يقال بانجبار ضعف السند باشتهار القول بالجواز بين المتأخرين.

و أجيب عنه: بأنه لاعراض قدماء الاصحاب عنه و إفتائهم بالمنع لا يوجب ذلك الجبر.

و فيه: انه يمكن ان يكون افتائهم بالمنع لاجل عدم الظفر به لا للإعراض عنه،

فالصحيح ان يقال في مقام الجواب: ان الشهرة بين المتأخرين لا تكون جابرة، مع ان إفتائهم بالجواز يمكن ان يكون لما تقدم، او لبعض ما سيجي ء كما صرح به بعضهم، لا للمرسل، فالاعتماد غير ثابت.

(1) و قد يقال بانجباره بما عن الشيخ في كتاب الاجارة من أن أحدا لم يفرق بين

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 96

الكلب المعلم و الزيت النجس للاستصباح تحت السماء، و من المعلوم بالإجماع و السيرة جواز الانتفاع بهذه الكتاب منفعة محللة مقصودة أهم من منفعة الصيد فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها و ان المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع، فينتفي بانتفائها و يؤيد ذلك كله ما في التذكرة من ان المقتضي لجواز بيع كلب الصيد أعني المنفعة موجودة في هذه الكلاب (1).

______________________________

بيع هذه الكلاب و إجارتها، فإن المستفاد منه بعد ملاحظة الاتفاق علي صحة اجارتها الاتفاق علي جواز بيعها، و قد ادعاه العلامة و الشهيد.

و فيه: انه لا يعبأ بهذه الدعاوي بعد ملاحظة ذهاب أكثر المتقدمين إلي المنع، و دعوي الشيخ في

محكي الخلاف و ابن زهرة الاجماع علي المنع.

ثمّ انه ادعي الشيخ الأعظم (ره) في المقام جبر قصور الدلالة باشتهار الجواز بين المتأخرين.

و فيه: ان المعروف بين الأصحاب عدم جبر قصور الدلالة بالشهرة، و الظاهر ان وجهه عدم حجية اجتهاد القوم للمجتهد.

و دعوي انه فرق بين ما لو نقل الفاظ الإمام عليه السلام او ترجمتها، و عمل القوم بها، و لم

يكن لنا حجة علي ان مدلول الخبر هو الذي استفادوه و بين ما لو تقلوا مضمون خبر لم يصل إلينا ألفاظه و لا ترجمتها، فإنه في الاولين يجب علينا تحصيل الدلالة بأنفسنا، و في الأخير يمكن ان يقال: بأنه يحصل الوثوق بصدور هذا المضمون و هو المطلوب، و إن شئت قلت: ان جبر السند في الأخير يرجع إلي الوثوق بصدور المضمون.

و الفتوي و هو كاف في الحجية، كما عن بعض مشايخنا المحققين (ره) مندفعة بأن نقل القوم مضمون خبر انما يوجب الوثوق بصدور ألفاظ من الإمام عليه السلام التي استفادوا منها هذا المضمون، لا صدور هذا المضمون منه عليه السلام، فجبر السند فيه، لا يرجع الي الوثوق بصدور هذا المضمون.

فتحصل: انه لا يصح الاستدلال بالمرسل لقصور السند و الدلالة.

(1) هذا هو الوجه الثالث و حاصله انه إذا جاز بيع كلب الصيد، جاز بيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 97

و عنه قدس سره في مواضع أخر ان تقدير الدية لها يدل علي مقابلتها بالمال (1) و ان

ضعف الأول برجوعه إلي قياس (2) و الثاني بأن الدية لو لم تدل علي عدم التملك و إلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل علي التملك (3) لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به لا

لإتلاف مال كما في إتلاف الحر،

و نحوهما في الضعف دعوي انجبار المرسلة بدعوي الاتفاق المتقدم عن الشيخ و العلامة و الشهيد قدس سرهم لو لوهنها بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية من الإجماع علي عدم جواز غير المعلم من الكلاب بوجدان الخلاف العظيم من أهل الرواية و الفتوي، نعم لو ادعي الإجماع أمكن منع وهنها بمجرد الخلاف و لو من الكثير بناء علي ما سلكه بعض متأخر المتأخرين في الإجماع من كونه منوطا بحصول الكشف من اتفاق جماعة و لو خالفهم أكثر منهم مع ان دعوي الإجماع ممن لم يصطلح الإجماع علي مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها عند وجدان الخلاف.

______________________________

باقي الكلاب الأربعة، و الأول ثابت اجماعا، فكذا الثاني، بيان الشرطية ان المقتضي للجواز هناك كون المبيع مما ينتفع به و ثبوت الحاجة الي المعاوضة، و هذان المعنيان ثابتان في صورة النزاع، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي السالم عن المعارض.

(1) هذا هو الوجه الرابع أفاده العلامة قدس سره أيضا، و هو ان لها ديات منصوصة فيجوز المعاوضة عليها.

و فيه: ان العلامة قدس سره يدعي تنقيح المناط، فالصحيح في الجواب عنه: انه لم يحرز المقتضي للجواز في كلب الصيد و لعله غير جواز الانتفاع به، مع انه يمكن ان يكون ذلك في غير كلب الصيد مقرونا بالمانع، و لا وجه لدعوي تنقيح المناط إلا بعد إحراز المقتضي و عدم المانع.

(2) و أورد عليه المصنف قدس سره: بأنه يرجع الي القياس.

و عن الأستاذ الأعظم: انه قياس واضح.

(3) و أورد عليه المصنف بقوله: ان الدية لو لم تدل علي عدم التملك و إلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل علي التملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1،

ص: 98

و أما شهرة الفتوي بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا مع مخالفة كثير من القدماء، و مع كثرة ظاهر عمومات الواردة في مقام الحاجة و خلو كتب الرواية المشهورة عنها حتي ان الشيخ لم يذكرها في جامعيه، و أما حمل كلمات القدماء علي المثال ففي غاية البعد، و أما كلام ابن زهرة المتقدم فهو مختل علي كل حال لأنه استثني الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به، مع ان الاجماع علي جواز الانتفاع بالكافر، فحمل كلب الصيد علي المثال لا يصحح كلامه إلا ان يريد كونه مثالا و لو للكافر أيضا، كما ان استثناء الزيت من باب المثال لسائر الادهان المتنجسة، هذا.

و لكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب يوجب الظن بالجواز حتي في غير هذه الكلاب مثل كلاب الدور و الخيام،

فالمسألة لا يخلو عن إشكال، و إن كان الأقوي بحسب الأدلة و الأحوط في العمل هو المنع فانهم.

______________________________

و فيه: أنه لا تدل الدية علي عدم التملك، إذ هي ثابتة في كلب الصيد الذي لا كلام

في انه يملك و يجوز بيعه.

نعم ما ذكره قدس سره من أنها لا تدل علي التملك في محله، لاحتمال أن يكون من قبيل ثبوت الدية في الحر من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به لا لإتلاف مال، مع ان التملك اعم من جواز البيع، فلو دل ثبوت الدية علي التملك لما كان دالا علي جواز البيع إلا من جهة شمول العمومات له و هي مخصصة بأخبار المنع عن بيع غير كلب الصيد.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي الجواز لا يدل عليه و علي ذلك.

فالحق هو عدم الجواز كما هو المشهور للأخبار

«1» الخاصة الدالة علي المنع عن بيع غير كلب الصيد المخصصة لعموم ما دل علي جواز بيع كل ما فيه منفعة محللة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به. (*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 99

______________________________

و في الجواهر: ان تلك الأخبار علي قسمين: الأول: ما تضمن عد ثمن الكلب من

السحت. الثاني: ما تضمن تقسيم الكلب الي كلب الصيد و غيره. و شي ء منهما لا يتم الاستدلال به.

اما الأول: فلأنه لا يراد منه إلا قضية مهملة، بقرينة عدم استثناء كلب الصيد المتفق عليه منه، مع انه قد ذكر في بعض تلك النصوص ما علم ارادة الكراهة من السحت بالنسبة إليه معه كأجرة الحجامة و نحوها.

و أما الثاني: فلانه يحتمل ان يكون المراد به ما في الخلاف من التفصيل في كلب

الصيد بين المعلم منه و غيره، بل لعله الظاهر من لفظ الصيود و يصطاد و يصيد في تلك النصوص.

و في كلامه قدس سره مواقع للنظر:

الأول: ما ذكره من انه لم يرد بالنصوص المتضمنة عد ثمن الكلب من السحت الا قضية مهملة بقرينة عدم استثناء كلب الصيد.

فإنه يرد عليه: ان تخصيص العام و تقييد المطلق بدليل منفصل غير عزيز و لا سبيل الي توهم انهما يوجبان إجمالهما و الالتزام بكونهما مهملين كما حقق في الأصول في مبحث العام و الخاص.

الثاني: ما ذكره من تعيين حمل السحت علي إرادة الكراهة لضم ما اريد من السحت بالنسبة اليه الكراهة.

فانه يرد عليه: ما حققناه في محله من ان الكراهة و الحرمة خارجتان عن الموضوع له و المستعمل فيه. و انهما تنتزعان من الترخيص في الفعل و عدمه، و عليه فحيث انه ورد الترخيص في أكل أجرة الحجامة فيقال انه مكروه، و

لم يرد في ثمن الكلب، فلا بد من البناء علي حرمة أكله الموجب لفساد البيع.

الثالث: ما ذكره في الأخبار المفصلة، فانه يرد عليه اولا: انه خلاف الظاهر.

و ثانيا: ان ذلك لو تم فإنما يوجب دلالة تلك النصوص علي جواز بيع كلب الصيد المعلم، و عدم جواز بيع غيره مطلقا لا خصوص كلب الصيد غير المعلم، إذ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 100

الثالثة: الأقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي إذا غلا و لم يذهب ثلثاه (1).

______________________________

ما جعل موضوعا في تلك النصوص هو الكلب لا خصوص كلب الصيد، فتدبر فانه دقيق.

فتحصل: ان الأظهر عدم جواز بيع تلك الكلاب، و لكن بما انه لا شبهة في جواز الانتفاع بها للإجماع و للصحيح لا خير في الكلاب الا كلب صيد او ماشية «1».

و عن عوالي اللئالي: ان النبي صلي الله عليه و آله أمر بقتل الكلاب في المدينة فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثني كلاب الصيد و كلاب الماشية و كلاب الحرث و اذن في اتخاذها «2» فمقتضي القاعدة جواز المعاملات الاخر.

بيع العصير العنبي

(1) و تنقيح القول في المقام: ان العصير تارة يغلي بنفسه، و أخري بالنار، ففي الصورة الأولي ينجس و يحرم و لا يحل الا بصيرورته خلا، و في الثانية لا ينجس و يحرم، و حد الحرمة حينئذ ذهاب الثلثين كما حققنا في الجزاء الثالث من فقه الصادق مفصلا.

و عليه ففي الصورة الأولي لا يجوز بيعه لما ذكرناه في الخمر، و في الثانية يجوز لوجود المقتضي و هو وجود المنفعة و عدم المانع.

و دعوي انه قبل ذهاب الثلثين لا ينتفع به فلا يكون المقتضي موجودا.

مندفعة بأن عدم الانتفاع في الحالة المخصوصة التي تزول بنقصه لا يوجب سلب المالية عنه، أ لا تري ان اللحم ما لم يطبخ به

مع انه مال بلا كلام فالعصير يكون مثله.

______________________________

(1) الوسائل، باب 43، من أبواب أحكام الدواب، حديث 2، من كتاب الحج.

(2) المستدرك، باب 12، من أبواب ما يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 101

______________________________

و استدل لعدم الجواز بوجوه: الأول: ما ذكرت و قد عرفت ما فيه.

الثاني: انه نجس و لا يجوز بيع النجس.

و فيه: مضافا الي ما حققناه في محله من عدم النجس قد تقدم انها من حيث هي لا تكون مانعة عن صحة البيع، مع انك ستعرف ان ما ذكره الشيخ قدس سره في مقام الجواب تام فانتظر.

الثالث: خصوص بعض الأخبار كقوله عليه السلام في خبر أبي كهمس: و ان غلي فلا يحل بيعه «1».

2 و قوله عليه السلام في مرسل ابن الهيثم: إذا تغير عن حاله و غلي فلا خير فيه «2».

و قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا باس «3».

و فيه: أولا: أنها ضعيفة السند.- أما الأول فلأن أبا كهمس مجهول، و أما الثاني:

فلإرساله و أما الثالث: فلأن في طريقه قاسم بن محمد- و غير منجبرة بعمل الأصحاب فلا يعتمد عليها.

و ثانيا ان خبر بن منها و هما الأول و الأخير مختصان بالقسم الأول و هو ما إذا غلا بنفسه، أما الأخير فواضح، و أما الأول فلأن استناد الغليان الي العصير من دون ذكر السبب ظاهر في حدوثه فيه بنفسه، و يؤكد ذلك سؤاله: قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن العصير فقال: لي كرم و أنا اعصره كل سنة و اجعله في الدنان و أبيعه قبل ان يغلي.

قال عليه السلام: لا بأس و إن … الخ، فان هذا الخبر

و جوابا كالنص في ارادة ما إذا غلي بنفسه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 7.

(3) الوسائل، باب 59، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 102

______________________________

و أما الثاني: فالظاهر من نفي الخير فيه عدم ترتب الأثر المترقب منه و هو الشرب

عليه، و يشهد له- مضافا الي كنه ظاهر السؤال: قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتي يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه؟ فقال عليه السلام: إذا تغير … الخ.

الرابع: إطلاق الخمر عليه في كلمات الخاصة و العامة، بل عن المذهب البارع: ان اسم الخمر حقيقة في عصير العنب إجماعا.

و فيه: ان كلمات الفقهاء انما تكون للإشارة الي ان المختار عندهم فيما وقع الخلاف فيه ان الخمر، هل هي اسم لخصوص مسكر خاص، و هو العصير الذي صار مسكرا، او كل مسكر، هو الأول، كما ان الإجماع المدعي إشارة الي ان العصير الذي أسكر، خمر علي كلا القولين، و لا تدل هذه الكلمات و الإجماع علي ان العصير الذي لم يسكر خمر، مع بداهة أخذ الإسكار في مفهوم الخمر.

الخامس: صحيح معاوية بن عمار: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ علي الثلث و أنا أعرف انه يشرب علي النصف أ فأشربه بقوله و هو يشرب علي النصف؟ فقال عليه السلام: خمر لا تشربه. (الحديث) «1».

هكذا روي عن التهذيب، و مقتضي إطلاق التنزيل ثبوت عدم جواز البيع الذي هو من أحكام الخمر للبختج الذي هو العصير المطبوخ.

و فيه: أولا: ان الحديث مروي عن جميع نسخ الكافي و بعض نسخ

التهذيب خاليا عن لفظة خمر و لأجل كون الكليني أضبط، و المروي عن الشيخ مختلف و كثرة اختلال التهذيب لا مجال للاعتماد علي أصالة عدم الزيادة المقدمة علي أصالة عدم النقيصة عند التعارض بينهما كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 7 من أبواب الأشربة الحرمة، حديث 2.)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 103

______________________________

و ثانيا: ان الظاهر من التنزيل بقرينة السؤالين و الجوابين المذكورين في الخبر

إرادة التنزيل من حيث الحرمة خاصة.

و ثالثا: انه لما يكون في مقام جعل الحكم الظاهري حيث ان ظاهره ان حرمة العصير قبل ذهاب الثلثين و حليته بعده كانتا معلومتين عنده، و السؤال انما كان عن صورة الشك، فليس في مقام بيان الحكم الواقعي حتي يتمسك بإطلاقه، و وجه التشبيه بالخمر ان العصير المطبوخ قبل ذهاب ثلثيه لو ترك يغلي بنفسه سريعا و يسكر فيكون خمرا، و هو الذي يسمي بالباذق، معرب (باده) من أسماء الخمر.

السادس: موثق عمر بن يزيد عن مولانا الصادق عليه السلام: عن الرجل يهدي إليه البختج من غير أصحابنا فقال عليه السلام: ان كان من يستحل العسكر فلا تشربه، و ان كان ممن لا يستحل فأشربه «1».

فان التعبير يذهب ثلثاه بكون من اهداه إليه للمسكر، يدل علي انه في حكم المسكر الذي لا يجوز بيعه، و إلا لما صح هذا التعبير الكنائي.

و فيه: انه يمكن ان يكون سر التعبير عنه بذلك ان العصير إذا لم يذهب ثلثاه يتسارع إليه الإسكار فيصير مسكرا لا انه بحكمه.

السابع: النصوص المتضمنة لنزاع آدم و نوح مع ابليس و ان الثلث لهما و الثلثين لابليس لعنه الله الواردة في أصل تحريم الخمر الدالة علي ان تلك الواقعة منشأ تحريم الخمر «2» فانها تدل علي ان

العصير إذا غلي حكمه حكم الخمر.

و فيه: ان دلالة تلك النصوص علي ان العصير إذا غلي يشارك الخمر في الحرمة، و ان حرمته حرمة خمرية و ان كانت لا تنكر.

إلا ان عدم جواز البيع التابع اسم الخمر لا لحرمتها، لا يثبت بها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 7، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب الأشربة المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 104

و إن كان نجسا لعمومات البيع و التجارة الصادقة عليها بناء علي أنه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص لأصالة بقاء ماليته (1) و عدم خروجه عنها بالنجاسة، غاية الأمر انه مال معيوب قابل لزوال عيبه.

______________________________

الثامن: إطلاق الخمر عليه في بعض النصوص: كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن مولانا الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الخمر من خمسة:

العصير من الكرم … الخ «1».

و نحوه غيره.

و فيه: ان هذه النصوص انما تدل علي ان الخمر تؤخذ من العصير لا ان كل عصير خمر.

فتحصل من مجموع ما ذكرناه: ان العصير العنبي إذا غلي بنفسه لا يجوز بيعه، و إذا غلي بالنار يجوز ذلك.

(1) و قد استدل المصنف لجواز بيع العصير و ان كان نجسا بعمومات البيع و التجارة الصادقة عليه، بناء علي انه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص لأصالة بقاء ماليته.

و فيه: اما العمومات فلا يرجع إليها في المقام لما مر من ان العصير المغلي النجس يدل علي عدم جواز بيعه نصوص خاصة، و هي ما دل علي عدم جواز بيع الخمر، و معها لا مجال للرجوع الي العمومات كما لا يخفي. نعم العمومات تكلي لجواز بيع المغلي الذي لا يكون نجسا كما تقدم.

و أما أصالة بقاء

ماليته: فقد أورد علي الاستدلال بها بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم

بان المالية المشكوكة هي المالية الشرعية، إذا المالية العرفية و سلب مالية الشي ء و تنزيله منزلة غير المال، و عليه فالشك في بقاء مالية العصير إذا غلا يرجع الي الشك في

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب الأشربة المحرمة، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 105

و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتي حرم و نجس لم يكن في حكم التالف بل وجب عليه رده، و وجب عليه غرامة الثلثين (1) و أجرة العمل فيه حتي يذهب الثلثان كما صرح في التذكرة معللا لغرامة الأجرة بأنه رده معيبا و يحتاج زوال العيب الي خسارة و العيب من فعله فكانت الخسارة عليه.

______________________________

مجعول الشرع، و منشؤه الجهل بما له الحكم أي الموضوع المسلوب عنه المالية، فيكون من قبيل الشك في الحكم المسبب عن الشك في الموضوع الذي لا يجري فيه استصحاب الحكم و لا الموضوع، اما الأول: فللشك في بقاء موضوعه، و أما الثاني فلعدم الشك في الموجود الخارجي و استصحاب بقاء الموضوع بما انه موضوع يرجع الي استصحاب بقاء الحكم.

و فيه: مضافا الي ما حققناه في محله من جريان الاستصحاب في هذه الموارد: ان المقام ليس من ذلك القبيل، إذ موضوع المالية الشرعية ليس هو المالية العرفية بل ذات ما ثبت له المالية العرفية، إذ لا فرق بين الأحكام التأسيسية و الإمضائية من هذه الجهة، و عليه فالموضوع يكون باقيا، فلا مانع من استصحاب بقاء الحكم.

فالأولي ان يورد عليها: بان المالية الشرعية ليست بنفسها أمرا مجعولا شرعيا بل هي تنتزع من كون الشي ء ذا منفعة محللة بالفعل او بالقوة و هي بهذا المعني معلوم الثبوت في المقام، و ان

شئت قلت: انه لم يرد دليل متضمن لجعل المالية لشي ء او سلبها عن شي ء، بل هما ينتزعان من تجويز الشارع الانتفاع بشي ء و بيعه و عدمه، و علي ذلك فيكفي في المقام العمومات المتضمنة لحلية البيع لثبوت المالية الشرعية فلا تصل النوبة الي الاستصحاب.

(1) و قد أريد المصنف الأصل المزبور، بانه لو غصب عصيرا فأغلاه وجب عليه رده … الخ.

و فيه: ان العصير مثلي فيضمن الغاصب بمقدار التالف أو ما بحكمه، و ازدياد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 106

نعم ناقشه (1) في جامع المقاصد في الفرق بين هذا و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير لأن المالية قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت، لكن لا يخفي الفرق الواضح بين العصير إذا غلا و بينه إذا صار خمرا (2) فإن العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و النجاسة انما تمنع من المالية إذا يقبل التطهير كالخمر فإنها لا يزول نجاستها إلا بزوال موضوعها بخلاف العصير فإنه يزول نجاسته بنقصه نظير طهارة ماء البئر بالنزح.

______________________________

القيمة بعمله غير المحترم لا يقوم مقام ذلك.

و ما عن المبسوط من أنه لا يلزم ضمان لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها، إذ النار تعقد أجزاء العصير و لهذا تزيد حلاوته.

غير سديد، إذ لا تسلم كون الذاهب خصوص الأجزاء المائية، مع ان الواقع نقص محسوس في العين فيجب بدله، فالأظهر وفاقا لأكثر المتأخرين او جميعهم كما في الجواهر وجوب غرامة الثلثين.

(1) و قد ناقش المحقق الثاني فيه: بأنه ما الفرق بين هذا و بين ما لو غصب عصيرا فصار خمرا، حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير، لأن المالية قد

فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت.

(2) و أجاب عنه المصنف بقوله: لكن لا يخفي الفرق الواضح بين العصير إذا غلا،

.. الخ.

و يرد عليه: انه قد عرفت ان العصير النجس لا يطهر إلا بزوال موضوعه و لا يزول نجاسته بنقصه.

و أما ما أورده بعض أعاظم المحشين قدس سرهم بأن النجاسة ان ذهبت بالمالية ذهبت بها في المقامين و إلا لم يذهب بها فيهما.

فغير سديد، إذ لو سلم ان العصير العنبي إذا غلي بالنار ينجس و يطهر بذهاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 107

و بالجملة فالنجاسة فيه و حرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته، فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير فلا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول او شي ء من وجوه النجس، و لا يدخل تحت قوله عليه السلام: اذا حرم الله شيئا حرم ثمنه (1) لأن الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق لاما تعرضانه في حال دون حال فيقال يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا، و بما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد إجماع التذكرة علي فساد بيع نجس العين للعصير لأن المراد بالعين هي الحقيقة و العصير ليس كذلك، و يكمن ان ينسب جواز بيع العصير الي كل من قيد الأعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير، و لم أجد مصرحا بالخلاف عدا ما في مفتاح الكرامة من ان الظاهر المنع للعمومات المتقدمة و خصوص بعض الأخبار مثل قوله عليه السلام و ان غلا فلا يحل بيعه.

______________________________

ثلثيه كما هو المفروض في هذا الجواب، تم ما ذكره الشيخ قدس سره فارقا لما تقدم منا و منه قدس سره من ان النجاسة من حيث هي

لا تكون مانعة عن صحة البيع، و انما توجب الفساد في الموارد التي يتوقف الانتفاع بالعين علي الطهارة، و عليه فإذا كان ارتفاع النجاسة بارتفاع الصورة النوعية يصح ان يقال ان هذا العين ليست لها منفعة محللة فلا يجوز بيعها، و وجود منفعة محللة للموجود الآخر و هو الذي استحيل إليه هذا الموجود لا يسوغ البيع، و أما إذا كان ارتفاعها بارتفاع بعض الخصوصيات أو نقص العين لا يصح أن يقال إن هذا الموجود ليس له منفعة محللة مقصودة فلا يشمله ما دل علي عدم جواز بيع النجس و المحرم.

(1) و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف حيث قال: لأن الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق لاما تعرضانه في حال دون حال.

و الإيراد عليه كما عن هذا المحشي قدس سره بأنه لو جاز بيع العصير لذلك لجاز بيع سائر المسكرات المائعة غير الخمر لدوران نجاستها مدار الإسكار الزائلة بزواله و إن بقيت الصورة النوعية.

غريب، إذ النجاسة لا تزول بزوال الإسكار فان المانع إذا تنجس لا يطهر بلا ورود مطهر عليه او استحالته و انقلابه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 108

و رواية أبي بصير إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس، و مرسل ابن هيثم إذا تغير عن حاله و غلا خير فيه بناء علي ان الخير المنفي يشمل البيع،

و في الجميع نظر، أما في العمومات فلما تقدم، و أما الأدلة الخاصة (1) فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان نظير بيع الدبس و الخل من غير اعتبار إعلام المكلف، و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع إعلام

المشتري نظير بيع الماء النجس.

و بالجملة فلو لم يكن إلا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفي، و لم أعثر علي من تعرض للمسألة صريحا عدا جماعة من المعاصرين، نعم قال المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول المصنف: و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبوله التطهير بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الاصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير و دفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف، و لو تنجس العصير و نحوه فهل يجوز بيعه علي من يستحله؟ فيه اشكال ثمّ ذكر ان الأقوي العدم لعموم (و لا تعاونوا علي الإثم و العدوان) (انتهي).

و الظاهر انه أراد بيع العصير للشرب من غير التثليث كما يظهر من ذكر المشتري و الدليل فلا يظهر منه حكم بيعه علي من يطهره.

______________________________

نعم في الخمر كلام، و هو انه لو زال سكرها و لم تنقلب خلا هل تطهر أم لا؟ و أما في غيرها فلا وجه له، مع انه لو تم ذلك نلتزم بجوازه لو لاما دل علي عدم جواز بيع المسكر، و معه يكون هو الفارق بين المقامين.

(1) ما ذكره قدس سره من التقييد او الحمل خلاف الظاهر. إذ لا منشأ له سوي دعوي الانصراف الممنوع كما تقدم.

فالصحيح في الجواب عنها ما ذكرناه عند بيان ما هو الحق عندنا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 109

الرابعة: يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس
اشارة

علي المعروف من مذهب الأصحاب (1) و جعل هذا من المستثني عن بيع الأعيان النجسة مبني علي المنع من الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل أو علي المنع من بيع المتنجس و ان جاز الانتفاع به نفعا مقصود محللا، و إلا كان الاستثناء منقطعا من حيث ان المستثني منه ما ليس فيه منفعة

محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات (2) و قد تقدم ان المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس ليس إلا من حيث حرمة المنفعة المقصودة فإذا فرض حلها فلا مانع من البيع.

______________________________

المعاوضة علي الدهن المتنجس

(1) و النصوص به مستفيضة: كصحيح ابن وهب عن مولانا الصادق عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «1».

و نحوه غيره.

و قد ذكر الشيخ قدس سره جملة منها، و ان كان بعضها لا يدل عليه كما لا يخفي علي الناظر، و ما دل علي المنع عن بيعه كقول الإمام علي عليه السلام في خبر الجعفريات: إن كان ذائبا فلا يؤكل، يسرج به و لا يباع «2».

و قول الإمام الكاظم عليه السلام في خبر اخيه: لا تدهن به و لا تبعه من مسلم «3». محمول علي البيع مع عدم الإعلام لا خصية جملة من نصوص الجواز المختصة بالبيع من الإعلام بالنجاسة عن ذلك.

(2) و أورد عليه: تارة بأن المستثني منه ان كان خصوص الأعيان النجسة،

فالاستثناء منقطع علي كل تقدير، و إن كان عاما شاملا للأعيان النجسة و المتنجسة فالاستثناء متصل كذلك، إذ النظر في اتصال الاستثناء و انقطاعه الي ظاهر عنوان الدليل في مقام الإثبات لا واقع ما يعرضه الحكم، فبما ان عنوان المستثني منه هو نفس النجس و المتنجس بلا دخالة قيد حرمة الانتفاع به في ذلك و ان كان هو دخيلا واقعا، فالاستثناء متصل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) المستدرك، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1،

ص: 110

و يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك، و ان جواز بيع الدهن للنص لا لجواز الانتفاع به و إلا لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا، و أما حرمة الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل فسيجي ء الكلام فيه إن شاء الله و كيف كان فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور و عن الاجماع عليه في الجملة و الأخبار به مستفيضة منها الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: جرذ مات في سمن او زيت او عسل، قال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به (1) و زاد في المحكي عن التهذيب انه يبيع ذلك الزيت و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به (2) و لعل الفرق بين الزيت و اخويه من جهة كونه مائعا غالبا بخلاف السمن و العسل. و في رواية إسماعيل الآتية إشعار بذلك.

______________________________

و أخري: بأن الوجه الأول المذكور لتصحيح الاتصال لا يصححه لأن أصالة حرمة الانتفاع بالمتنجس ان سلمناها لا أثر لها في المقام الذي لا تقول بمقتضاها لما دل من النصوص علي جواز الانتفاع به.

و فيهما نظر: لأن المستثني منه ليس هو خصوص الأعيان النجسة كما يشهد له عد المعاوضة علي الأعيان المتنجسة من جملة المسائل الثمان. بل الأعم منها و من الدليل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس، يكون الدهن المتنجس داخلا في المستثني منه، فبعد ورود الدليل علي جواز الانتفاع به و بيعه لا محالة يكون الاستثناء متصلا.

فتحصل: ان ما ذكره قدس سره ملاكا لكون الاستثناء متصلا او منقطعا متين جدا.

و قد أشار إلي فساد كلا المبنيين، أما المبني الثاني فبقوله و قد تقدم الخ.

و أما

المبني الأول فبقوله، و أما حرمة الانتفاع بالمتنجس الخ.

(1) هذا الصحيح لا يدل إلا علي جواز الإسراج و لا ربط له بالبيع.

(2) و ما في التهذيب انما هو إشارة الي صحيحة «1» الآخر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1- 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 111

و منها الصحيح (1) عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام في الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه، قال: إن كان سمنا او عسلا او زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فأنزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فادفعه حتي يسرج به، و منها ما عن أبي بصير في الموثق عن الفأرة تقع في السمن او الزيت فتموت فيه، قال: ان كان جامدا فاطرحها فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و ان كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته «1».

و منها رواية إسماعيل بن عبد الخالق «2»، قال: سأله سعيد الأعرج السمان و انا حاضر، عن السمن و الزيت و العسل يقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به، قال: اما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا. (2) و أما السمن فإن كان ذائبا فكذلك و إن جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها ثمّ لا بأس به، و العسل كذلك ان كان جامدا إذا عرفت هذا فالإشكال يقع في مواضع:

(الأول) ان صحة بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا و يكفي قصد هما لذلك او لا يشترط أحدهما، ظاهر الحلي في السرائر الأول،

فإنه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجسة

جمع، قال: و يجوز بيعه بهذا الشرط عندنا، و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و قال أبو حنيفة: يجوز مطلقا (انتهي).

و نحوه مجردا عن دعوي الإجماع عبارة المبسوط، و زاد انه لا يجوز بيعه الا لذلك و ظاهرة كفاية القصد و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله: جاز بيعه للاستصباح كما في الشرائع و القواعد و غيرها، نعم ذكر المحقق الثاني ما حاصله: ان التعليل راجع

______________________________

(1) و يرد عليه مضافا الي ما أورد علي سابقه من انه لا يدل إلا علي جواز الإسراج و لا ربط له بالبيع انه مروي عن الحلبي لا السعيد.

(2) لأنه عليه السلام فصل فيه بين السمن الذائب فجعله كالزيت و الجامد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 43، من أبواب الأطعمة، حديث 4

(2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 112

الي الجواز يعني يجوز لأجل تحقق فائدة الاستصباح بيعه، و كيف كان فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح (1) و يمكن ان يقال باعتبار قصد الاستصباح إذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه، و كان من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما، و وجهه ان مالية الشي ء انما هي باعتبار منافعها المقصودة منه لا باعتبار مطلق.

______________________________

اشتراط الاستصباح في البيع.

(1) قد صرح جماعة بأن صحة بيع هذا الدهن مشروطة بكونه (للاستصباح به) و هم ما بين من اشتراط كونه صريحا، و من اكتفي بالقصد، و صرح آخرون بعدم الاعتبار

و مجموع اقوال المسألة او وجوهها ستة:

الأول: اعتبار اشتراط الاستصباح في صحة البيع.

الثاني: اعتبار قصد الاستصباح فيها.

الثالث: اعتبار عدم

قصد المنفعة المحرمة.

الرابع: اعتبار قصد المنفعة المحللة إذا لم تكن المنفعة المحللة شائعة.

الخامس: اعتبار الاستصباح الخارجي.

السادس: عدم اعتبار شي ء من هذه القيود فيها.

و الذي يختاره المصنف قدس سره في آخر كلامه هو الوجه الثالث.

و الأظهر منها هو الأخير.

و تحقيق القول في المقام يقتضي أن يقال: ان الدهن المتنجس علي أقسام أربعة:

من منافعه المقصودة باعتبار مزاحمة هذه المنفعة في الاستيفاء مع المنفعة الأخري و هي الأكل و هو أنفع منها بمراتب في العرف، بحيث لا تلاحظ منفعة الاستصباح في ماليته و لعل من هذه القسم ذهن اللوز إذ ماليته بعد كون فائدتي الأكل و الاستصباح لا يمكن استيفائهما معا، انما تكون في نظر العرف باعتبار الأكل لما فيه من فوائد و خواص مهمة لا يقوم غيره مقامه و لو بأضعاف قيمته بخلاف الاستصباح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 113

______________________________

الثاني: ما تكون منفعته المقصودة التي هي مناط ماليته بنظر العرف هو الأكل، و لا يكون الاستصباح مناط ماليته لأجل كونه منفعة غير معتد بها عند العقلاء كما لو كان دهن لو استصبح بكثير منه يحترق في دقيقة واحدة مثلا.

الثالث: ما تشترك منافعه المقصودة بين الأكل و الاستصباح كالزيت.

الرابع: ما تختص منفعته المقصودة بالإسراج، كالنفط.

اما القسم الأول: فلو فرضنا ان الدهن تنجس و انتفت الفائدة المقصودة صح بيعه لأن المنفعة المرجوعة التي لم تكن مناط المالية لأكملية المنفعة الاخري و اتميتها تكون مناطا لماليته حينئذ، فهو مال فيصح بيعه و ان لم يقصد المنفعة المحللة بل و إن قصد المحرمة فإن المبادلة انما تكون بين المالين، و ليس طرف المبادلة المنفعة كي يقال إن دفع الثمن بإزاء المحرمة منها أكل المال بالباطل، بل نفس ما فيه المنفعة، و قصد

المنفعة المحرمة لا يوجب سلب المالية عنه حتي لا يصح لذلك.

و بعبارة أخري: وجود المنفعة الواقعية موجب لكون هذا الشي ء مالا و إن قصد البائع المنفعة المحرمة فيصح بيعه لذلك، نعم لو شرط استيفاء المنفعة المحرمة خارجا و إن لم يقصد تلك المنفعة بالقصد المعاوضي بطل البيع بناء علي ان الشرط الفاسد مفسد،

لكن هذا كلام آخر لا ربط له بالقمام، و ستعرف في محله فساده في نفسه، بل لو قصد المنفعة المحللة بالقصد المعاوضي بان دفع الثمن بإزائها بطل البيع لعدم كون المبيع عينا.

و ما ذكره المحقق النائيني قدس سره في وجه اعتبار قصد المنفعة المحللة من أن عناوين الأشياء تكون مناط ماليتها لا الجسم المطلق الذي هو المادة المشتركة بين ماله قيمة و ما لا قيمة له، فإذا فرضنا ان الشي ء لا مالية له إلا باعتبار منفعة خاصة، فكما يجب تعيين العنوان في المبيع و لا يصح بيع القدر المشترك بين الدهن و اللحم مثلا، فكذلك يجب تعيين العنوان الذي يكون الدهن مالا باعتباره بقصد المنفعة المحللة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 114

______________________________

غير تام، إذ لا ريب في اعتبار كون المبيع أي ما يقابله الثمن مقصودا و معلوما و

مالا، و لذا لا يصح بيع القدر المشترك بين ما لا قيمة و ما له قيمة، فإن القدر المشترك لا مالية له، فان المالية منتزعة من وجود المنفعة المحللة و هي انما تترتب علي الصور النوعية لا القدر المشترك بين الأنواع، و يكفي في انتزاع المالية وجود المنفعة الواقعية، و عليه فبما ان المبيع هو العين، و المنفعة ليست مما يقابله الثمن فلا يعتبر زائدا علي قصد عنوان المبيع، و كونه ما لا قصد المنفعة، فإن ماليته

لا تتقوم بقصدها بل هي تابعة لوجودها الواقعي. فتدبر فإنه دقيق.

و بما ذكرناه ظهر حكم القسمين الآخرين.

و أما القسم الثاني: فإن كانت المنفعة النادرة موجبة لانتزاع المالية عند العرف فحكمه حكم سائر الأقسام، و إلا فلا يصح بيعه لعدم المالية، و لو فرض ورود دليل خاص علي جواز البيع في هذا الفرض لا بد من الالتزام بأحد أمرين: اما كونه بيعا حكيما لا حقيقيا، او ان الشارع تصرف في المبيع و جعله مالا.

هذا ما تقتضيه القواعد، و أما النصوص الواردة في المقام، فقد يتوهم دلالة قوله عليه السلام في خبر الأعرج فلا تبعه إلا ان تبين له فيبتاع للسراج، علي اعتبار قصد المنفعة المحللة، بدعوي انه يدل علي حصر جواز البيع بما اذا بيع للاسراج و قد اعتبر البيان مقدمة لذلك، فلو قصدا بلا بيان لم يحتج اليه، فاعتبار البيان انما يكون مقدميا، و المعتبر حقيقة هو قصد الإسراج.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده لأن في طريقه محمد بن خالد الطيالسي الذي لم ينقل فيه توثيق: ان ظهوره في نفسه في ذلك لا ينكر، إلا انه لا بد من التصرف فيه بقرينة ان الإعلام واجب نفسي- كما ستعرف- و هو يمنع عن ظهور النهي عن البيع في الفساد.

و إن شئت قلت: انه لهذه القرينة يكون ظاهرا في ان اعتبار القصد المذكور انما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 115

الفوائد الغير الملحوظة في ماليته (1) و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة،

فإذا فرض أن لا فائدة في الشي ء محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه لا علي الإطلاق، لأن الإطلاق ينصرف الي كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة

______________________________

يكون في الإقباض لا في البيع، و مآله الي حرمة التسبيب لوقوع الغير

في الحرام، و يؤيد ذلك ان ظاهره اعتبار قصد المشتري خاصة.

مع انه لو سلم دلالته علي اعتباره في البيع، يقع التعارض بينه و بين قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن وهب المروي عن التهذيب: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «1».

و قوله عليه السلام في موثق أبي بصير: و أعلمهم إذا بعته «2».

و لعل الجمع العرفي يقتضي حمل خبر الأعرج علي ما ذكره ناه.

و أما ما ورد «3» في تحريم شراء الجارية المغنية، فالظاهر كونه اجنبيا عن هذه المسألة: فإنه يدل علي فساد البيع فيما إذا كانت صفة محرمة في المبيع و قصدها البائع و المشتري، و لعل مقتضي القاعدة حينئذ هو الفساد، فان الصفات المتمولة الموجودة في المبيع اذا قصدها البائع و المشتري يقع مقدار من الثمن بإزائها.

و بعبارة اخري: تكون هي من عناوين المبيع، و هذا بخلاف هذه المسألة و هي ما لو قصد التصرف في المبيع علي الوجه المحرم الذي لا يوجب صفة في المبيع ليقع مقدار من الثمن بإزائها.

و الظاهر انه ليس في الأدهان لا سيما الأدهان الواقعة في مورد النصوص ما يكون الإسراج من منافعه النادرة غير الموجبة لماليته، فالنصوص الخاصة لا تنافي القاعدة.

(1) قد عرفت ان الفوائد غير الملحوظة علي قسمين أحدهما ما يكون عدم ملاحظة المنفعة المفروضة لأجل مزاحمتها مع ما هو أهم منها، الثاني ما يكون لأجل عدم اعتداد العقلاء بها و ما ذكره يتم في الثاني دون الأول كما عرفت.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 16، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 116

منه (1)

و المفروض حرمتها فيكون أكلا للمال بالباطل، و لا علي قصد الفائدة النادرة المحللة لأن قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي ء مالا، ثمّ إذا فرض ورود النص الخاص علي جواز بيعه كما فيما نحن فيه (2) فلا بد من حمله علي صورة قصد الفائدة النادرة (3) لأن أكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع، بخلاف صورة عدم القصد لأن المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق المنصرف الي الفوائد المحرمة، فافهم. (4) و حينئذ فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن و تعاملا من غير قصد الي هذه الفائدة كانت المعاملة باطلة لأن المال مبذول مع الإطلاق في مقابل الشي ء باعتبار الفوائد المحرمة.

نعم لو علمنا عدم التفات المتعاملين الي المنافع أصلا أمكن صحتها لأنه مال

______________________________

(1) قد مر أن الثمن لا يقع بإزاء المنافع و إنما يقع بإزاء نفس العين مع انه لو سلم ذلك فانما هو اجنبي عما هو محل البحث، فان مرجع هذا الوجه الي جعل الثمن بإزاء حيثيات المنافع و ان لم يقصد الانتفاع بها بل و ان قصد الانتفاع المحرم، و محل البحث هو قصد الفعل الخارجي اي الانتفاع المحلل.

(2) فيه: ان الاسراج منفعة شائعة لكن دهن لا سيما ما هو مورد النصوص فدعوي ورود النص الخاص في الدهن الذي يكون الاسراج منفعته النادرة في غير محلها، هذا إذا اريد المنفعة غير الملحوظة لعدم الاعتداد بها عند العقلاء و ان اريد بها منفعة لم تلاحظ من جهة المزاحمة لما هو أهم، فدعوي عدم كون الشي ء مالا بلحاظها ممنوعة كما تقدم.

(3) قد عرفت انه لو ورد نص خاص علي جواز بيع ما لا منفعة له محللة مقصودة يتعين حمله علي

كونه بيعا حكميا، او ارادة جعل المالية للمبيع تعبدا، لا علي ما ذكره قدس سره لأنه إذا كان أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل بدون القصد المزبور يكون كذلك معه لأنه لا يوجب صيرورته مالا.

(4) لعله اشارة الي ما ذكرناه من ان الثمن ليس بإزاء المنافع كي يدعي ان المال مبذول بازاء المطلق المنصرف الي الفوائد المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 117

واقعي شرعا قابل لبذل المال بازائه و لم يقصد به ما لم يصح بذل المال بازائه من المنافع المحرمة، و مرجع هذا في الحقيقة الي انه لا يشترط الا عدم قصد المنافع المحرمة، فانهم. (1) و أما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة بحيث كان مالية الدهن باعتباره كأدهان المعدة للاسراج فلا يعتبر في صحة بيعه قصده أصلا، لأن الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به و ان فرض حرمة سائر منافعه بناء علي أضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس علي مورد النص، و كذا إذا كان الاستصباح منفعة مقصودة مساوية لمنفعة الأكل المحرم كالألية و الزيت و عصارة السمسم، فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه إذ يكفي في ماليته وجود المنفعة المقصودة المحللة، غاية الأمر كون حرمة منفعة الأخري المقصودة نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل، نعم يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة بأن يقول: بعتك بشرط أن تأكله و إلا فسد العقد بفساد الشرط، بل يمكن الفساد و ان لم نقل بإفساد فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل لأن حقيقة النفع العائد الي المشتري بازاء ثمنه هو النفع المحرم، فافهم. (2) بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد و ان لم يشترط في متن العقد.

و بالجملة فكل بيع قصد فيه منفعة

محرمة بحيث قصد أكل او بعضه بازاء المنفعة المحرمة كان باطلا كما يومئ الي ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها (3) و صرح في التذكرة بأن الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء فالوجه التحريم. (انتهي).

______________________________

(1) بل مرجعه الي ما ذكرناه من انه لا يعتبر قصد عدم المنفعة المحرمة أيضا كما

لا يخفي و لعله اشار الي ذلك بقوله فافهم.

(2) قد مر ان الاشتراط اجنبي عن جعل الثمن بازاء المشروط و هي المنفعة المحرمة فلا يكون أكل الثمن الذي جعل في مقابل ما هو مال واقعا أكلا للمال بالباطل.

(3) و لكن قد مر ان مفاد تلك الأخبار الجنبي عن محل البحث و هو قصد المنفعة المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 118

ثمّ ان الأخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح لأن موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها كافية في ماليتها العرفية و ربما يتوهم من قوله عليه السلام في رواية الأعرج المتقدمة: فلا تبعه الا لمن تبين له، فيبتاع للسراج اعتبار القصد و يدفعه ان الابتياع للسراج انما جعل غاية للإعلام (1) بمعني ان المسلم إذا الطلع علي نجاسته فيشتريه للسراج قوله عليه السلام في رواية معاوية بن وهب: بينه لمن اشتراه ليستصبح به.

(الثاني) ان ظاهر بعض الأخبار وجوب الإعلام (2) فهل يجب مطلقا أم لا (3) و هل وجوبه نفسي او شرطي بمعني اعتبار اشتراطه في صحة البيع الذي.

______________________________

و ما ذكره بعض أكابر المحققين قدس سرهم من ان ظاهرها حرمة الشراء مع ملاحظة صفة الغناء، و الظاهر ان ذلك لأجل كون تلك الصفة محرمة التحصيل، و حيث ان حرمة التحصيل الوصف انما تكون لأجل ترتب الحرام

عليه، فقصد نفس الفعل اولي بالتحريم.

فاسد لما عرفت من ان وجه التحريم في الجارية المغنية هو اعتبار وصف محرم في أحد العوضين و جعله عنوان المبيع، و هذا غير مربوط بما إذا التزم بفعل محرم الذي لا يقع شي ء من الثمن بازائه.

(1) لو كان متن الخبر ما ذكره هو قدس سره كان هذا الجواب في محله، و لكنه هكذا فلا تبعه الا لمن تبين له فيبتاع للسراج و عليه فلا يتم ما ذكره كما لا يخفي.

فالصحيح في الجواب عنه ما ذكرناه عند بيان ما هو الحق عندنا.

وجوب الإعلام بالنجاسة حين البيع

(2) مورد البحث في هذا الأمر هو وجوب الإعلام شرطيا أم نفسيا و عدمه سواء وقع البيع مع قصد الاستصباح او نفسه، أم لا، و موضوع البحث السابق اعتبار شرط الاستصباح او قصده سواء اعلم بالنجاسة أم لا.

ثمّ ان المراد من بعض الأخبار هو ما تضمن من النصوص الأمر بالإعلام و البيان كخبري أبي بصير و إسماعيل و صحيح وهب المتقدمة.

(3) المراد من الإطلاق هو إيجابه بعنوانه، بالوجوب الجامع بين النفسي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 119

ينبغي أن يقال إنه لا إشكال في وجوب الإعلام، إن قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد او تواطؤهما عليه من الخارج لتوقف القصد، علي العلم بالنجاسة و أما إذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد فالظاهر وجوب الإعلام وجوبا نفيسا قبل العقد، او بعده (1) لبعض الأخبار المتقدمة و في قوله عليه السلام

______________________________

و الغيري، و مراده بذلك ان الأمر دائر بين امور ثلاثة، عدم وجود الإعلام، و وجوبه بالوجوب الشرطي لصحة البيع، و وجوبه بالجواب النفسي.

و حيث ان ظاهر النصوص المتقدمة من جهة تضمنها الأمر هو الوجوب، فالقول بعدم الوجوب ضعيف، فالأمر

يدور، بين أمرين: كون وجوبه نفيسا، او شرطيا.

(1) محصل مراده من الشرطية الأولي: انه لو بنينا علي اعتبار الشرط السابق في صحة البيع، لا بد من القول باشتراط الصحة بالإعلام، لتوقف القصد علي العلم بالنجاسة.

و فيه: انه يمكن قصد الاستصباح بتواطيهما عليه خارج العقد من دون أن يعلمه البائع بالنجاسة، و اشتراطه في العقد، فاعتبار شرط الاستصباح او قصده لا يوجب ان يكون الإعلام واجبا شرطيا من باب توقف الشرط عليه.

و دعوي ان اشتراط الانتفاع ببعض المنافع خلاف مقتضي العقد و لا ينفذ، و عليه فليس للمشتري ان يشتري مع هذا الشرط الا مع علمه بالنجاسة.

مندفعة أولا: بان ذلك خلاف مقتضي إطلاق العقد لا نفسه فتشمله ادلة الشروط،

و لا مانع من نفوذه.

و ثانيا: ان البيع صحيح واقعا و ان كان المشتري جاهلا بصحته من جهة ان الاشتراط يكون اشتراطا للانتفاع بالمنافع المحللة لا ببعضها.

و أما ما أفاده في الشرطية الثانية، فليس مراده بالنفسي كون الإعلام أحد الواجبات و ان لم يقبض المبيع، بل مراده ما يقابل الشرطي لصحة العقد، غير المنافي لكونه شرطا لجواز الإقباض، و علي أي تقدير وجوبه لو ثبت فانما يكون في صورة الإقباض، و عليه فالنزاع في كونه في صورة الإقباض واجبا نفسيا، او كونه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 120

يبينه لمن اشتراه ليستصبح به اشارة الي وجوب الإعلام لئلا يأكله فإن الغاية للإعلام ليس هو تحقق الاستصباح إذ ترتب بينهما شرعا و لا عقلا و لا عادة (1) بل الفائدة حصر الانتفاع فيه، بمعني عدم الانتفاع به في غيره، ففيه اشارة الي وجوب اعلام الجاهل بما يعطي اذا كان الانتفاع الغالب به محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا

الإعلام فكانه قال: اعلمه لأن يقع في الحرام الواقعي بتركك الإعلام.

______________________________

شرطا لجواز الإقباض لا تترتب عليه ثمرة فالصفح عنه اولي.

إذا عرفت ذلك فاعلم: ان غاية ما قيل في وجه كون وجوب الإعلام شرطيا لصحة البيع ان قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: و اعلمهم إذا بعته. يدل عليه.

و لكن يرد عليه: ان هذا الأمر يتعين حمله علي ارادة الوجوب النفسي لوجهين.

الأول: ظهور التعبير بالماضي في كون الإعلام بعد وقوع البيع و تحققه، و كونه بوجوده المتأخر شرطا مما لم يلتزم به أحد.

الثاني: ظهور سائر النصوص في الوجوب النفسي كقوله عليه السلام في خبر ابن وهب بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به.

(1) و لكن يمكن ان يقال بثبوت الترتب العادي بعد ملاحظة الحكم الشرعي،

فانه لو اعلمه بالنجاسة بما ان العين لا تترك معطلة عادة و قد منع عن الانتفاع بها بالأكل،

فلا محالة ينتفع بها في الاستصباح، و لكن بما انه لا يحتمل كون الاستصباح واجبا فلا يصح جعله بنفسه غاية الواجب، إذ غاية للواجب، إذ غاية الواجب واجبة، بل من الواضح ان غرض الشارع عدم الانتفاع به بالمنافع المتوقف جوازها علي الطاهرة، و عليه فلو لم يكن عدم التسبيب الي صدور الحرام من الغير جهلا مطلوبا للشارع لما صح الأمر بالإعلام بالنجاسة.

حرمة التسبيب الي وجود الحرام الواقعي من الغير جهلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 121

و يشير الي هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة علي حرمة تغرير الجاهل بالحكم او الموضوع في المحرمات مثل ما دل ان من أفتي بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه (1) فإن اثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي و حمله علي المفتي من حيث التسبيب و

التغرير و مثل قوله عليه السلام: ما من إمام صلي بقوم فيكون

______________________________

و إن شئت قلت: ان غاية الإعلام عدم وقوع المشتري في المحرم جهلا بتسبيب من البائع، فيستفاد من ذلك بعد الغاء الخصوصيات قاعدة كلية، و هي:

التسبيب إلي وجود الحرام من الجاهل

و قد يقال كما في المكاسب انه يمكن الاستشهاد لهذه القاعدة، مضافا الي ما مر من الأخبار بطوائف من النصوص:

(1) الاولي: ما تدل علي ان من افتي بغير علم لحقه وزر من عمل له، كصحيح أبي عبيدة الحذاء عن الإمام الباقر عليه السلام من أفتي الناس بغير علم و لا هدي لعنه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1». و نحوه غيره، بدعوي ان ثبوت وزر العامل للمفتي و حمله عليه، انما يكون لأجل التسبيب و التغرير.

و فيه إن الإفتاء بغير علم حرام بنفسه أصاب الواقع أم أخطأ، عمله له الغير أم لم يعمل، و أما كون مقدار وزره وزر من عمل بفتياه في صورة العمل، فإما ان يكون بمعني انه في صورة الخطأ يثبت له مقدار اوزار العالمين لو كانوا معتمدين بالمعصية، او يكون بمعني ان عملهم إذا كان عن تقصير في الفحص عن أهلية المفتي يثبت للمفتي بمقدار اوزارهم من جهة الإعانة علي الحرام من دون ان ينقص من اوزارهم شي ء.

و علي كل تقدير يكون اجنبيا عن المقام أما علي الثاني: فواضح، و أما علي الأول فلأن ثبوت وزر محدود بذلك علي فعل محرم في نفسه أعم من صيرورته

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، من أبواب صفات القاضي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 122

في صلواتهم تقصير إلا كان عليه اوزارهم. (1) و في رواية أخري فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا

كان إثم ذلك عليه و

______________________________

حراما بعنوان آخر، و هو التسبيب الي وقوع الفعل القبيح الواقعي، نعم لو لم يكن الإفتاء بغير علم حراما في نفسه كان يستكشف من ذلك جعل الحرمة له بالملازمة فتدبر.

مع ان هذا انما يكون في التغرير بالحكم، و محل الكلام هو التغرير بالموضوع.

مع انه فرق آخر بين المقام و مورد هذه النصوص و هو ان فعل الحرام في المقام لا يكون مستندا الي البائع المسلط للمشتري علي المبيع النجس، لان المشتري لو فعل الحرام فانما يفعله استنادا الي الطهارة لا إلي فعل البائع او قوله، اما عدم استناده الي فعله فلعدم اشتراط البيع بالطهارة، و أما عدم استناده الي قوله فلعدم إخباره بها، و هذا بخلاف مورد النصوص فان عمل المستفتي انما يكون مستندا الي قول المفتي و لو لم يعتقد حجية قوله كان مقتضي الأصل عدم العمل بفتواه.

(1) الثانية: ما تدل علي ثبوت اوزار المأمومين علي الإمام في تقصير نشأ من تقصير الإمام و هو قوله عليه السلام: ما من إمام صلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه اوزارهم «1».

و قوله عليه السلام في خبر آخر: فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه «2».

و فيه: مضافا الي الفرق بين ما نحن فيه، و بين مورد هاتين الروايتين: لان في المقام لا يستند العمل الي البائع، بخلاف ذلك المورد فان المأموم انما يقتدي بالإمام اعتمادا علي صحة صلاته، ان المراد من قوله عليه السلام فيكون في صلاتهم تقصير ان كان هو التقصير الناشي من تقصير الإمام في صلاته، فهما منافيان لكثير من النصوص

______________________________

(1) البحار، ج 18، ص 613، من طبعة الكمباني.

(2) تحف العقول، باب ما

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام كتابه الي اهل مصر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 123

في رواية أخري لا يضمن الإمام صلاتهم إلا ان يصلي بهم جنبا (1).

______________________________

المعتبرة المعمول بها عند الأصحاب الدالة علي ان فساد صلاة الإمام، و ان كان عن تقصير لا يوجب فساد صلاة المأموم، و إن كان المراد هو التقصير الذي استقلوا به، فهو لا يكون وزره علي الإمام بلا كلام.

و علي ذلك فيتعين حملهما اما علي إرادة انه لو علم الإمام انه لو تصدي للإمامة يقتدي به الناس من غير فحص عن حاله فتصير صلاتهم باطلة، لا يجوز له ذلك، و لو فعل، يكون عليه مثل أوزارهم من دون ان ينقص من أوزارهم شي ء و أما علي ارادة ان الإمامة نحو رئاسة دينية و عليه فيكون وظيفة الإمام تصحيح صلاة من يقتدي به و لو كان في صلاتهم نقص تكون عليه اوزارهم.

و علي أي تقدير يكونان اجنبيين عن المقام أما علي الثاني: فواضح، و أما علي الأول: فلأنهما انما يدلان حينئذ علي حرمة الإعانة علي الإثم، و لا ربط لهما بالمقام.

(1) الثالثة: ما تدل علي ضمان الإمام صلاة المأمومين اذا صلي بهم جنبا و هي صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أ يضمن الإمام صلاة الفرضية فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال عليه السلام: لا يضمن أي شي ء يضمن الا ان يصلي بهم جنبا او علي غير ظهور «1».

و هي لا سيما بضميمة ما دل من النصوص المعمول بها علي ان الإمام لو كان جنبا او علي غير وضوء يعيد هو صلاته و هم لا يعيدون، و ما في صدره، اذ الظاهر ان المخالفين يعتقدون ان

المأمومين يكلون صلاتهم الي الإمام و يتابعونه في الأفعال من باب التبعية، ظاهرة في ارادة التعريض عليهم و ان الإمام لا يكون متحملا عنهم الصلاة،

و لا يكون متعهدا لشي ء سوي ان يصلي بهم صلاة صحيحة فلو صلي جنبا فقد أخل بذلك، فإن كان عالما أثم، و إلا فعليه الإعادة و لا شي ء عليه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 36، من أبواب صلاة الجماعة، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 124

و مثل رواية أبي بصير (1) المتضمنة لكراهة ان يسقي البهيمة او يطعم ما لا يحل للمسلم أكله او شربه فإن في كراهة ذلك في البهائم إشعارا بحرمته بالنسبة الي المكلف و يؤيده ان أكل الحرام و شربه من القبيح و لو في حق الجاهل، و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط، و حينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراء بالقبيح و هو قبيح عقلا (1).

______________________________

و علي ذلك فما في الوسائل من ان الحكم بضمان الإمام في هذه الرواية يدل علي وجوب الإعادة عليه، و عدم وجوب الإعادة علي المأمومين، هو صحيح.

(1) الرابعة: ما تدل علي كراهة إطعام الأطعمة و الأشربة المحرمة للبهائم: كخبر أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام المتضمن لكراهة ان تسقي البهيمة او تطعم ما لا يحل للمسلم أكله او شربه «1».

و موثق غياث عنه عليه السلام: ان أمير المؤمنين عليه السلام كره ان تسقي الدواب الخمر «2».

بتقريب انه اذا كان سقي البهيمة او إطعامها ما لا يحل للمسلم أكله او شربه مكروها فلا محالة يستشعر من ذلك حرمته بالنسبة الي المكلف.

و فيه: ان يمكن ان تكون كراهة ذلك لأجل كونه انتفاعا بالمتنجس، لا

لأجل كونه تسبيبا لحصول هذا الفعل من البهيمة و الكافر، و علي فرض التعدي يتعدي الي كل ما يكون انتفاعا به و لو كان ذلك ببيعه و تسليمه الي المشتري و يحكم بكراهته، و لا وجه لاستشعار الحرمة علي ذلك كما لا يخفي.

(2) و فيه: ان المراد من القبيح ان كان هو العقاب فهو مقطوع العدم لترخيص الشارع فيه، و ان كان هو المفسدة، و هي إن كانت موجودة الا ان دعوي قبح القاء الجاهل فيها المستلزم لحرمته ممنوعة، إذ المفسدة التي رخص الشارع في فعل ما تضمنها لا يكون الإلقاء فيها قبيحا، و إلا كان فعل الشارع المرخص في الفعل قبيحا و هو كما تري.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 5.

(2) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 125

______________________________

و إن شئت قلت: ان الشارع تدرك تلك المفسدة لترخيصه فيه.

و دعوي انه يستكشف قبحه الفعلي من مطلوبية الاحتياط مع الشك، إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط.

مندفعة بان مطلوبية الاحتياط انما تكون لأجل حسن إحراز عدم الوقوع في المفاسد الواقعية، و إن كانت متداركة و إلا فإن لم يكن للعلم دخل في القبح كان اللازم إيجاب الاحتياط، كما هو واجب في موارد الشبهات قبل الفحص.

فإن قلت: ان عطاء الجاهل النجس تسبيب الي وجود مبغوض الشارع في الخارج اذا شربه و هو قبيح بحكم العلاء، أ لا تري انه لو نام المولي و نهي عبيدة عن الدخول في الدار، فكما ان دخول العبد كذلك تسبيبه لدخول الأخر، و بالملازمة تستكشف الحرمة.

قلت: ان شرب الجاهل لترخيص الشارع فيه لا يكون مبغوضا، فلا يكون الإعطاء تسبيبا الي

وجود المبغوض في الخارج، و ما ذكر من المثال الجنبي عن المقام،

فان المنهي عنه فيه هو تحقق الفعل في الخارج الذي هو معني اسم المصدر، و لم يلاحظ في تحقيقه، حيث الصدور من شخص و الانتساب اليه و في مثله لا ريب في انه يجب علي كل أحد ترك التعرض له، بل التسبيب لعدمه، فلا محالة يكون التسبيب الي وجوده قبيحا لكونه بنفسه مخالفة و عصيانا، و الظاهر ان الأبواب الثلاثة، أي الدماء و الفروج و الأموال من هذا القبيل، و أما في غيرها مما يكون المحرم هو مباشرة الفعل كشرب النجس فلا يتم ذلك.

و الاستاذ الأعظم بعد تسليمه دلالة الطوائف المتقدمة من النصوص علي هذه الكبري الكلية، استدل لها بطوائف أخر من النصوص:

منها: ما دل علي حرمة سقي الخمر للصبي و الكافر، كالنبوي المروي عن عقاب الأعمال و من سقاها، أي الخمر، يهوديا او نصرانيا او صبيا او من كان من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 126

______________________________

الناس فعليه كوزر من شربها «1» و نحوه غيره.

بتقريب انه اذا كان التسبيب بالإضافة الي الصبي و الكفار حراما فهو اولي بالحرمة في غير الصبي و الكفار.

و فيه: مضافا الي ضعف سند هذه النصوص انه يمكن ان يقال: ان المستفاد من النصوص كون شرب الخمر من المحرمات التي يكون متعلق الزجر فيها تحقق الفعل في الخارج الذي هو معني اسم المصدر، و لم يلاحظ في تحققه حيث الصدور من شخص و الانتساب اليه، و قد عرفت ان مقتضي القاعدة في مثل ذلك وجوب ترك التعرض له لكل احد، بل التسبيب لعدمه، و هذا غير ما هو محل الكلام، و هو ما اذا كان المحرم هو مباشرة الفعل، و الذي

يشهد لما ذكرناه ذكر الصبي مع اليهود و النصاري، مع انه لا كلام في عدم كونه مكلفا، فالتسبيب لشربه ليس تسبيبا لوقوع الحرام.

و منها: الأخبار «2» الآمرة بإهراق المائعات المتنجسة.

و سيأتي لها في حكم الانتفاع بالمتنجس، و ستعرف ما يرد علي هذا الوجه.

و منها: الأخبار الدالة علي حرمة ارتكاب المحرمات، بدعوي انه لا فرق في ايجاد المحرم بين الايجاد بالمباشرة او بالتسبيب.

و فيه: ان الاستدلال بهذا الوجه من مثل هذا البحر المواج في غاية الغرابة، كيف و هو دام ظله ممن صرح في الأصول بان ظاهر التكاليف هو كون المتعلق مباشرة الفعل، بل لعل هذا في الجملة من البديهيات، أ لا تري انه لا يمكن لأحد التفوه لأن المأمور به في الصلاة اعم من صدورها بالمباشرة او بالتسبيب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 7.

(2) الوسائل، باب 26، من أبواب الأشربة المحرمة و باب 38 من أبواب النجاسات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 127

بل قد يقال بوجوب الإعلام و إن لم يكن منه تسبيب كما لو رأي نجسا في يده يريد أكله و هو الذي صرح به العلامة قدس سره في (أجوبة المسائل المهنائية) حيث سأله السيد المهنا عمن رأي في ثوب المصلي نجاسة، فأجاب: بأنه يجب الإعلام لوجوب النهي عن المنكر (1) لكن إثبات هذا مشكل (2).

______________________________

فتحصل: ان الكبري المزبورة بإطلاقها لا دليل عليها، نعم يمكن الاستدلال لها في موارد الجهل بالموضوع بنصوص الباب بعد إلغاء الخصوصية.

حكم الإعلام مع عدم التسبيب

و بعد ما عرفت حكم الإعلام مع التسبيب لوقوع الحرام الواقعي يقع الكلام في انه هل يجب الإعلام مع عدم التسبيب أم لا؟

(1) فعن العلامة قدس سره في المسائل المهنائية: التصريح بوجوب الإعلام، و استدل له:

بوجوب

النهي عن المنكر.

(2) و في المتن. لكن اثبات هذا مشكل.

لا اشكال في عدم شمول ادلة النهي عن المنكر للمقام، إذ المنكر الذي يجب النهي عنه لا يشمل الحرام الواقعي بل المحرم المنجز، و في المقام ليس كذلك لفرض جهل الفاعل بالواقع، و الأدلة أقاموها لوجوب الإعلام في الفرض السابق لا تشمل المقام.

فالمتعين هو البناء علي عدم الوجوب للأصل.

و يمكن ان يستدل له: بصحيح ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام الدال علي عدم وجوب الإعلام في إحدي صغريات الباب قال: اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد ابقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال عليه السلام له: ما كان عليك لو سكت: ثمّ مسح تلك اللمعة بيده «1».

نعم إذا كان الفعل من الأمور المهمة- اي من أحد الأبواب الثلاثة- وجب علي كل أحد التسبيب إلي عدم حصوله و ان كان الفاعل غير ملتفت.

______________________________

(1) الوسائل، باب 40، من أبواب الجنابة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 128

و الحاصل ان هنا أمورا أربعة:

(احدها): أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج كما إذا أكره غيره علي المحرم، و لا إشكال في حرمته و كون وزر الحرام عليه (1) بل اشد لظلمه. (2) (و ثانيها): ان يكون فعله سببا للحرام (3) كمن قدم إلي غيره محرما و مثله ما نحن فيه.

______________________________

(1) و فيه: أنه إن كان المحرم هو تحقق في الخارج و لم يلاحظ فيه حيث الانتساب كقتل المؤمن، او كان المحرم عنوانا شاملا للتسبيب كإتلاف مال الغير، لا ريب في حرمة ذلك، إذ فعل الشخص في الموردين بنفسه معصية و مخالفة للنهي.

و أما إذا كان المحرم عنوانا لا يعم التسبيب، و كان المتعلق للنهي

هو مباشرة الفعل كشرب النجس و غيره من المحرمات، فلا وجه للحرمة حتي مع علم الشارب بالحكم و الموضوع، فضلا عن صورة الجهل لأحدهما، إذ دليل حرمة ذلك العنوان لا يقتضي حرمة فعل السبب، اذ لا يصدق انه شرب النجس، و حيث ان الفعل يصدر من المباشر من غير اختيار فلا يصدر منه منكرا و إثما كي يحرك التسبيب لأجل دليلي وجوب النهي عن المنكر و حرمة الإعانة علي الإثم، او البرهان العقلي المتقدم، و نصوص الاستصباح مختصة بصورة صدور الحرام من الشخص جهلا بالموضوع و لا تشمل المقام الذي يصدر الفعل من المباشر غير محرم عليه لعدم الاختيار، فاستدلال بعض مشايخنا المحققين بها في المقام،

في غير محله.

(2) فيه انه ربما يكون المجبور راضيا بذلك، مع ان مقتضي هذا الوجه حرمة الإجبار علي فعل المباح، بل المستحب او الواجب و هو كما تري.

(3) و المراد بالسبب في مقابل الشرط، و عدم المانع هو تهيئة الموضوع، فالفرق بين هذا القسم و لاحقيه واضح، كمن قدم إلي غيره محرما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 129

و قد ذكرنا ان الأقوي فيه التحريم (1) لأن استناد الفعل الي السبب أقوي فنسبة فعل الحرام إليه أولي (2) و لذا يستقر الضمان علي السبب دون المباشر الجاهل،

بل قيل: انه لا ضمان ابتداء الا عليه.

(الثالث): ان يكون شرطا لصدور الحرام و هذا يكون علي وجهين:

(احدهما): ان يكون من قبيل ايجاد الداعي علي المعصية، إما لحصول الرغبة فيها كترغيب الشخص علي المعصية، و إما لحصول العناد من الشخص حتي يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار الموجب لإلقائهم في سب الحق عنادا او سب آباء الناس الموقع لهم في سب أبيه، الظاهر حرمة القسمين. (3)

و قد ورد في ذلك عدة من الأخبار.

(و ثانيهما): ان يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا و سيأتي الكلام فيه.

______________________________

(1) للنصوص الخاصة- الواردة في ما نحن فيه بعد الغاء الخصوصيات، و لما ذكرناه في خصوص ما إذا كان العنوان المحرم شاملا للتسبيب، و ما اذا كان هو تحقق العفل في الخارج الذي هو معني السم المصدر، و كل ذلك مختص بصورة الجهل بالموضوع، و لا يكون شاملا لصورة العلم بالحكم و الموضوع، و في تلك الصورة تتوقف الحرمة علي شمول دليل وجوب رفع المنكر او دليل حرمة الإعانة علي الإثم للمقام، و هو محل تأمل بل منع كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في مسألة بيع العنب ممن يعمله خمرا.

و دعوي استفادة الحرمة في هذه الصورة من نصوص الاستصباح بالأولوية.

ممنوعة كما لا يخفي، فالأظهر عدم الحرمة.

(2) هذا يتم فيما اذا كان المحرم عنوانا شاملا للتسبيب كالإتلاف و لا يشمل ما اذا كان المحرم خصوص ما يصدر من المباشر، مع انه مختص بصورة الجهل و لا يعم صورة العلم بالحكم و الموضوع.

(3) و لكن يتم ذلك فيما اذا كان الشخص ذلك الشخص عالما بالحكم او جاهلا مقصرا الذي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 130

الرابع: ان يكون من قبيل عدم المانع، و هذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل كسكوت الشخص عن المنع من المنكر و لا إشكال في المحرمة بشرائط النهي عن المنكر، و اخري مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلي الفاعل كسكوت العالم عن إعلام الجاهل كما فيما نحن فيه، فإن صدور الحرام منه مشروط بعدم إعلامه فهل يجب رفع الحرام بترك السكوت أم لا؟ و فيه

إشكال (1) إلا إذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه فسادا قد أمر بدفعه كل من قدر عليه كما لو الطلع علي عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله او عدم اباحة عرضه له او لزم من سكوته ضرر مالي، قد أمرنا بدفعه عن كل احد فانه يجب الإعلام و الردع لو لم يرتدع بالإعلام أما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق الله فوجوب رفع مثل هذا الحرام مشكل، لأن الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية، فلا يدل علي وجوب اعلام الجاهل بكون فعله معصية، نعم وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف إلي آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله ليتم الحجة علي الجاهل و يتحقق فيه قابلية

______________________________

و ملحق بالعالم، و بالموضوع، و لا يتم في ما اذا كان جاهلا قاصرا بالحكم، او كان جاهلا بالموضوع، كما لو رغبه علي شرب النجس مع كونه جاهلا بالنجاسة، فان تلك الإخبار و الآية الشريفة الواردة في بعض مصاديقه مختصة بصورة العلم بهما كما يظهر لمن راجعها، و في غيرها لا دليل علي الحرمة.

و نصوص الاستصباح مختصة بصورة التسبيب، أي تهيئة الموضوع غير الشاملة للمقام، اللهم الا ان يقال: انها و ان اختصت بها موردا الا ان المناط معلوم، و هو عدم استناد الحرام الواقعي إلي الشخص، و هذا المناط يقتضي الحرمة في المقام اذا كان يترتب الحرام علي ايجاد الداعي عادة، نعم فيما اذا لم يكن كذلك لا وجه للحرمة.

(1) بل الظاهر عدم وجوب رفع الحرام الا اذ علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 131

الإطاعة

و المعصية، ثمّ ان بعضهم استدل علي وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي فيجب إظهارها (1) و فيه مع ان وجوب الإعلام علي القول به ليس مختصا بالمعاوضات (2) بل يشتمل مثل الإباحة من المجانيات ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا (3) فإن ثبت ذلك حرم الالقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب و الا لم يكن عيبا، فتأمل.

______________________________

لكونه فسادا قد أمر بدفعه كل من يقدر عليه كما في باب الدماء و يظهر وجهه مما تقدم.

و لا يتوهم التنافي بين كلماتنا التابعة لكلمات الشيخ، حيث عددنا المقام سابقا من الأمر الثاني و هنا عددناه من الأمر الرابع: فان ما جعلناه من الأمر الرابع هو نفس عدم الإعلام، مع قطع النظر عن تحقق التسبيب منه، و ما جعلنا من الأمر الثاني هو نفس التسليط بلا إعلام.

(1) هو المحقق الأردبيلي قدس سره في مجمع الفائدة (ج 8، ص 36).

(2) و يرد علي ما أفاده: انه لو ثمّ هذا الدليل لا بد من الالتزام به في المعاوضات، و ان ثبت عدم الفصل بينها و بين غيرها ثبت هذا الحكم في غيرها، و الا فلا مانع من الفصل،

نعم يتم الإيراد علي المستدل بناء علي الثاني بان الدليل أخص من المدعي.

(3) فيه: انه قد مر عدم كونه منكرا واقعيا و قبيحا، الا ان يكون مراده من القبيح ما فيه المفسدة، و عليه فقوله: ان ثبت ذلك حرم الالقاء فيه، لا يتم، إذ المفسدة المتداركة بالمصالحة الموجبة الموجبة لجعل الأمارة أو الأصل لا يحرم الإلقاء فيها.

و منه يظهر عدم كون ذلك موجبا لكون النجاسة الواقعية عيبا كي يجب إظهارها.

و دعوي ان النجاسة قدارة

معنوية و هي تكون عيبا.

مندفعة بان النجاسة ليست من الأمور الواقعية كما حققناه في الجزء الثالث من فقه الصادق.

فإن قلت: انه لا كلام في ثبوت الخيار لمن انتقل لو تبينت النجاسة و ظهرت، و من ذلك يستكشف كونها عيبا في حال العقد، و ان لم يعلم لها المشتري كما في سائر العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 132

الثالث: المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء (1) بل في السرائر ان الاستصباح به تحت الظلال بغير خلاف.

و في المبسوط انه روي أصحابنا انه يستصبح به تحت سماء دون السقف.

______________________________

قلت: انه يمكن ان يكون منشأ الحكم بالخيار انه ان ظهرت النجاسة للمشتري فلا ريب في كونها عيبا حينئذ، و حيث ان مبدأ هذا العيب كان من قبل العقد فلا محالة يثبت الخيار، و نظير ذلك ما اذا باع حيوانا و قد أكل قبل البيع ما أوجب نقصا فيه بعد البيع الذي لا كلام في ثبوت خيار العيب، فليكن المقام من هذا القبيل.

فتحصل: عدم تمامية هذا الاستدلال لوجوب الإعلام.

الاستصباح تحت الظلال

(1) الثالث: المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء.

أصل جواز الاستصباح بالدهن المتنجس متفق عليه نصا و فتوي.

انما الكلام في اعتبار كونه تحت السماء و جواز كونه تحت الظلال.

و قد استدل للأول: بالإجماع، و بمرسل الشيخ قدس سره روي اصحابنا انه يستصبح تحت السماء «1». و بأن الاستصباح تحت الظلال يوجب تنجس السقف و هو حرام.

و في الجميع نظر:

أما الأول فلعدم ثبوته، كيف و قد أفتي جماعة من الأساطين بالجواز، مع انه يمكن ان يكون مدرك حكمهم هذا ما سنشير إليه، فعلي فرض ثبوته ليس إجماعا تعبديا.

و أما الثاني: فلأنه لإرساله و عدم احراز استناد الأصحاب اليه لا

يعتمد عليه.

و أما الثالث: فلأن تنجيس السقف لا دليل علي حرمته، مع ان دخل النجس ليس بنجس للاستحالة، مضافا إلي أخصية الدليل عن المدعي.

______________________________

(1) المبسوط كتاب الأطعمة، ج 6، ص 283.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 133

لكن الأخبار المتقدمة علي كثرتها و ورودها في مقام البيان ساكتة عن هذا القيد و لا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعي من مرسلة الشيخ المنجبرة بالشهرة المحققة و الإنفاق المحكي (1) لكن لو سلم الانجبار فغاية الأمر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة او حمل الجملة الخبرية علي الاستحباب أو الإرشاد لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس بناء علي ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة علي نجاسة دخان النجس، إذ قد لا يخلو من اجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة.

و لا ريب ان مخالفة الظاهر في المرسلة خصوصا بالحمل علي الإرشاد اولي خصوصا مع ابتناء التقييد، اما علي ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية علي نجاسة الدخان المخالفة للمشهور.

و أما علي كون الحكم تعبدا محضا و هو في غاية البعد و لعله لذلك أفتي في المبسوط بالكراهة مع روايته المرسلة، و الإنصاف ان المسألة لا يخلو عن إشكال من حيث ظاهر الروايات البعيدة عن القيد لإبائها في أنفسها عنه، و إباء المقيد عنه و من حيث الشهرة المحققة و الاتفاق المنقول، و لو رجع إلي أصالة البراءة حينئذ.

______________________________

(1) و محصل ما ذكره قدس سره في وجه عدم رفع اليد عن المطلقات وجوه:

الأول: عدم تسليم انجبار المرسلة بالشهرة المحققة و الاتفاق المحكي.

الثاني: إباء المطلقات عن التقييد.

الثالث: إباء المرسلة عن تقييد المطلقات.

أما الأول: فالظاهر انه كذلك، إذ لم يثبت استناد المفتين بعدم جواز الاستصباح تحت الظلال إليها، لان جماعة

منهم عللوه بأنه ينجس السقف لنجاسة الدخان، و لذا فصل العلامة قدس سره بين ما لو علم بتصاعد شي ء من أجزاء الدهن و عدمه، و جماعة غيرهم و ان لم يعللوا بذلك إلا ان اكثر هم لو لا كلهم من القائلين بعدم جواز الانتفاع بالمتنجس، فيمكن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 134

______________________________

ان يكون إفتائهم بالمنع استنادا إلي الأدلة التي استدلوا بها علي تلك الكبري الكلية بعد

بنائهم علي عدم كون مطلقات الباب الدالة علي جواز الاستصباح في مقام البيان، فلا يصح التمسك بإطلاقها، و ما ذكرناه بضميمة ان المشهور بين المتأخرين جواز الاستصباح تحت الظلال يوجب عدم الوثوق بصدور المرسلة و عدم انجبارها بفتوي أكثر القدماء و أما الثاني: فقد استدل له المصنف قدس سره بكثرة المطلقات، و ورودها في مقام البيان، و شي ء منهما لا يصلح لذلك، إذ الكثرة بنفسها لا توجب اباء كل واحد منها عن التقييد، و بعبارة اخري لا توجب اقوائية دلالة كل واحد منها في الدلالة علي العموم بنحو يأبي عن التقييد، مع ان الكثرة ممنوعة كما يظهر لمن راجع نصوص الباب.

و ورودها في مقام البيان من المقدمات ثبوت الإطلاق لا انه يوجب آبائه عن التقييد.

و بعبارة اخري: التقييد انما يكون فيما اذا كان المطلق في مقام البيان، و الا فلا مورد له، مع ان من تدبر في النصوص يري انها في مقام بيان مصرف الدهن، و انه الإسراج دون الأكل، و ليست في مقام بيان كيفية الإسراج، فلا إطلاق لها، مضافا الي انه قد مر منا و من المصنف قدس سره ان المراد من قولهم عليهم السلام في تلك النصوص ليستصبح، عدم الانتفاع به بالمنافع المتوقف جوازها علي الطهارة، و لازم

ذلك عدم كونها في مقام بيان حكم الاستصباح من حيث هو، و عليه فليس في النصوص ما يمكن التمسك بإطلاقه.

و أما الثالث: فقد علله بان كون المرسلة موجبة للتقييد يبتني علي الالتزام بكون الحكم تعبديا محضا، او القول بنجاسة الدخان و بتنجس السقف و الأول بعيد غايته، و الثاني مخالف للمشهور و أبعد.

و فيه: انه يمكن ان يقال: ان الاستصباح تحت الظلال مستلزم لاجتماع الدخان في الألبسة التي يصلي فيها و الأمتعة و المأكول، و هو علي فرض طهارته يمكن القول بنجاسته بعد الاجتماع، لا سيما مع اشتماله علي الأجزاء الدهنية و ليس في ذلك بعد مع مساعدة الدليل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 135

لم يكن إلا بعيدا عن الاحتياط و جرأة علي مخالفة المشهور (1) ثمّ ان العلامة في المختلف فصل بين ما إذا علم بتصاعد شي ء من أجزاء الدهن و ما إذا لم يعلم فوافق المشهور في الأول، و هو مبني علي علي ثبوت حرمة تنجيس السقف و لم يدل عليه دليل و ان كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا لا لنجاسة الدخان معللا بطهارة دخان النجس التسالم علي حرمة التنجيس، و الا لكان الأولي تعليل التعبد به لا بطهارة الدخان كما لا يخفي.

______________________________

و يؤيده قوله عليه السلام في خبر الوشاء: اما علمت انه يصيب الثوب و البدن و هو حرام مع ان الالتزام بالتعبد ليس ببعيد، كيف و قد التزم المشهور بعدم جواز تدهين السفن به، و جواز الاستصباح به.

و لو جاز ذلك جاز التفكيك في الاستصباح بين كونه تحت الظلال او تحت السماء.

فالمتحصل من ما ذكرناه: انه لو تم سند المرسلة لزم العمل بمضمونها، و لكن قد مر

انها ضعيفة السند، كما عرفت عدم وجود ما يدل بإطلاقه علي جواز الاستصباح و المتيقن من النصوص الاستصباح تحت السماء و عليه فالاستصباح تحت الظلال يبتني جوازه و منعه علي القول بجواز الانتفاع بالمتنجس و عدمه سيجي ء تنقيح القول في ذلك فانتظر.

(1) مراده انه بعد فرض إباء المطلقات عن التقييد، و حجية المرسلة، يقع التعارض بيتهما فيتساقطان فيرجع الي أصالة البراءة عن حرمة الإسراج تحت الظلال.

و فيه: مضافا الي ما تقدم، انه لو سلم تعارضهما فلا بد من الرجوع الي المرجحات و حيث ان شهرة الفتوي و الرواية مع المطلقات فتقدم هي، و كذلك مقتضي المرجحات الاخر تقديمها، و علي فرض التكافؤ الحكم و هو التخيير لا التساقط، و علي فرض التساقط يرجع الي عموم ما دل علي جواز الانتفاع بما في الأرض لو لم يدل دليل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس و الا فإليه.

و علي أي تقدير لا تصل النوبة الي الرجوع البراءة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 136

الرابع: هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح بأن يعمل صابونا او يطلي به الاجرب او السفن (1) قولان مبنيان علي ان الأصل في المتنجس جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل كالأكل و الشرب و الاستصباح تحت الظل، او ان القاعدة فيه المنع عن التصرف الا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء و بيعه ليعمل صابونا علي رواية ضعيفة تأتي (2) و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني (3) و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين (4) و هو ظاهر جماعة من القدماء كالشيخين و السيدين و الحلي، و غيرهم، قال في (الانتصار) و مما انفردت به الإمامية ان كل طعام عالجه اهل الكتاب و من

ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز أكله و لا الانتفاع و اختلف باقي الفقهاء في ذلك (5) و قد دللنا علي ذلك في كتاب الطهارة حيث ذللنا علي ان سؤر الكفار نجس، و قال في المبسوط، في الماء المضاف انه مباح التصرف فيه بأنواع التصرف ما لم يقع فيه نجاسة، فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله علي حال و قال في حكم الماء المتغير بالنجاسة انه لا يجوز استعماله الا عند الضرورة للشرب لا غير (6) و قال في النهاية و ان كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله علي حال و وجب إهراقه (انتهي) (7).

______________________________

حكم الانتفاع بالمتنجس

(1) و حيث ان عمدة المدرك لهذه المسألة هي الادلة التي اقيمت علي جواز الانتفاع بالمتنجس و عدمه، فالأولي البحث في هذه الكبري الكلية.

(2) و هي ما عن الراوندي عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت قال عليه السلام تبيعه لمن يعمله صابونا.. (الخبر) راجع المستدرك باب 6 من أبواب ما يكتسب به.

(3) مفتاح الكرامة ج 4، ص 13.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 15.

(5) في المصدر و قد خالف الانتصار، ص 193.

(6) المبسوط، ج 1، ص 5 و 6.

(7) النهاية، ص 588.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 137

و قريب منه عبارة المقنعة (1) و قال في الخلاف في حكم السمن و البذر و الشيرج و الزيت إذا وقعت فيه فأرة إنه جاز الاستصباح به و لا يجوز أكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح.

و به قال الشافعي: و قال قوم من أصحاب الحديث لا ينتفع به بحال لا باستصباح و لا بغيره، بل براق كالخمر، و قال ابو

حنيفة: يستصبح به و يباع أيضا،

و قال ابن داود: إن كان المائع سمنا لم ينتفع به بحال، و إن كان ما عداه من الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه و يحل أكله و شربه لأن الخبر ورد في السمن فحسب دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم. (2) و في السرائر في حكم الدهن المتنجس انه لا يجوز الأدهان به و لا استعماله في شي ء من الأشياء عدا الاستصباح تحت السماء (انتهي (. (3) و ادعي في موضع آخر ان الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف، و قال ابن زهرة بعد أن اشترط في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة، قال: و شرطنا في المنفعة ان تكون مباحة تحفظا من المنافع المحرمة و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء و هو إجماع الطائفة، ثمّ استدل علي جواز بيع الزيت بعد الإجماع بأن النبي صلي الله عليه و آله اذن في الاستصباح به تحت السماء قال: و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك (انتهي ((4).

______________________________

(1) المقنعة: 582.

(2) الخلاف كتاب الأطعمة، المسألة 19.

(3) السرائر، ج 3، ص 121- 122.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية) ص 525.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 138

هذا و لكن الأقوي وفاقا لأكثر المتأخرين جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل و يدل عليه أصالة الجواز و قاعدة حل الانتفاع بما في الأرض و لا حاكم عليها سوي ما يتخيل من بعض الآيات و الأخبار و دعوي الجماعة المتقدمة الإجماع علي المنع و الكل غير قابل لذلك، أما الآيات فمنها قوله تعالي: (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و

الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه (1) «1» دل بمقتضي التفريع علي وجوب اجتناب كل رجس.

______________________________

(1) و قيل بيان كيفية الاستدلال بالآية الشريفة لا بأس ببيان ما هو المراد منها بحسب الظاهر.

فأقول: ليس المراد من الرجس النجس، إذ مضافا الي انه لا يوافق عليه العرف و لم يذكر ذلك أحد معانيه في كتب اللغة، لا يناسب مع المذكورات في صدر الآية الشريفة التي جعل الرجس خبرا لها او للفعل المتعلق بها كما لا يخفي.

و دعوي ان الآية علي طريقة اللف و النشر المرتبين فكان الرجس محمولا علي الخمر و عمل الشيطان محمولا علي البقية، فلا مانع من إرادة النجس من الرجس.

مندفعة بأنه مضافا الي كونه خلاف الظاهر، انه ان قدر في صدر الآية الانتفاع فلا 2 معني لحمل الرجس بهذا المعني علي الانتفاع بالخمر أيضا، و الا فلا يلائم ذلك مع أفراد الضمير في قوله (فاجتنبوه) إذ بعد ما لا يمكن إرجاعه الي المذكورات علي هذا التقدير، و الا كان اللازم الاتيان بضمير الجمع يتعين الاتيان بضمير المثني، كما لا يخفي.

كما انه ليس المراد به القذر المعنوي إذ نفس الازلام مثلا- و هي السهام الخاصة- ليست من القذرات المعنوية، و الانتفاع بها بالتفؤّل حرام لا قذر كما هو واضح، فالمراد به العمل القبيح، إما باستعماله فيه بناء علي كونه مشتركا لفظيا بين ما ذكر له من المعاني، او بإرادته منه بناء علي كونه مشتركا معنويا، و حمله حينئذ علي المذكورات إما أن يكون من باب إطلاق العمل علي ما يقع عليه العمل، او مع تقدير الانتفاع في ابتداء الآية ليكون هو المبتدأ.

______________________________

(1) سورة المائدة، 91.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 139

و فيه: ان الظاهر من الرجس

ما كان كذلك في ذاته لاما عرض له ذلك فيختص بالعناوين النجسة (1) و هي النجاسات العشر مع انه لو عم المتنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد.

______________________________

و أما قوله تعالي (من عمل الشيطان) فأريد به كون ذلك من مخترعاته و مبتدعاته او انه من اغوائه.

فالمتحصل من الآية: ان الانتفاع بالخمر و الميسر و ما بعدهما عمل قبيح من اغواء الشيطان او من مبتدعاته، فيجب ان يكون الإنسان علي جانب منه، أي في ناحية، و علي ذلك فهي اجنبية عن المقام بالمرة.

ثمّ علي فرض التنزل و تسليم كون الرجس بمعني النجس.

(1) شموله للمتنجس غير ثابت كما في المتن فلا وجه للاستدلال بها في المقام.

اذا عرفت ذلك فاعلم: انه كان الرجس هو النجس بالمعني الشامل للمتنجس،

الاستدلال بها في المقام علي عدم جواز الانتفاع بقول مطلق الا ما خرج بالدليل انما يكون بأحد وجهين:

الأول: ان موضوع الحكم بحسب لسان الدليل هي المذكورات في صدر الآية، و الرجسية علة تامة لثبوت ذلك الحكم، و الحكم هو وجوب الاجتناب المطلق الشامل لجميع الانتفاعات، و حيث ان العلة تعمم و تخصص- و بعبارة اخري الحكم يدور مدارها- فيستفاد من الآية عدم جواز الانتفاع بكل ما يصدق عليه الرجس، و منه المتنجس علي الفرض.

الثاني: ان تمام الموضوع للحكم لسان الدليل هو الرجس، و قوله (من عمل الشيطان) علة لثبوت الحكم و ليس من الجهات التقييدية، فانه علي ذلك يكون المستفاد منها ان كل رجس- و منه المتنجس- يجب الاجتناب عنه بقول مطلق.

و في كليهما نظر:

اما الأول فلأن موضوع الحكم ليس هي المذكورات و إلا كان اللازم الإتيان بضمير الجميع، مع ان كون الرجس علة تامة محل نظر لما ذكره المصنف قدس

سره من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 140

فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب منه (1) مع ان وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان يعني من مبتدعاته فيختص وجود الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان سواء كان نجسا كالخمر او قذرا معنويا مثل المسير.

______________________________

ان قوله تعالي (من عمل الشيطان) قيد له، فالعلة هي مجموع الأمرين، فكل متنجس ان ثبت انه من عمل شيطان يثبت له هذا الحكم، و هو اول الدعوي ان اريد (من عمل الشيطان) ما صدر باغوائه لتوقفه علي اثبات ان الانتفاع بالمتنجس غير جائز حتي يكون صدوره باغواء الشيطان كسائر المعاصي، و معلوم العدم. ان اريد به انه من مبتدعات الشيطان و مخترعاته.

و دعوي ان كلا من الرجسية و الكون من عمل الشيطان علة تامة مستقلة لوجوب الاجتناب من جهة ان الكون من عمل الشيطان علة مستقلة علي كل حال ان كان رجا او لم يكن فليكن الرجس أيضا كذلك.

مندفعة بأنه ان ثبت كون الرجس علة يتم ذلك، لكنه غير ثابت، إذ يمكن ان يقال ان الآية حينئذ متكلفة لبيان أمرين: الأول: اثبات ان المذكورات رجس، الثاني: وجوب الاجتناب عنها من جهة كونها من عمل الشيطان فقوله (رجس) حكم مجعول لا انه علة لثبوت وجوب الاجتناب.

و دعوي: ان الآية علي طريقة اللف و النشر المرتبين فكان الرجس محمولا علي الخمر و عمل الشيطان محمولا علي البقية، قد عرفت ما فيها.

و أما الثاني: فلأن الظاهر من الآية و ان كان ان الموضوع هو الرجس، إلا أن الكون من عمل الشيطان من الجهات التعليلية و علة لثبوت الحكم، محل نظر، فان الظاهر منها كون (من عمل الشيطان) قيدا للموضوع، مع انه لو

ثبت كونه علة فالعلة كما تعمم تخصص، و عليه فثبوت الحكم يتوقف علي إحراز كون المتنجس من عمل الشيطان، و قد عرفت ما في ذلك آنفا. فراجع.

(1) و فيه: ان خروج جميع أفراد المتنجس لا يوجب تخصيص الأكثر، إذ بما ان الآية تكون من القضايا الحقيقة، و ما اخذ موضوعا فيها عنوان عام شامل للأعيان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 141

و من المعلوم ان المائعات المتنجسة كالدهن و الطين، و الصبغ و الدبس إذا تنجست ليست من أعمال الشيطان، و ان اريد من عمل الشيطان عمل المكلف المتحقق في خارج باغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها علي النحو الخاص،

فالمعني ان الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي انها من عمل الشيطان، فلا تدل أيضا علي وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس الا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا و هو اول الكلام و كيف كان فالآية لا تدل علي المطلوب و من بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال (1) علي ذلك بقوله تعالي: (و الرجز فاهجر) بناء علي ان الرجز هو الرجس.

______________________________

النجسة و المتنجسة، و شموله للمتنجسات انما يكون بعنوان واحد و هو عنوان ملاقي النجس و هو واحد، و باقي العناوين عشرة، فخروج جميع أفراد المتنجسات لا يوجب تخصيص الأكثر، فضلا عن أكثرها.

و أضعف من هذا الإيراد ما أورده بعض أعاظم المحشين قدس سره علي الاستدلال بها و هو: ان (فاجتنبوه) ظاهر في عدم الانتفاع بالمنافع الظاهرة التي في كل شي ء بحسبه، لا مطلق المنافع.

فإنه يرد عليه: ان الاجتناب المطلق الذي امر به ظاهر في عدم الانتفاع بجميع المنافع، مع ان مقتضي ما ذكره دلالة الآية علي حرمة جميع المنافع الظاهرة حتي غير

المشروطة بالطهارة كاتخاذ النعل من جلد الميتة كما اعترف به، و عليه فبضميمة عدم الفصل يثبت الحكم في الجميع.

(1) و منها قوله تعالي (و الرجز فاهجر) «1».

و يرد علي الاستدلال بهذه الآية الشريفة بعض ما أوردناه علي الآية السابقة و هو عدم كون الرجز بمعني النجس بالمعني الشامل للمتنجس، و لكن لو تم ذلك و ثبت صح الاستدلال بها، و لا يرد عليه شي ء مما أورد علي الاستدلال بالآية المتقدمة.

______________________________

(1) المدثر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 142

و أضعف من الكل الاستدلال بآية تحريم الخبائث (1) بناء علي ان كل متنجس خبيث، و التحريم المطلق يفيد تحريم عموم الانتفاع إذ لا يخفي ان المراد هنا حرمة الأكل (2) بقرينة مقابلته بحلية الطيبات.

و أما الأخبار فمنها ما تقدم من رواية تحف العقول حيث علل النهي عن بيع وجوه النجس بأن ذلك كله محرم أكله و شربه و إمساكه و جميع التقلب فيه. فجميع التقلب في ذلك حرام (3) و فيه ما تقدم من ان المراد بوجوه النجس عنواناته المعهودة لأن الوجه هو العنوان، و الدهن ليس عنوانا للنجاسة، و الملاقي للنجس و ان كان عنوانا للنجاسة لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره (4) و لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر لو اريد به المنع عن استعمال كل متنجس.

______________________________

(1) و هي قوله تعالي (و يحرم عليهم الخبائث) «1».

(2) و قد تقدم في مسألة بيع الأرواث تمامية ذلك و عدم ورود شي ء مما أورد عليه.

مضافا الي ما تقدم في مسألة شرب أبوال ما يؤكل لحمه من أن المراد بالخبيث هو ما فيه مفسدة و رداءة، و لم يثبت

كون المتنجس منه بهذا المعني.

و فيه: اولا انه ضعيف السند لا يعتمد عليه كما تقدم في اول الكتاب.

و ثانيا: انه يمكن ان يقال: ان ملاقي النجس ليس من وجوه النجس، فانه جهة تعليلية و واسطة في الثبوت.

و ثالثا: لو اغمض عن ذلك و سلم كون ملاقي النجس منها يرد عليه ما ذكره المصنف قدس سره

(4) و حاصله: ان ملاقي النجس ليس في عرض سائر العناوين، بل هو في طولها، و ظاهر الوجوه هي العنوانات التي يكون بعضها في عرض بعض.

______________________________

(1) سورة الأعراف،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 143

و منها ما دل علي الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة و القاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه (1) و قد تقدم بعضها في مسألة الدهن و بعضها الآخر متفرقة مثل قوله يهريق المرق و نحو ذلك، و فيه ان طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الأكل فإن ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به اجماعا فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل.

______________________________

(1) و هي طوائف.

منها- الاخبار الآمرة بإهراق المتنجس، كخبر زكريا بن آدم «1» اذ لو جاز الانتفاع به بإطعام الصبي و نحوه لما امر عليه السلام بالإهراق، و بضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب.

و فيه: ان فائدة المرق الذي يكون بمقدار القدر تنحصر في الأكل، و إطعام الصبي انما يعد فائدة له اذا كان المرق قليلا، و علي ذلك فدلالته علي عدم جواز الانتفاع بالمرق مطلقا لا تنافي جواز الانتفاع بالمتنجس.

و منها: ان النصوص الدالة علي أنه ماتت الفأرة في السمن تطرح الفأرة و ما يليها من السمن «2». اذ لو جاز الانتفاع به لما امر عليه

السلام بطرحه، و بضميمة عدم القول بالفضل يتم المطلوب.

و فيه: ان الظاهر منها هو الطرح من الظرف المعد للأكل، فيكون كناية عن حرمة أكله خاصة، و يؤيده انه يجوز الاستصباح به بلا كلام، مع انه يمكن ان يقال ان الأمر بالطرح كناية عن عدم امكان الانتفاع به لقلته، كما تؤمي الي ذلك النصوص مفصلة بين ما اذا كان ذلك في شتاء فيطرح، و بين ما اذا كان في الصيف فيسرج به، و ليس لذلك وجه الا ما ذكرناه، فانه في الصيف يكون المتنجس كثيرا يمكن الانتفاع به في الاستصباح و نحوه بخلاف ما اذا كان في الشتاء.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 144

و أما الإجماعات (1) ففي دلالتها علي المدعي نظر يظهر من ملاحظتها، فان الظاهر من كلام السيد المتقدم ان مورد الاجماعات هو نجاسة ما باشره اهل الكتاب (2) و أما حرمة الأكل و الانتفاع فهي من فروعها المتفرعة علي النجاسة لا ان معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس، فإن خلاف باقي الفقهاء في اصل النجاسة في أهل الكتاب لا في احكام النجس.

و أما اجماع الخلاف فالظاهر ان معقده ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين (3) إذ فرق بين دعوي الاجماع علي محل النزاع بعد تحريره و بين

______________________________

و منها: النصوص الآمرة بإهراق الماء المتنجس «1».

و فيه: ان ذلك كناية عن عدم جواز التوضي به كما لا يخفي علي الناظر فيها، و بذلك يظهر ما في الاستدلال بالخبرين الوارد بين في الإنائين المشتبهين الأمرين بإهراقهما و التيمم «2».

(1) و قد استدل لعدم جواز الانتفاع بالاجتماع.

و

لكن الاجماع المحصل غير حاصل، و المنقول منه ستعرف حاله.

(2) و ما أفاده بين فإن محل الخلاف بيننا و بين باقي الفقهاء هي نجاسة أهل الكتاب لا أحكام النجس، فلا محالة يكون المراد من ذكر خلافهم بيان ما هم يخالفون فيه، لا بيان ما ليسوا مخالفين فيه، فيكون المراد من ما نسبه الي الامامية أيضا هو ذلك، و انما عبر عن النجاسة بعدم جواز الانتفاع لاعتقاده الملازمة بينهما.

و يدل عليه مضافا الي ذلك قوله بعد ذلك: و قد دللنا علي ذلك في كتاب الطهارة حيث دللنا علي ان سؤر الكفار نجس.

و بهذا التقريب ظهر اندفاع ما أورده بعض أعاظم المحشين علي هذا الاستظهار بقوله: كلام السيد صريح في ان معقد الاجماع هو الانتفاعات، و خلاف العامة في أصل النجاسة لا يوجب رفع اليد عنه بعد خلافهم في حرمة الانتفاعات.

(3) توضيحه: ان المصنف قدس سره ذكر أحكاما ثمّ نقل الخلاف في بعضها و لم ينقل عن أحد الخلاف في حرمة الانتفاع بها بغير الاستصباح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب الماء المطلق.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب الماء المطلق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 145

دعواه ابتداء علي الاحكام المذكورة في عنوان المسألة، فإن الثاني يشمل الاحكام كلها، و الاول لا يشمل الا الحكم الواقع مورد الخلاف لأنه الظاهر من قوله: دليلنا اجماع الفرقة فافهم و اغتنم.

و أما اجماع السيد في الغنية فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات و استثناء الكلب المعلم و الزيت المتنجس لا فيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع، نعم هو قائل بذلك. (1) و بالجملة فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي و العرضي

لكن دعواه الاجماع علي ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا و كذلك لا ينكر

______________________________

و دعوي ان ابن داود انما خلاف فيه و جوز الانتفاع بغير السمن.

مندفعة بأنه انما خالف في النجاسة. و حكم بحيلة أكله و شربه بعد البناء علي الطهارة، مع ان الأكل و الشرب ليسا مورد البحث، و عليه فليس المراد من الاجماع في كلامه الاجماع علي عدم جواز الانتفاع، إذ الظاهر انه انما يدعي الاجماع في ما وقع فيه الخلاف الزاما للمخالفين.

و بذلك اندفع ما أورده بعض أعاظم المحشين قدس سره من ان خلاف ابن داود خلاف في حرمة الانتفاع أيضا، فلا وجه للتصرف في كلامه الصريح في الاستدلال علي حرمة الانتفاعات بالإجماع.

(1) غاية ما يكون ان يقال في توجيه كلام المصنف قدس سره ان اسم الإشارة في قوله: و يدخل في ذلك كل نجس، اريد به ما لا يجوز بيعه، لان منافعه محرمة، المستفاد ذلك من صدر كلامه، و من استثناء بيع الكلب المعلم و الزيت، فان استثناء بيعهما يستلزم كون المستثني منه بيع النجاسات و من قوله بعد ذلك بجواز بيع الزيت و الاستدلال له، فانه أيضا يكشف عن كون محل الكلام هو البيع.

و عليه فالإجماع انما ادعاه علي ذلك لا علي حرمة الانتفاع بالمتنجس، و بهذا يظهر اندفاع ما أورده بعض الأعاظم قدس سرهم عليه بأنه لم يعترض لحرمة بيع النجس صريحا ليكون إجماعه اجماعا علي حرمة البيع، مع انه يحتمل ان ابن زهرة استدل بالاجماع علي اشتراط المنفعة المحللة في صحة البيع، او علي استثناء بيع الكلب المعلم و الزيت المتنجس.

فالمتحصل: انه لم يحك الاجماع علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 146

كون السيد و الشيخ

قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد و صريح الحلي لكن دعواهما الاجماع علي ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف، ثمّ علي تقدير تسليم دعواهم الاجماعات، فلا ريب في وهنها بما يظهر من أكثر المتأخرين من قصر حرمة الانتفاع علي أمور خاصة.

قال في معتبر في احكام الماء القليل المتنجس و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله (1) الي ان قال: و نريد بالمنع عن استعماله، الاستعمال في الطهارة و إزالة الخبث و الأكل و الشرب دون غيره، مثل بل الطين و سقي الدالة (انتهي).

______________________________

و علي فرض تسليم الحكاية لا تصلح ان تكون دليلا للحكم لوجوه:

الاول: احتمال استناد الجمعين الي الآيات و الروايات المتقدمة التي عرفت ما فيها:

الثاني: عدم حجية المنقول من الاجماع في نفسه كما حقق في الأصول.

الثالث: ما ذكره المصنف قدس سره من مخالفة أكثر المتأخرين.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم بأن نقل مثل هذه الاجماعات في مقابل المخالفين انما يكون من جهة الالزام و لا يكون نقلا لرأي المعصوم عليه السلام.

فغير تام، لان الاستدلال بها بعد الإفتاء كاشف عن أن مرادهم بها بيان الحجة الواقعية مع ان حجية الإجماع المنقول لو ثبتت، ليست لأجل كونه نقلا لرأي المعصوم عليه السلام بل لاجل كونه نقلا للسبب.

(1) جاءت العبارة في النسخة الخطية المصححة كما يلي:

قال في المعتبر في احكام الماء القليل المتنجس الماء النجس، لا يجوز استعماله في رفع حدث، و لا إزالة خبث مطلقا و لا في أكل و لا في شرب الا عند الضرورة و اطلق المصنف المنع من استعماله الا عند الضرورة.

لنا ان مقتضي الدليل جواز الاستعمال مطلقا ترك العمل به فيما ذكرناه بالاتفاق و النقل فيكون الباقي

علي الأصل (انتهي).

و قال في موضع آخر من احكام الماء المشتبه في رد من قال بوجوب الإراقة انه قد يتعلق الغرض ببقائه لاجل الاستعمال في غير الطهارة و الأكل و الشرب.

و قال بعد ذلك كل ماه الخ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 147

أقول: ان بل الصبغ و الحناء بذلك الماء داخل في الغير فلا يحرم الانتفاع بهما. (1) و أما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الإرشاد علي الطهارة و الأكل و الشرب، و جوز في المنتهي الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب محتجا بأن المحرم علي المكلف تناوله و بأنه انتفاع فيكون سائغا للأصل (2) و لا يخفي ان كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين المتنجس و قال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية،

ثمّ ذكر ما يؤيد المطلوب، و قال في الذكري في أحكام النجاسة تجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن، ثمّ ذكر المساجد و غيرها إلي أن قال: و عن كل مستعمل في أكل او شرب او ضوء تحت الظل للنهي عن النجس و للنص (انتهي).

و مراده بالنهي عن النجس النهي عن أكله، و مراده بالنص ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف، فانظر إلي صراحة كلامه في ان المحرم من الدهن المتنجس بعد الأكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل للنص و هو المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد عنه قدس سره في بعض فوائده من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في جميع ما يتصور من فوائده.

و قال المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك و حاشية الإرشاد عند قول المحقق و العلامة (قدس سرهما)

تجب إزالة النجاسة عن الأواني، ان هذا إذا استعملت فيما يتوقف استعماله علي الطهارة كالأكل و الشرب، و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في مسألة الانتفاع بالأصباغ المتنجسة ما يدل علي عدم توقف جواز الانتفاع بها علي الطهارة.

و في المسالك في ذيل قول المحقق قدس سره و كل مائع نجس عدا الأدهان، قال: لا فرق

______________________________

(1) لعل غرضه بذكر هذه الجملة المعترضة ان مراد المحقق قدس سره جواز جميع الانتفاعات حتي ما ينتفع به الشخص نفسه لا خصوص ما يرجع الي غير المكلف.

(2) المنتهي، ج 1، ص 180، لا يوجد في كلامه التصريح بالأصل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 148

في عدم جواز بيعها علي القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيتها للانتفاع علي بعض الوجوه و عدمه و لابين الإعلام بحالها و عدمه علي ما نص عليه الأصحاب.

و أما الأدهان المتنجسة بنجاسة عارضية كالزيت تقع فيه الفأرة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها و انما خرج هذا الفرد بالنص و الا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه.

و قد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا او يطلي به الأجرب و نحو ذلك، و يشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للأصل فإن جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها كالدبس يطعم للنحل و غيره انتهي.

و لا يخفي ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجس و كون المنع من بيعه لأجل النص يقتصر علي مورده و كيف كان فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم و الذي اظن و ان كان الظن لا يغني لغيري شيئا ان كلمات القدماء يرجع الي ما ذكره المتأخرين.

و ان

المراد بالانتفاع في كلمات القدماء الانتفاعات الراجعة الي الأكل و الشرب و إطعام الغير، و بيعه علي نحو بيع ما يحل أكله (1) ثمّ لو فرضنا مخالفة القدماء كفي موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن الأصل و القاعدة السالمين عما يردا عليهما، ثمّ علي تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات (2) وفاقا للشهيد و المحقق الثاني.

______________________________

(1) في هامش النسخة المصححة زيادة ما يلي.

كما يشهد لذلك ان المحقق قدس سره في ما تقدم من كلامه الأول لم يسند عموم المنع الا الي اطلاق الشيخ لا إلي مذهبه.

(2) مراده بها الانتفاعات الجائزة بأصالة الحل الواقعي في الأشياء، فلا يرد عليه ان أصالة الحل انما تثبت الحلية ظاهرا، و المانع عن صحة البيع هو المنع الواقعي غير المرتفع بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 149

قال الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول العلامة قدس سره الا الدهن للاستصباح ان في بعض الحواشي المنسوبة الي شيخنا الشهيد ان الفائدة لا تنحصر في ذلك إذ مع فرض فائدة اخري للدهن لا يتوقف علي طهارته يمكن بيعه لها كاتخاذ الصابون منه.

قال: و هو مروي و مثله طلي الدواب، اقول: لا بأس بالمصير الي ما ذكره شيخنا، و قد ذكر ان به رواية، (انتهي).

أقول: و الرواية اشارة الي ما عن الراوندي في كتاب النوادر بإسناده عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام و فيه سأل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت،

قال: تبيعه لمن يعمله صابونا، (الخبر (. (1) ثمّ لو قلنا: بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة فهل

يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و

الطين و نحو هما، أم يقتصر علي المتنجس المنصوص و هو الدهن، غاية الأمر التعدي من حيث غاية البيع الي غير الاستصباح إشكال (2) من ظهوره استثناء الدهن في كلام المشهور في عدم جواز بيع ما عداه، بل عرفت من المسالك نسبة عدم الفرق بين ما له منفعة محللة و ما ليست له الي نص الأصحاب، و مما تقدم في مسألة جلد الميتة من ان الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين، كالشيخ في الخلاف، و بان زهرة و العلامة و ولده و الفاضل المقداد و المحقق الثاني و غيرهم، دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه الا ما خرج بالنص كأليات الميتة مثلا، او مطلق.

______________________________

بيع غير الدهن من المتنجسات

(1) و قدم الكلام في الرواية مفصلا فراجع.

(2) قد أورد بعض الأعاظم قدس سره عليه: بأن مناط التعدي و عدمه واحد، فإما ان لا

يتعدي الي سائر المنافع او يتعدي الي كل متنجس له منفعة محللة.

و فيه: ان مناط التعدي في الأول كون الاستصباح مثالا لمطلق المنفعة المحللة، مع التحفظ علي ظهوره قولهم للاستصباح في ان شرط صحة البيع ان يكون لهذه الغاية، و ظهور

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 150

نجس العين علي ما سيأتي من الكلام فيه، و هذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجس (1) و هي القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام في رواية تحف العقول (2) ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال «1» و ما تقدم من رواية دعائم الإسلام من حل بيع كل ما يباح الانتفاع به «2» و أما قوله تعالي (فاجتنبوه) «3» و قوله تعالي (و الرجز فاهجر) «4». فقد

عرفت انهما لا تدلان علي حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البيع علي تقدير جواز الانتفاع و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه بالنهي في رواية

______________________________

الاستثناء في عدم جواز بيع غيره، و مناط التعدي في الثاني فهم العلية من قولهم للاستصباح، فانه عليه يتعدي الي كل ما له منفعة محللة، فليس مناط التعدي واحدا.

(1) بعد فرض وجود المنفعة المحلة و صدق البيع عرفا لم يظهر لي وجه عدم الاستدلال لصحة البيع بعموم: (أحل الله البيع) و دليل وجوب الوفاء بالعقود.

و كيف كان: فقد أورد علي الاستصحاب: بأنه من الشك في الموضوع من حيث زوال وصفه المحتمل مدخليته في موضوعيته، أعني وصف الطهارة.

و فيه: ان وصف الطهارة بنظر العرف الذي هو المعيار في جريان الاستصحاب و بقاء موضوع الحكم، من قبيل العلة لثبوت الحكم، لا انه جزء للموضوع.

و لكن الصحيح عدم جريانه لما حققناه في محله من ان الاستصحاب لا يجري في الأحكام لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل.

(2) و فيه أولا: ما تقدم من ضعف سند هذا الخبر.

و ثانيا: انه معارض مع الجملة المتضمنة: لأنه لا يجوز بيع ما فيه وجه من وجوه الفساد، لأن المتنجس فيه وجه من وجوه الفساد، و حيث انهما جملتان من خبر واحد فالحكم فيهما علي المشهور هو التساقط، و الجمع بينهما بالالتزام بالجواز بقصد ترتب الصلاح و عدم الجواز بقصد ترتب الفساد كما عن السيد قدس سره جمع لا شاهد له.

______________________________

(1) تحف العقول، ص 333.

(2) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، حديث 23.

(3) المائدة، 89.

(4) المدثر، 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 151

تحف العقول عن بيع شي ء من وجوه النجس بعد ملاحظة تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع (1)

و يمكن حمل كلام من أطلق المنع عن بيع النجس الا الدهن لفائدة الاستصباح علي إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الأكل و الشرب منفعة محللة مقصودة من أمثالها (2) و يؤيده تعليل استثناء الدهن بفائدة الاستصباح نظير استثناء بول الإبل للاستشفاء و ان احتمل أن يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط ان يكون غاية للبيع، قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة قدس سره الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة، قال: و ليس المراد بخاصة (3) بيان حصر الفائدة في الاستصباح كما هو الظاهر.

و قد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه ان في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس، و صرح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي الدواب، إن قيل إن العبارة تقتضي حصر الفائدة لأن الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر (4) فإن المعني في العبارة الا الدهن النجس لهذه الفائدة لأن الفائدة، قلنا: ليس المراد ذلك لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء أي إلا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح و هذا لا يستلزم الحصر و يكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر، انتهي.

______________________________

و دعوي ان ظاهر قوله: او وجه من وجوه الفساد، انطباقه علي عنوان يقتضي حرمته بقول مطلق كما عن بعض مشايخنا المحققين قدس سره.

مندفعة بأن المراد به ما يكون بعض منافعه المقصودة محرما.

(1) الظاهر ان الصحيح مضافا الي بدل بعد.

(2) يكون اللام في قولهم لفائدة الاستصباح، للعلية فإن تعليل جواز بيع الدهن بذلك يدل علي أن المستثني منه هو ما لا فائدة فيه، و انما قال و يؤيده تعليل الخ من جهة احتمال كونها للغاية لا

للعلية.

(3) لأنها صفة للسماء جي ء بها تحرزا عن الاستصباح تحت السماء لا لفائدته.

(4) و فيه ان الاستثناء المتصل يدل علي الحصر مطلقا الا انه يفيد الحصر في المستثني، و حيث ان المستثني منه في كلام العلامة عدم جواز البيع فيدل علي حصر الجواز في الدهن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 152

و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ، و شبه ذلك محل تأمل، و ما نسبه في المسالك من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح، فلم يثبت صحته مع ما عرفت من كثير من الأصحاب من إناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع و لأجل ذلك استشكل المحقق الثاني في حاشية الإرشاد فيما ذكره العلامة بقوله: و لا بأس بيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة حيث قال: مقتضاء انه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه و هو مشكل، إذ الأصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير قابلا للطهارة لم يجز بيعها، لأن منافعها لا تتوقف علي الطهارة اللهم الا ان يقال: انها تؤول الي حالة معها التطهير لكن بعد جفافها بل ذلك هو المقصود منها فاندفع الاشكال. (1) أقول لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع عن بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع لم يرد علي عبارته إشكال، لأن المفروض حينئذ التزامه بجواز الانتفاع بالاصباغ مع عدم جواز بيعها الا ان يرجع الاشكال الي حكم العلامة، و انه مشكل علي مختار المحقق الثاني لا إلي كلامه، و ان الحكم مشكل علي مذهب المتكلم فافهم.

______________________________

و عليه فيتم قوله لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء، و لا يكون ذلك

دالا علي حصر جواز الانتفاع بالمتنجس، و الظاهر ان هذا هو مراد الشهيد قدس سره لاما يتوهم من ان عرضه منع الحصر لجرد التعليل فتدبر حتي لا تبادر بالإشكال.

(1) مراده قدس سره ان الانتفاع بالاصباغ، ليس بالصبغ بالفتح و هو لا يعد انتفاعا بها بل الانتفاع بها انما هو بالانتفاع بالمصبوغ بها، و لذا لو فرض عدم جواز الانتفاع بالمصبوغ بعد الصبغ كان الصبغ تضييعا للمال لا انتفاعا به.

و عليه فحيث يمكن الثوب المصبوغ، فيصدق ان الانتفاع، انما هو فيما يقبل التطهير. فهذا يوجب اندفاع الاشكال عن العلامة مضافا إلي ان المنسوب اليه انه يطهر المضاف بالاتصال بالكر او الجاري بالاصباغ علي مسلكه قابلة للتطهير فلا يتوجه اليه الاشكال رأسا و ان جوز بيع الاصباغ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 153

ثمّ ان ما دفع به الاشكال من جعل الاصباغ قابلة للطهارة انما ينتفع في خصوص الاصباغ، و أما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما ذكره، و قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا بناء علي انه من فوائده المحللة مع ان ما ذكره من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر لأن المقصودة من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع و هو مفقود في الاصباغ لأن الانتفاع بها و هو الصبغ قبل الطهارة، و أما ما يبقي منها بعد الجفاف و هو اللون فهي نفس المنفعة لا الانتفاع مع انه لا يقبل التطهير و انما القابل هو الثوب (1) بقي الكلام في حكم نجس العين من حيث أصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبت حرمته او أصالة العكس.

فاعلم ان ظاهر الأكثر أصالة الأكثر حرمة الانتفاع بنجس العين (2) بل ظاهر

فخر الدين في (شرح الارشاد) و الفاضل المقداد الإجماع علي ذلك، حيث استدلا علي عدم جواز بيع الأعيان النجسة بأنها محرمة الانتفاع، و كل ما هو كذلك لا يجوز بيعه، قالا: اما الصغري فإجماعية و يظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح نسبة ذلك الي الأصحاب، و يدل عليه ظواهر الكتاب و السنة (3) مثل قوله: (حرمت عليكم الميتة و الدم) بناءً علي ما ذكره الشيخ

______________________________

(1) بعد ما عرفت مراد المحقق الثاني فيهما ذكره من دفع الإشكال عن العلامة، لا وجه لهذا الإيراد.

الانتفاع بالأعيان النجسة

(2) المشهور بين الأصحاب: حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة الا ما خرج بالدليل و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه.

و قد استدل لذلك بوجوه:

(3) منها: الآيات المتقدمة من قوله تعالي: (فاجتنبوه) «1» و قوله تعالي (و الرجز فاهجر) «2» و قوله تعالي: (حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير) «3».

______________________________

(1) المائدة: 3.

(2) مدثر، 6.

(3) المائدة:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 154

و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات و قوله تعالي: (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) الدال علي وجوب اجتناب كل رجس و هو نجس العين، و قوله تعالي: (و الرجز فاهجر) بناء علي ان هجره لا يحصل الا بالاجتناب عنه مطلقا، و تعليله عليه السلام في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الأكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات فيه (1) و يدل علي أيضا كلما دل من الأخبار (2) و الإجماع علي عدم جواز بيع نجس العين بناء علي ان المنع من بيعه لا يكون الا مع حرمة الانتفاع به، هذا و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد

في مقابل أصالة الإباحة علي شي ء مما ذكر. (3) اما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه (4) و هي مثل الميتة الأكل، و الخمر الشرب، و في المسير اللعب به، و الأنصاب و الأزلام ما يليق بحالها.

______________________________

و قد مر الكلام في كيفية الاستدلال بهذه الآيات في مسألة الانتفاع بالمتنجس فراجع.

(1) و منها التعليل في رواية تحف العقول (لان ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلب فيه فجميع تقلب في ذلك حرام) «1».

(2) و منها ما دل من الأخبار و الإجماع علي عدم جواز بيع نجس العين، بتقريب انه لو كان له منفعة محللة لكان بيعه جائزا، فمن عدم جواز البيع يستكشف حرمة الانتفاع به.

و منها الاجماعات المنقولة المدعاة علي حرمة الانتفاع بها كما عن فخر الدين و المقداد و غير هما من الأعلام.

نقد الأدلة

(3) و قد أورد المتأخرون منهم المصنف علي تلك الادلة و بنوا علي جواز الانتفاع بها.

(4) أجاب المصنف عن الآيات و تبعه الاستاد الأعظم في الأخير بظهوره في الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه، فما يناسب المذكورات في الآية انما هو الأكل خاصة

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 155

و أما رواية تحف العقول (1) فالمراد بالإمساك و التقلب فيه ما يرجع الي الأكل و الشرب، و الا فسيجي ء الاتفاق علي جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد.

______________________________

و لكن: يرد عليه قدس سره ان الاجتناب عن الشي ء و هجره لا يصدق بمجرد عدم أكله مع جواز سائر الانتفاعات، مثلا لو ترك أكل الدهن المأخوذ من لبن الذئب مع استعماله

في سائر حوائجه، كالاستصباح به، و التطيب بما يعمل به من الطيب، و غسل رأسه به، لا يصدق انه هجره و اجتنب عنه.

و دعوي انه يصدق ذلك مع ترك استعماله في المنافع المقصودة من الشي ء و ان استعمله في غيرها، أ لا تري انه يصدق هجر زوجته بمجرد انه لم يضاجعها، و ان كان مستعملا إياها في سائر حوائجه، كما يصدق فلان هجر جاريته بمجرد عدم ارجاع الخدمة اليها و ان جامعها.

مندفعة: اولا: بعدم تسليم صدق ذلك.

و ثانيا: ان ذلك لو تم فإنما هو فيما نسب الهجر الي عناوين الأشياء كالزوجة و الخادمة لا فيما نسب الي النجس، أي العنوان المشترك بين جميع العناوين، فان الهجر المطلق انما يصدق مع ترك استعماله في كل منفعة معتد بها.

و ثالثا: لو ثبت ذلك في بعض المنافع غير المتوقف علي الطهارة بلحاظ كونه من المنافع المقصودة من الشي ء ثبت في الجميع لعدم الفصل.

فالصحيح في الجواب ان يقال: اما آية تحريم الميتة فهي مخصصة في موردها: لما دل علي جواز الانتفاع بجلدها، فالتعدي عنه بلا وجه.

و أما آيتا وجوب اجتناب الرجس و هجر الرجز، فقد تقدم الكلام فيهما مفصلا في مبحث الانتفاع بالمتنجس، و عرفت عدم دلالتهما علي ذلك فراجع.

(1) و أجاب المصنف قدس سره عن الاستدلال بخبر تحف العقول بقوله: فالمراد بالإمساك الخ. و مراده بذلك ما يكون نسبته الي العين كنسبة الأكل و الشرب الي المأكول و المشروب،

و بعبارة اخري، المنفعة المقصودة:

و فيه: ان هذا الحمل خلاف الظاهر و لا قرينة عليه سوي ما ذكره قدس سره من الاتفاق علي جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد، و هو لا يصلح للقرينية، لأنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 156

و

ما دل من الإجماع الأخبار علي حرمة بيع نجس العين قد يدعي اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع المعتد به او يمنع استلزامه لحرمة الانتفاع (1) بناء علي ان نجاسة العين مانع مستقل عن جواز البيع من غيرها الي إرجاعها الي عدم المنفعة المحللة.

______________________________

يمكن الالتزام بتقييد الإمساك المحرم بغير الإمساك لفائدة ثبت جوازها، مع انه لو سلم التنافي بينهما فغاية الأمر رفع اليد عن ظهور النهي في خصوص الإمساك و حمله علي الكراهة، لا حمل الإمساك و التقلب علي إرادة المنافع المقصودة من كل شي ء.

فالصحيح في الجواب عنه ما تقدم مرارا من ضعف سنده.

(1) محصل ما أجاب عن هذا الوجه أمران:

الأول: انه قد يدعي ان تلك الأدلة مختصة بغير ما يحل الانتفاع المعتد به.

الثاني: انه يمنع استلزم حرمة البيع لحرمة الانتفاع بناء علي مانعية نجاسة العين بنفسها من غير ان ترجع الي عدم المنفعة المحللة.

و لكن الجواب الاول بعيد غايته و لا وجه له بعد اطلاق الدليل.

و أما الثاني: فقد يقال بعدم صحته أيضا، لان الملازمة بين عدم جواز البيع و حرمة الانتفاع ثابتة بقوله عليه السلام في خبر تحف العقول: كل ما فيه وجه من وجوه الصلاح جاز بيعه،

لانعكاسه بعكس النقيض اللازم الصدق للأصل الي قولنا: كل ما لم يجز بيعه لا يجوز الانتفاع به.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده: ان أصالة العموم أصل عقلاني عملي موردها ما لو علم الفردية و شك في الحكم لاما علم فيه الحكم و شك في الفردية، و تمام الكلام في محله.

و الحق ان يقال: انه ليس في النصوص ما يمكن ان يستدل به علي عدم جواز بيع نجس العين بعنوانه كي يستدل به في المقام، و خبر تحف

العقول قد عرفت انه يدل علي عدم جواز بيع النجس الذي لا ينتفع به، و كذلك النبوي و خبر دعائم الاسلام يدلان علي ان ما لا ينتفع به لا يجوز لا انه لا يجوز بيع النجس بعنوانه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 157

و أما توهم الإجماع فمدفوع بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة. (1) قال في المبسوط: أن سرجين ما لا تؤكل لحمه، و عذرة الإنسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم و أصول الشجر بلا خلاف (انتهي).

و قال العلامة في التذكرة يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة، و نحوها في القواعد، و قرره علي ذلك في جامع المقاصد، و زاد عليه قوله لكن هذه لا تصيرها مالا بحيث يقابل بالمال، و قال في باب الأطعمة و الأشربة من المختلف ان شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا مستدلا بأن نجاسته لا يمنع الانتفاع به لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل.

و قال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية للاستقذار و للتوصل بها الي الضرار، ثمّ ذكر ان قيد الأغذية لبيان مورد الحكم، و فيه تنبيه علي الأشربة كما ان الصلاة تنبيها علي الطواف (انتهي) و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الأمور.

و قال الشهيد الثاني في روضة عند قول المصنف في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات و الدم، قال: و إن فرض له نفع حكمي كالصبغ و أبوال و أرواث ما لا و الأرواث هو النفع المحلل و الا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الأشياء دون سائر النجاسات و لا ذكر

خصوص الصبغ للدم مع أن الأكل هي المنفعة

______________________________

(1) و فيه: ان ثبوت جواز الانتفاع في الجملة لا ينافي عموم ما دل عفي المنع لإمكان الالتزام بالتخصيص.

فالصحيح في الجواب عن الإجماعات المنقولة: ان دعوي الإجماع مع ذهاب جمع من الأساطين الي الجواز كما تري.

مضافا الي ما حقق في محله من عدم حجية الإجماع المنقول: لا سيما مع احتمال استناد المجمعين الي وجه و دليل واصل الينا كما في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 158

المتعارفة المنصرف إليها الإطلاق في قوله تعالي: (حرمت عليكم الميتة) و المسوق لها الكلام في قوله تعالي: (او دما مسفوحا) و ما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني حيث حكي عن الشهيد أنه حكي عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثمّ قال: و هو بعيد لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة (1) فان عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس الي ذكر خصوص الميتة يدل علي عدم العموم في النجس، و كيف كان فلا يبقي بملاحظة ما ذكرنا وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الإرشاد و التنقيح الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس مع احتمال ان يراد من جميع التقلب جميع أنواع التعاطي (2) لا الاستعمالات و يراد من إمساكه،

إمساكه للوجه المحرم (3) و لعله للإحاطة بما ذكرنا اختار بعض الأساطين في شرحه علي القواعد جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس لكن مع تفصيل لا يرجع الي مخالفة في محل الكلام، فقال: و يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمي استعمالا عرفا للأخبار و الإجماع، و كذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال و ما دل علي المنع عن

الانتفاع بالنجس و المتنجس مخصوص او منزل علي الانتفاع الدال علي عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة و أما من استعمله ليغسله فغير مشمول للأدلة

______________________________

الانتفاع بالميتة

(1) قد أورد المحقق الثاني في جامع المقاصد علي العلامة حيث حكي عنه جواز الاستصباح بدهن الميتة- بانه دلت النصوص علي ان الميتة لا ينتفع بها «1» فان مقتضي

إطلاقها عدم الانتفاع بشي ء منها و لو بالانتفاعات النادرة-.

و المصنف استظهر من هذا الإيراد من جهة العدول عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس الي ذكر خصوص الميتة انه يري عدم العموم في النجس.

(2) لفظ التقلب في الخبر مذكور في موضعين: الأول- في ضمن ما ذكر علة للحكم بعدم جواز البيع، الثاني: في تلو الفاء و ما ذكره قدس سره يتم في الثاني لا الأول: فان عدم جواز المعاملة هو المعلل فكيف يذكر حرمة المعاملات علة له.

(3) لا وجه لهذا التقييد بعد إطلاق اللفظ.

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 159

و يبقي علي حكم الأصل (انتهي).

و التقييد بما يسمي استعمالا في كلامه قدس سره لعله لإخراج مثل الإيقاد بالميتة وسد ساقية الماء بها و إطعامها لجوارح الطير (1) و مراده سلب الاستعمال المضاف الي الميتة عن هذه الأمور، لأن استعمال كل شي ء إعماله في العمل المقصود منه عرفا فان إيقاد الباب و السرير لا يسمي استعمالها لهما كلن لا يشكل بأن المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي ء، و لذا قيد هو قدس سره الانتفاع بما يسمي استعمالا.

نعم يمكن ان يقال مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة المعدوم، و لذا يقال للشي ء انه مما ينتفع به مع

قابليته للأمور المذكورة فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد عرفا غرضنا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة (2) و إن كانت قد تملك لخصوص هذه الأمور كما قد يشتري اللحم لإطعام الطيور و السباع لكنها أغراض شخصية كما قد يشتري الجلاب لإطفاء النار و الباب للإيقاد و التسخين به.

______________________________

(1) ظاهره إرادة الانتفاعات التي لا تعد استعمالا و لو للمادة المشتركة، لا خصوص الاستعمال المضاف الي الميتة، و عليه فيمكن ان يكون التقييد في كلامه لإخراج مثل الاستظلال بالميتة فانه انتفاع بها و ليس باستعمال، و لكن الذي يبعد ذلك ان المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة لا استعمالها و عليه، فيتعين ان يكون المراد ما ذكره المصنف قدس سره.

و حاصله انه ليس في النصوص ما ينهي عن خصوص الاستعمال، حتي يقال باختصاص تلك النصوص بقرينة إضافة الاستعمال الي الميتة بالاستعمال فيما يكون المقصود منه، فالإيقاد بالميتة وسد ساقية الماء بها و إطعامها لجوارح الطير غير مشمولة لها.

و بعبارة أخري انصراف الاستعمال الي الاستعمال المعهود المتعارف من كل شي ء بل المنتهي عنه ما يكون انتفاعا بها.

نعم يمكن ان يقال: إن مثل هذه الاستعمالات أي غير المعهودة من كل شي ء لا تعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة المعدوم، فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة، بالمنافع المقصودة التي تعد عرفا غرضا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 160

قال العلامة في النهاية في بيان ان الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء.

منفعة جزئية لا يعتد بها، قال: إذ كل شي ء من المحرمات لا تخلو عن منفعة كالخمر للتخليل و العذرة للتسميد و الميتة لأكل جوارح الطير و لم يعتبرها الشارع (انتهي).

ثمّ ان

الانتفاع المنفي في الميتة و إن كان مطلقا في حيز النفي الا ان اختصاصه بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشي ء دون الفوائد المترتبة عليه من دون ان تعد مقاصد ليس من جهة انصرافه الي المقاصد حتي يمنع انصراف المطلق في حيز النفي (1).

______________________________

أضعف إليه ان الانتفاع المنفي في الميتة و إن كان مطلقا في حيز النفي، إلا أن اختصاصه بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشي ء دون الفوائد المترتبة من دون ان تعد مقاصد ليس من جهة انصرافه الي المقاصد حتي يمنع انصراف المطلق في حيز النفي، بل من جهت التسامح و الادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم. فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها انها مما لا ينتفع به و فيه لا ريب في ظهور النهي عن الانتفاع بعنوان من العناوين في ان المنهي عنه هو ما يقصد منه من المصارف لاما يقصد من المادة المشتركة، إلا ان ما يقصد من العنوان.

أيضا علي قسمين:

الأول المنافع الشائعة، الثاني المنافع النادرة.

و الثاني أيضا علي قسمين: الاول ما لا يعد منفعة له من جهة مزاحمته مع ما هو أهم منه كإطعام و لا يتم في القسم إذ لا وجه له فيه، إلا الانصراف الذي لا يصلح للتقييد لكونه بدويا زائلا بأذني التفات.

(1) قد أورد عليه بعض الأعاظم قدس سرهم بأن الوقوع في حيز النفي لا يمنع الانصراف في المنفي إذ شأن أداة النفي العموم فيما المنفي ظاهر فيه، سواء كان الظهور، بالوضع او الانصراف او القرائن.

و فيه ان ما ذكره قدس سره يتم بناء علي عدم كون النكرة الواقعة في حيز النفي ظاهرة في العموم وضعا كما هو الحق، او علي توقف دلالة أداة العموم

عليه علي إجراء مقدمات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 161

بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي (1) تنزيلا للموجود منزلة المعدوم، فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها انما مما لا ينتفع به، و مما ذكرنا ظهر الحال في البول و العذرة و المني فانها مما لا ينتفع بها و ان استفيد منها بعض الفوائد كالتسميد و الإحراق كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب كما يدل عليه وقوع و السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتي و يجصص به المسجد،

فقال الإمام عليه السلام ان الماء و النار قد طهراه، بل في الرواية إشعار بالتقرير فتفطن. و أما ما ذكره من تنزيل ما دل علي المنع عن الانتفاع بالنجس علي ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة لا من استعمله ليغسله فهو تنزيل بعيد. (2)

نعم يمكن ان ينزل علي الانتفاع به علي وجه الانتفاع بالطاهر بأن يستعمله علي وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع كالصبغ بالدم و ان بني علي غسل الجميع عند الحاجة الي ما يشترط فيه الطهارة.

______________________________

الحكمة في مدخولها، و إلا فلا يتم كما لا يخفي.

و لكن يرد عليه ان المطلق في المقام واقع في حيز النهي لا النفي (و عليه) فلا فرق بين كون الحكم تحريميا او وجوبيا في اختصاصه بما ينصرف اليه المتعلق.

(1) ليس مراده بذلك المسامحة في تطبيق المفهوم علي المصداق، حتي يقال بأن المسامحات العرفية في المورد تضرب علي الجدار، بل مراده ان الانتفاع بمثل المنافع المذكورة ليس انتفاعا- و بعبارة اخري- مفهوم الانتفاع بحسب المتفاهم العرفي لا يشمل حقيقة أمثال هذه الانتفاعات فلا وجه للإيراد عليه.

و لكن بما

أنه وردت في الميتة روايات «1» دالة علي جواز بعض الانتفاعات بها،

كالإذابة و الإسراج بها، و الاستقاء يجلدها، و غير ذلك من ما ورد فيه النص يتعين حمل ما تضمن انه لا ينتفع بالميتة علي إرادة المنع عن استعمالها فيما يشترط بالطهارة دون مطلق الاستعمال.

(2) علي فرض تسليم وجود ما يدل علي المنع عن الانتفاع بالنجس لا وجه لهذا

______________________________

(1) الوسائل، باب 34، من أبواب الأطعمة المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 162

و في بعض الروايات إشارة إلي ذلك.

ففي الكافي «1» بسنده عن الوشاء، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم اليات الغنم فيقطعونها، فقال: حرام هي ميتة، فقلت: جعلت فداك فيستصبح بها، فقال: اما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام بحملها علي حرمة الاستعمال (1) علي وجه يوجب البدن و الثياب، و أما حمل الحرام علي النجس كما في كلام بعض فلا شاهد عليه و الرواية في نجس العين فلا ينتقض بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضة للشارع كما يشير اليه قوله تعالي (و الرجز فاهجر) ثمّ ان منفعة النجس المحللة للأصل او للنص (2).

______________________________

الحمل و لا شاهد له و الغريب تفرقته قدس سره بين هذا العموم و بين ما دل علي المنع عن الانتفاع بالميتة، و كذلك لا وجه لما ذكره المصنف قدس سره من الحمل.

(1) قوله بحملها علي حرمة الاستعمال بأن يكون ضمير قوله و هو حرام، راجعا الي إصابة الدهن اليد او الثوب و عليه فيعارضه خبر الصيقل المتقدم الدال علي الجواز ما لم يصل في الثوب فيتعين حمل هذا الخبر أيضا عليه.

و لكن لا يبعد دعوي ظهور، رجوع الضمير

الي ما يرجع اليه ضمير، انه و يصيب و هو الدهن لان ظاهر اتحاد مرجع الجميع، و عليه فيتعين حمل الحرام علي ارادة النجس كما عن صاحب الحدائق قدس سره.

(2) بعد ما عرفت من جواز الانتفاع بالأعيان النجسة يقع الكلام في أحكامها الوضعية، و ملخص القول فيها بالبحث في موارد:

______________________________

(1) الكافي، ج 6، ص 255، حديث 3- الوسائل، باب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 163

قد تجعله مالا عرفا الا انه منع الشرع عن بيعه كجلد الميتة إذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء كما هو مذهب جماعة مع القول بعدم جواز بيعه لظاهر الاجماعات المحكية و شعر الخنزير إذا جوزنا استعماله اختيارا و الكلاب الثلاثة إذا منعنا عن بيعها.

______________________________

المعاملة علي الأعيان النجسة

(1) في نقلها الي الغير بالبيع او معاوضة اخري، او بالهبة.

(2) في ثبوت حق الاختصاص مع عدم جعل المنفعة المحللة لها المالية.

(3) في خصوص الصلح الناقل علي حق الاختصاص.

(4) في الحيازة لها و انها هل تشترط في الاختصاص بها قصد الحائز للانتفاع أم لا.

أما الأول: فإن كانت المنفعة المحللة للنجس للأصل او للنص تجعله مالا شرعا، و ذلك فيما إذا كانت المنفعة معتني بها عند أهل العرف.

و دعوي ان المالية لا تدور مدار المنفعة، فإن الجواهر النفيسة مال و لا منفعة لها،

و الماء علي الشط له منفعة و ليس بمال كما عن المحقق الإيرواني.

مندفعة بأن عدم المالية في الماء انما يكون لكثرته و تمكن كل أحد من الوصول إليه و الانتفاع به، و لذا لو فرض قلته يكون مالا بلا كلام، و أما الجواهر النفيسة فماليتها انما تكون لكونها مما تعلق به غرض العامة بحيث يميلون إليه.

فإن قلت: ان المالية

العرفية لا تدور مدار المنفعة المحللة، و نهي الشارع لا يوجب حط الشي ء عن المالية كما ذكره بعض الأعاظم قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 164

فمثل هذه أموال لا تجوز المعاوضة عليها و لا يبعد جواز هبتها لعدم المانع مع وجود المقتضي فتأمل (1) و قد لا تجعله مالا عرفا لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه له و ان ترتب عليه الفوائد كالميتة التي يجوز إطعامها لجوارح الطير و الإيقاد بها و العذرة للتسميد فإن الظاهر انها لا تعد أموالا عرفا كما اعترف به جامع المقاصد في شرح قول العلامة و يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة و الظاهر ثبوت

______________________________

قلت: نهي الشارع عن المنفعة انما يكون في حكم تنزيل وجودها منزلة العدم، فهي في عرف المتشرعة تنحط عن المالية.

(1) أما البيع فقد مر الكلام فيه، و أما ما أفاده في غير البيع فيرد عليه: ان مدرك عدم جواز المعاوضة إن كان خبر تحف العقول فيرد عليه. مضافا الي ضعف سنده: انه من جهة تعليل عدم الجواز فيه بعدم جواز الانتفاع و عدم الوجود المنفعة المحللة، لا يشمل المقام لفرض وجود المنفعة المحللة.

و إن شئت قلت: انه يدل علي ان المانع عدم وجود المنفعة المحللة لا النجاسة، مع انه لو ثبتت دلالة هذه الجملة منه المتضمنة لهذا الكلام علي المنع عن المعاوضة علي النجس بقول مطلق، يقع التعارض بينها و بين الجملة المتضمنة لجواز المعاوضة علي كل ما فيه جهة من الصلاح في أمثال المقام، فتتساقطان كما تقدم في بيع الدم، فيرجع الي عموم أدلة تلك المعاملات، و إن كان المدرك هي النصوص الخاصة فهي انما وردت في موارد خاصة لا يستفاد منها هذه الكبري الكلية.

و بذلك ظهر

أنه لا مانع من هبتها مع وجود المقتضي، أما المقتضي فهو عموم أدلة الهبة، و أما عدم المانع فلعدم شمول خبر تحف العقول كما تقدم، و عدم شمول النصوص الخاصة لاختصاصها بالمعاملات التي لها إثمان، و لا تشمل مثل الهبة، فتأمل الشيخ يكون بلا وجه.

و دعوي أن أن الأمر بالتأمل انما يكون لعدم مالية الكلاب الثلاثة المستفاد من ما ورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 165

حق الاختصاص في هذه الأمور الناشئ (1) إما عن الحيازة و أما عن كون أصلها مالا للمالك كما لو مات حيوان له او فسد لحم اشتراه للأكل علي وجه خرج عن المالية.

______________________________

من ثبوت الدية في قتلها دون القيمة.

مندفعة بما عرفت من انه أعم من عدم المالية، و لذا ثبتت الدية في كلب الصيد مع انه مال بلا كلام.

منشأ ثبوت حق الإخلاص

(1) هذا هو المورد الثاني من الموارد و ملخص القول فيه:

أنه لا ينبغي التأمل في ان حق الاختصاص ثابت للمجيز لما لا يملكه، و للمالكين في أموالهم الساقطة عن المالية للعوارض.

انما الكلام في منشأ ذلك، و الظاهر ان منشأه كون ذلك مما عليه بناء العرف و العقلاء،

و لم يرد من الشارع الأقدس نهي عن ذلك، بل لا يبعد دعوي سيرة المتشرعة عليه سيرة مستمرة الي زمان المعصوم عليه السلام.

و يشهد له في صورة الحيازة: النبوي من سبق الي ما لم يسبق اليه مسلم فهو أحق

به «1» لكنه ضعيف السند و لم يحرز استناد الاصحاب اليه.

و ما ذكره الاستاذ الأعظم من ان مورده الموارد المشتركة بين المسلمين كالأوقاف العامة و يدل علي ان احدا من الموقوف عليهم إذا سبق اليها و اشغلها بالجهة التي انعقد عليها الوقف حرمت علي غيره مزاحمته فهو غير مربوط

بما هو محل الكلام.

غير سديد لعدم قرينة موجبة لتقييده بتلك الموارد و حمله عليها، فتدبر.

و استدل له في هذه الصورة أيضا: بالمرسلة المعروفة: من حاز ملك.

و فيه: مضافا الي عدم وجدانها في كتب الحديث، انها علي فرض وجودها مرسلة غير منجبرة بعمل الأصحاب لما تقدم، مع انه انما تدل هي علي ثبوت الملكية للمحيز و لا تدل علي ثبوت حق الاختصاص في غير ما بملك.

______________________________

(1) المستدرك، باب 1، من كتاب إحياء الموات، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 166

و الظاهر جواز المصالحة علي هذا الحق بلا عوض بناء علي صحة هذا الصلح (1) بل مع العوض بناء علي انه لا يعد ثمنا لنفس العين حتي يكون سحتا بمقتضي الأخبار.

قال في التذكرة و يصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم و الزيت النجس لإشعاله تحت السماء و الزيل للانتفاع باشعاله و التسميد به، و جلد الميتة إن سوغنا الانتفاع به و الخمر المحترمة لثبوت الاختصاص فيها، و انتقالها من يد الي يد بالإرث و غيره (انتهي).

و الظاهر ان مراده بغير الإرث، الصلح الناقل.

و أما اليد الحادثة بعد إعراض اليد الأولي فليس انتقالا، لكن الإنصاف ان الحكم مشكل (2).

______________________________

و استدل له في صورة الثانية: بالاستصحاب و تقريبه انما يكون بوجهين:

الأول: ما ذكره المحقق الإيرواني من استصحاب بقاء العلقة، فإن المورد مما يجري فيه هذا الاستصحاب لمكان ان المشكوك فيه يعد من مراتب المتيقن السابق لا شيئا خارجا عنه.

و فيه: ان الملكية من الأمور الاعتبارية، و هي من سنخ الوجود، و تكون بسيطة لا مراتب لها، فلا يعقل زوال مرتبة منها و بقاء مرتبة اخري.

و الحق و ان كان مرتبة ضعيفة من الملك إلا ان

له اعتبارا غير اعتبار الملكية.

الثاني: استصحاب بقاء الحكم الثابت للمال حين كونه ملكا و هو عدم جواز تصرف غيره فيه الا بإذنه، إذ بعد زوال الملكية يشك في بقائه من جهة احتمال ثبوت الحق فيستصحب.

و فيه: ما حققناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام، لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل، مضافا الي تبدل الموضوع، فإن موضوعه هو مال الغير الساقط عن المالية علي الفرض، و ليس الموضوع ذات ما هو مال، و تكون المالية واسطة في الثبوت و من الجهات التعليلية، بل هي تمام الموضوع و من الجهات التقييدية، و تمام الكلام في ذلك موكول الي محل آخر.

(1) هذا هو المورد الثالث من موارد البحث و هو الصلح علي حق الاختصاص.

(2) و استشكل الشيخ فيه، و غاية ما قيل في وجه الإشكال انما هو امران:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 167

نعم لو بذل مالا علي ان يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا كما يبذل الرجل المال علي ان يرفع اليد عما في تصرفه من الأمكنة المشتركة كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق، و ذكر بعض الأساطين بعد إثبات حق الاختصاص إن دفع شي ء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور فيبقي علي أصالة الجواز انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع (1) و لذا ذكروا انه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث لم يحصل له حق و حينئذ فيشكل الأمر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتي إذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له مال فأخذت منه، فان الظاهر بل

______________________________

الأول: شمول التقلب المذكور في خبر تحف العقول به،

بل هو صادق علي المصالحة بلا عوض و بذل المال ليرفع يده عنه.

و دعوي ان التقلب عبارة عن التصرف في الشي ء مع محفوظية دلك الشي ء، و بهذا الاعتبار يطلق علي البيع، فان مالية الشي ء باقية برد بدله، فلا يصدق علي المصالحة بلا عوض، ممنوعة أ لا تري انه يصدق التقلب علي عتق العبد.

فتحصل: انه بناء علي صحة الاستدلال بخبر تحف العقول ما ذكره الشيخ قدس سره في وجه صحة المعاملة لا يجدي، إلا انه عرفت غير مرة انه ضعيف السند لا يعتمد عليه.

الثاني: ما ورد في الموارد الخاصة من جعل الثمن سحتا، فإن الثمن لا يختص بما يقع عوضا في البيع، و لا بما يقع في مقابل نفس العين المملوكة، بل يصدق علي كل ما يبذل للتسلط علي العين، و عليه فالمصالحة بعوض غير جائزة.

و ما تحراه الشيخ قدس سره في التوصل الي المعاملة تام.

و لكن هذا لو تم فإنما يختص بالنجس الذي ورد النهي عن بيعه خاصا مع كونه بهذا المضمون، أي بجعل ثمنه سحتا، و لا يعم جميع النجاسات، مع انه لا يتم فيه أيضا لما مر من اختصاص الثمن بحسب المتفاهم العرفي، بما جعل عوضا في البيع.

(1) و فيه: ان ما ذكره قدس سره لو تم في الأمكنة المشتركة لا يتم في المباحات الأصلية كالاصطياد و نحوه، و الشاهد عليه السيرة المستمرة و بناء العرف و العقلاء، فانهم يعاملون مع الحيز لشي ء معاملة المالك له و من له حق ثابت عليه حتي مع العلم بأن مقصوده التكسب لا الانتفاع و يؤيده إطلاق النبوي المتقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 168

المقطوع انه لم يحزها للانتفاع بها و انما حازها لأخذ المال و من المعلوم

ان حل المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف علي قصد الانتفاع المعلوم انتفائه في المقام و كذا لو سبق الي مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكني، نعم لو جمعها في مكانه المملوك فبذل له المال علي ان يتصرف في ذلك المكان بالدخول لأخذها كان حسنا كما انه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص و ان لم يقصد الانتفاع بعينه و قلنا: بجواز المعاوضة علي حق الاختصاص كان أسهل.

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به

و هو علي أقسام:

[القسم] الأول: ما لا يقصد من وجوده علي نحوه الخاص الا الحرام
اشارة

و هي أمور:

منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم (1) بلا خلاف ظاهر بل

______________________________

نعم لا يبعد دعوي اعتبار عدم أخذ الشي ء عبثا و لا لغاية، كما انه يمكن ان يؤيد ذلك بل يستدل له بالنصوص الكثيرة الواردة في إحياء الموات من الأراضي.

حرمة بيع هياكل العبادة المبتدعة

(1) المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة حرمة بيعها، بل عليها إجماع

فقهاء الإسلام علي ما نسب اليهم.

و تحقيق القول في المقام انه تارة: تكون منفعة الهياكل المزبورة منحصرة في العبادة المحرمة، بأن لم يترتب علي هيأتها منفعة اخري من التزيين و غيره، و كانت موادها خارجة عن حريم المالية، كالهيكل المصنوع من الخزف.

و أخري: تكون لها منفعة اخري، و هي علي قسمين:

الاول: ما تكون المنفعة الاخري مترتبة علي الهيأة أيضا كالتزيين، و لعل من هذا القبيل آلات الصنائع كالمكائن المتصفة بصورة الوثنية.

الثاني: ما تكون المنفعة مترتبة علي المادة، كما اذا كانت مادة تلك الهياكل من الذهب و الفضة، و ثالثة: تكون المنفعة المحرمة المفروضية معدومة، كما إذا فرض عدم وجود العابد لها، فإن ذلك يوجب انعدام تلك المنفعة المحرمة، و انحصار المنفعة لو كانت في المحللة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 169

الظاهر الإجماع عليه و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول المتقدمة (1) في قوله عليه السلام و كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه، و قوله: او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد و قوله عليه السلام و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله و قوله عليه السلام انما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها مما يجئ منه الفساد محضا نظير المزامير و البرابط و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام الي ان قال: فحرام تعلميه

و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. الخ.

______________________________

لا اشكال و لا كلام في فساد بيع القسم الأول، إذ مع فرض عدم وجود المنفعة المحللة لا تكون مالا شرعا فلا يصح البيع لذلك، مع ان المبيع متمحض في جهة الفساد، و البيع واقع في سبيل الإضلال، فلا ينبغي التوقف في الحرمة وضعا و تكليفا.

و أما القسم الثاني: فمقتضي القاعدة هي صحة بيعه إذا كانت المنفعة المحللة شائعة، او كانت نادرة غير مقومة للمالية، و لكن من حيث المزاحمة مع المحرمة لكونها أتم و فساده إذا كانت نادرة غير موجبة للمالية في نفسها لخستها لما حققناه في مبحث بيع الدهن المتنجس،

فراجع.

انما الكلام في المقام فيما تقتضيه الأدلة الخاصة.

و قد استدل لعدم الجواز بوجود:

(1) هذا أحد الأدلة و هي جملات من رواية تحف العقول «1».

و فيه ما تقدم في اول الكتاب من أنها ضعيفة السند لا تصلح للاعتماد عليها في الأحكام الشرعية، و بذلك ظهر عدم صحة الاستدلال بقوله عليه السلام في خبر دعائم الإسلام،

نهي عن بيع الأصنام «2».

الثاني: جملة من الآيات الشريفة، كقوله تعالي) فاجتنبوا الرجس من الأوثان) «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(3) سورة الحج، آية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 170

هذا كله مضافا الي أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل، و إلي قوله عليه السلام ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (1) بناء علي ان تحريم هذه الأمور تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة، فإن الصليب من حيث انه حشب بهذه الهيئة لا ينتفع به الا في الحرام،

و ليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم، و لو فرض ذلك كان منفعة

______________________________

و قوله تعالي) و الرجز فاهجر) «1».

و قوله تعالي) إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) «2».

و تقريب الاستدلال بها من وجهين:

الاول: ان الاجتناب المطلق شامل للبيع.

الثاني: انها يدل علي حرمة الانتفاعات حتي غير العبادة كالتزيين و غيره،

فتكون مما لا منفعة محللة له فلا يحوز البيع لذلك.

و فيه: ان المستفاد من هذه الآيات لزوم اجتناب الأوثان و الرجس و هجرها بعدم الانتفاع بها بما يكون انتفاعا بها بما هي أوثان، كما هنو الظاهر من إضافة المنفعة الي العنوان،

و علي ذلك فلا تشمل الآيات الانتفاع بها بما لا يكون انتفاعا بالوثن بما هو كذلك المفروض وجوده في المقام، فإذا تلك المنفعة فعدم شمولها للبيع بطريق أولي.

(1) هذا هو الوجه الثالث و هو النبوي المشهور: ان الله إذا حرم قوم شيئا حرم عليهم ثمنه «3».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده كما تقدم، قد عرفت اختصاصه بما ليس له منفعة محللة فلا يشمل هذا القسم.

الرابع: الإجماع و هو كما تري.

______________________________

(1) سورة المدثر، آية 6.

(2) سورة المائدة، آية 91.

(3) عوالي اللآلئ، ح 2، ص 110، حديث 301.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 171

نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الذي هو المناط في تحريم الثمن (1) نعم لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة اخري لعمل محلل بحيث لا تعدّ منفعة نادرة فالأقوي جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة كما اعترف به في المسالك.

فما ذكره بعض الاساطين من ان ظاهر الاجماع و الاخبار انه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها، فلعله محمول

علي الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها او النادرة التي مما للهيئة دخل فيه، نعم ذكر أيضا، وفاقا لظاهر غيره بل الاكثر انه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة.

______________________________

الخامس: النصوص «1» الدالة علي المنع عن بيع الخشب ممن يجعله صليبا أو صنما،

الآتية في مسألة بيع العنب ممن يجعله خمرا، فإنه إذا حرم بيع الخشب لمن يجعله كذلك، فبيع الصليب و الصنم أولي بالتحريم، و هذا هو الوجه القوي.

و تؤيده النصوص المتضمنة اتلافه صلي الله عليه و آله أصنام مكة، إذ لو جاز بيعها لما جاز إتلافها- و ما قيل من انه يجب الاتلاف حسما لمادة الفساد.

(1) إذا كانت المادة مما له منفعة محللة صح البيع بالنسبة اليها و ان كانت بما لها من الهيئة لا ينتفع بها الا في الحرام كما ستعرف.

و أما القسم الثالث: فالكلام فيه يقع في موضعين:

الاول: في بيع مجموع المادة و الهيئة، و منه يظهر حكم بيع الهيئة مجردة.

الثاني: في بيع المادة وحدها.

اما الموضع الاول ففيه وجوه:

الاول صحة البيع الواقع علي المادة بهيئتها، اختاره بعض الاعاظم من المحشين.

الثاني: فساده، اختاره المصنف قدس سره.

الثالث: التبعيض في لفساد كما في بيع الشاة و الخنزير و لعله الاقوي.

و قد استدل للاول: بأنه إذا فرض وجود منفعة محللة و لو كانت مترتبة علي المادة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 172

______________________________

يصدق ان المبيع فيه جهة من وجوه الصلاح، فإن ما في الخارج واحد بسيط فيصح البيع، و

بعبارة اخري: بعد فرض كون ما في الخارج واحدا يدخل المورد في الكبري الكلية المتقدمة و هي جواز بيع ذي المنفعتين الشائعتين الحلال و الحرام.

و فيه: انه لا ريب في ان

الهيئة مما يبذل بإزائه المال، لا انها توجب مالية المادة، و هي بنفسها ذات مالية.

و إن شئت قلت: ان الهيئة المتمولة كالصفة المتمولة، مثل كون الجارية مغنية تكون من عناوين المبيع، و يقع الثمن بإزائها، بل عرفت انه ربما يكون النظر الي الهيئة، و المادة منظورة تبعا.

و استدل للثاني، بأن بذل المال بإزاء هذا المتشكل بالشكل الخاص من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال علي الباطل، و بعبارة اخري: انها بهذه الهيئة لا ينتفع بها إلا في الحرام.

و فيه: انه إذا كان للمادة منفعة أيضا، و كان مقدار من الثمن واقعا بإزائها، لا وجه للحكم بفساد البيع الواقع علي المجموع من المادة و الهيئة، بل لا بد من الحكم بفساده في بيع الهيئة خاصة.

فتحصل: ان الأظهر بحسب القواعد هو القول الثالث.

و دعوي ان الهيئة الوثنية في الصليب و الصنم كالصورة النوعية للمادة في نظر العرف فلا تكونان في الخارج الا شيئا واحدا، فلا موضع للانحلال و التقسيط كما عن الاستاذ مندفعة بان ذلك يتم فيما اذا كانت الهيئة منظورا اليها، و كانت المادة منظورا اليها تبعا، و كانت المالية لخصوص الهيئة، و لا يتم فيما كانت كل واحدة منهما منظورا اليها، و كانت المالية لهما كما هو المفروض.

و أما الأدلة الخاصة فالنصوص الواردة في بيع الخشب غاية ما يستفاد منها بالأولوية حرمة بيع الهيئة و فساده، و أما بيع المادة إذا كانت لها منفعة و مالية فلا تدل هي علي عدم جوازه كما هو واضح، و أما سائر الأدلة فقد عرفت عدم دلالتها علي عدم الجواز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 173

أقول: إن أراد بقصد المادة كونها هي الباعثة (1) علي بذل المال بإزاء ذلك الشي ء

و إن كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي ء، فما استظهره من الإجماع و الأخبار حسن لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل

______________________________

(1) هذا هو الموضع الثاني: و محصل القول فيه: ان الصور المنصورة في بيع المادة خاصة ست.

الأولي: يبيع المادة بشرط ان يغير المشتري هيئتها، و كان المشتري ممن يوثق بديانته.

الثانية: ان يبيع المادة مع الشرط المذكور ممن لا يوثق بديانته.

الثالثة: ان يبيع المادة ممن يوثق بديانته بلا شرط التغيير.

الرابعة: بيع المادة ممن لا يوثق بديانته بلا الشرط المذكور.

الخامسة: بيع المادة المتصفة بتغيير هيئتها بنحو الشرط المتقدم بنحو يتوقف دخولها في ملك المشتري علي تحقق العنوان له فعلا.

السادسة: بيع المادة المتصفة بأنها التغيير في ما بعد.

أما في الصورة الأولي: فلا اشكال و لا كلام في صحة البيع لعدم شمول أدلة المنع و ما توهم دلالته في الصور الآتية عليه له.

و أما في الصور الثانية: فقد استدل لفساد البيع، بكونه إعانة علي الإثم فيكون حراما و فاسدا.

و فيه: اولا: ان الإعانة علي الإثم لو سلم كونها محرمة لا توجب فساد البيع لما حقق في محله من عدم المنافاة و بين المبغوضية و الصحة في باب المعاملات.

و ثانيا: ان الإقباض إعانة علي الإثم لا البيع، فالأظهر هي الصحة فيها.

و أما في الصورة الثالثة: فقد استدل لفساد البيع، تارة بأن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة، و أخري بأن عموم العلة المستفادة من قوله عليه السلام: لا يباع شي ء فيه غش «1»

يقتضي الفساد لكونه واجب الكسر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 174

بالشكل الخاص من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال علي الباطل (1) و إن اراد بقصد

المادة كون المبيع هي المادة سواء تعلق البيع بها بالخصوص كأن يقول:

بعتك خشب هذا الصنم أو في ضمن مجموع مركب، كما لو وزن لو وزنة حطب، فقال:

بعتك فظهر فيه صنم او صليب، فالحكم ببطلان البيع في الأول و في مقدار الصنم في الثاني مشكل لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد لأن المتقين من الأدلة المتقدمة حرمة المعاوضة علي هذه الأمور نظير المعاونة علي غيره من الأموال العرفية و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي ء من المادة و الهيئة و الأوصاف.

______________________________

و فيهما نظر:

أما الأول: فلأن المادة اذا كانت لها منفعة محللة و لو بعد التصرف فيها تكون مالا قبله، و لذا لا خلاف في ان من أتلف هذه الأمور، ضمن موادها، كما لا ريب في ان اللحم مال مع انه لا ينتفع به الا بعد الطبخ.

و أما الثاني: فلأن الغش انما يكون إذا خفي العيب، مع انه في صورة خفاء العيب أيضا يصح البيع، غاية الأمر يثبت الخيار، فالأظهر فيها أيضا الصحة.

و بما ذكرناه في هاتين الصورتين ظهر حكم الصورة الرابعة.

و ما يمكن ان يستدل به للفساد فيها.

و أما الصورة الخامسة، فالأظهر فيها الفساد، فإنه إن كان المبيع هو عنوان المغير يكون ذلك من قبيل بيع المعدوم، و إن كان هو المادة الموجودة بعد عروض صفة التغير يكون من قبيل تعليق بيع الموجود بتحقق صفة في المستقبل.

و أما الصورة السادسة: فالأظهر فيها الصحة ان كانا عالمين بالتغيير، لأن المبيع هي المادة المتصفة بوصف متحقق بالفعل، و الا فهو فاسد لكون المبيع مجهولا.

(1) قد مر ان هذا البرهان لفساد البيع الوقاع علي المجموع بتمامه، لا يدل عليه، و انما يدل علي فساد البيع الواقع علي

الهيئة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 175

و الحاصل ان الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي ء من غير مدخلية الشكل أ لا تري انه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها آنية مكسورة، لم يكن لها) له (خيار العيب لأن المبيع هي المادة و دعوي ان المال هي المادة بشرط عدم الهيئة مدفوعة، بما صرح به من انه لو اتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها و حمله علي الإتلاف تدريجا تمحل (1) و في محكي) التذكرة (انه إذا كان لمسكور قيمة و باعها صحيحة ليكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته، فانه يجوز بيعها علي الأقوي) انتهي)، (2) و اختار ذلك صاحب الكفاية و صاحب الحدائق و صاحب الرياض نافيا عنه الريب.

و لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته لئلا يدخل في باب المساعدة علي المحرم فإن دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع اليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون باطلا كما في رواية تحف العقول.

______________________________

نعم ما ذكره قدس سره من عدم الفرق في الفساد بين كون الداعي الانتفاع بالمادة خاصة و بها و بالهيئة، تام فإن بيع الهيئة باطل و ان قصد عدم الانتفاع بها كما هو الشأن في كل ما لا يجوز بيعه.

و ما نسبه المصنف الي الأكثر و استحسنه، انما هو فساد هذا البيع، لا فساده في صورة بيع المادة مع كونها بتلك الهيئة الخاصة، و كان غرضه التمتع بالمادة بلا اعتبار الهيئة في المبيع علي وجه لا يكون لها دخل في الغرض.

فإيراد بعض مشايخنا المحققين قدس سره بأنه لا وجه للفساد في الفرض.

في غير محله، لابتنائه علي ان يكون مراده البيع علي الوجه الثاني.

(1) مع انه

يستلزم عدم ضمان مقدار من المادة التالف حين اتلاف الهيئة.

و هو كما تري.

(2) الظاهر من نقل كلام العلامة قدس سره تقوية ما اختاره من صحة بيع المادة بلا شرط،

و ذلك يتوقف علي ان يكون قوله ليكسر غاية للبيع و يكون القصد الي كسر الهيئة راجعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 176

لكن منه مضافا الي التأمل في بطلان البيع المجرد الإعانة علي الإثم (1) انه يمكن الاستغناء عن هذا التقيد بكسره قبل ان يقبضه اياه فإن الهيئة غير محترمة في هذا الأمور كما صرحوا به في باب الغصب بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا، و لا يبعد ان يثبت لوجوب مادة الفساد.

و في جامع المقاصد بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء و إن أمكن الانتفاع علي حالها في غير المحرم منفعة لا تقصد منها، قال: و لا أثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل (2) و يعد مالا لأن بذل المال في مقابلها و هي علي هيئتها بذل له في المحرم الذي لا يعد مالا عند الشارع، نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل ان كسرها و كان المشتري موثوقا به، و انه يكسرها أمكن القول بصحة البيع و مثله باقي الأمور المحرمة كأواني النقدين و الصنم،) انتهي (.

______________________________

الي عدم ملاحظتها في المبيع، بل يبيعها مع كون داعيه كسر الهيئة لينتفع بالمادة خاصة.

و لكن الظاهر منه إرادة اشتراط فعل الكسر من المشتري فلاحظ و تدبر.

(1) مر انه يرد عليه مضافا الي ذلك، عدم صدق الإعانة، إذا قصد بيع المادة خاصة و لم يكن قاصدا للانتفاع بالهيئة في الحرام، و ان البيع لا يكون إعانة أي تقدير،

فراجع.

(2) ظاهر كلام المحقق الثاني من

جهة جعله الرضاض، الظاهر في المكور الفعلي لا سيما مع توصيفه بالباقي، إرادة بيع المادة بكونها مكسورة و قد عرفت ان الأظهر هو فساد البيع في هذه الصورة و هي الخامسة المتقدمة.

و أما القسم الرابع فلا أظن أن يفتي أحد بعدم جواز بيعه لخروجه بذلك عن كونه مما له منفعة محرمة و بديهي عدم شمول أخبار الخشب لمن يعمله صليبا أو صنما له فالأظهر جوازه وضعا و تكليفا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 177

و منها آلات القمار (1) بأنواعه بلا خلاف ظاهرا (2) و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة و يقوي هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة، و هي المسالك انه لو كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة ليكسر، و كان المشتري ممن يوثق بديانته ففي جواز بيعها وجهان:

______________________________

بيع آلات القمار

(1) كالشطرنج، و النرد، و الاربعة عشر و نحوها مما اعد للقمار.

(2) الظاهر ان حرمة بيعها مما لا خلاف فيه، و عن المستند: دعوي الإجماع عليه و المراد بها ما أعد للمقامرة كالنرد لأكل ما قومر به و لو في بعض الأحيان كالجوز.

و قد استدل للحرمة: بالوجوه المتقدمة في بيع هياكل العبادة التي عرفت عدم دلالة شي ء منها علي ذلك، و انما التزمنا بعدم الجواز فيها لنصوص بيع الخشب لمن يجعله صليبا،

غير الشاملة لآلات القمار لا سيما بناء علي ما ستعرف في ذلك المبحث من اختصاصها بخصوص موردها.

و بخبر أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام الوارد في تفسير قوله تعالي:) إنما الخمر و الميسر (و أما الميسر فالنرد، و الشطرنج و كل قمار ميسر- الي ان قال- كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من الله محرم)

الحديث) «1».

و فيه: انه ضعيف لأبي الجارود.

فالأولي ان يستدل للحرمة وضعا و تكليفا بما ورد في الموارد الخاصة.

كصحيح البزنطي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت.) الحديث «2».

و خبر المناهي الوارد في بيع النرد «3».

فإنه بضميمة عدم القول بالفصل بين آلات القمار يثبت الحكم في الجميع.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(2) الوسائل، باب 103، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 178

قوي في التذكرة (1) الجواز مع زوال الصفة و هو حسن الأكثر أطلقوا المنع) انتهي (.

أقول: إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الإشكال في الجواز و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و الأكثر، ثمّ ان المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض (2) فكل ما اعد لها بحيث لا يقصد منه علي ما فيه من الخصوصيات غيرها حرمت المعاوضة عليه، و أما المراهنة بغير عوض فيجي ء انه ليس بقمار علي الظاهر،

نعم لو قلنا: بحرمتها لحق الآلة القمار مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمي عندنا كذا الترثة) النوبة (و الصولجان.

______________________________

(1) و قد قيل في بيان مراد العلامة الذي استحسنه الشهيد قدس سره وجوه:

الأول: ان يكون المراد زوال صفة المقامرة بأن ترك أهلها القمار بها.

الثاني: ان المراد زوال الهيئة.

الثالث: ان المراد الجواز مع اشتراط زوال الصفة.

الرابع: ان المراد جواز البيع إذا كانت المادة من الأموال، بأن يرجع قوله مع زوال الي ما ذكر قبل الحكم بالجواز و هو عدها مالا.

(2) القول في القمار موضوعا يقع في موردين:

الاول في أصل المعني الموضوع له.

الثاني: في حدود و قيوده.

أما المورد

الأول فالمعاني المحتملة له اربعة، نفس الآلات- و المال المجعول في المعاملة- و اللعب بها- و المعاملة الواقعة علي اللعب بها-.

اما المعنيان الاولان: فالظاهر انهما أجنبيان عن معني القمار إذ مضافا الي تصريح اللغويين بأنه اللعب بالآلات مع الرهن او بدونه، او المراهنة علي اختلاف تعابيرهم، انه مصدر من المفاعلة و المناسب للمعني المصدري أحد المعنيين الأخيرين كما لا يخفي.

نعم في خبر «1» أبي الجارود أطلق القمار علي نفس الآلات.

لكنه مضافا الي ضعف سنده و معارضته مع النصوص الأخر المتضمنة ان كل ما قومر به فهو الميسر الظاهرة في ان القمار هو فعل المكلف، الاستعمال أعم من الحقيقة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 179

______________________________

و الأظهر بحسب المتفاهم العرفي هو المعني الثالث. و قد صرح به جمع من أئمّة اللغة.

و أما المورد الثاني، فالظاهر: ان القمار لا يصدق علي اللعب بدون الرهان، كما يظهر لمن راجع الاستعمالات العرفية و كلمات اللغويين ففي مجمع البحرين أصل القمار الرهن علي اللعب بشي ء و في القاموس تقمره راهنه فغلبه و نحوه ما عن لسان العرب و في المنجد القمار علي لعب يشترط فيه ان يأخذ الغالب من المغلوب شيئا كان بالورق او غيره.

و لا ينافيه ما عن ظاهر الصحاح و المصباح و التكملة و الذيل انه قد يطلق علي اللعب بها مطلقا مع الرهن و دونه، فانه لو يدل علي انه موضوع للعب بها مع الرهن و ان إطلاقه علي اللعب بدونه نادر و مجاز، لا يدل علي انه بنحو الحقيقة.

و لو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الشك في صدقه بدونه فيتعين الأخذ بالقدر المتيقن.

و لا يعتبر في صدقه

أن يكون اللعب بالآلات المعدة للقمار بحيث لا منفعة لها غير القمار و لا بالآلات المعروفة الشاملة لها و لغيرها كالخاتم و الجواز و البيض التي تعارف اللعب بها و لها منافع شائعة اخر.

لما تري من صدق القمار علي اللعب بكل شي ء مع الرهن من دون عناية و علاقة كما يظهر لمن راجع مرادف هذا اللفظ في سائر اللغات.

و لتصريح أكثر اللغويين بذلك.

و لما في جملة من النصوص من التصريح بالتعميم.

ففي صحيح معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام النرد و الشطرنج و الاربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «1».

و في خبر جابر عن الإمام الباقر عليه السلام قيل يا رسول الله صلي الله عليه و آله ما الميسر؟ قال كلما تقومر به حتي الكعاب و الجوز «2» و نحو هما غير هما.

فالمتحصل مما ذكرناه ان القمار هو اللعب بأي شي ء كان بشرط الرهن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 180

و منها آلات اللهو علي اختلاف اصنافها (1) بلا خلاف لجميع ما تقدم في المسألة السابقة و الكلام في بيع المادة كما تقدم و حيث ان المراد بآلات اللهو ما اعد له توقف علي تعيين معني اللهو و حرمة اللهو الا ان المتقين منه ما كان

______________________________

بيع آلات اللهو

(1) و قد طفحت كلمات القوم بحرمة التكسب) بالآلات المحرمة كالعود و المزمر و الأصنام و الصلبان (و عن المستند: دعوي الإجماع عليه. و المتقين من معقده الآلات المعدة للملاهي كالمزامير و المعازف و الأوتار و ما شابهها، التي تنحصر فائدتها بالانتفاع بها في الملاهي الذي

لا إشكال و لا كلام نصا و فتوي في حرمته. و عدم جواز البيع في هذا المورد انما يكون علي وفق القاعدة كما عرفت في مسألة بيع هياكل العبادة المبتدعة.

كما ان حرمته التكليفية لا شبهة فيها لوقوع في معرض الإضلال و تمحض المبيع في جهة الفساد، و لذا يجب إتلافها حسما لمادة الفساد.

انما الكلام فيما اذا اشتراك شي ء بين ذلك و بين الأعمال في عمل محلل، كالراديوات المرسومة في زماننا هذا، فإنه ينتفع بها في الملاهي، و في المنافع المحللة كاستماع قراءة القرآن و الأخبار و غير ذلك.

و الأظهر في ذلك هو الجواز وضعا و تكليفا: لعموم أدلة حلية البيع، و ما ذكرناه في وجه عدم جواز بيع هياكل العبادة و آلات القمار، لا يدل علي عدم الجواز في المقام كما هو واضح.

و النبوي المروي عن تفسير أبي الفتوح: ان الله بعثني هدي و رحمة للعالمين، و أمرني ان أمحو المزامير و المعازف و الأوتار و أمور الجاهلية) الي ان قال- ان آلات المزامير شراؤها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام «1».

ضعيف لإرساله، لا يعتمد عليه، و إفتاء الأصحاب بالمنع غير ثابت، و علي فرضه استنادهم إليه غير معلوم، و مجرد الموافقة لا يوجب الجبر.

و الاستدلال بالأخبار العامة المتقدمة في أول الكتاب، في غير محله لما عرفت من ضعف السند.

______________________________

(1) المستدرك، باب 79، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 181

من جنس المزامير و آلات الأغاني، و من جنس الطبول و سيأتي معني اللهو و حكمه و منها أواني الذهب و الفضة إذا قلنا بتحريم اقتنائها و (أو) قصد المعاوضة علي مجموع الهيئة و المادة لا المادة فقط (1).

______________________________

بيع اواني الذهب و الفضة

(1) و تنقيح القول في موردين:

(1) في تعيين الموضوع و بيان مفهوم الإناء.

(2) في حكم المعاملة عليها.

أما الأول: فقد اختلفت كلمات اللغويين في تعيين الاناء، فعن جملة من كتب اللغة كالصحاح و القاموس و مجمع البحرين و غيرها انه معروف، و حيث انه لا استعمال له في عرفنا اليوم يقيد ذلك، و عن المصباح: تفسير، بالوعاء، و الظاهر انه لا ينبغي التوقف في كونه تفسيرا بالأعم لصدق في الوعاء علي الصندوق، و لا يصدق عليه الإناء، و منه يظهر ضعف ما عن مفردات الراغب من تفسيره بما يوضع فيه الشي ء و ما عن غير واحد من تفسيره بالظرف.

و يؤيد ما ذكرناه مصحح منصور بن حازم عن مولانا الصادق عليه السلام عن التعويذ يعلق علي الحائض فقال: نعم، إذا كان في جلد او فضة او قصبة حديد «1».

فإن من المستبعد الالتزام بالتخصيص في جلد التعويذ، و الظاهر انه عبارة عن متاع البيت الذي يستعمل في الأكل أو الشرب او مقدماتهما كالسماور، أو مؤخراتهما كالإبريق.

و أما صحيح ابن بزيع «2» المشتمل علي مبالغة الإمام عليه السلام في تنزيه فعل أبي الحسن عليه السلام عن إمساك المرآة الملبسة الموهم لأعمية الإناء من ذلك، فلا يعتني به لعدم ظهور جوابه عليه السلام فيها كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 67، من أبواب النجاسات و الأواني و الجلود، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات و الأواني و الجل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 182

و منها الدراهم الخارجة المعمولة (1) لأجل غش الناس إذا لم يفرض علي.

هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها مثل التزين او الدفع الي الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه بناء علي جواز ذلك و

عدم وجوب اتلاف مثل هذه الدراهم و لو بكسرها من باب دفع مادة الفساد كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية الجعفي مشيرا الي درهم أكسر هذا فانه لا يحل بيعه و لا إنفاقه.

و في رواية موسي بن بكير قطعه نصفين، ثمّ قال: ألقه في البالوعة حتي لا يباع بشي ء فيه غش و تمام الكلاب فيه في باب الصرف إن شاء الله تعالي.

______________________________

و أما الثاني: فبناء علي ما اخترناه من عدم جواز الانتفاع بها بشي ء: لصحيح ابن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام انه نهي عن نهي آنية الذهب و الفضة «1». إذ حذف المتعلق دليل العموم، و موثق ابن بكير عن أبي الحسن عليه السلام آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون «2». علي ما حققناه في أحكام الأواني، تكون الآنية بما لها من الهيئة بما لها من الهيئة مما يجئ منه الفساد محضا، و مما له منفعة محرمة خاصة، و قد عرفت في البحث عن حرمة بيع هياكل العبادة المبتدعة فساد بيع مثل ذلك، فراجع.

نعم إذا كانت هيئتها مما لا ينتفع به لاجل كونها من الأواني التي ترك استعمالها صح البيع لتمحض المبيع في المادة التي لها منافع محللة. بل بناء علي ما عرفت في ذلك المبحث.

يمكن الحكم بالتبعيض في الفساد ان كانت لهيئتها مالية.

بيع الدراهم المغشوشة

(1) و محل الكلام الدراهم المغشوشة غير الرائجة، و أما الرائجة بين الناس مع العلم

بالغش فلا كلام في جواز المعاوضة عليها وضعا و تكليفا. لأن الجواز تابع للرواج و هو تابع لاعتبار من بيده أزمة الأمور، من غير فرق بين كون المادة مغشوشة، و غير مغشوشة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات و الأواني و الجلود،

حديث 3.

(2) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات و الأواني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 183

______________________________

ثمّ ان الكلام يقع في موضعين:

الأول: في صورة العلم بالغش.

الثاني: في صورة الجهل به.

أما الأول: فالكلام فيه يقع، تارة في جواز الانتفاع بها في التزيين و نحوه، و أخري في جواز المعاوضة عليها و عدمه.

أما الأول: فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز، و في الجواهر، لم أجد من أفتي بالمنع بل الفتاوي علي خلافه.

و تشهد له جملة من النصوص.

و استدل للمنع بالنصوص الدالة علي حرمة الغش الآتية في ذلك المبحث، و بقوله عليه السلام في خبر المفضل بن عمر الجعفي مشيرا الي درهم مغشوش أكسره فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه «1».

و بخبر موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام فإذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي دينار فأخذه بيده ثمّ قطعه بنصفين ثمّ قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «2».

و بقول الإمام الصادق عليه السلام في خبر دعائم الإسلام في الستوق: يقطع و لا يحل ان ينفق «3».

و في الجميع نظر:

أما نصوص الغش: فلعدم شمولها لما نحن فيه، لتوقف صدق الغش علي علم الغاش و جهل المغشوش، فلا يصدق في فرض علم المغرور.

و أما الأخبار الأخر: فضعيفة السند، لأن في طريق خبر الجعفي علي بن الحسين الصيرفي، و الثاني مرسل، و خبر دائم الإسلام قد عرفت حاله في اول الكتاب، فهي غير منجبرة بعمل الأصحاب لما عرفت من إفتائهم بالجواز، مضافا الي معارضتها بما هو أصح سندا منها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب الصرف، حديث 5.

(2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(3) المستدرك، باب 6، من أبواب

الصرف، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 184

______________________________

و أما الثاني: فالأظهر جواز المعاوضة عليها وضعا و تكليفا، إذ مضافا الي ان ذلك

مما تقتضيه القواعد العامة بعد فرض جواز الانتفاع بها، يشهد له صحيح ابن مسلم المتقدم عن الإمام الصادق عليه السلام الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس او غيره ثمّ يبيعها قال عليه السلام: إذا بين ذلك، فلا بأس «1» و نحوه غيره، و نصوص الغش، و الأخبار الخاصة قد عرفت حالها.

و بما ذكرناه ظهر ضعف إفتاء المحقق النائيني قدس سره بالفساد لأجل عدم وجود المنفعة المستفاد ذلك من خبر موسي بن بكر.

و لا فرق في ذلك كله، بين علم البائع، و جهله، كما لا يخفي.

و أما الموضع الثاني: فتارة يكونان جاهلين معا، و أخري يكون المشتري جاهلا و البائع عالما، أما إذا كانا جاهلين فلا دليل علي الحرمة التكليفية و لا وجه لها، و أما إذا كان المشتري جاهلا فهو يحرم لكون ذلك غشا في المعاملة.

هذا بالنسبة الي الحكم التكليفي.

و أما من حيث الحكم الوضعي، أي صحة البيع و فساده.

فحصل القول فيه ان صور المسألة اربع:

الأولي: ان يوقع المعاملة علي الكلي.

الثانية: ان يبيع الدرهم المسكوك بسكة المعاملة بهذا العنوان أي الدرهم الخارجي المعنون بهذا العنوان.

الثالثة: ان يبيع الدرهم الخارجي معتقدا انه فضة مسكوكة بسكة السلطان.

الرابعة: ان يبيع المادة بلا هيئة.

اما الصورة الأولي: فلا اشكال في عدم فساد البيع فيها، و عدم ثبوت الخيار و انما عليه التبديل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب ما يكتسب به حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 185

و لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صار إليه فإن وقع عنوان المعاوضة علي الدرهم المنصرف إطلاقه الي المسكوك سكة السلطان

بطل البيع. (1)

______________________________

(1) في حاشية السيد الفقيه ظاهره كون البيع واقعا علي الكلي.

و هو كما تري لا سيما و انه لا يمكن نسبة القول بالبطلان الي المصنف في هذه الصورة.

بل ظاهره هي الصورة الثانية أي بيع الدرهم المسكوك بسكة المعاملة بهذا العنوان أي الدراهم الخارجي المعنون بهذا العنوان.

و كيف كان ففي الصورة الثانية: اما ان يظهر عدم كونه مسكوكا بسكة المعاملة الرائجة، أو يظهر كونه فضة بل نحاسا بتمامه، أو يظهر كون المادة مغشوشة بأن كان بعضها فضة و بعضها نحاسا.

فقد استدل للبطلان في جميع الفروض: بأن المبيع هو العنوان غير المنطبق علي ما في الخارج، كما إذا باع هذا الحمار فانكشف انه فرس.

و لكن هذا الوجه يتم في الفرض الثاني، من جهة ان النحاس و الفضة عنوانان مختلفان حقيقة، و لا يتم في باقي الفروض.

أما في الأول: فلأن كون الفضة مسكوكة بسكة المعاملة ليس إلا وصفا لها، فتخلفه تخلف للوصف و لا يوجب هو الا الخيار، و الشاهد علي ذلك هو نظر العرف الذي هو الميزان في هذا الباب، و يؤيد ما ذكرناه بل يشهد له عدم كون العنوان في المقام دخيلا في المالية.

و أما في الفرض الأخير فلأن الغش في المادة يوجب ثبوت خيار العيب، لأن المغشوش معيب غيره نظير شوب اللبن بالماء لا انه عنوان مغاير.

و استدل لفساد البيع في الفرض الأول: بأن البيع واقع علي الموجود الخارجي المتشكل بهذا الشكل الذي لا يصح بيعه فيكون بمقتضي إطلاق ما دل علي عدم جواز البيع في هذا الموجود، فإنه غير جائز البيع بذاته لا بما هو معلوم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 186

و إن وقعت معاوضة علي شخصه من دون عنوان (1) فالظاهر صحة

البيع مع خيار العيب، إن كانت المادة مغشوشة و إن كان مجرد تفاوت السكة فهو خيار التدليس فتأمل.

______________________________

و فيه: ان الهيئة التي تنحصر فائدتها في المحرم الموجب ذلك لفساد البيع ليست ملحوظة في البيع، و لم تقع المعاملة عليها، و ما لوحظ انما هي الخصوصية المفقودة التي عرفت ان فقدها لا يوجب البطلان، فالأظهر هي الصحة في الفرض الأول و الثالث. نعم في الفرض الأول يثبت خيار التدليس او تخلف الوصف، و في الفرض الأخير خيار العيب.

(1) مراده بذلك الصورة الثالثة، لا الرابعة.

فما نسبه السيد قدس سره اليه من ان مراده بذلك بيع هذا الشي ء من حيث انه فضة.

غير تام علي هذا لا وجه لقوله و إن كان مجرد تفاوت السكة فهو خيار التدليس.

و كيف كان فقد استدل للبطلان في الصورة الثالثة في جميع فروضها، من عدم كون الدرهم مسكوكا، أو عدم كونه فضة، أو كونه مركبا من الفضة و غيرها: بأن بيع ذات الشي ء المردد بين كونه درهما و غيره و علي تقدير كونه درهما صحيحا أم معيبا. باطل للجهل و الغرر.

و فيه: انهما يرتفعان بالعلم، و لو كان جهلا مركبا، و بالشرط و المفروض تحقق أحدهما.

و قد يستدل للفساد في الفرض الأول: بأن البيع علي هذا الوجه بكون واقعا علي ما هو واقع المبيع، و حيث ان واقعه مما لا يصح بيعه فيكون البيع فاسدا، كما لو باع المردد بين كونه حرا، أو عبدا فإنه لو انكشف كونه حرا بطل البيع.

و فيه: انه مع العلم بكونه درهما مسكوكا، لا يكون الواقع علي ما هو عليه موردا للبيع كي لا يصح، فإن هيئته لا تقع المعاملة عليها علي ذلك، فالأظهر هي الصحة هي

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 1، ص: 187

و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات فإن البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بإمضائه من جهة المادة فقط و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع كما لو جمع بين الخل و الخمر لأن كل جزء من الخل و الخمر، مال لا بد أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير (1) بخلاف المادة و الهيئة فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال علي حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده.

______________________________

الفرضين الأول و الأخير، مع ثبوت خيار التدليس او تخلف الوصف في الأول و خيار العيب في الأخير، و البطلان في الثاني لأن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، إذا المقصود هو بيع الفضة، و الموجود نحاس علي الفرض.

و مما ذكرناه ظهر حكم الصورة الرابعة و هو البيع لو انكشف كون المادة فضة منشوبة، مع ثبوت الخيار و الفساد لو انكشف كونها غير الفضة، و أما الهيئة فوجودها كالعدم لعدم لحاظ هيئة من الهيئات في البيع.

(1) قد يقال كما عن بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم: بأن غاية ما يمكن ان يقال في توجيه كلامه: ان ما ذكرناه من تصحيح المعاملة الواقعة علي الشخص في الدراهم المغشوشة و لم نجعل في قبال الهيئة شيئا و انما اثبتنا خيار التدليس من جهة عدم السكة الصحيحة، لا يجري في سائر الآلات، فلو أوقع المعاوضة علي هياكل العبادة مثلا جهلا بكونها كذلك معتقدا انها من العناوين المباحة، فتبين كونها كذلك بطلت.

ثمّ أورد عليه بأنه

مضافا الي طلب الفرق بينهما و ليس فيما ذكره كفاية، إذا السكة و هيكل العبادة لا يقسط عليهما الثمن، لا يناسب قوله في مقام الفرق انه لا يمكن التبعيض في الآلات مادة و هيئة، إذ لم يلتزم بذلك في غيرها أيضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 188

______________________________

قبل بيان المصنف قدس سره لا بد من بيان: كي يرقع هذا الإشكال و إشكال غيره من

المحشين، و كذلك يرتفع ما أورد عليه بأنه ما الفرق بين تبين الغش في المادة و تبين تفاوت السكة، حيث التزم في الأول بثبوت خيار العيب، و في الثاني بثبوت خيار التدليس.

الأول: ان هيئة الدراهم لا مالية لها، أي لا تقابل بالمال و لا توجب ازدياد مالية المادة، بل مالية الفضة التي بقدر ما في الدرهم تساوي مالية الدرهم، و هذا بخلاف ما تقدم من هياكل العبادة و آلات اللهو و غير هما، فإنهما إما تكون ما لا تقابل بالمال كما هو المختار،

أو توجب ازدياد مالية المادة كما هو مختار المصنف قدس سره بدعوي ان الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي، أي لا يكون بنظر العرف موجودا مستقلا و ان كانت بالدقة العقلية كذلك.

الثاني: ان خيار العيب مختص بصورة تخلف الوصف الموجب نقصه نقص مالية الموصوف و لا يكون ثابتا في مورد تخلف وصف لا يوجب نقصه نقص المالية، و لا في مورد ما إذا كان بدل القيد الصحيح في المبيع قيدا فاسدا يبذل الثمن الخاص لداعي وجوده،

أما في المورد فلعدم صدق العيب علي الفاقد له، و أما في الثاني فلأنه علي الفرض المبيع هو الشخص الأول فلعدم الخارجي و هيئته اوجبت زيادة مالية فيه، و حيث انها علي الفرض لا

تقابل بنفسها بالمال، فلا يمكن لأجل وجودها، فلا بد من الالتزام بفساد المعاملة رأسا، و معه لا مورد لثبوت الخيار من جهة التقيد المفقود.

إذا عرفت هذين الأمرين تعرف تمامية ما ذكره قبل قوله، و هذا بخلاف … الخ. من الالتزام بثبوت خيار العيب، فيما إذا كانت مادة الدرهم مغشوشة، و ثبوت خيار التدليس في صورة تفاوت السكة، و عدم ثبوت خيار العيب فيها، فإن تفاوت السكة لا يوجب نقص المالية و كذا تمامية ما ذكره بعده و ارتباطه بما قبله، فإنه في صورة الجهل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 189

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة
اشارة

و هو تارة علي وجه يرجع بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة علي العنب مع التزامهما ان لا يتصرف فيه الا بالتخمير، و أخري علي وجه يكون الحرام هو الداعي الي المعاوضة لا غير كالمعاوضة علي العنب مع قصدهما تخميره.

و الأول اما ان يكون مقصودا لا غير (1) كبيع العنب علي ان يعمله خمرا و نحو ذلك و أما أن يكون الحرام مقصودا مع الحلال بحيث يكون بذل المال بإزائها كبيع الجارية المغنية بثمن فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني، فهنا مسائل ثلاث:

______________________________

في ما تقدم من الآلات الأمر يدور بين أمور ثلاثة: إمضاء المعاملة من جهة المادة خاصة، و إمضائها رأسا، و فسادها، و حيث لا سبيل الي الأول لما تقدم من عدم كون الهيئة مما يقابل بالمال، و لا إلي الثاني لما تقدم أيضا، فيتعين الالتزام بالثالث.

و لكن قد تقدم ان الهيئة قد تكون مما له مالية و تقابل بنظر العرف بالمال، و تكون ملحوظة باستقلالها، مثلا الكوز المعمول من الخزف هيئته تقابل بالمال لا انها توجب ازدياد مالية المادة، و لذا لو باع

الكوز ثمّ تبين كونه مكسورا لم يتوهم أحد ثبوت خيار العيب.

(1) أورد عليه السيد الفقيه بأنه لا وجه لتقسيم الأول و هو ما يبذل المال في مقابل الحرام فقط الي القسمين.

و لكن يرد عليه ان مراده من الاول ما يبذل المال في مقابل الحرام في الجملة، في مقابل الثاني، و هو الذي لا يبذل المال بإزاء الحرام رأسا، بل يكون الحرام هو الداعي الي المعاوضة لا غير، و من الضروري ان الداعي لا شأن له في باب المعاملات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 190

المسألة الأولي: بيع العنب علي ان يعمل خمرا، و الخشب علي ان يعمل صنما أو آلة لهو قمار، و إجارة المساكن ليباع او يحرز فيها الخمر، و كذا إجارة السفن و الحمولة لحملها (1) و لا إشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته و لا خلاف فيه، و يدل عليه (2).

______________________________

بيع العنب علي ان يعمل خمرا

(1) و في الجواهر فلا خلاف أجده فيها، مع التصريح بالشرطية أو الاتفاق عليها علي وجه بني العقد عليها، بل عن مجمع البرهان: نسبته الي ظاهر الأصحاب، بل عن المنتهي، دعوي الإجماع عليه، كما عن الخلاف و الغنية الإجماع علي عدم صحة إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر او الدكان ليباع فيه.

(2) و استدل له في جميع المعاملات بوجوه:

و فيه: ان الإجماع المنقول ليس بحجة لا سيما في صورة احتمال استناد المجمعين الي الأدلة الأخر كما في المقام.

الثاني: ما ذكره السيد الفقيه قدس سره و هو قوله صلي الله عليه و آله: ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.

و فيه: مضافا الي ما تقدم من ضعف السند، انه غير شامل للمقام، إذ الثمن لا يقع في مقابل المنفعة المحرمة و انما يقع في

مقابل العين التي لها منفعة محللة في المقام.

الثالث: ان الالتزام بأن يعمل العنب خمرا، شرط مخالف للكتاب و السنة، و هو فاسد و فساد الشرط يوجب فساد المشروط.

و فيه: ما سيأتي في محله من ان الشرط الفاسد لا يوجب فساد المعاملة.

الرابع: ان فعل المباح للتوصل به الي الحرام حرام، فبيع العنب مثلا لأن يعمل خمرا حرام.

و فيه: ما حقق في محله من عدم حرمة مقدمات الحرام، الا ما لا ينفك عنه الحرام،

مع ان هذا الوجه لا يقتضي الفساد بناء علي ما هو الحق من عدم تلازم المبغوضية للفساد في المعاملات كما عرفت في اول الكتاب.

الخامس: ان أدلة النهي عن المنكر تدل علي حرمته، إذ لو وجب النهي للرفع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 191

مضافا الي كونها إعانة الإثم (1) و إلي ان الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل و إيكال للمال بالباطل (2).

______________________________

فالنهي عن المنكر لدفعه أولي بالوجوب.

و فيه مضافا الي ان هذا الوجه أيضا لا يقتضي الفساد، كما مر انه سيجي ء في المسألة الآتية تنقيح القول في ذلك و انه لا دليل علي وجوب الدفع.

(1) السادس: ما في الثمن و هو ان البيع في الفرض إعانة علي الإثم، المحرمة كتابا و سنة و اجماعا.

و فيه مضافا الي ما ستعرف من عدم حرمتها، ان البيع ليس إعانة علي الإثم و انما يكون الإقباض و التسليط الخارجي إعانة عليه.

مع ان حرمة الإعانة علي الإثم لا توجب الفساد، إذ حرمة المعاملة و مبغوضيتها لا تلازم الفساد.

(2) هذا هو السابع و هو ان الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة أكل للمال بالباطل.

و فيه: انه ان اريد بذلك ان الشرط يوجب تمحض المبيع

في الحرام.

فيرد عليه: انه في البيع الثمن لا يقع في مقابل المنافع، و انما يقع في مقابل العين بداعي الانتفاع بمنافع العين، و عليه فلا يكون أكل المال في مقابل ما اشترط ان ينتفع به بالمنفعة المحرمة أكلا للمال بالباطل.

و علي فرض التنزل فانما يقابل الثمن بالمنافع، أي قابلية الشي ء لأن ينتفع به، لا الانتفاع الخارجي، و لذا لا شبهة في صحة البيع لو اشتري خبزا للا. كل و لم يأكله، و في المقام المبيع له منافع محللة و ان اشترط الانتفاع بالمنفعة المحرمة، نعم ذلك يتم في الإجارة،

فإن مرجع ذلك الي إيقاع الإجارة لذلك بحيث لا ينتقل الا المنفعة الخاصة فتفسد لأجل ان المقابل بالمال فيها المنفعة.

و إن أريد به ان الشرط بمنزلة القيد و به تزيد المالية و تنقص كما قيل.

فيرد عليه: ان الشرط لا يقابل بالمال، بل هو التزام في التزام علي ما سيأتي تحقيقه في محله، و لا يترتب علي مخالفته الا الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 192

خبر جابر (1) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر،

قال: حرام اجرته فانه أما مفيد بما إذا استأجره او يدل عليه بالفحوي بناء علي ما سيجي ء من حرمة العقد مع من يعلم انه يصرف المعقود عليه في الحرام، نعم (2) في مصححة بان اذينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته او دابته لمن بحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير، قال: لا بأس.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثامن و هو و إن ورد في الإجارة الا انه يتم في البيع أيضا من جهة اتحاد حكمهما.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده لو كان خبر جابر،

ان ظاهر هذا الخبر «1» هو فساد الإجارة مع اتفاق وقوع فيه بلا شرط و التزام، و حيث انه معارض مع النصوص المستفيضة الأخر و لم يفت به أحد فلا بد من طرحه لا حمله علي إرادة معني آخر.

ثمّ علي فرض التنزل و تسليم تعين حمله علي معين آخر لا يبعد دعوي أظهرية إرادة الفساد في صورة العلم بوقوع بيع الخمر فيه، لا اشتراط ذلك و لا كونه داعيا للبيع، و سيجي ء إنه في هذه الصورة وردت نصوص مستفيضة دالة علي صحة المعاملة، و هي تكون معمولا بها، مع انه لو سلم الفساد في تلك الصورة، اولوية الفساد في هذه الصورة، من الفساد في تلك الصورة غير ثابتة.

ثمّ علي فرض التنزل و تسليم تعين حمله علي صورة الاشتراط، يتردد الأمر بين معنيين: أحدهما: كون الإجارة مطلقة مشروطة بهذا الشرط. ثانيهما: إيقاع الإجارة لذلك بحيث لا ينتقل الا المنفعة الخاصة.

و علي الثاني لا ريب في فساد الإجارة: لأن المقابل بالمال فيها المنفعة، و ذلك لا يلازم فساد البيع لذلك الذي يكون المقابل به نفس العين.

(2) و لا يخفي ان جماعة منهم صاحب الجواهر قدس سره بعد تسليمهم دلالة خبر جابر علي المنع، قالوا يعارضه مصحح ابن اذينة المذكور في المتن «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب ما يكتسب به حديث 1 و 2.

(2) الوسائل، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1 و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 193

لكنها محمولة علي ما إذا اتفق الحمل (1) من دون أن يؤخذ ركنا أ) شرطا في العقد بناء علي ان خبر جابر نص فيما نحن فيه، و ظاهر في هذا عكس الصحيحة يطرح (فيطرح) ظاهر كل بنص الآخر

(2) فتأمل، مع انه لو سلم التعارض كفي العمومات المتقدمة (3) و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه بالاخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او صنما مثل مكاتبة ابن اذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، قال: لا.

______________________________

(1) و أجاب عنه المصنف قدس سره بأن المصحح، محمول علي ما إذا اتفق الحمل من دون ان يؤخذ ركنا او شرطا في العقد، بناء علي ان خبر جابر نص فيما نحن فيه و ظاهر في هذا عكس الصحيحة فيطرح ظاهر كل بنص الآخر- ثمّ أمر بالتأمل.

ثمّ قال مع انه لو سلم التعارض كفي العمومات المتقدمة.

و لكن ظاهر قوله ان المصحح محمول علي ما اذا اتفق الحمل كون مورد الاجارة صورة العلم بالحمل فهي أجنبية عن الفرض و عن مورد خبر جابر مع ان موردهما لو كان صورة واحدة يمكن ان يقال بعدم التعارض بينهما، من جهة آن خبر جابر يدل علي الفساد مع العلم ببيع الخمر فيه، الذي هو حرام، و المصحح يدل علي الصحة مع العلم بحل الخمر الذي لا دليل علي حرمته.

(2)) قوله قدس سره فيطرح ظاهر كل … الخ (تقدم الكلام في هذا الجمع في بيع العذرة و عرفت انه ليس جمعا عرفيا، و لعله لذلك أمر قدس سره بالتأمل.

(3) (قوله قدس سره كفي العمومات … الخ) علي فرض التعارض لا بد من لا رجوع الي المرجحات و هي تقتضي تقديم الخبر لأشهرية مضمونه.

مضافا الي ما عرفت من عدم دلالة العمومات المتقدمة علي الفساد.

أضف الي ذلك كله ان العمومات المتقدمة، هي رواية تحف العقول، و رواية الفقه الرضوي) لو كان كتاب رواية لا فتوي فقيه (كما احتملناه و

رواية دعائم الاسلام، و النبوي المشهور المتقدمة كلها في أول الكتاب و عرفت انها ضعيفة الاسناد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 194

و رواية عمرو بن الحريث عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب او الصنم، قال:

لا، و فيه ان حمل تلك الاخبار علي صورة اشتراط البائع المسلم علي المشتري او تواطؤهما علي التزام صرف المبيع في لصنم و الصليب بعيد في الغاية، و الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و بيع الخشب علي ان يعمل صليبا او صنما لا يكاد يخفي (1) فإن بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الاجارة عليها من لا مسلم كثيرا كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات، بخلاف جعل العنب خمرا، و الخشب صليبا فانه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه او خشبه فلا يحمل عليه موارد السؤال.

نعم لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب ممن يعلم انه يعمله صنما لظاهر هذه الاخبار صح الاستدلال بفحواها علي ما نحن فيه (2) لكن ظاهر هذه الاخبار معارض بمثله او بأصرح منه كما سيجي ء ثمّ انه يلحق بما ذكره من بيع العنب و الخشب علي ان يعملا خمرا او صليبا بيع كل ذي منفعة محللة علي ان يصرف في الحرام لان حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل، ثمّ انه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد و بين التواطي عليه خارج العقد و وقوع العقد عليه (3) و لو كان فرق فانما هو في لزوم الشرط و عدمه

______________________________

(1) لم يظهر الفرق فإنه كما ان اشتراط جعل الخشب صنما، بعيد عن المسلم، كذلك اشتراط عدم بيع شي ء

في الدار الا الخمر، كما انهم يقدمون علي المعاوضة مع العلم بأنه لا يبيع غير الخمر كذلك، يقدمون عليها مع العلم بجعل الخشب صنما.

(2) قد مر انه لا أولوية للفساد في صورة الاشتراط، عن الفساد في صورة العلم كي يتمسك بالفحوي.

(3) و قد أورد عليه: بإن معني عدم اعتناء الشارع بالشرط غير المذكور و اعتبار الذكر في الشرط صحة العقد بلا شرط، و مقتضاه وقوع تمام الثمن في مقابل العين، و معه لا يكون أكل المال أكلا بالباطل و بلا عوض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 195

لا فيما هو مناط الحكم هنا، و من ذلك يظهر انه لا يبني فساد هذا العقد علي كون الشرط الفاسد مفسدا بل الاظهر فساده و إن لم نقل بإفساد الشرط الفساد لما عرفت من رجوعه في لا حقيقة الي أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة و قد تقدم الحكم بفساد المعاوضة علي آلات المحرم مع كون موادها أموالا مشتملة علي منافع محللة مع ان الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط (1) و سيجي ء في المسألة الآتية ما يؤيد هذا إن شاء الله تعالي.

______________________________

و فيه: انه كما ان الشارع ألغي الشرط الذي لم يذكر في ضمن العقد، كذلك ألغي الشرط المخالف للكتاب و السنة مثل هذا الشرط، فهذا الشرط علي كل تقدير ساقط في نظر الشارع و بحكم العدم.

و الاظهر هي الصحة في الموردين لما عرفت من عدم كون أكل المال في صورة الاشتراط أيضا أكلا بالباطل، من جهة عدم تقابل المال بالمنافع، ثمّ ان لازم ما ذكره قدس سره.

الحكم بالبطلان حتي فيما كان الداعي، هي المنفعة المحرمة: لعين ما ذكره في الشرط غير المذكور

(1)

أورد عليه السيد الفقيه بأنه قدس سره صرح بعدم كون الهيئة جزء بل هي من قبيل العنوان و كون مثل هذا الجزء أقبل للتفكيك ممنوع بل الامر بالعكس.

و فيه انه قدس سره بعدم كونها جزء عرفا و إلا فهو لا ينكر كونها جزء خارجيا كما تقدم و هذا بخلاف المشروط و الشرط.

و لكن يرد عليه ان لا شرط في باب البيع و غيره من العقود لا يرجع الي أحد العوضين، و لا يوجب تقييده كي يتم ما ذكره، من ان المقيد موجود واحد و لا ينحل الي جزءين خارجيين بل هو التزام في التزام علي ما يأتي تحقيقه في محله فهو أقبل للتفكيك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 196

المسألة الثانية: يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية و كل عين مشتملة علي صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك و قصد اعتبار في البيع علي وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن كالعبد الماهر في القمار او اللهو و السرقة إذا لوحظ فيه هذه الصفة و بذل بإزائها شي ء من الثمن (1) لا ما كان علي وجه الداعي، و يدل عليه ان بذل الشي ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل و التفكيك بين القيد و المقيد بصحة العقد في المقيد

______________________________

حكم بيع الجارية المغنية

(1) ملخص القول في المقام: ان اعتبار الصفة في المبيع ان كان علي وجه الاشتراط لا إشكال في لا صحة سواء كانت الصفة مما لا مالية له، أم كانت لها مالية عرفية شرعية، أم كانت ماليتها ملغاة شرعا: فإنه علي جميع التقادير لا تقابل الصفة بالمال و لا تكون دخيلة في لمبيع، نعم بين الاقسام فرق من جهة لزوم الوفاء بالشرط و عدمه، و هو غير

مربوط بالمقام، كما انه لا كلام فيها لو كان اعتقاد وجودها داعيا علي المعاملة كما هو واضح، و أولي من ذلك بالصحة ما لو لم تلاحظ الصفة أصلا.

و إن كان اعتبارها علي وجه التقييد و العنوان.

فإن كانت لها مالية شرعا فلا اشكال أيضا في الصحة سواء كانت الصفة منافعها ممحضة في المحللة أم كان لها نوعان من المنفعة المحللة و المحرمة.

و أما ان لم يكن لها مالية شرعا، كان لها المالية العرفية أم لم تكن، فبناء علي كون تخلف الوصف فيما أخذ عنوانا للمبيع موجبا لثبوت الخيار دون التبعيض و البطلان، كما لعله المشهور المنصور علي ما سيأتي تنقيحه في محله الملازم ذلك للالتزام بأن المعوض هو الموصوف، و إن الثمن غير مقابل بالوصف، يتعين القول بالصحة و وقوع جميع الثمن في مقابل الموصوف، و أما بناء علي كون تخلفه موجبا للبطلان، كما هو الشأن في العناوين الموجب تخلفها تغاير الموصوف للموجود ذاتا، فإن كان الوجه للبطلان ان ما تعلق الانشاء به و هو العين المتصفة بهذا الوصف غير موجود، و ما هو موجود لم يتعلق به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 197

______________________________

الانشاء او ان الوصف دخيل في الرضا، فمع تخلفه لا يكون الرضا الفعلي موجودا، يكون

الحكم في المقام هي الصحة بتمام الثمن، إذا علي كل تقدير يكون المفروض كون المبيع هو ذات الموصوف، و ان أوجب الوصف زيادة مالية الموصوف، إلا ان المعوض هو المال لا المالية، و ان كان الوجه للبطلان وقوع شي ء من الثمن بإزاء القيد يتعين القول بالفساد في لمقام، لان جزء من الثمن وقع في مقابل ما لا مالية له شرعا، إلا ان لازم هذا الوجه هو التبعيض في الفساد، إذ

لازمه كون كل من الموصوف و الوصف جزء من المبيع و ملحوظا مستقلا.

فتحصل: انه علي جميع التقادير لا وجه للبطلان رأسا هذا ما تقتضيه القواعد.

و أما النصوص «1» الخاصة الواردة في الجارية في الجارية المغنية الناهية عن بيعها، فالذي يخطر بالبال انها لم يعمل بها المشهور، و معارضة مع النصوص الاخر، و ذلك يظهر بعد بيان أمرين: الاول ان صفة غناء الجارية لها منفعتان محللة و محرمة بناء علي ما هو المعروف من أن كسب المغنيات التي تدعي الي الاعراس ليس به بأس كما نطقت النصوص به.

الثاني: ان بعض نصوص الباب صريح في جواز بيع المغنية و شرائها إذا كان يطلب بها الرزق لا سوي ذلك، و معلوم ان التاجر الذي يشتري المغنيات و يبيعهن انما يوقع المعاملة عليهم بما هن مغنيات لا سيما في فرض البيع، و علي ذلك فبعد تقييد تلك النصوص بهذا النص تختص تلك النصوص بما اذا بيعت المغنية بداعي سماعا لغناء و الانتفاع بها في الحرام، و في هذا الفرض بالخصوص و لم يفت أحد بالفساد لا سيما بعد ملاحظة عدم كون صفة الغناء مما لم منفعة محرمة خاصة.

بل يمكن ان يقال: إن هذا النص معارض مع تلك النصوص: لتضمنه جواز بيع التاجر المغنية و إن كان المشتري يشتريها بداعي الانتفاع بغنائها علي وجه محرم و البائع كان عالما بذلك، و الجمع العرفي يقتضي حمل تلك النصوص علي الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 16، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 198

و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا (1) لان القيد أمر معنوي لا يوزع عليه شي ء من المال و إن كان يبذل المال بملاحظة وجوده

و غير واقع شرعا علي ما اشتهر من ان الثمن لا يوزع علي الشروط فتعين بطلان العقد رأسا، و قد ورد النص بأن ثمن الجارية المغنية سحت و انه قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها الا كثمن الكلب، نعم لو لم يلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن فلا اشكال في الصحة و لو لوحظ من حيث انه صفة كما قد يصرف الي المحلل فيزيد لاجلها الثمن فإن كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا اشكال في لجواز و ان كانت نادرة بالنسبة الي المنعة المحرمة ففي لحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال الا لما اشتمل علي منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الي المحرمة و عدمه لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة وجهان: أقواهما الثاني، إذ لا يعد أكلا للمال بالباطل (2) و النص بأن ثمن المغنية سحت مبني علي الغالب.

______________________________

(1) و فيه انه بناء علي مقابلة القيد بالمال لا مانع من التفكيك، و عدم وقوعه شرعا و عدم معروفيته عرفا انما يكونان من جهة عدم بذل شي ء من الثمن بإزائه، و لازمه صحة البيع في لا مقيد بتمام الثمن، و كون القيد لغوا، و بذل الثمن بإزاء المقيد بداعي وجود القيد ليس أكلا للمال بالباطل كما تقدم.

(2) انه لو كانت الصفة ملحوظة مستقلة في لا بيع، و جعل بإزائها الثمن، يعتبر في عدم كون أكل المال في مقابلها أكلا بالباطل ما يعتبر في العين من اعتبار اشتمالها علي منفعة غير نادرة، أي منفعة لا يعتد بها عرفا لخستها لا لمزاحمتها مع ما هو أهم منها كما هو ظاهر المصنف علي ما عرفت،

و إن لم تلاحظ مستقلة، بل كانت موجبة لبذل المال لاجل وجودها، فلا وجه لإلحاقها بالعين كما لا يخفي، و أما النص بأن ثمن المغنية سحت فقد عرفت ما فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 199

المسألة الثالثة: يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله، و كذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا لان فيه إعانة علي الاثم و العدوان، و لا إشكال و لا خلاف في ذلك. أما لو لم يقصد ذلك، فالاكثر علي عدم التحريم. (1)

______________________________

بيع العنب ممن يجعله خمرا

(1) اختلفت كلمات القوم في لا مقام فعن جماعة الجواز عن آخرين المنع، و الشيخ الاعظم قدس سره فصل بين ما لم يقصد منه الحرام، فحكم بالجواز، و بين ما يقصد منه الحرام.

فحكم بالحرمة لكونه إعانة علي الاثم التي تكون محرمة بلا خلاف و لا اشكال لكن: يرد علي هذا التفصيل.

أولا: انه لا بد من تقييد ذلك بما إذا قصد المعان فعل الحرام، لانه قدس سره يصرح فيما بعد

باعتبار ذلك.

و ثانيا،: ان جماعة صرحوا باعتبار ترتب المعان عليه في صدق الاعانة فلا بد من التقييد بذلك، اللهم إلا أن يكون ذلك إشارة الي اصل الحكم او الي العلة بلحاظ محرم آخر و عليه فيرتفع الاشكال الثاني: لانه في صورة عدم ترتب فعل الحرام، و ان كان لا تصدق الاعانة بلحاظ، إلا انها تصدق كونه اعانة علي اشتغال المشتري بمقدمات الحرام بقصد ترتب الحرام و هو بنفسه معصية.

و كيف كان: فتنقيح القول في هذه الصورة أيضا سيأتي عند التعرض لأدلة الصورة الآتية.

و تنقيح القول في لا مقام يقتضي لبحث في موضعين:

الاول: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

الثاني: فيما تقتضيه القواعد العامة.

أما الموضع الاول: فالكلام فيه تارة يقع في

الحكم الوضعي.

و أخري في الحكم التكليفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 200

للاخبار المستفيضة (1) منها خبر ابن اذينة قال: كتبت الي أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم يبيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا أو مسكرا، فقال: انما باعه حلالا في الابان الذي يحل شربه او أكله فلا بأس ببيعه.

و رواية أبي كهمس، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام- الي ان قال- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا الي غير ذلك مما هو دونهما في الظهور

______________________________

أما من حيث الحكم الوضعي فقد استدل لعدم جواز المعاوضة في صورة العلم بصرف المبيع في المحرم بخبر جابر- او صابر- المتقدم في الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر قال عليه السلام حرام أجره «1».

و قد مر في لمسألة السابقة ما في هذا الخبر من يحث السند و الدلالة، و المعاوضة مع النصوص الاخر، و تقدم انه لا يصح الاستدلال به بوجه.

و أما من حيث الحكم التكليفي، فمجمل القول فيه: ان جميع النصوص الواردة في المقام، او المتوهم ورودها في لباب علي طوائف:

(1) الاولي: ما تضمن جواز بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا كحسن ابن اذينة «2» و خبر أبي كهمس «3» المذكورين في المتن.

و صحيح الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله خمرا فقال عليه السلام: لا بأس به يبيعه حلالا فيجعله حراما أبعده الله و استحقه «4».

و صحيح رفاعة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره.

فقال عليه السلام: حلال ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا «5» و نحوها غيرها.

الثانية: ما توهم دلالتها علي المنع

عن بيع العنب ممن يعمله خمرا و هو خبر جابر- او صابر- المتقدم في المسألة المتقدمة، بدعوي إرادة العلم ببيع الخمر من قوله فيباع فيه الخمر فإنه حينئذ بضميمة عدم الفرق بين الاجارة و البيع يدل علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: باب 39، من أبواب ما يكتسب به حديث 1.

(2) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 5.

(3) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 6.

(4) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.

(5) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 201

و قد يعارض تلك بمكاتبة ابن أبي اذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، قال: لا و رواية عمر بن حريث عن التوز) التوت (ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم، قال: لا (1) و قد يجمع بينهما و بين الاخبار المجوزة بحمل المانعة علي صورة

______________________________

الثالثة: ما استفيد منها كراهية بيع العنب ممن يخمره و هو صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا قال عليه السلام: بيعه ممن يطبخه او يصنع خلا أحب إلي و لا أري بالاول بأسا «1».

الرابعة: ما تدل علي المنع عن بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او يصنعه صنما، فإنه يدل علي الحكم في المقام بالغاء الخصوصية: كحسن بن اذينة قال: كتبت الي أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال عليه السلام: لا «2».

و صحيح ابن حريث عن الامام الصادق عليه السلام عن التوت ابيعه يصنع به الصليب و الصنم قال عليه السلام: لا «3».

(1) الخامسة: ما توهم دلالتها علي جواز بيع الخشب أيضا:

كحسن ابن اذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال عليه السلام: لا بأس به «4» هذه هي جميع نصوص الباب.

و قد قيل في الجمع بينها وجوده، امتنها: حمل النصوص المانعة علي بيع الخشب ممن يعمله صليبا او صنما، كما هو موردها، بأن لا يتعدي عن موردها، و حمل المجوزة علي غيره.

و أورد عليه تارة، بكونه خرقا للاجماع المركب.

و أخري: بأن خبر جابر دال علي المنع في بيع العنب أيضا.

و ثالثة: بأنه قام الدليل علي اتحاد مناط الحكم و هو قوله عليه السلام في خبر الحارثي: بعته

______________________________

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(2) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(4) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 202

______________________________

حلالا فجعله حراما فأبعده الله «1»، و نحوه ما في خبر أبي كهمس «2» و رواية رفاعة «3».

و رابعة: بأن الطائفة الخامسة تأبي عن ذلك لدلالتها علي جواز بيع الخشب.

و في الجميع نظر:

أما الاول: فلان مثل هذا الاجماع المركب خرقة لا مانع عنه، إذ في المسألة طوائف من الاخبار، فقد استندوا في فتاويهم إلي هذه النصوص، و كل واحد جمع بما رآه جمعا عرفيا، و عليه فلا يضر مخالفة الجميع.

مع ان صاحبي الوسائل و المستدرك قائلان بالفصل.

و أما الثاني: فلانه لو سلم استفادة الكبري الكلية من تلك النصوص إلا انه لا مانع من تخصيصها بما ورد في لخشب يباع ممن يجعله صنما او صليبا.

و أما الرابع: فلان حسن ابن اذينة وارد في بيع الخشب ممن يجعله برابط، و هو غير جعله صنما

او صليبا، بل هو بنفسه دليل الفصل، فإنه يفصل بين الاصنام و البرابط.

و الانصاف ان هذا الجمع متين غايته.

و يساعده الاعتبار لما علم من الشرع من الاهتمام بالتجنب عن الشرك بأي نحو أمكن.

قال الله تعالي:) إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك) «4».

و بما ذكرناه ظهر ان ما ذكره بعض الاعاظم من: ان النصوص متعارضة، لا يمكن الجمع بينها بوجه، فلا بد من الرجوع الي المرجحات في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

(2) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(3) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(4) سورة النساء، آية 49.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 203

اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما أو تواطؤهما عليه. (1) و فيه ان هذا في الغاية البعد (2) إذ لا داعي للمسلم علي اشتراط صناعه الخشب صنما في متن بيعه أو في خارجة، ثمّ يجئ و يسأل الامام عليه السلام عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته و هل يحتمل أن يريد الراوي بقوله: أبيع التوت) التوز (ممن يصنع الصنم و الصليب أبيعه مشترطا و ملزما في متن العقد أو قبله أن لا يتصرف فيه إلا بجعله صنما، فالاولي حمل الاخبار المانعة علي الكراهة (3) لشهادة.

غير واحد من الأخبار علي الكراهة كما أفتي به جماعة.

______________________________

(1) و قد يجمع بينها بحمل النصوص المانعة علي صورة الاشتراط، او التواطي.

عليه قبل البيع.

(2) و فيه: مضافا الي ما ذكره المصنف قدس سره من انه في غاية البعد، انه جمع تبرعي لا شاهد له، و مجرد كون فرد متيقن الارادة لا يجعلهما من النص او الظاهر لا

سيما مع احتياج الجمع الي التصرف في كلا المتعارضين.

و منه يظهر ضعف ما قيل من حمل الاخبار المانعة علي صورة القصد الي ترتب الحرام، و المجوزة علي صورة العلم خاصة.

و في تعليقة السيد الفقيه الجمع بنحو آخر، و هو حمل الاخبار المانعة علي صورة العلم بصرف المبيع في لمحرم، و حمل الاخبار المجوزة علي صورة العلم بكون المشتري شغله ذلك و إن لم يكن جعله هذا العنب الخاص خمرا معلوما.

و فيه: ان ذلك لو تمّ في بعض نصوص الجواز، لا يتم في جميعها، لاحظ قوله عليه السلام في صحيح رفاعة ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا فإن الظاهر رجوع الضمير الي المبيع الخاص.

(3) المنسوب الي المشهور كما في لا جواهر، الجمع بين النصوص بحمل الاخبار المانعة علي الكراهة و استشهد له المصنف بقوله عليه السلام في خبر الحلبي كما في المتن و رفاعة كما في ساير النسخ بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 204

و يشهد له رواية الحلبي عن بيع العصير ممن يصنعه خمار، قال بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي و لا أري به بأسا و غيرها، أو التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا أو صنما لظاهر تلك الاخبار و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها علي الاخبار المجوزة، و هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل و كيف كان.

فقد يستدل علي حرمة البيع ممن يعمل انه يصرف المبيع في لاحرام بعموم النهي علي التعاون علي الاثم و العدوان (1) و قد يستشكل

______________________________

و فيه: انه يوهن هذا الجمع قوله عليه السلام في خبر أبي كهمس- هو ذا نحن نبيع تمرنا

ممن نعلم انه يصنعه خمرا و قوله عليه السلام في خبر رفاعة هو حلال ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا لا سيما و ان ظاهر هما تكرار البيع المذكور كما لا يخفي و عليه فيتعين حمل الاحبية في خبر رفاعة علي الاحبية بحسب الاخلاق.

الاعانة علي الاثم

هذا كله بحسب الروايات.

و أما من حيث القواعد فقد استدل علي حرمة البيع ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بوجوه:

(1) الاول: بعموم النهي عن التعاون علي الاثم و العدوان كما في المتن.

يقع الكلام أولا: في حكم الاعانة علي الاثم.

ثمّ في تحقيق مفهوم الاعانة.

أما الاول: فلا يبعد القول بعدم حرمة الاعانة علي الاثم بما هي اعانة عليه.

لا لما قيل من ان الآية الشريفة «1». أريد بها الحكم التنزيهي بقرية المقابلة بالامر

______________________________

(1) سورة المائدة، آية 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 205

______________________________

بالاعانة علي البر و التقوي الذي ليس للالزام قطعا.

فإنه يمكن أن يدفع بأن الالتزام بجواز ما نهي عنه الشارع عند العقل، يتوقف علي ورود ترخيص من الشارع في لفعل، فمع عدمه يحكم العقل بلزوم المتابعة، و مجرد المقابلة بأمر غير الزامي لا يصلح قرينة علي ذلك كما لا يخفي.

بل لان المنهي عنه هو التعاون لا الا عانة، و هو من باب التفاعل، و هو عبارة عن اجتماع عدة من الاشخاص لإيجاد أمر و يكون ذلك صادرا عن جميعهم، كان يجتمعوا علي قتل نفس محترمة بأن يقتلوها جمعيا.

و أما الاعانة التي هي من باب الافعال فهي عبارة عن إيجاد مقدمات فعل الغير مع استقلال ذلك الغير في صدور الحرام و الاثم منه، فحرمة التعاون التي هي مدلول الآية الشريفة لا تستلزم حرمة الاعانة علي الاثم.

و الاستدلال لحرمتها بالاجماع، فاسد لعدم حجية المنقول

منه، مع انه يحتمل استناد المجمعين الي سائر الوجوه المذكور في المقام من الآية الشريفة، و أدلة النهي عن المنكر التي ستعرف تقريب الاستدلال بها و الجواب عنه.

فالاظهر عدم حرمة الاعانة علي الاثم لعدم الدليل عليها، و الاصل عدمها إلا ما خرج بالدليل كإعانة الظالمين و اعانة أعوانهم التين لا شبهة في حرمتها علي ما سيأتي مفصلا في البحث عن معونة الظالمين.

ثمّ بعد الغض عن ذلك كله يمكن ان يقال كما في الحدائق: بأن النصوص الواردة في بيع.

العنب تدل علي جواز الاعانة في المقام بعد الغاء الخصوصية، فالجمع بينها و بين أدلة حرمة الاعانة علي الاثم، يقتضي الالتزام بعدم الحرمة في المقام و أمثاله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 206

______________________________

و ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من أنه علي فرض تحقق موضوع العانة، لا إشكال في

حرمتها و لا يمكن تخصيص دليلها لان هذه من العناوين غير القابلة للتخصيص فإنها كنفس المعصية.

غير تام، لان الاعانة علي الاثم من العناوين التي لو لم يدل دليل علي حرمتها لما استقل العقل بلزوم تركها، بل كان مقتضي القاعدة جوازها و عليه فكما للشارع ان يحرمها بإطلاقها، له تحريم حصة خاصة منها.

و علي فرض حرمتها و انطباقها علي البيع في لمقام، لا تكون المعاملة فاسدة، بناء علي ما حققناه في محله من أن النهي لنفسي عن المعاملة و إن تعلق بالاعتبار الذي يعبر عنه بالمسبب لا يدل علي الفساد.

مع أنك قد عرفت عدم صدقها علي البيع، فلو صدقت فإنما تصدق علي إقباض المبيع، و أما الاعتبار النفساني، و إبرازه فليس شي ء منهما مصداقا للاعانة قطعا.

فتحصل: ان الاستدلال بعموم النهي عن التعاون علي الاثم في المقام غير صحيح من وجوه.

حقيقة الاعانة و مفهومها

المقام الثاني:

في بيان حقيقة الاعانة.

و قد اختلفت كلماتهم في ذلك غاية الاختلاف، مع ان مفهومها من المفاهيم العرفية،

و ستعرف الاقوال عند بيان الحق في المقام.

و كيف كان، فمحصل ما قيل في اعتباره في صدق هذا المفهوم أمور:

منها القصد الي وقوع الفعل من المعان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 207

في صدق الاعانة بل يمن حيث لم يقع القصد الي وقوع الفعل من المعان بناء علي ان الاعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا (1) و أول من أشار الي هذا المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذا المسألة حيث انه بعد حكاية القول بالمنع مستندا الي الاخبار المانعة، قال: و يؤيده قوله تعالي:) و لا تعاونوا علي الاثم (و يشكل بلزوم عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة التوصل به الي به محرم، لو تم هذا الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس.

و الجواب عن الآية المنع من كون محل النزاع معاونة مع ان الاصل الاباحة، و انما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك انتهي، و وافقه في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة جماعة من متأخري المتأخرين كصاحب الكفاية و غيره.

______________________________

أما اعتبار القصد بمعني الاختيار و الارادة، الملازم للعلم معتبر قطعا، إذ مع عدم العلم بوقوع الحرام من الغير لا يحرم فعل المعني لعدم صدق الاعانة بلا قصد كما لعله الظاهر، او لعدم تنجز حرمته علي فرض صدق الاعانة إذا ترتب عليه المعان لفرض الجهل به، فعلي كل تقدير لا يحرم الفعل او لا تتنجز حرمته مع عدم العلم، و عليه فلا تترتب ثمرة علي النزاع في اعتبار القصد بهذا المعني و عدمه في صدق الاعانة.

(1) و أما القصد بمعني الداعي و الغرض من الفعل، فهو

الذي وقع الخلاف في اعتباره و قد اعتبره مطلقا جماعة منهم المحقق الثاني، و اختار جماعة آخرون عدم اعتبار كذلك، و نسب ذلك الي الاكثر.

و المصنف قدس سره تبعا، للمحقق الاردبيلي فصل بين الموارد، باعتبار في بعض الموارد و هو ما إذا لم تصدق الاعانة عرفا بدونه، كما إذا لم تنحصر فائدة مقدمة الحرام التي قصد الفاعل بفعلها الوصول إليها في المشروط المحرم، كبيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا، و عدم اعتباره في لا مورد الآخر و هو ما إذا صدق ذلك عرفا مع عدم القصد كما إذا انحصرت فائدتها في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 208

______________________________

و قد استدل لاعتباره مطلقا: بأنه لو لا ذلك لزم عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة

التوصل به الي محرم، فيمنع معاملة أكثر الناس.

و لعدم اعتباره كذلك بإطلاق علي أفعال مع عدم اقترانها بهذا القصد في جملة من النصوص: كالنبوي المروي عن الكافي عن مولانا الصادق عليه السلام: من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه «1».

و العلوي الوارد في الطين المروي عن الكافي عنه عليه السلام: فإن أكلته و مت كنت قد اعنت علي نفسك «2»، و نحوهما ما ورد في أعوان الظلمة «3».

و فيهما نظر: إما الاول: فلانه إن أريد به النقض ببيع المأكولات و المشروبات مع العلم بأنه تحصل بها القوة علي ارتكاب المعاصي، فيرد عليه: أنه لا تصدق الاعانة في أمثال هذه الموارد لجهة اخري سيأتي التعرض لها بعد ذلك، و إن أريد به النقض بموارد بيع ما اقترن بالقصد تصدق الاعانة علي الاثم عليه، و لا مانع من صدقها من الجهات

الاخر.

فيرد عليه: انه لا مانع من الالتزام بفساد المعاملة في هذه الموارد.

و أما الثاني: فلان نصون الطين اطلقت الاعانة فيها علي أكل الطين، مجازا أو بالعناية لوجوه:

الاول: ان موردها من قبيل ارتكاب الحرام نفسه، و الاعانة انما تصدق بالنسبة الي فعل الغير كما سيجي ء.

الثاني: ان أكل الطين بنفسه موجب للقتل لا انه اعانة علي ما يوجب القتل.

الثالث: ان في موردها لا يعلم بترتب الحرام علي فعل الفاعل كما هو ظاهرها، و قد تقدم اعتبارها ذلك في صدقها، مع ان استعمالها أعلم من الحقيقة، و أصالة الحقيقة انما يرجع اليها لتشخيص المراد بعد معلومية الموضوع له، لا لتشخيص الموضع له بعد معلومية المراد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 58 من أبواب الطعمة المحرمة.

(2) الوسائل، باب 58 من أبواب الطعمة المحرمة.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 209

______________________________

و به يظهر ما في نصوص أعوان الظلمة، مع انه سيجي ء ان المحرم انما هو عون الظالم

مطلقا حتي في المباحات لا عونه في فعل الحرام.

فتحصل: انه دليل علي اعتباره مطلقا، و لا علي عدمه كذلك.

و المصنف قدس سره لما رأي صدقها في بعض الموارد مع عدم القصد، مثل إعطاء السيف لمن يريد قتل المظلوم و عدم صدقها في بعض موارد اخر مع عدم القصد التجأ الي الالتزام باعتبار القصد، الا في ما إذا انحصرت فائدة الشرط المعان عليه في لا مشروط المحرم.

و لكن الظاهر عدم اعتبار القصد في صدقها كما يظهر من لا رجوع الي موارد صدقها بدون القصد بعد عدم كونها من المشترك اللفظي، و عدم تصوير جامع بين الفعل مع القصد في بعض الموارد، و بدونه في آخر.

و أولي من ذلك في عدم الاعتبار قصد

الغير حينما يعان علي الشرط لفعل المشروط المحرم، كما عن ظاهر المصنف قد سره حيث التزم بأنه تصدق الاعانة علي الاثم إذا اعانه علي شرط الحرام مع العلم بصرفه في لاحرام و كان غرض المعين ذلك، ما لم يقصد الغير لفعل الحرام، فإنه لا دليل عليه شرعا، و لا عرفا اللهم إلا ان يقال ان مراد المصنف من ما ظاهره ذلك غيره، و سيأتي الكلام في بيان مراده فانتظر.

و الظاهر عدم صدق الاعانة علي كل فعل يتوقف عليه صدور الحرام من الغير، بل الظاهر اختصاصهما بما يكون من المقدمات الفاعلية لفعله، و بعبارة أخري: ما يقع في سلسلة علل فعل فاعل الاثم، و لا تصدق علي إيجاد نفس الفاعل، او حفظ حياته، و لا تهيئة موضوع الفعل.

و بذلك يظهر وجه عدم حرمة توليد الفاسق لمن يعلم ان في نسله من يرتكب الذنب، و عدم حرمة بيع المأكولات و المشروبات مع العلم بأنه يحصل للمشتري قوة علي المعصية، و عدم حرمة تجارة التاجر مع العلم بأنه يأخذ العاشر منه العشور، و عدم حرمة سفر الحاج الذي يعلم انه يؤخذ منه المال ظلما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 210

هذا و ربما زاد بعض المعاصرين علي اعتبار القصد وقوع المعان عليه في تحقق مفهوم الاعانة في الخارج (1) و تخيل انه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم من جهة صدق الاعانة بل من جهة قصدها بناء علي ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه، و انه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد الي المحرم، و من جهة الاعانة و فيه تأمل.

______________________________

كما انه ظهر الفرق بين هذه الامثلة

و بين إعطاء العصا لمن يريد ضرب المظلوم و تسليط المار علي العنب و ما شابههما.

كما انه ظهر انه لا بد من الالتزام بحرمة نقل التاجر أمواله الي الكمرك الذي عينه الظالم لأخذ العشور فيه، فإن ذلك ليس كأصل التجارة من محققات موضوع الظلم، بل من مقدمات الظلم، و الفرق بينهما كالفرق بين تسليط الخمار علي العنب و إيجاد العنب.

و بالجملة: بعد التدبر فيما ذكرناه لا أظن أن يبقي مورد لا يحرز صدق الاعانة أو عدمه حتي نحتاج الي الإحالية علي العرف، ثمّ ان هذا كله في المعين.

و أما في المعان فيعتبر أمران:

الاول: بقاء الاختيار في المعان بأن لا يكون فعل المعين علة تامة لصدور الفعل منه،

إذ حينئذ لا يكون صدور الفعل من المعان معصية و إثما، فلا يكون فعل المعين إعانة علي الاثم، نعم اذا كان المحرم هو ذلك الفعل الذي هو اسم المصدر و لم يلاحظ في تحققه حيث الانتساب أو كان عنوان الحرام هو العنوان الاعم الصادق علي السبب و المباشر حرم فعل المعين لكن لا من باب حرمة الاعانة علي الاثم بل من جهة اخري غير مربوطة بالمقام.

الثاني: تحقق الفعل المعان عليه منه، و هو الذي ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1)" و ربما زاد بعض الاساطين علي اعتبار القصد اعتبار وقوع المعان عليه في تحقق مفهوم الاعانة في لخارج"، إذ مع عدم تحققه لا يكون فعل المعين اعانة علي الاثم، بل كاني تخيل كونه كذلك، نعم كان فعله تجربيا و يعاقب عليه من هذه الجهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 211

فإنه حقيقة الاعانة علي الشي ء هو الفعل بقصد حصول الشي ء سواء حصل أم لا، و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن

الغير بقصد التوصل اليه فهو داخل في الاعانة علي الاثم، و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب (1) و ما أبعده ما بين ما ذكره المعاصر و بين ما يظهر من الاكثر من عدم اعتبار القصد، فعن المبسوط الاستدلال علي وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله صلي الله عليه و آله: من أعان علي قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله (2) و قد استدل في التذكرة علي حرمة بيع السلاح من اعداء الدين بأن فيه اعانة علي الظلم (3) و استدل المحقق الثاني علي حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بأن فيه اعانة علي الاثم.

______________________________

و لنعم ما أفاده بعض مشايخنا المحققين قدس سره حيث قال: و يمكن استشعار ذلك من قوله:

من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه و في آخر فإن اكلته و مت فقد اعنت علي نفسك و المصنف قدس سره لم يذكر وجها لما اختاره من عدم اعتبار ذلك، سوي تكرار مدعاه و هو كما تري.

(1) نعم ما ذكره من أنه لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب، متين، إذ مع ترتب الحرام لا يكون فعل المعين تجرؤا بل معصية حقيقة، فليس عليه غير عقاب واحد.

(2) الظاهر ان استدلال شيخ الطائفة بقوله صلي الله عليه و آله «1» لوجوب بذل الطعام لخائف التلف، انما يكون بالفحوي و الاولوية كما يصرح بذلك المصنف قد سره فيما سيأتي و كيفية الاستدلال به حينئذ: انه اذا كان المعين علي قتل مسلم يكتب بين عينيه انه آيس من رحمة الله فالقاتل نفسه بترك بذل الطعام الموجب لتلفه اولي بأن يكون كذلك، و علي ذلك فيتم الاستدلال

لا انه اجنبي عن المقام بالمرة، فإنه علي هذا لا يدعي كون ترك البذل اعانة علي الاثم كما لا يخفي.

(3) سيأتي ان حرمة بيع السلاح لأعداء الدين ليست من باب الاعانة علي الاثم بل لاجل نصوص خاصة فانتظر.

______________________________

(1) عوالي اللآلي. 2، ص 333.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 212

و قد استدل المحقق الاردبيلي قدس سره علي ما حكي عنه من القول بالحرمة في مسألتنا بأن فيه اعانة علي الاثم، و قد قرره علي ذلك في الحدائق فقال: انه جيد في حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز و في الرياض، بعد ذكر الاخبار السابقة الدالة علي الجواز، قال: و هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا لكن في مقابلتها للاصول و النصوص المعتضدة بالعقول إشكال انتهي. (1) و الظاهر ان مراده بالاصول قاعة حرمة الاعانة علي الاثم، و من العقول حكم العقل بوجوب التوصل الي دفع المنكر مهما أمكن و يؤيد ما ذكره من صدق الاعانة بدون القصد إطلاقها في غير واحد من الاخبار (2) ففي النبوي المروي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه، و في العلوي الوارد في الطين المروي «1» أيضا في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أكلته و مت فقد اعنت علي نفسك «2» و يدل عليه غير واحد مما ورد في أعوان الظلمة و سيأتي.

و حكي انه سأل بعض الاكابر، و قيل له: اني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك في أعوان الظلمة، فقال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط، و أما أنت فمن الظلمة.

______________________________

(1) الظاهر ان

مراده بها ما ذكره المصنف قدس سره أي قاعدة حرمة الاعانة علي الاثم.

و الوجه في عدم العمل بالنصوص الخاصة في مقابلها لعله هو ما ذكره العامة النائيني قدس سره الذي تقدم في المقام الاول مع الجواب عنه.

و أما ما احتمله بعض الاعاظم من ان يكون مراده بها أصالة الفساد.

فهو بعيد غايته إذ عدم العمل بالنص الخاص في مقابل الاصل العملي غير معهود من الفقهاء.

(2) قد تقدم عند الاستدلال علي عدم اعتبار القصد الغائي، كيفية الاستدلال بهذه النصوص و الجواب عنه فراجع.

______________________________

(1) الوسائل باب 58 من أبواب الاطعمة و الاشربة، حديث 6.

(2) الوسائل باب 58 من أبواب الاطعمة و الاشربة، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 213

و قال المحقق الاردبيلي قدس سره في آيات أحكامه في الكلام علي الآية، الظاهر ان المراد الاعانة علي المعاصي مع القصد او علي الوجه الذي يصدق انها اعانة مثل ان يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها او يطلب القلب لكتابة ظلم فيعطيه اياه و نحو ذلك مما معونة عرفا، فلا تصدق علي التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه انه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور و لا علي الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما و غير ذلك، مما لا يحصي فلا يعلم صدقها علي بيع العنب ممن يعمله خمرا او الخشب ممن يعمله صنما، و لذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه و عليه الاكثر و نحو ذلك مما لا يخفي، انتهي كلامه، و رفع مقامه.

و لقد دقق النظر (1) حيث لم يعلق صدق الاعانة علي القصد، و لا أطلق القول بصدقه بدونه بل علقه بالقصد او بالصدق العرفي و إن لم يكن قصد لكن أقول:

لا شك في انه

إذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير الي مقصده و لا إلي مقدمة من مقدماته، بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمي اعانة كما في تجارة التاجر بالنسبة الي أخذ العشور و مسير الحاج بالنسبة الي أخذ المال ظلما، و كذلك لا إشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله و دعاه اليه وصول الغير الي مطلبه الخاص، فانه يقال: انه اعانة علي ذلك المطلب فإن كان عدوانا مع علم المعين به صدق الاعانة علي العدوان، و انما الاشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير الي مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها مع العلم بصرف الغير اياها الي المعصية، كما إذا باعه العنب فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به فهي اعانة له بالنسبة الي أصل تملك العنب، و لذا لو فرض ورود النهي من معاونة هذا المشتري الخاص في جميع اموره او في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا.

______________________________

(1) قد مر ان صدق الاعانة علي العمل بلا قصد في بعض الموارد عرفا آية عدم اعتباره في صدقها مطلقا فراجع، و تقدم أيضا ان عدم صدقها في بعض موارد أخر كتجارة التاجر بالنسبة الي أخذ العشور، ليس لاجل عدم القصد، بل لفقد شي ء آخر مما يعتبر في صدقها وجوده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 214

فمسألة بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا نظير إعطاء السيف او العصا لمن يريد قتلا او ضربا حيث ان الغرض من الاعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه، كما ان الغرض من بيع العنب تملكه له فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة الي اصل تملك الشخص و استقراره في يده إعانة إلا ان

الاشكال في ان العلم بصرف ما حصل باعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الاعانة علي الحرام أم لا، فحاصل محل الكلام هو ان الاعانة علي شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي اعانة علي الحرام أم لا، فظهر الفرق بين بيع العنب و بين تجارة التاجر و مسير الحاج (1) و ان الفرق بين إعطاء السوط للظالم و بين بيع العنب لا وجه له، و ان اعطاء السوط إذا كان اعانة كما اعترف به فيما تقدم من) آيات الاحكام (كان بيع العنب كذلك كما اعرف به في شرح الارشاد فإذا بنينا علي ان شرط الحرام حرام مع فعله توصلا الي الحرام (2) كما جزم به بعض، دخل ما نحن فيه في الاعانة علي المحرم فيكون بيعا لعنب اعانة علي تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به الي التخمير، و إن لم يكن اعانة علي نفس التخمير او علي شرب الخمر.

و ان شئت قلت: ان شراء العنب للتخمير حرام كغرس العنب لاجل ذلك،

فالبائع انما يعين علي الشراء المحرم، نعم لو لم يعلم ان الشراء لاجل التخمير لم يحرم،

و ان علم انه سيخمر العنب بإرادة جدية منه، و كذا الكلام في بائع الطعام علي من يرتكب المعاصي فانه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك علي المعصية حرم البيع منه.

______________________________

(1) قد عرفت ان الفرق بينهم، ليس في ان التاجر لا يقصد بتجارته وصول العاشر الي أخذ العشور، و لا إلي مقدمة من مقدماته بخلاف بايع العنب، و لا ان بيع العنب اعانة علي شرط الحرام المحرم بخلاف تجارة التاجر، بل ان تجارة التاجر من قبيل تهيئة الموضوع و بيع

العنب من قبيل ايجاد مقدمة من مقدمات الفعل.

(2) ظاهر المصنف و المحقق النائيني، التسالم علي حرمة مقدمة الحرام إذا أتي بها توصلا الي الحرام، و انما الكلام في ان منشأ هذا الحكم هل هو التجري، او الملازمة بين حرمة الشي ء و حرمة مقدمته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 215

و أما العلم بأنه يحصل من هذا الطعام قوة علي المعصية يتوصل بها اليها فلا يوجب التحريم هذا، و لكن الحكم بحرمة الاتيان بشرط الحرام توصلا اليه قد يمنع الي من حيث صدق التجري، و البيع ليس اعانة عليه و ان كان اعانة علي الشراء الا انه في نفسه ليس تجريا (1) فإن التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد و توهم ان الفعل مقدمة له فيحرم الاعانة (2) مدفوع بأنه لم يوجد قصد الي التجري حتي يحرم و الا لزم التسلسل فافهم. (3) نعم لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل الاعانة عليه في الاعانة علي الاثم، كما انه لو استدللنا بفحوي ما دل علي لعن الغارس علي حرمة التملك للتخمير حرم الاعانة عليه أيضا بالبيع، فتحصل مما ذكرناه ان قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين، و ان محل الكلام هي الاعانة علي شرط الحرام بقصد تحقق الشرط دون المشروط، و انها هل تعد اعانة علي المشروط فتحرم أم لا؟

______________________________

و لكن الاظهر كما حققاه في الاصول عدم الحرمة، و ان قصد المعصية مع عدم

التلبس بها، او بما يعتقد كونه حراما لا يكون حراما و ان اشتغل بالمقدمات.

(1) قد مر ان التجري الذي يعاقب عليه هو التجري بإتيان ما يعتقد كونه حراما و الاشتغال بمقدمات الحرام و لو بقصد التوصل الي الحرام

لا يعاقب عليه و لا يكون محرما،

ثمّ مع الاغماض عن ذلك و تسليم كونه محرما من باب التجري بما ان الفعل حينئذ حرام بذاته لكونه جزء من المحرم و البيع الخارجي علي الفرض اعانة عليه فهو اعانة علي الاثم

(2) محصله بعد اصلاحه بأن المراد من كون الفعل مقدمة، كونه مقدمة داخلية اي جزء من الكل المحرم يرجع الي ما ذكرناه و عليه.

(3) فالجواب عنه بأن الشراء مقدمة للتجري المحرم، فحرمته ان ثبتت لا بد و أن تكون لاجل كونه مقدمة للحرام فيكون تجريا، و حيث ان كونه تجريا يتوقف علي القصد،

فلا بد فيه من القصد الي التجري و هو علي الفرض معدوم، و علي فرضه ينقل الكلام الي ذات الشراء و هكذا الي ان يتسلسل كما في المتن مع توضيح منا.

غير تام إذ لا يعتبر القصد المزبور أي قصد التوصل به الي التجري في حرمة المقدمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 216

فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري و ان مجرد بيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا من دون العلم بقصده ذلك من الشراء ليس محرما أصلا لا من جهة الشرط و لا من جهة المشروط (1) و من ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الارشاد من أنه محل الكلام فيما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير، فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا الي قوله عليه السلام من أعان علي قتل مسلم الخ. محل تأمل، الا ان يريد الفحوي و لذا استدل في المختلف بعد حكاية ذلك عن الشيخ بوجوب حفظ النفس مع القدرة و عدم الضرر.

ثمّ انه يمكن التفصيل (2) في شروط الحرام

المعان عليه بين ما ينحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد فإن ملكه للانتفاع به في هذا الزمان ينحصر فائدته عرفا في الضرب و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيه و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار للعنب،

فإن منفعته التمليك و فائدته غير منحصرة عرفا في الخمر حتي عند الخمار فيعد الاول عرفا اعانته علي المشروط المحرم بخلاف الثاني.

______________________________

الداخلية، و انما هو معتبر في لمقدمات الخارجية و لعله لذلك أمر بالفهم.

(1) إن أراد بذلك اعتبار قصده حين صدور الفعل من المعين، و ان ان أتي المعين بشرط الحرام مع علمه بأن الغير يصرفه في الحرام بإرادته جديدة منه بداعي ذلك، لا تصدق الاعانة علي الاثم: لعدم قصد ذلك الغير لفعل الحرام حين صدور الفعل من المعين،

كما لعله الظاهر منه فقد عرفت عند بيان تنقيح موضوع الاعانة، انه لا دليل علي اعتبار ذلك لا عرفا و لا شرعا، و إن اراد اعتبار صدور الحرام من الغير قصدا حين ما يصدر حتي يتصف بالحرمة، فهو متين كما تقدم الكلام فيه عند بيان ما يعتبر في المعان،

إلا انه لا يتم علي مسلكه و هو عدم اعتبار وقوع المعان عليه إذ لو لم يكن ذلك معتبرا في صدقها فعدم اعتبار صدوره عن قصد أولي بعدم الاعتبار كما لا يخفي.

(2) و فيه مضافا الي ما تقدم عند تنقيح موضع الاعانة ان العزم علي ان يصرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 217

و لعل من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة علي المحرم، و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا كالفاضلين في الشرائع و

التذكرة و غيرهما نظر الي ذلك و كذلك المحقق الثاني حيث منع من بيع العصير المتنجس علي مستحله مستندا الي كونه من الاعانة علي الاثم و منع من كون بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا من الاعانة، فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة بخلاف تملك العنب، و كيف كان فلو ثبت تميز موارد الاعانة من العرب فهو و الا فالظاهر مدخلية قصد المعين:

نعم يمكن الاستدلال علي حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بأن دفع المنكر كرفعه واجب و لا يتم الا بترك البيع فيجب (1) و إليه أشار المحقق الاردبيلي قدس سره حيث استدل علي حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الاعانة بأدلة النهي عن المنكر.

______________________________

الشي ء في مصرف خاص لا يوجب حصر فائدته فيه.

مع انه يمكن ان يقال ان صدق الاعانة علي الاثم في اعطاء العصا للظالم المستعير لها من غيره لضرب المظلوم، انما يكون لظهور الحال في ان المعطي قصده الغائي من الاعطاء ذلك لا سيما و ان العارية عبارة عن الاذن في الانتفاع و عليه فلا وجه للتفصيل المزبور.

وجوب دفع المنكر.

(1) هذا هو الوجه الثاني: مما استدل به لحرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرفه في الحرام و هي ادلة النهي عن المنكر استدل بها المحقق الاردبيلي قدس سره لحرمة بيع العنب في المسألة و تقريب الاستدلال بها انه كما يجب رفع المنكر كذلك يجب دفعه، و لا يتم الا بترك البيع، فيصير ترك البيع واجبا و فعله حراما و لا أقل من انه معصية.

و لكن يرد علي الاستدلال بأدلة النهي عن المنكر: انه و إن كان لا معني

لرفعه المنكر.

إذ ما وقع لا يمكن إعدامه و رفعه، بل الرفع في هذا المقام أريد به الدفع، مثلا من شرع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 218

و يشهد بهذا ما ورد من انه لو لا ان بني أمية وجودا من يجبي لهم الصدقات و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا (1) دل علي مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم يتحقق المعصية من بني أمية، فدل علي ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم يتحقق المعصية من الغير، و هذا و ان دل بظاهره علي حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم انه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء الا انه لم يقم دليل علي وجوب تعجيز من يعلم انه سيهم بالمعصية، و انما الثابت من النقل و العقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع من هم بها و أشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها او استمر عليها.

______________________________

في شرب الخمر فبالنسبة الي المقدار من الشرب الذي تحقق لا معني لرفعه و لا لإيجابه و بالنسبة الي الباقي يكون دفعا، فالنهي عن المنكر مطلقا ايجاب للدفع لا الرفع.

إلا أن الادلة أي ادلة النهي عن المنكر بحسب المدلول اللفظي، مختصة بمن شرع في الحرام، فالاستدلال بها لوجوب ردعه من هم به و اشرف عليه يتوقف علي إحراز وجود المناط فيه، بدعوي ان المناط هو عدم وجود المنكر في الخارج، و دونه خرط القتاد، و إلا لزم الالتزام بأن ترك إيجاد الفاعل للحرام و إبقائه، و تهيئة، و تهيئة الموضوع للحرام، كتجارة التاجر بالنسبة الي أخذ العشور من قبيل الفعل الواجب، لكون كل واحد منها موجبا لعدم وجود المنكر في الخارج.

و مع الاغماض عن ذلك، ما به يدفع

المنكر انما هو ترك الاقباض لا ترك البيع، و علي فرض كونه ترك البيع، و بنينا علي وجوب دفع المنكر، غاية ما يثبت بهذا الدليل هي الحرمة لا الفساد: لما حققناه في أول الكتاب من أن حرمة المعاملة لا تلازم فسادها.

(1) و قد استشهد المصنف لوجوب دفع المنكر بخبر ابن أبي حمزة عن الامام الصادق عليه السلام لو لا ان بني أمية وجدوا لهم من يكتب و يجبئ لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبوا حقنا «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 219

ثمّ إن الاستدلال المذكور انما يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل المعصية لانه حينئذ قادر علي الردع، اما لو لم يعلم ذلك أو علم بأنه يحصل منه المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر. (1)

______________________________

و كيفية الاستدلال به: ان الظاهر منه كون وجه حرمة الجباية و حضور الجماعة:

انهما يوجبان سلب الحق الذي هو محرم، فبعد الغاء الخصوصية يكون المستفاد منه حرمة كل ما يوجب تركه عدم تحقق المعصية من الغير.

و فيه: إنه لا وجه لإلغاء الخصوصية، مع احتمال ان يكون لسلب الخلافة الذي هو من أعظم المحرمات لكونه المنشأ و الاساس لصدور سائر المنكرات خصوصية.

أضف الي ذلك كله: انه لو سلم كون دفع المنكر كرفعه واجبا و اغمض عن سائر الايرادات و سلمنا ثبوت حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرفه في الحرام، كبيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا، لكنه لا يدل ذلك علي الحرمة مطلقا، و إن يقصد ذلك حين الشراء، لان الادلة مختصة بما إذا هم

بالمعصية و أشرف عليها، و لا تشمل ما إذا كان سيهم بالمعصية و ذلك.

فإن أدلة النهي عن المنكر النقلية قد عرفت اختصاصها بمن شرع في الحرام، و غاية ما يمكن ان يقال هو التعدي عن موردها الي من همّه الشروع فيه، فلا وجه للتعدي الي من سيهم بالشروع فيه.

و أما دليل العقل: و إن أثبتنا في هذا الشرح تبعا للشيخ و العلامة و الشهيدين و غيرهم من الاساطين انه يدل علي وجوب رفع المنكر و دفعه إلا ان المتيقن منه صورة الاشراف علي الحرام.

و أما الخبر: فلان قصد بني امية سلب حق أولياء الله معلوم، مع احتمال الاختصاص بمورده كما عرفت.

(1) و ملخص القول في المقام: انه تارة نلتزم بأن الواجب انما هو دفع كل فرد من أفرد المنكر بحيث يتعد الوجوب بتعدد أفراد المنكر، و أخري نلتزم بأن الواجب هو دفع طبيعة المنكر، بمعني ان الواجب هو حفظ وعاء الخارج من المنكر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 220

و توهم ان البيع حرام علي كل أحد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو تركه لفعله غيره مدفوع بأن ذلك فيما كان محرما علي كل واحد علي سبيل الاستقلال فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري فلا ينفع تركي له.

______________________________

فعلي الاول: بما انه يحرم تخمير كل فرد من العنب مستقلا، لكون النهي المتعلق بالتخمير منحلا الي نواهي متعددة حسب ماله من الافراد، و لذا لو خمر فردا من العنب، ثمّ بعده خمر فردا آخر يعاقب عقابين، بخلاف ما اذا لم يعقبه بتخمير فرد آخر، فإنه يعاقب عقابا واحدا، فترك بيع كل فرد من الافراد دفع لمنكر خاص فهو

واجب تركه آخرون أم لا.

و بعبارة اخري: علي هذا لا يكون الواجب شيئا واحدا علي المجموع، بل يكون الواجب متعددا حسب تعدد افراد بيع العنب، فكل مكلف متوجه اليه تكليف خاص غير مربوط بغيره، فيجب عليه ترك البيع، و ان كان جاهلا بأنه لو لم يبعه يبيعه غيره، بل و ان علم بحصوله.

نعم لو علم بأنه لو ترك البيع يبيعه غيره، و كان ذلك الغير عازما علي البيع، و كان بيعه موجبا لترك ذلك البيع، يمكن القول بالجواز من جهة انه كما يكون في الفرض ترك البيع دفعا لفرد من المنكر، كذلك يكون البيع دفعا لمنكر آخر و هو بيع الغير.

2- و حيث ان المفروض انه أيضا يهتم بالبيع بحيث لو لم يبع هذا يبيعه ذاك، فهو دفع للمنكر فيجب و بما انه لا يمكن الموافقة لهما فلا محالة يتخير بينهما، فيجوز له البيع أيضا.

و لكن ذلك يتم فيما لم يتمكن من دفع بيع الغير بوجه آخر، و الا فيجب ترك البيع و ذلك الوجه كما لا يخفي، فتدبر، فإن ذلك مع دقته قابل للمنع، فإنه لو كان بيع الغير حراما يكون بيع نفسه أيضا حراما لعين ذلك الملاك، و عليه فلا يكون دفع المنكر المنطبق علي البيع واجبا، فإن دفع المنكر بفعل الحرام لا يجب، هذا فيما إذا كان المشتري عازما علي تخمير أحد العنبين، و إلا فلا وجه للقول بالجواز أصلا كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 221

أما إذا وجب علي جماعة شي ء واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه، فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتفاق معه في إيجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل

لغوا فلا يجب، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فان عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف علي تحقق البيع من كل بائع،

فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما ان بيع واحد منهم علي البدل شرط لتحققها فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب و المفروض ان قيامه منفردا لغو سقط وجوبه. (1)

______________________________

(1) و علي الثاني: بما ان دفع المنكر انما يكون بترك المجموع البيع، و لا يتحقق بترك البائع مع تصدي الغير له، فقد يقال بعدم وجوب ترك البيع كما في المكاسب و تبعه المحقق النائيني قدس سره بدعوي انه لا يتحقق الارتداع بترك البيع، فهو كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر، و بعبارة اخري: بعد كون الواجب علي الجميع شيئا واحدا و هو ترك المجموع للبيع، فإذا علم واحد عدم قيام غيره به كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب.

و لكن هذا الوجه فاسد، و هو يتضح بعد بيان كيفية وجوب فعل واحد علي جماعة.

و حاصلها انه: لا يكون الواجب علي كل فرد ذلك الفعل لا مطلقا لكونه غير مقدور له و لا مشروطا بموافقة الآخرين، و إلا لزم عدم تحقق العصيان بترك الجميع، و هو خلاف الفرض، فلا محيص عن الالتزام بكونه غرضا من الفعل الواجب علي كل فرد أي الغرض الاقصي، لا الغرض الموجب لتوجه التكليف، و إلا لما صح تخلفه عن فعل كل واحد، فيجب علي كل فرد الاقدام بما في وسعه من المقدمات، و عليه فلا وجه لدعوي ان قيامه به بالاتيان بما في وسعه مع علمه بترك الغير لغو، فإن اللغوية بمعني عدم ترتب الغرض الاقصي لا توجب سقوط التكليف.

لا

يقال: إن هذا الوجوب ليس نفسيا لعدم كون متعلقه مطلوبا أصليا، فإن المطلوب الاولي هو ذلك العنوان المترتب علي فعل الجميع، و لا واجبا غيريا لعدم كون متعلقه مقدمة لواجب آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 222

و ما تقدم من الخبر في بني امية فالذّمّ فيه انما هو علي إعانتهم بالامور المذكورة في الرواية و سيأتي تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة حتي في المباحات التي لا دخل لها برئاستهم فضلا عن مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من أعظم المحرمات.

و قد تلخص مما ذكرنا ان فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير من دون قصد توصل الي الغير به الي المعصية غير محرم لعدم كونها في العرف إعانة مطلقا أو علي التفصيل الذي احتملناه أخيرا، و أما ترك هذا الفعل فإن كان سببا يعني علة تامة لعدم المعصية من الغير كما إذا انحصر العنب عنده وجب لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا.

______________________________

فإنه يقال: ان الواجب النفسي ليس عبارة عن المطلوب الاولي، و إلا لزم عدم كون

شي ء من الواجبات النفسية واجبا نفسيا، الا معرفة الله تعالي، بل هو عبارة عما وجب و لم يكن مقدمة لواجب آخر.

مع انه يمكن ان يقال: إن المطلوب الاولي في الفرض هو ما ينطبق علي فعل الجميع،

ففعل كل واحد جزء من الواجب النفسي لا مقدمة لحصوله.

و علي ذلك ففي المقام دفع المنكر انما يكون بترك الجميع البيع، فيجب علي كل واحد ان يترك البيع مستقلا، فلا يسوغ له الاعتذار ببناء الغير علي عدم الترك أي الفعل فلا ينفع تركي.

و يؤيد ذلك الخبر «1» الوارد في من يجبي المال الي بني أمية فانه عليه

السلام حكم بحرمة الفعل بقول مطلق، و إن لم يترتب عدم سلب الحق علي فرض ترك ما هو مقدمة لسلب الحق عنهم عليهم السلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 223

و أما لو لم يكن سببا بل كان السبب تركه منضما الي ترك غيره، فإن علم او ظن) او احتمل (1) قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا، و إن علم او ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك لان تركه بنفسه ليس برادع حتي يجب، نعم هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب لكن يسقط وجوب الجزء إذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج، فعلم مما ذكرناه في هذا المقام ان فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع علي وجوه:

) احدها (: ان يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به الي الحرام، و هذا لا إشكال في حرمته لكونه اعانة. (2)) الثاني (: ان يقع منه من دون قصد لحصول الحرام و لا لحصول ما هو مقدمة له مثل تجارة التاجر بالنسبة الي معصية العاشر فإنه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر، و هذا لا إشكال في عدم حرمته (3).

______________________________

(1) المراد به الاحتمال المساوي لقوله و ان علم او ظن، و الوجه في حكمه بالوجوب مع الظن او احتمال قيام الغير به.

مع انه في الموردين يشك في صدق عنوان الدفع الواجب بالشبهة المصداقية،

و المختار عنده جريان البراءة فيه.

انما هو ما دل من النصوص علي وجوب النهي عن المنكر مع احتمال التأثير.

و بذلك يظهر ما في كلمات المحشين في المقام التي ذكروها إيرادا علي المصنف قدس سره.

نعم ما

ذكروه من التهافت بين كلماته حيث انه مر منه آنفا عدم وجوب الترك إذا احتمل قيام الغير به وارد عليه.

(2) ما أفاده من عدم الجواز علي القول بحرمة الاعانة علي الاثم تام.

و لكن قد عرفت ما في المبني.

(3) و لكن بناء علي حرمة الاعانة علي الاثم، الاظهر حرمة ذلك إذا كان الفعل واقعا في سلسلة علل فعل الغير المحرم لا في مثل المثال المذكور الذي هو من قبيل إيجاد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 224

الثالث: ان يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير لا لحصول نفس الحرام منه و هذا قد يكون من دون قصد الغير التوصل بذلك الشرط الي الحرام كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره لا نفس التخمير مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء، و هذا أيضا لا إشكال في عدم حرمته (1) و قد يكون مع قصد الغير التوصل به الي الحرام أعني التخمير حال شراء العنب و هذا أيضا علي وجهين:

) احدهما (: ان يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير و الاقوي هنا وجوب الترك و حرمة الفعل.

) و الثاني (: ان لا يكون كذلك بل يعلم عادة او يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك ذلك الفعل و الظاهر عدم وجوب الترك (2) حينئذ بناء علي ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه مطلقا او علي ما احتملنا من التفصيل.

______________________________

الموضوع، فإنه يصدق عليه الاعانة علي الاثم لما تقدم من عدم اعتبار القصد الغائي في صدقها ثمّ علي فرض عدم صدقها يمكن ان يقال بوجوب الترك بناء

علي وجوب دفع المنكر لكونه دفعا له.

(1) و لكن: هذا يتم بناء علي اعتبار القصد الغائي في صدق الاعانة و عدم وجوب تعجيز من سيهم بالمعصية كما اختارهما المصنف قدس سره فإنه علي ذلك لا يشمله دليل وجوب دفع المنكر، و لاما دل علي حرمة الاعانة علي الاثم.

(2) قد مر انه علي القول بوجوب دفع المنكر، و حرمة الاعانة علي الاثم لا بد من القول بحرمة الفعل، و وجوب الترك في هذا الفرض، فراجع ما حققناه آنفا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 225

ثمّ كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة، فالظاهر عدم فساد البيع لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة أعني الاعانة علي الاثم او المسامحة في الردع عنه (1) و يحتمل الفساد لإشعار قوله عليه السلام في رواية التحف المقدمة بعد طوله: و كل بيع ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي او باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه الخ. (2) بناء علي ان التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية كما لا يخفي لكن في الدلالة تأمل، و لو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام لان الفساد لا يتبعض.

______________________________

(1) الظاهر ان مراده بذلك ان النهي إذا تعلق بالمعاملة يمكن دعوي ظهوره في الارشاد الي الفساد، و أما إذا تعلق بأمر خارج- أي كلي منطبق عليها كعنوان الاعانة علي الاثم- لا مناص من حمله علي إرادة الحرمة، و حيث انها لا تلازم الفساد فلا يستفاد منه الفساد، و المقام من قبيل الثاني لا الأول، و هو حق متين كما

تقدمت الاشارة اليه.

(2) الاستدلال بها يتوقف علي أمور: الاول: اعتبارها سندا. و الثاني: شمول جملة من جملاتها لما نحن فيه. الثالث: دلالتها علي الفساد لا الحرمة، بناء علي المختار عندنا و عنده، من عدم تلازم الحرمة مع الفساد.

أما الاول: فقد مر الكلام فيه في أول الكتاب، و عرفت ان الاظهر عندنا هو العدم.

و أما الثاني: فغاية ما يمكن ان يقال في وجه شمولها لما نحن فيه: ان كل معصية و منها الاعانة علي الاثم، يتقرب بها الي الشيطان، فيشملها قوله عليه السلام و كل ما يتقرب به الي غير الله او ان كل معصية داخلة فيما يوهن به الحق فيشملها قوله عليه السلام أو باب يوهن به الحق،

أو ان كل معصية يقوي بها الكفر و الشرك فيشملها قوله عليه السلام أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 226

القسم الثالث: ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا (1)
اشارة

بمعني ان من شأنه ان يقصد منه الحرام، و تحريم هذا مقصور علي النص إذ لا يدخل ذلك تحت الاعانة خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد تقويهم، بل و عدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين، إلا ان المعروف بين الاصحاب حرمته (2) بل لا خلاف فيها و الاخبار بها مستفيضة.

______________________________

و لكن يرد علي الجميع: ان ذلك كله يتوقف علي حرمة البيع و قد مر عدمها.

و يرد علي الاول: ان الظاهر ان المراد بما يوهن به الحق هو كل ما يوجب وهن المذهب لا كل معصية و لو لم تكن مربوطة به، إذ المراد من الحق ذلك.

و يرد علي الثاني: ان المراد بما يتقرب به الي غير

الله ما يعبد به غير الله كالصنم و الصليب لا كل معصية، و بذلك ظهر ما يرد علي الثالث.

بيع السلاح لأعداء الدين

(1) لا يخفي انه بعد اختصاص النصوص بمورد خاص و هو بيع السلاح لأعداء الدين و البناء علي عدم التعدي عن موردها و الالتزام بعدم كون مقتضي القواعد هي الحرمة في كل ما لا يقصد منه الحرام شأنا، كما بني علي جميع ذلك المصنف قدس سره لا يحسن عنوان المسألة هكذا، بل كان الاولي عنوان المسألة بنحو يختص ببيع السلاح.

(2) لا خلاف بين الاصحاب في حرمة بيع السلاح لأعداء الدين، و قد اختلفت كلماتهم في التعميم و التخصيص علي أقوال:

منها: ما عن الشيخين و الديلمي و الشهيد: و هو التحريم مطلقا، لكن ظاهر بعضهم التحريم في بيع السلاح للكفار، و لم يتعرضوا لبيعه من المخالف، بل يمكن نسبة ذلك الي جميعهم، و عليه فلا يحرز ان يكون هذا قولا في قبال ما اختاره صاحب المستند و تبعه بعض من تأخر عنه، و هو التحريم مطلقا بالنسبة الي المشركين، و التفصيل بين حال المباينة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 227

______________________________

و الصلح بالنسبة الي المخالفين.

و منها: التحريم في حال قيام الحرب، نسب ذلك الي المشهور.

و منها: التحريم في حال المباينة، نسب ذلك الي جماعة.

و منها: ما عن المسالك، و هو التحريم في حال الحرب و التهيؤ له.

و منها: ما اختاره في الجواهر اولا، و هو التحريم مع أحد الامرين من، القصد الي المساعدة، و قيام الحرب، و لكن بما انه يرجع عن ذلك في آخر كلامه، و يختار القول الثاني فلا يمكن جعل ذلك قولا في المسألة.

و منها: التحريم مع القصد الي المساعدة و قيام الحرب.

و منها: التحريم مع

قصد المساعدة خاصة. هذه هي مجموع أقوال المسألة.

و أما الادلة فقد استدل للتحريم مطلقا بالنسبة الي الكفار بقوله تعالي) و لن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا «1».

و بقوله صلي الله عليه و آله: الاسلام يعلو و لا يعلي عليه «2».

و بقوله في خبر تحف العقول: او يقوي به الكفر و الشرك «3».

بدعوي ان بيع السلاح لأعداء السدين و لو في حال الهدنة، إثبات سبيل لهم علي المسلمين،

و إعلاء لكلمتهم و تقوية للكفر و الشرك.

و لكن يرد علي ذلك:

اولا ان هذه العناوين انما تنطبق علي إقباض السلاح لا علي بيعه.

و ثانيا: سيأتي في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر، انه يحتمل ان تكون الآية الشريفة واردة في مقام بيان ما يرجع الي أمر الآخرة، كما يحتمل ان يكون المراد بالسبيل الحجة، و عليهما فهي أجنبية عن المقام.

______________________________

(1) سورة النساء، آية 142.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب موانع الارث، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 228

منها رواية الحضرمي فقال: دخلنا علي أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل الي الشام من السروج و أداتها، قال: لا بأس انتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و انتم في هدنة فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا اليهم السلاح و السروج.

و منها رواية هند السراج، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام أصلحك الله اني كنت أحمل السلاح الي أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني الله هذا الامر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل الي أعداء الله فقال: أحمل اليهم و بعهم فان الله يدفع بهم عدونا و عدوكم

يعني الروم فاذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك، و صريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين بمعني وجود المباينة. (1) في مقابل الهدنة و بهما يقيد

______________________________

و أما النبوي: فالظاهر منه ان الاسلام يغلب بنفسه علي سائر الاديان. و بعبارة اخري: ظاهره وروده في مقام التكوين، لا التشريع، مضافا الي انه مرسل.

و أما الخبر: فقد مر انه ضعيف لا يعبأ به.

كما انه قد استدل للتحريم بما دل علي حرمة الاعانة علي الاثم، و بما دل علي وجوب دفع المنكر و قد مر انه علي هذين الحكمين.

فالعمدة إذا النصوص الخاصة و هي علي طوائف:

الاولي ما دل علي التحريم بالنسبة الي المخالفين في حال المباينة كصحيح الحضرمي «1» المذكور في المتن.

الثانية: ما دل علي التحريم في حال قيام الحرب بالنسبة الي المخالفين كخبر «2»

هند المذكور في المتن.

(1) الفرق بين المباينة، و قيام الحرب واضح كما سيمر عليك.

فتفسير الثاني بالاول غير صحيح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 229

المطلقات جوازا أو منعا مع امكان دعوي ظهور بعضها في ذلك مثل مكاتبة الصيقل،

اشتري السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها، فكتب لا بأس به.

و رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن حمل المسلمين الي المشركين التجارة، قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس، و مثله ما في وصية النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام يا علي كفر بالله العظيم من هذه الامة عشر أصناف وعد منها بائع السلاح من

أهل الحرب.

______________________________

الثالثة: ما دل علي الجواز في حال الهدنة بالنسبة الي المخالفين كمكاتبة «1» الصيقل المذكورة في المتن.

و اختصاصها بحال الهدنة انما يكون من جهة ان عصر الراوي عصر الهدنة، و ليس الجواب مطلقا حتي يتمسك بعدم الاستفصال لدعوي كونها مطلقة، بل وارد في مقام الجواب عن قضية شخصية مختصة بحال الهدنة، و أما اختصاصها بالمخالفين فلان المنصرف من السلطان سلاطين الجور الذين كانوا في عصر الائمة عليهم السلام.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف حيث ذكر هذا الخبر مثالا لما دل علي الجواز مطلقا.

الرابعة: ما دل علي المنع في البيع من المشركين مطلقا: كخبر علي بن جعفر «2» عن أخيه عليه السلام المذكور في المتن فان مفهومه ثبوت البأس في حمل السلاح.

الخامسة: ما دل علي المنع في البيع من أهل الحرب كالنبوي الذي ذكره المصنف «3» و ظاهره الاختصاص بحال قيام الحرب، فانه الظاهر من قوله من أهل الحرب، لان كل عنوان أخذ في الموضوع ظاهر في الفعلية، و لكنه مطلق من حيث كون المحارب كافرا أم مسلما.

السادسة: ما استدل به علي الجواز في غير حال الفتنة مطلقا و هو مرسل السراج عن الامام الصادق عليه السلام عن بيع السلاح قال عليه السلام: لا تبعه في فتنة «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 5.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 6.

(3) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 7.

(4) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 230

فما عن حواشي الشهيد من ان بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب و الصلح و الهدنة لان فيه تقوية الكافر علي

المسلم، فلا يجوز علي كل حال (1) شبه الاجتهاد في مقابل النص (2) مع ضعف دليله كما لا يخفي.

______________________________

أما علي القول بثبوت المفهوم للقيد فواضح، و أما علي عدمه فلان الراوي قال إنّي أبيع السلاح فيستفاد من قوله لا تبعه في فتنة انه لا بأس به الا في هذه الصورة.

هذه هي تمام ما وصل الينا من النصوص.

و الحق في الجمع ان يقال: ان الاوليين لا تنافي بينهما، فإن خبر هند لا مفهوم له، كي يدل علي الجواز في غير حال الحرب، فهو و خبر الحضرمي مثبتان لا تنافي بينهما،

فمقتضاهما عدم الجواز بالنسبة الي المخالفين في حال المباينة.

و أما الثالثة: فهي تدل علي الجواز في خصوص حال الهدنة، فهذه الطوائف لا تعارض بينها.

و أما الطائفة الرابعة المطلقة: فهي مختصة بالمشركين و لا تعم المسلمين المعادين، فلا وجه لتقييدها بما تقدم.

و أما الخامسة: فهي و إن اختصت بحال قيام الحرب إلا انه لا مفهوم لها كي تقيد إطلاق الطائفة الرابعة.

و أما السادسة: فهي لا تدل علي الجواز في غير حال الفتنة، إلا علي القول بمفهوم الوصف، فإن ما ذكر وجها للدلالة عليه علي هذا القول فهو وجه لدلالة القيد علي المفهوم مطلقا.

فتحصل: ان مقتضي الجمع بين النصوص هو الالتزام بالتحريم مطلقا بالنسبة الي الكفار، و التفصيل بين حال المباينة و حال الهدنة بالنسبة الي المخالفين.

و مما ذكرناه ظهر ما في كلمات القوم في المقام فلا وجه لاطالة الكلام في ذلك.

(1) كما انه ظهر أن ما اختاره الشهيد حق لا يتعدي عنه.

(2) فلا مورد لما ذكره المصنف قدس سره انه شبه الاجتهاد في مقابل النص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 231

ثمّ ان ظاهر الروايات شمول الحكم لما اذا لم

يقصد البائع المعونة و المساعدة أصلا بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند هو صورة عدم قصد ذلك (1) فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة كما يظهر من بعض العبائر ضعيف جدا، و كذلك ظاهرها الشمول لما اذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب للمبيع في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع (2) و حينئذ فالحكم مخالف للاصول صير اليه للاخبار المذكورة و عموم رواية تحف العقول المتقدمة، فيقتصر فيه علي مورد الدليل و هو السلاح (3)

دون ما لا يصدق عليه ذلك كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن وفاقا للنهاية و ظاهر السرائر و أكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني للاصل.

______________________________

نعم ما أورده عليه: بأن دليله ضعيف متين، لانه استدل له بأن فيه تقوية الكافر علي المسلم، و ظاهر ذلك هو الاستدلال بالآية الشريفة.

و تمام الكلام انما هو ببيان أمور:

(1) أضف اليه انه مع اطلاق الدليل لا وجه للاختصاص بمورد خاص.

(2) هل يعتبر العلم باستعمال أهل الحرب للمبيع في الحرب كما عن جماعة، أم يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع كما اختاره المصنف أم لا يعتبر الظن بذلك؟ وجوه: أقواها الاخير، فيحرم مع عدم الظن، بل يحرم مع العلم بعدم استعماله في المحاربة لإطلاق الادلة الموافق للاعتبار، فإن تقوية الكفار و الكفر من حيث هي مبغوضة، و من الواضح ان بيع السلاح منهم تقوية لهم بنفسه، و كذلك تقوية المخالفين في حال المباينة.

و بالجملة: بعد إطلاق الدليل لا وجه للتخصيص بمورد خاص، فالاظهر هو المنع مطلقا.

(3) ان المصنف

قدس سره أفاد حيث ان الحكم مخالف للاصول فيقتصر فيه علي مورد الدليل و هو السلاح دون ما لا يصدق عليه ذلك كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 232

و ما استدل به في التذكرة من رواية محمد بن قيس قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الفئتين من أهل الباطل يلتقيان ابيعهما السلاح، قال: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحوهما، لكن يمكن ان يقال ان ظاهر رواية تحف العقول إناطة الحكم علي تقوي الكفر و وهن الحق (1) و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند: من حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به علينا (2) ان الحكم منوط بالاستعانة و الكل موجود فيما يكن أيضا كما لا يخفي مضافا الي فحوي رواية الحكم المانعة عن بيع السروج و حملها علي السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية مع كون الراوي سراجا.

______________________________

محصل ما يفيده في وجه الاقتصار علي السلاح- امور- الاصل- و خبر محمد بن قيس «1». و اختصاص النصوص بالسلاح.

و لكن الاصل لا يرجع اليه مع اطلاق الدليل، و خبر محمد بن قيس لا يدل علي المطلوب كما أفاده المصنف قدس سره.

و النصوص و ان اختص أكثرها بالسلاح الا ان بعضها كصحيح الحضرمي أخذ الموضوع فيه أعم من السلاح للتصريح بالسروج، و أداتها.

و دعوي ان المراد بالسروج السيوف السريجية.

مندفعة بأن السريجي يجمع علي سريجيات، كما ان دعوي ان المراد بأداتها، أداة السيف، كما تري لرجوع الضمير الي السروج.

نعم يقع الكلام في ان هذا الحكم هل هو مختص بأسباب الغلبة علي العدو من السلاح و السروج و نحوهما، أم يعم كل ما يكن و ان كان موجبا

لازدياد القوة علي الدفع و التوقي من قهره و بأسه؟ و قد استدل للثاني في المتن.

(1) بأن ظاهر رواية تحف العقول اناطة الحكم علي تقوي الكفر و وهن الحق.

(2) و بأن ظاهر قوله عليه السلام في خبر هند فمن حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به علينا ان الحكم منوط بالاستعانة، و كل موجود في كل ما يكن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 233

و أما رواية محمد بن قيس فلا دلالة لها علي المطلوب لان مدلولها بمقتضي ان التفصيل قاطع للشركة الجواز فيما يكن و التحريم في غيره مع كون الفئتين من أهل الباطل، فلا بد من حملهما علي فريقين محقوني الدماء إذ لو كان كلاهما او أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح علي صاحبه، فالمقصود من بيع ما يكن منهما تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن و هذا غير مقصود فيما نحن فيه بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع، فالتعدي عن مورد الرواية الي ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق، و لعله لما ذكر قيد الشهيد فيما حكي عن حواشيه علي القواعد اطلاق العلامة جواز بيع ما يكن بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب، ثمّ ان مقتضي الاقتصار علي مورد النص عدم التعدي الي غير أعداء الدين كقطاع الطريق الا ان المستفاد من رواية تحف العقول اناطة الحكم بتقوي الباطل و وهن الحق، فلعله يشمل ذلك و فيه تأمل. (1) ثمّ ان النهي في هذه الاخبار لا يدل علي الفساد (2) فلا مستند له سوي ظاهر خبر تحف العقول الوارد في بيان المكاسب الصحيحة

و الفاسدة و الله العالم.

______________________________

و فيهما نظر:

أما الاول: فلما مر مرارا من ضعف سنده.

و أما الثاني: فلانه لا يدل علي ان تمام الموضوع هي الاستعانة اولا، و عدم شمول الاستعانة لشراء غير أسباب الغلبة علي العدو ثانيا علي ذلك، فإن أمكن الغاء الخصوصيات بفهم ان المناط هي تقوية الكفر و المخالف فهو، و إلا فلا بد من التخصيص بغير ما يتوقي به من قهر العدو و بأسه.

(1) لعل نظره الشريف الي ان المراد بالحق و الباطل في الخبر كسائر الاخبار المتضمنة لهما، المذهب الحق و الباطل.

(2) اذ النصوص ظاهرة في الحرمة النفسية فان بعضها متضمن لبيان ترتب العقاب علي البيع، و بعضها متضمن لقوله عليه السلام حرم عليكم الخ.

فما عن الاردبيلي من كون النهي إرشادا الي الفساد غير تام و قد حققنا في أول الكتاب ان حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها، و أما خبر تحف العقول فهو ضعيف السند فالاظهر انه لا وجه للفساد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 234

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء

و التحريم في هذا القسم ليس الا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن (1) و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير و الدليل علي الفساد في هذا القسم علي ما صرح به في الايضاح كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل (2) و فيه تأمل، لان منافع كثير من الاشياء التي ذكروها في المقام يقابل عرفا بمال و لو قليلا بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها، فالعمدة ما يستفاد من الفتاوي (3) و النصوص (4) من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة و كونها في نظره كالمعدومة.

______________________________

حكم بيع ما لا منفعة فيه

(1) لا ينبغي التوقف في عدم صحة البيع الواقع علي ما لا

منفعة له، و لو نادرة: لعدم صدق حقيقة البيع، و هي الاعطاء لا مجانا، بل بعوض، فإن ما لا منفعة فيه إعطاء الشي ء في مقابله انما يكون مجانيا و بلا عوض، و لا تشمله سائر العناوين كالتجارة عن تراض.

انما الكلام فيما له منفعة نادرة، فمقتضي العمومات هي الصحة لشمول جميع تلك العناوين من البيع، و التجارة عن تراض، و العقد له.

و استدل لعدم الصحة بوجوه:

(2) هذا هو الوجه الاول و هو ان أكل المال في مقابله أكل للمال بالباطل فيشمله قوله تعالي) لا تأكلوا أموالكم … الخ) «1».

الثاني: انه لا يكون مالا عرفا، فالمعاملة الواقعة عليه لا تكون بيعا، لانه علي ما عن المصباح عبارة عن مبادلة مال بمال.

(3) هذا هو الوجه الثالث: و هو الاجماع علي ان الشارع المقدس لم يعتن بالمنافع النادرة.

(4) هذا هو الرابع و هو ان الاخبار ظاهرة في عدم اعتناء الشارع بالمنفعة النادرة،

______________________________

(1) النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 235

______________________________

فإن اغلب موارد حكمه بفساد المعاملة، كالمعاملة علي الاشربة المحرمة لا تخلو عن منفعة

محللة نادرة و لو في حال الاضطرار، و من هذا القبيل لعن اليهود لبيعهم الشحوم مع كونها محرمة عليهم، فإن الظاهر ان المحرم عليهم هي المنافع الظاهرة لا مطلقها.

الخامس: قوله عليه السلام في خبر تحف العقول في ضابط المعاملات المحللة و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فإن المراد الجهة الشائعة و إلا لم يخل شي ء عن جهة صلاح.

السادس: ان بذل المال في مقابله سفهي.

و في الجميع نظر:

أما الاول: فلان أكل المال في مقابل ماله منفعة نادرة التي تكون غرضا للمشتري و يبذل المال بإزاء العين لاجل استيفائها لا يكون أكلا للمال بالباطل.

و

أما الثاني: فلان الشي ء إذا كان له منفعة و لو نادرة متعلقة للغرض و لو كان شخصيا، يكون مالا عرفا مع انه سيأتي في كتاب البيع ان حقيقة البيع ليست ما ذكره صاحب المصباح، فانتظر.

و أما الثالث: فلان مثل هذا الاجماع لو ثبت لا يكون حجة لاحتمال استناد المجمعين الي بعض هذه الوجوه.

و أما الرابع: فلان المستفاد من الاخبار ان ما تكون منفعته الشائعة محرمة لا يعتني الشارع بمنفعته النادرة. و بعبارة اخري: مفادها الغاء المنفعة النادرة في جنب المنفعة الشائعة المحرمة لا إلغاء المنفعة النادرة مطلقا، مع انه قد تقدم في أول الكتاب منع الغائها في جنب الشائعة المحرمة أيضا، فراجع.

و أما الخامس: فمضافا الي ضعف سنده كما مر مرارا ان مقتضي إطلاق هذه الجملة جواز بيع كل ما فيه جهة من الصلاح و لو نادرة، و كون لازم ذلك جواز بيع جميع الاشياء ممنوع أولا، و لا محذور فيه ثانيا.

و أما السادس: فلان معاملة السفيه غير ممضاة شرعا لا المعاملة السفهية، مع ان بذل المال القليل لا يعد سفها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 236

قال في المبسوط: ان الحيوان الطاهر علي ضربين ضرب ينتفع به و الآخر لا ينتفع به الي ان قال: و ان كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الاسد و الذئب و سائر الحشرات مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و الحداء و الرخمة و النسر و بغاث الطير و كذلك الغربان،) انتهي (و ظاهر الغنية الاجماع علي ذلك أيضا و يشعر به عبارة التذكرة حيث استدل علي ذلك بخسة تلك الاشياء و عدم نظر الشارع الي مثلها في التقويم و لا

يثبت يد لا حد عليها، قال: و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لانها لا تعد مع ذلك مالا، و كذا عند الشافعي انتهي.

و ظاهره اتفاقنا عليه و ما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه، و انما الكلام فيما عدوه من هذا، قال في محكي إيضاح النافع و نعم ما قال:

جرت عادة الاصحاب بعنوان هذا الباب و ذكر أشياء معينة علي سبيل المثال، فإن كان ذلك لان عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع و ان كان لان ما مثل به لا يصح بيعه لانه محكوم بعدم الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة انتهي.

و بالجملة فكون الحيوان من المسوخ او السباع او الحشرات لا دليل علي كونه كالنجاسة مانعا، فالمتعين فيما اشتمل منها علي منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع فكل ما جاز الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء فينبغي جواز بيعه الا ما دل الدليل علي المنع فيه تعبدا.

______________________________

فتحصل: ان الاظهر جواز بيعه.

نعم إذا كان المنفعة النادرة في بعض الحالات كحال الاضطرار و لم يكن ذلك الشي ء قليل الوجود، او كان كذلك و لكن كانت مئونة حفظه الي وقت الحاجة كثيرة لا يصح بيعه، لان مثل هذا الشي ء لا يبذلون العقلاء بإزائه الشي ء، بل يرون بذل المال بإزائه إعطائه مجانا و بلا عوض.)* (

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 237

و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الاسد و غيرهما من المسوخ و الموذيات و ان منعنا عن بيعها، و ظاهر هذا الكلام (1) ان المنع من بيعها علي القول به للتعبد لا لعدم المالية، ثمّ ان ما تقدم منه قدس سره من انه لا اعتبار

بما ورد في الخواص من منافعها لانها لا تعد مالا، مع ذلك يشكل بأنه اذا اطلع العرف علي خاصية في إحدي الحشرات معلومة بالتجربة او غيرها، فأي فرق بينها و بين نبات من الادوية علم فيه تلك الخاصية و حينئذ فعدم جواز بيعه و أخذ المال في مقابله بملاحظة تلك الخاصية يحتاج الي دليل لانه حينئذ ليس أكلا للمال بالباطل، و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه الخ.

و قد أجاد في الدروس حيث قال: ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء كالحشار و فضلات الانسان، و عن التنقيح ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان، و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الاشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم و ديدان القز التي يصاد بها السمك، ثمّ استقرب المنع، قال لندور الانتفاع فيشبه) فيشمل (ما لا منفعة فيه إذ كل شي ء فله نفع ما، انتهي (2).

______________________________

(1) و فيه: انه يمكن ان يكون حكمه بجواز الوصية بمثل الفيل و نحوه، مبتنيا علي ان الوصية جائزة مع ثبوت حق الاختصاص في الموصي به، و لا يعتبر كونه مالا و ملكا فعدم جواز البيع حينئذ لا يكون للتعبد المحض.

(2) و فيه: انه لا مانع من الالتزام بجواز كل ما له نفع ما.

فان قيل: انه يشك في صدق المال علي مثل هذه الاشياء المستلزم للشك في صدق البيع المانع عن التمسك بالاطلاق.

أجبنا عنه: بما سيأتي من عدم اعتبار المال بعنوانه في البيع، مع انه يمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها لعمومات التجارة.

فإن المعاملات غير محصورة في

العناوين الخاصة المعنونة في كتب الفقهاء من البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 238

أقول: و لا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما، و لو فرض الشك في صدق المال علي مثل هذه الاشياء المستلزم للشك في صدق البيع أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها (1) لعمومات التجارة و الصلح و العقود و الهبة المعوضة و غيرها، و عدم المانع لانه ليس إلا أكل المال بالباطل و المفروض عدم تحققه هنا، فالعمدة في المسألة الاجماع علي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة و هو الظاهر من التأمل في الاخبار أيضا مثل ما دل علي تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله علي منفعة نادرة محللة مثل قوله عليه السلام: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها بناء علي ان للشحوم منفعة نادرة محللة علي اليهود لان ظاهر تحريمها عليهم تحريم أكلها أو سائر منافعها المتعارفة فلو لا ان النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع (2) كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد، إلا ان يقال المنع فيها تعبد للنجاسة لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة فتأمل.

______________________________

و الصلح و نحوهما، بل كل ما يكون تجارة عن تراض تكون ممضاة شرعا.

(1) هذا مبني علي ان المعاملات غير محصورة في العناوين الخاصة المعنونة في كتب الفقهاء من البيع و الصلح و نحوهما بل كل ما يكون تجارة عن تراض تكون ممضاة شرعا، و الا فيتعين تقييد الصحة بما إذا انطبق علي المعاوضة أحد تلك العناوين.

(2) و فيه: قد مر انه يمكن ان يكون النادر في جنب المنفعة الشائعة المحرمة كالمعدوم،

و هذا

لا يلازم كون النادر مطلقا كذلك.

و دعوي ان الملاك في عدم اعتناء الشارع بالمنفعة ان كان وجود المنفعة المحرمة فلازم ذلك المنع من بيع ماله منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد، و حيث لم يمنع عنه فيستكشف ان ذلك ليس هو الملاك، و ان كان كون المنفعة نادرة فلازمه الحكم بذلك مطلقا.

مندفعة بأنه يمكن ان يكون الملاك وجود كلا القيدين.

و عليه فلا وجه للتعدي عن مورد النصوص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 239

و أوضح من ذلك قوله عليه السلام: في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به (1) و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه الخ. إذ لا يراد منه مجرد المنفعة و إلا لعم الاشياء كلها (2) و قوله في آخره انما حرم الله الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا نظير كذا و كذا الي آخر ما ذكره، فان كثيرا من الامثلة المذكورة هناك لها منافع محللة فان الاشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب بل المرضي، فجعلها مما يجئ منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها، الا ان الاشكال في تعيين المنفعة النادرة و تميزها عن غيرها فالواجب الرجوع في مقام الشك الي أدلة التجارة و نحوها مما ذكرنا، و منه يظهر ان الاقوي جواز بيع السباع بناء علي وقوع التذكية عليها للانتفاع البين بجلودها، و قد نص في الرواية علي بعضها و كذا شحومها و عظامها، و أما لحومها فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه كإطعام الكلاب المحترمة و جوارح الطير و يظهر أيضا جواز بيع الهرة، و هو المنصوص

في غير واحد من الروايات و نسبه في موضع من التذكرة الي علمائنا بخلاف القرد لان المصلحة المقصودة منه و هو حفظ المتاع، نادر. (3)

______________________________

(1) هذا ينافي ما ذكره آنفا من جعل هذه الجملة من الرواية مؤيدة لما بينه من ان مقتضي القاعدة هي الصحة فيما فيه منفعة نادرة مقصودة للعقلاء.

(2) و هذا أيضا ينافي استحسانه لما عن الدروس و التنقيح من جعل عدة أشياء مما لا نفع له بوجه فتدبر.

(3) و فيه مضافا الي ما تقدم من ان المنفعة النادرة توجب صحة البيع، انه لا نسلم كون منفعته أقل من منفعة الهرة.

و عليه فيمكن الاستدلال لجواز بيع القرد بفحوي ما دل علي جواز بيع الهرة «1». كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 240

ثمّ اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة الي خسة الشي ء كما ذكر من الامثلة في عبارة المبسوط و أخري الي قلته كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله مال كحبة حنطة، و الفرق ان الاول لا يملك و لا يدخل تحت اليد كما عرفت من التذكرة بخلاف الثاني فانه يملك و لو غصبه غاصب كان عليه مثله ان كان مثليا خلافا للتذكرة، فلم يوجب شيئا كغير المثلي (1) و ضعفه بعض بأن اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا و يمكن ان يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي فافهم.

______________________________

و أما ما ورد فيه من النص المتضمن للمنع عن بيعة «1» فلضعف سنده لان في طريقه محمد بن الحسن بن شيمون، لا يعبأ به.

(1) و اختلفت كلمات القوم في القسم الثاني فيما لو غصبه غاصب، ذهب

بعضهم الي ضمانه مطلقا، و آخر الي عدم الضمان كذلك، و ثالث الي التفصيل بين المثلي و القيمي، و الضمان في الاول دون الثاني.

و الحق هو القول بالضمان مطلقا من غير فرق بين ما اذا تعقبه بعض ما يصير بسببه مالا عرفا ان اجتمع المجموع تحت اليد، أم لم يتعقبه ذلك، و ذلك في المثلي واضح، فإن اشتغال الذمة بالمثل لا يتوقف علي ثبوت مالية له.

و دعوي انصراف ادلة الضمان و الاتلاف عن ذلك، غير مسموعة.

و أما في القيمي فقد يتوهم انه في صورة عدم التعقب لا شي ء عليه، فإن اشتغال الذمة بالقيمة فرع ثبوت القيمة و المالية للتالف و إذ ليست فليس، و لكنه توهم فاسد، فان اشتغال الذمة بالقيمة ليس المراد به اشتغالها بالمالية كي يتوقف علي ثبوتها للتالف، بل المراد به اشتغال الذمة بما يكون بقدره من شي ء آخر و إن كان قليلا لا يقابل بالمال.

و تمام الكلام في ذلك موكول الي محل آخر.

______________________________

(1) الوسائل باب 37، من أبواب ما يكتسب به حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 241

ثمّ ان منع حق الاختصاص في القسم الاول مشكل مع عموم قوله صلي الله عليه و آله: من سبق الي ما لم يسبق اليه احد من المسلمين فهو أحق به مع عد أخذه قهرا ظلما عرفا. (1)

النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه،
اشارة

و هذا النوع و ان كان افراده هي جميع الاعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الاجارة و الجعالة و غيرهما الا انه جرت عادة الاصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و غير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به كالغيبة و الكذب و نحوهما، و كيف كان فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في

مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها إن شاء الله فنقول:

(المسألة الاولي): تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها او الامة التي يراد بيعها
اشارة

حرام (2) بلا خلاف، كما عن الرياض و عن مجمع الفائدة الاجماع عليه و فعل المرأة ذلك بنفسها و يحصل بوشم الخدود، كما في المقنعة و السرائر و النهاية، و عن جماعة قال في المقنعة: و كسب المواشط حلال إذا لم يغششن و لم يدلسن في عملهن فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس و يشمن الخدود و يستعملن ما لا يجوز في شريعة الاسلام، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن ذلك بأس انتهي.

______________________________

(1) الا ان يدعي اختصاصه بالسبق الي الاموال بقصد التمول، و إن كان ذلك قابلا للمنع، و علي فرض ثبوت حق الاختصاص يضمن المتلف.

حكم تدليس الماشطة

(2) المشهور بين الاصحاب حرمة تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها، و عن الرياض: نفي الخلاف فيه، و عن مجمع الفائدة: الاجماع عليها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 242

و نحوه بعينه عبارة النهاية، و قال في السرائر: في عداد المحرمات، و عمل المواشط بالتدليس بأن يشمن الخدود و يحمرنها و ينقش بالايدي و الارجل و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن و ما جري مجري ذلك،) انتهي (.

و حكي نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد في القواعد وشم الخدود من جملة تدليس تأمل، لان الوشم في نفسه زينة، و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان و وصله بشعر غيره، فان ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه الا ان يوجه الاول بأنه قد يكون الغرض من الوشم ان يحدث في البدن نقطة خضراء

______________________________

و لا يخفي أن محل الكلام هو فعل الماشطة من حيث هو، و عليه فالاخبار «1» الواردة في الغش و التدليس

أجنبية عن المقام. فانها مختصة بمن يعرض المغشوش و المدلس للبيع و الزواج، و لا تشمل فعل الماشطة بل فعلها مما يوجد به موضوع التدليس، فإذا لا دليل علي حرمة فعلها سوي الاجماعات المحكية و هي لا تصلح دليلا لذلك، فإن كلمات جماعة منهم قابلة للحمل علي إرادة الحرمة إذا كان فعل الماشطة بقصد ترتب البيع او التزويج عليه، فتكون الحرمة حينئذ من جهة كونه إعانة علي الاثم المحرمة باعتقادهم، و كلمات آخرين لو كانت مطلقة فيحتمل ان يكونوا ممن لا يري اعتبار قصد ترتب المعان في صدق عنوان الاعانة، و علي ذلك فلا يبقي وثوق بثبوت اجماع تعبدي يمكن ان يستدل به.

و قد وردت روايات صريحة في جواز التمشيط: كصحيح ابن مسلم عن مولانا الصادق عليه السلام في حديث أم حبيب الخافضة ان النبي صلي الله عليه و آله قال لام عطية: ادني مني، اذا انت قينت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فان الخرقة تشرب ماء الوجه «2».

و مرسل ابن أبي عمير عن رجل عن مولانا الصادق عليه السلام دخلت ماشطة علي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال لها: هل تركت عملك او اقمت عليه؟ فقالت: يا رسول الله أنا أعمله الا ان تنهاني عنه فانتهي عنه، فقال صلي الله عليه و آله: افعلي، فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرق فانه يذهب بماء الوجه و لا تصلي الشعر بالشعر «3» و نحوهما غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 243

حتي يتراءي بياض سائر البدن و صفائه

أكثر مما كان يري لو لا هذه النقطة، و يوجه الثاني بأن شعر غير المرأة لا يلتبس علي الشعر الاصلي للمرأة، فلا يحصل التدليس به بخلاف شعر المرأة و كيف كان يظهر من بعض الاخبار المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير (1) و ظاهرها المنع و لو في غير مقام التدليس، فهي مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت ماشطة علي رسول الله صلي الله عليه و آله فقال لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ فقالت: يا رسول الله أنا أعمله إلا ان تنهاني عنه، فانتهي عنه. فقال: افعلي فاذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة فانها تذهب بماء الوجه و لا تصلي) الشعر بالشعر (شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة.

و في مرسلة الفقيه لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي و لا تصل شعر المرأة بشعر) امرأة (غيرها.

و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة.

و عن معاني الاخبار بسنده عن علي بن غراب عن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه قال: لعن رسول الله صلي الله عليه و آله النامصة و المنتمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة.

______________________________

و دعوي انه يتعين تقييد اطلاقها بمرسل الفقيه قال عليه السلام: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.

و أما شعر المعز فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة «1». مندفعة بضعف سنده للارسال أولا، و كونه واردا في حكم كسبها ثانيا. مضافا الي ما ستعرف

عند تعرض المصنف قدس سره له.

(1) قد ورد في جملة من النصوص لعن الماشطة علي أعمال أربعة الوصل و النمص و الوشم و الوشر، كالخبر المروي عن معاني الاخبار «2» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 244

قال الصدوق قال علي بن غراب: النامصة التي تنتف الشعر، و المنتمصة التي يفعل ذلك بها، و الواشرة التي تشر أسنان المرأة و تفلجها و تحدها، و الموتشرة التي يفعل ذلك بها، و الواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، و المستوصلة التي يفعل ذلك بها، و الواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شي ء من بدنها و هو ان تغرز بدنها او ظهر كفها بابرة حتي تؤثر فيه، ثمّ تحشوها بالكحل او شي ء من النورة فتخضر، و المستوشمة التي يفعل بها ذلك، و ظاهر بعض الاخبار كراهة الوصل (1) و لو بشعر غير المرأة مثل ما عن عبد الله بن الحسن، قال: سألته عن القرامل، قال:

و ما القرامل، قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن، قال إن كان صوفا فلا بأس، و إن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و المستوصلة، و ظاهر بعض الاخبار الجواز مطلقا، ففي رواية سعد الاسكاف، قال: سأل أو جعفر عن القرامل التي يضعها

النساء في رءوسهن يصلن شعورهن قال: لا بأس علي المرأة بما تزينت به لزوجها قال: فقلت له: بلغنا ان رسول الله صلي الله عليه و آله لعن الواصلة و المستوصلة، فقال: ليس هناك انما لعن رسول الله صلي الله عليه و آله الواصلة التي تزني في

شبابها فإذا كبرت قادت النساء الي الرجال فتلك الواصلة و المواصلة.

______________________________

و في خبر عبد الله بن سنان عن مولانا الصادق عليه السلام المروي عن الكافي قال عليه السلام:

قال رسول الله صلي الله عليه و آله الواشمة و الموتشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد صلي الله عليه و آله «1».

(1) اما الوصل، فإن أريد به ما فسر به في خبري «2» سعد المذكور في المتن و الساباطي.

فحرمته من ضروريات الدين، و إن أريد به وصل الشعر بالشعر فسيجي ء. الكلام فيه في الامر الثاني.

______________________________

(1) الوسائل، باب 137، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 101، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 4- 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 245

______________________________

و أما بقية الامور المذكورة فلا يمكن الالتزام بحرمتها لوجوه:

الاول ان الخبرين ضعيفا السند. أما الاول فلعلي بن غراب و بهلول أبي تميم و أما الثاني فلابن سنان الثاني: ان اللعن طلب للبعد من الله تعالي، و فعل المكروه أيضا يوجب البعد عن الله تعالي، فهو غير ظاهر في الحرمة فتأمل.

الثالث: انهما مجملان و متشابهان، و تفسير علي بن غراب لا يكون حجة علينا و يزدادان تشابها بعد ملاحظة خبري الاسكاف و الساباطي المفسرين للواصلة، بالفاجرة و القوادة، حيث ان هذا التفسير يوجب قوة احتمال ان يراد من سائر الجملات غير أعمال التمشيط.

مع انه لو سلم صحة سند خبر المعاني و عدم اجماله و ظهوره في الحرمة يتعين صرفه عن ظاهره بالنسبة الي جملة النامصة و المنتمصة لخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام:

عن المرأة التي تحف الشعر من وجهها قال عليه السلام: لا بأس «1».

حكم وصل الشعر بالشعر

الامر الثاني: في حكم وصل الشعر بالشعر.

و ملخص القول في

ذلك: ان النصوص الخاصة الواردة في المقام علي طوائف:

الاولي ما دل علي الجواز مطلقا كخبر الساباطي المتقدم.

الثانية: ما دل علي المنع مطلقا كخبر عبد الله بن الحسن قال: سألته عن القرامل،

قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن قال عليه السلام: إذا كان صوفا فلا بأس به و إن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصولة «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

(2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 246

______________________________

بتقريب ان نفي الخير بقول مطلق دليل المنع.

و خبر الحسين بن أبي سعيد عن القاسم بن محمد عن علي عليه السلام عن امرأة مسلمة تمشط العرائس- الي ان قال- لا بأس. و لكن لا تصل الشعر بالشعر «1».

و مرسل ابن أبي عمير المتقدم، إذا لزيادة المذكورة في ذيله في المكاسب و أما شعر المعز.. الخ، فهي من سهو القلم.

الثالثة: ما دل علي جواز وصل شعر المرأة بشعر المعز و عدم جواز وصله بشعر امرأة غيرها كمرسل الفقيه المتقدم.

و الجمع بين هذه الطوائف يقتضي الالتزام، بجواز الوصل بشعر المعز، و عدم الجواز في الوصل بغيره مطلقا لا اختصاص المنع بالوصل بشعر المرأة كما لا يخفي.

الرابعة: ما دل علي جواز وضع القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن تصلنه بشعورهن، اذا كان ذلك بعنوان التزيين للزوج كخبر سعد الاسكاف المتقدم، و النسبة بينها و بين ما تقدم و ان كانت عموما من وجه، و مقتضي الجمع بين النصوص البناء علي الحرمة اذا لم يكن بعنوان التزيين لزوج.

و دعوي عدم الفرق كما تري، إلا ان ما في ذيله: فقلت له: بلغنا ان رسول الله

صلي الله عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة فقال: ليس هناك انما لعن رسول الله صلي الله عليه و آله الواصلة و الموصولة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء الي الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة، يوجب تعين رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الحرمة، و ذلك لان الظاهر من السؤال ان السائل توهم التنافي بين ما دل علي جواز وصل الشعر بعنوان التزيين للزوج، و ما دل علي المنع عن الوصل بشعر المرأة مطلقا، و المعصوم عليه السلام في مقام دفع التوهم تعرض لما ظاهره عدم المنع عنه، و ان ما يوهم ظاهره المنع اريد به غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 247

و يمكن الجمع بين الاخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر (1) كما في رواية عبد الله بن الحسن و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة، و عن الخلاف و المنتهي الاجماع علي أنه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان أو امرأة.

______________________________

لا يقال: انه يدل علي ان لعن النبي صلي الله عليه و آله الواصلة و الموصولة أريد به لعن الزانية و القوادة، لا ان كل ما تضمن النهي عن ذلك لم يرد ظاهره.

فإنه يقال: إنه علي ذلك يبقي سؤال السائل بلا جواب، إذ ضروري ان السائل مراده بقوله: بلغنا ان رسول الله صلي الله عليه و آله.. الخ انه قد ورد المنع عن ذلك. فالجواب بما يختص ببعض تلك الادلة كما تري. و عليه فلا يبعد دعوي صراحة جوابه عليه السلام في عدم المنع عنه مطلقا،

و يؤيد ذلك الاجماع المدعي علي عدم الحرمة.

و قد استدل علي المنع في شعر

الانسان، بأن شعر الغير لا يجوز الصلاة معه.

و فيه: ما حققناه في الجزء الرابع من فقه الصادق من جواز الصلاة معه، مع انه غير مربوط بما هو محل الكلام و هو حكم وصل الشعر بالشعر من حيث هو.

و أما دعوي كون شعر الغير عورة، فمندفعة بأن ذلك انما هو في الشعر المتصل، مع انه لا يتم بالنسبة الي شعر المحارم كالزوجة الاخري للرجل، مع انه غير مربوط بما هو محل البحث كما لا يخفي.

فتحصل: ان الاظهر جواز وصل الشعر بشعر المرأة أيضا، نعم يكره الوصل بشعر الانسان لا سيما شعر المرأة.

و أما الوصل بشعر غير الانسان فلا دليل علي كراهته أيضا، إذ المطلقات قيدت بما هو صريح في الجواز بالنسبة الي شعر غير الانسان.

(1) و استدلال المصنف قدس سره علي الكراهة بأنه مقتضي الجمع بين الاخبار كما في رواية عبد الله بن الحسن، في غير محله، إذ قد عرفت ان إطلاقها يقيد بما هو صريح في عدم البأس بأن يوصل بشعر غير الانسان، و عليه فلا وجه للاستدلال به علي الكراهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 248

و أما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معاني الاخبار فيمكن حملها أيضا علي الكراهة لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة (1) خصوصا مع صرف الامام للنبوي (2) الوارد في الواصلة عن ظاهره المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في النبوي و لعله اولي من تخصيص عموم الرخصة بهذه الامور (3).

______________________________

(1) و فيه: ان خبر سعد متضمن لجواز التزيين للزوج، و النسبة بينه و بين ما عن معاني الاخبار عموم من وجه، ففي مورد الافتراق و هو فعل تلك الامور لغير الزوج الفعلي لا صارف لخبر معاني

الاخبار عن ظاهره، و هي الحرمة.

و دعوي انه بعد صرفه عن ظاهره بالنسبة الي، الوصل و إلي، نتف الشعر و البناء علي كراهتهما، لما دل علي جوازهما، يتعين البناء علي كراهة غيرهما مما تضمنه الخبر لوحدة السياق.

مندفعة بأن الكراهة و الحرمة كالوجوب و الاستحباب خارجتان عن حريم الموضوع له و المستعمل فيه. بل هما أمران ينتزعان من الترخيص في فعل المنهي عنه و عدمه، و عليه فلو ورد الترخيص في فعل أحد الامور التي تعلق بها النهي، يتعين البناء علي كراهته، و حرمة أخواته. فتدبر. فالصحيح هو ما ذكرناه فراجع.

(2) و فيه انه بعد صرف النبوي في الواصلة يكون هو بالنسبة الي سائر جمله أظهر في الحرمة، اللهم إلا ان يكون مراده ان هذا الصرف يوجب إجمال سائر جمله لاحتمال ان يكون المراد بها غير اعمال التمشيط، فلا يصلح دليلا علي الحرمة. و لكنه يصلح لان يستند اليه البناء علي الكراهة لقاعدة التسامح.

و لكن يرد عليه: ان قاعدة التسامح لو جرت في المكروهات- مع انه محل نظر- انما تجري فيما اذا كان الخبر واضح المراد ضعيف السند لا فيما اذا كان المراد منه غير معلوم. و بذلك ظهر انه لا وجه للبناء علي كراهة غير الوصل من اعمال التمشيط.

(3) لو كان دليل عموم الرخصة شاملا لمطلق التزيين كان ما ذكر متينا، إذ عمدة اعمال التمشيط هي تلك الامور، و لكن بما انه يختص بالتزيين للزوج، فالنسبة بينهما عموم من وجه كما تقدم، فبالنسبة الي مورد الاجتماع- و هو التزيين بتلك الامور للزوج- لو قدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 249

مع انه لو لا الصرف (1) لكان الواجب اما تخصيص الشعر (2) بشعر المرأة او تقييده بما

اذا كان هو أو أحد أخواته في مقام التدليس فلا دليل علي تحريمها في غير مقام التدليس كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها خصوصا بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن المرأة تحف الشعر عن وجهها، قال: لا بأس، و هذه أيضا قرينة علي صرف اطلاق لعن النامصة في النبوي عن ظاهره بإرادة التدليس او الحمل علي الكراهة.

نعم قد يشكل الامر في وشم الاطفال من حيث انه إيذاء لهم بغير مصلحة (3) بناء علي ان لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة الا التدليس بإظهار شدة بيان البدن و صفائه بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن لكن الانصاف ان كون ذلك تدليسا مشكل بل ممنوع بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة فهو تزيين لاموهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفا.

______________________________

دليل التزيين او ذلك الدليل فلا كلام، و الا فيتساقطان و يرجع الي أصالة الاباحة،

و لا وجه للرجوع الي المرجحات، لان دلالة كل منها للمجمع انما تكون بالاطلاق لا بالعموم.

(1) الظاهر انه غلط و كانت النسخة الصحيحة مع انه لو لا الحمل علي الكراهة.

(2) المتعين هو هذا بعد اصلاحه بالتخصيص بشعر الانسان اذ لا وجه للتخصيص بخصوص شعر المرأة كما تقدم، و أما الاحتمال الثاني و هو الحمل علي صورة التدليس فمما لا وجه له و لا قرينة عليه فالالتزام به بلا وجه.

و منه يظهر انه لا مورد للبناء علي الاجمال، بدعوي دوران الامر بين الاحتمالين و القول بأنه لا دليل علي تحريمها في غير مقام التدليس.

(3) و فيه ان المصلحة في وشم الاطفال هي التزيين كما في غيرهم و فيهم بالنسبة الي ثقب الاذان و الانوف.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 250

نعم مثل نقش الايدي و الارجل بالسواد يمكن ان (1) يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه و مثله الخط الاسود فوق الحاجبين أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما، ثمّ ان التدليس بما ذكرنا انما يحصل (2) بمجرد رغبة الخاطب او المشتري، و ان علما ان هذا البياض و الصفا ليس واقعيا بل حدث بواسطة هذه الامور فلا يقال: انها ليست بتدليس لعدم خفاء أثرها علي الناظر، و حينئذ فينبغي أن يعد من التدليس لبس المرأة أو الامة الثياب الحمراء و الخضراء الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و الله العالم.

ثمّ ان المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت علي كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة المعينة (3) و حكي الفتوي به عن المقنع و غيره، و المراد بقوله عليه السلام إذا

______________________________

(1) لم يظهر لي و لغيري الفرق بين نقش الايدي و الارجل بالسواد، و بين الوشم و الظاهر ان الجميع جائزة كانت بقصد التزيين او التدليس، في غير مقام المعاملة و التزويج و الا فالجميع محرمة.

(2) و فيه ان التدليس ليس عبارة عن فعل ما يوجب زيادة رغبة المشتري كي يصدق مع علم المشتري بأن هذا البياض و الصفا ليس واقعيا بل هو تلبيس الامر علي الغير بإخفاء نقص موجود في المبيع أو اظهار كمال مفقود فيه فانه من الدلس و هو الظلمة و عليه فلا مورد لقوله و حينئذ فينبغي ان يعد من التدليس الخ سواء أريد به كونه منه حقيقة أم اريد به كونه منه حكما كما هو واضح.

كراهة كسب الماشطة

(3) استفاد المصنف من مرسل الفقيه كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة المعينة، و حكي الفتوي بها

عن المقنع.

و فيه انه لا مفهوم له كي يدل علي ثبوت البأس مع شرط الاجرة المعينة، الا علي القول بحجية مفهوم الوصف، مع ان ثبوت البأس ظاهر في المنع لا الكراهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 251

قبلت ما تعطي البناء علي ذلك حين العمل و الا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته (1) ثمّ ان اولوية قبول ما يعطي و عدم مطالبة الزائد (2) اما لان الغالب عدم نقص ما تعطي عن أجرة مثل العمل الا ان مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون خصوصا من أولي المروة و الثروة و ربما يبادرون الي هتك العرض إذا منعوا و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة أو بعضه الا استحياء و صيانة للعرض.

______________________________

و أما منطوقه فالظاهر منه هو العمل بالاجرة، لا لأن الاجارة مع عدم تعيين الاجرة فاسدة، فانه لو كان المرسل ظاهرا في إرادة الاجارة كان مقيد الاطلاق دليل الفساد، بل لان الكسب مع عدم المشارطة و قبول ما يعطي ليس الا العمل بقصد الاجرة،

و عليه فيوجب الخبر تقييد ما دل علي استحقاق اجرة المثل، فان مقتضي اطلاق المرسل قبول ما تعطي و ان كان أقل من أجرة المثل اللهم إلا أن يقال ان الخبر انما يدل علي اولوية عدم مطالبة الازيد.

و عليه فلا وجه لتقييد تلك الادلة بل يجب علي من عمل له إيفاء تمام ما يستحقه من أجرة المثل، نعم لو رضي بذلك أي يأخذ ما تعطي حين العمل لا يجب عليه ذلك: فانه لا تكون مع هذا الرضا، و البناء حين العمل، و استعمالها مبنيا علي ذلك، ذمته مشغولة بأزيد من ما تعطي.

لا يقال:

إن هذا ينافي ما دل علي كراهة استعمال الاجير مع عدم المقاطعة.

فإنه يقال: إنه انما يكون حكما متوجها الي المعمول له، و هذا حكم متوجه الي العامل، مع انه لو سلم كون الموجه اليه الحكم فيهما واحدا، يتعين تقييد اطلاق دليل الكراهة بهذا الخبر كما لا يخفي.

(1) و فيه ان الظاهر من المرسل عدم البأس في كسبها مع هذين القيدين، أي عدم المشارطة، و قبول ما تعطي فيكون المكروه الكسب المنتهي الي عدم القبول المستلزم للتشاجر و التباغض و لا محذور في الالتزام بذلك.

(2) بعد ما عرفت من عدم حرمة عمل الماشطة فهو عمل محترم قابل لان يقع عليه المعاوضة، فمقتضي القواعد جواز ان تعمل بالاجارة و ان تعمل بالاجرة كما هو الشأن في جميع الاعمال غير المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 252

و هذا لا يخلو عن شبهة فأمروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد، فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد و الامتناع عن قبول ما يعطي إذا اتفق كونه دون أجرة المثل، و أما لان المشارطة في مثل هذه الامور لا يليق بشأن كثير من الاشخاص لان المماكسة فيها خلاف المروة و المسامحة فيها قد لا يكون مصلحة لكثرة طمع هذه الاصناف فأمروا بترك المشارطة و الاقدام علي العمل بأقل ما يعطي و قبوله و ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل و ان وجب علي من عمل له إيفاء تمام ما يستحقه من أجرة المثل فهو مكلف وجوبا بالايفاء و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا علي ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء او لان المولي في حق العامل قصد التبرع بالعمل (1) و قبول ما يعطي علي وجه التبرع

أيضا فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه السلام لا تستعملن أجيرا حتي تقاطعه.

______________________________

أما المرسل فالظاهر منه هو الثاني لا: لان الاجارة مع عدم تعيين العوضين، فاسدة فإنه لو كان المرسل ظاهرا في إرادة الاجارة كان مقيد الاطلاق دليل الفساد.

بل لان الكسب مع عدم المشارطة و قبول ما يعطي ليس الا العمل بقصد الاجرة و عليه فيوجب الخبر تقييد ما دل علي استحقاق اجرة المثل كما مر مفصلا.

(1) هذا الاحتمال ينافي ظهور قوله لا بأس بكسب الماشطة، فان العمل بقصد التبرع لا يصدق عليه الكسب.

تزيين الرجل بما يحرم عليه

الثانية: المشهور بين الاصحاب ان تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 253

المسألة الثانية: تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام
اشارة

لما ثبت في محله من حرمتهما علي الرجال (1) و ما يختص بالنساء من اللباس كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات علي ما ذكره في المسالك، و كذا العكس أعني تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة و العمامة و يختلف

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة في مقامين:

الاول لا ريب في حرمة لبس الرجل الحرير و الذهب لاستفاضة النصوص بها.

و أما حرمة التزيين بهما له و لو بغير اللبس فقد وقع فيها الخلاف و الكلام، و قد استدلوا لها بخبر روح بن عبد الرحيم عن الامام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله لامير المؤمنين عليه السلام: لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة «1».

و بخبر النميري عنه عليه السلام و جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم علي الرجال لبسه «2».

و بأنه لعدم تعارف اتخاذ اللباس من الذهب يتعين حمل النصوص علي ارادة مطلق التزيين به.

و في الجميع

نظر:

أما الاول: فلانه ضعيف، اذ في طريقه غالب بن عثمان الهمداني و هو ضعيف، مع انه يدل علي انه زينة الرجل في الآخرة و هذا لا يلازم حرمة التزيين به في الدنيا.

و أما الثاني: فلانه مرسل اذ الشيخ رواه عن رجل عن الحسن بن علي، مع انه يدل علي جواز التزيين به للنساء لا عدم جوازه للرجال، بل تغيير التعبير في الرجال و انه حرم عليهم لبسه يشعر بجواز ما عدا اللبس من أفراد التزيين.

و أما الثالث: فلان عدم تعارف كون اللباس أي الثوب و نحوه بتمامه من الذهب، لا ينافي حرمة اللبس خاصة، لكون اللبس أعم من لبس الثوب و نحوه لصدفه علي التختم.

فتحصل: انه لا دليل علي تحريم مطلق التزيين به، و يؤيد ذلك ما دل من النصوص علي جواز شد الأسنان به، و في بعضها تجويز تشبك الثنية بالذهب فالاظهر جوازه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 35، من أبواب لباس المصلي، حديث 1، كتاب الصلاة.

(2) الوسائل، باب 30، من أبواب لباس المصلي، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 254

باختلاف العدات، و اعترف غير واحد بعدم العثور علي دليل هذا الحكم عدا النبوي المشهور المحكي عن الكافي و العلل لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال (1) و في دلالته قصور لان الظاهر من التشبه تأنث الذكر

______________________________

حكم تشبه كل من المرأة و الرجل بالآخر

(1) المقام الثاني: في تشبه كل من الرجل و المرأة بالآخر، بان يلبس كل منهما لباس الآخر المختص به.

و قد استدل لعدم الجواز بجملة من النصوص المتضمنة للنهي عن التشبه، و ان الله و رسوله لعنا المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء، بالرجال منهما:

النبوي المروي في الوسائل عن الكافي مسندا عن عمرو بن

شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث: لعن الله المحلل و المحلل له، و من تولي غير مواليه، و من ادعي نسبا لا يعرف، و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال الحديث «1».

و قد دلت جملة من النصوص الاخر علي صدور الجملة الاخيرة من النبي صلي الله عليه و آله مثل ما رواه الصدوق في العلل عن زيد بن علي عن آبائه عن الامام علي عليه السلام انه رأي رجلا به تأنث في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: اخرج من المسجد رسول الله صلي الله عليه و آله يا

لعنة رسول الله، ثمّ قال عليه السلام: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: لعن الله المتشبهين … الخ «2».

و خبر يعقوب بن جعفر الوارد في الراكبة و المركوبة، و فيهن قال رسول الله صلي الله عليه و آله لعن الله المشتبهين «3».

و فيه: ان هذه النصوص كلها ضعيفة السند.

أما الاول: فلعمرو بن شمر الذي قال

______________________________

(1) الوسائل، باب 87، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 87، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(3) الوسائل، باب 24، من أبواب النكاح المحرم، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 255

و تذكر الانثي لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه.

و يؤيده المحكي عن العلل ان عليا عليه السلام رأي رجلا به تأنث في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: أخرج من مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول لعن

الله الخ، و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة ان فيهن قال رسول الله صلي الله عليه و آله لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء الي آخره، و في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام لعن رسول الله صلي الله عليه و آله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون و اللائي ينكحن بعضهن بعضا.

______________________________

النجاشي في حقه: انه ضعيف جدا زيد احاديث في كتب جابر الجعفي.

و أما الثاني: فلحسين بن علوان الكلبي و عمرو بن خالد التبري العامي.

و أما الثالث: فليعقوب بن جعفر حيث إنه لا ذكر له في كتب الرجال.

و دعوي صاحب الجواهر و تبعه السيد في حاشيته ان قصور السند منجبر بالشهرة، مندفعة بان ما أفتي به القوم في كتبهم و ذكروه في العناوين انما هو تزيين الرجل بما يحرم عليه، و لم ينقل هو قدس سره التعميم الا عن المسالك، بل يمكن ان يقال ان نفس عدم ذكر العكس و التصريح بما يحرم عليه دون كل ما يختص بالنساء، دليلان علي عدم التعميم،

و علي ذلك فالشهرة غير ثابتة.

و مع الاغماض عن ذلك فلا دلالة فيه علي حرمة التشبه في اللباس لما دل من النصوص علي حصر المراد به في المخنثين و المساحقات كخبر يعقوب المتقدم المذكور في المتن فان تقديم الظرف يفيد الحصر.

مع ان للمنع عن دلالة اللعن علي الحرمة مجالا واسعا، اذ الظاهر من اللعن مطلق الابعاد الذي يجتمع مع الكراهة.

مضافا الي ان الظاهر من تشبه الرجل بالمرأة تأنثه باللواط، و من تشبه المرأة بالرجل تذكره بالسحق.

و أما التشبه في اللباس، فهو تشبه مقيد لا المطلق فتدبر، و يؤيده خبر أبي

خديجة المذكور في المتن «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب النكاح المحرم، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 256

نعم في رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجر ثيابه، قال: اني لاكره ان يتشبه بالنساء.

و عنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام كان رسول الله صلي الله عليه و آله يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء و ينهي المرأة ان تشبه بالرجال في لباسها، و فيهما خصوصا الاولي بقرينة المورد ظهور في الكراهة (1) فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال.

______________________________

فان قوله: و هم المخنثون … الخ ظاهر في الحصر.

أورد عليه المصنف بايرادين آخرين:

احدهما ان التشبه متقوم بالقصد و لا يتحقق بدونه، ذكره قبل أسطر و أيده بعض المحققين بان التشبه من التفعل و هيئة التفعل قد اعتبر في تحقق مفهومها القصد، و هذا هو الفارق بين التشبه و الشباهة، حيث ان الثانية تستعمل في موارد الشباهة القهرية غير القصدية، كما يقال زيد شبيه بعمرو في الجمال، و الاول لا يستعمل في هذه الموارد.

و فيه: انه لا ريب في عدم صدق التشبه في موارد الشباهة القهرية، و لكن ذلك لاجل اعتبار العلم و الالتفات في حصول وجه الشبه في الخارج لا لأجل اعتبار القصد بالمعني الذي اراده الشيخ قدس سره الذي لا دليل عليه، بل أطلق التشبه في النصوص علي جر الثوب و المساحقة و اللواط مع عدم صدور شي ء منها بقصد التشبه.

(1) الثاني: ظهور بعض الاخبار كخبري سماعة المذكورين في المتن «1». في الكراهة و هما يوجبان صرف ظهور النبوي عن الحرمة.

و فيه: انه لم ار وجها لدعوي ظهور الثاني منهما في الكراهة، فان مادة النهي ظاهرة في الحرمة و الزجر بل هي

أظهر منه فيها.

و أما الاول: فان كان وجه دعوي ظهوره في الكراهة قوله عليه السلام اني لاكره ان يتشبه بالنساء ففيه: ان الكراهة في الروايات أعم من الكراهة المصطلحة و إن كان لاجل الاجماع

______________________________

(1) الوسائل، باب 13، من أبواب أحكام الملابس، حديث 1 و 2 كتاب الصلاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 257

______________________________

علي عدم حرمة ما في مورده و هو جر الثوب، ففيه: انه بعد فرض خروج الكراهة

و الحرمة عن حريم المستعمل فيه و الموضوع له و كونهما أمرين انتزاعيين من الترخيص في الفعل و عدمه هو لا يرجع الي محصل.

و قد أورد عليه الاستاذ الاعظم بايراد آخر و هو: ان المراد من التشبه فيه اما ان يكون مطلق التشبه، او خصوص التشبه في الطبيعة، كتأنث الذكر، و تذكر المرأة أو التشبه الجامع بين التشبه في الطبيعة و التشبه في اللباس.

أما الاول: فبديهي البطلان، و الا لزم حرمة اشتغال الرجل باعمال المرأة كتنظيف البيت و الكنس و الغزل و نحوها، و حرمة اشتغال المرأة باعمال الرجل كالسقي و الزرع و نحوهما، مع انه لا يمكن الالتزام بها، و لم يلتزم بها أحد.

و أما الثالث: فلا يمكن الالتزام به لعدم الجامع بينهما، فيتعين الثاني.

و فيه: انه يمكن اختيار الاول و دفع ما ذكره بان التشبه انما يصدق بالنسبة الي الافعال المختصة بكل منهما بحسب الطبع، أو الجعل كلبس كل منهما لباس الآخر و وصل الرجل حاجبيه بالوسمة و تحميره وجهه بالصبغ الذي تستعلمه النساء و ما شابه ذلك، و أما الافعال التي ذكرها دام ظله فليس شي ء منها مختصا باحدهما كما لا يخفي علي من راجع العرف و الافعال المتداولة بينهم، فالصحيح ما ذكرناه.

و منها: النبوي المروي

عن مجمع البيان عن أبي امامة انه صلي الله عليه و آله قال: أربع لعنهم الله من فوق عرشه و آمنت عليه الملائكة- الي ان قال- و الرجل يتشبه بالنساء و قد خلقه الله ذكرا، و المرأة تتشبه بالرجال و قد خلقها الله انثي «1».

و فيه: انه مرسل غير مجبور بالشهرة، مع انه يرد عليه ما تقدم من ان الظاهر من التشبه المطلق تأنث الذكر باللواط و تذكر الانثي بالسحق، و لعل هذا النبوي أظهر من

______________________________

(1) المستدرك باب 70، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 258

______________________________

سابقه في ذلك بقرينة قوله و قد خلقه الله ذكرا.

و منها: ما عن الصدوق في الخصال مسندا عن الجعفي عن الامام الباقر عليه السلام: لا يجوز للمرأة ان بشبه بالرجل لان رسول الله صلي الله عليه و آله لعن المتشبهين من الرجال بالنساء و لعن المتشبهات من النساء بالرجال «1».

و يرد عليه: مضافا الي ما أوردناه علي سابقيه من ان الظاهر من التشبه تذكر الانثي بالسحق، انه ضعيف السند، لان من رواته محمد بن عمارة و ابنه جعفر و هما مجهولان.

و بما ذكرناه ظهر ما في خبر دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليه السلام ان رسول الله صلي الله عليه و آله نهي النساء ان يكن متعطلات من الحلي او يتشبهن بالرجال «2».

و ما عن فقه الرضا عليه السلام: لعن رسول الله صلي الله عليه و آله سبعة وعد منهم المتشبهة بالرجال و المتشبه بالنساء «3».

و أما ما تضمن النهي عن تأنث الذكر فظهوره في إرادة اللواط لا يقبل الانكار، و احتمال إرادة تزيين الرجل بزينة النساء منه كما في حاشية المحقق الايرواني قدس

سره غريب.

و قد يستدل لحرمة تشبه كل من الرجل و المرأة بالآخر في اللباس بخبري سماعة المتقدمين، و في أحدهما: قال في الرجل يجر ثيابه: اني لاكره ان يتشبه بالنساء.

و في الآخر: كان رسول الله صلي الله عليه و آله يزحر الرجل ان يتشبه بالنساء و ينهي المرأة ان تتشبه بالرجال في لباسها «4».

و أجاب عن الاستدلال بهما المصنف بما تقدم من أن ظاهرهما الكراهة، و قد مر ما فيه آنفا.

______________________________

(1) المستدرك باب 9، من أبواب أحكام الملابس حديث 1.

(2) المستدرك باب 9، من أبواب أحكام الملابس، حديث 4.

(3) المستدرك باب 9، من أبواب احكام الملابس حديث 2.

(4) المستدرك باب 13، من أبواب احكام الملابس حديث 1- 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 259

ثمّ الخنثي يجب عليها ترك الزينتين (1) المختصتين بكل من الرجل و المرأة كما صرح به جماعة لانها يحرم عليها لباس مخالفها في الذكورة و الانوثة و هو مردد بين اللبسين فتجتنب عنهما مقدمة لانهما من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما، و يشكل بناء علي كون مدرك الحكم حرمة التشبه بان الظاهر عن التشبه صورة

______________________________

و أجاب عنه الاستاذ الاعظم: بان المراد من التشبه فيهما هو ان يتزيا كل من الرجل و المرأة بزي الآخر لا مجرد لبس كل من الرجل و المرأة لباس الآخر، و الا لزم حرمة لبس كل من الزوجين لباس الآخر لبعض الدواعي كبرد و نحوه.

و فيه: ان التشبه يصدق مع وقوع وجه الشبه في الخارج مع الالتفات و العلم كما صرح به دام ظله، فلبس كل منهما لباس الآخر مع العلم و الالتفات تشبه به في اللباس الذي هو المنهي عنه في الخبرين، و لا وجه لاعتبار ان يتزيا

كل منهما بزي الآخر في مفهوم التشبه.

و ما ذكره من ان لازم البناء عن عدم اعتبار ذلك حرمة لبس كل من الزوجين لباس الآخر لبرد و نحوه، ليس من التوالي الفاسدة التي لا يمكن الالتزام بها علي هذا المسلك، فالصحيح في الجواب عنهما: انهما ضعيفان للارسال.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة تشبه الرجل بالنساء و المرأة بالرجال في اللباس و الاصل الاباحة.

(1) بناء علي كون الخنثي المشكل طبيعة ثالثة غير الرجل و المرأة كما اختاره جمع لا ريب في جواز ان تلبس لباس كل من الرجل و المرأة حتي بناء علي حرمة التشبه في اللباس او مطلقا، كما لا يخفي، و أما بناء علي كونها داخلة تحت أحد العنوانين، فيجب عليها ترك الزينتين سواء اعتبر في مفهوم التشبه القصد أم لا، و علي الثاني سواء اعتبرنا العلم بصدور الفعل كما بنينا عليه، أم لا، أما علي الاخير فواضح، و أما علي الثاني فلان العلم الذي اعتبرناه أعم من التفصيلي و الاجمالي الموجود في الخنثي و أما علي الاول فلانها تعلم بحرمة التزين باحدي الزينتين بقصد التشبه بمن اختصت به فيجب عليها الاجتناب عنهما للعلم الاجمالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 260

علم المتشبه. (1)

المسألة الثالثة: التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة،
اشارة

و هو كما في جامع المقاصد ذكر محاسنها و إظهار شدة جبها بالشعر حرام علي ما عن المبسوط و جماعة كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني (2) و استدل عليه بلزوم تفضيحها و هتك حرمتها (3).

______________________________

و أما بناء علي عدم ثبوت كونها داخلة تحت أحد العنوانين و عدم ثبوت كونها طبيعة ثالثة، فمقتضي أصالة الاباحة جواز كلتا الزينتين عليها للشك في حرمتهما و عدم العلم بحرمة إحداهما عليها.

(1) و بما ذكرناه ظهر، ما

في قوله قدس سره و يشكل بناء علي كون مدرك الحكم حرمة التشبه بان الظاهر عن التشبه صورة علم المتشبه.

كما انه ظهر عدم تمامية تسليم السيد الفقيه و المحقق الايرواني ما ذكره المصنف قدس سره ان كان ما ذكره من التعليل من جهة اعتبار القصد في مفهومه.

التشبيب بالمرأة الاجنبية

(2) يقع الكلام في مواضع اربعة:

الاول: في حرمة التشبيب بالمرأة في الجملة و عدمها.

الثاني: في حرمة الاستماع علي فرض حرمته و عدمها.

الثالث: في الخصوصيات التي اعتبروها فيه.

أما الموضع الاول: ففيه قولان، و قد استدل للحرمة بوجوه:

(3) هذا هو أول الوجوه و هو ان التشبيب تقبيح و هتك للمشبب بها و إهانة لها فيحرم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 261

ايذائها (1).

______________________________

و فيه: ان التشبيب بذكر المحاسن، و إظهار شدة الحب من دون ان يشتمل علي ما ينافي العفاف و التستر لا يكون هتكا لها و إهانة و تفضيحا، لا سيما إذا كان اظهار شدة الحب من غير جهة الميل الشهوي الي المشبب بها، كذكر محاسن مخدرات الرسالة و اظهار شدة جبهن بجهة الولاية.

نعم إذا اشتمل علي ما ينافي العفاف و التستر يكون هتكا لها، إلا انه ينطبق عليه لاجل ما اشتمل عليه لا نفسه، و لعل هذا هو مراد من أجاب عن هذا الدليل بان النسبة بين عنواني الاهانة و الهتك في مورد.

و الغريب ان الاستاذ الاعظم عند بيان مورد افتراق التشبيب عن الهتك بعد اختياره كون النسبة بين العنوانين عموما من وجه، ذكر ما إذا كان التشبيب في حال الخلوة مع عدم اطلاع أحد عليه، أو فيما إذا كان ذلك في جواب سؤال السائل المريد ان يخطبها، إذا مضافا الي ما تقدم من عدم انطباق عنوان الهتك عليه

مطلقا، انه لو سلم ذلك لا يفرق بين كون ذلك في جواب المريد للخطبة و غيره، بعد هدم كون ذكر المحاسن وحده من التشبيب،

بل مع الاقتران بشدة الحب.

و أما الايراد عليه بأن محل كلامنا هو حرمة التشبيب بعنوانه الأولي، فإثبات حرمة بعنوانه عرضي خروج عن محل الكلام، ففي غير محله لو سلم كونه هتكا متلقا كما لا يخفي.

(1) هذا هو الوجه الثاني و هو انه ايذاء للمشبب بها و هو حرام.

و فيه: أولا: ان النسبة بين الإيذاء و التشبيب عموم من وجه، لو لم ندع عدم كونه إيذاء مطلقا ما لم يشتمل علي ما ينافي العفاف و التستر المحرم بعنوان الهتك و الفحش.

و ثانيا: ان الإيذاء بفعل المباح مع عدم قصد الإيذاء لا دليل علي حرمته، و إلا لزم البناء علي حرمة كل فعل ترتب عليه أذي الغير و إن كان ذلك الفعل مستحبا، بل لو كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 262

و إغراء الفساق بها (1) و إدخال النقص عليها و علي أهلها (2) و لذا لا ترضي النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية ان يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و أخواتهم بل البعيدات من قراباتهم، و الإنصاف ان هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم مع كونه أخص من المدعي، إذ قد لا يتحقق شي ء من المذكورات في التشبيب بل و أعم منه من وجه فان التشبيب بالزوجة قد توجب أكثر المذكورات، و يمكن ان يستدل عليه بما سيجي ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل (3).

______________________________

واجبا يقع التزاحم بين الحكمين، و هذا مما لا يمكن الالتزام به، أ لا تري انه ليس لفقيه ان يتفوه بحرمة صلاة إمام الجماعة إذا تأذي الغير من كونه إماما

يقتدي به الناس.

و ثالثا: تحقق الايذاء يتوقف علي سماعها و إطلاقها عليه، فلو تشبب بها و لم تسمع لا يتحقق الايذاء كما لا يخفي.

(1) هذا هو الوجه الثالث و هو انه إغراء الفساق بها.

و فيه: ان ذلك بمجرده لا دليل علي حرمته الا ان يرجع الي الايذاء و قد عرفت ما فيه.

(2) هذا هو الوجه الرابع و هو انه ادخال النقص عليها و علي أهلها.

و فيه: انه ممنوع صغري و كبري، و لا يخفي وجه منعها بعد الاحاطة بما ذكرناه.

(3) هذا هو الوجه الخامس و حاصله ان التشبيب من اللهو و الباطل، فيكون حراما لعمومات حرمة اللهو و الباطل الآتية.

و فيه: انه لا يمكن الالتزام بحرمة كل لهو و باطل و الا لزم حرمة أغلب الافعال المباحة و هي كل ما اشغل عن ذكر الله و رسوله و ذكر القيامة.

مع انه قدس سره لا يلتزم بحرمة كل لهو و باطل كما يصرح به في محله.

مضافا الي المنع من صدق اللهو و الباطل علي كل تشبيب، فان الشعر الذي ينشأ أو ينشد في ذلك المقام ربما يشتمل علي ما يخرجه عن ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 263

ما دل علي حرمة الفحشاء (1) و منافاته للعفاف المأخوذ في العدالة- 2-.

و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب و لو بعيدا تهيج القوة الشهوية بالنسبة الي غير الحليلة (3) مثل ما دل علي المنع عن النظر لانه سهم من سهام إبليس.

______________________________

(1) هو الوجه السادس: و هو ان التشبيب من الفحشاء و قد دل الكتاب العزيز علي حرمة ذلك «1».

و فيه: ان كون التشبيب من الفحشاء، أول الكلام و لم يدل دليل علي كونه منها.

(2) السابع، انه مناف للعفاف

الماخوذ في العدالة في صحيح ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق عليه السلام الوارد في تعيين ما به تعرف عدالة الرجل ان تعرفوه بالستر و العفاف «2».

و فيه: انه ان اعتبرنا في العدالة خصوص العفاف من المحرمات، فيرد عليه: ان كون التشبيب منها أول الكلام، و ان كان المعتبر أعم من ذلك، و من ما يكون عفافا عن ما ينافي العرف و العادة، كما هو الظاهر من من يعتبر في العدالة ترك ما ينافي المروة.

فيرد عليه: ان كون التشبيب منافيا للعفاف في بعض الموارد مجالا واسعا.

(3) الثامن: فحوي ما دل من النصوص علي حرمة كل ما يوجب تهييج القوة الشهوية بالنسبة الي غير الحليلة، و هي طائفتان:

الاولي ما دل علي المنع عن النظر الي الاجنبية «3». و في بعضها التعليل بانه سهم من سهام ابليس، و في بعضها التعليل بانه بذر الشهوات، و في بعضها النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفي بها لصاحبها فتنة.

______________________________

(1) النحل، آية 90- النور، آية 91.

(2) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 104، من أبواب مقدمات النكاح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 264

و المنع عن الخلوة بالأجنبية لأن ثالثهما الشيطان (1).

______________________________

وجه دلالة هذه النصوص بالفحوي علي حرمة التشبيب: انه إذا كان النظر حراما لأنه سهم يؤثر في إيمان الناظر، و يوجب وقوع صاحبه في الفتنة و يزرع في قلبه الشهوة،

فالتشبيب أولي بالحرمة، لأن تأثير الكلام في تحقق هذه الأمور أشد من تأثير النظر.

و فيه: اولا: كون هذه الأمور علة يدور الحكم مدارها محل نظر بل منع، إذ مضافا الي ضعف سند، ما علل الحكم فيه لا يمكن الالتزام بذلك، و الا لزم البناء علي عدم

حرمة النظر مع عدم استلزامه لذلك، و هذا مما لم يتفوه به فقيه، و ليس له ذلك، فلا محالة تكون من قبيل الحكمة لا يدور الحكم مدارها، فلا وجه للتعدي عن مورد النصوص.

و ثانيا: لا نسلم كون التشبيب أشد تأثيرا من النظر الذي هو أقوي أفراد المهيج للشهوة: و ثالثا: ان النسبة بين التشبيب و تهييج القوة الشهوية، هي العموم من وجه.

حكم الخلوة بالاجنبية

(1) الثانية: ما دل علي عدم جواز الخلوة بالاجنبية «1» و هي كثيرة و في بعضها التعليل بأن ثالثهما الشيطان.

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي حرمة الخلوة من جهة ان الشيطان في تلك الحالة ثالثهما و يهيج القوة الشهوية، و حيث ان التشبيب يهيج القوة الشهوية أزيد من تهييجها الخلوة، فهو أولي بالتحريم.

و فيه: أولا: ان ما ذكر في تلك النصوص من قبيل الحكمة للحكم لا العلة كي يدور مدارها الحكم كما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح- و المستدرك، باب 77، منها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 265

______________________________

و ثانيا: انه لا شاهد لكون العلة تهييج القوة الشهوية، و لعلها كون الخلوة من

المقدمات القريبة للزنا، فان تلك الخالة مظنة الوقوع في هذه المهلكة العظمي، بل هذا هو الظاهر منها، و عليه فلا وجه لقياس التشبيب عليها.

و ثالثا: لا دليل علي حرمة الخلوة.

فان النصوص التي استدلوا بها علي حرمتها ضعيفة السند.

و دعوي انجبار ضعفها بالشهرة.

مندفعة بانه بما ان جملة من تلك النصوص كخبر مسمع عن مولانا الصادق عليه السلام فيما أخذ رسول الله صلي الله عليه و آله البيعة علي النساء و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء «1» و نحوه غيره،

دالة علي حرمة قعود الرجل مع المرأة في بيت الخلاء الذي

كان متعارفا في زمان الجاهلية و لذا قيده بالقعود، و لم يقيد الرجال بغير المحارم.

و جملة اخري منها كخبر موسي بن إبراهيم عن الامام الكاظم عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امراة ليست له بمحرم «2». و نحوه غيره، دالة علي حرمة نوم الرجل في محل يسمع نفس الاجنبية الذي تكون النسبة بينه و بين الخلوة هي العموم من وجه.

و جملة ثالثة تدل علي حرمة نوم الرجل مع المرأة تحت لحاف واحد «3».

و طائفة رابعة منها كخبر الجعفريات عن الامام علي عليه السلام: ثالثة من حفظهن كان مصونا من الشيطان الرجيم و من كل بلية: من لم يخل بامرأة لا يملك منها شيئا.. الخ «4». و نحوه غيره، غير ظاهرة في الحرمة، إذ هي تدل علي ان من خلا باجنبية لا يكون مصونا من

______________________________

(1) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 2.

(3) الوسائل، باب 10، من أبواب حد الزنا.

(4) المستدرك، باب 77، من أبواب مقدمات النكاح، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 266

و كراهة جلوس الرجال في مكان المرأة حتي يبرد المكان (1) و برجحان التستر عن نساء أهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن (2).

______________________________

الوقوع في الزنا و غيره من البليات، و هذا لا يلازم حرمة الخلوة كما لا يخفي، و لم يعلم استناد من أفتي بالحرمة الي خصوص ما هو ظاهر فيها كما يظهر لمن راجع كتب الحديث و الفتوي،

حيث انهم يذكرون هذه المسألة، ثمّ في مقام ذكر النصوص يذكرون النصوص المتقدمة او بعضها غير الدال علي حكم المسألة،

فلا وجه لهذه الدعوي.

مع ان للمنع عن إفتاء المشهور بالحرمة مجالا واسعا، و إن قال العلامة المجلسي في مرآة العقول في تحريم الخلوة مع الاجنبية ذكره الاصحاب، لعدم تعرض الاكثر له، و انما أشار اليه في باب الطلاق من ذكره و لم يذكر أحد في باب النكاح، و هذا بنفسه كاشف عن عدم كونها محرمة عندهم كما أشار اليه صاحب الجواهر قال: و لا شهرة محققة للاصحاب.

فالاظهر عدم حرمة الخلوة مع الاجنبية، و تؤيده النصوص الدالة علي جواز صحبة غير المحرم في طريق الحج و غيره «1».

المستلزمة للخلوة في بعض الاحيان، و في بعضها التعليل بأن المؤمن ولي المؤمنة.

(1) التاسع: فحوي ما دل علي كراهة أمور:

منها جلوس الرجل في مكان المرأة ما لم يبرد المكان: كخبر السكوني عن مولانا الصادق عليه السلام قال رسول اللّٰه صلي اللّٰه عليه و آله إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها حتي يبرد «2».

(2) و منها: انكشاف المرأة بين يدي اليهودية و النصرانية كخبر حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام: لا ينبغي للمرأة ان تنكشف بين يدي اليهودية و النصرانية فانهن يصفن ذلك لازواجهن «3».

الوسائل،

______________________________

(1) الوسائل، باب 58، من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

(2) الوسائل، باب 145، من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 98، من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 267

و التستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يري (1) و النهي في الكتاب العزيز عن) أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض (و عن) أن يضربن بارجلهن و ليعلم ما يخفين من زينتهن ((2) إلي غير ذلك في المحرمات و المكروهات

التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها خصوصا ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول رب راغب فيك،

______________________________

(1) و منها: عدم التستر عن الصبي المميز كخبر السكوني عن سيدنا الصادق عليه السلام قال سال أمير المؤمنين عليه السلام عن الصبي يحجم المرأة؟ قال عليه السلام: إذا كان يحسن يصف فلا «1»

و نحوه غيره.

و فيه: أولا: ان فحوي هذه الادلة- علي فرض ثبوت كون العلة لهذه الاحكام- هي اثارة القوة الشهوية و ثبوتها في التشبيب هي كراهة التشبيب لا حرمته إذ لا وجه للاستدلال بما دل علي كراهة شي ء لحرمة شي ء آخر فيه مناط ذلك الحكم.

و ثانيا: انه لم يحرز كون مناط الكراهة هو ذلك، و لذا لم يفت أحد بكراهة الانكشاف بين يدي المسلمة إذا كانت تصف لزوجها، بل ظاهر ما ورد في الصبي المميز استحباب التستر عنه بنفسه لكونه مميز الا لكونه يصف لغيره و يوجب ذلك اثارة قوته الشهوية، و الوصف في الخبر انما يكون كناية عن التمييز كما لا يخفي، كما ان الظاهر ان رجحان التستر عن نساء أهل الذمة انما يكون لئلا يطلع أزواجهن علي محاسن النساء المسلمات.

(2) العاشر: النهي في الكتاب العزيز عن خضوع النساء بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض «2» و عن) أن يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) «3». بدعوي ان التشبيب يوجب طمع من قلبه مرض أثر من الخضوع بالقول، كما انه أشد تاثيرا من الضرب بالارجل، فاذا كانا هما منهيا عنهما فالتشبيب أولي بان يكون كذلك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 130، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 2.

(2) الاحزاب، آية 33.

(3) النور، آية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 268

______________________________

و فيه:

ان الخضوع بالقول و الضرب بالارجل ليسا محرمين قطعا فلا محيص عن

صرف النهي عن ظاهره، و عليه فلا يبقي مورد للاستدلال بفحواهما لحرمة التشبيب كما مر.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة التشبيب من حيث هو ما لم ينطبق عليه أحد العناوين المحرمة كالفحش و الغيبة و التهمة و الهتك و نحوها.

و أما الموضع الثاني: فالاظهر عدم حرمة الاستماع و إن ثبت حرمة التشبيب لعدم الدليل، و قد استدل المحقق الايرواني علي حرمته- بعد بنائه علي حرمة التشبيب و اعتبار وجود المخاطب- بان الوجوه القاضية بتحريم التشبيب قاضية بحرمة عنوان منطبق علي المركب من القول و السماع، فكان كل منهما دخيلا في تحقق الحرام، فيحرم كل منهما في عرض الآخر.

و فيه: ان التشبيب انما ينطبق علي القول، و السماع سماع له لا انه محقق عنوان التشبيب، و عدم حرمة التشبيب الا مع وجود المخاطب لا يلزم حرمة السماع.

و بالجملة: بعد كون المحرم هو التشبيب و هو انما ينطبق علي القول، و السماع لو اعتبر فلنما هو شرط الحرمة لا مقوم لتحققه، لا وجه للقول بحرمته.

و لكن الانصاف ان بعض الوجوه المتقدمة كأدلة حرمة اللهو و الباطل، و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب تهيج القوة الشهوية، يقضي بحرمة الاستماع في نفسه كالقول كما لا يخفي، و قد عرفت ان هذين الوجهين ضعيفان جدا.

و أما الموضع الثالث: فلا أري وجها لاعتبار كون التشبيب بالشعر لعدم اختصاص شي ء من الوجوه المتقدمة، بما إذا كان بالشعر، بل يمكن ان يقال: ان جملة من الوجوه المتقدمة لو تمت لاختصت بما إذا كان بغير الشعر، لما ذكره المحقق التقي قدس سره بقوله: ان التشبيبات المتعارفة في ألسنة الشعراء قديما و

حديثا لاشتمالها علي كثرة إغراقات و مبالغات لا يستفاد منها علم و لا يحصل منها اطلاع علي حال الممدوح و صفاته و شمائله، بل ليست هي من قبيل حقيقة الاخبار في شي ء، و انما هي إنشاء و مدح علي أنحاء مبالغات و إغراقات يعلم بعدم مطابقتها للواقع انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 269

نعم لو قيل: بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزويجها لم يكن بعيدا لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها، و المسألة غير صافية عن الاشتباه و الاشكال. (1) ثمّ ان المحكي عن المبسوط و جماعة جواز التشبيب بالحليلة بزيادة الكراهة عن المبسوط، و ظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة بان يتخيل امراة و يتشبب بها.

و أما المعروفة عند القائل دون السامع سواء علم السامع إجمالا بقصر معينة أم لا، ففيه أشكال.

______________________________

(1) ظاهر المصنف قدس سره الميل الي جواز التشبيب بالمخطوبة.

حيث قال: لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد بل مطلق من يراد تزويجها لم يكن بعيدا.

و فيه: ان مقتضي جميع الوجوه المتقدمة حرمة التشبيب بها، حتي أولوية مناط حرمة النظر، فانها أيضا ممن يحرم النظر اليها، و مجرد ثبوت جواز النظر في الجملة لا مستمرا من حين إرادة التزويج الي حين وقوع النكاح لاستعلام الحال لا يقتضي جواز التشبيب مطلقا.

نعم اعتبار كون المشبب بها غير الحليلة في محله، لاختصاص الوجوه المتقدمة بغيرها كما هو واضح.

و أما اعتبار كونها معروفة فظاهر الجميع علي ما ذكره الشيخ الاعظم البناء عليه.

و لكن أكثر الوجوه المتقدمة مختصة بالمعروفة و لا تشمل المرأة المتهمة و الخيالية، و مقتضي بعضها، ككون التشبيب من اللهو الباطل، و كونه من الفحشاء، و منافيا للعفاف الماخوذ في

العدالة، حرمة التشبيب بها أيضا.

و أما المعروفة عند القائل دون السامع فمقتضي أكثر الوجوه حرمة التشبيب بها، و هي جميع ما اعتمد عليه المصنف قدس سره في هذا الحكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 270

و في جامع المقاصد كما عن الحواشي الحرمة في الصورة الاولي، و فيه إشكال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم، و كذا إذا لم يكن هنا سامع.

و أما اعتبار الايمان فاختاره في القواعد و التذكرة و تبعه بعض الاساطين لعدم احترام غير المؤمنة، و في جامع المقاصد كما عن غيره حرمة التشبيب بنساء أهل الخلاف و أهل الذمة لفحوي حرمة النظر اليهن، و نقض بحرمة النظر الي نساء أهل الحرب مع انه صرح بجواز التشبيب بهن، و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك أصل الحكم و كيف كان فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع كما صرح به في جامع المقاصد.

و أما التشبيب بالغلام فهو محرم علي كل حال (1) كما عن الشهيدين و المحقق الثاني و كاشف اللثام لانه فحش محض فيشتمل علي الاغراء بالقبيح.

و عن المفاتيح ان في اطلاق الحكم نظرا، و الله العالم.

______________________________

و مما ذكرناه ظهر انه لا وجه لاعتبار الشيخ قدس سره وجود السامع، و لا كون المشبب بها مؤمنة كما لا يخفي.

(1) أما الموضع الرابع: ففي المكاسب) و أما التشبيب بالغلام فهو محرم علي كل حال كما عن الشهيدين (.

و فيه: إن التشبيب به إن كان بما يشتمل علي ما ينافي عفافه، كما إذا اشتمل علي انه لا يدفع يد لامس، و انه في عرضة ذلك، لا ريب في حرمته لانه فحش محض، و هتك و إهانة و تهمة او غيبة، و

إلا فان كان التشبيب لتمني الوصول الي المحرم الشرعي كاللواط فكذلك فانه جرأة علي معصية الله تعالي، و أما إذا لم يكن باحد النحوين و كان مجرد ذكر المحاسن و إظهار شدة الحب به فلا وجه لحرمته، نعم أكثر الوجوه المتقدمة في المرأة جارية هنا، إلا انه عرفت عدم دلالة شي ء منها علي حرمة التشبيب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 271

المسألة الرابعة: تصوير صور ذوات الارواح حرام (1)
اشارة

إذا كانت الصورة مجسمة بلا خلاف فتوي و نصا و كذا مع عدم التجسم وفاقا لظاهر النهاية و صريح السرائر و المحكي عن حواشي الشهيد و الميسية و المسالك و إيضاح النافع و الكفاية و مجمع البرهان و غيرهم للروايات المستفيضة.

______________________________

التصوير حرام

(1) الرابعة لا خلاف في حرمة التصوير في الجملة، كما في المكاسب و الحدائق، و في الجواهر: بل الاجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض، و الاقوال فيها خمسة:

الاول: حرمة التصاوير مطلقا سواء كانت مجسمة أم غيرها، سواء كانت لذوات الارواح أم غيرها، و عن المختلف: نسبة هذا القول الي ابن البراج و ظاهر أبي الصلاح.

الثاني: حرمة التصاوير مطلقا إذا كانت مجسمة، و قد نسب ذلك الي الشيخين و سلار و هو ظاهر العلامة في التبصرة حيث قال: كعمل الصور المجسمة.

الثالث: حرمة تصاوير ذوات الارواح سواء كانت مجسمة أم غيرها، اختاره المصنف قدس سره في المتن وفاقا لجماعة من الاساطين علي ما نقله عنهم.

الرابع: حرمة تصاوير ذوات الارواح إذا كانت مجسمة، و هذا هو المتفق عليه، و اختاره جمع من الاساطين المعاصرين و ممن يقرب عصرنا.

الخامس: حرمة تصاوير ذوات الارواح مطلقا و غيرها إذا كانت مجسمة، استظهره السيد من بعض.

و النصوص الواردة في المقام علي طوائف:

الاولي: ما دل علي حرمة التصاوير مطلقا مجسمة كانت

أم غيرها، لذوات الارواح و غيرها: كخبر محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن الامام علي عليه السلام قال: اياكم و عمل الصور فانكم تسألون عنها يوم القيامة «1».

______________________________

(1) المستدرك، باب 75، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 272

مثل قوله عليه السلام: نهي ان ينقش شي ء من الحيوان علي الخاتم، و قوله عليه السلام: نهي عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت، قال تصاوير التماثيل (1) و المتقدم عن تحف العقول و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني، و قوله عليه السلام في عدة أخبار: من صور صورة كلفه الله يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ.

______________________________

و قد ضعفه الاستاذ الاعظم لقاسم بن يحيي.

و فيه: ان ابن الغضائري و ان ضعف الرجل و تبعه العلامة في الخلاصة، إلا انه يمكن عده من الحسان لان الرجل كثير الرواية و الاصحاب أفتوا بمضامين رواياته، و الاجلاء كأحمد بن محمد بن عيسي و غيره يروون عنه، و هذا يشير الي اعتمادهم عليه، و لم يضعفه شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال علي ما ذكره المولي الوحيد، و هذه بضميمة كثرة خطأ ابن الغضائري في التضعيفات، و عدم بناء العلامة في الخلاصة علي التدقيق يوجب الاطمينان بعدم ضعفه. فتأمل. فإن جعل مثل هذا الخبر مدركا للحكم الشرعي لا يخلو عن إشكال كما لا يخفي.

و أورد عليه المحقق التقي قدس سره بعدم العلم بظهور الصورة فيما يشمل غير المجسمة، بل يظهر من بعض الاخبار الاختصاص بالمجسمة كمقابلته عليه السلام النقش للصورة في حديث المناهي «1». المذكور في المتن.

و فيه: ان الصورة لو لم تكن

مختصة بغير المجسمة لا تكون مختصة بها كما تشهد له كثير من النصوص الواردة في الصلاة في بيت او مسجد فيه تصاوير، أو تماثيل، كخبر علي بن جعفر: سألت أخي موسي عليه السلام عن مسجد يكون فيه تصاوير و تماثيل يصلي فيه؟ فقال عليه السلام: تكسر رءوس التماثيل و تلطخ رءوس التصاوير و يصلي فيه و لا بأس «2» و

نحوه غيره.

(1) و أما حديث المناهي: فمضافا الي ضعف سنده يرد عليه ما ذكره السيد الفقيه من أن ما اشتمل علي كلمة النقش خبر آخر عن النبي صلي الله عليه و آله نقله الامام عليه السلام فلا مقابلة في كلام النبي، و الامام أراد ان ينقل اللفظ الصادر عنه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6 و 1. و باب 3 من أبواب المساكن، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 32، من أبواب مكان المصلي، حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 273

و قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة من حيث ان نفخ الروح لا تكون الا في الجسم و ارادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ، ثمّ النفخ فيه خلاف الظاهر، و فيه ان النفخ يمكن تصوره في النقش (1) بملاحظة محله بل بدونها كما في أمر الامام الاسد المنقوش علي البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ.

و الحاصل ان مثل هذا لا يعد قرينة عرفا علي تخصيص الصورة بالمجسم.

______________________________

و بالجملة: لا ينبغي التوقف في شمول الصورة للمجسمة و غيرها، و إرادة المجسمة منها في بعض النصوص كإرادة غيرها منها في آخر لا تصلح قرينة للاختصاص بشي ء منهما.

و أما النصوص الاخر التي استدلوا بها لهذا القول و ادعي

ظهورها في حرمة التصوير مطلقا، فليس في شي ء منها دلالة علي ذلك، فانها علي قسمين:

الاول: ما تضمن المنع عن التمثال: كخبر اصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين عليه السلام: من جدد قبرا، أو مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام «1». و نحوه غيره.

الثاني: ما تضمن النهي عن تصوير التماثيل، كخبر الحضرمي عن عبد الله بن طلحة عن الامام الصادق عليه السلام جعل من أكل السحت تصوير التماثيل «2» و نحوه غيره.

و كلا القسمين مختصان بالمجسمة.

أما الاول فلان المثال ظاهر في المجسم و لا يصدق علي غيرها، إذ مثال الشي ء عبارة عن مماثله من جميع الجهات الست، كما يظهر لمن راجع موارد استعماله في العرف العام، و تؤيده النصوص المتقدم بعضها الظاهرة في ان المثال غير الصورة.

(1) و بذلك ظهر أن ما أفاده المصنف في وجه عدم اختصاصها بالمجسمة بقوله ان النفخ يمكن تصوره في النقش غير مربوط بما هو وجه الاختصاص.

______________________________

(1) التهذيب، ج 1، باب دفن الميت، ص 130- و الوسائل، باب 3، من أبواب المساكن، حديث 1.

(2) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 274

و أظهر من الكل صحيحة محمد بن مسلم سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر، قال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان، فان ذكر الشمس و القمر قرينة علي إرادة مجرد النقش و مثل قوله عليه السلام من جدد قبرا او مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام، فان المثال و التصوير مترادفان (1) علي ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة من ان الشائع من التصوير و المطلوب منه هي الصور المنقوشة علي أشكال الرجال

و النساء و الطيور و السباع دون الاجسام المصنوعة علي تلك الاشكال و يؤيده ان الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إبداع الحيوانات و أعضائها علي الاشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها علي ما هي عليه فضلا عن اختراعها، و لذا منع بعض الاساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك، و من المعلوم ان المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير.

______________________________

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره من ان المثال و الصورة مترادفان علي ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة، غير تام، و مجرد شيوع الصورة من عمل التصاوير دون غيرها من المادة المصنوعة علي تلك الاشكال لا يصلح قرينة لصرف هذه النصوص عن ظاهرها، إذ لا مانع من ورود النص لبيان حكم الافراد النادرة، و القبيح انما هو حمل المطلق علي الفرد النادر مع ان الشيوع ممنوع.

و أما الثاني: فلانه مبني علي التجريد، فمعناه جعل التماثيل و عملها، فيكون القسمان متحدين مفادا.

الطائفة الثانية: الاخبار الظاهرة في النهي عن التصاوير إذا كانت مجسمة لذوات الارواح و غيرها، و هي النصوص المانعة عن التمثال المتقدمة.

الطائفة الثالثة: ما يكون ظاهرا في حرمة تصاوير ذوات الارواح و إن لم تكن مجسمة، و هو ما رآه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن مولانا الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي: نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن التصاوير و قال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 275

و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الارواح فان صور غيرها كثيرا ما يحصل بفعل الانسان للدواعي الاخر غير

قصد التصوير و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالي عن التشبيه بل كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الاجسام فيقع علي شكل واحد من مخلوقات الله تعالي، و لذا قال كاشف اللثام علي ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل علي التماثيل انه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها كرهت الثياب ذوات الاعلام لشبه الاعلام بالاخشاب و القصبات و نحوها و الثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها بل الثياب قاطبة لشبه خيوطها بالاخشاب.

______________________________

من صور صورة كلفه الله تعالي يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ- الي ان قال- و نهي ان ينقش شي ء من الحيوان علي الخاتم «1».

الطائفة الرابعة: ما يدل علي حرمة تصاوير ذوات الارواح إذا كانت مجسمة و جواز تصاوير غيرها مطلقا كصحيح البقباق عن سيدنا الصادق عليه السلام في قول الله عز و جل:

) يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل (فقال: و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه «2» فإن ذكر الرجال و النساء فيه انما يكون من باب المثال، و يشهد له ذيله.

و صحيح زرارة عن الامام الباقر عليه السلام: لا بأس بتماثيل الشجر «3».

و صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(4) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 1، ص: 276

______________________________

و ثانيا: انه علي فرض عدم شيوعه و كونه نادرا بما ان السؤال انما يكون عن حكم

ذلك الفرد النادر، فلا وجه لجعل جوابه عاما، إذ لا يترتب محذور علي تخصيصه بذلك المورد.

و ثالثا: ان التمثال المضاف إلي الشمس و القمر أريد منه النقش بتلك القرينة، و هذا لا يوجب إرادة النقش من التمثال المضاف الي الحيوان، فهذا الخبر لا دلالة له علي حرمة تصوير ذي الروح إذا لم يكن مجسما.

و الاخبار المشتملة علي نفخ الروح كخبر المناهي المتقدم و خبر سعيد عن مولانا الباقر عليه السلام: ان الذين يؤذون الله و رسوله هم المصورون يكلفون يوم القيامة ان ينفخوا فيها الروح «1» و نحوهما غيرهما.

و اختصاص هذه النصوص بذوات الارواح واضح، إذ الظاهر منها ان عدم القدرة علي النفخ في الصورة انما يكون لعجز النافخ، و عليه فلا بد و أن يكون المحل في نفسه قابلا لذلك، فالشجر و الشمس و القمر و شبههما غير قابلة للنفخ في أنفسها.

و أما اختصاصها بالمجسمة فقد اختاره في الجواهر: و علله بأن النصوص ظاهرة في كون الصورة حيوانا لا ينقص منه شي ء سوي الروح، و الظاهر ان مراده ان الظاهر منها حرمة تصوير ما لو نفخ فيه الروح لصار حيوانا متعارفا، و لا يكون المنفوخ فيه ناقصا عن مشابهه من المخلوقات بحسب الشكل و الجثة الا من حيث الروح فيؤمر بتتميمه بنفخ الروح فيه.

لا ما ذكره الاستاذ الاعظم من استحالة الامر بنفخ الروح في النقوش الخالية عن الجسم، فإن الامر بالنفخ لا يكون الا في محل قابل، و الصور المنقوشة في الالواح غير قابلة لذلك لاستحالة انقلاب العرض الي الجوهر، فعدم القدرة عليه ليس لعجز النافخ

كما لا يخفي علي من راجع الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 277

______________________________

و علي ما ذكرناه فلا يرد عليه شي ء من الايرادين الذين ذكرهما المصنف قدس سره بعد

أسطر بقوله: ان النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله بل بدونها كما في أمر الامام الاسد المنقوش علي البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة، او بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ المتقدم.

أما الاول: فلان الظاهر منها ان الامر بالنفخ انما هو لاجل إحياء نفس الصورة لا محلها، و أمر الامام عليه السلام الاسد المنقوش بأخذ الساحر انما كان معجزة منه عليه السلام التي حقيقتها فعل ما يكون خارجا عن نواميس الطبيعة، و علي أي تقدير كيفيته غير معلومة لنا.

و أما الثاني: فلانه إن أريد إحياء الاجزاء اللطيفة بما لها من الهيئة المرسومة، فهو لا يصير شيئا من الحيوانات المتعارفة، إذ ليس شي ء من الحيوانات ذا جسم رقيق مسطح، و إن أريد جمعها و جعلها في صورة صغيرة من أحد الحيوانات ثمّ نفخ الروح فيها فهو كما تري.

و الاستاذ دام ظله حيث تخيل ان أساس استدلال صاحب الجواهر هو انتقال العرض الي الجوهر سلم هذا الجواب و قال: انه لا يلزم ذلك بل يلزم انتقال الجوهر الي جوهر آخر، و قد عرفت مراده قدس سره و انه الحق في المقام، و إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثمّ النفخ فيه خلاف الظاهر.

فتحصل: اختصاص هذه النصوص بذوات الارواح إذا كانت مجسمة. هذه هي تمام نصوص الباب.

و أما مقتضي الجمع بينها، فمحصل القول فيه: ان الطائفة الثانية- مضافا الي ضعف سند جميعها- لا تنافي الطائفة الاولي لكونهما من

قبيل المثبتيين، فلا وجه لدعوي تقييدها بها.

و كذلك الطائفة الثالثة: فإنها متضمنة لحرمة تصوير ذي الروح و لا تدل علي عدم حرمة تصوير غيره كي توجب تقييد الطائفة الاولي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 278

______________________________

و أما الطائفة الرابعة: فالصحاح منها من حيث دلالتها علي عدم تحريم تصوير غير

ذي الروح- مجسمة كان او غيرها- فإنها و إن اختصت بالمجسمة الا انها تدل علي جواز غيرها بالفحوي، تقيد إطلاق الطائفة الاولي و تخصصها بذوات الارواح، فالباقي تحتها تصوير ذوات الارواح مطلقا، و أما من حيث تضمنها تحريم تمثال ذي الروح المختص بالمجسمة فلا تنافي مع الطائفة المطلقة، فلا وجه لتقييدها بها.

و أما الاخبار المشتملة لنفخ الروح فهي علي قسمين:

الاول: ما تضمن ان من مثل مثالا كلف يوم القيامة ان ينفخ فيه الروح كمرسل ابن أبي عمير.

الثاني: ما تضمن ان من صور صورة كلف ان ينفخ فيها الروح.

أما القسم الاول: فهو لا ينافي المطلقة كي يوجب تقييدها، و أما القسم الثاني: فهو من جهة ظهوره في ان الصورة المحرمة هي ما يؤمر بنفخ الروح فيها، يدل علي اختصاص الحكم بالمجسمة، و مقتضي القاعدة تخصيص المطلقة به، الا ان الروايات التي تكون بهذا المضمون كلها ضعيفة السند.

فتحصل: ان الجمع بين النصوص يقتضي الالتزام بحرمة تصاوير ذوات الارواح- سواء كانت مجسمة أم غيرها- و جواز تصاوير غيرها.

هذا بناء علي اعتبار خبر محمد بن مسلم المطلق المتقدم، و أما بناء علي ضعف سنده، فالاظهر اختصاص الحكم بالمجسمة من ذي الروح، لعدم الدليل علي الحرمة سوي الصحاح المختصة بهذا المورد، كما انه علي القول باعتباره و اختصاص الصورة بالمجسمة كما اختاره صاحب الجواهر و المحقق التقي، لا بد من البناء علي اختصاص الحرمة

بالمجسمة، بل يمكن القول بالاختصاص حتي بناء علي اعتبار خبر محمد بن مسلم، و عدم اختصاص الصورة بالمجسمة، بناء علي اعتبار ان يكون المنقوش صورة حيوان تام- كما يأتي-، إذ النقش غير المجسم دائما صورة لجانب من جوانب ذي الصورة و الصورة جزء منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 279

و إن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجي ء هذا و لكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الارواح أصالة الاباحة (1) مضافا الي ما دل علي الرخصة مثل صحيحة ابن مسلم السابقة و رواية التحف المتقدمة.

و ما ورد في تفسير قوله تعالي:) يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل (من قوله: و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل الشجر و شبهه، و الظاهر شمولها للمجسم و غيره فبها يقيد بعض ما مر من الاطلاق خلافا لظاهر جماعة حيث انهم بين من يحكي عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسما لبعض الاطلاقات اللازم تقييدها بما تقدم مثل قوله عليه السلام نهي عن تزويق البيوت و قوله عليه السلام من مثل مثالا الي آخره، و بين من عبر بالتماثيل المجسمة بناء علي شمول التمثال لغير الحيوان كما هو كذلك، فخص الحكم بالمجسم لان المتيقن من المقيدات للاطلاقات، و الظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال و الوجود النقوش لا غير (2).

______________________________

و مما ذكرناه ظهر ضعف كل ما استدل به علي سائر الاقوال، بل القول المختار، فلا وجه لاطالة الكلام في ذلك.

(1) و فيه انه لا وجه للرجوع اليها مع وجود الدليل، فالعمدة هي الاخبار المرخصة.

(2) مقتضي هذا البرهان كون المستدل قائلا بالقول الخامس المتقدم، لاما ذكره المصنف قدس سره إذ

مقتضي الاطلاقات حرمة التصاوير مطلقا، فإذا كان المقيد دالا علي خروج نقش غير ذي الروح فقط يكون الباقي تحت المطلقات تصاوير ذوات الارواح مطلقا و المجسمة من غيرها، و علي ذلك فينحصر الجواب عنه بما ذكره المصنف قدس سره أخيرا بقوله: و بالجملة: التمثال في الاطلاقات المانعة الخ.

و أما جوابه الاول، و هو لزوم الحمل علي الكراهة، فغاية ما يمكن ان يقال في توجيهه أحد أمرين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 280

و فيه ان هذا الظهور لو اعتبر لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة المجسم فتعين حملها علي الكراهة (1) دون التخصيص بالمجسمة، و بالجملة التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله: من مثل مثالا، ان كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم كان كذلك في الادلة المرخصة لما عدا الحيوان كرواية تحف العقول و صحيحة ابن مسلم، و ما في تفسير الآية فدعوي ظهور الاطلاقات المانعة في العموم و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم (2).

______________________________

(1) الاول: ان الاطلاقات كالمقيدات مختصة بالنقوش و حيث ان نقش غير الحيوان دلت المقيدات علي جوازه، و نقش الحيوان هو القائل بجوازه فيتعين حمل النهي في الاطلاقات علي الكراهة.

(2) الثاني: ان مورد المقيدات كالمطلقات النقوش مطلقا.

و لكن شيئا منهما لا يتم.

أما الاول فلما عرفت من عدم ثبوت كونه قائلا بجواز نقش الحيوان.

و أما الثاني فلانه يصرح بان المقيدات مختصة بغير الحيوان فراجع كلامه.

جواز التصوير المتعارف في هذا الزمان

بقي في المقام فروع مهمة لا بد من التعرض لها في المقام.

الاول: لا ريب في انه لا فرق في حرمة التصوير بين كونه باليد او الطبع او النسج او غير ذلك، فان المحرم إيجاد الصورة الصادق علي جميع ذلك.

انما الكلام في التصوير، المتعارف في هذا الزمان.

لا اشكال فيه بناء

علي اختصاص الحرمة بالمجسمة كما لعله الاظهر علي ما عرفت،

و أما بناء علي شمول الحرمة لغيرها، فقد يقال كما عن الاستاذ الاعظم بجوازه.

و محصل ما ذكره في وجه ذلك وجوه ثلاثة:

الاول: انه ليس إيجادا للصورة المحرمة، فإن الانسان إذا وقف في مقابل الماكنة العكاسة يقع ظله علي الماكنة، و يثبت فيها لاجل الدواء فيكون صورة لذي ظل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 281

______________________________

الثاني: ان لازم القول بحرمة ذلك القول بحرمة النظر الي المرآة، إذ لا فرق في حرمة

التصوير بين بقاء الصورة مدة قليلة او مدة مديدة.

الثالث: انه قد اشتهر انطباع صور الاشياء في شجرة الجوز في بعض الاحيان، فهل يحتمل ان يتفوه أحد بحرمة الوقوف ص مقابلها في ذلك الحين، و أي فرق بينه و بين أخذ العكس.

و في الجميع نظر:

أما الاول فلان في أخذ الصورة أمرين:

الاول ما ذكره دام ظله من وقوع الظل علي الماكنة و إثباته فيها بالدواء.

الثاني: أخذ العكس من ذلك الظل المحفوظ هناك.

و الاول لا يصدق عليه الصورة، و انما هو عكس الصورة و لهذا لا يحرم لا لما ذكره،

و أما الثاني فهو صورة حقيقة و يصدق علي فعله انه ايجاد للصورة.

و أما الثاني: فلانه يمكن أن يقال: إن الابصار ليس بالانطباع، بل إنما هو بخروج الشعاع، فيكون المبصر بالفتح، الانسان نفسه، لا صورته.

و أما الثالث: فلانه علي القول بحرمة التصوير- و إن لم تكن مجسمة- لا مانع من الالتزام بحرمة الوقوف في مقابلها في ذلك الوقت اختيارا بقصد تحقق الصورة، و إن أبيت الا عن عدم حرمته فليكن ذلك دليلا علي ضعف المبني.

فتحصل: انه علي القول بحرمة التصوير مطلقا يحرم أخذ الصورة، أي العمل الثاني الذي يعمله المصور، و عليه، فلا

يحرم علي الانسان التمكين من أخذ صورته حتي علي القول بحرمة التصوير مطلقا، إذ ما يتحقق بالوقوف في مقابل الماكنة العكاسة و يبقي بواسطة الدواء انما هو العكس لا الصورة، و ما يؤخذ من ذلك العكس بالعمل الثاني غير مربوط به فلا وجه للقول بتحقيق الصورة بفعلهما معها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 282

______________________________

فان قيل ان الوقوف في مقابل الماكنة يكون اعانة علي الاثم، إذ لو لا ذلك لما تمكن

المصور من أخذ الصورة.

أجبنا عنه: بما مر ان الاعانة علي الاثم في غير الموارد الخاصة التي ليس المقام منها لا دليل علي حرمتها، مع ان صدقها علي فعل ما يكون من قبيل ايجاد الموضوع محل تأمل و منع.

تصوير الملك و الجن

الفرع الثاني: قال في الجواهر: و الظاهر الحاق تصوير الملك و الجن بذلك، و تبعه السيد و الاستاذ الاعظم و عن ظاهر المحقق الاردبيلي: العدم.

و قد استدل للاول بوجوه:

الاول: صحيح محمد بن مسلم المتقدم: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «1»

بدعوي ان المراد من الحيوان المعني اللغوي أي ما هو المصطلح عند أهل المعقول، و هو الجسم الحساس المتحرك بالارادة، و من البديهي ان هذا المفهوم يصدق علي كل مادة ذات روح من أي عالم كانت.

و فيه: ان الحيوان و إن كان بحسب اللغة و في اصطلاح أهل المعقول معناه ما ذكر الا أن له مفهوما عرفيا، و هو بذلك المعني لا يصدق علي الملك و الجن و الشيطان.

و دعوي ان الموضوع في الصحيح هو بما له من المعني اللغوي.

مندفعة بأن الالفاظ التي تضمنها الصحيح كغيره من الادلة المتكفلة لبيان الاحكام تنصرف الي مفاهيمها، العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان أهل المحاورات، و لهذا بنوا علي انه

عند تعارض العرف و اللغة في مفهوم اللفظ يحمل اللفظ علي المفهوم العرفي، سواء كان اخص من المفهوم اللغوي أو أعم منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 283

______________________________

و ما ذكره الاستاذ الاعظم من أنه لو كان المراد منه مفهومه العرفي، لزم القول

بانصرافه عن الانسان أيضا، و لذا بنينا علي انصراف ما دل علي عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه عنه، مع انه لم يقل أحد هنا بالانصراف.

غريب، إذ الانصراف لو تم لازمه عدم شمول الصحيح للانسان، و كون مقتضي مفهومه جواز تصويره، الا انه انما لا يبني عليه للتصريح بعدم جواز تصويره في صحيح البقباق.

الثاني: ما في خبر تحف العقول و صنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني «1» لصدق الروحاني عليهم.

و فيه: ان خبر تحف العقول لا يصح الاعتماد عليه لضعف سنده و اضطراب متنه كما تقدم في أول الكتاب.

و أورد علي الاستدلال به السيد قدس سره في حاشيته بأن مفهوم الخبر يعارض مع منطوق الصحيح المتقدم تعارض العامين من وجه في الملك و الجن: فإن مقتضي منطوق الصحيح جواز تصويرهما، و مقتضي مفهوم الخبر عدم الجواز، و حيث انه لا مرجح لاحدهما من حيث الدلالة، فلا بد من الرجوع الي مرجحات السند، و بما ان الصحيح أقوي من حيث السند فلا بد من ترجيحه.

و فيه: ان العامين من وجه إذا كانت دلالة كل منهما علي حكم المجمع بالعموم يرجع الي المرجح السندي و ان كانت دلالة كل منهما بالاطلاق يتساقط «2» الاطلاقان كما حققناه في مبحث التعادل و التراجيح في الجزء الثاني من حاشيتنا علي الكفاية فتأمل.

و عليه ففي المقام

بما ان دلالة كل منهما في المورد بالاطلاق يتساقطان فيرجع الي

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الاظهر هو الرجوع الي مرجحات السند في العامين من وجه مطلقا- منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 284

______________________________

اطلاق خبر محمد بن مسلم الدال علي حرمة التصوير مطلقا علي فرض الاعتماد عليه، و الا

فإلي أصالة البراءة، فالعمدة في الجواب ضعف الخبر سندا.

الثالث: ما ذكره الاستاذ الاعظم أيضا و هو صحيح البقباق المتقدم، بدعوي ان الظاهر من قوله عليه السلام فيه و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه هو المقابلة بين ذي الروح و غيره من حيث جواز التصوير و عدمه، و ذكر الامور المذكورة فيه انما هو من باب المثال.

و فيه: انه لا ريب في ظهوره في ان الامور المذكورة فيه انما هو من باب المثال، الا انه هل المراد من العقدين السلبي و الايجابي حرمة تصوير ذي الروح مطلقا و جواز تصوير غيره، أم المراد بهما حرمة تصوير ذي الروح من عالم العناصر، و جواز تصوير غيره، فليس الصحيح ظاهرا في شي ء منهما، و القدر المتيقن هو الثاني فيرجع في ذي الروح من عالم آخر الي البراءة.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة تصوير الملك و الجن و الشيطان، بل مقتضي مفهوم صحيح محمد بن مسلم جوازه، و يضاف الي ذلك ان تصوير الملك و الجن و الشيطان تصوير للصورة الوهمية، و شمول دليل الحرمة لمثل ذلك محل تأمل و نظر.

لا يقال: ان لازم ذلك عدم حرمة تصوير صورة حيوان لا مماثل له.

فإنه يقال: ان موضوع الحكم ليس هو صورة موجود خارجي بحيث لا بد و ان تنطبق الصورة علي

موجود خارجي، بل الموضوع هو ما يقال عرفا انه صورة للحيوان و لو لم يكن لشخصه تحقق خارجي، و أما تصوير الملك او الجن او الشيطان فيما ان صورته غير معلومة عند العرف فلا يقال للصورة انها صورة أحدهم الا بعد البناء علي انه بهذه الصورة، فتدبر فانه دقيق.

نعم يمكن ان يقال بحرمة تصوير الجن و الملك بالنحو المتعارف في تصويرهما بشكل واحد من الحيوانات، بناء علي حرمة تصويرا لحيوان و إن لم يقصد كونه حيوانا، مع فرض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 285

ثمّ انه لو عممنا الحكم لغير الحيوان مطلقا أو مع التجسم، فالظاهر ان المراد به ما كان مخلوقا لله سبحانه علي هيئة خاصة معجبة للناظر علي وجه يميل النفس الي مشاهدة صورتها المجردة عن المادة او معها (1) فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الابنية و السفن مما هو مصنوع للعباد و إن كانت في هيئة حسنة معجبة خارج، و كذا مثل تمثال القصبات و الاخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه الله لا علي هيئة معجبة للناظر بحيث تميل النفس الي مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها لعدم شمول الادلة لذلك

______________________________

الاعجاب ليس شرطا للحرمة

العلم بكونه صورة له، و سيأتي الكلام في المبني فانتظر.

(1) هذا هو الفرع الثالث و هو متضمن لبيان أمرين:

الاول: انه لو عممنا الحكم لغير الحيوان يعتبر في الحرمة تصوير ما يكون مخلوقا لله تعالي و لو بمعدات من العباد من زراعة و نحوها، فلا يحرم تصوير ما هو من مصنوعات البشر كالابنية و السيف و الرمح و شبهها، و الوجه في اعتبار ذلك انصراف الادلة عنه، إذ لو كان ايجاد ذي الصورة جائزا فايجاد صورته اولي بالجواز، و يؤيده

ما ذكره المصنف قدس سره من ان الظاهر ان حكمة حرمة التصوير هي حرمة التشبه بالخلق.

الثاني: انه يعتبر في الحرمة ان يكون ذو الصورة علي هيئة خاصة معجبة للناظر،

بحيث تميل النفس الي مشاهدة صورته، و لعل الوجه في اعتباره ذلك ان المطلوب الغالب الوقوع من التصويرات و النقوش هو ما كان كذلك، فتكون الادلة منصرفة الي ما يكون بتلك الهيئة، أو ما ذكره آنفا من ان الظاهر ان حكمة الحرمة هي حرمة التشبه بالخالق في إبداع ما يكون علي شكل مطبوع يعجز البشر عن نقشه علي ما هو عليه فضلا عن اختراعه.

و لكن الانصاف انه لا يصح الاعتماد علي شي ء منهما في الحكم الشرعي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 286

______________________________

أما الاول: فلان الانصراف الناشئ عن غلبة الوجود لا يصلح أن يكون مقيدا

لإطلاقات.

و أما الثاني: فلان كون الحكمة ما ذكره قدس سره غير ثابت من الادلة الشرعية، و علي فرض ثبوته لا تكون الحكمة مقيدة للاطلاق، و ليست كالعلة كما هو واضح، و الانصراف الناشئ عنها أيضا لا يصلح للتقييد، فالاظهر عدم اعتبار الاعجاب في الحرمة.

و أورد علي المصنف قدس سره بإيرادين آخرين:

الاول: ما ذكره المحققان اليزدي و الشيرازي و هو: انه لو خصصنا الحكم بالحيوان أيضا لا بد من الاقتصار علي ما كان كذلك، فلا وجه لاعتباره بناء علي التعميم خاصة.

و فيه: ان المصنف قدس سره يدعي ان الحيوانات بأجمعها واجدة لهذه الهيئة، و لذا جعل الحكمة التي ذكرناها مؤيدة لاختصاص الحكم بالحيوان لاشتماله بأعضائه علي الاشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها علي ما هي عليه.

الثاني: ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره و ارتضاه الاستاذ الاعظم، و هو:

ان الاعجاب الحاصل عند مشاهدة الصورة انما هو

من نفس الصورة لكشفها عن كمال مهارة النقاش، و لو كانت صورة نمل او دود، و لذا لا يحصل ذلك الاعجاب من مشاهدة ذي الصورة.

و فيه: ان ذا الصورة إذا كان علي هيئة معجبة أي هيئة يعجز البشر عن نقشها علي ما هي عليه او يعسر عليه ذلك لا محالة تكون الصورة كذلك، و يكون ايجادها كاشفا عن مهارة النقاش، و الا فلا يكون كذلك و لا يكشف عن مهارته كما لا يخفي، و عدم حصول الاعجاب من مشاهدة ذي الصورة انما يكون فيما كثر وجوده لا مطلقا، و ذلك يكون في الصورة أيضا فالصحيح ما ذكرناه فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 287

هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل. فلو دعت الحاجة الي عمل شي ء يكون شبيها بشي ء من خلق الله و لو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا (1) و منه يظهر النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.

______________________________

لا يعتبر قصد الحكاية في الحرمة

(1) هذا هو الفرع الرابع: ذكره المصنف قدس سره بقوله: هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل … الخ.

و قد قيل في بيان مراده وجوه:

الاول: ان مراده تخصيص الحرمة بما إذا كان المقصود هو التشبه و التصوير، و عدمها إذا كان الداعي الي التصوير هو الاكتساب بأن يجئ الناس و ينظروا اليه فيأخذ منهم علي النظر اليها شيئا.

و فيه: ان ثبوت الحرمة من الادلة للصورة المفروضة كالبديهي، فلا يمكن ان ينسب اليه عدمه، مع انه خلاف الظاهر.

الثاني: ان مراده صورة عدم العلم و اتفاق ذلك.

و فيه: ان عدم الحرمة في هذا الفرض واضح لا يحتاج الي بيان، إذ لا ريب في اعتبار القصد في اتصاف الفعل بالحرمة، فلو شرب الخمر باعتقاد انه ماء

لا شي ء عليه، مع انه خلاف ظاهر قوله: و لو دعت الحاجة الي عمل … الخ كما لا يخفي.

الثالث: ان مراده الجواز في حال الحاجة و الضرورة، و هو كما تري خلاف ظاهر كلامه.

الرابع: ما ذكره الاستاذ الاعظم و هو: ان ايجاد ما هو شبيه بشي ء يكون علي نحوين:

أحدهما ما لو كان المقصود حكاية ذي الصورة، الثاني: ما يكون الغرض صنع شي ء آخر، و يحصل التشابه بالمصادفة من غير قصد الحكاية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 288

______________________________

الظاهر ان مراده ذلك، انما الكلام في وجه التفصيل، و قد ذكر له وجهان:

الاول: ما ذكره الاستاذ الاعظم و هو: ان المذكور في الروايات النهي عن التصوير و التمثيل، و لا يصدق ذلك مع عدم قصد الحكاية، و هذا نظير اعتبار قصد الحكاية في صحة استعمال اللفظ في المعني، و بدون ذلك ليس هناك استعمال، و أوضح ذلك بالمثال بالطائرات المصنوعة في زماننا، فإنها شبيهة بالطيور، و ادعي انه لا يتوهم أحد حتي الصبيان ان صانع الطائرة يصور صورة الطير.

و فيه: ان التصوير ليس من قبيل استعمال اللفظ في المعني، كي لا يصدق في صورة العلم بكون ما يوجده صورة لشي ء آخر و يتوقف علي قصد حكاية ذي الصورة، و ذلك لانه في الاستعمال الذي هو فعلية الوضع الذي حقيقته- علي ما حققناه في الجزء الاول من زبدة الاصول- التعهد بذكر اللفظ عند قصد تفهيم المعني، عدم صدقه مع عدم قصد تفهيم المعني واضح، و أما في المقام فلم يدل دليل علي اعتبار قصد الحكاية في التصوير و ما ادعاه من عدم توهم أحد ان صانع الطائرة يصور الطير في زماننا هذا واضح، و سره صيرورة هذه الصورة بعد صنع

الطائرة مشتركة بين الحيوان و غيره. و سيأتي زيادة توضيح لذلك.

الثاني: ما ذكره السيد في الحاشية و هو: ان الصورة حينئذ مشتركة بين الحيوان و غيره، فيكون تمييزه بالقصد.

و فيه: ان ذلك يتم في بعض الموارد و لا يتم في جميع موارد عدم قصد الحكاية.

توضيح ذلك: ان صنع شي ء شبيه بالحيوان مع عدم قصد الحكاية يتصور علي قسمين: الاول: اختراع شي ء للمصلحة العامة شبيه بالحيوان من أول تحققه كصنع الطائرة.

الثاني: صنع شي ء متحقق في الخارج بأشكال أخر غير الحيوان كالكوز شبيها بالحيوان لا بقصد الحكاية بل لتسهيل شرب الماء منه مثلا، ففي القسم الاول يتم ما ذكره لان الصورة حينئذ تعد عرفا مشتركة بين الحيوان و غيره و لا يتم في الثاني لان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 289

ثمّ ان المرجع في الصورة الي العرف فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الاعضاء (1) و ليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها او كسر رأسها دلالة علي جواز تصوير الناقص و لو صور بعض أجزاء الحيوان، ففي حرمته نظر بل منع (2) و عليه فلو صور نصف الحيوان من رأسه الي وسطه فإن قدر الباقي موجودا بأن فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم، و إن قصد النصف لا غير لم يحرم الا مع صدق الحيوان علي هذا النصف، و لو بدا له في اتمامه حرم الاتمام لصدق التصوير بإكمال الصورة لانه ايجاد لها، و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما حتي لو بدا له في إتمامه، و هل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير أو لا يحرم الا من حيث التجري وجهان: من انه لم يقع الا بعض مقدمات الحرام بقصد

______________________________

هذا

الشكل ليس صورة الكوزيل هو صورة الحيوان خاصة، و بما ذكرناه ظهر ما هو الحق عندنا.

الثالث: الحكمة التي ذكرها المصنف قدس سره فإنه مع عدم قصد الحكاية لا يكون تشبها بالخالق.

و فيه: ما عرفت من عدم صحة جعل الحكمة لا سيما المستنبطة منها مناطا للحكم نفيا و اثباتا.

يعتبر الصدق العرفي في حرمة التصوير

(1) هذا هو الفرع الخامس: ذكره المصنف قدس سره بقوله:) ثمّ ان المرجع في الصورة الي العرف … الخ (.

و ظاهر ذلك المفروغية عن اختصاص الحكم بصورة حيوان تام، و عدم حرمة تصوير بعض اعضائه، بل ذلك صريح قوله فيما بعد ذلك.

(2) و لو صور بعض أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر، بل منع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 290

______________________________

و الاظهر تمامية ما ذكره، لان الادلة متضمنة لحرمة تصوير الحيوان و الانسان، و

هما ليسا من الالفاظ الصادقة علي الكل و أجزائه، بل يصدقان علي الكل خاصة، و عليه فتصوير بعض أعضاء الحيوان لا دليل علي حرمته لعدم صدق تصوير الحيوان عليه.

و بذلك ظهر فساد قول المحقق الايرواني قدس سره: ان من المحتمل قريبا حرمة كل جزء جزء او حرمة ما يعم الجزء و الكل، لما عرفت من عدم الوجه لذلك.

ثمّ ان ما ذكره من ان المدار علي الصدق العرفي متين، فلا يقدح نقص بعض الاعضاء الذي لا يضر نقصه بالصدق العرفي و يحمل علي المنقوش صورة الحيوان بالحمل الشائع لشمول الادلة له.

و قد يستدل لعدم الحرمة في الفرض بالنصوص الدالة علي رجحان تغيير الصورة بقلع عينها او كسر رأسها، بدعوي ان تلك النصوص تدل علي ان نقص بعض الاعضاء و لو كان هو العين يكفي في عدم الحكم.

و فيه: أولا: انه حكم متعلق بمقام آخر، أي كراهة الصلاة و

الصورة في مقابل المصلي، أو نحو ذلك، و لا ربط له بالمقام.

و ثانيا: انه حكم غير لزومي فلا وجه للتعدي عنه الي المقام.

فإن قيل ان تلك النصوص تدل علي جواز إبقاء الصورة الناقصة، و بالملازمة تدل علي عدم حرمة الايجاد.

اجبنا عنه: انه لا ملازمة بين جواز الابقاء و عدم حرمة الايجاد.

و يترتب علي ما اخترناه تبعا له قدس سره انه لو صور نصف الانسان من رأسه الي وسطه، فان قدر الباقي موجودا كما اذا صور انسانا جالسا لا يتبين نصف بدنه او ملتفا بالرداء او مغطي باللحاف و رأسه ظاهر فهو حرام، و الا فإن لم يصدق علي النصف انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 291

تحققه، و من ان معني حرمة الفعل عرفا ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا (1) فلا يراعي الحرمة بإتمام العمل، و الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب علي اتمامه و بين الحرام هو قضاء العرف فتأمل.

______________________________

انسان، فلا يكون حراما و إن صدق حرم.

و ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره: من ان صدق حيوان تام علي النصف غير معقول، و صدق حيوان ناقص لا يجدي، غير تام لما حققناه في الجزء الاول من زبدة الاصول في مبحث الصحيح و الاعم من انه في الالفاظ الموضوعة للمركبات ربما يكون الموضوع له عدة أجزاء فصاعدا، بمعني ان بعض الاجزاء علي فرض وجوده داخل في المسمي و عدمه لا يضر بالصدق كما في لفظ الدار، فإنه موضوع لحيطان وساحة و غرفة، فلو زيد علي ذلك شي ء من سرداب و نحوه يدخل في المسمي، و عدمه لا يضر بالصدق، و من هذا القبيل الاعلام الشخصية و أسماء الاجناس كالحيوان و الانسان، فإن زيادا مثلا يصدق

علي الموجود الخارجي، فلو قطعت رجله و يده و نحوهما لا يكون ذلك مضرا بالصدق،

كذلك لفظ الانسان و الحيوان، و علي ذلك فيمكن صدق صورة الحيوان علي تصوير نصفه كما لو صور من رأسه الي آخر بطنه، و علي ذلك فإن صدق فهو حرام و الا فلا وجه للحرمة.

و علي الفرض الثاني لو بدي له الاتمام حرم ذلك، لانه تصوير محرم، و لو اشتغل بتصوير حيوان و قبل إتمامه انصرف عن ذلك لم يفعل محرما، إلا بعنوان التجري إذ ما فعله ليس تصويرا كي يكون حراما.

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره بقوله: من ان معني حرمة الفعل عرفا ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا، لو تم لا يقتضي ما رتب عليه من انه لا يراعي الحرمة بإتمام العمل، إذ لو سلمنا ان المحرم هو نفس الفعل لا الهيئة الاجتماعية الا انه لا ينبغي التأمل في ان المحرم هو نفس نقش الاجزاء بشرط الانضمام و ما يصدق الصورة عليه، و الا فلا يكون حراما، ففي الفرض بما انه لا يصدق صورة الحيوان علي ما نقش فلا وجه للحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 292

______________________________

لو اشترك اثنان في عمل صورة

الفرع السادس: لو اشترك اثنان في عمل صورة فإن نقش أحدهما جملة من الاجزاء و لم يصدق صورة الحيوان علي ما نقش و تممه آخر، فهل يكون المحرم هو فعل الثاني أم فعل كل منهما، أم انه لم يفعل واحد منهما حراما؟ وجوه بل أقوال.

أقواها الاول، إذ المحرم هو إيجاد الصورة و هو انما يكون بفعل الثاني فهو الفاعل للحرام.

و استدل المحقق الايرواني قدس سره للثاني: بأنه بناء علي كون المحرم هو الاتيان بالهيئة الاجتماعية، أي ايجاد الصورة، يمكن ان يقال بأن

كلا منهما فاعل للحرام، اذ الهيئة تحصل بفعل الجميع، فلولا نقش السابق للاجزاء السابقة لم تحصل الهيئة بفعل اللاحق.

و فيه: ان ايجاد الصورة و تحصيل الهيئة انما يكون بفعل الثاني، و نقش السابق للاجزاء السابقة انما يكون ايجادا للمقدمة، فلو حرم لا بد و ان يكون من جهة الاعانة علي الاثم، و قد عرفت انه لا دليل علي حرمتها.

و استدل للثالث: بأن المحرم هو فعل التصوير، أي نقش مجموع الاجزاء نفسها، و عليه فلم يفعل واحد منهما حراما، لان كلا منهما نقش بعض الاجزاء لا جميعها.

و فيه: ان ذلك و ان احتمله المصنف قدس سره الا انه خلاف الظاهر من الادلة، بل الظاهر منها هو حرمة ايجاد الصورة.

و لو قارن نقشهما الاجزاء و تحصل الهيئة بفعلهما فقد يقال بعدم حرمة فعلهما، لان كلا منهما نقش بعض الاجزاء لا جميعها. و يرد عليه ما عرفت آنفا.

و اختار السيد في الحاشية ان كلا منهما فعل حراما، و استدل له: بأن فاعل ايجاد الصورة في الرض هو مجموع الاثنين، و هما فاعل واحد و مصور واحد، فتحرم عليهما الصورة و عليه فإن كان المحرم هو نفس الفعل المركب فكل جزء صادر من أحدهما محكوم بالحرمة الضمنية، و علي الوجه الآخر، يكون كل جزء حراما مقدميا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 293

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه (1) فالمحكي عن شرح الارشاد للمحقق الاردبيلي قدس سره ان المستفاد من الاخبار الصحيحة و أقوال الاصحاب عدم حرمة إبقاء الصور (2) انتهي و قرره الحاكي علي هذه الاستفادة.

______________________________

و فيه: ان ظاهر الادلة حرمة ايجاد الصورة، و كل واحد منهما لم يوجد الصورة بل أوجد بعضها، و

المجموع ليس مكلفا واحدا كي يصح توجه التكليف اليه.

فالاولي ان يستدل له بأن المستفاد من الادلة كون الاثم هو ايجاد الصورة في الخارج بلا نظر الي اشخاص الفاعلين و أفرادهم، و عليه فتدل علي حرمة فعل كل منهما الآية الشريفة) و لا تعاونوا علي الاثم و العدوان (فإن فعلهما تعاون علي الاثم.

حكم اقتناء الصور المحرمة

(1) في المتن بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في مواضع.

الاول: وجوب محو الصورة و اعدامها و عدمه.

الثاني: جواز اقتناء الصور المحرمة و التزيين و اللعب بها.

الثالث: جواز ايقاع المعاملات عليها.

(2) أما الموضع الاول: فالذي يظهر من كلام المحقق الاردبيلي قدس سره الذي ذكره المصنف هو عدم وجوب المحو، و ليس كلامه في الاقتناء، و لا ملازمة بين عدم وجوب المحو و جواز الاقتناء الذي هو نوع انتفاع بها كما لا يخفي، و قد نسب في الجواهر اليه القول بحرمة الابقاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 294

و ممن اعترف بعدم الدليل علي الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد مفرعا علي ذلك جواز بيع الصور المعمولة و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار و أواني النقدين، و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر اليها لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل و ابتياعها، ففي المقنعة بعد ان ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها، قال: و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الشطرنج و النرد و ما أشبه ذلك حرام و بيعه و ابتياعه حرام، انتهي.

و في النهاية و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الصور و الشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار حتي

لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها و التصرف فيها و التكسب بها محظور انتهي، و نحوها ظاهر السرائر.

و يمكن ان يستدل للحرمة مضافا الي ان الظاهر من تحريم عمل الشي ء

مبغوضية وجود المعمول ابتداء او استدامة (1).

______________________________

و كيف كان: فقد استدل لوجوب المحو و حرمة الابقاء بوجهين:

(1) هذا أول الوجهين و حاصله ان الظاهر من تحريم عمل شي ء مبغوضية وجود المعمول ابتداء و استدامة، فما دل علي حرمة عمل الصور يدل علي وجوب محوها بعد وجودها.

و أجيب عنه كما في المكاسب و سيمر عليك: بأن الممنوع هو ايجاد الصورة و ليس وجودها مبغوضا حتي يجب رفعه.

و أورد عليه: بأن الايجاد عين الوجود، و التغاير بينهما انما يكون بالاعتبار، حيث انه بالنسبة الي الفاعل يكون ايجادا، و بالنسبة الي القابل يكون وجودا، و عليه فحرمة الايجاد عين مبغوضية الوجود و حرمته.

و فيه: أولا: ان الوجود المستمر في عمود الزمان ينحل باعتبار كونه في الآن الاول و في الآنات اللاحقة الي الحدوث و البقاء، و حرمة الايجاد و ان استلزمت بالبرهان المزبور

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 295

______________________________

حرمة الوجود في الآن الاول الذي هو عين الايجاد، بل من جهة اتحادهما يكون التعبير

بالملازمة مسامحة بل هما شي ء واحد، الا ان الكلام انما هو في الوجود في الآنات اللاحقة الذي يعبر عنه بالبقاء، و ليس هو عين الايجاد، و معلوم ان حرمة الحدوث لا تلازم حرمة البقاء لا حكما و لا موضوعا، فما دل علي حرمة الايجاد لا يدل علي حرمة الابقاء الا اذا قامت قرينة علي ان الوجه في النهي مبغوضية الاثر و الوجود المستمر في عمود الزمان كما في النهي عن بيع العبد المسلم بالكافر، فإن الظاهر- كما ستعرف

في محله- ان الوجه في النهي مبغوضية تسلط الكافر علي المسلم، و كما في النهي عن تنجيس المسجد الذي استفادوا منه وجوب إزالة النجاسة عنه.

لا يقال: ان مقتضي الحكمة التي ذكرها المصنف قدس سره- و هي التشبه بالخالق- تلازم

حرمة الايجاد لحرمة الابقاء في المقام، فإنها ما دامت موجودة يكون التشبه متحققا.

فإنه يرد بأنه لم يثبت من الدليل كون الحكمة ذلك كما تقدم علي انه لا وجه للتعدي من جهة الحكمة لعدم كونها من قبيل العلة.

و ثانيا: انه لو سلم تلازم حرمة الايجاد لحرمة الوجود او اتحادهما، فغاية ما يقتضيه هذا البرهان حرمة الابقاء بالنسبة الي الموجد فقط، و الكلام انما هو في وجوب اتلافه علي كل أحد، و ذلك بناء علي كون دعوي حرمة الابقاء مبنية علي اتحاد الايجاد و الوجود واضح، و أما بناء علي كون دعوي حرمة الابقاء مبنية علي اتحاد الايجاد و حرمة الوجود من الحكمة فلان مقتضاها حرمته ممن يكون ذلك تشبها له بالخالق و ليس هو الا الموجد.

و بالجملة: لا ملازمة بين حرمة عمل شي ء و بين حرمة ابقائه، بل قد يجب الثاني مع حرمة العمل كما لو تولد أحد من الزنا فإن ايجاده حرام و ابقائه واجب، بمعني انه يجب حفظه من التلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 296

______________________________

الثاني: خبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني

رسول الله صلي الله عليه و آله الي المدينة فقال: لا تدع صورة الا محوتها و لا قبرا الا سويته و لا كلبا الا قتلته «1».

و فيه: أولا: انه ضعيف السند فتأمل.

و ثانيا: انه غير متضمن لقضية حقيقية بل وارد في واقعة خارجية شخصية، و لا نعلم ان

الصور التي أمر صلي الله عليه و آله بمحوها بأي كيفية كانت فلعلها كانت أصناما.

و أما ما ذكره المصنف قدس سره كما سيأتي من ان سياقه ظاهر في الكراهة من جهة عموم الامر بقتل الكلاب و تسوية القبور.

فغير صحيح، اذ الامر انما هو بقتل كلاب المدينة لا مطلق الكلاب، و لعلها كانت موذيات.

كما ان الامر بتسوية القبور انما هو في موضوع شخصي و لعله كانت القبور مسنمات.

فتحصل: ان الاظهر عدم وجوب محو الصورة.

و أما الموضع الثاني: فالمعروف بين قدماء أصحابنا حرمة اقتنائها و التزيين بها، و لعل المشهور بين متأخري المتأخرين الجواز.

و استدل للاول بوجوه:

الاول: الملازمة بين حرمة عمل شي ء، و بين حرمة اقتنائه، و التصرف فيه،

و التزيين به.

و فيه: ما عرفت آنفا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 297

بما تقدم في صحيحة ابن مسلم (1) من قوله لا بأس ما لم يكن حيوانا بناء علي ان الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها العام البلوي و هو الاقتناء. (2) و أما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش، أ لا تري انه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة او عن العصير فأجاب بالاباحة انصرف الذهن الي شربهما دون صنعتهما، بل ما نحن فيه اولي بالانصراف لان صنعة العصير و الخمر يقع من كل أحد بخلاف صنعة التماثيل.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني و هو صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال عليه السلام: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «1».

(2) و تقريب الاستدلال به ليس ما ذكره المصنف قدس سره

من ان الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها و هو الاقتناء: فإنه يرد عليه ما ذكره قدس سره من ان عمل الصور مما هور مركوز في الاذهان، حتي ان السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها، بل من جهة ان الظاهر كون المقدر هو الفعل المتعلق بالتماثيل بعد وجودها كالاقتناء و التزيين و نحوهما، لاما هو علة لوجودها، أو ان حذف المتعلق يفيد العموم، فالمقدر أعم من العمل و الاقتناء و نحوهما.

و أجاب عنه المحقق الايرواني بأن ثبوت البأس أعم من الحرمة.

و فيه: ما عرفت من ظهوره في إرادة الحرمة، فهذا الصحيح أيضا يدل علي حرمة الاقتناء.

الثالث: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: أتاني جبرئيل قال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام و ينهي عن تزويق البيوت، قال ابو بصير:

فقلت: و ما تزويق البيوت؟ فقال عليه السلام: تصاوير التماثيل (2).

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 17.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 298

و بما تقدم من الحصر في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول (1) انما حرم الله الصناعة التي يجئ منه الفساد محضا و لا يكون منه، و فيه شي ء من وجوه الصلاح فان ظاهره ان كل ما يحرم صنعته.

و منها التصاوير يجئ منه الفساد محضا فيحرم جميع التقلب فيه بمقتضي ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة.

______________________________

فإن جوابه بقرينة وقوعه تفسيرا لتزويق البيوت الذي هو بمعني تزيينها يكون ظاهرا في إرادة الاقتناء و تزيين البيوت بها.

(1) هذا هو الوجه الرابع الذي ذكر لحرمة الاقتناء و هو الحصر في خبر تحف العقول،

و حاصله ان مقتضي الحصر المستفاد منه انه لا يحرم من الصنائع الا ما يجئ منه الفساد محضا، و حيث ان عمل الصورة من الصنائع المحرمة فهو يدل علي انما مما يجئ منه الفساد محضا، و كل ما يجئ منه الفساد محضا يحرم جمع التقلبات فيه، و منها الاقتناء كما دل علي ذلك قوله عليه السلام فيه: و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها و قوله عليه السلام فيه أيضا: فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه- الي ان قال- فهو حرام يبعه و شرائه و إمساكه و ملكه وهبته و عاريته و جميع التقلب فيه «1».

و فيه: أولا: ان الخبر ضعيف السند لا يستند اليه في الاحكام الشرعية كما تقدم في أول الكتاب.

و ثانيا: انه يدل علي حرمة التقلب في ما حرم و هو في المقام صنعة التصاوير لا وجودها، فلا يدل علي حرمة التقلب فيه، و الاقتناء تقلب فيه لا فيها.

و ثالثا: ما ذكره المصنف كما سيأتي و حاصل ما ذكره: ان حصر الصناعة المحرمة فيما يجئ منه الفساد محضا بقرينة الجملة السابقة الواردة في تقسيم الصناعات انما يكون بالنسبة الي حرمة الصنائع الآتية من قبل حرمة المصنوع و عدم وجود المنفعة المحللة له، فيد علي

______________________________

(1) الوسائل باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 299

و بالنبوي لا تدع صورة الا محوتها و لا كلبا الا قتلته (1) بناء علي إرادة الكلب الهراش الموذي الذي يحرم اقتناؤه، و ما عن قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن التماثيل هل يصلح ان يلعب بها؟ قال: لا

(2) و بما ورد في إنكار ان المعمول لسليمان) علي نبينا و آله و عليه السلام (هي تماثيل الرجال و النساء (3) الانكار إنما يرجع الي مشية سليمان للمعمول كما هو ظاهر الآية دون أصل العمل، فدل علي كون مشية وجود التمثال من المنكرات التي لا يليق بمنصب النبوة.

______________________________

انه انما تحرم الصناعة التي ليس لمصنوعها منفعة محللة و لا يحرم ما لمصنوعه جهة صلاح، و أما حرمة الصناعة الآتية من قبل نفس الصنع فهي ليس مشمولة لهذه الجلة، فلا يصح الاستدلال بها لاثبات ان عمل الصورة من الصناعات التي يجئ منها الفساد محضا، لكونه حراما من جهة نفس الصنع لا من جهة المصنوع.

(1) هذا هو الوجه الخامس و هو خبر السكوني المتقدم و قد مر في الموضوع الاول ما يرد عليه.

(2) هذا سادس الوجوه و هو ما دل علي حرمة اللعب بالتماثيل كخبر علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام عن التماثيل هل يصلح ان يلعب بها قال عليه السلام: لا «1» و نحوه مرفوع المثني «2».

و فيه: اولا: انهما ضعيفا السند.

و ثانيا: ان حرمة اللعب اعم من حرمة الاقتناء.

و ثالثا: ما ذكره المصنف من انهما يدلان علي انه لا يصلح اللعب بهما، و عدم الصلاحية أعم من الحرمة.

و رابعا: ما احتمله الاستاذ الاعظم من أن يكون المراد بالتماثيل هي القطع التي يلعب بها في الشطرنج التي هي علي ستة أصناف، و كل صنف علي صورة فيكونان أجنبيين عن المقام.

(3) هذا هو الوجه السابع و هو صحيح البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام الوارد في تفسير

______________________________

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

(2) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن،

حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 300

______________________________

قوله تعالي:) يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل (قال عليه السلام: و الله ما هي تماثيل

الرجال و النساء، و لكنها الشجر و شبهه «1».

و تقريب الاستدلال به: ان الظاهر ان الانكار انما يرجع الي مشيئة سليمان للمعمول لا العمل اذ الموصول في ما يشاء مفعول ليعملون و الضمير المحذوف المنصوب لما يشاء يرجع الي الموصول، فمتعلق المشيئة نفس المعمول و الا لزم تعلق العمل بالعمل، و حيث انه عليه السلام أنكر مشيئة سليمان لوجود تماثيل الرجال و النساء فيدل علي ان وجودها من المنكرات.

لا يقال: ان لازم هذا البيان دلالة الحديث علي وجوب المحو.

فإنه يرد: بأنه يدل علي ان سليمان لم يشأ ان يكون ما يعمل له للاقتناء و التزيين تماثيل الرجال و النساء.

و قد أجيب عنه بوجوه:

الاول: ان الصانعين للتماثيل له هم الجن، فالاستدلال به علي حرمة اقتناء الصور يتم بناء علي حرمة التصوير علي الجن، و هو غير ثابت.

و فيه: ان الخبر بالتقريب المتقدم انما يدل علي حرمة اقتناء الصورة م غير نظر الي ان تحققها و صدورها عن الفاعل كان عصيانا أم لم يكن.

الثاني: ما ذكره الاستاذ الاعظم من ان الظاهر رجوع الانكار الي كون التصاوير المعمولة لسليمان تصاوير الرجال و النساء فلا يدل علي مبغوضية العمل فضلا عن مبغوضية المعمول، و الوجه فيه ان تصاوير الرجال و النساء و اقتناءها من الامور اللاهية التي لا تليق بمنصب النبوة بخلاف تصاوير الشجر و شبهه.

و فيه: ان هذا الجواب متين لو لم يكن في الآية الشريفة قوله تعالي:) ما يشاء (و أما مع وجوده فلا يتم، إذ حينئذ يرجع الانكار الي مشيئة سليمان عليه السلام،

فيدل علي كون متعلق المشيئة الذي هو وجود المعمول بالتقريب المتقدم من المنكرات.

______________________________

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 301

و بمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها و ترك ما سوي ذلك.

______________________________

الثالث: ما ذكره المصنف بعد أسطر بقوله: فظاهره رجوع الانكار الي مشيئة سليمان علي نبينا و آله و عليه السلام لعملهم بمعني إذنه فيه أو الي تقريره لهم في العمل.

توضيحه: علي ما ذكره بعض مشايخنا المحققين: ان مجرد الميل و الحب الي شي ء مرجوح لا ينافي النبوة ما لم يظهر أثره، فهذه قرينة علي رجوع الانكار الي الاذن أو التقرير.

و فيه: انه يمكن أن يكون راجعا الي وجود المعمول و أثره حينئذ اقتنائه، فعلي فرض ظهوره في نفسه في الرجوع الي نفس المعمول لا وجه لرفع اليد عنه بواسطة ذلك.

فالصحيح في الجواب ان يقال: انه انما يدل الحديث علي ان اقتناء تماثيل الرجال و النساء لا يناسب مقام النبوة و هو أعم من الحرمة، اللهم ان يقال: ان فعل المكروه لا ينافي مقام النبوة، فالانكار دليل علي الحرمة.

لا يقال: انه يدل علي الحرمة في تلك الشريعة لا في هذه الشريعة.

فإنه يقال: ان تعرض الامام عليه السلام له يدل علي بقاء هذا الحكم.

(1) هذا هو الوجه الثامن من ما استدل به علي حرمة الاقتناء «1».

و أجاب عنه الاستاذ الاعظم بأن البأس فيه محمول علي الكراهة للصلاة.

و فيه: انه خلاف الظاهر، فإن الظاهر منه ثبوت البأس في وجود التماثيل في البيت لا في الصلاة.

و قد يقال: ان ثبوت البأس أعم من الحرمة.

و فيه: انه ظاهر في المنع

ما لم يثبت الترخيص كما يظهر لمن راجع معناه اللغوي،

فالانصاف انه يدل علي عدم جواز الاقتناء، و لكن ستعرف انه معارض بما دل علي الجواز فيحمل علي الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 4 من أبواب أحكام المساكن، حديث 3، كتاب الصلاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 302

و رواية المثني عن أبي عبد الله عليه السلام ان عليا عليه السلام يكره الصور في البيوت بضميمة ما ورد في رواية اخري مروية في باب الربا ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال (1).

و رواية الحلبي المحكية عن مكارم الاخلاق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أهدي إلي طنفسة) قطيفة (من الشام فيها تماثيل طائر، فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر (2) هذا و في الجميع نظر.

أما الاول: فلان الممنوع هو ايجاد الصورة و ليس وجودها مبغوضا حتي يجب رفعه، نعم قد يفهم الملازمة من سياق الدليل او من خارج كما ان حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم لوجوب رفعها، و أما الروايات فالصحيحة الاولي غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لان عمل الصور مما هو مركوز في الاذهان حتي ان السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.

______________________________

(1) هذا هو الوجه التاسع و هو ما دل علي كراهة الامام علي عليه السلام وجود الصورة في البيوت كخبر المثني عن الامام الصادق عليه السلام «1» و خبر حاتم بن اسماعيل عن جعفر عن أبيه «2» فإن ذلك بضميمة ما دل علي ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال كصحيح أبي بصير «3» يدل علي حرمة اقتناء الصورة في البيوت.

و فيه: أولا: ان الخبرين مجهولان،

أما الاول فلمثني، و أما الثاني: فلحاتم.

و ثانيا: ان المراد من ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال انه لم يكن يكره الحلال المتساوي الطرفين و الا فهو كان كارها للمكروه قطعا.

و بذلك يظهر ان المراد من الكراهة في الخبرين ما يعم الكراهة الاصطلاحية.

(2) هذا هو الوجه العاشر و هو خبر الحلبي «4». عن أبي عبد الله عليه السلام المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3 من أبواب أحكام المساكن، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 14.

(3) الوسائل باب 15 من أبواب أحكام الربا، حديث 1.

(4) الوسائل، باب 4 من أبواب أحكام المساكن، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 303

و أما الحصر في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات الي ما يترتب عليه الحلال و الحرام، و ما لا يترتب عليه الا الحرام اضافي بالنسبة الي هذين القسمين يعني لم يحرم من القسمين الا ما ينحصر فائدته في الحرام و لا يترتب عليه الا الفساد، نعم يمكن ان يقال: ان الحصر وارد في مساق التعليل و اعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور.

و أما النبوي فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الامر بقتل الكلاب و قوله عليه السلام في بعض هذه الروايات و لا قبرا الا سويته.

و أما رواية علي بن جعفر فلا تدل الا علي كراهة اللعب بالصورة و لا نمنعها،

بل و لا الحرمة اذا كان اللعب علي وجه اللهو، و أما ما في تفسير الآية فظاهره رجوع الانكار الي مشيئة سليمان) علي نبينا آله و عليه السلام (لعملهم بمعني إذنه فيه، أو الي تقريره لهم في العمل.

و

أما الصحيحة فالبأس فيها محمول علي الكراهة لاجل الصلاة أو مطلقا مع دلالته علي جواز الاقتناء و عدم وجوب المحو.

و أما ما ورد من ان عليا عليه اللام لم يكن يكره الحلال، فمحمول علي المباح المتساوي طرفاه لانه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا و أما رواية الحلبي فلا دلالة لها علي الوجوب أصلا، و لو سلم الظهور في الجميع فهي معارضة بما هو أظهر و أكثر (1). مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ربما قمت اصلي و بين يدي

______________________________

و فيه: مضافا الي انه مرسل غاية ما يدل عليه مرجوحية كونها في البيت للصلاة او مطلقا، و لا يدل علي الحرمة، إذ فعله عليه السلام لا يدل علي اللزوم كما لا يخفي.

فتحصل: ان صحيح البقباق و خبر أبي بصير و صحيحي زرارة و محمد بن مسلم تدل علي حرمة الاقتناء و التزيين بها.

الا انه يتعين صرفها عن ظاهرها و حملها علي ارادة الكراهة لاجل الصلاة او مطلقا.

(1) لما أفاده في المتن من أنها معارضة بما دل علي جواز اقتناء الصور و التماثيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 304

______________________________

كمرسل ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام: سألته عن التماثيل تكون في البساط فتقع عينك عليها و انت تصلي فقال: إن كان لها عين واحدة فلا بأس، و إن كان لها عينان فلا «1».

و هذا المرسل بقرينة التفصيل بين أن يكون لها عين واحدة أم عينان مختص بذوات الارواح، و لتضمنه لفظة التماثيل ظاهر في المجسمة، فهو يدل علي جواز إبقاء المجسمة، و إن المنع انما هو لاجل الصلاة و هو يرتفع اذا كانت بعين واحدة، و احتمال وروده في

مقام بيان حكم الصلاة خاصة و انه لا ينافي حرمة الاقتناء كما تري خلاف الظاهر جدا.

و ما أورده الاستاذ الاعظم علي الاستدلال به بأنه ضعيف للارسال، و ان ما اشتهر من ان مرسلات ابن أبي عمير من الامارات المعتبرة فاسد لما نري ان في مسنداته رجالا ضعفاء، و نستكشف من ذلك ان مرسلات أيضا علي هذا المنهج.

و دعوي انه لا يرسل الا عن الثقة دعوي جزافية، إذ لم يثبت لنا ذلك بدليل عقلي او نقلي، مع انه لو سلمنا انه لا يرسل الا عن الثقة و لكن ثبوت الصحة عنده لا يوجب ثبوتها عندنا لاحتمال اكتفائه، في تصحيح الرواية بما لا نكتفي به نحن.

غير تام، و ذلك لان مرسل ابن ابي عمير حجة لوجهين:

الاول: ما اشتهر من انه لا يرسل الا عن الثقة، و الدليل علي هذا بنحو يخرج عن الدعوي الجزافية ما عن الذكري من أن الاصحاب اجمعوا علي قبول مراسيله، و عن الكشي: ان أصحابنا يسكنون الي مراسيله.

و ما ذكره دام ظله من انه لو ثبت ذلك، أي انه لا يرسل الا عن الثقة، لا يجدي، إذ لعله يكتفي في تصحيح الرواية بما لا نكتفي به.

غريب، اذ الدليل دل علي انه لا يرسل الا عن الثقة، لا انه لا يرسل الا الخبر الصحيح عنده و عليه فارساله توثيق لمن ارسل عنه، فيكون كتوثيق النجاشي و غيره.

الثاني: انه من الطبقة الثالثة من الطبقات الثلاث من أصحاب الاجماع و قد حققنا

______________________________

(1) الوسائل، باب 45، من أبواب لباس المصلي، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 305

الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا. (1) و رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه

نقش تماثيل طير او سبع أ يصلي فيه، قال: لا بأس.

و عنه عن أخيه عن البيت فيه صورة سمكة او طير يعبث به أهل البيت هل يصلي فيه؟ قال: لا، حتي يقطع رأسه و يفسد (2).

______________________________

في محله و أشرنا اليه في الجزء الثاني من فقه الصادق في مبحث الحيض ان المراد من قولهم اجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم اعتبار رواية من قيل في حقه ذلك لو صحت من أول السند اليه من دون اعتبار الوثاقة فيمن يروي عنه حتي لو روي عن معروف بالفسق، فضلا عما لو ارسل الحديث.

و بما ذكرناه في تقريب الاستدلال ظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم من عدم الدليل علي جواز اقتناء المجسمة من ذوات الارواح مدعيا ان نصوص الجواز عامة للمجسمة و غيرها، فخصص بما دل علي المنع.

(1) و صحيح «1» الحلبي المذكور في المتن، و ظهوره في جواز الاقتناء لا ينكر، و حمله علي ما اذا كان هناك مانع عن الازالة خلاف الظاهر قطعا.

و دعوي انه ظاهر في غير المجسمة، ممنوعة اذ يمكن ان يكون في الوسادة مجسمة من الطير منسوجة عليها كما لا يخفي، و عليه فلا وجه لرفع اليد عن ظهور التماثيل في المجسمة.

و ان شئت قلت: ان نصوص المنع عن الاقتناء مانعة عن اقتناء التماثيل، و هذا الصحيح مجوز له، فلا وجه لحمل إحدي الطائفين علي المجسمة، و الاخري علي غيرها بل يتعين الجمع بينهما، إما بأن المنع انما هو لاجل الصلاة، او الحمل علي الكراهة.

(2) و خبر «2» علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: المذكور في المتن و هو كالصريح في ان المنع انما هو لاجل الصلاة لا لنفسه.

لا

يقال: انه اعم من النصوص المانعة فإن الصورة اعم من المجسمة و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 32 من أبواب مكان المصلي، حديث 2 و 10.

(2) الوسائل، باب 32، من أبواب مكان المصلي، حديث 2 و 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 306

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل قال: لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما التماثيل؟ قال: كل شي ء يوطأ فلا بأس به «1». و سياق السؤال مع عموم الجواب يأبي عن تقييد الحكم بما يجوز عمله كما لا يخفي.

و رواية أخري لابي بصير، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام انا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها، قال: لا بأس منها بما يبسط و يفرش و يوطأ و انما يكره منها ما نصب علي الحائط و علي السرير «2».

و عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام سألته عن رجل كان في بيته تماثيل او في ستر و لم يعلم بها و هو يصلي في ذلك البيت ثمّ علم ما عليه؟،

قال عليه السلام: ليس عليه فيما لم يعلم شي ء فإذا علم فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل، فإن ظاهره ان الامر بالكسر لاجل كون البيت مما يصلي فيه و لذلك لم يأمر عليه السلام بتغيير ما علي الستر و اكتفي بنزعه «3».

و منه يظهر ان ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة مع عدم تغيير الرءوس انما هو لاجل الصلاة، و كيف كان فالمستفاد من جميع ما ورد من الاخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل الا اذا غيرت، أو كانت بعين واحدة أو القي عليها ثوب

جواز اتخاذها و عمومها يشمل المجسمة و غيرها.

______________________________

فإنه يرد بأن المراد بها في المقام هي المجسمة، فإن الصورة التي يلعب بها هي المجسمة،

إلي غير ذلك من النصوص الواردة في الابواب المتفرقة فإن ملاحظة مجموعها توجب القطع بجواز الاقتناء و إن كان بعضها أعم من تمثال ذي الروح و غيره، و بعضها ضعيف السند كجملة مما ذكره المصنف قدس سره في المقام، و بعضها مختصا بغير المجسمة، و بعضها عاما من هذه الجهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، من أبواب أحكام المساكن، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4، مع اختلاف.

(3) الوسائل، باب 45، من أبواب لباس المصلي، حديث 20.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 307

و يؤيد (1) الكراهة الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت و اقتناء الكلب و الاناء المجتمع فيه البول في الاخبار الكثيرة مثل ما روي عنهم عليهم السلام مستفيضا عن جبرئيل) علي نبينا و آله و عليه السلام (انا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب و في بعض الاخبار إضافة الجنب اليها و الله العالم بأحكامه.

(الخامسة): التطفيف (2) حرام
اشارة

ذكره في القواعد في المكاسب، و لعله استطرادا و المراد اتخاذه كسبا بأن ينصب نفسه كيالا أو وزانا فيطفف للبائع.

______________________________

(1) وجه التأييد ان وجود الكلب و الاناء المجتمع فيه البول و الجنب في البيت ليس من المحرمات قطعا بل هو مكروه فكذلك اقتناء التماثيل لوحدة السياق.

الموضع الثالث: في جواز ايقاع المعاملات عليها و عدمه.

بناء علي ما عرفت من جواز اقتنائها و التزيين بها في من الاشياء التي لها مالية و منفعلة محللة، فمقتضي العمومات جواز ايقاع المعاوضة عليها، بل الظاهر من بعض

النصوص الخاصة أيضا الجواز، و هو ما دل علي اقتناء البسط و الوسائد التي فيها الصور فانها تشتري من السوق غالبا.

فحصل: ان المحرم خصوص عمل الصور.

و أما اقتنائها، و التزيين بها، و بيعها، و شرائها فجائزة.

حرمة التطفيف

(2) و الظاهر انه هو التقليل وزنا و معني كما في المصباح، و يشهد له ملاحظة سائر مشتقاته كالطفيف الذي هو بمعني القليل، و احتمال نقله عن ذلك و الوضع لخصوص التنقيص في الكيل و الوزن كما تري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 308

و كيف كان فلا اشكال في حرمته و يدل عليه الادلة الاربعة، ثمّ ان البخس في العد و الذرع يلحق به حكما و إن خرج عن موضوعه (1).

______________________________

و التخصيص في الآية الشريفة بقوله تعالي:) الذين إذا اكتالوا … الخ «1» إما أن يكون من جهة الغلبة فلا خصوصية للبخس في الكيل و الوزن، أو من باب إطلاق اللفظ الموضوع للطبيعة علي صنف منها.

(1) و بذلك ظهر ان ما ذكره المصنف من ان البخس في العدو الذرع يلحق به حكما و إن خرج عن موضوعه، غير تام لشمول التطفيف له موضوعا، اللهم إلا ان يكون نظره قدس سره الي ان الادلة المتضمنة لحرمة التطفيف من الآية الشريفة و النصوص كلها مختصة بالبخس في الكيل و الوزن.

و كيف كان: فتشهد لحرمته الادلة الاربعة:

أما الكتاب: فقوله تعالي:) ويل للمطففين) «2» و قوله تعالي:) و لا تبخسوا الناس أشيائهم) «3» و قوله تعالي:) و لا تنقصوا المكيال و الميزان «4».

و أما السنة: فقد وردت نصوص كثيرة في الابواب المتفرقة دالة علي الحرمة. كحسن حمران عن الامام الصادق عليه السلام في حديث عد فيه جملة من الاوصاف المحرمة و رأيت الرجل معيشته

من بخس المكيال و الميزان «5» و غير ذلك من النصوص المستفيضة.

أما الاجماع: فقد ادعاه غير واحد، و الظاهر انه كذلك، إذ لم يخالف فيه أحد.

أما العقل: فلانه مستقل بقبح الظلم، و تنقيص حق الغير و عدم الوفاء به ظلم.

و ظاهر الادلة حرمة التطفيف بعنوانه و بعنوان انه بخس، لا بعنوان انه أكل للمال بالباطل، فيحرم لو طفف و لم يتصرف بعد في العوض، و لا بعنوان عدم دفع حق الغير،

فيحرم قبل تسليم المعوض أو العوض.

______________________________

(1) المطففين: 2.

(2) المطففين: 3.

(3) الشعراء: 183.

(4) هود: 85.

(5) الوسائل، باب 41، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 309

و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما فإن جرت المعاوضة علي الوزن المعلوم الكلي (1) فيدفع الموزون علي انه بذلك الوزن اشتغلت ذمته بما نقص (2).

______________________________

فما اختاره المحقق الايرواني قدس سره من عدم كون التطفيف و البخس من العناوين المحرمة فاسد، و أغرب من ذلك ما ذكره متفرعا علي ذلك من ان الكيل بالمكيال الناقص و كذا البخس في الميزان مع وفاء الحق كاملا ليسا بحرامين، فإن المأخوذ في حقيقة التطفيف و البخس عدم الوفاء بالحق.

و يتفرع علي ما اخترناه ان إجارة الانسان نفسه علي التطفيف محرمة وضعا و تكليفا كما هو الشأن في جميع المحرمات الشرعية.

فلو آجر نفسه علي الكيل بالكيل التام ثمّ طفف لا يستحق بذلك شيئا، أما عدم استحقاقه أجرة المسمي فلعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه، و أما عدم استحقاقه أجرة المثل فلان العمل المحرم لا أجرة له.

حكم المعاملة المطفف فيها

(1) يقع الكلام أولا في حكم المعاملة المطفف فيها إذا لم يكن البيع ربويا، ثمّ فيما اذا كان البيع كذلك.

و أما المورد

الاول: فإن وقعت المعاملة علي الكلي صحت بلا كلام من غير فرق بين وقوعها علي الكلي في الذمة، أو الكلي في المعين. إذ المعاملة حين وقوعها وقعت صحيحة، و تطفيف البائع او من يباشر الاقباض لا يوجب فساده.

(2) نعم يوجب ذلك اشتغال ذمة الدافع بالمقدار الذي نقص عن الحق كما أفاده المصنف قدس سره.

و أما اذا وقعت المعاملة علي الموجود الخارجي، فهناك صور:

الاولي: أن ينشأ البيع معلقا علي كون المبيع بذلك المقدار المعين، و هذا لا ريب في فساده و إن لم يظهر الخلاف، بل مع عدم التطفيف أيضا للاجماع علي بطلان التعليق في الانشاء.

الصورة الثانية: ان ينشأ البيع منجزا علي الموجود الخارجي بشرط كونه بذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 310

______________________________

المقدار ثمّ ظهر الخلاف صح البيع في هذه الصورة و ثبت الخيار للمشتري، هذا بناء علي ان

شرط المقدار كغيره من الشروط لا يقسط عليه العوض، و الا فحكم هذه الصورة حكم الصورة الخامسة.

الصورة الثالثة: ان ينشأ البيع عليه منجزا بعنوان انه مقدر بكذا مقدار، فقد يقال كما عن المحقق الايرواني قدس سره ان البيع باطل اذا ظهر الخلاف لظهور عدم الوجود للمبيع، فإن المبيع العنوان المتحقق في هذا المشاهد و لا عنوان متحقق في هذا المشاهد، و ليس المبيع هذا المشاهد بأي عنوان كان، و لا العنوان في أي مصداق كان، إذ لا وجه لإلغاء الاشارة أو الوصف.

و فيه: ان تخلف العنوان الذي ليس من العناوين المقومة- و هي ما تعد من الصور النوعية عند العرف- لا يوجب الا الخيار كما تقدم في مبحث بيع هياكل العبادة فراجع.

الصورة الرابعة: ان يكون المقصود شراء الموجود الخارجي كائنا ما كان، و كان الكيل و الوزن من جهة

حصول العلم بالمعوض ليخرج عن كونه بيع المجهول صح البيع في هذه الصورة مع عدم الخيار، إلا إذا كان البائع جاهلا بمقدار ما طفف، فإنه حينئذ يبطل البيع للجهل بالمبيع، إذ يعتبر علم كلا الطرفين.

فإن قيل انه ما الفرق بين هذه الصورة و الصورتين السابقتين حيث حكمتم فيهما بالصحة مطلقا و في هذه قيدتم الصحة بما ذا كان البائع عالما بمقدار ما طفف؟ أجبنا عنه بالفرق اذ الاشتراط و انشاء البيع بعنوان انه مقدر بكذا يوجبان الخروج عن كونه بيع المجهول، و هذا بخلاف هذه الصورة.

الصورة الخامسة: ما اذا كان المقصود بيع الموجود الخارجي، و كان الغرض من الاشتراط، الاشارة الي تعيين مقدار العوضين، و وقوع كل منهما في مقابل الآخر، و في هذه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 311

و إن جرت علي الموزون المعين باعتقاد المشتري انه بذلك الوزن فسدت المعاوضة في الجميع للزوم الربا (1) و لو جرت عليه علي انه بذلك الوزن بجعل ذلك عنوانا للعوض فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار اليه لم يبعد الصحة و يمكن ابتناؤه علي ان لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض أم لا فعلي الاول يصح دون الثاني.

(السادسة): التنجيم حرام (2)
اشارة

و هو كما في جامع المقاصد الاخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية. و توضيح المطلب يتوقف علي الكلام في مقامات:

______________________________

الصورة يصح البيع في المقدار الموجود و يبطل في غيره كما في بيع ما يملك و ما لا يملك.

(1) هذا كله اذا لم يكن البيع ربويا و أما اذا كان ربويا فإن كان من قبيل البيع الكلي صح لما تقدم و أما إن كان البيع واقعا علي الشخص الموجود الخارجي فإن كان من قبيل الصورة

الاولي بطل البيع للتعليق، و إن كان من قبيل الصورة الرابعة بطل لكونه ربويا، و إن كان من قبيل الصورة الخاصة صح البيع في المقدار الموجود و بطل في غيره، و إن كان من قبيل الصورة الثانية أو الثالثة فبناء علي ان شرط المقدار يقسط عليه العوض صح البيع في المقدار الموجود و بطل في غيره، و بناء علي عدم تقسيط العوض بطل البيع لكونه ربويا مع قطع النظر عن تخلف الشرط.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره.

حرمة التنجيم

(2) قوله السادسة: التنجيم حرام.

و تنقيح القول في المقام يتوقف علي بيان مقدمات:

المقدمة الاولي: ان اتصاف البالغ بالاسلام يتوقف علي اعترافه و إقراره بأن الله تعالي موجود، و انه المتصرف و الخالق لجميع الموجودات علي اختلافها، و انه واحد لا شريك له، و اعترافه بنبوة محمد صلي الله عليه و آله و انه نبي مرسل، و الاعتراف بالمعاد، فالمنكر لوجوده تعالي،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 312

______________________________

او لكونه خالقا للموجودات كالدهرية، او كونه واحدا كالثنوية، او كون محمد صلي الله عليه و آله نبيا

مرسلا كاليهود و النصاري، او للمعاد كافر بالضرورة، من غير فرق بين ان يكون هذا الانكار مستندا الي التقصير او القصور.

و أما المنكر للضروري فقد حققنا في محله في الجزء الثالث من فقه الصادق إن انكار الضروري بنفسه ليس موجبا للكفر، بل انما يوجبه اذا رجع الي تكذيب النبي، و يترتب علي ذلك أمران:

الاول: ان المنكر للضروري لشبهة ليس بكافر.

الثاني: ان كل ما جاء به النبي صلي الله عليه و آله من الفرائض و السنن، ان ثبت كونه كذلك جحده و انكاره يوجب الكفر كما دلت علي ذلك الادلة.

المقدمة الثانية: انه كما

لا ريب في ان الاوضاع الفلكية و الكيفيات الخاصة الحاصلة بين الفلكيات لها آثار و لوازم غير مربوطة بما يحدث في عالم العناصر، مثلا الخسوف لازم وضع المقارنة بين النيرين في حال كون المقارنة في إحدي عقدتي الرأس و الذنب، كذلك لها آثار في الاوضاع السفلية و ما يحدث في عالم العناصر، مثلا اختلاف الفصول من آثار قرب الشمس و بعدها عن خط الاستواء و غير ذلك من الآثار الواضحة.

المقدمة الثالثة: انه لا إشكال في جواز النظر الي الاوضاع الفلكية و الهيئات الكوكبية و الاذعان بها و بما يترتب عليها من الآثار في ذلك العالم و الاخبار عنها، كما هو الشأن في الحوادث السفلية الواقعة في هذا العالم، و ليس النظر فيها متوقفا علي تعلم علم النجوم المصطلح في المقام، و لا الإذعان بها و بتأثيرها في ما لا يكون مرتبطا بالحوادث السفلية الا كالاذعان بتأثير بعض ما في هذا العالم في بعض آخر كتأثير النار في الاحراق.

و أما الاخبار عنها فإن كان مستندا الي الامارات القطعية فلا اشكال فيه، و إن كان مستندا الي الامارات الظنية فإن كان الاخبار ظنيا فلا اشكال فيه أيضا، و إن كان جزميا كان حراما من جهة الكذب. و بذلك يظهر تمامية ما أفاده المصنف قدس سره في مقامين من المقامات الذي ذكره في المسألة. و هما خارجان، عن مسألة التنجيم فلاحظ المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 313

(الاول): الظاهر انه لا يحرم الاخبار عن الاوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب كالخسوف الناشئ عن حيلولة الارض بين النيرين و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره، بل يجوز الاخبار بذلك، اما جزما اذا استند الي ما يعتقده برهانا او ظنا

اذا استند الي الامارات، و قد اعترف بذلك جملة ممن انكر التنجيم منهم السيد المرتضي و الشيخ ابو الفتح الكراجكي فيما حكي عنهما في رد الاستدلال علي اصابتهم في الاحكام بإصابتهم في الاوضاع ما حاصله ان الكسوفات و اقتران الكواكب و انفصالها من باب الحساب و سير الكواكب، و له اصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير و الشر و النفع و الضرر، و لو لم يكن الفرق بين الامرين الا الاصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها فلا يكاد يتبين فيها خطأ، و ان الخطاء الدائم المعهود انما هو في الاحكام حتي ان الصواب فيها عزيز و ما يتفق فيها من الاصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه فحمل أحد الامرين علي الآخر بهت و قلة دين انتهي المحكي من كلام السيد قدس سره.

و قد أشار الي جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة السفر و التزويج في برج العقرب لكن ما ذكره السيد قدس سره من الاصابة الدائمة في الاخبار عن الاوضاع محل نظر لان خطأهم في الحساب في غاية الكثرة، و لذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك علي عدو لهم فضلا عن فساقهم لان حسابهم مبتنية علي أمور نظرية مبتنية علي نظريات أخر الا فيما هو كالبديهي مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب و انتقال الشمس من برج الي برج في هذا اليوم و إن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع الي تفاوت يسير، و يمكن الاعتماد في مثل ذلك علي شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين أو نحوه.

) الثاني: (:

يجوز الاخبار بحدوث الاحكام عند الاتصالات و الحركات المذكورة بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل (مستندا الي) عند الوضع المعين من القرب و البعد و المقابلة و الاقتران بين الكوكبين اذا كان علي وجه الظن المستند الي تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة الله عند الوضع الخاص من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 314

دون اعتقاد ربط بينهما أصلا، بل الظاهر حينئذ جواز الاخبار علي وجه القطع اذا استند الي تجربة قطعية اذ لا حرج علي من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة نظرا الي ما جربه من نزول كلبه عن السطح الي داخل البيت مثلا، كما حكي انه اتفق ذلك لمروج هذا العلم بل محييه نصير الملة و الدين حيث نزل في بعض أسفاره علي طحان له طاحونة خارج البلد، فلما دخل منزله صعد السطح لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل انزل و نم في البيت تحفظا من المطر فنظر المحقق الي الاوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر، فقال صاحب المنزل: ان لي كلبا ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الي البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح فجاءه المطر في الليل و تعجب المحقق، ثمّ ان ما سيجي ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا و ينصرف الي غيره لما عرفت من معني التنجيم.

) الثالث (: الاخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا الي تأثير الاتصالات المذكورة فيها بالاستقلال او بالمدخلية و هو المصطلح عليه بالتنجيم. (1).

______________________________

(1) إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم: أن محل الكلام هو الاذعان و الاعتقاد بثبوت النسبة بين الحوادث السفلية الواقعة في هذا العالم و الاوضاع الفلكية

و الاخبار عنه. و تعلمه، فالكلام يقع في مواضع:

الاول: في الاخبار عن الحادثان مع هذا الاعتقاد.

الثاني: في اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

الثالث في تعلم هذا العلم.

الموضع الاول: في الاخبار عن الحادثات و الحكم بها، فمحصل القول فيه: ان الاخبار عن تأثير الاوضاع الفلكية في الحوادث السفلية بنحو الاستقلال او بالمدخلية حرام لكونه كفرا و زندقة، و دعوي ان الاعتقاد بذلك كفر، لا الإخبار عنه، كما تري، إذ لو لم نقل بتقوم الكفر بالقول، لا ريب في انه كفر.

و الاخبار عن التأثير بنحو الالية و ان المؤثر حيّ مختار، أو مطلقا مع كونه بنحو لا يؤثر وجوه البر في رفع الاثر، حرام لكونه تكذيبا للنبي الصادق صلي الله عليه و آله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 315

فظاهر الفتاوي و النصوص (1) حرمته مؤكدة، فقد أرسل المحقق في المعتبر عن النبي صلي الله عليه و آله انه من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل علي محمد صلي الله عليه و آله و هو يدل علي حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه.

و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق عليه السلام ان المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون.

و في نهج البلاغة انه عليه السلام لما اراد المسير الي بعض أسفاره، فقال بعض اصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم،

فقال عليه السلام: له أ تزعم انك تهدي الي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن و استغني عن الاستعانة بالله تعالي في نيل المحبوب و دفع المكروب الي ان قال: أيها

الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر و الكافر في النار الي آخر، و قريب منه ما وقع بينه و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام: له أ تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثي، قال: ان حسبت علمت.

______________________________

هذا فيما علم بكونه تكذيبا له، و الا فلا وجه للحرمة، إلا إذا كان الاخبار جزميا،

مع عدم كونه جازما بما اخبر به، فإنه يحرم لكونه كذبا، و بذلك ظهر حكم ما لو اخبر عن الربط بين الكائنات و الفلكيات، لا بنحو التأثير، بل بنحو الكاشفية، و انه ان كان اخبارا عنه بنحو لا يؤثر وجوه البر في عدم تحقق المكشوف حرم لكونه تكذيبا للنبي صلي الله عليه و آله و إلا فلا.

و قد استدل لحرمة الاخبار في الجملة او مطلقا بوجوه أخر:

(1) الاول: ما في المكاسب، و هي النصوص المتضمنة لان المنجم ملعون، و ما يقرب من ذلك من التعبيرات كخبر نصر «1» و مرسل المحقق «2» و ما في نهج البلاغة «3»

المذكورة في المتن.

لوسائل،

______________________________

(1) باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7

(2) المعتبر، ص 688.

(3) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 316

______________________________

قال عليه السلام: فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرن، قال الله:) إن الله عنده

علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الارحام (الآية، ما كان محمد صلي الله عليه و آله يدعي ما ادعيت أ تزعم انك تهدي الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك

بهذا استغني بقولك عن الاستعانة بالله في هذا الوجه و أحوج الي الرغبة اليك في دفع المكروه عنه «1».

و في رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه، قلت لابي عبد الله عليه السلام اني قد ابتليت بالنظر في النجوم فأريد الحاجة، فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي أ تقضي، قلت: نعم، قال: احرق كتبك «2». و في رواية مفضل بن عمر المروية عن معاني الاخبار في قوله تعالي) و إذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات (قال و أما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم بارئه و توحيده و تنزيهه عن الشبيه حتي نظر إلي الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول كل منها علي حدوثه و بحدوثه علي محدثه.

ثمّ اعلم أن الحكم بالنجوم خطأ، «3» ثمّ ان مقتضي الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء بالنجوم بعد النظر و عدمه انه لا بأس بالنظر اذا لم يقض به بل أريد به مجرد التفاؤل ان فهم الخير و التحذر بالصدقة ان فهم الشر كما يدل عليه ما عن المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمر عن عمرو بن اذينة عن سفيان بن عمر، قال كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع فيدخلني عن ذلك شي ء فشكوت ذلك الي أبي الحسن عليه السلام فقال: اذا وقع في نفسك عن ذلك شي ء فتصدق علي أول مسكين، ثمّ امض فان الله يدفع عنك، «4» و لو حكم بالنجوم علي جهة ان مقتضي الاتصال الفلاني و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية، و إن كان الله يمحو ما يشاء

و يثبت لم يدخل أيضا في الاخبار الناهية لانها ظاهرة في الحكم علي سبيل

______________________________

(1) الوسائل باب 14، من أبواب آداب السفر إلي الحج، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر إلي الحج: حديث 1.

(3) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر إلي الحج، حديث 5.

(4) الوسائل، باب 15، من أبواب آداب السفر، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 317

البت كما يظهر من قوله عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد استغني عن الاستعانة بالله (1) في دفع المكروه بالصدقة و الدعاء، و غيرهما من الاسباب نظير تأثير نحوسة الايام الواردة في الروايات ورد نحوستها بالصدقة الا ان جوازه مبني علي جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية، و سيجي ء انكار المشهور لذلك و ان كان يظهر ذلك من الحدث الكاشاني، و لو اخبر بالحوادث بطريق جريان العادة علي وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلا فهو أسلم.

قال في الدروس و لو أخبر بأن الله تعالي يفعل كذا عند كذا لم يحرم و ان كره،

انتهي.

______________________________

و فيه ان التنجيم حقيقته استخراج أحكام النجوم عن أصولها و قواعدها، و ليس هو من مقولة الالفاظ.

(1) الثاني: ما في المكاسب أيضا، و هو: ان النصوص «1» الدالة علي ان من صدق منجما فقد كفر بما انزل علي محمد صلي الله عليه و آله و ان من صدقه فقد استغني عن الاستعانة بالله،

تدل علي حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه.

و فيه: انه لا ملازمة بين حرمة التصديق و حرمة الاخبار، فإن التصديق يترتب عليه التوالي الفاسدة المتقدمة، و ليس كذلك الاخبار.

و أما ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره في الجواب عن هذا الوجه من انه يحرم تصديق الفاسق

في الاحكام الشرعية و لا يحرم اخباره عنها.

فغير سديد، إذ تصديق الفاسق بمعني الاعتقاد من قوله لا يكون حراما بلا كلام، و بمعني العمل به مع عدم الاعتقاد لا يكون حراما تكليفيا، بل وضعيا كما هو واضح.

الثالث: ان الاخبار مطلقا تكذيب للمعصوم الصادق لما دل علي ان لعلم النجوم واقعا لا يحيط به غير الله تعالي و المعصومين عليهم السلام.

و فيه: ان تلك الاخبار لا تدل علي حرمة الاعتقاد لو حصل و لو من التجربة المنقولة خلفا عن سلف بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية او من غيرها، و حرمة الاخبار عنه علي فرض حصول العلم و الجزم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 318

الرابع: اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات و الربط يتصور علي وجوه (1).

______________________________

الرابع: ما في مرآة العقول و هو حسن عبد الملك بن اعين قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام اني قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها، و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة فقال عليه السلام:

تقضي؟ قلت: نعم قال: احرق كتبك «1» بدعوي ان قوله عليه السلام تقضي أي تحكم للناس بأمثال ذلك و تخبرهم بأحكام النجوم، فقوله عليه السلام احرق كتبك يدل علي عدم جواز ذلك.

و فيه: انه يحتمل ان يكون تقضي بصيغة المجهول، و المراد حينئذ، انه إن كان حاجتك تقضي فاحرق كتبك من جهة انها مورثة لقطع التوكل من الله و الاعتماد علي ما يعتقده من الكتاب، و الاستغناء بها عن الدعاء و الصدقة، و هذا بخلاف ما اذا كانت تقضي تارة و لا تقضي اخري،

مع انه لو سلم انه بصيغة المعلوم فالامر باحراق الكتب يمكن ان يكون من جهة انها داخلة في كتب الضلال حينئذ من جهة كثرة ما فيها من الخطأ،

و إن جل مطالبها مخالفة للواقع لو لا كلها كما دلت علي ذلك نصوص كثيرة، او انها توجب قطعه التوكل عن الله او غير ذلك، و عليه فلا يدل علي حرمة الاخبار من حيث هو،

فالصحيح ما ذكرناه.

اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات

الموضع الثاني في اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

(1) و ملخص القول فيه ان الربط يتصور علي وجوه: الاول الاستقلال في التأثير،

بمعني ان المؤثر التام في الحوادث السفلية من ازدياد الاموال و نقصانها و غير ذلك من الخيرات و الشرور، هي الاوضاع الفلكية و الكيفيات الخاصة الحاصلة بين الفلكيات بعضها مع بعض بأنفسها، أي مستقلة حتي من جهة مشيئة الباري. و الاعتقاد بذلك كفر و زندقة، سواء رجع هذا الاعتقاد الي انكار وجوده تعالي كما هو مذهب بعض المنجمين، أم

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر الي الحج و غيره حديث 1

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 319

______________________________

رجع الي تعطيله تعالي عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية، و إن

الموجودات الممكنة بأجمعها مفوضة الي النفوس الفلكية و العقول الطولية سواء قيل بقدمها كما هو مذهب جماعة منهم، أم بحدوثها كما هو مذهب جماعة آخرين.

أما كفر الطائفة الاولي فلانكار وجوده تعالي، و أما كفر الطائفة الثانية، فلاثبات الشريك له، و أما كفر الطائفة الثالثة فلانكار الصانع، و قد اطبقت الآيات و الروايات و الادلة العقلية علي انه تعالي صانع، و الموجودات الممكنة برمتها تحت قدرته و اختياره، و الظاهر ان كفر هؤلاء مما لا خلاف فيه بين علماء الاسلام.

و جملة من

النصوص المتوهم دلالتها علي كفر المنجم واردة في خصوصهم.

الوجه الثاني: إن الاوضاع الفلكية و الكيفيات الكوكبية مؤثرة في الحوادث السفلية علي وجه الاشتراك مع الباري تعالي، بمعني انها جزء المؤثر، و الجزء الآخر مشيئة الباري تعالي و المعتقد بذلك سواء اعتقد قدمها أم حدوثها كافر.

و أما علي الاول: فلانه انكار لتوحيده الوجودي.

و أما علي الثاني: فلانه انكار لتوحيده الخلقي الذي دلت الادلة العقلية و النقلية عليه، و إن الله تعالي يفعل ما يشاء و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، و قد صرح جمع من الاساطين بكفر هذه الطائفة أيضا، و لعل جملة من النصوص التي توهم تضمنها لان المنجم كافر ناظرة الي هؤلاء.

الوجه الثالث: ان يلتزم بتأثيرها في الحوادث السفلية علي وجه الالية، و كون المؤثر في الوجود هو الله تعالي، و انه الفياض علي الاطلاق، و هذا علي وجهين:

الاول انها تفعل الآثار المنسوبة اليها باختيارها.

الثاني: ان الله تعالي اودع في طبائع اوضاع الفلكيات خصوصيات تقتضي

حدوث الحوادث السفلية، و تلك الخصوصيات كالخصوصية المودعة في النار المقتضية للاحراق و شي ء منهما بنفسه لا ينافي أصلا من أصول الاسلام كي يكون الاعتقاد به كفرا و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 320

______________________________

زندقة، بل يكون من قبيل الالتزام بتأثير الجواهر السفلية في الحوادث علي سبيل الالية،

أما اختيارا كالافعال الصادرة عن العبيد اولا عن اختيار كالآثار الصادرة عن الموارد العنصرية كالاحراق الصادر عن النار.

نعم قد دلت الآيات و الروايات بظاهرها علي ان حركة الافلاك قسرية، و إن محركها هو الملائكة فالالتزام بأنها حية مختارة مخالف للشرع و تكذيب للنبي المرسل صلي الله عليه و آله فهو يوجب الكفر لذلك.

و أما الالتزام بالالية علي الوجه الثاني، فإن كان التزاما به

علي نحو لا يؤثر الدعاء و الصدقة و سائر وجوه البر في المنع عن تأثيرها فهو أيضا تكذيب لما جاء به النبي الصادق صلي الله عليه و آله لما دل من النصوص «1» المتواترة علي ان الدعاء و الصدقة و سائر وجوه البر ترد القضاء الذي ينزل من السماء و تدفع البلاء المبرم، و إن كان التزاما به بنحو يؤثر الدعاء و الصدقة و سائر وجوه البر في منع تأثيرها، فكما لا يكون مخالفا لأصل من أصول الاسلام لا يكون مخالفا لما ثبت من الشرع. و لكن بما انه لا طريق لنا في مقام الاثبات بل دلت النصوص الكثيرة علي ان لعلم النجوم واقعا لا يحيط به غير علام الغيوب، و من ارتضاه لغيبه لا يجوز العمل به و الاعتقاد به.

الوجه الرابع: ان يلتزم بأن اوضاع الفلكيات من تقارن الكواكب و تباعدها و نحو ذلك علامات علي الحوادث السفلية التي تحدث بارادة الله تعالي، و يكون الربط من قبيل ربط الكاشف و المكشوف، كنصب العلم علامة علي التعزية و كحركات النبض و اختلاف اوضاعها التي هي علامات علي ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه و قد نسب الي جماعة من الاساطين الالتزام بذلك، و الاعتقاد بذلك ليس كفرا، بلا كلام و لم يحتمله أحد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، و 2، من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة، و باب 7، من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 321

______________________________

نعم لو كان الاعتقاد به بنحو لا يؤثر الدعاء و الصدقة و سائر وجوه البر في عدم

تحقق المكشوف، كان ذلك منافيا للنصوص المتواترة الدالة علي انها ترد القضاء و البلاء المبرم، و

أما الالتزام به بنحو تؤثر وجوه البر في رفع المكشوف فلا يترتب عليه محذور.

و يشهد له جملة «1» من النصوص الواردة في المقام المتضمنة ان عليا عليه السلام أعلم الناس بهذا العلم، و أن أصل الحساب حق، و انه علم من علوم الانبياء، و غير ذلك من التعابير. و لكن المستفاد من النصوص «2» الكثيرة ان غير الله تعالي و من ارتضاه لغيبه لا يحيط بواقع هذا العلم، أي بتلك العلامات. فلنعم ما أفاد المصنف قدس سره حيث قال: ان من تتبع هذه الاخبار لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها، فضلا عن القطع، نعم قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية.

و أما النصوص «3» المانعة فلا يدل شي ء منها علي خلاف ما ذكرناه: إذ طائفة منها تمنع عن الاعتقاد بالاحكام المستخرجة عنها، معللة بما تقدم من ان غير الله تعالي و الانبياء و الاوصياء لا يحيط بواقع علم النجوم، و جملة منها متضمنة لان من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل علي محمد صلي الله عليه و آله و ان من صدق المنجم فقد استغني عن الاستعانة بالله و نحو ذلك.

و قد توهم دلالة هذه النصوص علي كفر المنجم بجميع أقسامه، و لكنه فاسد، بل هي لا تدل الا علي ان تصديق المنجم مستلزم لتوال فاسدة من رفع اليد عن التضرع و الاستعانة بالله و غيرهما مما يوجب رفع المكاره و يعين علي حصول المطلوب، مع ان للمنع عنه مجالا واسعا، و عن السيد شارح النخبة: ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم و لا يقول بمفلك و لا خالق

فهو يحمل علي ما تقدم بقرينة سائر النصوص.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

(3) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 322

الاول: الاستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية، و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا، قال السيد المرتضي قدس سره فيما حكي عنه و كيف يشتبه علي مسلم بطلان احكام النجوم و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا علي تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان أحكامهم. و معلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الازراء عليهم و التعجيز لهم، و في الروايات عنه صلي الله عليه و آله ما لا يحصي كثرة، و كذا عن علماء أهل بيته و خيار أصحابه، و ما اشتهر بهذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتي بخلافه منتسب الي الملة و مصل الي القبلة انتهي.

و قال العلامة في المنتهي بعد ما افتي بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد انها مؤثرة او ان لها مدخلا في التأثير في الضر و النفع قال: و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر انتهي.

و قال الشهيد قدس سره في قواعده كل من اعتقاد في الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجودة له فلا ريب انه كافر.

و قال في جامع المقاصد:

و اعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية و لو علي جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم علي هذا النحو، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر نعذ بالله منه انتهي.

و قال شيخنا البهائي

ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا انها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو انها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتني علي هذا كفر، و علي هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم و النهي عن اعتقاد صحته انتهي.

و قال في البحار لا نزاع بين الامة في ان من اعتقد ان الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و هي الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فانه يكون كافرا علي الاطلاق انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 323

و عنه في موضع آخر ان القول بأنها علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها علي شرائط آخر كفر، انتهي بل ظاهر الوسائل نسبة دعوي ضرورة الدين علي بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده الي جميع علمائنا حيث قال: قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير و ذكروا ان بطلان ذلك من ضروريات الدين انتهي.

بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد ان الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة ان المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين، و هذا معني قول أمير المؤمنين عليه السلام فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن و استغني عن الاستعانة بالله انتهي «1».

ثمّ لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور الي انكار الصانع جل ذكره كما هو مذهب بعض المنجمين و بين تعطيله تعالي عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية علي وجه

تتحرك علي النحو المخصوص سواء قبيل بقدمها كما هو مذهب بعض آخر أم قيل بحدوثها و تفويض التدبير اليها كما هو المحكي عن ثالث منهم، و بين ان لا يرجع الي شي ء من ذلك بأن يعتقد أن حركة الافلاك تابعة لإرادة الله فيه مظاهر لإرادة الخالق تعالي و مجبولة علي الحركة علي طبق اختيار الصانع جل ذكره كالآلة أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالي عما يقول الظالمون. لكن ظاهر ما تقدم في بعض الاخبار من أن المنجم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر ما عدا الفرق الثلاث الاول اذ الظاهر عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار لا بمنزلتهم.

و منه يظهر أن ما رتبه عليه السلام علي تصديق المنجم من كونه تكذيبا للقرآن و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة بالله في جلب الخير و دفع الشر يراد منه إبطال قوله بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن و الاستغناء عن الله، كما هو طريقة كل مستدل من إنهاء بطلان التالي الي ما هو بديهي البطلان عقلا

______________________________

(1) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 324

او شرعا او حسا او عادة و لا يلزم من مجرد ذلك الكفر، و انما يلزم ممن التفت الي الملازمة و اعترف باللازم و الا فكل من أفتي بما هو مخالف لقول الله واقعا، اما لعدم تفطنه لقول الله او لدلالته بكون مكذبا للقرآن.

و أما قوله صلي الله عليه و آله من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل علي محمد صلي الله عليه و آله فلا يدل أيضا علي كفر المنجم و انما يدل علي

كذبه فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له و يدل عليه عطف الكاهن عليه، و بالجملة فلم يظهر من الروايات تكفير المنجم بالمعني الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة كفرا حقيقيا، فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم الي ملاحظة مطابقته لأحد موجبات الكفر من إنكار الصانع او غيره مما علم من الدين بديهة، و لعله لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم علي من يعتقد في الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي ء تتمة كلامه السابق، و لا شك ان هذا الاعتقاد انكار اما للصانع و أما لما هو ضروري الدين من فعله تعالي و هو ايجاد العالم و تدبيره، بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الاول، قال السيد شارح النخبة ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم و لا يقولون بمفلك و لا خالق، و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالانواء معدودون من فرق الكفر في مسفورات الخاصة و العامة يعتقدون في الانسان انه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا، فاذا مات بطل و اضمحل و ينكرون جميع الاصول الخمسة انتهي.

ثمّ قال قدس سره: و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض اوضاع السيارات و ربما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل اليهم من كلمات الحكماء الاقدمين مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في

المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد انتهي.

أقول فيه مضافا إلي عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر بل هم علي فرق ثلاث كما أشرنا اليه و سيجي ء التصريح به من البحار في مسألة السحر ان النزاع المشهور

بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعني الذي ذكره أخيرا كما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 325

عرفت من جامع المقاصد و المطاعن الواردة في الاخبار المتقدمة و غيرها كلها او جلها علي هؤلاء دون المنجم بالمعني الذي ذكره أولا.

و ملخص الكلام ان ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه و يؤيده ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابني سهل النوبختي أنهما كتبا الي أبي عبد الله عليه السلام نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا اليك هل يحل النظر فيها فكتبت، نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقولون ان الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر الي ان قال: فكتب عليه السلام نعم ما لم يخرج من التوحيد «1».

الثاني: «2» أنها «3» تفعل الآثار المنسوبة اليها و الله سبحانه هو المؤثر الاعظم كما يقوله بعضهم علي ما ذكره العلامة و غيره قال العلامة في محكي شرح فص الياقوت «4» اختلف قول المنجمين علي قولين أحدهما قول من يقول انها حية مختارة،

الثاني قول من يقول انها موجبة و القولان باطلان.

و قد تقدم عن المجلسي قدس سره ان القول بكونها فاعلة بالارادة و الاختيار، و ان توقف تأثيرها علي شرائط آخر كفر، و هو ظاهر أكثر العبارات المتقدمة و لعل وجهه ان نسبة الافعال التي دلت ضرورة الدين علي استنادها الي الله تعالي كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها الي غيره تعالي مخالف لضرورة الدين لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم، فانه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقا قال: و ان اعتقد انها تفعل الآثار المنسوبة اليها و

الله سبحانه هو المؤثر الاعظم فهو مخطئ اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي و لا نقلي انتهي.

______________________________

(1) البحار، ج 58، ص 250، حديث 36.

(2) أي الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

(3) مرجع الضمير الحركات الفلكية.

(4) عن الرياض ان لياقوت الذي هو لابي اسحاق ابراهيم بن نوبخت، شروحا منها لعبد الحميد المعتزلي ابن أبي الحديد في البال انها تسمي فص الياقوت و منها للعلامة اسمه أنوار الملكوت و عليه فقد وقع الاشتباه في المتن من تسمية شرح العلامة بشرح فص الياقوت.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 326

و ظاهره ان عدم القول بذلك لعدم المقتضي له و هو الدليل لا لوجود المانع منه و هو انعقاد الضرورة علي خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع و لعل وجهه ان الضروري عدم نسبة تلك الافعال الي فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار الله كما هو ظاهر قول المفوضة، اما استنادها الي الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيئته و اختياره حتي يكون كالآلة بزيادة الشعور و قيام الاختيار به بحيث يصدق انه فعله و فعل الله فلا، اذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل الي الله تعالي علي وجه الحقيقة لا إثباته لغيره أيضا بحيث يصدق انه فعله نعم ما ذكره الشهيد من عدم الدليل عليه حق، فالقول به تخرص و نسبة فعل الله الي غيره بلا دليل و هو قبيح.

و ما ذكره قدس سره كان مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن حكم، قال: سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة، قال: يحتاجون الي دليل ان هذا العالم الاكبر

و العالم الاصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت منقبة لا تفتر و سائرة لا تقف، ثمّ قال: و ان لكل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الي حال الخبر «1».

و الظاهر ان قوله بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين يعني في حركاته لا أنه مأمور بتدبير العالم بحركاتهم، فهي مدبرة باختياره المنبعث عن أمر الله تعالي.

نعم ذكر المحدث الكاشاني في الوافي في توجيه البداء كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور حيث قال: اعلم ان القوي المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة لعدم تناهي تلك الامور، بل انما تنقش فيها الحوادث شيئا فشيئا، فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الافلاك و

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2 ص 94- 93.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 327

نتائج بركاتها، فهي تعلم انه كلما كان كذا، كان كذا، انتهي موضع الحاجة «1» و ظاهره انها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث.

و بالجملة فكفر المعتقد بالربط علي هذا الوجه الثاني لم يظهر من الاخبار و مخالفته لضرورة الدين لم يثبت أيضا اذ ليس المراد العلية التامة، كيف و قد حاول المحدث الكاشاني بهذه المقدمات اثبات البداء «2» الثالث استناد الافعال اليها كاستناد الاحراق الي النار، و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفرا الا انه قال:

شيخنا المتقدم في القواعد بعد الوجهين الاولين، و أما ما يقال في استناد الافعال اليها كاستناد الاحراق الي النار و غيرها من العاديات بمعني ان الله تعالي اجري عادته انها اذا كانت علي شكل مخصوص او وضع مخصوص يفعل ما ينسب اليها

و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الاغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الربط العقلي الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده لكنه مخطئ و إن كان اقل خطأ من الاول لان وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم و لا أكثر انتهي.

و غرضه من التعليل المذكور الاشارة الي عدم ثبوت الربط العادي لعدم ثبوته بالحس كالحرارة الحاصلة بسبب النار و الشمس و برودة القمر، و لا بالعادة الدائمة و لا الغالبة لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتي يحصل العلم او الظن، ثمّ علي تقديره فليس فيه دلالة علي تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الامر بالعكس او كلتاهما مستندتان الي مؤثر ثالث فيكونان من المتلازمين في الوجود.

و بالجملة فمقتضي ما ورد من انه أبي الله ان يجري الاشياء الا بأسبابها «3»

كون كل حادث مسببا و أما ان السبب هي الحركة الفلكية او غيرها فلم يثبت و لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين، بل في بعض الاخبار ما يدل بظاهره علي

______________________________

(1) الوافي، ج 1 ص 508- 507، باب 50، من أبواب معرفة مخلوقاته و أفعاله.

(2) و قد مر ما هو الحق عندنا في ربط الحركات الفلكية بالكائنات و به يظهر ما في كلمات المصنف في المقام فلا حاجة الي التكرار، و اما مسألة البداء فقد اشبعنا الكلام فيها في رسالتنا المطبوعة مرارا و لو ساعدنا التوفيق ننشرها في آخر هذا الجزء فانتظر.

(3) الكافي، ج 1، ص 183، حديث 7، و فيه الا بأسباب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 328

ثبوت التأثير للكواكب مثل ما في الاحتجاج عن أبان بن تغلب في حديث اليماني الذي دخل علي أبي عبد الله عليه السلام و سماه باسمه الذي لم

يعلمه أحد و هو سعد، فقال له:

يا سعد و ما صناعتك، قال: انا من أهل بيت ننظر في النجوم، الي ان قال عليه السلام: ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت البقر، قال: لا أدري، قال صدقت فقال: ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الكلاب قال: لا أدري قال: صدقت في قولك لا أدري، فما زحل عندكم في النجوم فقال سعد يماني: نجم نحس، فقال ابو عبد الله عليه السلام لا تقل هذا فانه نجم أمير المؤمنين و هو نجم الاوصياء و هو النجم الثاقب الذي قال الله تعالي في كتابه «1».

و في رواية المدائني المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الله خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد) برد (و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار و هو نجم الانبياء و الاوصياء و هو نجم امير المؤمنين يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها، و يأمر بافتراش التراب و توسّد اللبن و لباس الخشن و أكل الجشب و ما خلق الله نجما أقرب الي الله منه «2» و الظاهر ان امر النجم بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها.

الرابع: ان يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف و المكشوف و الظاهر ان هذا الاعتقاد لم يقل أحد بكونه كفرا.

قال شيخنا البهائي بعد كلامه المتقدم الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب او مدخليتها ما هذا لفظه: و ان قالوا: ان اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات علي بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و ارادته، كما ان حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب

علي ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه،

كما يستدل باختلاج بعض الاعضاء علي بعض الاحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده و ما روي في صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول علي هذا المعني انتهي.

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2، ص 100 و الآية من سورة الطارق 3.

(2) الكافي، ج 8، ص 257، حديث 369

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 329

[نقل الاخبار في النجوم]

و مما يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء علي المنجمين ما تقدم من قول العلامة قدس سره ان المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة و بين من قال انها موجبة و يظهر ذلك من السيد قدس سره حيث قال: بعد إطالة الكلام في التشنيع عليهم ما هذا لفظة المحكي، و ما فيهم أحد يذهب الي ان الله تعالي أجري العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض او بعده أفعالا من غير ان يكون للكواكب بأنفسها تأثير في ذلك، قال: و من ادعي منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب اليه القدماء و متجمل بهذا المذهب عند أهل الاسلام انتهي.

لكن ظاهر المحكي عن ابن طاوس انكار السيد قدس سره لذلك أيضا حيث انه بعد ما ذكر ان للنجوم علامات و دلالات علي الحادثات، لكن يجوز للقادر الحكيم تعالي ان يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الاسباب و جوز تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به اذا لم يعتقد انها مؤثرة، و حمل أخبار النهي علي ما اذا اعتقد انها كذلك أنكر علي علم الهدي تحريم ذلك، ثمّ ذكر لتأييد ذلك أسماء جماعة من الشيعة كانوا

عارفين به انتهي.

و ما ذكره قدس سره حق الا ان مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدي مع عدم الاحاطة بتلك العلامات و معارضاتها و الحكم مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا و لا ظنيا و السيد علم الهدي انما انكر من المنجم أمرين:

احدهما: اعتقاد التأثير و قد اعترف به ابن طاوس.

و الثاني: غلبة الاصابة في أحكامهم كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة، و هذا أمر معلوم بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات و معارضاتها.

و لقد أجاد شيخنا البهائي أيضا حيث انكر الامرين، و قال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير و الاعتراف بالامارة و العلامة اعلم ان الامور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية، أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام الله عليهم، و بعضها يدعون لها التجربة و بعضها مبتن علي أمور منشعبة، لا تفي القوة البشرية بضبطها و الاحاطة بها كما يومئ اليه قول الصادق عليه السلام كثيرة لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 330

يدرك، و قليله لا ينتج «1» و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرق الخطأ الي بعض أحكامهم و من اتفق له الجري علي الاصول الصحيحة صح كلامه و صدقت أحكامه لا محالة كما نطق به الصادق عليه السلام و لكن هذا أمر عزيز المنال لا يظفر به الا القليل و الله الهادي الي سواء السبيل انتهي.

و ما أفاده قدس سره اولا من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية امارات و علامات و آخرا من عدم النفع في علم النجوم الا مع الاحاطة التامة هو الذي صرح به الصادق عليه السلام في رواية هشام الآتية بقوله: ان أصل الحساب حق،

و لكن لا يعلم ذلك الا من علم

مواليد الخلق، و يدل أيضا علي كل من الامرين الاخبار المتكثرة، فما يدل علي الاول و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة مضافا الي ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال علي سببية طلوع الكواكب لهيجان الابل و البقر و الكلاب علي كونه أمارة و علامة عليه المروي في الاحتجاج عن رواية الدهقان المنجم الذي استقبل أمير المؤمنين حين خروجه الي نهروان، فقال له عليه السلام: يومك هذا يوم صعب قد انقلب منه كوكب و انقدح من برجك النيران، و ليس لك الحرب بمكان، فقال عليه السلام: له أيها الدهقان المنبئ عن الآثار) بالآثار (المحذر عن الاقدار، ثمّ سأله عن مسائل كثيرة من النجوم فاعترف الدهقان بجهلها الي ان قال عليه السلام له: اما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب ان تحكم به لي لا عليّ، اما نوره و ضياؤه فعندي، و أما حريقه و لهبه فذهب عني فهذه مسألة عميقة فاحسبها ان كنت حاسبا «2».

و في رواية اخري عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار،

قال: لو علمت هذا لعلمت انك تحصي عقود القصب في هذه الاجمة «3» و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة هذا حساب اذا حسبه الرجل و وقف عليه عرف القصبة التي في وسط الاجمة، و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها حتي لا يخفي عليه شي ء من قصب الاجمة

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1، و فيها و قليله لا ينتفع به.

(2) الاحتجاج، ج 1 ص 357- 356.

(3) البحار، ج 58، ص 231،

ذيل الحديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 331

و في البحار وجد في كتاب عتيق عن عطاء قال: قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام:

هل كان للنجوم أصل، قال: نعم نبي من الانبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتي تعلمنا بدء الخلق و آجالهم فأوحي الله عز و جل الي غمامة فامطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صافيا، ثمّ أوحي الله الي الشمس و القمر و النجوم ان تجري في الماء ذلك،

ثمّ اوحي الله الي ذلك النبي ان يرتقي هو و قومه الي الجبل فاترقوا الجبل فقاموا علي الماء حتي عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار، كان احدهم يعرف) يعلم من (متي يموت و متي يمرض من ذا الذي يولد له و من ذا الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثمّ أن داود قاتلهم علي الكفر فأخرجوا الي داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود: رب اقاتل علي طاعتك و يقاتل هؤلاء علي معصيتك يقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحي الله عز و جل اليه اني علمتهم بدء الخلق و آجاله و انما اخرجوا اليك من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم و من ثمّ يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد، قال داود عليه السلام رب علي ما ذا علمتهم قال علي مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار قال: فدعا الله عز و جل فحبس

الشمس عليهم فزاد في النهار و اختلطت الزيادة في الليل و النهار و لم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم قال علي عليه السلام: فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم «1».

و في البحار أيضا عن الكافي بالاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل عن النجوم فقال: لا يعلمها الا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند «2» و بالاسناد عن محمد بن سالم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قوم يقولون النجوم اصح من الرؤيا و كان ذلك صحيحا حين لم يرد الشمس علي يوشع بن نون و أمير المؤمنين عليه السلام فلما رد الله الشمس عليهما أضل فيها علماء النجوم. «3»

و خبر يونس قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، اخبرني عن علم

______________________________

(1) البحار، ج 58، ص 236، نقلا عن فرج المهموم مع اختلاف.

(2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(3) البحار، ج 58، ص 242، حديث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 332

النجوم ما هو قال: علم من علوم الانبياء، فقلت كان علي بن أبي طالب يعلمه، قال:

كان اعلم الناس به الخبر «1».

و خبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند أبي الحسن الرضا عليه السلام الصباح بن نصر الهندي و سأله عن علم النجوم، فقال: هو علم في أصله) أصل (حق و ذكروا ان اول من تكلم به في النجوم إدريس عليه السلام و كان ذو القرنين به ماهرا، و أصل هذا العلم من الله «2» و عن معلي بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ قال: نعم. ان الله بعث المشتري الي الارض في صورة رجل فأتي رجلا

من العجم فعلّمه «3» بلد العجم فعلمهم (فلم يستكلموا ذلك فأتي بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها، و قد قال قوم هو علم من علوم الانبياء خصوا به لاسباب شتي، فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشاب الحق بالكذب الي غير ذلك مما يدل علي صحة علم النجوم في نفسه، و أما ما دل علي كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين فهي كثيرة، منها ما تقدم في الروايات السابقة مثل قوله عليه السلام في الرواية الاخيرة فشاب الحق بالكذب، و قوله عليه السلام ضل فيها علماء النجوم و قوله عليه السلام في تخطئة ما ادعاه المنجم من ان زحل عندنا كوكب نحس، و انه كوكب أمير المؤمنين عليه السلام و الاوصياء و تخطئة أمير المؤمنين للدهقان الذي حكم بالنجوم بنحوسة اليوم الذي خرج فيه أمير المؤمنين عليه السلام.

و منها خبر عبد الرحمن بن سيابة، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أن الناس يقولون ان النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فان كانت يضر بديني فلا حاجة لي في شي ء يضر بديني و إن كانت لا تضر بديني فوالله اني لأشتهيها و اشتهي النظر اليها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثمّ قال: انكم تنظرون في شي ء كثيرة لا يدرك و قليله لا ينفع) ينتفع به (الخبر) «4».

و منها خبر هشام قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام كيف بصرك بالنجوم، قلت:

______________________________

(1) البحار، ج 58، ص 235، حديث 15.

(2) البحار، ج 58، ص 245، حديث 26.

(3) الي هنا الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 24، من أبواب ما

يكتسب به، حدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 333

ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، ثمّ سأله عليه السلام عن أشياء لم يعرفها، ثمّ قال: فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب، و في ذلك حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخرين فأين كانت النجوم، قال: فقلت و الله ما أعلم ذلك، فقال: صدقت أن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق كلهم «1».

و منها المروي في الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ان زنديقا قال له: ما تقول في علم النجوم قال عليه السلام: هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره لانه لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور، ان خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز عن القضاء و ان اخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه انه يرد قضاء الله عن خلقه، الخبر «2» الي غير ذلك من الاخبار الدالة، علي ان ما وصل اليه المنجمون اقل قليل من أمارات الحوادث من دون وصل الي معارضاتها، و من تتبع هذه الاخبار لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها فضلا عن القطع، نعم قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية،

فالاولي التجنب عن الحكم بها و مع الارتكاب فالاولي الحكم علي سبيل التقريب و انه لا يبعد ان يقع كذا عنه كذا و الله المسدد.

______________________________

تعلم علم النجوم

الموضع الثالث: في تعلم هذا العلم، فقد أطال المحقق المجلسي الكلام في المقام،

و استدل علي حرمة التعلم و النظر

في علم النجوم بنصوص كثيرة غير دالة، و ملخص القول فيه: ان ما استدل به علي حرمة النظر فيها و تعلم علمها علي أقسام:

الاول: ما تضمن ذم المنجم المتقدم.

الثاني: ما يكون ضعيف السند مثل ما رواه الصدوق بسند فيه ضعف في محكي الخصال عن الامام الباقر عليه السلام عن آبائه قال: نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن خصال، و ساق الحديث الي ان قال: و عن النظر في النجوم «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

(3) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 334

______________________________

الثالث: ما في نهج البلاغة «1» قال عليه السلام: ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي

به في بر او بحر فانها تدعوا الي الكهانة المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار، سيروا علي اسم الله و عونه.

و لا يصح الاستدلال بشي ء منها.

اما الاول فلما مر من انه محمول علي المعتقد بما يخالف أصلا من أصول الاسلام أو ضروريا من ضروريات الدين و أجنبي عن المقام.

و أما الثاني: فلضعف السند.

و أما الثالث: فلو سلم ظهوره في المنع مطلقا يتعين صرفه عن ظاهره لما دل من النصوص المعتبرة و غير المعتبرة علي الجواز كحسن عبد الملك المتقدم.

و صحيح ابن أبي عمير قال: كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي ء فشكوت ذلك إلي أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام فقال: اذا وقع في نفسك شي ء فتصدق علي أول مسكين ثمّ أمض فإن الله يدفع عنك «2».

و ما

رواه المجلسي قدس سره عن السيد ابن طاوس عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد و هارون ابني أبي سهيل: انهما كتبا الي أبي عبد الله عليه السلام ان أبانا وجدنا كان ينظر في النجوم فهل يحل النظر فيها؟ قال عليه السلام: نعم و نحوها غيرها «3».

فالاظهر وفاقا لجمع من الاساطين، جواز تعلم علم النجوم، و النظر فيه من غير إذعان بما يوجب خلاف أصل من أصول الاسلام، و خلاف ما ثبت من الشرع الاقدس.

و بما ذكرناه مفصلا ظهر ما في كلمات الشيخ الاعظم قدس سره فلا حاجة إلي إطالة البحث فيها.

______________________________

(1) نهج البلاغة، ص 105، خطبة 79.

(2) الوسائل، باب 15، من أبواب آداب السفر الي الحج و غيره، حديث 3.

(3) المستدرك، باب 21، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 335

السابعة: حفظ كتب الضلال حرام في الجملة
اشارة

بلا خلاف (1) كما في التذكرة، و عن المنتهي و يدل عليه مضافا الي حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد (2) و الذم

______________________________

حرمة حفظ كتب الضلال

(1) قوله السابعة: حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف.

تنقيح القول في المقام بالبحث في مواضع:

الاول: في حكمه التكليفي و أنه هل هو حرام أم لا.

الثاني: فيما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض، و الاحتجاج علي أهلها، أو الاطلاع علي مطالبهم لتحصل به التقية أو غير ذلك.

الثالث: في تنقيح الموضوع و المتعلق.

الرابع: في حكم المعاملة الواقعة عليها.

أما الموضع الاول: فقد استدل للحرمة بوجوه:

(2) الاول: حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد.

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأن منشأ حكمه ان كان هو قبح الظلم بدعوي ان حفظ هذه الكتب ظلم، فيرد عليه: انه لا دليل علي وجوب دفع الظلم في جميع الموارد، و الا

لوجب علي الله تعالي المنع عن الظلم تكوينا، مع انه تعالي هو الذي أقدر الانسان علي فعل الخير و الشر، و إن كان مدرك حكمه وجوب الاطاعة و حرمة المعصية لأمره تعالي بقلع مادة الفساد، فلا دليل علي ذلك إلا في موارد خاصة.

و فيه انه: لو سلم كون الحفظ ظلما، لا وجه لمنع قبحه و حرمته، إذ قبح الظلم من الاحكام العقلية التي يستحيل تخلفها عن موضوعاتها، إذ كل عنوان حكم عليه بالقبح لا بد و أن يكون بنفسه محكوما به، أو بما هو منته الي ما هو كذلك، و عنوان الظلم من العناوين التي بأنفسها يحكم عليها بالقبح، و عليه فمع حفظ عنوان الظلم عدم قبحه خلف لا يمكن الالتزام به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 336

المستفاد من قوله تعالي) و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله (1)

______________________________

و أيضا لا ريب في ان هذا الحكم من العقل، سواء أ كان بمعني ادراك العقل وجود المفسدة الالزامية فيه، أم كان بمعني بناء العقلاء علي ذم فاعله لما فيه من المفسدة النوعية مخلة بالنظام من الاحكام العقلية الواقعة في سلسلة علل الاحكام، فبالملازمة يستكشف حرمته، فالالتزام بكون الحفظ ظلما، مع عدم حرمته و عدم وجوب دفعه غريب.

و أغرب منه، ما ذكره من انه لو وجب ذلك، لوجب علي الله تعالي المنع عن الظلم تكوينا، إذ يرد عليه:

أولا: ان المدعي كون الحفظ بنفسه ظلما فيحرم، و النقض بأنه لو كان كذلك لزم علي الله المنع من ان يظلم شخص علي آخر تكوينا غير مربوط بالاستدلال كما هو واضح.

و ثانيا: انا نمنع كون كل و احب عقلي واجبا علي الله تعالي.

فالصحيح في الجواب عن هذا

الوجه ان يقال: ان مدرك حكمه ان كان هو قبح الظلم، فيرد عليه منع كون حفظ هذه الكتب ظلما، و إن كان هو استقلال العقل بوجوب دفع المنكر الذي منه ما نحن فيه علي ما صرح به المحقق الاردبيلي قدس سره فيرد عليه ما تقدم من عدم استقلال العقل بقبح ترك النهي عن المنكر، فضلا عن دفعه، و انه يكفي في اللطف

الواجب الترهيب الصادر عن الشارع المقدس فراجع.

نعم الفساد الموجب لإحياء الباطل و تشييده يجب دفعه بحكم العقل، و إن شئت قلت: ان العقل مستقل بقبح القاء الفساد و عليه فيحرم تأليف كتب الضلال.

(1) الوجه الثاني: قوله تعالي) و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) «1».

______________________________

(1) لقمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 337

و الامر بالاجتناب (1) عن قول الزور

______________________________

و تقريب الاستدلال به: ان المراد بالاشتراء مطلق الاخذ و التسلط و لو بغير الشراء كما يشهد له ما دل علي ان الغناء من لهو الحديث «1» و ما دل علي انه هو الطعن في الحق و الاستهزاء به «2».

و فيه انه ان أريد من الاشتراء معناه الكنائي، فالظاهر انه ليس هو الاخذ و التسلط،

بل هو التحدث به، و عليه فهو داخل في الاضلال عن سبيل الهل بسبب التحدث بلهو الحديث، و هذا لا ريب في حرمته، و لكنه اجنبي عما هو محل الكلام، و إن أريد منه معناه الحقيقي فهو يدل علي حرمة اشتراء كتب الضلال.

و يشهد لإرادة ذلك منه ما دل علي ورود الآية الشريفة في النضر بن الحارث الذي كان يسافر الي بلاد العجم، و كان يشتري كتبا فيها أحاديث الفرس من حديث رستم و غيره و كان يلهي الناس بذلك ليصدهم عن سماع القرآن.

و دعوي

انه و إن دل علي حرمة الاشتراء إلا أنه يدل علي حرمة الابقاء و الحفظ بتنقيح المناط.

مندفعة بأنه لا ملازمة بين حرمة الاشتراء و حرمة الحفظ، و بعبارة أخري: لا ملازمة بين حرمة الحدوث و حرمة البقاء كما مر مفصلا في مبحث اقتناء الصور المحرمة، مع انه انما يدل علي الحرمة إذا كان الاشتراء للاضلال، فلو دل علي ما هو محل الكلام فانما يدل علي حرمة الابقاء بقصد ترتب الضلال عليه، و لا يشمل الابقاء مع العلم بعدم ترتب الضلال عليه او احتمال ذلك.

(1) الوجه الثالث: الآية الشريفة) و اجتنبوا قول الزور «3».

و تقريب الاستدلال بها علي ما ذكره المحقق الشيرازي قدس سره: ان قول الزور و إن كان ظاهرا في نفسه في التكلم بالباطل، إلا انه بعد ما فسرت الآية الشريفة في الاخبار باستماع الغناء، يعلم ان المراد به أعم من تكلم نفسه و تكلم غيره به، و حينئذ يستفاد منها لزوم الاجتناب عن كتبه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به.

(3) الحج،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 338

قوله عليه السلام فيما تقدم من رواية تحف العقول، انما حرم الله تعالي الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا الخ (1) بل قوله عليه السلام قبل ذلك: او ما يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق الي آخره (2).

______________________________

و بعبارة أخري: المستفاد منها الاجتناب عن مطلق الباطل قولا كان او كتابة.

و فيه: اولا: ان صدق قول الزور علي الكتابة ممنوع، و دعوي تنقيح المناط كما تري.

و ثانيا: ان المأمور به في الآية الشريفة ترك ايجاد كل ما يصدق عليه قول الزور

و لو كان هي الكتابة، لا ترك الموجود منه بمعني إعدامه، و لذا تري انه لم يفت أحد بوجوب إعدام الكتب التي فيها الاكاذيب و المجعولات، مع ان قول الزور فسر في بعض النصوص بالكذب.

(1) الوجه الرابع: قوله عليه السلام في خبر تحف العقول: انما حرم الله تعالي الصناعة التي حرام كلها التي يجئ منها الفساد محضا- الي قوله- و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و فيه شي ء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه «1». بدعوي انه يدل علي ان الصنعة المحرمة- و هي التي من شأنها ترتب الفساد عليها محضا- يحرم جميع التقلب فيها، و كتب الضلال بما انها من شأنها ذلك يحرم التقلب فيها، و منه حفظها.

و فيه: اولا: قد تقدم ان الخبر ضعيف السند لا يعتمد عليه.

و ثانيا: انه يدل بعد الغاء الخصوصية علي حرمة التقلب في كل ما هو منشأ للفساد،

و لا يدل علي حرمة التقلب في المصنوع، و ما هو الموجود مما هو منشأ للفساد.

و ثالثا: صدق التقلب علي الحفظ ممنوع.

(2) الوجه الخامس: قوله عليه السلام في الخبر: او يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شرائه و إمساكه «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 339

و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة حيث شكا الي الصادق عليه السلام إنّي ابتليت بالنظر الي النجوم، فقال عليه السلام: أ تقضي، قلت:

نعم، قال: أحرق كتبك (1) بناء علي ان الامر للوجوب دون الارشاد للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

______________________________

و يرد عليه: مضافا الي ضعف السند، ما تقدم سابقا من عدم شموله لغير الكفر و الالحاد من أفراد الضلال.

و أما ما ذكره الاستاذ الاعظم من أن الحفظ ليس تقوية للكفر و إهانة للحق.

فغريب، إذ الخبر يدل علي حرمة إمساك شي ء يكون كذلك، و معلوم ان كتب الضلال مع قطع النظر عما ذكرناه تكون كذلك فيحرم إمساكها و حفظها.

(1) الوجه السادس: حسن عبد الملك «1» المتقدم في مبحث التنجيم، حيث شكا عن ابتلائه بالنجوم فقال عليه السلام: أ تقضي؟ قال: قلت: نعم قال عليه السلام: أحرق كتبك. بدعوي ان الامر للوجوب لا الإرشاد.

و فيه: ان التفصيل بين القضاء و عدمه، قرينة لحمل الامر علي الارشاد، و إن شئت قلت: انه بمقتضي التفصيل القاطع للشركة يدل علي جواز الحفظ مع القضاء.

الوجه السابع الاجماع.

و فيه: أولا: انه غير ثابت، و أفتي صاحب الحدائق قدس سره بعدم الحرمة.

و ثانيا: ان المتيقن منه ما يترتب عليه الاضلال.

و ثالثا: انه ليس إجماعا تعبديا لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المتقدمة.

الوجه الثامن: ما دل علي وجوب جهاد أهل الضلال و اضعافهم بكل ما يمكن بدعوي انه يدل علي لزوم تدمير مذهبهم بتدمير أهله، و بالاولي تدمير ما يقتضي قوته.

و فيه: ان الحفظ خصوصا إذا كان غرض الحافظ عدم وقوع الكتب في أيدي الناس لتضلهم لا يقتضي قوة مذهبهم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب السفر الي الحج و غيره، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 340

و مقتضي الاستفصال في هذه الرواية (1) انه إذا لم يترتب علي إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم و هذا أيضا مقتضي

ما تقدم من إناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا.

______________________________

و بعبارة أخري: نفس وجود الكتب لا يوجب تقوية مذهبهم، فلا يجب تدميرها،

مع ان المراد من أهل الضلال ليس كل من يعتقد باطلا كما هو واضح، مع ان الاولوية ممنوعة.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة حفظ كتب الضلال من حيث هو، نعم لو ترتب عليه الاضلال حرم من جهة حرمة إضلال الناس عن الحق.

بقي في المقام فرعان ذكرهما المصنف قدس سره في المقام:

(1) احدهما ما ذكره بقوله و مقتضي الاستفصال في هذه الرواية.

و حاصله انه علي فرض وجود الدليل علي حرمة الحفظ هل يعتبر فيها ترتب مفسدة عليه أم لا؟ اختار المصنف الاول.

و استدل له: بحسن عبد الملك، و خبر تحف العقول.

و فيه: ان هذا ينافي ما ذكره تبعا للقوم، في مسألة بيع ما لا يقصد منه إلا الحرام،

حيث استدلوا بخبر تحف العقول علي الحرمة، و لم يعتبروا فيها ترتب الفساد فعلا، و بنوا علي انه يدل علي حرمة بيع ما لا منفعة له الا الحرام، و إن لم يترتب علي هذا البيع تلك الفائدة.

و لازم ذلك البناء علي حرمة الحفظ في المقام و إن لم يترتب عليه مفسدة.

و الظاهر ان ما ذكروه هناك هو المستفاد من الخبر بقرينة إطلاق ما فيه من الامثلة،

و مقابلة هذه الجملة بالجملة السابقة الواردة في بيان ما يصح بيعه بما فيه الصلاح و المنافع.

نعم علي فرض دلالة حسن عبد الملك علي حرمة الحفظ الاستدلال به تام.

لكنك عرفت ما فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 341

نعم، المصلحة الموهومة او المحققة النادرة لا اعتبار بها (1) فلا يجوز الابقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة علي ذلك مع كون الغالب ترتب المفسدة و كذلك المصلحة

النادرة الغير المعتد بها، و قد تحصل من ذلك ان حفظ كتب الضلال لا يحرم الا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا، فإن لم يكن كذلك او كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوي أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوي أو أقرب وقوعا منها، فلا دليل علي الحرمة الا أن يثبت اجماع أو يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الاجماع.

______________________________

(1) الثاني: ما ذكره قدس سره بقوله) نعم المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها فلا يجوز الابقاء … الخ (.

ه لصحمو: انه إذا ترتبت مصلحة علي الحفظ أقوي من المفسدة المترتبة عليه لا يحرم الحفظ.

و فيه: ان المدرك لهذا ان كان هو خبر تحف العقول الدال علي ان المحرم هو ما فيه الفساد محضا، فيرد عليه: مضافا الي انه لا مفهوم له كي يوجب تقييد سائر الادلة انه انما يدل علي عدم الحرمة مع كونه مما تترتب عليه مصلحة، و لو لم تكن أقوي، بل و لو كانت اضعف، فلا وجه لاعتبار الاقوائية.

و إن كان هو مزاحمة المصلحة للمفسدة التي هي منشأ الحرمة، فيرد عليه: انه لا بد و أن تكون المصلحة المزاحمة مما يجب تحصيله، و تكون أهم كي تقدم علي المفسدة، و لا تكون المفسدة منشئا للحرمة، و إن كان هو عدم عموم لدليل الحرمة، فترفع اليد عنه بمجرد وجود مصلحة، فلازمه البناء علي عدم الحرمة مع وجود المصلحة و لو كانت أضعف مع انه علي فرض دلالة ما تقدم علي الحرمة، يكون مطلقا و شاملا للصورتين.

و مما ذكرناه ظهر ما يمكن ان يكون مدركا لما استثنوه و ما يرد عليه، فلا نطيل بالاعادة و المصنف

يشير إليه في آخر المسألة.

فلا مورد للبحث في الموضع الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 342

و حينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان (1) و ان المراد ما يكون باطلا في نفسه فالمراد الكتب المشتملة علي المطالب الباطلة (2) أو ان المراد به مقابل الهداية فيحتمل ان يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، و ان يراد ما أوجب الضلال و إن كان مطالبها حقة كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدعون ان المراد غير ظاهرها، فهذه أيضا كتب ضلال علي تقدير حقيتها.

ثمّ الكتب السماوية المنسوخة الغير المحرفة لا تدخل في كتب الضلال، و أما المحرفة كالتوراة و الانجيل علي ما صرح به جماعة فهي داخلة في كتب الضلال بالمعني الاول بالنسبة إلينا حيث انها لا توجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة، نعم توجب الضلالة لليهود و النصاري قبل نسخ دينهما فالادلة المتقدمة لا تدل علي حرمة حفظها، قال قدس سره في المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد: فإن كان في المغنم كتب نظر و إن كانت مباحة يجوز إقرار اليد عليها مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات فجميع ذلك غنيمة، و كذلك المصاحف و علوم الشريعة كالفقه و الحديث لان هذا مال يباع و يشتري و إن كانت كتبا لا يحل إمساكها كالكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه فإن كان ينتفع بأوعيته إذا غسل كالجلود و نحوها،

فانها غنيمة و إن كانت مما لا ينتفع بأوعيته كالكاغذ فانها تمزق و لا تحرق إذ ما من كاغذ الا و له قيمة و حكم التوراة و الانجيل هكذا كالكاغذ فانه يمزق لانه كتاب مغير مبدل، انتهي.

______________________________

(1) هذا

هو الموضع الثالث و الكلام فيه في موردين:

الاول في الموضوع و بيان المراد من كتب الضلال.

الثاني: في المتعلق و هو بيان المراد من الحفظ.

(2) أما الاول فقد احتمل المصنف قدس سره ان يكون المراد بكتب الضلال الكتب المشتملة علي المطالب الباطلة، فالكتب السماوية المحرفة من كتب الضلال حتي بالنسبة الي المسلمين لاشتمالها علي المطالب الباطلة، و كذا تصانيف المخالفين المشتملة علي تفضيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 343

و كيف كان فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال و هو الذي دل عليه الادلة المتقدمة، نعم ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الاموال فلا يقابل بالمال لعم المنفعة المحللة المقصودة فيه (1).

______________________________

الخلفاء و فضائلهم و ما شابه من كتب الضلال حتي بالنسبة الي الشيعة.

و يحتمل ان يكون المراد ما يوجب الضلال و إن كان مطالبها حقة كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدعون ان المراد غير ظاهرها.

و يحتمل أن يكون المراد ما وضع لحصول الضلال و هو قدس سره لا يختار شيئا منها.

و حق القول في المقام أن يقال ان المراد بكتب الضلال علي ما هو الظاهر ما وضع لحصول الضلال في الاعتقادات او الفروع كانت مطالبها حقة في أنفسها، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدعون ان المراد غير ظاهرها، أم لم تكن كذلك.

بل مقتضي الوجوه التي استدل بها للحرمة ان الموضوع أعم من الكتب و غيرها مما يوجب الضلال و الغواية كالمزار و المقبرة و المدرسة و نحو ذلك.

و أما المورد الثاني: فالظاهر ان المراد بالحفظ أعم من الحفظ من التلف و الحفظ

بظهر القلب، بل النسخ و المذاكرة و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة لو كان المدرك للحرمة هو حكم العقل، او الاتيان الشريفتان او خبر تحف العقول، و أما لو كان المدرك حسن عبد الملك فالظاهر ان المراد به هو الحفظ من التلف كما لا يخفي.

حكم المعاملة علي كتب الضلال

(1) و أما الموضع الرابع: فملخص القول فيه: انه إن كانت لها منافع محللة يصح بيعها و شرائها سواء كان حفظها حراما أم لم يكن، أما إذا لم يكن الحفظ حراما فواضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 344

مضافا الي آيتي لهو الحديث و قول الزور (1).

______________________________

و أما إن كان حراما فلما تقدم من ان بيع ما له منفعتان محللة و محرمة جائز، و لا يعتبر قصد المنفعة المحللة بل يصح و إن قصد المنفعة المحرمة.

(1) و استدل لعدم جواز البيع و الشراء: بآيتي لهو الحديث و قول الزور المتقدمتين.

و بقوله عليه السلام في خبر تحف العقول: أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شرائه … الخ.

و بأنه يعتبر في صحة البيع ان لا يكون البائع محجورا عن التصرف في المبيع،

ليكون له السلطنة الفعلية علي التصرف فيه فإذا فرض تعلق النهي بالحفظ و وجوب الاتلاف كان النهي معجزا مولويا للمكلف عن البيع و رافعا لسلطنته عليه، و يترتب عليه فساد المعاملة.

و في الجميع نظر:

أما آية لهو الحديث: فلما تقدم من أنه علي فرض إرادة المعني الحقيقي للاشتراء منها تختص هي بما إذا كان الاشتراء للاضلال و لا تدل علي الحرمة مطلقا، مع انه انما تدل الآية علي الحرمة التكليفية و هي أعم من عدم الجواز وضعا

بناء علي ما حققناه في محله من عدم دلالة النهي عن المعاملة علي الفساد.

و أما آية قول الزور: فلما مر من ان شمول قول الزور للكتابة ممنوع، و انه لا تشمل الآية إبقاء الكتاب لو سلم شموله لها، مضافا الي انها انما تدل علي عدم الجواز تكليفا لا وضعا.

و أما الخبر فلانه ضعيف السند، مضافا الي ما تقدم من عدم شموله لغير الكفر و الالحاد من أفراد الضلال، مع انه أيضا يدل علي الحرمة و لا يدل علي عدم الصحة.

و أما الوجه الاخير: فلان النهي انما يدل علي الزجر عن الحفظ و لا يكون متعرضا 1) لقمان، 6.

2) الحج، 30.

3) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 345

أما وجوب إتلافها فلا دليل عليه (1) و مما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الاصول و الفروع و الحديث و التفسير و أصول الفقه و ما دونها من العلوم، فان المناط في وجوب الاتلاف جريان الادلة المتقدمة، فإن الظاهر عدم جريانها في حفظ شي ء من تلك الكتب الا القليل مما الف في خصوص إثبات الجبر و نحوه و اثبات تفضيل الخلفاء او فضائلهم و شبه ذلك (2) و مما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج علي أهلها أو الاطلاع علي مطالبهم ليحصل به التقية أو غير ذلك، و لقد أحسن جامع المقاصد حيث قال:

ان فوائد الحفظ كثيرة و مما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال فان الواجب رفعه و لو بمحو جميع الكتاب الا ان يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال، و لو كان باطلا في نفسه كان

خارجا عن المالية فلو قوبل بجزء من العوض المبذول يبطل المعاوضة بالنسبة اليه ثمّ الحفظ المحرم يراد به الاعم من الحفظ بظهر القلب و النسخ و المذاكرة و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة (3).

______________________________

لإمضاء البيع علي تقدير تحققه و عدم إمضائه، مع انه قد عرفت عدم الدليل علي حرمة الحفظ.

(1) قد عرفت انه لو كان المدرك لحرمة حفظ كتب الضلال حسن عبد الملك المتقدم و فيه قال عليه السلام أحرق كتبك كان مفاده وجوب الاتلاف، فتدبر.

(2) بناء علي ان المراد من كتب الضلال الكتب المشتملة علي المطالب الباطلة و ان لم يوجب الضلال كان كثير منها كذلك.

و لكن قد عرفت ان الظاهر ان المراد بها ما وضع لحصول الضلال في الاعتقادات او الفروع، و عليه فتلكم الكتب غير مشمولة للادلة المتقدمة.

(3) بل عرفت ان الموضوع أعم من الكتب و غيرها مما يوجب الضلال و الغواية كالمزار و المقبرة، و المدرسة و نحوها.)* (

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 346

الثامنة: الرشوة حرام (1)
اشارة

و في جامع المقاصد و المسالك ان علي تحريمها إجماع المسلمين و يدل عليه الكتاب) (2).

______________________________

حكم الرشوة

(1) بلا خلاف و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل الظاهر ان علي تحريمها إجماع المسلمين لو لم يكن من الضروريات.

و قد ادرج المصنف في هذه المسألة فروعا.

1- الرشوة موضوعا و حكما.

2- حكم أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين و موضوعه أجر القاضي.

3- حكم الارتزاق من بيت المال.

4- حكم الهدية، و هي ما يبذل للقاضي مجانا.

5- حكم أخذ المال في مقابل غير الحكم لاصلاح أمر مباح و ما شابه.

6- حكم المعاملة المشتملة علي المحابات كالبيع من القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم.

7- حكم أخذ الرشوة وضعا.

8- اختلاف الدافع

و القابض.

أما الفرع الاول، فالكلام فيه في موردين:

الاول في حكم الرشوة تكليفا، و قد عرفت ان التحريم لو لم يكن ضروريا كان عليه إجماع المسلمين و يشهد به مضافا الي ذلك ما في المتن.

(2) قال و يدل عليه الكتاب و مراده به الآية الشريفة) و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها الي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم (فإنها تدل علي ان ادلاء المال الي الحكام لابطال الحق، او لاقامة الباطل حرام، و قد عرفت ان هذا هو الرشوة و هي و إن دلت بالمطابقة علي حرمة الاعطاء الا انها تدل علي حرمة الاخذ أيضا بالملازمة.

و أورد المحقق الايرواني قدس سره علي الاستدلال بها: بأنه يحتمل قريبا أن يكون المراد ادلاء المال المتنازع فيه اليهم الحاصل ذلك برفع الخصومات اليهم فيأكلوا مقدارا من ذلك المال و يحكموا لغير مستحقه في مقدار آخر.

و فيه: ان هذا الاحتمال مندفع بإطلاق قوله و تدلوا بها الي الحكام فإنه لو لم يكن 1) البقرة، 188.)*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 347

و السنة (1) و في المستفيضة انها كفر بالله العظيم أو شرك.

ففي رواية الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ايما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و إن أخذ هدية كان غلولا و إن أخذ رشوة فهو شرك.

و عن الخصال في الصحيح عن عمار بن مروان قال: كل شي ء غل من الامام فهو سحت، و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و منها أجور القضاة و أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة، و أما الرشاء في الاحكام

يا عمار فهو الكفر بالله العظيم، و مثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام.

______________________________

ظاهرا في كون ما يدفع اليهم مال المعطي لا ريب في إطلاقه.

و أما نزولها في خصوص أموال اليتامي و الوديعة و المال المتنازع فيه، فلا يصلح دليلا علي عدم عموم الحكم لغير تلك الموارد بعد اطلاق الآية الشريفة.

(1) و يشهد به مضافا الي الكتاب و الاجماع و إلي ما دل من الادلة الاربعة علي حرمة الحكم بالباطل و القضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع، بضميمة ما دل علي عدم جواز أخذ المال بإزاء العمل المحرم.

ما في المتن قال و السنة و في المستفيضة انها كفر بالله العظيم او شرك كقوله عليه السلام في خبر الاصبغ «1» المذكور في المتن، و إن أخذ رشوة فهو شرك و في صحيح عمار «2» و أما الرشاء في الاحكام يا عمار فهو الكفر بالله العظيم، و مثله رواية سماعة «3» و نحوها غيرها.

موضوع الرشوة

أما موضوعها فقد اختلفت كلمات اللغويين و الفقهاء في تحقيق مفهومها، و مجموع ما قيل في ذلك أمور:

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(3) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 348

و في رواية يوسف بن جابر لعن رسول الله صلي الله عليه و آله من نظر إلي فرج امرأة لا تحل له و رجلا خان اخاه في امرأته و رجلا احتاج الناس اليه لفقهه فسألهم الرشوة (1).

______________________________

الاول: ما عن القاموس من تفسيرها بالجعل.

الثاني: ما اختاره الاستاذ الاعظم و هو: ان الرشوة ما يعطيه أحد الشخصين للآخر لإحقاق حق، او تمشية باطل،

او للتملق، او الوصلة الي الحاجة بالمصانعة، او في عمل لا يقابل بالاجرة و الجعل عند العرف و العقلاء و إن كان محطا لنظرهم.

الثالث: ما عن حاشية الارشاد و هو: ان الرشوة ما يبذله المتحاكمان من المال للحاكم سواء كان للقضاء و تصدي فصل الخصومة أم كان للحكم بالواقع او لنفسه.

الرابع: ما نسب الي جماعة و هو: ان الرشوة ما يبذله أحد المتحاكمين للحاكم ليحكم له حقا كان او باطلا.

الخامس: انها ما يبذل ليحكم بالواقع لنفسه كان او لغيره.

السادس: ما عن المجمع و هو القدر المتيقن من مفهومها و هو الجعل علي الحكم بالباطل.

أما الاول: فيرد عليه ان لازم ذلك كون أجرة الاجراء و الجعل في مثل قول القائل:

من رد عبدي فله كذا من الرشوة، و هذا مما لا يصح التفوه به.

و أما الثاني: فقد استشهد له بكلمات بعض اللغويين و باستعمالها فيما اعطي للحق في الصحيح عن الرجل يرشوا الرجل الرشوة علي ان يتحول من منزله فيسكنه قال عليه السلام: لا بأس به «1» بدعوي ان الاصل في الاستعمال الحقيقة.

و بقوله عليه السلام في صحيح عمار: و أما الرشا في الحكم «2» و قريب منه ما في غيره،

بدعوي انه لو لم يكن مفهوم الرشوة عاما لغير الاحكام لزم الغاء التقييد.

(1) و بقوله عليه السلام في خبر يوسف بن جابر: المذكور في المتن «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 85، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 349

______________________________

و بقوله عليه السلام في خبر يوسف بن جابر: المذكور في المتن «1».

بتوهم انه يشمل ما يدفع لبذل

الفقه من القضاوة و التدريس و نحوهما و ما يدفع لاجل تصدي ما هو من وظائف الفقيه كحفظ مال الصغير و الغائب و غيره، أما شموله للاول فواضح، و أما شموله للثاني فلصدق الاحتياج اليه لفقهه علي ان يكون الفقه واسطة في الثبوت.

و في الجميع نظر:

أما الاول: فلان قول اللغويين ليس بحجة، لا سيما في صورة اختلافهم في تعيين المفهوم.

و أما الثاني: فلان أصالة الحقيقة انما يرجع اليها لتشخيص المراد، لا لتعيين الموضوع له بعد معلومية المراد.

و أما الثالث: فلان ذكر القيود التوضيحية لا سيما في صورة إجمال المقيد مفهوما غير عزيز.

و أما الرابع: فلانه لا يكون في مقام بيان موضوع الرشوة، فعلي فرض كونه هو ما كان بإزاء الحكم بالباطل لا يكون عموم الصدر قرينة علي إرادة المعني العام من الرشوة،

بل المستفاد من الخبر حينئذ: هو ان الملعون الصنف الخاص من الرجل الذي احتاج الناس اليه لفقهه.

و أما سائر الوجوه- غير الوجه الاخير الذي هو القدر المتيقن- فلم يذكروا لشي ء منها ما يعينه، فالمتيقن هو القول السادس.

و لكن الانصاف ان دعوي شمولها لما يدفع بإزاء الحكم للباذل مع جهله سواء طابق الواقع أم لا.

قريبة جدا كما ان دعوي عدم شمولها بحسب المتفاهم العرفي لما يبذل بإزاء الحكم له بالحق مع العلم فضلا عما يبذل بإزاء الحكم بالواقع لنفسه أو لغيره.

قوية جدا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 350

و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه فيكون ظاهرا في حرمة أخذ الرشوة للحكم بالحق (1) او للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير أجرة و هذا المعني هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل

و إليه نظر المحقق الثاني حيث فسر في حاشية الارشاد الرشوة بما يبذله أحد المتحاكمين.

و ذكر في جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة و هو صريح الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة مطلقا و اعطائها الا إذا كان علي إجراء حكم صحيح فلا يحرم علي المعطي هذا، و لكن عن مجمع البحرين قلما يستعمل الرشوة الا فيما يتوصل به الي ابطال حق أو تمشية باطل.

و عن المصباح هي ما يعطيه الشخص للحاكم او غيره ليحكم له او يحمله علي ما يريد.

و عن النهاية انها الوصلة الي الحاجة بالمصانعة و الراشي الذي يعطي ما يعينه علي الباطل و المرتشي الاخذ و الرائش هو الذي يسعي بينهما ليزيد (ليستزيد) لهذا و ينقص لهذا و مما يدل علي عدم عموم الرشا لمطلق الجعل علي الحكم ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لأجور القضاة خصوصا بكلمة أما نعم لا يختص بما يبذل علي خصوص الباطل بل يعم ما يبذل لحصول غرضه و هو الحكم له حقا كان او باطلا و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية و يمكن حمل رواية يوسف بن جابر علي سؤال الرشوة للحكم للراشي حقا أو باطلا أو يقال إن المراد الجعل فاطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة.

______________________________

صورة وجوب القضاء عليه خارجة عن محل النزاع، بمعني ان فيها بحثا آخر و هو جواز أخذ الاجرة علي الواجب و عدمه، و سيأتي الكلام في ذلك مفصلا.

و أما في صورة عدم التعين فمقتضي العمومات كتجارة عن تراض و أوفوا بالعقود و غيرهما جوازه و عدم المنع عنه لكونه عملا محترما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 351

و منه

يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين مع تعين الحكومة عليه (1) كما يدل عليه قوله عليه السلام احتاج الناس اليه لفقهه (2) و المشهور المنع مطلقا بل في جامع المقاصد دعوي النص و الاجماع و لعله لحمل الاحتياج في الرواية علي الاحتياج الي نوعه و لإطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل أجور القضاة من السحت (3) بناء علي ان الاجر في العرف يشمل الجعل، و إن كان بينهما فرق عند المتشرعة.

______________________________

و أما الآية الشريفة المتقدمة فلا تشمل المقام لاختصاصها بالحكم بالباطل كما لا يخفي.

و أما نصوص الرشوة فقد مر انها مختصة بغير المقام لعدم صدق الرشوة علي ما يؤخذ للحكم بالحق.

و أما ما استدل به لحرمة أخذ الاجرة علي القضاء فسيأتي التعرض له في المسألة الثانية، و ستعرف انه لا دليل عليها، مع انه لو سلم ذلك كون المراد به الاجرة و ما يأخذه في مقابل الحكم غير ثابت، إذ يحتمل أن يكون المراد به ما يأخذه في مقابل تقلد منصب القضاوة.

أجور القضاة

(1) هذا هو ثاني الفروع التي ذكرها المصنف في المقام و موضوعه أجر القاضي.

و الاقوال فيه ثلاثة: الاول ما نسب الي المشهور و هو المنع مطلقا.

الثاني: ما هو المنسوب الي المقنعة و القاضي و هو الجواز كذلك.

الثالث: ما هو المنسوب الي العلامة قدس سره في المختلف و هو التفصيل بين ما لو كان القضاء واجبا عينيا او كان القاضي غنيا، فالمنع و بين ما لو لم يكن واجبا عليه عينا فالجواز.

(2) و استدل للاول: بخبر يوسف بن جابر المتقدم، بدعوي ان المراد من قوله عليه السلام فسألهم الرشوة مطلق الجعل في مقابل الحكم و لو كان بالحق، أما

لانها حقيقة فيه او انه اطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة، و ان ظاهر قوله عليه السلام احتاج الناس اليه الاحتياج الي نوعه لا إلي شخصه.

(3) و بصحيح عمار التقدم: و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 352

و ربما يستدل علي المنع بصحيحة ابن سنان، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قاض بين فريقين يأخذ علي القضاء الرزق من السلطان قال عليه السلام: ذلك السحت (1) و فيه ان ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان، الظاهر بل الصريح في سلطان الجور (2) إذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا و لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه و لو فرض كونه قابلا للقضاء لم يكن رزقه من بيت المال أو من جائزة السلطان محرما قطعا، فيجب إخراجه عن العموم الا ان يقال: ان المراد الرزق من غير بيت المال (3) و جعله علي القضاء بمعني المقابلة قرينة علي إرادة العوض و كيف كان

______________________________

الولاة الظلمة. و منها أجور القضاة. بناء علي ان الاجر في العرف يشمل الجعل و نحوه ما عن الجعفريات.

إذ فيه: انه جعل من السحت أجر القاضي.

(1) و بقوله في حسن ابن سنان المذكور في المتن ذلك السحت «1».

و أورد عليه المصنف بايرادين:

(2) الاول ان ظاهره كون القاضي منصوبا من قبل السلطان الجائر.

الثاني: ان المبذول له هو الرزق من بيت المال، و هو غير ما نحن فيه.

(3) و أجاب عنهما بقوله قدس سره الا أن يقال ان المراد الرزق من غير بيت المال.

ه لصحمو: حمل القاضي علي ارادة من يشمل من هو قابل في نفسه للتصدي و

حمل الرزق من السلطان علي ما يبذل من غير بيت المال بإزاء القضاء بقرينة كلمة (علي) الدالة علي المقابلة.

و في الجميع نظر.

أما الاول: فلان الرشوة قد مر عدم شمولها لما يبذل بإزاء الحكم بالحق، بل هي مختصة بما يبذل بإزاء الحكم بالباطل أو الحكم للباذل مع الجهل بالمطابقة للواقع.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 353

فالاولي في الاستدلال علي المنع ما ذكرنا خلافا لظاهر المقنعة و المحكي عن القاضي من الجواز، و لعله للاصل و ظاهر رواية حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال عليه السلام: ليس اولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتي (قضي) بغير علم و لا هدي من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا الخبر. (1) و اللام في قوله ليبطل به الحقوق، اما للغاية أو للعاقبة و علي الاول فيدل علي حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل، و علي الثاني فيدل علي حرمة الانتصاب للفتوي من غير علم طمعا في الدنيا، و علي كل تقدير فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لاجل الحكم بالباطل او مع عدم معرفة الحق فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق و دعوي كون الحصر إضافيا بالنسبة الي الفرد الذي ذكره السائل، فلا

______________________________

و دعوي اطلاق الرشوة في خصوص الخبر علي مطلق الجعل قد عرفت ما فيها في المسألة المتقدمة، و أضف الي ذلك ضعف الخبر في نفسه لجهالة يوسف و بعض آخر من رجال السند.

و أما الحسن: فلان الظاهر منه هو

ما يؤخذ من السلطان من بيت المال او من جوائزه، و حيث انه ستعرف جواز الارتزاق من بيت المال إذا كان القاضي جامعا للشرائط، فيتعين حمله علي ما إذا كان في نفسه غير قابل لذلك، و حرمة أخذه الرزق حينئذ واضحة كما سيأتي، و هو غير مربوط بما نحن فيه.

و أما الصحيح و كذا ما هو بمضمونه: فمنصرفه أو ظاهره و لو بملاحظة العهد القضاة المنصوبون من قبل السلطان الجائر، فحكمه حكم خبر ابن سنان.

(1) و استدل للقول الثاني بخبر ابن حمران «1» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 11، من أبواب صفات القاضي، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 354

يدل الا علي عدم الذم علي هذا الفرد دون كل من كان غير المحصور فيه خلاف الظاهر (1) و فصل في المختلف فجور أخذ الجعل و الاجرة مع حاجة القاضي و عدم تعين القضاء عليه و منعه مع غناه او عدم الغناء عنه، و لعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم من حرمة الاجرة علي الواجبات العينية (2) و حاجته لا تسوغ أخذ الاجرة عليها، و انما يجب علي القاضي و غيره رفع حاجته من وجوه اخر، و أما اعتبار الحاجة فلظهور اختصاص ادلة المنع بصورة الاستغناء

______________________________

فان الظاهر منه حصر الاستيكال المذموم فيما اذا كان بأخذ المال في مقابل الحكم بالباطل او مع الجهل بالواقع، فمقتضي مفهومه جواز الاستيكال مع العلم بالحق و الحكم به.

و أورد عليه: بأن الحصر إضافي بالنسبة الي الفرد الذي سأل عنه السائل، فمفهومه عدم الذم علي ذلك الفرد دون سائر الافراد.

(1) و أجاب المصنف قدس سره عنه بقوله خلاف الظاهر.

و أيد الاستاذ الاعظم الايراد و وجهه: بأنه لما توهم السائل

ان من يحمل العلوم و يبثها في الشيعة و وصل اليه منهم البر و الاحسان من دون ان يطالب من المستأكل بعلمه المذموم أجاب عليه السلام بأن ذلك ليس من الاستيكال المذموم و ان المستأكل هو الذي يفتي بغير علم لابطال الحقوق، و عليه فمفهوم الحصر هو العقد السلبي المذكور في الخبر صريحا،

و لا يكون الخبر متعرضا لحكم سائر الافراد.

و فيه: انه علي فرض تسليم دلالة انما علي الحصر لا ينبغي التوقف في دلالة الخبر علي الحصر بالاضافة الي جميع الافراد، إذ لو كان المراد ما ذكره لما كان وجه للتقييد بقوله بغير علم و لا هدي من الله ليبطل به الحقوق.

و بعبارة اخري: ذكر خصوص هذا الفرد و حصر المذموم فيه مع عدم كونه موردا للسؤال كاشف عن ارادة الحصر بالنسبة الي جميع الافراد، فالايراد في غير محله.

فالصحيح ان يورد عليه: مضافا الي امكان منع افادة انما للحصر كما حققناه في كتابنا زبدة الاصول بأن الخبر ضعيف السند لتميم بن بهلول و أبيه.

(2) و استدل للقول الثالث: بأنه في صورة تعين القضاء عليه لا يجوز أخذ الاجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 355

كما يظهر بالتأمل في روايتي يوسف و عمار المتقدمتين، و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي كما هو أحد الاقوال في المسألة الآتية في محلها إن شاء الله.

______________________________

لما دل علي عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب و في صورة عدم التعين و عدم كونه محتاجا لا يجوز الاخذ لما دل من النصوص علي المنع من أخذ الاجر علي القضاء، و أما في صورة عدم التعين و الحاجة فيجوز لاختصاص نصوص المنع بصورة الاستغناء.

أما في صورة التعين فكلام سيأتي التعرض له

في بحث أخذ الاجرة علي الواجبات.

و أما في صورة عدم التعين فعلي فرض تسليم دلالة النصوص علي المنع لم يظهر لي وجه اختصاصها بصورة الاستغناء.

فتحصل مما ذكرناه انه لا دليل علي المنع من أجر القاضي فلا بد من الرجوع الي ما تقتضيه القاعدة.

و هي تقتضي جوازه سواء، أ كان المراد به ما يبذل بإزاء الحكم بالحق، أم كان المراد به ما يبذل بإزاء تقلد منصب القضاوة و التهيؤ لحسم المرافعات سواء رفعت اليه خصومة أم لا، لانه عمل محترم فلا يذهب هدرا.

و مما ذكرناه ظهر جواز أخذ الاجرة علي تبليغ الاحكام الشرعية أو تعليم المسائل الدينية.

و استدل الاستاذ الاعظم للمنع.

بالاطلاقات الناهية عن أخذ الرشوة علي الحكم.

و بخبر يوسف بن جابر المتقدم.

و فيهما نظر:

أما الاطلاقات فلما عرفت من عدم صدق الرشوة علي ما يؤخذ بإزاء الحكم بالحق و بيان الاحكام الواقعية.

و أما الخبر: فلما مر، مضافا الي ضعف سنده الذي اعترف به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 356

و أما الارتزاق من بيت المال فلا اشكال في جوازه للقاضي مع حاجته بل مطلقا إذا رأي الامام المصلحة فيه (1) لما سيجي ء من الاخبار الواردة في مصارف الاراضي الخراجية و يدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام الي مالك الاشتر من قوله عليه السلام: و افسح له أي للقاضي بالبذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته الي الناس.

و لا فرق بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل او من الجائر لما سيجي ء من حلية بيت المال لاهله، و لو خرج من يد الجائر.

______________________________

الارتزاق من بيت المال

(1) هذا هو الفرع الثالث من الفروع التي تعرض لها المصنف في هذه المسألة و فيه أقوال:

الاول جوازه للقاضي مطلقا.

الثاني عدم الجواز مطلقا او

فيما إذا كان منصوبا من قبل السلطان الجائر.

الثالث عدم الجواز مع تعين القضاء عليه.

الرابع: عدم جواز الارتزاق مع عدم الحاجة و عن المسالك انه الاشهر.

و تنقيح القول فيه: ان الارتزاق غير الاجرة فانه بسبب كون الشخص قاضيا مثلا او مؤذنا أو نحو ذلك و هو منوط بنظر الحاكم من دون ان يقدر بقدر خاص، بخلاف الاجرة فانها تحتاج الي تقدير العوض و ضبط المدة و تقدير العمل.

و القاضي ان كان جامعا لشرائط القضاوة يجوز ارتزاقه من بيت المال مطلقا كما هو المشهور، سواء أ كان منصوبا من قبل السلطان العادل، أم كان منصوبا من قبل السلطان الجائر، و فرض كونه منصوبا من قبل الجائر مع كونه جامعا لشرائط القضاوة انما يكون فيما اذا كان غرضه من قبول المنصب قضاء حوائج الشيعة و انقاذهم من المهلكة و الشدة و التحبب الي فقرائهم.

و كيف كان: فيشهد للجواز: ان بيت المال معد لمصالح المسلمين، كان تحت يد العادل او تحت يد الجائر، و هذا من مهماتها لتوقف انتظام امور المسلمين عليه.

و مرسل حماد الطويل و فيه: و يؤخذ الباقي فيكون ذلك ارزاق اعوانه علي دين الله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 357

و أما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من أخذ الرزق من السلطان فقد عرفت الحال فيه. (1)

______________________________

و في مصلحة ما ينويه من تقوية الاسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة «1».

و ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام الي مالك الاشتر، و فيه- بعد ذكر صفات القاضي- و افسح له في البذل ما يزيل علته و تقل معه حاجته الي الناس «2».

و يؤيده خبر الدعائم عن الامام علي عليه

السلام انه قال: لا بد من قاض و رزق للقاضي،

و كره ان يكون رزق القاضي علي الناس الذين يقضي لهم و لكن من بيت المال «3».

و استدل لعدم جواز الارتزاق من بيت المال مطلقا او في ما اذا كان منصوبا من قبل السلطان الجائر بحسن عبد الله بن سنان المتقدم، عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان علي القضاء الرزق فقال: ذلك السحت.

(1) و فيه: ما تقدم من تعين حمله علي ما اذا كان القاضي غير قابل للقضاوة في نفسه. و الظاهر ان نظر المصنف الي ذلك.

و ذهب بعض الي عدم جواز الارتزاق مع تعين القضاء عليه، معللا بوجوب القضاء عليه، فلا يجوز له أخذ العوض كما في سائر الواجبات.

و فيه: ما تقدم من ان الارتزاق من بيت المال غير الاجرة.

و اختار جماعة عدم جواز الارتزاق مع عدم الحاجة، و عن المسالك انه الاشهر.

و استدل له: بأن للمسلم جواز الارتزاق من بيت المال مع الحاجة و لو بواسطة تقلد منصب القضاوة المانع من التكسب، و بأن بيت المال معد للمحاويج.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 9.

(3) المستدرك، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 358

و أما الهدية و هي ما يبذل علي وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له،

حقا كان او باطلا و إن لم يقصد المبذول له الحكم الا بالحق، إذا عرف و لو من القرائن ان الاول (الباذل) قصد الحكم له علي كل تقدير فيكون الفرق بينها و بين الرشوة ان الرشوة تبذل لاجل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له علي الحكم علي وفق مطلبه،

فالظاهر حرمتها (1) لانها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط (2).

______________________________

و فيهما نظر: فان بيت المال معد لمصالح المسلمين، كان القائم بالمصالح محتاجا أم لم يكن كذلك، مضافا الي اطلاق الخبرين: نعم إن لم يكن القاضي واجدا لشرائط القضاوة المقررة في الشريعة كجل المنصوبين من قبل سلاطين الجور لا يجوز ارتزاقه من بيت المال لحسن ابن سنان، و لانه ليس من موارد مصرف بيت المال.

أخذ القاضي للهدية

(1) هذا هو رابع الفروع التي تعرض لها المصنف في المقام و هو في مقام بيان حكم الهدية.

و هي ما يبذله علي وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان أو باطلا، و في حرمتها قولان اختار الاول جماعة منهم صاحب الجواهر قدس سره و المصنف و غيرهما.

و استدل له بوجوه:

الاول: ما دل علي حرمة الرشوة بدعوي انها تصدق علي الهدية أيضا. و احتمله المصنف.

و فيه ان الرشوة هي ما كان بإزاء الحكم لاما يبذل بداعي الحكم، و لا أقل من هذا هو المتيقن منها.

و يشهد له جعل ذلك في مقابل الرشوة في خبر الاصبغ.

الثاني: عموم مناط حرمة الرشوة و هو صرف القاضي عن الحكم بالحق للمقام.

(2) احتمله المصنف قدس سره قال لانها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط.

و فيه: انه لا قطع بالمناط كي يصح التمسك بتنقيح المناط و الا لحرم مثل المدح له و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 359

و عليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام و إن أخذ يعني الوالي هدية كان غلولا (1) و ما ورد من ان هدايا العمال غلول و في آخر سحت (2).

______________________________

تعظيمه و المبادرة الي سماع قوله و قضاء حوائجه و نحو ذلك.

(1) الثالث ما ذكره المصنف بقوله و عليه

يحمل ما عن أمير المؤمنين عليه السلام و نظره الي خبر الاصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام أيما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه إن أخذ هدية كان غلولا و إن أخذ الاجرة فهو مشرك «1».

و يرد عليه: مضافا الي ضعف سنده لابي الجارود و سعد الاسكاف: انه يدل علي حرمة أخذ الوالي هدية لا أخذ القاضي لها، و لعل وجه حرمته ما ذكره بعض المحققين من انها تكون عن كره و خوفا من ظلمه و جوره، أو يحمل علي الكراهة أو غير ذلك من المحامل المذكورة في المطولات.

(2) الرابع ما ورد من ان هدايا العمال غلول «2» و في آخر سحت «3» ذكره في المتن.

و فيه مضافا الي ضعف السند، انه اما ان يراد من هذه النصوص ما يهديه العمال الي الرعية، او يكون المراد ما يهديه العمال الي الولاة، و علي أي تقدير تكون أجنبية عن مقام،

أما علي الاول: فواضح، فانها حينئذ تكون من النصوص المتضمنة عدم جواز أخذ جوائز السلطان و عماله، و سيجي ء الكلام في ذلك في محله، و أما علي الثاني: فلما مر في سابقه.

الخامس: قوله تعالي (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) «4» بتقريب ان المال الذي يهدي قبل الحكم الي القاضي ليورث المودة الموجبة للحكم له و إن لم يقابل بالداعي الذي دعي الي البذل في الصورة، الا انه في اللب و الواقع قوبل به.

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

(2) لم اعثر علي أصل لهما في كتب الاحاديث نعم بمضمونهما روايات في بحار الانوار، ج 23، ص 14- من طبع الكمپاني- و في الوسائل، باب 8، من

أبواب آداب القاضي، هدايا الامراء غلول.

(3) لم اعثر علي أصل لهما في كتب الاحاديث نعم بمضمونهما روايات في بحار الانوار،

ج 23، ص 14- من طبع الكمپاني- و في الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، هدايا الامراء غلول.

(4) النساء،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 360

و عن عيون الاخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالي (أكالون للسحت) قال: هو الرجل يقضي لاخيه حاجته، ثمّ يقبل هديته (1) و للرواية توجيهات تكون الرواية علي بعضها محمولة علي ظاهرها من التحريم و علي بعضها محمولة علي المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة اليه لئلا يقع في الرشوة يوما.

______________________________

و فيه: ما تقدم غير مرة من ان الدواعي لا تقابل بالمال، و لذا لا يضر تخلف الداعي بصحة المعاملة و لزومها.

السادس: ما دل علي حرمة الاعانة علي الاثم.

و فيه: ما تقدم من انه لا دليل علي حرمة الاعانة.

السابع: ما تضمن زجر النبي صلي الله عليه و آله عمال الصدقة عن أخذهم للهدية.

كالنبوي المروي عن أبي حميد الانصاري: و الذي نفسي بيده لا يقبل أحد منكم منها شيئا الا جاء به يوم القيامة يحمله علي عنقه «1».

و يرد عليه: ان الخبر ضعيف السند لكونه نبويا مرويا عن طرق العامة.

(1) الثامن ما في المتن و هو ما عن عيون الاخبار.

و فيه: مضافا الي عدم اعتبار الخبر من حيث السند: ان ظاهره حرمة أخذ الهدية المتأخرة عن قضاء الحاجة، و حيث انه لم يفت أحد بالحرمة في الفرض فيتعين حمله علي الكراهة و رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة اليه لئلا يقع في الرشوة يوما.

فان ذلك اولي من

حمله علي الهدية المتقدمة مقيدا لها بما اذا كانت بداعي الحكم له بالباطل كما لا يخفي.

______________________________

(1) المبسوط، كتاب القضاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 361

و هل يحرم الرشوة في غير الحكم (1) بناء علي صدقها كما يظهر مما تقدم عن المصباح و النهاية، كأن يبذل له مالا علي ان يصلح أمره عند الامير.

______________________________

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة أخذ الهدية، فالاقوي جوازه سواء كانت متقدمة علي الحكم أو متأخرة عنه، و سواء أ كانت للروابط الشخصية أم قربة الي الله، أم كانت بداعي الحكم بالباطل او بالحق، او الاعم منهما، لعموم دليل صحة الهبة و جوازها.

الرشوة في غير الاحكام

(1) هذا هو الفرع الخامس من الفروع التي تعرض لها المصنف قدس سره قال و هل تحرم الرشوة في غير الحكم بناء علي صدقها؟

أخذ المال في مقابل غير الحكم، تارة يكون لاصلاح أمر مباح، و اخري لاتمام أمر محرم، و ثالثة لاتمام أمر مشترك بين المحلل و المحرم.

أما الاول: فلا ريب في جوازه إذ العمل في نفسه جائز و يصلح ان يقابل بالمال، و يشهد له مضافا الي ذلك: صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام: عن الرجل يرشوا الرشوة علي ان يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال عليه السلام: لا بأس به «1».

و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و نحوهما.

و خبر الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الاداوي فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا و نرشوه حتي لا يظلمنا فقال عليه السلام: لا بأس ما تصلح به مالك، ثمّ سكت ساعة ثمّ قال: أ رأيت اذا أنت رشوته يأخذ أقل من الشرط؟ قلت:

نعم، قال عليه السلام: فسدت رشوتك «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 85، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 37، من أبواب أحكام العقود، حديث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 362

فإن كان أمره منحصرا في المحرم أو مشتركا بينه و بين المجلل لكن بذل علي إصلاحه حراما أو حلالا، فالظاهر حرمته لا لأجل الرشوة لعدم الدليل عليه عدا بعض الاطلاقات المنصرف الي الرشاء في الحكم (1) بل لانه أكل للمال بالباطل (2) فيكون الحرمة هنا لاجل الفساد، فلا يحرم القبض في نفسه (3)

______________________________

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأنه ضعيف لإسماعيل بن أبي سماك.

و فيه: ان العلامة قدس سره و ان ضعفه و لكن النجاشي وثقه و الظاهر من منشأ تضعيف العلامة اياه كونه واقفيا و هو كما تري.

و فيه اولا: ما تقدم من عدم صدق الرشوة علي ما يبذل بإزاء غير الحكم.

و ثانيا: ان نصوص حرمة الرشوة علي قسمين: الاول ما دل علي حرمة الرشوة في الحكم، الثاني: ما دل علي حرمتها من دون تقييد بالحكم، و القسم الاول لا يشمل المقام،

و القسم الثاني ضعيف السند.

(1) و ثالثا: ما ادعاه المصنف قال لعدم الدليل عليه عدا بعض الاطلاقات المنصرف الي الرشاء في الحكم.

و رابعا: انه لو سلم شمولها للمقام لا بد من تقييد اطلاقها بالخبرين المتقدمين.

و أما الثاني: فلا ينبغي التوقف في حرمته لحرمة أخذ المال علي عمل محرم، و يشهد له مضافا الي ذلك موثق الصيرفي المتقدم.

و دعوي ان ظاهره كون الرشوة لدفع الظلم، و ان أصل الزامه بالشرط وقع ظلما و علي وجه الاجبار فلا تكون الرشوة لأخذ الاقل من الشرط من أخذ المال بإزاء المحرم،

مندفعة بأن ظاهر الخبر هو التفصيل بين ما يؤتي

لدفع الظلم، و بين ما يبذل بإزاء الاقل من الشرط، و ليس فيه ما يكون ظاهرا في كون الشرط واقعا ظلما.

و أما الثالث: فإن قصد به الجهة المحرمة فهو حرام، فتأمل، و إن قصد المحللة فهو حلال، و إن لم يقصد شيئا منهما بل بذل المال لاصلاح أمره حلالا أم حراما، فقد ذهب المصنف قدس سره الي الحرمة.

(2) و استدل له: بأنه أكل للمال بالباطل.

(3) قوله فلا يحرم القبض في نفسه و انما يحرم التصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 363

و انما يحرم التصرف لانه باق علي ملك الغير، نعم يمكن أن يستدل علي حرمته بفحوي اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال. (1) و أما بذل المال علي وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة، فلاحظ فيه كما يدل عليه ما ورد في ان الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال: لا بأس، و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق و نحوها.

و مما يدل علي التفصيل في الرشوة بين الحالة المحرمة و غيرها رواية الصيرفي، قال: سمعت ابا الحسن عليه السلام و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الادواة (أداوي) فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتي لا يظلمنا، فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثمّ سكت ساعة ثمّ قال: اذا أنت رشوته يأخذ منك اقل من الشرط قلت نعم قال فسدت رشوتك.

______________________________

مراده انه بناء علي كون المدرك ما تضمن النهي عن أكل المال بالباطل فهو انما يدل علي الفساد و عدم جواز التصرف لبقاء المال في ملك صاحبه، و أما القبض أي اعطاء صاحب المال في نفسه فليس كالرشوة حراما.

و بهذا التقريب يظهر اندفاع ما

ذكره المحقق التقي و تبعه غيره بقوله لعله من غلط النساخ و الظاهر فلا يحرم العقد في نفسه لا القبض فإن القبض أيضا من التصرف الذي حكم قدس سره بحرمته فلاحظ و تدبر.

(1) و بفحوي اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان أكل المال في مقابل العمل المشترك بين المحلل و المحرم ليس أكلا للمال بالباطل.

و أما الثاني: فلما مر من ضعف سند تلك النصوص و انها محمولة علي غير ظاهرها.

و أما ما أورده الاستاذ الاعظم من أن حرمة الهدية لهما تقتضي حرمة اعطاء الرشوة لهما و لا دلالة لها علي حرمة الرشوة علي غيرهما من الناس.

فغير وارد، إذ مراد المصنف قدس سره ان تلك النصوص بإطلاقها تدل علي حرمة الهدية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 364

و مما يعد من الرشوة او يلحق بها المعاملة المشتملة علي المحابات (1) كبيعه من القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم، فإن لم يقصد من المعاملة الا المحابات التي في ضمنها و قصد المعاملة لكن جعل المحاباة لاجل الحكم له بأن كان الحكم له من قبيل ما تواطيا عليه من الشروط الغير المصرح بها في العقد فهي الرشوة، و إن قصد أصل المعاملة و حابي فيها لجلب قلب القاضي فهو كالهدية

______________________________

بداعي قضاء الحاجة المشتركة، فإذا كانت الهدية بهذا الداعي حراما كان بذل المال بعنوان المقابلة أولي بالحرمة، فالصحيح ما ذكرناه.

حكم المعاملة المحاباتية مع القاضي

(1) قوله و مما يعد من الرشوة أو يلحق بها المعاملة المشتملة علي المحابات هذا هو الفرع السادس من الفروع التي تعرض لها المصنف في المقام.

و محصل الكلام: انه تارة لا يقصد من المعاملة الا المحابات التي في ضمنها، لا بمعني عدم انشاء المعارضة أصلا،

فإن ذلك خروج عن محل الكلام، بل بمعني ان المقصود الاصلي من المعاملة ايصال الزائد الي القاضي ليحكم له. و بعبارة أخري: كان قصده للمعاملة تبعيا مقدميا لاجل ان يتواصل الي المحابات.

و أخري: يقصد المعاملة و لكن جعل المحابات لاجل الحكم له، بمعني ان الحكم له من قبيل الشروط التي تواطيا عليها التي هي بحكم التي صرح بها في العقد.

و ثالثة: يقصد المعاملة و حابي فيها لاجل جلب قلب القاضي.

و الكلام في حكم هذه الصور يقع أولا: في حكمها التكليفي، ثمّ في حكمها الوضعي.

أما الاول: فقد يقال بالحرمة في الصورة الاولي من جهة كون الناقص من الرشا المحرم.

و فيه: ان الرشوة هي بذل المال بإزاء الحكم، و في المقام المال انما يبذل بإزاء الثمن،

غاية الامر ان الداعي هو الحكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 365

ملحقة بالرشوة و في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي (1).

______________________________

و استدل المحقق التقي عليها: بان عنوان الرشوة يصدق علي نفس المعاملة.

و فيه: ان المعاملة انما هي عنوان ينتزع من بذل المال بازاء الثمن و قبول صاحب الثمن، فالمقابلة انما هي بين المالين و ليس غير ذلك شي ء يقابل بالحكم كي يكون هو الرشوة فتدبر. نعم بعض الوجوه التي استدل بها علي حرمة الهدية يدل علي حرمة المعاملة المحاباتية لكن عرفت ما فيها فالاظهر عدم الحرمة.

و أما في الصورة الثانية: فان قلنا بان الشرط حتي مثل هذا الشرط غير المذكور يقسط عليه الثمن يحرم اعطاء مقدار ما قابل الشرط لكونه رشوة و الا فحكم هذه الصورة حكم الصورة الاولي، و اولي بعدم الحرمة الصورة الثالثة كما لا يخفي.

و أما الثاني: ففي الجواهر اختيار عدم الصحة و تبعه المصنف (قدس سره) حيث قال:

(1)

و في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي و استدل له في جميع الصور:

بالنصوص الدالة علي بقاء المال علي ملك الراشي باي طريق كان.

و في الصورة الثالثة بان الشرط الفاسد مفسد.

و في الجميع نظر:

اما الاول: فلان غاية ما يستفاد من النصوص بقاء المال علي ملك الراشي ان لم يكن بعقد من العقود مع انك عرفت عدم صدق الرشوة علي المعاملة المحابي فيها.

و أما الثاني: فلانه يرد عليه مضافا الي ما تقدم من منع صدق الرشوة عليها: ان حرمة المعاملة غير ملازمة لفسادها كما حققناه في محله و اعترف به الشيخ (قدس سره) في مسالة الاعانة علي الاثم.

و أما الثالث: فلانه يرد عليه مضافا الي ان الدفع الواجب بمقتضي المعاملة الواقعة لا يكون مصداقا للرشاء انه لا يتأتي فيما كان مقبوضا قبل المعاملة او كان في حكم القبض مما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 366

ثمّ ان كل ما حكم بحرمة اخذه وجب علي الاخذ رده ورد بدله مع التلف اذا قصد مقابلته بالحكم كالجعل و الاجرة حيث حكم بتحريمهما و كذا الرشوة لانها حقيقة جعل علي الباطل (1) و لذا فسره في القاموس بالجعل.

______________________________

هو ثابت في الذمة كما صرح بذلك بعض مشايخنا المحققين (قدس سرهم).

و أما الرابع: فلان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا كما سياتي التعرض لذلك في الجزء السادس من هذا الشرح فلا ظهر هي الصحة.

حكم الرشوة وضعا

(1) قوله و كذا الرشوة لانها حقيقة جعل علي الباطل.

هذا هو الفرع السابع من الفروع التي يذكرها المصنف في هذه المسألة.

و الغرض منه بيان الحكم الوضعي اي الضمان و عدمه.

و فيه اقوال الضمان مطلقا عدمه كذلك التفصيل بين ما يبذل بعنوان الرشوة و غيره فالضمان في الاول دون غيره و

في المقام تفصيل آخر ستقف عليه.

و محصل الكلام في هذا المقام: ان كل ما يعطي الباذل بعنوان الرشوة التي حقيقتها علي ما عرفت بذل المال للقاضي ليحكم له لا ريب في ضمان القابض اياه فيجب عليه رده اورد بدله لان المال انما يقع في مقابل الحكم فيكون ذلك في الحقيقة اجارة فاسدة او شبيها بها فيكون من صغريات القاعدة المصطادة من النصوص الواردة في باب الضمان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و أما ما يبذل بعد المعاملة المحاباتية فان بنينا علي فساد المعاملة يكون القابض ضامنا له لقاعدة ما يضمن و الا فلا و لا يخفي وجهه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 367

و لو لم يقصد بها المقابلة بل اعطي مجانا ليكون داعيا ليكون داعيا علي الحكم و هو المسمي بالهدية فالظاهر عدم ضمانه لان مرجعه الي هبة مجانية فاسدة اذ الداعي لا يعد عوضا و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و كونها من السحت انما يدل علي حرمة الاخذ لا علي الضمان و عموم علي اليد مختص بغير اليد المتفرعة علي التسليط المجاني و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد (1) معللا بتسليط المالك عليها مجانا (2) قال: و لانها تشبه المعاوضة و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (3).

______________________________

و أما ما يعطي مجانا بعنوان الهدية فالظاهر ان القابض لا يضمن اذ غاية ما تدل عليه الادلة المتقدمة كونها هبة فاسدة فتكون من صغريات عكس القاعدة و هو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و استدل للضمان فيه بوجهين:

الاول: ان مقتضي النصوص الدالة علي ان الرشوة

سحت بقائها علي ملك المالك فاذا اخذها القابض كان ضامنا.

و فيه: ان تلك النصوص انما تدل علي حرمة الاخذ و لزوم رد المال الي صاحبه مع بقائه و لا تدل علي الضمان بعد التلف.

الثاني: عموم علي اليد.

و فيه: انه مختص بغير اليد المتفرعة علي التسليط المجاني و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير المقام.

(1) قوله و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد.

و علله بوجهين:

(2) الاول: ان المالك سلطه عليها مجانا فلا وجه للضمان.

و فيه ان التسليط انما يكون في مقابل الحكم لا مجانيا.

(3) الثاني: انها تشبه المعاوضة و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسدة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 368

و لا يخفي ما بين تعليله من التنافي لان شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان لان المعاوضة الصحيحة يوجب ضمان كل منهما ما وصل اليه بعوضه الذي دفعه فيكون مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعي و هو المثل او القيمة و ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتي لا يضمن بفاسده نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة الي غير العوض كما ان العين المستاجرة غير مضمونة في يد المستاجر بالاجارة فربما يدعي انها غير مضمونة اذا قبض بالاجارة الفاسدة لكن هذا كلام آخر (قد ثبت فساده بما ذكرناه في باب الغصب من ان المراد مما لا يضمن بصحيحه ان يكون عدم الضمان مستندا الي الاجارة الصحيحة بل الي قاعدة الامانة المالكية و الشرعية لكون التصرف في العين مقدمة لاستيفاء المنفعة ماذونا فيه شرعا فلا يترتب عليه الضمان بخلاف الاجارة الفاسدة فان الاذن الشرعي فيها مفقود و الاذن المالكي غير مثمر لكونه تبعيا و لكونه لمصلحة القابض

فتأمل- كذا في بعض النسخ) و الكلام فعلا في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة و التحقيق ان كونها معاوضة او شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها لا لعدم الضمان.

______________________________

و تقريبه بنحو يندفع ما اورد عليه في المكاسب و ما ذكره بعض مشايخنا المحققين (قدس سرهم) من انه تصحيف من النساخ و الاصح انها تشبه الهبة الفاسدة: ان اعطاء الرشوة مطلقا شبيه بالعقد المشتمل علي الايجاب و القبول الذي هو الموضوع للقاعدة و ليس مراده المعاوضة المشتملة علي العوض من الطرفين حتي يرد عليه ما ذكره المصنف (قدس سره).

فالصحيح في الجواب عنه ان اعطاء المال بازاء الحكم اما ان يكون اجارة او شبيها بها فيكون موجبا للضمان لقاعدة ما يضمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 369

فروع في اختلاف الدافع و القابض (1) لو ادعي الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة و ادعي القابض انها هبة صحيحة لداعي القربة او غيرها (2) احتمل تقديم الاول لان الدافع اعرف بنيته (3) و لأصالة الضمان في اليد اذا كانت الدعوي بعد التلف.

______________________________

اختلاف الدافع و القابض

(1) هذا هو الفرع الثامن من فروع المسألة و هو في اختلاف الدافع و القابض كمرسل ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام: سألته عن التماثيل

(2) ذكر المصنف (قدس سره) في المقام فروضا ثلاثة:

الاول: ان يتسالم المترافعان علي عقد واحد و لكن القابض يدعي صحته و الدافع فساده كما لو ادعي القابض كونه هبة صحيحة و الدافع ادعي كونها هدية علي سبيل الرشوة و هذا النزاع انما يترتب عليه الاثر فيما اذا كانت الدعوي قبل التلف مع كون الهبة لذي رحم او علي وجه قربي فانه يترتب عليه حينئذ جواز استرجاع

العين من الموهوب له و عدمه و فيما اذا كانت الدعوي بعد الاتلاف فانه يترتب علي النزاع حينئذ ضمان الموهوب له اذ لو كان هبة صحيحة لا يضمن الموهوب له لانه اتلف مال نفسه و لو كان هبة فاسدة ضمن بمقتضي قاعدة اليد و الاتلاف و انما خرج من القاعدة صورة التلف و بقي الباقي.

و بذلك ظهر ما في كلام الاستاذ الاعظم حيث قال ايرادا علي ما ذكره المصنف (قدس سره) بقوله: و لأصالة الضمان اذا كانت الدعوي بعد التلف.

بان النزاع بعد التلف لا أثر له اذ لا ضمان للهبة بعد التلف سواء كانت صحيحة ام فاسدة.

(3) و قد استدل لتقديم قول الدافع: بان الدافع اعرف بنيته.

و اورد عليه: بانه لا دليل علي تقديم قول الاعرف.

و اجيب عنه: بانه يرجع الي اعتبار قول الشخص فيما لا يعلم الا من قبله.

و نوقش في هذا الجواب بوجهين:

الاول: ما ذكره المحقق الايرواني (قدس سره) بان تقديم قول من يدعي ما لا يعلم الا من قبله غير مرضي عند المصنف و قد صرح في الخيارات بعدم نهوض الدليل علي ذلك عموما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 370

______________________________

و فيه: ان المصنف يدعي في الخيارات اختصاص النصوص بموارد خاصة و انه لم

يدل العموم دليل و لكن يمكن ان يكون نظره في المقام الي ما ادعاه الفقهاء في باب الحيض في مسالة اخبار المرأة بالحيض او الطهر من دلالة ادلة قبول قول ذي اليد علي حجية اخبار الشخص عما في نفسه اما بانفسها او بالاولوية و عليه فلا يرد عليه هذا الايراد.

الثاني: ما ذكره المحقق التقي (قدس سره) من انه: لو تم ذلك فانما هو فيما اذا كان النزاع في نفس الامر الخفي

لا في ان الامارة التي اقامها عليه كانت كذا و كذا كما في ما نحن فيه حيث ان النزاع في ان الامارة التي اقامها علي نيته عند المعاملة هل كانت دالة علي قصد الرشوة او علي قصد الهبة.

و فيه: ان الهبة الخارجية لا تختلف باختلاف القصد و النية كي يكون النزاع في دلالة الامارة بل هي علي نسق واحد و علي ذلك فلا محالة يكون النزاع في نفس ذلك الامر الخفي.

و استدل له ايضا: باصالة الضمان في اليد اذا كانت الدعوي بعد التلف اذ مقتضي عموم علي اليد هو الضمان حتي يقوم دليل مخرج.

و اورد عليه تارة: بان موضوع القاعدة اليد الواقعة علي ملك الغير و القابض يدعي ان يده علي ملكه و استصحاب عدم السبب الناقل- اعني الهبة الصحيحة- لا يعين حال اليد الخارجية و انها يد علي مال الغير كي يصح التمسك بعموم علي اليد كما في تعليقة المحقق الايرواني.

و اخري: بان عموم علي اليد مختص باليد العادية و مع الاغماض عنه الشبهة مصداقية كما في ملحقات العروة.

و ثالثة: بانه ما الوجه في التقييد بما اذا كانت الدعوي بعد التلف مع ان ما يمكن ان يستدل به علي الضمان بعد التلف يدل عليه قبله ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 371

و الاقوي تقديم الثاني لانه يدعي الصحة (1) و لو ادعي الدافع انها رشوة او اجرة علي المحرم و ادعي القابض كونها هبة صحيحة (2) احتمل انه كذلك لان الامر يدور بين الهبة الصحيحة و الاجارة الفاسدة و يحتمل العدم اذ لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته و فساده فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته فيحلف علي عدم وقوعه و

ليس هذا من مورد التداعي كما لا يخفي.

______________________________

و في الجميع نظر:

اما الاول: فلان الدافع و القابض علي ورود اليد علي ملك الدافع اذ القبض جزء المملك في الهبة و القابض يدعي ان ورودها مملك و الدافع ينكر.

و أما الثاني: فلان قاعدة علي اليد عامة غاية الامر انها تختص في المورد بما اذا لم يكن المبذول علي وجه الهبة الصحيحة و عليه فيمكن احراز هذا الجزء من الموضوع بالاصل و يضم ذلك الي الجزء الآخر المحرز وجدانا فيلتئم الموضوع و يترتب عليه الحكم و لا يعارض هذا الاصل اصالة عدم الهبة الفاسدة لعدم ترتب الاثر عليها.

و أما الثالث: فلان الدعوي ان وقعت قبل التلف فلا مورد للتمسك بقاعدة اليد لوجود الامارة علي كونه ملكا للقابض و هي اليد التي هي امارة علي الملكية حين وجودها خاصة بناء علي حجية اليد مع الاعتراف بسبق ملك الغير لما في يده كما استظهره المصنف (قدس سره) من الصحيح الوارد في محاجة امير المؤمنين (عليه السلام) مع ابي بكر في امر فدك «1»

و أما ان وقعت بعد التلف فحيث انه لا حكم لليد اذ لا دليل علي اعتبار اليد السابقة فيرجع الي قاعدة الضمان و لكن التحقيق هو عدم الضمان لما ذكره المصنف (قدس سره)

(1) بقوله: و الاقوي تقديم الثاني لانه يدعي الصحة اشار بذلك الي اصالة الصحة في العقود المقدمة علي جميع الاصول الموضوعية التي عليها بناء العقلاء و اجماع العلماء.

(2) الفرض الثاني ما ذكره بقوله و لو ادعي انه رشوة الخ.

و حاصله ان يدعي الدافع فساد العقد و القابض يدعي صحته مع الاختلاف في

______________________________

(1) الوسائل باب 25 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 1، ص: 372

و لو ادعي الدافع انها رشوة و القابض انها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه بناء علي ما سبق من ان الهدية المحرمة لا يوجب الضمان (1) ففي تقديم الاول لأصالة الضمان في اليد او الآخر لأصالة عدم سبب الضمان و منع اصالة الضمان وجهان اقواهما الاول: لان عموم خبر: علي اليد يقضي بالضمان الا مع تسليط المالك مجانا.

______________________________

مصب الدعوي كما اذا ادعي الدافع ان المبذول رشوة او اجرة علي المحرم و القابض ادعي انه موهوب بهبة صحيحة.

و الحق ان تقديم قول الدافع او القابض في المقام يدور مدار حجية اصالة الصحة فيما اذا لم يكن مصب الدعوي امرا واحدا معلوما للمترافعين و عدمها: اذ علي الاولي يقدم قول القابض لما تقدم في بالفرض السابق و علي الثاني: يقدم قول الدافع اذ الاثر مترتب علي وقوع العقد الصحيح و عدمه فتجري اصالة عدمه غير المعارضة باصالة عدم تحقق الرشوة المحرمة او الاجرة الفاسدة: لعدم ترتب الاثر عليهما اذ موضوع الاثر اي الضمان هو وضع اليد علي ملك الدافع مع عدم تحقق السبب الناقل سواء تحقق معه شي ء من الاسباب الفاسدة او لم يتحقق فاذا انضم الي ما هو محرز بالوجدان- و هو وضع القابض يده علي ملك الدافع الاصل المزبور يلتئم الموضوع و يترتب عليه الحكم و حيث ان مدرك اصالة الصحة هي الادلة اللبية فلا بد من الاخذ بالقدر المتيقن و هو ما ذا كان مصب الدعوي عقدا واحدا و عليه فالاظهر هو تقديم قول الدافع.

(1) هذا هو الفرض الثالث: و هو ان يتوافق المترافعان علي فساد الاخذ و الاعطاء و لكن الدافع يدعي كون المبذول رشوة مثلا فيضمن القابض و القابض

يدعي انه موهوب بهبة فاسدة فلا يكون موجبا للضمان و الظاهر هنا ايضا تقديم قول الدافع و ذلك لان موضوع الضمان هو وضع اليد علي ملك الغير اذا لم تكن متصفة بالمجانية لاما اذا كانت متصفة بعدم المجانية اذ الخارج عن تحت عموم علي اليد التسليط المجاني و عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 373

و الاصل عدم تحققه و هذا حاكم علي اصالة عدم سبب الضمان (1) فافهم.

التاسعة: سب المؤمنين حرام
اشارة

في الجملة بالادلة الاربعة (2) لانه ظلم و ايذاء و اذلال.

______________________________

فتجري اصالة عدم تحقق تسليط المجاني و يضم ذلك الي ما هو محرز بالوجدان و هو وضع اليد علي مال الغير فيترتب عليه الحكم و هو الضمان و بهذا التقريب اندفع ما اورده المحقق الايرواني علي هذا الوجه بان الاصل المزبور لا يثبت ان اليد الخارجية ليست يدا مجانية و تمام الكلام في جريان هذا الاصل و ان تخصيص العام بمخصص منفصل او كالاستثناء من المتصل يوجب تعنون موضوع العام بعدم كونه متصفا بعنوان الخاص لا تعنونه بكونه متصفا بعدمه كي لا يفيد الاصل المزبور موكول الي محله و قد اشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا زبدة الاصول في مبحث العام و الخاص.

و لا يعارض هذا الاصل اصالة عدم تحقق سبب الضمان- اي استصحاب عدم المركب المتحقق قبل زمان الشك- اذ لا أثر للمركب بما هو مركب- اي وصف الاجتماع- و انما الاثر يترتب علي ذوات الاجزاء التوأمة.

(1) و أما ما ذكره المصنف (قدس سره) في وجه عدم الجريان من حكومة اصالة عدم تحقق التسليط المجاني علي هذا الاصل.

و توضيحه ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في رسالة لباس المشكوك من ان الشك في وجود المركب مسبب عن

الشك في وجود اجزائه و الاصل الجاري في السبب حاكم علي الاصل الجاري في المسبب.

فغير تام اذ حكومة الاصل السببي علي الاصل المسببي انما تكون فيما اذا كانت السببية شرعية و السببية في المقام ليست شرعية و لعله لذلك امر بالتامل.

يحرم سب المؤمن

(2) قوله التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة بالادلة الاربعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 374

ففي رواية ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله) سباب المؤمن فسوق (فسق) و قتاله كفر و اكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه. (1) و في رواية السكوني عن عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله) سباب المؤمن كالمشرف علي الهلكة (2).

______________________________

و يدل علي حرمته من الكتاب قوله تعالي (و اجتنبوا قول الزور «1» فان السب من اوضح مصاديق قول الزور.

و أما العقل فانه مستقل بذلك لكون السب ظلما و ايذاء و اذلالا.

و أما الاجماع فالظاهر ان علي ذلك اجماع المسلمين.

(1) و من السنة نصوص كثيرة منها: خبر «2» ابي بصير المذكور في المتن.

و هذه الرواية موثقة و التعبير فيها بالفسوق و في اكل لحمه بالمعصية لا يبعد ان يكون تفننا في العبارة.

و قد يقال انها ضعيفة الدلالة لاحتمال ان يكون سباب بصيغة المبالغة.

(2) و منها: خبر «3» السكوني الذي ذكره المصنف (قدس سره).

و قد ضعفه الاستاذ الاعظم للنوفلي.

و فيه: انه و ان ضعف بعضهم الحسين بن يزيد النوفلي و اهمله آخر.

الا انه بعد ملاحظة انه لم يقدح فيه احد من ائمة الرجال و جماعة من الاساطين كالمحقق في المعتبر و الشيخ و غيرهما قد عملوا برواياته و اعتمدوا عليها و جعلوها

من الموثقات و رواية جمع من القميين و اكثارهم من الرواية عنه و المدائح التي نطقوا بها ككونه ذا كتاب و كثير الرواية و سديد الرواية و مقبول الرواية.

لو لم نقل بان رواياته موثقات لا ريب في انها بضميمة كون الرجل اماميا بلا شبهة توجب كون الرجل من الحسان و ما نسب الي جمع من القميين انه غلا في آخر عمره لا يوجب طرح روايته اذ مضافا الي عدم الاعتناء برمي القدماء بالغلو و ان الغلو

______________________________

(1) الحج 31.

(2) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة حديث 3.

(3) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 375

و في رواية ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) قال جاء رجل من تميم الي رسول الله (صلي الله عليه و آله) فقال له: اوصني فكان فيما اوصاه لا تسبوا فتكتسبوا (فتكسبوا) العداوة. (1) و في رواية ابن الحجاج عن ابي الحسن في الرجلين يتسابان قال البادي منهما اظلم وزره علي صاحبه (و وزر صاحبه عليه) ما لم يعتذر الي المظلوم و في مرجع الضمائر اغتشاش (2) و يمكن الخطأ من الراوي و المراد و الله اعلم ان مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه اياه في السب من غير ان يخفف عن صاحبه شي ء فاذا اعتذر الي المظلوم عن سبه و ايقاعه اياه في السب برء من الوزرين.

______________________________

في آخر عمره لا يضر فيما رواه قبل غلوه ان ذلك لا يوجب مغمزا فيه كما في كثير من الفقهاء الثقات الاثبات كيونس بن عبد الرحمن كما صرح بذلك السيد الداماد.

و لكن الذي يرد علي الاستدلال بالخبر: انه ضعيف الدلالة اذ قوله كالمشرف علي الهلكة لا ظهور له

في الحرمة كما لا يخفي مع انه يحتمل ان يكون السباب بصيغة المبالغة كشراب بل هذا هو الاظهر منه بقرينة كالمشرف.

(1) و اضعف منه الاستدلال بخبر ابي بصير عن الامام الباقر عن رسول. الله (صلي الله عليه و آله):

لا تسبوا فتكسبوا العداوة لهم «1» اذ ظاهره ان النهي عن السب ارشادي الي ما يترتب عليه من مفسدة العداوة التي لا تكون لزومية لا سيما مع اطلاق العداوة من حيث عداوة المؤمن و عداوة غيره.

و منها خبر الاحتجاج عن ابي الحسن (عليه السلام) المذكور في المتن «2».

(2) قال المصنف بعد نقل هذا الخبر: و في مرجع الضمائر اغتشاش.

و لكن هذه الرواية رويت في الكتب المعتبرة هكذا: في رجلين يتسابان فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة حديث 2.

(2) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 376

______________________________

البادي منهما اظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم «1». و في

رواية اخري باختلاف في صدرا لسند و ذيل المتن اذ فيها ما لم يتعد المظلوم «2» و الاولي صحيحة و الثانية حسنة و علي هذا فلا اغتشاش في مرجع الضمائر و يكون المستفاد منهما في بادئ النظر أن الوزرين ثابتان علي البادي و ليس علي الراد وزر غاية الامران الاولي تدل علي البراءة من الوزرين بالاعتذار الي المظلوم مع التوبة و الثانية تدل علي ان الوزرين علي البادي و ليس علي الراد وزر الا اذا تجاوز عن الاعتداء بالمثل و اذا تجاوز كان هو البادي في خصوص القدر الزائد كما افتي بذلك جمع من الاساطين.

و لكن بعد التدبر في الخبرين يظهر عدم تمامية ذلك فان التعبير بوزر صاحبه

ظاهر في ثبوت الوزر علي الراد و حمله علي ارادة مقدار وزر صاحبه لو كان هو البادي ليس باولي من حمله علي ارادة مثل وزر صاحبه من دون ان ينقص من وزره شي ء و لعل الثاني اظهر.

و ثبوت مثل وزر الراد علي البادي انما يكون فيما اذا لم يتجاوز عن الاعتداء بالمثل و الا فان تجاوز لا يثبت مثل وزره في القدر الزائد علي البادي لا لقوله (عليه السلام) في الرواية الثانية ما لم يتعد المظلوم اذ بعد فرض كون الخبرين رواية واحدة مروية بطريقين كما هو الظاهر اذ من البعيد جدا سؤال الحجاج عن ابي الحسن موسي (عليه السلام) هذه المسألة مرتين ثمّ نقلهما للراوي عنه لا وجه للاستدلال بشي ء من الجملتين اللتين اختلفا فيهما كما لا يخفي بل من جهة عدم صدق الراد عليه في القدر الزائد بل هو البادي فيه.

و لا يبعد دعوي عدم حرمة الرد و عدم ثبوت الوزر علي الراد للآيات الظاهرة في الاعتداء بالمثل فان فيها دلالة علي جواز شتم المشتوم بمثل فعله كما نبه علي ذلك المحقق الاردبيلي (قدس سره) و لا وجه لحمل الخبر علي الاحتمال الاول.

______________________________

(1) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة في السفر و الحضر حديث 1.

(2) الاصول من الكافي ص 322 باب السفه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 377

ثمّ أن المرجع في السب الي العرف (1) و فسره في جامع المقاصد بإسناد ما يقتضي نقصه اليه مثل الوضيع و الناقص. و في كلام بعض آخر ان السب و الشتم بمعني واحد و في كلام ثالث ان السب ان تصف الشخص بما هو ازراء و نقص فيدخل في النقص كلما يوجب الاذي كالقذف و الحقير

و الوضيع و الكلب و الكافر و المرتد و التعبير بشي ء من بلاء الله تعالي كالجذام و الابرص، ثمّ الظاهر انه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب، نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه (2) و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع لان مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه و لو لا لقصد الاهانة غيبة محرمة و الاهانة محرم آخر.

______________________________

و بناء علي كون الخبر علي النحو المذكور في المكاسب يمكن أن يقال لا اغتشاش في مرجع الضمائر، فإن الضمير في كلمة وزره يرجع الي السب المستفاد من قوله يتسابان كما اليه يرجع الضمير في كلمة صاحبه أي فاعل السب، فيكون مفاد الخبر حينئذ: ان وزر كل سب علي فاعله لهتك كل منهما صاحبه، و لا يرتفع ذلك الا بالاعتذار الي المظلوم.

(1) قوله ثمّ ان المرجع في السب الي العرف.

و الظاهر من العرف و اللغة، و لا أقل من كون ذلك هو المتيقن لو سلم اجمال مفهومه،

كون السب متحدا مع الشتم و انه يعتبر فيه كونه تنقيصا و ازراء و اعتبار الاهانة و التعيير في مفهومه و عليه فيعتبر في مفهومه قصد الهتك و لا يعتبر فيه مواجهة المسبوب.

و أما اعتبار قصد الانشاء فلم يدل عليه دليل، بل الظاهر صدقه مع قصد الاخبار أيضا.

فما ذكره المحقق الايرواني من ان النسبة بين السب و الغيبة من التباين هو جهة ان السب هو ما كان بقصد الانشاء، و أما الغيبة فجملة خبرية.

غير تام، بل الصحيح هو ما ذكره المصنف من.

(2) ان النسبة بينهما عموم من وجه.

إذ ربما يصدق السب و لا يصدق الغيبة كما لو خاطب المسبوب بصفة

مشهورة بقصد الاهانة، بل لو خاطبه بالمذمة و التنقيص، فإن الغيبة لا تصدق مع المواجهة فتدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 378

ثمّ انه يستثني من المؤمن المظاهر بالفسق (1) لما سيجي ء في الغيبة من انه لا حرمة له.

و هل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي عن المنكر فيشترط بشروطه أم لا، ظاهر النصوص و الفتاوي، كما في الروضة الثاني و الاحوط الاول و يستثني منه المبتدع أيضا (2) لقوله صلي الله عليه و آله اذا رأيتم أهل البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم و الوقيعة فيهم.

______________________________

و قد تصدق الغيبة و لا يصدق السب كما لو اظهر عيوبه من دون قصد الي الاهانة و التنقيص، و قد يجتمعان و يتعدد العقاب في مورد الاجتماع.

المستثنيات

(1) قوله و يستثني من المؤمن المتظاهر بالفاسق.

اذ يدل علي جواز سب المتجاهر بالفسق في الجملة ما دل من النصوص علي ان الفاسق اذا تجاهر بفسقه لا حرمة له، و سيأتي ذكرها في مسألة الغيبة فانها تدل علي ان التظاهر بالفسق يوجب سلب احترام الفاسق، هذا بالنسبة الي المعصية التي تجاهر فيها.

و أما بالنسبة الي المعاصي التي لم يتجاهر فيها فجواز السب بها و عدمه مبنيان علي ما سيأتي تحقيقه في تلك المسألة من ان قوله عليه السلام لا حرمة له هل يدل علي زوال الاحترام بقول مطلق او بالنسبة الي خصوص تلك المعصية فانتظر.

و منه يظهر حكم سبه بغير ما ليس في المسبوب و لم يكن معصية، و أما السب بما ليس فيه فهو افتراء محرم بلا كلام.

(2) قوله و يستثني منه المبتدع أيضا.

و المراد منه المبتدع في الاحكام الشرعية، إذ المبتدع في الاصول الاعتقادية كافر

لا يشمله ما دل علي حرمة السب فخروجه ليس الا استثناء منقطعا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 379

و يمكن أن يستثني من ذلك ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا (1) بأن لا يوجب قول هذا القائل في حقه مذلة و لا نقصا كقول الوالد لولده او السيد لعبده عند مشاهدة ما يكرهه يا حمار و عند غيظه يا خبيث و نحو ذلك سواء لم يتأثر المقول فيه بذلك بأن لم يكرهه أصلا أو تأثر به بناء علي ان العبرة بحصول الدال و النقص فيه عرفا و يشكل الثاني بعموم ادلة حرمة الايذاء

______________________________

و يشهد لاستثناء المبتدع بالمعني المذكور، جملة من النصوص.

كصحيح داود بن سرحان عن الامام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله اذا رأيتم اهل الريب و البدع من بعدي فاظهر و البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1» و نحوه غيره.

و مقتضي اطلاق قوله عليه السلام و أكثروا من سبهم و القول فيهم لو لم يكن صريحه، و صريح قوله عليه السلام و باهتوهم جواز السب بغير ما تظاهر فيه من البدعة و بما ليس فيه.

و بذلك يظهر ان هذا غير المستثني المتقدم.

فما أفاده الاستاذ الاعظم من انه لا وجه لجعله من المستثنيات باستقلاله فإنه ان كان المراد به المبدع في الاحكام الشرعية فهو متجاهر بالفسق، غير سديد.

(1) قال المصنف قدس سره و يمكن ان يستثني من ذلك ما اذا لم يتأثر المسبوب …

و فيه: ان

عدم تأثر المسبوب بالمعني المذكور- أي عدم كون السب اهانة المسبوب في نظر العرف- موجب لعدم صدق السب عليه، فلا يحرم من هذه الجهة، و عليه فلا يصح جعل ذلك استثناء من حرمة السب الا بنحو الاستثناء المنقطع.

و أما إذا كان السب موجبا لإهانة المسبوب فهو حرام كان الساب ابا للمسبوب او سيدا او معلما له او غيرهم لإطلاق الادلة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 380

نعم لو قال السيد ذلك في مقام التأديب جاز لفحوي جواز الضرب (1) و أما الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام انت و مالك لابيك (2) فتأمل مضافا الي استمرار السيرة بذلك الا أن يقال ان استمرار السيرة انما هو مع عدم تأثر السامع و تأذيه بذلك، و من هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم فان السيرة انما نشأت في الازمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعد نفسه ادون من عبده بل ربما كان يفتخر بالسب لدلالته علي كمال لطفه. و أما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول و الفعل فهل ايذاؤه يحتاج الي الدليل و الله الهادي الي سواء السبيل.

______________________________

و استدل للجواز في سب الوالد ولده و المعلم متعلمه و السيد عبده: بأن سب هؤلاء فخر للمسبوب و تأديب له، و بالسيرة علي الجواز في الموارد المذكورة.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان عنواني التأديب و الفخر منافيان لعنوان السب، فان المأخوذ في حقيقة السب الهتك و الاهانة، فلا يمكن اجتماعهما في مورد واحد.

و أما

الثاني فلان ثبوت السيرة المستمرة الي زمان المعصوم عليه السلام في موارد الهتك و الظلم ممنوع.

(1) و قد استدل في المتن لجواز سب السيد عبده: بفحوي ما دل علي جواز ضربه «1».

و فيه: ان مناط حرمة السب لو كان بعينه مناط حرمة الضرب و هو الايذاء كان الاستدلال المزبور له وجه و إن أمكن منعه أيضا من جهة ان الايذاء بالقول أشد من الايذاء بالضرب، و أما إذا لم يكن ذلك مناطه و لم تكن حرمة السب من جهة انطباق عنوان محرم عليه صادق علي الضرب أيضا، بل كان السب له خصوصية كما هو الظاهر من الادلة فلا وجه للاستدلال المزبور أصلا.

(2) و استدل لجواز سب الولد ولده: بضم الجملة الواردة في النصوص «2» الصحيحة

______________________________

(1) الوسائل، باب 30 من أبواب مقدمات الحدود.

(2) الوسائل، باب 78 من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 381

______________________________

و هي: أنت. و مالك لابيك بالفحوي التي استدل بها في المملوك، فانه يستنتج من ذلك جواز

سب الاب ابنه.

و بفحوي ما دل علي جواز تأديب الولد الصغير بالضرب «1» فانه يدل علي جواز سب بالاولوية، و بضميمة استصحاب الجواز الي حال الكبر يثبت المطلوب.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان تلك الجملة ناظرة الي الجهات الاخلاقية، و لا تدل علي الملكية الحقيقية، كي يكونا من مصاديق السيد و عبده، و لا الملكية التنزيلية كي يكونا بحكمهما لإطلاق التنزيل، اذ لا ريب في انه ليس للاب التصرف في أموال الابن تصرفه في ماله.

و قد ورد في جملة من النصوص «2» ان للاب ان يستقرض من مال ابنه، و لو كان الاب مالكا للابن و أمواله لما احتاج الي الاستقراض مع انك قد عرفت عدم

ثبوت الفحوي المزبورة.

و أما الثاني: فلمنع الاولوية كما تقدم.

مضافا الي ان ذلك الدليل دل علي جواز التأديب بالضرب، فيدل علي جواز ذلك بالسب لا علي جواز السب بنفسه الذي عرفت انه عنوان مناف لعنوان التأديب.

مع انا أشرنا في هذا الكتاب مرارا الي ان الاظهر عندنا عدم جريان الاستصحاب في الاحكام.

فتحصل: ان استثناء هذه الموارد في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل، باب 85، من أبواب أحكام الاولاد من كتاب النكاح.

(2) الوسائل، باب 78، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 382

العاشرة السحر حرام
اشارة

في الجملة بلا خلاف، بل هو ضروري (1) كما سيجي ء و الاخبار به مستفيضة منها ما تقدم من ان الساحر كالكافر.

و منها قوله عليه السلام من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه وحده ان يقتل، الا ان يتوب (2).

______________________________

حرمة السحر

(1) قوله العاشرة السحر حرام في الجملة بلا خلاف بل هو ضروري.

و الكلام فيه مقامين: الاول في حكم السحر.

الثاني: في بيان موضوعه.

أما الاول: فالمشهور بين الاصحاب كون السحر حراما في الجملة، بل لا خلاف فيه،

بل هو ضروري فضلا عن إجماع المسلمين عليه.

و الاخبار به مستفيضة منها ما في نهج البلاغة من ان الساحر كالكافر «1».

(2) اشارة الي حسن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه: ان عليا عليه السلام قال:

من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه، وحده ان يقتل الا أن يتوب «2».

و منها: «3» خبر السكوني عنه عليه السلام المذكور في المتن و قد ضعفه الاستاذ للنوفلي، و قد مر في المسألة السابقة انه من الحسان.

قوله صلي الله عليه و آله لان السحر و الشرك مقرونان أي الجملة

الثانية بمنزلة الصغري للاولي،

فيكون مفاد الخبر- و الله العالم- ان الشرك و السحر مقرونان و مجتمعان في

______________________________

(1) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.

(2) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(3) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 383

و في رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله صلي الله عليه و آله لم لا يقتل ساحر الكفار، قال: لان الشرك أعظم من السحر و لان السحر و الشرك مقرونان. في نبوي آخر ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر و مدمن سحر و قاطع رحم (1) الي غير ذلك من الاخبار.

______________________________

المشرك الساحر، و الشرك أعظم من السحر، فاذا اجتمع السحر مع ما هو أعظم منه سقط أثره.

(1) اشارة الي خبر أبي موسي الاشعري عنه صلي الله عليه و آله «1».

و قد ورد في جملة من نصوص الباب ما دل علي انه يقتل، و في جملة اخري انه كافر.

أما الحكم بقتله فهو المشهور بين الاصحاب، و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه، و عن بعض متأخري المتأخرين تقييده بكونه مستحلا له.

أما اذا كان مستحلا للسحر فلا ينبغي التوقف في الحكم بقتله لصيرورته بذلك منكرا لضروري الدين مضافا الي نصوص الباب.

و أما اذا لم يكن مستحلا له فيدل علي انه يقتل اطلاق جملة من النصوص كخبر السكوني المتقدم و فيه: ساحر المسلمين يقتل.

و خبر أبي البختري: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه وحده الا أن يتوب «2» و نحوهما غيرهما.

و قد

توقف الاستاذ الاعظم في الحكم بقتله بدعوي انه و ان ورد في الروايات العديدة ان حد الساحر هو القتل الا انها روايات ضعيفة.

و فيه: ما تقدم من عدم كون خبر السكوني ضعيفا، و أما حسن اسحاق فقد اعترف هو دام ظله بكونه حسنا مع انه لو سلم ضعف الروايات فهو مجبور بالشهرة الفتوائية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) الوسائل باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 384

______________________________

و أما الحكم بالكفر، فهو و إن كان ظاهر جملة من النصوص الا أنه لا يمكن الاخذ

بظاهرها، و يتعين حملها علي ارادة مستحل السحر او من يدعي به الرسالة او من يدعي ما لا يقدر عليه الا الله، او حملها علي المبالغة في الحرمة، و ذلك لما في جملة أخري منها ما ينافي ذلك، ففي نهج البلاغة: الساحر كالكافر، و في حسن السكوني: ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل. إذ لو كان الساحر كافرا لما كان بينهما فرق، و فيه أيضا تعليل الفرق بينهما بأن الشرك أي الكفر أعظم من السحر.

و في خبر الامام العسكري في قصة هاروت و ماروت قوله عليه السلام: فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الاضرار به و دعاء الناس الي ان يعتقدوا انك به تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله فان ذلك كفر «1».

و في المرسل فيمن أخذ السحر صناعة لنفسه حل و لا تعقد «2».

و لانه لا كلام عندهم في عدم ترتيب آثار الارتداد من قسمة الاموال و بينونة زوجته و غيرهما عليه لو صار المسلم ساحرا.

و يضاف الي جميع ذلك قيام السيرة المستمرة

الي زمان المعصوم عليه السلام علي عدم معاملة الكافر مع الساحر.

و قد يقال: انه يعتبر في ترتب حكم السحر عليه كون ذلك مضرا بالمسحور.

و فيه ان كان ذلك لاجل دعوي اعتبار الاضرار في موضوع السحر كما عن الشهيدين فسيأتي الكلام فيه.

و ان كان لاجل النصوص الخاصة، بدعوي ان بعض النصوص الواردة في قصة هاروت و ماروت يدل علي ذلك.

فيرد عليه: انه لا مفهوم له كي يدل علي عدم حرمة غير المضر منه و يوجب تقييد المطلقات، فالاقوي- بناء علي عدم اعتبار الاضرار في السحر- حرمته مطلقا سواء كان مضرا أم لا، كما عن جمع من الاساطين لإطلاق الادلة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 385

ثمّ ان الكلام هنا يقع في مقامين:

الاول: في المراد بالسحر و هو لغة علي ما عن بعض أهل اللغة: ما لطف مأخذه ودق السحر انتهي.

و عن بعضهم انه صرف الشي ء عن وجهه.

و عن ثالث انه الخدع.

و عن رابع: انه إخراج الباطل في صورة الحق، و قد اختلفت عبارات الاصحاب في بيانه، فقال العلامة قدس سره في القواعد و التحرير، انه كلام يتكلم به او يكتبه او رقية أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور او قلبه او عقله من غير مباشرة.

و زاد في المنتهي او عقد.

و زاد في المسالك أو أقسام و عزائم يحدث بسببها ضرر علي الغير.

و زاد في الدروس الدخنة و التصوير و النفث و تصفية النفس، و يمكن ان يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد او يعمل شيئا، نعم ظاهر المسالك و محكي الدروس أن المعتبر في السحر الاضرار

فإن أريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها خصوص الاضرار بالمسحور فهو، و الا كان أعم، ثمّ ان الشهيدين عدا من السحر استخدام الملائكة و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن صبي او امرأة و كشف الغائبات عن لسانه، و الظاهر ان المسحور فيما ذكراه هي الملائكة و الجن و الشياطين و الاضرار بهم يحصل بتسخيرهم و تعجيزهم من المخالفة له، و الجائهم الي الخدمة.

و قال في الايضاح انه استحداث الخوارق اما بمجرد التأثيرات النفسانية و هو السحر او بالاستعانة بالفلكيات فقط، و هو دعوة الكواكب او بتمزيج القوي السماوية بالقوي الارضية و هي الطلسمات او علي سبيل الاستعانة بالارواح الساذجة و هي العزائم و يدخل فيه النيرنجات و الكل حرام في شريعة الاسلام و مستحله كافر انتهي.

و تبعه علي هذا التفسير في محكي التنقيح و فسر النيرنجات في الدروس بإظهار غرائب خواص الامتزاجات و اسرار النيرين.

و في الايضاح اما ما كان علي سبيل الاستعانة بخواص الاجسام السفلية، فهو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 386

علم الخواص او الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل و جرّ الاثقال و هذان ليسا من السحر انتهي.

و ما جعله خارجا قد أدخله غيره و في بعض الروايات دلالة عليه و سيجي ء المحكي و المروي و لا يخفي ان هذا التعريف اعم من الاول لعدم اعتبار مسحور فيه فضلا عن الاضرار ببدنه او عقله.

و عن الفاضل المقداد في التنقيح انه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها علي أفعال غريبة بأسباب خفية، و هذا يشمل علمي الخواص و الحبل.

و قال في البحار بعد ما نقل عن أهل اللغة انه ما لطف و خفي سببه

انه في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفي سببه، و يتخيل علي غير حقيقته و يجري مجري التمويه و الخداع انتهي.

______________________________

حقيقة السحر

و أما المقام الثاني: و هو بيان حقيقة السحر، فقد اختلفت كلمات أئمة اللغة و الفقه في

بيان حقيقة السحر، و قد ذكر المصنف قدس سره جملة منها في المتن:

و الذي يظهر بعد المراجعة الي موارد استعمال هذه الكلمة و مشتقاتها عند أهل اللسان، و التدبر في مجموع التفاسير المنقولة عن الفقهاء العظام و أئمة اللغة و ضم بعضها ببعض: ان السحر هو صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل التمويه و الخدعة، و قلبه من جنسه في الظاهر لا في الحقيقة، و تصويره علي خلاف صورته الواقعية، فهو أمر لا واقعية له، بل مجرد تصرفات خيالية.

و بعبارة أخري: أنه تمويهات، لا حقيقة لها، يخيل الي المسحور ان لها حقيقة، نعم ربما يترتب عليه أمر واقعي، كما لو أظهر الساحر للمسحور شيئا مهولا فخاف منه و مات او صار مجنونا فإن الموت او الجنون و إن كان واقعيا، إلا أنه من آثار السحر لا انه بنفسه السحر، و بهذا الاعتبار يطلق السحر علي طلي الفضة بالذهب، و اطلق المشركون الساحر علي النبي الصادق حيث تخيلوا انه صلي الله عليه و آله يظهر الباطل بصورة الحق بتسحير اعين الناس و قلوبهم، و نفاه عنه سبحانه تعالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 387

______________________________

و أما ما عن القاموس من تفسيره بما لطف مأخذه ودق فهو تفسير بالاعم بلا كلام،

فإن كثيرا من ما لطف مأخذه و دق كالقوة الكهربائية و ما شابهها ليست من السحر قطعا،

كما ان ما عن جمع من تفسيره بصرف الشي ء عن وجهه تفسير بالاعم.

ثمّ انه لا وجه

بحسب المتفاهم العرفي لاعتبار الاضرار في صدق السحر كما عن المسالك، و لا لاعتبار كون السحر مؤثرا في بدن المسحور او عقله او قلبه من غير مباشرة كما عن العلامة قدس سره كما يظهر من الرجوع الي أهل اللسان.

فإن قيل: انه قد أطلق في خبر الاحتجاج الآتي المروي في المكاسب علي جملة أمور غير ما ذكر كالسرعة، و الخفة، و النميمة، فيستكشف من ذلك كون السحر أعم من ما ذكر.

أجبنا عنه مضافا الي ضعف الخبر للارسال: ان الاطلاق أعم من الحقيقة، بل الظاهر ان اطلاق السحر علي بعض تلك الامور انما يكون بنحو من العناية و المجاز.

فإن قيل: ان ما رواه الصدوق في الفقيه، في المرأة التي صنعت شيئا ليعطف زوجها عليها فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله أف لك كدرت البحار و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الاخيار و ملائكة السماء و الارض، الحديث، «1» يدل علي أن من السحر إحداث حب مفرط في الشخص، كما استدل به المصنف لذلك.

أجبنا عنه: أولا: انه لتضمنه توبيخ النبي صلي الله عليه و آله اياها و حكمه عليها بعدم قبول التوبة و استقباله اياها باللعن و إن كان دالا علي الحرمة، إلا أنه ليس فيه شهادة علي ان وجه الحرمة انطباق عنوان السحر عليه.

فإن قيل: إن الآية الشريفة (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه) «2»

تدل علي ان من السحر ايجاد التفرقة بين الزوجين.

______________________________

(1) المستدرك، باب 22، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

(2) سورة البقرة، آية 103.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 388

و هذا أعم من الكل لانه ذكر بعد ذلك ما حاصله ان السحر علي أقسام:

الاول: سحر الكلدانيين (1) الذين كانوا

في قديم الدهر و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم، و منها تصدير الخيرات و الشرور و السعادات و النحوسات، ثمّ ذكر انهم علي ثلاثة مذاهب فمنهم.

من يزعم انه الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.

و منهم من يزعم انها قديمة لقدم العلة المؤثرة و منهم من يزعم انها حادثة مخلوقة فعالة مختارة، فوض خالقها أمر العالم اليها و الساحر عند هذه الفرق من يعرف القوي العالية الفعالة بسائطها و مركباتها و يعرف ما يليق بالعالم السفلي و يعرف معداتها ليعدها و عوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون متمكنا من استحداث ما يخرق العادة.

______________________________

قلنا: أولا ان في ذلك أقوالا للمفسرين: أحدها: انه كان من شرع سليمان ان من تعلم السحر بانت منه زوجته: ثانيها: انه اذا تعلم السحر كفر فحرمت عليه امرأته.

و في المقام أقوال اخر، فمن اراد الاطلاق عليها فليراجع كتب التفسير.

و ثانيا: انه لا يمكن العمل باطلاق الخبر، و الا لزم الالتزام بحرمة احداث الحب في قلب الزوج بالاخلاق الحسنة التي أمر بها في النصوص، و هذا مما لا يمكن الالتزام به و عليه فلا بد من حمله علي كون آلة احداث الحب ما يكون محرما بل موجبا للارتداد و الا لما كان وجه لعدم قبوله صلي الله عليه و آله و سلم توبتها.

و بما ذكرناه في بيان حقيقة السحر ظهر الفرق بينه و بين المعجزة، فإن المعجزة أمر واقعي و لها واقعية لكنه غير جارية علي السير الطبيعي، بل هي أمر خارق العادة.

أقسام السحر

(1) في بعض النسخ الكذابين- و في المصدر الكلدانيين و الكذابين و كيف كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 389

الثاني: سحر أصحاب الاوهام و النفوس القوية (1).

______________________________

فيرد علي

ما أفاده في هذا القسم- انه قد مر في مبحث التنجيم ان معتقد تأثير الكواكب في العناصر السفلية استقلالا كافر، من غير فرق بين الفرق الثلاث، و لكن الكلام في ان استحداث ما يخرق العادة هل يصدق عليه السحر أم لا؟ و الاظهر عدمه لعدم انطباق ما ذكرناه في تفسيره الذي ذكره المحقق المجلسي أيضا قبل بيان هذه الانواع علي ذلك، فانه عبارة عن صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل الخدعة من دون أن يكون له واقعية.

(1) أفاد قدس سره في توجيهه أنه قد ثبت إمكان تأثير النفوس في مواد هذا العالم، و هذه النفوس الفعالة تارة، تكون بواسطة الرياضات قوية شديدة الانجذاب الي عالم السماوات و تكون مستغنية في التأثير في صدور الامور الغريبة الخارقة للعادة عن الاستعانة بأدوات سحرية أخري، و أخري تكون ضعيفة ممزوجة باوساخ المواد فتحتاج الي الاستعانة بها انتهي ملخصا.

و فيه: انه لا إشكال في عدم انطباق ما اخترناه في معني السحر علي ذلك، فإن النفوس الصافية بالرياضات المؤثرة في الامور التكوينية التي منها نفوس اولياء الله تعالي و إن كانت تصرف الاشياء عن وجهها، لكنه ليس صرفا علي سبيل الخدعة، من دون أن يكون له واقعية بل يكون صرفا حقيقيا.

و لا تكون تصفية النفس بنفسها من المحرمات، بل تصفيتها بالرياضات الحقة مطلوبة للشارع، نعم التصفية بالامور الباطلة محرمة لحرمة أسبابها.

و أما المعتقد بتأثير النفوس في الامور التكوينية فإن اعتقد تأثيرها فيها استقلالا او مع الله تعالي، فهو كافر بلا كلام.

و أما ان اعتقد أن الله تعالي هو المؤثر الاعظم و يكون تأثيرها فيها كتأثير سائر العلل و الموجدات التكوينية، فلا وجه للحكم بكفره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 390

الثالث: الاستعانة

بالارواح الارضية، و قد أنكرها بعض الفلاسفة، و قال بها الاكابر منهم و هي في أنفسها مختلفة فمنهم خيرة و هم مؤمنو الجن و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم. (1) الرابع: التخيلات و الاخذ بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا (2).

______________________________

(1) و أضاف في البحار ان المراد بها الاجنة و هي مختلفة الاصناف، فمنها خيرة و منها شريرة، و هي قادرة عالمة مدركة للجزئيات، و اتصال النفوس الناطقة بها اسهل من اتصالها بالارواح السماوية، الا ان القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بواسطة الاتصال بهذه الارواح اضعف من القوة الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الارواح السماوية، و أصحاب التجربة شاهدوا ان الاتصال بهذه الارواح يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرق و التجريد و الدخن، فهذا النوع هو المسمي بالعزائم و عمل تسخير الجن. انتهي ملخصا.

و قد عرفت من ما تقدم عدم صدق السحر علي ذلك، و أما من حيث حكمه فسيأتي الكلام فيه في آخر هذا المبحث.

و عن المعتزلة: الاتفاق علي تكفر من يجوز ذلك، لانه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه ان يعرف صدق الانبياء.

و فيه: ان من يظهر هذه الاشياء علي يده، أما ان لا يدعي النبوة فلا يفضي الامر الي التلبيس، و ان ادعي النبوة فعلي الله تعالي ان لا يظهر علي يد هذه الاشياء.

(2) و أفاد في توضيحه ان هذا النوع مبني علي مقدمات:

الاولي: ان أغلاط البصر كثيرة، كراكب السفينة يري نفسه ساكنا و الشط متحركا.

الثانية: ان المحسوسات قد تختلط و لا يتميز بعضها عن بعض، و ذلك فيما اذا ادركت القوة الباصرة المحسوس في زمان قصير جدا ثمّ أدرك بعده محسوسا آخر.

الثالثة: انه قد تشتغل النفس بشي ء

و لا يدرك الانسان حينئذ شيئا حاضرا عنده كالوارد علي السلطان فانه قد يلقاه شخص آخر و يتكلم معه و هو لا يلتفت اليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 391

الخامس: الاعمال العجيبة التي تظهر من تركب الآلات المركبة علي نسب الهندسة كرقاص يرقص و فارسان يقتتلان (1)

______________________________

و بعد معرفة هذه الامور يتضح تصوير هذا النوع من السحر، لان المشعبد الحاذق يظهر عمل شي ء يشغل اذهان الناظرين، و يأخذ عيونهم اليه ثمّ يعمل عملا آخر بسرعة شديدة و حركة خفيفة، و حينئذ يظهر لهم شي ء غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا.

و لكن هذا النوع هو الشعبذة، و الفرق بينها و بين السحر: ان السحر لا واقعية له أصلا و هي أمر له واقعية و ليس خياليا محضا، و اطلاق السحر علي هذا النوع في خبر الاحتجاج قد مر انه مبني علي العناية و المجاز.

و أما حكم هذا القسم في يأتي الكلام فيه في المسألة الآتية.

(1) و في البحار النوع الخامس: الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة علي النسب الهندسية تارة و علي ضرورة الخلا أخري.

مثل فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر، و كفارس علي فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير ان يمسه أحد، و منها الصور التي تصورها الروم و أهل الهند حتي لا يفرق الناظر بينها و بين الانسان، حتي يصورونها ضاحكة و باكية، و حتي يفرق فيها بين ضحك السرور و ضحك الخجل و ضحك الشامت. فهذه الوجوه من لطيف أمور التخائيل، و كان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل.

و لكن الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة المتعارفة في زماننا كالطائرات و الراديوات و غيرها

ليست من السحر قطعا كما اعترف به المجلسي قدس سره. و كون سحر سحرة فرعون من هذا النوع غير ثابت.

و لا دليل علي حرمة ذلك لو لم نقل برجحانه ما لم ينطبق عليه أحد العناوين

المحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 392

السادس: الاستعانة بخواص الادوية مثل ان يجعل في الطعام بعض الادوية المبلدة أو المزيلة للعقل او الدخن المسكر او عصارة البنج المجعول في الملبس، و هذا مما لا سبيل الي انكاره و اثر المغناطيس شاهد. (1) السابع: تعليق القلب هو ان يدعي الساحر انه يعرف علم الكيميا و علم اللميا و الاسم الاعظم حتي يميل اليه العوام، و ليس له أصل (2).

______________________________

(1) و فيه انه لا ينبغي التوقف في ان هذا ليس من السحر، فإن اطعام الغير طعاما يوجب زوال عقله كإطعامه طعاما يوجب وجع بطنه، و مجرد عدم معلومية ذلك علي عامة الناس لا يوجب صدق عنوان السحر عليه و الا لزم كون علم الطب من السحر.

نعم ان انطبق عليه أحد العناوين المحرمة كعنوان الاضرار بالغير- لو بنينا علي حرمته- حرم و الا فلا.

(2) و في البحار النوع السابع من السحر: تعليق القلب.

و هو ان يدعي الساحر اني أعرف الاسم الاعظم و ان الجن يطيعونني و ينقادون لي في أكثر الامور، فاذا اتفق ان كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد انه حق و تعلق قلبه بذلك و حصل في نفسه نوع من الرعب و المخافة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوي الحساسة، فحينئذ يتمكن الساحر من ان يفعل ما يشاء، و من جرب الامور و عرف أهل العالم علم ان لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الاعمال و إخفاء الاسرار.

و فيه: انه ان اريد ان

الدعاوي المذكورة بأنفسها، أو من حيث ترتب ميل العوام الي المدعي لها من السحر، فهو بديهي الفساد، إذ مجرد ذلك لا يصدق عليه السحر و الا لزم كون الاستمالة بمطلقها سحرا و هو كما تري، و إن أريد ان السحرة هو ما يفعله المدعي لهذه الدعاوي من الخوارق بعد حصول تعلق القلب و ضعفه، فيرد عليه: ان ذلك أمر واقعي و السحر هو ما لا واقعية له، بل خيالي محض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 393

الثامن: النميمة (1) انتهي الملخص منه و ما ذكره من وجوه السحر بعضها قد تقدم عن الايضاح و بعضها قد ذكر فيما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله أخبرني عن السحر ما أصله و كيف يقدر الساحر علي ما يوسف من عجائبه و ما يفعل، قال أبو عبد الله عليه السلام: ان السحر علي وجوه شتي منها بمنزلة الطب كما ان الاطباء وضعوا لكل داء دواء و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معني حيلة و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع منه ما يأخذه اولياء الشياطين منهم، قال: فمن اين علم الشياطين السحر، قال: من حيث علم الاطباء الطب بعضه بتجربة و بعضه بعلاج قال و ما تقول في الملكين: هاروت و ماروت و ما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر، قال: انما هما موضع ابتلاء و موقف فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا، و لو تعالج بكذا لصار كذا فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم انما

نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم، قال: أ فيقدر الساحر علي ان يجعل الانسان بسحره ففي صورة كلب او حمار او غير ذلك. قال: هو اعجز من ذلك و اضعف من ان يغير خلق الله ان من أبطل ما ركبه الله تعالي و صور غيره فهو شريك لله في خلقه، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر علي ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض و لنفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته، و ان من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة علي المتصافين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام شر من وطأ الارض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب انه بمنزلة الطب ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرأه الحديث «1»

______________________________

(1) و فيه: ان النميمة و ان كانت من المحرمات و من المعاصي الكبيرة الا انها ليست من السحر.

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2 ص 81 مع اختلاف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 394

ثمّ لا يخفي ان الجمع بين ما ذكر في معني السحر في غاية الاشكال (1) لكن

المهم بيان حكمه لا موضوعه.

المقام الثاني:

في حكم الاقسام المذكورة فنقول: اما الاقسام الاربعة المتقدمة من الايضاح فيكفي في حرمتها (2) مضافا الي شهادة المحدث المجلسي قدس سره في البحار بدخولها في المعني المعروف للسحر عند أهل الشرع، فيشملها الاطلاقات. (3)

______________________________

فتحصل: ان شيئا من هذه الاقسام ليس من السحر موضوعا بما فسروا له من المعني، و لعل غرضهم مشاركة تلك الامور للسحر حكما لا دخولها فيه موضوعا كما تنادي بذلك

عبارة الايضاح التي تقدم نقلها كما نبه علي ذلك بعض المحققين.

(1) لكن قد عرفت ان السحر من المفاهيم المبينة، و إن كلمات القوم اما صريحة فيما ذكرناه، أو قابلة للحمل عليه، و ما ذكروه من الاقسام أرادوا بها انها ملحقة به حكما لا موضوعا كما ينادي بذلك ما ذكره المجلسي قدس سره فإنه قدس سره فسر السحر اولا بما ذكرناه، ثمّ بعد ذلك ذكر الاقسام الثمانية، و حيث انه لا يمكن الجمع بين كلماته لعدم انطباق الضابط المذكور علي شي ء من تلك الانواع فلا محيص الا عن الحمل علي ما نبهنا عليه فراجع.

(2) قال في محكي الايضاح علي ما في المكاسب: ان استحداث الخوارث اما بمجرد التأثيرات النفسانية و هو السحر، او بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، أو بتمزيج القوي السماوية بالقوي الارضية و هي الطلسمات، او علي سبيل الاستعانة بالارواح الساذجة و هي العزائم، و يدخل فيها النيرنجات، و الكل حرام في شريعة الاسلام و مستحله كافر انتهي.

و استدل لها في المتن بوجهين:

(3) احدهما شهادة المحدث المجلسي في البحار بدخولها في المعروف للسحر عند أهل الشرع فيشملها الاطلاقات.

و فيه: اولا ما تقدم من عدم شهادة المجلسي بكونها من السحر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 395

دعوي فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين و ان مستحلها كافر و هو ظاهر الدروس أيضا (1) فحكم بقتل مستحلها فانا و ان لم نطمئن بدعوي الاجماعات المنقولة، الا ان دعوي ضرورة الدين مما يوجب الاطمئنان بالحكم و اتفاق العلماء عليه في جميع الاعصار نعم ذكر شارح النخبة ان ما كان من الطلسمات مشتملا علي إضرار او تمويه علي المسلمين او استهانة بشي ء من حرمات الله

كالقرآن و ابعاضه، و اسماء الله الحسني و نحو ذلك فهو حرام بلا ريب سواء عد من السحر أم لا، و ما كان للاغراض كحضور الغائب و بقاء العمارة و فتح الحصون للمسلمين و نحوه، فمقتضي الاصل جوازه و يحكي عن بعض الاصحاب و ربما يستندون في بعضها الي امير المؤمنين عليه السلام و السند غير واضح و الحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر و وجهه غير واضح انتهي.

______________________________

و ثانيا: ان هذه الشهادة معارضة بشهادة الفخر عدم كون أكثرها منه، و بشهادة الشهيد عدم كون ما لا يكون مضرا من السحر و سيصرح المصنف بتقديم شهادة النافي في المقام علي شهادة المثبت.

و ثالثا: إن شهادته بعد كون المفهوم مبينا عندنا و نري عدم صدقه عليها لا تصلح أن تكون مدركا للحكم الشرعي.

(1) هذا هو ثانيهما و هو دعوي فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين، و ان مستحلها كافر، و هو ظاهر الدروس أيضا و ذلك يوجب الاطمئنان بالحكم.

و يرد عليه: ان دعوي الضرورة لو اوجبت الاطمئنان باتفاق العلماء، مع ان للمنع عنه مجالا في المقام، لما افتي به شارح النخبة و حكاه عن بعض الاصحاب من جواز بعض ما في الايضاح من الاقسام، لكنها لا توجب الاطمئنان بالحكم بعد استناد المجمعين، او احتمال استنادهم الي ما بأيدينا من الادلة الضعيفة.

و أما ما أورده عليه جمع من المحشين منهم الاستاذ الاعظم بمعارضة هذه الدعوي بشهادة الفخر و المسالك.

فغريب، إذ المشهود به في كلمات هؤلاء عدم كونها من السحر موضوعا لا عدم الحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 396

و لا وجه أوضح من دعوي الضرورة من فخر الدين و الشهيد قدس سره و أما

غير تلك الاربعة، فإن كان مما يضر بالنفس المحترمة فلا اشكال ايضا في حرمته و يكفي في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان علي مقتضي ارادته فمثل إحداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا.

روي الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة علي أن تسحر زوجها بسنده عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله لامرأة سألته ان لي زوجا و به غلظة علي و اني صنعت شيئا لأعطفه علي فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله أف لك كدرت البحار و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الاخيار و ملائكة السماء (السموات) و الارض، قال: فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح فبلغ النبي صلي الله عليه و آله فقال: ان ذلك لا يقبل منها بناء علي ان الظاهر من قولها صنعت شيئا المعالجة بشي ء غير الادعية و الصلوات و نحوهما، و لذا فهم الصدوق منها السحر و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.

و أما ما لا يضر فان قصد به رفع ضرر السحر او غيره من المضار الدنيوية او الاخروية، فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه للاصل بل فحوي ما سيجي ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا، و الا فلا دليل علي تحريمه الا ان يدخل في اللهو او الشعبذة، نعم لو صح سند رواية الاحتجاج صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنه و كذا لو عمل بشهادة من تقدم كالفاضل المقداد و المحدث المجلسي قدس سره بكون جميع ما تقدم من الاقسام داخلا في السحر اتجه الحكم بدخولها تحت اطلاقات المنع

عن السحر لكن الظاهر استناد شهادتهم الي الاجتهاد مع معارضته بما تقدم من الفخر من اخراج علمي الخواص و الحيل من السحر و ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره، السحر بما يحدث ضررا بل عرفت تخصيص العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور او قلبه او عقله فهذه شهادة من هؤلاء علي عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الاقسام و تقديم شهادة الاثبات لا يجري في هذا الموضع لان الظاهر استناد المثبتين الي الاستعمال و النافين الي الاطلاع علي كون الاستعمال مجازا للمناسبة و الاحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الاقسام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 397

في البحار، بل لعله لا يخلو عن قوة لقوة الظن من خبر الاحتجاج و غيره.

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر (1) و يمكن ان يستدل به له مضافا الي الاصل بعد دعوي انصراف الادلة الي غير ما قصد به غرض راجح شرعا (2) بالاخبار منها ما تقدم في خبر الاحتجاج (3).

______________________________

دفع ضرر السحر بالسحر

(1) قوله بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر.

المشهور بين الاصحاب علي ما نسب اليهم هو ذلك، و عن العلامة في جملة من كتبه و الشهيدين، و الميسي: المنع من ذلك الا مع انحصار سبب الحل فيه.

و قد استدل للجواز مطلقا بوجوه:

(2) الاول: ما في المتن و هو انصراف الادلة الي غير ما قصد به غرض راجح شرعا، فمع تعلق غرض الدفع به لا وجه للحرمة.

و يرد عليه منع الانصراف في قوله عليه السلام من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه «1».

(3) الثاني: ما في المتن أيضا، و هو ان الاخبار الساحر ظاهرة

في ارادة من يخشي ضرره، فلو اراد الساحر دفع ضرر السحر به لا وجه للحرمة.

و فيه انه ان اريد به أخذ الاضرار في مفهومه، فيرد عليه ما تقدم من منع ذلك و ان أريد به انصرافه الي ذلك فيرد عليه ما أوردناه علي الوجه الاول.

الثالث: أخذ الضرر في مفهوم السحر، فمع عدم الاضرار لا يصدق عليه السحر.

و فيه ما عرفت عند بيان حقيقته منع أخذ الاضرار في مفهومه.

الرابع: ما ذكره الاستاذ الاعظم و هو الآية الشريفة (و ما أنزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتي يقولا انما نحن فتنة «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 25 من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(2) البقرة، 102.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 398

______________________________

بدعوي ان السحر لو لم يكن جائز الاستعمال حتي في مقام دفع الضرر لم يجز تعليمه

أصلا، فجواز التعليم يدل علي جواز العمل به في الجملة. و القدر المتيقن منه هو صورة دفع ضرر الساحر.

و لكن يرد عليه: انه يمكن ان يقال بعدم دلالة الآية الشريفة علي جواز التعليم، إذ لا وجه لهذه الدعوي سوي ظهورها في ان الملكين علما السحر.

و لكن ربما يقال كما عن جمع من المفسرين: ان سحرة اليهود زعموا ان الله عز و جل انزل السحر علي لسان جبرئيل و ميكائيل الي سليمان فأكذبهم الله بذلك، و في الكلام تقديم و تأخير، فتقديره: و ما كفر سليمان، و ما انزل علي الملكين، و لكن الشياطين كفروا،

يعلمان الناس السحر ببابل هاروت و ماروت، و هما رجلان ببابل غير الملكين، اسم أحدهما هاروت و الآخر ماروت، و يكون هاروت و ماروت بيانا عن الناس، كذا في التبيان.

و قد يقال كما عن جماعة

آخرين: إن الملكين و ان علما السحر الا انهما خالفا ربهما،

فعن كعب: فوالله ما امسيا من يومهما الذي اهبطا فيه حتي استكملا جميع ما نهيا عنه فتعجبت الملائكة من ذلك، ثمّ لم يقدر هاروت و ماروت علي الصعود الي السماء و كانا يعلمان الناس السحر.

و قد يقال كما عن جمع من المفسرين: ان الملكين اهبطا ليأمرا بالدين و ينهيا عن السحر حيث انه كان كثيرا في ذلك الوقت و عليه فالتعليم كان من جهة ان من لا يعرف الشي ء لا يمكن اجتنابه.

هذا كله مضافا الي ان جواز التعليم في تلك الشريعة أعم من جوازه في شريعتنا،

و الاستصحاب قد مر غير مرة انه لا يجري في الاحكام.

الخامس: ما في خبر الاحتجاج المتقدم قال عليه السلام فأقرب أقاويل السحر من الصواب انه بمنزلة الطب ان الساحر عالج فامتنع من مجامعة النساء فجائه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرئه «1».

السادس: الاخبار الكثيرة اليك طرف منها المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2، ص 81، مع اختلاف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 399

و منها ما في الكافي عن القمي عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين، قال:

دخل عيسي بن الثقفي علي أبي عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك انا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الاجر و كان معاشي و قد حججت منه و قد من الله علي بلقائك و قد تبت الي الله من ذلك فهل لي في شي ء من ذلك و خرج فقال له أبو عبد الله عليه السلام حل و لا تعقد و كان الصدوق قدس سره في العلل أشار الي هذه الرواية حيث قال: روي ان توبة الساحر ان يحل و لا يعقد، و ظاهر

المقابلة بين الحل و العقد في الجواز و العدم كون كل منهما بالسحر فحمل الحل علي ما كان بغير السحر من الدعاء و الآيات و نحوهما كما عن بعض لا يخلو عن بعد.

و منها ما عن العسكري عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالي: (و ما أنزل علي الملكين ببال هاروت و ماروت)، قال: كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموهون فبعث الله ملكين الي نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة، و ذلك ما يبطل به سحرهم يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و اداه الي عباد الله بأمر الله و أمرهم أن يقضوا به علي السحر، و ان يبطلوه و نهاهم عن ان يسحروا به الناس، و هذا كما يقال: و ان السم ما هو و ان ما يدفع به غائلة السم ما هو، ثمّ يقال للمتعلم هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بهذا و لا تقتل بالسم الي ان قال: و ما يعلمان من أحد ذلك السحر و إبطاله حتي يقولا للمتعلم انما نحن فتنة و امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة و لا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الاضرار و دعاء الناس الي ان يعتقدوا انك تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله عز و جل، فإن ذلك كفر الي ان قال: فيتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم لانهم اذا تعلموا ذلك السحر، ليسحروا به و يضروا به فقد تعلموا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم فيه (الحديث).

و في رواية محمد بن الجهم (ليس في كتب الرجال محمد بن الجهم و انما هو

علي بن محمد بن الجهم) عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث، قال: و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر فيحترزوا به عن سحر السحرة فيبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي قالا انما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 400

و جعلوا يفرقون بما تعلموا بين المرء و زوجه قال الله تعالي (و ما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله) يعني بعلمه.

هذا كله مضافا الي أن ظاهر اخبار الساحر ارادة من يخشي ضرره، كما اعترف به بعض الاساطين و استقرب لذلك جواز الحل به بعد ان نسبه الي كثير من أصحابنا لكنه مع ذلك كله قد منع العلامة في غير واحد من كتبه و الشهيد قدس سره في الدروس و الفاضل الميسي و الشهيد الثاني قدس سره من حل السحر به، و لعلهم حملوا ما دل علي الجواز مع اعتبار سنده علي حالة الضرورة و انحصار سبب الحل فيه لا مجرد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الادعية و التعويذات، و لذا ذهب جماعة منهم الشهيدان و الميسي و غيرهم الي جواز تعلمه ليتوقي به من السحر و يدفع به دعوي المتنبي و ربما حمل اخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت و ماروت علي جواز ذلك في الشريعة السابقة و فيه نظر.

______________________________

و قد أورد عليه بوجوه:

الاول: ما عن الاستاذ الاعظم و هو ضعف تلك الاخبار بأجمعها.

و فيه: ان ذلك و إن تم في بعضها الا انه لا يتم في الجميع، لاحظ ما عن الكافي عن القمي عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين، قال: دخل عيسي بن شفقي

علي أبي عبد الله عليه السلام و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ علي ذلك الاجر و سأله عن ذلك قال عليه السلام: حل و لا تعقد «1». فإن قول ابراهيم شيخ من أصحابنا لو لم يكن ذلك توثيقا له،

لا ريب في كونه من ألفاظ المدح، فإذا انضم اليه كونه إماميا كما يشهد له قوله من أصحابنا،

يدخل الرجل في الحسان.

مع انه لو سلم ضعف السند يكون ذلك منجبرا بعمل الاصحاب.

الثاني: ما عن بعض و هو إمكان حمل الحل علي ما كان بغير السحر من الدعاء و نحوه.

و فيه: انه خلاف الظاهر جدا، فإن الظاهر منه كون الحل و العقد كليهما بالسحر.

______________________________

(1) الوسائل باب 25 أبواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 401

ثمّ الظاهر ان التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر علي جميع تعاريفه. (1) و قد عرفت ان الشهيدين مع أخذ الاضرار في تحريم السحر ذكرا ان استخدام الملائكة و الجن من السحر و لعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره، و أما سائر التعاريف فالظاهر شمولها لها و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة علي التحريم، لان الظاهر دخولها في الاقسام و العزائم و النفث و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات من الهوام و السباع و الوحوش و غير ذلك خصوصا الانسان و عمل السيميا ملحق بالسحر اسما أو حكما، و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس و المراد به علي ما قيل احداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شي ء آخر.

______________________________

الثالث: ان النصوص محمولة علي حالة الضرورة، و انحصار سبب الحل فيه.

و فيه: انه لا وجه لهذا الحمل بعد إطلاق الاخبار و عدم الوجه للحمل.

فتحصل:

انه لا يتم شي ء من هذه الوجوه الخمسة الا الوجه الثالث.

و منه يظهر حكم التعليم و التعلم.

حكم التسخيرات

(1) قوله ثمّ الظاهر ان التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر.

و لكن قد مر عند ذكر أقسام السحر ان السحر بما له من المفهوم لا يصدق علي التسخيرات، فهي من هذه الجهة لا تكون من المحرمات.

و علي ذلك فان انطبق علي التسخير عنوان آخر محرم كالاضرار بمن يعد ذلك ظلما عليه و يحرم إضراره او صيرورة المسخر في معرض التلف فيحرم، و إلا فلا.

فتسخير اشرار الانس و الجن جائز و ان استلزم ايذاءهم.

و أولي بالجواز تسخير الحيوانات، فإنه لا ينطبق عليه شي ء من العناوين المحرمة فهل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 402

الحادية عشرة: الشعبدة حرام

بلا خلاف (1) و هي الحركة السريعة بحيث يوجب علي الحس الانتقال من الشي ء الي شبهه (2) كما تري النار المتحركة علي الاستدارة دائرة متصلة لعدم إدراك السكونات المتخللة بين الحركات

______________________________

حرمة الشعبدة

يتوهم أحد جواز تسخير الحيوانات بالضرب و الغلبة و نحوهما و لا يجوز تسخيرها بما يوجب اطاعتها للانسان طوعا؟

(1) قوله الحادية عشرة الشعبدة حرام، بلا خلاف،

و تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الاول: في بيان حقيقتها.

الثاني: في بيان حكمها.

(2) أما الاول فقد فسرها المصنف في المتن بأنها الحركة السريعة بحيث يوجب علي الحس … الخ.

لا ينبغي التوقف في ان ذلك تفسير بالاعم، إذ لا ريب في ان مجرد تحريك اليد علي الاستدارة بسرعة ليري الناظر دائرة ليس من الشعبدة، ثمّ مع الاغماض عن ذلك لم يظهر وجه تعليله ذلك بعدم إدراك السكونات المتخللة، إذ الموجب لتوهم الدائرة هو سرعة حركة اليد الموجبة لتوهم بقاء ذلك الشي ء في مبدإ حركته بعد انتقاله عنه في حال انه يراه في محله الحقيقي في ذلك الوقت و هكذا.

فالصحيح ان يقال: إن المتحصل من مجموع كلمات اللغويين و الفقهاء و المتبادر

عند اهل العرف من هذه الكلمة: أنها عبارة عن فعل ما يفعله سائر الناس من الافعال المتعارفة بسرعة حركة و خفة يد، بحيث يظهر لهم غير ما هو واقع الامر و كانوا ينتظرونه، الذي يعبر عنه بالفارسي بكلمة (تردستي).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 403

و يدل علي الحرمة بعد الاجماع (1) مضافا الي أنه من الباطل و اللهو (2) دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج (3) المنجبر و هاهنا بالاجماع المحكي، و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها. (4)

______________________________

و بهذا يظهر الفرق بينها و بين السحر و ان النسبة بينهما هي التباين.

و أما المقام الثاني: فقد استدل لحرمتها في المكاسب و غيره بوجوه.

(1) الاول: الاجماع، و في الجواهر: الشعبدة المحرمة بالاجماع المحكي و المحصل.

و فيه: انه لا يصلح مثل هذا الاجماع لان يكون مدركا للحكم الشرعي، بعد استناد المجمعين او احتمال استنادهم الي الوجوه الآتية، كما أشرنا الي ذلك مرارا.

(2) الثاني: انه من الباطل و اللهو.

و فيه: انه لا دليل علي حرمة اللهو الباطل مطلقا، و انما المحرم هو قسم خاص من ذلك، مع انه اذا ترتب عليها غرض عقلائي لا تكون من اللهو و الباطل.

(3) الثالث: قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج المتقدم: و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة.

و فيه: مضافا الي ما تقدم من ان هذا الاطلاق مبني علي نوع من العناية و المجاز: انه ضعيف السند غير منجبر بعمل المشهور لعدم احراز استنادهم اليه في هذا الحكم و غيره.

(4) الرابع صدق بعض تعاريف السحر عليها، فيدل علي حرمتها ما دل علي حرمة السحر.

و فيه: ما تقدم من ان مفهوم السحر مغاير لمفهوم الشعبدة، و ليست

الشعبدة من السحر.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة الشعبدة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 404

الثانية عشر: الغش حرام
اشارة

بلا خلاف (1) و الاخبار به متواترة نذكر بعضها تيمنا.

______________________________

حرمة الغش

(1) الثانية عشرة: لا خلاف بين الاصحاب في حرمة الغش.

و تنقيح القول فيها بالبحث في مواضع:

الاول: في بيان حكمه التكليفي.

الثاني: في بيان حقيقته.

الثالث: في بيان حكمه الوضعي.

أما الاول: فالاقوي هو حرمة الغش في نفسه كما هو المتفق عليه نصا و فتوي، فقد ذكر المصنف جملة من النصوص المتظافرة الدالة علي ذلك و ستمر عليك.

فما ذكره المحقق الايرواني من ان الغش ليس بنفسه من المحرمات، و انما يحرم من جهة انطباق عنوان الكذب و أكل مال الغير بلا رضي صاحبه عليه، مستندا الي انه لو لم يكن المحرم ذلك، فإما أن يكون المحرم شوب اللبن بالماء، و من المعلوم انه ليس ذلك من المحرمات،

أو يكون عرض المشوب للبيع، و من المعلوم ان مجرد ذلك ليس بحرام حتي اذا اتفق انه لم يبع، او يكون المحرم هو إنشاء البيع، و من المعلوم ان مجرد الانشاء ليس بحرام لو نبه بالغش قبل ان يقبض او حط من ثمنه او أبرأ ذمته من الثمن، او خيره بين الاخذ و الترك، فيتعين ان يكون الغش هو أخذ قيمة غير المغشوش بإزاء المغشوش.

غير صحيح، لان ذلك كله، لا يعتني به في مقابل ظاهر النصوص الدالة علي حرمة الغش.

و ان شئت قلت: ان شوب اللبن بالماء لا يحرم لعدم صدق الغش عليه، كما انه لا يصدق علي مجرد العرض للبيع، و أما انشاء البيع و اعتبار ملكية المشتري للمغشوش بعنوان انه غير مغشوش فهو حرام بمقتضي النصوص لكونه غشا، و عدم حرمته في صورة التنبيه انما يكون لخروجه

بذلك عن كونه غشا كما عرفت، و أما لو حط من الثمن، أو أبرأ ذمته منه، أو خيره بين الاخذ و الترك مع كون البيع واقعا علي المعنون بعنوان كونه غير مغشوش، فلا يؤثر في رفع الحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 405

فعن النبي صلي الله عليه و آله بأسانيد متعددة (ليس من المسلمين من غشهم (. (1) و في رواية العيون بأسانيد (2) قال رسول الله صلي الله عليه و آله (ليس منا من غش مسلما او ضره أو ما كره) و في عقاب الاعمال عن النبي صلي الله عليه و آله (من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيامة لانه من غش الناس فليس بمسلم الي ان قال: و من غشنا فليس منا قالها ثلاثا و من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه و أفسد عليه معيشته و وكله الي نفسه (. (3) و في مرسلة هشام (4) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال لرجل يبيع الدقيق: إياك و الغش، فان من غش غش في ماله، فان لم يكن له مال، غش في أهله و في رواية سعد الاسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: مر النبي في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه ما أري طعامك الا طيبا فأوحي الله اليه ان يدسّ يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه ما أراك الا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين.

______________________________

و كيف كان فيشهد للحرمة كثير من الاخبار و كما أفاده المصنف يذكر جملة منها تيمنا.

(1) اشارة الي جملة من الروايات منها صحيح هشام عن الامام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلي

الله عليه و آله لرجع يبيع التمر يا فلان أما علمت انه ليس من المسلمين غشهم «1».

(2) رواها في عيون الاخبار بأسانيد تقدمت في اسباغ الوضوء عن الامام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ما

كره «2».

(3) روي الحر العاملي عن عقاب الاعمال في حديث طويل «3» و فيه ثمّ قال رسول الله صلي الله عليه و آله الا و من غشنا فليس منا قالها ثلاثا الحديث.

(4) روي الخبر في الوسائل و قال و رواه الشيخ بإسناده عن عيسي بن هشام عنه عليه السلام «4». و روي الخبر في الوسائل بسند قوي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(4) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 406

و رواية موسي بن بكير عن أبي الحسن عليه السلام انه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه فقطعها (ثمّ قطعه) نصفين، ثمّ قال: القه في البالوعة حتي لا يباع بشي ء فيه غش. (1) و قوله فيه غش جملة ابتدائية و الضمير في لا يباع راجع الي الدنانير.

و في رواية هشام بن الحكم قال: كنت ابيع السابري في الظلال فمر بي ابو الحسن الاول فقال لي: يا هشام ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل. (2) و في رواية الحلبي قال: سالت ابا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون احسن له و انفق له ان يبله من غير

ان يلتمس زيادته فقال: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك و لا ينفقه غيره من غير ان يلتمس فيه زيادة فلا بأس و ان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح (3) و روايته الاخري قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما شتي. واحدهما اجود من الآخر فيخلطهما جميعا، ثمّ يبيعهما بسعر واحد فقال: لا يصلح له ان يغش المسلمين حتي يبينه (4).

و رواية داود بن سرحان قال كان معي جرابان من مسك احدهما رطب و الآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثمّ اخذت اليابس ابيعه فاذا انا لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوي و لا يزيدوني علي ثمن الرطب فسألت ابا عبد الله عليه السلام عن ذلك أ يصلح لي ان انديه؟ قال عليه السلام: لا الا ان تعلمهم قال فنديته ثمّ اعلمتهم قال عليه السلام: لا بأس.

______________________________

(1) الخبر مرسل «1» و في المتن.

و قوله فيه غش جملة ابتدائية و الضمير في لا يباع راجع الي الدنانير- و لكن يمكن ان يقال ان جملة فيه غش في معني الصفة للشي ء الذي اريد به الدينار و الضمير في لا يباع يرجع الي الامتعة لا إلي الدينار و يتعين ذلك بناء علي ما في بعض النسخ (شي ء) بدون الباء.

(2) الخبر صحيح «2» السابري نوع من الثياب الرقيق كذا في الصحاح.

(3) الخبر صحيح «3» و في بعض النسخ: سعرها شي ء و هو مطابق للفقيه و التهذيب كما ان ما في المتن مطابق للكافي.

(4) هذا الخبر «4» ايضا من الصحاح كما ان خبر داود كذلك «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 86 من ابواب ما يكتسب به حديث 5.

(2) الوسائل باب 86 من

ابواب ما يكتسب به حديث 3.

(3) الوسائل باب 9 من ابواب احكام العيوب حديث 2.

(4) الوسائل باب 9 من ابواب احكام العيوب حديث 3

(5) الوسائل باب 9 من ابواب احكام العيوب حديث 3- 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 407

ثمّ ان ظاهر الاخبار هو كون الغش بما يخفي كمزج اللبن بالماء و خلط الجيد بالردي ء في مثل الدهن فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا و نحو ذلك. و اما المزج و الخلط بما لا يخفي فلا يحرم لعدم انصراف الغش اليه (1) و يدل عليه مضافا الي بعض الاخبار المتقدمة صحيحة ابن مسلم عن احدهما عليهما السلام انه سأل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه اجود من بعض قال: اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يخلط الجيد الردي.

______________________________

و في المقام روايات كثيرة اخري تدل علي ان الغش حرام بعنوانه فترديد بعض الاعاظم في الحرمة في غير محله.

و مقتضي اطلاق النصوص و ان كان في بادئ النظر حرمة الغش مطلقا كان في المعاملة ام في غيرها الا انه لو لم ندع اختصاص الغش بالمعاملة فلو سقي اللبن الممزوج بالماء للضيف لا يصدق الغش و ان كان يحرم لو اخبر و لو عملا بموافقة الظاهر للواقع من جهة الكذب.

فلا ينبغي التوقف في تعين حمل الاخبار علي خصوص المعاملات.

حقيقة الغش

فالظاهر انه بمعني الخديعة و التلبيس و يعتبر في صدقه علم الغاش و جهل المغشوش فلو كانا عالمين بالواقع او جاهلين به او كان الغاش جاهلا و المغشوش عالما لما تحقق مفهوم الغش عرفا.

و يعتبر في صدقه ايضا كون المزج بما يخفي في متعارف الاختبار الذي يختلف بإختلاف الاشياء فلو كان المزج بما يظهر في متعارف

الاختبار لما صدق الغش عليه و إلي ذلك اشار المصنف بقوله:

(1) و أما المزج و الخلط بما لا يخفي فلا يحرم لعدم انصراف الغش اليه و استدل له

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 408

و مقتضي هذه الرواية بل رواية الحلبي الثانية و رواية سعد الاسكاف انه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف الا من قبل البائع فيجب الاعلام بالعيب الغير الخفي (1) الا ان ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث علي ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس علي المشتري و عدم التفطن له و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له (2) فلا يدل الروايات علي وجوب الاعلام اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشتري و سامح في الملاحظة.

ثمّ ان غش المسلم انما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله او بغيره فلو حصل اتفاقا او لغرض فيجب الاعلام بالعيب الخفي و يمكن ان يمنع صدق الاخبار المذكورة الا علي ما اذا قصد التلبيس و أما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الاعلام.

______________________________

بصحيح محمد بن مسلم «1».

(1) و لا يعتبر زائدا علي ذلك كونه مما لا يعرف الا من قبل البائع لعدم مساعدة العرف عليه فانه و ان كان بعض افراد الغش كذلك كمزج اللبن بالماء الا ان اغلب افراد الغش التي لا يشك احد من اهل العرف في كونها من الغش تعرف بإمعان النظر بل قيل لا غش الا و يعرفه اولو الفطانة خصوصا من كان شغله الغش.

(2) و هل يعتبر في صدقه قصد مفهومه فما يكون ملتبسا في نفسه لا يجب الاعلام كما يظهر من المصنف ام لا يعتبر ذلك؟

وجهان:

اقواهما الثاني: لان الغش من الامور الواقعية التي لا تختلف باختلاف القصود و ليس القصد من مقوماته.

و بعبارة اخري انه لو كان العيب بارزا ان صدق مفهوم الغش لم يحتج في الاتصاف بالحرمة الي التعمد و ان لم يصدق لم ينفع مجرد ذلك في صدقه.

و استدل للاول بخبر الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون احسن له و انفق له ان يبله من غير ان يلتمس زيادته فقال عليه السلام: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك و لا ينفقه غيره من غير ان يلتمس فيه زيادة فلا بأس و ان كان انما يغش

______________________________

(1) الوسائل باب 9 من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 409

نعم يحرم عليه اظهار ما يدل علي سلامته من ذلك فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الامر علي المشتري سواء كان العيب خفيا ام جليا كما تقدم لا بكتمان العيب مطلقا او خصوص الخفي و ان لم يقصد التلبيس و من هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الاعلام بالعيب غشا.

و في التفصيل المذكور في رواية الحلبي اشارة الي هذا المعني (1) حيث انه عليه السلام جوز بل الطعام بدون قيد الاعلام اذا لم يقصد به الزيادة و ان حصلت به و حرمه مع قصد الغش نعم يمكن ان يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضي خلقته الاصلية بعيب خفي او جلي (2) ان التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري كما لو صرح باشتراط السلامة فان العرف يحكمون علي البائع بهذا الشرط مع علمه بالعيب انه غاش ثمّ ان الغش يكون بإخفاء الادني في الاعلي كمزج

الجيد بالردي ء او غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن و بإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا و هو التدليس و باظهار الشي ء علي خلاف جنسه كبيع المموه علي انه ذهب او فضة.

______________________________

به المسلمين فلا يصلح «1» بدعوي انه عليه السلام فصل في الحرمة بين التماس الزيادة و عدمه و حكم بالحرمة و كونه غشا في الاول دون الثاني.

(1) و إلي هذا اشار المصنف بقوله حيث انه عليه السلام جوز بل الطعام الخ.

و فيه: ان الظاهر من الخبر هو التفصيل في بل الطعام بين كونه للإصلاح و رفع العيب او دفعه و بين كونه موجبا لتوهم الناس و الالتباس فحكم بالجواز في الصورة الاولي دون الثانية.

و أما في الصورة الثانية فمقتضي اطلاقه عدم الفرق بين كون الغش و المزج مع قصد مفهومه او بدونه فالاظهر عدم اعتبار قصد مفهومه في صدقه.

(2) محصله ان شرط السلامة من الشروط المبني عليها العقد التي تكون بحكم الشروط المصرح بها فكما انه مع التصريح به يصدق الغش كذلك مع الاقدام علي البيع.

______________________________

(1) الوسائل باب 9 من ابواب احكام العيوب حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 410

ثمّ ان في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفي بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء وجهين في صحة المعاملة و فسادها من حيث ان المحرم هو الغش و المبيع عين مملوكة ينتفع بها و من ان المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب. (1) ثمّ قال: و في الذكري في باب الجماعة ما حاصله انه لو نوي الاقتداء بامام معين علي انه زيد فبان عمروا ان في الحكم نظرا و مثله لو قال: بعتك هذا الفرس فاذا هو حمار و

جعل منشأ التردد تغليب الاشارة او الوصف انتهي.

و ما ذكره من وجهي الصحة و الفساد جار في مطلق العيب لان المقصود هو الصحيح و الجاري عليه العقد هو المعيب و جعله من باب تعارض الاشارة و الوصف مبني علي ارادة الصحيح من عنوان المبيع فيكون قوله بعتك هذا العبد بعد تبين كونه اعمي بمنزلة قوله بعتك هذا البصير و انت خبير بانه ليس الامر كذلك كما سيجي ء في باب العيب بل وصف الصحة ملحوظ علي وجه الشرطية و عدم كونه مقوما للمبيع (2) كما يشهد به العرف و الشرع.

______________________________

حكم المعاملة وضعا

و أما الموضع الثالث: فقد استدل لفساد المعاملة بوجوه:

(1) الاول: ما في المتن و عن غيره و هو ان العقد تعلق بالمبيع المعنون بكونه غير مغشوش لا بذات المبيع باي عنوان اتفق فلو تبين كونه مغشوشا فقد ظهر انه لا وجود للمبيع و ما هو موجود غير واقع عليه البيع.

و بعبارة اخري ان المبيع هو الصحيح غير المغشوش و الجاري عليه العقد هو المعيب فيكون من باب تعارض الاشارة و الوصف و من يري تغليب الاشارة و الوصف و من يري تغليب الاشارة يحكم

بالصحة و من يري تغليب الوصف يحكم بالبطلان.

و جعلوا المسألة نظيرا لمسألة الاقتداء بامام معين علي انه زيد فبان عمرو و اورد المصنف عليه بايرادين.

(2) احدهما ان وصف الصحة ليس مقوما للمبيع بل هو ملحوظ علي وجه الشرطية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 411

ثمّ لو فرض كون المراد من عنوان المشار اليه هو الصحيح لم يكن اشكال في تقديم العنوان علي الاشارة بعد ما فرض (قدس سره) ان المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب لان ما قصد لم يقع و

ما وقع لم يقصد (1) و لذا اتفقوا علي بطلان الصرف فيما اذا تبين احد العوضين معيبا من غير الجنس.

______________________________

(1) هذا هو الايراد الثاني و حاصله انه لو سلم كون المبيع هو الشي ء بعنوان انه صحيح لا إشكال في تقديم العنوان لان البيع ليس من قبيل الفعل الخارجي الذي لا يعتبر في تحققه القصد كالضرب حتي يقال انه لا يعقل تعلقه بالمفهوم فمن ضرب زيدا بتخيل انه عمرو فقد ضرب زيدا بل مما يعتبر في تحققه القصد فلو باع الموجود الخارجي بعنوان انه صحيح و كان معيوبا يبطل البيع لعدم تحققه لان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

ملخص القول في المقام هو: ان المبيع ان كان كليا و كان الغش في الفرد المقبوض الخارجي لا شبهة في صحة البيع لعدم الغش في البيع نعم للمشتري تبديل المقبوض بغيره.

و ان كان المبيع شخصيا فان علق البيع علي ذلك بطل و ان لم يكن مغشوشا للاجماع علي اعتبار التنجيز في صحة البيع.

و أما ان كان البيع منجزا فان كان الوصف الذي يقع البيع عليه من الصور النوعية عند العرف كما لو باع الموجود الخارجي بعنوان انه ذهب فبان انه نحاس مذهب بطل البيع لان ما وقع عليه البيع لا تحقق له في الخارج و ما له تحقق لم يقع عليه البيع.

و أما ان كان من الاوصاف الكمالية ككون العبد كاتبا او من اوصاف الصحة ككونه بصيرا صح البيع.

نعم ان كان المتخلف من اوصاف الكمال ثبت خيار الشرط و ان كان من اوصاف الصحة تخير المشتري بين الفسخ و الامضاء مع اخذ الارش او بدونه و لا يفرق في ذلك بين اخذه عنوانا للمبيع او

شرطا كما حقق ذلك كله في محله و اشرنا اليه في مسالة التطفيف اجمالا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 412

و أما التردد في مسألة تعارض الاشارة و العنوان فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية، فانها مرددة بين كون متعلق القصد (العقد) أولا، و بالذات هو العين الحاضرة و يكون اتصافه بالعنوان مبنيا علي الاعتقاد و كون متعلقه هو العنوان و الاشارة اليه باعتبار حضوره، اما علي تقدير العلم بما هو المقصود بالذات و مغايرته للموجود الخارجي كما فيما نحن فيه فلا يتردد أحد في البطلان. و أما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكري بتعارض الاشارة و الوصف في الكلام مع عدم الاجمال في النية فباعتبار عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك فيما نواه إذ كثيرا ما يشتبه علي الناوي انه حضر في ذهنه العنوان و نوي الاقتداء به معتقدا لحضوره المعتبر في امام الجماعة فيكون الامام هو المعنون بذلك العنوان، و انما اشار اليه معتقدا لحضوره أو أنه نوي الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان لاحراز معرفته بالعدالة أو تعنون به بمقتضي الاعتقاد من دون اختيار هذا.

______________________________

و بما ذكرناه ظهر ما هو الحق عندنا، و انه انما يبطل البيع في خصوص ما اذا كان الوصف المتخلف من قبيل الصور النوعية و كون المبيع شخصيا و لا يبطل في سائر الصور الا اذا كان العقد معلقا علي الوصف.

الثاني: انه في بعض النصوص النهي عن بيع المغشوش، و هو يدل علي الفساد.

و فيه انه ليس في شي ء من النصوص التي بأيدينا النهي عن بيع المغشوش الا خبر موسي المتقدم، و قد مر ما فيه، و خبر الجعفي «1» الضعف السند.

الثالث: ان البيع منطبق عنوان

الغش، كما يشهد له خبر هشام عن الامام الكاظم عليه السلام البيع في الظلال غش «2» و هو محرم منهي عنه، و النهي يدل علي الفساد.

و فيه: ان النهي النفسي المتعلق بالمعاملة نفسها أو بأمر خارج منطبق عليها لا يدل علي الفساد كما حقق في أول الكتاب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب الصرف، حديث 5.

(2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 413

ثمّ انه قد يستدل علي الفساد كما نسب الي المحقق الاردبيلي قدس سره بورود النهي عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعة كما أشير اليه في رواية قطع الدينار و الامر بالقائه في البالوعة معللا بقوله حتي لا يباع بشي ء (1) و لان نفس البيع غش منهي عنه و فيه نظر فان النهي عن البيع لكونه مصداقا لمحرم هو الغش لا يوجب فساده كما تقدم في بيع العنب علي من (ممن) يعمله خمرا. و أما النهي عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.

و أما خبر الدينار فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش لانه اذا وجب اتلاف الدينار و القائه في البالوعة كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما نظير آلات اللهو و القمار (2) و قد ذكرنا فيما يحرم الاكتساب لكون المقصود منه محرما فيحمل الدينار علي المضروب من غير جنس النقدين او من غير الخالص منهما لاجل التلبيس علي الناس (3).

______________________________

(1) هذا هو الوجه الرابع و هو خبر موسي بن بكر كنا عند أبي الحسن عليه السلام: و إذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي دينار فأخذه بيده ثمّ قطعه بنصفين ثمّ قال لي: القه في البالوعة حتي لا يباع شي ء

فيه غشّ «1». لظهور التعليل في أن كل ما فيه غش لا يصح بيعه.

(2) محصل ما يفيده المصنف في الايراد علي هذا الوجه: ان الظاهر من الخبر بقرينة الامر بالالقاء في البالوعة هو كون المورد داخلا فيما يكون المقصود منه حراما نظير آلات اللهو، و اين هو من اللبن الممزوج بالماء و شبهه.

و فيه: ان مورد الاستدلال هو عموم التعليل لا خصوص المورد و الظاهر منه ان تمام العلة هو بيع ما فيه الغش.

فالصحيح في الجواب عنه: ان الخبر ضعيف السند للارسال و لحسن بن علي بن عثمان.

(3) و عليه فهو داخل في القسم الرابع الذي التزم فيه بفساد المعاملة، فلا حاجة الي الالتزام بكونه داخلا فيما لا يقصد منه الا الحرام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 414

و معلوم ان مثله بهيئته لا يقصد منه الا التلبيس فهو آلة الفساد لكل من دفع اليه و اين هو من اللبن الممزوج بالماء و شبهه، فالاقوي حينئذ في المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع، ثمّ العمل علي ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش فإن كان قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس و إن كان من قبيل شوب اللبن بالماء، فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمي اللبن فهو لبن معيوب. و إن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة (1) و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد لانه غير متمول، و لو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.

الثالثة عشر: الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة
اشارة

(2) و الاخبار بها مستفيضة و ادعي في الايضاح تواترها.

______________________________

(1) و فيه انه لو كان المبيع المجموع المركب

من جزءين او من أجزاء.

فإن كان للهيئة الاجتماعية دخل في زيادة الثمن، كما في مصراعي الباب، لا ريب في ثبوت خيار تبعض الصفقة بالنسبة الي المصراع الموجود.

و أما إن لم يكن لها دخل في ازدياده، كما في بيع منين من الحنطة بدينارين، فلا يثبت الخيار، بل البيع بالنسبة الي المن الموجود صحيح و لازم، و بالنسبة الي المفقود باطل، فإن مآل مثل هذا البيع الي بيع كل من من الحنطة بدينار.

و علي ذلك فلا مورد لخيار تبعض الصفقة فيما فرضه المصنف في المقام.

حرمة الغناء

(2) قوله الثالثة عشرة لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة.

و تنقيح القول في هذه المسألة يستدعي البحث في مقامات:

الاول: في بيان حكم الغناء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 415

منها ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور في قوله تعالي: (و اجتنبوا قول الزور) ففي صحيحة الشحام و مرسلة ابن أبي عمير و موثقة أبي بصير المرويات عن الكافي و رواية عبد الاعلي المحكية عن معاني الاخبار و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمي قدس سره تفسير قول الزور بالغناء (1).

______________________________

الثاني: في تحقيق موضوع الغناء.

الثالث: في المستثنيات.

أما المقام الاول فقد نفي المصنف الخلاف في حرمته في الجملة، فكأنه لم يعبأ بما سينقله من المحدث الكاشاني من عدم حرمته، و عن غير واحد دعوي الاجماع عليها، بل عن بعضهم دعوي كونها من الضروريات.

و كيف كانف قد استدل للحرمة بوجوه:

الاول: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يكون الاجماع تعبديا، فلا يصح أن يكون مدركا لهذا الحكم.

الثاني: جملة من الآيات الشريفة بضميمة النصوص الواردة في تفسيرها منها:

(1) قوله تعالي (و اجتنبوا قول الزور «1» ففي جملة من النصوص تطبيق قول الزور علي الغناء لاحظ.

صحيح زيد

الشحام عن الامام الصادق عليه السلام عن قوله عز و جل (و اجتنبوا قول الزور) قال عليه السلام: قول الزور الغناء «2».

و مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه عليه السلام في قول الله تعالي (و اجتنبوا قول الزور) قال عليه السلام قول الزور الغناء.

و موثق أبي بصير عنه عليه السلام عن قول الله عز و جل و اجتنبوا قول الزور قال عليه السلام:

______________________________

(1) الحج: 30.

(2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 416

و منها ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم و رواية مهران بن محمد و رواية الوشاء و رواية الحسن بن هارون و رواية عبد الاعلي السابقة. (1) و منها ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالي: (وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام تارة بلا واسطة و اخري بواسطة أبي الصباح (2) الكناني.

______________________________

الغناء. و خبر عبد الاعلي عنه عليه السلام في حديث و قول الزور الغناء «1» و نحوه حسن هشام «2».

(1) و منها قوله تعالي (و من الناس من يشتري لهو الحديث … اولئك لهم عذاب مهين) «3» بضميمة ما ورد في تفسير لهو الحديث لاحظ.

صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام قال سمعته يقول الغناء مما وعد الله عليه النار و تلا هذه الآية (و من الناس من يشتري لهو الحديث).

و مثله خبر مهران عن الامام الصادق عليه السلام «4».

و خبر الوشاء سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يسأل عن الغناء فقال هو قول الله عز و جل (و من الناس من يشتري لهو

الحديث ليضل عن سبيل الله «5».

و خبر الحسن بن هارون عن الامام الصادق عليه السلام الغناء مجلس لا ينظر الله الي أهله و هو مما قال الله عز و جل (و من الناس من يشتري لهو الحديث).

و خبر عبد الاعلي المتقدم.

و منها قوله تعالي (و الذين لا يشهدون الزور) «6» بضميمة ما ورد في تفسيره،

لاحظ.

______________________________

(1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 20.

(3) لقمان، 6.

(4) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(5) نفس المصدر، حديث.

(6) الفرقان، 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 417

و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولي، بل الثانية في ان الغناء من مقولة الكلام لتفسير قول الزور به (1) و يؤيده ما في بعض الاخبار من ان من قول الزور ان تقول للذي يغني احسنت، و يشهد له قول علي بن الحسين عليه السلام في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء (2) و لو جعل التفسير من الصدوق دل علي الاستعمال أيضا، و كذا لهو الحديث بناء علي انه من إضافة الصفة الي الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا علي الكلام الباطل، فلا تدل علي حرمة نفس الكيفية، و لو لم يكن في كلام باطل و منه يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة حيث ان مشاهد الزور التي مدح الله تعالي من لا يشهدها هي مجالس التغني بالاباطيل، من الكلام، فالانصاف انها لا تدل علي حرمة نفس الكيفية الا من حيث إشعار لهو الحديث بكون اللهو علي

اطلاقه مبغوضا لله تعالي و كذا الزور بمعني الباطل و ان تحققا في كيفية الكلام لا في نفسه، كما اذا تغني في كلام حق من قرآن او دعاء أو مرثية.

______________________________

صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام في قول الله عز و جل (لا يشهدون الزور) قال عليه السلام الغناء، «1» الي غير ذلك من النصوص الكثيرة.

و أورد علي الاستدلال بذلك في المتن.

(1) بأن ظاهر هذه النصوص كون الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به.

(2) و لقول علي بن الحسين عليه السلام في المرسل في الجارية التي لها صوت لا بأس لو اشتريتها فذكرتك الجنة، يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء «2».

و أيده بما في بعض الاخبار من ان من قول الزور ان يقول للذي يغني أحسنت «3».

و أورد المحقق الايرواني و الاستاذ الاعظم علي الوجه الاول: بأن تفسير قول الزور بالغناء لا يقتضي أن يكون الغناء من مقولة الكلام لصحة هذا التفسير و إن كان الغناء من

______________________________

(1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 16 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(3) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 418

______________________________

كيفية الكلام لاتحاد الكيفية في الخارج مع المكيف بالكيفية، فإذا كانت الكيفية زورا باطلا

صدق ان الكلام زور باطل.

و فيه: ان اتحاد المادة مع الكيفية في الوجود اللفظي و إن كان لا ينكر، إلا انه لا ريب في ان لكل واحدة منهما أوصافا و عناوين مختصة بها، مثل الكذب من عناوين المادة لا الكيفية و لا يصح نسبته الي الكيفية باعتبار اتحادها وجودا مع المكيف بها، و المصنف يدعي

ظهور هذا التفسير في ان الغناء من هذا القبيل.

و أورد عليه المحققان الشيرازيان: بأن تفسير قول الزور بالغناء ليس بالتصرف في الغناء بجعله عبارة عن الكلام المشتمل علي المعاني الباطلة، اذ كون الكلام المشتمل علي الكيفية و المعاني الباطلة من قول الزور، واضح غير محتاج الي بيان و تفسير، فيتعين التصرف في قول الزور بالحمل علي البطون، أو بإرادة الاعم من الزورية بحسب المعني الذي هو الظاهر منه، و عليه فلا تسقط دلالتها علي حرمة الكيفية الخاصة.

و فيه: انه علي المعني الاول يمكن ان يقال: ان التفسير انما هو بلحاظ ان قول الزور بما انه ليس بحرام مطلقا فأراد عليه السلام التنبيه علي ان قول الزور المحرم منه الغناء، و عليه فليس هذا واضحا غير محتاج الي بيان.

فالاولي في الايراد علي المصنف قدس سره ان يقال: ان المادة حيث لا تكون من حيث

هي زورا بل زوريتها اما ان تكون بلحاظ ما يكون متحدا معها وجودا من الكيفية الخاصة، أو تكون بلحاظ معناها فلا شهادة في تفسير قول الزور بالغناء كون الغناء من مقولة الكلام لملائمته مع كونه من كيفيات الكلام.

و يرد علي الوجه الثاني: انه حيث لا يكون مطلق الصوت غناء و الامام عليه السلام نفي البأس عن شراء الجارية التي لها صوت إذا لم تتغن بصوتها، فلا شهادة فيه لكون الغناء من مقولة الكلام، و التفسير المزبور لو لم يدل علي ان الغنائية متقومة بالكيفية من جهة دلالته علي ان من المذكورات ما هو غناء و منها ما ليس بغناء لما دل علي ان الغناء من مقولة الكلام.

و يرد علي الوجه الاخير المذكور تأييدا ان عد قول احسنت من قول الزور بلحاظ مدلوله لا

يدل علي انه ليس من قول الزور ما يكون كذلك بلحاظ الكيفية، اذ لعله عام يصدق مع كل من اللحاظين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 419

و بالجملة فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا و باطلا فهو حرام، و مما يدل علي حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا ولغوا رواية عبد الاعلي و فيها ابن فضال، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء و قلت:

انهم يزعمون أن رسول الله صلي الله عليه و آله رخص في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم، فقال: كذبوا ان الله تعالي يقول: (و ما خلقنا السموات و الارض و ما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون) ثمّ قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس الخبر.

فإن الكلام المذكور المرخص فيه بزعمهم ليس بالباطل و اللهو الذين يكذب الامام عليه السلام رخصة النبي صلي الله عليه و آله فيه فليس الانكار الشديد المذكور و جعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو الباطل الا من جهة التغني به، و رواية يونس قال: سألت الخراساني عن الغناء، و قلت: ان العباسي زعم انك ترخص في الغناء، فقال: كذب الزنديق ما هكذا، قلت له: و انما سألني عن الغناء، قلت له: ان رجلا أتي أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء، فقال له اذا ميّز اللّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء، قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت. و رواية محمد بن أبي عباد و كان مستهترا (مشتهرا) بالسماع و

بشرب النبيذ، قال: سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال لاهل الحجاز فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو. اما سمعت الله عز و جل يقول: (و إذا مروا باللغو مروا كراما) و الغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح، و قال أيضا:

جارية مسمعة أي مغنية و في رواية الاعمش الواردة في تعداد الكبائر قوله و الملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار و قوله عليه السلام: و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل جارية تلهيه و ما ثمنها الا كثمن الكلب و ظاهره هذه الاخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل، كما هو الاقوي و سيجي ء فهو و إن كان أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان، كما انه لو كان أخص وجب التعدي عنه الي مطلق الصوت الخارج علي وجه اللهو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 420

______________________________

و عن المستند: الايراد علي المستدل بهذه الآيات بأن النصوص الواردة في

تفسيرها بالغناء معارضة مع النصوص الاخر المفسرة إياها بتفسير آخر.

و فيه: ان الروايات الواردة في تفسير القرآن كلها من قبيل تعيين المصداق و لا تدل علي الانحصار، فلا تعارض بينها.

الوجه الثالث: الروايات المستفيضة الواردة في بيان حرمته و حرمة التكسب به واستماعه و حرمة تعليمه و تعلمه. و ما يترتب عليه من المفاسد و قد ذكر طرف منها المصنف لاحظها «1».

فتحصل ان حرمة الغناء لا ينبغي انكاره.

و سيأتي الكلام علي ما أفاده المحدث الكاشاني في المقام و ما يرد عليه عند ذكر المصنف قدس سره له.

بيان حقيقة الغناء

أما المقام الثاني فقد اضطربت كلمات الفقهاء و اللغويين في ذلك، و كلماتهم ما بين إفراط و تفريط، فعن بعضهم:

انه مد الصوت، و عن الشافعي: انه تحسين الصوت و ترقيقه،

و عن النهاية: ان كل من رفع صوتا والاه فصوته عند العرب غناء، و عن آخرين غير ذلك مما يقرب من هذه التعاريف.

و حيث ان بعض مصاديق هذه التعاريف ليس من أفراد الغناء قطعا كرفع الصوت بالاذان الذي هو من المستحبات الشرعية و تحسينه بقراءة القرآن و المدائح و المرائي،

مضافا الي السيرة القطعية علي جواز ذلك كله، و قد دلت النصوص علي رجحان بعضها،

فيستكشف من ذلك عدم تمامية هذه التعاريف.

و إليك طرف من كلمات الفقهاء و اللغويين المذكورة في المتن.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 15 و 16 و 99 و 100 و 101 و غيرها من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 421

و بالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن بها سواء كان مساويا للغناء، أو أعم أو أخص مع ان الظاهر ان ليس الغناء الا هو و إن اختلف فيه عبارات الفقهاء و اللغويين، فعن المصباح ان الغناء الصوت، و عن آخر انه مد الصوت، و عن النهاية عن الشافعي انه تحسين الصوت و ترقيقه.

و عنها أيضا ان كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء، و كل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها و عدم صدق الغناء عليها فكلها اشارة الي المفهوم المعين عرفا و الاحسن من الكل ما تقدم من الصحاح و يقرب منه المحكي عن المشهور بين الفقهاء من انه مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب، و الطرب علي ما في الصحاح خفة يعتري الانسان لشدة حزن أو سرور.

و عن الاساس للزمخشري خفة لسرور او هم و هذا

القيد هو المدخل للصوت في أفراد اللهو و هو الذي اراده الشاعر بقوله: (اطربا و انت قنسري اي شيخ كبير و الا فمجرد السرور او الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير.

و بالجملة فمجرد مد الصوت لامع الترجيع المطرب او و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا، و من اكتفي بذكر الترجيع كالقواعد اراد به المقتضي للاطراب قال في جامع المقاصد في الشرح ليس مجرد مد الصوت محرما و ان مالت اليه النفوس ما لم ينته الي حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للاطراب انتهي.

ثمّ ان المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة الي المغني او المستمع او ما كان من شأنه الاطراب و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت او غيره. و أما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة الي كل أحد و خصوصا بمعني الخفة لشدة السرور أو الحزن فيشكل بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه و كان هذا هو الذي دعا الشهيد الثاني الي ان زاد في الروضة و المسالك بعد تعريف المشهور قوله.

او ما يسمي في العرف غناء و تبعه في مجمع الفائدة و غيره، و لعل هذا أيضا دعا صاحب مفتاح الكرامة الي زعم ان الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسر في الصحاح بخفة لشدة سرور او حزن و ان توهمه صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا و استشهد علي ذلك بما في الصحاح من التطريب في الصوت مدة و تحسينه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 422

و ما عن المصباح من ان طرب في صوته رجعة و مده.

و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به و ان التطريب الاطراب كالتطرب و

التغني قال قدس سره فيحصل من ذلك ان المراد بالتطريب و الاطراب غير الطرب بمعني الخفة لشدة حزن أو سرور، كما توهمه صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا فكانه قال في القاموس الغناء ان الصوت ما مد و حسن و رجع فانطبق علي المشهور اذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس فكان لازما للاطراب و التطريب، (انتهي كلامه).

و فيه ان الطرب إذا كان معناه علي ما تقدم من الجوهري و الزمخشري هو ما يحصل للانسان من الخفة لا جرم يكون المراد بالاطراب و التطريب ايجاد هذه الحالة و الا لزم الاشتراك اللفظي مع انهم لم يذكروا للطرب معني آخر ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب مضافا الي ما ذكر في معني التطريب من الصحاح و المصباح انما هو للفعل القائم بذي الصوت لا الإطراب القائم بالصوت، و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور دون فعل الشخص فيمكن ان يكون معني تطريب الشخص في صوته ايجاد سبب الطرب بمعني الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه، فلا ينافي ذلك ما ذكر في معني الطرب، و كذا ما في القاموس من قوله ما طرب به يعني ما اوجد به الطرب مع انه لا مجال لتوهم كون التطريب بمادته بمعني التحسين و الترجيع اذ لم يتوهم أحد كون الطرب بمعني الحسن و الرجوع او كون التطريب هو نفس المد، فليست هذه الامور الا أسبابا للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الاسباب.

هذا كله مضافا الي عدم امكان ارادة ما ذكر من المد و التحسين و الترجيع من الطرب في قول الاكثر ان الغناء مد الصوت المشتمل

علي الترجيع المطرب كما لا يخفي مع ان مجرد المد و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر و سيجي ء فتبين من جميع ما ذكرنا ان المتعين حمل المطرب في تعريف الاكثر للغناء علي الطرب بمعني الخفة و توجيه كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض له بحسب وضع نوع ذلك الترجيع، و إن لم يطرب شخصه لمانع من غلظة الصوت و مج الاسماع له، و لقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 423

أجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع و هو المعروف عند أهل العرف و قد تقدم في رواية محمد بن أبي عباد المستهتر بالسماع.

و كيف كان فالمحصل من الادلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه علي سبيل اللهو، فإن اللهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الاوتار و نحوه و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد فكل صوت يكون لهوا بكيفيته و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام، و إن فرض انه ليس بغناء و كل ما لا يعد لهوا فليس بحرام، و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق لعدم الدليل علي حرمة الغناء الا من حيث كونه باطلا ولهوا ولغوا و زورا.

______________________________

و في مقابل هذه التعاريف ما اختار المحقق الايرواني قدس سره و هو: ان المتيقن من الغناء المحرم هو الكلام الباطل في ذاته و بحسب المدلول و المشتمل علي المد و الترجيع و الاطراب، و المراد من بطلان الكلام هو ان يكون معناه معني لهويا، فالكلام الباطل غير المشتمل علي الكيفية ذات القيود الثلاثة لا يكون حراما، كما ان المشتمل علي الكيفية المزبورة لا يكون حراما إلا أن يكون

باطلا في معناه.

و فيه: ان لازم هذا الوجه خروج بعض أفراد الغناء الذي لا يتوقف أحد في كونه غناء، و قد دلت النصوص عليه، كقراءة القرآن بلحون أهل الفسوق و العصيان.

و المشهور بين الاصحاب علي ما نسب اليهم انه مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب، و قد اختلفت كلماتهم في تفسير الطرب، فعن جماعة: انه خفة تعتري الانسان لشدة السرور، و عن آخرين: انه خفة تعتري لشدة حزن أو سرور، و عن مفتاح الكرامة:

ان الاطراب المأخوذ في تعريف الغناء غير الطرب المفسر لخفة لشدة السرور أو الحزن و ان المراد به مد الصوت و تحسينه و خير هذه الاقوال أوسطها.

أما فساد الاول: فلما عن القاموس من التصريح بفساد وهم من خص الطرب بالسرور، و أما فساد الاخير: فلما تقدم من ان مجرد مد الصوت و تحسينه ليس غناء قطعا لا سيما و قد ورد ان الله ما بعث نبيا الا حسن الصوت «1» و انه كان علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ القرآن فربما مر به المار فصعق من حسن صوته «2» و ان الله تعالي يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، حديث 2، كتاب الصلاة.

(2) نفس المصدر، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 424

ثمّ ان اللهو يتحقق بأمرين أحدهما قصد التلهي و إن لم يكن لهوا، و الثاني كونه لهوا في نفسه عند المستمعين و إن لم يقصد به التلهي. (1) ثمّ ان المرجع في اللهو الي العرف و الحاكم بتحققه هو الوجدان، حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص و لحضور ما يستلذه القوي الشهوية من كون المغني جارية أو أمردا و نحو

ذلك، و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء فقد يحس بعض الترجيع من مبادئ الغناء و لم يبلغه.

______________________________

و لكن يرد علي هذا التعريف: انه غير مطرد و لا منعكس.

أما الاول: فلما قيل من ان أظهر أفراد الغناء الالحان التي يستعملها أهل الفسوق مع انها لا توجب الطرب الا احيانا، مضافا الي ان من الغناء عند العرف ما ليس فيه مد و لا ترجيع مع كونه مطربا بالفعل و من ألحان أهل الفسوق بالمعني الذي سيمر عليك، و الظاهر ان إطلاق الغناء علي قول جئناكم جئناكم حيونا … الخ في خبر عبد الاعلي الآتي من هذا القبيل لعدم مناسبته مع المد و الترجيع.

و أما الثاني: فلانه ربما يكون الصوت مرجعا مشجيا و مثيرا للحزن و البكاء و لا يصدق عليه الغناء، كما اذا كانت مادة الكلام حقا كمرثية أبي عبد الله عليه السلام.

و التحقيق: ان أحسن ما قيل في المقام- و إن كان هو أيضا لا يخلو عن النقض- هو ما أفاده المصنف قدس سره و هو: ان الغناء عبارة عن الصوت اللهوي و ما يعد في الخارج من ألحان أهل الفسوق و المعاصي.

توضيحه: ان الصوت اذا كان مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص و لحضور ما يستلذه القوي الشهوية من كون المغني جارية او نحو ذلك فهو في العرف صوت لهوي و قول زور، و هو الغناء.

و لما كان ظاهر هذا التعريف اعتبار فعلية التلهي و لازم ذلك خروج أكثر ما هو غناء عرفا عنه، عممه.

(1) بقوله: ثمّ ان اللهو يتحقق بأمرين أي أحد أمرين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 425

و ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق

أو باطل فقراءة القرآن و الدعاء و المراثي بصوت يرجع فيه علي سبيل اللهو لا إشكال في حرمتها و لا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة و استخفافا بالمقروّ

______________________________

أحدهما: قصد التلهي و إن لم يكن لهو او الثاني: كونه لهوا في نفسه.

و محصل الامر الاول علي ما أظن و إن كان خلاف ظاهر كلامه في بادئ النظر ان الصوت تارة لا يكون لهوا فعلا بالنسبة الي المسمعين، لعدم وجود المستمع، أو لمانع عن التلهي من شدة المرض و نحوها، فهو أيضا من مصاديق الغناء و لا ينحصر الغناء بما اذا كان لهوا فعلا.

و هذا التعريف أحسن ما قيل في تعريف الغناء و موافق للمتفاهم العرفي.

و لكن الذي يرد علي المصنف قدس سره انه لم يظهر لي وجه اعتباره الترجيع في صدقه،

فإنه لا يعتبر فيه لا بحسب الادلة و لا بحسب المتفاهم العرفي.

و النسبة بين هذا التعريف و ما ذكره المشهور هي العموم من وجه، لصدق تعريف المشهور علي الصوت الموجب للخفة الحاصلة من حزن، و اختصاص هذا التعريف بالخفة الحاصلة من شدة السرور، و صدق هذا التعريف علي كل صوت أوجب الخفة المزبورة و إن لم يكن فيه مد و لا ترجيع، و لا يصدق عليه تعريف المشهور.

و كيفية الكلام، تارة تكون بنفسها لا تصلح الا للرقص و موجبة لحصول الخفة،

فالكلام حينئذ يكون غناء و إن كانت مادته حقا، كالقرآن و نهج البلاغة و نحوهما، و علي هذا يحمل ما دل علي النهي عن التغني بالقرآن، و قراءته بألحان أهل الفسوق و الكبائر المتقدم.

و أخري لا تكون كذلك، الا فيما اذا كانت مادة الكلام باطلة ككونها من المعاني المهيجة للشهوة الباطلة، كبعض أنحاء

التصانيف المتداولة في هذا العصر، و في مثل ذلك لو كانت مادة الكلام حقا لا يصدق عليه الغناء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 426

و المدعو و المرثي و من أوشح تسويلات الشيطان ان الرجل المتستر قد تدعوه نفسه لاجل التفرج و التنزه و التلذذ الي ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهية فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثي و نحوها، فيتغني به أو يحضر عند من يفعل ذلك و ربما يعد مجلسا لاجل احضار أصحاب الالحان و يسميه مجلس المرثية فيحصل له بذلك ما لا يحصل من ضرب الاوتار من النشاط و الانبساط، و ربما يبكي في خلال ذلك لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما يستحضره القوي الشهوية و يتخيل انه بكي في المرثية و فاز بالمرتبة العالية و قد اشرف علي النزول الي دركات الهاوية فلا ملجأ الا الي الله من شر الشيطان و النفس الغاوية.

و ربما يجرئ (يجترئ) علي هذا عروض الشبهة في الازمنة المتأخرة في هذه المسألة تارة من حيث أصل الحكم و أخري من حيث الموضوع و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

أما الاول: فلانه حكي عن المحدث الكاشاني انه خص الحرام منه بما اشتمل علي محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال و الكلام بالباطل، و الا فهو في نفسه غير محرم و المحكي من كلامه في الوافي انه بعد حكاية الاخبار التي يأتي بعضها قال الذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به من الاجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها بما كان علي النحو (المعهود)

المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهم و تكلمهن بالباطل و لعبهن بالملاهي من العيدان و القصب و غيرهما دون ما سوي ذلك من أنواعه كما يشعر به قوله: ليست بالتي تدخل عليها الرجال الي ان قال: و علي هذا فلا بأس بالتغني بالاشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار و التشويق الي دار القرار و وصف نعم الملك الجبار و ذكر العبادات و الرغبات في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك كما أشير اليه في حديث الفقيه بقوله: ذكرتك الجنة و ذلك لان هذا كله ذكر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 427

الله و ربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثمّ تلين جلودهم و قلوبهم الي ذكر الله.

و بالجملة فلا يخفي علي أهل الحجي بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء عن باطله و ان أكثر ما يتغني به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل انتهي.

أقول: لو لا استشهاده بقوله ليست بالتي تدخل عليها الرجال أمكن بلا تكلف تطبيق كلامه علي ما ذكرنا من ان المحرم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي و التكلم بالاباطيل و دخول الرجال علي النساء لحظ السمع و البصر من شهوة الزنا دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر أمور الآخرة و ينسي شهوات الدنيا الا ان استشهاده بالرواية ليست بالتي تدخل عليها الرجال ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه فان صوت المغنية التي تزف العرائس علي سبيل اللهو لا محالة، و لذا لو قلنا بإباحته فيما يأتي كنا قد خصصناه بالدليل و نسب القول المذكور الي صاحب الكفاية أيضا و الموجود فيها، بعد ذكر الاخبار

______________________________

[حكم الغناء]

و قد نسب الي المحدث الكاشاني القول بجواز

الغناء من حيث هو، و انما يحرم اذا اشتمل علي محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال و الكلام بالباطل و لا يهمّنا البحث في صحة النسبة و فسادها.

و في الجمع بين كلمات المصنف حيث انه ينسب اليه اولا القول بالجواز، ثمّ ينسب اليه غير ذلك، و انما المهم بيان أصل المطلب.

و حاصله: انه ربما يدعي عدم حرمة الغناء.

و استدل له بوجوه:

الاول: انه ليس في النصوص رواية معتبرة دالة علي حرمة الغناء فالمتعين الاخذ بالمتيقن، و المتيقن هو ما اذا اقترن بأحد المحرمات الاخر كما كان متعارفا في زمن الخلفاء و فيه: ما تقدم من تواتر الروايات الدالة علي ذلك، و قد مر أن فيها روايات معتبرة فراجع.

الثاني: ان نصوص حرمة الغناء منصرفة الي الغناء في جوف آلات اللهو من المزمار و نحوه بايجاده فيها فالغناء المجرد لا يكون حراما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 428

المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره ان الجمع بين هذه الاخبار يمكن بوجهين:

أحدهما: تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن، و حمل ما يدل علي ذم التغني بالقرآن علي قراءة يكون علي سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في غنائهم، و يؤيده رواية عبد الله سنان المذكورة اقرءوا القرآن بألحان العرب و اياكم

و لحون أهل الفسق و الكبائر و سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

و ثانيهما: ان يقال و حاصل ما قال: حمل الاخبار المانعة علي الفرد الشائع في ذلك الزمان، قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء علي سبيل اللهو من الجواري و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهي و التكلم بالباطل و اسماعهن الرجال، فحمل المفرد المعرف يعني لفظ

الغناء علي تلك الافراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد، ثمّ ذكر رواية علي بن جعفر الآتية و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة،

و قوله: ليست بالتي يدخل عليها الرجال مؤيدا لهذا الحمل، قال: ان فيه اشعارا بأن منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به كالالتهاء و غيره الي ان قال:

ان في عدة من أخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه لهوا باطلا.

______________________________

و فيه: انه لا وجه لدعوي الانصراف بل ظاهر النصوص النهي عن الغناء نفسه و من حيث هو.

الثالث: ما عن قرب الاسناد بسند لم يبعد في الكفاية الحاقه بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الغناء في الفطر و الاضحي و الفرح قال عليه السلام: لا بأس ما لم يعص به «1».

و هو و إن كان ضعيف السند لعبد الله بن الحسن، و عدم استبعاد صاحب الكفاية الحاقه بالصحاح، يمكن أن يكون لاجل انه اطلع علي أمارة مفيدة للظن بوثاقته، و لا يفيد بالنسبة الينا، الا أن الخبر مروي عن كتاب علي بن جعفر، و لكن فيه ما لم يزمر به و هو يدل

______________________________

(1) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 429

و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الاذكار المقروة بالاصوات الطيبة المذكرة المهيجة للاشواق الي العالم الاعلي محل تأمل علي ان التعارض واقع بين أخبار الغناء و الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة علي فضل قراءة القرآن و الادعية، و الاذكار مع عمومها لغة و كثرتها و موافقتها للاصل و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه فاذا لا ريب في تحريم الغناء علي سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوهما،

ثمّ إن

ثبت إجماع في غيره و الا بقي حكمه علي الاباحة و طريق الاحتياط واضح انتهي.

أقول: لا يخفي ان الغناء علي استفدنا من الاخبار بل فتاوي الاصحاب و قول أهل اللغة هو من الملاهي نظير ضرب الاوتار و النفخ في القصب و المزمار، و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الاعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج في حرمته الي أن يقترن بالمحرمات الاخر كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.

______________________________

علي حرمة الغناء اذا اقترن بالمعاصي الاخر.

و فيه: ان محتملات قوله ما لم يزمر به ثلاثة: الاول ارادة ما لم يقترن بضرب المزمار،

الثاني: ارادة ما لم يوجد الغناء في المزمار، الثالث: ارادة ما لم يكن الصوت صوتا مزماريا و لحنا رقصيا، و الاستدلال بالخبر يتوقف علي ارادة المعني الاول، و لا ريب في كونه خلاف الظاهر، إذ لو كان المراد ذلك لقال ما لم يقترن بالمزمار، بل الظاهر من الخبر هو ارادة المعني الثالث كما لا يخفي.

و عليه فيتعين كون اطلاق الغناء علي الجامع بين القسمين اطلاقا علي المعني الاعم كإطلاق أهل اللغة.

الرابع: النصوص الدالة علي مدح الصوت الحسن، و انه ما بعث الله نبيا الا و هو حسن الصوت و استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن و ان علي بن الحسين عليه السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، «1» فإنه يستفاد منها جواز الغناء، بل استحبابه في القرآن،

و ان الحرمة انما تكون للامور الخارجية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، من كتاب الصلاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 430

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معني التطريب توجه ما ذكراه بل لا أظن أحد أ

يفتي بإطلاق حرمة الصوت الحسن و الاخبار بمدح الصوت الحسن و انه من أجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و انه حلية القرآن و اتصاف الانبياء و الائمة عليهم السلام به في غاية الكثرة، و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر ان غير واحد من الاخبار يدل علي جواز الغناء في القرآن بل استحبابه بناء علي دلالة الروايات علي استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به.

و الظاهر ان شيئا منها لا يوجد بدون الغناء علي ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم علي ما فصلناه في بعض رسائلنا انتهي.

و قد صرح به شرح قوله عليه السلام اقرءوا القرآن بألحان العرب ان اللحن هو الغناء، و بالجملة فنسبة الخلاف اليه في معني الغناء اولي من نسبة التفصيل اليه بل ظاهر أكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك لانه في مقام نفي التحريم عن الصوت الحسن المذكر لأمور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا، نعم بعض كلماتهما ظاهرة فيما نسب اليهما من التفصيل في الصوت اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل قولا باطلاق جواز الغناء و انه لا حرمة فيه أصلا، و انما الحرام ما يقترن به من المحرمات فهو علي تقدير صدق نسبته اليهما في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعي تواترها الا بعض الروايات التي ذكراها منها ما عن الحميري بسند لم يبعد في الكفاية الحاقه بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الغناء في الفطر و الاضحي و الفرح، قال: لا بأس ما لم يعص به و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية و لا مقدمة للمعاصي المقارنة له.

و

في كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح، قال: لا بأس ما لم يزمر به، و الظاهر ان المراد بقوله ما لم يزمر به ما لم يلعب معه بالمزمار أو ما لم يكن الغناء بالمزمار و نحوه من آلات الاغاني، و

رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كعب المغنيات، فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي الي الاعراس لا بأس به، و هو قول الله عز و جل:

(و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 431

و عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال قال اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به باس ليست بالتي تدخل عليها الرجال فان ظاهر الثانية و صريح الاولي ان حرمة الغناء منوط بما يقصد منه فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم و الا فلا (1) و قوله في الرواية و هو قول الله اشارة الي ما ذكره من التفصيل و يظهر منه ان كلا الغناءين من لهو الحديث لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصي و الاخراج عن سبيل الحق و طريق الطاعة دون الآخر و انت خبير بعدم مقاومة هذه الاخبار للاطلاقات لعدم ظهور يعتد به في دلالتها فان الرواية الاولي لعلي بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل علي الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم و قد لا ينتهي الي ذلك الحد فلا يعصي به.

______________________________

و فيه: انها غير مربوطة بالغناء اذ صوت الحسن غير الغناء كما تقدم.

الخامس: مرسل الفقيه: سال رجل

علي بن الحسين (عليهما السلام) عن شراء جارية لها صوت فقال (عليه السلام) ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء و أما الغناء فمحظور «1».

و فيه: اولا: انه ضعيف السند للارسال.

و ثانيا: انه وارد في الجارية التي لها صوت لا المغنية اذ الظاهر ان التفسير انما هو من الصدوق و علي فرض كونه من الامام (عليه السلام) فهو يدل علي ان المذكورات علي قسمين:

احدهما: ما هو غناء و الثاني: ما ليس كذلك فيدل علي ان الغناء محرم.

(1) السادس: صحيح ابي بصير المذكور في المتن «2».

و نحوه خبره الآخر المذكور فيه «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من ابواب ما يكتسب به حديث 2.

(2) الوسائل باب 15 من ابواب ما يكتسب به حديث 3.

(3) الوسائل باب 15 من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 432

و منه يظهر توجبه الرواية الثانية لعلي بن جعفر فان معني قوله لم يزمر به لم يرجع فيه ترجيع المزمار او لم يقصد منه قصد المزمار او ان المراد من الزمر التغني علي سبيل اللهو.

و أما رواية ابي بصير مع ضعفها سندا بعلي بن ابي حمزة البطائني فلا يدل الا علي كون غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية و عدم دخول غناء التي تدعي الي الاعراس فيها و هذا لا يدل علي دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا فاذا فرضنا ان المغني يغني باشعار باطلة فدخول هذا في الآية اقرب من خروجه.

و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب من انها تطلب للتغني

اما في المجالس المختصة بالنساء كما في الاعراس و أما للتغني في مجالس الرجال نعم الانصاف انه لا يخلو من اشعار بكون المحرم هو الذي يدخل فيه الرجال علي المغنيات لكن المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات لاجل هذا الاشعار خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية و لو لخصوص مولاها كما تقدم من قوله (عليه السلام) قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها الا ثمن الكلب فتأمل.

______________________________

السابع: ان الروايات بقرينة دلالة بعضها علي ان المنع بمناط اللهو محمولة علي مطلق المرجوحية اذ من المعلوم ان اللهو بما هو لا يقتضي التحريم.

و فيه: مضافا الي ما سياتي في مبحث اللهو من حرمته علي بعض معانيه: ان النصوص انما تدل علي حرمة الغناء من حيث انه صوت لهوي و هذا لا يستلزم حرمة كل ما يكون لهوا كي يستكشف جوازه من جواز اللهو. هذا كله.

مضافا انه لو تمت دلالة ما تقدم علي هذا القول بما انه لا يمكن حمل جميع ما دل علي حرمة الغناء علي ان حرمته انما تكون للامور الخارجية و لا يمكن رفع اليد عن ظهورها في حرمة الغناء نفسه فلا محالة يقع التعارض بينهما و الترجيح معها كما لا يخفي.

و اضف الي ذلك انه لم ينسب القول بالجواز الي احد سوي المحدث المذكور و المحقق السبزواري و قد عرفت دعوي بعضهم ان عدم الجواز من الضروريات. فاذا لا ينبغي التوقف في الحرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 433

و بالجملة فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص اظهر من ان يحتاج الي الاظهار و ما ابعد ما بين هذا و بين ما سيجي ء من فخر الدين من عدم تجويز الغناء بالاعراس

لان الروايتين و ان كانتا نصين في الجواز الا انهما لا تقاومان الاخبار المانعة لتواترها. و أما ما ذكره في الكفاية من تعارض اخبار المنع للاخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل.

و أما الثاني: فهو الاشتباه في الموضوع فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليدا لمن سبقه من اعياننا من منع صدق الغناء في المراثي و هو عجيب فانه ان اراد ان الغناء مما يكون لمواد الالفاظ دخل فيه فهو تكذيب للعرف و اللغة.

اما اللغة فقد عرفت. و أما العرف لانه لا ريب ان من سمع من بعيد صوتا مشتملا علي الاطراب المقتضي للرقص او ضرب آلات اللهو لا يتأمل في اطلاق الغناء عليه الي ان يعلم مواد الالفاظ و ان اراد ان الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء فهو تكذيب للحس.

و أما الثالث: و هو اختصاص الحرمة ببعض افراد الموضوع فقد حكي في جامع المقاصد قولا لم يسم قائله باستثناء الغناء في المراثي (1) نظير استثنائه في الاعراس و لم يذكر وجهه و ربما وجهه بعض من متأخري المتاخرين.

______________________________

الغناء في المراثي

و قد استثني القوم من الغناء المحرم موارد:

(1) الاول: ما حكي في محكي جامع المقاصد عن من لم يصم قائله و هو الغناء في المراثي و لم يذكر وجهه.

و قربه المحقق الاردبيلي في محكي شرح الارشاد و علل ذلك بوجوه:

منها: انه ما ثبت الاجماع الا في غيرها و الاخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 434

بعمومات ادلة الابكاء و الرثاء. (1) و قد اخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال باطلاق ادلة قراءة

القرآن.

و فيه

ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات (2) خصوصا التي يكون من مقدماتها فان مرجع ادلة الاستحباب الي استحباب ايجاد الشي ء بسببه المباح لا بسببه المحرم أ لا تري انه لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته بالمحرمات كالزنا و اللواط و الغناء و السر في ذلك ان دليل الاستحباب انما يدل علي كون الفعل لو خلي و طبعه خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه فلا ينافي ذلك طرو عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله او تركه كما اذا صار مقدمة لواجب او صادفه عنوان محرم فاجابة المؤمن و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه شي ء ملزم لفعله او تركه فاذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرا عليه عنوان ملزم لتركه كما انه اذا امر به الوالد او السيد طرا عليه عنوان ملزم لفعله.

و الحاصل ان جهات الاحكام الثلاثة اعني الاباحة و الاستحباب و الكراهة لا يزاحم جهة الوجوب او الحرمة فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع احدي الجهات الثلاث.

______________________________

و فيه: ما عرفت من وجود روايات صحيحة دالة علي حرمة الغناء مطلقا.

(1) و منها عمومات ادلة الابكاء و الرثاء.

(2) و اجاب عنه المصنف بقوله: ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات.

و محصل ما ذكره في وجه ذلك: ان دليل الاستحباب انما يتضمن ثبوت الحكم لوجود جهته المقتضية له مع عدم تحقق ما يقتضي الالزام بترك مورده فالفعل انما يتصف بالاستحباب اذا خلا في طبعه عما يقتضي الحرمة فمع طرو عنوان ملزم لتركه يكون محرما و لا يقاومه دليل الاستحباب فالابكاء مستحب ما لم يطرأ عليه احد العناوين المحرمة منها الغناء فلا يصلح دليل مطلوبيته لمقاومة ادلة حرمة الغناء.

و يرده: ان ما ذكره

من عدم مقاومة ادلة الاحكام غير الالزامية ادلة الاحكام الالزامية انما يتم في موارد:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 435

______________________________

الاول: ما اذا وقعت المزاحمة بين الطائفتين في مقام الامتثال من دون ان تتصادقا

علي مورد واحد كما اذا وقعت المزاحمة بين وجوب الصوم و استحباب قراءة القرآن اذا لم يتمكن من الجمع بينهما فانه في مثل ذلك لا شبهة في تقديم الاول لان دليله يكون معجزا عن الثاني.

الثاني: ما اذا كان الموضوع فيهما واحدا و يكون الحكم غير الالزامي مشروطا بان لا يلزم من موافقته مخالفة حكم الزامي كقضاء حاجة المؤمن حيث ان استحبابه مقيد بعدم لزوم فعل الحرام من امتثاله و عليه يبتني عدم توقف احد من انه لا يجوز شي ء من المحرمات بعنوان قضاء حاجة المؤمن.

الثالث: ما اذا كان الحكم غير الالزامي مترتبا علي الشي بعنوانه الاولي و الحكم الالزامي متعلقا به بعنوانه الثانوي.

و أما في غير هذه الموارد الثلاثة و هو ما اذا كان الثابت في الواقع حكما واحدا و كانت الادلة متعارضة في ثبوت الحكم الالزامي او غير الالزامي بنحو التباين او العموم من وجه مع عدم كون الحكم غير الالزامي مشروطا بعدم مخالفة الحكم الالزامي فلا وجه لدعوي تقدم دليل الحكم الالزامي الا بدعوي احد امور ثلاثة علي سبيل منع الخلو احدها: عدم ثبوت الاطلاق لدليل الحكم غير الالزامي بنحو يشمل موردا قام فيه دليل علي حكم الزامي.

ثانيها: انصرافه عن هذا المورد.

ثالثها: ظهوره في تقييد ما تضمنه من الحكم بعدم المخالفة للحكم الالزامي.

و أما دعوي ان مقتضيات الاحكام الترخيصية لا تصلح لمزاحمة مقتضيات الاحكام الالزامية فاجنبية عن المقام اذ تلك انما هي فيما اذا ثبت المقتضيات و هو في الفرض معلوم العدم

لفرض التعارض بين الدليلين و لا أقل من عدم المعلومية و عليه فلا مناص عن الرجوع الي مرجحات باب التعارض. و ما نحن فيه من هذا القبيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 436

______________________________

و ليس من قبيل الموارد الثلاثة الاول كما هو واضح فلا بد من تقديم ادلة الغناء

لمخالفتها للعامة.

و منها: ان التحريم انما هو للطرب و ليس في المراثي طرب بل ليس فيها الا الحزن.

و فيه: انه تارة يكون الصوت صوتا لهويا و لحنا رقصيا و يوجب حصول النشاط و الانبساط و لكن ربما يبكي المستمع في خلاله لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما تستحضره القوي الشهوية و يتخيل انه بكي في المرثية او انه يبكي من جهة اقوائية المادة في حصول الحزن من الكيفية المطربة.

و اخري يكون الصوت بنفسه موجبا لحصول الحزن و البكاء و عدم صدق الغناء علي الثاني و ان كان هو الحق كما عرفت الا انه يصدق علي الاول فاللازم هو مراعاة ذلك و تمييز الغناء عن غيره.

و منها: قيام السيرة علي ذلك لانه المتعارف دائما في بلاد المسلمين من زمان المشايخ الي زماننا هذا من غير نكير.

و فيه: ان قيام السيرة علي الرثاء و اقامة التعزية مسلم الا انه لا نسلم قيام السيرة علي التغني فيها بل المسلم خلافه و دعوي ان النياحة لا تكون الا معه ممنوعة.

و منها: ان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب و فيه ثواب عظيم و الغناء معين علي ذلك.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان الغناء لا يكون معينا علي البكاء لما تقدم في مقام بيان حقيقته.

و ثانيا انه لو سلم كونه معينا عليه لا وجه للقول بجوازه من جهة وقوعه

مقدمة للمستحب اذ لو وقعت المزاحمة بين حكمين الزامي و غير الزامي لا شبهة في تقديم دليل الاول علي الثاني لكونه صالحا لان يكون معجزا عن غيره بخلاف العكس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 437

و يشهد بما ذكرنا من عدم تادي المستحبات في ضمن المحرمات قوله صلي الله عليه و آله اقرءوا القرآن بالحان العرب و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر و سيجي ء بعدي اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شانهم (1) قال في الصحاح اللحن واحد الالحان و اللحون.

و منه الحديث اقرءوا القرآن بلحون العرب (2) و قد لحن في قراءته اذا طرب بها و غرد و هو ألحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء انتهي.

و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعني اللغة اي بلغة العرب و كانه اراد باللغة اللهجة و تخيل ان ابقاءه علي معناه يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن (3) و فيه ما تقدم من ان مطلق اللحن اذا لم يكن علي سبيل اللهو ليس غناء و قوله صلي الله عليه و آله و اياكم و لحون اهل الفسوق نهي عن الغناء في القرآن ثمّ ان في قوله لا يجوز تراقيهم اشارة الي ان مقصودهم ليس تدبر معاني القرآن بل هو مجرد الصوت المطرب (4).

______________________________

فتحصل: ان الغناء في المراثي حرام الا ان الصوت غير الموجب لحصول الخفة الحاصلة عن شدة السرور- و بعبارة اخري غير الملهي- لا يكون غناء فلا يكون محرما.

(1) كما في خبر عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام «1»

(2) كما في الحدائق 18، 114 و

في الصحاح 6، 2193 مادة لحن و في خبر حذيفة بن اليمان «2».

(3) لم يتخيل صاحب الحدائق (قدس سره) ذلك و هذا كلامه فلا حظه قال فانه و ان كان لفظ اللحن مما ورد بمعني الغناء لكنه ورد ايضا لمعان اخر منها اللغة و ترجيع الصوت و تحسين القراءة و الشعر الا ان الانسب به هنا هو الحمل علي اللغة انتهي و علي ذلك فلا مورد لما اورده المصنف (قدس سره) عليه.

(4) و يمكن ان يكون المراد به انه لا يجاوز تراقيهم الي السماء بمعني ان الله لا يقبل منهم و لا يرفع قراءتهم الي السماء قصدوا بها تدبر معاني القرآن ايضا ام لا.

______________________________

(1) الوسائل باب 24 من ابواب قراءة القرآن حديث 1 مع تفاوت يسير.

(2) المستدرك باب 20 من ابواب قراءة القرآن حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 438

و ظهر مما ذكرنا انه لا تنافي بين حرمة الغناء في القرآن و ما ورد من قوله صلي الله عليه و آله و رجع في القرآن صوتك فان الله يحب الصوت الحسن فان المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق.

و من المعلوم ان مجرد ذلك لا يكون غناء اذا لم يكن علي سبيل اللهو فالمقصود من الامر بالترجيع ان لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب الكتب عند المقابلة لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء و لذا جعله نوعا منه في قوله (صلي الله عليه و آله) يرجعون القرآن ترجيع الغناء و في محكي شمس العلوم ان الترجيع ترديد الصوت مثل ترجيع اهل الالحان و القراءة و الغناء (انتهي).

و بالجملة فلا تنافي بين الخبرين و لا بينهما و بين ما دل علي حرمة الغناء حتي في القرآن كما تقدم

زعمه من صاحب الكفاية (1) تبعا في بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره لما ذكره المحقق الاردبيلي (قدس سره) حيث انه بعد ما وجه استثناء المراثي و غيرها من الغناء بانه ما ثبت الاجماع الا في غيرها و الاخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا ايد استثناء المراثي بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب و فيه ثواب عظيم و الغناء معين علي ذلك و انه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ الي زماننا هذا من غير نكير ثمّ ايده بجواز النياحة و جواز اخذ الاجر عليها و الظاهر انها لا تكون الا معه و بان تحريم الغناء للطرب علي الظاهر و ليس في المراثي طرب بل ليس الا الحزن انتهي.

______________________________

الغناء في قراءة القرآن

الثاني: الغناء في قراءة القرآن.

(1) و قد نسب استثناء ذلك الي المحقق السبزواري و تبعه بعض المحققين.

و استدل له بوجوه:

الاول: ان قراءة القرآن خارجة عن الغناء موضوعا اذ يعتبر في صدق الغناء كون معني الكلام لهويا ذكره صاحب الكفاية و المحقق الايرواني (قدس سره).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 439

______________________________

و قد عرفت في المقام الاول فساد هذا المسلك، و ان الغناء كيفية خاصة من

الصوت، و هو الصوت اللهوي المجامع مع كون المادة حقا.

الثاني: انه قد دلت النصوص «1» الكثيرة علي استحباب تحسين الصوت في قراءة القرآن و التحزين و الترجيع به. و شي ء منها لا يوجد بدون الغناء.

و فيه: انه قد عرفت ان هذه العناوين غير الغناء، اذ الغناء هو الصوت اللهوي و اللحن الرقصي، و مجرد حسن الصوت و الترجيع به و التحزين لا يكون ذلك. و علي ذلك فلا تنافي بين هذه النصوص، و بين ما دل

علي ذم التغني بالقرآن كخبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و اياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنه سيجي ء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية «2».

و المحقق السبزواري قدس سره لبنائه علي ملازمة تحسين الصوت و الترجيع به للغناء، بني علي التعارض بين الطائفتين: و جمع بينهما بنحوين اولهما الصحيح علي هذا المسلك، قال:

أحدهما: تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة بما عند القرآن، و حمل ما يدل علي ذم التغني بالقرآن علي قراءة تكون علي سبيل الله كما يصنعه الفساق في غنائهم.

الثالث: ان اخبار الغناء معارضة مع الاخبار «3» الكثيرة الدالة علي فضل قراءة القرآن و النسبة عموم من وجه، فتتساقطان في مورد الاجتماع فيرجع الي أصالة الاباحة.

و فيه: ما تقدم من ان المختار في التعارض بين العامين من وجه هو الرجوع الي المرجحات و هي تقتضي تقديم نصوص الغناء لكونها مخالفة للعامة.

و أما ما أجابه المصنف قدس سره من ان ادلة الاحكام غير الالزامية لا تقاوم أدلة الاحكام الالزامية، فقد مر ما فيه مفصلا في المستثني الاول فراجع.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن.

(2) راجع الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 11، من أبواب قراءة القر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 440

و أنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء علي الوجه الذي ذكرنا اما كون الغناء معينا علي البكاء و التفجع فهو ممنوع بناء علي ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوي، بل و علي ظاهر تعريف المشهور من

الترجيع المطرب لان الطرب الحاصل منه ان كان سرورا فهو مناف للتفجع لا معين، و إن كان حزنا فهو علي ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية لا علي ما أصاب سادات الزمان من انه علي تقدير الاعانة، لا ينفع في جواز الشي ء كونه مقدمة لمستحب او مباح بل لا بد من ملاحظة عموم دليل الحرمة له، فإن كن فهو و الا فيحكم بإباحته للاصل و علي أي حال فلا يجوز التمسك للاباحة بكونه مقدمة لغير حرام لما عرفت.

ثمّ انه يظهر من هذا و مما ذكر أخيرا من ان المرئي ليس فيها طرب ان نظره الي المراثي المتعارفة لاهل الديانة التي لا يقصدونها الا للتفجع و كأنه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو و المترفون من الرجال و النساء عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الاوتار و التغني بالقصب و المزمار كما هو الشائع في زماننا الذي قد أخبر النبي صلي الله عليه و آله بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما ان زيارة سيدنا و مولانا أبي عبد الله عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين، و قد أخبر النبي صلي الله عليه و آله بنظيره في سفر الحج و انه يحج أغنياء أمتي للنزهة و الاوساط للتجارة و الفقراء للسمعة، و كان كلامه صلي الله عليه و آله كالكتاب العزيز وارد في مورد وجار في نظيره و الذي أظن ان ما ذكرنا في معني الغناء المحرم من أنه الصوت اللهوي ان هؤلاء و غيرهم غير مخالفين فيه.

و أما ما لم يكن علي جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل

علي تحريمه لو فرض شمول الغناء له لان مطلقات الغناء منزلة علي ما دل علي إناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الاخبار المتقدمة خصوصا من انصرافها في أنفسها كأخبار المغنية الي هذا الفرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 441

بقي الكلام فيما استثناه المشهور من الغناء و هو أمران:

أحدهما: الحداء بالضم كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالابل (1) و في الكفاية ان المشهور استثناؤه، و قد صرح بذلك في شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس، و علي تقدير كونه من الاصوات اللهوية كما يشهد به استثناؤهم اياه عن الغناء بعد أخذهم الاطراب في تعريفه فلم أجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الاخبار بالتحريم عدا رواية نبوية ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلي الله عليه و آله لعبد الله ابن رواحة حيث حدا للابل و كان حسن الصوت (2)، و في دلالته و سنده ما لا يخفي (3)

______________________________

فالاظهر هو حرمة الغناء في قراءة القرآن، و يدل عليه خبر عبد الله بن سنان المتقدم، و لكنه ضعيف السند لان في طريقه إبراهيم الاحمر، بل الغناء في ذلك أبغض لكونه هتكا للدين.

الحداء لسوق الابل

(1) الثالث: الحداء لسوق الابل.

في الكفاية: ان المشهور استثنائه، و قد استدل له بوجوه:

(2) الاول: النبوي المرسل الذي ذكره في كتاب الشهادات من المسالك المتضمن تقرير النبي صلي الله عليه و آله لعبد الله بن رواحة حيث حد للابل و كان حسن الصوت «1».

(3) قوله و في دلالته و سنده ما لا يخفي.

و أورد عليه المحقق الشيرازي: بأن دلالته لم أعرف وجه ضعفها علي تقدير كون الحداء من الغناء، و ضعف سنده منجبر بنقل الشهرة و فتوي جمع من الاساطين.

و فيه ان المرسل متضمن لواقعة

شخصية فيمكن ان لا يكون الحداء الذي جوزه النبي صلي الله عليه و آله غناء فلا يدل علي جواز الغناء.

______________________________

(1) سنن بيهقي، ج 10، ص 227.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 442

الثاني: غناء المغنية في الاعراس اذا لم يكتف بها محرم آخر من التكلم بالاباطيل و اللعب بآلات الملاهي المحرمة و دخول الرجال علي النساء (1) و المشهور استثناؤه للخبرين المتقدمين علي أبي بصير في أجر المغنية التي تزف العرائس (2)

______________________________

الثاني: ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن النبي صلي الله عليه و آله زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء أي فحش او جفاء او حنان «1»

أي الطرب علي اختلاف النسخ، بناء علي رجوع القيد الي خصوص الشعر كما يشهد به أفراد الضمير.

و لكن الاستدلال به مبني علي كون الحداء منحصرا بالغناء و لكنه ممنوع فلا يدل علي جواز الغناء.

و به يظهر ما في الوجه الثالث و هو استقرار السيرة علي جواز الحداء.

الرابع: ما في الجواهر الميل اليه، و هو: ان الحداء قسيم للغناء بشهادة العرف، فهو خارج عن الغناء موضوعا.

و فيه: انه لا تنافي بين العنوانين كي يكون صدق أحدهما مانعا من صدق الآخر، بل الاظهر ان النسبة بينهما عموم من وجه. فاذا لا دليل علي استثناء الغناء في الحداء.

الغناء في زف العرائس

(1) الرابع: غناء المغنية في الاعراس اذا لم يكتنف به محرم آخر.

(2) قوله و المشهور استثنائه للخبرين المتقدمين عن أبي بصير.

أحدهما صحيح أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «2» و نحوه الآخر «3»

______________________________

(1) الوسائل باب 37، من أبواب آداب السفر، حديث

1، كتاب الحج.

(2) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(3) نفس المصدر، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 1، ص: 443

و نحوهما ثالث عنه أيضا (1) و إباحة الاجر لازمه لإباحة الفعل و دعوي ان الاجر لمجرد الزف لا الغناء عنده مخالفا للظاهر لكن في سند الروايات ابو بصير و هو غير صحيح و الشهرة علي وجه يوجب الانجبار غير ثابتة لان المحكي عن المفيد قدس سره و المرتضي، و ظاهر الحلبي و صريح الحلي و التذكرة و الايضاح بل كل من لم يذكر الاستثناء بعد التعميم المنع، لكن الانصاف ان سند الروايات و ان انتهت الي أبي بصير الا انه لا يخلو من وثوق و العمل بها تبعا للاكثر غير بعيد و إن كان الاحوط كما في الدروس الترك و الله العالم.

______________________________

(1) قوله و نحوهما ثالث عنه.

اشارة الي خبره الثالث عنه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال عليه السلام: التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تداعي الي الاعراس ليس به بأس «1».

لكن الثاني مجهول، و الثالث ضعيف.

و دعوي ضعف الاول كما تري.

و الايراد عليه: بأنه انما يدل علي إباحة الاجر لا الفعل، مندفع بالتلازم بينهما.

و دعوي ان الأجر لمجرد الزفّ، خلاف الظاهر فالاظهر هو جوازه.

بقي الكلام في تعليمه و تعلمه، و ملخص القول فيه: ان التعليم و التعلم بالتغني و الاستماع حرام بلا كلام، و أما بغير ذلك فحرمة التعليم مستفادة من خبرين مرويين في الوسائل «2» و حرمة التعلم تستفاد من المرسل المروي عن مستدرك الوسائل، «3» الا ان كلا ضعيف السند اذا أحد الخبرين المرويين في الوسائل مرسل، و الآخر في طريقه محمد الطاطري و هو مهمل، و ما عن

المستدرك مرسل أيضا. و مقتضي الاصل هو الجواز.

قد تم الجزء الاول من كتابنا منهاج الفقاهة و يتلوه في الطبع الجزء الثاني منه و الحمد لله أولا و آخرا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 2 و 16، من أبواب ما يكتسب به.

(3) المستدرك، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

الجزء الثاني

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة الاكتساب المحرم أنواع]

[تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]
الرابعة عشر: الغيبة حرام
اشارة

بالأدلة الأربعة، و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي: (وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (1) فجعل المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكه به أكلا، و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

______________________________

حرمة الغيبة

(1) الرابعة عشرة: الغيبة حرام بالأدلة الاربعة و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي (وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) «1».

تقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة انما يكون من وجوه:

الأول: اشتمالها علي النهي عن الاغتياب، و ظاهر النهي هو الحرمة.

الثاني: ان الله تعالي جعل المؤمن أخا، لأن المؤمنين إخوة، و شبه عرض المؤمن باللحم لانتقاصه بالتفكه به، كما ان اللحم ينتقص بالأكل، و شبه التفكه به بالأكل، أي شبه التفكه بهتك عرضه بأكل الميتة، اما لأنه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض النصوص، او لتشبيه المغتاب بالكسر بالكلاب و السباع كما في بعض النصوص الاخر.

و لا ريب في ان التشبيه انما يكون بلحاظ الحكم، و هو الحرمة و يؤكده تصدير هذه التشبيهات بالاستفهام الإنكاري الدال علي قبح صدور هذا العمل، و بعبارة اخري: انه يدل علي انه كما يشمئزُّ الإنسان عن أكل لحم أخيه الميت، لا بد و أن يشمئزُّ عن اغتيابه.

الثالث: قوله تعالي (فَكَرِهْتُمُوهُ) فإن مفاده: انه كما

تكرهون أكل لحم الأخ، كذلك لا بد و أن تكرهوا اغتيابه، أي تجتنبوا عنه، و لكن جعل هذا من تتمة الوجه الثاني أولي من جعله وجها مستقلا.

______________________________

(1) سورة الحجرات، آية 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 6

و قوله تعالي: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. (1)

و قوله تعالي: (لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ). (2)

______________________________

(1) و قوله تعالي: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) «1».

تقريب الاستدلال به: ان المراد بالأولي المغتاب بالكسر و بالثانية الطعان، و عن ابن عباس، ان المراد بالثانية المغتاب، و المراد بالأولي الطعان.

و علي كل تقدير دلالته علي الوعيد للمغتاب ظاهرة، و حيث ان ثبوت العقاب مستلزم لكون الفعل حراما، فبثبوته يستدل علي الحرمة.

و فيه: اولا: انه قيل في معناهما وجوه اخر: منها: ان الهمزة هو الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، و اللمزة هو الذي يكسر عينيه علي جليسه و يؤمي بطرفيهما و يشير برأسه إليه.

و منها: ان الهمزة هو الذي يهمز الناس و يضربهم بيده، و اللمزة هو الذي يلمزهم بلسانه و عينه.

و منها: ان المراد بهما كثير الطعن علي غيره بغير حق، سواء كان في الغياب أم في الحضور، و سواء كان باللسان أم بغيره.

و حيث انه علي هذه التفاسير لا تدل الآية علي حرمة الغيبة، فتكون مجملة فلا يصح الاستدلال بها.

و ثانيا: ان الهمزة علي التفسير الأول، و اللمزة علي التفسير الثاني ليس هو المغتاب بالكسر بل الذي يعيبك علي ظهر الغيب، و النسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه، اذ هذا المعني يشمل ذكره اخاه بما ليس فيه، و الغيبة أيضا أعم من جهة عدم اختصاصها بما اذا كان المغتاب في مقام التعييب.

(2) و قوله تعالي (لٰا

يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) «2».

و تقريب الاستدلال به: ان الغيبة هي الجهر بالسوء المتعلق بالأخ المؤمن،

و الآية تدل علي ان الله لا يريد وقوعها من غير المظلوم، و لازمه الحرمة.

______________________________

(1) سورة الهمزة، آيه 2.

(2) سورة النساء، آية 149.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 7

و قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ). (1)

______________________________

و فيه: أولا: ان عدم المحبوبية أعم من الحرمة. و بعبارة اخري: عدم الحب و الإرادة لا يلازم الحرمة، بل الملازم لها ارادة عدم تحقق الفعل.

و ثانيا: انه ليس في الآية الشريفة ما يدل علي ان الغيبة من الجهر بالسوء، بل لا يبعد دعوي ان الظاهر منه ارادة القول المنشأ به السوء لا الحاكي عنه، فيكون المراد به الشتم و الدعاء علي الغير.

و يشهد به المروي في مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية: (لا يحب الله الشتم الا من ظلم).

اللهم إلا أن يقال: ان الغيبة من الجهر بالسوء حتي بناء علي ارادة القول المنشأ به السوء، فانها اظهار ما ستره الله من العيوب الموجب لهتك المقول فيه و اهانته.

و أما الخبر: فمضافا الي ضعف سنده: لا يدل علي اختصاص الجهر بالسوء بالشتم و إنما يدل علي انه أحد مصاديقه، فالعمدة الايراد الأول.

(1) و قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) «1».

المراد من الحب هو ما انتهي الي فعل المحبوب، و الآية الشريفة انما تدل علي ترتب العقاب علي اشاعة الفاحشة و من مصاديقها الغيبة، فبالدلالة الالتزامية تدل علي الحرمة.

و لكن يرد علي الاستدلال بها: انها ظاهرة في ان حب شيوع الفاحشة بين

الناس بارتكابهم المحرمات من المحرمات، فلا صلة لها بالغيبة التي هي اعلام الناس بالفاحشة و العيب المستور.

نعم قد فسر في بعض النصوص اشاعة الفاحشة بما يشمل الغيبة.

ففي مرسل ابن أبي عمير: الذي هو كالصحيح عن مولانا الصادق عليه السلام من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسعته اذناه فهو من الذين قال الله عز و جل (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ … ) «2».

______________________________

(1) سورة النور، آية 19.

(2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 8

و يدل عليه من الأخبار ما لا يحصي.

فمنها ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله بعدة طرق ان الغيبة أشد من الزنا، و ان الرجل يزني فيتوب و يتوب الله عليه، و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله انه خطب يوما فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثين زنية، و ان اربي الربا عرض الرجل المسلم. (2)

و عنه صلي الله عليه و آله من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه. (3)

و عنه صلي الله عليه و آله من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما (منهما)، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير. (4) و عنه صلي الله عليه و آله كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم

______________________________

و عليه فالآية تدل علي حرمة الغيبة، و هي و إن كانت أخص من

المدعي كما لا يخفي إلا ان الاستدلال بها يتم بضميمة عدم القول بالفصل.

(1) النبوي «1» و روي في كتب الحديث مع اختلاف مع المذكور في المتن في العبارة.

(2) هذا الخبر «2» لا صلة له بالغيبة و انما يتضمن بيان حكم التعرض لعرض المسلم و هو مروي في تنبيه الخواطر أعظم عند الله في الخطيئة.

(3) الخبر مروي في المستدرك «3» و فيه بدل أربعين صباحا اربعين يوما و ليلة.

ثمّ عدم قبول الصلاة و الصوم لا يلازم الحرمة.

(4) الخبر رواه الشيخ الحر العاملي «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9.

(2) مستدرك الوسائل، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 25.

(3) نفس المصدر، حديث 34.

(4) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 20.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 9

الناس بالغيبة، فاجتنب الغيبة فانها أدام كلاب النار. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله من مشي في غيبة (عيب) أخيه و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم. (2)

و روي ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو أول من يدخل النار. (3)

و عنه صلي الله عليه و آله ان الغيبة حرام علي كل مسلم و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (4) و أكل الحسنات اما أن يكون علي وجه الإحباط أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لانها تنقل الحسنات الي المغتاب كما في غير واحد من الأخبار.

و منها النبوي صلي الله عليه و آله يؤتي بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع اليه كتابه فلا يري حسناته فيه، فيقول: الهي ليس هذا كتابي لا أري فيه حسناتي، فيقال

له: ان ربك لا يضل و لا ينسي ذهب عملك باغتياب الناس، ثمّ يؤتي بآخر و يدفع اليه كتابه فيري فيه طاعات كثيرة، فيقول: الهي ما هذا كتابي فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: ان فلانا اغتابك فدفع حسناته اليك، الخبر. (5)

و منها ما ذكره كاشف الريبة قدس سره من رواية عن عبد الله بن سليمان النوفلي الطويلة عن الصادق عليه السلام و فيها عن النبي صلي الله عليه و آله ادني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم، و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعت اذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله تعالي: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم. (6)

______________________________

(1) في المصدر اجتنبوا «1»

(2) في المصدر في عيب أخيه «2»

(3) رواه المحدث النوري باختلاف في اللفظ،

(4) رواه المجلسي «3»

(5) كذا في النسخ و الظاهر زيادة الخبر «4»

(6) رواه في كشف الريبة «5».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 21.

(2) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(3) البحار، ج 75، ص 257 حديث 48.

(4) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(5) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 10

ثمّ ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة من الكبائر (1) كما ذكره جماعة بل أشد من بعضها وعد في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة، و يمكن إرجاع الغيبة إليها، فأي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه، و عدم شعور و كيف

كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر اظنها في غير المحل.

______________________________

الغيبة من الذنوب الكبيرة

(1) قال المصنف: ثمّ ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر.

في تقسيم الذنوب إلي الكبائر و الصغائر، ثمّ في الفرق بين القسمين بدعوي ان الكبائر تضر بالعدالة، و الصغائر لا تضر بها كلام محرر في محله.

و المختار ان المعاصي كلها كبيرة و إن كان بعضها أكبر من الآخر، ثمّ علي فرض وجود القسمين الأظهر ان الصغيرة أيضا تضر بالعدالة.

و الكلام في المقام انما هو في انه علي فرض انقسام المعاصي الي قسمين:

هل تكون الغيبة من الكبائر أم من غيرها، فيه وجهان أقواهما الأول.

و ذلك لأن الكبيرة هو الذنب العظيم عند الشارع، و ثبوت كونه كذلك انما يكون بالتوعيد عليه في الكتاب او السنة المعتبرة، أو بالنص علي كونه كذلك، أو بجعله أشد مما ثبت كونه من الكبائر أو مثله أو بترتيب آثار الكبيرة عليه.

و علي ذلك فيدل علي كون الغيبة من الكبائر وجوه:

الأول: انه تضمنت الآية الشريفة و هي آية إشاعة الفاحشة «1» و النصوص «2» المعتبرة، التوعيد علي الغيبة.

الثاني: جعلها «3» أشد و أعظم من الزنا و الربا، و لا إشكال في كونهما من الكبائر، فتأمل. فانه يمكن رد هذا الوجه: بأن النصوص المتضمنة لذلك كلها ضعيف السند مع ان الرواية المتضمنة لجعلها أشد من الزنا عللت الأشدية فيها بأن الزاني يتوب فيغفر له

______________________________

(1) سورة النور، آية 20.

(2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر.

(3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 11

ثمّ ان ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن (1) فيجوز اغتياب المخالف كما

يجوز لعنه.

______________________________

و المغتاب لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه، و هذا التعليل يدل علي ان المراد بالأشدية ليس هو الأشدية في الحكم بل الأشدية من حيث ما يوجب رفع الأثر، فهو نظير أشدية المني من البول لاحتياجه إلي الدلك دونه مع كون البول أشد من حيث النجاسة، و الرواية التي توهم تضمنها لجعلها أشد من الربا قد مر عدم دلالتها علي ذلك. فهذا الوجه ضعيف.

الثالث: النصوص «1» الدالة علي كون الخيانة من الكبائر و الغيبة منها، إذ أي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه، مع انه يدل علي كونها منها قول النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لابي ذر رضي الله عنه المروي بطريق ضعيف.

و استدل لعدم كونها من الكبائر بالنصوص «2» الحاصرة للكبائر في جملة من المعاصي التي ليست منها الغيبة.

و فيه: انه يتعين رفع اليد عن إطلاق مفهوم الحصر بما تقدم مما دل علي كونها من الكبائر.

يشترط الايمان في حرمة الغيبة

(1) صرح غير واحد بان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن.

و عن المحقق الأردبيلي: القول بحرمة غيبة المخالفين لإطلاق الأدلة.

و استدل للجواز بوجوه:

منها ان المطلقات تقيد بالنصوص المخصصة للحرمة بالأخ المؤمن.

و فيه: ان المطلق يحمل علي المقيد اذا كانا متنافيين، و الا فلا يحمل عليه، و في المقام لا تنافي بينهما كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 12

و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم، و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم الا قليلا مما يتوقف (1) استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة

وحل ذبائحهم و مناكحتهم و حرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة، و نسائهم لأن لكل قوم نكاحا و نحو ذلك مع ان التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه.

______________________________

و منها ما ذكره الأستاذ الأعظم، و هو ان المستفاد من الآية و الروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، و من البديهي انه لا أخوة و لا عصمة بيننا و بين المخالفين.

و هذا هو المراد من المطلقات لمناسبة الحكم و الموضوع.

و الظاهر ان الي ذلك نظر المصنف حيث يقول في آخر المبحث.

مع ان التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته.

و فيه: انه و ان ذكر الايمان في صدر الآية الشريفة- و بعبارة اخري: الضمير في قوله (بعضكم بعضا) إنما يرجع الي المؤمنين- الا ان هذه الآية انما نزلت قبل عرض الولاية علي الناس في عام حجة الوداع، و في ذلك الزمان لم يكن يفترق الاسلام عن الايمان بذلك، فليس المراد من الايمان في الآية، الاقرار بالولاية، فالآية ككثير من الأخبار مطلقة.

و دعوي انها تحمل علي غير المخالف لمناسبة الحكم و الموضوع كما تري.

(1) و منها: ما في المتن و هو: انه لا يمكن التمسك بعموم الآية و بعض الروايات لما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم الا في قليل من الأحكام.

و فيه: انه لم يدل دليل علي ان تمام مناط حرمة الغيبة هو الاحترام الا ما في بعض النصوص الآتية الدالة علي عدم حرمة غيبة المعلن بفسقه المتضمن انه لا حرمة له فلا غيبة له، لكنها ضعيفة السند لا يعتمد عليها.

و المراد من عدم جريان أحكام الاسلام ان كان عدم جريان ما لدليله اطلاق

فهو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 13

______________________________

ممنوع و إن كان عدم جريان ما لا إطلاق لدليله فهو مسلم، الا انه لا يفيد كما لا يخفي.

و منها ما ذكره الأستاذ الأعظم و غيره، و هو: ان المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق لبطلان عملهم رأسا، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق، و سيجي ء ان المتجاهر بالفسق تجوز غيبته.

و فيه: أولا: انه سيجي ء عدم شمول المتجاهر بالفسق لمن لا يعلم بأن ما يفعله فسق.

و ثانيا: ان المختار عنده هو عدم جواز غيبة المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به و المطلوب في المقام اثبات جواز غيبتهم مطلقا.

و منها: ما عن الأستاذ الأعظم أيضا، و في كلمات المصنف اشارة اليه انه ثبت في الروايات و الأدعية و الزيارات جواز لعن المخالفين و وجوب البراءة منهم و إكثار السب عليهم و اتهامهم و الوقيعة فيهم أي غيبتهم لانهم من أهل البدع و الريب، بل لا شبهة في كفرهم. و استشهد علي ذلك- أي علي كفرهم- بجملة من الروايات و الأدعية، ثمّ قال: و من البديهي ان جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة.

و لكن الاسلام علي ما يستفاد من الأخبار يطلق علي معان ثلاثة:

أحدها: إظهار الشهادتين.

ثانيها: الايمان بهما.

ثالثها: القول بالولاية.

و يقابل الاسلام الكفر في الثلاثة، و الذي لا كلام فيه هو جواز غيبة الكافر بالمعني المقابل للمسلم بالمعني الأول.

و أما جواز غيبة الكافر بالمعني المقابل للمسلم بالمعني الأخير فهو أول الكلام، فمجرد تضمن النصوص كون المخالف كافرا لا يكفي في الحكم بالجواز، و جواز لعنهم و وجوب البراءة منهم و اكثار السب عليهم أعم من جواز الغيبة.

و دعوي ان جواز الغيبة أهون من هذه الامور كما تري لعدم ثبوت مناط حرمتها.

و النصوص

المتضمنة لجواز الوقيعة انما وردت في أهل البدع و الضلال- أي ائمتهم- كما يظهر لمن راجعها و لا تشمل جميع المخالفين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 14

و كيف كان فلا اشكال في المسألة، بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمة حرمتها، و في حال غير المؤمن في نظر الشارع، ثمّ الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها. (1)

______________________________

و لكن مع ذلك كله جواز غيبة المخالف من المسلمات عند الأصحاب.

و قد ادعي بعضهم قيام السيرة المستمرة علي غيبة المخالفين.

و عن الجواهر: ان جواز ذلك من الضروريات.

و يمكن أن يستشهد له: بأن المستفاد من الأخبار المفسرة للغيبة دخل عنوان الاخوة في صدقها، و من طبيعة الاخوة أن يكون بينهم تحابب و توادد، فجعل الشارع المؤمن أخا للمؤمن، مرجعه الي جعله محبا و صديقا له، فهي تتحقق فيمن لم يأمر الشارع الأقدس بالاجتناب و التبرئ عنه و بعدم اتخاذه وليا و محبا، بل و اتخاذه عدوا له، فالاخوة منحصرة بالمؤمنين بالمعني الأخص، إذ الشارع أمر بالتبرّي عن المخالفين و التقية منهم في الدين حفظا للدماء، و مرجع ذلك الي الأمر بأخذهم اعداء لأنفسهم و اعراضهم و جواز لعنهم. و علي ذلك فلا تحرم غيبة المخالف لعدم صدق الغيبة عليها موضوعا فإخراجهم انما يكون موضوعيا، و لا بأس بجعل بعض ما تقدم مؤيدا للجواز الموجب ذلك الاطمئنان بالحكم بضميمة ما ذكرناه.

حكم غيبة الصبي

(1) قال المصنف قدس سره: ثمّ الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

الأول: في الصبي و المجنون المميزين.

الثاني: في الصبيان و المجانين، غير المميزين.

أما المورد الأول: فلا ريب في صدق المؤمن عليهما حقيقة إذا اقرا بما يعتبر فيه بناء

علي قبول إسلامهما كما حققناه في محله أو حكما و تنزيلا، و به تتحقق الاخوة بينهما و بين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 15

لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة علي حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم (1) مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالي (و إن تخالطوهم فإخوانكم في الدين) مضافا الي امكان الاستدلال بالآية (2) و إن كان الخطاب للمكلفين بناء علي عد اطفالهم منهم تغليبا (3) و إمكان دعوي صدق المؤمن عليه مطلقا، أو في الجملة و لعله لما ذكرنا صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير و الكبير.

و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا، و منه يظهر حكم المجنون الا انه صرح بعض الأساطين باستثناء من لا عقل له و لا تمييز معللا بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة، و لعله من جهة ان الاطلاقات منصرفة الي من يتأثر لو سمع، و سيتضح ذلك زيادة علي ذلك.

______________________________

سائر المؤمنين، و لأجل ذلك أطلق الاخوة علي الصبيان في الآية الشريفة (و إن تخالطوهم فإخوانكم «1».

كما لا ريب في أن بعض الأمور يعد صدوره من الصبيان عيبا فيهم، و علي ذلك فتصدق الغيبة علي كشف أمر منهم قد ستره الله و يكون عيبا فيهم، فيشملها اطلاق جملة من النصوص الدالة علي حرمة اغتياب المؤمن.

(1) و علي ذلك فيتم الوجه الذي ذكره المصنف قدس سره بقوله لعموم بعض الروايات.

و قد استدل في المكاسب لذلك بوجهين آخرين:

(2) الاول: قوله تعالي (أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا … الخ) «2» بناء علي صدق الأخ علي الصبي، فانه يدل علي ان تمام الموضوع لحرمة الغيبة ذكر الأخ في غيابه بما يسوؤه، فمقتضي عمومه حرمة غيبة

الصبي و إن لم يشمل صدر الآية الشريفة له.

(3) الثاني: عموم صدر الآية الشريفة أيضا، فان أطفال المؤمنين منهم اما تغليبا أو حقيقة كما مر فيشملهم البعض الثاني الذي يكون المراد به المغتاب بالفتح و إن لم يشملهم البعض الأول لحديث رفع القلم.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية 221.

(2) الحجرات، آية 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 16

بقي الكلام في أمور: الأول الغيبة اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب، ففي المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق و الاسم الغيبة. (1)

______________________________

و فيه: ان الظاهر وحدة المراد من البعض في الموردين، فمع فرض عدم شمول البعض الأول لا يشملهم البعض الثاني.

و أما المورد الثاني: فالظاهر عدم صدق الغيبة علي اغتيابهم و ذلك لوجهين.

الأول: عدم كون صدور شي ء منهم عيبا حتي يكون ذكره كشفا لما ستره الله تعالي.

الثاني: عدم تأثرهم لو سمعوا، و قد أخذ في حقيقة الغيبة الكراهة كما في النصوص و كلمات اللغويين، و بذلك ظهرت المسامحة في عبارة الكتاب حيث قال: من جهة أن الاطلاقات منصرفة الي من يتأثر لو سمع، كما انه ظهر عدم تمامية ما عن كشف الريبة من عدم الفرق بين الصغير و الكبير الظاهر في الشمول لغير المميز أيضا.

و المصنف قدس سره ذكر في صدر المبحث: ان الغيبة حرام بالأدلة الأربعة، ثمّ ذكر من الكتاب آيات و من السنة روايات و لم يذكر من العقل و الاجماع شيئا.

و الحق أن يقال إنه إن انطبق الظلم علي الغيبة في مورد فلا كلام في قبحه، و إلا لا يكون العقل مستقلا بقبحه. و بالجملة مجرد كشف أمر ستره الله ليس من القبائح العقلية.

و دعوي ملازمة ذلك لعنوان الظلم، كما تري.

و أما

الاجماع فلا اشكال في قيامه علي الحرمة، بل هي من ضروريات الدين.

بيان معني الغيبة

و ينبغي التنبيه علي أمور:

(1) الاول في بيان معني الغيبة و قد اختلفت كلمات اللغويين و الفقهاء في مفهوم الغيبة موضوعا، و لا يستفاد جميع ما قيل باعتباره من القيود من الأخبار، فلا بد من البحث في كل واحد من تلك القيود مستقلا حتي يتضح الأمر بذلك، فإن أمكن تحديدها بنحو يكون جامعا و مانعا فهو، و الا فيقتصر في الحكم بالتحريم علي المتيقن، و يرجع فيما زاد الي أصالة البراءة، و ستعرف في آخر هذا المبحث ما هو الحق عندي في بيان الضابط فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 17

و عن القاموس غابه، عابه و ذكره بما فيه من السوء، و عن النهاية أن يذكر الانسان في غيبته بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب، ان المراد ذكره في مقام الانتقاص (1) و المراد بالموصول هو نفس النقص الذي فيه.

______________________________

فأقول و منه التوفيق: ان جميع ما قيل و يمكن أن يقال باعتباره فيها امور:

الأول: كون المغتاب بالفتح أخا في الدين، و تدل علي اعتباره جملة من النصوص:

كحسن عبد الرحمن بن سيابة عن مولانا الصادق عليه السلام: ان الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه، و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا، و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه «1».

و حسن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام عن الغيبة قال: هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد «2» و نحوهما غيرهما.

و قد مر آنفا

في غيبة المخالف: ان الاخوة منحصرة بالمؤمنين بالمعني الأخص.

(1) الثاني: قصد الانتقاص، فقد نسب الشهيد قدس سره اعتباره في صدق الغيبة الي المشهور.

و الأظهر عدم اعتباره و ذلك، لأن الأخبار الواردة في تحديد موضوع الغيبة غير متعرضة لاعتباره، و كلمات اللغويين خالية عنه، و صدق عنوان العيب و ما ستره اللّٰه لا يتوقف علي قصد الانتقاص: لعدم كونه من الأمور القصدية و عليه فلا مقيد لإطلاق الأدلة.

و استدل لاعتباره تارة: بأن الغالب كون المغتابين في مقام التنقيص، و هذا بنفسه بمنزلة التقييد، فيكون الاطلاق واردا مورد الغالب.

و أخري: بأن مناسبة الحكم و الموضوع تقضي باعتباره.

و ثالثة: بأن ذلك يستفاد من تنزيل المغتاب منزلة آكل لحم الأخ ميتا، فلو لم يكن في مقام التنقيص لا يكون وجه لهذا التنظير.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 18

و الظاهر من الكراهة في عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا، فالمراد اما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده كالميل الي القبائح، و أما كراهة ذكره بذلك العيب (1) و علي هذا التعريف دلت جملة من الأخبار مثل قوله عليه السلام و قد سأله أبو ذر عن الغيبة انها ذكرك أخاك بما يكرهه، و في نبوي آخر قال صلي الله عليه و آله:

أ تدرون «أ تدري» ما الغيبة قالوا «قال» الله و رسوله أعلم قال: ذكرك «ذكركم»

أخاك «أخاكم» بما يكرهه، و لذا قال في جامع المقاصد ان حد الغيبة علي ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه، «لو سمعه» مما هو فيه.

______________________________

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأن غلبة الوجود لا توجب الانصراف الموجب لتقييد

اطلاق الادلة.

و أما الثاني: فلأن مناسبة الحكم و الموضوع تقضي باعتبار كون المذكور عيبا لا كون الذاكر في مقام التنقيص.

و أما الثالث: فلأنه مع فرض كون المذكور عيبا يكون التنظير في محله و إن لم يكن الذاكر في مقام التنقيص لأنه ينتقص عرض المؤمن بذلك كانتقاص اللحم بالأكل، مع انه لو تم شي ء من هذه الوجوه لكان ذلك قيدا للحكم لا للموضوع، فالأظهر عدم اعتباره.

(1) الثالث: ان يكون المذكور مما يسوئه المغتاب بالفتح و يكرهه فلو كان مما لا يسوؤه لم يكن ذلك من الغيبة.

و يشهد لاعتباره- مضافا الي تصريح اللغويين به و ذكره في النبويين المذكورين في المكاسب «1» - تلازم كون المذكور عيبا و نقصا في المقول فيه مع كراهة وجوده، إذ الطباع السليمة تكره العيوب و الصفات الذميمة و الأفعال القبيحة، و هي من حيث هي مكروهة للطباع السليمة.

و قد وقع الخلاف في ان متعلق الكراهة هل هو علم الناس باتصافه بتلك الصفة و إن لم يكن كارها لوجودها، أو ان متعلقها نفس وجود تلك الصفة فيه، و حيث ان الظاهر تلازم الكراهتين، إذ لم يذكر لمورد كراهة الذكر مع عدم كراهة المذكور إلا ذكره بارتكاب

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9 و كشف الريبة، ص 52.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 19

و المراد بما يكرهه كما تقدم في عبارة المصنف ما يكره ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام أم لا كالميل الي القبائح، و يحتمل أن يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر الشخص به (1) و يكون كراهته. اما لكونه إظهارا للعيب و أما لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم يكن العيب

مما يكره اظهاره لكونه ظاهرا بنفسه. و أما لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به كالألقاب المشعرة بالذم.

قال في الصحاح: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور، بما يغمه لو سمعه، و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه، بل في كلام بعض من قارب عصرنا ان الإجماع و الأخبار متطابقان علي ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه سواء كان بنقص في نفسه أو بدنه او دينه أو دنياه أو فيما يتعلق به من الأشياء و ظاهره أيضا ارادة الكلام المكروه.

______________________________

المعصية التي صدرت عنه اختيارا عن ميل و رغبة، بدعوي ان المفروض انه كاره لظهورها و راغب الي نفس وجودها، و هو غير تام، إذ المؤمن بما هو مؤمن لا يعقل رغبته الي المعصية، لأن ايمانه بنفسه من الموانع و موجب لكراهته. و بعبارة اخري: المؤمن بما ان له قوة عاقلة دراكة يكره وجود المعصية من حيث هي، و يكون ميله اليها لأمر خارجي عارضي كغلبة الهوي و الشهوة فلا فائدة مترتبة علي النزاع في ان المراد كراهة الذكر او المذكور.

فإن قيل: ان هناك احتمالا آخر ذكره المصنف قدس سره:

(1) بقوله و يحتمل ان يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر … الخ.

و هو أن يكون المراد كراهة الذكر، لكن لا بما انه اظهار للعيب من جهة كونه ظاهرا بنفسه، بل لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف او لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به.

يتوجه عليه ان هذا الاحتمال ضعيف جدا، إذ لو فرضنا كون المذكور غير عيب، أو كان عيبا و لكن لظهوره بنفسه لا يكره الانسان اظهاره من حيث انه اظهار للعيب لا تصدق الغيبة

علي ذكره به لعدم كونه سوء او لعدم كونه مما ستره الله، و مع كونه عيبا مخفيا لا محالة يكره اظهاره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 20

و قال الشهيد الثاني في كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره نسبته اليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم، و يخرج علي هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع انه داخل في التعريف عند الشهيد قدس سره ايضا حيث عد من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها كالأعمش و الأعور و نحوهما. و كذلك ذكر عيوب الجارية التي يراد شراؤها اذا لم يقصد من ذكرها الا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات و دعوي ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا، و الأولي بملاحظة ما تقدم من الأخبار و كلمات الأصحاب بناء علي ارجاع الكراهة الي الكلام المذكور به لا إلي الوصف ما تقدم من ان الغيبة ان يذكر الإنسان بكلام يسوؤه به. اما بإظهار عيبه المستور، و إن لم يقصد انتقاصه، و أما بانتقاصه بعيب غير مستور، اما بقصد المتكلم او بكون الكلام بنفسه منقصا له كما اذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم، نعم لو ارجعت الكراهة الي الوصف الذي يسند الي الإنسان تعين ارادة كراهة ظهورها فيختص بالقسم الأول، و هو ما كان اظهارا لأمر مستور و يؤيد هذا الاحتمال بل يعينه الأخبار المستفيضة الدالة علي اعتبار كون المقول مستورا

______________________________

ثمّ الظاهر من النبوي و كلمات اللغويين اعتبار كراهة المذكور، إذ الظاهر من الموصول لا سيما بعد

ما عرفت من ان الطباع السليمة تكره العيوب، و ملاحظة ما في المصباح حيث جعل من العيوب بيانا للموصول، ارادة العيب لا الكلام، فظاهر الضمير في يكرهه الرجوع الي العيب نفسه، الا ان الظاهر من ما قيل انه تطابق الإجماع و الأخبار علي ان الغيبة هي ذكر الغير بما يكره لو سمعه، ان المراد بالموصول هو الكلام كما لا يخفي.

الرابع: أن يكون المذكور من الأوصاف الذميمة او الأفعال القبيحة، فلو ذكر الإنسان بما يوجب تعظيمه بين الناس بالأوصاف الحميدة أو الأفعال المستحبة كقضاء حاجة المؤمن و المواظبة علي النوافل و نحو ذلك، أو ذكره بالأوصاف العادية غير الموجبة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 21

غير منكشف مثل قوله عليه السلام فيما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: الغيبة ان تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه.

و رواية داود بن سرحان المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد. و رواية أبان عن رجل لا يعلمه الا يحيي الأزرق، قال:

قال لي أبو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس فقد اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته. و حسنة عبد الرحمن بن سيابة بابن هاشم، قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه.

و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا، و البهتان أن يقول فيه

ما ليس فيه، و هذه الأخبار كما تري صريحة في اعتبار كون الشي ء غير منكشف (1) و يؤيد ذلك ما في الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة، و إن كان كذبا سمي بهتانا فإن اراد من المستور من حيث ذلك المقول و أفق الأخبار و إن اراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة.

______________________________

للمدح أو الذم و لو بالاستلزام أو الأفعال المباحة لم يكن ذلك من الغيبة، و إن كره ذكره بذلك.

و اعتبار هذا القيد لعله اتفاقي، و يستفاد من الخبرين المتقدمين في الأمر الأول من الأمور المعتبرة في صدق الغيبة إذ الأمور الموجبة للتعظيم و الأمور العادية ليست مما ستره الله تعالي، و لا يوجب ذكرها نقصا فيه و افتضاحه.

(1) الخامس: أن يكون المقول مستورا غيرا ظاهر، و يشهد لاعتباره: النصوص التي ذكرها الماتن في المتن، و هي ما رواه العياشي عن ابن سنان «1» و حسن داود بن سرحان «2» و خبر أبان «3» و حسن عبد الله بن سيابة «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 22.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 22

و الملخص من مجموع ما ورد في المقام ان الشي ء المقول إن لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ غيبة و إن اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه نظير ما اذا نفي عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا في حقه إلا انه معتقد باجتهاد نفسه، نعم قد يحرم

هذا من وجه آخر و إن كان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس و اراد القائل تنقيص المغتاب به فهو المتيقن من أفراد الغيبة، و إن لم يرد القائل التنقيص. فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر من مشي في غيبة أخيه و كشف عورته. الخ.

و في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له عورة المؤمن علي المؤمن حرام، قال: نعم. قلت: تعني سفلتيه، قال: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره «1».

و في رواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن عليه السلام: و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروته فتكون من الذين قال الله عز و جل: (إن الذين يحبون أن تتشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) «2» و لا يقيد اطلاق النهي بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة، بل الظاهر ان المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها مع انه لا فائدة كثيرة في التنبيه علي دخول القاصد لاشاعة

______________________________

ثمّ العيب ان كان ظاهرا للمخاطب نفسه لا إشكال في جواز ذكره و عدم كونه غيبة لعدم كونه اظهار ما ستره الله، فما عن بعض الأكابر من الترديد فيه في غير محله.

و إن لم يكن ظاهرا له و لكن كان ظاهرا للناس، فيستفاد عدم كونه غيبة حينئذ من خبر الأزرق المتقدم كما هو واضح.

و دعوي ان المراد بالناس في قوله عليه السلام مما عرفه الناس هو خصوص المخاطب.

خلاف الظاهر.

و إن لم يكن العيب ظاهرا بالفعل لا للمخاطب و لا للناس. و لكن له ظهورا شأنيا، بمعني

انه يكون العيب من شأنه الظهور بأدني ممارسة، فالظاهر عدم صدق الغيبة علي ذكره أيضا، و ذلك لقوله عليه السلام في حسن ابن سيابة المتقدم و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا فإن التمثيل للأمر الظاهر بالحدة و العجلة كالصريح في ارادة ما يعم الظهور الشأني.

______________________________

(1) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 23

الفاحشة في عموم الآية.

و إنما يحسن التنبيه علي ان قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم يقصده بعنوانه، و كيف كان فلا اشكال من حيث النقل و العقل في حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعين الناس في الجملة. و انما الكلام في انها غيبة أم لا، مقتضي الأخبار المتقدمة بأسرها ذلك خصوصا المستفيضة الأخيرة، فان التفصيل فيها بين الظاهر و الخفي انما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص. و أما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة و المنفي في تلك الأخبار، و إن كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة الا ان ظاهر سياقها نفي الحرمة فيما عداها أيضا لكن مقتضي ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص و الذم الا ان يراد اعتبار ذلك فيما يقع علي وجهين: دون ما لا يقع الا علي وجه واحد، فان قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له و إن كان المقول نقصا ظاهرا للسامع فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظير الألقاب المشعرة به.

فالظاهر انه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه لا من حيث الاظهار و

لا من حيث ذم المتكلم و لا من حيث الاشعار و إن كان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتكلم التعيير و المذمة بوجوده فلا اشكال في حرمة الثاني بل و كذا الأول لعموم ما دل علي حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالألقاب و حرمة تعيير المؤمن علي صدور معصية منه فضلا عن غيرها ففي عدّة من الأخبار من عيّر مؤمناً علي معصية لم يمت حتي يرتكبه. و انما الكلام في كونهما من الغيبة، فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها. و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء علي ارجاع الكراهة فيها الي كراهة الكلام الذي يذكر به الغير، و كذلك كلام أهل اللغة عدا الصحاح علي بعض احتمالاته كونهما غيبة و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة، و إن كان ظاهر الأكثر خلافه فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الذي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر، ليس غيبة فلا يحرم الا اذا ثبت الحرمة من حيث المذمة و التعيير أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب و لو باعتبار بعض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 24

التعبيرات فيحرم من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

ثمّ الظاهر المصرح به في بعض الروايات عدم الفرق في ذلك علي ما صرح به غير واحد بين ما كان نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه او دنياه حتي في ثوبه او داره او دابته او غير ذلك. (1) و قد روي عن مولانا الصادق عليه السلام (2) الاشارة الي ذلك بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في

الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه. قيل: أما البدن فكذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه. و النسب بأن يقول ابوه فاسق او خبيث او خسيس او اسكاف او حائك او نحو ذلك مما يكره. و أما الخلق بأن يقول انه سيئ الخلق بخيل «محيل» مراء متكبر شديد الغضب، جبان ضعيف القلب و نحو ذلك. و أما في افعاله المتعلقة بالدين فكقولك سارق كذاب، شارب، خائن ظالم متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع و السجود و لا يجتنب من النجاسات ليس بارا بوالديه لا يحرس نفسه من الغيبة و التعرض لأعراض الناس. و أما أفعاله المتعلقة بالدنيا فكقولك قليل الأدب متهاون بالناس لا يري لأحد عليه حقا كثير الكلام كثير الأكل نئوم «و النوم» يجلس في غير موضعه. و أما في ثوبه فكقولك انه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب و نحو ذلك.

______________________________

(1) لا فرق في ما يوجب نقصا في المقول فيه بين أن يوجب نقصا في دينه، او بدنه، او نسبه، او خلقه، او فعله، او قوله، او عشيرته، او ثوبه، او داره، او دابته، او غير ذلك مما يوجب نقصا فيه كما صرح به غير واحد.

(2) و يشهد له- مضافا الي الخبر المروي عن الامام الصادق عليه السلام المشار اليه في المتن: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و اشباهه.

الحديث «1» - اطلاق حسن بن سيابة المتقدم.

و استدل لاعتبار كونه نقصا دينيا بقوله عليه السلام في خبر ابن سرحان المتقدم: ان

تقول لأخيك في دينه.

______________________________

(1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 19.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 25

ثمّ ان ظاهر النص و إن كان منصرفا إلي الذكر باللسان لكن المراد به حقيقة الذكر (1) فهو مقابل الاغفال فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له و من ذلك المبالغة في تهجين المطلب الذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف فان قولك ان هذا المطلب بديهي البطلان لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل الي الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهي البطلان، و لعل الملازمة نظرية و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة الي بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده علي غيره و الاستيكال بالعلم.

______________________________

و فيه: ان في دينه يمكن أن يكون صفة لاخيك أي الأخ الذي كانت اخوته بسبب دينه، و قوله ما لم يفعل حينئذ يحتمل أن يراد به ما لم يفعل العيب الذي لم يكن باختياره و فعله الله فيه كالعيوب البدنية، و علي ذلك فهو أيضا يدل علي المختار.

السادس: قد يقال باعتبار كون اظهار ما ستره الله بالقول فلا تتحقق الغيبة بالاشارة و الكتابة و الفعل.

و اختار جمع من المحققين عدم اعتبار ذلك و ان الغيبة تتحقق بكل ما يوجب التذكر من القول و الفعل و الاشارة و غيرها.

(1) و إلي ذلك اشار المصنف حيث قال لكن المراد به حقيقة الذكر.

و استدل للأول بالنصوص المتقدمة المتضمنة لخصوص القول.

و فيه: مضافا الي ان الاشارة المفهمة للمقصود عند العرف قول تنزيلا يرتبون عليها ما يرتب علي القول،

و الكتابة قول، فقد قيل إن القلم أحد اللسانين. و إلي ان المذكور في خبر الأزرق هو الذكر، لا القول، و هو يشمل جميع المذكورات. فان المراد بالذكر هو الذي يوجب تذكر المخاطب و انتقاله الي المقصود و المراد، و إلي النبوي «1» المشهور في قصة عائشة، انه من البديهي عدم دخل القول بما هو قول غير الشامل للمذكورات في هذا الحكم

______________________________

(1) اخرجه الخرائطي و ابن مردويه و البيهقي كما في محكي الدر المنثور، ج 6، ص 94.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 26

ثمّ إن دواعي الغيبة كثيرة:

روي عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها إجمالا بقوله عليه السلام: أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ، و مساعدة قوم، و تصديق خبر بلا كشف، و تهمة، و سوء ظن، و حسد، و سخرية، و تعجيب، و تبرم، و تزين، الخبر.

ثمّ ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفي علي النفس لحب او بعض فيري انه لم يغتب و قد وقع في أعظمها و من ذلك ان الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به اخوه في الدين لأجل أمر يرجع الي نقص في فعله او رأيه فيذكره المغتم في مقام التأسف عليه بما يكره ظهوره للغير مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير علي وجه لا يذكر اسمه ليكون قد أحرز ثواب الاغتمام علي ما أصاب المؤمن لكن الشيطان يخدعه و يوقعه في ذكر الاسم.

بقي الكلام في انه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب أو يكفي ذكره عند نفسه (1) ظاهر الأكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين، نعم ربما يستثني من حكمها عند من استثني ما لو علم اثنان صفة شخص فيذكر

أحدهما بحضرة الآخر. و أما علي ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة الي ما دل عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك في الغيبة.

______________________________

بل ذكره انما هو من باب المثال، و إلا فالميزان هو اظهار ما ستره الله الصادق علي جميع المذكورات.

فالأظهر هو القول الثاني.

(1) السابع: أن يكون مخاطب حاضرا عند المغتاب، إذ مع عدم حضوره لا يصدق علي حديث النفس بالعيب انه اظهار لما ستره الله.

و يؤيده أن المستفاد من الأخبار و الآية الشريفة هو كون ذكر العيب كشفا لعورة الأخ المؤمن، و موجبا لانتقاص عرض المغتاب بالفتح، و مع عدم حضور المخاطب، لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 27

______________________________

يكون الذكر هتكا و كشفا للعورة.

و لو كان المتكلم بذكر عيب أخيه المؤمن في مقام حديث النفس غير قاصد لافهام السامع و لكن الغير كان يسمع ما يقوله، فهل هو غيبة أم لا؟ وجهان:

الظاهر صدق الغيبة عليه، لأنه إظهار لما ستره الله تعالي، و لا يعتبر في صدقها قصد إفهام السامع. نعم اذا كان غير ملتفت الي سماع الغير لا تكون هذه الغيبة محرمة لفرض الغفلة عن كون ما يتكلم به غيبة كما لا يخفي.

الثامن: قد يتوهم اعتبار عدم حضور المغتاب بالفتح في صدق الغيبة.

و استدل له: بالتشبيه في الآية الشريفة، حيث انه شبه المغتاب بالفتح بالميتة، و هو انما يكون بلحاظ عدم شعوره بما قيل فيه.

و بأنه مقتضي تعريف المشهور إياها: بأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه لو سمعه.

و بخبر الأزرق المتقدم: و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه.

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأنه يمكن أن يكون تشبيه المغتاب (بالكسر) بآكل الميتة من جهة

أنه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض النصوص، أو لتشبيهه بالسباع و الكلاب كما في بعضها الآخر.

و أما الثاني: فلأن تعريف المشهور بعد ما ظهر عدم كونه جامعا و مانعا لا يصح الاستناد اليه.

و أما الثالث: فلأنه لا مفهوم له، فإنه في مقام بيان أن هذا من الغيبة لا ان الغيبة منحصرة بذلك كما لا يخفي علي من تدبر فيه، فالأظهر عدم اعتباره لإطلاق النصوص المتقدمة، اللهم إلا أن يقال ان اعتبار عدم حضور المغتاب مأخوذ في مفهوم الغيبة بحسب المتفاهم العرفي و لا يبعد ذلك، فإن تم ذلك، او صار سببا للشك في صدقها مع حضوره لا مناص عن البناء علي عدم الحرمة مع حضور المغتاب كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 28

و منه يظهر أيضا انه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب (1) مرددا بين أشخاص غير محصورة كما اذا قال جاءني اليوم رجل بخيل دني ذميم. فان ظاهر تعريف الأكثر دخوله و إن خرج عن الحكم بناء علي اعتبار التأثير عند السامع. و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة و التعبير حرم من هذه الجهة فيجب علي السامع نهي المتكلم عنه الا اذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم علي الصحة كما سيجي ء في مسألة الاستماع. و الظاهر ان الذم و التعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم و التعيير في موقعهما بأن كان مستحقا لهما، و ان لم يستحق مواجهته بالذم او ذكره عند غيره بالذم.

هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها علي الإطلاق. أما لو كان مرددا بين أشخاص فإن كان بحيث لا يكره كلهم

ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه علي الإطلاق (2) كما لو قال جاءني عجمي او عربي كذا و كذا، إذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا الي العنوان كأن يكون في المثالين تعريض الي ذم تمام العجم أو العرب

______________________________

(1) التاسع: كون المغتاب (بالفتح) معلوما بالتفصيل عند المخاطب، و إلا فلا يكون ذكره غيبة لعدم كونه اظهارا لما ستره الله تعالي.

توضيح ذلك: انه تارة يكون المغتاب بالفتح معلوما تفصيلا للمخاطب، و اخري:

يكون مجهولا عند المخاطب مرددا بين أشخاص غير محصورين، و ثالثة: يكون مرددا بين أشخاص محصورة.

أما في الصورة الأولي: فلا اشكال في صدق الغيبة.

و أما في الصورة الثانية: فلا ينبغي التوقف في عدم صدق الغيبة علي ذكره بالسوء لعدم كونه اظهارا لما ستره الله. و بعبارة اخري: لأجل عدم انتقال المخاطب الي الشخص المذكور يكون هو بحكم الغائب الذي عرفت عدم صدق الغيبة معه.

و كذلك في الصورة الثالثة اذا لم يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم لما تقدم من اعتبار كراهة المغتاب.

(2) و إلي ذلك نظر المصنف حيث كان كالمشتبه علي الإطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 29

و إن كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم (1) كأن يقول أحد ابني زيدا و أحد اخويه كذا و كذا. ففي كونه اغتيابا لكل منهما لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب و عدمه لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا، و إن كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة الي المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما و اسائة بالنسبة الي غيره لأنه تهتك بالنسبة اليه

لأنه اظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب، فيكون الاطلاع عليه قريبا. و أما الآخر فقد اساء بالنسبة اليه حيث عرضه لاحتمال العيب، وجوه قال في جامع المقاصد و يوجد في كلام بعض الفضلاء (الفقهاء) ان من شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبة لم يحتسب غيبة، انتهي.

______________________________

(1) و أما لو كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم ففيها وجوه:

الأول: كونه اغتيابا لكل واحد من أطراف الشبهة لذكره بما يكرهه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب.

الثاني: كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهم لأنه اظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب.

الثالث: عدم كونه اغتيابا أصلا.

و أظهرها الأخير، و ذلك:

لأنه يرد علي الأول: ان الغيبة ذكر عيب الأخ لا ذكر مطلق ما يكرهه، و ما ذكره ليس ذكر عيب كل واحد منهم كما هو واضح.

و يرد علي الثاني: ان مجرد ذكر الأخ لا يكون مشمولا للأدلة إن كان غير معلوم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 30

أقول: ان اراد أن ذم جمع غير محصور لا يعد غيبة و إن قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال أهل هذه القرية أو هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال في كونها غيبة محرمة و لا وجه لاخراجه عن موضوعها أو حكمها و إن أراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا يعد غيبة فلا بأس كما ذكرنا و لذا ذكر بعض تبعا لبعض الأساطين في مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قرية مع قيام القرينة علي عدم ارادة الجميع كذم العرب

أو العجم أو أهل الكوفة أو البصرة و بعض القري، انتهي و لو اراد الأغلب ففي كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه ما تقدم في المحصور. و بالجملة فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة و بينهما عموم من وجه.

______________________________

يصدق بالنسبة الي المقول فيه المجهول.

و إن شئت قلت: ان مجرد القول في الأخ بما ستره الله و إن لم يوجب ذلك اظهارا له لا يكون غيبة لما عرفت من أن القول في النصوص انما أخذ في الموضوع من جهة كونه من مصاديق الإظهار، فيتعين الوجه الثالث.

هذا فيما إذا كان المذكور نقصا لفرد مردد بين أشخاص، و أما لو كان نقصا للعنوان الكلي، فلا اشكال في صدق الغيبة لكونه اظهارا لما ستره الله بالنسبة الي كل فرد من ذلك النوع إلا اذا اريد به الأغلب أو جمع من أفراد ذلك، فإنه حينئذ بحكم ما إذا كان نقصا للفرد المردد، و علي هذا يحمل ما ورد عن بعض سادات المؤمنين من ذكر أهل بلد بالسوء. فتدبر، فإنه يمكن أن يقال بوجود جهة اخري في تلك الموارد موجبة لعدم كونه غيبة و إن أراد كلهم، و هو كون المذكور أمرا ظاهرا.

فتحصل مما ذكرناه: ان أحسن تعريف للغيبة أن يقال: إن الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله من العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 31

الثاني: في كفارة الغيبة الماحية لها. (1)

______________________________

كفارة الغيبة

(1) قوله الثاني: في كفارة الغيبة الماحية لها.

الأقوال و الوجوه في كفارة الغيبة متعددة:

منها: الاستحلال من المغتاب.

و منها: الاستغفار له.

و منها: كلا الأمرين معا.

و منها أحدهما علي التخيير.

و منها: التفصيل بين وصول الغيبة الي المغتاب فالاستحلال، و بين عدم وصولها اليه فالاستغفار له.

و منها: التفصيل بين

إمكان الاستحلال فيجب الاستحلال منه، و بين عدم إمكانه فيجب الاستغفار له.

و منها: انه لا كفارة لها، بل الواجب علي المغتاب بالكسر الاستغفار من ذنوبه لنفسه و التوبة منها.

و قبل البحث في الأدلة التي اقيمت علي هذه الوجوه لا بد من البحث فيما يقتضيه الأصل العملي لو شك في وجوب شي ء.

فأقول: إن أصالة البراءة تقضي بعدم وجوب شي ء من الاستحلال و الاستغفار، و لكن قد يقال بأن الأصل في المسألة مع ذلك هو الاحتياط.

و استدل له بوجهين:

الأول: ما في المكاسب قال: في اواخر البحث و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) علي المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة.

و فيه: انه إن أريد بالحق الثابت هو حق عدم الاغتياب فيرد عليه: انه بالغيبة فات فلا معني لبقائه، و إن أريد به الحق الثابت بعد الغيبة فهو غير معلوم الحدوث، و استصحاب بقاء جنس الحق يتوقف علي القول بجريانه في الكلي في القسم الثالث و لا نقول به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 32

و مقتضي كونها من حقوق الناس توقف رفعها الي إسقاط صاحبها. اما كونها من حقوق الناس فلأنه ظلم علي المغتاب و للأخبار في ان من حق المؤمن علي المؤمن ان لا يغتابه (1) و ان حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله (2) و أما توقف رفعها علي ابراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل منها ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها و منها ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل الي علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: للمؤمن علي أخيه ثلاثون

حقا لا براءة له منها إلا بأدائها

______________________________

الثاني: ما أفاده المحقق الإيرواني قدس سره و هو: ان العقاب اذا ثبت اوجب العقل تحصيل القطع بالبراءة منه، فيجب اتيان كل ما يحتمل دخله في رفع العقاب من الاستحلال و غيره، فالأصل في المسألة هو الاحتياط، و إن كان الشك فيها في التكليف دون البراءة.

و فيه: انه لو شك في دخل شي ء في رفع العقاب غير التوبة، يكون المرجع هو ما دل علي ان التوبة توجب محو الذنوب، و إن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، من الآيات و الروايات المتواترة.

فتحصل: ان الأقوي هو الاكتفاء بالتوبة مع عدم الدليل علي لزوم الاستحلال و الاستغفار له.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل للقول الأول في المتن بما حاصله ان من حقوق الناس ان لا يغتابه.

و استند في ذلك الي طائفتين من الأخبار:

(1) إحداهما قال من حق المؤمن علي المؤمن ان لا يغتابه.

مثل ما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله للمؤمن علي المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عز و جل الي ان قال: و ان يحرم غيبته «1».

و ما ورد عن الامام الرضا عليه السلام من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره الي ان قال: و لا يغتابه «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13.

(2) المستدرك، باب 105، من أبواب أحكام العشرة، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 33

او العفو الي أن قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: ان أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة و يقضي له عليه و النبوي المحكي في السرائر، و كشف الريبة من كانت لأخيه عنده مظلمة في

عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار فيؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيتزايد علي سيئاته. و في نبوي آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة الا ان يغفر له صاحبه.

و في الدعاء التاسع و الثلاثون من أدعية الصحيفة السجادية و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل علي هذا المعني أيضا.

______________________________

ثانيتهما ما دل علي أن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه. الظاهر ان نظره الشريف ليس ورود هذه الجملة في النصوص كي يورد عليه بأنا لم نقف علي خبر يصرح بذلك.

بل إلي أن ذلك يستفاد من النصوص.

فلاحظ ما تضمن المؤمن حرام كله عرضه و ماله و دمه «1».

و ما ورد سباب المؤمن فسوق الي ان قال و حرمة ماله كحرمة دمه «2».

فاذا ثبت ذلك فيشهد النصوص بتوقف رفعها علي ابراء ذي الحق.

لاحظ النبوي المتقدم ان الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها.

و النبوي الذي حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي «3».

و النبوي المحكي في السرائر «4». و النبوي الثالث «5».

و الدعاء التاسع و الثلاثين من أدعية الصحيفة السجادية.

و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها المذكورة كلها في المتن.

ثمّ ان جماعة استدلوا لهذا القول بهذه النصوص بلا احتياج الي ضم الأمر الأول و كيف كان فالاستدلال بهذه النصوص و الأدعية غير تام.

______________________________

(1) المستدرك، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 158، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24.

(4) السرائر، ج 2، ص 69.

(5) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 34.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 34

______________________________

أما النصوص: فضعيفة السند.

أما الأول: فلأن في طريقه ابن ميمون و رجاء و غيرهما.

و أما الثاني: فلأنه مرسل.

و أما الثالث: فلأن في طريقه الحسين بن محمد بن علي الصير في البغدادي.

و أما الرابع و الخامس و السادس: فللإرسال.

و دعوي انها مستفيضة و بعدها لا محل للمناقشة في السند.

مندفعة بأن الخبر المستفيض غير المتواتر، و الثاني حجة دون الأول.

و أضف الي ذلك عدم دلالة غير الأولين و الرابع علي هذا القول.

أما الثالث: فلاشتماله علي حقوق لا قائل بوجوب البراءة منها بالاستحلال من ذي الحق كعيادة المريض و قضاء الحاجة و غيرهما. و عليه فمعني القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما أفاده المصنف قدس سره.

و أما الخامس: فلأنه بناء علي ما هو الظاهر من مغايرة القبول للأجزاء لا يدل علي بقاء أثر الحرمة ما لم يغفر له صاحبه، و يؤيده ما فيه من التحديد بأربعين يوما و ليلة، إذ علي فرض وجوب الاستحلال لا وجه لهذا التحديد.

و أما الدعاءان: فمضافا الي ان الثاني من أدعية ملحقات الصحيفة و هي بنفسها و إن وصلت الينا بسند معتبر إلا أن ملحقاتها ليست كذلك انهما لا يدلان علي ذلك.

أما الدعاء الأول: فهو متضمن لجملتين: إحداهما: تتضمن طلب العفو و الرحمة علي الظالمين له و المنهمكين لحرماته، ثانيتهما: تتضمن طلب الإرضاء و ايفاء الحق من الله تعالي لمن له مظلمة عليه، و شي ء منهما لا صلة له بهذا القول.

أما الأولي: فلأن الاستغفار و طلب العفو للظالمين له كاستغفارهم عليهم السلام لسائر العاصين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 35

و لا فرق في مقتضي الأصل و الأخبار بين

التمكن من الوصول الي صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق كما في غير هذا المقام، لكن روي السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته و لو صح سنده أمكن تخصيص الإطلاقات المتقدمة به فيكون الاستغفار طريقا أيضا الي البراءة مع احتمال العدم أيضا، لأن كون الاستغفار كفارة لا يدل علي البراءة، فلعله كفارة للذنب من حيث كونه حقا لله تعالي نظير كفارة قتل الخطأ التي لا توجب براءة القاتل الا أن يدعي ظهور السياق في البراءة.

______________________________

و أما الثانية: فمضافا الي منافاتها لأدني مراتب العدالة- فضلا عن أعلي مراتب العصمة- ان طلب العفو و المغفرة لذي الحق و المظلمة أعم من وجوب الاستحلال مع إمكانه.

و بذلك ظهر ما في الدعاء الثاني لانه يدل علي طلب المغفرة لذي الحق.

و ربما يستدل لهذا القول بما عن جامع الأخبار الدال علي انتقال الأعمال الحسنة باغتياب الناس الي المغتاب بالفتح، فاذا استحل منها رجعت الي صاحبها «1».

و فيه: انه لا يدل علي بقاء أثر الحرمة ما دام لم يستحل.

فتحصل: انه لا دليل علي وجوب الاستحلال مطلقا.

و قد استدل للقول الثاني: بما في دعاء يوم الاثنين من ملحقات الصحيفة من طلبه عليه السلام المغفرة لذوي الحقوق و المظلمة.

و بخبر حفص بن عمير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سأل النبي صلي الله عليه و آله ما كفارة الاغتياب؟ قال صلي الله عليه و آله: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته «2».

______________________________

(1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(2) الوسائل، باب 155، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

36

______________________________

و بخبر السكوني عنه عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله من ظلم أحدا وفاته فليستغفر الله فانه كفارة له «1».

و بالنبوي المروي عن الجعفريات: من ظلم أحدا فعابه فليستغفر الله له كما ذكره فانه كفارة له «2».

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلما تقدم آنفا من ضعف السند و الدلالة.

و أما الثاني: فلأنه مجهول لحفص بن عمير.

و أما الثالث: فلأن الظاهر منه ان الضمير في فاته يرجع الي المظلوم، فالمعني: ان من لم يدركه ليطلب البراءة، و يرضيه فليستغفر الله له، فهو يدل علي وجوب الاستغفار عند عدم التمكن من الاستحلال لا مطلقا.

لا يقال: ان لازم ذلك عدم وجوب التصدق اذا كان حقا ماليا، و هو مما لم يقل به أحد.

فإنه يقال: إن التصدق ايضا طلب مغفرة له مع انه اذا رجع الضمير الي الظلم كان مفاده ذلك، إذ فوت الظلم عبارة اخري عن عدم إمكان تداركه.

و أما الأخير: فلأنه مرسل.

ثمّ إن المصنف قدس سره قال روي السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام الظاهر انه سهو إذ لم يوجد خبر للسكوني بهذا المضمون و راوي الخبر المشار اليه هو حفص بن عمير المتقدم و أما رواية السكوني فوردت في باب الظلم و سيذكرها المصنف قدس سره و الله مقيل العثرات.

فتحصل: انه لا دليل علي وجوب الاستغفار له مطلقا.

و بما ذكرناه ظهر ضعف القولين الأخيرين الثالث و الرابع، و هما وجوب الأمرين معا، و التخيير بينهما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 78، من أبواب جهاد النفس، حديث 5.

(2) المستدرك، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 37

قال في كشف الريبة بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين و يمكن الجمع بينهما بحمل

الاستغفار له علي من لم يبلغ غيبته المغتاب، فينبغي له الاقتصار علي الدعاء و الاستغفار لأن في محالته اثارة للفتنة و جلبا للضغائن، و في حكم من لم يبلغه من لم يقدر علي الوصول اليه لموت او غيبة و حمل المحالة علي من يمكن التوصل اليه مع بلوغه الغيبة. (1)

أقول: إن صح النبوي الأخير سندا، فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا الي البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء و الا تعين طرحه و الرجوع الي الأصل و اطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرئ آخر. نعم ارسل بعض من قارب عصرنا عن الصادق عليه السلام انك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم يبلغه فاستغفر الله له. (2)

و في رواية السكوني المروية في الكافي في باب الظلم عن أبي

______________________________

و أما القول الخامس الذي ذهب اليه جمع من الأساطين فقد استدل له:

(1) تارة بما في المتن عن كشف الريبة بأنه مقتضي الجمع بين ما دل علي وجوب الاستحلال و ما دل علي وجوب الاستغفار له.

(2) و اخري بالمرسل الذي ارسله النراقي الكبير ارسله في جامع السعادات المذكور في المتن «1».

و لكن يرد علي الوجه الأول: مضافا الي ما تقدم: انه جمع تبرعي لا وجه للمصير اليه.

و يرد علي الوجه الثاني: انه ضعيف السند للإرسال.

و أما القول السادس: فيدل عليه خبر السكوني المتقدم المذكور في المتن بالتقريب الذي تقدم.

و ما ذكره الأستاذ الأعظم من انه ضعيف السند للنوفلي، غير تام، إذ النوفلي عند الإطلاق يراد به الحسين بن يزيد، لا سيما اذا كان يروي عن السكوني و كان الراوي عنه ابراهيم بن هاشم كما في الخبر، و الحسين

مقبول الرواية كما صرح به جمع من ائمة الرجال

______________________________

(1) البحار، ج 75، ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 38

عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فانه كفارة له و الإنصاف ان الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) علي المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة (1) لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعني وجوب البراءة منه ليس الا الأخبار الغير النقية السند (2) مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة (3) لذكر حقوق اخر في الروايات لا قائل بوجوب البراءة منها. و معني القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما لا يخفي علي من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعني وجوب البراءة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة و إن كان الاحتياط في خلافه بل لا يخلو عن قرب من جهة كثرة الأخبار الدالة علي وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها، و الاحوط الاستحلال ان تيسر و الا فالاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

______________________________

و يؤيده ما في دعاء الإمام السجاد عليه السلام يوم الاثنين المتقدم.

فتحصل: ان الأظهر ان كفارتها الاستحلال إن أمكن و إلا فالاستغفار له.

(1) قوله الا بالاستحلال خاصه.

قد عرفت ما في هذا الاستصحاب و علي فرض جريانه فهو يقتضي عدم الخروج من العقاب الا بالاستحلال

و الاستغفار له فلا وجه للتخصيص بالأول، اللهم إلا أن تكون كفاية الاستحلال في حصول البراءة قطعية.

(2) قوله ليس إلا الأخبار غير النقية السند أورد عليه المحقق الإيرواني بأنه بعد اعترافه بأنها مستفيضة لا محل للمناقشة في السند.

و فيه: ما تقدم من أن المستفيض من قسم الآحاد.

(3) قوله كانت الدلالة ضعيفة. هذا انما يتطرق في بعضها لا جميعها كما مر.

(4) قوله و الا حوط الاستحلال. قد تقدم ان هذا هو الاقوي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 39

الثالث: فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها بالمعني الأعم. (1)

فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غيرها ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الي المغتاب (بالكسر) او (بالفتح) أو ثالث دل العقل او الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس، و قد نبه عليه غير واحد (1) قال في جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه، و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل ورد من ادعي نسبا ليس له و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين، انتهي.

و في كشف الريبة، اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل اليه الا بها انتهي. و علي هذا فموارد الاستثناء لا ينحصر في عدد.

______________________________

مستثنيات الغيبة
اشارة

(1) قوله الثالث: فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها

بالمعني الأعم.

قد يقال كما عن جماعة منهم المصنف قدس سره: انه اذا كان الاغتياب لغرض صحيح كنصح المستشير و التظلم و نحوهما لا يحرم، و ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه.

(2) و استدل له المصنف قدس سره بأن المستفاد من النصوص و غيرها ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الي المغتاب (بالكسر او بالفتح) او ثالث دل العقل او الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين كما هو الحال في كل معصية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 40

______________________________

من حقوق الله و حقوق الناس، و ارتضاه الأستاذ الأعظم.

و فيه: أولا: ان كون الانتقاص و التأذي تمام مناط حرمة الغيبة غير محرز، إذ من المحتمل دخل شي ء آخر فيه كحفظ اللسان عن التعرض لاعراض الناس أو غيره.

و ثانيا: ان إحراز أهمية المصلحة الطارئة مع عدم ورود النص بها في غاية الاشكال لعدم معلومية مقادير المصالح لنا.

و ثالثا: انه قد تقدم في مستثنيات الغناء: ان الترجيح بالأهمية انما هو في ما اذا وقعت المزاحمة بين الدليلين في مرحلة الامتثال من دون أن يكون أحدهما مربوطا بالآخر مطلقين في مقام الجعل و انه إذا كان الدليلان متعارضين بالعموم من وجه و كان الدليلان في مقام الجعل متصادقين علي مورد في الخارج، لا بد من الرجوع الي مرجحات باب المعارضة و عليه ففي المقام يقع التعارض بين دليل حرمة الغيبة و الدليل المتكفل لبيان حكم ذلك العنوان الطاري مثل نصح المستشير و نحوه، فلا مورد للرجوع الي مرجحات باب المزاحمة،

بل يتعين الرجوع الي مرجحات إحدي الروايتين علي الاخري.

و الغريب ان الأستاذ الأعظم مع اعترافه بجميع ما ذكرناه في ذلك المبحث استحسن ما ذكره المصنف قدس سره في المقام.

نعم لو كان مرادهما ما اذا كان هناك مصلحة أعظم من مفسدة الغيبة في فعل آخر متوقف علي الغيبة لاما اذا كان في عنوان منطبق عليها صح ما ذكراه من الكبري الكلية كما حققناه في محله، لكنه خلاف ظاهر كلام الشيخ الأعظم إذ الظاهر منه ارادة بيان حكم الصورة الثانية.

و قد استدل للجواز في صورة طرو عنوان ذي مصلحة عليها: بعدم صدق الغيبة معه موضوعا لأخذ قصد الانتقاص في مفهومها.

و فيه: ما عرفت من عدم تمامية المبني، فالأظهر انه لا تتم هذه الكلية.

نعم فيما إذا أحرز من الخارج وجود ملاك ذلك العنوان في المجمع و أحرز أهميته لا محالة تجوز الغيبة كما إذا توقف حفظ النفس المحترمة عليها، بل قد تجب حينئذ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 41

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة،
اشارة

أحدهما ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق (1) فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق. (2) نعم لو كان في مقام ذمه كرهه من حيث المذمة لكن المذمة علي الفسق المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه.

و قد تقدم عن الصحاح أخذ المستور في المغتاب (3) و قد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر منها قوله عليه السلام في رواية هارون بن الجهم اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة. (4)

______________________________

غيبة المتجاهر بالفسق

و كيف كان: فقد ذكر الأصحاب موردين لجواز الغيبة من غير مصلحة:

(1) أحدهما: ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق.

و قد استدل لاستثنائه بوجوه:

(2) الأول: ان غير المبالي بظهور فسقه لا يكره ذكره به.

(3) الثاني: ان المأخوذ في مفهوم الغيبة كون المقول أمرا مستورا، فمع كون الفاسق متجاهرا بفسقه لا يصدق الغيبة علي ذكر المقول فيه به.

الثالث: جملة من النصوص.

(4) منها: خبر هارون بن الجهم عن الإمام الصادق عليه السلام اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1» المذكور في المتن.

و دلالته علي المدعي ظاهرة، و قد ناقش فيه الأستاذ الأعظم بأنه ضعيف السند لأحمد بن هارون.

و فيه: انه قد صرح جماعة بأنه من مشايخ الصدوق و أكثر من الرواية عنه مترضيا، و عليه فخبره معتبر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 42

و قوله من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له (1) و رواية أبي البختري ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه (2)

و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و

وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته و وجبت أخوته و ظهر عدله و حرمت غيبته. (3)

______________________________

(1) و منها: النبوي من القي جلباب الحياء فلا غيبة له «1».

و المراد به ليس القاء جلباب الحياء في الأمور العادية غير اللائقة بشأنه كأكل العالم في السوق و نحوه، و لا إلقاء جلباب الحياء بينه و بين ربه، بل المراد به إعلان الفاسق بفسقه و ارتكاب الفاحشة علنا.

و فيه: انه ضعيف السند.

(2) و منها خبر أبي البختري عن مولانا الصادق عليه السلام ثلاثة ليس لهم حرمة:

صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه «2».

و قريب من هذا المضمون ما في جملة من المراسيل، الا انها بأجمعها ضعيفة السند، أما ضعف المراسيل فواضح، و أما خبر أبي البختري فلأن الظاهر منه هو وهب بن وهب الذي ضعفه كل من تعرض له، و لا أقل من احتمال أن يكون هو المراد به في المقام، مع انه عرفت ان عدم الحرمة أعم من جواز الغيبة، إذ كون مناط حرمة الغيبة الاحترام غير ثابت.

(3) و منها: خبر سماعة بن مهران عن مولانا الصادق عليه السلام من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت أخوته «3».

و رواه الصدوق قدس سره بأسانيد، و الطبرسي في صحيفة الرضا عليه السلام و تقريب الاستدلال به: ان الظاهر من قوله: عامل الناس … الخ جريان سيرته علي عدم الظلم و جريان عادته

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

(3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث

2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 43

و في صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة (1) بعد تعريف العدالة، ان الدليل علي ذلك أن يكون ساترا لعيوبه حتي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته دل علي ترتب حرمة التفتيش علي كون الرجل ساترا فينتفي عند انتفائه.

______________________________

علي ذلك، و علي عدم الكذب، و عدم خلف الوعد، و عليه فمفهومه ان من لم تجر سيرته و عادته علي ذلك بأن كان من عادته الظلم و خلف الوعد و الكذب في الحديث لا يحرم غيبته، و من البديهي ان من جرت عادته علي ذلك يكون لا محالة متجاهرا بالفسق.

و بما ذكرناه ظهر وجه جعل قوله عليه السلام من عامل الناس … الخ كاشفا عن العدالة، فإن من جرت عادته في الأمور المذكورة لا محالة تكون فيه ملكة العدالة الموجبة لذلك.

و قد أورد عليه الأستاذ الأعظم: بأنه ضعيف السند لعثمان بن عيسي.

و فيه: ان أقوال أئمة الرجال و إن اختلفت بالنسبة اليه الا ان الظاهر كون حديثه من الموثق.

فالصحيح أن يورد علي الاستدلال به: انه لا مفهوم للقضية الا علي القول بثبوت المفهوم للوصف، و دعوي ان من الموصولة متضمنة لمعني الشرطية، ممنوعة، بل الظاهر منها ان الأمور المذكورة كلها قيود للموضوع، و إن القضية مسوقة لبيان مجرد نسبة المحمول الي الموضوع، مضافا الي انه لو كان لها مفهوم فانما هو ان من لم تجر عادته علي عدم الظلم و عدم الكذب و عدم خلف الوعد يجوز غيبته، لا ان من جرت عادته علي الظلم و اخويه حكمه ذلك، و عليه فهو يدل علي جواز غيبة غير العادل و إن لم يكن متجاهرا بالفسق، و هذا

مما لم يلتزم به أحد، مع ان الجزاء عبارة عن مجموع الأمور الأربعة التي ذكرها عليه السلام علي سبيل العموم المجموعي، فبانتفاء المقدم ينتفي المجموع الملائم مع بقاء بعضها، فلعل المنفي خصوص العدالة.

(1) و منها: صحيح «1» ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق عليه السلام الوارد في بيان

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 44

و مفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة المحكية عن المحاسن من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالي داخل في ولاية الشيطان، الخبر. (1)

دل علي ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر (2) و كونه من أهل العدالة علي الطريق اللف و النشر أو علي اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهودا عليه بها، و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر، و كون قوله و من اغتابه الخ، جملة مستأنفة غير معطوفة علي الجزاء خلاف الظاهر.

______________________________

العدالة بعد ما بين حقيقة العدالة، و الدلالة علي ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته «1» فإن مفهومه إن من لم يكن ساترا لعيوبه لا يحرم التفتيش عن حاله بالسؤال عن جيرانه و معاشريه و غيرهم عن معاصيه.

و فيه: أولا: ان التفتيش تارة يكون بالسؤال عن المطلع علي حاله، و اخري بغيره فلا تلازم بين جواز التفتيش و جواز الغيبة.

و ثانيا: ان الستر للعيوب في الخبر جعل طريقا

الي ثبوت العدالة، فالمراد به الستر عند من يريد ترتيب آثار العدالة، حتي انه لو رأي منه ذنبا خرج عن هذا الستر و إن كان غير متجاهر بالفسق، و عليه فمفهومه جواز غيبة الفاسق مطلقا.

(1) و منها: خبر علقمة المحكي عن المحاسن عن سيدنا الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و قد استدل به المصنف قدس سره بتقريبين:

(2) الأول: انه دل علي ترتب عدم جواز الغيبة علي كون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهودا عليه بها، و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط، خرج منه غير المتجاهر.

الثاني: انه دل علي ترتب قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر فمفهومه جواز غيبة غير المتستر، و هو المتجاهر بالفسق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 45

ثمّ ان مقتضي اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح (1) و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر. نعم تقدم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوي عدمه.

______________________________

و لكن: يرد علي الاستدلال به.

أولا: انه ضعيف السند لعلقمة.

و ثانيا: انه لا مفهوم له لعدم حجية مفهوم الوصف.

و ثالثا: ان الظاهر من الستر ارادة العدالة منه، لأنه عليه السلام رتب كونه من أهل الستر و العدالة علي شي ء واحد و هو حسن الظاهر، فلو كان له مفهوم فإنما هو جواز غيبة الفاسق.

و دعوي ان مفهومه و إن كان ذلك الا انه خرج عنه غير المتجاهر.

ممنوعة، إذ التصرف في المفهوم من دون التصرف في المنطوق غير معقول كما

حقق في محله، و التصرف في المنطوق في المقام لا يمكن كما لا يخفي، مع ان الالتزام بذلك مستلزم للقول بعدم مدخلية التجاهر بالفسق في الحكم.

فتحصل: انه لا يكون في النصوص المعتبرة ما يمكن الاستدلال به الا خبر هارون و لا بأس بالوجهين الأولين ايضا.

فروع

بقي في المقام فروع تعرض لها المصنف قدس سره

(1) قال ثمّ ان مقتضي اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح.

لاحظ قوله عليه السلام في خبر هارون: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة فان اطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن تكون الغيبة لغرض صحيح أم كانت بقصد الانتقاص، كما ان ما ذكرناه من خروج ذكر المغتاب في ما تجاهر به عن الغيبة موضوعا لعدم كونه اظهارا لما ستره الله يقتضي ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 46

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به (1) صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز. و حكي عن الشهيد ايضا.

و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر هو الجواز، و استظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام و صرح به بعض الأساطين. و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط العياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب، و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة، و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر، و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح (2) و لعل هذا هو المراد بمن القي جلباب الحياء لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة الي غيرها كبعض عمال

الظلمة.

______________________________

الثاني: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به. الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: ما اختاره صاحب الحدائق و استظهره من كلام جمع من الأصحاب و صرح به بعض الأساطين و هو الجواز.

الثاني: ما عن جماعة آخرين منهم الشهيد الثاني، و هو عدم الجواز.

(2) الثالث: ما اختاره المصنف قدس سره و هو التفصيل بين المعاصي التي دون ما تجاهر به في القبح و بين غيرها فيجوز في الأولي و لا يجوز في الثاني، فمن تجاهر باللواط جاز اغتيابه بالتعرض لنساء الأجانب، و من تجاهر بقطع الطريق جاز اغتيابه بالسرقة، و من تجاهر بالمعاصي الكبيرة جاز اغتيابه بكل قبيح.

و قد استدل للأول تارة بإطلاق النصوص التي منها خبر هارون المتقدم، فإن مقتضي اطلاق نفي الجنس، هو نفي جميع أفراد الغيبة التي منها غيبته في غير ما تجاهر به فإن نفي الطبيعة نفي لجميع وجوداتها في الخارج.

و اخري: بأن الظاهر من الخبر وروده في مقام بيان الحكم لا بيان نفي الموضوع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 47

______________________________

و عليه فحيث أن ذكر النقص المتجاهر فيه لا يكون غيبة حقيقة كما تقدم، فيكون الخبر واردا لبيان الرخصة في الغيبة بالنسبة الي غير ما تجاهر فيه.

و لكن يرد عليهما: ان الظاهر من نفي الطبيعة هو نفي الموضوع حقيقة، و حمله علي ارادة النفي التنزيلي و نفي الحكم عن الموضوع خلاف الظاهر لا يصار اليه الا مع القرينة، ككونه نفيا لموضوع واقعي واضح ليس اثباته و نفيه وظيفة الشارع، و لا يكون الموضوع منتفيا بعد نفيه كقوله عليه السلام لا شك لكثير الشك و ليست الغيبة كذلك، فإن للشارع تحديد مفهومها و بيان قيودها، و قد

بينها في جملة من النصوص المتقدمة، فلا قرينة صارفة عن ظهور القضية في نفي الموضوع حقيقة، و هو لا يكون الا فيما تجاهر فيه من المعاصي، فلا يكون مطلقا و لا مختصا بغير ما تجاهر فيه.

مع ان ارادة الأعم من ما تجاهر فيه و غيره غير ممكنة، إذ بالنسبة الي ما تجاهر فيه يكون النفي نفيا للموضوع حقيقة و بالنسبة الي غيره يكون نفيا له تنزيلا- أي نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع- و ارادة الأعم مستلزمة لاجتماع اللحاظين في استعمال واحد، فيدور الأمر بين ارادة أحد القسمين، و المتعين هو الأول كما تقدم.

هذا كله في خبر هارون، و أما سائر النصوص فقد عرفت انها ما بين ضعيف السند، و غير الدال علي المطلوب.

و أما الوجهان الأولان فاختصاصهما بخصوص ما تجاهر فيه واضح.

و قد استدل للقول الأخير بوجهين:

الأول: ان مناط جواز غيبة المتجاهر تبين هذه المرتبة من العصيان منه، فيجوز غيبته في الأدون بالأولوية.

الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم من ان من لا يكره نسبته الي اللواط- العياذ بالله- مثلا لا يكره نسبته الي انه يتفحص عن حرائر النساء و هذه الملازمة بعنوان انه نقص و عيب ثابتة فاذا فرضنا ان أحدا يكره الثاني دون الأول يستكشف منه ان كراهة الثاني ليست متعلقة به بما هو عيب و نقص، فيجوز غيبته فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 48

ثمّ المراد بالمتجاهر، من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده الا القليل، كما اذا كان من عمال الظلمة و ادعي في ذلك عذرا مخالفا للواقع او غير مسموع منه لم يعد متجاهرا. (1)

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم

يخرج عن المتجاهر.

______________________________

و فيهما نظر:

أما الأول: فلأن كون المناط ما ذكر غير معلوم، بل يحتمل أن يكون المناط عدم كراهة الإظهار، أو عدم كونه إظهارا لما ستره الله المفروض تحققه في ما تجاهر فيه دون الأدون، مع ان الأولوية لو تمت فإنما هي فيما لو اقتصر علي الأدون دون الجمع بين الغيبتين كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلأنه ربما يكون الشخص متجاهرا في معصية كبيرة، كقتل النفوس المحترمة و متسترا فيما هو دونها، و يكره نسبته اليه و يتجنبه كما هو واضح.

فتحصل: ان الأظهر هو اختصاص الحكم بخصوص ما تجاهر فيه، نعم إذا جاهر بمعصية جاز اغتيابه بها و بلوازمها، لأن الالتزام بالشي ء التزام بلوازمه.

(1) الثالث: المراد بالمتجاهر: من تجاهر بالقبح مع علمه بالقبح، و بعلم الناس بصدوره عنه بعنوان انه قبيح، فلو لم يكن عالما بقبحه لشبهة حكمية، كما لو شرب التمر المغلي قبل ذهاب ثلثيه معتقدا اباحته، او لشبهة موضوعية، كما لو شرب الخمر باعتقاد انه ماء، لا يجوز اغتيابه لعدم كونه فاسقا، فضلا عن كونه متجاهرا بالفسق.

كما انه لو اتي به علنا مع العلم بأنه قبيح لكن احتمل عدم اطلاع الناس علي صدور الفعل منه معصية لاحتمالهم في حقه الجهل بالموضوع او الحكم عن قصور لم يكن متجاهرا بالفسق بما هو فسق، بل متجاهر بالفسق من حيث ذاته، و ظاهر الدليل جواز غيبة المتجاهر بالفسق بما هو فسق، فالمتجاهر بالفسق هو من اتي بالمعصية مع علمه بأن المأتي به معصية علنا و علم ان الناس عالمون بأنه عاص بفعله، و ليس له عذر و لو غير موجه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 49

و لو كان متجاهرا عند أهل بلده او محلته مستورا عند

غيرهم هل يجوز ذكره عند غيرهم (1) ففيه اشكال من امكان دعوي ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع علي عمله مطلقا فرب متجاهر في بلد متستّر في بلاد الغربة او في طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس.

و بالجملة فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام علي الاطلاق وجب الاقتصار علي ما تيقن خروجه، فالاحوط الاقتصار علي ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير. نعم لو تأذي من ذمه بذلك دون ظهوره لم يقدح في الجواز، و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة حيث ان مناط الأول المذمة و التنقيص فيجوز، و مناط الثاني اظهار عيوبه فلا يجوز الا بمقدار الرخصة.

______________________________

(1) قوله و لو كان متجاهرا عند أهل بلده او محلته مستورا هذا هو الرابع: و هو انه اذا كان متجاهرا جاز غيبته عند من لا يكون مطلعا علي حاله لعدم كونه اظهارا لما ستره الله، اذ المراد منه اظهار الأمر المستور، فلو كان منكشفا لم يكن من الغيبة، هذا مضافا الي ظهور خبر هارون، فان الظاهر منه ارادة بيان ان في المتجاهر خصوصية ليست في غيره، فلو اقتصر علي ذكره عند من يكون مطلعا علي حاله لزم عدم خصوصية فيه فإن العالم بالحال يجوز الغيبة عنده و لو لم يكن المقول فيه متجاهرا و هذا مما لا إشكال فيه.

انما الكلام في حد التجاهر، و الظاهر انه يصدق مع التجاهر به عند جماعة معتد بهم مع عدم المبالاة باطّلاع غيرهم، فلو تجاهر عند أصحاب سره و رفقائه لا يصدق عليه المتجاهر، كما انه لو تجاهر في بلد

الغربة و تستر في بلد نفسه، لا يكون متجاهرا.

الخامس: ان جواز الغيبة يدور مدار بقاء كونه متجاهرا، فلو انتفي عنه المبدأ واخي فسقه و تأذي من ظهوره تحرم غيبته، إذ بقاء الحكم تابع لبقاء موضوعه، فمع ارتفاع الموضوع يرتفع الحكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 50

الثاني: تظلم المظلوم (1) و إظهار ما فعل به الظالم و إن كان متسترا به كما اذا ضربه في الليل الماضي و شتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالي: (و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق). (2)

______________________________

تظلم المظلوم
اشارة

(1) قوله الثاني: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم.

و إن كان متسترا به كما اذا ضربه في الليل الماضي و شتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه.

و الظاهر ان جواز اظهار ما فعل الظالم بالمظلوم و إن كان متسترا به إجماعي، و قد استدل له بأمور:

(2) الأول: قوله تعالي: (و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) «1».

بتقريب انه تدل الآية علي ان من صار مظلوما لا سبيل عليه في الانتصار، و من المعلوم انه يتوقف الانتصار علي اظهار ما فعل به من الظلم.

و فيه: ان الانتصار عبارة عن الانتقام، فمفاد الآية الشريفة جواز الانتقام و مجازاة الظالم بالمثل التي دلت عليها الآية التي قبل هذه الآية، و هي جزاء سيئة. سيئة مثلها، فهي اجنبية عن جواز الاغتياب.

فإن قلت: ان الغيبة نحو من الانتقام.

اجبنا: انه لا إطلاق للآية في كيفية الانتقام و لذا لم يتوهم أحد جواز نكاحه لأنه نحو

من الانتقام.

______________________________

(1) الشوري، آية 42.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 51

و قوله تعالي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. (1)

فعن تفسير القمي أي لا يحب ان يجهر الرجل بالظلم و السوء و يظلم الا من ظلم فاطلق له ان يعارضه بالظلم.

و عن تفسير العياشي عنه صلي الله عليه و آله من أضاف قوما فأساء اضافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه (2) و هذه الرواية و إن وجب توجيهها اما بحمل الإساءة علي ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك الا انها دالة علي عموم من ظلم في الآية الشريفة و ان كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم.

______________________________

(1) الثاني: قوله تعالي (لا يحب الله الجهر بالسوء الا من ظلم) «1». فانه يدل علي مرجوحية الجهر بالسوء من القول الذي من أفراده و مصاديقه الغيبة كما تقدم في أول المبحث الا بالنسبة الي المظلوم.

فإن قلت: انكم بنيتم علي عدم دلالة الآية علي عدم جواز الغيبة فكيف تتمسكون بها في المقام؟ أجبنا عنه: بأن هذا الإيراد وارد علي من التزم بعدم كون الغيبة من مصاديق الجهر بالسوء كالمحقق الإيرواني قدس سره و غيره، و لا يرد علينا لانا قلنا انها لا تدل علي عدم جواز الغيبة لأن عدم الحب أعم من الحرمة و عليه فلا مورد لهذا الإيراد كما لا يخفي.

و دعوي ان الاستثناء من عموم السلب، لا يقتضي الا ثبوت الإيجاب الجزئي، و حيث انه لا إطلاق لتلك الجزئية، لعدم ثبوت كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة فيمكن ان يكون الجواز راجعا الي مذمته، و تعييره و تنقيصه فانها من الجهر بالسوء

كما في تعليقة بعض مشايخنا المحققين.

مندفعة بما حقق في محله، من انه عند الشك في كون دليل في مقام البيان يبني علي انه كذلك. و عليه فمقتضي اطلاقه جواز كل فرد من أفراد الجهر بالسوء التي منها الغيبة.

(2) الثالث: ما عن تفسير العياشي عن الفضل بن أبي قرة عن مولانا الصادق عليه السلام

______________________________

(1) النساء، آية 148.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 52

و نحوها في وجوب التوجيه رواية اخري في هذا المعني محكية عن المجمع (1) ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله و يؤيد الحكم فيما نحن فيه ان في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما (2) و لأن في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم (3) و هي مصلحة

______________________________

في قول الله عز و جل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) من اضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه «1».

(1) و ما عن مجمع البيان عنه عليه السلام في قوله تعالي (لا يحب … الخ) إن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في ان يذكر سوء ما فعله «2» بتقريب انهما يدلان علي ان من هتك ضيفه و لم يقم بما يليق بشأنه في مقام الضيافة جاز له أن يذكره بما فعله من السوء.

و فيه: ان الخبرين ضعيفان.

اما الأول فلجهالة حال المفضل.

و أما الثاني: فللإرسال.

(2) الرابع: ان في منع المظلوم من التظلم حرجا عظيما.

و فيه: اولا: ان المراد من دليل نفي الحرج ليس هو الحرج النوعي، بل المراد الحرج الشخصي، فلا ينفع في نفي الحكم كليا.

و ثانيا: ان دليل نفي

الحرج انما ينفي الأحكام التي في نفيها امتنان علي الأمة، فالحكم الذي يكون نفيه منة علي شخص و منافيا للامتنان علي الآخر لا يكون مشمولا لدليل نفي الحرج و المقام من هذا القبيل، لأن جواز الاغتياب مناف للامتنان بالنسبة الي المغتاب بالفتح.

(3) الخامس: ان في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم و هي مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لأن الأحكام تابعة للمصالح.

و فيه: اولا: ان مقاومة هذه المصلحة لا سيما و هي مظنونة للمفسدة المقطوعة الثابتة في الغيبة ممنوعة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 53

خالية عن مفسدة فيثبت الجواز لأن الأحكام تابعة للمصالح، و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر (1) بناء علي ان عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره و الا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق. و في النبوي لصاحب الحق مقال. (2)

______________________________

و ثانيا: ان لازم هذا الوجه جواز اغتياب كل عاص و إن غير متجاهر و لا ظالم لشخص، فان في تجويزه مظنة الردع. و ثالثا: ان الجواز علي هذا لا يختص بالمظلوم، بل يجوز لكل أحد لعين هذا الوجه.

و رابعا: انه ربما يحصل العلم بأنه لا يرتكب تلك المعصية او انه لا يرتدع من هذا التظلم.

(1) السادس: خبر قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق «1».

بتقريب ان نفي الحرمة عن الإمام الجائر من جهة جوره لا من جهة تجاهره و الا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق.

و فيه: مضافا الي

ضعف سنده و عدم دلالته علي جواز غيبة هذه الثلاثة كما تقدم:

انه يمكن أن يكون جواز غيبة الإمام الجائر، لو ثبت من جهة غصبه حقوق الأئمة و تصديه مقام الخلافة، مع ان هذا لو تم لدل علي جواز الاغتياب لكل أحد لا خصوص المظلوم، مضافا الي ان الخبر مروي بطريق آخر و فيه توصيف الإمام بالكذب.

(2) السابع: النبوي و لصاحب الحق مقال «2». و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: انه يدل علي ان من ثبت له حق فله مقال، و الكلام في المظلوم انما هو في ثبوت الحق له بعد ما اضيع حقه بالظلم، مع ان المقال الثابت لصاحب الحق لعله اريد به مطالبة ما اضيع به من حقه لا غيبته.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي جواز غيبة المظلوم لا يدل عليه سوي آية الجهر بالسوء.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

(2) المحجة البيضاء للمحدث الكاشاني، ج 5، ص 270- و كشف الريبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 54

و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه (1) و قواه بعض الأساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه فقيدوه اقتصارا في مخالفة الأصل علي المتيقن من الأدلة لعدم عموم في الآية و عدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية مع ان المروي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان (2) انه لا يحب الشتم في الانتصار الا من ظلم، فلا بأس له ان ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين. قال في الكتاب المذكور و نظيره (و انتصروا من بعد ما ظلموا) و ما بعد (3)

الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية و مقتضاه الاقتصار علي مورد رجاء تدارك الظلم فلو لم يكن قابلا للتدارك لم يكن فائدة في هتك الظالم.

______________________________

(1) و هل يقيد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه كما عن جماعة، منهم كاشف الريبة و المحقق السبزواري و المحقق النراقي في المستند، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة.

أم يجوز مطلقا كما عن جماعة آخرين منهم كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد و ظاهر المتن وجود القائل غيره قولان:

اقواهما: الثاني، لأن مقتضي الآية الشريفة (لا يحب الله الجهر … الخ التي عرفت) دلالتها علي جواز اغتياب المظلوم باظهار ما فعل به الظالم جواز الغيبة حتي عند من لا يرجو ازالة الظلم عنه.

و ما ذكره الشهيد قدس سره و تبعه بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم من انه لا عموم في الآية ليتمسك به في اثبات الإباحة مطلقا.

غير تام، إذ قد عرفت ان الآية الشريفة مطلقة، و بمقتضي مقدمات الحكمة تفيد العموم.

(2) قد استدل للأول في المتن بالخبر المروي «1» عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية الشريفة.

و قد مر انه لا يصح الاستناد الي ذلك الكتاب.

(3) قوله و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل.

______________________________

(1) مجمع البيان، ج 2، ص 131.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 55

و كذلك لو لم يكن ما فعل به ظلما بل كان من ترك الأولي (1) و إن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك فعن الكافي و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان (2) قال: دخل رجل علي أبي عبد الله عليه السلام فشكي رجلا من أصحابه فلم يلبث ان جاء المشكو عليه،

فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك، فقال:

يشكوني اني استقضيت منه حقي فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا فقال: كأنك اذا استقضيت حقك لم تسئ أ رأيت قول الله تعالي (و يخافون سوء الحساب)، أ تري انهم خافوا الله عز و جل ان يجور عليهم لا و الله ما خافوا الا الاستقضاء فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضي فقد أساء.

______________________________

الظاهر كما قيل أراد بما بعد الآية المؤيدات التي ذكرها، و انما عبر عنها بعنوان كونها بعد الآية مع كونها بعد الاخبار، لكون الاخبار واردة في تفسيرها فهي من توابع الآية و لواحقها، فالأظهر عدم تقييد الجواز بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه.

الغيبة في ترك الأولي

(1) و هل يجوز الغيبة لو لم يكن ما فعل به ظلما بل كان من ترك الاولي أم لا؟ وجهان:

قد استدل لجواز الاغتياب بترك الاولي بوجوه:

(2) الأول: خبر حماد بن عثمان المذكور في المتن «1».

فانه يدل بالتقرير علي جواز الشكوي من الدائن لتركه الأولي بالمطالبة و عدم الإمهال في قضاء الدين الذي هو من المستحبات، و احتمال ردع الإمام عليه السلام عن ذلك و عدم نقله لنا ضعيف لا يعبأ به.

كما ان دعوي ضعف السند لمعلي بن محمد لا تسمع، إذ الظاهر انه حسن اقلا.

و لكن يرد علي الاستدلال به: ان الظاهر منه كون المديون معسرا لا يجوز المطالبة منه، او كونه لا يجب عليه الأداء لغير ذلك، و معلوم ان طلب الأداء حينئذ ظلم و تعد علي

______________________________

(1) الوسائل، باب 16، من أبواب الدين و القرض، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 56

(1) و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي قال: كان عنده قوم

يحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه و شكاه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: و اني لك بأخيك الكامل أي الرجل المهذب. فإن الظاهر من الجواب ان الشكوي انما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.

______________________________

المديون تباح معه الغيبة كما تقدم.

و الشاهد علي ما ذكرناه امور:

الأول: قوله عليه السلام في ذيل الخبر فمن استقضي فقد اساء. فان المطالبة من المديون الموسر المتمكن من الأداء مع وجوبه عليه ليست اساءة قطعا.

الثاني: عدم أمر الإمام عليه السلام المديون بأداء الدين، و لو كان موسرا و لم يكن محذور في الأداء لأمره به.

الثالث: تشديد الإمام علي المشكو.

و لو اغمضنا عن ما ذكرناه من الظهور فلا أقل من كونه مجملا لا يمكن الاستدلال به.

(1) الوجه الثاني: مرسل ثعلبة بن ميمون عمن ذكره عن مولانا الصادق عليه السلام المروي في الكتاب «1». فإن الظاهر من الجواب ان الشكوي انما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.

و فيه: أولا: انه ضعيف السند للإرسال.

و ثانيا: ان قوله عليه السلام: و اني لك … الخ يمكن ان يكون ردعا و انتصارا للمغتاب (بالفتح) فليس هناك تقرير من المعصوم عليه السلام كي يستدل به.

الثالث: ما أفاده المحقق الإيرواني قدس سره و هو التمسك بما ورد في ذكر الضيف مساوئ الضيافة المتقدم، بدعوي انه يدل علي ان عدم القيام بالحقوق المستحبة التي منها حسن الضيافة نوع من الظلم، و يكون الخبر دالا علي ان الآية الشريفة تعم كلا الظلمين، و انه يجوز للمظلوم اغتياب ظالمه بكل من الظلمين.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 57

و مع ذلك كله فالأحوط

عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوي من مصلحة احترام المغتاب كما ان الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته اليه من الفسق المتجاهر به، و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها

فيبقي من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها. (1)
اشارة

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم من ضعف السند: انه قد مر أن الظاهر من الخبر ارادة هتك الضيف و إهانته لا ترك الأولي، مع ان دعوي ان عدم القيام بالحقوق المستحبة نوع من الظلم كما تري.

فالصحيح ان يستدل للجواز: بأن ترك الأولي ليس سوء فلا يدخل ذكره في الغيبة لما تقدم من اعتبار كون المقول نقصا و عيبا.

ضابط الغيبة الجائزة

(1) و قد ذكر الأصحاب موارد عديدة لجواز الغيبة: و تنقيح القول فيها:

ان ما ذكره الأصحاب من مستثنيات الغيبة تندرج في واحد من العناوين الأربعة، أو يتوهم اندراجه فيه:

الأول: ما كان خارجا عنها موضوعا، كغيبة المتجاهر بالفسق المتقدم و بعض المستثنيات المذكورة في المكاسب التي ستمر عليك.

الثاني: ان ينطبق علي الغيبة عنوان ذو مصلحة أهم من مفسدة الغيبة، و قد ذكر المصنف قدس سره لذلك موارد و ستعرف ما فيها.

الثالث: ما اذا توقف واجب أهم عليها كحفظ النفس المحترمة او صيانة العرض او نحو ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 58

(1) منها نصح المستشير فان النصيحة واجبة للمستشير. (2)

______________________________

الرابع: ما كان خارجا عن حكم الغيبة بالتخصيص، و هو علي أقسام:

الأول: ما يكون خارجا بدليل مختص به كتظلم المظلوم المتقدم.

الثاني: ان يكون الخروج بأدلة نفي الضرر و الحرج.

الثالث: ان ينطبق علي الغيبة عنوان واجب في نفسه، و كانت النسبة بين الدليلين عموما من وجه، و قدم دليل ذلك الواجب لوجود أحد المرجحات فيه.

هذا كله بحسب الكبري،.

و أما الصغري فقد ذكروا لها موارد.

نصح المستشير

(1) منها: نصح المستشير.

و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

الأول في وجوبه و عدمه.

الثاني: في جواز نصح المستشير و إن اوجب الوقيعة و الغيبة. أما الأول ففي الكتاب.

(2) ان النصيحة واجبة للمستشير.

و لكن الظاهر ان النصح غير واجب فان ما استدل به لوجوبه بين ما هو ضعيف السند، و غير دال علي وجوبه، و ما لا ربط له به.

اذ قد استدل له بما دل علي حرمة خيانة المؤمن لاخيه «1».

و بما دل علي وجوب نصح المؤمن ابتداء «2».

و بالنصوص الآمرة بقضاء حاجة المؤمن «3» لأن النصح نوع منها.

و بما ورد في خصوص نصح المستشير «4».

و

شي ء منها لا يصلح مستند للوجوب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب الوديعة.

(2) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة.

(3) الوسائل، باب 25، من أبواب فعل المعروف.

(4) الوسائل، باب 23، من أبواب أحكام العشرة و باب 35، من أبواب فعل المعروف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 59

فإن خيانته قد تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب. (1)

______________________________

أما الأول: فلأنه لا ملازمة بين حرمة الخيانة، و وجوب النصح لامكان رده الي غيره.

و أما الثاني: فهو محمول علي الاستحباب للإجماع علي عدم وجوب النصح ابتداء.

و به يظهر ما في الثالث.

و أما الرابع: فما تضمن من تلك النصوص الأمر به ضعيف السند، و غيره انما تضمن ترتب المفسدة الدنيوية من سلب اللب و الرأي علي ترك النصح، و هو لا يدل علي أزيد من الاستحباب.

فالأظهر عدم وجوبه، نعم تحرم الخيانة للنصوص الدالة عليها.

و أما الثاني فقد استدل لجواز نصح المستشير و إن أوجب الوقيعة و الغيبة، بوجوه:

الأول: ما ذكره الأستاذ الأعظم- مبتنيا علي وجوبه- و هو ان دليلي وجوب النصح و حرمة الغيبة من قبيل المتزاحمين لا المتعارضين، فإن الغيبة في موارد الاجتماع مأخوذة في مقدمات النصح، و انه يتولد منها و يتوقف عليها، نظير توقف انقاذ الغريق علي التصرف في ملك الغير، و عليه فيتصف كل من النصح و الغيبة بالأحكام الخمسة حسب اختلاف الموارد بقوة الملاك و ضعفه.

و فيه: ان النصح الواجب علي المكلف في موارد الاجتماع انما يكون من العناوين المنطبقة علي الغيبة لا المتولدة منها المتوقفة عليها، إذ لا وجود للتنبيه علي معايب من يريد المستشير تزويجها مثلا- الذي هو نصحه- الا ببيان ما فيها من المعايب المستورة الذي هو غيبة، فالدليلان من قبيل المتعارضين.

(1) الثاني:

ما هو ظاهر المصنف قدس سره و هو: ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، و حيث ان خيانة المستشير قد تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب فلا محالة تسقط حرمتها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 60

و كذلك النصح من غير استشارة فإن من أراد تزويج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة و الفساد فلا ريب ان التنبيه علي بعضها، و إن أوجب الوقيعة فيها أولي من ترك نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه.

______________________________

و فيه: ما تقدم في أول هذا المبحث، من انه في موارد اجتماع عنوانين الذين كل منهما محكوم بحكم ينافي حكم الآخر لا سبيل الي الرجوع الي مرجحات باب المزاحمة و رعاية أقوي الملاكين، و ليست من موارد تزاحم المقتضيين.

مع انه لو سلم كونها من هذه الموارد لا سبيل الي الحكم بالجواز بقوة الملاك، إذ لا طريق الي معرفة المناطين بما لهما من الحد كي يعرف الراجح منهما.

الثالث: ما ورد في استشارة فاطمة بنت قيس النبي في أن تصير زوجة معاوية أو أبي جهم من انه قال صلي الله عليه و آله: أما معاوية فصعلوك لا مال له، و أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، انكحي اسامة، حيث انه صلي الله عليه و آله تعرض لما يكرهه الخاطبان «1».

و فيه: انه لو سلم سند الخبر، ان دلالته علي المطلوب تتوقف علي كون ما ذكره النبي صلي الله عليه و آله عيبا مستورا، مع ان كونه عيبا، و علي فرضه كونه مستورا، محل تأمل و نظر.

الرابع: ان النسبة بين دليلي حرمة الغيبة، و مطلوبية النصح عموم من وجه، و

هما من قبيل المتعارضين، فيتعين الرجوع الي مرجحات باب المعارضة، بناء علي ما هو الحق من انها المرجع عند تعارض الدليلين بالعموم من وجه، و الترجيح مع دليل النصح لكونه أشهر. فتأمل.

فتحصل: ان الأظهر كون المورد داخلا في القسم الثالث من العنوان الرابع. و لا فرق فيما ذكرناه بين كون النصح واجبا أم لا، كما هو واضح.

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 61

و منها الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان حقي فكيف طريقي في الخلاص (1) هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا علي ذكر الظالم بالخصوص و الا فلا يجوز، و يمكن الاستدلال عليه بحكاية (2) هند زوجة أبي سفيان و اشتكائها الي رسول الله صلي الله عليه و آله و قولها انه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي، فلم يرد صلي الله عليه و آله عليها غيبة أبي سفيان، و لو نوقش في هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله صلي الله عليه و آله قال: (3) جاء رجل الي النبي صلي الله عليه و آله فقال: ان أمي لا تدفع يد لامس، فقال: احبسها.

قال: قد فعلت، قال صلي الله عليه و آله: فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صلي الله عليه و آله: فقيدها فانك لا تبرها بشي ء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز و جل الخبر.

______________________________

الاغتياب في مواضع الاستفتاء

(1) قوله و منها: الاستفتاء بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان حقي فكيف طريقي في الخلاص.

و قد استدل للجواز في هذا المورد بروايتين:

(2) الأولي النبوي، المذكور في المتن «1». حيث

انه صلي الله عليه و آله لم يزجرها عن غيبة أبي سفيان.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند للإرسال.

و ثانيا: انه يحتمل أن يكون عدم الردع لمعروفية أبي سفيان بهذه الصفة، أو لكونه ممن لا تحرم غيبته رأسا لكفره.

و ثالثا: انه من موارد تظلم المظلوم، اللهم إلا أن يقال إن الخبر متضمن للغيبة في غير ما وقع التظلم منه، و هو صفة البخل.

(3) الثانية: صحيحة ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن «2».

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 48، من أبواب حد الزنا، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 62

و احتمال كونها متجاهرة بالفسق مدفوع بالأصل. (1)

______________________________

و فيه: أولا: انه يحتمل أن يكون المورد داخلا في موارد غيبة المجهول، إذ المرأة لم تكن معروفة عند النبي صلي الله عليه و آله، و مجرد كونها اما للسائل لا يوجب صيرورتها معلومة معينة.

و ثانيا: ان الظاهر من الخبر انها كانت متجاهرة بالفسق و الزنا، و غيبة المتجاهر جائزة، علي انه حيث يكون الخبر متكفلا لبيان قضية شخصية يكفي لعدم جواز التعدي احتمال كونها متجاهرة.

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره من انه مدفوع بالأصل.

يرد عليه: ان هذا الأصل لا يثبت به كونها كارهة لذكرها به، الا علي القول بالأصل المثبت، و مع عدم اثباته لا يكون ذكرها مشمولا لأدلة حرمة الغيبة لما عرفت من اعتبار الكراهة في صدقها.

هذا إذا اريد به الاستصحاب، و إن أريد به ان ظاهر حال المسلم أن يكون كارها لذكر عيبه.

فيرد عليه: انه لا دليل علي حجية مثل هذا الظهور.

و ثالثا: انه لم يذكر في الخبر كون ام السائل مسلمة، و لعلها كانت كافرة، و

مجرد الاحتمال يكفي في عدم جواز التعدي.

و الحق ان يستدل لجواز الغيبة في مواضع الاستفتاء إذا كان المسئول عنه محل الابتلاء و لم يتمكن السائل من السؤال الا بتسمية المغتاب، انه حينئذ يقع التزاحم بين ما دل علي وجوب تعلم الأحكام الشرعية التي تكون محل الابتلاء و ما دل علي حرمة الغيبة، إذ هما لا يتصادقان علي مورد واحد، فان السؤال الذي تنطبق عليه الغيبة مقدمة للتعلم الواجب لا انه مصداقه، و الفرض ان المكلف لا يتمكن من امتثالهما معا، فيتعين الرجوع الي مرجحات باب التزاحم.

و هي تقتضي تقديم دليل التعلم لأهمية وجوبه من حرمة الغيبة، إذ يترتب علي عدم التعلم اضمحلال الدين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 63

(1) و منها قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله، فانه اولي من ستر المنكر عليه فهو في الحقيقة إحسان في حقه. (2) مضافا الي عموم أدلة النهي عن المنكر. (3)

______________________________

الاغتياب بقصد ردع المغتاب عن المنكر

(1) و منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله.

و قد استدل في المكاسب لجواز الغيبة في هذا المورد بوجهين:

(2) الأول: ان الغيبة في هذا الموضع احسان في حق المغتاب.

(3) الثاني: عموم أدلة النهي عن المنكر و فيهما نظر:

اما الأول: فمضافا الي كونه أخص من المدعي، إذ ربما لا يرتدع المغتاب عن المنكر و المغتاب (بالكسر) يعلم بذلك، فحينئذ لا يكون اغتيابه احسانا في حقه.

ان الإحسان انما يكون مطلوبا للشارع اذا لم يكن بالأمر المحرم و مطلوبيته مقيدة بعدم ترك الواجب و فعل الحرام.

و دعوي انه اذا كان الغرض من ذكر العيب الإحسان الي المغتاب (بالفتح) لا يصدق عليه الغيبة لعدم قصد الانتقاص حينئذ.

مندفعة بما تقدم من عدم أخذ قصد الانتقاص في مفهومها.

و دعوي عدم كراهة ذكره

اذا كان بهذا القصد، ممنوعة.

و أما الثاني: فلأن النهي عن المنكر واجب، و لكن لا بالمنكر و الا لجاز الزنا بزوجة الزاني لردعه عن فعله.

نعم اذا كان المنكر من الأمور المهمة من قتل النفس المحترمة و شبهه و توقف ردعه علي الغيبة

جازت لما ثبت بالأدلة العقلية و النقلية من وجوب الردع بأي نحو أمكن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 64

و منها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس (1) كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس، و يدل عليه مضافا الي ان مصلحة دفع فتنته عن الناس اولي من ستر المغتاب، ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم، و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا «يطغوا» في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات.

و منها جرح الشهود (2) فان الإجماع دل علي جوازه، و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق اولي من الستر علي الفاسق و مثله بل اولي بالجواز جرح الرواة (3) فان مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و يلحق بذلك الشهادة بالزنا و غيره لاقامة الحدود. (4)

______________________________

الاغتياب لحسم مادة الفساد و جرح الشهود

(1) و منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس كالمبتدع.

يشهد لجواز الغيبة في هذا الموضع مضافا الي ان الثابت بضرورة من الشرع ان للدين حرمة لا يسقطها شي ء، فاذا دار الأمر بين هتك حرمة المغتاب و اغتيابه و حفظ الدين، لا ريب في تقديم الثاني.

صحيح داود بن سرحان المذكور في

المتن «1».

(2) و منها: جرح الشهود.

و يشهد لجواز الاغتياب في هذا الموضع- مضافا الي ان عليه يتوقف حفظ اموال الناس و اعراضهم و انفسهم- ان اجماع علمائنا عليه كما يظهر لمن راجع كتاب القضاء.

(3) و أولي بالجواز من ذلك جرح الرواة، فان عليه يتوقف حفظ شريعة سيد المرسلين صلي الله عليه و آله، و عليه بناء الأصحاب في كل عصر و إن كان الغالب في هذا العصر عدم صدق الغيبة علي ذلك لعدم معرفة تلك الرواة بأشخاصهم.

(4) و أما الشهادة علي الناس بالزنا و القتل و أخذ مال الغير و نحو ذلك فقد ثبت

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 65

و منها دفع الضرر عن المغتاب (1) و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث، و قد بين ذلك الإمام عليه السلام بقوله في بعض ما أمر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه اقرأ مني علي والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا مني عنك فان الناس يسارعون الي كل من قربناه و مجدناه لإدخال الأذي فيمن نحبه و نقربه و يذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا و يرون إدخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا (منا) بميلك الينا و انت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الامر لمودتك لنا و ميلك الينا فاحببت ان اعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك يقول الله عز و جل: (و أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن

أعيبها و كان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) هذا التنزيل من عند الله لا و الله ما عابها الا لكي تسلم من الملك و لا تغصب «تعطب» علي يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد لله، فافهم المثل رحمك الله فانك أحب الناس الي و احب أصحاب أبي الي حيا و ميتا، و انك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و إن وراءك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا و يغصب أهلها

______________________________

جوازها بالنصوص الكثيرة الواردة في الشهادات المتضمنة للأمر بتحمل الشهادة و أدائها و حرمة كتمانها، و معلوم انها بحسب الغالب شهادة علي الناس بما يوجب فسقهم كما لا يخفي.

و إن شئت قلت: انه بعد ما لا ريب في اعتبار العدالة في الشهود انه لو كانت الشهادة بالزنا او القتل او أخذ مال الغير عدوانا او نحو ذلك غيبة محرمة، لزم عدم الاعتماد علي الشهادة، فمن النصوص المتضمنة لقبولها يستفاد جواز الاغتياب في هذا الموضع.

الاغتياب لدفع الضرر عن المقول فيه

(1) و منها دفع الضرر عن المغتاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 66

فرحمة الله عليك حيا و رحمة الله عليك ميتا، الخبر (1) و يلحق بذلك الغيبة للتقية علي نفس المتكلم أو ماله او عرضه او عن ثالث، فان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

الضرر الذي يدفع بالغيبة تارة يكون مما يجب دفعه عن الغير كما لو أراد أحد ان يقتله او يهتك عرضه، و اخري يكون مما لا يجب دفعه، و الغيبة في المورد الأول جائزة لما علم من الشرع من ان لذلك مفسدة لا يزاحمها شي ء من مفاسد المحرمات، و أما في المورد الثاني فلا دليل علي جوازها.

و دعوي

انه لو اطلع المقول فيه لرضي بالاغتياب طوعا كما عن الأستاذ الأعظم.

لا تفيد، فإن ذلك لا يوجب عدم صدق الغيبة، إذ رضاه به ليس لعدم كراهة ذكره بذلك العيب، بل لأنه أقل محذورا بنظره.

و دعوي عدم صدق الغيبة لعدم قصده الانتقاص.

مندفعة بما تقدم من عدم دخله في مفهومها.

(1) قوله و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث …، الخبر «1».

ظاهره كون تلك الأحاديث «2» دالة علي جواز الغيبة لدفع الضرر.

و أورد عليه الأستاذ الأعظم بأنها اجنبية عن المقام إذ من الواضح انه لم يكن في زرارة عيب ديني ليكون ذكره غيبة و انما ذمه الإمام عليه السلام لحفظ دمه أو شئونه عن الإخطار.

و فيه انه يمكن ان يكون نظر المصنف قدس سره الي أن تلك النصوص تدل علي جواز الغيبة بالفحوي إذ لو جاز تعييب الشخص بما ليس فيه لدفع الضرر كما نطقت به تلك النصوص، جاز تعييبه بما فيه بالأولوية.

و لكن الظاهر اختصاصها بالقسم الأول من الضرر كما لا يخفي.

______________________________

(1) ما ذكره المصنف من الرواية المبينة للحمل المزبور- مذكورة في رجال الكشي

، ج 1، ص 349، الرقم 221، مع اختلافات كثيرة.

(2) معجم رجال الحديث، ج 7، ص 230.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 67

و منها ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة (1) التي لا يعرف الا بها كالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول، و نحوها.

و في الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء رسول الله صلي الله عليه و آله (2) و لا بأس بذلك فيما اذا صارت الصفة في اشتهار توصيف الشخص بها الي حيث لا يكره ذلك صاحبها، و عليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه السلام

و غيره من العلماء الأعلام لكن كون هذا استثناء مبني علي كون مجرد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة، و قد منعنا ذلك سابقا إذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونه إظهارا لعيب غير ظاهر و المفروض عدم قصد الذم ايضا، اللهم الا ان يقال ان الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به (3) يكره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم، فان اشعارها بالذم كاف في الكراهة.

______________________________

الاغتياب بذكر الأوصاف الظاهرة

(1) قوله و منها: ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة.

يدل علي جواز ذلك- مضافا الي عدم الخلاف فيه بل عليه سيرة العلماء حديثا و قديما-.

(2) ما في الحسين عن الإمام الصادق عليه السلام: جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء رسول الله صلي الله عليه و آله «1».

و خبر الفضل بن عبد الملك قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: أحب الناس الي احياء و أمواتا أربعة: و ذكر منهم الأحول «2».

و عدم صدق الغيبة عليه موضوعا لأنها عبارة عن إظهار ما ستره الله، و إذا لم يكن المقول مستورا لم يصدق علي ذكره الغيبة فلا وجه لحرمته.

نعم اذا كان ذكره بقصد التعيير حرم لذلك لا لكونه غيبة.

(3) قوله اللهم الا ان يقال ان الصفات المشعرة بالذم.

ليس تمام موضوع الغيبة، الكراهة اذا سمع ما قيل في حقه، كي يوجب ذلك صدق

______________________________

(1) روضة الكافي، ص 91.

(2) الوسائل، باب 11، من أبواب صفات القاضي، حديث 18.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 68

و منها ما حكاه في كشف الريبة عن بعض من أنه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها، فاجري أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز (1) لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا و إن

كان الأولي تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك أو خوف اشتهاره عنهما، انتهي.

أقول اذا فرض عدم كون ذكر هما في مقام التعيير و المذمة، و ليس هنا هتك ستر ايضا فلا وجه للتحريم و لا لكونها غيبة الا علي ظاهر بعض التعاريف المتقدمة.

و منها رد من ادعي نسبا ليس له (2) فان مصلحة حفظ الأنساب اولي من مراعاة حرمة الاغتياب.

و منها القدح في مقالة باطلة، و ان دل علي نقصان قائلها اذا توقف حفظ حق و اضاعة الباطل عليه (3) و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة الي من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم يعرف له وجه مع شيوعه بينهم من قديم الأيام.

______________________________

الغيبة علي ذكر الأوصاف الظاهرة، فيحتاج جوازه الي ما يدل عليه لما تقدم من ان حقيقة الغيبة اظهار ما ستره الله فلو لم يكن مستورا لما صدق عليه الغيبة، و ان كرهه لو سمعه.

(1) و مما ذكرناه ظهر انه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فاجري أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز لعدم صدق الغيبة كما هو واضح.

الاغتياب لرد من يدعي نسبا ليس له

(2) و منها: رد من ادعي نسبا ليس له.

و ملخص القول فيه: ان من ادعي نسبا ليس له و كان الأثر مترتبا عليه من التوارث و النظر الي النساء جاز لمن هو طرف الدعوي رد ذلك كما هو الشأن في كل ما يكون من الحقوق، و أما اذا لم يترتب عليه أثر فلا تجوز الغيبة لرد هذه الدعوي، و كذا لا يجوز لغير من هو طرف الدعوي ردها بالغيبة.

و دعوي ان مصلحة حفظ الانساب من حيث هو

أهم من مفسدة الغيبة كما تري.

(3) و مما ذكرناه في هذه الموارد ظهر حكم القدح في مقالة باطل ان دل علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 69

ثمّ انهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة الي ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة علي مفسدة هتك احترام المؤمن، و هذا يختلف بإختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن فانها متدرجة في القوة و الضعف فرب مؤمن لا يساوي عرضه شي ء «من المصالح» فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف (1) فقد ورد السامع للغيبة أحد المغتابين و الأخبار في حرمته كثيرة الا ان ما يدل علي كونه من الكبائر، كالرواية المذكورة و نحوها ضعيفة السند.

______________________________

نقصان قائلها، و كذا سائر ما ذكروه من موارد الاستثناء فلا حاجة الي ذكرها.

استماع الغيبة حرام
اشارة

(1) قوله الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف.

و قد استدل لحرمة الاستماع بجملة من النصوص:

منها النبويان: السامع للغيبة أحد المغتابين «1».

من سمع الغيبة و لم يغير كان كمن اغتاب «2».

و منها العلويان: أحدهما: السامع للغيبة أحد المغتابين «3».

ثانيهما: ما عن الاختصاص: نظر أمير المؤمنين عليه السلام الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن عليه السلام ابنه قال: يا بني نزه سمعك عن مثل هذا، فانه نظر الي اخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك «4».

______________________________

(1) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

(2) المستدرك باب، 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(3) كشف الريبة للشهيد الثاني.

(4) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 70

______________________________

و منها: حديث المناهي المتضمن انه صلي الله عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها «1».

و منها: ما

عن كتاب الروضة عن الإمام الصادق عليه السلام: الغيبة كفر و المستمع لها و الراضي بها مشرك «2».

و منها: حديث الرجم، لما رجم رسول الله صلي الله عليه و آله الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه:

هذا قعص كما يقعص الكلب، فمر النبي صلي الله عليه و آله معهما بجيفة فقال لهما: انهشا منها، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة! فقال: ما اصبتما من أخيكما انتن من هذه «3».

هذه هي جميع الأخبار الواصلة الينا في هذا الباب التي ادعي المصنف قدس سره كثرتها.

و لكن لا يصح الاستدلال بشي ء منها لانها ضعيفة السند.

اما النبويان، و العلوي الأول، و الأخيران: فللإرسال.

و أما العلوي الثاني: فلأن صاحب الاختصاص و إن نسب القول اليه عليه السلام الظاهر ذلك في كون الخبر معتبرا عنده، الا ان ثبوت اعتباره عنده لا يلازم ثبوته عندنا، و لعله استند الي ما لا نعتمد عليه. فتأمل.

و أما حديث المناهي: فلشعيب بن واقد، مع انه يرد علي حديث الرجم: ان الظاهر ان الأمر بالنهش لم يكن لأجل الغيبة، إذ بعد كونهما عالمين بما فعل، و ظهور عيبه الديني بإجراء الحد عليه، لم يكن ذكره غيبة.

و أما الإيراد علي حديث المناهي بأنه متضمن للنهي عن عدة أمور لا تكون محرمة قطعا، فيتعين حمل النهي فيه علي الكراهة.

فغير تام، إذ ما ثبت فيه عدم الحرمة ترفع اليد فيه عن ظهور النهي في الحرمة و يبقي الباقي و يؤخذ بظهور النهي فيه.

و لكن يمكن ان يقال أن ضعف سند النصوص ينجبر بالشهرة. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13.

(2) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(3) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث

27.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 71

______________________________

و قد استدل لحرمة الاستماع بوجوه اخر:

منها: النصوص الواردة في رد الغيبة «1» و قد استدل بها بعض مشايخنا قال: ان فيها دلالة علي حرمة الاستماع مع عدم الرد.

و فيه: ان وجوب الرد غير حرمة الاستماع، و هي انما تدل علي الأول و لا تعرض لها للاستماع، و بعبارة اخري: هي متعرضة لترتب العقاب علي عدم الرد، و لكن الاستماع غير عدم الرد.

و منها: ما استند اليه المحقق التقي الشيرازي: و هو ما دل من النصوص «2» علي حرمة الرضا بوقوع الحرام، و ان الراضي بعمل قوم كالداخل فيه معهم، فإن هذه النصوص تدل بالفحوي علي حرمة الاستماع علي وجه الرضا.

و فيه: انها تدل علي ان الراضي بالغيبة كالداخل فيها استمعها أم لا، و بعبارة اخري: النسبة بينهما عموم من وجه، و في المجمع: لكل واحد منهما وجود منحاز عن الآخر، فلا وجه للاستدلال بما تضمن حكم أحدهما لثبوته للآخر.

و منها: ان الاستماع اعانة علي الغيبة، و الإعانة علي الإثم حرام، فالاستماع حرام.

و فيه: ما تقدم من عدم حرمة الإعانة علي الإثم، مع انه أخص من المدعي، إذ لو فرض عدم تأثير عدم استماع هذا الشخص في تحقق الغيبة، كما اذا كان هناك مستمع آخر، لزم عدم الحكم بالحرمة.

و منها: ان نفس أدلة حرمة الغيبة تدل علي حرمة الاستماع، لأنها لا تتحقق الا بالاستماع، و بعبارة اخري: ان الغيبة انما تتحقق بفعل شخصين: المتكلم و المستمع الأول

______________________________

(1) الوسائل، باب 156، من أبواب أحكام العشرة.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 72

______________________________

باصداره و الثاني بإصغائه و تحمله، فما دل علي حرمة الغيبة

يدل علي حرمة فعل كل منهما.

و فيه: ان الغيبة انما تتحقق بفعل المتكلم، غاية الأمر المحقق لصدقها علي فعله إصغاء السامع و تحمله.

و إن شئت قلت: ان ظاهر الأدلة حرمة إصدار الغيبة، و هي غير ملازمة لحرمة الاستماع و إن كان بينهما تلازم خارجا.

فتحصل: ان الدليل علي حرمة الاستماع منحصر بالنصوص المتقدمة إن صح سندها.

و قد يقال كما عن الأستاذ الأعظم: بأنه علي فرض صحة الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة استماع الغيبة مطلقا لا بد من تقييدها بالروايات المتكثرة الظاهرة في جواز استماعها لردها عن المقول فيه و تخصيصها بصورة السماع القهري خلاف الظاهر منها علي انه أمر نادر، و عليه فيحرم استماع الغيبة مع عدم الرد.

يرد علي ما أفاده: ان نصوص وجوب الرد غير متعرضة لحكم الاستماع، و انما تدل علي وجوب الرد و مقتضي إطلاقها وجوب الرد حتي لو فرض حرمة الاستماع.

و إن شئت قلت: ان وجوب الرد ليس مطلقا كي يجب تحصيل مقدماته الوجودية التي منها الاستماع، بل يكون وجوبه مشروطا بالاستماع، أو السماع القهري، فليست متعرضة لحكم الشرط، و علي ذلك فمقتضي اطلاقها الوجوب حتي إذا كان الاستماع محرما.

ثمّ انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا دلالتها علي وجوب الرد في صورة جواز الشرط، فهي تختص بصورة السماع القهري و هو لو سلم كونه نادرا، مع انه محل منع كما لا يخفي، لا يكون ذلك مانعا عن الاختصاص، إذ حمل المطلق علي الفرد النادر مستهجن.

و أما ورود الدليل لبيان حكم فرد نادر فلا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 73

ثمّ المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها (1) و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع. و قلنا بجواز

الغيبة حينئذ للمتكلم، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا لامع العلم بعدمه.

______________________________

جواز الغيبة لا يلازم جواز استماعها

(1) قوله ثمّ المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها.

و هل تختص حرمة الاستماع بما اذا حرم الاغتياب، أم تعم صورة جوازه، أم يفصل، بين علم السامع بالحلية فيجوز، و بين جهله بها فلا يجوز؟ فيه وجوه و أقوال:

و حق القول في المقام يقتضي البحث في مواضع:

الأول: أنه هل يلازم جواز الغيبة واقعا مع جواز الاستماع أم لا.

الثاني: أنه اذا لم يحرز السامع كونه جائز الغيبة بنحو يجوز الاستماع هل يجوز له الاستماع أم لا؟ الثالث: أنه اذا أحرز عدم كونه جائز الغيبة و لكن احتمل أو علم أن المغتاب معتقد لجواز الاغتياب هل يجوز له الاستماع أم لا؟ أما الموضع الأول: فمحصل القول فيه: ان جواز الغيبة يتصور علي أنحاء.

الأول: ان لا تصدق الغيبة شرعا علي ذكر ما في المقول فيه من العيب، كما اذا كان متجاهرا، أو كان المقول من الأوصاف الظاهرة، ففي هذا المورد يجوز الاستماع لعدم كونه استماعا للغيبة.

الثاني: ان تجوز الغيبة للمغتاب، و لكن كان هناك ملازمة عرفية بين جوازها له و جواز الاستماع، كما في تظلم المظلوم، فإن أهل العرف يفهمون من جواز تظلمه و لو عند من لا يرجو منه إزالة الظلم عنه جواز الاستماع، و في هذا المورد أيضا يجوز الاستماع.

الثالث: ان تجوز الغيبة بمناط يقتضي ذلك المناط بعينه جواز الاستماع، كما في الغيبة في مورد الاستفتاء فيجوز الاستماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 74

______________________________

الرابع: أن تجوز الغيبة للمغتاب لوجود أحد موانع التكليف فيه ككونه صبيا او مجنونا أو مكرها عليه، و في هذا المورد لا يجوز الاستماع، و ذلك لأن نصوص حرمة الاستماع

مطلقة شاملة لها، أما غير ما تضمن ان السامع أو المستمع أحد المغتابين فواضح، و أما ما تضمن ذلك فكذلك ان قرأ مغتابين بصيغة الجمع، فإنه يدل حينئذ علي ان السامع مشترك مع المغتابين في الحكم، و إن السامع كأنه متكلم بها، فإن لم يجز له التكلم بها لم يجز سماعها، و إن قرأ بصيغة التثنية.

فقد يتوهم انه يدل حينئذ علي ان السامع للغيبة منزل منزلة المتكلم بها في الحكم، فإن جاز له التكلم جاز لهذا الاستماع.

و لكنه غير تام، بل الظاهر منه علي هذا التقدير إرادة بيان مشاركة السامع للمتكلم في الحكم من جهة ان الغيبة توجد بفعلهما، هذا بتكلمه و ذاك باستماعه، فهما كما يشتركان في ايجاد الغيبة يشتركان في الحكم، و عليه فحيث ان كلا منهما حينئذ مكلف بترك ما هو فعله و المحرم عليه فعل نفسه لاما يتحقق بفعلهما معا كما هو واضح، فلكل منهما حكم يخصه، فجوازه لأحدهما لا يلازم جوازه للآخر، فيحرم الاستماع في هذا المورد و يجب الرد.

و أما الموضع الثاني: فإن شك في صدق الغيبة علي ما تكلم به، كما اذا احتمل كونه متجاهرا بالفسق، جاز الاستماع للأصل، و ليس المورد موردا للتمسك، بعموم أدلة حرمة الاستماع للشك في صدق الموضوع، و لا يمكن إحراز صدقه بالأصل لما تقدم في المستثنيات من أن هذا الأصل مثبت، و إن أحرز صدقه و لكن شك في عروض أحد المسوغات الاخر، فإن كان هناك أصل موضوعي قاض بعدمه يدخل بذلك في المطلقات فيحرم الاستماع، و إلا فالمرجع هي أصالة البراءة.

و مما ذكرناه ظهر حكم الموضع الثالث و هو عدم جواز الاستماع.

و في جميع هذه المواضع لا يجب النهي أما في

الأولين فلعدم كون صدور الفعل منكرا، و أما في الثالث فلإمكان عدم كونه منكرا فيحمل فعل القائل علي الصحة، و التمسك بأدلة النهي عن المنكر لاثبات وجوب الردع تمسك بالعام في الشبهة المصداقية له و هو لا يجوز بالاتفاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 75

قال: في كشف الريبة اذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة و لا عدمه قيل: (1) لا يجب نهي القائل لامكان الاستحقاق، فيحمل فعل القائل علي الصحة ما لم يعلم فساده و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته و هو أحد المحرمين.

ثمّ قال: و الأولي التنزه عن ذلك حتي يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها، و هو دليل ارادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل و لأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الي السامع مع احتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته، و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة، انتهي.

أقول: و المحكي بقوله قيل: لا دلالة فيه علي جواز الاستماع، و انما تدل علي عدم وجوب النهي عنه، و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل، لأن السامع أحد المغتابين، فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ. فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر. و أما نهي القائل فغير لازم مع دعوي القائل العذر المسوغ بل مع احتماله في حقه و إن اعتقد الناهي عدم التجاهر.

______________________________

(1) قوله قال في كشف الريبة اذا سمع أحد مغتابا لآخر … قيل لا يجب.

بعد ما عرفت ما هو الحق عندنا في هذا المقام، لا بأس ببيان ما قاله المصنف قدس سره.

لوقوع الاشتباه من بعض

المحققين في فهم مراده قدس سره.

و حاصله انه حكي الشهيد عن بعض انه قال: لو سمع أحد يغتاب آخر، و احتمل كونه جائز الغيبة ليس له النهي عنه لامكان استحقاق المقول فيه، فيحمل فعل المسلم علي الصحة ما لم يعلم فساده.

و أورد عليه الشهيد قدس سره: بأن مقتضي عموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها ج الذي هو دليل ارادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل- هو وجوب الرد و عدم جواز الاستماع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 76

نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه هذا، و لكن الأقوي جواز الاستماع اذا جاز للقائل لأنه قول غير منكر فلا يحرم الاصغاء إليه للأصل و الرواية علي تقدير صحتها تدل علي ان السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة، فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك فيكون دليلا علي الجواز فيما نحن فيه.

نعم لو استظهر منها ان السامع للغيبة كأنه متكلم بها فان جاز للسامع التكلم بغيبة جاز سماعها، و إن حرم عليه حرم سماعها ايضا كانت الرواية علي تقدير صحتها دليلا للتحريم فيما نحن فيه لكنه خلاف الظاهر من الرواية علي تقدير قراءة المغتابين بالتثنية و إن كان هو الظاهر علي تقدير قراءته بالجمع لكن هذا التقدير خلاف الظاهر، و قد تقدم في مسألة التشبيب انه اذا شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع.

ثمّ انه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة.

فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر (رضوان الله عليه) عن النبي صلي الله عليه و آله من اغتيب عنده أخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالي في الدنيا و الآخرة، و ان خذله و هو يستطيع نصره خذله الله

في الدنيا و الآخرة.

و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه في وصية النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام.

و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صلي الله عليه و آله من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة.

فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتابه.

و عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث المناهي عن النبي صلي الله عليه و آله من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فردها عنه، رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة، فإن هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة، الخبر.

و لعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يرده تجري المغتاب فيصر علي هذه الغيبة و غيرها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 77

و الظاهر ان الرد غير النهي عن الغيبة (1) و المراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة.

______________________________

علي انه لو تم ذلك لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الي السامع لاحتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته، و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة.

و أجاب عنه المصنف قدس سره بأن فيما ذكره الشهيد قدس سره خلطا بين عدم الاستماع ورد الغيبة، و بين النهي عنها، و الذي نفاه القائل هو لزوم النهي و هو لم ينف الأول كي يرد عليه ما ذكر.

و حيث ان النسبة بين حرمة الاستماع و وجوب النهي عنها عموم من وجه، إذ قد يجب النهي و لا يحرم الاستماع كما اذا كان هناك أحد المسوغات، و لكن المغتاب معتقد

لعدمه، و قد يحرم الاستماع و يجب الرد و لا يجب النهي عنها، كما اذا كان الفعل جائزا للمغتاب لكونه صبيا مثلا، و قد يجتمعان.

فإذا شك في استحقاق المقول فيه الغيبة لم يجز استماعها، لأن السامع أحد المغتابين، فكما ان المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا اذا علم التجاهر المسوغ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا اذا علم التجاهر، و لكن لا يجب نهي القائل لاحتمال وجود المسوغ.

ثمّ انه قدس سره اختار اخيرا جواز الاستماع لوجه آخر و حيث انه واضح المراد و جوابه ظاهر مما قدمناه فلا نطيل بذكره و ما فيه.

كما انه قدس سره افتي بوجوب رد الغيبة و استدل له بطائفة من النصوص المعتبرة واضحة الدلالة فلا وجه لاطالة الكلام في ذلك ايضا.

(1) قوله ان الرد غير النهي عن الغيبة.

و أورد عليه المحقق الايرواني قدس سره بأن الظاهر انه عينه، فإن الرد هو المنع و الدفع، و ظاهر الأخبار رد القول لارد المعني المقول و إبطاله.

و لكن الأظهر ما أفاده المصنف قدس سره إذ مضافا الي انه الظاهر من رد الغيبة، يشهد له ما في بعض النصوص من التعبير عنه بالانتصار للمغتاب، و التعبير عن عدم الرد بالخذلان، و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 78

فان كان عيبا دنيويا انتصر له (1) بأن العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه اللّه و إن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية، فينبغي ان يستغفر له و يهتمّ له لا ان تعير عليه و ان تعييرك اياه لعله أعظم عند الله من معصيته و نحو

ذلك. ثمّ انه قد يتضاعف عقاب المغتاب اذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره. (2)

______________________________

معلوم ان النهي عن الغيبة ليس انتصارا له و لا عدمه خذلانا كما لا يخفي. و مبتنيا علي ذلك.

(1) قال قدس سره: فان كان عيبا دنيويا انتصر له.

و قد علق المحقق التقي الشيرازي علي هذا: بأن المراد بالرد تكذيب المغتاب (بالكسر) إن أمكن، و إن انتسابه اليه مخالف للواقع اعتمادا علي عدم وقوع المقول و حملا لفعل المسلم علي الصحيح، قال: و يشير الي ذلك قوله عز من قائل (لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا و قالوا هذا إفك مبين) «1».

و قوله تعالي: (فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون) «2» و قوله تعالي: (و لو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) «3».

ثمّ قال: ان ما في الكتاب يكون راجعا الي تصديق وقوع الفعل و هو محرم، نعم لا بأس بإرادته مقيدا بعدم امكان التكذيب.

حرمة كون الانسان ذا لسانين

(2) صرح جماعة منهم المصنف قدس سره بانه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره.

______________________________

(1) النور، 13.

(2) النور، 14.

(3) النور: 17.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 79

و هذا و إن كان في نفسه مباحا (1) إلا أنه اذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذو اللسانين، و تأكد حرمته.

و لذا ورد في المستفيضة انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة و له لسانان من النار، فان لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار الا انه اذا انضم الي لسان الذم في الغياب صار كذلك. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عليه

السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله من مدح اخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما.

و عن الباقر عليه السلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطي حسده، و ان ابتلي خذله.

و اعلم أنه قد يطلق الاغتياب علي البهتان (2)

______________________________

و فيه: انه لا كلام في دلالة النصوص، علي ان ذا اللسانين يستحق عقابين، إلا ان الظاهر ان أحد العقابين ليس لما أفاده المصنف قدس سره و استحسنه الأستاذ.

(1) و هو المدح في الحضور الذي هو مباح في نفسه.

بدعوي انه اذا كان مسبوقا بالذم أو ملحوقا به كان من الجرائم الموبقة و يوجب كون الانسان ذا لسانين و منافقا، و ذلك لأن مجرد ذكر الصفات الحسنة في الحضور و ذكر الصفات الذميمة في الغياب، أو ذكر الأعمال الحسنة في الحضور و الأعمال القبيحة في الغياب لا يوجب صدق عنوان ذي اللسانين عليه كي يحتاج الي هذا التوجيه.

بل صدق هذا العنوان انما يكون بمدح الشخص في حضوره بأن له صفة حسنة أو عملا حسنا و ذمه في غيابه بثبوت ضدها له، أو مدحه في الحضور بنحو يشعر بعدم ثبوت صفة ذميمة له، و عليه فحيث ان لسان المدح في الحضور يكون غالبا لسان الكذب بعد عدم إمكان صدقه في اللسانين، فيكون أحد العقابين للكذب، و الآخر للغيبة، فتدبر، فإن لازم ذلك عدم صدق هذا العنوان علي من مدح الشخص في حضوره بما فيه، و ذمه في الغياب بإثبات ضده له، و هو كما تري.

(2) قد عرفت في أول هذا

المبحث ان الغيبة هي اظهار ما ستره الله، و البهتان هو أن تقول فيه ما ليس فيه فلا تصدق الغيبة علي البهتان، إلا علي بعض التفاسير، غير التام،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 80

و هو أن يقال في شخص ما ليس فيه، و هو أغلظ تحريما من الغيبة و وجهه ظاهر لأنه جامع بين مفسدتي الكذب و الغيبة و يمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين و المركب. (1)

و في رواية علقمة عن الصادق عليه السلام حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله في الجنة أبدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير.

خاتمة: في بعض ما ورد من حقوق المسلم علي أخيه. (2)

______________________________

و اطلاقها عليه في خبر علقمة، الذي هو ضعيف السند لا بد من حمله علي ارادة نوع من التجوز، لعدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم.

(1) قوله لانه جامع بين مفسدتي الكذب و الهتك …

غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه ما أفاده المحقق التقي قدس سره قال: إن من ذكر المؤمن بنقص ليس فيه فيصدق عليه الكذب باعتبار عدم مطابقته للواقع، و الغيبة بالمعني الأعم باعتبار ذكر النقص، و البهتان باعتبار اجتماع العنوانين المعبر عنه بالبهتان فيعاقب بثلاثة عقاب.

و لكن يرد عليه ان البهتان ليس مورد اجتماع العنوانين لأن الغيبة غير البهتان كما عرفت.

حقوق الاخوان

(2) قوله خاتمة في بعض ما ورد «1» من حقوق المسلم.

النصوص المثبتة لحقوق كثيرة علي الأخ و إن كانت كثيرة، إلا ان ما ذكره المصنف من خبر الكراجكي المشتمل علي ان للمؤمن علي أخيه ثلاثين حقا، ضعيف السند لأن

في سنده الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 81

ففي صحيحة مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن.

و روي في الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن علي الجعابي عن القاسم بن محمد ابن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة إلا بأدائها أو العفو:

1- يغفر زلته،- 2 و يرحم عبرته،- 3 و يستر عورته، 4- و يقيل عثرته، 5- و يقبل معذرته، 6- و يرد غيبته، 7- و يديم نصيحته، 8- و يحفظ خلته، 9- و يرعي ذمته، 10- و يعود مرضه، 11- و يشهد ميته، 12- و يجيب دعوته، 13- و يقبل هديته، 14- و يكافي صلته، 15- و يشكر نعمته، 16- و يحسن نصرته، 17- و يحفظ حليلته، 18- و يقضي حاجته، 19- و يستنجح مسألته، 20- و يسمت عطسته، 21- و يرشد ضالته، 22- و يرد سلامه، 23- و يطيب كلامه، 24- و يبر انعامه، 25- و يصدق أقسامه، 26- و يوالي وليه، 27- و لا يعاديه، 28- و ينصره ظالما و مظلوما.

فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه، 29- و لا يسلمه و لا يخذله، 30- و يحب له من الخير ما يحب لنفسه و يكره له من الشر ما يكره لنفسه.

ثمّ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و

آله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له عليه و الأخبار في حقوق المؤمن كثيرة، و الظاهر ارادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها و معني القضاء لذيها علي من هي عليه «عليها» المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدي حقوق الأخوة.

ثمّ ان ظاهرها و إن كان عاما إلا انه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر (1) أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة اليه و لا يوجب إهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة، فان التهاتر يقع في الحقوق كما يقع في الأموال.

______________________________

(1) قوله الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 82

______________________________

و إن كان في كلامه مسامحة، فإن مراده علي ما يشعر به الاستدلال بتحقق المقاصة، إن عدم قيام الآخر بما يقتضيه الأخوة، و تضييعه للحقوق التي تكون من مقتضيات الأخوة، مانع عن تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة اليه.

لا ان رجحان القيام مشروط بقيام الآخر.

حتي يرد عليه ان لازم ذلك انه لو لم يقم الطرفان بها كانا معذورين، لعدم تحقق الشرط، و هو باطل بالضرورة، الا ان ما ذكره متين.

و يقتضيه جملة من الآيات:

كقوله تعالي (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) «1».

و قوله تعالي: (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) «2».

و قوله تعالي: (وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ) «3».

و يشهد له، مضافا الي ذلك بعض النصوص التي استدل بها.

و هو ما رواه الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام الاخوان صنفان، إخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فاما اخوان الثقة، فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي

ثقة فابذل له مالك و يدك وصاف من صافاه و عاد ما عاداه و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الأحمر، و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان «4».

فانه يدل علي ان حقوق الأخوة من كتمان السر و العيب و اظهار الحسن و غيرهما انما تكون مطلوبة، لو كان الطرف من اخوان الثقة و أما لو كان من اخوان المكاشرة غير القائمين بها فلا تكون هي مأمورا بها، بل قوله و ابذل لهم ما بذلوا الخ، كالصريح في ارادة ان كل حق من الحقوق أهمله الآخر بالنسبة الي الانسان للانسان ايضا اهماله.

و أما ساير النصوص فستعرف ما في الاستدلال بها.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية 195.

(2) سورة النحل، آية 127.

(3) سورة البقرة، آية 195.

(4) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 83

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان بل لجميعهم إلا القليل.

فعن الصدوق قدس سره في الخصال و كتاب الاخوان و الكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: قام إلي أمير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة فقال: اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان: اخوان الثقة و اخوان المكاشرة.

فاما اخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك وصاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و

أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الأحمر.

و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، و حلاوة اللسان.

و في رواية عبد الله الحلبي المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها فمن كان فيه هذه الحدود او شي ء منها فانسبه الي الصداقة و من لم يكن فيه شي ء منها فلا تنسبه الي شي ء من الصداقة.

فأولها: ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

و الثانية: أن يري زينك زينه و شينك شينه.

و الثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال.

و الرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله و قدرته.

و الخامسة: و هي مجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات.

و لا يخفي انه اذا لم يكن الصداقة لم يكن الأخوة (1) فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة اليه.

و في نهج البلاغة لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته و في غيبته و في وفاته.

______________________________

(1) الصداقة أخص من الأخوة، و يشير اليه مضافا الي وضوحه، ما في نهج البلاغة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 84

و في كتاب الاخوان بسنده عن الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي:

أ رأيت من كان قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه، قلت: لا، قال: فاذا كان ليس عنده إزار يوصل اليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتي يجد له إزارا قلت لا، قال: فضرب بيده علي فخذه،، و قال: ما هؤلاء بإخوة.

دل علي من لا يواسي المؤمن ليس بأخ

له فلا يكون له حقوق الاخوة (1)

المذكورة في روايات الحقوق و نحوه، رواية ابن أبي عمير عن خلاد رفعه قال: ابطأ علي رسول الله صلي الله عليه و آله رجل فقال: ما ابطأ بك، قال: العري يا رسول الله فقال: أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما، فقال: بلي يا رسول الله قال: ما هذا لك بأخ.

و في رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله عليه السلام اختبروا اخوانكم بخصلتين فان كانتا فيهم و الا فاغرب ثمّ اغرب: المحافظة علي الصلوات في مواقيتها، و البر في الاخوان في اليسر و العسر. (2)

______________________________

لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث «1» فنفي الصداقة لا يدل علي نفي الأخوة.

(1) بعد ما لا ريب في ثبوت حقوق الأخوة اللزومية له كمحرمة غيبته، لا مناص عن حمل الخبرين علي ارادة نفي الكمال، كما في لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. و عليه فلا يدلان علي عدم ثبوت حقوق الأخوة المذكورة في روايات الحقوق كما لا يخفي.

(2) و فيه مضافان الي ضعف سند الخبر، انه يدل علي عدم المجالسة مع من ليس فيه هاتان الخصلتان فإن المجالسة مؤثرة فهو اجنبي عن المقام.

______________________________

(1) نهج البلاغة، 494، الحكمة رقم 134.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 85

الخامسة عشرة: القمار حرام إجماعا (1)
اشارة

و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة و هو بكسر القاف كما عن بعض أهل اللغة الرهن علي اللعب بشي ء من الآلات المعروفة (2) و حكي عن جماعة انه قد يطلق علي اللعب بهذه الأشياء مطلقا و لو من دون رهن و به صرح في جامع المقاصد، و عن بعض ان أصل المقامرة المغالبة.

______________________________

حرمة القمار

(1) قوله الخامسة عشرة القمار حرام اجماعا.

و تنقيح

القول فيه يقع أولا: في القمار موضوعا، ثمّ في بيان حكمه:

أما الأول فالكلام فيه في موردين:

الأول في أصل المعني الموضوع له.

الثاني: في حدوده و قيوده.

أما المورد الأول: فالمعاني المحتملة له أربعة: نفس الآلات، و المال المجعول في المعاملة، و اللعب بها، و المعاملة الواقعة علي اللعب بها.

أما المعنيان الأولان: فالظاهر انهما أجنبيان عن معني القمار، إذ مضافا الي تصريح اللغويين بأنه اللعب بالآلات مع الرهن أو بدونه، أو المراهنة علي اختلاف تعابيرهم. انه مصدر من المفاعلة و المناسب للمعني المصدري أحد المعنيين الأخيرين كما لا يخفي. نعم في خبر أبي الجارود «1» أطلق القمار علي نفس الآلات، لكنه مضافا الي ضعف سنده و معارضته مع النصوص الاخر المتضمنة ان كل ما قومر به فهو الميسر، الظاهرة في ان القمار هو فعل المكلف، الاستعمال أعم من الحقيقة.

(2) و الاظهر بحسب المتفاهم العرفي هو المعني الثالث، و قد صرح به جمع من أئمة اللغة.

و أما المورد الثاني: فالظاهر ان القمار لا يصدق علي اللعب بدون الرهان كما يظهر لمن راجع الاستعمالات العرفية و كلمات اللغويين، ففي مجمع البحرين: أصل القمار الرهن

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 86

______________________________

علي اللعب بشي ء، و في القاموس: تقمره راهنه فغلبه، و نحوه ما عن لسان العرب، و في المنجد:

القمار كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا كان بالورق أو غيره.

و لا ينافيه ما عن ظاهر الصحاح و المصباح و التكملة و الذيل. انه قد يطلق علي اللعب بها مطلقا مع الرهن و دونه، فانه لو لم يدل علي انه موضوع للعب بها مع الرهن، و ان اطلاقه علي اللعب بدونه

نادر و مجاز، لا يدل علي انه بنحو الحقيقة.

و لو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الشك في صدقه بدونه، فيتعين الأخذ بالقدر المتيقن.

و لا يعتبر في صدقه أن يكون اللعب بالآلات المعدة للقمار بحيث لا منفعة لها غير القمار و لا بالآلات المعروفة الشاملة لها و لغيرها كالخاتم و الجوز و البيض التي تعارف اللعب بها و لها منافع شائعة اخر.

لما نري من صدق القمار علي اللعب بكل شي ء مع الرهن، من دون عناية و علاقة.

كما يظهر لمن راجع مرادف هذا اللفظ في سائر اللغات.

و لتصريح أكثر اللغويين بذلك.

و لما في جملة من النصوص من التصريح بالتعميم.

ففي صحيح معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «1».

و في خبر جابر عن الإمام الباقر عليه السلام: قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز «2».

و نحوهما غيرهما.

فالمتحصل مما ذكرناه: ان القمار هو اللعب بأي شي ء كان بشرط الرهن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 87

و كيف كان فهنا مسائل أربع لأن اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه، و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض و قد تكون بدونه.

فالأولي: اللعب بآلات القمار مع الرهن و لا إشكال في حرمته و حرمة العوض (1) و الاجماع عليه محقق و الأخبار به متواترة.

______________________________

اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن

المقام الثاني: في حكمه.

و المراد بحكمه ليس هو حرمة بيع الآلات المعدة للقمار وضعا و تكليفا، إذ الكلام

في ذلك قد تقدم في النوع الثاني مفصلا، بل المراد به في المقام هو حرمة اللعب بها.

و تنقيح القول في ذلك انما هو في ضمن مسائل.

(1) الاولي: لا خلاف بين علماء الإسلام في حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن، بل هي من ضروريات الإسلام، و تشهد له الآيات الشريفة «1» و النصوص المتواترة «2».

و ما ذكره المحقق الإيرواني قدس سره من انه لو كان القمار معناه المعاملة و المراهنة فلا يكون نفس اللعب حراما الا اذا كان اجماع علي حرمته ايضا، غريب.

إذ مضافا الي ان عليها الاجماع، تشهد لحرمته الآيات و النصوص المتضمنة للنهي عن اللعب بالشطرنج و النرد و سائر آلات القمار.

و من هذا القبيل المعاملة المعروفة في هذا العصر الواقعة علي ما يسمي في الفارسية ب (بليط بخت آزمائي) فإن ذلك الورق أعد لهذه المراهنة و المغالبة، فهي حرام، و العوض المأخوذ سحت، و قد اشبعنا الكلام فيها في كتابنا المسائل المستحدثة.

______________________________

(1) المائدة، آية 91- و البقرة، آية 184.

(2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، و راجع الأبواب 102 و 103 و 104 و غير من الأبواب منها و راجع كتب الحديث غير ما اشرنا اليه كالمستدرك و البحار و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 88

الثانية: اللعب بآلات القمار من دون رهن (1) و في صدق القمار عليه نظر لما عرفت (2) و مجرد الاستعمال لا يوجب إجراء الأحكام المطلقات و لو مع البناء علي أصالة الحقيقة في الاستعمال لقوة انصرافها الي الغالب من وجود الرهن في اللعب بها. (3)

و منه تظهر الخدشة في الاستدلال علي المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات بناء علي انصرافه الي المتعارف من ثبوت الرهن،

نعم قد يبعد دعوي الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي عن الشطرنج و النرد، قال عليه السلام: لا تقربوهما قلت: فالغناء قال: لا خير فيه لا تقربه.

______________________________

اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن

(1) المسألة الثانية: في اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن.

ففي جامع المقاصد: لا ريب في تحريم اللعب بذلك و إن لم يكن رهن.

و عن المستند: نفي الخلاف فيه.

و قد استدل للحرمة بوجهين:

أحدهما: الأدلة الناهية عن القمار من الآيات و الروايات.

و أورد عليه المصنف قدس سره بوجهين:

(2) الاول: ان في صدق القمار علي اللعب بدون الرهن نظرا.

و لكن قد عرفت عدم الصدق.

(3) الثاني: انصرف القمار علي فرض صدقه عليه عنه.

و فيه: ان منشأ الانصراف سواء كان هو قلة الوجود أو قلة الاستعمال، يرد عليه:

أولا: منع تلك، فإن اللعب بها بدون الرهن كثير، كما ان الاستعمال فيه كذلك.

و ثانيا: ان الانصراف الناشئ من قلة الوجود او قلة الاستعمال لا يوجب تقييد المطلقات و لا يعتني به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 89

و الأولي الاستدلال علي ذلك بما تقدم في رواية تحف العقول من ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. (1)

و في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال اما الخمر فكل مسكر من الشراب الي ان قال: و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر الي أن قال و كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم. (2)

______________________________

ثانيهما: النصوص الناهية عن اللعب بالنرد و الشطرنج و غيرهما من آلات القمار كصحيح ابن خلاد، و خبر أبي الربيع المتقدمين،

و غيرهما من النصوص الواردة في تفسير الميسر و غيرها.

و أورد عليه المصنف قدس سره بأنها منصرفة الي اللعب بها مع الرهن، و قد عرفت ما فيه.

و قد استدل المصنف قدس سره له بوجوه:

(1) الاول: قوله عليه السلام في خبر تحف العقول: ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات «1».

و فيه: أولا: انه ضعيف السند كما تقدم في أول الكتاب.

و ثانيا: ان المصنف قدس سره في مسألة الانتفاع بالنجس صرح بأن المراد بالتقلب ما يرجع الي الأكل و الشرب، بمعني ان المراد به المنافع المقصودة الظاهرة للشي ء، و عليه فيختص ذلك باللعب بها مع الرهن.

و ثالثا: ان كون تلك الآلات مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف علي عدم كون اللعب بدون الرهن من منافعها، أو كونه حراما، و الأول كما تري، و الثاني لا بد و أن يحرز من الخارج، و لا يمكن اثباته بهذا الخبر، إذ الدليل المتكفل لبيان الحكم لا تعرض له للموضوع.

(2) الثاني: خبر أبي الجارود عن مولانا الباقر عليه السلام المذكور في المتن «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 90

و ليس المراد بالقمار هنا المعني المصدري حتي يرد ما تقدم من انصرافه الي اللعب مع الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله بيعه و شراؤه و قوله. و أما الميسر فهو النرد، … الخ.

و يؤيد الحكم (1) ما عن مجالس المفيد الثاني قدس سره ولد شيخنا الطوسي قدس سره

______________________________

و فيه: أولا: ان هذا الخبر ضعيف السند، لأن أبا الجارود زياد بن المنذر لم يرد فيه توثيق

بوجه، بل هو مذموم أشد الذم، فعن الامام الصادق عليه السلام انه كذاب، مع انه مرسل.

و ثانيا: ان الانصراف الذي يدعيه الشيخ قدس سره في سائر النصوص آت هنا، و ليس المراد انصراف القمار الي اللعب بالآلات مع الرهن حتي يقال إن القمار في هذا الخبر لم يرد به اللعب بل اريد به الآلات أنفسها بقرينة قوله بيعه و شرائه. و قوله و أما الميسر فالنرد و الشطرنج، بل المراد انصراف الانتفاع بها المنهي عنه الي اللعب بها مع الرهن.

الثالث: خبر أبي الربيع الشامي عن الامام الصادق عليه السلام: عن النرد و الشطرنج فقال:

لا تقربوهما «1» بتقريب ان المنهي عنه في هذا الخبر هو القرب اليهما، و هو لا ينصرف الي اللعب مع الرهن، إذ المستفاد من المنع عن القرب إرادة المبالغة في التنزه و الاجتناب التي لا يناسبها التخصيص بخصوص قسم خاص من التحرز و التجنب.

و فيه: أولا: انه ضعيف السند، لأن أبا الربيع مجهول الحال اللهم الا ان يقال: ان الراوي عنه بما انه ابن محبوب- و هو من أصحاب الاجماع- فخبره هذا معتمد.

و ثانيا انه بعد ما علم من أن المراد بالقرب ليس هو معناه الحقيقي بل أريد به المعني الكنائي و هو اللعب بهما، فسبيل هذا الخبر سبيل سائر المطلقات، و سيأتي التعرض لها، فعلي القول بانصرافها الي اللعب بها مع الرهن لا وجه للاستدلال به.

(1) و قد ذكر المصنف قدس سره جملة من الروايات لتأكيد الحكم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 92

المؤمن لمشغول عن اللعب فان مقتضي اناطة الحكم بالباطل، و اللعب عدم اعتبار الرهن في حرمة اللعب بهذه الأشياء و

لا يجري (و عدم جريان) دعوي الانصراف هنا.

الثالثة: المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار (1) كالمراهنة علي حمل الحجر الثقيل و علي المصارعة و علي الطيور و علي الطفرة و نحو ذلك مما عدوها في باب السبق و الرماية و من أفراد غير ما نص علي جوازه، و الظاهر الالحاق بالقمار في الحرمة و الفساد بل صريح بعض انه قمار و صرح العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد، و هو ظاهر كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عد المنصوص (2) مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض، فان ظاهر ذلك ان محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.

______________________________

و فيه: مضافا الي ضعف سنده لمحمد بن جعفر بن عنبسة و غيره، انه لا دلالة له علي حرمة اللعب، بل انما هو إرشاد الي ان المؤمن لا يشتغل بما لا يفيده في دينه أو دنياه.

اللعب بغير الآلات المعدة للقمار مع الرهن

(1) قوله الثالثة: في المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار.

و الظاهر ان المشهور بين الأصحاب هو تحريم ذلك، و عن العلامة الطباطبائي قدس سره عدم الخلاف في التحريم و الفساد.

(2) و قد استظهر المصنف قدس سره ذلك من كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض.

توضيح ما أفاده: ان مورد الخلاف في المسابقة بدون العوض في غير الموارد المنصوصة هي الحرمة التكليفية، إذ لا رهن فيها كي يقع الخلاف في الحرمة الوضعية و الفساد، فمقابلة مورد الوفاق- و هي حرمة المسابقة- مع العوض بمورد الخلاف تقتضي كون مورد الوفاق هي الحرمة التكليفية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 93

و من المعلوم

أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد و يدل عليه ايضا قول الصادق عليه السلام انه قال رسول الله صلي الله عليه و آله ان الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك قمار حرام.

و في رواية العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش و النصل. (1)

______________________________

و كيف كان: فقد استدل للحرمة بوجوه:

الأول: الاجماع.

و فيه: انه لو ثبت لا يصلح للاعتماد عليه، فضلا عن عدم ثبوته، و ذلك لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه التي ستمر عليك.

الثاني: الآيات و الروايات الدالة علي حرمة القمار و الميسر و الأزلام، فانها بإطلاقها تدل علي حرمة المراهنة بغير الآلات المعدة للقمار لما عرفت من صدق القمار عليها. فراجع ما ذكرناه.

الثالث: النصوص الظاهرة في حرمتها، و هي طوائف:

(1) منها ما دل علي ان الملائكة تنفر عند الرهان و تلعن صاحبه.

كمرسل الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل «1».

و خبر العلاء بن سيابة المذكور في المتن و قد روي المحدث العاملي هذه الرواية عن الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام و ليس في سندها العلاء بن سيابة «2».

و فيه: أولا: انهما ضعيفا السند، أما الأول فللإرسال، و أما الثاني فلأن العلاء مجهول.

و ثانيا: ان الرهان مصدر باب المفاعلة، و هي المعاملة و المراهنة علي العمل الخارجي، و عليه فهما اجنبيان عن حرمة نفس العمل و اللعب الخارجي، و إنما يدلان علي

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب السبق و

الرماية، حديث 6.

(2) باب 3، من المصدر، ح 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 94

و المحكي عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها. (1)

و في مصححة معمر بن خلاد كل ما قومر عليه فهو ميسر. (2)

و في رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما يقامر به حتي الكعاب و الجوز. (3) و الظاهر ان المقامرة بمعني المغالبة علي الرهن، و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم المعتضدة بدعوي عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص

______________________________

حرمة المراهنة و فسادها، بل علي خصوص الفساد، و يكون اللعن من جهة أخذ العوض.

(1) و منها: ما عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الامام الرضا عليه السلام: المذكور في المتن «1».

و فيه: أولا: انه ضعيف السند لياسر.

و ثانيا: انه يدل علي ان الرهن من الميسر، فتشمله الآية الآمرة بالاجتناب عنه، فغاية ما يثبت به حرمة التصرف فيه، فهو يدل علي الفساد دون الحرمة التكليفية.

(2) و منها: صحيح ابن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام: النرد و الشطرنج و الاربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما قومر عليه فهو ميسر «2».

و فيه: ان ما يقامر عليه هو الرهن، و عليه فيرد عليه ما أوردناه علي سابقه.

(3) و منها: خبر جابر عن الامام الباقر عليه السلام: قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كلما تقومر به حتي الكعاب و الجوز «3».

و فيه: انه ضعيف السند لأن في سنده عمرو بن شمر.

و منها: خبر

إسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام: عن الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون: لا تأكل منه فإنه حرام «4».

و فيه: انه صريح في الفساد و اجنبي عن ما هو محل الكلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(4) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 95

الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار. (1) و أما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه الا فساد المعاملة و عدم تملك الرهن فيحرم التصرف فيه لأنه أكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما في القمار بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان ان المقامرة المذكورة أوجبته و الزمته أمكن القول بجوازه، و قد عرفت من الأخبار اطلاق القمار عليه و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم و انه من الميسر المقرون بالخمر.

و أما ما ذكره أخيرا من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد فلم أفهم معناه لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معني لاستحباب الوفاء به اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك علي ما لم يحصل فيه سبب تملك الا ان يراد صورة الوفاء بأن يملكه تملكا جديدا بعد الغلبة في اللعب لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم ايضا (2) غاية الأمر الفرق بينهما بأن الوفاء لا يستحب في المحرم لكن الكلام في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد لا في فعل الباذل و

انه يستحب له او لا و كيف كان، فلا أظن الحكم بحرمة الفعل

______________________________

(1) و قد أنكر صاحب الجواهر و هو المراد من قوله بعض مشايخنا المعاصرين الحرمة التكليفية و محصل ما يفيده قدس سره بعد إنكار اطلاق او عموم للنصوص الواردة في الباب الدالة علي الحرمة التكليفية.

بأنه لا يترتب علي مطلق المغالبة بغير الآلات المعدة للقمار سوي عدم تملك الراهن لفساد المعاملة فيحرم التصرف فيه لأنه أكل للمال بالباطل.

و أما نفس العمل فليس كالقمار كي يكون محرما و لا معصية من جهته.

ثمّ انه قدس سره يقول ان حرمة التصرف في المأخوذ انما هو فيما لو أخذه الراهن بعنوان الوفاء بالمعاملة و أما لو كان الأخذ بعنوان الوفاء بما يتعهده الباذل قبل المعاملة و يتواعدان علي ان يملك كل منهما الآخر علي فرض الغلبة.

فأخذ الغالب الرهن هنا بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو نذر لا كفارة له كما في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 96

مضافا الي الفساد محل اشكال، بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات، و تقدم دعواه صريحا من بعض الأعلام. نعم عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام انه قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و أصحاب له شاة، فقال: ان أكلتموها فهي لكم و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضي فيه ان ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه أو كثر، و منع غرامة فيه و ظاهرها من حيث عدم ردع الامام عن فعل مثل هذا انه ليس بحرام الا انه لا يترتب عليه الأثر لكن هذا وارد علي تقدير

القول بالبطلان و عدم التحريم لأن التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام ايضا، فتأمل. (2)

______________________________

مصحح «1» هشام عن الامام الصادق عليه السلام عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له الحديث، فيكون الأخذ بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو لو لم يكن واجبا لا ريب في استحبابه.

و لا يرد عليه ما في المتن لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم ايضا.

فانه يندفع بأن القمار حرام و كذا كل ما يسستتبعه فتدبر.

نعم يمكن أن يقال إن الوعد غير الشرط في ضمن العقد و هو أمر مستقل لا ربط له به و انما يكون القمار من دواعيه، و عليه فيرد عليه ما أفاده المصنف قدس سره.

و قد أنكر صاحب الجواهر قدس سره الحرمة التكليفية و التزم بخصوص الفساد.

(1) و استدل له: بصحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «2».

بدعوي انه متضمن لفساد المراهنة في الطعام خاصة، و لو كانت هي محرمة لردع عنها ايضا، فيستكشف من عدم الردع الجواز.

(2) و أجاب عنه المصنف قدس سره بانه لا يصح استكشاف الجواز من عدم ردعه عليه السلام في المقام، و الا لدل علي جواز التصرف في الشاة لعدم الردع عن ذلك، مع انه علي القول بالبطلان يحرم التصرف فيها لكونها مال الغير.

______________________________

(1) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب كتاب الجعالة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 97

ثمّ إن حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة يجب رده علي مالكه مع بقائه و مع التلف فالبدل مثلا او قيمة، و ما ورد من قي ء الامام البيض الذي قامر (1) به الغلام

فلعله للحذر من أن يصير الحرام

______________________________

و فيه: أولا: انه لم يذكر في الرواية ان أصحاب الرجل تصرفوا في الشاة حتي يكون سكوته عن بيان حرمته دليل الجواز.

و ثانيا: انه قد دلت الأدلة الاخر علي حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد، و لأجلها لا يحكم بالجواز بخلاف المراهنة.

و ثالثا: ما ورده المحقق الايرواني قدس سره بأن الظاهر منه أن صاحب الشاة قد أباح شاته بشرط أن يلتزموا بإعطاء كذا إن لم يأكلوا لا بشرط أن يعطوا، و قد التزموا فتنجزت الاباحة، فأكلهم كان بالاباحة المالكية، و عدم كونهم ملتزمين بالوفاء شرعا لا يرفع الاباحة المالكية، فلا يكون التصرف في الشاة محرما.

فالحق في الجواب عنه أن يقال: إن الظاهر كون الخبر أجنبيا عن المراهنة بالأكل، و انما يكون مورد الخبر الاباحة المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا الإعطاء.

(1) نظره الشريف بعد ما أفاد بان حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات، الي انه قد يتوهم ان ما ورد من قي ء الامام البيض ينافي ذلك و هو ما رواه عبد الحميد بن سعيد قال: بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتي له به أكله فقال له مولي له: ان فيه من القمار قال: فدعا بطشت فتقيأ فقاءه «1».

و لكن يرد عليه: انه علي تقدير صحة سنده- مع انه محل نظر لجهالة عبد الحميد المذكور- لا ينافي القاعدة المسلمة و هي لزوم دفع المأخوذ بالعقد الفاسد مع بقاء عينه، و مع تلفه يجب رد بدله من المثل ان كان مثليا، أو القيمة إن كان قيميا و ذلك لوجوه:

______________________________

(1) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث

2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 98

جزء من بدنه لا للرد علي المالك لكن يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم له جهلا بناء علي عدم اقدامه علي المحرمات الواقعية الغير المتبدلة بالعلم «بالجهل» لا جهلا و لا غفلة لأن ما دل علي عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب و فعل الحرام دل علي عدم جواز الجهل عليه في ذلك، اللهم الا أن يقال بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعي الغير المتبدل بالجهل انما هو في بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام و الفرض اطلاعه عليه في اوائل وقت تصرف المعدة و لم يستمر جهله.

هذا كله لتطبيق فعلهم علي القواعد و الا فلهم في حركاتهم من أفعالهم و أقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم. (1)

______________________________

الأول: انه يحتمل أن البيض الذي أكله هو الذي اشتراه له، و انما قاءه لانه قومر به، فاراد الاجتناب عنه لئلا يصير ذلك جزء من بدنه الشريف.

الثاني: ان الدنيا و ما فيها للإمام، و هو أولي بالتصرف في الأموال من المالكين كما نطقت بذلك جملة من النصوص، و قيئه حينئذ انما كان لما تقدم.

الثالث: انه مع الإغماض عن هذين الوجهين و تسليم كونه مال الغير لا يتوهم أحد ان قيئه عليه السلام كان لأجل رده الي مالكه لأنه بالأكل قد تلف، و هو بعد القي ء يعد من القذارات العرفية.

و يبقي علي هذا الوجه الإشكال في انه عليه السلام كيف أكل الحرام الواقعي؟ و الجواب عنه.

(1) ما أشار اليه المصنف قدس سرة بقوله: و لهم في حركاتهم من افعالهم و أقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم.

حكم المسابقة بغير رهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 99

الرابعة: المغالبة بغير عوض

في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه (1) و الأكثر علي ما في الرياض علي التحريم بل حكي فيها عن جماعة دعوي الإجماع عليه (2) و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة.

فعن موضع منها انه لا تجوز المسابقة علي المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع لعموم النهي، الا في الثلاثة الخف، و الحافر، و النصل.

و ظاهر استدلاله ان مستند الإجماع هو النهي، و هو جار في غير المصارعة ايضا، و عن موضع آخر لا يجوز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا.

و فيه ايضا لا يجوز المسابقة علي المراكب و السفن و الطيارات عند علمائنا، و قال ايضا لا يجوز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال و كذلك لا يجوز المسابقة بما لا ينتفع به في الحرب، وعد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف علي رجل واحد و معرفة ما في اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب، و كذا للبث في الماء، قال: و جوزه بعض الشافعية و ليس بجيد، انتهي.

و ظاهر المسالك الميل الي الجواز و استجوده في الكفاية و تبعه بعض من تأخر عنه للأصل و عدم ثبوت الإجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من

______________________________

(1) هذه هي المسألة الرابع و هي في المغالبة بغير عوض في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه كالمصارعة و المسابقة علي المراكب و السفن، و رمي الحجارة و نحو ذلك.

و الظاهر ان المشهور بين الأصحاب هو التحريم، و في جامع المقاصد:

ظاهر المذهب التحريم، و صريح المحكي عن التذكرة و غيرها: ان عليه إجماع الإمامية.

و عن الشهيد الثاني و من تبعه، و المحقق السبزواري، و جمع من الأساطين و في الحدائق و الجواهر: الجواز.

و استدل للأول بوجوه:

(2) الأول: الإجماع الذي حكاه غير واحد.

و فيه: ان الإجماع لو تحقق لا يعتمد عليه في المقام لعدم كونه تعبديا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 100

عموم النهي (1) و هو غير دال لأن السبق في الرواية يحتمل التحريك بل في المسالك انه المشهور في الرواية و عليه فلا يدل الا علي تحريم المراهنة بل هي غير ظاهرة في التحريم ايضا لاحتمال ارادة فسادها، بل هو الأظهر لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه و ارادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد و علي تقدير السكون فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي فيحتمل نفي الصحة لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علي العوض (2) و قد يستدل للتحريم ايضا.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني و هو خبر «1» عبد الله بن سنان الإمام الصادق عليه السلام: لا سبق الا في خف او حافر او نصل. يعني النضال.

بتقريب ان السبق بسكون الباء مصدر، و المراد من نفيه نفي المشروعية، و مقتضي اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بدون الرهن.

و أورد عليه تارة: بضعف السند لمعلي بن محمد كما عن الأستاذ.

و فيه: انه حسن أقلا لكونه من مشايخ الإجازة.

و اخري: بما في المكاسب.

(2) بأنه كما يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي الصحة، لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علي العوض.

و يمكن دفعه: بأن المسابقة بغير الرهان كثيرة، مع ان قلة الوجود لا توجب الانصراف كما تقدم.

و ثالثة: بما عن الكفاية: انه يحتمل أن يكون معناه لا اعتداد

بسبق في أمثال هذه الأمور الا في الثلاثة، أو لا فضل لسبق الا في الثلاثة، فلا دلالة فيه علي التحريم.

و فيه: ما تقدم من ظهوره علي هذا التقدير في نفي المشروعية.

فالأولي أن يورد عليه: بأنه لم يثبت كون السبق المذكور (بسكون الباء) بل من المحتمل أن يكون (بالفتح)، بل عن الشهيد الثاني: انه المشهور و السبق (بالفتح) هو العوض و الرهن، و نفيه ظاهر في ارادة فساد المراهنة لظهوره في نفي استحقاقه، و عليه فلا يمكن الاستدلال به للإجماع و عدم ثبوت قراءة السكون

______________________________

(1) باب 3، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 101

(1) بأدلة القمار بناء علي انه مطلق المغالبة و لو بدون العوض كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا. (2)

و دعوي انه يشترط في صدق القمار احدي الأمرين: أما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و إن لم يكن عوض. و أما المغالبة مع العوض و إن لم يكن بالآلات المعدة للقمار علي ما يشهد به اطلاقه في رواية الرهان في الخف و الحافر في غاية البعد، بل الأظهر انه مطلق المغالبة و يشهد له ان اطلاق آلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار (3) كما في سائر الآلات المضافة الي الأعمال و الآلة غير مأخوذة في المفهوم.

و قد عرفت أن العوض ايضا غير مأخوذ فيه فتأمل.

______________________________

(1) الثالث: اطلاق أدلة القمار لأنه مطلق المغالبة و لو بدون العوض.

(2) و يشهد به ما تقدم من اطلاق الرواية بكون بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا.

و فيه ما عرفت في أول المسألة من أخذ الرهان في مفهوم القمار.

و أما

الاستدلال بما دل علي ان اللعب بالشطرنج بدون العوض قمار.

فيتوجه عليه انه لو صح سند الخبر يرد علي الاستدلال به، ان الإطلاق أعم من الحقيقة و حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض انما هي للأدلة الخاصة لا لصدق القمار عليه.

و أما ما أورده المصنف قدس سره عليه بقوله.

(3) ان اطلاق ادلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار.

فيتوجه عليه انه لم يدع أحد كون الآلة جزء من مفهوم القمار.

بل من يدعي اعتبار كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، انما يقول بدخول التقيد بها في صدقه و الا فلا ريب في خروجها عن مفهومه.

الرابع: ما دل علي نفار الملائكة عند الرهان و لعن صاحبه ما خلا الثلاثة «1»، مع التصريح في بعضها بأن ما عداها قمار محرم لصدق الرهان بدون العوض عرفا و عادة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 102

و يمكن ان يستدل علي التحريم ايضا بما تقدم من أخبار حرمة الشطرنج و النرد معللة بكونها من الباطل و اللعب (1) و ان كل ما الهي عن ذكر الله فهو الميسر و قوله عليه السلام في بيان حكم اللعب بالأربعة عشر لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي و المراد رهان الفرس، و لا شك في صدق اللهو و اللعب، فيما نحن فيه ضرورة ان العوض لا دخل له في ذلك و يؤيده ما دل علي ان كل لهو المؤمن باطل خلا ثلاثة (2) وعد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته.

و لعله لذلك كله استدل في الرياض تبعا للمهذب بما دل علي حرمة اللهو، لكن قد يشكل الاستدلال فيما اذا تعلق بهذه الأفعال

غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا فيمكن اناطة الحكم باللهو و يحكم في غير مصاديقه بالإباحة الا أن يكون قولا بالفصل، و هو غير معلوم و سيجي ء بعض الكلام في ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه إن شاء الله.

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم في المسألة السابقة: انه لا يصدق الرهان علي ما لا رهن فيه و لا عوض.

(1) الخامس: ما دل علي حرمة اللهو، و هي كثيرة:

منها: ما اشار اليه في المتن و هو ما علل فيه تحريم اللعب بالنرد و الشطرنج بأنه من اللهو و الباطل «1» و قد تقدم.

(2) و منها: ما تضمن أن كل لهو المؤمن باطل الا في ثلاث «2».

و منها: غير ذلك.

و فيه: اولا: سيأتي في مسألة اللهو ان القول بحرمته مطلقا باطل شاذ.

و ثانيا: ان النسبة بين اللهو و المسابقة عموم من وجه، إذ ربما تكون المسابقة لغرض عقلائي من التفريح و تربية البدن و غير ذلك كما لا يخفي.

فتحصل: انه لا دليل علي التحريم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 103

السادسة عشر: القيادة حرام (1)

و هي السعي بين الشخصين لجمعهما علي الوطي المحرم و هي من الكبائر (2) و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك في مسألة تدليس الماشطة.

و في صحيحة ابن سنان أنه يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه.

______________________________

فالأظهر هو الجواز للسيرة القطعية المستمرة بين العلماء و العوام علي المسابقة في عدة من الأمور كالسباحة و المشاعرة و المصارعة، و نحو ذلك، و لما ورد من مصارعة الإمامين الحسن و الحسين

عليهما السلام بأمر النبي صلي الله عليه و آله و ما ورد من مكاتبتهما و التقاطهما حب قلادة أمهما «1».

القيادة حرام

(1) السادسة عشرة لا خلاف و لا إشكال في حرمة القيادة، بل حرمتها من ضروريات الإسلام.

و تدل عليها جملة من النصوص: منها مرسل الورام عن النبي صلي الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام قال: اطلعت علي النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال: لثلاثة:

المحتكرين و المدمنين للخمر و القوادين «2».

و منها: ما في عدة من الأخبار المتقدمة في مسألة تدليس الماشطة من تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك.

و منها: صحيح ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام عن حد القواد قال عليه السلام: يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه «3».

و منها: غير ذلك.

(2) قال المصنف قدس سره و هي من الكبائر.

______________________________

(1) المستدرك، باب 4، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 27، من أبواب آداب التجارة، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 5، من أبواب حد السحق و القيادة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 104

السابعة عشر: القيافة حرام (1)
اشارة

في الجملة نسبه في الحدائق الي الأصحاب. و في الكفاية لا أعرف خلافا.

______________________________

ان في تقسيم الذنوب الي الكبائر و الصغائر.

ثمّ في ان الصغيرة لا تضر بالعدالة كلاما محررا في محله، و لعل الأظهر منع كلا الأمرين.

و لكن علي تقدير صحة التقسيم و عدم مضرية الصغيرة بالعدالة الأقوي ما ذكره قدس سره من كون القيادة من الكبائر إذ الكبيرة كما عرفت في مسألة الغيبة معصية نص علي كونها كذلك، أو توعد عليها في الكتاب او السنة او ترتب آثار الكبيرة عليها.

و القيادة توعد

عليها في جملة من النصوص: منها ما تقدم، و منها ما عن عقاب الأعمال عن النبي صلي الله عليه و آله: من قاد بين امرأة و رجل حراما حرم الله عليه الجنة و مأواه جهنم و سائت مصيرا و لم يزل في سخط الله حتي يموت «1».

و منها ما عن عيون الأخبار عن النبي صلي الله عليه و آله- في حديث- و أما التي كانت تحرق وجهها و بدنها و هي تجر أمعائها فانها كانت قوادة «2».

و منها غير ذلك.

كما انه رتب عليها أثر الكبيرة و هو الحد و النفي من البلد كما في صحيح ابن سنان المتقدم، إذ الصغيرة قد وعد الله تعالي التكفير عنها مع اجتناب الكبائر، و الصغيرة المكفرة لا توجب الحد و النفي من البلد، و معلوم ان اطلاق الصحيح شامل للمكفرة و غيرها، فيستكشف من ذلك عدم كونها صغيرة.

القيافة

(1) السابعة عشرة القيافة حرام كما هو المشهور، و نسبه صاحب الحدائق الي الأصحاب.

و عن المنتهي: دعوي الإجماع عليه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 27، من أبواب النكاح المحرم، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 117 من أبواب مقدمات النكاح، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 105

و عن المنتهي الإجماع و القائف كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار.

و عن النهاية و مجمع البحرين زيادة انه يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه، و في جامع المقاصد و المسالك كما عن ايضاح النافع و الميسية: انها الحاق الناس بعضهم ببعض و قيد في الدروس و جامع المقاصد كما في التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم.

و الظاهر انه مراد الكل و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي او الظني بنسب شخص لا دليل علي تحريمه

(1) و لذا نهي في بعض الأخبار عن إتيان القائف و الأخذ بقوله، ففي المحكي عن الخصال ما احب ان تأتيهم.

______________________________

و الكلام في هذه المسألة يقع في موارد:

الأول: ان القيافة- علي ما يستفاد من كلمات اللغويين- هي معرفة الآثار و شبه الشخص باقربائه، فعن الصحاح و القاموس و المصباح: القائف هو الذي يعرف الآثار

أي العلامات المختصة بكل قبيلة الموجبة لشباهة الرجل بأبيه أو أخيه أو سائر أقربائه، و عن النهاية: هو الذي يعرف الآثار و يلحق الولد بالوالد و الأخ بأخيه، و في المنجد: هو الذي يعرف النسب بفراسته و نظره الي أعضاء المولود.

(1) الثاني: الظاهر لا ريب في جواز تحصيل العلم أو الظن بالأنساب بعلم القيافة، و لم أر من أفتي بحرمته و لاما يدل عليها.

نعم ظاهر الروايات ان القيافة لا تطابق الواقع دائما، ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي الله عليه و آله «1».

و عليه فلا يحصل العلم منها لمن لاحظ النصوص.

و أما تعليمها و تعلمها، ففي الحدائق لا خلاف في تحريم تعليمها، و لكن لم يرد في الشريعة المقدسة ما يدل علي حرمة ذلك، و الأصل يقتضي الجواز.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 106

______________________________

[حرمة اتيان القائف و ترتيب الأثر علي قوله]

الثالث: ان القائف ان أخبر بما استخرجه من القيافة جزما مع عدم علمه به فهو حرام لكونه كذبا، و الا فالأظهر هو الجواز.

و قد استدل للحرمة بعض مشايخنا المحققين.

بدخوله في السحر و الكهانة.

و بظهور معاقد الإجماعات، بدعوي ان مراد من قيد الحرمة بما اذا ترتب عليها محرم هو اخباره بذلك.

و بقوله عليه السلام في صحيح

الهيثم: من مشي الي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب «1». إذ في جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الثلاثة دلالة علي حرمة اخباره.

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأن السحر علي ما تقدم هو صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل التمويه و الخدعة، و الكهانة هي الاخبار عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالجن او الشيطان، فلا وجه لدعوي دخول القيافة فيهما.

و أما الثاني: فلأن الظاهر ان معقد الإجماعات هو الرجوع الي القائف و ترتيب الآثار عليه.

و أما الثالث: فلأنه انما يدل علي حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم باخبار احدي هذه الطوائف الثلاث، لا حصر المخبر عنها بهم كما هو واضح.

مع انه لا يدل علي حرمة الاخبار و انما يدل علي حرمة الرجوع.

الرابع: يحرم الرجوع الي القائف و ترتيب الآثار علي قوله من نفي النسب عن شخص أو الحاقه به و الحكم بأنه يرثه الي غير ذلك من الآثار بلا خلاف، و عن المنتهي:

دعوي الإجماع عليه.

و يشهد له- بعد فرض ان قواعد علم القيافة لا تطابق الواقع و القواعد الشرعية دائما أو احتمل ذلك- ما دل من الآيات و الروايات علي ان الظن لا يغني من الحق شيئا و انه لا يجوز العمل بغير علم، مضافا الي ان النسب- ما لم تقم علي ثبوته أمارة شرعية-

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 107

و عن مجمع البحرين ان في الحديث لا أخذ بقول قائف، و قد افتري بعض العامة علي رسول الله صلي الله عليه و آله في انه قضي بقول القافة، و قد أنكر ذلك عليهم في

الاخبار كما يشهد به ما عن الكافي عن زكريا بن يحيي بن نعمان المصري (1)

قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال الحسن: أي و الله جعلت فداك لقد بغي عليه اخوته، فقال علي بن جعفر: أي و الله و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن:

جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم احضركم، قال: فقال له اخوته و نحن ايضا: ما كان فينا امام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني فقالوا: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة، فقال: ابعثوا انتم اليهم. و أما انا فلا و لا تعلموهم لما دعوتموهم اليه و ليكونوا في بيوتكم، فلما جاءوا و قعدنا في البستان و اصطف عمومته و اخوته و اخواته و أخذوا الرضا عليه السلام و البسوه جبة من صوف و قلنسوة و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثمّ جاءوا بأبي جعفر عليه السلام و قالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا ماله هنا أب و لكن هذا عم أبيه، و هذا عمه و هذه عمته و إن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدميه واحدة فلما رجع ابو الحسن عليه السلام قالوا هذا ابوه فقال علي بن جعفر فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام و قلت: اشهد انك امامي الخبر، نقلناه بطوله تيمنا.

______________________________

ينفي بالاستصحاب، فالحكم بثبوته و ترتب الآثار عليه من التوارث و النظر و غيرهما لا يجوز، و يؤيده خبر أبي بصير عن مولانا الصادق

عليه السلام قال: قلت: فالقيافة؟ قال: ما أحب ان تأتيهم «1». و قد ما في مجمع البحرين: ان في الحديث: لا آخذ بقول قائف.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره للحرمة: بخبر زكريا بن نعمان الصير في الوارد

في اثبات بنوة الجواد عليه السلام لأبي الحسن بالرجوع الي القافة «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الكافي، ج 1، ص 322.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 108

الثامنة عشرة: الكذب حرام (1)
اشارة

بضرورة العقول و الأديان، و يدل عليه الأدلة الأربعة.

______________________________

و الظاهر أن مورد استشهاده به قول الإمام الرضا عليه السلام لإخوته بعد ما قالوا له: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة: ابعثوا انتم إليهم و أما أنا فلا.

و فيه: ان قوله عليه السلام و أما أنا فلا، يمكن أن يكون لأجل انه كان عالما ببنوة الجواد عليه السلام و لم يكن في شك في ذلك.

مع أن عدم بعثه اليهم و إظهار ذلك لا يدل علي عدم المشروعية، بل ظاهر الخبر ان الخاصة أيضا كانوا يعتقدون بقضائه صلي الله عليه و آله بقول القافة و الإمام عليه السلام لم يردع عن ذلك، فهو يدل علي الجواز.

و لكن يرد علي الخبر- مضافا الي ضعف سنده لزكريا-.

إن إخوة الرضا عليه السلام و عمومته إن لم يكونوا قائلين بإمامته عليه السلام فما فائدة الرجوع الي القافة الإثبات بنوة الجواد عليه السلام و إن كانوا قائلين بإمامته لما احتاجوا اليهم بعد اخباره ببنوته.

الخامس: يحرم أخذ الأجرة علي اخبار القائف و إن كان اخباره علي وجه الجواز لكونه عملا لا يترتب عليه أثر جائز، و لما في خبر الجعفريات من جعل أجر القائف من

السحت «1».

حرمة الكذب

(1) قوله: الثامنة عشرة الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان، و تدل عليه الأدلة الأربعة.

أما الكتاب و السنة: فقد دلت عليه كثير من الآيات و النصوص و سيمر عليك بعضها.

______________________________

(1) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 109

إلا أن الذي ينبغي الكلام

فيه مقامان
أحدهما في انه من الكبائر
اشارة

و الثاني في مسوغاته. أما الأول فالظاهر من غير واحد من الأخبار.

______________________________

و أما الإجماع: فالظاهر أن حرمة الكذب من ضروريات جميع الأديان، فضلا عن دين الإسلام و عن اتفاق العلماء عليها.

و أما العقل: فهو مستقل بقبحه لكونه مفتاح الشرور و رأس الفجور.

الكذب من الكبائر

و قد وقع الكلام بين الأصحاب في موردين:

الأول: في انه هل هو من الكبائر أم لا؟ و قد مر في مبحث الغيبة ضابط كون المعصية صغيرة أو كبيرة علي تقدير صحة تقسيمها اليهما.

و هو أحد أمور علي سبيل منع الخلو:

أحدها: ورود النص علي كونها من الكبائر.

ثانيها: التوعيد عليها في الكتاب و السنة.

ثالثها: ترتيب آثار الكبيرة عليها.

رابعها: جعلها أكبر من الذنب الذي ثبت كونه منها.

و الوجوه المحتملة في كون الكذب من الكبائر ثلاثة:

الأول: ما اختاره المصنف قدس سره تبعا للفاضلين و الشهيد الثاني و هو انه من الكبائر مطلقا.

الثاني: عدم كونه منها مطلقا، بل القسم الخاص منه و هو الكذب علي الله و علي حججه و الكذب لقتل النفس المحترمة و نحوه منها.

الثالث: عدم كونه منها مطلقا.

و قد استدل المصنف لما اختاره بجملة من النصوص و بالكتاب، و أيده ببعض نصوص اخر.

أما النصوص التي استدل بها علي كون الكذب من الكبائر مطلقا فمتعددة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 110

كالمروي في العيون (1) بسنده عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح، و المروي

عن الأعمش في حديث شرائع الدين عده من الكبائر.

و في الموثقة بعثمان بن عيسي ان الله تعالي جعل للشر أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب. (2)

______________________________

(1) منها: ما هو المروي عن العيون بسنده عن الفضل بن شاذان حيث جعل الإمام عليه السلام فيه الكذب من الكبائر «1» و نحوه خبر الأعمش «2».

و أورد عليه الأستاذ الأعظم بأنهما ضعيفا السند و قد ذكر في وجه ضعف خبر العيون بأن للصدوق الي الفضل اسنادا كلها مجاهيل، إذ في أحد طرقه: عبد الواحد بن محمد ابن عبدوس النيسابوري، و علي بن قتيبة النيسابوري، و هما مجهولان، و في الطريق الآخر: الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم، و هو مجهول، و في الطريق الثالث: حمزة بن محمد العلوي، فهو أيضا مجهول.

و فيه: انه في عبد الواحد و ان نقل أقوال إلا ان الأظهر انه ثقة كما اختاره في محكي التحرير و المسالك و الحاوي، بل و الصدوق قدس سره حيث قال: حديث عبد الواحد أصح، و لا أقل من كونه حسنا، لتوصيف العلامة الخبر الذي رواه عبد الواحد في محكي التحرير بالصحة، و كونه من المشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرر ذلك مترضيا بل من مشايخه، و أما ابن قتيبة فإن لم يكن ثقة فلا ينبغي التوقف في كونه حسنا لاعتماد الكشي علي نقله في مواضع كثيرة من رجاله، وعد العلامة و ابن داود اياه من المعتمدين، و وصف العلامة حديثه بالصحة و توثيق الشيخ الكاظمي و الفاضل الجزائري اياه، فاذا ما أفاده الشيخ قدس سره من أن خبر العيون لا يقصر عن الصحيح، هو الصحيح.

(2) و منها: الموثق بعثمان

بن عيسي عن الإمام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «3».

و الإيراد عليه بضعف السند لعثمان، في غير محله إذ لو لم يكن ثقة فلا أقل من كون حديثه موثقا كما هو المعروف بين المتأخرين علي ما نسب اليهم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 33.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36.

(3) الوسائل، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 111

و أرسل عن رسول الله صلي الله عليه و آله: أ لا أخبركم بأكبر الكبائر الاشراك بالله و عقوق الوالدين و قول الزور أي الكذب. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله: ان المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه. (2)

______________________________

و لكن يرد علي الاستدلال به: ان هذا الخبر مما لا يمكن الالتزام بإطلاقه، إذ من البديهيات عند المتشرعة انه إذا دار الأمر بين شرب الخمر و الكذب، و لو بأن يقول: شربت الخمر قبل ذلك، بأن أكره علي اختيار أحدهما، انه يقدم الثاني و لم يتوهم أحد جواز اختيار شرب الخمر، فيستكشف من ذلك ان الكذب باطلاقه ليس شرا من الشراب، فيتعين تأويله، أما بإرادة قسم خاص من الكذب و هو الكذب علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله و علي الأئمة الطاهرين عليهم السلام فإنه تال الكفر و تحليل الأشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب فإن المخالفين بمثل ذلك حللوها، او بغير ذلك.

مع انه يمكن أن يقال كما قيل: إن (الشر) الثاني صفة مشبهة لا أفعل التفضيل،

و (من) تعليلية و المعني ان الكذب أيضا شر ينشأ من الشراب.

(1) و منها: النبوي: أ لا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين، ثمّ قعد فقال: ألا و قول الزور- أي الكذب- «1».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه يرد عليه: ان من الضروري عند المتشرعة عدم كون الكذب باطلاقه أكبر الكبائر حتي الزنا و اللواط و نحوهما، فلا محالة أريد به القسم الخاص منه، مع ان تفسير قول الزور بالكذب لعله من الراوي.

(2) و منها: المرسل عنه صلي الله عليه و آله المذكور في المتن «2».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه يرد عليه ما أوردناه علي سابقيه، إذ لا ينبغي

______________________________

(1) المحجة البيضاء، ج 5، ص 242- صحيح مسلم، ج 1، ص 64.

(2) المستدرك، باب 120، من أبواب أحكام العشرة، حديث 15.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 112

و يؤيده ما عن العسكري عليه السلام جعلت الخبائث كلها في بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب الحديث فان مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة و يمكن الاستدلال علي كونه من الكبائر بقوله تعالي: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله (1) فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها، و لذلك كله أطلق جماعة كالفاضلين و الشهيد الثاني في ظاهر كلماتهم كونه من الكبائر من غير فرق بين أن يترتب علي الخبر الكاذب مفسدة و أن لا يترتب عليه شي ء أصلا.

______________________________

التوقف في ان الجماع المحرم أشد منه و إن لم يكن بالزنا، فضلا عن أفحش أفراده و هو الزنا، و كيف بالزنا بالمحرم- بل فكيف بالسبعين منه.

(1) أما الكتاب: فقد استدل بآية منه و هي (أنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) «1».

بدعوي انه جعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها.

و فيه: ان الظاهر من الآية الشريفة بقرينة الآيات السابقة عليها و هي (و إذا بدلنا آية مكان آية و الله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون- الي أن قال- إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله و لهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب … الخ) ارادة ان المكذبين للنبي صلي الله عليه و آله فيما ادعاه من كون ما يأتي به من عند الله الكاذبون لا النبي صلي الله عليه و آله، فيكون الحصر إضافيا، و عليه فالمراد من الكاذبين هم المكذبون له صلي الله عليه و آله من اليهود و المشركين غير المؤمنين بالله و برسوله الذين صدر عنهم الكذب لعدم ايمانهم، لا ان الكذب أوجب خروجهم عن الإيمان، فلا تدل علي المطلوب.

و أيد ما اختاره بكونه من الكبائر بخبرين.

أحدهما: ما عن الإمام العسكري عليه السلام المذكور في المتن قبل الاستدلال بالآية.

و فيه: ان المراد من التشبيه بالمفتاح ليس هو التشبيه في السببية و العلية لعدم تماميته

______________________________

(1) سورة النحل، آية 106.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 113

و يؤيده ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لأبي ذر رضي الله عنه ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له. (1)

فان الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع في المفسدة. نعم في الأخبار ما يظهر منه عدم كونه علي الإطلاق كبيرة مثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام ان الكذب علي الله تعالي و رسوله من الكبائر (2) فانها ظاهرة في اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص لكن يمكن حملها علي كون

هذا الكذب الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا أولي من تقييد المطلقات المتقدمة.

______________________________

في المشبه و المشبه به كما لا يخفي، و لا التشبيه في الشرطية، إذ ليس في المشبه كذلك لعدم كون الكذب شرطا لسائر المعاصي و الا لزم من عدمه عدمها، بل المراد به، التشبيه في الاشراف الي الوقوع في المحرمات، فانه يوجب حالة جرأة للنفس علي اختيار الخبائث، و هذا لا يوجب كونه معصية فضلا عن كونه من الكبائر، و لذا اعترف المصنف قدس سره بأن ارتكاب الشبهات يوجب الاشراف علي الوقوع في المحرمات، و مع ذلك التزم بجوازه و انه لا يكون حراما.

(1) ثانيهما: ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لأبي ذر المذكور في المتن «1».

بدعوي ان الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا الإيقاع في المفسدة.

و فيه: ان ما ذكره و إن كان تاما و التوعد عليه يوجب كونه من الكبائر، إلا انه لضعف سنده لجملة من رواته لا يعتمد عليه.

و قد استدل للقول الثاني بجملة من النصوص.

(2) منها: خبر أبي خديجة عن مولانا الصادق عليه السلام: الكذب علي الله تعالي و علي رسوله من الكبائر «2». بدعوي انه ظاهر من جهة وروده في مقام التحديد في حصر الكبيرة من الكذب بهذا الكذب الخاص.

______________________________

(1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(2) المستدرك، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 114

و في مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان يقول علي بن الحسين عليه السلام لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ علي

الكبير، الخبر. (1)

و يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و في صحيحة ابن الحجاج، قلت لأبي عبد الله عليه السلام الكذاب هو الذي يكذب في الشي ء، قال: لا، ما من أحد الا و يكون منه ذلك، و لكن المطوع «المطبوع خ ل» علي الكذب، فان قوله ما من أحد، الخبر (2) يدل علي ان الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد لا من الكبائر.

______________________________

و فيه: مضافا الي ضعف سنده كما في مرآة العقول: ان كونه في مقام التحديد غير معلوم، و لكن لو سلم كونه في هذا المقام لا مناص عن تقييد المطلقات به.

و دعوي المصنف قدس سره من أن حمله علي كون هذا القسم الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة أولي من تقييد المطلقات به، كما تري.

و بما ذكرناه ظهر ما في الاستدلال بمرسل الصدوق عن رسول الله صلي الله عليه و آله: من قال علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار «1». مضافا الي ضعف سنده.

(1) و منها: مرسل سيف بن عميرة المذكور في المتن «2». فانه يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده للإرسال: انه يدل علي ان للكذب صغيرا و كبيرا، و هما انما يكونان بلحاظ ما يترتب عليه من المفاسد، و لكن لا ينافي ذلك كون كليهما من الكبائر بالمعني المبحوث عنه في المقام، غاية الأمر، بعض أفراده أكبر من آخر.

و قد استدل للقول الأخير بجملة من النصوص.

(2) منها: حسن ابن الحجاج كالصحيح لاحظ المتن «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 139، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب

138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 115

و عن الحارث عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل و لا يعدن أحدكم صبيه، ثمّ لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار، و ما زال أحدكم يكذب حتي يقال كذب و فجر، الخبر. (1) و فيه أيضا إشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا.

______________________________

بدعوي انه يدل علي ان الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد لا من الكبائر.

و فيه: ان الخبر متضمن لبيان أمرين:

أحدهما: ان الكذاب لا يصدق علي من كذب اتفاقا و انما يصدق علي من صار الكذب كالعادة له، و هذا واضح في نفسه أيضا.

ثانيهما: انه ما من أحد الا و يبتلي بهذه المعصية، و شي ء منهما لا يدل علي ان الكذب ليس من الكبائر و انه من اللمم.

(1) و منها: خبر «1» الحارث عن الإمام علي عليه السلام لاحظ المتن. بدعوي ان فيه إشعارا بأن مجرد الكذب ليس فجورا و كبيرة.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده: انه يدل علي عدم كونه معصية، فيتعين تأويله.

و منها: صحيح عبد العظيم بن عبد الله الحسني الوارد لبيان تعداد الكبائر غير المتعرض للكذب «2».

و فيه: مضافا الي انه مسوق لبيان الكبائر التي ثبت كونها كذلك بالكتاب كما يشير اليه قول السائل اريد ان أعرف الكبائر من كتاب الله عز و جل: انه يقيد اطلاق مفهومه بما تقدم مما دل علي ان الكذب من الكبائر.

و يشهد لذلك اختلاف الأخبار في عدد الكبائر ففي جملة منها انها سبع، و في جملة اخري انها خمس، و في بعضها انها تسع.

فتحصل: ان الأظهر كونه من الكبائر مطلقا.

______________________________

(1)

الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 116

و قوله لا يعدن أحدكم صبيه ثمّ لا يفي له لا بد ان يراد به النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالي: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا (1) و ان اطلاق الكذب عليه في الرواية لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأن الوعد مستلزم للأخبار بوقوع الفعل، كما ان سائر الإنشاءات كذلك و لذا ذكر بعض الأساطين ان الكذب، و إن كان من صفات الخبر إلا ان حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه كمدح المذموم، و ذم الممدوح و تمني المكاره و ترجي غير المتوقع و إيجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم، و كيف كان.

______________________________

الوعد

(1) قوله بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا.

صرح غير واحد: بأن الوعد مع إضمار عدم الوفاء لا يكون كذبا حقيقيا، و إن اطلاق الكذب عليه في خبر الحارث الأعور، لكونه في حكمه من حيث الحرمة.

و منشأ ذلك علي ما يظهر من المصنف قدس سره: ان الوعد ليس من نوع الخبر، بل هو من أقسام الإنشاء و هو صريح المحقق المجلسي قدس سره في مرآة العقول و لكن ظاهر كلام المحققين من أصحابنا و المخالفين ان الوعد من نوع الخبر، و هو محتمل للصدق و الكذب.

و تنقيح القول في ذلك: ان الوعد علي أقسام:

الأول: ان يخبر المتكلم عن عزمه علي فعل شي ء او تركه، كأن يقول: إنّي عازم علي أن أجي ء في بيتك، لا ريب في دخول

هذا في الخبر، فإنه يخبر عن أمر نفساني نظير الأخبار عن سائر الصفات النفسانية كالحب و البغض و نحوهما.

الثاني: أن يخبر عن فعل أمر أو تركه في المستقبل، كأن يقول: اجيئك غدا، و هذا أيضا لا ريب في كونه من نوع الخبر، غاية الأمر المخبر به أمر استقبالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 117

______________________________

الثالث: ان يلتزم بشي ء بنفس الجملة التي تكلم بها، كأن يقول المولي لعبده:

اذا فعلت الفعل الفلاني أعطيك درهما، و الظاهر ان هذا من نوع الإنشاء فانه ليس اخبارا عن الإعطاء، بل هو الزام أمر علي نفسه و إن علم انه لا يوقعه.

هذا كله في حقيقة الوعد و أقسامه.

و أما حكم الوعد، ففي الأول: إذا كان عازما علي ذلك الفعل كان ذلك الخبر صدقا و جائزا و إلا فيحرم لأجل كونه كذبا من غير فرق في الصورتين بين أن يفعل في المستقبل و ان لا يفعل.

و في الثاني: اتصافه بالصدق أو الكذب دائر مدار تحقق ذلك الفعل في ظرفه و عدمه، و أما تنجز حرمته و عدمه فهما دائران مدار علمه بالفعل و عدمه كما لا يخفي.

و في الثالث: لا يتصف بالصدق او الكذب حتي مع إضمار عدم الوفاء و العلم به.

و قد استدل المصنف قدس سره لحرمة الوعد مع إضمار عدم الوفاء.

بالآية الشريفة (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) «1».

و بقوله عليه السلام في خبر الحارث المتقدم: و لا يعدن أحدكم صبيه ثمّ لا يفي له «2».

و فيهما نظر:

أما الآية الشريفة: فسيأتي تحقيق القول فيها، و ستعرف عدم دلالتها علي ذلك.

و أما الخبر: فيرد عليه: مضافا الي ضعف سنده.

انه معارض بأخبار دالة علي جواز الوعد الكاذب مع مطلق الأهل، و

سيجي ء بعضها في مسوغات الكذب.

مع انه يمكن ان يقال: إنه نهي عن عدم الوفاء لاعن الوعد، فإن الظاهر من مثل هذا التركيب رجوع النهي الي القيد، كما إذا قال: لا تأتني راكبا، فإنه نهي عن الركوب.

______________________________

(1) سورة الصف، آية 4.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 118

فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب لعدم كونه من مقولة الكلام، نعم هو كذب للوعد بمعني جعله مخالفا للواقع كما ان انجاز الوعد صدق له بمعني جعله مطابقا للواقع، فيقال صادق الوعد و وعد غير مكذوب و الكذب بهذا المعني ليس محرما علي المشهور.

______________________________

حكم خلف الوعد

هذا كله في حقيقة الوعد و حكمه.

و أما خلف الوعد فقد استدل لحرمته بوجوه:

الأول: انه يوجب اتصاف الوعد بالكذب فيشمله ما دل علي حرمة الكذب.

و فيه: ان ظاهر الأدلة حرمة ايجاد الكلام كذبا، و أما ايجاد صفة الكذب في الكلام المتقدم فلا يكون مشمولا لتلك الأدلة، مع انه أخص من المدعي، فإن ذلك يتم في القسم الثاني من أقسام الوعد دون الأول و الثالث كما لا يخفي.

الثاني: جملة من الآيات:

منها قوله تعالي: (و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) «1». فانه يشمل بعمومه او اطلاقه عهود الخلق أيضا، و العهد و الوعد متقاربان.

و فيه: ان المراد بالعهد في هذه الآية بحسب ظاهر السياق هي الوصية.

و علي كل تقدير كون العهد و الوعد بمعني واحد محل تأمل و نظر، نعم أحد معاني العهد الوعد، كما ان الضمان و الذمة من جملة معانيه.

و منها: قوله تعالي: (و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا) «2».

و يرد عليه: مضافا الي ما تقدم: انه لا يدل علي أزيد من رجحان الوفاء بالعهد و لا

يدل علي لزومه.

______________________________

(1) سورة الإسراء، آية 35.

(2) سورة البقرة، آية 178.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 119

و إن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته (1) و في بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة.

______________________________

و منها: قوله تعالي: (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) «1».

و تقريب الاستدلال به: انه انما يكون النهي فيه نهيا عن عدم الفعل، أما علي سبيل القلب و يكون المعني: لم لا تفعلون ما تقولون؟ أو يقال: ان النهي متوجه الي القيد و هو عدم الفعل، فيدل علي حرمة عدم العمل بما وعد، و يشير الي ذلك ما في بعض النصوص الآتي من الاستشهاد به لحرمة خلف الوعد.

و فيه: ان الظاهر من الآية الشريفة- كما أفاده جمع من المحققين- هو النهي عن القول للناس من دون أن يعمل نفسه، كأن يأمر الناس بالمعروف و يتركه، و ينهيهم عن المنكر فيفعله، فتكون هذه الآية نظيرة قوله تعالي (أ تأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم) «2» و عليه فهي أجنبية عن المقام، و أما النصوص التي استشهد بها فيها، فسيأتي التعرض لها.

(1) الثالث: جملة من النصوص: كمصحح هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام:

عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف الله بدأ و لمقته تعرض، و ذلك قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون … الخ) «3».

و مصحح شعيب العقرقوفي عنه عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله: من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليف إذا وعد «4» و نحوهما غيرهما.

و لكن الإجماع القطعي القائم علي جواز خلف الوعد، و لذا تري ان المتاخرين يستدلون علي

عدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائي بالاجماع علي عدم لزومه، و في غير

______________________________

(1) سورة الصف، آية 3- 2.

(2) سورة البقرة، آية 45.

(3) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 120

ثمّ إن ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتي في الهزل (1) و يمكن أن يراد به الكذب في مقام الهزل. و أما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد الي تحقق مدلوله (2) فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة علي ارادة الهزل كما صرح به بعض، و لعله لانصراف الكذب الي الخبر المقصود و للسيرة.

______________________________

ذلك من موارد الوعد يستدلون بالاجماع علي عدم لزوم ما وعد الإتيان به، و السيرة القطعية المستمرة القائمة علي خلف الوعد.

يوجبان حمل تلك النصوص علي الاستحباب، اللهم إلا أن يقال: إن بعض تلك النصوص لا يقبل الحمل علي الاستحباب فمراعاة الاحتياط أولي.

و ان اراد الاحتياط بغير الوفاء فيقيد وعده بقول انشاء الله تعالي فانه يحل النذور و الأيمان المؤكدة كما صرح به في الأخبار «1»، و يوجب عدم انعقاد اليمين و النذر فضلا عن الوعد.

حرمة الكذب في الهزل

(1) قوله حرمة الكذب حتي في الهزل.

بقي الكلام في أمور: أحدها انه يحرم فعل الكذب في الهزل أم لا؟ الكلام المستعمل في مقام الهزل علي قسمين:

الأول: ما يقصد به الأخبار عن أمر و يكون الداعي له هو الهزل لا الجد، كأن يقول لزيد: جاء أبوك من السفر، بداعي الهزل، لا كلام في أن هذا من نوع الخبر و لو كان مخالفا للواقع يكون كذبا، و تدل علي حرمته جميع الأدلة الدالة علي حرمة الكذب.

(2) الثاني: ما لا يقصد به

الاخبار عن أمر، بل يكون الكلام مسوقا لبيان انشاء أمر بداعي الهزل مع ظهوره في كونه انشاء و لو بواسطة القرائن، كأن يقال للرجل الجبان مخاطبا اياه: ايها الشجاع أو ايها الأسد، و هذا القسم من الهزل لا يكون من نوع الخبر فلا

______________________________

(1) الوسائل، باب 28، من كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 121

و يمكن حمل الخبرين علي مطلق المرجوحية، و يحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين و النبوي في وصية أبي ذر (1) لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل.

و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنا زعيم بيت في أعلي الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء، و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا و لمن حسن خلقه. (2)

و قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الأيمان حتي يترك الكذب هزله وجده. (3)

______________________________

يتصف بالكذب و لا بالصديق، و لا تشمله أدلة حرمة الكذب، و مقتضي الأصل هو الجواز، و عليه.

فلا وجه لقول المصنف قدس سره و لا يبعد انه غير محرم، ثمّ الاستدلال له بالانصراف و بالسيرة. إذ هذا القسم من الهزل لا يكون متصفا بالكذب حتي يحتاج الحكم بجوازه الي دعوي الانصراف و السيرة.

و قد استدل لحرمته بجملة من النصوص.

كخبر حارث «1» و مرسل سيف «2» و النبوي في وصية النبي لأبي ذر «3» المتقدمة. و إليها اشار المصنف قدس سره.

(1) قال خصوصا الخبرين الأخيرين و النبوي.

(2) و خبر الخصال «4» عن رسول الله صلي الله عليه و آله لاحظ المتن.

(3) و خبر الأصبغ بن نباتة عن الإمام علي

عليه السلام: لا يجد عبد طعم الإيمان حتي يترك الكذب هزله وجده «5».

______________________________

(1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(4) الوسائل، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(5) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 122

ثمّ إنه لا ينبغي الإشكال في ان المبالغة في الادعاء و إن بلغت ما بلغت ليست من الكذب (1) و ربما يدخل فيه اذا كانت في غير محلها كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر إلا اذا بني علي كونه كذلك في نظر المادح، فان الأنظار تختلف في التحسين و التقبيح كالذوائق في المطعومات.

______________________________

يرد علي الجميع: أولا: انها ضعيفة السند، أما الروايات المتقدمة فلما تقدم، و أما خبر اصبغ فلعروة.

و ثانيا: ان اغلبها لا تدل علي الحرمة، بل غاية ما تدل عليه هي المرجوحية الملائمة مع الكراهة، و ذلك لان قوله عليه السلام في خبر حارث لا يصلح من الكذب جد و لا هزل لو لم يكن ظاهرا في الكراهة، لما كان ظاهرا في الحرمة قطعا. كما ان قوله عليه السلام في مرسل سيف اتقوا الكذب لا يستفاد منه ازيد من المرجوحية لمادة اتقوا، و للتعليل فيه. و كذلك قوله عليه السلام في خبر الخصال: انا زعيم بيت في الجنة … الخ لا يدل علي رجحان ترك الكذب في الهزل، كما ان خبر اصبغ لا يستفاد منه ازيد من ذلك، إذ المكروه أيضا يمنع عن وجدان المؤمن طعم ايمانه.

المبالغة

(1) ثانيها: انه هل المبالغة في الادعاء من الكذب أم لا؟

المبالغة في الادعاء تارة: تكون بالقاء كلام له ظهور اولي و ظهور ثانوي و لو بواسطة القرائن، و هو بظهوره الاولي مخالف للواقع، و لكنه بظهوره الثانوي موافق له، و المتكلم اراد منه ما هو ظاهر منه بالظهور الثانوي، و من هذا القبيل باب التشبيه و الاستعارة و الكناية، كتشبيه الوجه الحسن بالقمر، و استعارة الأسد للرجل الشجاع، و الكناية عن الجود بكثرة الرماد.

و اخري: تكون بالقاء كلام ليس له غير ظهور واحد و اراد المتكلم منه ذلك، و هو مخالف للواقع، كأن يقول: اعطيت زيدا خمسين درهما، و الحال انه اعطاه درهما واحدا، أو القاء كلام له ظهور ثانوي و اراده المتكلم و هو مخالف للواقع، كأن يكني عن رجل بخيل بكثير الرماد، ففي القسم الأول لا يتصف الكلام بالكذب بخلاف القسم الثاني، فلا تحرم في الاول، و تحرم في الثاني، و لا يخفي وجههما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 123

و أما التورية: و هو ان يريد بلفظ معني مطابقا للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد علم الله ما قلته و اردت بكلمة ما الموصلة و فهم المخاطب النافية، و كما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا و أشار الي موضع خال في البيت، و كما لو قلت اليوم ما أكلت الخبز تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة الي غير ذلك، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب (1) و لذا صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة بأنه يؤدي بما

يخرجه من الكذب بل اعترض جامع المقاصد علي قول العلامة في القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم، بأنه يجوز الحلف كاذبا و يجب التورية علي العارف بها: بأن العبارة لا تخلو من مناقشة حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم أن لا كذب معها، انتهي.

______________________________

و من القسم الأول ما جرت به العادة من المبالغة في الأعداد في بعض الموارد، كأن يقول: قلت: كذا مائة مرة، أو طلبت منك ذلك ألف مرة، فانه لا يراد بذلك تفهيم المرات بعددها بل تفهيم التكثير و الاهتمام، و قد تعارف ذلك بين المتحاورين، فإن كان لم يقل و لم يطلب الا مرة واحدة كان الكلام كذبا، و إن قال أو طلب مرات كان صدقا.

التورية

(1) قوله فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب.

ثالثها: في أنه هل التورية من الكذب أم لا؟ قبل بيان ان التورية من الكذب أم لا، لا بد من تنقيح الكذب موضوعا، فإنه وقع الخلاف فيه من جهتين بعد الاتفاق علي ان الكذب عدم المطابقة.

الأولي في المطابق (بالكسر) و ان العبرة بعدم مطابقة المراد او بعدم مطابقة ظهور الكلام.

الثانية: في المطابق (بالفتح)، و ان المعتبر عدم مطابقة الكلام للواقع، أو عدم مطابقته للاعتقاد او عدم مطابقته لهما معا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 124

و وجه ذلك ان الخبر باعتبار معناه و هو المستعمل فيه كلامه ليس مخالفا للواقع و انما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ، نعم لو ترتب عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة اللهم الا ان يدعي ان مفسدة الكذب و هي الإغراء موجودة فيها و هو ممنوع لأن الكذب محرم لا لمجرد الإغراء و ذكر

بعض الأفاضل ان المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لاما هو المراد منه، فلو قال: رأيت حمارا و أراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف بالكذب، و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهي موضع الحاجة.

______________________________

المشهور بين الأصحاب- علي ما نسب اليهم- ان الكذب هو عدم مطابقة ظهور الكلام للواقع، و الظاهر ان هذا منهم مبتن علي ما بنوا عليه في حقيقة الجملة الخبرية من انها انما وضعت للنسب الخارجية، فانه علي هذا ان طابق الكلام بما له من الظهور للواقع كان صدقا و الا فكذب، مثلا لو قال: زيد قائم، فالمدلول لهذه الجملة تحقق النسبة في الخارج، فان طابق الدال لها فصدق و الا فكذب.

و لكن المبني فاسد كما حققناه في زبدة الأصول و نشير الي وجوه فساده في المقام إجمالا:

الأول: عدم وجود النسبة في كثير من الجمل، كقولنا الإنسان ممكن و نحوه، و دعوي اعمال العناية في جميع ذلك كما تري.

الثاني: عدم كاشفية الجملة عن الواقع و لو ظنا، فلو كانت موضوعة للنسبة الخارجية لكانت دلالتها عليها قطعية.

الثالث: ان الكلام لو كان دالا علي النسبة الخارجية لما كان يحتمل فيه الكذب، و قد عرفوا القضية بأنها تحتمل الصدق و الكذب.

و الحق في الجملة الخبرية انها وضعت لقصد الحكاية عن النسبة الخارجية مثلا، و هي في هذه الدلالة لا تتصف بالصدق و الكذب و انما تتصف بهما باعتبار المدلول إذ الحكاية عن النسبة ان طابقت الواقع فهي صادقة، و الا فكاذبة، و بذلك يظهر ان الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم للواقع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 125

فان أراد اتصاف الخبر في الواقع فقد تقدم انه

دائر مدار موافقة مراد المخبر و مخالفته للواقع لأنه معني الخبر، و المقصود منه دون ظاهره الذي لم يقصد. و إن أراد اتصافه عند الواصف فهو حق مع فرض جهله بارادة خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ باعتقاد ان هذا هو مراد المخبر و مقصوده فيرجع الأمر الي إناطة الاتصاف بمراد المتكلم، و إن كان الطريق اليه اعتقاد المخاطب.

______________________________

لا يقال: إن هذا ينافي آية المنافقين «1» الذين شهدوا بأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله حيث انه تعالي سجل عليهم بأنهم كاذبون، مع ان ما اخبروا به كان مطابقا للواقع.

فانه يرد بأن المخبر عنه لم يكن ثبوت الرسالة بل كان هو الشهادة به، و هي عبارة عن حضور المشهود به في الذهن، و حيث انهم كانوا غير معتقدين بالرسالة، فقال الله تعالي في حقهم: (إنهم كاذبون) فان قلت: بناء علي ما اخترت في حقيقة الكذب لو شك المتكلم ان كلامه مطابق للواقع فيكون صدقا او مخالف له، فيكون كذبا يتعين البناء علي جواز التكلم به للشك في صدق موضوع الكذب، فتجري أصالة البراءة عن الحرمة.

أجبنا عنه: بأن هذا الأصل في نفسه و إن كان جاريا الا انه للعلم الإجمالي بحرمة هذا الأخبار او الأخبار بنقيضه- إذ أحدهما كذب جزما- لا يجري هذا الأصل للمعارضة، فمقتضي العلم الإجمالي هو الاجتناب عن كلا الخبرين.

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم: أن التورية خارجة عن الكذب موضوعا، فإن حقيقة التورية، ان يلقي كلاما له ظهور في معني، و هو يريد منه غير ذلك المعني، و يكون المعني المراد مطابقا للواقع دون المعني الظاهر، كما اذا استأذن رجل بالباب و قال الخادم له: ما هو هاهنا، مشيرا الي موضع خال

في البيت.

______________________________

(1) المنافقون، آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 126

و مما يدل علي سلب الكذب عن التورية ما روي في الاحتجاج. انه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل في قصة ابراهيم (علي نبينا و آله و عليه السلام): بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون قال: ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم، قيل: و كيف ذلك، فقال: انما قال ابراهيم: إن كانوا ينطقون أي ان نطقوا فكبيرهم فعل و إن لم ينطقوا، فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم، و سئل عن قوله تعالي: أيتها العير إنكم لسارقون قال: انهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا تري انهم قالوا نفقد صواع الملك و لم يقولوا سرقتم صواع الملك، و سئل عن قول الله عز و جل حكاية عن ابراهيم عليه السلام اني سقيم، قال: ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب انما عني سقيما في دينه أي مرتادا. (1)

______________________________

ثمّ انه يعتبر في صدق التورية أمران آخران غير ما مر:

أحدهما: أن يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي العادي ظاهرا في غير ما أراده المتكلم، فلو كان ظاهرا فيه و لكن المخاطب لقصور فهمه لم يلتفت اليه، لم يكن ذلك من التورية.

ثانيهما: أن تكون ارادة ذلك المعني من ذلك اللفظ صحيحة، بأن كان بينهما علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية، مثلا لو قال: اعطيت زيدا خمسين درهما، و هو أراد به درهما واحدا، و قد اعطاه في الواقع درهما، كان ذلك من الكذب لا من التورية، و لعله الي هذا أشار العلامة في محكي القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم حيث قال: و

يجب التورية علي العارف بها، كما انه اليه نظر المفيد حيث قال في هذه المسألة و إن لم يحسن التورية و كان نيته حفظ الأمانة … الخ.

و قد استدل لخروج التورية عن الكذب بروايات:

(1) الأولي: رواية الاحتجاج المذكورة في المتن «1».

فانها تدل علي ان الأقوال المذكورة انما هي من التورية و ليست من الكذب.

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي، ص 194، من طبعة النجف، عام 1350 ه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 127

______________________________

و أورد عليها: بأن الفعل الخارجي و هو الكسر لم يصدر عن الأصنام سواء كانوا ناطقين أم لا، فكيف تصح الملازمة.

و بعبارة اخري: ان صدق القضية الشرطية و كذبها دائران مدار صحة الملازمة و فسادها، و حيث انها فاسدة في المقام، إذ الفعل صدر عن ابراهيم علي كل تقدير، فلا تكون القضية صادقة.

و الجواب عن ذلك بعد ملاحظة مقدمتين واضح:

الأولي: ان القضية الخبرية انما تكون مبرزة لقصد الحكاية عن ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه. و هي ربما تطابق مع الخارج و قد لا تطابق، و بهذا الاعتبار تتصف بالصدق و الكذب.

الثانية: انه كما ان ظاهر القضية الشرطية في الإنشائيات رجوع القيد الي الاعتبار النفساني المبرز بالصيغة لا المادة التي متعلقة له، كذلك ظاهرها في الاخباريات رجوع القيد الي قصد الحكاية، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد من غير نظر الي الواقع.

إذا عرفت هاتين المقدمتين تعرف أن المعلق علي الشرط في الآية الشريفة انما هو قصد الحكاية عن انه فعله كبيرهم، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد، فلا تكون القضية كاذبة.

و أجاب عنه المحقق التقي بوجه آخر، و هو: ان المقصود صدق الشرطية في قولنا: و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم، و لا ريب في صدق

تلك، إذ عدم النطق الذي هو كناية عن عدم القدرة و القوة علي شي ء مستلزم لعدم صدور الأفعال الاختيارية عنها.

و فيه: ان هذه القضية غير مذكورة في الآية الشريفة و المذكورة انما هي القضية الأولي التي ادعي انها كاذبة، و لكن الرواية لضعف سندها للإرسال لا يعتمد عليها.

و قد قيل في تفسير الآية الشريفة وجوه اخر مذكورة في مرآة العقول و غيرها:

منها ان تلك الأقوال كاذبة خارجة عن الكذب حكما لأنها في مقام الاصلاح، و تدل علي هذا جملة من النصوص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 128

و في مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يستأذن عليه يقول للجارية قولي ليس هو هاهنا فقال: لا بأس ليس بكذب (1) فان سلب الكذب مبني علي ان المشار اليه بقوله هاهنا موضع خال من الدار إذ لا وجه له سوي ذلك و روي في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط (2) ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما في الطريق اعداء المصحوب، فأنكر الصاحب انه هو فاحلفوه فحلف لهم انه اخوه، فلما أتي النبي صلي الله عليه و آله قال له: صدقت، المسلم اخو المسلم، إلي غير ذلك مما يظهر منه ذلك.

______________________________

و منها: غير ذلك.

(1) الثانية: ما رواه «1» ان ادريس في آخر السرائر لاحظ المتن.

(2) الثالثة: ما أشار اليه في المتن بقوله ان واحدا … الخ و هي رواية سويد بن غفلة قال: خرجنا و معنا وائل بن حجر نريد النبي صلي الله عليه و آله فأخذه اعداء له فتحرج القوم ان يحلفوا و حلفت بالله انه أخي فخلي عنه العدو، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه و آله

فقال: صدقت، المسلم اخو المسلم «2».

و أورد عليه: بأن ظاهر الخبر انه حلف علي كون الرجل أخاه النسبي، فيكون من الكذب الجائز للضرورة لا التورية.

و فيه: ان المستفاد من كلام النبي صلي الله عليه و آله انه أراد بكونه أخاه انه اخوه في الدين، أو انه قصد مفهوم الأخوة، و عليه فيدل هو علي جواز التورية و خروجها عن الكذب موضوعا.

و بعبارة اخري انه أجاز ما فعله سويد، و بين له صواب قوله فيما احتال به ليكون صادقا في يمينه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(2) المبسوط، كتاب الطلاق، باب الحيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 129

أما الكلام في المقام الثاني: و هو مسوغات الكذب.
اشارة

فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين.

أحدهما: الضرورة (1) إليه فيسوغ معها بالأدلة الأربعة (2) قال الله تعالي:

(إلا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) (3) و قال تعالي: لا يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء إلا أن تتقوا منهم تقية).

______________________________

الكذب لدفع الضرورة

الثاني: في مسوغات الكذب: و المتفق عليه منها بينهم اثنان.

(1) أحمد هما الكذب لدفع الضرورة.

بعد ما تقدم من أن مقتضي الأدلة حرمة الكذب في نفسه لا ريب في أن هذا الحكم كسائر الأحكام الشرعية يرتفع إذا زاحمه تكليف آخر أهم كما اذا توقف إنجاء المؤمن من الهلاكة علي الكذب، كما انه يرتفع اذا اكره علي متعلقه لعموم ما دل علي رفع ما استكرهوا عليه.

(2) و قد استدل علي الجواز الكذب في مورد الضرورة بالخصوص بالأدلة الأربعة:

الأول: الاجماع.

و فيه: ان الإجماع و إن كان محققا الا انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام لاستناد المجمعين الي ما في المسألة من الآيات و الروايات.

الثاني: الكتاب.

فقد استدل المصنف قدس سره بآيتين منه:

(3) الاولي: (من كفر بالله من بعد إيمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان) «1».

و تقريب الاستدلال بها بنحو يسلم عما أورد عليه: انها تدل علي جواز الكذب

______________________________

(1) سورة النحل، آية 107.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 130

و قوله عليه السلام ما من شي ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر اليه و قد اشتهر ان الضرورات تبيح المحظورات، و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي (1) و قد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه، و الاجماع أظهر من أن يدعي أو يحكي و العقل مستقل بوجوب

ارتكاب أقل القبيحين (2) مع بقائه علي قبحه او انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه علي القولين في كون القبح العقلي مطلقا أو في خصوص الكذب لأجل الذات أو بالوجوه و الاعتبارات و لا إشكال في ذلك كله.

______________________________

بالأخبار عن عدم اعتقاده بما هو معتقد به واقعا الذي يعتبر في الايمان الاعتقاد به عند الاكراه، فتدل علي جواز الكذب في غير هذا المقام بالأولوية، و بذلك يندفع الايراد عليه بأن الظاهر ان الاكراه في الآية علي انشاء التبري و الارتداد، فلا ربط له بمقامنا.

و لكنها مختصة بخصوص الإكراه، فلا دلالة لها علي جواز الكذب في غير هذا المورد.

الآية الثانية (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء الا أن تتقوا منهم تقاة) «1». فانها تدل علي جواز الكذب بإظهار المحبة و المودة بالنسبة اليهم في حال التقية، فتدل علي جواز الكذب في سائر الموارد بالأولوية.

و فيه: مضافا الي ان أخذ الغير وليا لنفسه لا يلازم اظهار مودته، فلا صلة لها بالمقام، انها مختصة بمورد التقية.

(1) الثالث السنة: و قد استفاضت الاخبار بل تواترت علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه «2»، و ستأتي الاشارة الي جملة منها، و مفادها أعم مما دل علي رفع ما اضطروا اليه كما هو واضح.

الرابع العقل.

(2) قال المصنف قدس سره و العقل مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين.

______________________________

(1) آل عمران: 29.

(2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 131

إنما الأشكال و الخلاف في أنه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا، ظاهر المشهور هو الأول (1) كما يظهر من المقنعة و المبسوط و

الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها و التحرير و جامع المقاصد و الرياض، و محكي مجمع البرهان في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة، قال في المقنعة من كانت عنده امانة فطالبه ظالم فليجحد و ان استحلفه علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب الي أن قال: فإن لم يحسن التورية و كان نيته حفظ الأمانة أجزأته النية و كان مأجورا، انتهي.

و قال في السرائر في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف، و يوري في ذلك انتهي.

و في الغنية في هذه المسألة و يجوز له أن يحلف انه ليس عنده وديعة و يوري في يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل إجماع الشيعة انتهي.

و في النافع حلف موريا، و في القواعد و يجب التورية علي العارف بها، انتهي.

و في التحرير في باب الحيل من كتاب الطلاق لو أنكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء أو القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب انتهي.

و في اللمعة يحلف عليه فيورّي و قريب منه في شرحه.

و في جامع المقاصد في باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب، انتهي.

______________________________

و فيه: ان العقل و إن استقل بذلك في بعض موارد الضرورة كحفظ النفس المحترمة و لكنه لا يستقل بذلك في جميع موارد الضرورة، و السر في ذلك عدم احاطته بالواقعيات و عدم ادراكه مناطات الأحكام و مقاديرها، فلا يقدر علي ترجيح بعضها علي بعض في جميع الموارد.

(1) قوله ظاهر المشهور هو الاول.

و قد نسب المصنف قدس سره إلي المشهور انه يعتبر في جواز الكذب لدفع الضرورة عدم

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 132

______________________________

التمكن من التورية، و لكن كلماتهم التي نقلها قدس سره لا تنطبق علي هذه النسبة فإن مورد حكمهم باشتراط التورية إن أمكنت انما هو جواز الحلف كاذبا، و أما جواز مطلق الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم، بل ظاهر ما عن المقنعة عدم اشتراط جواز الكذب بعدم التمكن من التورية، فإنه قال: من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم فليجحد، و إن استحلفه ظالم علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب- الي أن قال- و إن لم يحسن التورية و كانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية.

فإن هذا كما تلاحظ- بمقتضي التفصيل بين جواز الانكار، و جواز الحلف كاذبا، و تقييد الثاني بالتمكن من التورية دون الأول- كالصريح في عدم اعتباره.

و كيف كان: ففي المسألة قولان:

و تحقيق القول فيها يقتضي البحث في مقامين:

الأول: فيما يقتضيه القواعد.

المقام الثاني: في بيان مقتضي النصوص الخاصة الدالة علي جواز الكذب لدفع الضرر المالي أو البدني عن نفسه أو عن أخيه.

أما المقام الأول: ففيما اذا توقف واجب أهم علي الكذب لا ينبغي التوقف في اعتبار عدم التمكن من التورية في جواز الكذب، إذ مع التمكن منها يكون قادرا علي امتثال التكليفين عقلا و شرعا، و معه لا يقع التزاحم بينهما كي ترتفع حرمة الكذب.

و بالجملة: في مورد جواز الكذب للاضطرار يعتبر عدم التمكن من التورية، إذ مع التمكن منها لا يصدق الاضطرار.

و أما إذا أكره عليه فقد يقال بأنه لا يعتبر عدم امكان التورية في الحكم بجواز الكذب.

و استدلوا لذلك بوجوه:

الأول: ان المعتبر في صدق الاكراه أن يخاف انه لو علم المكره بالامتناع لأوقعه في الضرر، و مع التفصي بالتورية، إذا علم المكره بالامتناع لأوقعه

في الضرر، و ليست التورية كسائر ما يتفصي به كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 133

______________________________

و فيه: ان المناط في صدقه أن يخاف أنه لو امتنع لأوقعه في الضرر، و بديهي أن من يتمكن من التفصي بالتورية لو امتنع لما اوقعه في الضرر.

الثاني: ان النصوص «1» الواردة في طلاق المكره و عتقه و معاقد الاجماعات و الشهرات المدعاة حملها علي صورة العجز عن التورية لجهل او دهشة بعيد جدا، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد.

و فيه: أولا: انها مختصة بباب العقود و الإيقاعات، و ستعرف القول بالفرق بين الأحكام الوضعية و التكليفية في ذلك.

و ثانيا: ان المستهجن هو حمل المطلق علي الفرد النادر، لا ورود الدليل لبيان ما ليس له غير أفراد نادرة كما في المقام.

الثالث: ما أفاده المحقق الايرواني قدس سره و حاصله يبتني علي أمور:

أحدها: أن الاكراه انما يتعلق بالألفاظ أمكن التورية أم لا تفصي بها أو بالكذب.

ثانيها: ان الألفاظ في باب الكذب جزء الموضوع بل عمدته.

ثالثها: ان الاكراه كما يرفع التحريم اذا تعلق بتمام الموضوع، كذلك يرفعه إذا تعلق بجزء الموضوع.

إذا تبينت هذه الأمور يظهر انه إذا اكره الشخص علي اللفظ أوجب اكراهه ذلك ارتفاع الحكم التحريمي الضمني عن ذلك اللفظ، و المفروض ان مجرد القصد للمعني ايضا ليس بحرام، فلا بأس أن لا يوري و يقصد المعني الظاهر.

و لكن: يرد علي ما أفاده قدس سره بعد بيان مقدمة:

و هي: انه لو أكره علي أحد الفعلين أحدهما حرام و الآخر مباح لا كلام في عدم ارتفاع حرمة الفرد المحرم، بل يتعين الفعل المباح.

ان اللفظ الذي يكون كذبا حرام، و ما يكون مصداقا للتورية مباح، فالاكراه المتعلق بأحدهما لا يوجب

رفع حرمة الأول.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من كتاب الايمان، و غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 134

و وجه ما ذكروه ان الكذب حرام و لم يحصل الاضطرار اليه مع القدرة علي التورية فيدخل تحت العمومات مع ان قبح الكذب عقلي (1) فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه علي قبحه و يتوقف تحققه علي تحققه و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية و هذا الحكم جيد الا ان مقتضي اطلاقات ادلة الترخيص في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه عدم اعتبار ذلك.

ففي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله أحلف بالله كاذبا و نجّ أخاك من القتل و صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه، قال: لا بأس، و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي مال «ماله» نفسه، قال: نعم.

______________________________

فتحصل: ان الأظهر اعتبار عدم إمكان التفصي بالتورية في ارتفاع حرمة الكذب بالإكراه ايضا.

(1) قوله مع ان قبح الكذب عقلي فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن.

يرد عليه أنه ليس ذاتيا بحيث لا يقبل التخصيص، بل يكشف من تجويز الشارع اياه في بعض الموارد انه ليس بقبيح، لا انه قبيح، و انما يجوز لاستقلال العقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين.

و أما المقام الثاني: فمقتضي اطلاق النصوص الكثيرة الدالة علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو عن أخيه، عدم اعتبار ذلك، لاحظ صحيح اسماعيل «1» و خبر السكوني

«2» و موثق زرارة «3» و خبر سماعة «4» و مرسل الفقيه «5» المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 4.

(3) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 6.

(4) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18.

(5) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 135

و عن الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام اليمين علي وجهين الي ان قال: فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص او غيره.

و في موثقة زرارة بابن بكير انا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا.

و رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو أكره أو اضطر اليه، و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه الي غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب، و فيما يأتي من جواز الكذب في الاصلاح التي يصعب علي الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة علي التورية. و أما حكم العقل بقبح الكذب في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و إن كان مسلما الا انه يمكن القول بالعفو عنه شرعا للأخبار المذكورة، كما عفي عن الكذب في الاصلاح و عن السب و التبري مع الاكراه مع انه قبيح عقلا ايضا مع ان ايجاب التورية علي القادر لا يخلو عن التزام بالعسر كما لا يخفي، فلو

قيل بتوسعة الشارع علي العباد بعدم ترتيب الآثار علي الكذب فيما نحن فيه، و إن قدر علي التورية كان حسنا الا ان الاحتياط في خلافه بل هو المطابق للقواعد (1)

لو لا استبعاد التقييد في هذه المطلقات لأن النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل كالرواية الأخيرة و غيرها علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه مطلقا، عموم من وجه فيرجع الي عمومات حرمة الكذب فتأمل.

______________________________

الي غير ذلك من النصوص الدالة علي ذلك.

و ما دل علي جواز الكذب للاصلاح، فإن هذه النصوص تدل علي عدم اعتبار عدم التمكن من التورية، فتدل بالأولوية علي جواز الكذب بغير الحلف لدفع الضرر.

(1) و المصنف قدس سره بعد ما استحسن عدم اعتبار هذا القيد بمقتضي الاطلاق، و ايده بأن إيجاب التورية علي القادر لا يخلو عن التزام بالعسر، جعل ما نسبه الي المشهور من اعتبار هذا القيد موافقا للقواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 136

______________________________

و محصل كلامه: ان النسبة بين تلك المطلقات و خبر سماعة عن مولانا الصادق عليه السلام:

قال: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو أكره أو اضطر اليه، و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه «1» و ما بمضمونه هي العموم من وجه، فإن المطلقات تدل علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر بلغ حد الاضطرار أم لا، أي أمكن التورية أم لا.

و رواية سماعة و ما مضمونها تدل علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار و الاكراه، و مفهومها عدم الجواز في غير هذين الموردين، فتقع المعارضة بينهما في الكذب لدفع الضرر مع امكان التورية و عدم البلوغ حد الاضطرار و الاكراه، فتتساقطان و يرجع الي عمومات حرمة الكذب.

و

أورد عليه المحقق الايرواني قدس سره بإيرادين:

الأول: ان حديث رفع الاضطرار أي خبر سماعة و ما بمضمونه لا يشتمل الا علي عقد سلبي، و لا تعرض له للعقد الاثباتي و هو عدم الارتفاع مع عدم الاضطرار كي يعارض مفهومه هذه الأخبار بالعموم من وجه.

و فيه: ان ما ذكر و إن تم في غير صدر خبر سماعة، و لكنه لا يتم فيه، لأنه مشتمل علي قضية شرطية و هي ذات مفهوم كما لا يخفي.

الوجه الثاني: انه لا وجه لجعل المرجع اطلاقات حرمة الكذب، مع ان هذه الاطلاقات معارضة لها بالعموم من وجه.

و فيه: ان النسبة بين ما دل علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر، و ما دل علي حرمة الكذب عموم مطلق.

فالحق ان يورد علي المصنف قدس سره- مضافا الي ضعف سند خبر سماعة للارسال و عدم وجود خبر آخر له مفهوم، و مضافا الي ما احتمله المحقق التقي من أن صدر خبر سماعة وارد مورد الرخصة في الحلف في غير محل الدعوي و القضاء من دون نظر الي الصادق و الكاذب فيكون خارجا عن محل الكلام- انه و إن كانت النسبة

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 137

هذا مع إمكان منع الاستبعاد المذكور لأن مورد الأخبار عدم الالتفات الي التورية في مقام الضرورة الي الكذب إذ مع الالتفات، فالغالب اختيارها إذ لا داعي الي العدول عنها الي الكذب.

ثمّ إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة علي التورية (1) اطلقوا القول بلغوية ما أكره عليه من العقود و الايقاعات و الأقوال

______________________________

هي العموم من وجه.

إلا انه لأظهرية هذه المطلقات تقدم هي علي مفهوم خبر سماعة، إذ لو قدم خبر

سماعة و حكم باختصاص جواز الحلف كاذبا بصورة الاكراه و الاضطرار لزم لغوية العناوين المأخوذة في المطلقات، و هي الكذب لدفع الضرر المالي أو البدني عن نفسه أو عن أخيه.

و هذا بخلاف العكس، فإن لازم تقديم المطلقات تقييد مفهوم خبر سماعة، و لا ريب في ان الأول هو المتعين.

و بعبارة اخري: لو قدم خبر سماعة لزم كون تعليق الحكم علي العناوين المأخوذة في المطلقات لغوا و عدم دخلها في الحكم، و هذا بخلاف ما لو قدم المطلقات.

فتحصل: ان الأظهر عدم اعتبار هذا القيد في جواز الحلف كاذبا.

و يؤيده عدم الاشارة الي ذلك في تلك الأخبار الكثيرة، خصوصا في قضية عمار و أبويه حيث أكرهوا علي الكفر، و أظهر لهم عمار ما أرادوا فنزلت الآية (من كفر بالله من بعد إيمانه … الخ) «1».

فقال النبي صلي الله عليه و آله: ان عادوا عليك فعد. و لم ينبهه علي التورية مع شفقته صلي الله عليه و آله علي عمار، و علمه بكراهة عمار للتلفظ بألفاظ الكفر من دون تورية «2».

(1) قوله ثمّ ان أكثر الاصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة علي التورية.

______________________________

(1) سورة النحل، آية 107.

(2) الوسائل، باب 29، من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 138

المحرمة كالسب و التبري من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية بل صرح بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة و المسالك في باب الطلاق بعدم اعتبار العجز عنها بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه مع انه يمكن أن يقال ان المكره علي البيع انما اكره علي التلفظ بالصيغة، و أما ارادة المعني فمما لا تقبل الإكراه فاذا اراده مع القدرة علي عدم

ارادته، فقد اختاره. (1)

فالإكراه علي البيع الواقعي يختص بغير القادر علي التورية لعدم المعرفة بها او عدم الالتفات اليها كما ان الاضطرار الي الكذب يختص بغير القادر عليها، و يمكن ان يفرق بين المقامين بأن الإكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقي او الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون ارادة المعني لكنه غير المكره عليه و حيث ان الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه، لم يعتبر ذلك في حكم الإكراه و هذا بخلاف الكذب فانه لم يسوغ الا عند الاضطرار اليه و لا اضطرار مع القدرة. (2)

______________________________

حاصله: ان أكثر الأصحاب اعتبروا في جواز الكذب عدم تمكنه من التورية، و لم يعتبروا ذلك في فساد ما أكره عليه من العقود و الإيقاعات، بل في كلام بعضهم دعوي الإجماع علي عدم اعتبار ذلك.

(1) و أورد عليهم المصنف قدس سره بأن المكره علي البيع مثلا مع تمكنه من عدم ارادة المعني انما يكون مكرها علي التلفظ بالصيغة، و لا يكون مكرها علي البيع الحقيقي المتقوم بإرادة المعني، فلو اراد المعني و لم يور فقد أوجد البيع باختياره و ارادته فيكون صحيحا.

(2) و أجاب هو قدس سره بوجود الفارق بين المقامين، و اجماله: ان المسوغ للكذب المحرم- مع قطع النظر عن النصوص الخاصة، هو الاضطرار و الإلجاء، و هذا العنوان لا يصدق مع التمكن من التفصي بالتورية، و أما الرافع لأثر المعاملة فهو أعم من ذلك، بل لو صدق عنوان المكره عليه علي البيع الخارجي لما كان صحيحا، و حيث ان الإكراه انما تعلق بنفس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 139

نعم لو كان الإكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق

موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر علي المكره عليه من حيث انه مضطر اليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال، كان ينبغي فيه اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها.

و الحاصل ان المكره اذا قصد المعني مع التمكن من التورية صدق علي ما أوقع انه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما اكرهوا عليه. و أما المضطر فاذا كذب مع القدرة علي التورية لم يصدق انه مضطر اليه فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا اليه.

هذا كله علي مذاق المشهور من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار اليه حتي من جهة العجز عن التورية و أما علي ما استظهرناه من الأخبار كما اعترف به جماعة من جوازه مع الاضطرار اليه من غير جهة العجز عن التورية فلا فرق بينه و بين الإكراه كما ان الظاهر ان أدلة نفي الإكراه راجعة الي الاضطرار لكن من غير جهة التورية. فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر اليه للإكراه عليه أو دفع الضرر به هذا و لكن الأحوط التورية في البابين.

______________________________

المعاملة و واقعها فإذا أوجدها المكره فقد أوجد نفس ما أكره عليه، فيرتفع أثره بالاكراه.

و أشكل عليه أغلب المحشين، و هم المحققون الشيرازيان، و الإيرواني قدس سرهم بما حاصله: ان هذا الفرق لو تم فانما هو بين الإكراه و الاضطرار، و تماميته في المقام، تبتني علي عدم شمول نفي الاكراه للكذب إذا اكره عليه، و يختص دليل نفي الاضطرار بالشمول له، و هذا مما لا يمكن الالتزام به، كيف و نسبة كل من دليلي رفع الإكراه

و الاضطرار الي كل من الأمرين علي حد سواء، فبأي وجه يجعل التصرف في دليل حرمة الكذب بأدلة الاضطرار و التصرف في أدلة العقود و الايقاعات بأدلة الإكراه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 140

______________________________

و لكن الظاهر ان مراد المصنف قدس سره علي ما يظهر من ذكره الفرق بين المقامين في كتاب البيع في مبحث الاكراه غير ما فهموه و أوردوا عليه.

و محصل كلامه قدس سره: أن الاكراه الرافع لأثر المعاملات، أوسع من الاكراه المسوغ للمحرمات: إذ مناط الأول عدم طيب النفس، و مناط الثاني دفع ضرر المكره علي ارتكاب المكره عليه.

توضيح ذلك: ان المتبادر من الاكراه هو الجبر و الالجاء، و عليه يحمل الاكراه في حديث الرفع، فيكون الفرق بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع و نحوه، و الاكراه بما كان من فعل الغير.

و حيث انه لا مسوغ لارتكاب المحرمات سوي حديث الرفع و ما يقرب منه، فلا يجوز ارتكابها ما لم يحصل الالجاء و الضرورة، و هذا العنوان لا يصدق مع امكان التفصي بالتورية.

و أما في المعاملات فحيث انه يعتبر في صحتها- زائدا علي عدم الاكراه بالمعني المتقدم- صدورها عن الرضا و طيب النفس علي ما تدل عليه الآية الشريفة و النصوص الكثيرة، فيكفي في عدم ترتب آثارها عليها الاكراه المقابل لطيب النفس، و إن لم يصل الي حد الالجاء و الاضطرار، و هو قد يتحقق مع امكان التفصي بغيرها، مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة او مطالعة فجاءه من اكرهه علي بيع شي ء مما عنده، و هو في هذه الحال غير قادر علي دفع ضرره، و هو

كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره، فالظاهر صدق الاكراه بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء.

و لو فرض في هذا المثال اكراهه علي محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المكان.

ففي المقام اذا اكره علي الكذب و هو يتمكن من التفصي بالتورية لا يصدق الاكراه إذ المسوغ لارتكاب الحرام هو الالجاء و الضرورة غير الصادق في الفرض، و اذا اكره علي المعاملة فالمعاملة مكره عليها، غاية الأمر يقدر المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 141

ثمّ ان الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات، نعم يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف (1) و عليه يحمل قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة علامة الايمان ان توثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك.

______________________________

دون ارادة المعني، لكنه غير المكره عليه، فلا يعتبر ذلك في حكم الاكراه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه و به يندفع الايراد المتقدم.

لكنه يرد عليه قدس سره أمران:

الأول: عدم تمامية الفرق المذكور، اذ طيب النفس و الرضا المعتبر في صحة العقود و الايقاعات ليس الا ما يقابل الالجاء و الاكراه، مثلا في المثال المتقدم لو باع من اكره علي البيع فهو بالعنوان الأولي، و إن كان لا يرضي به و لكن بعد ملاحظة العناوين الثانوية، مثل انه لا يريد الخروج عن ذلك المكان لا محالة يرضي بالمعاملة، فلو صدرت المعاملة عنه يكون صدورها عن الرضا و طيب النفس و بالاستقلال، و لا يكون ساقطا عن الاستقلال في التصرف بحيث لا تطيب نفسه بما صدر منه، فلو اعتذر و قال: ما كنت

راضيا بها، يقال له: ما كنت ملجئا و مضطرا فكيف عاملت.

و بالجملة: لا يعتبر في صحة المعاملة من الرضا و طيب النفس، سوي ما يقابل الاكراه و الالجاء.

الثاني: انه لو تم ذلك لما كان المقام من مصاديق الاكراه اذ من يتمكن من التفصي بالتورية كمن كان خدمه حاضرين عنده في المثال، و توقف دفع ضرر إكراه الشخص علي أمر خدمه بدفعه و طرده، اعترف هو قدس سره في كتاب البيع بأنه لا يتحقق الاكراه في حقه، و يكذب لو ادعاه.

فتحصل: انه لا فرق بين المقامين:

(1) قوله نعم يستحب تحمل الضرر المالي لا يجحف.

و فيه: ان الضرر المالي ان صدق عليه الضرر جاز الكذب لدفعه، و الا فلا، و لم يدل دليل علي استحباب تحمل الضرر و عدم الكذب في بعض الموارد، و قوله عليه السلام ففي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 142

ثمّ إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا في مقام التقية في بيان الأحكام مثل قولهم لا بأس بالصلاة في ثوب اصابه خمر و نحو ذلك، و إن أمكن حمله علي الكذب لمصلحة بناء علي ما استظهرنا جوازه من الأخبار الا ان الأليق بشأنهم عليهم السلام (1) هو الحمل علي ارادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة، بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار الي اللبس، و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد مثل انه ذكر عليه السلام ان النافلة فريضة ففزع المخاطب، ثمّ قال: انما اردت صلاة الوتر علي النبي صلي الله عليه و آله و من هنا يعلم انه إذا

______________________________

نهج البلاغة: علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك «1» الذي استدل به

لذلك لا يدل عليه، إذ بواسطة التقابل فيه بين الصدق الضار مع الكذب النافع، يتعين حمل الضرر علي ارادة عدم النفع، او النفع علي ارادة عدم الضرر، و الأول لو لم يكن أظهر لا ريب في إجمال الكلام حينئذ فلا يصح الاستدلال به إذ علي الأول يكون الكذب محرما، و تركه حينئذ يكون علامة الايمان، فهو إما اجنبي عن المقام أو مجمل لا يمكن الاستدلال به.

بقي الكلام في أمرين:

الأول: ان الأقوال الصادرة عن الأئمة في مقام التقية في بيان الأحكام محمولة علي ارادة خلاف ظواهرها، أو علي الكذب لمصلحة.

(1) و المصنف قدس سره قال إن الاليق بشأنهم هو الحمل علي إرادة خلاف ظواهرها فهو يختار الأول.

و فيه: انه مبني علي القول باستقلال العقل بقبح الكذب حتي فيما اذا طرأ عليه عنوان جوزه الشارع الأقدس، و لكنك عرفت عدم كونه كذلك، و انه في موارد تجويز الشارع اياه، لا يستقل العقل بقبحه في نفسه، و انه انما يجوز لأجل ارتكاب أقل القبيحين، و عليه فلا يكون حمل النصوص الواردة في مورد التقية علي ارادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة اليق بشأنهم، بل ذلك و الكذب لمصلحة سواء.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 143

دار الأمر (1) في بعض المواضع بين الحمل علي التقية و الحمل علي الاستحباب، كما في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثاني (2) لأن التقية تتأدي بإرادة المجاز و إخفاء القرينة. (3)

______________________________

(1) فهل يتعين الثاني اذا دار الامر بين التقية و الحمل علي الاستحباب كما في الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا.

(2) فهل يتعين الثاني كما أفاده

المصنف قدس سره أم لا؟ و ملخص القول في المقام:

ان الكلام الذي يدور أمره بين الحمل علي التقية، او الاستحباب، يكون علي أقسام:

الاول: ان يكون متضمنا لبيان حكم تكليفي، فيدور أمره بين إبقائه علي ظاهره من الوجوب و حمله علي التقية، و بين أن يراد به الاستحباب. ففي هذا القسم يحمل علي الاستحباب.

(3) لا لما علله المصنف قدس سره من ان التقية تتأدي بارادة المجاز و إخفاء القرينة، بل لأن حقيقة الاستحباب ليست الا الامر بالفعل مع الترخيص في تركه في مقابل الوجوب الذي هو الأمر بالفعل مع عدم الترخيص في تركه.

و بعبارة اخري: ان الوجوب و الاستحباب ينتزعان عن الترخيص في ترك المأمور به و عدمه، و الا فالأمر في الموردين يستعمل في معني واحد، و عليه، فاذا ورد أمر بشي ء و علم من الخارج عدم وجوبه يحمل علي الاستحباب.

الثاني: أن يكون متضمنا لبيان حكم وضعي، كما إذا ورد ان المذي ناقض للوضوء، و دار الامر بين حمله علي التقية، او علي ارادة استحباب الوضوء عقيب المذي منه، فالمتعين في هذا القسم الحمل علي التقية، اذ إرادة الاستحباب من مثل هذه الجملة غير صحيحة فتأمل.

القسم الثالث: ان يتضمن الامر بعمل و يكون ظاهره الارشاد الي حكم وضعي، كما اذا أمر بالوضوء عقيب المذي، حيث ان ظاهره الارشاد الي ناقضيته للوضوء، ففي هذا القسم اذا دار الامر بين الحمل علي الاستحباب بإرادة خلاف ظاهر الامر منه أو حمله علي التقية، فحيث ان الامر دائر بين الغاء اصالة الظهور، و بين الغاء أصالة تطابق المراد الجدي للمراد الاستعمالي، و لا مرجح لإحداهما علي الاخري فتتساقطان و لا يصح الاعتماد علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 144

الثاني: من

مسوغات الكذب ارادة الاصلاح (1) و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند ارادة الاصلاح. ففي صحيحة معاوية بن عمار المصلح ليس بكذاب و نحوها رواية معاوية بن حكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله عليه السلام و في رواية عيسي بن حنان عن الصادق عليه السلام كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة:

رجل كائد في حربه، فهو موضوع عنه.

و رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي هذا يريد بذلك الاصلاح.

و رجل وعد أهله و هو لا يريد أن يتم لهم.

و بمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة روايات.

______________________________

شي ء منهما، فلا وجه للحمل علي الاستحباب في هذا المورد.

و بما ذكرناه من القول الفصل ظهر ما في كلمات الاستاذ الاعظم و سائر الاساطين في المقام:

الكذب لإرادة الاصلاح

(1) قوله الثاني من مسوغات الكذب: ارادة الإصلاح.

لا خلاف في جواز الكذب لإرادة الاصلاح بين المتخاصمين، و تشهد له جملة من النصوص: كصحيح معاوية بن عمار «1». و رواية معاوية بن حكم «2» و خبر عيسي بن حسان «3» و مرسل الواسطي «4» و ما عن الصدوق في كتاب الاخوان «5». المذكورة في المتن الي غير ذلك من النصوص الكثيرة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) نفس المصدر، حديث 9.

(3) نفس المصدر، حديث 5.

(4) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(5) نفس المصدر، حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 145

و في مرسلة الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكلام ثلاثة صدق و كذب و إصلاح بين الناس قيل له جعلت فداك و ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت فلانا قال

فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعته.

و عن الصدوق في كتاب الاخوان بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ان الرجل ليصدق علي أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و ان الرجل ليكذب علي أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقا، ثمّ ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام و تقييد الاخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد و إن كان مراعاته مقتضي الاحتياط.

______________________________

و يمكن أن يستدل له بأنه أمر في الآية الشريفة (انما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم) «1» بالإصلاح، و مقتضي اطلاقه مطلوبية الاصلاح و إن كان بالكذب، فتعارض الآية الشريفة مع عموم ما دل علي حرمة الكذب بالعموم من وجه، و الترجيح مع الآية الشريفة.

فأصل الحكم مما لا توقف فيه، انما الكلام في موارد:

الاول: انه قد يقال: إنه كما يجوز الكذب لإرادة الاصلاح كذلك يجوز لجلب نفع الاخوان، و استدل له بما عن الصدوق في كتاب الاخوان بسنده عن الامام الرضا عليه السلام المتقدم و فيه: انه مضافا الي ما في سنده من الخلل، و إعراض الاصحاب عنه: انه انما يدل علي جواز الكذب لجلب النفع بالإطلاق لشموله للكذب للإصلاح، فالنسبة بينه و بين مفهوم الحصر في جملة من النصوص الحاصرة لجواز الكذب في الثلاثة عموم من وجه، و

______________________________

(1) الحجرات: 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 146

ثمّ انه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة بل مطلق الاهل (1) و الله العالم.

______________________________

الترجيح مع تلك النصوص، فالأظهر عدم جوازه في هذا المورد.

الثاني: انه هل من الكذب للاصلاح الكذب لأجل تحبيب

غير المتحابين أم لا؟ وجهان: أقواهما الثاني: إذ ظاهر الاصلاح هو رفع التباغض فيعتبر سبقه، فالكذب لمجرد التحبيب لا دليل علي جوازه.

الثالث: انه يكفي في صدق مفهوم الاصلاح البغض من جانب واحد فتشمله المطلقات، مع انه مورد مرسل الواسطي المتقدم.

حيث ان الرجل الذي قيل في حقه ما قيل أبغض الرجل المتكلم، و أما الرجل الذي تكلم فلا يلازم كلامه بغض صاحبه، إذ لعل كلامه كان من قبيل نفي الاجتهاد أو نفي العدالة مما لا يكون صادرا عن البغض.

الرابع: لا فرق في جواز الكذب للاصلاح بين أن يكون المصلح غير المتخاصمين أو أحدهما، بل لا يبعد دعوي تأكد الحكم في الثاني.

لخبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام: فما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث الا و برأت منهما في الثالثة، قيل: هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال: ما بال المظلوم لا يصير الي الظالم فيقول: انا الظالم حتي يصطلحا «1» إذ بديهي ان قول المظلوم انا الظالم كذب و نحوه غيره.

(1) قال المصنف قدس سره ثمّ قد ورد في اخبار «2» كثيرة جواز الوعد الكاذب.

و هذه الاخبار لشمولها لما اذا كان الوعد علي سبيل الاخبار، توجب تقييد ما دل علي حرمة الكذب، كما انها تقيد ما دل علي لزوم الوفاء بالوعد أو رجحانه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 144، من أبواب أحكام العشرة، حديث 10.

(2) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 147

التاسعة عشرة: الكهانة حرام (1)
اشارة

و هي من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما في الصحاح اذا تكهن، قال: و يقال كهن بالضم كهانة بالفتح اذا صار كاهنا.

و عن القاموس ايضا الكهانة بالكسر، لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل كهانة بالفتح، و كيف كان فعن النهاية ان

الكاهن من يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان.

و قد كان في العرب كهنة فمنهم من كان يزعم ان له تابعا من الجن يلقي اليه الاخبار.

و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و أسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من سأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف و المحكي عن الاكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد من أنه من كان له رأي من الجن يأتيه الاخبار.

و عن التنقيح انه المشهور و نسبه في السرائر الي القيل و رأي علي فعيل من رأي يقال فلان رأي القوم أي صاحب رأيهم، قيل: و قد يكسر رائه اتباعا.

و عن القاموس رأي كغني جني يري فيخبر.

______________________________

الكهانة

(1) قوله التاسعة عشرة الكهانة حرام.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مواضع:

الاول: ان الكهانة علي ما يستفاد من كلمات اللغويين و خبر الاحتجاج: هي الاخبار عن الغائبات لاتصال المخبر بالجن و الشيطان، و القيود المعتبرة فيها أو قيل باعتبارها أمور:

و قبل بيانها لا بد و ان يعلم ان كل قيد شك في اعتباره و لم يدل علي عدمه دليل لا بد من البناء علي اعتباره أخذا بالمتيقن:

أحدها: كون الاخبار بواسطة الاتصال بالجن و الشيطان كما صرح به الاكثر.

فما عن ظاهر النهاية من كون الكهانة بغير قذف الشياطين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 148

و عن النهاية يقال للتابع من الجن رأي بوزن كمي. أقول روي الطبرسي في الاحتجاج في جملة الاسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام قال الزنديق:

فمن اين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث، قال عليه السلام: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن

بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث و ذلك في (من) وجوه شتي فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فطنة الروح مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الي الكاهن يخبره بما يحدث في المنازل و الاطراف.

و أما اخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس علي أهل الارض ما جاءهم عن الله تعالي لاثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله في خلقه فيختطفها، ثمّ يهبط بها الي الارض فيقذفها

______________________________

غير تام، و قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج و ذلك في وجوه شتي فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح مع قذف في قلبه «1» لا يدل عليه لاحتمال رجوع القيد الي الجميع، بل هو الظاهر بواسطة التعليل بقوله لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان.

ثانيها: كون المخبر به أمرا استقباليا فالأخبار عن الامور الماضية أو الكائنة بالفعل لا يكون من الكهانة.

و يشهد له- مضافا الي تصريح جمع من اللغويين به- قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج تؤدي الي الشياطين- أي الكهنة- ما يحدث في البعد من الحوادث،.

و لكن دعوي عدم اعتبار هذا القيد بحسب المتفاهم العرفي المؤيد باطلاق كلمات أكثر الفقهاء ليست ببعيدة، بل صحيح الهيثم الآتي دال عليه كما ستعرف.

ثالثها: أن يكون مركبا من الاخبار بخبر السماء و

الاخبار بخبر الارض.

و استدل له: بقوله عليه السلام: في خبر الاحتجاج: فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع*

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي، ص 185.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 149

الي الكاهن فاذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من «مما كان» خبر يخبر به هو ما اداه اليه شيطانه مما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم انما تؤدي الشياطين الي كهانها اخبارا للناس (1) مما يتحدثون «به و ما يحدثونه» و الشياطين تؤدي الي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق و من قاتل قتل و من غائب غاب، و هم ايضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب، الخبر.

و قوله عليه السلام مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير و هو فطنة الروح فيكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية و يحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب أخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث في نفسه لتلك الوجوه و غيرها كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل، و كيف كان ففي قوله انقطعت الكهانة (2) دلالة علي ما عن المغرب من ان الكهانة في العرب كانت قبل البعث

______________________________

انقطعت الكهانة.

و لكن الاظهر ان للكهانة قسمين:

الاول: ان يخبر الكاهن عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالشياطين المخبرة عن أخبار السماء.

الثاني: ان يخبر الكاهن عن الكائنات الارضية للاتصال بالشياطين و الجن المخبرة عن الاخبار الارضية، و قد أطلق الكاهن في خبر الاحتجاج علي القسم الثاني، كما أطلق فيه علي الاول،، لاحظ قوله

عليه السلام فيه: لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الكاهن. و يخبره بما يحدث في المنازل و الاطراف.

(1) و قوله عليه السلام فيه: و اليوم انما يؤدي الشيطان الي كهانها أخبار الناس مما يتحدثون به … الخ و عليه فتحمل الكهانة.

(2) في قوله انقطعت الكهانة علي الكهانة الكاملة أي القسم الأول.

الثاني: الظاهر جواز تسخير الجن للكهانة، و قد تقدم الكلام فيه في آخر مبحث السحر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 150

قبل منع الشياطين عن استراق السمع لكن قوله عليه السلام انما يؤدي الشياطين الي كهانها اخبارا الناس، و قوله قبل ذلك مع قذف في قلبه الخ، دلالة علي صدق الكاهن علي من لا يخبر الا باخبار الارض فيكون المراد من الكهانة المنقطعة الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها حاكما في جميع ما يتحاكمون اليه من المشتبهات، كما ذكر في أول الرواية و كيف كان فلا خلاف في حرمة الكهانة.

و في المروي عن الخصال من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي الله عليه و آله.

و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر، و ان تعلم النجوم يدعو إلي الكهانة.

و روي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك، (فنسأله)، فقال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله من مشي الي ساحر او كاهن أو كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب الخبر.

______________________________

الثالث: تحرم الكهانة و تشهد له جملة من النصوص: كخبر أبي بصير عن مولانا الصادق عليه

السلام: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي الله عليه و آله «1». و نحوه غيره، و قد تقدم بعضها في مبحث التنجيم، و السحر.

الرابع: يحرم الرجوع الي الكاهن و العمل بقوله و ترتيب الاثر عليه لجملة من النصوص الناهية عن إتيان الكاهن: كخبر الخصال المتقدم، و صحيح الهيثم الآتي و غيرهما، فإن الاتيان الي الكاهن و المجي ء اليه كناية عن تصديقه و العمل بقوله.

الخامس: لا يجوز أخذ الاجرة علي أخبار الكاهن لكونه عملا لا يترتب عليه أثر جائز، و لخبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام جعل من السحت أجر الكاهن «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 151

و ظاهر هذه الصحيحة ان الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرم مطلقا (1) سواء كان بالكهانة أو بغيرها لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل حراما و يؤيده النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي انه نهي عن إتيان العراف. و قال من أتاه و صدقه فقد برئ مما انزل الله علي محمد صلي الله عليه و آله و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن و يخص باسم العراف و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي الخ.

فان ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من أي سبب كان فتبين من ذلك

______________________________

الإخبار عن الامور المستقبلة

(1) و قد استدل لحرمة الأخبار عن الغائبات و الأمور المستقبلة بأمور:

الاول: صحيح الهيثم «1» عن

الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن.

بتقريب انه يدل علي حصر المخبر بالشي ء الغائب بالساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل حراما.

و فيه: اولا: انه يدل علي حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات باخبار هذه الطوائف الثلاث لا حصر المخبر عنها به كما لا يخفي.

و ثانيا: انه بقرينة السؤال ظاهر في الاخبار عن الامور الماضية، و لم يستشكل أحد في جوازه اذا لم يكن بالكهانة.

و ثالثا: انه يدل علي حرمة الرجوع و تصديق المخبر، و هي لا تلازم حرمة الاخبار، كما في حرمة تصديق الفاسق و شهادة العدل الواحد في بعض الموارد، مع جواز اخبار الفاسق و جواز الشهادة للعادل، بل وجوبها احيانا عليه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 152

ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صح اعتباره كبعض الجفر و الرمل محرم، و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم لغير نبي او وصي نبي سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك.

العشرون:: اللهو حرام (1)
اشارة

علي ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر

______________________________

الثاني: قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي بتقريب انه يدل علي مبغوضية الاخبار عن الغائبات لمشاكلته للوحي من أي سبب كان.

و فيه: أولا: انه يدل علي المبغوضية التكوينية، و لذا قطع الله سبحانه سببه بمنع الشياطين عن الاطلاع علي السماء و اخباره منعا تكوينيا.

و ثانيا: انه مختص بالأخبار عن السماء بل يدل علي عدم المنع من الاخبار عن الغائبات من الكائنات في الارض.

الثالث: قوله عليه السلام في حديث المناهي انه نهي عن

إتيان العراف و قال: من أتاه و صدقه فقد برئ مما انزل الله عز و جل علي محمد صلي الله عليه و آله «1» إذ المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن يخص باسم العراف.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: انه يدل علي حرمة تصديقه، و قد مر انها لا تلازم حرمة الاخبار.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمته، و عليه فان كان جازما بالمخبر عنه جاز، و الا حرم لكونه من الكذب المحرم.

حرمة اللهو

(1) قوله: اللهو حرام علي ما يظهر من المبسوط.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 153

و القواعد و الذكري و الجعفرية و غيرها حيث عللوا لزوم الاتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو، قال في المبسوط: السفر علي أربعة أقسام: و ذكر الواجب و الندب و المباح، ثمّ قال: الرابع سفر المعصية وعد من أمثلتها من طلب الصيد للهو و البطر و نحوه بعينه عبارة السرائر.

و قال في المعتبر: قال علماؤنا اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا ان اللهو حرام فالسفر له معصية، انتهي.

و قال في القواعد: الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر و المتصيد لهوا انتهي.

و قال في المختلف في كتاب المتاجر حرم الحلبي الرمي من قوس الجلاهق، قال: و هذا الاطلاق ليس بجيد بل ينبغي تقييده باللهو و البطر. و قد صرح الحلي في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته.

و قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب و انتصر في الرياض للحلي بأن ما دل علي قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات أظهر

من أن يخفي فاذا ثبت القبح «و الذم» ثبت النهي، ثمّ قال: و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير الي قوله ليس بذلك البعيد، انتهي.

______________________________

نسب المصنف قدس سره الي المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكري و الجعفرية و غيرها: ان اللهو حرام.

و لكن الكلمات التي ذكرها قدس سره لا دلالة فيها علي ارادة حرمة اللهو بقول مطلق، فانها متضمنة لحرمة طلب الصيد للهو، و معلوم ان قوله للهو ليس تعليلا للحرمة، بل هو قيد للطلب، و عليه فمرادهم ان الصيد للهو لا للانتفاع و غيره من الاغراض العقلائية حرام، و هذا لا يلازم حرمة اللهو بقول مطلق، إذ لعل في هذا الفعل اللهوي خصوصية و هي إيذاء الحيوانات بلا جهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 154

______________________________

نعم بعضها ظاهر في ذلك كقول المحقق في محكي المعتبر: قال علماؤنا: اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا ان اللهو حرام فالسفر له معصية.

و كيف كان: فتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في بيان الموضوع.

فقد احتمل المصنف قدس سره فيه احتمالات ثلاثة:

الاول: ان يراد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس.

الثاني: هو اللعب عن بطر، أي شدة الفرح- و الظاهر ان مراده هو الحركة لا لغرض عقلائي- الناشئة عن شدة الفرح كالرقص، أو الموجبة لها كالضرب بالطشت.

الثالث: هي الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوي الشهوية.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ما في الاحتمال الاخير من نحو من الاجمال، اذ تحصيل مقتضيات القوي الشهوية بأنفسها أغراض عقلائية- فتأمل.

ان الظاهر ان اللهو من أفعال النفس، بمعني انه عنوان منطبق عليها، و لا ربط له

بالأفعال الجوارحية، و ليس كاللعب منطبقا علي تلك الافعال كما يظهر لمن تدبر في مشتقات هذا اللفظ، لاحظ قوله تعالي: (لاهية قلوبهم) «1» أي ساهية غافلة مشغولة بالباطل عن الحق و تذكره، و قوله تعالي: (ألهيكم التكاثر) «2» أي شغلكم التفاخر و التباهي بكثرة المال عن الآخرة و قوله تعالي: (لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله) «3». و قوله: (فأنت عنه تلهي) «4». و لذا قيل في قول لهو الحديث: ان الاضافة بمعني من، لان اللهو يكون من الحديث و غيره، و اطلاقه علي بعض الأفعال الجوار حية كالغناء

______________________________

(1) سورة الانبياء: آية 4.

(2) سورة التكاثر: آية 2.

(3) سورة النور: آية 38.

(4) سورة عبس: آية 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 155

و لا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ القول بحرمته مع دعوي كثرة الروايات بل الآيات علي حرمة مطلق اللهو لأجل النص علي الجواز فيه في قوله عليه السلام لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام، و استدل في الرياض ايضا تبعا للمهذب علي حرمة المسابقة بغير المنصوص علي جوازه بغير عوض بما دل علي تحريم اللهو و اللعب، قال لكونها منه بلا تأمل انتهي.

و الاخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا منها ما تقدم من قوله في رواية تحف العقول (1) و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الاجرة عليه.

______________________________

انما هو من باب اطلاق اللفظ الموضوع للمسبب علي السبب.

و عليه فاللهو هو اشتغال النفس باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية، و إن كانت الغاية حاصلة سواء صدرت منه حركة

جوارحية أم لا، كما ذكره بعض المحققين.

المورد الثاني: في بيان حكمه.

فقد استدل المصنف قدس سره لحرمة مطلق اللهو بجملة من النصوص.

(1) منها ما تقدم من قوله في رواية تحف العقول «1» المذكور في المتن.

بدعوي ان اللهو من هذا القبيل.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: ان كون اللهو مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف علي ثبوت حرمته، إذ لو كان جائزا لما كان من هذا القسم و اثبات حرمته بهذا الخبر دور واضح.

و إن شئت قلت: ان الخبر متضمن لبيان الكبري، و هي ان ما يجئ منه الفساد محضا يحرم العمل به و جميع التقلبات فيه، و أما إحراز الصغري فلا بد و أن يكون بدليل آخر، و كون اللهو من مصاديقها أول الكلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 156

و منها ما تقدم من رواية الاعمش (1) حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار، فان الملاهي جمع الملهي مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء و نحوها في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر. رواية العيون الواردة في الكبائر و هي حسنة كالصحيحة بل صحيحة. (2)

______________________________

(1) قوله و منها ما تقدم من رواية الأعمش.

و هي ما عن مولانا الصادق عليه السلام و قد عد من الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار «1».

بدعوي ان الملاهي جمع الملهي مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لانه لا يناسب التمثيل بالغناء.

و فيه: أولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

و ثانيا: انه يدل علي حرمة اللهو الذي يصد عن ذكر الله، أي

يوجب حالة الاحتجاب للنفس كالغناء و شبهه، فلا دلالة فيه علي حرمة اللهو المطلق.

و ثالثا: انه يحتمل أن تكون الملاهي جمع الملهاة التي هي اسم الآلة، و مناسبته مع التمثيل بالغناء انما هي لأجل ارادة الغناء في آلة اللهو.

(2) قوله رواية العيون الواردة في الكبائر.

و هي حسنة الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السلام و قد عد فيه الاشتغال بالملاهي من الكبائر «2».

و فيه: ان الظاهر من اللغة كون الملاهي جمع الملهاة اسم الآلة، و لا صارف عن هذا الظهور، بل يؤكده ان الظاهر من الباء في صدرها الاستعانة، و زيادة كلمة الاشتغال قبل كلمة الملاهي و عليه فهي تدل علي ان استعمال آلات اللهو حرام و لا نزاع في ذلك، و لا دلالة لها علي حرمة اللهو المطلق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36.

(2) نفس المصدر، حديث 33.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 157

و منها ما تقدم في روايات القمار من قوله عليه السلام كلما الهي عن ذكر الله فهو الميسر. (1)

و منها قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة و الصقور، انما خرج في لهو لا يقصر (2) و منها ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله عن السماع، فقال: ان لأهل الحجاز فيه رأيا، قال: و هو في حيز اللهو (3) و قوله عليه السلام في رد من زعم ان النبي صلي الله عليه و آله رخص في أ يقال جئناكم جئناكم.

______________________________

(1) و هو خبر عبد الله بن علي عن علي بن موسي عن آبائه عن الإمام علي عليه السلام كل ما الهي عن ذكر الله فهو

من الميسر «1».

و فيه: أولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم في مبحث القمار.

و ثانيا: انه بعد ما لا ريب في ان المراد ليس جعل كل ما يوجب الالتهاء عن ذكر الله بمعني الاشتغال الفعلي عنه من الميسر المحرم، اذ كل فعل مباح يكون كذلك، فلا بد من حمله علي ارادة حصول حالة الاحتجاب للنفس من تلك المعصية.

(2) و هو خبر زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة و الصقور: انما خرج في لهو لا يقصر «2».

و قريب منه جملة من النصوص.

و فيه: اولا: ان هذه الطائفة تدل علي ان السفر للصيد اللهوي لا يوجب القصر، و هذا لا يلازم الحرمة، اذ وجوب الاتمام أعم من كون السفر معصية.

و ثانيا: انها لو دلت علي الحرمة فانما تدل علي حرمة الصيد اللهوي، و هذه لا تلازم حرمة اللهو بقول مطلق، اذ لعل في هذا القسم منه خصوصية كما تقدم.

(3) المراد به خبر أبي عباد عن الإمام الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لاهل الحجاز فيه رأي، و هو في حيز الباطل و اللهو «3».

و فيه أولا: انه ضعيف السند لأن ابا عباد امامي مجهول.

و ثانيا: انه لا يدل علي حرمة اللهو، و كون الغناء المحرم، من أقسامه لا يدل علي حرمة مطلقه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 9، من أبواب صلاة المسافر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1 (.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 158

الخ. كذبوا (1) ان الله يقول: (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا) الي آخر الآيتين.

و منها ما دل علي ان

اللهو من الباطل (2) بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء، ففي بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل (باطل) ما خلا ثلاثة المسابقة و ملاعبة الرجل أهله الخ. و في رواية علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه، قال: سألته عن اللعب بالأربعة عشر و شبهها، قال: لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (3) الي غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.

______________________________

(1) كخبر عبد الأعلي عن الإمام الصادق عليه السلام عن الغناء و قلت: انهم يزعمون ان رسول الله صلي الله عليه و آله رخص في ان يقال جئناكم- الي ان قال- كذبوا إن الله عز و جل يقول: (لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا … الخ) «1».

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

و ثانيا: انه يدل علي ان اللهو، لا يناسب ساحته المقدسة، و هذا لا يلازم حرمته علينا كما هو واضح، و الاستشهاد بالآية الشريفة لحرمة القول المزبور انما هو من قبيل ذكر المناسبات.

(2) و منها ما دل علي ان اللهو من الباطل «2» بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل.

و فيه: انه لم يدل علي حرمة الباطل العرفي دليل، و غاية ما يستفاد من الادلة حرمة قسم خاص منه و قد مر الكلام في ذلك مفصلا.

(3) عدم دلالة خبر علي بن جعفر «3». علي الحرمة واضح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 99 من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(3) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 159

و يؤيده ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر انه من حيث اللهو

لا من حيث خصوص الآلة.

ففي رواية سماعة، قال ابو عبد الله عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس، و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم (علي نبينا و آله و عليه السلام).

فكلما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك (1) فان فيه إشارة الي ان المناط هو مطلق التلهي و التلذذ.

و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض (2)

______________________________

و كما صرح به بعض الاعاظم اني لم أفهم وجه المناسبة لذكر هذه الرواية هنا.

إذ لو كان مراده ما يدل علي ان اللهو من الباطل الذي هو بمنزلة الصغري في هذا الوجه، فليس من ذلك فيها عين و لا أثر.

و إن كان المقصود ذكر رواية تدل علي الكبري و هي حرمة كل باطل، فيرد عليه انها لا تدل علي الحرمة لأن لا نستحب لا يدل عليها.

و إن كان الغرض ذكر خبر يدل علي حرمة اللهو، و هي نتيجة القياس ففيه مضافا الي عدم دلالته علي الحرمة كما عرفت، كان المناسب ذكره قبل قوله.

و منها ما دل علي ان اللهو من الباطل.

(1) و قد استدل بخبر سماعة «1» المذكور في المتن علي حرمة الملاهي، بتقريب انه يدل علي كونها من عمل الشيطان، فيكون صغري لكبري كلية مستفادة من الآية الشريفة (إنما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) «2» و هي وجوب اجتناب كلما هو من عمل الشيطان.

و فيه اولا انه لو دل علي الحرمة فانما يدل عليها فيما اذا كان مقرونا بالشماتة لآدم عليه السلام.

و ثانيا ان الآية الكريمة تدل

علي الحرمة لا لمجرد انه من عمل الشيطان بل بما انه رجس من عمل الشيطان، و الا فكل ما هو من عمل الشيطان لا يكون حراما.

و أما ما أفاده المصنف قدس سره بقوله:

(2) و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض.

______________________________

(1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) المائدة: 90.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 160

فان الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا و إن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم كما تقدم، نعم صرح العلامة في التذكرة بحرمة المسابقة علي جميع الملاعب كما تقدم نقل كلامه في مسألة القمار.

هذا و لكن الاشكال في معني اللهو فانه إن اريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس.

فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة فان اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي و لا خلاف ظاهرا في عدم حرمته علي الاطلاق. نعم لو خص اللهو بما يكون عن بطر و فسر بشدة الفرح كان الاقوي تحريمه و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت، بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوي الشهوية، ففي حرمته تردد.

______________________________

فإن الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا.

فيرد عليه مضافا الي ما عرفت من عدم حرمته انه يمكن أن يكون وجهه صدق القمار عليه مع توهم حرمته بجميع أفراده.

و لو تنزلنا عما ذكرناه و سلمنا دلالة ما تقدم علي حرمة اللهو بقول مطلق، لا مناص عن حمله علي قسم خاص منه، و ذلك لما عرفت من ان اللهو هو الاشتغال عن

الله تعالي، و حيث لا ريب في ان مجرد الاشتغال الفعلي لا يكون حراما و إلا لزم حرمة جميع الافعال المباحة، فلا محيص عن إرادة حالة الالتهاء عن الله، و هي لا تحصل الا عن بعض الامور، و قد دل الدليل علي ان بعض الاشياء منها، فما لم يدل دليل علي منشئيّة فعل لحصول تلك الحالة لما كان وجه للحكم بحرمته.

حرمة للعب و اللغو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 161

و اعلم أن هنا عنوانين آخرين اللعب و اللغو (1) أما اللعب فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما و لكن مقتضي تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا، و لعل اللعب يشمل مثل حركات الاطفال الغير المنبعثة عن القوي الشهوية و اللهو ما تلتذ به النفس و ينبعث عن القوي الشهوية، و قد ذكر غير واحد ان قوله تعالي (إنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة) الآية، بيان ملاذ الدنيا علي ترتيب تدرجه في العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين و كيف كان فلم أجد من أفتي بحرمة اللعب عدا الحلي علي ما عرفت من كلامه و لعله يريد اللهو و إلا فالأقوي الكراهة. (2)

______________________________

(1) قوله و اعلم أن هنا عنوانين آخرين: اللعب و اللغو.

فلا بد من التعرض لهما فالكلام في موردين:

أما اللعب: فهو الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية اخري.

و أما حكمه: فعن الحلي و الطبرسي حرمته بقول مطلق.

(2) و قد اختار المصنف قدس سره كراهته.

و لكن حيث لم يدل دليل علي حرمته و لا علي كراهته، فالأظهر عدم الكراهة ايضا.

و المرسل المروي عن مجمع البيان: كل لعب حرام

الا ثلاثة: لعب الرجل بقوسه و فرسه و أهله. لارساله لا يعتمد عليه، و أظن انه اراد الطبرسي بذلك ما عن النبي صلي الله عليه و آله، المروي في الوسائل في حديث: كل اللهو باطل الا في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبته امرأته فانهن من حق «1».

و عليه فيرد عليه- مضافا الي انه انما يكون في اللهو لا اللعب، و مضافا الي ضعف سنده للرفع-: انه يدل علي ان كل اللهو باطل، و لا دليل علي حرمة الباطل.

أضف الي ذلك كله قيام الضرورة علي جواز اللعب في الجملة، و كونه من المباحات كاللعب باللحية أو الأحجار أو الحبل أو نحوها، و عليه فلو دل دليل علي النهي عنه لا بد من حمله علي قسم خاص منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 162

و أما اللغو فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الاخبار (1) كان في حكمه. ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ان السماع في حيز اللهو و الباطل. أما سمعت قوله تعالي: و إذا مروا باللغو مروا كراما (2) و نحوها، رواية أبي أيوب حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية و إن أريد به مطلق الحركات اللاغية فالأقوي فيها الكراهة.

و في رواية أبي خالد الكابلي عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التي تهتك العصم بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس (3) و في وصية النبي صلي الله عليه و آله لأبي ذر رحمهم الله ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس

فيهوي ما بين السماء و الارض (4).

______________________________

(1) قوله و أما اللغو فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار.

توضيح ما أفاده المصنف قدس سره ان اللغو يكون مرادفا للهو كما يظهر من خبر أبي عباد المتقدم لاستشهاده عليه السلام بالآية الشريفة و (اذا مروا باللغو مروا كراما) «1» لحرمة الغناء الذي قال عليه السلام فيه: انه في حيز الباطل و اللهو.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ضعف سنده كما تقدم-: انه انما يدل علي صدق العنوانين في بعض الموارد و هو السماع. حيث انه لغو في نفسه و استماعه يوجب حالة الالتهاء عن الله تعالي، فلا دلالة فيه علي اتحاد مفهومهما.

و الحق ان اللغو له مفهوم ظاهر و هو الفعل الخالي عن الغرض.

و أما حكمه فقد استدل لحرمته في المتن و غيره.

(2) تارة بالآية الشريفة «2».

(3) و اخري برواية أبي خالد الكابلي «3» المذكور في المتن.

(4) و ثالثة بوصية النبي «4» صلي الله عليه و آله لأبي ذر و قد ذكرها المصنف قدس سره.

و في الجميع نظر:

أما الآية الشريفة: فالظاهر و لا أقل من المحتمل عدم ارادة مطلق اللغو منها، حيث

______________________________

(1) سورة الفرقان: آية 73.

(2) سورة الفرقان، آية: 73.

(3) الوسائل، باب 41، من أبواب الامر و النهي من كتاب الامر بالمعروف، حديث 8.

(4) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 163

الحادية و العشرون: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم

ذكره العلامة في المكاسب المحرمة.

______________________________

انها ليست الا في مقام بيان ما يترتب علي التجنب عن اللغو، فلا يمكن التمسك بإطلاقها، و المتيقن منها ارادة الغناء.

مع انه لا ظهور في الآية الا في رجحان التجنب عنه، و لا تدل علي لزومه.

مضافا الي انها في

مقام بيان ما يترتب علي الاعراض عن اللغو، و ان الراجح هو المرور باللغو مرور الكرام، فسبيل هذه الآية سبيل قوله تعالي (و الذين هم عن اللغو معرضون) «1» و قوله تعالي: و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه «2».

و أما خبر الكابلي: فمضافا الي ضعف سنده لبكر بن عبد الله بن حبيب: انه في مقام بيان الذنوب التي يترتب عليها هذه الخاصية و هي هتك العصم المفروغة ذنبيتها، و ليس في مقام بيان حرمة اللغو.

و إن شئت قلت: ان المستفاد منه حرمة اللغو الموجب لهتك عصم الناس كسخرية المؤمن و نحوها، و لا يستفاد منه حرمة مطلق اللغو.

و أما الخبر المتضمن لوصية النبي صلي الله عليه و آله: فمضافا الي ضعف سنده كما تقدم: ان الظاهر منه انه ربما يتكلم الانسان بكلمة تكون كذلك لا أن كل مزاح كذلك، فلعل ما يكون كذلك هو ما كان من قبيل الغيبة أو السخرية.

و أما ما أورده المحقق الايرواني قدس سره عليه بأن الهوي كناية عن انحطاط مقامه و لو بالاحباط من حسناته و نوافله فلا دلالة فيه علي التحريم.

فيرده: ان هذا يتم في الجملة التي نقلها الشيخ في المتن، و أما في الجملة التي في الخبر و نقلناها و هي قوله فيهوي في جهنم، فلا يتم ذلك كما هو واضح).

مدح من لا يستحق المدح

(1) قوله الحادية و العشرون: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم.

______________________________

(1) المؤمنون: آية 26.

(2) القصص: آية 28.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 164

و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا (1) و يدل عليه من الشرع قوله تعالي: (و لا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار. (2)

______________________________

ليس محل الكلام هو المدح بالجملة الخبرية

بما ليس فيه، فانه حينئذ يكون كذبا و يدل علي حرمته جميع ما دل علي حرمة الكذب، بل المراد هو المدح بها بما فيه أو مدحه بالجملة الانشائية، ثمّ ان المراد من من لا يستحق المدح هو من كان عدوا لله لكفره أو عصيانه.

و قد استدل المصنف قدس سره لحرمته بأمور:

الاول: حكم العقل بقبح ذلك.

(1) قال و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا.

و فيه: ان العقل و إن كان يدرك ذلك و لكن كونه بنحو يلازم حرمته شرعا غير معلوم، و إن شئت قلت: ان العقل يراه خلقا رديا لا محرما ما لم ينطبق عليه عنوان محرم آخر كتقوية الظالم و نحوها و لم يكن الممدوح ممن يجب البراءة عنه لكونه مبدعا في الدين.

(2) الثاني: الآية الشريفة (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) «1» و تقريب الاستدلال بها: ان الركون هو الميل اليهم، فإذا حرم الميل القلبي حرم المدح بالأولوية، أو ان المدح من مصاديق الميل، إذ الميل أعم من الميل القلبي و الميل الخارجي.

و فيه: ان المنهي عنه هو الركون الي الظالم لا مطلق العاصي و إن كان كل عاص ظالما، إلا ان المتبادر منه بحسب المتفاهم العرفي هو من شاع اطلاق الظالم عليه، أي الحاكم الجائر أو الظالم لغيره بجناية او سرقة.

و يؤيده صحيح أبي حمزة عن سيد الساجدين عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2». إذ المقابلة آية التعدد، و عليه فلا ربط لها بالمقام، نعم بعض مصاديق مدح من لا يستحق المدح يحرم لكونه ركونا الي الظالم.

______________________________

(1) سورة هود، آية: 114.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

165

و عن النبي صلي الله عليه و آله فيما رواه الصدوق من عظم صاحب دنيا و أحبه طمعا في دنياه سخط الله عليه، و كان في درجته مع قارون في التابوت الاسفل من النار. (1)

و في النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي من مدح سلطانا جائرا أو تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار (2) و مقتضي هذه الادلة حرمة المدح طمعا في الممدوح، و أما لدفع شره فهو واجب.

و قد ورد في عدة أخبار ان شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم.

______________________________

(1) الثالث النبوي المذكور في المتن الذي رواه الصدوق «1» و فيه اولا: أن الخبر ضعيف السند لحفص بن عائشة الكوفي و غيره.

و ثانيا: ان الظاهر و لا أقل من المحتمل ان المراد من صاحب دنيا هو السلطان الجائر

و ذلك لوجوه:

الاول: ان تعظيم صاحب المال لا سيما اذا كان من المطيعين لله تعالي طمعا في ماله لم يفت أحد بحرمته، بل السيرة جارية علي جوازه.

الثاني: عدم صحة هذا الاطلاق علي من له المال فقط.

الثالث: سياق سائر عبارات الخبر، و عليه فسبيله سبيل الخبر الآتي.

(2) الرابع: قوله «2» صلي الله عليه و آله في حديث المناهي رواه في المتن.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لما تقدم.

و ثانيا: انه مختص بمدح السلطان الجائر.

ثمّ انه علي فرض دلالة الدليل علي حرمة مدح من لا يستحق المدح تختص حرمته بما اذا لم يضطر اليه لدفع ضرر، و إلا فلا ريب في جوازه.

و يشهد له- مضافا الي اختصاص الخبرين بغير هذا المورد-: عموم ادلة التقية، فانها تدل علي جوازها في كل خوف و ضرورة.

و قد استدل الشيخ قدس سره و الاستاذ الاعظم عليه بما في

جملة من النصوص: ان شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم «3»

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.

(2) الوسائل، باب 43، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 70 من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 166

الثانية و العشرون: معونة الظالمين في ظلمهم حرام (1)
اشارة

بالادلة الاربعة. (2)

______________________________

و فيه: انه لا يدل علي عدم جواز إكرام المكرمين كما لا يخفي.

حرمة معونة الظالمين

(1) قوله: الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم حرام.

هاهنا مسائل:

الاولي: لا ريب و لا كلام في حرمة معونة الظالمين في ظلمهم.

(2) و تشهد لحرمتها الادلة الاربعة:

أما الاجماع: فواضح.

و أما العقل: فلأنه كما يستقل بقبح الظلم يستقل بقبح إعانة الظالم في ظلمه.

و أما الكتاب: فقوله تعالي: (و لا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) «1». إذ الركون هو الميل فتدل الآية علي حرمة المعونة بالأولوية، أو المراد به الدخول معهم في ظلمهم.

و أما السنة: فنصوص كثيرة:

كصحيح أبي حمزة عن سيد الساجدين عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2».

و خبر طلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه السلام: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم «3» و نحوهما غيرهما.

و قد استدل علي حرمة معونة الظالمين بالآية الشريفة (و لا تعاونوا علي الإثم و العدوان «4».

______________________________

(1) سورة هود، آية: 114.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(4) المائدة: 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 167

و هو من الكبائر. (1)

فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس، قال: قال عليه السلام من مشي الي ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الاسلام، قال: و قال:

عليه السلام إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين أشباه الظلمة حتي من برأ لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمي بهم في جهنم.

و في النبوي صلي الله عليه و آله من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلطها الله عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا.

______________________________

و لكن قد تقدم في مبحث الاعانة علي الاثم: ان التعاون غير الاعانة. فراجع.

(1) قوله و هو من الكبائر.

علي فرض صحة تقسيم الذنوب الي الكبائر و الصغائر تكون معونة الظالمين من الكبائر، للتوعيد عليها في كتاب الله تعالي و في النصوص التي اشار المصنف رحمهم الله الي بعضها.

لاحظ خبري ورام بن أبي فراس «1» و النبوي «2».

ثمّ المراد بالظالم هو الظالم للغير كما تقدم في المبحث المتقدم و لا يعم الظالم لنفسه بالمعصية.

المسألة الثانية: تحرم صيرورة الشخص من أعوان الظلمة و تشهد له- مضافا الي الادلة المتقدمة- جملة من النصوص:

كخبر الكاهلي عن مولانا الصادق عليه السلام: من سود اسمه في ديوان ولد سابع مقلوب عباس حشره الله يوم القيامة خنزيرا «3» و نحوه غيره.

و سيأتي في المسألة الثالثة: ان طائفة من النصوص تدل علي حرمة صيرورة الشخص عونا للظالم و إن كان عمله غير مربوط بظلمه، و عليه فترديد المحققين الشيرازيين في حرمة كون الشخص عونا للظالم و لو في ما لا يرتبط بمظالمه بل الافتاء بجوازه في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 168

و أما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها (1) ايضا كبعض ما تقدم.

و قول الصادق عليه السلام في رواية يونس بن يعقوب لا تعنهم علي بناء مسجد.

و قوله عليه السلام ما احب اني عقدت لهم عقدة أو و كيت لهم وكاء. و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يفرغ الله «يحكم الله عز و جل بين العباد» من الحساب، لكن المشهور عدم الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم و الاقوي التحريم مع عد الشخص من الاعوان، فان مجرد اعانتهم علي بناء المسجد، ليست محرمة الا انه اذا عد الشخص معمارا للظالم او بناء له، و لو في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان كان محرما، و يدل علي ذلك جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة.

و قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الكاهلي من سود اسمه في ديوان ولد سابع «مقلوب عباس» حشره الله يوم القيامة خنزيرا، و قوله عليه السلام ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله.

و عن النبي صلي الله عليه و آله إياكم و أبواب السلطان و حواشيها، فان أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالي.

و أما العمل له في المباحات لأجرة أو تبرعا من غير ان يعد معينا له في ذلك فضلا من أن يعد من أعوانه، فالأولي عدم الحرمة للأصل و عدم الدليل عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن أبي يعفور، قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من

اصحابنا فقال له: جعلت فداك ربما أصاب الرجل منا الضيق

______________________________

إعانة الظالم في غير جهة ظلمه

(1) المسألة الثالثة: قال المصنف رحمهم الله و أما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها.

و لكن المشهور بين الاصحاب عدم حرمتها، بل عن العلامة الطباطبائي: الاجماع عليه.

و قد استدل للحرمة بنصوص كثيرة مذكورة في المتن أكثرها فنذكر اولا عبارة المصنف رحمهم الله ثمّ نعقبه بما يحتلج بالبال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 169

و الشدة فيدعي الي البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك، فقال ابو عبد الله عليه السلام: ما احب اني عقدت لهم عقدة أو وكيت له وكاء و ان لي ما بين لابتيها … الي آخر ما تقدم.

و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا عذافر بلغني انك تعامل أبا أيوب و أبا الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة، قال:

فوجم أبي. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: لما رأي ما أصابه أي عذافر انما خوفتك بما خوفني الله عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات.

و رواية صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت علي أبي الحسن الاول عليه السلام فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت: جعلت فداك أي شي ء، قال عليه السلام: إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون الرشيد، قلت:

و الله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا لصيد، و لا للهو، و لكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، و لا أتولاه بنفسي و لكن ابعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم، قلت: نعم،

قال: من أحب بقائهم فهو منهم و من كان منهم كان وروده الي النار، قال صفوان: فذهبت و بعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلي هارون فدعاني، فقال لي: يا صفوان بلغني انك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: و لم؟.

قلت: أنا شيخ كبير و ان الغلمان «لا يقومون» بالأعمال، فقال: هيهات هيهات اني لا علم من أشار عليك بهذا انما اشار عليك بهذا موسي بن جعفر عليه السلام قلت: ما لي و لموسي بن جعفر عليه السلام قال: دع، هذا عنك و الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.

و ما ورد في تفسير الركون الي الظالم من ان الرجل يأتي السلطان فيحب بقائه الي ان يدخل يده في كيسه فيعطيه و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم، و من هنا لما قيل لبعض اني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة، قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط. و أما انت فمن الظلمة أنفسهم.

و في رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي ان الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر و النظر اليهم علي العمد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 170

من الكبائر التي تستحق بها النار لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم علي غير جهة المعونة.

أما الرواية الاولي فلأن التعبير فيها في الجواب بقوله: ما أحب ظاهر في الكراهة.

و أما قوله عليه السلام ان أعوان الظلمة، الخ. فهو من باب التنبيه علي ان القرب الي الظلمة و المخالطة معهم مرجوح و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة في السؤال خصوصا مرة أو مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من أعوانهم،

و كذلك يقال في رواية عذافر مع احتمال أن يكون معاملة عذافر مع أبي أيوب و أبي الربيع علي وجه يكون معدودا من أعوانهم و عمالهم.

و أما رواية صفوان فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم، و إن لم تكن معه معاملة و لا يخفي علي الفطن العارف بأساليب الكلام ان قوله عليه السلام و من أحب بقائهم كان منهم لا يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقائهم حتي يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتي لا يفضي ذلك الي صيرورتهم من أعوانهم و أن يشرب القلب حبهم لأن القلوب مجبولة علي حب من أحسن اليها، و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان:

أحدهما: الاعانة لهم علي الظلم.

و الثاني: ما يعد معهم من أعوانهم و المنسوبين اليهم، بأن يقال: هذا خياط السلطان و هذا معماره. و أما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر علي تحريمه.

______________________________

و تنقيح القول في المقام إن النصوص علي كثرتها لا تدل علي الحرمة في هذه المسألة لانها علي طوائف:

الاولي: ما دل علي الحرمة فيما اذا صدق علي المعين عنوان عون الظالم، و كان معدودا في العرف من المنسوبين اليه، بأن يقال: هذا كاتب الظالم مثلا: كحسن محمد بن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 171

______________________________

عذافر و هو الخبر الثاني الذي ذكره في المتن «1».

إذ الظاهر من تطبيق الامام عليه السلام قوله: ان أعوان … الخ ان الرجل المسئول عنه هو من تصيبه الشدة فيلتجئ الي الظالمين بحيث يكون ارتزاقه من قبلهم.

الثانية: ما يدل علي حرمة تعظيم شوكتهم و العمل بما يكون راجعا الي شأن من شئون الرئاسة:

كحسن يونس

بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام: لا تعنهم علي بناء مسجد «2».

فإن بناء المسجد تعظيم لشوكتهم و تحصيل لشأن من شئون الرئاسة.

الثالثة: ما دل علي حرمة محبتهم: كخبر صفوان الخبر الثالث في المتن «3» الظاهر في المنع عن إكرائه الجمال من هارون الرشيد و فيه: أ تحب بقائهم حتي يخرج كراؤك؟ قلت:

نعم، قال: من أحب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار. بل هذا الخبر أدل علي الجواز، إذ الامام عليه السلام ردعه عن محبة بقائهم.

و علي ذلك يحمل ما في خبر العياشي الآتي: النظر اليهم علي العمد من الكبائر التي بها يستحق النار، أي النظر علي وجه المحبة.

الرابعة: ما يكون ظاهرا في حرمة معونتهم مطلقا ظهورا بدويا:

كصحيح أبي حمزة عن الامام السجاد عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «4».

و موثق السكوني عن النبي صلي الله عليه و آله: إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم «5».

و خبر العياشي عن الامام الرضا عليه السلام: الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر «6».

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

(4) نفس المصدر، حديث 11.

(5) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(6) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 172

الثالثة و العشرون: النجش

(بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة) حرام (1) لما في النبوي المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد و المنتهي من

لعن الناجش و المنجوش له.

و قوله صلي الله عليه و آله (و لا تناجشوا) و يدل علي قبحه العقل لأنه غش و تلبيس و إضرار.

و هو كما عن جماعة ان يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض و حكي تفسيره أيضا بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها لمواطاة بينه و بين البائع، أو لا معها.

و حرمته بالتفسير الثاني خصوصا لامع المواطاة يحتاج الي دليل و حكي الكراهة عن بعض.

______________________________

و لكن يتعين حملها علي ان المراد معونتهم في ظلمهم، و ذلك لوجهين:

الاول: قيام الضرورة علي جواز المعونة في الجملة، كبذل الطعام و الشراب لهم و المعاملة معهم.

الثاني: مناسبة الحكم و الموضوع.

فتحصل مما ذكرناه: ان المحرم عناوين أربعة: الاعانة لهم في ظلمهم، و صيرورة الانسان من أعوانهم، و تعظيم شوكتهم، و محبتهم، و أما غير تلكم فلا دليل علي حرمته.

و لا يخفي ان جملة من النصوص المتقدمة ضعيفة السند، إلا انه لأجل مطابقة مضامينها لنصوص معتبرة اغمضنا عن التعرض لها.

حرمة النجش

(1) قوله النجش بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة حرام.

هذا هو المشهور و عن جامع المقاصد و المنتهي الاجماع عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 173

______________________________

الكلام يقع في مقامين:

الاول: في بيان موضوعه.

الثاني: في بيان حكمه.

أما الاول: فقد وقع النزاع فيه في جهات:

الاولي: ان النجش هل هو زيادة الرجل في ثمن السلعة ليسمعه غيره فيزيد بزيادته أم هو مدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها، أم هو الجامع بينهما؟ الظاهر هو الاخير كما يظهر لمن راجع كلمات اللغويين، و قد صرح بالتعميم في مجمع البيان و المنجد. و

هو المحكي عن تاج العروس و إبراهيم الحربي و أبي عبيد.

الثانية: هل يعتبر في صدق النجش المواطاة مع البائع، أم لا؟ ظاهر كلمات أكثر اللغويين- لو لم يكن صريحها- عدم اعتبار ذلك، و ما في كلمات بعضهم من ذكر هذا القيد الظاهر انه واقع موقع الغالب، إذ الغالب عدم النجش إلا مع المواطاة مع البائع كما هو واضح.

الثالثة: هل يعتبر في صدقه بالمعني الاول عدم ارادة الشراء أصلا، أم يكفي عدم الرغبة في شراء العين، و انما يزيد لغرض إيصال النفع الي البائع أو إظهار الثروة و التمول أو غير ذلك؟ الظاهر و لا أقل من المتيقن هو الأول.

الرابعة: هل يعتبر في صدقه وقوع البيع علي أزيد من القيمة السوقية، أم يكفي وقوعه علي أزيد من ما كان يشتريه لو لا النجش، و إن كان بأقل من قيمته السوقية أو بما يساويها؟ وجهان:

المتيقن هو الاول و قد صرح به جمع من اللغويين.

و أما المقام الثاني فقد استدل للحرمة بأمور:

الاول: انه إضرار و هو حرام.

و فيه: ان المشتري انما يقدم علي الضرر باختياره.

الثاني: انه غش و تلبيس، و قد مر ان غش المؤمن في المعاملة حرام.

و فيه: اولا: ان هذا الوجه يختص بما اذا كان الناجش من أهل الخبرة كي تكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 174

______________________________

زيادته كاشفة عن أن السلعة تسوي بذلك، و يكون الناجش عالما بأنها لا تسوي بذلك، و المشتري جاهلا به كما لا يخفي.

و ثانيا: ان المتيقن من الغش المحرم في المعاملة هو مزج المبيع أو إخفاء عيبه، و أما مدح السلعة مثلا فليس من هذا القبيل، أ لا تري انه لم يفت أحد بحرمة مدح البائع سلعته ليرغب المشتري فيها، فلو كان

يصدق الغش لكان محرما.

الثالث: حكم العقل بقبحه.

و فيه: ان حكمه بالقبح بحد يستتبع جعل الحرمة غير ثابت.

الرابع: دليل حرمة المغالبة بقول مطلق.

و فيه انه لا دليل عليها، مع انها لا تصدق علي مدح السلعة.

الخامس: أدلة حرمة الكذب، فإن النجش تارة يكون بالكذب الصريح، و أخري يتضمن ذلك لتضمنه الاخبار بأنه مقدم علي الشراء بهذا الثمن، أوانه يسوي بهذه القيمة، مضافا الي وجود مناط حرمة الكذب و هو الاغراء فيه. استدل بهذا الوجه جمع من الاساطين.

و لكن الظاهر ان النجش ان كان بمدح السلعة بما ليس فيها، أو كان بزيادة الثمن بأن يقول: إن هذه السلعة تسوي بهذه القيمة، أواني اشتريه بها و هو لا يريد شرائها، فهو كذب صريح و يكون حراما لذلك. و إلا كما لو مدحها بما فيها و لكن بالغ في مدحها أو زاد الثمن لا بالإخبار، كما لو قال: بعني بهذا الثمن مثلا، فلا وجه لحرمته، إذ مجرد تخيل المشتري انه بنظر الناجش السلعة تسوي بهذه القيمة لا يوجب اتصاف كلامه بالكذب لما عرفت من أن الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم للواقع، فراجع.

و كون مناط حرمة الكذب الاغراء غير معلوم، بل معلوم العدم لحرمة الكذب و إن كان المخاطب مثلا عالما بعلم المتكلم عدم مطابقة المخبر عنه للواقع.

السادس: خبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله:

الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد صلي الله عليه و آله «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 175

______________________________

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بضعف السند.

و بأنه مختص بصورة مواطاة الناجش مع البائع علي

النجش للعن المنجوش له.

لكن: لا وجه لدعوي ضعف السند سوي وجود محمد بن سنان في طريقه، و هو و إن كان ضعيفا علي المشهور، إلا ان الاظهر اعتبار روايته.

و أما الايراد الثاني: فيدفعه انه يدل علي لعن المنجوش له ايضا لا علي اختصاص لعن الناجش بما اذا كان هناك منجوش له مستحق للذم و اللعن كي تتم دعوي الاختصاص.

فالحق أن يورد عليه: بأن اللعن أعم من الحرمة، لأنه دعاء بالابعاد المطلق الشامل للكراهة، و لذا استعمل في المكروهات في بعض النصوص.

السابع: قول النبي صلي الله عليه و آله: لا تناجشوا و لا تدابروا «1».

و فيه: انه ضعيف السند، إذ في طريقه علي بن عبد العزيز المجهول، و اعتماد الاصحاب عليه غير معلوم، فلا وجه لدعوي الانجبار.

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأنه مختص بصورة مواطاة الناجش مع البائع، إذ المنهي عنه هو التناجش.

و فيه: ان التناجش ليس هو النجش مع المواطاة، بل هو عبارة عن زيادة اثنين أو أزيد في ثمن السلعة ليسمع غيرهما فيزيد بزيادتهما كما هو المتعارف في الحراج المتداول في هذا الزمان.

الثامن: النبوي: انه صلي الله عليه و آله نهي عن النجش «2».

و فيه: انه مرسل، و دعوي انجبار ضعف السند بعمل الاصحاب تقدم ما فيها.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة النجش من حيث هو ما لم ينطبق عليه عنوان الكذب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 4.

(2) المستدرك، باب 35، من أبواب آداب التجارة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 176

الرابعة و العشرون: النميمة محرمة

بالأدلة الاربعة (1) و هي نقل قول الغير إلي المقول فيه، كان يقول تكلم فلان فيك بكذا و كذا، قيل هي من نم الحديث من باب قتل و ضرب

أي سعي به لإيقاع فتنة أو وحشة و هي من الكبائر، قال الله تعالي:

) و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) (2) و النمام قاطع لما أمر الله بصلته و مفسد قيل: و هي المراد بقوله تعالي: (و الفتنة أكبر من القتل (.

______________________________

حرمة النميمة

(1) قوله الرابعة و العشرون: النميمة محرمة بالادلة الأربعة.

و هي نقل الحديث أو الفعل من قوم إلي قوم علي وجه الفساد و الشر، و يعتبر في صدقها كراهة المنقول عنه، و تعلق غرضه بستره، و ان يكون ذلك القول أو الفعل سوء من شتم، أو غيبة، أو اهانة، فلو كان مدحا فصدق النميمة عليه محل تأمل و ان أوجب الكدورة، و لا يعتبر فيها شي ء آخر.

و قد استدل لحرمتها في المتن بجملة من الآيات:

(2) منها قوله تعالي: (و يقطعون ما امر الله به أن يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) «1» بدعوي ان النمام قاطع لما أمر الله به أن يوصل و مفسد.

و فيه: ان الآية متضمنة لذم من يكون الوصل عليه واجبا، و هو قاطع له، و ذلك لأن مادة الامر ظاهرة في الوجوب و عليه فهي أجنبية عن المقام، إذ النمام لا يجب عليه الوصل، و تختص بموارد وجوب الوصل كقطع الرحم و نحوه، مع ان الظاهر من الآية ذم قطع الشخص نفسه عن آخر و لا تشمل قطع الشخصين أحدهما عن الآخر.

______________________________

(1) الرعد: 26.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 177

و قد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الاحتجاج (1) في وجوه السحر و ان من أكبر السحر النميمة يفرق بها

بين المتحابين.

و عن عقاب الاعمال عن النبي صلي الله عليه و آله من مشي في نميمة بين الاثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه و إذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار، و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة و يدل علي حرمتها مع كراهة المقول عنه لاظهار القول عند المقول فيه جميع ما دل علي حرمة الغيبة و يتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد و قيل إن حد النميمة بالمعني الاعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث (2) و سواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة و الرمز و الايماء

______________________________

و منها: قوله تعالي (و يفسدون في الارض) «1».

و فيه: ان النمام ربما يكون مفسدا و ربما لا توجب النميمة الفساد، فالآية لا تدل علي حرمة النميمة بقول مطلق.

و منها: قوله تعالي: (و الفتنة أشد من القتل) «2» و في موضع آخر: أكبر بدل أشد «3».

و فيه: ان المراد بالفتنة علي ما ذكره المفسرون: الفتنة في الدين، و هو الشرك و الكفر، و انما سمي بها لأنه يؤدي الي الهلاك، و المراد من القتل هو القتل في الاشهر الحرم. فالمعني حينئذ: ان الكفر و الشرك أعظم ذنبا من القتال في الاشهر الحرم، و يؤيد ارادة هذا المعني ملاحظة صدر الآية الشريفة، فهي غريبة عن المقام.

(1) قوله و قد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الاحتجاج.

و قد مر ان الخبر ضعيف السند، و ان اطلاق السحر عليها مبتن علي نحو من العناية.

(2) قوله كرهه المنقول عنه أم المنقول اليه أم كرهه ثالث.

الظاهران ان العبرة

بكراهة المنقول عنه خاصة.

______________________________

(1) الرعد: 26.

(2) البقرة: 28.

(3) البقرة: 192.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 178

و سواء كان المنقول من الاعمال أم من الاقوال و سواء كان ذلك عيبا و نقصانا علي المنقول عنه أم لا (1) بل حقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه انتهي موضع الحاجة، ثمّ انه قد يباح ذلك لبعض المصالح (2) التي هي آكد من مفسدة إفشاء السر كما تقدم في الغيبة، بل قيل إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين لكن الكلام في النميمة علي المؤمنين.

______________________________

(1) قوله سواء كان ذلك عيبا و نقصا علي المنقول عنه أم لا.

الظاهر ان العبرة بكراهة المنقول عنه خاصة.

(2) قوله ثمّ انه قد يباح ذلك لبعض المصالح.

لا كلام في انه اذا احرز قيام مصلحة بالنميمة أقوي من مفسدتها يجوز النميمة بل قد تجب- الا انك عرفت انه لا طريق لنا الي استكشاف ذلك في أكثر الموارد: لعدم علمنا بمناطات الاحكام و مقاديرها، و الكلام فيما اذا انطبق عليها عنوان واجب أو مستحب هو الذي تقدم في مبحث الغيبة فلا نعيد. هذا ما يرجع الي ما أفاده المصنف رحمهم الله.

و الحق أن يقال: إنه تدل علي حرمتها الآية الشريفة: (و لا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) «1». أي نقال للحديث علي وجه السعاية.

و النصوص المتواترة:

منها ما تضمن ان النمام شر الناس: كصحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: أ لا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلي يا رسول الله قال:

المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة «2».

و منها: ما تضمن العقاب عليها: كالنبوي المروي عن عقاب الاعمال: من مشي في نميمة بين اثنين سلط

الله عليه في قبره نارا تحرقه الي يوم القيامة، و اذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار «3».

______________________________

(1) القلم: 11 و 12.

(2) الوسائل، باب 164، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) نفس المصدر، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 179

الخامسة و العشرون: النوح بالباطل (1)

ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلي و المحقق و من تأخر عنه.

______________________________

و منها: ما تضمن عدم دخول النمام الجنة «1».

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله: بأن عدم دخول الجنة- أي احباط أعماله بالنميمة- أعم من الحرمة، أ لا تري ان المنة تبطل الصدقة و إن كانت واجبة، و لا تكون محرمة.

و فيه: ان ذلك لو تم في بعضها لا يتم في جميع تلك النصوص، أنظر.

صحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام: الجنة محرمة علي القتاتين المشائين بالنميمة «2». فان تحريم الجنة لا يكون الا اذا كان الفعل حراما.

بل يدل علي حرمتها جميع ما دل علي حرمة الغيبة فيما اذا كان صدور ذلك القول أو الفعل من المنقول عنه علي وجه محرم و قبيح، و إن لم يكن ذلك معتبرا في صدق النميمة كما هو الحق، و إلا فتدل علي حرمتها بقول مطلق.

و قد استقل العقل بقبحها.

و بالجملة: تدل علي حرمتها الادلة الاربعة.

النياحة

(1) قوله الخامسة و العشرون النوح بالباطل.

و حق القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في الحكم التكليفي.

الثاني: في الحكم الوضعي.

أما الاول: فقد اختلفت فيه كلمات القوم علي أقوال:

الاول: القول بالحرمة مطلقا، اختاره جمع من الاصحاب.

الثاني: القول بالكراهة كذلك، اختاره في محكي مفتاح الكرامة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

(2) نفس المصدر، ح 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

180

و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعني الكذب و الا فهو في نفسه ليس بمحرم و علي هذا التفصيل دل غير واحد من الاخبار، و ظاهر المبسوط و ابن حمزة التحريم مطلقا كبعض الاخبار و كلاهما محمولان علي المقيد جمعا.

______________________________

الثالث: القول بالتفصيل بين النوح بالباطل فيحرم، و بين النوح بالحق أي ما لم يستلزم محرما فيجوز، نسبه في الحدائق الي المشهور.

ثمّ ان القائلين بالقول الثالث اختلفوا علي أقوال:

منها: جواز النوح بالحق علي كراهة.

و منها: جوازه من غير كراهة.

و منها: جوازه علي كراهة اذا اشترطت فيه الاجرة، و الا فلا كراهة فيه.

و النصوص الواردة في الباب علي طوائف:

الاولي: ما دل علي جوازها مطلقا.

كحسن الحسين بن زيد قال: ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة، ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثمّ مات اسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد الله عليه السلام أ يناح في دارك؟ فقال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله لما مات حمزة قال: لكن حمزة لا بواكي عليه «1».

و صحيح يونس بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام: قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني «2». اللهم إلا أن يقال: انه مختص بالنوح علي الامام و يحتمل اختصاص ذلك بالأئمة عليهم السلام لما فيه من تشييد حبهم و بغض ظالميهم في القلوب، و هما العمدة في الايمان. و بذلك يظهر حال ما تضمن نوح فاطمة عليها السلام لأبيها صلي الله عليه و آله، بل و الفاطميات في كربلاء و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 71، من أبواب الدفن و ما يناسبه، حديث

2.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 181

______________________________

و صحيح الثمالي المتضمن نوح أم سلمة زوجة النبي صلي الله عليه و آله لابن عمها الوليد في حضوره صلي الله عليه و آله «1» و قريب منها غيرها.

الثانية: ما دل علي المنع من النياحة مطلقا: كحديث المناهي: و نهي عن النياحة «2».

و خبر الزعفراني عن الامام الصادق عليه السلام: و من أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها «3».

و النبوي المروي عن الخصال: ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران «4». و نحوها غيرها.

الثالثة: ما دل علي الكراهة:

كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن النوح علي الميت أ يصلح؟ قال عليه السلام: يكره «5».

الرابعة: ما دل علي عدم البأس به إن لم يكن بالباطل.

كمرسل الفقيه قال عليه السلام: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا «6». و هو و إن دل بالمطابقة علي حكم الكسب الظاهر في الحكم الوضعي إلا أنه بالالتزام يدل علي الجواز التكليفي فيما اذا قالت صدقا كما لا يخفي.

و الحق في مقام الجمع أن يقال: انه مع قطع النظر عن ضعف سند جملة منها، تحمل الاخبار المانعة علي النوح بغير الصدق و الباطل، و المجوزة علي النوح بالحق، لأن الطائفة الرابعة بمنطوقها تقيد الأخبار المانعة، و بمفهومها تقيد المجوزة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(4) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(5) الوسائل، باب

17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13.

(6) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 182

______________________________

و أما الطائفة الثالثة: فحيث انها غير ظاهرة في الكراهة الاصطلاحية فأما إن تحمل علي المنع فسبيلها سبيل الطائفة الثانية.

أو يقال: إنها مجملة لا يستفاد منها أزيد من المرجوحية.

و علي كل تقدير لا دليل علي الكراهة في غير مورد المنع، أما علي الاول فواضح، و أما علي الثاني فلاجمال الخبر و احتمال ارادة المنع منه.

هذا كله مع قطع النظر عن قصور السند، و إلا فالطائفتان الثانية و الرابعة ضعيفتا السند، و عليه فإن قلنا بظهور الطائفة الثالثة في المنع تقع المعارضة بينها و بين الطائفة الاولي لعدم امكان الجمع بالحمل علي الكراهة لدلالة خبر الحسين بن زيد علي عدم الكراهة كما لا يخفي.

فلا بد من الرجوع الي المرجحات و هي تقتضي تقديم الاولي للأشهرية و لمخالفتها للعامة، و إن قلنا بأنها مجملة لا يستفاد منها أزيد من الكراهة فتقدم الاولي للأشهرية فقط.

لا يقال: إن هذه النصوص بعد الجمع بينها تدل علي جواز النياحة مطلقا، و النسبة بينها و بين النصوص الدالة علي حرمة الكذب و حرمة الغناء هي العموم من وجه، فتتساقطان في المجمع فيرجع الي أصالة الحل، و لازم ذلك جوازها و إن كان بالباطل.

فإنه يتوجه عليه ان هذه النصوص تدل علي جواز النوح من حيث هو مع قطع النظر عن العناوين الثانوية المنطبقة عليه في بعض الموارد.

فتحصل: ان الاظهر هو الجواز ما لم ينطبق عليه أحد العناوين المحرمة كالكذب و نحوه.

و أما المورد الثاني ففيه ايضا طوائف من النصوص:

الاولي: ما دل علي جوازه مطلقا:

كخبر أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام:

لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميت «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 183

السادسة و العشرون: الولاية من قبل الجائر،
اشارة

و هي صيرورته واليا علي قوم منصوبا من قبله محرمة (1) لأن الوالي من أعظم الاعوان،

______________________________

الثانية: ما دل علي المنع كذلك:

كخبر عذافر عنه عليه السلام عن كسب النائحة: تستحله بضرب إحدي يديها علي الاخري «1». أي لا يأخذ الاجر علي النياحة بل علي ما يضم اليها من الاعمال.

الثالثة: ما دل علي الجواز إذا كان بالحق: كمرسل الفقيه المتقدم.

الرابعة: ما دل علي الجواز إذا لم يشارط و قبل النائح ما يعطي:

كموثق حنان عن الامام الصادق عليه السلام: قل لها لا تشارط و تقبل ما اعطيت «2».

الخامسة: ما دل بظاهره علي الكراهة:

كخبر سماعة قال: سألته عن كسب المغنية و النائحة فكرهه «3».

و الحق في مقام الجمع أن يقال: بعد طرح خبر عذافر لجهالته، و مرسل الفقيه لإرساله، و حمل كرهه علي إرادة المنع كما تقدم.

انه يقيد إطلاق الطائفة المجوزة بموثق حنان المفصل بين الاشتراط و عدمه مع قبول ما يعطي، فتكون النتيجة ان كسب النائحة جائز اذا لم تشارط و قبلت ما اعطيت. و الله العالم.

حرمة الولاية من قبل الجائر

(1) قوله السادسة و العشرون، الولاية من قبل الجائر … محرمة.

بلا خلاف في ذلك في الجملة و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل لعله من

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 184

و لما تقدم في رواية تحف العقول من قوله، و أما وجه الحرام من

الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي ء من جهة المعونة له، معصية كبيرة من الكبائر و ذلك ان في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب، و قتل الانبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم، و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الي الدم و الميتة، الخبر.

و في رواية زياد بن أبي سلمة أهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولي لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار الي أن يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق «الخلق».

______________________________

الواضحات لا لخبر تحف العقول «1» و خبر زياد بن أبي سلمة «2» المذكورين في المتن لضعف سنديهما.

بل للنصوص المستفيضة المعتبرة.

كحسن محمد بن مسلم قال: كنا عند أبي جعفر عليه السلام علي باب داره بالمدينة فنظر الي الناس يمرون أفواجا فقال لبعض من عنده: حدث بالمدينة أمر؟ فقال: جعلت فداك ولي المدينة وال فغدا الناس يهنئونه فقال: ان الرجل ليغدي عليه بالأمر يهنأ به، و انه لباب من أبواب النار «3». و نحوه غيره من النصوص الكثيرة و هذا مما لا كلام فيه.

انما الكلام في انه هل الولاية من قبل الجائر و هي أخذ المنصب منه بنفسها محرمة، و

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 185

ثمّ إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه من ظلم الغير مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية، و ربما كان في بعض الاخبار إشارة الي كونه من جهة الحرام الخارجي.

ففي صحيحة داود بن زربي قال: أخبرني مولي لعلي بن الحسين عليه السلام قال:

كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة فأتيته فقلت له: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل فانصرفت الي منزلي فتفكرت ما أحسبه انه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور و اللّٰه لآتينّه و اعطينه الطلاق، و العتاق و الايمان المغلظة أن لا أجورن علي أحد و لا أظلمن و لأعدلن، قال: فأتيته، فقلت جعلت فداك اني فكرت في إبائك علي و ظننت انما منعتني مخافة أن أظلم أو أجور و ان كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حر و علي أن ظلمت أحدا أوجرت علي «عليه» أحد، بل إن لم أعدل قال: فكيف، قلت: فاعدت عليه الايمان فنظر (فرفع رأسه) الي السماء، و قال: تنال (تناول) هذه السماء ايسر عليك من ذلك بناء علي ان المشار اليه هو العدل و ترك الظلم و يحتمل أن يكون هو الترخص في الدخول، ثمّ انه يسوغ الولاية المذكورة أمران:

______________________________

إن لم ينضم اليها أعمالها؟.

أم تختص الحرمة بالقيام بأعمالها؟.

و علي الثاني فهل المحرم هو مطلق أعمالها.

أو أن المحرم خصوص أعمالها المحرمة؟ وجوه:

أظهرها الاول، و ذلك: لظهور جملة من نصوص الباب في ذلك، و هي النصوص الناهية عن الولاية و المتضمنة للوعيد عليها «1».

و لان الوالي من أعظم

الاعوان لهم، و قد تقدم ان صيرورة الشخص من أعوان

______________________________

(1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 186

______________________________

الظالم من المحرمات.

و قد استدل المحقق الايرواني رحمهم الله لعدم كونها بنفسها من المحرمات.

بأن منصرف تلك الادلة حرمة الولاية، بمعني القيام بأعمالها، لا مجرد أخذ المنصب.

و بأن أخذ المنصب لو كان حراما في ذاته لما جاز ذلك لأجل غاية مستحبة، و قد ادعي الشيخ رحمهم الله تطابق الادلة علي جوازه لأجل هذه الغاية.

و بالتعليل في خبر تحف العقول لحرمتها بأن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد، و إبطال الكتب، و قتل الانبياء، و هدم المساجد، و تبديل سنة الله و شرائعه «1».

و بخبر زياد بن أبي سلمة عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم الا لما ذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن، أوفك اسره، أو قضاء دينه «2».

و في الجميع نظر:

أما الاول: فلانه لا منشأ لدعوي الانصراف سوي الغلبة، و هي لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق.

و أما الثاني: فلأنه اجتهاد في مقابل النص.

و أما الثالث: فلضعف سنده كما تقدم.

و أما الرابع: فلأنه ضعيف السند لحسين بن الحسن الهاشمي، مع انه يدل علي ان التولي حرام الا للأمور الثلاثة المذكورة فيه، و ظاهر ذلك هو حرمة نفس الولاية في غير تلك الموارد.

و قد استدل للقول الاخير: بالتعليل في خبر تحف العقول.

و بحسن داود بن زربي، عن أبي عبد الله عليه السلام- في حديث- تناول

السماء ايسر عليك من ذلك «3». مشيرا الي القيام بالعدل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 187

[مسوغات الولاية المذكورة]
أحدهما: القيام بمصالح العباد (1)
اشارة

بلا خلاف علي الظاهر المصرح به في المحكي عن بعض، حيث قال: إن تقلد الامر من قبل الجائر جائز إذا تمكن معه من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع (2) و السنة الصحيحة و قوله تعالي:) … اجعلني علي خزائن الارض … (. (3)

______________________________

و لكن يرد علي الاول: ما تقدم.

و علي الثاني: انه يحتمل ان يكون ذلك اشارة الي الترخيص في الدخول، مع انه لو كان المشار اليه هو العدل يمكن أن يقال بعدم دلالته علي جواز الولاية نفسها، إذ الظاهر ان السائل من العامة كما يظهر من حلفه بالطلاق و العتاق، و عليه، فلم يكن له محيص من التخلص الا بذلك.

فتحصل: ان الاظهر هو حرمة الولاية من حيث هي، و لو انضم اليها عمل محرم يعاقب بعقابين، و لو لم يعمل شيئا من الاعمال المحرمة يعاقب بعقاب واحد.

أخذ الولاية للقيام بمصالح العباد

(1) قوله أحدهما القيام بمصالح العباد.

يجوز أخذ الولاية و تصديها في موردين:

أحدهما: القيام بمصالح العباد.

و قد استدل لجوازه بوجوه:

(2) الأول: الإجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يكون ذلك إجماعا تعبديا.

(3) الوجه الثاني: قوله تعالي حكاية عن يوسف عليه السلام: (اجعلني علي خزائن الارض إنّي حفيظ عليم) «1».

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله و الاستاذ الاعظم: بأن يوسف كان مستحقا للسلطنة، فاقتصاره علي المرتبة التي دونها لا يوجب كونه واليا من قبل الجائر.

______________________________

(1) يوسف: 56.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

188

و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية إن كانت محرمة لذاتها كان (جاز) ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر (1) و إن كانت لاستلزامها الظلم علي الغير فالمفروض عدم تحققه هنا، و يدل عليه النبوي الذي رواه الصدوق في حديث

______________________________

و فيه: ان المحرم هو الولاية من قبل الجائر، و تقلد هذا المنصب منه كان الوالي مستحقا لذلك المنصب أم لم يكن.

فالحق في الجواب أن يقال: انه وردت «1» روايات ان قبول يوسف للولاية كان عن كره مع انه كان سببا لحفظ النفوس من الموت بالقحط و الغلاء، و لا شبهة في الجواز في هذا المورد.

و بما ذكرناه ظهر انه لا يمكن الاستدلال له بقبول علي بن موسي الرضا عليه السلام ولاية العهد، فإنه كان عن كره كما نطقت به النصوص «2».

(1) الوجه الثالث ما في المتن ان الولاية إن كانت محرمة لذاتها جاز ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر.

و أورد عليه: بأنه إن كان المراد من المصالح ما كان من قبيل حفظ النفوس فالمدعي أعم من ذلك و إن كان المراد المصالح غير اللزومية فلا شبهة في ان مجرد ذلك لا يقاوم الجهة المحرمة.

و ذكر المحقق الايرواني رحمهم الله في تأييد ما ذكره المصنف رحمهم الله ما يكون جوابا عن ذلك، و هو: انه يجوز أن يحصل التوازن و التكاسر بين الملاكات، ثمّ المتخلف من ملاك الحكم الالزامي لم يكن الا اليسير غير المقتضي للإلزام.

و فيه: مضافا الي ما مر في مبحث الغناء من أن مورد انطباق عنوانين أحدهما محرم و

الآخر مستحب علي شي ء لا يكون من موارد تزاحم الملاكات، بل من باب التنافي بين الحكمين. فراجع، و قد اعترف المصنف رحمهم الله في ذلك المبحث بأن أدلة الاحكام الالزامية لا تزاحم بأدلة الاحكام الترخيصية- ان المقام من موارد تزاحم الحكمين، حيث ان المحرم هو أخذ المنصب و التولي من قبل الجائر، و المستحب هو قضاء حوائج المؤمنين مثلا، و المفروض عدم قدرة المكلف علي امتثال التكليفين، فلا بد من سقوط أحدهما و لا شبهة

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 189

المناهي قال: من تولي عرافة قوم أتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان الي عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله تعالي أطلقه الله، و إن كان ظالما يهوي به في نار جهنم و بئس المصير.

و عن عقاب الاعمال و من تولي عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس علي شفير جهنم بكل يوم ألف سنة و حشر و يداه مغلولتان الي عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله اطلقه الله و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا.

______________________________

أن الساقط في هذا المقام هو الحكم الاستحبابي لا التحريمي كما حقق في محله.

الوجه الرابع: النصوص الكثيرة و قد ذكر المصنف رحمهم الله جملة منها في المكاسب، و البقية مذكورة في كتب الاحاديث كالوسائل.

و تلك النصوص علي طوائف:

منها: ما دل علي ان الوالي و العريف اذا ظلم يعاقب في جهنم، و اذا قام بمصالح العباد يعاقب في خارج جهنم كالنبوي «1».

و نحوه ما عن عقاب الاعمال «2» و هما الخبران في المتن.

و هذه الطائفة تدل علي خلاف المطلوب.

و منها ما دل

علي رجحان فعل الوالي من قضاء حاجة المؤمن و نحوه غير المتضمن لجواز الولاية و لا لعدم الوعيد عليها، و هي متعددة و هذه الطائفة غريبة عن المقام، إذ لا ينكر أحد رجحان تلك الاعمال كانت الولاية محرمة أم لا.

و منها: ما تضمن ان الاحسان بالاخوان كفارة لما تصداه: كمرسل الصدوق قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان «3». و قوله عليه السلام في خبر زياد المتقدم فإن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي إخوانك فواحدة بواحدة «4». و هذه الطائفة ايضا أدل علي خلاف المطلوب كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) نفس المصدر، حديث 7.

(3) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(4) نفس المصدر، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 190

و لا يخفي ان العريف سيما في ذلك الزمان لا يكون الا من قبل الجائر.

و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالي عن أبي عبد الله عليه السلام من تولي أمرا من أمور الناس فعدل فيهم و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس كان حقا علي الله أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة. (1)

و رواية زياد بن أبي سلمة عن موسي بن جعفر عليه السلام يا زياد لان أسقط من شاهق «حالق» فأتقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم الا لما ذا قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة مؤمن أو فك اسره أو قضاء دينه. (2)

______________________________

(1) و أما صحيح. «1» الشحام عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

فمضافا الي انه كما يلائم جواز الولاية

يلائم مع حرمتها، و كون الامور المذكورة كفارة لها.

انه لا إطلاق له كي يشمل التولي من قبل الجائر.

و لعله مختص بالتولي من قبل السلطان العادل، أو من تولي بنصب الناس اياه.

(2) و أما قوله عليه السلام في خبر «2» زياد بن أبي سلمة المذكور في المتن (الا لما ذا قلت لا أدري.. قال: عليه السلام الا لتفريج كربة مؤمن) فلا يدل عليه، إذ لا ظهور في الاستثناء في رجوعه الي الجملة الاولي.

بل الظاهر- و لا أقل من المحتمل- هو رجوعه الي الجملة الاخيرة، و عليه فلا يدل علي جواز الولاية و لو في مورد.

فلا يبقي من النصوص إلا قليل من ما ذكروه، و فيه الكفاية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 191

و رواية علي بن يقطين ان لله تبارك تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه، قال الصدوق: و في خبر آخر اولئك عتقاء الله من النار، قال و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان. (1)

______________________________

كصحيحي «1» علي بن يقطين، و مرسل «2» الصدوق، المذكورة في المتن.

و الايراد علي الصحيح الاول تارة: بأن له تعالي مع السلطان من هو كذلك لا يلازم أن يكون ذلك واليا من قبله، بل هم عدة من وجوه البلد و أعيانه الذين يختلفون إليه لأجل قضاء حوائج الناس.

و اخري: بأنه لم يشتمل علي ما يدل علي جواز تصديهم للولاية كما عن المحقق الايرواني رحمهم الله في غير محله.

أما الاول: فلأن الظاهر من هذا الكلام ارادة المنصوبين من قبله.

و أما الاعيان المختلفون اليه فهم ليسوا مع السلطان كما

لا يخفي.

و أما الثاني: فلأن التعبير عنهم بأولياء الله من أقوي الادلة علي جواز تصدي الولاية.

و ما دل علي ان القيام بها كفارة لما تصداه، كالمرسل، و خبر زياد المتقدمين لا يصلحان للمعارضة مع تلك النصوص لضعف سنديهما.

أما خبر زياد فلما تقدم، و أما المرسل فلارساله.

مضافا الي ان الظاهر منهما اختصاص ذلك بما اذا كان الدخول في الولاية حراما ابتداء ثمّ تبدل قصده الي الاحسان بالاخوان.

فتحصل: ان الولاية من قبل الجائر جائزة اذا كانت للقيام بمصالح العباد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1- 2.

(2) نفس المصدر، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 192

و عن المقنع سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يحب آل محمد و هو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رأيتهم، قال: يحشره الله علي نيته إلي غير ذلك. و ظاهرها (1)

إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الاحسان بالاخوان فيكون نظير الكذب في الاصلاح و ربما يظهر من بعضها الاستحباب و ربما يظهر من بعضها أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الاحسان إلي الاخوان كفارة له كمرسلة الصدوق المتقدمة.

و في ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة، و إن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي إخوانك يكون واحدة بواحدة.

______________________________

أقسام الولاية من قبل الجائر

(1) قوله و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الاحسان.

يقع الكلام في انه علي فرض عدم الحرمة ما ذا حكمه؟ الاباحة أو الاستحباب أو الوجوب؟ و ملخص الكلام في هذه المسألة يقع:

تارة: فيما تقتضيه القواعد.

و اخري: فيما تقتضيه النصوص الخاصة. و في كلا المقامين.

تارة: يقع البحث في غير الوجوب.

و اخري: فيه.

فهاهنا مواضع للبحث:

الاول: قد يقال: إن مقتضي القواعد استحباب الولاية في غير موارد

وجوبها لكونها مقدمة للمستحب، و قد حقق في محله ان مقدمة المستحب مستحبة.

و فيه: ان مقدمة المستحب انما تتصف بالاستحباب إذا لم تكن محرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 193

و الاولي أن يقال: إن الولاية الغير المحرمة منها ما يكون مرجوحة و هي ولاية من تولي لهم لنظام معاشه قاصدا للاحسان في خلال ذلك الي المؤمنين و دفع الضر عنهم. (1)

ففي رواية أبي بصير ما من جبار و إلا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين و هو أقلهم حظا في الآخرة لصحبة الجبار.

و منها ما يكون مستحبة و هي ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الي المؤمنين.

فعن رجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن لله تعالي في أبواب الظلمة من نور الله به البرهان و مكّن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح الله بهم أمور المسلمين. اليهم ملجاء «يلجاء»

______________________________

الموضع الثاني في المقام طائفتان من الاخبار:

الاولي: ما يدل علي كراهة الولاية و هو خبر «1» مهران بن محمد بن أبي نصر كما في الكافي، مهران بن محمد بن أبي بصير كما في التهذيب (هامش المخطوط) المذكور في المتن بعنوان خبر أبي بصير.

الثانية ما يدل علي استحباب الولاية من قبل الجائر كخبر «2» ابن بزيع عن الامام الرضا عليه السلام المذكور في المتن و خبر هشام بن سالم عن الامام الصادق عليه السلام: ان لله مع ولاة الجور أولياء يدفع بهم عن أوليائه، اولئك المؤمنون حقا «3» و نحوه خبر المفضل «4» و صحيح علي بن يقطين المتقدم.

(1) و قد جمع المصنف رحمهم الله بين الطائفتين: بحمل الاولي علي من تولي لهم

لنظام معاشه قاصدا للاحسان في خلال ذلك الي المؤمنين و دفع الضرر عنهم، و حمل الثانية علي من لم يقصد بدخوله إلا الاحسان الي المؤمنين.

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله بأنه جمع تبرعي استحساني لم يساعده سوي

______________________________

(1) الوسائل، باب 44، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) رواه المامقاني رحمهم الله عن نسخة قديمة لرجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع.

(3) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(4) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 194

المؤمنين من الضرر و إليهم مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة أولئك حقا أولئك أمناء الله في أرضه أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة و يزهر نورهم لأهل السموات كما يزهر نور الكواكب الدرية لأهل الارض أولئك من نورهم يوم القيامة تضي ء القيامة خلقوا و الله للجنة و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله. قال قلت: بما ذا جعلت فداك قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد. (1)

______________________________

الاعتبار بلا شاهد عليه من الاخبار.

و فيه: ان ما ذكره رحمهم الله جمع عرفي، إذ خبر مهران مطلق شامل لما اذا تولي لخصوص الاحسان، أم له مع نظام معاشه، و خبر ابن بزيع مختص بما اذا تولي لخصوص الاحسان لقوله عليه السلام في ذيله: فهنيئا لهم، ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله، قال: قلت: بما ذا جعلني الله فداك؟ قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا، فكن معهم يا محمد، فبه

يقيد اطلاق خبر مهران فيختص بما اذا تولي لنظام معاشه، مع كون قصده الاحسان إلي الاخوان، في خلال ذلك، و عليه فتنقلب النسبة بين خبر مهران و اخبار ابن يقطين و هشام و المفضل من التباين الي العموم المطلق، فيقيد اطلاقها به. فتأمل.

فتكون النتيجة ما ذكره المصنف رحمهم الله.

و لكن يرد عليه: ان خبر مهران لا يعتمد عليه لجهالته، و خبرا هشام و المفضل و إن كانا مرسلين الا انه يعتمد عليهما في الحكم بالاستحباب مطلقا لقاعدة التسامح في أدلة السنن، مضافا الي أن في صحيح علي بن يقطين كفاية.

و الاستاذ الاعظم ذكر ان بعض النصوص يدل علي ان الولاية مباحة و قال: ان صحيح الحلبي قال: سئل ابو عبد الله عليه السلام عن رجل مسلم و هو في ديوان هؤلاء و هو يحب آل محمد صلي الله عليه و آله و يخرج مع هؤلاء في بعثهم فيقتل تحت رأيتهم، قال: يبعثه الله علي نيته «1». يدل علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 195

و منها ما يكون واجبة و هي ما توقف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه فان ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة ايضا. (1)

قال في النهاية تولي الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه و ربما بلغ حد الوجوب لما في ذلك من التمكن من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و وضع الاشياء مواقعها.

و أما سلطان الجور فمتي علم الانسان أو غلب علي ظنه انه متي تولي الامر من قبله أمكن التوصل الي اقامة

الحدود و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات في أربابها وصلة الاخوان و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح فانه يستحب له ان يتعرض لتولي الامر من قبله، انتهي.

و قال في السرائر و أما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولي شيئا من الامور مختارا من قبله الا ان يعلم أو يغلب علي ظنه، الي آخر. عبارة النهاية بعينها.

و في الشرائع و لو أمن من ذلك أي اعتماد ما يحرم و قدر علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر استحبت.

______________________________

و فيه: ان هذا الصحيح أجنبي عن ما استدل به له، فإنه انما يدل علي أن القتل تحت رأيتهم إن كان بقصد الدفاع عن بيضة الاسلام لا لتقوية سلطانهم يثاب عليه لكونه ناشئا عن هذه النية، أو علي ان القتل تحت رأيتهم لا يوجب ضعفا في إيمانه و انه إن كان مؤمنا حشر مؤمنا و لا ينظر الي عمله. و علي كل تقدير فهو غريب عن المقام.

فتحصل: انه لا شي ء من الولاية الجائزة بمباحة أو مكروهة.

(1) و قد نسب الي المشهور عدم وجوب تصدي الولاية و ان توقف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليها، بل في الجواهر: لم يحك عن أحد التعبير بالوجوب الا عن الحلي في السرائر.

و قد مر أن الكلام في ذلك أيضا يقع في موضعين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

أما الموضع الاول: فقد استدل لعدم الوجوب بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 196

قال في المسالك: بعد ان اعترف ان مقتضي ذلك وجوبها و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم و عموم النهي عن الدخول معهم و تسويد الاسم

في ديوانهم فإذا لم يبلغ حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب، و لا يخفي ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد لان الامر بالمعروف واجب فإذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب الي آخر ما ذكره حد المنع، فلا مانع من الوجوب المقدمي للواجب و يمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيح محرم لانها توجب اعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكته فاذا عارضها قبيح آخر و هو ترك الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ليس أحدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف و تركها دفعا لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم، نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتي يجعل أحدهما أقل قبحا ليصير واجبا.

______________________________

الوجه الاول ما في الجواهر و هو: انه يعارض ما دل علي الامر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية من قبل الجائر و لو من وجه، فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك، مما دل علي الوجوب و المنع من الفعل مما دل علي الحرمة.

و فيه: ان المقام من صغريات باب التزاحم لا التعارض المتوقف علي وحدة المتعلق، إذ متعلق الحرمة هو تصدي منصب الولاية، و متعلق الوجوب هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا ربط لاحدهما بالآخر. غاية الامر لاجل عدم قدرة المكلف علي امتثالهما يقع التنافي بينهما، فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم، مع انه لو سلم كونه من صغريات باب التعارض ما ذكره رحمهم الله في وجه التخيير من الجمع بين الدليلين بما انه ليس جمعا عرفيا لا يتم، بل يتعين

الرجوع الي المرجحات، و حيث ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه، و دلالة كل منهما علي حكم المجمع انما هي بالاطلاق، فلا بد من الحكم بالتساقط و الرجوع الي الاصول- فتأمل- فإن المختار أخيرا تعين الرجوع الي الاخبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 197

و الحاصل ان جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله بغير هذه الصورة بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الامر بالمعروف، فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين في غير هذا المقام، هذا ما اشار اليه الشهيد بقوله لعموم النهي الخ.. (1)

و في الكفاية ان الوجوب فيما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة، و ليس بثابت (2) و هو ضعيف لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية، كاف مع اطلاق أدلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام.

______________________________

العلاجية في موارد التعارض بالعموم من وجه مطلقا.

(1) الوجه الثاني: ما أفاده الشهيد رحمهم الله و أوضحه المصنف رحمهم الله و هو: انه يزاحم ما دل علي حرمة الولاية مع ما دل علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر المتوقفين عليها، فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين، فتارة تكون ناحية الوجوب أهم فيؤخذ بها، و اخري تكون ناحية الحرمة أهم فتقدم، و ثالثة تتساويان فيكون المكلف مخيرا في اختيار ايهما شاء، و حيث انه في المقام لم يحرز أهمية الوجوب بهذا الحد فلا وجه للحكم بالوجوب.

و فيه: ان هذا يتم بناء علي عدم تمامية ما اختاره المحقق النائيني و

تبعه جمع منهم الاستاذ الاعظم من أنه اذا تزاحم تكليفان و لم يحرز أهمية أحدهما و كانا طوليين يكون التكليف بالمتقدم فعليا دون المتأخر، مستدلا عليه بأن سقوط كل من التكليفين المتزاحمين بناء علي كون التخيير بين المتزاحمين عقليا لا يكون الا بامتثال الآخر، و بما ان امتثال التكليف بالمتأخر متأخر خارجا لتأخر متعلقه علي الفرض فلا يكون للتكليف بالمتقدم مسقط في عرضه فيتعين امتثاله علي المكلف بحكم العقل، و الا ففي صورة عدم احراز أهمية الوجوب يتعين البناء علي حرمة الولاية و عدم جوازها، فضلا عن الوجوب.

(2) الوجه الثالث ما اشار اليه المحقق السبزواري صاحب الكفاية، و حاصله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 198

نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة الي القدرة العرفية الغير المحققة في المقام لكنه تشكيك ابتدائي لا يضر بالاطلاقات و أضعف منه ما ذكره بعض بعد الاعتراض علي ما في المسالك بقوله: و لا يخفي ما فيه، قال: و يمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل علي وجوب الامر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية عن الجائر بناء علي حرمتها في ذاتها و النسبة عموم من وجه فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، و قيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة. و أما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن اسماعيل و غيره الذي هو ايضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوي المشهور و بذلك يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعني الاخص في مقدمة الواجب ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضي الوجوب انتهي.

و فيه ان الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف

و الرجوع الي الاصول لا التخيير كما قرر في محله و مقتضاها إباحة الولاية للاصل و وجوب

______________________________

ان دليل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، مقيد بالقدرة الشرعية، و دليل حرمة الولاية مطلق من هذه الجهة، و قد حقق في محله انه اذا تزاحم تكليفان احدهما مشروط بالقدرة شرعا دون الآخر يقدم المشروط بالقدرة عقلا علي المشروط بالقدرة شرعا. إذ ملاك الحكم غير المشروط بالقدرة شرعا تام لا قصور فيه، و لا مانع عن جعل الحكم علي طبقه فيكون حكمه فعليا و موجبا لعجز المكلف عن امتثال التكليف الآخر و مانعا عن تحقق ملاكه المتوقف علي القدرة عليه علي الفرض.

و هذا بخلاف المشروط بالقدرة شرعا، إذ جعله يتوقف علي تمامية ملاكه، و هي تتوقف علي عدم فعلية الحكم الآخر، فلو استند عدم فعليته الي فعلية الحكم المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور، و هذا الوجه هو الذي اشار اليه في محكي الكفاية، و هو حسن إن ثبت كون وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مشروطا بالقدرة شرعا، و إلا فيكفي في نفي اعتبارها اطلاق الادلة، و حيث انه لا دليل عليه و الانصراف لو كان فانما هو بدوي يزول بأدني التفات، فالصحيح عدم تمامية هذا الوجه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 199

الامر بالمعروف لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه، ثمّ علي تقدير الحكم بالتخيير فالتخيير الذي يصار اليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهري و هو الأخذ بأحدهما بالتزام الفعل أو الترك لا التخيير الواقعي. ثمّ المتعارضان بالعموم من وجه لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا، بل بالنسبة الي مادة الاجتماع لوجوب ابقائهما علي ظاهرهما في مادتي الافتراق فيلزمك استعمال كل من الامر

و النهي في أدلة الامر بالمعروف و النهي عن الولاية في الالزام و الاباحة. (1)

______________________________

الموضع الثاني: في حكم الولاية التي توقف عليها الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بحسب النصوص الخاصة.

الظاهر انها تقتضي الحكم بالوجوب إذ بعد تخصيص أدلة حرمة الولاية بالنصوص المتقدمة الدالة علي جواز الولاية للقيام بمصالح المسلمين الشاملة للمقام، إما لكون ذلك من تلك المصالح أو بالفحوي لا معارض و لا مزاحم لما دل علي وجوب المقدمة، فلا مانع من اتصافها به.

و دعوي ان تلك النصوص المتضمنة لاستحباب الولاية، كما تخصص دليل حرمة الولاية.

كذلك تخصص أدلة الامر بالمعروف، لعدم تعقل وجوب الامر بالمعروف مع استحباب مقدمته.

مندفعة لا بما في المتن من ان دليل استحباب الشي ء الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب إذ استحباب الشي ء في ذاته، لا ينافي وجوبه بالغير: فانه يرد عليه ان تلك النصوص متضمنة للاستحباب المقدمي، لا الذاتي و ما ذكره رحمهم الله يتم في الثاني.

بل لان تلك النصوص انما تدل علي مطلق الرجحان، فيحكم في المقام بالوجوب، لاجل وجوب ذي المقدمة.

فتحصل: ان الاقوي وجوب الولاية فيما اذا كان هناك، معروف متروك، أو منكر مركوب، يجب فعلا الامر بالاول و النهي عن الثاني.

(1) قوله فيلزمك استعمال كل من الامر و النهي في أدلة الامر بالمعروف و النهي عن الولاية.

و فيه: ان الالتزام بالاباحة، ليس لاجل استعمال الامر و النهي فيها، حتي يورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 200

ثمّ دليل الاستحباب أخص لا محالة من أدلة التحريم فيخصص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين أدلة وجوب الامر بالمعروف و من المعلوم المقرر في

غير مقام ان دليل استحباب الشي ء الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا علي الخروج عن مقتضاها، لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء في نفسه مع قطع النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن يجب اطاعته أو منذورا و شبهه، فالاحسن (1) في توجيه كلام من عبر بالجواز مع التمكن من الامر بالمعروف ارادة الجواز بالمعني الاعم و أما من عبر بالاستحباب فظاهره ارادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي نظير قولهم يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه مع انه واجب كفائي لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية أو يقال (2) إن مورد كلامهم ما اذا لم يكن هنا معروف متروك يجب فعلا الامر به او منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك، بل يعلم بحسب العادة تحقق مورد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد ذلك، و من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه و كيف كان فلا اشكال في وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك أو منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول و النهي عن الثاني.

______________________________

عليه: بأنه مستلزم لاستعمال اللفظ في أكثر من معني، بل من جهة سقوط الامر و النهي عن المجمع فيحكم بالاباحة للاصل.

(1) قوله فالاحسن في توجيه كلام من عبر بالجواز.

هذا التوجيه لا يلائم مع كلماتهم، لما تري انهم يفصلون بين الولاية من قبل العادل، التي تكون مقدمة للامر بالمعروف، و بين الولاية من قبل الجائر إذا وقعت مقدمة لذلك، و حكموا في الاولي بالوجوب، و في الثانية بعدمه.

(2) و به ظهر ما في توجيه الثاني

للقول بعدم الوجوب.

مع انه يرد عليه ان لازم الوجه الثاني عدم الاستحباب اذ الاستحباب المتوهم ثبوته علي هذا ليس الا الاستحباب التهيئي الذي لا دليل عليه في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 201

الثاني: مما يسوغ الولاية الاكراه عليه بالتوعيد علي تركها (1)
اشارة

من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه أو علي من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به اضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا علي النفس كالاب و الولد و من جري مجراهما، و هذا مما لا إشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها لعموم قوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) (2) في الاستثناء عن عموم (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) و النبوي صلي الله عليه و آله رفع عن أمتي ما اكرهوا عليه و قولهم عليهم السلام التقية في كل ضرورة، و ما من شي ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر اليه الي غير ذلك مما لا يحصي كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام

و ينبغي التنبيه علي أمور:
اشارة

______________________________

قبول الولاية عن كره

(1) قوله الثاني: مما يسوغ الولاية الاكراه عليها بالتوعيد علي تركها.

لا خلاف و لا إشكال في جواز الولاية إذا اكره عليها و توعد علي تركها بما يشق علي المكره تحمله، سواء كان ضررا ماليا أم عرضيا، و سواء تعلق بنفسه أم بمن يعد الاضرار به إضرارا به.

و يشهد له: عموم أدلة التقية «1» و عموم ما دل علي رفع ما استكره عليه «2» و حديث نفي الضرر «3» إذ حرمة الولاية ضرر علي الشخص في الفرض فهي مرفوعة به.

(2) و أما الآية الشريفة (الا أن تتقوا منهم تقاة) «4» فهي غريبة عن المقام لكونها استثناء عن عموم ما دل علي حرمة مودة الكفار.

و كذلك لا يصح الاستدلال بحديث نفي الاضطرار، إذ الاضطرار غير الاكراه و هو لا يصدق بمعناه اللغوي في أغلب موارد الاكراه علي الولاية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما.

(2)- الوسائل، باب 56، من

أبواب جهاد النفس.

(3) الوسائل، باب 12، من أبواب إحياء الموات.

(4) سورة آل عمران، آية: 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 202

الاول: أنه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق في خلالها مما يصدر الامر به من السلطان الجائر ما عدا اراقة الدم إذا لم يمكن التفصي عنه، و لا إشكال في ذلك انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير (1) من نهب الاموال و هتك الاعراض و غير ذلك من العظائم هل تباح كل ذلك بالاكراه و لو كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف علي عرضه من كلمة خشنة لا يليق به فهل يباح بذلك اعراض الناس و أموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بد من ملاحظة الضررين و الترجيح بينهما، وجهان: من اطلاق الاكراه، و ان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

حكم الاضرار بالناس مع الاكراه عليه

(1) قوله انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير.

لا كلام في انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق مما يصدر الامر به من السلطان الجائر عدا إراقة الدم.

انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير من نهب الاموال و هتك الاعراض و ما شاكل هل يباح بالاكراه، و إن كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه، أم لا بد من ملاحظة الضررين و الترجيح بينهما؟ و في المسألة وجوه و أقوال اربعة:

الاول: ما اختاره المصنف رحمهم الله و هو ارتفاع حرمة الاضرار بالغير بالاكراه مطلقا، و لو

كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه.

الثاني: عدم ارتفاع حرمته كذلك.

الثالثة التفصيل بين ما إذا كان الضرر الذي توعد به أعظم أو مساويا فترتفع الحرمة، و بين ما اذا كان أقل فلا ترتفع.

الرابع: ما اختاره الاستاذ الاعظم و هو التفصيل بين ما اذا كان الضرر الذي توعده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 203

و من أن المستفاد من أدلة الاكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير، و لو كان ضرر الغير أدون فضلا عن أن يكون أعظم و إن شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و رفع الاضطرار مسوق للامتنان علي جنس الامة و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بترخيصه في الاضرار بالبعض الآخر، فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه علي الاضرار بالغير لم يجز و وجب تحمل الضرر هذا، و لكن الاقوي هو الأول (1) لعموم دليل نفي الاكراه لجميع المحرمات حتي الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، و عموم نفي الحرج، فان إلزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرج و قوله صلي الله عليه و آله انما جعلت التقية لتحقن به الدماء، فاذا بلغ الدم فلا تقية. حيث انه دل علي ان حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.

______________________________

المكره) بالكسر (أمرا مباحا في نفسه، كما اذا اكرهه الجائر علي نهب مال غيره و جلبه اليه و إلا فيحمل أموال نفسه اليه فلا ترتفع الحرمة، و بين ما اذا كان ذلك الضرر أمرا محرما كما إذا اكرهه علي أن يلجئ شخصا آخر الي فعل محرم كالزنا و إلا أجبره علي ارتكابه بنفسه، فتقع المزاحمة و يرجع الي قواعد باب التزاحم.

و قد استدل

المصنف رحمهم الله لما اختاره بوجوه:

(1) الاول: عموم دليل نفي الاكراه «1» لجميع المحرمات حتي الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم.

و فيه: ان الحديث كغيره مما دل علي نفي الاكراه مسوق في مقام الامتنان علي الامة، و الحكم بجواز الاضرار مناف للامتنان بالاضافة إلي ذلك الغير، و إن كان موافقا للامتنان بالاضافة إلي المكره، فلا يكون مشمولا للحديث.

(2) الوجه الثاني: عموم نفي الحرج «2» فان إلزام الغير بتحمل الضرر و ترك ما أكره عليه حرج.

و فيه: اولا: ان الحرج المنفي في الشريعة هي المشقة التي لا تتحمل عادة، و بديهي أن الوقوع في الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا، فلا يصح التمسك لجواز الاضرار بدليل نفي الحرج بقول مطلق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس.

(2) سورة الحج، آية: 79.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 204

و أما ما ذكره من استفادة كون نفي الاكراه لدفع الضرر فهو مسلم، بمعني دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه لا بمعني دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه.

بيان ذلك انه اذا توجه الضرر الي شخص بمعني حصول مقتضيه فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم بل غير جائز في الجملة فاذا توجه ضرر علي المكلف باجباره علي مال و فرض ان نهب مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الجبر (الضرر) عن نفسه، و كذلك اذا اكره علي نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه الي الغير و توهم انه كما يسوغ النهب في الثاني لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته، كذلك يسوغ في الاول لكونه مضطرا اليه.

أ لا تري انه لو توقف دفع الضرر علي محرم آخر غير الاضرار بالغير كالافطار في شهر رمضان

أو ترك الصلاة أو غيرهما ساغ له ذلك المحرم.

______________________________

و ثانيا: ان دليل نفي الحرج يعارض ما دل علي نفي الضرر الدال علي عدم جواز الاضرار بالغير من جهة تضرره، و النسبة عموم من وجه، اللهم إلا أن يقال: إن دليل نفي الضرر لا يشمل المقام للعلم الاجمالي بجعل حكم ضرري في المقام من الاباحة أو التحريم، إذ كل منهما يوجب ضررا علي شخص، فيبقي دليل نفي الحرج بلا معارض، فالعمدة هي الايراد الاول.

الوجه الثالث: النصوص «1» المتضمنة: انه انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فلا تقية. حيث انها تدل علي ان حد التقية بلوغ الدم، فتشرع لما عداه.

و فيه: انه إن أريد بهذه الجملة انه كلما سوغت التقية لحفظ شي ء إذا بلغته التقية فلا تقية، فهي علي خلاف المطلوب أدل، إذ التقية انما شرعت لحفظ الاعراض و الاموال ايضا، و لازم ذلك ان لا يشرع هتك عرض الغير و نهب ماله بالتقية، و إن أريد بها ان التقية انما شرعت لخصوص حفظ الانفس فلازمه عدم شمول نصوص التقية في غير مورد كون الضرر المتوعد به هو قتل النفس، مع انه لا ريب في شمولها لغير ذلك المورد، فلا مناص عن التصرف في كلمة) إنما (.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 205

و بعبارة اخري: الاضرار بالغير من المحرمات فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع بالاضطرار لان نسبة الرفع إلي ما أكرهوا عليه، و ما اضطروا اليه علي حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين في الصغري بعد اشتراكهما في الكبري المتقدمة، و هي ان الضرر المتوجه الي شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره بأن

الضرر في الاول متوجه الي نفس الشخص فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير، غير جائز (1) و عموم رفع ما اضطروا اليه لا يشمل الاضرار بالغير المضطر اليه لانه مسوق للامتنان علي الامة فترخيص بعضهم في الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه و صرف الضرر الي غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح فعموم ما اضطروا اليه في حديث الرفع مختص بغير الاضرار بالغير من المحرمات.

و أما الثاني: فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه الي الغير بحسب الزام المكره (2) بالكسر و إرادته الحتمية و المكره بالفتح و إن كان مباشرا إلا انه

______________________________

اللهم أن يقال: إن المراد بها انه انما قررت التقية لئلا ينتهي آخر الامر الي اراقة الدم، و إن كان في أول الحال يجوز التقية لغيرها.

و بعبارة اخري: العمدة في مصلحة التقية حفظ النفس فلا تنافي جوازه التقية لغيره ايضا كحفظ المال أو العرض، و علي ذلك فهي مسوقة لبيان عدم جواز التقية في تلف النفس لا لجوازها في غير ذلك المورد كي يستفاد منها جواز إضرارا لغير لدفع الضرر عن نفسه.

الوجه الرابع: ما يكون مركبا من صغري، و كبري.

(2) أما الاولي: فهي ان مورد الاكراه الضرر متوجه الي الغير ابتداء بحسب اكراه المكره (بالكسر) و ارادته الحتمية و المكره (بالفتح). و إن كان مباشرا، الا انه ضعيف لا ينسب اليه توجيه الضرر الي الغير حتي يقال انه أضر بالغير كي لا يتضرر نفسه، نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير الي نفسه عرفا.

(1) و أما الثانية: فهي ان المستفاد من الادلة: ان تشريع نفي الاكراه انما هو لدفع الضرر، فلا يجوز دفع الضرر عن نفسه بالاضرار

بالغير، و لا يلزم تحمله لدفعه عن الغير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 206

ضعيف لا ينسب اليه توجيه الضرر الي الغير حتي يقال: إنه أضر بالغير لئلا يتضرر نفسه، نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير الي نفسه عرفا، لكن الشارع لم يوجب هذا و الامتنان بهذا علي بعض الامة لا قبح فيه كما انه لو اراد ثالث الاضرار بالغير لم يجب علي الغير تحمل الضرر و صرفه عنه الي نفسه هذا كله مع ان أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين (1) فانه لا حرج في ان لا يرخص الشارع دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره بخلاف ما لو الزم الشارع الإضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه الي الغير فانه حرج قطعا.

______________________________

لأن ذلك مناف للامتنان، فتكون النتيجة عدم وجوب تحمل الضرر في المقام لدفع الضرر عن الغير.

و في الصغري نظر لأن الإكراه لا يوجب سلب اختيار المكره بالفتح و صيرورته كالآلة، بل هو بعد علي كونه مختارا فيه و فعله الجزء الاخير من العلة، و لولاه لما تحقق الاضرار بالغير، و عليه فهو يضر بالغير اختيارا دفعا للضرر عن نفسه.

و إن شئت قلت: إن الاكراه انما يوجب تخيير المكره بين الاضرار بالغير و بين تحمل الضرر علي فرض العدم، فلا يكون من توجه الضرر الي الغير ابتداء نظير ما اذا توجه سيل الي داره، الذي لا كلام في عدم وجوب صرفه الي نفسه.

(1) هذا هو الوجه الخامس: و هو ان في الزام الشارع الاضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه الي الغير حرجا قطعا، و هذا بخلاف ما اذا كان الضرر متوجها اليه ابتداء، و لا حرج في تحمله

و عدم الاضرار بغيره دفعا له، فيرتفع بأدلة نفي الحرج.

و فيه: ما تقدم من أن مطلق تحمل الضرر لا يكون حرجيا.

و استدل للقول الثاني: بإطلاق أدلة حرمة الاضرار بالغير بعد عدم شمول أدلة نفي الاكراه و الحرج و الضرر للمقام كما تقدم، و يؤيده انه لو عمت جملة نفي الاكراه من الحديث للمقام لعمت جملة نفي الاضطرار لوحدة السياق، و تلك الجملة لا تعم كما صرح به الشيخ رحمهم الله و لم يجوز أحد الاضرار بالغير في صورة الاضطرار، فكذلك هذه الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 207

الثاني: إن الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر علي ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله، ممن يكون ضرره راجعا الي تضرره و تألمه، و أما إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه الا الضرر علي بعض المؤمنين (1)

ممن يعد أجنبيا من المكره (بالفتح) فالظاهر انه لا يعد ذلك إكراها عرفا إذ لا خوف له يحمله علي فعل ما أمر به و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه أو بمن يجري مجراه كالاب و الولد، صرح في الشرائع و التحرير و الروضة و غيرها.

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه و إن كان تاما في نفسه، إلا انه ربما يزاحم حرمة الاضرار محرم آخر و هو ما اذا كان الضرر المتوعد به أمرا محرما، و حينئذ فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم.

و استدل للقول الثالث: بأن نسبة جميع الناس الي الله سبحانه نسبة واحدة، فالكل بمنزلة عبد واحد، فالضرر المتوجه الي أحد شخصين كأحد الضررين المتوجه الي شخص واحد، فلا بد من ملاحظة أقل الضررين، و عند التساوي يحكم بالتخيير.

و فيه:

ان هذا وجه اعتباري استحساني لا يعتمد عليه.

مع انه إذا كان الضرر المتوعد به أمرا مباحا في نفسه كيف يحكم بالتخيير بين ذلك و بين الامر المحرم، و هو الاضرار بالغير.

فالاظهر هو القول الرابع.

قبول الولاية لدفع الضرر عن الغير

(1) قوله إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه الا الضرر علي بعض المؤمنين.

إذا كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه مما يتعلق بالاجنبي فهل يعد إكراها أم لا؟ الاكراه عبارة عن الحمل علي فعل يكرهه المكره بالفتح مع التوعد علي تركه بما يكرهه، كان ذلك أمرا متعلقا بنفسه أو عشيرته أو الاجانب، فلو فرض شخص يكره ضرر كل مؤمن- و إن كان أجنبيا عنه بالمرة- يصدق الاكراه بالتوعد بالضرر المتعلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 208

نعم لو خاف علي بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة بل غيرها من المحرمات الالهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين لقيام الدليل علي وجوب مراعاة المؤمنين و عدم تعريضهم للضرر مثل ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و لان تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها الذي هو قوامها و ما لها الذي به نظامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك من اوليائنا و إخوانك فان ذلك أفضل من أن تتعرض الهلاك و تنقطع به عن عملك في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين، و اياك ثمّ اياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فانك شائط بدمك و دماء إخوانك معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال مدل لهم في أيدي أعداء دين الله، و قد أمرك باعزازهم فانك إن خالفت وصيتي كان ضررك علي إخوانك و نفسك أشد من ضرر الناصب لنا

الكافر بنا الحديث.

لكن لا يخفي انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول أدلة الاكراه لهذا لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره و لا بمن يتعلق به و عدم جريان أدلة نفي الحرج إذ لا حرج علي المأمور لان المفروض تساوي من أمر بالاضرار به و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة الي المأمور مثلا لو أمر الشخص بنهب مال مؤمن و لا يترتب علي مخالفة المأمور به الا نهب مال مؤمن آخر فلا حرج حينئذ في تحريم نهب مال الاول بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة من الغرض في التقية خصوصا مع كون المال المنهوب للاول أعظم بمراتب. فانه يشبه بمن فر من المطر الي الميزاب بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمن، و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره، نعم الا لدفع ضرر النفس في وجه مع ضمان ذلك الضرر و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات بترتب ضرر مخالفة المكره عليه علي نفس المكره و علي أهله أو علي الاجانب من المؤمنين، لا يخلو من بحث الا ان يريدوا الخوف علي خصوص نفس بعض المؤمنين فلا اشكال في تسويغه لما عدا الدم من المحرمات إذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء، فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 209

قال في القواعد و تحرم الولاية من الجائر إلا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أو مع الاكراه بالخوف علي النفس أو المال أو الاهل أو علي بعض المؤمنين فيجوز ائتمار ما يأمره الا القتل، انتهي.

و لو أراد بالخوف

علي بعض المؤمنين الخوف علي أنفسهم دون أموالهم و إعراضهم لم يخالف ما ذكرنا، و قد شرح العبارة بذلك بعض الاساطين فقال: الا مع الاكراه بالخوف علي النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بالحال من تلف أو حجب أو العرض من جهة النفس أو الاهل أو الخوف فيما عدا الوسط علي بعض المؤمنين فيجوز حينئذ ائتمار ما يأمره انتهي.

و مراده بما عدا الوسط الخوف علي نفس بعض المؤمنين و أهله و كيف كان فهنا عنوانان الاكراه و دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين من دون اكراه.

______________________________

بالاجنبي و لو فرض انه لا يكره الضرر المتعلق بولده و بنفسه لما صدق الاكراه فالضابط هو ذلك، لا القرب و البعد.

و في مورد لا يصدق الاكراه، كما إذا كان الشخص ممن لا يتأثر بضرر المؤمنين لو حمله الظالم علي قبول الولاية أو علي غيرها مما حرمه الله تعالي غير الاضرار بالغير و توعد علي تركه بالاضرار بالمؤمنين، جاز ذلك المحرم بذلك.

لما دل من الادلة علي جواز الولاية لاصلاح أمر المؤمنين و دفع الضرر عنهم «1».

و ما دل علي مشروعية التقية لحفظ المؤمنين عن المهالك و المضرات «2»، فانه إذا صار المحرم مباحا لدفع الضرر عن المؤمنين مع عدم الاكراه علي قبول الولاية صار مباحا مع الاكراه عليه بلا فرق كما لا يخفي.

انما الكلام في انه لو كان المحمول عليه هو الاضرار بالغير، و كان الضرر المتوعد

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 210

و الاول يباح به كل محرم (1) و الثاني إن كان متعلقا بالنفس جاز له

كل محرم حتي الاضرار المالي بالغير لكن الاقوي استقرار الضمان عليه إذا تحقق سببه لعدم الاكراه المانع عن الضمان أو استقراره. (2)

و أما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه (3) ففيه تأمل، و لا يبعد ترجيح النفس عليه و إن كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير أصلا حتي في اليسير من المال فاذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز و إن كان متعلقا بالعرض، ففي جواز الاضرار بالمال مع الضمان أو العرض الاخف من العرض المدفوع عنه تأمل. و أما الاضرار بالنفس أو العرض الاعظم فلا يجوز بلا اشكال هذا و قد وقع في كلام بعض تفسير الاكراه بما يعم لحوق الضرر. قال في المسالك ضابط الاكراه المسوغ للولاية الخوف علي النفس أو المال أو العرض عليه أو علي بعض المؤمنين انتهي. و يمكن أن يريد بالاكراه مطلق المسوغ للولاية لكن صار هذا التعبير منه قدس سره منشأ لتخيل غير واحد ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعني.

______________________________

به هو ما يرجع الي الغير، فقد اختار الشيخ قدس سره عدم جواز الاضرار: لإطلاق ادلة حرمته بعد فرض عدم شمول أدلة نفي الاكراه و الحرج للمقام.

و هو حسن، بل قد عرفت في التنبيه الاول انه مع صدق الاكراه ايضا لا يجوز، لان رفعه خلاف الامتنان علي الامة.

(1) قوله و الاول يباح به كل محرم.

قد عرفت انه لا يباح به الاضرار بالغير.

(2) قوله لعدم الاكراه المانع عن الضمان أو استقراره.

الاكراه ايضا لا يصلح لرفع الضمان، لورود الحديث في مقام الامتنان علي الامة و لا امتنان في رفع الضمان علي الامة.

(3) قوله و أما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه ففيه تأمل.

ملخص القول

في المقام ان المتوعد به إن كان تلف النفس المحترمة جاز الاضرار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 211

الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه أقوالا (1) ثالثها التفصيل بين الاكراه علي نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي و الذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الاكراه عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا و لم يتوقف علي ضرر كما إذا اكره علي أخذ المال من مؤمن فيظهر انه أخذ المال و جعله في بيت المال مع عدم أخذه واقعا أو أخذه جهرا، ثمّ رده اليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين و كما إذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد و يحسن ضيافته، و يظهر انه حبسه و شدّد عليه و كذا لا خلاف في انه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير و كان منشأ زعم الخلاف ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع، مستظهرا

______________________________

بالغير، لما علم من اهتمام الشارع بحفظ النفس المحترمة، و إن كان غير ذلك من أقسام الضرر المتوجه الي الغير، فلا يباح به الاضرار بالغير المحرم إذ بعد فرض عدم الدليل المخرج عما دل علي حرمة الاضرار، و عدم المزاحم له لا وجه لرفع اليد عنه، نعم، إذا كان ذلك أمرا محرما علي هذا الشخص دخل في باب التزاحم، و لا بد من إجراء أحكامه، و علي كل تقدير لو أضر بالغير لما سقط ضمانه.

يعتبر العجز عن التفصي في الاكراه

(1) قوله الثالث: ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر

من الأصحاب ان في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه أقوالا:

الكلام يقع في مقامين:

الاول: في الاقوال في المسألة.

الثاني: في بيان المختار.

أما المقام الاول: فقد توهم ان في المسألة أقوالا ثلاثة.

ثالثها التفصيل بين الاكراه علي الولاية فلا يعتبر العجز عن التفصي و بين الاكراه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 212

منه خلاف ما اعتمد عليه قال في الشرائع، بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية دفعا للضرر اليسير مع الكراهة و الكثير بدونها إذا اكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره مع عدم القدرة علي التفصي منه الا في الدماء المحرمة «المحترمة» فانه لا تقية فيها «شرائع» انتهي.

قال في المسالك ما ملخصه ان المصنف ذكر في هذه المسألة شرطين الاكراه و العجز عن التفصي و هما متغايران، و الثاني أخص (1) و الظاهر ان مشروطهما مختلف فالاول شرط لأصل قبول الولاية و الثاني شرط للعمل بما يأمره، ثمّ فرع عليه ان الولاية ان أخذت مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط في جوازه الاكراه.

و أما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة و لا يشترط فيه الالجاء اليه بحيث لا يقدر علي خلافه (2) و قد صرح به الاصحاب في كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح الا ان يريد به أصل الاكراه الي أن قال:

ان الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و إن قدر علي المخالفة مع خوف الضرر انتهي موضع الحاجة من كلامه.

______________________________

علي غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي.

أما القول باعتبار العجز عن التفصي مطلقا ما لم يكن حرجيا و لم يترتب عليه ضرر فهو المشهور بين الاصحاب.

كما ان المشهور بينهم عدم اعتباره إذا كان حرجيا أم

ضرريا، و عدم اعتبار عدم القدرة العقلية علي خلافه.

(1) و ما توهمه الشهيد الثاني قدس سره في محكي المسالك من أن المحقق اعتبر العجز العقلي غير صحيح.

و أما القول بعدم اعتباره مطلقا فالظاهر ان منشأ زعمه ما اوهمته عبارة الشهيد قدس سره في بيان مختاره،

و لكن الحق انه لا يقول بذلك.

بل مراده من العجز الذي نفي اعتباره هو العجز العقلي، و قد عرفت ان هذا مما تطابقت عليه كلماتهم.

و الشاهد علي أن مراده ذلك.

(2) قوله و لا يشترط فيه الالجاء اليه بحيث لا يقدر علي خلافه، و قد صرح به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 213

أقول: لا يخفي علي المتأمل ان المحقق قدس سره لم يعتبر شرطا زائدا علي الاكراه إلا ان الجائر إذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته كما هو الغالب، و أمكن في بعضها المخالفة واقعا و دعوي الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي (1) و كيف كان فعبارة الشرائع واقعة علي طبق المتعارف من تولية الولاة و أمرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها، و ليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفي، و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسبة عدم الخلاف المتقدم الي الاصحاب من انه علي القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة علي بذل مال كثير لزم علي هذا القول، ثمّ قال: و هو أحوط بل و أقرب.

______________________________

الاصحاب في كتبهم.

و أما القول بالتفصيل فمنشأ زعمه هو ما احتمله في المسالك من عبارة الشرائع حيث قال المحقق قدس سره: اذا اكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره مع عدم القدرة

علي التفصي.

فإنه احتمل فيها احتمالات:

منها: ان الولاية لا تشترط بالاكراه، بل المشروط به هو العمل بما يأمره الجائر.

و منها: ان الولاية و العمل معا مشروطان بالاكراه فقط دون العجز عن التفصي.

و منها: التفصيل بين الولاية و العمل، فيقيد الاولي بالاكراه و الثاني بالعجز عن التفصي، و المتوهم توهم إن كل واحد من هذه الاحتمالات قول برأسه فنقل ان في المقام قولا بالتفصيل.

(1) المصنف قدس سره قد دفع الاحتمال الاخير بأنه فرق.

بين الولاية، حيث انه لا يقدر المكره علي التفصي عنها من دون ضرر و لا كلفة.

و بين ما اذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته فانه يتمكن غالبا من عدم الموافقة و دعوي الامتثال ظاهرا من أخذ المال جهرا ثمّ رده اليه سرا و نحو ذلك.

و المحقق قدس سره كان متفطنا لذلك فلذا صرح باعتبار العجز عن التفصي الذي هو معتبر في صدق الاكراه في إباحة تلك الاعمال خاصة، و هو حسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 214

الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة (1) فيجوز تحمل الضرر المذكور لان الناس مسلطون علي أموالهم، بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالاظهر اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجيا أم ضرريا لعدم صدق الاكراه بدونه، و لا فرق بين هذا المحرم و سائر المحرمات الالهية. و سيأتي تنقيح القول في ذلك في مبحث اعتبار الاختيار في المتعاقدين في الجزء الثالث من هذا الشرح.

فانتظر.

قبول الولاية مع الضرر المالي رخصة

(1) قوله الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر الذي لا يضر بالحال رخصة.

لا ينبغي التوقف في جواز تحمل الضرر المالي و عدم قبول الولاية المحرمة، لان مقتضي حديث رفع

الاكراه انما هو رفع الحرمة، و لا يكون هو متكفلا للوجوب، و لا دليل غيره.

فلا بد من الرجوع الي القواعد و هي تقتضي جواز تحمل الضرر، لان الناس مسلطون علي أموالهم «1».

و قد استدل لعدم جوازه:

بأن في دفع المال إعانة علي الاثم، و هي محرمة.

و فيه: أولا: ان الاعانة علي الاثم لا دليل علي حرمتها كما تقدم.

و ثانيا: ان دفع المال الي الجائر من قبيل تجارة التاجر مع اعطاء الكمرك، و لا يصدق عليه الاعانة كما أسلفناه في محله.

______________________________

(1) البحار، ج 1، ص 154.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 215

الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل إجماعا (1) علي الظاهر المصرح به في بعض الكتب، و إن كان مقتضي عموم نفي الاكراه و الحرج الجواز.

______________________________

حكم قتل المؤمن بالاكراه أو بالتقية
اشارة

(1) قوله الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل اجماعا.

و تحقيق القول في المقام يقتضي البحث في مقامين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في النصوص الخاصة.

أما المقام الاول: فقد عرفت ان حديث رفع الاكراه لوروده مورد الامتنان لا يصلح لرفع حرمة القتل في المقام، إذ لا امتنان في رفعها علي الامة، فهو لا يشمل المقام.

و أما أدلة التقية فهي و إن دلت علي إباحة المحرمات لحفظ المؤمنين عن المهالك و المضرات.

إلا انها لا تدل علي الجواز في المقام، لانها انما شرعت لحفظ نفوس المؤمنين و أعراضهم و أموالهم، فاذا توقف حفظ شي ء منها علي إتلاف نظيره من شخص آخر لا تكون هناك تقية لارتفاع الغاية.

و عليه فإن كان التوعيد بغير القتل لم يجز القتل بلا كلام.

و إن كان به فقد يتوهم ان حرمة القتل حينئذ تزاحم حرمة الالقاء في الهلكة و وجوب التحفظ

علي النفس، إذ الامر دائر بين القاء النفس في الهلكة، و بين قتل المؤمن، و لا مناص عن اختيار أحدهما. فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم، فإن ثبت أهمية أحدهما تعين و الا تخير بين الامرين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 216

إلا انه قد صح من الصادقين (1) عليهما السلام انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم.

فإذا بلغت الدم فلا تقية و مقتضي العموم انه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل و الحر و العبد و غير ذلك.

______________________________

و دعوي ان الآية الشريفة: (وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) «1» تدل علي ان الدماء المحترمة ليس أحدها أهم من الآخرين فلا وجه لملاحظة الاهم و المهم في ذلك.

مندفعة بأنها واردة في القصاص و لا ربط لها بالمقام.

و لكنه توهم فاسد، إذ قتل الغير إيجاد لما يرفع القتل عن نفسه، و تركه ترك لذلك لا انه القاء لها في التهلكة، و إيجاد ما يرفع القتل و إن كان واجبا في الجملة، لكن لا دليل علي وجوبه اذا انحصر الدفع بقتل غيره، و علي هذا فحيث ان هلاك أحدهما مما لا بد منه، و يمتاز قتل الغير بارتكاب محرم، فلا وجه لتسويغه.

فتحصل: ان مقتضي القواعد عدم جواز القتل.

و أما المقام الثاني: فالنصوص ايضا تقتضي ذلك.

لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية «2».

و موثق الثمالي عن الامام الصادق عليه السلام: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية «3» و نحوهما غيرهما.

و إلي ذلك أشار المصنف قدس

سره.

(1) بقوله إلا انه قد صح عن الصادق عليهما السلام.

فانها تدل علي ان حفظ النفس اذا توقف علي أي محرم يجوز ذلك، و لكنه اذا توقف علي إراقة دم محترم لا تكون التقية حينئذ مشروعة و لا يجوز ذلك.

و ما نقله المحقق المجلسي قدس سره عن بعض و اختاره المحقق الايرواني قدس سره من أن المراد.

______________________________

(1) المائدة، آية: 46.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 217

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل (1) لحد ففي العموم وجهان من اطلاق قولهم عليهم السلام لا تقية في الدماء و من ان المستفاد من قوله عليه السلام ليحقن بها الدم. فإذا بلغ الدم فلا تقية ان المراد الدم المحقون دون المأمور بإهراقه و ظاهر المشهور الاول.

و أما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الي غير ولي الدم و مما

______________________________

بهذه الاحاديث ان التقية انما شرعت لحفظ النفس، فاذا كان الشخص مقتولا علي كل حال اتقي أو لم يتق فلا تقية لانتفاء ما هو الغرض من تشريع التقية. فهي غير مربوطة بالمقام.

غير صحيح، إذ لو احتمل ارادة هذا المعني من بعضها و لم تكن خلاف الظاهر، مع انه محل منع، لا تحتمل في موثق الثمالي، إذ قوله عليه السلام فيه: فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية كالصريح في المعني الذي أشرنا اليه كما لا يخفي.

فما هو المشهور- بل المجمع عليه- من عدم جواز قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل منطبق علي القواعد، و تشهد به النصوص الخاصة.

حكم المستحق للقتل

بقي في المقام فروع تعرض لها المصنف قدس سره:

(1) الاول: ما ذكره بقوله

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل.

المستحق للقتل إن كان مهدور الدم لكل احد لا ريب في انه ليس مشمولا للنصوص المتقدمة، و انه يجوز قتله لو أكره عليه بالاولوية ما لم تترتب عليه الفتنة.

و إن كان مهدور الدم لكل أحد و لكن بإجازة الحاكم الشرعي كمن استحق القتل بالحد.

أو كان مهدور الدم لشخص معين أو جماعة كذلك كالمستحق للقتل قصاصا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 218

ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف (1) لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة فحدها بلوغ دمهم لا دم غيرهم. (2) و بعبارة اخري محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء لانها شرعت لحقنها فلا يشرع لاجلها إهراقها.

و من المعلوم انه اذا اكره المؤمن علي قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه هذا كله في غير الناصب.

و أما الناصب فليس محقون الدم، و انما منع منه حدوث الفتنة فلا اشكال في مشروعية قتله للتقية و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمي و شرعية التقية في إهراقه.

و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها.

______________________________

فحكمه حكم سائر النفوس المحترمة، فلا يجوز قتله و لو مع التقية أو الاكراه.

و ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره من ان النصوص منصرفة الي محقون الدم بقول مطلق فيرجع فيما عداه الي عموم رفع ما استكرهوا، و مقتضاه جواز القتل في المقام.

غير صحيح لعدم تمامية دعوي الانصراف بل مقتضي اطلاقها الشمول لكل محقون الدم.

نعم هي منصرفة عن مهدور الدم بقول مطلق، مع انه قد عرفت انه مع قطع النظر عن

النصوص الخاصة القواعد تقتضي عدم جواز القتل- فراجع ما حققناه- و النصوص الخاصة لا مفهوم لها كي تقيد الاطلاقات الاولية.

حكم قتل المخالف

(1) قوله و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف.

هذا هو الفرع الثاني: و هو انه اذا اكره علي قتل المخالف فهل يجوز ذلك أم لا؟ فقد اختار المصنف قدس سره و تبعه الاستاذ أعظم: انه يجوز مع التقية أو بالاكراه.

(2) و استدل له: بأن النصوص الدالة علي أن حد التقية هو الدم مختصة بدماء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 219

بقي الكلام في ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء (1) أو يختص بالقتل وجهان من اطلاق الدم و هو المحكي عن الشيخ، و من عمومات التقية و نفي الحرج و الاكراه و ظهور الدم المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح (2) و هو المحكي عن الروضة و المصابيح و الرياض و لا يخلو عن قوة.

______________________________

الشيعة، إذ الغرض من التقية هو حفظها، و عليه فلا مخصص لعمومات التقية و نفي الاكراه.

و فيه: إن ما ذكر من ان التقية انما شرعت لحفظ دماء الشيعة مسلم، كما ان ما ذكر من اختصاص نصوص المقام بها لا كلام فيه.

و لكن بما ان أدلة التقية و نفي الاكراه انما وردت في مورد الامتنان، و شمولها للمقام مناف له فلا تشمل قتل المخالفين فهو باق علي حكمه الاولي و هو عدم الجواز ما لم يزاحم هذا الحكم حكم أهم.

اللهم إلا أن يقال: إن أدلة التقية انما وردت في مقام الامتنان علي الشيعة لا علي الامة كما هو الشأن في دليل رفع الاكراه، و علي ذلك فهي تشمل قتل المخالفين و ترتفع الحرمة بها.

الفرع الثالث:

(1) ما ذكره المصنف قدس

سره بقوله: بقي الكلام في ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء.

(2) و استدل المصنف قدس سره لما قواه من جواز الجرح و قطع الاعضاء في مورد الاكراه و التقية: بأن ظاهر النصوص الخاصة الدالة علي انه لا تقية في الدم هو الاختصاص بالدم المبقي للروح، و عليه فمقتضي عمومات التقية و نفي الحرج و الاكراه هو ذلك.

و فيه: ان تلك الادلة لورودها مورد الامتنان لا تشمل الجرح و القطع، فلا بد من الرجوع الي ما دل علي حرمة ذلك من الادلة الاولية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 220

خاتمة: فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه و في رعيته،

روي شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسمي بكشف الريبة عن أحكام الغيبة بإسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد ابن عيسي، عن أبيه محمد بن عيسي الاشعري عن عبد الله بن سليمان النوفلي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فاذا بمولي لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم و أوصل اليه كتابا ففضه و قرأه، فاذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي و جعلني من كل سوء فداه و لا أراني فيه مكروها، فانه ولي ذلك و القادر عليه، اعلم سيدي و مولاي اني بليت بولاية الاهواز فإن رأي سيدي و مولاي ان يحد لي حدا و يمثل لي مثالا لاستدل به علي ما يقربني الي الله عز و جل و إلي رسوله و يلخص لي في كتابه ما يري لي العمل به، و فيما ابذله «ابتذله» و اين اضع زكاتي و فيمن اصرفها و بمن آنس و إلي من استريح و

بمن اثق و آمن و ألجأ اليه في سري فعسي أن يخلصني الله تعالي بهدايتك و ولايتك فانك حجة الله علي خلقه و أمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك. قال عبد الله بن سليمان فأجابه أبو عبد الله عليه السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه و لطف بك بمنه و كلاك برعايته فانه ولي ذلك.

و أما بعد: فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه و ذكرت انك بليت بولاية الاهواز و سرني ذلك و ساءني و سأخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني إن شاء الله تعالي.

و أما سروري بولايتك فقلت عسي أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد صلي الله عليه و آله و يعز بك ذليلهم و يكسو بك عاريهم و يقوي بك ضعيفهم و يطفي بك نار المخالفين عنهم.

و أما الذي ساءني من ذلك فان أدني ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حظيرة القدس، فاني ملخص لك جميع ما سألت عنه فإن انت عملت به و لم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالي أخبرني يا عبد الله أبي عن آبائه عليهم السلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 221

عن علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله انه قال: من استشاره أخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة سلب «سلب» اللّٰه لبّه عنه.

و اعلم أني سأشير عليك برأيي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت تخافه.

و اعلم أن خلاصك و نجاتك في حقن الدماء و كف الاذي عن أولياء الله و الرفق بالرعية و التأني و حسن المعاشرة مع لين في غير ضعف و

شدة في غير عنف و مداراة صاحبك و من يرد عليك من رسله و ارفق برعيتك «و ارتق فتق رعيتك» بأن توقفهم علي ما وافق الحق و العدل إن شاء الله تعالي، و اياك و السعاة و أهل النمائم فلا يلزقن «يلتزقن» بك منهم أحد و لا يراك الله يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط الله عليك و يهتك سترك و أحذر مكر خوزي الاهواز فان أبي أخبرني عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان الايمان لا يثبت في قلب يهودي و لا خوزي أبدا؟! و أما من تأنس به و تستريح اليه و تلجئ أمورك اليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك علي دينك و ميز أعوانك و جرب الفريقين، فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك و اياه، و اياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل علي دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممزح الا اعطيت مثله في ذات الله و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الاحفاد و أصحاب الرسائل و أصحاب الشرط و الاخماس. و ما اردت أن تصرف في وجوه البر و النجاح و الصدقة و الفطرة و الحج و الشرب و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها، و الهدية التي تهديها الي الله عز و جل و رسوله من أطيب كسبك و انظر «اجهد» يا عبد الله ان لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من أهل هذه الآية: (الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله … ) و لا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في

بطون خالية تسكن بها غضب الله رب العالمين.

و اعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صلي الله عليه و آله «انه سمع عن النبي صلي الله عليه و آله» قال يوما لأصحابه ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع فقلنا: هلكنا يا رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: من فضل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 222

طعامكم و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب تعالي و سأنبئك بهوان الدنيا و هو ان شرفها علي من مضي من السلف و التابعين، فقد حدثني أبي محمد بن علي بن الحسين، قال: لما تجهز الحسين عليه السلام إلي الكوفة أتاه ابن عباس فناشده الله و الرحم أن يكون هو المقتول بالطف، فقال: أنا أعرف بمصرعي منك و ما وكدي من الدنيا الا فراقها.

أ لا أخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام و الدنيا فقال له: بلي لعمري اني أحب ان تحدثني بأمرها، فقال أبي قال علي بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: اني بفدك في بعض حيطانها، و قد صارت لفاطمة عليها السلام فاذا انا بامرأة قد قحمت (حجمت) علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلما نظرت اليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمي و كانت من أجمل نساء قريش، فقالت: يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فاغنيك عن هذه المسحات و أدلك علي خزائن الارض فيكون لك ما بقيت و لعقبك من بعدك

فقال لها: من أنت حتي أخطبك من أهلك، قال: فقالت أنا الدنيا، قال لها: فارجعي و اطلبي زوجا غيري فلست من شأني فأقبلت علي مسحاتي و أنشأت أقول:

لقد خاب من غرته دنيا دنية* و ما هي ان غرت قرونا بنائل (بطائل) اتتنا علي زيّ العزيز بثنية* و زينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها غري سواي فانني* عزوف من الدنيا و لست بجاهل و ما أنا و الدنيا فان محمدا صلي الله عليه و آله* أحل صريعا بين تلك الجنادل و هيهات امني بالكنوز و ودها* و أموال قارون و ملك القبائل أ ليس جميعا للفناء مصيرنا* و يطلب من خزانها بالطوائل فغري سواي انني غير راغب* بما فيك من عز و ملك و نائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته* فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل فاني أخاف الله يوم لقائه* و أخشي عذابا دائما غير زائل»

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 223

فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتي لقي الله تعالي محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثمّ اقتدت به الائمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشي ء من بوائقها، و قد وجهت اليك بمكارم الدنيا و الآخرة.

و عن الصادق المصدق رسول الله صلي الله عليه و آله فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثمّ كانت عليك من الذنوب و الخطايا كمثل أوزان الجبال و أمواج البحار رجوت الله أن يتجافي «يتحامي» عنك جل و عز بقدرته يا عبد الله اياك أن تخيف مؤمنا، فإن أبي حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الي مؤمن نظرة ليخيفه بها

أخافه الله يوم لا ظل الا ظله و حشره في صورة الذر لحمه و جسده و جميع أعضائه حتي يورده مورده و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل الا ظله و أمنه من «يوم» الفزع الاكبر و أمنه من سوء المنقلب.

و من قضي لاخيه المؤمن حاجة قضي الله له حوائج كثيرة إحداها الجنة، و من كسا أخاه المؤمن جبة عن عري كساه الله من سندس الجنة و استبرقها و حريرها، و لم يزل يخوض في رضوان الله ما دام علي المكسو منها سلك، و من أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة، و من سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، و من أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين و اسكنه مع أوليائه الطاهرين و من حمل أخاه المؤمن علي راحلة «رحله» حمله الله علي ناقة من نوق الجنة و باهي به الملائكة المقربين يوم القيامة و من زوج أخاه امرأة يأنس بها و يشد عضده و يستريح اليها زوجه الله من الحور العين و آنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و إخوانه و آنسهم به، و من أعان أخاه المؤمن علي سلطان جائر اعانه الله علي اجازة الصراط عند زلة الاقدام، و من زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه اليه كتب من زوار الله و كان حقيقا علي الله أن يكرم زائره.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه سمع رسول الله صلي الله عليه

و آله يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 224

تتبعوا عثرات المؤمنين، فانه من تتبع عثرة مؤمن يتبع الله «اتبع الله» عثرته يوم القيامة و فضحه في جوف بيته، و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: أخذ الله ميثاق المؤمن علي أن لا يصدق في مقالته و لا ينتصف من عدوه و علي أن لا يشفي غيظه الا بفضيحة نفسه لان المؤمن «كل مؤمن» ملجم و ذلك لغاية قصيرة و راحة طويلة، أخذ الله ميثاق المؤمن علي أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله، يقول بمقالة يبغيه و يحسده و شيطان يغويه و يمقته و سلطان يقفوا أثره و يتبع عثراته و كافر بالذي هو مؤمن به يري سفك دمه دينا و إباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: نزل جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد ان الله يقرئك «يقرأ عليك» السلام و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائي سميته مؤمنا، فالمؤمن مني و أنا منه من استهان بمؤمن «مؤمنا» فقد استقبلني بالمحاربة. يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال يوما: يا علي لا تناظر رجلا حتي تنظر في سريرته، فإن كانت سريرته حسنة فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه و إن كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساوئه فلو جهدت أن تعمل به أكثر ما عمل به من معاصي الله عز و جل الله

تعالي ما قدرت عليه.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال: أدني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قالا (من قال في مؤمن ما رأت عيناه و سمعت أذناه ما يشينه و يهدم مروته)، فهو من الذين قال الله عز و جل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم).

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه قال: من روي عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و شينه «و ثلبه» اوبقه «اوثقه» الله بخطيئته يوم القيامة حتي يأتي بالمخرج «بمخرج» مما قال و لن يأتي بالمخرج منه أبدا و من أدخل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 225

علي أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل علي أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا، و من أدخل علي أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا فقد أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله سرورا، و من أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله سرورا فقد سر الله و من سر الله فحقيق علي الله أن يدخله جنته، ثمّ اني أوصيك بتقوي الله و ايثار طاعته و الاعتصام بحبله، فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدي الي صراط مستقيم فاتق الله و لا تؤثر أحدا علي رضاه و هواه. فإن وصية الله عز و جل الي خلقه لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها.

و اعلم أن الخلق «الخلائق» لم يوكلوا بشي ء

أعظم من تقوي «التقوي» الله فانه وصيتنا أهل البيت فإن استطعت أن تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه «تسأل عنه» غدا فافعل.

قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الي النجاشي نظر فيه، فقال: صدق و الله الذي لا إله الا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب الا نجي، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته «1». (1)

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 226

السابعة و العشرون: هجاء المؤمن حرام

بالادلة الاربعة (1) لانه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر و كل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوي جميع ما تقدم في الغيبة (2) بل البهتان أيضا بناء علي تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح فيعم ما فيه من المعايب، و ما ليس فيه كما عن القاموس و النهاية و المصباح لكن مع تخصيصه فيها بالشعر.

و أما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد فلا يخلو عن تأمل.

______________________________

حرمة هجاء المؤمن

(1) قوله السابعة و العشرون: هجاء المؤمن حرام بالادلة الاربعة.

الهجاء في اللغة عد معايب الشخص، صرح بذلك في القاموس، و هذا في الجملة مما لا خلاف فيه، و انما وقع الخلاف بين القوم في موردين:

الاول: في انه هل يعتبر في صدقه أن يكون ذلك بالشعر كما عن جامع المقاصد، أم لا كما عن غيره.

الثاني: في أنه هل يختص ذلك بذكر ما فيه من المعايب، أم يعم ذكر ما ليس فيه منها؟ و لكن حيث لم يرد نص علي حكم الهجاء من حيث هو، و الاجماع و إن انعقد علي حرمته، إلا انه ليس إجماعا تعبديا، فالاولي الاغماض

عن بيان ذلك و صرف عنان الكلام الي بيان الادلة.

(2) و قد استدل المصنف قدس سره لحرمته بالادلة الاربعة قال: لانه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر، و كل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوي جميع ما تقدم في الغيبة.

و ظاهر كلامه هذا صدق جميع هذه العناوين في جميع موارد الهجو.

و هو غير تام كما سيظهر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 227

و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره. (1)

و أما الخبر محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين، فالمراد به الخارجون عن الايمان أو المتجاهرون بالفسق (2) و احترز بالمؤمن عن المخالف فانه يجوز هجوه لعدم احترامه.

______________________________

و حق القول في المقام أن الهجو ربما يكون بالجملة الخبرية، و ربما يكون بالجملة الانشائية.

أما الاول: فإن كان الهجو بما فيه من المعايب كان حراما لكونه غيبة و اهانة و تعييرا، و إن كان بما ليس فيه كان حراما من جهة الكذب و الاهانة و التعيير.

و أما الثاني: فهو يكون حراما لما دل من النصوص علي حرمة هتك المؤمن و اهانته و تعييره.

بقي في المقام فروع:

(1) الاول ما ذكره المصنف بقوله و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره.

فيحرم هجو الفاسق و غيره و الشاهد به اطلاق الادلة.

و أما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين «1».

(2) فقد حمله المصنف قدس سره علي ارادة الخارجين عن الايمان أو المتجاهرين بالفسق، و لكن هذا الحمل خلاف الظاهر لا يصار اليه مع عدم القرينة.

فالاولي أن يقال: إنه يحتمل في الخبر وجوه:

الاول: ما فهمه المصنف قدس سره منه.

الثاني: تذكر أحوالهم و عاقبة أمرهم و ان مصيرهم الي النار الموجب للارتداع عن المعاصي و التوبة عن ما فعله من الذنوب.

الثالث:

تذكيرهم عذاب الله كي يرتدعوا عن المعاصي، و علي الاخيرين فهو أجنبي عن المقام، هذا كله في غير المعلن بالفسق.

و أما هو فإن كان الهجو بالجملة الخبرية و كان بما فيه من المعايب و لم يستلزم الهجو اهانة و هتكا زائدا عما يلازم اغتيابه، جاز لما دل علي جواز غيبة المتجاهر بالفسق، و الا فلا يجوز لعموم الادلة و عدم المخصص، إذ الدليل المخرج مختص بغيبة المتجاهر بالفسق لا بكل ما يكون اهانة له.

______________________________

(1) لم اعثر علي اصل له في كتب الحديث و انما هو مذكور في المكاسب. و مفتاح الكرامة، و حواشي الشهيد علي القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 228

و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع (1) لئلا يؤخذ ببدعه «ببدعته» لكن بشرط الاقتصار علي المعايب الموجودة فيه فلا يجوز بهته بما ليس فيه لعموم حرمة الكذب و ما تقدم من الخبر في الغيبة من قوله عليه السلام في حق المبتدعة باهتوهم لكيلا يطمعوا في إضلالكم «الفساد في الاسلام» محمول علي اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به (2) بأن يقال: لعله زان او سارق و كذا اذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة و يحتمل ابقائه علي ظاهره بتجويز الكذب عليهم لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم أقوي من مفسدة الكذب.

و في رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له ان بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم «من مخالفيهم» فقال: الكف عنهم أجمل، ثمّ قال لي:

و الله يا أبا حمزة ان الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، ثمّ قال: نحن أصحاب الخمس و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا و في

صدرها دلالة علي جواز الافتراء و هو القذف علي كراهة، ثمّ اشار عليه السلام الي اولوية قصد الصدق بارادة الزنا من حيث استحلال حقوق الائمة عليهم السلام.

______________________________

(1) هذا هو الفرع الثاني: و هو انه هل يجوز هجو الفاسق المبدع في الدين أم لا؟ وجهان: أقواهما الاول،، و ذلك لانه فيما كان الهجو بما فيه بالجملة الخبرية أو بالجملة الانشائية مقتضي الاصل ذلك بعد كون أدلة حرمة الغيبة و حرمة الاهانة و الهتك مختصة بالمؤمن غير الشامل له.

و فيما كان الهجو بما ليس فيه بالجملة الخبرية يدل عليه.

صحيح داود بن سرحان عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله في أهل الريب و البدع: و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم … الخ «1».

(2) و حمله علي ارادة اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به و عدم تجويز الكذب عليهم كما احتمله المصنف قدس سره خلاف الظاهر لا يصار اليه بلا قرينة، و هذا يدل علي الجواز في الشق الاول ايضا كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب الامر و النهي، ح 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 229

الثامنة و العشرون: الهجر

(بالضم) و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه. (1)

ففي صحيحة أبي عبيدة البذاء من الجفاء و الجفاء في النار.

و في النبوي صلي الله عليه و آله ان الله حرم الجنة علي كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال، و لاما قيل فيه و في رواية سماعة اياك ان تكون فحاشا.

و في النبوي صلي الله

عليه و آله ان من شر عباد الله من يكره مجالسته لفحشه.

و في رواية من علامات شرك الشيطان الذي لا شك (يشك) فيه أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال و لاما قيل فيه الي غير ذلك من الاخبار.

هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.

______________________________

الثالث: هل يجوز هجو المخالفين أم لا؟ فيه ايضا وجهان بل وجوه.

و الحق أن يقال: إن هجوهم بما فيهم أو بالجملة الانشائية جائز لما تقدم من اختصاص أدلة حرمة الغيبة و الاهانة و الهتك بالمؤمنين القائلين بإمامة الائمة الاثني عشر كما تقدم تنقيح القول في ذلك في مبحث الغيبة، و إن كان بما ليس فيهم من المعايب فغير جائز لعموم أدلة حرمة الكذب و البهتان.

و استدل للجواز: بخبر «1» أبي حمزة المذكور في المتن.

و فيه: ان الخبر ضعيف السند لعلي بن العباس لا يعتمد عليه.

حرمة الهجر

(1) قوله الثامنة و العشرون الهجر.

لا خلاف بين المسلمين في حرمة الهجر و هو الفحش و القول القبيح.

و تشهد له اخبار كثيرة «2» روي كثير منها المصنف قدس سره في المتن.

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون المخاطب مؤمنا أو مسلما أو كافرا ذكرا أو انثي صغيرا أو كبيرا بل يمكن أن يقال إن الاطلاقات يشمل ما اذا كان المقول له من كبهائم كما أفاده المحقق التقي قدس سره.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 73 و 72 من أبواب جهاد النفس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 230

[النوع] الخامس: مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله (1) عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا
اشارة

علي المشهور كما في المسالك (2) بل عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع.

و الظاهر ان نسبته الي الشهرة في المسالك في مقابل قول السيد المخالف في وجوب تجهيز الميت علي غير الولي لا في حرمة أخذ الاجرة علي

تقدير الوجوب عليه.

و في جامع المقاصد الاجماع علي عدم جواز أخذ الاجرة علي تعليم صيغة النكاح أو القائها علي المتقاعدين، انتهي. و كان لمثل هذا و نحوه ذكر في الرياض ان علي هذا الحكم الاجماع في كلام جماعة و هو الحجة، انتهي.

______________________________

أخذ الاجرة علي الواجبات
اشارة

(1) قوله الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله.

علي المشهور، و عليه الفتوي- كما عن المسالك، و عن مجمع البرهان: الاجماع عليه-.

و لكن: في المسألة أقوالا:

(2) الاول: هو المنع مطلقا نسبه الشهيد قدس سره الي المشهور.

الثاني: ما نسب الي السيد المرتضي قدس سره و هو الجواز في الواجب الكفائي كأجرة تغسيل الموتي و تكفينهم و دفنهم و إن كان تعبديا.

الثالث: ما عن المصابيح عن فخر المحققين، و هو التفصيل بين التعبدي فلا يجوز، و التوصلي فيجوز.

الرابع: ما عن فخر المحققين قدس سره في الايضاح، و هو الجواز في الكفائي التوصلي، و عدم الجواز في غيره.

الخامس: ما عن الرياض، و هو الجواز في الواجبات الكفائية التي تكون واجبة كفاية لانتظام المعاش، و عدم الجواز في غيرها.

السادس: ما عن مفتاح الكرامة، و هو التفصيل بين ما كان الغرض الاهم منه الدنيا فيجوز، و بين ما كان الغرض الاهم منه الآخرة فلا يجوز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 231

______________________________

السابع: ما عن المصابيح، و هو الجواز في الواجب التوصلي الكفائي و العيني الذي كان وجوبه للضرورة، و عدم الجواز في غيرهما.

الثامن: ما يظهر من المصنف قدس سره من التفصيل بين العيني التعييني و الكفائي التعبدي فلا يجوز، و الكفائي التوصلي و التخييري التوصلي فيجوز و التخييري التعبدي فالتردد.

التاسع: ما اختاره جمع من المحققين و هو الجواز مطلقا.

و ليعلم أنه لا سبيل في هذه المسألة الي

دعوي الاجماع و الاستدلال به، إذ مضافا الي معلومية مدرك المجمعين، انه مع هذا الاختلاف بين الفقهاء كيف يمكن دعوي الاجماع في المقام.

موضوع هذه المسألة

و قبل الدخول في البحث و بيان المختار لا بد من بيان محل الكلام، إذ لا بد في كل مسألة من الحفظ علي موضوعها و البحث في خصوص الحيثية التي يبحث عنها في تلك المسألة و جعل الجهات الاخر مفروغا عنها كي لا تختلط تلك الجهة بغيرها، و موضوع البحث في المقام هي جهات ثلاث:

الاولي: منافاة العبادية لأخذ الاجرة.

الثانية: منافاة الوجوب بما هوله.

الثالثة: منافاة الوجوب التعبدي النيابي لأخذ الاجرة، نظرا الي عدم وقوعه قربيا عن المنوب عنه، بعد الفراغ عن سائر الجهات المعتبرة في صحة عقد الاجارة، كأن لا يكون العمل الذي وقعت الاجارة عليه مما اعتبر الشارع فيه المجانية، فإن الاجارة حينئذ باطلة لذلك، و إن كان ذلك العمل مستحبا كالاذان، أو مباحا أو مكروها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 232

______________________________

و اعلم أن موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب علي العامل منفعة تعود الي من يبذل بإزائه المال (1) كما لو كان كفائيا و اراد سقوطه منه فاستأجر غيره أو كان عينيا علي العامل و رجع نفعه منه الي باذل المال كالقضاء للمدعي اذا وجب عينا.

و بعبارة اخري: مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستيجار عليه لان الكلام في كون مجرد الوجوب علي الشخص مانعا عن أخذ الاجرة عليه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الاجرة عليه لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال الي باذله، فان النافلة أيضا كذلك.

و لما كان نظر المصنف قدس سره في المكاسب الي خصوص الجهة الثانية ذكر مبنيا علي ذلك

أمرين:

(1) الأول: ان موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب علي العامل منفعة تعود الي من يبذل

بإزائه المال كما لو كان كفائيا و اراد سقوطه منه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الاجرة عليه، لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال الي باذله.

و لا بأس بالاشارة الاجمالية الي هذه الكبري الكلية مقدمة للبحث.

و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بوجهين:

الاول: ان الاجارة بدونه سفهية و أكل للمال بالباطل.

الثاني: إن المبادلة في الاجارة انما تكون بين منفعة معينة و العوض المعلوم، فلا بد من عود المنفعة الي باذل العوض و الا انتفت المبادلة و الاجارة، إذ قوامها بدخول كل من العوضين في المكان الذي خرج منه الآخر.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلانه لا دليل علي بطلان كل معاملة سفهية كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في الجزء الثالث من هذا الشرح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 233

______________________________

و من هنا يعلم فساد الاستدلال علي هذا المطلب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلي. (1)

مع ان المؤجر ربما ينتفع بمنفعة عائدة الي غيره، كما اذا انتفع من تعلم أحكام الصلاة مثلا من فعل المستأجر صلاة الظهر عن نفسه، بل يمكن أن يقال: إن التسبيب الي تحقق الخير و الاعانة علي البر و التقوي مما يترتب عليه الثواب- أي الفائدة الاخروية- فالاستئجار المزبور لترتب هذه الفائدة عليه لا يكون سفهيا.

اللهم إلا أن يقال: إن هذه فائدة فعل المؤجر نفسه و الذي يعتبر في خروج الاجارة عن السفهية و كونها أكلا للمال بالباطل كون العمل المستأجر عليه مما له فائدة عائدة الي المؤجر، إذ هو المقابل بالمال.

مضافا الي أن كون الله مطاعا لو

كان هو المقصود من الاجارة لما كانت الاجارة سفهية كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلان حقيقة الاجارة لا تقتضي أزيد من قابلية العمل لصيرورته مملوكا للمستأجر، و أما كون المنفعة راجعة اليه فهو مما لم يدل عليه دليل.

(1) الأمر الثاني: ان الاستدلال علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل.

غير تام، لان العجز عن العمل لاجل عدم تمشي القربة موجود في العبادات غير الواجبة و القدرة عليه لاجل عدم اعتبار القربة في التوصلي من الواجب ثابتة، فهذا الوجه غير مربوط بمورد النقض و الابرام، و لا ملازم له كي يصح الاستدلال المزبور.

و عليه فلا يرد عليه ما أورده السيد الفقيه، بقوله: الانتقاض الطردي لا يضر بالاستدلال، إذ لا مانع من كون الدليل أعم من المدعي في الجملة، و أما الانتقاض العكسي فهو مضر إن كان الغرض إثبات تمام المدعي كما هو الظاهر في المقام.

لكن لا يخفي ان هذا الوجه لم يظهر مما ذكره في قوله: و اعلم … الي آخره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 234

______________________________

عدم منافاة التعبدية لأخذ الاجرة

و كيف كان: فقد عرفت ان البحث هنا يقع في مقامات:

المقام الاول: في ان التعبدية هل تنافي أخذ الاجرة أم لا؟ و حيث أن المانع المتنازع فيه هي التعبدية فلا فرق في هذا المقام بين الواجب و المستحب.

و قد استدل: لعدم جواز أخذ الاجرة علي التعبديات بوجوه:

الاول: انه يعتبر في صحة العبادات ان يؤتي بها بقصد القربة، و أخذ الاجرة عليها ينافي القربة و الاخلاص، إذ قصد ذلك يوجب انقلاب داعي الاخلاص في العبادة المستأجر عليها الي داعي أخذ الاجرة، فيكون عقد الاجارة رافعا للتمكن من العمل المستأجر عليه، و يوجب ذلك بطلان الاجارة لا محالة،

إذ التمكن منه شرط في صحة الاجارة و ما يلزم من صحته فساده باطل.

و بعد اصلاح ذلك بأن المراد من شريك العلة و ما ادعي كونه في عرض قصد القربة ليس هو قصد تملك الاجرة لانه انما يكون بنفس الايجار لا بالعمل الخارجي.

و لا تسلم الاجرة خارجا، لانه يمكن للاجير تسلمها قبل العمل أو بعد العمل الخالي عن قصد القربة، أو اخباره كذبا بالعمل.

بل المراد استحقاق مطالبة الاجرة.

يرد عليه- مضافا الي منع اقتضاء عقد الاجارة انقلاب الداعي دائما، إذ يمكن أن يلاحظ العامل في إتيان العمل استحقاق ذلك و يأتي به خالصا لوجه الله تعالي و إن علم بترتب ذلك عليه فيكون ذلك عنده من المقارنات-.

ان العامل لما علم انه لا يستحق مطالبة الاجرة شرعا الا بإتيان العمل المستأجر عليه المتوقف علي قصد القربة، لا محالة يقصد ذلك و يكون استحقاق المطالبة من قبيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 235

______________________________

الداعي الي الداعي لا شريك الداعي.

فإن قلت: انه اذا فرضنا عدم كون الامتثال بذاته داعيا، بل من حيث كونه مقتضيا لاستحقاق الاجرة فلا محالة يكون الامتثال علة ناقصة و متممها حيثية استحقاق الاجرة فلا تكون العلة التامة هي قصد القربة.

أجبنا عنه: بأن استحقاق الاجرة بما انه غاية للفعل المغيي بالامتثال لكون ذلك هو مورد الاجارة، لا للفعل وحده و لا لغايته كذلك، فهو إنما يكون علة لعلة الفعل لا علة له و لا شريكا لعلته، و يكون الفعل منبعثا عن قصد الامتثال، و قصد الامتثال منبعثا عن استحقاق الاجرة، و الانبعاث الثاني لا يضر بالانبعاث الاول، و لا يوجب نقصا فيه.

فإن قيل: ان تحقق عنوان المستأجر عليه- اعني العبادة- يتوقف علي أمرين:

أحدهما: ذات العبادة و هو فعل

الصلاة مثلا.

الثاني: عنوان الامتثال فالقاصد للعبادة يقصد تحقق العنوان المستأجر عليه بكل من جزئيه، فيكون الداعي بالاضافة الي نفس الفعل أمرين:

الاول: تحقق هذا الجزء من المستأجر عليه.

الثاني: قصد الامتثال، فيكون من قبيل التشريك في الداعي لا من قبيل الداعي للداعي، و انما يكون من هذا القبيل ما اذا كان المستأجر عليه نفس الامتثال، و من البديهي ان المستأجر عليه هو العمل العبادي لا التعبد بالعمل، و إلي هذا الوجه استند المحقق التقي قدس سره في ان قصد استحقاق الأجرة في عرض قصد الامتثال لا في طوله.

توجه عليه: ان مورد الاجارة انما هو المقيد بما هو مقيد، أي العبادة المقيدة بهذا القيد لا ذات المقيد و القيد بما هما ملحوظان بنحو المعني الاسمي، فيكون قصد تحقق العنوان المستأجر عليه كقصد استحقاق الاجرة في طول قصد الامتثال لا في عرضه، مع ان قصد تحقق العنوان المستأجر عليه غير معتبر في سقوط الامر بالاجارة كما ستعرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 236

______________________________

الوجه الثاني: ما استند اليه جماعة منهم المحقق النائيني قدس سره و هو: أنه يعتبر في تحقق العبادة الاخلاص طولا كما يعتبر عرضا، و إلا لما وقعت العبادة ممحضة علي وجه الاخلاص، لان النتيجة تابعة لأخس المقدمات، فإذا لم تنته سلسلة العلل و الدواعي بجميع حلقاتها الي الله تعالي فهي غير خالصة لوجه الله تعالي، فيعود المحذور المتقدم و هو ان عقد الاجارة يوجب رفع التمكن من العمل المستأجر عليه.

و أجيب عنه: تار: بالنقض بعبادة أكثر الناس، حيث انها تكون لاجل الخوف من عذابه أو الطمع في ثوابه، و لا كلام لأحد في صحة هذه العبادات، و دلت عليها النصوص مثل:

حسن هارون عن الامام الصادق عليه السلام: العباد

ثلاثة: قوم عبدو الله عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا الله تبارك و تعالي طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا الله عز و جل حبا له فتلك عبادة الاحرار، و هي أفضل العبادة «1».

و ما عن جماعة من بطلان العبادة إذا قصد بفعلها الثواب أو الخلاص من العقاب، بل عن بعضهم، دعوي الاجماع عليه.

يكون المراد به ما كان هذا القصد هو الداعي الي العمل، لا من قبيل الداعي الي الداعي، نعم، الدرجة العالية من العبادة ما كانت الغاية القصوي من العبادة هي الله فقط، و يكون الخلوص طولا أيضا، و هي مختصة بالمعصومين عليهم السلام، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك، لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك «2».

و اخري: بالنقض بالصلاة لسعة الرزق و لاداء الدين و لقضاء الحاجة.

و أورد عليه المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره و هو إيراد علي الاول ايضا: بأنه

______________________________

(1) الوسائل، باب 9، من أبواب مقدمة العبادات، حديث 1.

(2) مرآة العقول، باب النية، ج 1، ص 101.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 237

______________________________

فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب اليه بالعمل، و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الاجرة، فإن طلب الحاجة من الله تعالي و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها.

و فيه: أن كون النفع منه تعالي لا يوجب اتصاف الفعل بعنوان حسن مضاف الي المولي، فإن كل نفع و ضرر منه تعالي، و لذا قطع الاصحاب ببطلان العبادة إذا اتي بها بداعي الثواب أو دفع العقاب كما صرح به الشهيد قدس

سره و معه لا يعقل تأكد الاخلاص و العبادية بذلك.

و يمكن الجواب عن هذا الوجه- مضافا الي ما مر- بجواب حلي أفاده بعض المحققين و هو:

ان الفعل المنبعث عن دعوة الامر عدل في العبودية، و إحسان الي المولي، و هو من العناوين الممدوح علي فاعلها بالذات، و لا يعقل تخلف هذا العنوان الحسن بالذات عن الفعل الماتي بداعي الامر، كما لا يعقل تخلف كونه ممدوحا علي فاعله عن هذا العنوان الحسن بالذات، و من الواضح أن ترتب فائدة دنيوية علي هذا الفعل الممدوح علي فاعله لا يخرجه عن كونه ممدوحا علي فاعله، فلا يعقل مانعيته عن وقوعه ممدوحا علي فاعله مع فرض ترتبه عليه، فإن ما يتفرع علي الشي ء لا يعقل أن يكون مانعا عنه.

مع انه قد عرفت أن تملك الأجرة انما يكون بالايجار، و تسلمها لا يتوقف علي إتيان العبادة مع قصد القربة، فالداعي الي الإتيان بالعمل المستأجر عليه صحيحا و عن قصد القربة الذي لا يطلع عليه الا علام الغيوب ليس الا الاستحقاق شرعا.

و بعبارة اخري: أمر المولي بالإتيان بما اشتغلت ذمته به من العبادة و الخوف من الله تعالي فهذا ايضا غرض مطلوب من الخالق. فتدبر فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 238

______________________________

الوجه الثالث: ان دليل صحة الاجارة انما هو عموم) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ («1».

و هو لا يعقل ان يشمل المقام، إذ اللازم من شموله أخذ داعي الامر الذي هو قيد في متعلق الاجارة قيدا في متعلق الامر بالوفاء، و هو باطل لما حقق في محله من عدم معقولية أخذ قصد الامر في متعلق الامر، فاذا ذهب الامر بالوفاء لم يبق ما يكون دليلا علي صحة الاجارة و الاصل في المعاملات هو الفساد.

و

فيه: اولا: انه قد حقق في محله إمكان أخذ قصد الامر في متعلق الامر الاول، و علي فرض عدم امكانه يمكن أخذه في متعلق الامر الثاني.

و ثانيا: أن دليل صحة الاجارة لا ينحصر بالامر بالوفاء بالعقود، بل في آية التجارة عن تراض «2». غني و كفاية.

الوجه الرابع: ان دليل صحة الاجارة هو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و هو لا يمكن شموله للمقام، إذ الوفاء عبارة عن إتيان العمل المستأجر عليه أداء لحق المستأجر، و هذا لا يجتمع مع الاتيان به أداء لحق الله سبحانه و امتثالا لأمره.

و عليه فإن قصد الوفاء فقد ذهب الخلوص و فسدت العبادة و هو مع ذلك لا يكون وفاء.

و إن قصد الاخلاص فلم يقصد الوفاء بعقد الاجارة، فلا بد و أن ترفع اليد عن الامر بالوفاء لعدم التمكن من امتثاله علي كل تقدير، فاذا ذهب الامر بالوفاء لم يبق ما يكون دليلا علي صحة الاجارة.

و فيه: أولا: ما تقدم من عدم انحصار دليل صحة الاجارة بعموم آية الوفاء بالعقود.

و ثانيا: ان الوفاء بالعقد الذي أمر به ليس عبارة عن إتيان العمل المستأجر عليه بقصد انه مخصوص بالمستأجر و مملوك له، بل هو عبارة عن إتيان ما يكون وفاء بالحمل

______________________________

(1) المائدة: 2.

(2) النساء: 30.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 239

______________________________

الشائع، أي مصداق هذا العنوان غير المتوقف تحققه علي قصد كونه للمستأجر، فلا يعتبر في امتثال الامر بالوفاء بالعقد قصد هذا العنوان كي يكون ذلك منافيا لقصد الخلوص.

الوجه الخامس: ان الامر العبادي المتعلق بالعبادة تعبدي، و الامر الاجاري المتعلق بالعمل المستأجر عليه توصلي، فيلزم من صحة الاجارة المتعلقة بها اجتماع أمرين متخالفين في شي ء واحد و هو محال.

و فيه: ان الفرق بين التوصلي و

التعبدي انما هو من ناحية المتعلق، بناء علي ما حققناه في محله من أن قصد الامر مأخوذ في متعلق الامر إذ ربما يعتبر فيه قصد القربة لعدم حصول الغرض الا به، فالواجب تعبدي، و ربما لا يعتبر فيه ذلك، فالواجب توصلي، و الامر في الموردين واحد و لا تعدد فيه.

و عليه فالامر الاجاري المتعلق بالعبادة انما يكون مثل الامر المتعلق بها نفسها، بلا تفاوت بينهما، و المتعلق لكل منهما انما هو ذات العمل مع قصد القربة، فيندك أحدهما في الآخر و يكون أمرا مؤكدا كما في غير المقام.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي منافاة صفة العبادية للاجارة لا يتم، و مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي العبادات.

و كذلك الاخذ بعنوان الجعالة إذا تمت سائر الشروط المعتبرة لعمومات صحة المعاملات.

و تؤيدها النصوص المتضمنة للترغيب علي العبادات بذكر فوائدها من سعة الرزق و اداء الدين و غيرهما، و المثوبة علي فعلها و الترهيب علي تركها بذكر ما يستتبعها من الهلكة و العقوبة، إذ هذه النصوص تدل علي انه لا تنافي بين العبادة و الاتيان بها لجلب المنافع و دفع المضرات.

و للقوم مسالك اخر في تصحيح العبادة التي تعلقت الاجارة بها و عدم منافاة صفة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 240

و قد يرد ذلك بأن تضاعف الوجوب بسبب الاجارة يؤكد الاخلاص (1)

و فيه مضافا الي اقتضاء ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة (2) حيث إن الجعالة لا يوجب العمل علي العامل انه إن أريد ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلي لا يشترط في حصول

______________________________

العبادية للاجارة.

أحدها: ان الوفاء بالعقد أمر محبوب عقلا و شرعا و هو من صفات المؤمنين، فغاية العمل العبادي

ايضا محبوبة، فلا تنتهي سلسلة العلل الي غير الله تعالي.

و فيه: ان هذا في نفسه و إن كان تاما، إلا ان محل الكلام هو أعمال الاجراء الخارجية التي يؤتي بها بداعي استحقاق الاجرة لا من حيث ان الوفاء بالعقد محبوب شرعي.

ثانيها: ما أفاده المحققان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر و هو: ان المصحح للعبادية هو الامر المتعلق بالعبادة، و الامر الاجاري المتعلق بها لا ينافيها بل يؤكد الاخلاص.

(1) و إليه اشار المصنف قدس سره بقوله تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد الإخلاص.

و لا يبعد أن يكون مرادهما ما ذكرناه آنفا من انحفاظ الاخلاص طولا، إذ الداعي الاول هو امتثال الامر المتعلق بالعبادة، و الداعي الي هذا الداعي هو امتثال الامر الاجاري، أي استحقاق الاجرة شرعا الذي مر انه عبارة اخري عن كون الداعي الامر الالهي، و الخوف منه سبحانه فسلسلة العلل منتهية اليه تعالي، و عليه فهو متين غايته.

و لا يرد عليه شي ء مما أورده المصنف قدس سره من الايرادات الثلاثة:

الاول: ان مقتضي ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة، حيث ان الجعالة لا توجب العمل علي العامل و إليه اشار بقوله:

(2) اقتضاء ذلك الفرق بين الإجارة و الجعالة.

و فيه: ان صاحب الجواهر ادعي ان الاجارة من جهة تسبيبها الوجوب أيضا يؤكد الاخلاص و لم يدع انه المصحح للعبادية حتي يرد عليه ما ذكر، فلازم ما ذكره عدم تأكد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 241

ما وجب به قصد القربة مع ان غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الاخلاص في العمل لا لاعتباره في وجوبه و إن أريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا (1) لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوي أخلص مما

يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان، هذا مع ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة و مقتضي الاخلاص المعتبر في ترتب الثواب علي موافقة هذا الامر و لو لم يعتبر في سقوطه هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله، فهذا المعني ينافي وجوب اتيان العبادة لاجل استحقاقه تعالي اياه (2) و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء كما في الجعالة لم يمكن قصد الاخلاص مع قصد استحقاق العوض فلا إخلاص هنا حتي يؤكده وجوب الوفاء بعد الايجاب بالاجارة، فالمانع حقيقة هو عدم القدرة علي ايجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض سواء كانت المعاوضة لازمة أم جائزة.

______________________________

الخلوص في الجعالة لا عدم تحقق الاخلاص.

(1) الثاني: قوله فهو مخالف للواقع. و حاصله انه إن أريد ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص، فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلي، و إن أريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا، لان ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك وجدانا.

و فيه: ما عرفت من ان الداعي الي اتيان العبادة بقصد الامر ليس الا الاستحقاق شرعا للاجرة و الامر الاجاري بالاتيان بما اشتغلت به من العمل، لا تملك الاجرة و لا تسلمها.

(2) الثالث ان تأكد الإخلاص انما يكون بالتعبد بالأمرين، و التعبد بالأمر الاجاري لا يتحقق الا أن يؤتي بمتعلقه بقصد حصول الوفاء و إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له، و هذا المعني ينافي وجوب اتيان الفعل لاجل استحقاقه تعالي اياه.

و فيه: ما تقدم من أن المأمور به بالامر الاجاري ليس هو إتيان العمل المستأجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 242

______________________________

عليه بقصد انه وفاء، بل المأمور به ذات ما

هو وفاء، أي ما يصدق عليه الوفاء بالحمل الشائع، فلا يعتبر في امتثاله الاتيان بالعمل من حيث استحقاق المستأجر له كي ينافي ذلك الاخلاص فراجع و تدبر.

ثالثها: ما أفاده السيد الفقيه في حاشيته و غيره و هو: الغاء الامر بالصلاة عن الوساطة، و تصحيح العبادة بنفس امتثال الامر الاجاري.

و لهم في ذلك تقريبان:

الاول: ان الامر الاجاري و إن كان توصليا إلا ان التوصلي ما لا يعتبر في سقوطه قصد الأمر لا انه لا يمكن التقرب به و عليه فلو أتي بالعبادة المستأجر عليها بداعي امتثال الامر الإجاري صحت و وقعت عبادة.

و فيه: ان مورد الاجارة اما ذات تلك العبادة من غير قصد القربة فلازم صحة الاجارة سقوط أمرها بإتيانها و إن لم يقصد القربة لكون هذا الامر توصليا و هو خلف، و إن كان هو العمل المقيد بقصد الامر المتعلق به نفسه فالمفروض في هذا الوجه عدم كفايته في الخلوص، و إن كان هو العمل المقيد بداعي امتثال الامر الاجاري، فهو يرجع الي التقريب الثاني، و ستعرف ما فيه.

الثاني: ان الامر الاجاري ليس مطلقا توصليا، بل هو تابع للغرض المترتب علي متعلقه، فإن كان مترتبا علي العمل مع عدم قصد القربة فالامر توصلي، و إن كان مترتبا عليه معه فهو تعبدي، فإن كان مورده مثل الصلاة و الصيام كان مرجع الامر الاجاري الي ايجاب الصلاة و الصوم و هما تعبديان، و إن كان مورده مثل الكتابة و الخياطة كان مرجعه الي الامر بالخياطة و الكتابة و هما توصليتان، و الدليل علي كون الامر الاجاري في المورد الاول تعبديا هو الدليل علي كون الامر بالصلاة و الصيام تعبديا، إذ لا فرق في الصوم الذي سنخه سنخ

التعبدي بين أنحاء الامر به.

و فيه: ان المحذور لم يكن عدم قابلية الامر المتعلق بتلك العبادة المستأجر عليها لان يكون قصده موجبا للعبادية كي يدفع المحذور بذلك، بل المحذور كان هو ان الاتيان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 243

و أما تأتي القربة في العبادات المستأجرة (1) فلان الاجارة انما تقع علي الفعل المأتي به تقربا الي الله نيابة عن فلان، توضيحه ان الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا الي الله، فالمنوب عنه يتقرب اليه تعالي بعمل نائبه و تقربه، و هذا الجعل في نفسه مستحب لانه احسان الي المنوب عنه و ايصال نفع اليه و قد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه

______________________________

بداعي استحقاق الاجرة ينافي الخلوص، و في هذا المحذور لا فرق بين قصد الامر المتعلق بتلك العبادة و بين قصد الامر الاجاري.

فالصحيح ما ذكرناه من ان قصد استحقاق الاجرة انما يكون في طول قصد الامر، فلا يضر بالعبادة، مع انه لو سلم كونه في عرضه أو اعتبرنا الاخلاص طولا ايضا فقصد استحقاق الاجرة لا ينافيها، بل هو قصد عبادي ايضا.

و لو تنزلنا عن جميع ما ذكرناه و سلمنا ان قصده غير قربي و يكون في عرض قصد القربة يدخل المقام في الكبري الكلية المذكورة في كتاب الصلاة في مبحث النية من ان الضمائم غير المحرمة هل تضر بصحة العبادة أم لا؟ و قد ذكروا ان هناك صورا:

الاولي: أن يكون كل من الداعيين ضعيفا، بحيث لو كان وحده لما أثر في صدور الفعل.

الثانية: ان يكون الداعي القربي مستقلا في الداعوية و غيره تبعيا.

الثالثة: عكس ذلك.

الرابعة ان يكون كل منهما مستقلا في الداعوية، إلا انه انما يستند الفعل اليهما

من باب عدم معقولية اجتماع علتين تامتين علي معلول واحد.

لا كلام في الصحة في الصورة الثانية و الفساد في الصورة الاولي و الثالثة، و قد وقع الخلاف في الصورة الرابعة، و اختار جمع من الاساطين الصحة فيها، فعلي هذا لا وجه للحكم بالبطلان مطلقا في المقام، و تمام الكلام في هذه الكبري الكلية موكول الي محله، و قد اشبعنا الكلام فيها في الجزء الخامس من فقه الصادق.

(1) ما أفاده في العبادات المستأجرة سيأتي البحث عنه في المقام الثالث مفصلا فلا وجه لاطالة البحث فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 244

التقرب، فالاجير انما يجعل نفسه لاجل استحقاق الاجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا الي الله. فالاجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به الي الله التي مرجع نفعها الي المنوب عنه، و هذا بخلاف ما نحن فيه لان الاجرة هنا في مقابل العمل تقربا الي الله لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه الا الي العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب علي نفسه بل في مقابل نفس العمل فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص أمر الله تعالي. و التقرب يقع للعامل دون الباذل و وقوعه للعامل يتوقف علي ان لا يقصد بالعبادة سوي امتثال امر الله تعالي فإن قلت: يمكن للاجير ان يأتي بالفعل مخلصا لله تعالي بحيث لا يكون للاجارة دخل في اتيانه فيستحق الاجرة فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.

قلت: الكلام في ان مورد الاجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفي به بعقد الاجارة و يؤتي به لاجل استحقاق المستأجر اياه، و من باب تسليم مال الغير اليه و ما كان من قبيل العبادة

غير قابل لذلك.

فإن قلت: يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب، و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة كما يؤتي بالفعل تقربا الي الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق و غيرهما من الحاجات الدنيوية.

قلت: فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب اليه بالعمل و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الاجرة. فان طلب الحاجة من الله تعالي سبحانه و لو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها و كيف كان فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدي في الجملة الا ان مقتضاه جواز أخذ الاجرة في التوصليات و عدم جوازه في المندوبات التعبدية فليس مطردا و لا منعكسا.»

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 245

______________________________

عدم منافاة الوجوب بما هو لأخذ الاجرة

المقام الثاني: في بيان أن الوجوب بما هو هل ينافي أخذ الاجرة أم لا؟ و تنقيح القول في هذا المقام بالبحث في موارد:

الاول: في الواجب العيني التعييني غير النظامي.

الثاني: في الواجب الكفائي.

الثالث: في الواجب التخييري.

الرابع: في الواجبات النظامية.

أما المورد الاول: فمقتضي العمومات هو صحة الاجارة و عدم مانعيته عنها.

و قد ذكر في وجه المنافاة وجوه:

الاول: ان عمل الحرفي نفسه ليس بمال، و انما يقابل بالمال لما دل علي انه محترم، فاذا وجب فقد سقط احترامه.

و فيه: ان المالية من الاعتبارات العقلائية، و انما يعتبرها العقلاء لكل ما يرغبون اليه لما فيه من الاغراض و الفوائد العقلائية، و من البديهي ان عمل الحر من تلك الامور فهو مال.

و لو تنزلنا عن ذلك فلا ريب انه يصير مالا بمجرد وقوع المعاملة عليه نظير الكلي في الذمة، و لذا لا كلام في انه لو فوت

أحد عمل الحر بعد وقوع المعاملة عليه يكون ضامنا له، و هذا المقدار يكفي في صحة المعاملة كما سيأتي التعرض له في كتاب البيع.

مع انه لو فرض عدم ماليته لا وجه للحكم بأنه يقابل بالمال لاحترامه، إذ الدليل انما دل علي ثبوت الحرمة لمال المسلم، فان كان للعمل حرمة فهي لكونه مالا و مع فرض عدمه لا حرمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 246

نعم قد استدل علي المطلب بعض الاساطين في شرحه علي القواعد بوجوه أقواها، ان التنافي بين صفة الوجوب و التملك ذاتي لان المملوك و المستحق لا يملك و لا يستحق ثانيا توضيحه ان الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتي يملكه المستأجر في مقابل تمليكه المال اياه، فاذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه فيصير نظير العمل المملوك للغير (1) أ لا تري انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل و ليس الا لان الفعل صار مستحقا للاول و مملوكا له، فلا معني لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه علي ملك الاول. و هذا المعني موجود فيما اوجبه الله تعالي خصوصا فيما يرجع الي حقوق الغير حيث ان حاصل الايجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها علي الحي فلا يستحقها غيره ثانيا، هذا و لكن الانصاف ان هذا

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني و حاصله ان عمل الحر و إن كان مالا في نفسه لكنه اذا وجب سقط احترامه، لان الوجوب عليه رافع لاختياره و تسلطه علي الترك، فهو مقهور علي ايجاده، و

يستوفي العمل منه من دون دخل لرضاه و اذنه المقومين لاحترام المال في ذلك.

و استشهد لذلك: بأنه لو فرض ان المولي أمر بعض عبيده بعمل، و كان يرجع نفعه الي غيره، فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا و بلا عوض.

و فيه: انه إن كان المدعي ان الوجوب الشرعي يوجب سلب المالية عن العمل، فيرد عليه: ان الوجوب انما يوجب سلب الاحترام، بمعني انه لا يجوز التصرف فيه لأحد الا مع اذنه و رضاه، و له السلطان عليه، و ليس لأحد مزاحمته، و لا يوجب سلب الاحترام من حيث ماليته المقتضية ان لا يذهب هدرا و بلا تدارك، و نظير المقام ترخيص الشارع المارة في الاكل من الثمرة و ترخيص الاكل من بيوت الاقارب، فإن هذا الترخيص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 247

______________________________

يوجب سلب الاحترام بالمعني الاول و لا يوجب سلب المالية كي لا يصح أخذ العوض في هذين الموردين.

و إن كان المدعي ان العمل الواجب علي المكلف لا يعقل أن يصير واجبا ثانيا بالوجوب الاجاري.

فيرد عليه: انه يلتزم بالتأكد، فيكون لازمه الامتثال من جهتين.

و إن كان المدعي انه يعتبر في صحة الاجارة أن يكون للمستأجر إجبار الاجير علي ذلك العمل. فإذا كان الفعل واجبا عليه فهذا الحق ثابت له قبل الاجارة من باب الامر بالمعروف، فلا تترتب عليها ثمرة فلا تصح.

فيرد عليه: أنه بالاجارة يثبت هذا الحق فيكون ثابتا من ناحيتين، و تظهر الثمرة في موردين:

الاول: ما إذا لم يمكن اجباره علي الفعل من باب الامر بالمعروف، و أمكن اجباره من باب كونه مملوكا له و لو بالرجوع الي المحاكم العرفية الثاني: ما اذا كان من وجب عليه جاهلا

بالوجوب.

و بالجملة: مجرد الوجوب الشرعي لا يوجب سلب المالية عن الشي ء، و معه لا وجه لمنافاته مع صحة الاجارة.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقق النائيني قدس سره و هو: انه يعتبر في صحة المعاملة- مضافا الي كون كل من المتعاملين مالكا لما يبذله أو بحكمه، و ايجادها بسبب خاص و آلة مخصوصة-: أن لا يكون محجورا عن التصرف فيه من جهة تعلق حق الغير به، أو غير ذلك من أسباب الحجر، لتكون له السلطنة الفعلية علي التصرف فيه، و الايجاب يوجب سقوط ملك التصرف و سلب الاختيار و دفع السلطنة فلا محالة تفسد المعاملة.

و فيه: ان توقف نفوذ المعاملة علي السلطنة الوضعية المستتبعة لكون مورد المعاملة ملكا طلقا و لم يتعلق به حق الغير، و المتعاملين بالغين عاقلين مختارين غير محجورين بأحد أسباب الحجر بديهي.

و أما كون الايجاب موجبا لسلب هذه السلطنة فهو أول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 248

______________________________

الكلام، نعم الايجاب يوجب رفع السلطنة التكليفية المنتزعة من جواز الفعل و الترك و نفوذ المعاملة غير متوقف عليها.

فإن قلت: انه يعتبر في صحة المعاملة القدرة علي التسليم، و مع الوجوب لا قدرة له علي الفعل و الترك، إذ القدرة متقومة بالطرفين الفعل و الترك.

قلت: انه لم ترد آية و لا رواية دالة علي اعتبار القدرة علي التسليم، و انما نقول به لانه مقتضي وجوب الوفاء بالعقد، أو لانعقاد الاجماع عليه.

أو للنبوي «1» نهي النبي عن بيع الغرر.

و وجوب العمل لا ينافي مع ما تقتضيه هذه الادلة.

أما الاول: فلانه يتأكد وجوب العمل بوجوب التسليم.

و أما الثاني: فلان المتيقن منه إمكان وصول العمل الي المستأجر، و المفروض في المقام تحققه.

و أما الثالث: فلانه لا غرر مع إمكان الوصول كما

لا يخفي.

الوجه الرابع: ما نسب الي الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره و هو: ان إيجاب العمل يوجب صيرورته مملوكا لله تعالي و مستحقا له، و فيما كان راجعا الي حقوق الغير يوجب صيرورة الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، و لا يجوز تمليك المملوك ثانيا.

و فيه: أنه لو كان المدعي ان الايجاب يقتضي كون العمل مملوكا لله بالملكية الاعتبارية نظير ملكية العمل لأحد المخلوقين.

فيرد عليه: ان الايجاب ليس الا إبراز شوق المولي بالفعل و هذا غير الملكية.

و إن كان المدعي انه يوجب خروج العمل عن تحت سلطنة العبد و دخوله في سلطان المولي و ما هو داخل في سلطان الغير لا يجوز تمليكه.

______________________________

(1) الدعائم، ج 2، ص 19.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 249

______________________________

فيرد عليه: ان جميع افعال العباد تحت سلطان المولي تشريعا لا تكوينا، من غير فرق بين ما اذا أوجبها و ما اذا لم يوجبها، فإن السلطنة التشريعية عبارة اخري عن ان زمام هذا العمل بيد الشارع و له جعل أي حكم اراد له، و هذا المعني ثابت قبل الايجاب، فالايجاب لا يوجب حدوث سلطنة مانعة عن التمليك. نعم هو يوجب سلب سلطنة المكلف تشريعا عن هذا العمل، و هو لا ينافي التمليك كما تقدم.

و بالجملة: المراد من الملكية لله: ان كان هي الملكية الاعتبارية فالايجاب لا يقتضي تلك و إن كان ثبوت سلطنة تكوينية و سلب سلطنة العبد تكوينا فهو خلاف الواقع وجدانا، و إن كان بمعني السلطنة التشريعية فهي ثابتة قبل الايجاب، و كونه موجبا لسلب سلطنة العبد تشريعا لا ينافي التمليك.

هذا فيما اذا لم يكن الإيجاب للغير، و أما في ما كان له، فهو لا يوجب مالكية ذلك الغير

له، و لذا يجوز استيجار الأجير لخياطة ثوب الغير، فإن العمل مملوك للمستأجر لا لذلك الغير فتدبر حتي لا يشتبه عليك جعل العمل للغير بإيجابه له. هذا هو الحق في الجواب.

لا ما ذكره الأستاذ الأعظم- وفاقا لغيره من الأساطين-: من أن ملكية المستأجر انما هي في طول ملكيته تعالي، و اجتماع الملكيتين الطوليتين أمر ممكن لا محذور فيه، و لاما ذكره بعض آخر من أن ملكيته تعالي ليست من سنخ ملك العباد، فانها بمعني الاحاطة الوجودية بالأملاك و ملاكها.

إذ يرد علي الأول: انه لم يظهر لنا الفرق بين الملكيتين العرضيتين و الطوليتين، بل الظاهر هو استحالة اجتماعهما مطلقا.

و يرد علي الثاني: ان المدعي يدعي ان الإيجاب يوجب ثبوت ملكية اعتبارية له تعالي غير تلك الملكية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 250

______________________________

الوجه الخامس: ما نسب الي الشيخ الكبير ايضا، و هو: ان الإجارة لو صحت كان لازمها مالكية المستأجر لذلك العمل و من لوازم الملكية التي لا تنفك عنها جواز الابراء و الاقالة و التأجيل، و حيث ان هذه الآثار لا تثبت للواجب المستأجر عليه، فيكشف ذلك عن عدم الملك، و هو يكشف عن بطلان الإجارة.

و فيه: ان هذه الآثار انما تثبت للمستأجر عليه من حيث الأمر الإجاري، و عدم ثبوتها له من حيث وجوبه من قبل الله تعالي لا ينافي صحة الإجارة، فالإبراء يوجب عدم استحقاق المستأجر للعمل، و التأجيل يوجب عدم لزوم التعجيل من حيث استحقاقه، و الإقالة توجب انتفاء الوجوب الإجاري.

الوجه السادس: ما نسب الي المحقق النائيني قدس سره ايضا، و هو: انه يعتبر في صحة الإجارة كون الأجير مالكا لعمله كي يملكه المستأجر بالإجارة، و الوجوب يوجب نفي ملكيته له، و بعبارة اخري:

يعتبر أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر، فلو لم يكن كذلك كما اذا تعلق تكليف به مباشرة لم تصح الإجارة.

و فيه: ان الوجوب الذي حقيقته ابراز شوق المولي لا يوجب سلب الملكية عن العمل كما تقدم، و اعتبار كونه ممكن الحصول انما هو يرجع الي اعتبار القدرة علي التسليم الذي عرفت انه لا ينافي مع الوجوب.

الوجه السابع: ما نسب الي المحقق الخراساني قدس سره احتماله، و هو: ان بذل العوض علي ما يتعين علي الأجير لغو.

و فيه: انه لا لغوية فيه مع عدم العلم بصدوره منه، أو لان يكون له اجباره علي الفعل، مع ان الموجب لفساد الإجارة مع لغوية بذل العوض ليس الا كون المعاملة سفهية، و هولا يوجب البطلان كما تقدمت الإشارة اليه.

الوجه الثامن: ان الايجاب انما يكون ناشئا عن مصلحة موجودة في الفعل عائدة الي من يجب عليه، فأخذ العوض علي ما تعود فائدته اليه أكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 251

الوجه ايضا لا يخلو عن الخدشة لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل و بين استحقاق المستأجر له، و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمي و تملكه الذي ينافي تملك الغير و استحقاقه.

ثمّ ان هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العيني.

______________________________

و فيه: ان الموجب لكون أخذ العوض أكلا للمال بالباطل انما هو عدم كونه ذا فائدة عائدة الي المستأجر، و عدم ترتب غرض عقلائي عليه، و لو كون الله تعالي مطاعا لا كونه ذا فائدة عائدة الي الأجير.

الوجه التاسع: ما نسب الي المحققين النراقيين و المحقق القمي قدس سره و هو: انه لا يجوز توقيف الواجب علي شرط، و صحة

الإجارة تستلزم ذلك، لانها توجب توقيف الواجب علي أخذ الأجرة.

و فيه: انه لا يعتبر في صحة الاجارة كون الشخص غير بان علي الفعل، فلا مانع من استئجاره علي عمل لو لم يستأجره ايضا كأن يأتي به، فتصح الإجارة و لا يلزم منه توقيف الواجب علي شرط.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب لا يدل عليه.

فالأظهر جوازه، فعلي هذا لا يبقي مورد للبحث في الموارد الثلاثة الاخر، فإن الجواز في تلك الموارد أولي من الجواز في هذا المورد.

و لكن لا بأس بالبحث فيها بناء علي عدم الجواز هنا.

أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 252

و أما الكفائي فاستدل علي عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر (1) و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره (2)

لأنه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك، و فيه منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغير فان آثار الفعل حينئذ ترجع الي الغير فاذا وجب انقاذ غريق كفاية أو ازالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحد غيره فثواب

______________________________

و قد استدل لعدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي بما نقله المصنف قدس سره بقوله:

(1) ان الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه.. الي آخره.

توضيح هذا الوجه: ان الواجب الكفائي انما يعود نفعه من المصلحة المقتضية لإيجابه و الثواب المترتب عليه الي الأجير نفسه، فهو متعين له و مختص به لاختصاص فوائده به، و ما يكون كذلك لا يمكن أن يدخل في ملك آخر،. إذ دخول العمل في ملك الغير انما هو فيما يعود نفعه اليه.

و بهذا ظهر أمران:

(2)

الأول ان قوله: و بعدم نفع المستأجر … الي آخره تفسير لقوله: بأن الفعل متعين له، لا دليل آخر، و يشهد لذلك- مضافا الي ما تقدم-: اقتصار المصنف قدس سره علي جواب واحد.

الثاني: ان ما ذكره السيد الفقيه في تعليقته من أن هذا الوجه يرجع الي الوجه السابق و هو التنافي بين الوجوب و التملك.

غير تام، و الظاهر ان هذا الإيراد نشأ من الخلط بين قول متعين له و متعين عليه فتدبر حتي لا يشتبه عليك الأمر.

و الجواب عن ذلك هو ما أشار اليه المصنف قدس سره في صدر المبحث.

و هو: ان في جميع الواجبات الكفائية فائدة تعود الي المستأجر، و هو سقوط التكليف عن المستأجر بمباشرة الأجير.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 253

الإنقاذ و الإزالة يقع للمستأجر (1) دون الأجير المباشر لهما، نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة، و من هذا القبيل الاستئجار للجهاد مع وجوبه كفاية علي الأجير و المستأجر.

و بالجملة فلم أجد دليلا علي هذا المطلب وافيا بجميع أفراده عدا الإجماع الذي لم يصرح به الا المحقق الثاني لكنه موهون بوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء و المتأخرين علي ما يشهد به الحكاية و الوجدان.

أما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة قدس سره و غيرهما القول بجواز أخذ الأجرة علي القضاء عن بعض، فقد قال في الشرائع: أما لو أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف، و كذلك العلامة قدس سره في المختلف. و قد حكي العلامة الطباطبائي في مصابيحه عن فخر الدين و جماعة التفصيل بين العبادات و غيرها، و يكفي في ذلك ملاحظة الأقوال التي ذكرها في المسالك في باب المتاجر. و أما ما وجدناه فهو

أن ظاهر المقنعة بل النهاية و محكي المرتضي جواز الأجر علي القضاء مطلقا، و ان أول بعض كلامهم بإرادة الارتزاق و قد اختار جماعة جواز أخذ الأجر عليه اذا لم يكن متعينا أو تعين و كان القاضي محتاجا، و قد صرح فخر الدين في الإيضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها فجوز أخذ الأجرة في الأول.

______________________________

(1) و أما ما ذكره في المقام بما حاصله: ان الثواب المترتب علي الواجب الكفائي يرجع الي المستأجر.

فيرد عليه: ان ثواب الفعل لو قصد الأجير به القربة لا يعود الي المستأجر و انما الذي يحصله المستأجر هو ثواب التسبيب الي فعل الخير الذي هو مترتب علي فعل نفسه.

و هو قدس سره بعد نقل كلمات القوم و اثبات عدم الإجماع علي عدم الجواز كما يظهر لمن راجع كلماته و كلمات القوم يختار جواز أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي التوصلي.

و استدل له الأستاذ الأعظم: بأن من يجب عليه الفعل في الواجب الكفائي انما هو عنوان أحد المكلفين، و من الواضح أن إيقاع الإجارة علي مباشرة شخص معين، و أخذ الأجرة علي تلك الخصوصية، ليس من قبيل أخذ الأجرة علي الواجب فإن ما أخذت عليه الأجرة ليس بواجب، و ما هو واجب لم تؤخذ عليه الأجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 254

قال في شرح عبارة والده في القواعد في الاستئجار علي تعليم الفقه ما لفظه:

الحق عندي ان كل واجب علي شخص معين لا يجوز للمكلف أخذ الأجرة عليه و الذي وجب كفاية. فإن كان مما لو أوقعه بغير نية لم يصح و لم يزل الوجوب فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنه عبادة محضة. و قال اللّٰه تعالي: (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ

لَهُ الدِّينَ) حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك، و غير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه الا ما نص الشارع علي تحريمه كالدفن. انتهي. نعم رده في محكي جامع المقاصد بمخالفة هذا التفصيل لنص الأصحاب.

أقول: لا يخفي ان الفخر أعرف بنص الأصحاب من المحقق الثاني، فهذا والده قدس سره صرح في المختلف بجواز أخذ الأجرة علي القضاء اذا لم يتعين و قبله المحقق في الشرائع غير انه قيد صورة عدم التعيين بالحاجة و لأجل ذلك اختار العلامة الطباطبائي في مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا فمن أين الوثوق علي إجماع لم يصرح به الا المحقق الثاني مع ما طعن به الشهيد الثاني علي اجماعاته بالخصوص في رسالته في صلاة الجمعة.

______________________________

و يرد عليه اولا: ان المكلف في الواجب الكفائي انما هو جميع آحاد المكلفين، غاية الأمر يكون التكليف المتوجه الي كل أحد تكليفا مشروطا بعدم اتيان الآخرين به، و علي هذا اذا وقعت الإجارة علي مباشرة شخص معين مع ترك الآخرين فقد وقعت علي الواجب.

و ثانيا: انه لو سلم كون المكلف هو عنوان أحد المكلفين، و لكن لا كلام في ان الفعل الصادر من أحدهم انما يكون مصداقا للواجب لصدق عنوان أحد المكلفين عليه و اذا كان العمل من أحد المكلفين مملوكا لله تعالي و مسلوب الاحترام و القدرة فعمل الأجير مصداق لما هو مملوك له و مسلوب الاحترام و القدرة. فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

فالأظهر انه تجري عمدة الوجوه المتقدمة في الواجب الكفائي ايضا، لا سيما اذا تعين علي الأجير لعدم اقدام أحد علي العمل، أو امتناع الكل عن العمل مجانا.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 255

فالذي ينساق اليه النظر ان مقتضي القاعدة في كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز أخذ الأجرة و الجعل عليه و إن كان داخلا في العنوان الذي اوجبه الله علي المكلف، ثمّ ان صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور أو اسقاطه به أو عنده (1) سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة و إن لم يصلح استحق الأجرة (2) و بقي الواجب في ذمته لو بقي وقته و الا عوقب علي تركه. و أما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة علي الفعل فلم يثبت علي الإطلاق بل اللازم التفصيل فإن كان العمل واجبا عينيا تعيينيا «تعينيا» لم يجز أخذ الأجرة لأن أخذ الأجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله أكل للمال بالباطل، لأن عمله هذا لا يكون محترما لأن استيفائه منه

______________________________

(1) قوله ثمّ ان صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور او اسقاطه به او عنده سقط الوجوب.

وقع الخلاف بين المحشين في بيان المراد من هذه العبارة لما فيه من القلق و الاضطراب حتي أن السيد الفقيه قال و أما السقوط عنده فلم أفهم المراد منه.

و الذي يخطر بالبال في بيان مراده قدس سره ان الفعل المقابل بالاجرة.

تارة يصلح لامتثال الايجاب و هو إنما يكون فيما اذا قصد امتثال الامر في إتيان العمل المستأجر عليه مع قصد استحقاق الاجرة بناء علي المختار من عدم منافاته للخلوص او بدونه بناء علي المنافاة.

و اخري يصلح لاسقاط الواجب به- و هو ما اذا كان العمل المستأجر عليه توصليا و اتي به الاجير لا بقصد امتثال الامر فانه يسقط الواجب به و يستحق الاجرة.

و ثالثة يصلح لسقوط الواجب عنده و هو

فيما اذا كان الواجب المستأجر عليه توصليا و قد اوجبه الشارع بعنوان المجانية فاتي به الاجير بقصد الاجرة كدفن الميت اذا اتي به الاجير لا مجانيا بل بقصد أخذ الاجرة و عليه فلا يقع مصداقا للواجب و لكن مع ذلك يسقط الوجوب لارتفاع الموضوع، و في جميع هذه الصور يستحق الاجرة.

(2) قوله و إن لم يصلح استحق الأجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 256

لا يتوقف علي طيب نفسه لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس و الامتناع، و مما يشهد بما ذكرناه انه لو فرض ان المولي أمر بعض عبيده بفعل لغرض و كان مما يرجع نفعه أو بعض نفعه الي غيره فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا بلا عوض، ثمّ انه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع بجواز أخذ الاجرة علي العمل، بعد ايقاعه كما اجاز للوصي أخذ أجرة المثل أو مقدار الكفاية لان هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة، ثمّ لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدي من الواجب و التوصلي مضافا في التعبدي الي ما تقدم من منافاة أخذ الاجرة علي العمل للاخلاص كما نبهنا عليه سابقا، و تقدم عن الفخر قدس سره و قرره عليه بعض من تأخر عنه، و منه يظهر عدم جواز أخذ الاجرة علي المندوب اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب.

و أما الواجب التخييري فإن كان توصليا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الاجرة علي أحد فرديه بالخصوص (1) بعد فرض كونه مشتملا علي نفع

______________________________

هذا فيما اذا كان المستأجر عليه عبادة و بنينا علي منافاة قصد أخذ الاجرة للخلوص فإن الواجب حينئذ لا يسقط وجوبه و مع ذلك يستحق الاجرة لاحترام عمله،

و عليه فإن بقي الوقت وجبت الاعادة و إلا عوقب علي تركه، هذا ما يرجع الي شرح العبارة.

و لكن الاظهر عدم استحقاق الاجرة في الصورتين الاخيرتين كما سيظهر وجهه فانتظر.

أخذ الاجرة علي الواجب التخييري

و أما المورد الثالث: و هو أخذ الاجرة علي أحد فردي الواجب التخييري بالخصوص.

(1) ففي المتن فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة.

فقد استدل الاستاذ الاعظم علي جوازه: بأن الواجب انما هو عنوان أحد الفردين و متعلق الإجارة انما هو الإتيان بفرد خاص، فما هو واجب غير ما يؤخذ الاجرة عليه.

و فيه: ان مورد الإجارة ان كان تخصيص الواجب بخصوصية خارجة عن حريم متعلق الوجوب قابلة للانفكاك عن الواجب أو غير قابلة له، كما اذا استأجره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 257

محلل للمستأجر و المفروض انه محترم لا يقهر المكلف عليه (1) فجاز أخذ الاجرة بإزائه، فاذا تعين دفن الميت علي شخص و تردد الامر بين حفر أحد موضعين فاختار الولي أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن و إن كان تعبديا.

فإن قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك و إن كان إيجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص فهو كالتوصلي.

و إن قلنا بأن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد كان حكمه كالتعييني.

و أما الكفائي فإن كان توصليا أمكن أخذ الاجرة علي إتيانه لاجل باذل الاجرة فهو العامل في الحقيقة، و إن كان تعبديا لم يجز الامتثال به و أخذ الاجرة عليه، نعم يجوز النيابة إن كان مما يقبل النيابة لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام أخذ الاجرة علي ما هو واجب علي الاجير

لا علي النيابة فيما هو واجب علي المستأجر، فافهم.

______________________________

لان يمتثل الامر بالدفن الواجب عليه بتخصيصه بأرض صلبة، أو أن يستأجر الخياط الذي وجب عليه خياطة ثوب زيد، و كان مخيرا في موضع الخياطة، بأن يخيط ذلك الثوب في منزله لتعلق غرض عقلائي به صح ما ذكر، فإن تخصيص الواجب بهذه الخصوصية ليس بواجب.

و أما إن كان مورد الاجارة هو الحصة الخاصة و الفرد الخاص.

و بعبارة اخري: الواجب المتخصص بالخصوصية، فلا يتم، إذ العمل المستأجر عليه حين وقوعه يقع مصداقا لما هو مملوك لله تعالي، و مسلوب الاحترام و القدرة، و ما يجوز أن يقهر عليه، فعلي فرض كون هذه الامور مانعة عن صحة الاجارة لم تصح في المقام.

و بما ذكرناه ظهر ما في استدلال المصنف قدس سره للجواز.

(1) قال إنه محترم لا يقهر المكلف عليه فجاز أخذ الأجرة بإزائه.

نعم لو كان مراده الفرض الاول- كما لعله الظاهر من عبارة المكاسب- تم ما ذكره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 258

ثمّ إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشي ء كفاية كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين (1) فكل من أقدم عليه فقد ادي حق ذلك المخلوق فلا يجوز له أخذ الاجرة منه و لا من غيره ممن وجب عليه ايضا كفاية و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و انقاذ الغريق بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك.

______________________________

(1) قوله كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين.

حاصله: انه يفهم من أدلة وجوب بعض الاشياء كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين فكل من أقدم عليه فقد أدي حق ذلك المخلوق فلا يجوز أخذ الاجرة عليه.

و فيه: بناء علي عدم مانعية الوجوب عن صحة الاجارة- كما هو المختار- أو عدم مانعية الوجوب الكفائي عن

صحة الاجارة- كما اختاره المصنف- قدس سره كونه حقا لا يكفي في عدم جواز الاخذ ما لم يثبت كونه حقا مجانيا، و مع ثبوته لا فرق بين كونه حقا للمخلوق و ما لم يكن كذلك.

و بالجملة: المدار علي المجانية لا علي حقيته للمخلوق.

أما عدم جواز أخذ الاجرة في الفرض الاول فواضح.

و أما جوازه فيما كان حقا للمخلوق فلما تقدم في المورد الاول في جواب الوجه الرابع من ان ايجاب العمل للغير غير جعل العمل له، و هو لا يوجب مالكية ذلك الغير، فلا يمنع عن أخذ الاجرة فراجع ما ذكرناه.

لا يقال: إن مرجع هذا الجواب الي منع ثبوت حق للمخلوق في العمل، و إن الثابت انما هو حكم ينتفع به ذلك الغير.

فإنه يجاب: إن ذلك تام، و لكن ندعي انه في الموارد التي ادعوا ثبوت حق للمخلوق كتجهيز الميت و تعليم الجاهل لا يستفاد من الادلة أزيد من ما ذكرناه، و لا يمكن استفادة كون العمل مملوكا و مستحقا له، و لذا احالوا استفادة ذلك فيها الي لطف قريحة، نعم لو ثبت في مورد ان الشارع الاقدس اعتبر الاستحقاق لا يبعد دعوي ظهوره في كونه بنحو المجانية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 259

ثمّ إن هنا اشكالا مشهورا و هوان الصناعات التي تتوقف النظام عليها يجب كفاية لوجوب إقامة النظام، بل قد يتعين بعضها علي بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه مع ان جواز أخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه (1) و كذا يلزم أن يحرم علي الطبيب أخذ الاجرة علي الطبابة بوجوبها عليه كفاية أو عينا كالفقاهة و قد تفصي منه بوجوه:

أحدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين. (2)

______________________________

فما ذكره بعض المحققين

من أنه اذا كان اعتبار الاستحقاق تارة بنحو المجانية و اخري بنحو العوضية، فمجرد دلالة الدليل علي الاستحقاق للعمل لا يجدي في سقوط الاحترام ما لم يدل علي ان استحقاق العمل بنحو المجانية، و حيث انه عمل محترم لا دليل علي اسقاط احترامه فلعامل مطالبة أجرة مثل عمله.

خلاف الظاهر.

و لكن منه يظهر وجه آخر لعدم مانعية ثبوت الحق عن أخذ العوض و هو حسن.

أخذ الاجرة علي الواجبات النظامية

(1) هذا هو المورد الرابع: فالظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز أخذ الأجرة علي الواجبات النظامية، أي ما وجب لحفظ النظام من الحرف و الصناعات المتوقف عليها النظام.

و حيث إن المنسوب الي أكثر الاصحاب عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب جعل ذلك نقضا عليهم.

و هم أجابوا عنه بأجوبة:

و لكن بناء علي ما عرفت من جواز أخذ الاجرة علي الواجب مطلقا لا مورد لهذا الايراد اصلا.

و كيف كان: فقد أجابوا عنه بأمور:

(2) الأول: خروج ذلك بالإجماع و السيرة القطعيين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 260

الثاني: الالتزام بجواز أخذ الاجرة علي الواجبات اذا لم تكن تعبدية (1) و قد حكاه في المصابيح عن جماعة، و هو ظاهر كل من جوز أخذ الاجرة علي القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته في الشرائع و المختلف عن بعض، و فيه ما تقدم سابقا من أن الاقوي عدم جواز أخذ الاجرة عليه. (2)

الثالث: ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية فلا يكون حينئذ واجبا. (3)

و فيه: ان ظاهر العمل و الفتوي جواز الاخذ و لو مع بقاء الوجوب الكفائي بل مع وجوبه عينا للانحصار.

______________________________

و فيه: ان مستند المنع لم يكن عدم الدليل في مقام الاثبات علي الجواز

أو الدليل علي عدمه، كي يخرج عنه بذلك، بل كان المانع مانعا ثبوتيا، و انه لا يعقل صحة الاجارة مع كون موردها واجبا، فلو قام الدليل علي الجواز في مورد لا بد من الالتزام بأحد أمرين علي سبيل منع الخلو: كشف ذلك الدليل عن بطلان تلك القاعدة، أورد ذلك الدليل و عدم العمل به.

(1) و قد عرفت ان هذا هو الجواب الصحيح و انه يجوز أخذ الأجرة علي الواجب و ان الوجوب لا يمنع عن ذلك.

فما أفاده المصنف قدس سره بقوله:

(2) الأقوي عدم جواز أخذ الأجرة عليه، غير تام.

(3) الثالث: ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الأخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا.

و فيه: انه إن أريد بذلك وجود من يقوم به، فمرجع ذلك الي جواز أخذ الاجرة علي الواجب الكفائي مطلقا، و قد أنكر ذلك المحقق.

و إن كان المراد قيام الغير به.

فيرد عليه: انه لا خلاف بينهم في جواز أخذ أول من يقوم بالفعل الاجرة علي عمله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 261

الرابع: ما في مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كأحكام الموتي و تعليم الفقه دون ما يجب لغيره، كالصنائع. (1)

و فيه: ان هذا التخصيص إن كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم أو عنوانات كلامهم فهو خلاف الموجود منها و إن كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه.

الخامس: ان المنع عن أخذ الاجرة علي الصناعات الواجبة لاقامة النظام، يوجب اختلال النظام لوقوع أكثر الناس في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها و الالتزام بالاسهل فانهم لا يرغبون في الصناعات الشاقة أو الدقيقة إلا طمعا في الاجرة و زيادتها علي ما يبذل لغيرها من الصناعات، فتسويغ أهل الاجرة

عليها لطف في التكليف بإقامة النظام «. (2)

______________________________

(1) و بعبارة اخري: ان المنع مختص بالواجبات النفيسة التي وجبت لذاتها، كدفن الميت، دون الواجبات الغيرية كالصناعات التي هي مقدمة لحفظ النظام الواجب.

و فيه اولا: ان المانع المتوهم انما هو الوجوب من حيث هو وجوب و لا فرق في ذلك بين النفسي و الغيري.

و ثانيا انه قد حقق في محله ان السبب التوليدي واجب بعين الوجوب المتعلق بالمسبب لا بوجوب آخر، و فعل الصنائع و الحرف بالنسبة الي ما يترتب عليها من حفظ النظام من هذا القبيل، إذ لا واسطة بين هذه الافعال و حفظ النظام، و انما يحفظ النظام بها.

(2) و بعبارة اخري: ان حفظ النظام انما يتوقف علي تلك الصناعات و الحرف و هي و ان لم تتوقف علي أخذ الاجرة و تجويزه، و لكن بما ان أكثر الناس انما يتصدون للصناعات الشاقة طمعا في الاجرة أو زيادتها، فمع عدم جواز أخذ الاجرة يتركونها أو يختارون الاعمال السهلة دون الشاقة، فلا ينحفظ النظام لاجل العصيان، فقاعدة اللطف تقتضي تسويغ أخذ الاجرة تقريبا للعباد الي امتثال التكاليف النظامية.

و بهذا ظهر مقابلة هذا الوجه للوجه السابع في المكاسب.

فما أفاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان مآل هذا الوجه الي الوجه السابع، غير تام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 262

و فيه: ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها ناش عن الدواعي الاخر غير زيادة الاجرة (1) مثل عدم قابليته لغير ما يختار أو عدم ميله اليه او عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشاء في تحمل المشقة أ لا تري ان اغلب الصنائع الشاقة من الكفائيات كالفلاحة و الحرث و الحصاد و شبه ذلك لا تزيد

أجرتها علي الاعمال السهلة.

السادس: ان الوجوب في هذه الامور مشروط بالعوض (2) قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل علي المنع عن أخذ الاجرة علي الواجب. اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط فتعلق الاجارة به قبله لا مانع منه و لو كانت هي الشرط في وجوبه فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات لم تجب الا بشرط العوض باجارة أو جعالة او نحوهما، فلا فرق بين وجوبها العيني للانحصار و وجوبها الكفائي لتأخر الوجوب عنه و عدمه قبلها كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقي علي الكفاية أو تعين يستحق فيه أخذ العوض علي الاصح لان وجوبه مشروط بخلاف ما وجب مطلقا بالاصالة كالنفقات أو بالعارض كالمنذور و نحوه، انتهي كلامه قدس سره.

و فيه: ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض، لانه لاقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة فإن الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة في بعض الاوقات واجبة بذل له العوض أم لم يبذل.

______________________________

(1) أورد عليه المصنف قدس سره بأن المشاهد بالوجدان أن اختيار الناس للصنائع الشاقة ليس ناشئا عن زيادة الاجرة بل عن دواع اخر، و ظاهره تسليم هذا الوجه علي هذا التقدير.

و فيه: ان ما اقتضته قاعدة اللطف في جميع التكاليف من جعل الثواب علي الموافقة و العقاب علي المخالفة كاف في التقريب الي الامتثال هنا و لا حاجة الي شي ء آخر.

(2) حاصله: ان وجوب تلك الصناعات ليس مطلقا بل هو مشروط بالعوض، فلا يعقل أن يكون أخذ العوض منافيا له.

و فيه: انه إن أريد بذلك كون أخذ العوض شرطا للوجوب بمعني انه لا وجوب لها قبل الايجار.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 263

السابع: ان وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها، و انما ثبت من حيث الامر بإقامة النظام (1) و إقامة النظام غير متوقفة علي العمل تبرعا بل تحصل به و بالعمل بالاجرة فالذي يجب علي الطبيب لاجل إحياء النفس و إقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به بل له أن يتبرع به و له ان يطلب الاجرة، و حينئذ فإن بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج و إن لم يبذل الاجرة و المفروض أدا ترك العلاج الي الهلاك اجبره الحاكم حسبة علي بذل الاجرة فيستحق الاجرة في ماله و إن لم يكن له مال. ففي ذمته فيؤدي في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها.

و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان، فلا يجوز أخذ الاجرة عليه بناء علي المشهور. و أما ما أمر به من باب اقامة النظام فاقامة النظام تحصل ببذل النفس للعمل به في الجملة. و أما العمل تبرعا فلا، و حينئذ فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان أهلا للطلب منه، و قصدها اذا لم يكن ممن يطلب منه كالغائب الذي يعمل فيما له عمل لدفع الهلاك عنه، و كالمريض المغمي عليه و فيه انه اذا فرض وجوب احياء النفس وجب العلاج لكونه مقدمة له فأخذ الاجرة عليه غير جائز فالتحقيق علي ما ذكرنا سابقا ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا لم يجز أخذ الاجرة عليه و لو كان من الصناعات فلا يجوز للطبيب أخذ الاجرة علي بيان الدواء او تشخيص الداء.

______________________________

فيرد عليه: ان لازمه عدم الوجوب قبل الايجار و قبل ان يبذل الباذل العوض

و لازم ذلك عدم انحفاظ النظام و إن أريد به كونه شرط الواجب كما يظهر من تمثيله ببذل الطعام و الشراب للمضطر.

فيرد عليه: اولا: انه لا ريب في عدم وجوب أخذ العوض، إذ لا كلام في انه يجوز العمل مجانا.

و ثانيا: ان العمل حينئذ يصير واجبا، غاية الامر بالوجوب الضمني، و لم يفرق المشهور بين الواجب الضمني و الاستقلالي في عدم جواز أخذ الاجرة عليه.

(1) محصله: ان وجوب تلك الصناعات ليس لأجل ذاتها، بل لأجل اقامة النظام و هي لا تتوقف علي العمل تبرعا بل تحصل به و بالعمل بالاجرة فالواجب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 264

و أما أخذ الوصي الاجرة علي تولي أموال الطفل الموصي عليه الشامل بإطلاقه لصورة تعين العمل عليه (1) فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة علي ان له ان يأخذ شيئا (2) و انما وقع الخلاف في تعيينه فذهب

______________________________

هو العمل لا بشرط من المجانية و أخذ العوض.

و فيه: ان مقتضي هذا الوجه جواز أخذ الاجرة علي جميع الواجبات سوي ما وجب مجانا، و بعبارة اخري: ان المانع المتوهم لم يكن ظهور الادلة في المجانية، بل كان هو التنافي بين صفة الوجوب و أخذ العوض، فلا يعقل علي هذا جعل الوجوب علي شي ء مشروطا بالعوض، و لا مطلقا بالنسبة اليه.

الثامن: ان هذه الصناعات انما تجب لحفظ النظام، و هو إنما يتوقف علي التكسب بها فايجابها تبرعا نقض للغرض.

و فيه: ان من المشاهد بالوجدان استقامة النظام لو أتي بها تبرعا، فالصغري ممنوعة.

التاسع: ما أفاده المحقق النائيني قدس سره و هو: ان الواجب علي الاجير هو بذل عمله، أي تعلق التكليف أو الوضع بالمعني المصدري لا بنتيجة عمله التي هي المعني لاسم المصدر،

فإن الطبيب و ان وجب عليه الطبابة عينا إلا انه مالك لعمله، و الاجرة تقع بإزاء العمل الذي هو مناط مالية المال لا بإزاء قوله من حيث الاصدار و بالجملة: متعلق الوجوب في الواجبات النظامية هو العمل بالمعني المصدري، و عليه فلا مانع من أخذ الاجرة علي نتيجة العمل.

و فيه: ان الفعل من حيث المعني المصدري عين الفعل من حيث اسم المصدر، و الفرق بينهما اعتباري كما حقق في محله، و عليه فالواجب بعينه هو العمل المستأجر عليه.

(1) المصنف قدس سره بعد بنائه علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب العيني التعييني أورد علي نفسه بنقوض ثلاثة:

الاول: جواز أخذ الوصي الاجرة علي عمله حتي مع وجوب العمل عليه عينا.

و أجاب عنه بوجهين:

احدهما: ما أفاده سابقا: و هو: ان هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة.

(2) ثانيهما: ما أفاده في المقام: و هو: انه من جهة الإجماع و النصوص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 265

جماعة الي ان له أجرة المثل حملا للاخبار علي ذلك، و لانه اذا فرض احترام عمله بالنص و الاجماع فلا بد من كون العوض أجرة المثل.

و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوي في تلك المسألة يرشد الي خروجها عما نحن فيه و أما باذل المال للمضطر (1) فهو إنما يرجع بعوض المبذول لا بأجرة البذل (2) فلا يرد نقضا في المسألة.

______________________________

المستفيضة الدالة علي ان للوصي ان يأخذ شيئا، المحمول علي أجرة المثل فتوي و نصا، بملاحظة احترام عمله.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الاول: فمضافا الي مناقضته للوجه الثاني: إذ لو لم يكن عوضا بل كان حكما تعبديا لما كان العمل محترما في نظر الشارع كي يحمل ذلك علي أجرة المثل.

انه ينافي مع صحيح هشام

بن الحكم قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عمن تولي مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟ فقال عليه السلام: ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الاجر لهم فليأكل بقدر ذلك «1». فإن ظاهره كون ما يأخذه الوصي عوضا عن عمله.

و أما الثاني: فلانه إذا كان أخذ العوض علي الواجب مناقضا لوجوبه عقلا و لا يجتمعان فلا بد من توجيه تلك النصوص و الفتاوي.

فالصحيح أن يقال: إنه بناء علي عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب- كما هو المفروض في هذه النقوض- تحمل النصوص علي ان الشارع الاقدس ولاية اعتبر كون الصغير مستحقا لعمل الوصي بعوض، فكأنه عامل الطرفان علي ذلك، فلا يكون من قبيل أخذ العوض علي الواجب، بل ايجاب العمل نشأ من استحقاق الصغير له، فهو من قبيل وجوب أداء ما يستحقه الغير.

(1) النقص الثاني: انه يجب بذل المال للمضطر، مع انه لا كلام في لزوم العوض عليه، و اجاب عنه.

(2) بأن العوض انما هو للمبذول، و الواجب هو البذل، فما هو الواجب غير ما جعل العوض له.

______________________________

(1) الوسائل، باب 72، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 266

و أما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللباء مع وجوبه عليها (1) بناء علي توقف حياة الولد عليه، فهو إما من قبيل بذل المال للمضطر (2) و أما من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل من جهة عموم آية: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فافهم. (3)

______________________________

و أورد عليه السيد الفقيه: بأنه في المقام ايضا يرجع بعوض المبذول الذي هو العمل، و الواجب انما هو بذل العمل، فما هو الواجب شي ء، و ما يؤخذ عوضه شي ء آخر.

يرد علي السيد قدس سره: ان

بذل العمل ليس الا ايجاده، و قد حقق في محله ان الايجاد و الوجود متحدان ذاتا و متغايران بالاعتبار، فالعمل عين بذله و ايجاده لا شي ء في مقابله، و هذا بخلاف بذل الاعيان فإنه غير المبذول.

و يرد علي المصنف قدس سره: ان ملاك عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب عند المصنف قدس سره هو سقوط احترامه، و ان استيفائه منه لا يتوقف علي طيب نفسه، و هذا الملاك بعينه موجود في المبذول ايضا، إذ الواجب و إن كان بذله الا ان لازمه عدم دخل طيب نفسه في التصرف في المبذول و اتلافه الذي هو الملاك في سلب الاحترام عنده، و المفروض ان المال الذي لا احترام له لا يجوز أخذ العوض عليه، فلا مناص عن الالتزام بعدم جواز أخذ العوض إذا وجب البذل عينا علي هذا المسلك.

لكنك عرفت فساد المبني.

(1) النقص الثالث: انه يجب علي الأم المرضعة ارضاع اللبن بناء علي توقف الحياة عليه، مع انه يجوز أخذ العوض عليه.

و أجاب عنه بجوابين:

(2) أحدهما: ما ذكره في الجواب عن النقض الأول.

(3) الثاني: ما أجاب به عن النقض الثاني، و قد عرفت ما في كليهما.

و لما كانت هذه الوجوه، غير تامة عند المصنف قدس سره فقد قيد عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب النظامي بما اذا كان وجوبه عينيا تعينيا و حيث توجه الي ان الاصحاب ملتزمون بجواز أخذها حتي في هذه الصورة- كما اذا تعينت الطبابة علي طبيب- فلذا تصدي للجواب عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 267

و إن كان كفائيا جاز الاستيجار عليه فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه، و عن غيره و إن لم يحصل الامتثال و من هذا الباب أخذ الطبيب الاجرة علي

حضوره عند المريض (1) اذا تعين عليه علاجه، فان العلاج و إن كان معينا عليه الا ان الجمع بينه و بين المريض مقدمة للعلاج واجب كفائي بينه و بين أولياء المريض فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الاولياء الا انه لا بأس بأخذ الاجرة عليه، نعم يستثني من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير (2) يستحقه من المكلف كما قد يدعي ان الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا علي الاحياء في التجهيز فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد ادي حق الميت فلا يجوز أخذ الاجرة عليه، و كذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه و ما يحتاج اليه كصيغة النكاح و نحوها لكن تعيين هذا يحتاج الي لطف قريحة. هذا تمام الكلام في أخذ الاجرة علي الواجب.

و أما الحرام فقد عرفت عدم جواز أخذ الأجرة عليه.

______________________________

(1) بأن أخذ العوض انما يكون لمقدمة هذا الواجب التي هي واجبة بالوجوب الكفائي، إذ الطبابة مثلا انما تتوقف علي الجمع بين الطبيب و المريض، و هو كما يكون بحضور الطبيب عند المريض، كذلك يكون باحضار الاولياء المريض عند الطبيب.

و يرد عليه: قدس سره ان الطبابة بمعني اعلام الدواء واجبة علي الطبيب، و مقدمة هذا الواجب التي يعقل ان تصير واجبة بالوجوب المقدمي انما هي ما يكون فعل الطبيب نفسه، و لا يعقل أن يجب الاحضار بالوجوب المقدمي المترشح من وجوب الطبابة المتوجه الي الطبيب كما لا يخفي، فالحضور ايضا واجب عيني لا يجوز أخذ العوض عليه، مع ان لازم هذا الوجه هو عدم جواز أخذ العوض في صورة الاحضار، و بناء المشهور علي الجواز في هذه الصورة ايضا.

(2) تقدم الكلام

في ذلك مفصلا و عرفت عدم تماميته فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 268

و أما المكروه و المباح فلا اشكال في جواز أخذ الاجرة عليهما. و أما المستحب و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الي المستأجر ليصح الاجارة من هذه الجهة فهو بوصف كونه مستحبا علي المكلف لا يجوز أخذ الاجرة عليه لان الموجود من هذا الفعل في الخارج لا يتصف بالاستحباب الا مع الاخلاص الذي ينافيه اتيان الفعل لاستحقاق المستأجر اياه كما تقدم في الواجب، و حينئذ فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقفا علي نية القربة لم يجز أخذ الاجرة عليه (1) كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدي به لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه عائد الي المستأجر و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستئجار عليه، و من هذا القبيل الاستئجار علي العبادة لله تعالي أصالة لا نيابة و اهداء ثوابها الي المستأجر، فان ثبوت الثواب للعامل موقوف علي قصد الاخلاص المنفي مع الاجارة و إن كان حصول النفع غير متوقف علي الاخلاص جاز الاستئجار عليه (2) كبناء المساجد و اعانة المحاويج، فان من بني لغيره مسجدا عاد الي الغير نفع بناء المسجد و هو ثوابه و إن لم يقصد البناء من عمله الا أخذ الاجرة و كذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج و المشي في حوائجهم، فان الماشي لا يقصد الا الاجرة الا ان نفع المشي عائد الي المستأجر.

______________________________

أخذ الاجرة علي المستحب
اشارة

هذا تمام الكلام في أخذ الاجرة علي الواجب، و به يظهر حال أخذ الاجرة علي المستحب، و انه لا إشكال فيه

بوجه.

و لكن المصنف قدس سره فصل في أخذ الاجرة عليه بين أن تكون فائدة ذلك العمل- التي هي ملاك صحة الاجارة- مترتبة عليه اذا اتي به مع قصد الاخلاص كالصلاة المعادة التي نفعها جواز الاقتداء به، المتوقف علي تحقق الاخلاص.

(1) فاختار عدم جواز أخذ الأجرة و بين ما لم تكن الفائدة كذلك، بل كانت مترتبة علي العمل و إن لم يتحقق الاخلاص كبناء المساجد و نحوه.

(2) فاختار الجواز، و حيث ان مبني هذا التفصيل منافاة صفة العبادية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 269

و من هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه في العبادات (1) التي تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما، فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر و إن كان مستحبا الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف علي قصد النائب الاخلاص في نيابته بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير و عمل العمل بقصد التقرب الذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الاخلاص في امتثال أوامر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت اليها اصلا، و لم يعلم بوجودها فضلا عن أن يقصد امتثالها، أ لا تري أن أكثر العوام

______________________________

للاجارة، و قد اشبعنا الكلام في ذلك و عرفت ان الاتيان بقصد استحقاق الاجرة لا ينافي الاخلاص فلا مورد لهذا التفصيل.

فالاظهر هو جواز أخذ الاجرة علي المستحب مطلقا كما هو المشهور بين الاصحاب.

و أما ما أفاده في وجه بطلان الاجارة من انه يعتبر في الاجارة أن يكون للعمل المستأجر عليه نفع عائد الي المستأجر.

فقد تقدم الكلام فيه في اول هذا المبحث.

حقيقة النيابة في العبادات

(1) قوله و من هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه

في العبادات.

المقام الثالث: فيما يتعلق بالنيابة في العبادات، و ما أورد عليها من الايرادات التي ذكرت مانعة عن أخذ الاجرة علي العمل العبادي النيابي. و تلك الايرادات ثلاثة:

الاول: ما تقدم من الاشكال في أخذ الاجرة علي التعبديات غير النيابية من منافاة أخذ الاجرة للاخلاص المعتبر في العبادة.

الثاني: ان النائب لا أمر له الا بالنيابة، و هو مضافا الي كونه توصليا لو قصد به التقرب كان ذلك تقربا له بالنسبة الي أمر نفسه لا بالأمر المتوجه الي المنوب عنه المتعلق بالعبادة.

الثالث: ما نسب الي المحقق الخراساني قدس سره و هو: أن تقرب النائب يوجب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 270

الذين يعملون الخيرات لأمواتهم لا يعلمون ثبوت الثواب لأنفسهم في هذه النيابة، بل يتخيل (يتخيلون) النيابة مجرد احسان الي الميت لا يعود نفع منه الي نفسه، و التقرب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا هو تقرب المنوب عنه لا تقرب النائب، فيجوز أن ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان بأن ينزل نفسه منزلته في اتيان الفعل قربة الي الله، ثمّ اذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة فالاجير غير متقرب في نيابته لان الفرض عدم علمه احيانا بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير فالتقرب يحصل للغير.

فإن قلت الموجود في الخارج من الاجير ليس الا الصلاة عن الميت مثلا و هذا متعلق الاجارة و النيابة، فإن لم يمكن الاخلاص في متعلق الاجارة لم يترتب علي تلك الصلاة نفع للميت، و إن أمكن الاخلاص لم يناف لأخذ الاجرة كما ادعيت و ليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها الي

الله تعالي شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر حتي يكون الاول متعلقا للاجارة، و الثاني: موردا للاخلاص قلت: القربة المانع اعتبارها من تعلق الاجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الاجارة، و إن اتحد خارجا مع ما يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة فالصلاة الموجودة في الخارج علي جهة النيابة فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه الي المباح و الراجح و المرجوح و فعل للمنوب عنه، بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الافعال «. (1)

______________________________

حصول القرب لنفسه لا للمنوب عنه، اذ القرب المعنوي كالقرب الحسي، فالتقرب المعتبر في العمل العبادي النيابي غير قابل للنيابة.

أما الايراد الاول فقد أجابوا عنه بأجوبة كلها مبتنية علي تسليم منافاة أخذ الاجرة للاخلاص و حيث عرفت عدم منافاته له فلا مورد لهذا الايراد اصلا.

(1) أحدها: ما فهمه الأستاذ الأعظم و غيره من كلام المصنف قدس سره في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 271

و بهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة و الاجارة تتعلق به بالاعتبار الاول: و التقرب بالاعتبار الثاني (1) فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الاجير النائب، فيقال: نائب عن فلان، و فعل كأنه صادر عن المنوب عنه فيمكن أن يقال علي سبيل المجاز صلي فلان، و لا يمكن أن يقال ناب فلان فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار علي الاول الذي لا يعتبر فيه القربة، و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوي و عملا من جواز الاستئجار علي العبادات

للميت و ان الاستشكال

______________________________

المقام، و هو: ان للنائب فعلين:

أحدهما: فعل جانحي قلبي، و هو جعل نفسه بدلا عن المنوب عنه في الاتيان بتكاليفه و تنزيل نفسه منزلته، و هذه هي حقيقة النيابة و الامر المتعلق بها أمر غير عبادي و الاجرة انما تجعل في مقابل هذا الفعل.

ثانيهما: ما هو فعل جارحي، و هو ذات العمل كالصلاة و الحج، و الامر المتعلق به أمر تعبدي، و لم تجعل الاجرة بإزائه، و لكل من الفعلين غاية مترتبة عليه، فلا تنافي بين كون النيابة بقصد أخذ الاجرة و ذات العبادة بداعي الاخلاص، و هذا الوجه هو الذي ذكره المصنف قدس سره في كتاب القضاء.

و فيه: انه اذا كانت الاجرة بإزاء النيابة نفسها لزم استحقاقها بمجرد ذلك التنزيل القلبي و إن لم يأت بالمنوب فيه، و هو بديهي البطلان، و إن كانت بإزاء نفس العمل عاد المحذور.

(1) ثانيها: ما هو المستفاد من عبارة المكاسب في المقام و عبارة الفرائد في مبحث أصالة الصحة، و حاصله: ان العبادة النيابية كالصلاة اذا تحققت في الخارج كان لها اعتباران، و باعتبار هي فعل النائب، و لذا يجب عليه مراعاة الاجزاء و الشرائط، و باعتبار هي فعل المنوب عنه، و لذا يراعي فيها القصر و الاتمام، و هي بالاعتبار الاول لا يجب التقرب فيها كي يمنع عن أخذ الاجرة و بالاعتبار الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 272

في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستئجار للحج و دعوي خروجه بالنص فاسدة لان مرجعها الي عدم اعتبار القربة في الحج و اضعف منها دعوي ان الاستئجار علي المقدمات كما لا يخفي مع ان ظاهر ما ورد في استئجار

مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل كون الاجارة علي نفس الافعال.

______________________________

عبادة لا يؤخذ عليها الاجرة، فلا مانع من وقوعها قربية محضة عن المنوب عنه.

و بالجملة: العبادة النيابية فعل لشخصين اعتبارا، و هي بأحد الاعتبارين قربية و بالاعتبار الآخر غير قربية، و الاجرة انما تكون بإزائها بالاعتبار الثاني.

و فيه: انه بما ان الفعل الخارجي واحد حقيقة، و هو منسوب الي النائب بالذات،

و إلي المنوب عنه بالعرض، و المحرك و الداعي نحو هذا الفعل أمران علي الفرض: امتثال الامر المتعلق به، و استحقاق الاجرة، فعلي فرض كون ذلك مانعا عن الخلوص لم يتمحض الفعل في الاخلاص.

و بعبارة اخري: ما هو منسوب الي النائب بالذات بعينه منسوب الي المنوب عنه بالعرض، فلا يعقل أن يكون الداعي لكل منهما غير الداعي الي الآخر.

و بالجملة: الموجود الخارجي واحد، و الداعي انما يدعو إلي ذلك، فاذا كان الداعي متعددا لزم عدم تمحضه في الاخلاص.

ثالثها: ما حكاه المصنف قدس سره في كتاب القضاء عن غيره، و حاصله: ان النية مشتملة علي قيدين: أحدهما: كون الفعل خالصا لله، ثانيهما: كونه عن الغير بأجرة او بغيرها و ما يؤخذ عليه الاجر انما هو القيد الثاني اعني النيابة عن المنوب عنه بمعني أنه مستأجر علي النيابة، و قيد القربة علي حاله لا تعلق للاجارة به الا من حيث كونه قيدا للعمل المستأجر عليه.

و بالجملة: ما يؤخذ عليه الاجر انما هو القيد الثاني دون المقيد بقصد القربة أو نفس امتثال الامر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 273

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه مع دقته يوجب رفع الاشكال من حيث التشريك في الداعي خاصة، و أما محذور عدم تمحض الخلوص طولا فهو يبقي علي حاله، إذ الصلاة

عن قصد القربة انما يؤتي بها لاجل الاجرة فلا اخلاص طولا، و المفروض في هذا المقام لزومه.

رابعها: ان عنوان النيابة يلحق الفعل المنوب فيه، و به يصير متعلقا للاجارة و هو كون العمل عن فلان، فالعمل من حيث ذاته عبادة، و من حيث وصفه- أي تقيده بكونه عن الغير- معاملة محضة يؤخذ عليه الأجرة.

و فيه: انه من حيث كون الفعل واحدا حقيقة و خارجا فالداعيان المفروضان إما أن يكونا محركين نحوه في عرض واحد فيلزم عدم الخلوص عرضا، أو يكون أخذ الاجرة في طول الداعي القربي فيلزم عدم تمحض الخلوص طولا.

فتحصل: انه علي فرض منافاة أخذ الاجرة للعبادية لا يمكن تصحيح العبادات النيابية بوجه.

و أما الايراد الثاني فقد أجاب عنه المحقق اليزدي في درره بما حاصله: ان مباشرة الفاعل تارة: تكون دخيلة في حصول الغرض المترتب علي الفعل، فلا يسقط الامر بفعل الغير و إن لم يكن العمل عباديا، و اخري: لا تكون دخيلة فيه، فلا مانع من صيرورة الأمر المتعلق به محركا للغير لإيجاد ذلك الفعل مراعاة لصديقه و استخلاصه من المحذورات المترتبة علي ذلك الامر من العقاب و البعد عن ساحة المولي.

و الظاهر ان الي هذا نظر المحقق النائيني قدس سره حيث قال: إن الامر الاجاري تعلق بإتيان العبادة بداعي الامر المتوجه الي المنوب عنه.

و فيه: انه اذا كان الغرض مترتبا علي فعل كل واحد منهما بما هو لزم كون الامر متوجها اليهما، غاية الامر بما ان الغرض واحد و يحصل بفعل كل منهما، يكون الوجوب كفائيا، فيخرج عما هو محل الكلام، و إن كان مترتبا علي فعل المنوب عنه خاصة، غاية الامر أعم من المباشري و التسبيبي، و ما بالذات و ما

بالعرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 274

______________________________

فمثله لا يصلح الا لتوجه الامر الي المنوب عنه المحرك نحو الفعل أعم من المباشرة و التسبيب، و لكن هذا الامر لا يعقل أن يكون محركا للنائب نحو الفعل، إذ التكليف غير المتوجه اليه كيف يحركه، نعم اذا كان الغرض يحصل بفعله و كان الواجب توصليا لزم سقوط التكليف بفعله لحصول الغرض لا للامتثال.

و بالجملة: الامر المتعلق به لا يعقل محركيته نحو عمل غيره الصادر باختياره و ارادته.

و ربما يجاب عنه كما عن بعض المحققين: بأن النيابة من الاعتبارات العقلائية لها آثار عند العقلاء، فاذا امضاها الشارع الاقدس لزم ترتب تلك الآثار عليها، فاذا كان المنوب فيه من العبادات كان مقتضي امضاء النيابة توجه التكليف المتوجه الي المنوب عنه الي النائب ايضا.

و فيه: انه إن أريد بذلك توجه ذلك التكليف اليه فهو غير معقول، إذ الفرد المشخص كيف يمكن توسعته؟ و إن أريد انتسابه اليه بالعرض، فيرد عليه: ان البعث العرضي لا يجدي في الانبعاث الحقيقي،.

و إن أريد توجه تكليف آخر الي النائب فهو يحتاج الي دليل.

و الصحيح في الجواب عن هذا الايراد أن يقال: إنه دلت النصوص المستفيضة علي توجه أمر استحبابي الي جميع الناس في النيابة عن الميت و الحي في بعض الموارد، و هو أمر عبادي نظير الامر المتوجه الي المنوب عنه، و هو متعلق بالفعل المعنون بعنوان النيابة عن الغير، و عليه فالنائب انما يأتي بالعبادة بداعي الامر المتوجه الي نفسه لا بالأمر العبادي المتوجه الي المنوب عنه.

و أما الايراد الثالث و حاصله: ان التقرب المعنوي كالتقرب الحسي لا يقبل النيابة، إذ لا يعقل تقرب النائب و حصول القرب للمنوب عنه، و ما لم ينتسب الي

المنوب عنه عمل قربي لم تفرغ ذمته عن العمل القربي المكلف به، و لهذا الايراد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 275

ثمّ اعلم أنه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب علي المكلف علي وجه العبادة كذلك، لا يؤتي علي وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة. (1)

______________________________

التزم بعض بأن باب النيابة باب إهداء الثواب.

و التزم المحقق الخراساني قدس سره علي ما نسب اليه بعدم لزوم قصد التقرب علي النائب و إن رضا المنوب عنه بما نسب اليه كاف في مقربية العمل له.

و لكن بما ان باب النيابة ممتاز عن باب اهداء الثواب، و حديث كفاية رضا المنوب عنه في مقربية العمل له لا يجدي بالنسبة الي الميت، فلا بد من جواب آخر.

و الحق في هذا المقام أن يقال: إن سقوط التكليف عن المنوب عنه انما هو لحصول الغرض من اتيان النائب بذلك العمل نيابة عنه الذي عرفت انه مأمور به بالامر الاستحبابي و قصد النائب التقرب انما يكون لاجل الامر المتوجه الي النائب نفسه، و حصول القرب المعنوي بالمعني الملازم لفراغ الذمة عن التكاليف انما يكون لاجل فراغ ذمة المنوب عنه عنها، و بالمعني الآخر لا نتعقله، و اعطاء الثواب انما هو باختيار الله تعالي فقد وعد علي اعطائه بالمنوب عنه لو أتي النائب بالعمل نيابة عنه.

(1) قوله: ثمّ اعلم انه كما لا يستحق الغير بالإجارة ما وجب علي المكلف.

الظاهر تمامية ما أفاده قدس سره بناء علي منافاة أخذ الاجرة للعبادية، إذ كما ان لازم تلك عدم صحة الاجارة علي العبادة كما تقدم، كذلك. لازمها عدم وقوع ما يؤتي به لاستحقاق الغير بالاجارة علي وجه العبادة لنفسه لفرض عدم اجتماع الخلوص مع الاتيان بداعي استحقاق

الغير بالاجارة.

فلا يرد عليه ما أورده السيد الفقيه قدس سره من: ان عمدة المنع في المسألة السابقة انما هي عدم امكان الخلوص في التعبديات و لزوم كون الاكل بالباطل و اللغوية و السفهية في غيرها و في المقام لا يجري شي ء من الوجهين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 276

فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه (1) كما صرح به في المختلف.

______________________________

و اضعف من ذلك استدلال المحقق التقي لما أفاده المصنف قدس سره بأن أكل المال بإزاء هذا الفرد الواجب أكل له بالباطل، إذ المدعي ليس عدم استحقاق الاجرة، بل عدم وقوعه عبادة عن نفسه.

الطواف المستأجر عليه لا يحتسب عن نفسه

(1) قوله: فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه.

محصل القول في هذا الفرع: انه إن قلنا: بأن في إطافة الصبي غير المميز و المغمي عليه يكون الطواف هو فعل المحمول و الحامل ليس الا كالدابة، فحكم هذا الفرع حكم الفرع الآتي، و ستعرف تنقيح القول فيه.

و إن قلنا: بأن الطواف من فعل الحامل و هو الطائف حقيقة فقد يقال: بأن المثال داخل في الكبري الكلية المتقدمة، لان هذا الطواف الشخصي وقع مصب الاجارة فلا يصح أن يؤتي به علي وجه العبادية لنفسه.

و لعله الي هذا نظر العلامة قدس سره حيث عنون الفرع الآتي و استدل له بوجه آخر.

و لكن يرد عليه: ان طواف كل شخص هي الحركة القائمة به حول البيت، و انما يقال بأن الحامل طائف من جهة ان تلك الحركة توجد بفعله و يعتبر في صحته ما يعتبر في طواف نفسه، و عليه فحيث انه في الاطافة تكون حركتان قائمتان بالحامل و المحمول، فلا محالة يكون لهما ايجادان

لاتحاد الايجاد و الوجود ذاتا، فلا مانع من كون أحدهما مورد الاجارة و الآخر مأمورا به بالامر العبادي الايجابي، و لا يلزم اتحاد مورد الاجارة مع مورد ذلك الامر كي يلزم المحذور المتقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 277

بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف (1) كما صرح به جماعة تبعا للاسكافي لان المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه، لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة لان استحقاق الحمل غير استحقاق الاطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع و في المسألة أقوال، قال في الشرائع و لو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه (2) انتهي.

و قال في المسالك هذا اذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه، اما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لان الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره فلا يجوز صرفها الي نفسه، و في المسألة أقوال هذا أجودها انتهي. و اشار بالاقوال الي القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد علي اشكال، و القول الآخر ما في الدروس من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه، انتهي.

و الثالث: ما ذكره في المسالك من التفصيل.

و الرابع: ما ذكره بعض محشي الشرائع من استثناء صورة الاستئجار علي الحمل.

و الخامس: الفرق بين الاستئجار للطواف به و بين الاستئجار لحمله في الطواف و هو ما اختاره في المختلف، و بني فخر الدين في الايضاح جواز الاحتساب في صورة الاستئجار للحمل التي استشكل والده قدس سره فيها علي ان ضم نية التبرد الي الوضوء قادح أم لا و المسألة مورد نظر و

إن كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.

______________________________

الاجير لحمل غيره في الطواف

(1) قوله: بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف.

و ملخص القول أنه في المسألة أقوال:

(2) أحدها: جواز الاحتساب مطلقا و قد استظهره المصنف قدس سره من الشرائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 278

______________________________

الثاني: ما عن المسالك من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول في صورة كون الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه لنفسه، أما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل.

الثالث: ما عن جماعة منهم الاسكافي و هو: انه لا يجوز الاحتساب عن نفسه فيما اذا استؤجر للاطافة بغيره أو لحمله في الطواف و لو كان الحمل في طواف نفسه، و به يفترق عما في المسالك.

الرابع: ما عن المختلف من انه يجوز الاحتساب عن نفسه لو استؤجر للحمل في الطواف، و لا يجوز ذلك لو استؤجر للطواف.

و أما ما عن الدروس من: انه يحتسب لهما الا ان يستأجره علي حمله لا في طوافه.

فإن أريد به استثناء الاستئجار لا في طوافه اي المقيد بعدم حمله في طواف نفسه، فهو يرجع الي القول بالجواز مطلقا، لان القائل بالجواز كذلك لا يقول به في هذه الصورة.

و إن أريد به استثناء الاستئجار علي الحمل، مطلقا الا علي الحمل في طواف نفسه من جواز الاحتساب، فهو يرجع الي ما عن المسالك فهو ليس قولا خامسا علي كل تقدير.

و التحقيق هو القول الاول، إذ ما يستحقه المستأجر انما هو الحمل فقط، فلا ينافي مع طواف نفسه.

و دعوي انه اذا آجره علي الحمل في الطواف تكون حركته حول البيت مملوكة للمستأجر، فكيف يسوغ له ان يحسبها من طواف نفسه كما عن المحقق الايرواني قدس سره.

مندفعة بما

تقدم من ان المملوك هي حركة المحمول لا الحامل و إن كانتا متلازمتين، مع انه قد مر في مبحث أخذ الاجرة علي الواجب عدم التنافي بين المملوكية و الوجوب، نعم لو كان نائبا عن الغير في الطواف لم يصح أن يحتسب به عن نفسه، إذ الفعل الواحد لا يعقل وقوعه عن شخصين و امتثالا للامرين المتوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 279

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستئجار علي المستحب إذا كان من العبادات انه لا يجوز أخذ الاجرة علي اذان المكلف لصلاة نفسه (1) إذا كان مما يرجع نفع منه الي الغير يصح لاجله الاستئجار كالاعلام بدخول الوقت

______________________________

الي النائب المقتضي كل منهما للاتيان بفرد غير ما يقتضيه الآخر، فهو نظير ما لو كان عليه قضاء صلاة ظهر و كان في وقت ظهر اليوم، فكما انه لا يجوز أن يأتي بصلاة واحدة امتثالا للامرين القضائي و الادائي فكذلك في المقام بلا تفاوت اصلا.

و مما يدل علي ما اخترناه من الجواز في صورة الحمل و الاطافة.

حسن حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام: في المرأة تطوف بالصبي و تسعي به هل يجزي ذلك عنها و عن الصبي؟ فقال عليه السلام: نعم «1».

و حسن الهيثم التميمي عنه عليه السلام: عن رجل كانت معه صاحبة لا تستطيع القيام علي رجلها فحملها زوجها في محمل فطاف بها طواف الفريضة بالبيت و بالصفا و المروة أ يجزيه ذلك الطواف عن نفسه طوافه بها؟ فقال عليه السلام: ايها الله اذا «2».

فانهما يدلان علي ان حمل الغير في الطواف و إطافة الصبي لا ينافيان مع قصد الحامل و المطوف الطواف عن نفسه لكون كل منهما مما لا مساس له

بالآخر، فكذلك اذا وقع الحمل أو الإطافة مصب الإجارة مع ان مقتضي اطلاقهما الجواز في فرض الإجارة و قد عرفت ان هذا هو مقتضي القاعدة ايضا، و الله العالم.

أخذ الأجرة علي الأذان

(1) المشهور بين الأصحاب عدم جواز أخذ الأجرة علي الأذان بل عليه الإجماع كما عن غير واحد حكايته.

و استدل له المصنف قدس سره بالقاعدة التي اشار اليها و هي عدم جواز أخذ الاجرة علي العبادات، و لكن قد عرفت عدم تماميتها، و مع ذلك الاظهر عدم جواز أخذ الاجرة عليه، للنصوص الخاصة. لاحظ.

______________________________

(1) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 3، كتاب الحج.

(2) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 280

أو الاجتزاء به في الصلاة و كذا اذان المكلف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكري و علي الأشبه كما في الروضة و هو المشهور كما في المختلف و مذهب الأصحاب الا من شذ كما عنه و عن جامع المقاصد، و بالإجماع كما عن محكي المختلف بناء علي انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله، فلا يجوز ان يستحقها الغير.

و في رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام انه أتاه رجل، فقال له: و الله اني أحبك لله، فقال له: لكني أبغضك لله، قال: و لم؟ قال: لانك تبغي في الاذان أجرا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا. (1)

و في رواية حمران الواردة في فساد الدنيا و اضمحلال الدين. و فيها قوله عليه السلام

و رأيت الاذان بالأجرة و الصلاة بالأجر، و يمكن أن يقال: ان مقتضي كونها عبادة عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها لا فساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به و إن لم يتقرب به،

نعم لو قلنا: بأن الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتي بالاذان الذي لا يتقرب به صح ما ذكر لكن ليس كذلك، و أما الروايات فضعيفة، و من هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكري و المدارك و مجمع البرهان و البحار بعد أن حكي عن علم الهدي قدس سره.

______________________________

صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام لا تصل خلف من يبغي علي الاذان و الصلاة بالناس أجرا و لا تقبل شهادته «1».

فإنه يدل علي ان الاخذ فاسق لا يجوز الصلاة خلفه و لا تقبل شهادته.

و حسن حمران عن الامام الصادق عليه السلام الوارد في فساد الدنيا و اضمحلال الدين و رأيت الاذان بالاجر و الصلاة بالاجر «2».

(1) و يؤيده خبر زيد بن علي المذكور في المتن «3». و هو ضعيف السند لحسين بن علوان و غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 32، من أبواب الشهادات، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 41، من أبواب الامر و النهي من كتاب الامر بالمعروف، حديث 6.

(3) الوسائل، باب 30 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 281

و لو اتضحت دلالة الروايات (1) أمكن جبر سند الاولي بالشهرة مع ان رواية حمران حسنة علي الظاهر بابن هاشم.

______________________________

و خبر السكوني: قال النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام: و لا تتخذن مؤذنا يأخذ علي أذانه أجرا «1».

و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين الاذان للصلاة، و الاذان الاعلامي إن ثبت مشروعيته، أي كونه غير أذان الصلاة و من غير فرق بين اعتبار قصد القربة في الأذان الاعلامي و عدمه، و من غير فرق بين كون الاذان مما ينتفع به و إن لم يتقرب به و عدمه.

و بذلك يظهر

ما في ترديد المصنف قدس سره في الحكم بعدم الجواز في الاذان الاعلامي، و اضعف منه افتاء جمع بالكراهة.

(1) و ظاهر المصنف قدس سره في المتن حيث قال: و لو اتضحت دلالة الروايات، عدم وضوح دلالتها.

أما عدم ظهور الاولي: فلعدم الملازمة بين المبغوضية و كونه فاعلا للمحرم، لامكان كون بعض مراتب المبغوضية علي ارتكاب المكروه، و يؤيده اقترانه بأخذ الاجرة علي تعليم القرآن الذي دلت النصوص علي جوازه.

و أما عدم ظهور الثانية: فلانه لا ريب في ان المراد باضمحلال الدين تعطيل أحكامه، و عليه فيمكن أن يكون المراد به في الخبر شيوع ارتكاب المكروه و هو أخذ الاجر للاذان لا ارتكاب المحرم.

و لكن الانصاف ان هذا خلاف ظاهر الحسن، مضافا الي ما تقدم من ان الصحيح كالنص في عدم الجواز فاذا لا ترديد في الحكم.

اخذ الاجرة علي الامامة

______________________________

(1) الوسائل، باب 38، من أبواب الاذان و الاقامة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 282

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الاجرة علي الامامة (1) مضافا الي موافقتها للقاعدة المتقدمة من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا علي تحققه علي وجه الاخلاص فلا يجوز الاستئجار عليه لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له حتي يكون وفاء بالعقد، و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك، ثمّ ان من الواجبات التي يحرم أخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة بناء علي وجوبه (2) كما هو أحد الاقوال في المسألة لقوله تعالي (و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا) المفسر في الصحيح بالدعاء للتحمل، و كذلك أداء الشهادة لوجوبه عينا أو كفاية و هو مع الوجوب العيني واضح.

______________________________

(1) قوله

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأجرة علي الامامة.

و فيه: مضافا الي ما عرفت من ان مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي الواجب، و العبادة: انه بناء علي عدم جواز أخذها عليهما يجوز أخذ الاجرة علي الامامة علي القاعدة، إذ الامامة لا يعتبر في تحققها قصد الامام لها، فضلا عن اعتبار قصد القربة، و لذا لو صلي و اقتدي به جماعة من غير ان يلتفت هو بذلك صحت الجماعة و عليه فلو أخذ الاجرة علي الامامة لا مانع منه حتي علي هذا المسلك.

نعم، يدل علي عدم جوازه صحيح محمد بن مسلم المتقدم، بل و كذلك حسن حمران بناء علي دلالته علي عدم الجواز و ارادة الصلاة بالناس من قوله: و الصلاة بالاجر.

أما المبني الاول: فقد مر ما فيه، و أما الثاني: فالانصاف عدم ظهوره في ذلك، و علي ذلك فالعمدة هو الصحيح.

أخذ الاجرة علي الشهادة

(2) وجوب أداء الشهادة مع استدعاء صاحب الحق للتحمل مورد اتفاق الاصحاب و الكتاب و السنة المستفيضة شاهدان به.

و بدون استدعاء صاحب الحق وجوبه هو المشهور بين الاصحاب كما في المسالك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 283

و أما مع الوجوب الكفائي فلان المستفاد من أدلة الشهادة كون التحمل و الاداء حقا للمشهود له علي الشاهد، فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع الي أكل المال بالباطل (1) و منه يظهر انه كما لا يجوز أخذ الاجرة من المشهود له، كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية اذا استأجره لفائدة اسقاطها عن نفسه، ثمّ انه لا فرق في حرمة الاجرة بين توقف التحمل او

الاداء علي قطع مسافة طويلة و عدمه.

______________________________

و أما تحمل الشهادة مع دعوة صاحب الحق ففي الجواهر وجوبه المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة و انما الخلاف في انه واجب عيني أو كفائي و قد اشبعنا الكلام في المسألتين في الجزء الخامس و العشرين من كتابنا فقه الصادق.

و الكلام في المقام انما هو في أخذ الاجرة عليهما.

فقد استدل لعدم جوازه بوجهين:

الاول: انه لا يجوز أخذ الاجرة علي الواجب.

(1) الثاني: ما في المتن و هو ان المستفادة من الأدلة ان تحمل الشهادة و أدائها حقان ثابتان للمشهود له علي الشاهد فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بالمال للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع الي أكل المال بالباطل. و فيهما نظر:

أما الاول: فلما تقدم مستوفي من جواز أخذ الاجرة علي الواجب.

و أما الثاني: فلان المستفاد من الادلة، انما هو حكم شرعي علي نهج ساير الاحكام الشرعية، غاية الامر كونه ايجابا للغير، و الفرق بينه و بين جعل العمل للغير في غاية الوضوح.

مع انه لو ثبت كونهما حقين انه اذا كان اعتبار الاستحقاق بنحو المجانية لم يجز أخذ الاجرة عليهما، و أما اذا لم يكن كذلك فالاظهر جوازه كما تقدم في أخذ الاجرة علي الواجب الكفائي، و عليه فحيث لم يثبت ذلك في المقام فالاظهر جواز أخذ الاجرة.

نعم لو امتنع المشهود له عن أداء الاجرة، فان كان ذلك بعد عقد الاجارة وجب علي الشاهد التحمل و الاداء بالعوض المسمي، و إن كان قبله وجبا مجانا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 284

نعم لو احتاج الي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه (1) و لو أمكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة فله ان يمتنع من الحضور

و يطلب الاحضار بقي الكلام في شي ء (2) و هوان كثيرا من الاصحاب صرحوا في كثير من الواجبات و المستحبات التي يحرم أخذ الاجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد أخذ الاجرة او الجعل من بيت المال لان ما دل علي تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أومن غيره، بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب ادائه اليه عينا او كفاية فيكون أكل المال بازائه أكلا له بالباطل كان اعطائه العوض من بيت المال اولي بالحرمة لانه تضييع له و اعطاء مال المسلمين بازاء ما يستحقه المسلمون علي العامل. بل المراد انه اذا قام المكلف بما يجب عليه كفاية أو عينا مما يرجع الي مصالح المؤمنين (المسلمين) و حقوقهم كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها و رأي ولي المسلمين المصلحة في تعيين شي ء من بيت المال له في اليوم او الشهر او السنة من جهة قيامه بذلك الامر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته فيعين له ما يرفع حاجته و إن كان أزيد من أجرة المثل أو أقل منها و لا فرق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام او قبله حتي انه لو قيل له اقض في البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال جاز و لم يكن جعالة، و كيف كان فمقتضي القاعدة عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة علي وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة. فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز و يظهر من اطلاق جماعة في باب القضاء خلاف ذلك

بل صرح غير واحد بالجواز مع وجدان الكفاية.

______________________________

(1) قوله نعم لو احتاج الي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه.

ان قلنا بان المستفاد من الادلة حرمة الاباء و الكتمان للشهادة- فعدم وجوب بذل المال واضح، إذ لا يتوقف امتثال هذا التكليف علي الحضور اينما استحضروه بل هو يمتثل بعدم الاباء و الامتناع لو احضرت الواقعة عنده.

و إن قلنا بأن التحمل و الاداء واجبان، فهما و إن كانا واجبين مطلقين، و مقدمة الواجب المطلق واجبة الا انه بمقتضي حديث نفي الضرر، يحكم بعدم وجوبه.

(2) قوله بقي الكلام في شي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 285

خاتمة تشتمل علي مسائل

الاولي: [حرمة بيع المصحف]
اشارة

صرح جماعة كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد بحرمة بيع المصحف (1) و المراد به كما صرح به في الدروس خطه و ظاهر المحكي عن نهاية الاحكام اشتهارها بين الصحابة حيث تمسك علي الحرمة بمنع الصحابة و عليه تدل ظواهر الاخبار المستفيضة.

______________________________

قد تقدم الكلام في هذا الفرع في مبحث الرشوة مفصلا، و عرفت ان الارتزاق من بيت المال المعد لمصالح المسلمين جائز لمن قام بالوظائف التي يعود نفعها الي المسلمين و إن لم يجز أخذ الاجرة عليها لان الارتزاق غير أخذ الاجرة.

و عرفت ان الاظهر ما هو المشهور بين الاصحاب من جواز الارتزاق حتي مع عدم الحاجة.

فتقييد المصنف قدس سره له في المقام بالحاجة غير تام.

مع انه قد مر من المصنف قدس سره جواز اعطاء الامام من خراج الاراضي للقاضي و إن لم يكن محتاجا ان رأي مصلحة في ذلك.

نعم ما كان من الحقوق مختصا بالفقراء كالكفارات و الاوقاف المختصة بهم لا يجوز اعطائه بغير المحتاج.

حرمة بيع المصحف

خاتمة: في بيان مسائل:

(1) الأولي: صرح جماعة بحرمة بيع المصحف.

و قبل

التعرض لحكم المسألة لا بد من تقديم أمرين:

الاول: ان المصحف عبارة عن الاوراق المتضمنة للخطوط علي حد سائر الكتب دون خصوص الخط كما عن الدروس و ارتضاه المصنف قدس سره و الشاهد علي ذلك هو الفهم العرفي أ لا تري ان أحدا لا يحتمل أن يكون المراد بالجواهر عند اطلاقها خصوص الخطوط المنقوشة في ذلك الكتاب.

و بالجملة لا أظن الترديد في ذلك بحسب المتفاهم العرفي.

الثاني: ان الخطوط المنقوشة سواء كانت من قبيل الجواهر كالخطوط المنقوشة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 286

ففي موثقة سماعة لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها، قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و اياك ان تشتري منه الورق.

و فيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما و علي من باعه حراما (1) و مضمرة عثمان ابن عيسي قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال «فقال» لا تشتر كلام الله و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة (الدفتين) و قل اشتري منك هذا بكذا و كذا.

و رواه في الكافي عن عثمان بن عيسي عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام و رواية جراح المدائني في بيع المصاحف، قال: لاتبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الاديم و الحديد.

______________________________

بالحبر، أو كانت من قبيل الاعراض او هيئات الأموال.، انما تقابل بالمال لانها يرغب اليها

و يبذل بازائها العوض، بل ربما تكون عمدة النظر اليها و لا نظر الي الاوراق اصلا، كما انه ربما يكون كل منهما منظورا اليها و يجعل العوض بازائهما معا.

و بالجملة: لا يعتبر في صدق مفهوم البيع كون المبيع من الجواهر.

مضافا الي ما تقدم من انها ربما تكون من قبيل الجواهر.

و عليه: فما أورده

الاستاذ الاعظم علي المصنف قدس سره بأن الخط بما هو خط غير قابل للبيع، غير وارد.

إذا عرفت هذين الامرين. فاعلم أن النصوص الواردة في المقام علي طائفتين:

الاولي: ما دل علي المنع و هي قسمان:

الاول: ما يكون ظاهرا في المنع عن بيع الاوراق المشتملة علي الخطوط المقيدة بها التي عليها يحمل المصحف عند اطلاقه.

(1) كخبر «1» سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و الظاهر من قوله و اياك ان تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب بيع الورق المقيد بالخطوط المنقوشة، فينطبق علي ما في صدره من النهي عن بيع المصاحف.

و لكن الخبر ضعيف السند، لان في طريقه الحسن بن علي بن أبي حمزة الذي هو ضعيف، و الغريب تعبير المصنف قدس سره عن هذا الخبر بالموثق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 287

(1) و رواية عبد الله بن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان المصاحف لن تشتري فاذا اشتريت فقل: انما اشتري منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا. و ظاهر قوله عليه السلام ان المصاحف لن تشتري انها لا تدخل في ملك أحد علي وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك و يشير اليه تعبير الامام في بعض الاخبار بكتاب الله و كلام الله الدال علي التعظيم و كيف كان، فالحكم في المسألة واضح بعد الاخبار و عمل من عرفت حتي مثل الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد.

______________________________

(1) و خبر «1» عبد الرحمن بن سليمان، في الوسائل عبد الرحمن بن سيابة، و تبعه المصنف، و

في المصدر عبد الرحمن بن سليمان عن الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن. و هذا الخبر مجهول لعبد الرحمن.

و خبر جراح المدائني عن الامام الصادق عليه السلام في بيع المصاحف قال: لاتبع الكتاب و لا تشتره و بع الاديم و الورق و الحديد «2» و هذا الخبر ايضا ضعيف لقاسم بن سليمان و جراح.

القسم الثاني: ما يكون ظاهرا في المنع عن بيع الخطوط المنقوشة.

كموثق «3» سماعة عنه عليه السلام رواه في المتن مع اختلاف عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: لا تشتر كتاب الله عز و جل و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل: اشتري منك هذا بكذا و كذا.

و ظاهره حرمة جعل الخطوط مبيعا سواء جعلت كذلك مستقلة أوفي ضمن بيع المجموع.

و رواه الشيخ في محكي التهذيب و فيه: لا تشتر كلام الله.. الي آخره.

ثمّ انه قد يتوهم التنافي بين الاخبار الثلاثة الاخيرة و الخبر الاول، بدعوي انها تدل علي جواز بيع الورق، و الخبر الاول يدل علي عدم جوازه.

و قد دفع التنافي صاحب الجواهر قدس سره بحمل الاخبار المجوزة علي ارادة شراء الورق قبل أن يكتب بها علي أن يكتبها، فيكون العقد في الحقيقة متضمنا لمورد البيع و مورد الاجارة بقرينة قوله عليه السلام و ما عملته يدك بكذا ضرورة عدم صلاحية العمل لكونه موردا للبيع، فلا بد من تنزيله علي الاجارة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(3) نفس المصدر، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 288

(1) و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها مثل رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله

عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها، قال: انما كان يوضع الورق عند القامة و المنبر، قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممرّ شاة أو رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب السورة (البقرة) و يجي ء آخر فيكتب السورة، و كذلك كانوا ثمّ انهم اشتروا بعد ذلك، قلت: فما تري في ذلك؟ قال:

اشتريه أحب الي من أن أبيعه و مثله رواية روح بن عبد الرحيم. و زاد فيه قلت:

فما تري ان اعطي علي كتابته أجرا قال: لا بأس و لكن هكذا كانوا يصنعون فانها تدل علي جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله، ثمّ انهم اشتروا بعد ذلك و قوله اشتريه احب الي من أن أبيعه و نفي البأس عن الاستئجار لكتابته كما في أخبار اخر غيرها، فيجوز تملك الكتابة بالاجرة فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها و من القرطاس و غيرهما لكن الانصاف أن لا دلالة فيها علي جواز اشتراء خط المصحف، و انما تدل علي ان تحصيل المصحف في الصدر الاول كان بمباشرة كتابته ثمّ قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم و حصلوا المصاحف بأموالهم شراء و استئجارا و لا دلالة فيه علي كيفية الشراء و ان الشراء و المعاوضة لا بد أن لا يقع الا علي ما عدا الخط من القرطاس و غيره.

______________________________

و فيه: ان قوله: و ما عملته … الي آخره الظاهر ان المراد به هو مثل التصحيف و خياطة الكراريس لا الكتابة، و ايضا الظاهر ان المراد به هو الأثر الحاصل من هذه الاعمال لا نفس الفعل، و الا فلا وجه لجعل العمل بعد وقوعه موردا للاجارة.

فالمتعين في دفع المنافاة ان يقال:

إن المراد من الخبر الاول الورق المشتمل علي الخطوط كما تقدم و من الاخبار المجوزة الورق المجرد.

(1) الطائفة الثانية: ما دل علي الجواز: كصحيح أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها فقال عليه السلام: انما كان يوضع عند القامة و المنبر- الي ان قال- اشتريه أحب إلي من أن أبيعه «1» و نحوه خبر روح بن عبد الرحيم «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 289

و في بعض الروايات دلالة علي أن الاولي مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثمّ يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أم عبد الله بنت الحسن ارادت أن تكتب مصحفا فاشترت ورقا من عندها ودعت رجلا فكتب لها علي غير شرط فاعطته فرغ خمسين دينارا و انه لم تبع المصاحف الا حديثا، و مما يدل علي الجواز رواية عنبسة الوراق قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام اني رجل أبيع المصاحف، فإن نهيتني لم ابعها، قال: الست تشتري ورقا و تكتب فيه، قلت: نعم و أعالجها قال: لا بأس بها و هي و إن كانت ظاهرة في الجواز إلا أن ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع في مقام الحاجة الي البيان فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان. (1) و كيف كان فالاظهر في الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم اليهم الاشارة.

______________________________

و خبر عنبسة الوراق- المهمل المجهول- عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن «1».

(1) و قد جمع

المصنف قدس سره بين الطائفتين بحمل الأخبار المانعة علي المنع عن بيع الخط، و الاخبار المجوزة علي جواز بيع ما عدا الخط لعدم التعرض فيها للكيفية، بدعوي أن نصوص الجواز واردة في مقام بيان أن الناس قصرت هممهم عن تحصيل المصاحف الا بالمال، و أما أن كيفية شرائها و انه هل كانت المعاملة علي ما عدا الكتابة أو معها فهي غير متعرضة لذلك، ففي ذلك يرجع الي النصوص المانعة.

و فيه: ان مورد نصوص الجواز بيع المصاحف، و المصحف إن كان عبارة عن خصوص الخط- كما عليه بنائه قدس سره تبعا للدروس- فهي صريحة في جواز بيع ما تضمنت نصوص المنع المنع عن بيعه، و إن كان عبارة عن الاوراق المشتملة علي الخطوط فحيث ان الكتابة مقومة لمصحفية المصحف لعدم صدق المصحف علي ما عدا الكتابة بالبداهة فهي كالصريحة في جواز ايقاع المعاملة علي ما يشمل الكتابة، فعلي كل تقدير هذا حمل تبرعي لا شاهد له.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 290

______________________________

و اضعف منه ما ذكره بعض مشايخنا المحققين و هو حمل المانعة علي المنع عن ايقاع المعاملة علي القرآن و كلام الله، أي جعل هذا عنوانا للمبيع، و حمل نصوص الجواز علي ارادة بيع ما ينطبق عليه القرآن من دون أن يقصد في البيع هذا العنوان المنطبق عليه، فيكون محصل الكلام عبر بالجلد و الحديد و أثر عمل الله و لا تعبر بالقرآن و المصحف.

فالصحيح في مقام الجمع حمل نصوص المنع علي الكراهة لصراحة قوله عليه السلام في صحيح أبي بصير اشتريه أحب الي من أن أبيعه في الجواز.

و علي فرض ابقاء ظهور الاخبار المانعة علي

حاله لا يستفاد منها الا الحرمة التكليفية و هي لا تلازم الفساد كما تقدم في أول الكتاب مفصلا.

و ليعلم أن متعلق الحكم كراهة أو حرمة تكليفية أم وضعية هو البيع، و استفادة ثبوت هذا الحكم لجميع أنحاء النقل و الانتقال متوقفة علي فهم المناط، أو ثبوت أن الخطوط لا تكون كسائر الاموال و لا تكون مملوكة لأحد، و هما كما تري، لا سيما الاخير كيف و قد دلت الروايات علي ان المصحف من الحبوة، و يكون مختصا بالولد الاكبر، و مع عدمه ينتقل الي سائر الورثة.

فما أفاده المحقق الايرواني قدس سره من أنه يمكن جعل الاخبار المانعة اشارة الي عدم قبول المصحف للنقل و لو بالاسباب غير الاختيارية كالارث ضعيف.

و الظاهر ان النصوص المانعة لا تشمل مبادلة المصحف بالمصحف، إذ الظاهر منها ان النهي عن بيعه انما هو لاجل تعظيم القرآن و انه أجل من أن يجعل بإزائه ثمن بخس، و هذا المحذور لا يترتب علي المبادلة المزبورة.

و مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي كتابة القرآن لكونها عملا محترما، و لم يثبت التلازم في الحكم بين أخذ الاجرة علي الكتابة و البيع، مع انه تدل علي جوازه جملة من النصوص.

كصحيح علي بن جعفر قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يكتب المصحف بالاجر؟ قال: لا بأس به «1» و نحوه غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 291

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء (1) بعد فرض ان الكاتب للمصحف في الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و ما فيها من النقوش فان النقوش إن لم تعد من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش

الذي تتفاوت قيمته بوجودها و عدمها فلا حاجة الي النهي عن بيع الخط فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع و إن عدت من الاعيان المملوكة عرفا، فإن فرض بقائها علي ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد فيلزم شركته مع المشتري و هو خلاف الاتفاق و إن انتقلت الي المشتري فان كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه. لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط و إن انتقلت اليه قهرا تبعا لغيره لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل في المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين مع ان هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق و النقوش، فان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صوري إذ لا أظن أن يعطل أحكام الملك فلا تجري علي الخط المذكور إذا بنينا علي انه ملك عرفا قد نهي عن المعاوضة عليه، بل الظاهر انه إذا لم يقصد بالشراء الا الجلد و الورق كان الخط باقيا علي ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة. فالظاهر انه لا مناص عن التزام التكليف الصوري أو يقال إن الخط لا يدخل في الملك شرعا، و إن دخل فيه عرفا فتأمل.

و لأجل ما ذكرنا التجأ بعض الي الحكم بالكراهة و أولوية الاقتصار في المعاملة علي ذكر الجلد و الورق بترك إدخال الخط فيه احتراما، و قد تعارف الي الآن تسمية ثمن القرآن هدية.

______________________________

المراد من حرمة بيع المصحف

(1) قوله بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 292

______________________________

محصل ما ذكره انه لا ريب في ان الكاتب للمصحف في الاوراق المملوكة له،

مالك للاوراق مع ما فيها من الخطوط و النقوش.

و علي ذلك فإما أن تكون النقوش من الاعيان المملوكة او لا.

و علي الثاني: فلا حاجة الي النهي عن بيع الخط فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع.

و علي الاول: فإما أن يبقي الخط في ملك البائع أو ينتقل الي المشتري، فإن بقي في ملك البائع لزم كون المصحف مشتركا بين البائع و المشتري، و هو بديهي البطلان و مخالف للاتفاق، و إن انتقل الي المشتري في مقابل جزء من الثمن فهو البيع المنهي عنه، و إن انتقل اليه تبعا لغيره فهو خلاف مقصود المتبايعين لفرض بنائهما علي ايقاع المعاوضة علي غير الخط، و يعتبر في ما يدخل في الملك تبعا لغيره عدم بناء المتعاملين علي عدم الدخول كما لا يخفي، مع ان هذا مجرد تكليف صوري.

و بهذا البيان يظهر ان الالتزام بكون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه علي نحو دخول التقيد و خروج القيد لا يفيد.

هذا محصل كلامه، و به يندفع بعض ما أورد عليه الناشئ عن عدم التأمل في ما أفاده قدس سره.

و التحقيق أن يقال: إن في المقام احتمالا آخر، و يدور الامر بين الالتزام به و بين الالتزام بالاحتمال الثالث، ففي الحقيقة يدور الامر لمن اراد الفرار من ايقاع المعاملة المرجوحة بين احتمالين:

الاول: أن يكون المبيع هو الجلد و الورق و الغلاف و الحديد، مشروطا بأن يملك البائع الخطوط و النقوش مجانا، و لا يعتبر التصريح بذلك لقيام القرينة القطعية علي ان عليه بناء المتعاملين في العقد، إذ من المعلوم أن غرض المشتري هو تملك المصحف.

الثاني: أن يكون المبيع بالاصالة هو ما عدا الخط، و

انما تنتقل الخطوط الي المشتري تبعا و قهرا بحكم من الشارع الاقدس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 293

ثمّ إن المشهور بين العلامة قدس سره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر (1) علي الوجه الذي يجوز بيعه من المسلم، و لعله لفحوي ما دل علي عدم تملك الكافر للمسلم (2) و ان الاسلام يعلو و لا يعلي عليه (3) فان الشيخ قدس سره قد استدل به علي عدم تملك الكافر للمسلم.

______________________________

فإن قلت: لازم كل من الاحتمالين عدم ثبوت الخيار لو ظهر عيب في الخطوط، و الظاهر انه خلاف الاتفاق.

قلت: إنه يمكن أن يكون وجه ثبوت الخيار حينئذ هو تخلف الشرط المبني عليه العقد و هي صحة الخطوط، فيكون الثابت حينئذ خيار تخلف الشرط.

بيع المصحف من الكافر

(1) قوله ثمّ ان المشهور بين العلامة قدس سره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر.

و قد استدل لعدم جواز بيعه من الكافر- علي تقدير القول بجواز بيعه من المسلم- بوجوه غير مختصة بالبيع، بل هي علي فرض الدلالة جملة منها تدل علي عدم تملك الكافر للمصحف، و بعضها يدل علي عدم جواز تمليكه اياه.

فهاهنا قسمان من الوجوه:

الاول: ما استدل به علي عدم تملك الكافر للمصحف و هو أمران:

(2) أحدهما فحوي ما دل، علي عدم تملك الكافر للمسلم «1» إذ العبد إن لم يتملكه الكافر بمجرد اتصافه بالايمان فالقرآن الذي هو حقيقة الاحكام الشرعية و المعارف الالهية أولي بعدم التملك.

(3) ثانيهما: النبوي المعروف الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «2» بدعوي ان ملك الكافر للمصحف المتضمن لجميع المعارف الإسلامية علو للكافر علي الإسلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 28، من أبواب عقد البيع و شروطه.

(2) الوسائل، باب 11 من أبواب

موانع الارث، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 294

و من المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا علي الاسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه و اجباره علي البيع كما قيل به في العبد المسلم، و حينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الي وارثه و لو كان الوارث هو الامام هذا،، و لكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم ان ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنيمة و يجوز بيعها. و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف و الا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة بل كانت من مجهول المالك المسلم و ارادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.

______________________________

و فيهما نظر.

إذ يرد علي النبوي اولا انه ضعيف السند غير منجبر بشي ء.

و ثانيا: ان المصحف لا يكون متضمنا للمعارف الاسلامية بل هو متضمن لنقوش و خطوط كاشفة عن تلك المعارف، و الاستعلاء علي الخطوط ليس استعلاء علي الاسلام و معارفه.

و ثالثا: ما ذكره السيد الفقيه بقوله: ان هذا الخبر يحتمل معان خمسة:

أحدها: بيان كون الاسلام أشرف المذاهب، و هو خلاف الظاهر جدا. الثاني: بيان انه يعلو من حيث الحجة و البرهان. الثالث: انه يعلو بمعني يغلب علي سائر الاديان. الرابع:

انه لا ينسخ. الخامس: ما اراده الفقهاء من ارادة بيان الحكم الشرعي الجعلي بعدم علو غيره عليه.

و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و لكن الظاهر منه غير الاخير، إذ ارادة الانشاء من مثل هذه الجملة الخبرية خلاف الظاهر.

و يرد علي الفحوي:

اولا: انه لا دليل علي عدم تملكه اياه، بل مقتضي ما دل علي انه يجبر علي البيع و انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 295

______________________________

يجب عليه ذلك هو تملكه له.

و ثانيا: ان في تملك الكافر للمسلم و تسلطه عليه ذلا عليه و اهانة، بخلاف تملك المصحف فإنه ليس في ذلك ذل.

و ثالثا: ان الاولوية ممنوعة لما تقدم آنفا من ان المصحف انما هو خطوط و نقوش كاشفة عن تلك الاحكام و المعارف، و أفضليتها من المؤمن ممنوعة، أ لا تري انه لو دار الامر بين اتلافه و قتل النفس المحترمة لا ريب في تقديمه عليه.

و أما القسم الثاني: فهو أمران:

الاول: ان تمليك المصحف للكافر هتك له و هو حرام.

و فيه: ان مجرد تمليكه اياه لا يكون هتكا مطلقا، نعم ربما يوجب التسليط له هتكا كما انه ربما يلازم تسليط المسلم عليه هتكا. و بعبارة اخري: النسبة بين تسليط الكافر علي المصحف و بين هتكه عموم من وجه.

مع ان ذلك من صغريات الاعانة علي الاثم، إذ اعطاء المصحف له لا يكون هتكا، بل هو اعانة عليه كما لا يخفي، و قد تقدم في مسألة بيع العنب ممن يجعله خمرا انه لا دليل علي حرمة الاعانة علي الاثم.

مع ان هذا الوجه لو تم لدل علي الحرمة، و هي لا تستلزم الفساد.

الثاني: ان تمليكه للكافر يستلزم تنجيسه للعلم العادي بأن الكافر يمسه مع الرطوبة.

و فيه: اولا: انه لا علم بالملازمة، بل الظاهر ان النسبة بين العنوانين عموم من وجه.

و ثانيا: انه لو سلمت الملازمة فانما هي بين الاعطاء الخارجي و التنجيس لابين التمليك و التنجيس.

و ثالثا: ان هذا ايضا من صغريات الاعانة علي الاثم.

و رابعا: ان الحرمة لا تستلزم الفساد.

فتحصل: ان الاقوي تملك الكافر للمصحف و جواز بيعه له، علي القول بجواز بيعه من المسلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 296

و الظاهر

ان ابعاض المصحف في حكم الكل (1) إذا كانت مستقلة. و أما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه أو معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الاهانة (2) و في إلحاق الادعية المشتملة علي اسماء الله تعالي كالجوشن الكبير مطلقا، أو مع كون الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم (3) لأسمائه لعدم الاهانة و العلو وجوه.

______________________________

حكم بيع أبعاض المصحف

(1) قوله و الظاهر ان ابعاض المصحف في حكم الكل يقع الكلام في موردين:

الاول: في بيع الابعاض للمسلم علي القول بعدم جواز بيعه له.

الثاني في تمليكها للكافر.

أما المورد الاول فإن كانت الابعاض مستقلة لا يجوز بيعها، لان القرآن و كلام الله و كتاب الله، تصدق علي الكل و علي البعض.

مع انه من الضروري عدم دخل ضم بعض القرآن الي بعض في هذا الحكم.

مضافا الي ان قوله عليه السلام في خبر سماعة المتقدم، و اياك ان تشتري الورق و فيه القرآن شامل لاي ورق كتب فيه القرآن بلا ريب، و إن كانت متفرقة في تضاعيف الكتب للاستشهاد و الاستدلال ككتب الفقه و غيرها، فلا شبهة في جواز البيع لقيام السيرة القطعية علي ذلك.

و أما المورد الثاني، فالظاهر انه لا فرق بين القرآن و ابعاضه، و في ابعاضه بين المستقلة و المتفرقة في الكتب.

(2) و استدل المصنف قدس سره للجواز في الأبعاض المتفرقة، بعدم تحقق الإهانة.

و فيه: اولا ان الدليل للمنع لم يكن منحصرا بحرمة الاهانة، بل المصنف قدس سره لم يستدل بذلك.

و ثانيا: انه اذا تحققت الاهانة لم يكن فرق، بين المستقلة و غير المستقلة.

(3) قوله دون المقر بالله المحترم.

و فيه: اولا ان المدرك للمنع لو كان هو عدم جواز العلوّ لم يكن فرق بين فرق

الكفار.

و ثانيا: ان الاقرار بالله لا يلازم احترامه لجميع اسمائه تعالي كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 297

و في إلحاق الاحاديث النبوية بالقرآن وجهان: حكي الجزم به عن الكركي و فخر الدين (قدس سرهما) و التردد بينها عن التذكرة و علي اللحوق فيلحق اسم النبي صلي الله عليه و آله بطريق أولي لانه أعظم من كلامه (1) و حينئذ فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة في زماننا المكتوب عليها اسم النبي صلي الله عليه و آله إلا أن يقال إن المكتوب فيها غير مملوك عرفا و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث انه اسمه صلي الله عليه و آله جزء من الثمن فهو كإسمه المبارك المكتوب علي سيف أو علي باب دار أو جدار إلا أن يقال إن مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة، بل و لا التمليك و يشكل ايضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه اياه خصوصا مع الرطوبة.

الثانية: جوائز السلطان و عماله (2)
اشارة

بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا لا يخلو عن أحوال لانه إما ان لا يعلم في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال. و إما أن يعلم و علي الثاني فإما أن لا يعلم أن ذلك المحرم أو شيئا منه هو داخل في المأخوذ. و إما أن يعلم ذلك و علي الثاني فإما أن يعلم تفصيلا. و إما أن يعلم اجمالا فالصور أربع:

______________________________

(1) قوله قدس سره لأنه أعظم من كلامه.

لم يقيموا دليلا علي الاعظمية سوي انه لا يجوز للمحدث مس اسمه و يجوز له مس كلامه.

و لكنه غير تام، إذ لو تم ذلك لما كان يثبت به الاعظمية أ لا

تري انه يجوز مس المحدث لبدنه مع انه أعظم من اسمه بلا كلام.

جوائز السلطان الصورة الاولي

(2) قوله جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال المأخوذ.

محل البحث انما هو كل ما أخذ، من أي شخص، لا يتورع، و لا يجتنب عن الحرام، و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 298

[الصورة الأولي أن لا يعلم في جملة أموال هذا الظالم مال محرم]

أما الاولي: فلا اشكال فيها في جواز الاخذ و حلية التصرف. (1)

______________________________

التخصيص بجوائز السلطان و عماله انما هو لاجل الغلبة.

ثمّ المال المأخوذ من الجائر مجانا أو بعنوان المعاملة لا يخلو عن أحوال، إذ الاخذ ربما لا يعلم بوجود مال حرام في أموال الجائر، أو يعلم بوجوده و لكن يعلم بعدم كون المأخوذ من تلك الاموال، و ربما يعلم بوجوده فيها و علي الثاني، فاما ان لا يعلم بوجود مال حرام في المأخوذ أو يعلم بذلك، و علي الاخير، تارة يعلم بوجود الحرام فيه تفصيلا و اخري يعلم به اجمالا فالصور أربع.

(1) قوله اما الأولي فلا اشكال فيها في جواز الأخذ.

الصورة الاولي أن يأخذ المال من الجائر مع عدم علمه بوجود حرام في أمواله يصلح أن يكون المأخوذ من ذلك، و كما أفاده لا إشكال في جواز الاخذ في هذه الصورة و ذلك لوجوه:

الاول: عموم قاعدة اليد التي هي من القواعد التي عليها بناء العقلاء و عمل المتدينين، و تدل عليها جملة من النصوص، و هي امارة لملكية ما تحت يد كل شخص له، كما اشبعنا الكلام في ذلك في رسالة القواعد الثلاث.

الثاني: أصالة الصحة الجارية في اعطاء الجائر مجانا او مع العوض.

و أورد عليها بإيرادين:

أحدهما: ما أفاده الاستاذ الاعظم و هو: ان مدرك هذا الاصل انما هو السيرة و هي من الادلة اللبية، فلا بد من الاخذ بالمتيقن،

و هو نفس العقود و الايقاعات مع احراز أهلية المتصرف للتصرف، فلا يكون المقام مجري لها، إذ الشك في المقام في اهلية الجائر للاعطاء.

و فيه: ما حققناه في الرسالة المشار اليها، من أن أصالة الصحة تجري في موارد الشك من ناحية شرائط العوضين و المتعاقدين ايضا كما تجري في موارد الشك في صحة العقد من جهة الشك في شرائط العقد لقيام السيرة علي ذلك.

ثانيهما: ما أفاده بعض مشايخنا المحققين قدس سره و هو: ان أصالة الصحة لا تنفع في جواز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 299

للاصل و الاجماع (1) و الاخبار الآتية. (2)

______________________________

القبض فيما كان القبض جزء الناقل كالهبة، فإن جوازه فيها ليس مترتبا علي صحة العقد، مع ان صحة العقد تتوقف علي جوازه.

و فيه: ان الشك في جواز القبض لا يعتني به لجريان أصالة الصحة في نفس الاعطاء الخارجي، و لا يدفع هذا الاحتمال بإجراء اصالة الصحة في العقد كي يرد المحذور المذكور.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره لجواز الأخذ في هذه الصورة بوجهين آخرين:

أحدهما: الاجماع.

و فيه: ان مدرك المجمعين معلوم، فليس هو اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

ثانيهما: الاصل.

إن أريد به قاعدة اليد، أو أصالة الصحة، فالاستدلال به متين.

و إن أريد به أصالة الاباحة، فيرد عليه: ان هذا الاصل محكوم لأصالة عدم انتقال ذلك المال الخاص الي الجائر من مالكه السابق، و عدم صيرورة الجائر مالكا له.

(2) الثالث: الروايات الخاصة الواردة في المقام.

كصحيح أبي ولاد قال: قلت: لابي عبد الله عليه السلام: ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا أمر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة و

قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا و عليه الوزر «1».

و صحيح أبي المعزا قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و انا عنده فقال: اصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال عليه السلام: نعم «2» و نحو هما غير هما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 300

لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له (1) مثل ما عن الاحتجاج عن الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا (مستحل) لما في يده و لا يتورع (يرع) عن أخذ ماله ربما نزلت في قرية و هو فيها أو أدخل منزله، و قد حضر طعامه فيدعوني اليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن أكل من طعامه و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة و ان اهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي ان انال منها و انا اعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شي ء ان انا نلت منه، الجواب ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما في يده فاقبل بره و الا فلا بناء علي ان الشرط في الحلية هو وجود مال آخر فاذا لم يعلم به لم يثبت الحل لكن هذه الصورة قليل التحقق.

______________________________

و هذه النصوص اما مختصة بهذه الصورة او تدل علي حكمها بالاطلاق او بالاولوية كما سيأتي.

(1) قوله انه يشترط في حل مال

الجائر ثبوت مال حلال له.

و حاصله ان خبر الاحتجاج «1» المروي في المتن يدل علي ان شرط الحلية وجود مال حلال للجائر و الا فلا يجوز.

و أورد عليه السيد الفقيه و تبعه الاستاذ الاعظم: بأن مورد كلامنا هي الصورة الاولي و هي ما اذا لم يعلم باشتمال أموال الجائر علي مال محرم، و مفروض الرواية عكس ذلك، و ثبوت مال محرم فيها، لان مال الوقف الذي في يده مال محرم، و يحتمل ان يكون ما أخذه السائل منه.

و لكن: يمكن أن يقال: إن نظر المصنف قدس سره الي ان الرواية شاملة للمورد من جهة أنه يمكن في مورد الرواية أن يكون مال الوقف معينا علم السائل بصرفه في غير محله، و لا يحتمل أن يكون ما اعطي له منه، و لكن احتمل أن يكون من حرام آخر لعدم تورعه عن الحرام، فمن عدم الاستفصال يستكشف ثبوت الحكم في هذه الصورة ايضا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 301

اما الثانية: [يعلم بوجود مال محرم للجائر لكن لا يعلم بأن الجائزة منه]
اشارة

فإن كانت الشبهة فيها غير محصورة (1) فحكمها كالصورة الاولي (2) و كذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به كما اذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب و ذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا، لو فرض كونه هو المحرم الواقعي لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه في أحد هما في المثال، فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعي علي أي تقدير لاحتمال

كون المحرم في المثال هي ام الولد و توضيح المطلب في محله.

______________________________

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه، الا أن في النفس من ذلك شيئا، فالصحيح ان يورد عليه بضعف سند الرواية لارسالها.

الصورة الثانية

(1) قوله و أما الثانية فإن كانت الشبهة غير محصورة.

الصورة الثانية: هي ما لو علم باشتمال اموال الجائر علي الحرام و يحتمل كون المأخوذ من ذلك الحرام.

و قد أفاد المصنف قدس سره ان لهذه الصورة موردين:

الاول: كون الشبهة فيها غير محصورة او كون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء.

الثاني: كون الشبهة محصورة و كون جميع الاطراف داخلة في محل الابتلاء.

(2) و قال: انه في المورد الأول يكون حكم هذه الصورة حكم الصورة الأولي، إذ العلم الاجمالي انما يوجب التنجز اذا كان التكليف المعلوم فعليا علي كل تقدير، و الا فوجود هذا العلم كعدمه، فلو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء، حيث ان التكليف لو كان في ذلك الطرف لا يكون فعليا منجزا بل يكون الحكم معلقا علي التمكن، فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجزا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 302

______________________________

و فيه: انه قد حققنا في زبدة الاصول ان الدخول في محل الابتلاء لا يكون من شرائط صحة التكليف.

و بعبارة اخري: اذا فرضنا الشي ء مقدورا عقلا يصح التكليف به و لو كان خارجا عن محل الابتلاء و عليه فالعلم الاجمالي بوجود التكليف في أحد الاطراف التي يكون بعضها خارجا عن محل الابتلاء يكون منجزا.

كما انه حققنا ان كون الشبهة غير محصورة لا يوجب عدم تنجيز العلم الاجمالي، نعم اذا كان بعض الاطراف غير مقدور بالقدرة العقلية لا يكون العلم الاجمالي منجزا، و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

و لكن لا

بأس بالتنبيه علي أمر و هو: ان المصنف قدس سره في فرائده بعد ما اختار عدم تنجيز العلم الاجمالي اذا كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء عنون مسألة اخري و هي: انه اذا شك في كون أحد الاطراف داخلا في محل الابتلاء او خارجا عنه، هل يكون العلم الاجمالي منجزا أم لا؟ و اختار فيها التنجيز.

و استدل له: بأن مقتضي الاطلاقات هو ثبوت التكليف لو كان في ذلك الطرف، و لا يعتني باحتمال خروجه عن محل الابتلاء و عليه فالعلم الاجمالي المزبور يكون منجزا.

و أورد عليه السيد الفقيه في حاشيته في المقام: بأن الابتلاء لو كان شرطا فانما يكون بالنسبة الي التنجيز لا إلي أصل التكليف، فهو شرط عقلي في مرتبة متأخرة عن مرتبة المطلق، فلا يكون الاطلاق وافيا بدفع الشك الراجع الي حكم العقل، فهو نظير الشك في شرائط طريق الامتثال.

و فيه: ان ما أفاده المصنف قدس سره و إن لم يكن تاما لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز، الا ان هذا الايراد لا يرد عليه، إذ لا يعقل كونه شرطا لتنجز التكليف، و ذلك لان المراد من عدم تنجز التكليف ان كان انه في صورة الترك و عدم الفعل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 303

ثمّ انه صرح جماعة بكراهة الاخذ. (1)

و عن المنتهي الاستدلال له باحتمال الحرمة و بمثل قولهم عليهم السلام دع ما يريبك و قولهم عليهم السلام من ترك الشبهات نجي من المحرمات (2) الخ.

______________________________

في الشبهات التحريمية لا يعاقب عليه، فهو في جميع المحرمات الداخلة في محل الابتلاء كذلك، و إن كان المراد ان التكليف يكون بنحو لو خولف لا يعاقب عليه فهذا مما لا يمكن الالتزام

به، إذ فرض ذلك فرض الابتلاء فتدبر فانه دقيق، فعلي فرض كونه شرطا فانما هو شرط لفعلية التكليف و عليه فيصح التمسك بالاطلاق مع قطع النظر عما ذكرناه.

و كيف كان: فتحصل ان حكم هذا المورد حكم المورد الثاني، و سيجي ء تنقيح القول في ذلك فانتظر.

لا يكره أخذ المال من الجائر لو جاز

و تمام الكلام في هذا المورد ببيان أمور: منها ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) صرح جماعة بكراهة الأخذ.

و استدل له بوجوه:

الاول: ما عن المنتهي، و هو احتمال أن يكون المأخوذ حراما واقعيا و إن جاز الاخذ و التصرف ظاهرا.

و فيه: ان هذا الاحتمال موجود حتي فيما يؤخذ من عدول المؤمنين، و لا اختصاص له بما يؤخذ من الجائر، مع ان هذا لا يصلح مدركا للكراهة الشرعية، غاية الامر كونه منشأ لرجحان التجنب تحفظا عن الوقوع في الحرام الواقعي، و لا يترتب علي هذا الرجحان سوي الفرار من الوقوع في المحرم الواقعي.

(2) الثاني: النصوص الدالة علي حسن الاحتياط. كقوله عليه السلام: دع ما يريبك الي ما لا يريبك «1» و قوله عليه السلام: الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة «2» و نحوهما غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من أبواب صفات القاضي.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 304

و ربما يزاد علي ذلك بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم فإن القلوب مجبولة علي حب من أحسن اليها و يترتب عليه من المفاسد ما لا يخفي. (1)

و في الصحيح ان أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله (2) و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا اني اري من ازوجه بها من عزاب آل «بني» أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا. (3)

______________________________

و

فيه: انه تارة نقول ان هذه الاخبار مختصة بما اذا اشتبه الحكم الظاهري ايضا بمعني ان الواقعة غير معلومة الحكم حتي ظاهرا، فهي اجنبية عن المقام لكون الحكم الظاهري و هو الجواز معلوما لقاعدة اليد.

و اخري: نقول بشمولها لما اذا اشتبه حكمها الواقعي و إن كان الحكم الظاهري معلوما فيرد علي الاستدلال بها: انه علي هذا لا يختص هذا الحكم بما يؤخذ من يد الجائر، لوجود احتمال الحرمة الواقعية في نوع الاموال حتي المأخوذة من عدول المؤمنين.

مع ان مفاد هذه الاخبار ليس هو الكراهة الشرعية، فانها تدل علي الرجحان العقلي الذي لا يترتب عليه سوي عدم الوقوع في المحتمل.

(1) الثالث: ان أخذ المال يوجب محبتهم، فإن القلوب مجبولته علي حب من أحسن اليها، و يترتب عليه من المفاسد ما لا يخفي.

و فيه: ان المنهي عنه هو محبتهم، فالموضوع ليس هو المال المشتبه بل من هذه الجهة لا فرق بين المشتبه و معلوم الحلية.

(2) الرابع: ما في الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله «1».

و فيه: انه ليس في مقام انشاء الحكم بل الظاهر منه كونه ارشادا الي ان ذلك يستلزم محبة بقائهم، و هي مرجوحة و لا أقل من احتمال ذلك مع ان هذا لا يختص بالمال المشتبه.

(3) الخامس قول الإمام الكاظم عليه السلام في خبر الفضل «2». المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) الوسائل، باب 50، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 305

ثمّ انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور:

منها أخبار المجيز بحليته بأن (1) يقول هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي أو نحو ذلك مما يحل للأخذ

التصرف فيه، و ظاهر المحكي عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق انه مما لا خلاف فيه و اعترف ولده في المناهل بأنه لم يجد له مستندا مع انه لم يحك التصريح به الا عن الاردبيلي، ثمّ عن العلامة الطباطبائي و يمكن أن يكون المستند ما دل علي قبول قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة علي تملكه (2)

و شبهة الحرمة و إن لم ترتفع بذلك الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد

______________________________

فإنه يدل علي ان قبول الهدية في نفسه مرجوح، و انما قبلها الامام لمصلحة أهم و هي بقاء نسل أبي طالب.

و فيه: ان الظاهر و لا أقل من المحتمل كون منشأ مرجوحية قبولها له عليه السلام انما هو كراهة قبول المنة منهم لا كراهة قبول الهدية شرعا، و يشهد لذلك ان ما أخذه عليه السلام من الرشيد إن كان من أمواله الشخصية أو من بيت المال أو من مجهول المالك جاز له أخذه من غير كراهة، أما علي الاول فواضح، و أما علي الاخيرين فلان بيت المال و مجهول المالك للامام عليه السلام، و إن كان من معروف لم يجز أخذه حتي لاستيفاء هذه المصلحة المهمة.

فتحصل: انه لا دليل علي الكراهة شرعا.

رافع الكراهة عن جوائز السلطان

(1) قوله منها اخبار المجيز بحليته.

الثاني: نسب الي المشهور: ارتفاع الكراهة علي تقدير ثبوتها بأخبار المجيز بحليته و انه من أمواله الشخصية، بل عن بعضهم: نفي الخلاف فيه، و لكن لم يذكروا لذلك مستندا سوي ما في المكاسب.

(2) بأنه يمكن أن يكون المستند ما دل علي قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة علي تملكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 306

الاحتمال و إلا لعمت الكراهة أخذ المال من كل أحد، بل

الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب (1) و غير متورع عن المحارم نظير كراهة سؤر من لا يتوقي النجاسة، و هذا المعني يرتفع بأخباره الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده و تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية الغير المنافية للكراهة فيخص (فيختص) الحكم برفع الكراهة بما اذا كان مأمونا في خبره، و قد صرح الاردبيلي قدس سره بهذا القيد في أخبار وكيله و بذلك يندفع ما يقال من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه و بين خبره في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط، فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد و ارتفاعها مع الاخبار فتأمل.

و منها إخراج الخمس (2) منه حكي عن المنتهي و المحقق الاردبيلي قدس سره، و ظاهر الرياض هنا ايضا عدم الخلاف، و لعله لما ذكر في المنتهي في وجه استحباب إخراج الخمس من هذا المال من ان الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام فمحتمل الحرمة أولي بالتطهير (3) به، فإن مقتضي الطهارة بالخمس صيرورة

______________________________

و هو فاسد، فإن أخباره بحليته يكون أمارة الملكية، كما أن يده أمارة لها، فإن كانت الكراهة ثابتة مع اليد من جهة احتمال الحرمة كانت ثابتة مع أخباره بها، إذ به لا يقطع بالحلية، و عليه فما استدل به علي ثبوت الكراهة يدل علي ثبوتها حتي مع الاخبار لو تمت دلالته عليه.

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره من ان الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب لا مجرد احتمال ذلك فإذا أخبر المجيز بحلية الجائزة و كان مأمونا في خبره لا محالة لا يكون

مظنة ذلك بل يكون احتمالا مجردا و هو لا يوجب الكراهة.

فيه: ان مقتضي الادلة المتقدمة كون الموجب مجرد الاحتمال الموجود مع الاخبار ايضا.

(2) قوله و منها إخراج الخمس.

و قد استدل لكونه رافعا للكراهة بوجهين:

(3) أحدهما: ما عن العلامة قدس سره و هو: ان الخمس يطهر المال المختلط بالحرام يقينا، فمحتمل الحرمة أولي بالتطهير منه، فإن المستفاد من النصوص الواردة في المقيس عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 307

المال حلالا واقعيا فلا يبقي حكم الشبهة كما لا يبقي في المال المختلط يقينا بعد إخراج الخمس. نعم (لكن» يمكن الخدشة في أصل الاستدلال بأن الخمس انما يطهر المختلط بالحرام حيث ان بعضه حرام و بعضه حلال فكأن الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام (1) فمعني تطهيره تخليصه بإخراج الخمس مما فيه من الحرام، فكان المقدار الحلال طاهرا في نفسه الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام بحكم الحرام و هو وجوب الاجتناب، فإخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية. و أما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما، و قذرا ذاتيا فلا معني لتطهيره بإخراج خمسه بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين، و لازمه ان المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه.

______________________________

صيرورة المال حلالا واقعيا بعد إخراج الخمس، و مقتضي جريانه بالاولوية في المقام الحلية الواقعية، فلا يبقي اشتباه حتي تبقي الكراهة.

(1) و أورد عليه المصنف قدس سره بأن الحلال المختلط بالحرام المعلوم وجوده المجهول قدره انما يكون طاهرا ذاتا، و انما صار قذرا عرضا بواسطة الاختلاط بالحرام، فيمكن تطهيره بإخراج الخمس، فكأن الشارع جعل ذلك مصالحة و الخمس بدلا عما فيه من الحرام، و

هذا لا يجري في مورد يحتمل كون المال بتمامه حراما و قذرا ذاتا، فانه لا معني لتطهيره باخراج خمسه.

و لكن: يمكن الجواب عن هذا الايراد بأن في المقيس عليه انما يحكم بطهارة المال و إن كان في الواقع مقدار الحرام أزيد من الخمس، فاذا فرضنا صيرورة الحرام الواقعي طاهرا و حلالا واقعا بإخراج الخمس لكون ذلك مصالحة في نظر الشارع فليكن في المحتمل كذلك، و مجرد احتمال القذارة الذاتية في مجموع المال لا يمنع من ذلك، فيكون المقام نظير ما لو كان مال مرددا بين شخصين و تصالحا علي النصف مثلا.

مع انه يمكن تصوير صورة يكون المقام مثل المقيس عليه، و هي ما لو علم بحلية بعض الجائزة و احتمل حرمة الباقي مع الجهل بقدره، فاذا ثبت استحباب الخمس في هذه الصورة و ارتفعت الكراهة بذلك ثبت الاستحباب و ارتفعت الكراهة في غير هذه الصورة ايضا بعدم القول بالفصل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 308

نعم يمكن أن يستأنس أو يستدل علي استحباب الخمس بعد فتوي النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية (1) في الحكم بالاستحباب و كذلك فتوي السرائر مع عدم العمل فيها إلا بالقطعيات.

______________________________

فالاولي في مقام الايراد علي أصل الاستدلال أن يقال: إن الاولوية ظنية لا اعتبار بها، إذ لعل التخميس حكم العلم بالحرام لا واقع الحرام.

مع ان مقتضي هذا الوجه هو الحكم بوجوب التخميس لا استحبابه لان ذلك لازم اتحاد الملاك في الموردين.

ثانيهما: ان النصوص الدالة علي حلية المال المختلط بإخراج خمسه مطلقة شاملة لما اذا احتمل كون جميع المال حراما، لو لم يكن ذلك هو الغالب من موردها، و مع ذلك فاذا أثر التخميس في حلية البقية كان معناه ان التخميس يرفع كل

منقصة في المال.

و بعبارة اخري: كان معناه رفع أثر العلم الاجمالي و الشك البدوي، فإذا كان رافعا لأثر الاحتمال هناك كان رافعا لأثر الاحتمال في المقام لعدم القول بالفصل و للعلم بعدم دخل اقتران العلم في رفع أثر الاحتمال.

و فيه: انه لا دليل علي رفع أثر الاحتمال و الشك البدوي، فإن غاية ما يستفاد من تلك النصوص ارتفاع أثر العلم الاجمالي، فاذا فرضنا احتمال الحرمة في جميع المال و كون أثر ذلك كراهة الاخذ فلا تدل النصوص علي رفع هذه الكراهة.

تذييل

(1) قوله بعد فتوي النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية في الحكم بالاستحباب.

الثالث: قد استدل لاستحباب إخراج الخمس في المقام- و إن لم يكن رافعا لأثر الكراهة- بوجوه:

أحدها: فتوي النهاية التي هي كالرواية باستحباب الخمس في جوائز السلطان، فإن ذلك بضميمة أخبار من بلغ يوجب ثبوت الاستحباب.

و فيه: ان اخبار من بلغ لا تشمل فتوي الفقيه، و فتوي النهاية كالرواية و ليست برواية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 309

بالموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا إلا ان لا يقدر علي شي ء يأكل و يشرب و لا يقدر علي حيلة فان فعل فصار في يده شي ء، فليبعث بخمسه الي أهل البيت (1) فان موردها و إن كان ما يقع في يده بإزاء العمل الا ان الظاهر عدم الفرق بينه و بين ما يقع في اليد علي وجه الجائزة.

و يمكن أن يستدل له ايضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة مطلقا (2)

و هي عدة أخبار مذكورة في محلها، و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة حملوا تلك الاخبار علي الاستحباب، ثمّ ان ان المستفاد مما تقدم من

اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة «. (3)

______________________________

(1) ثانيها موثق عمار «1» عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و فيه: ان ظهور الامر في الوجوب بضميمة ما ارتكز في الاذهان من وجوب الخمس في ارباح المكاسب، يوجب ظهور الخبر في ارادة ثبوت الخمس بعنوان ربح المكسب لا بعنوان المال المشتبه، و لا أقل من إجماله و احتمال ارادة ذلك.

(2) ثالثها ما في المتن قال و يمكن أن يستدل له ايضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة «2».

و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة، فتحمل تلك الاخبار علي الاستحباب.

و فيه: ان تلك النصوص ان حملت علي الاستحباب، أو أبقيت علي ظاهرها من الوجوب، تكون دالة علي ثبوت الخمس في الجائزة بعنوان ربح المكسب لا بعنوان آخر، فتعتبر زيادتها عن مئونة السنة و مضي الحول، و هذا غير ما هو محل الكلام.

فتحصل: انه كما لا دليل علي ارتفاع الكراهة باخراج الخمس، لا دليل علي استحبابه فيها بعنوان المال المشتبه.

(3) هذا هو الوجه الثالث: مما ذكر كونه رافعا للكراهة و هو وجود مصلحة في الجائزة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 310

و يمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام اشارة (1) إلي أنه لو لا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب أو ينبغي أن يأخذها ثمّ يصرفها في مصارفها و هذه

الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة أخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها صورة عدم العلم بالحرام في ماله أصلا أو العلم بوجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة أو محصورة ملحقة بغير المحصورة علي ما عرفت، و إن كانت الشبهة محصورة (2) بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم إجمالا فظاهر جماعة المصرح به في المسالك و غيره الحل و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.

______________________________

و استدل لذلك المصنف قدس سره باعتذار الامام الكاظم عليه السلام عن قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم.

و فيه: ما عرفت من أن الوجه في امتناعه عن قبولها انما هو لزوم المنة و المهانة لا الكراهة مع ان هذه الكبري الكلية لو تمت لم تفد شيئا، إذ الشأن انما هو في تشخيص الصغري و هو مشكل.

(1) قوله و يمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام اشارة.

محصل مراده انه يمكن أن يكون أخذه عليه السلام للمال من الجائر بعنوان انه مجهول المالك و صرفه في مصارفه و عليه فهو اجنبي عن المقام.

و يحتمل أن يكون، مراده أن اعتذاره يدل علي رفع الكراهة بصرف المال في مصارف المظالم، فيكون هذا بخصوصه رافعا للكراهة و لا دلالة فيه علي كون مطلق المصلحة رافعا لها.

و فيه ايا منهما كان مراده يرد عليه- انه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من التعليل بعدم انقطاع النسل- و تزويج عزاب آل أبي طالب، ان المصلحة الموجبة للقبول هي ذلك لا كون آل أبي طالب مصارف له.

حكم الجائزة مع العلم بوجود الحرام

(2) قوله و إن كانت الشبهة محصورة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 311

قال في الشرائع: جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام، و نحوه

عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما، قال في المسالك التقييد بالعين اشارة الي جواز أخذها و إن علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضي حال الظالم و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع للنص علي ذلك، انتهي.

______________________________

المورد الثاني: كون الشبهة محصورة، و كون جميع الاطراف داخلة في محل الابتلاء.

و قد مر أن حكم المورد الاول حكم هذا المورد، و كيف كان:

فيقع الكلام في مقامين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

أما المقام الاول: فتارة يجيز الجائر بعض أمواله المعين لأحد مجانا أو مع العوض، أو يجيز التصرف فيه.

و اخري يجيز جميع أمواله، أو يجيز التصرف في الجميع.

و ثالثة: يجيز التصرف في شي ء غير معين منها علي سبيل العموم البدلي.

فالكلام في موارد:

أما المورد الاول: فالحق هو انحلال العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله الي العلم التفصيلي بحرمة التصرف في بقية أمواله، اما لكونها مغصوبة، أو لعدم إذن الجائر في التصرف فيها، و الشك البدوي في جواز التصرف في خصوص الجائزة، و عليه فمقتضي قاعدة اليد هو جواز التصرف، و لا تعارضها قاعدة اليد في بقية الاموال لما تقدم من حرمة التصرف فيها علي كل تقدير.

نعم، إذا فرضنا ان المكلف مخاطب بخطاب بالنسبة اليها كما اذا جعل الجائر بقية أمواله في معرض البيع و تمكن المكلف من شرائها، تسقط قاعدة اليد بالمعارضة، لكن ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 312

أقول: ليس في أخبار الباب ما يكون حاكما علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة بل هي مطلقة أقصاها كونها من قبيل قولهم عليهم السلام كل شي ء لك حلال أو كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، و قد تقرر حكومة

قاعدة الاحتياط علي ذلك فلا بد حينئذ من حمل الاخبار علي مورد لا يقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة الغير المحصورة أو المحصورة التي لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف أو علي ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء يجوز أخذه حملا لتصرفه علي الصحيح (1) أو لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلي به المكلف، و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه. (2)

______________________________

فرض نادر الوقوع في أموال الاشخاص الذين يكون الشخص عالما بوجود الحرام في أموالهم من الجائر و عماله و الآكلين للربا و الغاصبين لأموال الناس و السارقين و غيرهم.

و تدل علي جواز التصرف في الجائزة في هذا المورد بعد انحلال العلم الاجمالي أصالة الصحة بالتقريب المتقدم في الصورة الاولي.

و عليه فالايراد علي المصنف قدس سره حيث علل الجواز بقوله.

(1) حملا لتصرفه علي الصحيح.

بأنه إن أريد بأصالة الصحة حمل فعل المسلم علي الصحيح فيما اذا كان ذا وجهين فهي لا توجب ترتب آثار الصحيح عليه، و إن أريد بها أصالة الصحة في العقود و الايقاعات فلا ريب انها لا تثبت كون العوضين ملكا للمتبايعين كما عن الاستاذ الاعظم.

غير صحيح، إذ الظاهر ان مراده هو الثاني، و قد عرفت دفع هذا الايراد فراجع.

و لعله الي ما ذكرناه نظر المصنف قدس سره من ما ذكره من ان القاعدة لا تقتضي لزوم الاجتناب في هذا المورد معللا بقوله.

(2) لان تردد الحرم بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 313

______________________________

به المكلف و ما لم يبتل به فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه.

و ان كان ذلك غير ظاهر منه و لكن لا مناص من حمله عليه كما لا يخفي.

و قد استدل للجواز في هذا المورد بوجوه اخر:

منها: ان الشبهة من قبيل غير المحصورة من جهة أن مجموع الاشخاص الذين يكون العلم حاصلا بوجود الحرام في أموالهم من السلطان و عماله و الآكلين للربا و السارقين و غيرهم بمنزلة شخص واحد بالنسبة الي هذا المكلف، و من المعلوم أن أموالهم من حيث المجموع من غير المحصورة.

و فيه: مضافا الي ما تقدمت الاشارة اليه من عدم الفرق في تنجيز العلم الاجمالي بين كون الشبهة محصورة أو غير محصورة ان الشبهة علي هذا التقدير من باب الكثير في الكثير.

و منها: لزوم العسر و الحرج من التجنب عن أموالهم لسد باب المعاش.

و فيه: ان هذا لو تم لاقتضي عدم التجنب في كل مورد لزم منه ذلك، فلو فرضنا عدم لزومه في مورد او بالنسبة الي شخص خاص لما اقتضي هذا الوجه جواز تصرفه لما حقق في محله من أن المنفي في أدلة نفي العسر و الحرج هو الشخصي منهما لا النوعي.

و منها: ان الجائر باعطاء الجائزة يدعي ملكيتها ضمنا، و حيث انه لا معارض له في هذه الدعوي فلا بد من سماعها.

و فيه: انه و إن دل خبر منصور بن حازم «1» علي ان من ادعي كون شي ء ملكا له و لا معارض له يحكم بأنه له، الا انه غير مربوط بالمقام الذي يعلم بوجود الحرام في الاموال التي تحت يد الجائر الذي يكون تسلطه عليها متضمنا لدعوي ملكية الجميع

كما لا يخفي.

و منها: أصالة الحل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 314

______________________________

و فيه: ان الاستدلال بها يتم فيما كان المأخوذ من المباحات الاصلية و شك في حرمته من جهة احتمال أن يكون غير المجيز قد حازه و قد أخذ الجائر منه ظلما، و أما في الاموال التي تكون مسبوقة بيد اخري يقينا فهذا الاصل محكوم لأصالة عدم الانتقال.

و أما المورد الثاني: كما اذا كان للجائر مائة تومان و أجاز لأحد أن يتصرف فيها أو ملكها اياه و علم ذلك الشخص بكون مقدار منها مال الغير و قد أخذه ظلما، فلا ريب في عدم جواز التصرف للعلم الاجمالي غير المنحل في هذا المورد الموجب لعدم جريان شي ء من القواعد و الاصول الدالة علي جواز التصرف في المال المشتبه المأخوذ من الغير.

و أما المورد الثالث: فالقول بجواز التصرف فيه و عدمه مبنيان علي انحلال العلم الاجمالي و عدمه، إذ علي الاول يجوز لما ذكرناه في المورد الاول، و علي الثاني لا يجوز لما تقدم في المورد الثاني.

و قد اختار المصنف قدس سره عدم الانحلال و تبعه الاستاذ الاعظم.

و ذهب المحقق النائيني و تبعه المحقق الايرواني قدس سره الي الانحلال.

و الحق هو الثاني، و ذلك بناء علي ما حققناه في الاصول من شمول أدلة الاصول لأطراف العلم الاجمالي بنحو التخيير و عدم لزوم محذور من ذلك، غاية الامر التزمنا بلزوم الاجتناب عن جميع الاطراف للنصوص الخاصة الواردة في الموارد المخصوصة، حيث إن المستفاد منها كبري كلية واضح، فان مورد تلك النصوص ما اذا تمكن المكلف من ارتكاب جميع الاطراف، ففيما لا يمكن ذلك يكون المرجع هي أدلة الاصول.

و أما علي

القول بعدم شمولها لها و لو بنحو التخيير، فلان عدم جريان الاصول في طرفي العلم الاجمالي انما يكون لاجل التعارض، و هو انما يكون من جهة أن من جريانهما معا يلزم الترخيص في المعصية، فاذا فرضنا انه لا يلزم من جريانهما معا الترخيص في المعصية لعدم القدرة علي الجمع بين الاطراف تكوينا أو تشريعا لا مانع من جريانهما معا. و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 315

فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي غير منجز عليه كما أشرنا اليه سابقا فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما اذا اراد أخذ شي ء من ماله مقاصة أو أذن له الجائر في أخذ شي ء من أمواله علي سبيل التخيير، أو علم أن المجيز قد أجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام بناء علي ان اليد لا تؤثر في حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه كما لو علمنا ان الشخص أعارنا أحد الثوبين المشتبهين في نظره فانه لا يحكم بطهارته. فالحكم في هذه الصور بجواز أخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه «عنه» و طرح قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة في غاية الاشكال بل الضعف فلنذكر النصوص الواردة في هذا المقام و

______________________________

و لكن الانصاف عدم جواز التصرف في هذا المورد حتي مع انحلال الاجمالي، إذ قد عرفت ان المجوز للتصرف في مورد الشك انما هو قاعدة اليد و أصالة الصحة، و جريان كل منهما في مورد يتوقف علي احتمال صحة التصرف حتي في ظاهر الشرع و لو أحرز انه لا يجوز له ذلك و لو في ظاهر الشرع لما كان المورد مورد الشي ء منهما كما لا يخفي، و عليه فاذا اجاز الظالم مع علمه

بحرمة بعض ما تحت يده في التصرف في الجميع بنحو العموم البدلي فهو قد أجاز التصرف في المحرم المعلوم تفصيلا أو اجمالا.

و علي كل تقدير ليس له ذلك، فاذا لم تجر قاعدة اليد و أصالة الصحة- و حيث يحتمل حرمة التصرف فيما يختاره و مقتضي الاصول الموضوعية المشار اليها سابقا عدم جواز التصرف- فلا يجوز له ذلك.

و بما ذكرناه ظهر انه في المورد الاول إذا لم يحتمل صحة تصرفه في ظاهر الشرع- كما اذا احرز انه اجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام- لا يجوز التصرف فيه.

فتحصل: ان مقتضي القواعد عدم جواز التصرف في الجائزة في الموردين الاخيرين و في المورد الاول اذا علم ان المجيز أقدم علي التصرف في الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 316

نتكلم في مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره حتي يعلم عدم نهوضها للحكومة علي القاعدة.

فمن الاخبار التي استدل بها في هذا المقام قوله عليه السلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه (1) و لا يخفي ان المستند في المسألة لو كان مثل هذا لكان الواجب. أما التزام ان القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين أو أن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب.

______________________________

فإن قيل: إن أدلة البراءة تدل علي الجواز، اجبنا عنه بما ذكره المصنف قدس سره.

بقوله: و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك.

و إيراد الاستاذ الاعظم عليه بأن العجب منه حيث انه في الاصول شيد اساس تقديم أدلة البراءة علي

ادلة الاحتياط، فكيف التزم في المقام بحكومة قاعدة الاحتياط علي البراءة.

مندفع بأن ما أفاده في الاصول انما هو في الاحتياط الشرعي، و كلامه في المقام في الاحتياط العقلي الذي هو مقتضي العلم الاجمالي و قد شيد في الاصول اساس تقديمه علي ما كان من قبيل قولهم عليهم السلام كل شي ء لك حلال «1» أوكل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال «2» راجع الفرائد.

أما المقام الثاني: فقد استدل لجواز التصرف في المأخوذ من الجائر في هذه الصورة بطوائف من النصوص:

الاولي: النصوص الدالة علي حل الاشياء ما لم تثبت حرمتها.

و إليها اشار المصنف قدس سره.

(1) قال فمن الأخبار التي استدل بها في المقام قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 61، من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 2.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 61، من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 7 و باب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 317

و علي أي تقدير، فهو علي طرف النقيض مما تقدم عن المسالك. (1)

______________________________

و فيه: ان هذه النصوص لا تختص بما يؤخذ من يد الجائر، و قد تقرر في الاصول عدم شمولها لأطراف العلم الاجمالي أما لامتناعه أو لأجل النصوص الواردة في خصوص العلم الاجمالي كما هو الحق.

(1) قوله فهو علي طرف النقيض مما تقدم.

أما علي القول بأن القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط فلانه التزم في المسالك بكون القاعدة هو الوجوب.

و أما علي القول بأن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب: فلانه التزم بخروجه عنه تخصيصا لا تخصصا.

الطائفة الثانية: النصوص الواردة في باب الربا الدالة علي ان ما أخذ زائدا عن رأس

المال اذا لم يعلم صاحبه فهو حلال.

كصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام: في المال الذي ورثه ممن كان يربي: ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوي ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك «1». و نحوه غيره.

و قد ذكرها السيد في الحاشية و استدل بها لهذا القول.

و فيه: انها واردة في الربا و دالة علي ان المال المأخوذ بهذا العنوان يصير حلالا بالتوبة إذا اختلط، و يكون هذا المورد كجملة من الموارد التي اذن الشارع الاقدس في التصرف في مال الغير من غير رضاه و كونه حلالا واقعا كأكل المارة و أكل اللقطة و التصرف في الاراضي المتسعة و غيرها، فلا يكون هناك حرام، بل جميع المال للمتصرف، و عليه فهي أجنبية عن المقام.

و هو قد استدل في ضمن الاستدلال بهذه الطائفة بخبرين آخرين:

أحدهما: موثق سماعة عن الامام الصادق عليه السلام: إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس «2»..

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من أبواب الربا حديث 3.

(2) الوسائل، باب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 318

و منها صحيحة أبي ولاد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب الا من أعمالهم، و أنا أمر به و أنزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي:

كل و خذ منها فلك المهنأ «الحظ» و عليه الوزر، و الاستدلال به علي المدعي لا يخلو عن نظر (1) لان الاستشهاد إن

كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل فلا يخفي ان الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة.

______________________________

و فيه: انه وارد في مقام بيان حكم ما تحت يده من مال مخلوط، و يدل علي حليته مطلقا.

و لكن لا بد في مقام الجمع بينه و بين نصوص التخميس التي هي أخص منه من حمله علي ارادة الحلية بعد التخميس، ثمّ للجمع بينه و بين سائر النصوص يحمل علي صورة الجهل بقدر الحرام و صاحبه كما اشبعنا الكلام في ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق في كتاب الخمس.

ثانيهما: خبر محمد بن أبي حمزة عن رجل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: اشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول ظلمني فقال عليه السلام: اشتره «1».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده للارسال: انه غير ظاهر في صورة العلم الاجمالي بوجود الحرام في مال ذلك العامل، و مجرد دعوي الظلم لا يفيد لاثباته.

الطائفة الثالثة: النصوص الدالة علي جواز أخذ الجائزة من الجائر سواء كان الاخذ مع العوض أو بدونه: كصحيح أبي ولاد «2». المذكور في المتن.

و أورد عليه المصنف قدس سره بقوله:

(1) لأن الاستشهاد إن كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 319

و أما من حيث ان

ما يقع من العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده فيتم الاستشهاد لكن فيه مع ان الاحتمال الاول مسقط للاستدلال علي حل المشتبه المحصور الذي تقضي القاعدة لزوم الاحتياط فيه لان الاعتماد حينئذ علي اليد كما فرض مثله في غير الظلمة ان الحكم بالحل علي هذا الاحتمال غير وجيه الا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير المالك بغير رضاه لان المفروض حرمته علي العامل لعدم احترام عمله (1) و كيف كان. فالرواية اما من أدلة حل مال السلطان المحمول بحكم الغلبة الي الخراج و المقاسمة. و أما من أدلة حل المال المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطي مالكا له و لا اختصاص له بالسلطان أو عماله أو مطلق الظالم أو غيره. و أين هذا من هذا المطلب الذي هو حل ما في يد الجائر مع العلم إجمالا بحرمة بعضه المقتضي مع حصر الشبهة للاجتناب عن جميعه.

______________________________

محصل ما أورده عليه المصنف قدس سره. ان الاستشهاد به.

إن كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل.

فيرد عليه: ان الحكم بالحل حينئذ انما يكون من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة، لظهوره بقرينة قوله عليه السلام و عليه الوزر الظاهر في ارادة وزر ما يأخذه من الاجرة في حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و إن العمل للسلطان من المكاسب المحرمة، و عليه فمفاده اجنبي عن المقام لاختصاصه بما إذا علم بحرمة بقية أمواله تفصيلا و شك في حرمة خصوص

الجائزة، و لا إشكال في الجواز في هذا الفرض بحسب القواعد ايضا لجريان قاعدة اليد فيها بلا معارض، و أين ذلك مما هو مفروض الكلام- أي العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله- مع كون الشبهة محصورة و كون جميع أطرافه محل الابتلاء المقتضي للزوم الاحتياط.

(1) و إن كان من حيث حكمه عليه السلام بأن ما يقع من مال العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 320

و مما ذكرنا يظهر الكلام في مصححة أبي المعزا أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم اخذها، قال: نعم و قلت: و احج بها قال: و حج بها.

و رواية محمد بن هشام أمر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها قال: نعم، قلت: و احج بها. قال: نعم، و حج بها.

و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوائز السلطان ليس بها بأس الي غير ذلك من الاطلاقات (1) التي لا تشمل من صورة العلم الاجمالي

______________________________

فيرد عليه: ان الحكم بالحل علي هذا التقدير غير وجيه الا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة، إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير مالكه بغير رضاه، إذ المفروض حرمته علي العامل لعدم احترام عمله.

و فيه: ان الظاهر دلالة الخبر علي جواز التصرف فيما يؤخذ من عمال السلطان حتي في مورد اقتضاء القواعد عدم الجواز علي كل من التقديرين.

اما علي التقدير الاول: فلعدم اختصاصه بالصورة المفروضة، بل مقتضي اطلاقه هو الجواز حتي فيما لم يعلم تفصيلا بحرمة بقية أمواله، بل علم اجمالا بوجود المال الحرام في أمواله المحتمل أن يكون المأخوذ منه، و قوله ليس له مكسب غيره لا

يقتضي الاختصاص بها، بل غايته معرضية ما عنده لان يكون من الاموال المأخوذة من السلطان.

و أما علي التقدير الثاني: فلان مقتضي اطلاق الرواية جواز الاخذ مع احتمال كون المأخوذ من الخراج و المقاسمة، و حملها علي صورة العلم بكونه من أحدهما، مضافا الي منافاته للاطلاق حمل علي الفرد النادر، فتدل علي حلية المأخوذ بمجرد احتمال كونه من الاموال المباحة للسائل حتي مع العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله، لو لم ندع اختصاصها بهذا المورد.

(1) و بما ذكرنا ظهرت دلالة سائر النصوص علي الجواز و الحلية كصحيح أبي المعزا المتقدم و حسن «1» زرارة و محمد بن مسلم- او صحيحهما- و خبر «2» محمد بن هشام. المذكورة في المتن.

و غير ذلك من الروايات المطلقة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) نفس المصدر، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 321

بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة (1) و علي تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالي مع انحصار الشبهة فلا تجدي لان الحل فيها مستند الي تصرف الجائر بالاباحة و التمليك و هو محمول علي الصحيح مع انه لو أغمض النظر عن هذا اورد بشمول الاخبار لما اذا أجاز الجائر من المشتبهات في نظره بالشبهة المحصورة و لا يجري هنا أصالة الصحة في تصرفه يمكن استناد الحل فيها الي ما ذكرنا سابقا من ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر أو ملكه و بين ما بقي تحت يده من الاموال التي لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلي به المكلف من المشتبهين، و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ عن شي ء منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها

من موارد الاشتباه مع كون أحد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به.

ثمّ لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة (2) كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام كل شي ء حلال، الخ.

______________________________

(1) قوله لا تشمل … الا الشبهة الغير المحصورة.

و قد حمل المصنف قدس سره هذه الطائفة من النصوص علي الشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي يكون بعض أطرافها خارجا عن محل الابتلاء، ثمّ قال:

(2) انه لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة.

و يرد علي ما أفاده، أولا: انه خلاف اطلاق النصوص، فإنها مطلقة شاملة للشبهة المحصورة و غيرها، فتخصيصها بمورد خاص يحتاج الي دليل مخصص مفقود.

و يرد علي ما أفاده ثانيا: ان المحقق في الاصول عنده قدس سره و قد تبعناه ان العلم الاجمالي بالنسبة الي الموافقة القطعية انما يكون بنحو الاقتضاء لا العلية، أي تجب الموافقة القطعية ما لم يرد ترخيص في المخالفة الاحتمالية، و الا فلا تجب و علي ذلك، فالعلم الاجمالي المقتضي للاحتياط لا يصلح لرد هذه النصوص، مع انه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي في الموردين من الموارد الثلاثة المتقدمة اللذين هما محل الكلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 322

و مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا ان كان شاملا لصورة العلم الاجمالي بوجود حرام في الجائزة مردد بين هذا و بين غيره مع انحصار الشبهة فهو مستند الي حمل تصرفه علي الصحة

أو إلي عدم الاعتناء بالعلم الاجمالي لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة. نعم قد يخدش في حمل تصرف الظالم علي الصحيح من حيث انه مقدم علي التصرف فيما في يده من المال المشتمل علي الحرام علي وجه عدم المبالات بالتصرف في الحرام فهو كمن أقدم علي ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام، و لم يقل أحد بحمل تصرفه حينئذ علي الصحيح لكن الظاهر ان هذه الخدشة غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون في الحمل علي الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر.

و أما عدم الحمل فيما اذا أقدم المتصرف علي الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده فلفساد تصرفه في ظاهر الشرع فلا يحمل علي الصحيح الواقعي، فتأمل.

فإن المقام لا يخلو عن اشكال و علي أي تقدير، فلم يثبت من النص و لا الفتوي مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاجتناب في المقام، و الغاء تلك القاعدة و أوضح ما في هذا الباب من عبارات الاصحاب ما في السرائر حيث قال اذا كان يعلم ان فيه شيئا مغصوبا الا انه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها علي جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لانها صارت بمنزلة المستهلك لانه غير قادر علي ردها بعينها، انتهي.

و قريب منها ظاهر عبارة النهاية بدون ذكر التعليل، و لا ريب ان الحلي لم يستند في تجويز أخذ المال المردد الي النص بل الي ما زعمه من القاعدة و لا يخفي عدم تماميتها

الا ان يريد به الشبهة الغير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل. (1)

______________________________

(1) و قد ظهر مما حققناه ما في كلماته في المقام فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 323

______________________________

و بما ذكرناه ظهر اندفاع ما أورده الاستاذ الاعظم علي الاستدلال بهذه النصوص علي الجواز: بأن المدعي إن ادعي انها تدل علي الحلية الواقعية فيرد عليه: ان العمل باطلاقها يقتضي اباحة أخذ الجائزة من الجائر حتي مع العلم التفصيلي باشتمالها علي الحرام، و لم يتفوه به أحد، و إن ادعي ظهورها في الحلية الظاهرية فيرد عليه: ان تلك الاخبار لا يمكن شمولها لجميع الاطراف، فإنه ترخيص في المعصية، و لبعضها دون بعض ترجيح بلا مرجح، و اذا فتخرج موارد العلم الاجمالي الذي يوجب التنجز عن حدود تلك الاخبار تخصصا.

فإنه يرد عليه: ان العلم الاجمالي لا يكون منجزا كما عرفت في المورد الاول و الثالث اللذين هما محل الكلام، و إن شئت قلت: إن تلك الاخبار انما تدل علي حلية ما يؤخذ من الجائر مجانا أو مع العوض الذي هو أحد أطراف العلم الاجمالي، و لا تدل علي حلية جميع أمواله حتي الباقية تحت يده، و عليه فلا يلزم من القول بشمولها لبعض الاطراف ترجيح بلا مرجح، فلا مانع من شمولها له.

و قد أورد علي الاستدلال بهذه النصوص بإيراد آخر و هو: ان الظاهر من موثق اسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا «1». تقييد الحكم بصورة الشك فقط.

و فيه: ان السائل فرض ظلم العامل و مع ذلك سأل عن حكم الاشتراء منه، فمورده لا محالة يكون هو العلم الاجمالي بوجود الحرام. و

جوابه عليه السلام ظاهر في إرادة أنه إن لم يعلم بالظلم في خصوص ما يؤخذ منه تفصيلا أو اجمالا لا بأس بالاشتراء و به يقيد اطلاق سائر النصوص.

فتحصل: ان الظاهر من الروايات جواز التصرف في جوائز الظلمة سواء أخذت منهم مجانا أو مع العوض، و إن علم اجمالا بوجود الحرام في أموالهم ما لم يعلم بوجوده في خصوص الجائزة، و الله العالم بالاحكام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 324

و أما الصورة الثالثة: فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه (1)
اشارة

فلا اشكال في حرمته حينئذ علي الاخذ. (2)

______________________________

لو علم تفصيلا كون الجائزة محرمة

(1) قوله و أما الصورة الثلاثة فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه.

و الكلام في هذه الصورة يقع في جهتين:

الاولي: في حكم المأخوذ.

الثانية: في الفروع و الامور التي تعرض لها المصنف قدس سره في المكاسب.

أما الجهة الاولي: فمقتضي القواعد حرمة التصرف فيه لفرض كونه مال الغير.

و قد استدل المحقق الايرواني قدس سره علي جواز التصرف فيه باطلاق النصوص المتقدمة، ثمّ قال: نعم لا تشمل الرواية صورة معرفة المالك بعينه أوفي أطراف محصورة.

و فيه: اولا: ان تلك النصوص ليست في مقام بيان اثبات الحلية الواقعية، و الا فمقتضي اطلاقها الحلية حتي في الموردين المزبورين، و لم يتفوه بذلك فقيه، بل هي في مقام بيان جعل الحلية الظاهرية، و هي انما تكون مجعولة في صورة الشك و الاحتمال.

فمع القطع بالحرمة لا معني لجعلها كما لا يخفي.

و ثانيا: انه لو سلم شمولها لهذه الصورة وجب تقييد اطلاقها بمفهوم موثق اسحاق المتقدم كما عرفت، فالاظهر عدم جواز التصرف فيه.

و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره من قوله.

(2) و لا اشكال في حرمته، علي الآخذ.

لما سيفتي بجواز الاخذ

بنية الرد.

و أما الجهة الثانية: فقد ذكر في المقام أمورا:

الامر الاول: انه هل يجوز الاخذ من الجائر أم لا؟ ثمّ ما ذا حكم المأخوذ من حيث الضمان؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 325

الا ان الكلام في حكمه إذا وقع في يده فنقول علمه بحرمته. اما ان يكون قبل وقوعه في يده. و أما أن يكون بعده فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد (1) الي صاحبه سواء أخذه اختيارا او تقية لان أخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به. و التقية تتنادي بقصد الرد فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا ترتب عليه أحكامه. (2) و ان أخذه بنية الرد كان محسنا و كان في يده امانة شرعية.

______________________________

(1) قوله فإن كان قبله لم أن يأخذه بغير نية الرد.

و الكلام في هذا الامر يقع في موردين:

المورد الاول: أن يعلم بحرمة الجائزة قبل استقرارها في يده.

الثاني: ما لو علم بذلك بعده.

أما المورد الاول: فقد فصل المصنف قدس سره بين ان يكون الاخذ بغير نية الرد الي صاحبه، و ما اذا كان بتلك النية و اختار عدم الجواز و الضمان لو أخذ بغير نية الرد، و الجواز و عدم الضمان لو تلف في ما اذا كان بنية الرد.

(2) و استدل له: بانه أن أخذ بغير تلك النية كان غاصبا و متصرفا في مال الغير عدوانا و بغير رضا صاحبه، فتترتب عليه أحكام الغاصب، و إن أخذ بنية الرد كان محسنا، و قد دل الدليل علي أن المحسن- مضافا الي ان فعله حسن و عدل و محبوب- ليس عليه من سبيل، «1» و يكون المال في يده أمانة فلا يضمن لو تلف.

و فيه:

ان الاخذ بنية الرد الي المالك، اما أن يكون مع علم الاخذ برضا صاحبه كما هو الغالب، أو يكون مع علمه بعدم رضاه، أو يكون مع الشك في رضا المالك ظاهر المصنف قدس سره هو الجواز في جميع الصور الثلاث.

و لكن الاظهر عدم الجواز الا في الصورة الاولي فلنا دعويان:

______________________________

(1) التوبة: 91.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 326

______________________________

الاولي: الجواز في الصورة الاولي، و دليله واضح، لانه يجوز التصرف في أموال كل أحد مع رضاه بالتصرف إن لم يكن محجورا.

الثانية: عدم الجواز في الصورتين الاخيرتين، و تشهد له الادلة الدالة علي عدم جواز التصرف في مال الغير مع عدم رضا صاحبه المحرز في الصورة الثانية بالوجدان و في الصورة الثالثة بالاستصحاب.

كقوله عليه السلام في خبر الاحتجاج: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه «1» و نحوه موثق سماعة «2» و غيره.

و قد استدل للجواز في الصورتين أوفي الصورة الاخيرة بوجهين:

الاول: ما دل من الآيات و الروايات علي جواز الاحسان و محبوبيته بدعوي ان الاخذ لحفظ المال و رده الي مالكه مصداق للعدل و الاحسان.

و فيه: ان أخذ مال الغير مع عدم إحراز رضاه ليس احسانا، و لذا تري انه لم يتفوه فقيه بجواز المعاملة مع أموال الغير بغير رضاه للاسترباح مستندا الي انه احسان، بل هو اساءة و ظلم، إذ التصرف في مال الغير مع عدم احراز رضا صاحبه ظلم و عدوان لا عدل و احسان.

الثاني: ما استند اليه الاستاذ الاعظم و هو عدم صدق التصرف علي مجرد الاخذ بنية الرد الي المالك، إذ التصرف عبارة عن التقليب و التقلب، و لا نسلم صدقه علي ذلك، ثمّ قال: و اذا سلمنا صدقه لغة فانه

منصرف عنه عرفا.

و فيه: ان الامساك و التحفظ تصرف في الشي ء، و لذا تري انه التزم بالحرمة في صورة احراز عدم رضا المالك بذلك، و لو لا صدق التصرف علي الاخذ لما كان وجه لعدم الجواز.

______________________________

(1) الاحتجاج،، ص 267 عن الاسدي عن العمري عنه عليه السلام.

(2) الوسائل، باب 3، من أبواب مكان المصلي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 327

و إن كان العلم به بعد وقوعه في يده كان كذلك أيضا، (1) و يحتمل قويا الضمان هنا لانه أخذه بنية التملك لا بنية الحفظ و الرد و مقتضي عموم علي اليد الضمان.

______________________________

و بالجملة: المناقشة في صدق التصرف علي أخذ مال الغير و حفظه للرد اليه لا سبيل اليها، و ما يري من ان العرف و العقلاء المتدينين يأخذون مال الغير لحفظه و الرد اليه ليس ذلك من جهة انهم لا يرون الاخذ تصرفا، بل من جهة احرازهم رضا صاحبه بذلك كما تقدم، فالاظهر انه ما لم يحرز رضا صاحبه لا يجوز الاخذ حتي مع نية الرد، كما انه يجوز الاخذ مع احراز الرضا و إن كان لا بنية الرد، فالضابط هو احراز الرضا و عدمه.

و أما الضمان لو تلف المال تحت يده فلا ريب في ثبوته في صورة الاخذ مع عدم رضا صاحبه إن لم يصدق عليه الاحسان كما هو الصحيح لقاعدة ضمان اليد، و أما لو أخذه مع احراز رضاه فهو غير ثابت، إذ المأخوذ حينئذ يكون امانة مالكية نظير الوديعة المالكية، و أما لو أخذه مع عدم احراز الرضا و بنينا علي جوازه لكونه احسانا فهو يكون عنده امانة شرعية، فلا ضمان.

و قد أورد علي ما ذكره المصنف بقوله: و التقية تتأدي بقصد

الرد.

بانه لا يعتبر في التقية عدم المندوحة و لذا لو اقتضت التقية التكفير في الصلاة في سعة الوقت و تمكن المكلف من الاتيان بالصلاة بغير تكفير في آخر الوقت صحت صلاته، لو صلي مع التكفير، فكيف اعتبره المصنف قدس سره في المقام.

و يتوجه عليه انه فرق بين وجود المندوحة حال العمل، كما لو تمكن في المثال من الصلاة بغير تكفير لاجل وجود قائل منهم بعدم لزومه مثلا و بين وجود المندوحة بالنسبة الي أصل العمل كما فيما فرضه الخصم فانه في الفرض الاول لا يشمله أدلة التقية لعدم صدق التقية و في الفرض الثاني تشمله: لصدق الموضوع و اطلاق الادلة و ما نحن فيه من قبيل الاول كما لا يخفي.

(1) و أما المورد الثاني: و هو ما لو علم بكون الجائزة مغصوبة بعد استقرارها في يده،

فظاهر المكاسب و صريح السيد الفقيه ان هنا مسألتين:

الاولي: أنه هل يكون الاخذ بنية التملك مع الجهل بكونه للغير موجبا للضمان أم لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 328

و ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا. قال: لانه يد امانة فيستصحب و حكي موافقته عن العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه. لكن المعروف من المسالك و غيره في مسألة ترتب الايدي علي مال الغير ضمان كل منهم و لو مع الجهل، غاية الامر رجوع الجاهل علي العالم اذا لم يقدم علي أخذه مضمونا و لا إشكال عندهم ظاهرا في انه لو استمر جهل القابض المتهب الي ان تلف في يده، كان للمالك الرجوع عليه و لا رافع يقينيا لهذا المعني مع حصول العلم بكونه مال الغير فيستصحب الضمان لا عدمه. و ذكر في المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه

لا يرده اليه مع الامكان و لو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر و الذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع علي ايهما شاء و إن كان قرار الضمان علي الغاصب، انتهي.

و الظاهر ان مورد كلامه ما اذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلا بغصبه ثمّ تبين له و هو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط.

______________________________

الثانية: انه اذا حكمنا بالضمان هل يبقي حكمه حتي لو نوي الحفظ بعد العلم بكونه للغير و رده الي صاحبه، أم يتغير الحكم بتغير العنوان؟ أما المسألة الاولي: فالمشهور بين الاصحاب علي ما يظهر منهم في نظائر المقام كإعارة الغاصب او بيعه أو رهنه لمال الغير و غير ذلك هو القول بالضمان، و عن المسالك و المفاتيح في المقام: عدم الضمان، و كذلك عن المحقق و العلامة في مسألة الاستعارة من الغاصب.

و استدل لعدم الضمان في المقام بوجوه:

الاول: انه لا موجب لتوهم الضمان سوي قاعدة اليد، و هي لا تشمل المقام، إذ المأخوذ في مفهوم الاخذ هو التعدي و العدوان، و مع الجهل بكونه للغير لا يصدق هذا العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 329

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه و إن اختاره المحقق النائيني قدس سره لكنه غير تام، إذ مفهوم الاخذ أوسع من ذلك، و لذا تري انه لا يتوهم أحد اختصاص هذا المبحث بكون الاخذ من السلطان و عماله علي نحو التعدي من جهة تعبيرهم عن الموضوع بالجوائز المأخوذة من السلطان و عماله.

الثاني: ما ذكره المحقق التقي قدس سره و هو قوله عليه السلام فلك المهنا و عليه الوزر «1». بدعوي ان الضمان وزر، و ظاهر الرواية اختصاص الوزر بالعامل، فلا

وزر علي الاخذ.

و فيه: ما تقدم آنفا من اختصاص تلك النصوص بالصورتين الاولتين من الصور الاربع لموثق اسحاق فراجع.

الثالث: ان مقتضي قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده عدم ضمان الاخذ، لان اعطاء الجائزة من باب الهبة المجانية، و هي ليس في صحيحها الضمان فكذا في فاسدها، و كذا الوديعة و العارية و نحو ذلك.

و فيه: ان الضمان المدعي انما هو للمالك لا للمعطي، و هو لم يهب ماله و لم يسقط احترامه، و من اسقط احترامه لم يكن له ذلك.

الرابع: ان الغاصب أقوي من الآخذ. لانه مغرور من قبله، فيستند الاتلاف اليه دونه و كذا في صورة التلف السماوي.

و فيه: ان الاقوائية لا توجب عدم ضمان الاضعف، و قاعدة الغرور انما تقتضي جواز رجوع المغرور الي من غره لا عدم جواز رجوع المالك اليه.

الخامس: ان الشارع قد رخص في أخذ الجائزة عند الجهل بكونها مغصوبة، فهي امانة شرعية في حال الجهل، و بعد العلم يشك في الضمان فيستصحب يد الامانة.

و فيه: ان الترخيص في حال الجهل ترخيص ظاهري لا ترخيص واقعي، فلا ينافي

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 330

______________________________

حكم الشارع بالضمان الواقعي.

و ان شئت قلت: إن إذن الشارع في وضع اليد علي مال الغير إن كان لمصلحة المالك من حفظه له و ايصاله اليه كان ذلك موجبا لرفع الضمان، و إن كان لغير ذلك- كما في المقام حيث انه اذن في التملك ظاهرا- فهو لا يوجب رفعه، مع انه للعلم بكونه للغير يرتفع الإذن الذي هو المناط في عدم الضمان علي الفرض.

فتحصل: ان الاطهر هو الضمان لعموم علي اليد «1».

و أما المسألة الثانية: و

هي انه علي القول بالضمان هل يرتفع هذا الحكم بنية الرد الي المالك بعد العلم بالحال كما اختاره السيد الفقيه قدس سره أم لا يرتفع كما احتمله المصنف قدس سره قويا و اختاره صاحب الجواهر قدس سره وجهان:

قد استدل للاول في الحاشية: بأن اليد اذا انقلبت من العدوان و الخيانة الي الاحسان و الامانة ينقلب الحكم ايضا، إذ مقتضي عموم ما علي المحسنين «2» و نحوه من أدلة الامانات المخصصة لعموم علي اليد كون الضمان ما دامت اليد عدوانية، فلا يصغي الي ما قيل من أن علة الضمان الاخذ العدواني من الاول فلا يفيد الانقلاب.

و فيه: مضافا الي ما عرفت من انه لا يصح الحكم بعدم الضمان للادلة المشار اليها. و ليست هي مخصصة لعموم علي اليد:

انه لو سلم صحة الحكم بالعدم مستندا اليها، لا تصلح هي للدلالة علي عدم الضمان في المقام، و ذلك لان غاية ما تدل عليه هذه الادلة ان يد الامين لا تقتضي الضمان لا انها تقتضي عدم الضمان، و عليه فحيث ان مقتضي عموم علي اليد ان وضع اليد علي مال الغير علة للضمان الباقي ما لم يؤد، فلا تصلح اليد الفعلية الحادثة التي هي يد امانية لمزاحمة اليد السابقة، إذ ما لا اقتضاء له لا يزاحم ما له الاقتضاء.

______________________________

(1) سنن البيهقي، ج 6، ص 90- كنز العمال، ج 5، ص 257- عوالي اللئالي، ج 2، ص 345 ح 10.

(2) سورة التوبة، آية: 91.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 331

و علي أي حال فيجب علي المجاز رد الجائزة بعد العلم بغصبيتها إلي مالكها أو وليه (1)

و الظاهر انه لا خلاف في كونه فوريا. (2)

______________________________

فظهر ان ما افيد في وجه الحكم ببقاء

الضمان و إن تبدلت اليد بيد الامانة، من عموم علي اليد هو الصحيح، نعم اذا علم الاخذ برضا المالك بحفظ ماله بقصد الايصال اليه و كانت الامانة مالكية يرتفع الضمان، لان ذلك في قوة القبض و الاستيداع.

و بما ذكرناه ظهر ان ما ذهب اليه المشهور في نظائر المقام من ان اليد غير الامانية اذا عادت اليها يبقي الضمان، إلا اذا أذن المالك في استدامة القبض، هو الصحيح.

يجب علي المجاز رد الجائزة إلي أهلها

(1) و كيف كان: فلا اشكال في وجوب رد الجائزة الي صاحبها أو وليه كما صرح به غير واحد و في المتن.

و تنقيح القول في المقام يستدعي البحث في مقامين:

الاول: ما اذا كان مالك المأخوذ معلوما.

الثاني: ما اذا كان مجهولا.

أما المقام الاول: فلا ريب و لا كلام في وجوب رد المأخوذ إلي أهله، كان المال في يده امانة أم لم يكن كذلك لقاعدة علي اليد في الثاني، و ما دل علي وجوب رد الامانة من الآية الشريفة (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا) «1» و غيرها في الاول، و للنصوص الخاصة الواردة في المقام الآتي بعضها الدالة علي وجوب رد المأخوذ الي صاحبه اذا كان معلوما.

انما الكلام في موردين:

المورد الاول: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(2) و الظاهر انه لا خلاف في كونه فوريا.

______________________________

(1) النساء: 58.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 332

نعم، يسقط بإعلام صاحبه به، و ظاهر ادلة وجوب أداء الامانة وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية (1) الا أن يدعي انها في مقام حرمة الحبس، و وجوب التمكين لا تكليف الامين بالاقباض، و من هنا ذكر غير واحد كما عن التذكرة و المسالك و جامع المقاصد ان المراد برد الامانة رفع يده عنها و التخلية

بينه و بينها.»

______________________________

و الظاهر ان وجهه فيما اذا كانت اليد غير امانية هو ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير و إمساكه، إذ لا فرق بين التصرف القليل و الكثير، و فيما اذا كانت اليد امانية، انه بالتأخير تثبت اليد علي مال الغير زائدا علي المقدار المأذون فيه بإذن المالك أو الشارع، و هو ظلم و عدوان و يشمله حينئذ ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير و إمساكه.

(1) الثاني: في معني الأداء، و انه هل هو مجرد إعلام المالك بذلك و التخلية بينه و بين ماله، أم هو حمله إليه و إقباضه منه، أم كل من الامرين مصداق للأداء و الرد، أم يختلف بإختلاف الموارد؟ كما هو ظاهر المتن و لعله الاظهر.

الظاهر: ان حقيقة الرد و الاداء إيصال الشي ء الي محله، و حينئذ فإذا كان المال امانة عند شخص فرده ليس الا بالتخلية بينه و بين مالكه، لان بها يخلع الامين نفسه عن السلطنة عليه و يدخله تحت سلطنة المالك و يوصل الشي ء الي محله، و أما محل المال خارجا فهو كل مكان رضي به المالك أو الشارع الاقدس، و حيث ان وجود المال عند الامين خارجا انما يكون برضا المالك أو بإذن من ولي أمره- أي الشارع الاقدس- فلا يكون في غير محله كي يكون مكلفا بالرد الخارجي.

و أما إذا كان المال مغصوبا فأداؤه و رده انما يكون بالتخلية و الاقباض منه، إذ كما ان كونه تحت سلطنة الغاصب في غير محله فلا بد من إيصاله إلي محله كذلك كونه عنده خارجا يكون في غير محله، فلا بد من إيصاله اليه بالاقباض منه.

و من ما ذكرناه: علم أنه لو نقل الامين

الوديعة من بلد الايداع الي بلد آخر بغير داعي الحفظ و بدون إذن المالك أو الشارع يجب ردها الي بلد الايداع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 333

و علي هذا فيشكل حملها إليه لانه تصرف لم يؤذن فيه إلا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو أحفظ (1) فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الي ما لا يكون أدون من الاول في الحفظ، و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان (2) لتوقف الاداء الواجب بمعني التمكين و عدم الحبس علي الفحص (3) مضافا الي الامر به في الدين المجهول المالك.

______________________________

فتحصل: انه يعتبر في غير الامانة الاقباض من المالك، و فيها يكفي التخلية و لعل هذا هو المشهور بين الاصحاب.

(1) و المصنف قدس سره استشكل في حمل الأمانة للإقباض في مورد كفاية التخلية من جهة انه تصرف لم يؤذن فيه إلا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو احفظ.

و لكن الاظهر جواز الحمل اذا كان المال في حفظه و إن كان الابقاء في المحل أحفظ، إذ لا يجب تحري الاحفظ في الامانة بل يكفي كونها في حفظه و حراسته في أي مكان وضعت ما لم ينه المالك عن وضعها في مكان خاص.

حكم مجهول المالك

(2) قوله و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان.

و أما المقام الثاني: و هو ما اذا كان المالك مجهولا.

فتنقيح القول فيه يقتضي البحث في مواضع:

الموضع الاول: هل يجب الفحص عن المالك، أم لا؟ فيه قولان: قد استدل للقول الثاني بإطلاق النصوص الواردة في مقام بيان مصرف مجهول المالك التي ستمر عليك.

و استدل للقول الاول بوجهين:

(3) الأول: ما في المكاسب و هو ان الأداء الواجب متوقف عليه فيجب مقدمة له.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 334

______________________________

و أورد عليه تارة: بأن الاداء انما يكون وجوبه مشروطا بالقدرة كسائر التكاليف الشرعية فلو علم بأنه لو تفحص لوجده وجب الاداء و الفحص، و لو شك في ذلك فلا محالة يشك في القدرة عليه فيشك في التكليف، و معه يرجع إلي أصالة البراءة عن الوجوب.

و اخري: بأن اطلاق النصوص الآتية يقتضي عدم وجوب الاداء و الفحص مع الجهل بالمالك، و به يقيد اطلاق ما دل علي وجوب الاداء.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان المحقق في محله: ان البراءة لا تجري في مورد الشك في القدرة علي امتثال التكليف إن لم تكن شرطا شرعيا كما في المقام، إما لكونها شرطا لتنجز التكليف لا لأصله، أو لبناء العقلاء علي ذلك، أو غير ذلك.

و أما الثاني: فلان النسبة بين ما دل علي وجوب الاداء و النصوص المشار اليها عموم من وجه، إذ الطائفة الاولي أعم من حيث شمولها لما اذا كان المالك معلوما، و أخص من حيث اختصاصها بصورة التمكن العقلي من الاداء و الفحص. و الطائفة الثانية أخص من الجهة الاولي لاختصاصها بمجهول المالك و أعم من الجهة الثانية كما لا يخفي، و حيث ان دلالة كل منهما علي المجمع انما تكون بالاطلاق فتتساقطان معا فيرجع الي ما دل علي عدم جواز التصرف في مال الغير من غير رضا صاحبه- فتأمل-.

فإن المختار أخيرا تعين الرجوع الي الاخبار العلاجية في هذا الفرض ايضا.

الوجه الثاني: هو دلالة طوائف من النصوص عليه:

منها: ما تضمن الامر به في الدين المجهول المالك:

كصحيح معاوية عن الامام الصادق عليه السلام: في رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أ حي هو أم ميّت و لا يعرف له وارث

و لا نسب و لا بلد، قال: أطلبه، قال: ان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال: اطلبه «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين و القرض، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 335

______________________________

و عن الفقيه: و روي في هذا خبر آخر: إن لم تجد له وارثا و علم الله منك الجهد فتصدق به.

و فيه: ان مورده العلم بالمالك مع الجهل بموضعه، و محل الكلام انما هو مجهول المالك، إلا ان يدعي العلم بعدم الفرق بين الجهل بالمالك و الجهل بموضعه كما ادعي عدم الفرق بين الدين و العين.

و منها: ما دل علي وجوب تعريف اللقطة «1».

و فيه: ان تلك النصوص المتضمنة للتعريف سنة ثمّ التصدق بها بعدها مختصة باللقطة، و التعدي يحتاج الي دليل مفقود.

و منها: ما دل علي وجوب الفحص عن الاجير الذي بقيت اجرته:

كموثق هشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده جالس قال: انه كان لابي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث فقال أبو عبد الله عليه السلام: تدفع الي المساكين، ثمّ قال: رأيك، ثمّ أعاد المسألة فقال مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد الله عليه السلام: تطلب وارثا فإن وجدت وارثا و إلا فهو كسبيل مالك «2». و نحوه غيره.

و قد استدل بها السيد الفقيه.

و يرد عليها: ما أوردناه علي الطائفة الاولي.

و منها: ما استدل به المحقق الايرواني قدس سره و هو ما ورد في إيداع اللص دراهم أو متاعا عند مسلم و اللص مسلم، فإنه دل علي أن الوديعة بمنزلة اللقطة فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها اليه و إلا تصدق بها عنه

«3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

(2) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين و القرض، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 336

ثمّ لو ادعاه مدع ففي سماع قول من يدعيه مطلقا لانه لا معارض له أو مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة أو يعتبر الثبوت شرعا للاصل وجوه (1) و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لإطلاق غير واحد من الاخبار. ثمّ إن المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة.

______________________________

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأنه ضعيف السند لان في طريقه قاسم بن محمد و حفص بن غياث، و بوروده في قضية خاصة، فلا وجه للتعدي منها الي غيرها.

و لكن يمكن الجواب عن الاول بما عن صاحب الجواهر من: ان ضعف السند منجبر بعمل المشهور.

فتحصل مما ذكرناه: وجوب الفحص لوجهين فلاحظ.

لا تسمع دعوي المدعي له ما لم يثبت شرعا

(1) هذا هو الموضع الثاني: و هو ما لو ادعاه مدع فهل يسمع قوله مطلقا أم مع الوصف، أو يعتبر الثبوت شرعا؟ وجوه:

الاول: انه يعطي مجهول المالك لمن يدعيه مطلقا.

الثاني: انه يعطي اياه مع التوصيف.

الثالث: انه لا يعطي اياه ما لم يثبت كونه له شرعا.

و قد استدل للاول: بخبر منصور الوارد في الكيس الواقع بين الجماعة الدال علي انه لمن يدعيه «1» بدعوي: ان المستفاد منه قاعدة كلية و هي سماع دعوي كل من لا معارض له.

و بالاجماع و السيرة علي القاعدة المشار اليها.

و بقوله: في صحيح البزنطي الوارد في اللقطة و إن جاءك طالب لا تتهمه رده عليه «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 15، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 337

______________________________

و بالنصوص الاخر الواردة في اللقطة الدالة علي جواز التملك أو التصدق إلا ان يجئ لها طالب كقوله عليه السلام فإن جاء لها طالب و الا فهي كسبيل ماله «1». و نحوه غيره.

و بأدلة حمل فعل المسلم و قوله علي الصحة.

و في كل نظر:

أما الاول: فلاختصاصه بما اذا لم يكن المال في يد واحد مأمور بإيصاله إلي مالكه، مع ان في كون المقام من قبيل دعوي من لا معارض له نظرا بل منعا، فإنه مأمور بحفظ المال عن غير مالكه، و عليه فهو يمنعه عن التصرف فيه.

و بذلك ظهر ما في الوجه الثاني، مضافا الي ان المتيقن منهما غير المقام.

و أما صحيح البزنطي: فلم يعمل به في مورده.

و أما سائر النصوص: فالظاهر منها بعد التدبر هو العلم بكونه مالكا، و لو أبيت الا عن ظهورها في جواز الدفع بمجرد الطلب فيرد عليها: انه لم يعمل بها في موردها فكيف في غير موردها.

و أما أدلة حمل فعل المسلم و قوله علي الصحة، فلانها تدل علي عدم معاملة الفاسق و الكاذب معه لا انه يترتب عليهما آثار الواقع.

و أما الوجه الثاني:

فقد استدل له بالنصوص الواردة في اللقطة الدالة علي انه يعطي اللقطة لمن يدعيها مع التوصيف «2». بدعوي انه لا خصوصية للقطة.

و فيه: ان هذا الحكم غير ثابت في الاصل فضلا عن الفرع.

مع انه لو تم في اللقطة لا وجه للتعدي بعد احتمال الاختصاص.

فتحصل: ان الاقوي هو الوجه الثالث، إذ لا تحصل البراءة لمن وضع يده علي مال غيره الا بالاداء الي مالكه.

بقي شي ء، و هو: انه لو دفعه الي من يدعيه مع ثبوت كونه مالكا ثمّ تبين كون المالك غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب

اللقطة.

(2) الوسائل، باب 6، من أبواب اللقطة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 338

و لو احتاج الفحص الي بذل مال كأجرة دلال صائح عليه. فالظاهر عدم وجوبه علي الاخذ (1) بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين أجرة الدلال.. ثمّ يتصدق بالباقي إن لم يوجد صاحبه و يحتمل وجوبه عليه لتوقف الواجب عليه (2) و ذكر جماعة في اللقطة ان أجرة التعريف علي الواجد لكن حكي عن التذكرة انه إن قصد الحفظ دائما يرجع أمره الي الحاكم ليبذل أجرته من بيت المال أو يستقرض علي المالك أو يبيع بعضها ان رآه أصلح و استوجه ذلك جامع المقاصد.

______________________________

فهل يضمن الدافع مطلقا.

أم لا يضمن كذلك.

أم يفصل بين صورة العلم و غيره من الطرق فيضمن في الاولي.

أم يفصل بين قيام البينة و غيرها فلا يكون ضامنا في الصورة الاولي.

أم يحكم بالضمان الا في صورة الزام الحاكم بالدفع.

أم يفصل بين دفع العين و القيمة فيكون ضامنا في الثاني؟ وجوه لو لم تكن أقوالا.

أقواها الاول، لان مقتضي أدلة الضمانات و الامانات بقاء المال في عهدة من تحت يده مال غيره الا ان يؤديه اليه، فغاية الضمان هو الأداء الي المالك، و حديث لا ضرر لا يصلح لرفع الضمان، إذ الحكم بعدمه ضرر علي المالك فيتعارض الضرران، و ما دل علي نفي السبيل علي المحسنين اجنبي عن المقام، لان من اعطي مال شخص الي غيره لا يكون محسنا بالنسبة الي مالكه.

أجرة الفحص عن المالك

(1) هذا هو الموضع الثالث: و هو ما اذا احتاج الفحص عن المالك الي بذل مال.

فهل هو علي الاخذ أو علي المالك؟ فقد استدل المصنف قدس سره للاول.

(2) بأن الفحص عن المالك واجب علي الآخذ فيجب عليه بذل المال

مقدمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 339

______________________________

و أجاب عنه الاستاذ الاعظم: بأن مقدمة الفحص الواجب انما هي طبيعي بذل المال سواء كان من كيسه أم من كيس المالك، و إذن فلا يتعين البذل علي الاخذ الا بدليل خاص و هو منفي في المقام.

و فيه: ان المقدمة و إن كانت هي الطبيعي الا ان الواجب منها هو ما يكون فعل الاخذ نفسه و لا يعقل أن يجب بذل المال علي المالك بالوجوب المقدمي المترشح من وجوب الفحص المتوجه الي الاخذ.

فإن قيل: ان المدعي ان طرف التخيير اعطاء الآخذ من مال المالك فلا يلزم المحذور المذكور.

قلت: إنه علي هذا لا يكاد يجب هذا الفرد بالوجوب المقدمي لحرمته الموجبة لاختصاص الوجوب بغيره.

فالاولي في الجواب عن أصل الدليل: ان الفحص بما أنه لا يتوقف علي بذل المال دائما ففي مورد توقفه عليه لا مانع من الرجوع الي دليل نفي الضرر إذا لم يكن ارتفاع الحكم الضرري علي خلاف الامتنان.

توضيح ذلك: ان من وضع يده علي مال غيره، ربما يكون عن وجه شرعي كاللقطة و أخذ المال من السارق مع العلم برضا صاحبه و نحو ذلك، و ربما يكون علي غير وجه شرعي كالغصب و السرقة و نحوهما.

فإن كان من قبيل الاول: كانت أجرة الفحص علي المالك، بمعني ان الاخذ يصرفها من كيسه، فإن وجده أخذها منه و الا فمن المال الذي في يده، و يتولي ذلك الحاكم حسبة لما دل علي نفي السبيل علي المحسنين و لحديث نفي الضرر المتقدمين. فتأمل.

و إن كان من قبيل الثاني: كانت الاجرة علي الاخذ، و الوجه في ذلك مضافا الي عدم شمول أدلة نفي الضرر و السبيل علي المحسنين.

أما الثاني: فواضح، و أما

الاول: فلكونه خلاف الامتنان.

ما دل علي ان الغاصب يجب عليه رد المغصوب و ان تضرر بكثير، كما اذا توقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 340

ثمّ إن الفحص لا يتقيد بالسنة علي ما ذكره الاكثر هنا بل حده اليأس (1) و هو مقتضي الاصل الا ان المشهور كما في جامع المقاصد علي انه اذا اودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد اليه بل يجب رده الي مالكه فإن جهل عرف سنة، ثمّ يتصدق به عنه مع الضمان.

و به رواية حفص بن غياث لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم. فهل يرد عليه فقال: لا يرد فإن أمكنه أن يرده علي صاحبه فعل، و إلا كان في يده منزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها و الا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خير بين الغرم و الاجر. فإن اختار الاجر فالاجر له، و إن اختار الغرم غرم له و كان الاجر له، و قد تقدم تعدي الاصحاب من اللص الي مطلق الغاصب. بل الظالم و لم يتعدوا من الوديعة المجهول مالكها الي مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة كما فيما نحن فيه.

______________________________

الرد علي هدم البناء و نحوه.

فعن الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة: الحجر الغصب في الدار رهن علي خرابها (1).

مقدار الفحص عن المالك

(1) هذا هو الموضع الرابع: و هو في مقدار الفحص.

فعن الاكثر: ان حده اليأس.

و عن جماعة: ان حده السنة و ربما يقال بكفاية طبيعي الفحص عن المالك.

و الاقوي هو الاول بناء علي ما عرفت من ان مدرك وجوب الفحص هو حكم العقل لكونه مقدمة لإيصال المال الي مالكه، إذ بعد ما لم ييأس من

الظفر به يكون مأمورا بالرد اليه، فيجب الفحص مقدمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 341

نعم ذكر في السرائر فيما نحن فيه انه روي انه بمنزلة اللقطة ففهم التعدي من الرواية. و ذكر في التحرير ان إجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما انه عكس في النهاية و السرائر. فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك و الانصاف ان الرواية يعمل بها في الوديعة أو مطلق ما أخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك لا مطلق ما أخذ منه حتي لمصلحة الاخذ فان الاقوي فيه تحديد التعريف فيه باليأس للاصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه. مضافا الي ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك (1) مع عدم معرفة المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني أمية (لعنهم الله) من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع في يده من أموال الناس بغير حق.

______________________________

و استدل للقول الثاني:

بخبر «1» حفص بن غياث الوارد في إيداع اللص دراهم المذكور في المتن بدعوي ان ظاهره ان مناط الفحص الي سنة و ملاكه في اللقطة هو كونها مالا مجهول المالك وقع في يده، فيتعدي منه الي كل ما كان كذلك.

و فيه: ان الخبر مختص بإيداع اللص و لا يبعد دعوي التعدي الي غيره من أفراد الغاصب و إلي كل مورد كان المال مأخوذا بعنوان الامانة و الحفظ، و أما التعدي الي كل مال مجهول المالك و إن أخذ لمصلحة الاخذ فالظاهر انه قياس محض، بل دعوي اختصاصه بمورده و عدم التعدي حتي من الجهتين الاولتين قريبة.

و بالنصوص «2» الواردة في اللقطة المحددة للفحص فيها بالسنة.

و فيه: انها مختصة باللقطة، و التعدي الي كل مال مجهول

المالك يحتاج الي دليل.

و استدل للقول الاخير:

بأنه يكتفي في امتثال الامر بصرف الوجود من الطبيعة.

و فيه: ما تقدم من أن مدرك وجوب الفحص انما هو حكم العقل لا التعبد.

فتحصل: ان الاقوي هو القول الاول.

و قد استدل له المصنف قدس سره مضافا الي ما مر.

(1) بقوله مضافا الي ما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة

______________________________

(1) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 342

ثمّ الحكم بالصدقة (1) هو المشهور فيما نحن فيه أعني جوائز الظالم و نسبه في السرائر الي رواية أصحابنا فهي مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بأن التصدق أقرب طرق الايصال، و ما ذكره الحلي. من ابقائها امانة في يده و الوصية به معرض للمال للتلف مع انه لا يبعد دعوي شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة علي تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا هذا.

______________________________

المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني امية … الخ. اشار بذلك.

الي خبر علي بن أبي حمزة عن الامام الصادق عليه السلام انه قال لصديق له من كتاب بني امية فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به … الي آخره «1».

وجه الاستدلال به مع انه مطلق غير آمر بالفحص: انه مطلق، و غاية ما ثبت تقييده هو لزوم الفحص الي حد اليأس، ففي الزائد عن هذا الحد يرجع الي اطلاق الخبر و يحكم بعدم وجوبه.

و يمكن أن يقال في توجيهه: ان المراد من عدم المعرفة هو عدم التمكن من المعرفة لا عدم المعرفة الفعلية، و ذلك للعلم بعدم الاكتفاء بمجرد

عدم المعرفة الفعلية، إذ لا ريب في وجوب الفحص لو علم بأنه لو تفحص لظفر بالمالك، و هذا العنوان لا يحصل بعد اليأس.

يرد علي التوجيه الاول: انه يتم اذا كان حصول اليأس قبل تمام السنة، و هو فاسد، إذ النسبة بين العنوانين عموم من وجه، فقد يتقدم اليأس و قد يتقدم مضي السنة. نعم التوجيه الثاني لا بأس به.

مصرف مجهول المالك

(1) قوله ثمّ الحكم بالصدقة هو المشهور.

هذا هو الموضع الخامس: و هو في مصرف مجهول المالك و من له ولاية الصرف.

فالكلام: تارة يقع في تعيين مصرف مجهول المالك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 343

______________________________

و اخري: في ولاية الصرف و انها للحاكم أو لمن يكون المال تحت يده.

و حيث لا شبهة في ان الحاكم بنفسه ليس مصرفا لهذا المال فلا وجه لعد الدفع الي الحاكم في عرض التصدق و الامساك كما في المكاسب و الحواشي، فهاهنا بحثان:

الاول: في تعيين المصرف.

الثاني: فيمن له ولاية الصرف.

و في كل منهما تارة يقع البحث فيما تقتضيه القواعد.

و اخري: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

فتنقيح القول في هذا الموضع يقتضي البحث في موارد:

الاول: في تعيين المصرف بحسب القواعد.

و المحتملات متعددة: تعين الصدقة، و تعين الامساك و الحفظ، و التخيير بينهما، و جواز التملك.

أقواها الاخير، ثمّ الثاني و ذلك لان المال الذي يكون الشخص مأيوسا عن الظفر بمالكه لا يعتبرونه العقلاء ملكا لمالكه، إذ اعتبار الملكية العقلائي الذي هو الموضوع لاعتبار الشارع لا بد و أن يكون بلحاظ ثمرة عملية و أثر مترتب علي الملكية، فالملكية التي لا يترتب عليها أثر لا معني لاعتبارها، و عليه فهو يخرج عن ملك مالكه بعد اليأس عن الظفر به،

فيكون من المباحات فيجوز تملكه.

و بهذا البيان يمكن الافتاء بجواز المشي في الشوارع التي استحدثوها التي كانت أملاكا للناس و أخذت من مالكيها ظلما و عدوانا.

و لو تنزلنا عن ذلك فالمتعين هو الوجه الثاني لعدم جواز تملك مال الغير و التصدق به.

و ما استدل به علي وجوب التصدق من انه إحسان بالمالك، و انه أقرب طرق الايصال الي المالك، و ان الابقاء معرض للتلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 344

______________________________

كلها كما تري، إذ لا دليل علي جواز الاحسان بمال الغير.

و إن شئت قلت: إنه ليس إحسانا، فإن التصرف في مال الغير بغير إذنه ظلم و إساءة و لا يكون عدلا و احسانا، و الدليل انما دل علي لزوم ايصال المال الي مالكه لا علي لزوم أقرب طرق الايصال اليه أو جوازه، و كون الابقاء معرضا للتلف لا يوجب جواز اتلافه.

لا يقال: إنه بعد العلم الاجمالي بتخصيص ما دل علي عدم جواز التصرف في مال الغير ما لم يحرز رضاه به بواحد من التصدق و الامساك للابدية أحدهما و كل منهما في نفسه تصرف لم يؤذن فيه لا مانع من التمسك بأدلة التصدق، إذ المانع ليس الا عدم جواز التصرف في مال الغير الساقط في المقام.

فإنه يرد بأن التصدق اتلاف لمال الغير، و هو محرم و إن لم يكن دليل علي حرمة التصرف في مال الغير.

و بعبارة اخري: التصدق تصرف و اتلاف، فعدم الدليل علي حرمته من الجهة الاولي لسقوط ما دل علي حرمة التصرف لا يستلزم سقوط ما دل علي حرمته من الجهة الثانية.

و إن شئت قلت: إنه انما يحكم بعدم شمول أدلة حرمة التصرف للتصدق و الامساك للعلم بعدم شمولها لهما معا، و عليه فإن

كان شمولها لاحدهما دون الآخر ترجيحا بلا مرجح لا تشمل شيئا منهما، و الا فتشمل ما فيه الترجيح، و حيث ان التصدق يكون اتلافا ايضا فتشمله تلك الادلة خاصة.

مع انه لو سلم شمول ادلة التصدق له من طرف المتصدق لكنها معارضة مع أدلة عدم جواز التصرف فيه من ناحية المتصدق عليه فتساقطان و يرجع الي أصالة الفساد.

المورد الثاني: فيمن له الولاية بحسب القواعد.

الظاهر انه لو بنينا علي جواز التملك فلا مورد لهذا البحث، و أما لو بنينا علي تعين الامساك و الحفظ، أو التصدق او التخيير بينهما، فإن ثبت ان الحاكم ولي الغائب نفسه، و ان له الولاية العامة، فيتعين الدفع اليه ليكون هو المتولي لذلك، و الا فيتولاه الاخذ بنفسه، و لا يخفي وجهه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 345

و العمدة ما أرسله في السرائر (1) مؤيدا بأخبار اللقطة (2) و ما في منزلتها و ببعض الاخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني أمية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بني امية (3) حيث قال له عليه السلام: اخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت و يؤيده ايضا الامر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من اجزاء النقدين «. (4)

______________________________

المورد الثالث: في تعيين المصرف بحسب النصوص الخاصة.

الوجوه المحتملة بل الاقوال المنقولة كثيرة.

الوجه الاول لزوم التصدق به و قد استشهد له، و ايده في المتن بوجوه:

(1) أحدها قوله و العمدة ما أرسله في السرائر.

قال فيها روي أصحابنا التصدق به عنه و يكون ضامنا اذا لم يرض بما فعل.

و لكنه مرسل لا يصح الاستناد اليه.

(2) ثانيها قوله مؤيدا بأخبار اللقطة و ما في

منزلتها.

أشار بذلك إلي طائفة من النصوص تدل علي لزوم التصدق.

كخبر كثير عن أمير المؤمنين عليه السلام فإن لم يجئ صاحبها و من يطلبها تصدق بها الحديث «1».

(3) ثالثها قوله و ببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني امية.

اشار بذلك الي خبر علي بن حمزة عن الامام الصادق عليه السلام و فيه ما نقله المصنف قدس سره «2».

(4) رابعها قوله الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من أجزاء النقدين.

نظره الشريف الي خبر علي بن ميمون الصائغ عن الامام الصادق عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما اصنع به؟ قال عليه السلام: تصدق به فأما لك و أما لاهله «3». و نحوه خبره الآخر «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من اللقطة، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 1.

(4) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 346

و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه (1) و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقي في ذمة الشخص لاجير استأجره (2) و مثله مصححة يونس، فقلت (قال: سألت عبدا صالحا): جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم و حملنا بعض متاعهم بغير علم. و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم. و قد بقي المتاع عندنا فما نصنع به قال: تحملونه حتي تلحقوهم بالكوفة، قال يونس، قلت له: لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنه قال:

فقال عليه السلام: بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية، قال:

فقال نعم (3).

______________________________

(1) خامسها خبر أبي علي بن راشد عن أبي الحسن

عليه السلام قلت: جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف فقال عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه قلت:

لا أعرف لها ربا قال: تصدق بغلتها «1».

(2) سادسها حسن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثمّ باعه قال: لا يصلح ثمنه- الي ان قال- ان أفضل خصال هذه التي باعها الغلام ان يتصدق بثمنها «2».

(3) سابعها مصحح يونس المذكور في المتن الي غير ذلك من النصوص الواردة في الموارد الخاصة.

و ما أفاده السيد في الحاشية من أن صحيح معاوية عن مولانا الصادق عليه السلام في رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أ حي هو أم ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا؟ قال عليه السلام: اطلب، قال: فإن ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال عليه السلام:

اطلبه «3» يدل علي عدم جواز التصدق فيعارض النصوص المتقدمة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب عقد البيع و شروطه، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 6 من أبواب ميراث الخنثي، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 347

نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام كرواية داود ابن أبي يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل اني قد اصبت مالا و اني قد خفت منه علي نفسي فلو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلّصت

منه، قال: فقال له أبو عبد الله عليه السلام لو أصبته كنت تدفعه اليه، فقال: أي و الله، فقال عليه السلام و الله ماله صاحب غيري، قال: فاستحلفه ان يدفعه الي من يأمره، قال: فحلف قال فاذهب و قسمه بين إخوانك و لك الامن مما خفته، قال فقسمه بين إخوانه هذا.

______________________________

في غير محله، إذ هو انما يدل علي انه لا يتصدق ما دام يكون مأمورا بالفحص و الطلب، أي ما دام لم ييأس من الظفر بمالكه و ستعرف انه يدل علي ذلك غير هذا الصحيح ايضا.

و بها يقيد اطلاق هذه النصوص، و تختص هذه بما اذا يئس عن الظفر بمالكه.

بل يستفاد منه أن وجوب التصدق به كان مغروسا في ذهن السائل، و انما سأل عن ان طول المدة هل يوجب سقوط الطلب أم لا؟ فأجاب عليه السلام بعدم موجبيته له.

الوجه الثاني: ان ذلك يكون للامام عليه السلام.

و قد استدل له المصنف قدس سره بخبر داود بن أبي يزيد «1» عن الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن.

و فيه اولا: ان الخبر مجهول لحجال.

و ثانيا: انه يحتمل فيه وجوه ذكرت جملة منها في مرآة العقول:

الاول: ما فهمه الشيخ قدس سره و هو كون ما أصابه لقطة من غيره لكنه يكون له.

الثاني: ان يكون ما أصابه لقطة من ماله عليه السلام فأمر بالصدقة علي الاخوان تطوعا.

الثالث: أن يكون ما أصابه لقطة من غيره و لكنه علم بموت صاحبه حين السؤال و انه لم يترك وارثا غير الامام عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 7، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 348

______________________________

الرابع: ان يكون ما أصابه من عمال السلطان و كان ذلك مما يختص به أومن الاموال التي

له التصرف فيها، و قد استظهر المجلسي قدس سره هذا الوجه.

و كيف كان: فمع هذه الاحتمالات لا يبقي مورد للاستدلال بهذا الخبر علي المقصود.

و أما ما في حاشية السيد الفقيه: قال يمكن منع الدلالة فإن المراد من الصاحب الولي و صاحب الاختيار.

فغير سديد، إذ المراد من الصاحب في الجواب هو المراد به في السؤال، و معلوم ان المراد به فيه المالك.

الوجه الثالث: ان يكون المجهول المالك لمن وضع يده عليه.

و استدل له المحقق الايرواني قدس سره تبعا للمحقق الهمداني قدس سره.

بقوله: عليه السلام في صحيح علي بن مهزيار: كتب اليه أبو جعفر عليه السلام كتابا فيه: فالغنائم و الفوائد- يرحمك الله- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب «1».

و فيه: اولا: ان الظاهر من قوله عليه السلام مال يؤخذ هو ارادة اللقطة لا مطلق المال المجهول المالك، و قد دلت النصوص الكثيرة علي أن لواجدها تملكها بعد تعريفها حولا.

و ثانيا: ان الخبر وارد في مقام بيان وجوب الخمس في كل غنيمة و منها مال يوجد و لا يعرف صاحبه، فغاية ما يستفاد منه ان مجهول المالك يجوز تملكه في الجملة، و أما ان حكمه كذلك مطلقا أم يختص ذلك ببعض أقسامه كاللقطة، فلا يكون الخبر في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاقه، فيتعين الاخذ بالمتيقن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 349

______________________________

و أما ما ذكره الاستاذ الاعظم من أن الخبر ليس صريحا في

جواز التملك بعد إخراج خمسه و انما هو مطلق بالنسبة اليه فيقيد بالروايات الدالة علي لزوم التصدق بمجهول المالك.

فيرد عليه:

ان الظاهر منه بقرينة عده من مصاديق الغنيمة و الفائدة هو كونه ملكا لمن وضع يده عليه، و الا فلو تعين التصدق لما صح عده من أفراد الغنيمة و الفائدة.

الوجه الرابع انه يجوز لمن وضع يده عليه أن يعمل فيه و يخرجه صدقة قليلا قليلا حتي يخرج.

و استدل له: بخبر نصر بن حبيب صاحب الخان قال: كتبت الي العبد الصالح عليه السلام:

لقد وقعت عندي مأتا درهم و اربعة دراهم و انا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب عليه السلام: اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتي تخرج «1».

و فيه: اولا: ان الخبر مجهول لنصر.

و ثانيا: انه لم يفت أحد بظاهره، لا سيما اذا كان المراد بقوله عليه السلام اعمل فيها التجارة بها و اخراج الصدقة من ربحها.

و أما ما أورده عليه الاستاذ الاعظم: بأن من المحتمل ان صاحب المال قد مات و لم يترك وارثا غير الامام و انه عليه السلام بما هو وارث أجاز لصاحب الخان ان يتصرف في ذلك المال و يتصدق به قليلا قليلا، و احتمال وجود وارث غير الاب و الام، مدفوع بالاصل، و احتمال وجودهما، لعله كان مقطوع العدم.

فيرد عليه: ان مجرد احتمال كون وجود الاب و الام مقطوع العدم لا يكفي في الايراد علي الاستدلال مع عدم الاستفصال.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و ما اشبهه، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 350

______________________________

الوجه الخامس: انه يتعين الحفظ و الايصاء به

عند الوفاة و استدل له:

بخبر هيثم بن أبي روح صاحب الخان قال: كتبت الي العبد الصالح عليه السلام: اني اتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته فيبقي المال عندي كيف أصنع به، و لمن ذلك المال؟ فكتب عليه السلام: اتركه علي حاله «1».

و بعدة روايات رواها هشام:

منها: موثقه المتقدم في الموضع الاول «2».

و منها: خبره الآخر المروي عن الفقيه: سأل حفص الاعور أبا عبد الله عليه السلام و انا حاضر فقال: كان لابي أجير و كان له عنده شي ء فهلك الاجير و لم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك فكيف اصنع به؟ فقال عليه السلام: رأيك المساكين رأيك المساكين فقلت: اني ضقت بذلك ذرعا فكيف اصنع؟ قال عليه السلام: هو كسبيل مالك فان جاء طالب اعطيته «3»..

و منها: صحيحه قال: سأل خطاب الاعور أبا ابراهيم عليه السلام و انا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاجرة ففقدناه و بقي له من أجره شي ء. و لا يعرف له وارث قال:

فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده فقال: مساكين، و حرك يديه، قال: فاعاد عليه، قال:

اطلب و اجهد، فإن قدرت عليه و الا فهو كسبيل مالك حتي يجئ له طالب فان حدث بك حدث فاوص به إن جاء له طالب ان يدفع اليه «4».

و فيهما نظر:

أما الاول فلانه ضعيف السند لان الهيثم مهمل مجهول، مع ان الظاهر منه ارادة ما قبل الفحص و اليأس عن الظفر بالمالك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و ما اشبهه حديث 4.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و

شبهه، حديث 10.

(4) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 351

______________________________

و أما اخبار هشام فيرد عليها:

اولا: انه لا يبعد اتحاد الاولين، و عليه فهي رواية مضطربة المتن، إذ في الاول أمر عليه السلام اولا: بالدفع الي مساكين، ثمّ قال عليه السلام: و الا فهو كسبيل مالك.

و ثانيا: ان قوله عليه السلام كسبيل مالك مجمل يحتمل أن يراد به لزوم الامساك و الحفظ، أي تتحفظ عليه في ضمن أموالك. و يحتمل ان يراد به التملك بالملكية المتزلزلة غير المنافية لوجوب الدفع ان جاء له طالب.

و ثالثا: انها ظاهرة في موت الاجير و عدم وجود وارث له، فيكون المال له عليه السلام و يمكن أن يكون المراد به: اطلب مالكه الذي هو عليه السلام، و لا يبين له للتقية و رابعا: ان موردها الدين، و هو ليس في معرض التلف، و محل الكلام العين الخارجية.

و خامسا: ان موردها معلوم المالك الذي لا يمكن الوصول اليه، فلا مساس لها بمجهول المالك.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول بالتخيير بين التصدق و الامساك الذي اختاره السيد قدس سره.

و القول بالتخيير بينهما و بين التملك.

و الجواب عنهما، إذ لا منشأ لهما سوي ان ذلك مقتضي الجمع بين النصوص.

و حيث عرفت عدم دلالة ما استدل به علي التملك و الامساك عليهما.

فالمتعين هو التصدق خاصة.

المورد الرابع: في بيان تعيين من له ولاية الصرف بعد ملاحظة النصوص الخاصة.

و الاقوال في ذلك اربعة:

الاول: انها للحاكم مطلقا.

الثاني: انها لمن وضع يده علي المال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 352

______________________________

الثالث: ثبوت الولاية لكل منهما.

الرابع: التفصيل بين الدين و العين، فتكون الولاية للحاكم في الاول و للأخذ في الثاني.

و قد استدل للاول:

بأن النصوص

الآمرة بالتصدق واردة في بيان المصرف و لا تكون متعرضة لحكم مباشرة التصدق فيتولاه الحاكم ولاية.

و بأنها و إن تضمنت الاذن في مباشرة الاخذ للتصدق الا ان الظاهر منها- و لا أقل من المحتمل- انه اذن منه عليه السلام للسائل بمباشرة التصدق بالولاية الشرعية لا انه بيان للحكم الشرعي من هذه الجهة فيتولاه الحاكم حسبة.

و فيهما نظر:

اما الاول: فلان النصوص كالصريحة في الامر بمباشرة التصدق.

و أما الثاني: فلان الظاهر من كلمات الشارع الاقدس و خلفائه المعصومين عليهم السلام الواردة في مقام الجواب عن السؤال عن الوظائف الشرعية هو ورودها لبيان الحكم الشرعي، فظاهر النصوص هو بيان الحكم الشرعي حتي من حيث مباشرة التصدق. و بذلك ظهر مدرك القول الثاني.

و استدل للقول الثالث بوجوه:

الاول: ان ذلك مقتضي الجمع بين هذه النصوص و بين ما دل علي ولاية الحاكم الشرعي علي الغائب.

الثاني: ان للحاكم ولاية علي مستحقي الصدقة، فكما يجوز الدفع اليهم أنفسهم كذلك يجوز الدفع الي وليهم.

الثالث: ان الحاكم أعرف بمواقعها ممن وضع يده عليها.

و في كل نظر:

اما الاول: فلان ولاية الحاكم انما تكون من باب الحسبة، و لم تثبت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 353

و أما باقي ما ذكرناه في وجه التصدق من انه احسان و انه أقرب طرق الايصال و ان الاذن فيه حاصل بشهادة الحال فلا يصلح شي ء منها للتأييد فضلا عن الاستدلال لمنع جواز كل احسان في مال الغائب، و منع كونه أقرب طرق الايصال بل الاقرب دفعه الي الحاكم الذي هو ولي الغائب، و أما شهادة الحال فغير مطردة اذ بعض الناس لا يرضي بالتصدق لعدم يأسه عن وصوله اليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا أو ذميا يرضي بالتلف و لا يرضي

بالتصدق علي الشيعة فمقتضي القاعدة لو لا ما تقدم من النص هو لزوم الدفع الي الحاكم، ثمّ الحاكم يتبع شهادة حال المالك فإن شهدت برضاه بالصدقة او بالامساك عمل عليهما و الا يخير بينهما لان كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بد من أحدهما و لا ضمان فيهما. و يحتمل قويا تعين الامساك لان الشك في جواز التصدق يوجب بطلانه لأصالة الفساد. و أما بملاحظة ورود النص بالتصدق فالظاهر عدم جواز الامساك امانة لانه تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا الشارع، و يبقي الدفع الي الحاكم و التصدق، و قد يقال إن مقتضي الجمع بينه و بين دليل ولاية الحاكم هو التخيير بين الصدقة و الدفع الي الحاكم فلكل منهما الولاية و يشكل بظهور النص في تعيين التصدق، نعم يجوز الدفع اليه من حيث ولايته علي مستحقي الصدقة و كونه أعرف بمواقعها، و يمكن أن يقال إن أخبار التصدق واردة في مقام إذن الامام بالصدقة، أو محمولة علي بيان المصرف، فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة علي إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص علي طريق الحكم العام كإقامة البينة و الاحلاف و المقاصة.

______________________________

ولايته علي الغائب من غير هذه الجهة، و عليه فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو ما اذا لم يكن له ولي آخر، و حيث ان مقتضي النصوص المتقدمة ثبوت الولاية للأخذ فلا يبقي مورد لولاية الحاكم.

و أما الثاني: فلانه مضافا الي عدم ولايته علي المستحقين بعد كونهم ممن يمكن الوصول اليه: ان مقتضي اطلاق نصوص الباب عدم ثبوت الولاية له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 354

و كيف كان فالاحوط خصوصا بملاحظة ما دل علي ان

مجهول المالك مال الامام عليه السلام مراجعة الحاكم بالدفع اليه أو استئذانه (1) و يتأكد ذلك في الدين المجهول المالك اذا لكلي لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الذي هو وليه. و إن كان ظاهر الاخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون، ثمّ ان حكم تعذر الايصال الي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين (2) في التصدق استقلالا أو بإذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق في الشرائع و غيره.

______________________________

و أما الثالث: فلان مقتضاه ان تعيين مصرف مجهول المالك ليس من وظيفة الجاهل بل هو وظيفة العالم، و هذا امر لا ينكر، و أما بعد الرجوع اليه و تعيينه المصرف فهل يجب أو يجوز الدفع اليه أم لا؟ فهذا الوجه لا يدل علي شي ء منها.

و استدل للقول الرابع: بأن الكلي لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الذي هو وليه، و هذا بخلاف العين الخارجية فانها متعينة في نفسها.

و فيه: ان مقتضي النصوص المتقدمة ثبوت الولاية للأخذ مطلقا.

فتحصل: ان الاقوي عدم اعتبار اجازة الحاكم في صرف مجهول المالك، و انه لا يجب بل لا يجوز الدفع اليه الا بعنوان توكيله في إيصاله الي موارده.

(1) نعم الأحوط اختيار أحد الأمرين للقول بوجوبه كما أفاده المصنف في المتن.

(2) و قد صرح جماعة منهم المحقق: بأن حكم تعذر الإيصال الي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين.

و يشهد به: ان المستفاد من النصوص المتقدمة الآمرة بالتصدق بمجهول المالك ان الموجب لذلك و مناطه هو تعذر الايصال الي المالك، و عليه فلا فرق بين أن يكون المالك مجهولا بقول مطلق، و بين كونه مرددا بين أشخاص غير محصورين، و بين كونه

معلوما يتعذر الوصول اليه.

تنبيهات:

الاول: ان هذا الحكم اي التصدق انما يتعين ما لم يحرز رضا صاحب المال بصرفه في جهة خاصة، و الا فلا ريب في عدم وصول النوبة الي التصدق، بل يصرف فيما احرز رضا صاحبه بصرفه فيه، و عليه فيخرج سهم الامام عليه السلام عن موضوع هذا المبحث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 355

ثمّ إن مستحق هذه الصدقة هو الفقير (1) لانه المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق. (2)

______________________________

للعلم برضاه عليه السلام بصرف سهمه في تشييد الدين و إعلاء كلمة الاسلام، و من ذلك اعطائه لاهل العلم.

الثاني: الظاهر من بعض المحققين قدس سره انه ينوي الصدقة عن المالك، و لكن مقتضي اطلاق الاخبار عدم تعين نية ذلك، و علي فرض اعتبارها لا يلزم ان ينوي كونها عنه لو أجاز بعد تبينه، و عن نفسه ان ردها، بل ينوي عن المالك، و النص دل علي انها تحسب له ان ردها.

الثالث: ان ظاهر خبري ابن ميمون جواز ان يبيع المال و يتصدق بثمنه، و لكن الاحوط لزوما اعطاء نفس العين، لضعف الخبرين سندا، فالبيع تصرف لم يؤذن فيه.

الرابع: اذا مات المالك فإن علم بوجود الوارث له يتصدق عنه، و إن علم بعدم وجوده يكون المال للامام عليه السلام لانه وارث من لا وارث له، و إن شك في وجود الوارث حتي الاب و الام فيلحقه حكم مجهول المالك لإطلاق الاخبار.

و إن شك في وجوده مع العلم بموت أبيه و أمه، فهل يلحقه حكم مجهول المالك لإطلاق الاخبار، أم حكم ميراث من لا وارث له لأصالة عدم وارث آخر، و المفروض ان الحكم معلق علي عدم الوارث؟ وجهان: أقواهما الثاني.

مستحق هذه الصدقة

(1) قوله ثمّ ان مستحق هذه الصدقة هو

الفقير.

و يشهد له- مضافا الي ما أفاده المصنف قدس سره من.

(2) ان المتبادر من اطلاق الأمر بالتصدق هو ذلك- الآية الشريفة (إنما الصدقات للفقراء و المساكين) «1» و جملة من النصوص.

و بذلك يظهر ضعف ما عن الجواهر من انه يجوز اعطاء هذه الصدقة للاغنياء ايضا عملا باطلاق النصوص.

و أضعف منه ما ابتني عليه من جواز اعطاء مال الامام عليه السلام للاغنياء بدعوي ان المالك و إن كان معلوما إلا انه لتعذر الوصول اليه يتصدق عنه، لما عرفت من أن سهم

______________________________

(1) التوبة: 61.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 356

و في جواز اعطائها للهاشمي قولان: (1) من أنها صدقة مندوبة علي المالك. و إن وجب علي من هي بيده الا انه نائب كالوكيل و الوصي و من انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بأمر المالك حتي تكون مندوبة مع ان كونها من المالك غير معلوم فلعلها ممن تجب عليه.

______________________________

الامام عليه السلام خارج عن هذا المبحث موضوعا.

(1) قوله و في جواز اعطائها للهاشمي قولان.

و قد استدل علي عدم الجواز في مقابل المطلقات المقتضية للجواز: بأنها صدقة واجبة، فاذا كانت عن غير هاشمي تحرم علي الهاشمي لما دل علي ان الصدقة الواجبة محرمة علي الهاشمي اذا كانت عن غير الهاشمي.

كخبر جعفر بن ابراهيم الهاشمي عن مولانا الصادق عليه السلام قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال عليه السلام: انما الصدقة الواجبة علي الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس … الي آخره «1».

و فيه اولا: ان الاظهر تبعا لجمع من الاساطين- كالسيد و الشيخ و العلامة و المحقق و غيرهم- حلية الصدقات الواجبة غير الزكاة علي الهاشمي.

و تشهد له: جملة من النصوص المفسرة للصدقة الواجبة

المحرمة علي بني هاشم كخبر اسماعيل بن الفضل عن الامام الصادق عليه السلام: هي الزكاة «2». و نحوه خبر زيد الشحام «3».

و ثانيا: انه لو سلم حرمة الصدقات الواجبة علي الهاشمي مطلقا، لا يجري هذا الحكم في المقام، إذ الصدقة لا تكون واجبة بعنوانها في المقام، بل تكون واجبة من جهة انطباق عنوان عرضي عليها، نظير ما لو نذر ان يتصدق يوم الجمعة بدرهم.

و إن شئت قلت: إنها صدقة مندوبة عن المالك و إن وجبت علي من تحت يده فهو نظير ما لو آجر زيد شخصا و وكله في ان يتصدق عنه. فالاظهر جواز اعطائها للهاشمي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 32، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 5.

(3) نفس المصدر، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 357

ثمّ إن في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق و عدمه مطلقا أو بشرط عدم ترتب يد الضمان كما اذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التملك وجوها (1)

من أصالة براءة ذمة المتصدق و أصالة لزوم الصدقة بمعني عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه، و من عموم ضمان من أتلف و لا ينافيه إذن الشارع لاحتمال انه اذن في التصدق علي هذا الوجه كإذنه في التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف، و بما استودع من الغاصب و ليس هنا أمر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتي يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.

______________________________

هذا إذا كانت الصدقة لغير الهاشمي، و إلا فلا كلام في الجواز.

التصدق بمجهول المالك لا يوجب الضمان

(1) قوله ثمّ ان في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق … وجوها.

في ضمان من تصدق بمجهول المالك لو ظهر مالكه بعد التصدق و

لم يرض به، وجوه و أقوال:

الاول: الضمان مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: التفصيل بين ما اذا كان المال مسبوقا باليد العادية فيحكم بالضمان، و بين عدمه فيحكم بعدمه.

و تنقيح القول يقتضي البحث في مقامات:

الاول: فيما يستفاد من النصوص الخاصة.

الثاني: في مفاد الادلة الاجتهادية العامة.

الثالث: في ما تقتضيه الاصول العملية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 358

______________________________

أما المقام الاول: فالظاهر انها تقتضي عدم الضمان مطلقا، و ذلك لوجهين:

الاول: ان خبر علي بن أبي حمزة الوارد في قصة عامل بني امية المتقدم كالصريح في ذلك، إذ العامل قد طلب من الامام الصادق عليه السلام المخرج عما أخذه من أموال الناس.

فجوابه عليه السلام: بالتصدق بما تحت يده إن لم يعرف صاحبه و ضمانه له بذلك الجنة كالصريح في عدم الضمان، إذ لو كان التصدق، موجبا للضمان لما جعله عليه السلام مخرجا له.

الثاني: اطلاق النصوص الآمرة بالتصدق.

لا بدعوي ان الاذن في التصدق بما هو مسقط له الا ان يعلم انه علي وجه الضمان، كي يرد عليه بأن مطلق الاذن لا حكم له، بل الضمان معلق علي كون الاذن ضمانيا، و عدمه علي كونه مجانيا.

و بعبارة اخري: الرافع للضمان هو اسقاط الاحترام الذي لا يصدق الا مع الاذن المجاني.

و لا بدعوي ان المستفاد من النصوص بدلية يد الفقير من يد المالك ليكون الواقع في يد الفقير كالواقع في يد المالك.

بل لان الظاهر ورودها في مقام بيان كل حكم متعلق بالمال المجهول مالكه، إذ السائل انما كان يسأل عما هو وظيفته الشرعية بالنسبة الي ذلك المال، فجوابه عليه السلام بالامر بالتصدق و السكوت عن الضمان يكون دالا علي عدمه.

و قد استدل للضمان في مقابل ذلك بوجوه:

منها: ان المرسلة التي تقدم ذكرها و هي ما عن

السرائر روي: انه بمنزلة اللقطة، تدل عليه.

و منها: استفادة ذلك من خبر ايداع اللص المتقدم.

و منها: استفادته من النصوص الواردة في اللقطة.

و في كل نظر:

أما الاول: فلانه مضافا الي ارسالها لم يثبت كونها غير خبر ايداع اللص كما اعترف بذلك المصنف قدس سره فيما تقدم.

و أما الثاني: فلما تقدم من عدم التعدي عن مورده، و ما ذكره المصنف قدس سره في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 359

______________________________

ففي وجه التعدي من أنه يستفاد منه ان التصدق علي هذا الوجه حكم اليأس عن المالك، قد مر الجواب عنه. فراجع.

و أما الثالث: فلان التعدي عن نصوص اللقطة يتوقف علي إحراز عدم الخصوصية، و هو كما تري، كيف و يجوز تملك اللقطة و لا يجوز ذلك في المقام.

فتحصل: انه بحسب النصوص الخاصة الاظهر هو عدم الضمان مطلقا، و علي ذلك فلا يبقي مجال للبحث في المقامين الآخرين.

و انما يبحث فيهما علي فرض التنزل و عدم استفادة ذلك من النصوص.

و أما المقام الثاني: فملخص القول فيه: ان دليل الضمان أحد أمور ثلاثة: قاعدة اليد، و قاعدة الاتلاف، و الدليل الخاص.

أما الاخير: فمفروض العدم في المقام.

و أما قاعدة الاتلاف: فحيث لا كلام في ان التصدق حين وقوعه لا يقع عن المتصدق لعدم نفوذ الصدقة بمال الغير، إذ لا صدقة الا في ملك و كذلك لا كلام في ان التصدق لا يكون مراعي كالفضولي، إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير و عدم جواز تصرف الفقير فيه، فلا محالة يقع التصدق عن المالك، و يعود نفعه اليه.

فعلي ذلك يمكن دعوي عدم شمول القاعدة للمقام بوجهين:

الاول: انه لو كانت هي شاملة له لزم القول بثبوت بدله في ذمة المتصدق، و حيث انه

ايضا مجهول المالك لزم التصدق به، و هكذا فيلزم التسلسل، فيستكشف من ذلك عدم الضمان بالصدقة.

الثاني: ان مقتضي الآية الشريفة (ما علي المحسنين من سبيل) «1» التي حكموها علي قاعدة اليد عدم الضمان، و هي تقدم علي قاعدة الاتلاف.

و المصنف قدس سره ذكر في وجه عدم شمولها للمقام أمرين:

______________________________

(1) التوبة: 91

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 360

و لكن يضعف هذا الوجه. ان ظاهر دليل الاتلاف كونها علة تامة للضمان و ليس كذلك ما نحن فيه (1) و إيجابه للضمان مراعي بعدم اجازة المالك يحتاج الي دليل آخر الا ان يقال انه ضامن بمجرد التصدق و يرتفع باجازته فتأمل.

هذا مع ان الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف علي المالك لا الإتلاف له و الاحسان اليه. (2) و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا و أقرب طرق الايصال بعد اليأس من وصوله اليه.

و أما احتمال كون التصدق مراعي كالفضولي فمفروض الانتفاء إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير مع بقاء العين و انتقال الثواب من شخص الي غيره حكم شرعي،

______________________________

الاول: ما أفاده المصنف قدس سره.

(1) بقوله ان ظاهر دليل الإتلاف كونه علة تامة للضمان.

و حاصله: ان الظاهر من دليل الاتلاف كونه علة تامة للضمان، و ليس كذلك فيما نحن فيه لما تسالم الفقهاء عليه من انه لو رضي المالك بالتصدق لا ضمان عليه، فلا محالة علي فرض الضمان يكون الاتلاف جزء العلة و جزئها الآخر رد المالك أو عدم اجازته، فهو لا يشمل المقام.

و فيه: انه مع قطع النظر عما ذكرناه إذ احتملنا ثبوت الضمان من حين التصدق علي تقدير الرد او عدم الاجازة يكون العموم المذكور دليلا عليه، و يثبت به الضمان علي هذا

التقدير من حين التصدق لا من حين الرد كي يرد المحذور المتقدم، مع ان مقتضي العموم المزبور ثبوت الضمان من حين الاتلاف، و في المقام إذا ثبت عدم الضمان الي حين الرد يكون ذلك مخصصا له بالنسبة الي هذه القطعة من الزمان و أما بعدها فلا مانع من التمسك به.

(2) الثاني قوله ان الظاهر من دليل الإتلاف علي المالك لا الإتلاف له و الإحسان اليه.

و استجوده السيد في الحاشية و تبعهما الاستاذ الاعظم.

و فيه: انه لا وجه لهذا الاستظهار بعد عموم الدليل سوي دعوي الانصراف، و هو لو سلم بدوي يزول لا يعتمد عليه، أ لا تري إفتاء الفقهاء بضمان من قدم طعام المالك الي نفسه فأكله من غير اطلاع منه بأنه طعامه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 361

______________________________

و أفاد بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم في وجه عدم شمول القاعدة للمقام: بأن الاتلاف ظاهر في اتلاف الذات، و التصدق بالمال اتلاف لوصف ماليته و لا ينصرف اليه اطلاق الاتلاف، بل خلاف ظاهره.

و فيه: ان الاتلاف ليس الا اخلاء كيس المالك منه الصادق في المقام، فالصحيح هو ما ذكرناه.

و أما قاعدة اليد: ففيما اذا كانت يد المتصدق يد امانة مالكية او شرعية لا مورد لها أصلا كما لا يخفي، و فيما اذا كانت مسبوقة بالضمان يشهد لعدم شمولها للمقام الوجه الاول الذي ذكرناه في قاعدة الاتلاف.

و أما ما أفاده بعض المحققين قدس سرهم من: انه يدل علي عدم الضمان عموم ما علي المحسنين من سبيل بدعوي ان المتصدق في تصدقه محسن الي المالك لان نفعه راجع اليه، فقد تقدم الجواب عنه مفصلا و عرفت ان الآية انما تدل علي انه لا مقتضي لضمان المحسن، و قاعدة اليد

تدل علي ثبوت المقتضي له ما لم يتحقق الاداء الي المالك، و من البديهي ان ما لا اقتضاء له لا يزاحم ما له الاقتضاء.

فتحصل: انه بحسب القواعد لا يمكن اثبات الضمان في المقام، مع انه لو سلم اثباته بها يتعين الخروج عنها بالادلة الخاصة الواردة في المقام الدالة علي عدم الضمان كما عرفت.

و أما المقام الثالث: فإن كانت اليد الموضوعة علي مجهول المالك ابتداء يد امانة يجري استصحاب عدم الضمان، لانه يشك في حدوث الضمان به فيجري استصحاب عدمه، و إن كانت يده مسبوقة بالضمان.

فإن قلنا: ان حقيقة الضمان هي اشتغال الذمة بالبدل بعد التلف و أما حال قيام العين فلا تكليف الا بأداء نفس العين، فمقتضي الاستصحاب ايضا عدم الضمان لانه يشك في اشتغال الذمة بالبدل بالتصدق، فيستصحب عدمه، و كون اليد يد ضمان قبل التصدق بمعني اشتغال الذمة بالبدل علي تقدير التلف بغير الصدقة لا يكفي في استصحاب الضمان و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 362

و كيف كان فلا مقتضي للضمان و إن كان مجرد الاذن في الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع الي الاصل لكن الرجوع الي أصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان و هو ما اذا أخذ المال من الغاصب حسبة. و أما اذا تملكه منه ثمّ علم بكونه مغصوبا فالاجود استصحاب الضمان في هذه الصورة لان المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الذي يرضي به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا فتبين ان التفصيل بين يد الضمان و غيرها أوفق بالقاعدة لكن الاوجه الضمان مطلقا. أما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة، و لو بضميمة عدم القول بالفصل. و أما للمرسلة المتقدمة عن السرائر. و أما لاستفادة ذلك من

خبر الوديعة ان لم نتعد عن مورده الي ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة لكن يستفاد منه ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.

______________________________

اثبات اشتغال الذمة بالبدل علي تقدير التلف بالصدقة، فإنه من قبيل اسراء الحكم من موضوع الي آخر، و ليس هذا شأن الاستصحاب.

و أما إن قلنا: بأن حقيقة الضمان هي كون العين في العهدة الي حين ردها أو بدلها كما هو الصحيح فيجري في هذه الصورة استصحاب الضمان، لان الشك حينئذ يكون في سقوطه بالتصدق، و علي ذلك فإن ثبت عدم الفصل بين الصورتين تعارض الاستصحابان، فيرجع الي البراءة.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره في هذا المقام.

ثمّ علي القول بأنه يوجب الضمان، هل يثبت الضمان بمجرد التصدق و اجازته رافعة، أو يثبت بالرد من حينه، أومن حين التصدق؟.

و قبل الدخول في البحث لا بد و أن يعلم أنه بناء علي ما لعله الحق من ان العين بنفسها تستقر في الذمة و العهدة الي حين الاداء و إن تلفت قبله لا مجال لهذا البحث لعدم ترتب ثمرة عليه، إذ علي جميع الوجوه يجب أداء قيمة يوم الاداء لا قيمة يوم الاخذ و لا قيمة يوم التصدق و لا قيمة يوم الرد و لا غير ذلك من المحتملات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 363

ثمّ الضمان هل يثبت بمجرد التصدق و اجازته رافعة أو يثبت بالرد من حينه أومن حين التصدق وجوه (1) من دليل الاتلاف و الاستصحاب (2) و من أصالة عدم الضمان قبل الرد (3) و من ظاهر الرواية المتقدمة في أنه بمنزلة اللقطة. (4)

______________________________

فالثمرة لهذا البحث تظهر بناء علي انه بتلف العين ينتقل بدلها من المثل أو القيمة

الي الذمة فإنه علي القول بالضمان من حين التصدق يجب اداء قيمة ذلك اليوم، و علي القول بالضمان من حين الرد يجب أداء قيمة يوم التغريم.

(1) و المصنف قدس سره ذكر وجوها ثلاثة في المسألة: الضمان بالتصدق، و الضمان بالرد من حينه، من حين التصدق.

(2) و استدل للأول: بدليل الإتلاف و الاستصحاب، و الظاهر ان مراده بالاستصحاب استصحاب بقاء ضمان اليد فيما اذا كانت اليد يد ضمان الذي استدل به سابقا، فإن مقتضي استمرار الضمان- مع فرض خروج العين بالتصدق عن كيس المالك و تلفها عليه- اشتغال الذمة بالبدل من حينه.

يرد علي الاول: ما عرفت من انه علي فرض شمول دليل الاتلاف للمقام يمكن الالتزام بكونه سببا للضمان من حين الرد، لاحظ ما أوردناه علي الوجه الثاني من الوجهين الذين ذكرهما لعدم شموله للمقام.

و يرد علي الثاني: ما ستعرف عند بيان ما هو الحق عندنا.

(3) و استدل للثاني: بأصالة عدم الضمان قبل الرد، و الظاهر ان مراده بها أصالة البراءة عن الضمان التي اشار اليها آنفا.

(4) و استدل للقول الثالث: بظاهر خبر الودعي، و تقريب الاستدلال به: انه لا ريب في ظهوره في ان الاجر علي تقدير اختياره انما يثبت من حين التصدق، فبقرينة المقابلة يستكشف منه ثبوت الغرم ايضا كذلك.

و فيه: ما ستعرف من ثبوت الاجر له علي كل تقدير من حين التصدق الي حين الرد، فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 364

و لو مات المالك ففي قيام وارثه مقامه في اجازة التصدق و رده (1) وجه قوي لان ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال فيورث كغيره من الحقوق و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة الي العين فلا حق لأحد فيه و المتيقن من

الرجوع الي القيمة هو المالك.

______________________________

و الحق في المقام ان يقال بناء علي القول بالضمان: انه لا ريب في ان الصدقة حين وقوعها تقع عن المالك كما تقدم، و يقع الاجر له، و ليس ذلك مراعي بالاجازة و عدم الرد، و الا لزم عدم ثبوت الاجر له اذا لم يظهر المالك، و هو خلاف النص و الفتوي، و مع ثبوت الاجر له لا معني للضمان، و لذا لورد و بنينا علي الضمان يكون الاجر للمتصدق، مع ان ثبوت الضمان من حين التصدق و كون الاجازة و عدم الرد رافعة له، مضافا الي ورود المحذور العقلي المتقدم عليه من لزوم التسلسل لازمه اشتغال ذمة المتصدق واقعا لو لم يظهر المالك، و يترتب عليه ما يترتب علي سائر ديونه، و هو مقطوع العدم. فالاظهر علي القول بالضمان ثبوته من حين الرد.

بقي في المقام فروع:

(1) الأول: انه لو مات المالك فهل يقوم وارثه مقامه أم لا؟ تحقيق القول في المقام انه:

تارة: يكون موت المالك قبل التصدق.

و اخري: يكون بعده.

فإن كان قبله لا ينبغي التأمل في قيام وارثه مقامه، لأنه حين التصدق كان مالكا لا مورثه.

و إن كان بعده، فإن قلنا بثبوت الضمان في الفرع السابق من حين التصدق و الإجازة رافعة له، لا محالة يقوم الوارث مقامه، فإنه من قبيل سائر الديون، و أما إن قلنا بعدم ثبوت الضمان الا بالرد، فالظاهر انه لا يقوم مقامه، إذ الوارث لا يكون مالكا حتي يثبت له هذا الحق.

و دعوي ان هذا الحق الثابت للمورث بنفسه ينتقل الي الوارث.

مندفعة بأن من الحقوق ما يكون قائما بالشخص و لا يقبل الانتقال، و هو لا يكون متروكا بعد الموت بل به ينعدم. فلا شي ء

حتي يكون لوارثه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 365

و لو مات المتصدق فرد المالك (1) فالظاهر خروج الغرامة من تركته لأنه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله هذا كله علي تقدير مباشرة المتصدق له و لو دفعه الي الحاكم فتصدق به بعد اليأس (2) فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع الي ولي الغائب و تصرف الولي كتصرف المولي عليه، و يحتمل الضمان لأن الغرامة هنا ليس لأجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق حتي يفرق بين تصرف الولي و غيره لثبوت الولاية للمتصدق في هذا التصرف لأن المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم، و لذا لا يسترد العين من الفقير اذا رد المالك فالتصرف لازم و الغرامة حكم شرعي تعلق بالمتصدق كائنا من كان فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع في يده لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا كان الغرم علي الموكل و إن كان المكلف هو الحاكم لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثمّ التصدق كان الضمان عليه.

______________________________

و إن شئت فعبر عنه بالحكم، و حيث انه من المحتمل كون هذا الحق من قبيل ذلك فلا دليل علي ثبوته للوارث.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره.

(1) هذا هو الفرع الثاني و هو لو مات المتصدق فرد المالك فهل تخرج الغرامة من ماله أم لا؟ خروج الغرامة من ماله يبتني علي القول بضمانه من حين التصدق، فإنه يكون مديونا فيخرج دينه من ماله، و أما علي القول بضمانه من حين الرد فحيث انه يحتمل كون ذلك من قبيل الأحكام لا الحقوق القابلة للانتقال فلا وجه للتعدي عن المتصدق الي ورثته، كما لا يتعدي من

المالك الي ورثته كما عرفت.

و بذلك ظهر انه لا وجه لاستظهار المصنف قدس سره اخراج الغرامة من تركته مع تردده في المسألة السابقة.

(2) هذا هو الفرع الثالث: و هو في حكم ما لو دفعه الي الحاكم فتصدق به بعد اليأس، فهل هو ضامن أم لا؟.

الظاهر أنه إن بنينا علي ثبوت الولاية للحاكم علي الغائب و من بحكمه من الحاضرين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 366

و أما الصورة الرابعة: و هو ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام

. (1)

فاما أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة. و أما أن لا يكون و علي الأول فالقدر و المالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان.

______________________________

غير المعروف بعينه، لو دفع من وضع يده علي مجهول المالك الي الحاكم لا يكون ضامنا، و إن لم يقصد الدفع اليه بعنوان انه ولي، إذ دفع مال المولي عليه الي وليه يوجب سقوط الضمان و إن لم يقصد ذلك.

و إن بنينا علي عدم ثبوت الولاية له كما هو الأظهر لعدم الدليل عليه فالدفع اليه لا يوجب رفع الضمان كما تقدم. هذا بالنسبة الي الدافع.

و أما الحاكم فإن تصدق بالمال ثمّ ظهر المالك و لم يرض به و بنينا علي ثبوت الضمان إذا باشر الدافع اليه التصدق. يكون هو أيضا ضامنا إن كان مكلفا بالتصدق نفسه، و إن كان وكيلا في الدفع الي الفقراء يكون الضامن هو الموكل كما لا يخفي.

ثمّ إن صار الحاكم ضامنا هل يدفع البدل من بيت المال كما عن الأستاذ الأعظم، لما دل علي ان ما اخطأت القضاة فهو من بيت المال، أم من مال نفسه؟ وجهان:

أقواهما الثاني، لأن دليل ما اخطأت القضاة لا يشمل مثل المقام مما يكون التصدق، لا بما هو حاكم بل من جهة ان ما في يده مجهول المالك.

الصورة

الرابعة

(1) قوله و أما الصورة الرابعة: و هو ما لو علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام.

و محصل القول فيها: ان الاشتباه تارة: يكون موجبا لحصول الإشاعة كخلط السمن بالسمن، و اخري: لا يكون موجبا لذلك كما اذا اجازه الظالم فراشين علم ان احدهما له و الآخر غصب.

أما في المورد الأول: فقد يكون المالك و مقدار الحرام معلومين، و قد يكونان مجهولين، و قد يكون المقدار معلوما و المالك مجهولا و قد يكون بعكس ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 367

و علي الأول: فلا اشكال (1) و علي الثاني: فالمعروف اخراج الخمس (2)

علي تفصيل مذكور في باب الخمس، و لو علم القدر (3) فقد تقدم في القسم الثالث.

______________________________

(1) قوله و علي الأول فلا اشكال.

إن كان الخلط علي نحو الإشاعة الواقعية، كما اذا اعطاه الجائر مالا مشتركا بينه و بين غيره من دون إذن من ذلك الغير، يجب دفع حصة الغير اليه، و إن كان علي وجه الامتزاج الموجب للإشاعة الظاهرية يجب دفع ما يعادل حصته من المجموع. هذا اذا لم يكن علي وجه الاستهلاك، و إن كان علي ذلك الوجه فإن لم تكن المالية باقية ايضا لا يكون عليه ضمان إن لم يكن بفعله، و إن كان بفعله ضمن قيمة التالف، و إن كانت المالية باقية، فهل يكون ذلك موجبا للشركة في العين، أم يجب دفع قيمة ماله الذي يعتبر موجودا بماليته و إن لم يكن موجودا بعينه؟ وجهان.

(2) و علي الثاني: و هو ما اذا كان المالك و المقدار مجهولين: فالمشهور بين الأصحاب: اخراج الخمس، و عن العماني و الإسكافي و المفيد و سلار و سيد المدارك و غيرهم: عدم الوجوب و عدم حليته بالتخميس و

المحقق الهمداني قدس سره قوي التخيير بين التخميس و بين التصدق بجميع ما فيه من الحرام بأي وجه أمكن، و عن بعض المحققين:

حليته بدون التخميس و التصدق.

و الأقوي: هو الأول، و قد اشبعنا الكلام فيه في الجزء السابع من فقه الصادق.

(3) و علي الثالث و هو ما اذا كان المقدار معلوما و المالك مجهولا: يجب التصدق كسائر أفراد مجهول المالك كما هو المشهور، و عن ظاهر النهاية و الغنية و الوسيلة و النافع و الشرائع و التبصرة و اللمعة، وجوب الخمس في هذا الفرض ايضا، و لم يستبعد السيد في الحاشية قوته، و اختاره صاحب الحدائق، و قوي المصنف في كتاب الخمس لزوم دفع ذلك المقدار خمسا لا صدقة قل أو كثر.

و الأول أقوي، و قد حققناه في الجزء السابع من فقه الصادق و لعله يظهر مما قدمناه في الصورة السابقة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 368

و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة (1) و علي الثاني فيتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن (2) و تفصيل ذلك كله في كتاب الخمس.

و اعلم أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ الي الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال الي المحرم و المكروه و الواجب (3) فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ و المكروه المال المشتبه.

______________________________

و علي الرابع و هو ما اذا كان المالك معلوما و المقدار مجهولا.

(1) ففي المكاسب: وجب التخلص معه بالمصالحة.

و عن العلامة قدس سره في التذكرة: تعين تخميسه و حلية المال به إن لم يرض بالصلح، و عن جماعة: دفع الأقل المعلوم الي المالك و الرجوع في الزائد المشكوك فيه الي القرعة، و قواه المصنف

قدس سره في بعض الصور، و عن كشف الغطاء، وجوب صلح الإجبار، و استقرب المحقق الهمداني قدس سره وجوب اعطاء الأكثر.

و الأظهر وفاقا لجماعة: وجوب دفع الأقل و الاكتفاء به اذا كان المال في يده، لأنه في المقدار الزائد المشكوك فيه يرجع الي قاعدة اليد الحاكمة بالملكية بناء علي ما هو الحق من أنها امارة للملكية بالنسبة الي الشخص نفسه.

(2) و أما في المورد الثاني: فالمصنف قدس سره قال بتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن.

و لكن الأظهر جريان الأقسام الأربعة المذكورة في المورد الأول في هذا المورد و ذكرنا تفصيل ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق.

بقي في المقام أمران لا بد من التعرض لهما:

(3) احدهما قوله: و اعلم أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ الي الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال الي المحرم و المكروه و الواجب.

أما ما أفاده بالاعتبار الأول، فالظاهر ان مراده به: ان الأخذ باعتبار العناوين الثانوية المنطبقة عليه ينقسم الي أحكام خمسة: فأخذ مال الغير من دون رضاه حرام، و أخذ حق الناس من الجائر قد يكون واجبا، و أخذ المال منه مع عدم العلم بالحرمة لمصلحة كتزويج عزاب آل أبي طالب مستحب، و أخذ المشتبه منه مكروه علي المعروف، و أخذ المال منه لغير ما ذكر مباح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 369

و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتي انه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته من حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة (1) بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استئذان الحاكم.

______________________________

و عليه فلا يرد عليه ما أورده المحقق الإيرواني قدس سره

من ان الأخذ لا حكم له بنفسه سوي الإباحة.

و أما ما أفاده بالاعتبار الثاني، فتوضيحه: ان المحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ، و المكروه ما ذكره قدس سره و هو المال المشتبه، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا، و عرفت في اول هذا المبحث انه لا دليل علي كراهته، و الواجب قد مثل له الشيخ قدس سره بما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس.

و فيه أنه لا دليل علي وجوب استنقاذ حقوق الناس منه إن أمكن، نعم لو كان مال الغير تحت يده و غصبه الجائر يجب استنقاذه منه ان تيسر لوجوب رده الي مالكه، و يكون هذا مقدمة له.

و الأولي إضافة المباح اليها، لأن أخذ مال الغير منه مع إحراز رضا صاحبه مباح.

(1) قوله حتي انه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته.

لا اشكال في جواز ذلك، و أما وجوبه، فلم أجد ما يمكن الاستدلال به له.

سوي ما عن بعضهم من انه ولي بيت مال المسلمين فيجب عليه حفظه عن التلف و أخذه من ذمم الناس و لو بالمقاصة من أموالهم.

و لكن يمكن المناقشة فيه: إذ كونه وليا يقتضي عدم جواز اتلاف بيت المال و وجوب حفظه عن التلف و أما وجوب أخذه من الذمم مع عدم دخول عدم الأخذ في اتلافات الولي، فهو لا يدل عليه.

إلا أن الإنصاف كون عدم الاستنقاذ منه خلاف الحفظ الراجع اليه و يعد من خياناته و اتلافاته فالأظهر وجوبه.

و أما جوازه لآحاد المستحقين مع إذن الحاكم فلا كلام فيه.

و أما جوازه لهم من دون الاستيذان، فلعل وجهه انه يصدق علي كل فرد منهم انه ذو الحق لثبوت ذلك بالنسبة الي الكلي المنطبق

عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 370

و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال في كون ما في ذمته من قيم المتلفات غصبا من جملة ديونه (1) نظير ما تستقر في ذمته بقرض أو ثمن مبيع أو صداق أو غيرها، و مقتضي القاعدة كونها كذلك بعد موته فيقدم جميع ذلك علي الإرث و الوصية الا انه ذكر بعض الأساطين (2) ان ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون في التقديم علي الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين اليه (3) و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و الميراث علي حاله و للسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدأ الإسلام الي يومنا (4) هذا، فعلي هذا لو أوصي بها بعد التلف اخرجت من الثلث، و فيه منع الانصراف (لعل الأولي بأن يقال و منه منع عدم الانصراف) فانا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما اتلفه نسيانا و لابين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة مع انه لا إشكال في جريان احكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غير ذلك.

______________________________

(1) الكلام الي هنا كان في حكم أخذ المال من الجائر.

و الكلام فعلا يقع في حكم الجائر نفسه.

فإن كان ما أخذه ظلما باقيا يجب رده الي صاحبه، و إن كان تالفا يجب رد بدله لقاعدة ضمان اليد و الإتلاف، هذا إذا كان حيا، و إن مات فإن كان مال الغير باقيا لا كلام في وجوب رده الي مالكه، و إن كان تالفا كان بدله من جملة

ديونه فيخرج من أصل التركة.

(2) و خالف كاشف الغطاء في ذلك و منع كونه من الديون، فلا يلحقه حكمها من التقديم علي الوصايا و المواريث.

و استدل له بوجهين:

(3) الأول: ان ما دل علي ان الدين يخرج من أصل التركة منصرف عن مثل هذا الدين.

(4) الثاني: ان السيرة القطعية قائمة علي ان الضمانات الثابتة في أمثال المقام لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 371

فلو تم الانصراف، لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجودا و عدما من غير فرق بين حياته و موته. و ما ادعاه من السيرة فهو ناشئ من قلة مبالاة الناس (1) كما هو ديدنهم في أكثر السير التي استمروا عليها، و لذا لا يفرقون في ذلك بين الظلمة و غيرهم ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاته، و لا في انفاذ وصايا الظلمة و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و أرش الجنايات و بين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجب عليهم و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا و بين ما لم يعلم، فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت ما استقر في ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا أو من جهة وجود أشخاص معلومين تفصيلا او مشتبهين في محصور كافية في استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية أو الإرث. و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوي الانصراف السابقة، فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

______________________________

تخرج من أصل التركة.

8 و يرد عليهما ما ذكره المصنف قدس سره.

أما الأول: فلمنع الانصراف، إذ لا فرق في وجداننا بين اتلاف الظالم و بين اتلاف غيره، و

ايضا لا فرق بين اتلافه نسيانا، أم عدوانا، مع انه لا إشكال في اجراء احكام الدين عليه في حال حياته، فأي فرق في أحكام الدين بين حال حياته و مماته.

(1) و أما الثاني: فلأن هذه السيرة لو تمت ناشئة عن قلة المبالات بالدين لا يعتمد عليها في رفع اليد عن الأدلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 372

الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمها و من الأنعام باسم الزكاة
اشارة

يجوز أن يقبض منه مجانا أو بالمعاوضة (1) و إن كان مقتضي القاعدة حرمته لانه غير مستحق لأخذه فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة في تعيين شي ء من ماله لأجلها فاسد، كما اذا تراضي الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع شي ء اليه عوض الأجرة هذا مع التراضي. و أما اذا قهره علي أخذ شي ء بهذه العنوانات ففساده أوضح.

______________________________

الحقوق الثابتة في الأموال ثلاثة

(1) قوله الثالثة ما يأخذ السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة.

و قبل الشروع في البحث لا بد من التنبيه علي أمر و هو: ان الحقوق الثابتة في الأموال متعددة منها الخمس، و منها الزكاة، و منها الخراج و المقاسمة، و هما ما يجعل علي الأراضي الخراجية.

قال المقدس الأردبيلي قدس سره الخراج علي ما فهم من كلامهم كالأجرة المضروبة علي الأرض التي فتحت عنوة و كانت عامرة حين الفتح، و في معناه المقاسمة سواء كانت عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره ايضا.

و قيل: انه مختص بالقسم الثاني و المقاسمة بالأول. و عليه فالأولي جعل الأخيرين قسما واحدا.

و الظاهر ان الخراج هو الأعم مما يؤخذ من حاصل الأرض و مما يؤخذ ضريبة المعروف في ايران ب (الماليات) كما صرح به المحقق النائيني قدس سره.

و منها: ما يجعل علي أرض الجزية، و هي الأرض التي صولح عليها

علي أن تكون الأرض لهم و عليهم كذا و كذا من المال أو الثلث أو الربع أو نحوهما من حاصل الأرض، من غير فرق بين جعل الجزية علي الرءوس أو أن تكون الجزية من باب حق في الأرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 373

و كيف كان فما يأخذه الجائر باق علي ملك المأخوذ منه. (1)

______________________________

و منها: ما اذا كانت الأرض اسلم اهلها طوعا اذا تركوا عمارتها فإن للإمام تقبيلها ممن يعمرها و يؤدي طسقها علي ما ذكره المشهور، و لا بأس بتعميم الخراج بنحو يشمل هذين الحقين الأخيرين، و علي ذلك فالحقوق ثلاثة.

اذا عرفت هذا فاعلم أن الكلام يقع في جهات:

الأولي: اذا أخذ السلطان الجائر الحقوق المذكورة من المسلمين فهل تبرأ ذممهم عنها كما هو المشهور، بل في الجواهر: نفي الخلاف عن ذلك، أم لا كما هو الظاهر من المصنف قدس سره حيث قال:

(1) و كيف كان فما يأخذ الجائر باق علي ملك المأخوذ منه وجهان.

مقتضي القاعدة و إن كان هو الثاني لفرض عدم صرف المال في محله و عدم اعطائه لأهله، و لكن يدل علي الأول- مضافا الي امكان استفادة براءة الذمة من النصوص الآتية الدالة علي جواز أخذ تلك الأموال من الجائر، إذ لو لم تكن ذمة المعطي بريئة، و كان المال باقيا علي ملكه وجب الرد اليه و لم يجز أخذه و التصرف فيه.

جملة من النصوص: كصحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال عليه السلام: نعم إن شاء «1».

و صحيح عيص بن القاسم عنه عليه السلام في الزكاة: ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا

تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقي علي هذا ان يزكيه مرتين «2» و نحوهما غيرهما مما ورد في الزكاة و الخمس.

بل الظاهر من بعض النصوص جواز احتساب ما يأخذه الجائر بعنوان الخراج زكاة: كصحيح رفاعة قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر؟ قال عليه السلام: لا «3» و قريب منه غيره و لكن لم يعمل بها أحد كما في الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 10، من أبواب زكاة الغلات، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 374

______________________________

و أما ما ظاهره عدم جواز الاحتساب كصحيح زيد الشحام قال للصادق عليه السلام:

جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتون و يأخذون منا الصدقة فنعطيهم اياها أ تجزي عنا؟ قال عليه السلام: لا. انما هؤلاء قوم غصبوكم- أو قال: ظلموكم- أموالكم و انما الصدقة لأهلها «1».

فمحمول علي صورة التمكن من عدم الدفع أو علي استحباب الإعادة كما عن الشيخ في التهذيب.

لا يجوز للجائر أخذ تلك الحقوق

الجهة الثانية: هل يجوز للجائر أخذ الحقوق المذكورة من الناس أم لا؟.

قد يقال: بأن الولاية و إن كانت للسلطان العادل و تصدي الجائر و تقمصه بذلك القميص غصب و حرام و إثم، الا انه بعد تصديه لذلك المقام له التصرف في تلك الحقوق و صرفها في مصالح المسلمين، فإن موضوع تلك الأحكام هو والي المسلمين و من كان في مقدمهم و حاملا لراية الإسلام و لو عن غير حق.

و استدل لذلك بإطلاق لفظ الوالي و الإمام في الأخبار الدالة علي ان أمر أراضي الخراج مفوض اليه لعدم تقييدهما بالوالي بالولاية الحقة.

و فيه: ان

الغاصب لمنصب الولاية انما يكون واليا بنظره و بنائه لا في اعتبار الشارع، فقول الشارع: فذلك الي الإمام، أو الي الوالي يراد به الوالي عن حق.

و بعبارة اخري: من غصب الولاية لا يكون واليا الا في اعتباره و اعتبار تابعيه لا في اعتبار الشارع، و هذا نظير من تملك مال الغير غصبا، فإن أحكام الملكية لا تترتب

______________________________

(1) الوسائل، باب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 375

______________________________

عليه و لم يتوهم أحد القول بأن ما دل علي عدم جواز التصرف الا باذن المالك يشمل الغاصب ايضا، فاذا لا دليل علي هذا المدعي، فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز.

و لو عصي و أخذ هل تبرأ ذمته اذا صرف تلك الأموال في مصالح المسلمين أم لا؟ صريح المصنف قدس سره الضمان كما مر و ذهب السيد الفقيه الي براءة ذمته منها.

و استدل له: بأن الأئمة عليهم السلام اذنوا لشيعتهم شراء الصدقة و الخراج من الجائر و قبولهما منه مجانا، و هم الولاة الشرعيون، فيكون تصرف الجائر كتصرف الغاصب اذا انضم اليه اذن المالك، و معه لا يمكن بقاء ضمانه، إذ لا يعقل تصحيح المعاملة من أحد الطرفين دون الآخر، فلا يمكن التفكيك بين البيع و الشراء بحسب الواقع كما هو واضح.

و أورد عليه الأستاذ الأعظم: بأن إذن الشارع في أخذ تلك الحقوق من الجائر انما هو لتسهيل الأمر علي الشيعة لئلا يقعوا في المضيقة و الشدة، فلا اشعار فيه ببراءة ذمة الجائر فضلا عن الدلالة عليها، فمقتضي قاعدة اليد هو الضمان.

و فيه: ان ما ذكره انما هو حكمة الإذن، و السيد قدس سره يدعي انه بعد الإذن في الشراء لا يعقل بقاء ضمان الجائر

بالنسبة الي عين الصدقة، إذ لا يخلو الأمر من صحة بيع الجائر، و فساده و علي الأول لا معني لضمانه، و علي الثاني لزم فساد الشراء و المفروض الحكم بصحته.

و بعين هذا البرهان يبني علي عدم الضمان في الهبة أيضا في موارد اذنهم في قبولها، و احتمال كون الهبة حينئذ نظير الإتلاف موجبة لانتقال البدل الي ذمة الجائر و إن كان ممكنا في مقام الثبوت الا انه خلاف ظاهر الأدلة بحسب المتفاهم العرفي.

فالأظهر انه اذا صرف الجائر تلك الحقوق في المصارف المأذون فيها برئت ذمته منها.

أخذ الصدقات و الخراج من الجائر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 376

و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الأصحاب. (1)

و عن بعض حكاية الإجماع عليه قال في محكي التنقيح لأن الدليل علي جواز شراء الثلاثة من الجائر، و إن لم يكن مستحقا له النص الوارد عنهم عليهم السلام و الإجماع و إن لم يعلم مستنده و يمكن أن يكون مستنده ان ذلك حق للأئمة، و قد اذنوا لشيعتهم في شراء ذلك فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولي اذا انضم اليه اذن المالك، انتهي.

أقول: و الأولي ان يقال إذا انضم اليه اذن متولي الملك كما لا يخفي. و في جامع المقاصد ان عليه إجماع فقهاء الإمامية و الأخبار المتواترة عن الأئمة الهداة عليهم السلام.

و في المسالك أطبق عليه علماؤنا و لا نعلم فيه مخالفا.

و عن المفاتيح انه لا خلاف فيه.

و في الرياض انه استفاض نقل الإجماع عليه و قد تأيدت دعوي هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ و من تأخر عنه و يدل عليه، قبل الاجماع مضافا الي لزوم الحرج العظيم في الاجتناب عن هذه الاموال. بل اختلال النظام و إلي الروايات المتقدمة

لأخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التي لا يحتمل عادة أن يكون من غير الخراج، و كان الإمام عليه السلام يأبي عن أخذها احيانا معللا بأن فيها حقوق الامة روايات (2)

______________________________

(1) الجهة الثالثة: هل يجوز أخذ الحقوق الشرعية من الزكوات و المقاسمات و اشباههما من الجائر المستحل لذلك و يملكها الاخذ، أم لا؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول،

و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه، و عن الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه، و عن الفاضل القطيفي، و المحقق الاردبيلي قدس سره عدم الجواز.

و الاظهر هو الأول.

(2) و تشهد له طوائف من النصوص: منها: ما دل علي اباحة جوائز السلطان، و قد تقدم في البحث عن جوائز السلطان فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 377

منها: صحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من عمال السلطان من إبل الصدقة و غنمها، و هو يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال: فقال ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي يعرف الحرام بعينه فيجتنب، قلت: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات اغنامنا. فنقول: بعناها فيبيعنا اياها فما تري في شرائها منه، فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس. قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه فيعزله بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه، فقال: إن كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل (1)

دلت هذه الرواية علي ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز

عند السائل و انما سئل او لاعن الجواز مع العلم الاجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال.

______________________________

و منها: النصوص الواردة في خصوص المقام، و هي متعددة:

(1) منها: صحيح «1» الحذاء عن الإمام الباقر عليه السلام المذكور في المتن.

و مورد الاستدلال به، جملات ثلاث:

الاولي قوله عليه السلام: لا بأس حتي تعرف … الي آخره، و تقريب الاستدلال به: ان السائل من جهة عدوله عن السؤال عن أصل الجواز الي السؤال عن الشبهة الناشئة من أخذهم أزيد من المجعول غصبا، جعل جواز أخذ الصدقات من الجائر مفروغا عنه، و الامام عليه السلام أجابه بذلك، و هو كالصريح في مفروغية جواز ما يأخذونه من الحق، و ان الحرام هو الزائد.

و أورد عليه بإيرادات:

الاول: انه من الجائز كون المراد من السلطان، العادل، فتكون الرواية غريبة عن المقام.

و فيه: مضافا الي بعد أخذ عمال سلطان العادل أكثر من الحق الذي يجب عليهم، ففرض ذلك يوجب ظهورها في ارادة الجائر: ان السائل انما يسأل عن الواقعة التي تكون

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 378

و ثانيا: من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة كما ذكر في باب الزكاة. و ثالثا: من جهة كفاية الكيل الاول.

و بالجملة ففي هذه الرواية سؤالا و جوابا إشعار بأن الجواز كان من الواضحات الغير المحتاجة الي السؤال، و الا لكان أصل الجواز أولي بالسؤال حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا فلا فرق بين أخذ الحق الذي يجب عليهم و أخذ اكثر منه و يكفي قوله عليه السلام حتي يعرف الحرام منه في الدلالة علي مفروغية حل ما يأخذونه من الحق. و

ان الحرام هو الزائد و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة الي ما ينتقل اليه و إن كان حراما بالنسبة الي الجائر الاخذ له بمعني معاقبته علي أخذه و ضمانه و حرمة التصرف في ثمنه و في وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة علي عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الي الشخص فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء فليقتصر في مخالفة القواعد عليه.

______________________________

محلا للابتلاء و معلوم انه في ذلك الزمان لم يكن سلطان عادل مبسوط اليد كي يصح حمل الرواية عليه، مع ان ترك الاستفصال يكفي في الحكم بالعموم.

الثاني: ان المراد من الشراء في الخبر الاستنقاذ.

و فيه: مضافا الي بعده في نفسه: ان هذا لو تم فانما هو فيما لو كان المشتري هو المأخوذ منه، و ظاهر هذه الجملة بقرينة قوله و هو يعلم انهم يأخذون منهم كون المشتري غير المأخوذ منه.

الثالث: ما ذكره المقدس الاردبيلي قدس سره في محكي كلامه بقوله: ان قوله عليه السلام لا بأس به حتي يعرف الحرام منه لا يدل الا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها، و عدم جواز ما كان معروفا انه حرام بعينه و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل، و يمكن أن يكون سبب الاجمال فيه التقية.

و يرد عليه:

اولا: ان الرواية اذا كانت مخالفة للنقل و العقل فإن كانت بنحو لا يمكن الاخذ بهما و الجمع بين الدليلين و تعين طرح تلك الرواية لما كان هناك فرق بين كونها ظاهرة أو صريحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 379

ثمّ الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال و الجواب عن حكم

المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفي الذي صنف في الرد علي رسالة المحقق الكركي المسماة بقاطعة اللجاج في حل الخراج رسالة زيف فيها جميع ما في الرسالة من أدلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثالثة علي حكم المقاسمة و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض أو وكيله ضعيف جدا و تبعه علي هذا الاعتراض المحقق الاردبيلي قدس سره و زاد عليه ما سكت هو عنه من عدم دلالة الفقرة الاولي علي حل شراء الزكاة بدعوي ان قوله عليه السلام لا بأس حتي تعرف الحرام منه لا يدل الا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه، و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل.

______________________________

و ثانيا: انها صريحة في المطلوب، إذ الضمير في قوله عليه السلام لا بأس به يرجع الي شراء إبل الصدقة و غنمها.

و ثالثا: انه قدس سره اعترف اولا بالظهور ثمّ عاد الي دعوي الاجماع.

و رابعا: ان ما دل من النقل و العقل علي عدم جواز التصرف في ملك الغير من دون رضا صاحبه قابل للتخصيص، و قد خصص في بعض الموارد كالتصرف في الاراضي المتسعة و الانهار الكبار و غيرها.

و خامسا: ان عدم جواز التصرف في المال المأخوذ من الجائر بعد ما عرفت من خروجه عن ملك المأخوذ منه و تعينه في العنوان الذي أخذ بذلك العنوان من الخراج أو غيره، انما يكون لاجل اعتبار إذن الولي الشرعي و هذه النصوص انما تتضمن إذن الولاة الشرعيين، و عليه فلا يلزم من الحكم بالجواز مخالفة لاي دليل فرض.

الثانية: قوله عليه السلام إن كان

قد أخذها و عزلها فلا بأس الوارد في جواب السؤال عن شراء الانسان صدقات نفسه من الجائر.

و أورد عليه بعض مشايخنا المحققين: بأنه لا ظهور له في كون المصدق من قبل السلطان و عماله، فلعله من قبل الامام عليه السلام أومن قبل الفقراء.

و فيه: ان الامام عليه السلام: في زمان هذا السؤال لم يكن مبسوط اليد، و لم يكن عليه السلام يرسل العامل لجباية الصدقات، و إن كان المتعارف أخذ عمال السلطان للصدقات لا الفقراء بأنفسهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 380

و يمكن أن يكون سبب الاجمال منه «فيه» التقية، و يؤيد عدم الحمل علي الظاهر انه غير مراد بالاتفاق إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمل، انتهي. و أنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور و أي فارق بين هذا و بين ما احلوه لشيعتهم مما فيه حقوقهم و لا في النقل الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا مع نقل الاتفاق عن جماعة.

و أما الحمل علي التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفي.

______________________________

و بالجملة: الظاهر من المصدق هو من كانت حرفته و شغله جباية الصدقات، و حيث لم يكن السلطان العادل حين السؤال مبسوط اليد، و لا يكون السؤال الا عن حكم الواقعة المبتلي بها لا قضية فرضية، فلا مناص عن البناء علي كون المصدق هو عامل الجائر.

الثالثة: ما تضمن حكمه عليه السلام بكفاية الكيل السابق في الشراء و هذه الجملة ظاهرة في جواز شراء المقاسمات.

و أورد عليه تارة: بما عن المستند من منع ارادة المقاسمة المصطلحة من هذه الجملة، فإن لفظ القاسم يستعمل في صدقات الغلات ايضا.

و اخري: بما

ذكره بعض مشايخنا المحققين تبعا للفاضل القطيفي و المقدس الاردبيلي قدس سره من انه لعل المراد هو مالك الارض أو وكيله.

أما الايراد الاول: فالجواب عنه: انه اذا ثبت الحكم في الزكاة ثبت في المقاسمة بضميمة عدم القول بالفصل، مع ان مقابلة القاسم بالمصدق في الخبر ظاهرة في ارادة كل من المقاسمة المصطلحة و الصدقة.

و أما الايراد الثاني: فيمكن الجواب عنه: بأن اطلاق لفظ القاسم من دون تقييد علي غير من حرفته القسمة لا يصح، فهو بنفسه ظاهر في ارادة العامل الموظف لذلك، مع ان اتحاد السياق يقتضي أن يراد من القاسم هو العامل.

و قد أورد علي الاستدلال بالخبر: بأنه مختص بالشراء فلا بد من الاقتصار في مخالفة القواعد عليه. و الجواب عن ذلك بما في المكاسب من ان العدول من التعبير بالجواز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 381

و منها رواية اسحاق بن عمار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا. (1) وجه الدلالة ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان. (2) نعم لو بني علي المناقشة احتمل ان يريد السائل شراء املاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة لكنه خلاف الانصاف و إن ارتكبه صاحب الرسالة.

______________________________

الي التعبير بالحلال مشعر بمناط جواز الشراء و هو كون المال حلالا بالنسبة الي الاخذ، و مقتضي ذلك حلية كل تصرف له بإذن السلطان.

قابل للمناقشة كما لا يخفي و لكن الذي يسهل الخطب دلالة جملة من الروايات الاخر علي حلية سائر التصرفات.

(1) و منها: موثق «1» اسحاق بن عمار

المذكور في المتن.

(2) و قد استدل به المصنف قدس سره بتقريب: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان.

و علق عليه السيد الفقيه بقوله: مع ان ترك الاستفصال يكفي في العموم.

و فيه ان العامل في هذه الرواية و سائر ما ورد بمضمونها التي ذكرها السيد في الحاشية، يمكن أن يكون المراد به مطلق من يعمل للسلطان و لو بان يكون عاملا في تولي الحكومات و لا يكون صريحا و لا ظاهرا في ارادة العامل في جباية الصدقات، و علي ذلك فغاية ما تدل عليه هذه النصوص ان الاشتراء من العامل يجوز ما لم يعلم بأن المبيع حرام، و لا تكون في مقام بيان تعيين الحلال و تمييزه عن الحرام، فلا تدل علي حلية ما يأخذه من الحقوق للمشتري.

و بهذا البيان يظهر انه اذا لم يكن الشراء من العامل ظاهرا في شراء ما هو عامل فيه لا يجدي ترك الاستفصال في الحكم بالجواز في المقام.

نعم لو كان المراد من العامل هو عامل جباية الصدقات، و من الشراء منه شراء ما هو عامل فيه، تم ما افيد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 382

و منها رواية أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام و عنده ابنه اسماعيل، فقال: ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس و يعطيهم ما يعطي الناس، قال: ثمّ قال لي لم تركت عطاءك قلت:

مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن أبي سماك ان يبعث اليك بعطائك اما علم ان لك في بيت المال

نصيبا (1) فان ظاهره حل ما يعطي من بيت المال عطاء أو اجرة للعمل فيما يتعلق به بل قال: المحقق الكركي ان هذا الخبر نص في الباب لانه عليه السلام بين ان لا خوف علي السائل في دينه لانه لم يأخذ الا نصيبه من بيت المال، و قد ثبت في الاصول تعدي الحكم بتعدي العلة المنصوصة انتهي. و ان تعجب منه الاردبيلي قدس سره و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما و ذلك لأن غايتها ما ذكر و ذلك قد يكون من بيت مال يجوز أخذه و اعطاؤه للمستحقين (2) بأن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك انتهي. و قد تبع في ذلك صاحب الرسالة حيث قال: ان الدليل لا إشعار فيه بالخراج.

أقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر.

______________________________

(1) و منها خبر أبي بكر الحضرمي «1» المذكور في المتن.

فان ظاهر صدره حلية ما يعطي من بيت المال اجرة للعمل فيما يتعلق به و ظاهر ذيله حلية ما يعطي عطاء، و لذا قال المحقق الكركي، ان هذا الخبر نص في الباب.

و يرد عليه: مضافا الي ما في سند الخبر من الجهالة لعبد الله بن محمد الحضرمي، ان صدر الخبر لمعارضته مع ما دل علي عدم جواز كون الانسان عونا للظالم- المتقدم في مبحث معونة الظالم- لا بد من طرحه، و أما ذيله، فهو إنما يدل علي ان ما يأخذه السلطان بعنوان الزكاة أو غيرها يخرج عن ملك المأخوذ منه، و يتعين لذلك، و انه اذا كان للشخص حق في بيت المال يجوز الاخذ من تلك الحقوق، و لا يدل علي جواز

المعاملة مع السلطان و أخذ المال منه ما لم يكن مصرفا له. فتأمل.

(2) و أما أورده المحقق الأردبيلي قدس سره عليه بأن غاية ما يدل عليه الخبر انه ربما يكون في بيت المال ما يجوز أخذه و اعطائه للمستحقين بأن يكون منذورا أو وصية لهم

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 383

و منها الاخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان علي وجه يستفاد من بعضها كون أصل التقبل مسلم الجواز عندهم، فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة حديث، قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الارض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع. قال: نعم لا بأس به. و قد قبل رسول الله صلي الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف.

و منها الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير، و هو لا يدري لعل هذا لا يكون ابدا أ يشتريه. و في أي زمان يشتريه و يتقبل، قال: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به و نحوها الموثق المروي في الكافي و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمي بأدني تفاوت، و رواية الفيض بن المختار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ما تقول في الارض أتقبلها من السلطان، ثمّ اواجرها من اكرتي علي ان ما أخرج الله تعالي منها من شي ء لي

من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان، قال:

لا بأس. كذلك اعامل اكرتي الي غير ذلك من الاخبار الواردة في باب قبالة الارض و استئجار أرض الخراج من السلطان، ثمّ اجارتها للزارع بأزيد من ذلك، و قد يستدل بروايات اخر لا يخلو عن قصور في الدلالة، منها الصحيح عن جميل بن صالح، قال: ارادوا بيع تمر عين أبي زياد و اردت ان اشتريه، فقلت: لا حتي استأمر ابا عبد الله عليه السلام فسألت معاذا ان يستأمره: فقال: قل له يشتره فانه ان لم يشتره اشتراه غيره و دلالته مبنية علي كون عين زياد من الاملاك الخراجية و لعله من الاملاك المغصوبة من الامام أو غيره الموقوف اشتراء حاصلها علي اذن الامام عليه السلام و يظهر من بعض الاخبار ان عين زياد كان ملكا لابي عبد الله عليه السلام.

______________________________

بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك.

فيرد عليه: انه خلاف الظاهر جدا كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 384

و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام اني اظنك ضيقا، قلت: نعم و إن شئت وسعت علي قال اشتره.

و بالجملة ففي الاخبار المتقدمة غني عن ذلك.

______________________________

و منها: الاخبار الواردة في تقبل الارض و تقبل خراجها و خراج الرجال و الرؤوس من السلطان الجائر، و هي كثيرة مذكورة في الوسائل في كتاب الجهاد و غيره و قد نقل المصنف قدس سره جملة منها في المتن و هي اخبار الحلبي، «1» و اسماعيل بن الفضل، و اسماعيل بن الفضيل الهاشمي، و الفيض بن المختار و جميل بن صالح، و عبد الرحمن بن الحجاج. و

في تعليقة السيد الفقيه: الانصاف ان هذه الاخبار كالنص في هذا المضمار، و أظهر ما في هذا الباب.

و لكن الانصاف إمكان منع دلالتها علي حكم المقام، و ذلك لان هذه النصوص فرقتان: إحداهما: واردة في الارض و اعطاء الخراج.

ثانيتهما: واردة في تقبل الخراج و الجزية.

أما الطائفة الاولي: فهي انما تدل علي جواز تقبل الارض و اعطاء خراجها، فليس هناك معاملة علي الخراج التي هي محل الكلام.

و أما الطائفة الثانية: فهي انما تكون واردة في مقام بيان أمور اخر من غير تعرض لجواز أصل التقبل، بل هو مفروغ عنه فيها.

و عليه فحيث يحتمل اختصاص الجواز برخصة الامام و إذنه- كما يظهر من بعض الروايات من ان عادة أصحابهم عليهم السلام كانت جارية علي الاستئذان منهم في المعاملة مع السلطان، لاحظ صحيحي جميل و صفوان المذكورين في المتن، و ليس هناك اطلاق يتمسك به علي الفرض- فلا يمكن الاستدلال بها علي المقام.

______________________________

(1) راجع التهذيب ج 7، ص 202 و الوسائل، باب 22 من أبواب الجهاد، و الوسائل باب 21، من أبواب عقد البيع، و جامع احاديث الشيعة، باب 11 من ابواب المزارعة، و الوسائل، باب 52، من ابواب ما يكتسب به. (*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 385

و ينبغي التنبيه علي أمور:
اشارة

الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان، فقبل أخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه (1)

بشراء ما في ذمة مستعمل الارض أو الحوالة عليه و نحو ذلك، و به صرح السيد العميد فيما حكي عن شرحه علي النافع حيث قال: انما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه.

و لذا قال المصنف يأخذه انتهي. لكن صريح جماعة عدم الفرق بل صرح المحقق الثاني بالاجماع علي عدم

الفرق بين القبض و عدمه.

______________________________

و أما ما أفاده المحقق الايرواني قدس سره في وجه أجنبية هذه النصوص عن المقام بعد كون أصل جواز التقبل فيها مفروغا عنه أنه لعل يكون جوازه لاجل ان السلطان يأخذ ما يأخذه البتة، و بعد ذلك كل مستعملي الارض يرضون ان يتقدم واحد و يضمن للسلطان ما هو آخذ منهم، ثمّ هم يدفعون ما هو عليهم لهذا المتقبل بطيب النفس لدفعه الظلامة و الاذي عنهم.

فهو في نفسه لا بأس به، و به يمكن الحكم بجواز تقبل سائر الظلامات من الكمارك و نحوها ثمّ أخذها ممن عليهم ذلك اذا كان ذلك بطيب أنفسهم و إن كان منشأ طيب النفس علمهم بمقهور يتهم في الاخذ منهم.

الا ان ظاهر نصوص الباب يأبي عن الحمل علي ذلك، فانها تدل علي جواز تقبل الخراج و اعطاء ما في ذمم الاشخاص للسلطان و براءة ذممهم من الخراج و نحوه، و لازم ما أفاده قدس سره اشتغال ذممهم بتلك الحقوق فالصحيح ما ذكرناه.

شراء الحقوق من الجائر قبل أخذها

(1) قوله الأول ان ظاهر عبارات الأكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان.

و تمام الكلام بالتنبيه علي أمور:

الاول: انه هل يختص الحكم بما يأخذه السلطان فقبل أخذه لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما في ذمة المستعمل للارض أو الحوالة عليه و نحو ذلك كما هو ظاهر عبارات الاصحاب، أم يجوز المعاملة علي الخراج قبل قبضه كما عن المحقق الثاني و سيد الرياض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 386

و في الرياض صرح بعدم الخلاف و هذا هو الظاهر من الاخبار المتقدمة الواردة في قبالة الارض و جزية الرءوس (1) حيث دلت علي انه يحل ما في ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض

من السلطان. و الظاهر من الاصحاب في باب المساقاة حيث يذكرون ان خراج السلطان علي مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه (2) اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل في براءة ذمة مستعمل الارض الذي استقر عليه اجرتها بأداء غيره، بل ذكروا في المزارعة ايضا ان خراج الارض كما في كلام الاكثر أو الارض الخراجية كما في الغنية و السرائر علي مالكها. و إن كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للاراضي الخراجية و كيف كان فالاقوي ان المعاملة علي الخراج جائزة و لو قبل قبضها. و أما تعبير الاكثر بما يأخذه فالمراد به. أما الاعم مما يبني علي أخذه و لو لم يأخذه فعلا. و أما المأخوذ فعلا لكن الوجه في تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثني من جوائز السلطان التي حكموا بوجوب ردها علي مالكها اذا علمت حراما بعينها فافهم. و يؤيد الثاني سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجوائز خصوصا عبارة القواعد حيث صرح بتعميم الحكم بقوله و ان عرفت أربابه.

و يؤيد الاول ان المحكي عن الشهيد في حواشيه علي القواعد انه علق علي قول العلامة ان الذي يأخذه الجائر الي آخر قوله و إن لم يقبضها الجائر انتهي.

______________________________

و اختاره المصنف قدس سره وجهان:

(1) و استدل للثاني: بظاهر الأخبار المتقدمة الواردة في قبالة الأرض و جزية الرءوس الدالة علي أنه يحل ما في ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمن تقبل الأرض من السلطان.

و حيث عرفت عدم دلالتها علي ذلك، و سائر النصوص مختصة بما بعد الاخذ، بل و حيث عرفت عدم دلالتها علي ذلك، و سائر النصوص مختصة بما بعد الأخذ، بل هو الاختصاص.

(2) و ربما يستظهر ذلك

من الأصحاب في باب المساقاة حيث يذكرون: ان خراج السلطان علي مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 387

الثاني: هل يختص حكم الخراج (1) من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل اليه فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا فلم يمض الشارع من هذه المعاملة الا حل ذلك للمنتقل اليه أو يكون الشارع قد امضي سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه في العقد معه حراما صريح الشهيدين. و المحكي عن جماعة ذلك قال المحقق الكركي في رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرنا هم لا سيما شيخنا الاعظم الشيخ علي بن هلال قدس سره انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا منعه و لا شي ء منه لان ذلك حق واجب عليه انتهي.

و في المسالك في باب الارضين، و ذكر الاصحاب انه لا يجوز لأحد جحدها و لا منعها و لا التصرف فيها بغير إذنه، بل ادعي بعضهم الاتفاق عليه انتهي. و في آخر كلامه ايضا ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه او يتوقف علي اذنه انتهي.

______________________________

و فيه أن هذا الاستظهار مبني علي كون الخراج في ذينك البابين علي المستعمل، فإنه حينئذ يكون حكم الاصحاب بكفاية دفع المالك- بمعني من هي بيده- للخراج عن الزارع و الساقي، مبتنيا علي جواز المعاملة عليه قبل أخذ السلطان له، إذ المالك حينئذ يعامل عليه و يدفعه الي السلطان قبل أخذ السلطان اياه، و حيث ان للمنع عن ذلك مجالا واسعا، فإن الخراج من الاول يكون علي المالك الا مع الشرط كما تدل عليه جملة من النصوص و

قد ذكرها السيد في الحاشية، فلا يصح استظهار ان بناء الاصحاب علي جواز المعاملة قبل الاخذ من هذه الفتوي.

حكم الاراضي الخراجية حال الغيبة

(1) قوله الثاني هل يختص حكم الخراج … بمن ينتقل إليه.

لا كلام بينهم في ان الاراضي الخراجية ملك للمسلمين. و ان امر التصرف فيها الي،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 388

______________________________

الامام عليه السلام و المأذون من قبله، كما دلت علي كلا الامرين جملة من النصوص، مذكورة في الوسائل في كتاب الجهاد و غيره.

و انما الاختلاف في حكمها في حال الغيبة، و قد كثرت الاقوال فيه:

الاول: ما عن جماعة من المحققين و هو: انه لا يجوز التصرف في الاراضي و لا في الخراج الا بإذن السلطان الجائر، و انه ولي هذا الامر بعد غصبه الخلافة، و عن الكفاية، انه نقل بعضهم الاتفاق عليه، و بعض هؤلاء صرح بأنه مع عدم امكان الرجوع الي الجائر فالامر الي الحاكم الشرعي، و الباقون ساكتون عن ذلك.

الثاني: ما عن المسالك، و هو: ان الامر اولا الي الحاكم الشرعي و مع عدمه أو عدم امكان تصرفه فإلي الجائر، و لا يجوز التصرف الا بأحد الوجهين علي الترتيب المذكور.

الثالث: ان الامر الي الحاكم الشرعي الا انه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه فيها و في خراجها نافذا من غير حاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي و إن أمكن، و هذا هو الظاهر من كثير من متأخري المتأخرين، و ظاهر هم انه لا بد من أحد الامرين.

الرابع: ان الامر الي الحاكم الشرعي، و مع عدمه أو عدم امكان الاستيذان منه يجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها، و لكن مع مبادرة الجائر الي التصرف يكون تصرفه نافذا، و لا يجب الاستيذان من الفقيه.

الخامس: ما عن المبسوط و المستند

و هو: انه يجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها من غير توقف علي الاستئذان من أحد لا من الحاكم الشرعي و لا من الجائر.

السادس: انه يجوز الرجوع الي كل منهما في حال الاختيار، و يتعين أحدهما مع عدم امكان الآخر.

السابع: انه يجب الاستئذان من الحاكم الشرعي اذا أمكن حتي في صورة تصرف الجائر، و عدم جواز الاكتفاء به.

الاقوي بحسب الادلة هو الرابع، لانه مقتضي الجمع بين ما دل علي ان أمر التصرف في الاراضي الخراجية الي ولي أمر المسلمين و السلطان العادل، و ما دل علي ان الامور التي لا بد من تحققها في الخارج و احتمل كونها مشروطة في وجودها بنظر شخص خاص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 389

و علي هذا عول بعض الاساطين في شرحه علي القواعد حيث قال: و يقوي حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها، و عن تسليم ثمنها بعد شرائها الي الجائر و ان حرمت عليه و دخل تسليمها في الاعانة علي الاثم بالبداية (1) أو الغاية لنص الاصحاب علي ذلك و دعوي الاجماع عليه انتهي.

أقول: ان اريد منع الحصة مطلقا فيتصرف في الارض من دون أجرة فله وجه لانها ملك المسلمين فلا بد لها من أجرة تصرف في مصالحهم و إن أريد منعها من خصوص الجائر فلا دليل علي حرمته لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة لا يوجب دفعها الي الجائر، بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن (2)

لانه غير مستحق (3) فيسلم الي العادل أو نائبه الخاص او العام.

______________________________

يعتبر فيها اذن الفقيه و له الولاية عليها، و بين ما دل علي نفوذ تصرفات الجائر، و إن أمكن الاستئذان من الفقيه كما لا يخفي.

(1) قوله بالبداية او

الغاية.

أما الاولي فلحرمة قبض الجائر فالاقباض إعانة عليه.

و أما الثانية فلحرمة تصرفات الجائر في الحق بعد القبض.

(2) قوله بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن.

ما أفاده يكون مقتضي القاعدة لاقتضائها الاقتصار علي المتيقن من موارد نفوذ تصرف الجائر، و هي صورة عدم التمكن من الامتناع علي التسليم اليه، فلو دفع اليه اختيارا لما كان تصرفه نافذا.

و يشهد له- مضافا الي ذلك- قوله عليه السلام في صحيح العيص المتقدم و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإن المال لا ينبغي ان يزكي مرتين فانه و إن ورد في خصوص الزكاة الا انه يثبت في الخراج و المقاسمات بعدم القول بالفصل.

(3) قوله لأنه غير مستحق.

يرد عليه ان من يدعي عدم جواز الامتناع عن التسليم يستند الي النصوص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 390

و مع التعذر يتولي صرفه في المصالح حسبة مع ان في بعض الاخبار ظهورا في جواز الامتناع مثل صحيحة زرارة (1) اشتري ضريس بن عبد الملك و اخوه أرزا من هبيرة بثلاثمائة الف درهم، قال: فقلت له ويلك أو ويحك أنظر الي خمس هذا المال، فابعث به اليه عليه السلام و احتبس الباقي فأبي علي و ادي المال. و قدم هؤلاء فذهب امر بني أمية، قال: فقلت ذلك لابي عبد الله عليه السلام فقال مبادرا للجواب هوله، فقلت له: انه أداها فعضّ علي اصبعه، فان أوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة، و أما حمله علي كونه مال الناصب اعني هبيرة أو بعض بني امية فيكون دليلا علي حل مال الناصب بعد اخراج خمسه كما استظهره في الحدائق فقد ضعف في محله بمنع هذا الحكم و مخالفته لاتفاق اصحابنا كما تحقق في باب الخمس

و إن ورد به غير واحد من الاخبار.

و أما الامر بإخراج الخمس في هذه الرواية (2) فلعله من جهة احتمال اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام فيجب تخميسه أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام، فيستحب تخميسه كما تقدم في جوائز الظلمة.

______________________________

الخاصة. فالمهم هو الجواب عن ذلك بعدم تسليم الاطلاق لها او وجود دليل خاص.

(1) قوله مع ان في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع مثل صحيحة زرارة.

الاستدلال بصحيح زرارة «1» انما يتم بناء علي ما أفاده بقوله فإن أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الارز من المقاسمة.

و هو غير تام إذ الظاهر من الصحيح ان ضريسا كان مورد هذا الحق لانه عليه السلام قال هوله و محل الكلام انما هو امتناع من عليه الحق فهو أجنبي عن المقام. مع ان محل الكلام هو السلطان المستولي، و ظاهر هذا الخبر ان بني امية حين صدور هذا الخبر كانوا مستضعفين، فالامتناع في هذا المورد غير الامتناع في محل البحث.

(2) قوله و أما الأمر بإخراج الخمس في هذه الرواية … فيجب تخميسه.

و فيه: ان الامر به انما هو من زرارة و الامام عليه السلام لم يقرره علي ذلك بل قوله هو له يصلح ان يكون رادعا عنه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 391

(1) و ما روي من ان علي بن يقطين، قال له الإمام عليه السلام إن كنت و لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة و انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يرد عليهم سرا. قال المحقق الكركي في قاطعة اللجاج انه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة (2) و يمكن

أن يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات لانها و إن كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لاجله الا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم الي آخر ما تقدم نقله عن مشايخه.

أقول: ما ذكره من الحمل علي وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام (3) في قول الامام عليه السلام فاتق أموال الشيعة فالاحتمال الثاني اولي لكن بالنسبة الي ما عدا الزكوات لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء علي عدم الاجتزاء بها

______________________________

(1) قوله و ما روي من ان علي بن يقطين قال له الإمام عليه السلام ان كنت فاعلا فاتق.

أشار بذلك الي المرسل «1» عن علي بن يقطين قال قلت لابي الحسن عليه السلام ما تقول في أعمال هؤلاء قال عليه السلام: ان كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة قال فاخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر.

(2) قوله من وجوه الظلم المحرمة.

هذا هو المتعين، فان وجوه الخراج و المقاسمات و الصدقات خارجة عن أموالهم و انما هي لاهلها، و قوله عليه السلام اتق اموال الشيعة ظاهر في ارادة عدم أخذ ما هو لهم و ليس هو الا وجوه الظلم المحرمة.

(3) قوله مخالف لظاهر العام.

الظاهر ان المراد به الشيعة، و محصل مراده ان أموال الشيعة التي أمر بالاتقاء منها، ليست الا الخراج و المقاسمات و أما وجوه الظلم فهي ليست اموالا لجميع الشيعة، بل لاشخاص خاصة، و كذلك الزكاة اما بناء علي الاجتزاء بما يعطي للجائر عنها فلانها انما تكون لخصوص الفقراء، و أما بناء علي عدم الاجتزاء فلانها انما تكون لخصوص المالك.

و لكن يرد عليه

انه مخالف لمقابلة الجمع بالجمع.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 392

عن الزكاة الواجبة لقوله عليه السلام: انما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم. و انما الزكاة لاهلها و قوله عليه السلام: لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فان المال لا ينبغي أن يزكي مرتين، و فيما ذكر المحقق من الوجه الثاني دلالة علي ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الي خصوص الجائر و جواز منعه عنه. و ان نقل بعد عن مشايخه في كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه المنع عن سرقة الخراج أو جحوده رأسا حتي عن نائب العادل لا منعه عن خصوص الجائر مع دفعه الي نائب العادل او صرفه حسبة في وجوه بيت المال كما يشهد، لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فان وجوبه عليه انما يقتضي حرمة منعه رأسا لاعن خصوص الجائر لانه ليس حقا واجبا له، و لعل ما ذكرنا هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه قدس سره بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون إشعار بمخالفته لذلك الوجه، و مما يؤيد ذلك ان المحقق المذكور، بعد ما ذكر ان هذا يعني حل ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة مما وردت به النصوص، و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة قال: فان قلت فهل يجوز ان يتولي من له النيابة حال الغيبة ذلك اعني الفقيه الجامع للشرائط، قلنا: لا نعرف للاصحاب في ذلك تصريحا لكن من جوز للفقهاء حال الغيبة تولي استيفاء الحدود و غير ذلك من توابع منصب الامامة ينبغي له تجويز ذلك

بطريق اولي لا سيما و المستحقون لذلك موجودون في كل عصر و من تأمل في أحوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدي و علم المحققين نصير الملة و الدين و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة قدس سرهم و غير هم نظر متأمل منصف لم يشك في انهم كانوا يسلكون هذا المسلك، و ما كانوا يودعون في كتبهم الا ما يعتقدون صحته انتهي. و حمل ما ذكره من تولي الفقيه علي صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر.

و أما قوله و من تأمل الخ. فهو استشهاد علي أصل المطلب و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج علي وجه الاتهاب و من الاراضي علي وجه الاقتطاع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 393

و لا دخل له بقوله (1) فإن قلت و قلته أصلا فإن علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال علي أراضي الخراج بغير إذن السلطان و ممن يتراءي منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد قدس سره في الدروس حيث قال قدس سره يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و إن لم يكن مستحقا له، ثمّ قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها علي المالك و لا يعتبر رضاه و لا يمنع تظلمه من الشراء و كذا لو علم ان العامل يظلم الا ان يعلم الظلم بعينه، نعم يكره معاملة الظلمة و لا يحرم لقول الصادق عليه السلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو حلال حتي تعرف الحرام بعينه، و لا فرق بين قبض الجائر اياها او وكيله و بين عدم القبض فلو أحاله بها و قبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو

باعها و

______________________________

(1) قوله و لا دخل له بقوله فان قلت و قلته.

الظاهر من كلامه قدس سره ارادة فتاوي العلماء المذكورين بجواز تولي الفقيه لأخذ الخراج لا أخذهم الخراج خارجا فيتم الارتباط.

و قد استدل للقول الاول المنسوب الي المشهور: بأن الجائر انما غصب الخلافة و الولاية، و هو في ذلك آثم و معاند لله و رسوله، الا ان أمر التصرف في الاراضي الخراجية جعل للوالي و إن كان باطلا، و عليه فهو الولي في هذا الامر.

و نظير ذلك ما لو وقف أحد أرضا و جعل توليتها لسلطان الوقت.

و بأن المستفاد من نصوص المقام ان المجعول اولا و إن كان هو ولاية التصرف للعادل، الا ان الولاة الشرعيين بأنفسهم جعلوا ولاية هذا الامر للجائر، فهذا المال من الاموال التي لها متول مخصوص.

و فيهما نظر.

اما الاول: فلما تقدم في أول هذا المبحث فراجع.

و أما الثاني: فلانه لا يستفاد من تلك النصوص سوي نفوذ تصرفاته، و لا يستفاد منها جعل الولاية الخاصة.

و بذلك ظهر ما في القول السادس، إذ لا مدرك له سوي توهم انه مقتضي الجمع بين جعل الولاية لكل من الحاكم الشرعي و الجائر.

و أما القول الثاني: فيرد عليه: انه لا دليل علي جعل الولاية للجائر حتي مع عدم وجود الحاكم الشرعي، و عليه فعند فقده الولاية انما تكون لعدول المؤمنين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 394

هي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول و يحرم علي المالك المنع. و كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك انتهي.

لكن الظاهر من قوله و يحرم علي المالك المنع انه عطف علي قوله جاز التناول فيكون من أحكام الاحالة

بها و التوكيل و البيع، فالمراد منع المالك المحال و المشتري عنها، و هذا لا إشكال فيه (1) لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشتري فلا يجوز منعهما عن ملكهما. و أما قوله قدس سره و لا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم في كلام مشايخ المحقق الكركي من ارادة تناولها بغير اذن أحد حتي الفقيه النائب عن السلطان العارف. و قد عرفت ان هذا مسلم فتوي و نصا و ان الخراج لا يسقط من مستعملي اراضي المسلمين، ثمّ ان ما ذكره من جواز الوقف لا يناسب ذكره في جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه (2) إذا نقلها السلطان اليه لبعض مصالح المسلمين، فلا يخلو عن اشكال. و أما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق علي عدم جواز المنع عن الجائر و الجحود.

فالظاهر منه ايضا ما ذكرنا من جحود الخراج و منعه رأسا لاعن خصوص الجائر مع تسليمه الي الفقيه النائب عن العادل فانه قدس سره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق قال بلا فصل: و هل يتوقف التصرف في هذا القسم منها علي إذن الحاكم الشرعي اذا كان متمكنا في صرفها في وجهها بناء علي كونه نائبا عن المستحق و مفوضا اليه ما هو أعظم من ذلك.

______________________________

(1) قوله و هذا لا إشكال فيه.

و فيه انه اذا لم يجب الدفع الي الموكل لما وجب الدفع الي الوكيل.

(2) قوله و ان اراد وقف الأرض المأخوذة منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 395

______________________________

في حاشية السيد قدس سره الظاهر ان مراده وقف السلطان للارض الخراجية أو وقفه شيئا يصلح للوقف من مال الخراج

بأن يشتري به شيئا و يقفه و كذا المراد من الصدقة صدقة السلطان للخراج.

و أما القول الثالث: فيمكن ارجاعه الي الرابع الذي اخترناه.

و أما القول الخامس: فقد استدل له بطائفتين من النصوص.

الاولي: النصوص «1» الدالة علي تحليل ما لهم لشيعتهم، فإنه يكون الاخذ من السلطان حينئذ من باب الاستنقاذ استدل بها صاحب المستند.

الثانية: الاخبار «2» الدالة علي تحليل الاراضي بناء علي اطلاقها للاراضي الخراجية و عدم اختصاصها بالانفال، استدل بها بعض مشايخنا المحققين قدس سره.

و فيهما نظر:

أما الاولي: فلانه لو ثبت العموم لتلك الاخبار، لما كانت شاملة للمقام، إذ الاراضي الخراجية انما تكون للمسلمين لا للإمام عليه السلام و إن كانت الدنيا و ما فيها له عليه السلام.

و أما الثانية: فلان تلك النصوص مختصة بالانفال كما حقق في محله.

و أما القول السابع:

فيرده: اطلاق نصوص الباب، بل الظاهر منها انها متضمنة للاذن العام في جميع الموارد، فلا حاجة الي الاستئذان من الفقيه.

فتحصل: ان الاظهر هو القول الرابع، و هو ان الولاية انما تكون للحاكم الشرعي، و مع عدم وجوده فلعدول المؤمنين.

الا انه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه نافذا، و لا حاجة الي الاستئذان من الفقيه و إن أمكن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، من أبواب الانفال، كتاب الخمس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 396

الظاهر ذلك و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين و مع عدم التمكن أمرها الي الجائر. و أما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا بل لم اقف علي قائل به لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر و توقف التصرف علي اذنه و بين مفوض الامر الي الامام عليه السلام فمع غيبته يرجع الامر الي نائبه. فالتصرف بدونهما

لا دليل عليه انتهي. و ليس مراده قدس سره من التوقف، التوقف علي إذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر علي الارض كما لا يخفي، و كيف كان فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوي كفاية اذن الجائر في حل الخراج و كون تصرفه بالاعطاء و المعاوضة و الاسقاط و غير ذلك نافذا. أما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل و لا أمارة بل لو نوقش في كفاية تصرفه في الحلية و عدم توقفها علي اذن الحاكم الشرعي مع التمكن بناء علي ان الاخبار الظاهرة في الكفاية منصرفة الي الغالب من عدم تيسر استئذان الامام عليه السلام أو نائبه. أمكن ذلك الا ان المناقشة في غير محلها لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة بحيث لا يحتاج بعد ذلك الي اذن خاص في الموارد الخاصة منهم عليهم السلام و لا من نوابهم. هذا كله مع استيلاء الجائر علي تلك الارض، و التمكن من استئذانه. و أما مع عدم استيلائه علي أرض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد أهلها له ابتداء او طغيانهم عليه، بعد السلطنة عليهم فالاقوي خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداء عدم جواز استئذانه و عدم مضي اذنه فيها كما صرح به بعض الاساطين، حيث قال: بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام مراجعته أو مراجعة الجائر مع التمكن. و أما مع فقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط او عدم التمكن من مراجعته فالواجب الرجوع الي الحاكم الشرعي إذ ولاية الجائر انما ثبتت علي من دخل في قسم رعيته حتي يكون في سلطانه و يكون مشمولا لحفظه من الاعداء و حمايته،

فمن بعد عن سلطانهم أو كان علي الحد فيما بينهم أو قوي عليهم، فخرج عن مأموريتهم فلا يجري عليه حكمهم اقتصارا علي المقطوع به من الاخبار. و كلام الاصحاب في قطع الحكم بالاصول و القواعد و تخصيص ما دل علي المنع عن الركون اليهم و الانقياد لهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 397

الثالث: ان ظاهر الاخبار و إطلاق الاصحاب حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية، و إن كانت عندنا من الانفال. (1)

______________________________

ما يأخذه الجائر باسم الخراج من غير الاراضي الخراجية

(1) الثالث: في حكم ما يأخذه السلطان باسم الخراج من أرضي الأنفال، و مجهول المالك و نحو هما مما لا يكون من الاراضي الخراجية عندنا.

و تحقيق المقام: ان الارض التي يأخذ الجائر منها الخراج.

تارة: تكون من الاراضي الخراجية عندنا.

و اخري: لا تكون منها باتفاق الفريقين، كالاراضي المخصوصة بأشخاص خاصة و لو كانت ملك الامام عليه السلام بما هو شخص خاص لا من حيث انه إمام و رئيس.

و منها الارض التي أسلم أهلها طوعا.

و ثالثة: تكون من الاراضي الخراجية عندهم و من الاموال المختصة بالامام عليه السلام بما هو إمام عندنا، كأراضي الانفال و مجهول المالك و نحوهما.

أما القسم الاول: فلا ريب و لا كلام في شمول الاخبار المتقدمة و الادلة المشار اليها له، و هو المتيقن من موردها.

و أما القسم الثاني: فلا ريب في عدم شمولها له، و يكون أخذ الخراج منه ظلما في مذهبهم أيضا، فلا يجري مناط الحكم فيه الذي هو التقية، بل يمكن أن يقال: إن موثق اسحاق «1» الذي استدل به في المسألة يدل علي عدم ثبوت الحكم في هذا القسم، لقوله عليه السلام يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا، بل

لا يبعد دعوي دلالة صحيح الحذاء الآتي عليه لاشتماله علي قوله عليه السلام لا بأس به حتي يعرف الحرام بعينه و سيأتي لذلك زيادة توضيح. فانتظر.

و أما القسم الثالث: فهو الذي وقع الكلام فيه، و هذا التنبيه انعقد لبيان حكمه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 398

و هو الذي يقتضيه نفي الحرج. (1) نعم مقتضي بعض أدلتهم و بعض كلماتهم هو الاختصاص، فان العلامة قد استدل في كتبه علي حل الخراج و المقاسمة بأن هذا ما لم يملكه الزارع و لا صاحب الارض بل هو حق لله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته و جاز شراؤه، و هذا الدليل و إن كان فيه ما لا يخفي من الخلل الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضي التي لها حق علي الزارع و ليس الانفال كذلك لكونها مباحة للشيعة، نعم لو قلنا بأن غيرهم يجب عليه أجرة الارض كما لا يبعد أمكن تحليل ما يأخذه منهم الجائر بالدليل المذكور لو تم، و مما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد و مشايخ المحقق الثاني من حرمة جحود الخراج و المقاسمة معللين ذلك بأن ذلك حق عليه فان الانفال لا حق و لا أجرة في التصرف فيها و كذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوي الاجماع علي الحكم ان تصرف الجائر في الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولي اذا جاز المالك و الانصاف ان كلمات الاصحاب بعد التأمل في أطرافها ظاهرة في الاختصاص بأراضي المسلمين خلافا لما استظهره المحقق الكركي قدس سره من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار مع ان الاخبار أكثرها لا عموم

فيها و لا إطلاق، نعم بعض الاخبار الواردة في المعاملة علي الاراضي الخراجية التي جمعها صاحب الكفاية شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان، نعم لو فرض انه ضرب الخراج علي ملك غير الامام أو علي ملك الامام لا بالإمامة او علي الاراضي التي اسلم أهلها عليها طوعا لم يدخل في منصرف الاخبار قطعا، و لو أخذ الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه إياها ففيه وجهان:

______________________________

و قد استظهر المصنف قدس سره خلافا لما استظهره المحقق الكركي من كلمات الاصحاب جريان الحكم فيه.

فلاحظ كلمات القوم المنقول طرف منها في المتن فاقض بين العلمين.

(1) و قد استدل له: بأنه الذي يقتضيه نفي الحرج، و باطلاق الأخبار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 399

______________________________

و فيهما نظر:

أما الاول: فلانه مضافا الي ما تقدم من عدم كونه مدركا لهذا الحكم: انه إن أريد به لزوم الحرج علي الآخذين للاموال المذكورة عن الظلمة فهو باطل، إذ أي حرج في ترك الشراء من الغاصب، و لو تم ذلك لزم جواز شراء كل ما في أيدي الغاصبين، مع انه بناء علي ما عرفت في مبحث جوائز السلطان من أن المال المأخوذ من الجائر ما لم يعلم أنه حرام بعينه يحل التصرف فيه، و ان علم اشتمال امواله علي الحرام يجوز التصرف فيما يؤخذ منهم ما لم يعلم أنه من تلك الاموال، و إن اريد به لزوم الحرج علي الذين يؤخذ منهم هذا الحق فهو أيضا باطل. إذ لا يلتزم ببقاء شي ء في عهدتهم حتي يلزم منه الحرج عليهم.

و أما الثاني: فلانه لا إطلاق لها لو رودها في مقام بيان الحلية من ناحية تصرف الجائر خاصة لا من الجهات الاخر، فهي لا تسوغ سوي

أمرا واحدا، و لا نظر لها الي الجهات الاخر، فيجب التحفظ عليها.

فإذا كانت الارض من الانفال التي ابيحت للشيعة فأخذ الحق منها ظلم في نفسه مع قطع النظر عن تصدي الجائر لذلك.

بل يمكن أن يقال: إن ظاهر صحيح «1» الحذاء و موثق اسحاق المتقدم عدم اجراء الحكم فيه.

اما الاول: فلقوله عليه السلام فيه في جواب السؤال عما يشتري من عمال السلطان مع العلم بأنهم يأخذون أكثر من الحق الذي يجب عليهم: لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه فانه يدل علي ان ما يؤخذ غير الحق الواجب حرام.

و أما الثاني: فلما تقدم.

فالاظهر عدم جريان الحكم في هذا القسم.

نعم ما يؤخذ من غيرنا ممن يعتقد بكون هذا القسم من الاراضي الخراجية يمكن تحليله و اجراء الحكم المذكور فيه لقاعدة الالزام بالتقريب المتقدم في أول هذا المبحث.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 400

الرابع: ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة (1) و عماله، فلا يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجاً علي سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين.

نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له لكنك عرفت انه قاصر عن إفادة المدعي كما ان ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج و المؤمن و الكافر، و إن اعترفا بعدم الاستحقاق الا أن ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف، و المسألة مشكلة من اختصاص موارد الاخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاق أخذه و لا عموم فيها لغير المورد فيقتصر في مخالفة القاعدة عليه، و من لزوم الحرج (2) و دعوي الاطلاق في بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام (3) في صحيحة الحلبي لا بأس

بأن يتقبل الرجل الارض و أهلها من السلطان، و قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم كل أرض دفعها اليك سلطان فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و غير ذلك، و يمكن ان يرد لزوم الحرج بلزومه علي كل تقدير لان المفروض ان السلطان المؤمن خصوصا في هذه الازمنة يأخذ الخراج عن كل أرض و لو لم تكن خراجية و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الي الخراج و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفي علي من لاحظ سيرة عماله

______________________________

اختصاص الحكم بالسلطان المدعي للرئاسة العامة

(1) قوله الرابع: ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله.

البحث في هذا التنبيه يقع في موردين:

الاول: في انه هل يختص الحكم بالسلطان المستولي علي البلاد، أم يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجا علي سلطان الوقت.

الثاني: في أنه هل يختص الحكم بالمخالف الذي يري نفسه خليفة، أم يعم كل سلطان مسلم يري نفسه خليفة عملا مخالفا كان أم شيعيا كما قيل في هارون الرشيد و ابنه المأمون، أم يعم كل سلطان مسلم، أم يعم مطلق السلاطين؟ و قد استدل للتعميم من الجهتين:

(2) بقاعدة العسر و الحرج.

(3) و باطلاق الأخبار لا سيما بعضها، كقوله عليه السلام في صحيح الحلبي لا بأس أن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 401

فلا بد اما من الحكم لحل ذلك كله لدفع الحرج. و أما من الحكم بكون ما في يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك. و أما الاطلاقات فهي مضافا الي إمكان دعوي انصرافها الي الغالب كما في المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز

إدخال أهل الارض الخراجية في تقبل الارض في صحيحة الحلبي لدفع توهم حرمة ذلك كما يظهر من أخبار اخر و كجواز أخذ أكثر ما تقبل به الارض من السلطان في رواية الفيض بن المختار و كغير ذلك من أحكام قبالة الارض و استئجارها فيما عداها من الروايات.

و الحاصل ان الاستدلال بهذه الاخبار علي عدم البأس بأخذ أموالهم مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل، و مما يدل علي عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهي، أو باسم الخراج أو المقاسمة كما في غيره، و ما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج و المقاسمة لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة في مذهب العامة نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لان مذهب الشيعة ان الولاية في

______________________________

يتقبل الارض و أهلها من السلطان «1» و غيره.

و بأن وجه الاذن منهم عليهم السلام هو توسل الشيعة الي حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما اشعر به قوله عليه السلام في الحسن: اما علم ان لك في بيت المال نصيبا «2» و يرد علي الوجه الاول: ما تقدم غير مرة من عدم صلاحية تلك القاعدة لاثبات الحكم، مضافا الي انه:

إن اريد به لزوم الحرج علي الآخذين من تلك الظلمة فيرد عليه ما ذكرناه في التنبيه المتقدم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 18، من أبواب المزارعة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 402

الاراضي الخراجية انما هي للامام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام، فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك انما هو شي ء يظلم به في اعتقاده معترفا بعدم براءة ذمة زارع

الارض من اجرتها شرعا نظير ما يأخذه من الاملاك الخاصة التي لاخراج عليها أصلا و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل بذلك في عناوين الاصحاب قطعا لان مرادهم من الشبهة، الشبهة من حيث المذهب التي امضاها الشارع للشيعة لا الشبهة في نظر شخص خاص لان الشبهة الخاصة إن كانت عن سبب صحيح كاجتهاد أو تقليد، فلا اشكال في حليته له و استحقاقه للأخذ بالنسبة اليه و الا كانت باطلة غير نافذة في حق أحد.

و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الاصحاب ليس الا الجائر المخالف و مما يؤيده ايضا عطف الزكاة عليها مع ان الجائر الموافق لا يري لنفسه ولاية جباية الصدقات.

______________________________

و إن اريد به لزوم الحرج علي الذين تؤخذ منهم هذه الحقوق لبقائها في عهدتهم.

فيرد عليه: ان لازم ذلك انه كلما أجبرهم ظالم أو غاصب علي اعطاء تلك الحقوق تبرأ ذممهم منها.

و إن شئت قلت: ان الحرج لو لزم فانما هو من أخذ الظالمين لا من بقاء الحقوق.

و يرد علي الوجه الثاني: ان النصوص التي يصح الاستدلال بها علي أصل هذا الحكم لا إطلاق لها من هذه الجهة.

و انما هي واردة في أشخاص مخصوصين، و انما يتعدي عنهم الي من يماثلهم، و ليسوا هم الا الذين يرون أنفسهم خليفة عملا و إن لم يعتقدوا بذلك.

و بالجملة: ليست النصوص متضمنة لبيان قضية حقيقية كي يستدل باطلاقها.

و يرد علي الوجه الثالث: ان صحيح الحذاء «1» ظاهر في غير من له في بيت المال نصيب.

و علي تقدير القول باطلاق النصوص، ربما يقال بعدم شمولها للكافر.

لانصراف النصوص الي غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به

حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 403

و كيف كان «1» فالذي اتخيل كلما ازداد المنصف التأمل في كلماتهم يزداد له هذا المعني وضوحا، فما اطنب به بعض في دعوي عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغي ان يغتر به. و لأجل ما ذكرنا و غيره فسر صاحب ايضاح النافع في ظاهر كلامه المحكي الجائر في عبارة النافع بمن تقدم علي أمير المؤمنين عليه السلام و اقتفي أثر الثلاثة. فالقول بالاختصاص كما استظهره في المسالك و جزم به في ايضاح النافع و جعله الاصح في الرياض لا يخلو عن قوة فينبغي في الاراضي التي بيد الجائر الموافق في المعاملة علي عينها أو علي ما يؤخذ عليها مراجعة الحاكم الشرعي، و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يري نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه علي غير الاراضي الخراجية من الاملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل في منصرف الاخبار، و لا في كلمات الاصحاب فحكمه حكم السلطان الموافق. و أما السلطان الكافر فلم أجد فيه نصا و ينبغي لمن تمسك باطلاق النص و الفتوي التزام دخوله فيهما، لكن الانصاف انصرافهما الي غيره مضافا الي ما تقدم في السلطان الموافق من اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق و قد تمسك في ذلك بعض بنفي السبيل للكافر علي المؤمن (1) فتأمل.

______________________________

(1) و لما دل علي نفي السبيل للكافر علي المؤمن.

و لكن يرد علي الاول: انه لا منشأ لهذا الانصراف.

و علي الثاني: ان نفوذ تصرفاته من باب اجازة الفضولي ليس سبيلا له علي المؤمن و انما السبيل يكون لو قيل بولاية السلطان، و قد عرفت ان القول بها بمراحل عن الواقع.

و الحق ان المستفاد

من النصوص ثبوت الحكم في كل سلطان مستول علي البلاد الذي يكون وضع سلطنته و مملكته علي أخذ الخراج بعنوانه الشرعي، من غير فرق بين كونه موافقا، أم مخالفا، أم كافرا، و عدم ثبوته فيمن لا سلطنة له علي البلاد، و من ليس وضع سلطنته علي ذلك، من غير فرق بين الاقسام الثلاثة.

______________________________

(1) النساء، آية: 41.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 404

الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الاخذ للأخذ (1) فلا فرق حينئذ بين المؤمن و المخالف و الكافر لإطلاق بعض الاخبار المتقدمة و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما في روايتي الحذاء و اسحاق بن عمار و بعض روايات قبالة الاراضي الخراجية، و لم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ مع اعترافه بأن ظاهر الاصحاب التعميم و كأنه أدخل هذه المسألة يعني مسألة حل الخراج و المقاسمة في القاعدة المعروفة من الزام الناس بما الزموا به أنفسهم و وجوب المضي معهم في أحكامهم علي ما يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن ما باعه من الخمر و الخنزير، و الاقوي ان المسألة أعم من ذلك و انما الممضي فيما نحن فيه تصرف الجائر في تلك الاراضي مطلقا.

______________________________

لا يختص الحكم بالمعتقد ولاية الجائر

(1) قوله الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الاخذ للأخذ.

لا ينبغي التأمل في عدم اختصاص هذا الحكم بما اذا كان المأخوذ منه من المخالفين، لان مدرك هذا الحكم ليس هو قاعدة الالزام وحدها.

بل جملة من النصوص تدل عليه كما تقدم و بعضها وارد في خصوص المؤمن كصحيح الحذاء المتقدم.

و أما

دعوي اختصاص الحكم بمن يعتقد ولاية الجائر للتصرف في الاراضي الخراجية و ان كان مؤمنا.

فيدفعها اطلاق النصوص.

و الجواب عنها باختصاص صحيح الحذاء بغير المعتقد لا يصح لعدم حمل المطلق علي المقيد في المثبتين و قد تقدم الكلام في ذلك مفصلا فلا وجه للاعادة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 405

السادس: ليس للخراج قدر معين (1) بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الارض لان الخراج هي أجرة الارض فينوط برضي المؤجر و المستأجر. (2) نعم لو استعمل أحد الارض قبل تعيين الاجرة تعين عليه اجرة المثل و هي مضبوطة عند أهل الخبرة. و أما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه، و نسب ما ذكرناه الي ظاهر الاصحاب و يدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام في مرسلة حماد بن عيسي (3) و الارض التي أخذت عنوة بخيل و ركاب فهي

______________________________

ليس للخراج قدر معين

(1) قوله السادس ليس للخراج قدر معين.

و ملخص القول فيه ان في المسألة أقوالا:

الاول: ان المناط فيه ما تراضي السلطان و مستعمل الارض و إن كان مضرا بحاله.

الثاني: ان المناط ذلك مشروطا بعدم كونه مضرا.

الثالث: اختصاص الحكم بما يتصرف به الامام العادل، فالزائد و الناقص غير نافذين منه.

(2) بان الخراج هو أجرة الارض، فيناط تقديره برضا المؤجر و المستأجر.

و فيه: ان المؤجر اذا كان مالكا تم ما ذكر، و لكن اذا كان وليا علي المالك فلا يتم، فانه لا بد له في الاجارة من مراعاة مصلحة المولي عليه، فلو خفف المؤجر في هذا القسم لا لمصلحة راجعة الي المولي عليه بل لدواع نفسانية لم تصح الاجارة و في المقام الجائر و إن لم يكن وليا الا انه فضول أجاز الولي معاملته.

(3) و استدل

للثاني: بقول أبي الحسن عليه السلام في مرسل «1» حماد الطويل المذكور في المتن.

و فيه: ان المرسل وارد في الوالي و هو السلطان العادل، و متضمن لبيان سيرته، و معلوم انه لا يجحف في المعاملة، و لا تعرض له لكيفية معاملة الجائر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب جهاد العدو، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 406

موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها علي صلح ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثان علي قدر ما يكون لهم صالحا «صلاحا» و لا يضر بهم «هم» الحديث، و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضر بهم لم يجز ذلك كالذي يؤخذ من بعض مزارعي بعض بلادنا بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج فيجبرونه علي الزراعة، و حينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد علي ما يضر الزيادة عليه وجهان.

و حكي عن بعض انه يشترط ان لا يزيد علي ما كان يأخذه المتولي له الامام العادل الا برضاه، و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعة الخراج و المقاسمة باختياره و اختيار الجائر، فاذا تراضيا علي شي ء فهو الحق قليلا كان أو كثيرا و إن كان لا بد له من استعمال الارض لانها كانت مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الي غيرها، فالمناط ما ذكر في المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بأن لا يبقي لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا علي الزرع من المال و بذلوا له من أبدانهم الاعمال.

______________________________

و يشهد للقول الثالث: بالاضافة الي طرف النقيصة ما

تقدم.

و بالنسبة الي طرف الزيادة عدم الدليل علي نفوذ تصرفات الجائر في هذا الفرض، إذ لا إطلاق لأدلة جواز المعاملة معه كي يتمسك به لنفوذ تصرفاته في هذا الفرض فلا بد من الاخذ بالمتيقن، و هو ما اذا لم يزد علي المقدار المتعارف و لم يجحف في المعاملة، هذا فيما إذا لم يجبر الزارع و لم يكرهه علي المعاملة.

و أما في صورة الاكراه و الالجاء، فعدم نفوذ المعاملة أوضح لعموم حديث رفع الاكراه «1».

و في موارد عدم نفوذ معاملته من جهة الزيادة لا سبيل الي دعوي وقوع الاجارة علي ما عدا الزيادة، و انما يحرم أخذ المقدار الزائد، إذ المعاملة واحدة، فمع عدم نفوذها علي النحو الذي وقعت لا مناص عن البناء علي بطلانها، و عليه فلو زرع الزارع فيها مع ذلك تثبت اجرة المثل في ذمته كما لو استعملها قبل تعيين الاجرة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 407

السابع: ظاهر اطلاق الاصحاب انه لا يشترط فيمن يصل اليه الخراج أو الزكاة من السلطان علي وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا أن يكون مستحقا له (1) و نسبه الكركي قدس سره في رسالته الي اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله أراد اطلاق ما دل علي حل جوائز السلطان و عماله مع كونها غالبا من بيت المال، و الا فما استدلوا به لأصل المسألة انما هي الاخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة و الواردة في حل تقبيل الارض الخراجية من السلطان، و لا ريب في عدم اشتراط كون المشتري و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال، و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من

الخراج حتي يتمسك باطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان مع أن تلك الاخبار واردة ايضا في أشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال (2) فالحكم بنفوذ تصرف الجائر علي الاطلاق في الخراج من حيث البذل و التفريق كنفوذ تصرفه علي الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ و المعاملة عليه مشكل.

______________________________

أخذ غير المستحق للخراج و الزكاة

(1) قوله السابع ظاهر اطلاق الأصحاب انه لا يشترط فيمن يصل اليه … مستحقاً له.

لا اشكال في انه يجوز شراء الخراج و الصدقة من الجائر، كان الاخذ مستحقا و موردا لهما أم لم يكن، إذ لا يعتبر في صحة الشراء كون المشتري مستحقا و مصرفا لهما.

و يدل عليه اطلاق الاخبار، و كذلك بالنسبة الي شراء الارض الخراجية مع وجود المسوغ للبيع و تقبلها و تقبل الخراج.

و أما الاخذ من الجائر مجانا، فإن كان الاخذ مستحقا أو مصرفا لما يأخذه فلا كلام.

انما الكلام فيما اذا لم يكن مصرفا له، فقد يقال: ان مقتضي اطلاق النصوص المتضمنة لحلية جوائز السلطان حليته و جواز الاخذ مطلقا.

و أورد عليه المصنف قدس سره بأنه لا إطلاق لها، و انما هي واردة في اشخاص خاصة.

(2) قال فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 408

و أما قوله عليه السلام في رواية الحضرمي السابقة ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث اليك بعطائك اما علم ان لك نصيبا من بيت المال (1) فانما يدل علي ان كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الاخذ لا ان كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه، و كذا تعليل العلامة قدس سره فيما تقدم من دليله بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقه (2) فان هذا لا ينافي إمضاء

الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء كما ان للامام عليه السلام أن يتصرف في بيت المال كيف شاء، فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة و المذكور في كلام العلامة قدس سره علي اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر.

ثمّ أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة. و في المسالك انه يشترط أن يكون صرفه لها علي وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعد عندهم عاصيا إذ يمتنع الاخذ منه عندهم ايضا، ثمّ قال: و يحتمل الجواز مطلقا نظرا الي اطلاق النص و الفتوي، قال: و يجي ء مثله في المقاسمة و الخراج، فان مصرفها بيت المال و له أرباب مخصوصون عندهم ايضا، انتهي.

______________________________

و فيه: ان بعض تلك النصوص مطلق، كخبر زرارة «1» و محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام: جوائز العمال ليس بها بأس و نحوه غيره.

فالاولي ان يورد عليه: بأن تلك النصوص كما بيناه في تلك المسألة واردة في مقام بيان الحلية الظاهرية لا الواقعية فراجع، و عليه فحلية الخراج و الزكاة مع عدم كون الشخص مصرفا لا بد لها من التماس دليل آخر مفقود. فالاظهر هو عدم الجواز كما هو واضح.

و قد استدل لهذا القول.

(1) بقوله عليه السلام: في خبر الحضرمي «2» المتقدم اما علم ان لك في بيت المال نصيبا.

(2) و بتعليل العلامة قدس سره أصل الحكم بان الخراج حق لله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته و جاز شراؤه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) نفس المصدر، ح 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 409

الثامن: ان كون الارض الخراجية بحيث

يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة يتوقف علي أمور ثلاثة. (1)

الاول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا علي أن يكون الارض للمسلمين (2) إذ ما عداهما من الارضين لاخراج عليها.

نعم لو قلنا بأن حكم ما يأخذه الجائر من الانفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج دخل ما يثبت كونه من الانفال في حكمها.

______________________________

و يرد علي الاول: انه لا يدل علي جواز أخذ من لا نصيب له في بيت المال، و انما هو متضمن للتعريض علي ابن أبي سماك في عدم اعطائه من له نصيب فيها.

و يرد علي الثاني: مضافا الي عدم تمامية هذا التعليل في نفسه كما لا يخفي. انه لا ينافي حكم الشارع بجواز أخذه من الجائر مع عدم كونه مصرفا له. و بعبارة اخري: انه لا إشعار فيه في اعتبار الاستحقاق في المصرف.

شرائط الاراضي الخراجية
اشارة

(1) قوله الثامن ان كون الارض الخراجية.. يتوقف علي امور ثلاثة.

قد تقدم ان للاراضي الخراجية أقساما ثلاثة:

أحدها: كون الارض مفتوحة عنوة.

ثانيها: الارض التي صولح أهلها علي أن تكون الارض لهم، و عليهم كذا و كذا من المال او الثلث او نحوه من حاصل الارض.

ثالثها: الارض التي أسلم أهلها طوعا اذا تركوا عمارتها.

و محل الكلام في هذا التنبيه هو القسم الاول.

و يشترط في ترتب أحكام الخراج و المقاسمة عليها أمور:

(2) الأول: ثبوت كون الارض مفتوحة عنوة و ذلك انما يكون بالشياع المفيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 410

نقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم و بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم (1) بناء علي كفايته في كل ما يعسر اقامة البينة عليه، كالنسب و الوقف و الملك المطلق. (2)

______________________________

للعلم، و البينة، و خبر العدل الواحد، بناء علي حجيته في الموضوعات كما هو المختار.

و قد ذكروا في عداد ما يثبت به ذلك، أمورا اخر.

(1) منها ما ذكره المصنف قدس سره بقوله: بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء علي كفايته في كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف.

و لم أقف عاجلا علي ما يمكن الاستدلال به لهذه الكبري الكلية سوي وجوه أربعة:

الاول: مرسل يونس عن الامام الصادق عليه السلام عن البينة اذا اقيمت علي الحق أ يحل للقاضي أن يقضي بقول البينة من غير مسألة اذا لم يعرفهم، فقال عليه السلام خمسة أشياء يجب علي الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و المواريث، فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه «1».

بتقريب: ان المراد بالحكم هي النسبة الخبرية و ظهور هذه النسبة عبارة اخري عن الشيوع، فيدل

المرسل علي انه يجوز الاخذ بالشيوع في هذه الامور الخمسة.

و فيه: ان الظاهر ارادة النسبة من الحكم لا الخبر عنها، و ظهور النسبة غير ظهور الخبر عنها و شيوعه، أ لا تري انه ربما يكون ولدية زيد لعمر و ظاهرة و لكن الخبر عنها ليس شائعا.

و الشاهد علي ارادة ذلك من الحكم مضافا الي ظهوره في ذلك قوله عليه السلام في ذيل المرسل: فاذا كان ظاهره … الي آخره، فانه صريح في ان الظاهر مقابل الباطن، و عن بعض نسخ التهذيب، ظاهر الحال، بدل ظاهر الحكم، و عليه فالأمر أوضح، فيكون المتحصل من

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات،، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 411

______________________________

الخبر: انه في هذه الموارد الخمسة يجوز الأخذ بظاهر الحال، ففي مورد الشهادات اذا كان الشاهد ظاهر الصلاح عند الناس تقبل شهادته.

الثاني: صحيح حريز المتضمن لقصة اسماعيل.

و فيه: فقال اسماعيل: يا أبه اني لم أره يشرب الخمر انما سمعت الناس يقولون فقال عليه السلام: يا بني ان الله عز و جل يقول في كتابه (يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين) يقول:

يصدق الله و يصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم و لا تأتمن شارب الخمر «1».

بتقريب: انه عليه السلام امر بترتيب آثار الواقع علي مجرد قول الناس الذي هو عبارة عن الشياع، و جعل عليه السلام من يقول الناس انه يشرب الخمر، شارب الخمر.

و فيه: ان المأمور به ليس ترتيب جميع آثار الواقع بل خصوص ما ينفع المخبر اليه و لا يضر المخبر 3 عنه. و بعبارة اخري: انه لا ملازمة بين تصديق المخبر المأمور به في الخبر و بين العمل علي طبق قوله.

و يشهد لما ذكرناه: قوله عليه السلام في

خبر آخر: كذب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا و قال لم أقله فصدقه و كذبهم «2».

فإنه عليه السلام أمر بتكذيب خمسين قسامة و تصديق الواحد، و ليس ذلك الا لما ذكرناه.

الثالث: ان الظن الحاصل من الشياع أقوي من الظن الحاصل من البينة العادلة.

و فيه: انه لم يثبت كون ملاك حجية البينة إفادتها الظن، بل الثابت خلافه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب أحكام الوديعة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 412

و أما ثبوتها بغير ذلك من الامارات الظنية حتي قول من يوثق به من المورخين فمحل اشكال لان الاصل (1) عدم الفتح عنوة و عدم تملك المسلمين، نعم الاصل عدم تملك غيرهم ايضا (2) فان فرض دخولها بذلك في الانفال و الحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو و الا فمقتضي القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها. و أما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع فيعمل فيها معهم علي طبق ما يقتضيه القواعد عنده من كونه مال الامام عليه السلام أو مجهول المالك أو غير ذلك.

______________________________

الرابع: إجراء دليل الانسداد في كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف.

بتقريب: ان تحصيل العلم فيه عسر و كذلك البينة العادلة، و يلزم من إجراء الاصل كأصالة عدم النسب الوقوع في خلاف الواقع كثيرا، و الاحتياط متعذر أو متعسر، فلا مناص عن التنزل الي الظن.

و فيه: ان المقدمة الثانية لا تفيد ما لم ينضم اليها ان الوقوع في خلاف الواقع مناف لغرض الشارع، إذ لو لم يحرز ذلك- كما في باب الطهارة- لما كان محذور في اجراء الاصل

و حيث ان هذا غير ثابت فلا يتم هذا الوجه.

فتحصل: انه لا دليل علي حجية الشياع الظني مطلقا، و لا في كل ما يعسر اقامة البينة عليه.

(1) قوله فمحل اشكال لأن الأصل عدم الفتح عنوة.

لا يخفي ما في العبارة من المسامحة فإن ظاهرها ان علة الاشكال الاصل المذكور مع انه علي فرض حجية قول من يوثق به من المورخين في نفسه يكون ذلك حاكما علي الاصل فهو لا يصلح مانعا عن حجيته.

(2) و في موارد عدم ثبوت كون الأرض خراجية و الشك في ذلك.

تارة: يعلم بكونها ملكا للغير و يشك في انتقالها منه الي المسلمين أو الامام عليه السلام.

و اخري: يعلم بانتقالها منه و يشك في الانتقال الي المسلمين أو الامام عليه السلام.

أما في الصورة الاولي: فمقتضي استصحاب بقاء المالك اذا احتمل بقاءه و استصحاب بقاء العمودين لو لم يعلم بموتهما عادة مع العلم بموت المالك نفسه هو عدم الانتقال الي الامام و لا إلي المسلمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 413

و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر ان أرض العراق فتحت عنوة، و حكي ذلك عن التواريخ المعتبرة و حكي عن بعض العامة انها فتحت صلحا، و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الامرين (1) ففي صحيحة الحلبي انه سأل أبو عبد الله عليه السلام عن أرض السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم و لمن يدخل في الاسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، و رواية أبي الربيع الشامي لا تشتر من أرض السواد شيئا الا من كانت له ذمة فانما هي في للمسلمين، و قريب منها صحيحة ابن الحجاج، و أما غير هذه الارض مما ذكر و

اشتهر فتحها عنوة.

______________________________

و في هذين الموردين ان عرف المالك فهو، و الا فيعامل معه معاملة مجهول المالك.

و ان علم بموته و عدم بقاء العمودين يبني علي كون الارض للامام عليه السلام لاستصحاب عدم وجود وارث آخر و هو عليه السلام وارث من لا وارث له.

و أما في الصورة الثانية: فأصالة عدم دخولها في ملك المسلمين معارضة بأصالة عدم دخولها في ملك الامام مع العلم بدخولها في ملك أحدهما، و لا تدخل بذلك في الانفال من جهة ان الاصل عدم رب لها، فتدخل في هذا الموضوع من الانفال، للعلم بدخولها في ملك أحدهما، و لا يعامل معها معاملة مجهول المالك لان ذلك مختص بما اذا اشتبه المالك بين غير محصورين، و في المقام المالك أما هو الإمام او المسلمون، فالمالك مردد بين محصورين، فلا بد من اجراء ذلك الحكم من التنصيف او القرعة او غير هما كل علي مسلكه.

(1) قوله و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الامرين:

الكلام في ان ارض العراق فتحت عنوة أو صلحا- و ان المفتوحة عنوة ملك للمسلمين كما هو المشهور بين الاصحاب، أو انها غير مملوكة بل معدة لمصالح المسلمين و هم مصرف لحاصلها كما عن جماعة منهم الشهيد الثاني في جملة من كتبه و المحقق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 414

فإن أخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع أو الظن المتاخم من الشياع أخذ به علي تأمل في الاخير كما في العدل الواحد و الا فقد عرفت الاشكال في الاعتماد علي مطلق الظن.

و أما العمل بقول المورخين بناء علي ان قولهم في المقام نظير قول اللغوي في اللغة و قول الطبيب و شبههما فدون اثباته خرط القتاد و

اشكل منه اثبات ذلك باستمرار السيرة. (1)

______________________________

الاردبيلي قدس سره و ما يستفاد من صحيح الحلبي المذكور في المتن و كذا خبر أبي الربيع و سائر النصوص موكول الي محل آخر و قد اشبعنا القول في ذلك و سائر الفروع المربوطة في الجزء الثالث عشر من كتابنا فقه الصادق.

(1) و منها: استمرار السيرة علي أخذ الخراج من أرض.

و فيه: انه ان اريد به استمرار سيرة سلاطين الجور، فيرد عليه: ان الجائرين المرتكبين للفجائع غير التابعين للمعصومين عليهم السلام كيف تكشف سيرتهم عن رضا المعصوم عليه السلام مع انه لو كانت سيرتهم كاشفة عن رأيه عليه السلام لكان مختصا بما اذا كان اعتقادهم استحقاق الخراج من خصوص الاراضي الخراجية و لما تم فيما لو اعتقدوا استحقاقهم الخراج من الانفال ايضا، و حيث ان المفروض هو الثاني لأخذهم الخراج من القسم الثاني ايضا فلا يتم ذلك.

و إن اريد به استمرار سيرة المؤمنين الآخذين من السلطان الجائر خراج الاراضي المشتبهة.

فيرد عليه: اولا: ان هذا ممنوع صغري. و ثانيا: انه يتم اذا لم يعتقدوا جواز أخذ خراج أراضي الانفال من يد السلطان. و ثالثا: انه يتم اذا علمنا بأنهم أخذوه منه مع علمهم بكون المأخوذ من خراج تلك الارض و هو كما تري.

و منها: حمل فعل المسلم علي الصحة.

و فيه: انه إن اريد به حمل فعل الجائر علي الصحة، فيرد عليه: ان أخذ الجائر للخراج حرام علي أي تقدير، و معه لا مورد لحمل فعله علي الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 415

علي أخذ الخراج من أرض لان ذلك اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الاول من غير نكير إذ لو كان شيئا حادثا

لنقل في كتب التواريخ لاعتناء أربابها بالمبتدعات و الحوادث. و أما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو أخذهم الخراج علي الصحيح، و يرد علي الاول مع ان عدم التعرض يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الذي لا يدل علي العدم ان هذه الامارات ليست بأولي من تنصيص أهل التواريخ الذي عرفت حاله، و علي الثاني انه إن اريد بفعل المسلم تصرف السلطان بأخذ الخراج فلا ريب ان أخذه حرام و ان علم كون الارض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله و دعوي ان أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا من أخذه من غيرها توهم لان مناط الحرمة في المقامين واحد، و هو أخذ مال الغير من غير استحقاق و اشتغال ذمة المأخوذ منه بأجرة الارض الخراجية و عدمه في غيرها لا يهون الفساد.

نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان و هو من يقع في يده شي ء من الخراج بمعاوضة أو تبرع فيحل في الارض الخراجية دون غيرها مع انه لا دليل علي وجوب حمل الفاسد علي الاقل فسادا إذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الامر بين الزنا مكرها للمرأة و بين الزنا برضائها حيث ان الظلم محرم آخر غير الزنا بخلاف ما نحن فيه مع ان أصالة الصحة لا تثبت الموضوع و هو كون الارض خراجية الا ان يقال: إن المقصود ترتب آثار الاخذ الذي هو أقل فسادا و هو حل تناوله من الاخذ، و إن لم يثبت كون الارض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الاخر مثل وجوب دفع اجرة الارض الي حاكم الشرع ليصرفه في المصالح اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه من

دون دفع اجرة اصلا لا إلي الجائر و لا إلي حاكم الشرع و إن اريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض. ففيه انه لا عبرة بفعلهم اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه الاراضي كما هو الغالب في محل الكلام إذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم إحراز الموضوع، و لو احتمل تقليدهم لمن يري تلك الارض خراجية لم ينفع و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية كان اللازم من ذلك جواز التناول من أيديهم لا من يد السلطان كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 416

الثاني: ان يكون الفتح بإذن الامام عليه السلام (1)

و إلا كان المفتوح مال الامام عليه السلام بناء أصحابنا و هي مرسلة العباس الوراق (2) و فيها انه اذا غزا قوم بغير إذن الامام عليه السلام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام، قال في المبسوط و علي هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي صلي الله عليه و آله الا ما فتحت في زمان الوصي عليه السلام من مال الامام، انتهي.

______________________________

و دعوي ان أخذه الخراج من غير الاراضي الخراجية أكثر فسادا من أخذ الخراج من الاراضي الخراجية، فلا بد من حمل فعله علي الاقل فسادا عن الاشتباه.

مندفعة بأنه لا دليل علي حمل فعل المسلم علي الاقل فسادا، مع انه لو تم ذلك لما تم في المقام، إذ معلوم ان الجائرين يأخذون الخراج مع عدم احراز كون الارض خراجية.

و إن اريد به حمل فعل المؤمن المتلقي لذلك الخراج من السلطان علي الصحة، فهو متين لو ثبت ذلك، و لكن مع ذلك لا يثبت به كون الارض خراجية لعدم حجية أصالة الصحة في مثبتاتها، و إن كانت من الامارات كما حققناه في رسالة

القواعد الثلاث.

(1) قوله الثاني: أن يكون الفتح بإذن الامام عليه السلام.

الكلام في هذا الشرط يقع في مقامين:

الاول: في اعتبار هذا الشرط و عدمه.

الثاني: في الشبهة الموضوعية.

أما المقام الاول: فالمشهور بين الاصحاب اعتباره، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه، و عن المنتهي و المدارك و المستند و غيرها: عدم اعتباره و عن النافع:

التوقف فيه.

(2) و استدل للمشهور: بخبر الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام عليه السلام و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للامام عليه السلام الخمس «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب الانفال، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 417

______________________________

و أورد عليه:

تارة: بضعف السند للجهالة.

و اخري: بمعارضته مع حسن الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة قال عليه السلام: يؤدي خمسا و يطيب له «1».

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان ضعفه منجبر بعمل الاصحاب.

و أما الثاني: فلانه متضمن لقضية شخصية، فلعله كان ذلك القتال بأمر الامام عليه السلام أو برضائه أو ان الامام عليه السلام حل البقية.

و الصحيح أن يورد علي الاستدلال به: بأن هذا الخبر معارض مع النصوص «2» الدالة علي ان الاراضي التي فتحت بالسيف للمسلمين، و النسبة عموم من وجه إذ المرسل اعم لشموله للمنقولات، و تلك النصوص اعم لشمولها لما اذا كان القتال بغير إذن الامام عليه السلام و المجمع الذي هو مورد المعارضة هي الاراضي التي أخذت بغير إذن الامام فهي بمقتضي المرسل ملك للامام عليه السلام و بمقتضي تلك النصوص ملك للمسلمين، فيرجع الي الاخبار العلاجية و هي تقتضي تقديم تلك النصوص كما

لا يخفي.

و ما أفاده السيد الفقيه من حكومة المرسل علي النصوص لكونه بصدد بيان اشتراط الاذن في كون الغنيمة للمسلمين و هذه في مقام بيان حكم الارض المأخوذة بالسيف فكأنه قال: كل ما أخذ عنوة فهو للمسلمين، و يشترط في الاخذ أن يكون بإذن الامام عليه السلام.

يرد عليه: ان المرسل ليس لسانه اشتراط الاذن في كون الغنيمة للمسلمين، بل لسانه ان الغنائم المأخوذة بإذن الامام عليه السلام للمسلمين، و ما أخذ بغير اذنه، للامام عليه السلام و عليه فلا وجه لدعوي الحكومة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 8.

(2) الوسائل، باب 72، من أبواب جهاد العدو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 418

أقول: فيبتني حل المأخوذ منها خراجا علي ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال. و الظاهر ان ارض العراق مفتوحة بالاذن كما يكشف عن ذلك ما دل علي انها للمسلمين. و أما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني. و هي أغلب ما فتحت فظاهر بعض الاخبار كون ذلك ايضا بإذن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و أمره.

ففي الخصال في أبواب السبعة في باب ان الله تعالي يمتحن أوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن، و بعد وفاتهم في سبعة مواطن، عن أبيه و شيخه عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن جعفر بن محمد النوفلي عن يعقوب الرائد عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن يعقوب بن عبد الله الكوفي عن موسي بن عبيد عن عمر بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه

السلام (1) أنه أتي يهودي أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله عليه السلام.

______________________________

و أضعف من هذه الدعوي دعواه ان هذه الاخبار ليست بذلك الظهور في كونها و كون حاصلها للمسلمين حتي في صورة عدم إذن الامام عليه السلام بخلاف المرسل، إذ لا وجه للفرق بين الظهورين بعد كون كل منهما بالاطلاق.

فتحصل: ان الاظهر عدم اعتبار هذا الشرط، ثمّ علي القول باعتباره.

يقع الكلام في المقام الثاني.

و أما المقام الثاني: فمقتضي أصالة عدم كون الفتح بإذنه عدم كونها ملكا للمسلمين، و لا يكون هذا الاصل مثبتا، إذ موضوع كون الارض للمسلمين هو الفتح عنوة بإذن الامام عليه السلام، فاذا كان أحد جزئي الموضوع محرزا بالوجدان و الآخر بالاصل يترتب عليه حكمه، و ان ابيت الا عن كون الموضوع هو الفتح المستند الي إذن الامام عليه السلام لا يجري هذا الاصل، الا انه تجري أصالة عدم الاستناد بناء علي جريان الاصل في العدم الازلي كما هو الحق.

(1) و قد ذكر المصنف قدس سره في الخروج عن هذا الأصل وجوها:

منها: خبر «1» جابر الجعفي المذكور في المتن.

______________________________

(1) الخصال أبواب السبعة، باب ان الله تعالي يمتحن اوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن و بعد وفاتهم في سبعة مواطن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 419

و أما الرابعة: يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلي الله عليه و آله فان القائم بعد صاحبه يعني عمر بعد أبي بكر كان يشاورني في موارد الامور و مصادرها فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي لا يعلمه أحد و لا يعلمه أصحابي و لا يناظرني غيره الخبر.

و الظاهر ان عموم

الامور إضافي بالنسبة الي ما لا يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة، و لا يخفي ان الخروج الي الكفار و دعائهم الي الاسلام من أعظم تلك الامور بل لا أعظم منه.

و في سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من انهم لا يثبتون «لا يودعون» «لا يخرصون» «لا يخرجون» في كتبهم رواية في راويها ضعف الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها في الجملة مضافا الي ما اشتهر (1)

من حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات و دخول بعض خواص أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة كعمار في أمرهم.

و في صحيحة (2) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الامام عليه السلام في الارض الذي فتحت بعد رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: ان أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي امام لسائر الارضين، الخبر.

______________________________

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند.

و ثانيا: انه مختص بالفتوحات في زمان الثاني و لا يشمل غيرها.

و ثالثا: انه لم يكن يشاور أمير المؤمنين عليه السلام في الامور المهمة الراجعة الي الدين قطعا.

(1) و منها: حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات و دخول بعض خواص أمير المؤمنين من الصحابة كعمار في أمرهم.

و فيه: انه لا يكون كاشفا عن كون الغزو من العسكر بالاذن، و الفتح لا يستند اليهم خاصة كما لا يخفي، مع انه أخص من المدعي.

(2) و منها: صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 69، من أبواب

جهاد العدو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 420

و ظاهرها ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي صلي الله عليه و آله حكمها حكم أرض العراق مضافا الي انه يمكن الاكتفاء عن إذن الامام المنصوص في مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا أمير المؤمنين و سائر الائمة عليهم السلام بالفتوحات الاسلامية الموجبة لتأيد هذا الدين. (1)

و قد ورد ان الله تعالي يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه مع انه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علي وجه الصحيح (2) و هو كونه بأمر الامام عليه السلام مع أنه يمكن أن يقال إن عموم ما دل من الاخبار الكثيرة علي تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل و لا ركاب و علي أن ما أخذت بالسيف من الارضين يصرفها (يصرف حاصلها) في مصالح المسلمين معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق.

______________________________

و حيث لا ريب في ان أرض العراق خراجية فلا محالة كان أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ منها الخراج، فاذا كانت أرض العراق اماما لسائر الارضين ثبت استحقاق الخراج من سائر الارضين.

و فيه: انه من المحتمل كون السؤال و الجواب ناظرين الي مقدار الخراج لا أصله و عليه فهو أجنبي عن المقام.

(1) و منها: انه يكتفي من إذن الإمام بشاهد الحال برضا المعصومين عليهم السلام بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين.

و فيه: انا نعلم أنهم راضون بالنتيجة، و لم يحرز رضاهم بإجراء الفتوحات بأيدي المتصدين للأمر.

و إن شئت قلت: انه لو بنينا علي كفاية شاهد الحال حتي مثل ذلك لم يبق لمرسلة الوراق موضوع، فإن الغزو المشتمل علي الغنيمة يكون الامام عليه السلام راضيا به قطعا، فلا يبقي للغنيمة الحاصلة

بغير الاذن مورد.

و بالجملة: ظاهر كون الغزو عن إذن الامام لا يشمل رضاه به كما لا يخفي.

(2) و منها حمل الصادر من فتح البلاد علي وجه الصحيح و هو كونه بأمر الامام عليه السلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 421

فيرجع الي عموم قوله تعالي: (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ) الآية، فيكون الباقي للمسلمين إذ ليس لمن قابل «قاتل» شي ء من الارضين نصا و إجماعا.

الثالث: ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة بإذن الامام عليه السلام محياة حال الفتح (1)

ليدخل في الغنائم و يخرج منها الخمس اولا علي المشهور و يبقي الباقي للمسلمين.

______________________________

و فيه: ان كون الفتح بغير إذن الامام ليس من الفاسد، بل تكون الغنيمة حينئذ للامام عليه السلام لا للمسلمين، بخلاف ما اذا كان بإذنه، و مورد الحمل علي الصحة انما هو ما اذا كان الفعل ذا وجهين الصحة و الفساد كما هو واضح.

فتحصل: ان شيئا مما ذكر للخروج عن الاصل المتقدم لا يصلح لذلك.

(1) قوله الثالث: ان يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام محياة حال الفتح.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع:

الاول: في ثبوت الخمس في الاراضي المفتوحة عنوة بإذن الامام 7 علي القول باعتبار الحياة حال الفتح، و المشهور بين الاصحاب ذلك، و عن بعض: دعوي الاجماع عليه.

و يشهد له: عموم قوله تعالي (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ) «1». و مثله اخبار الغنيمة.

و أورد علي هذا الوجه: تارة:

بانصراف هذه الادلة الي غير الارض.

و اخري: بأن خطاب الخمس فيها متوجه الي الاشخاص و ظاهرها ملك الاشخاص للغنيمة ملكا شخصيا و الاراضي ليست كذلك، و انما هي ملك للنوع.

______________________________

(1) الانفال، آية: 42.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 422

______________________________

و ثالثة: بأنها تخصص بما

ورد من الاخبار من قصر الخمس علي ما ينقل كصحيح ربعي «1» و غيره مما اشتمل علي قسمة الغنيمة أخماسا و أسداسا عليهم و علي الغانمين، و لا يتصور ذلك في الاراضي لعدم استحقاق الغانمين لذلك.

و رابعة: بخلو الاخبار الواردة في بيان حكم الارض المفتوحة عنوة عن ذلك، فإن مقتضي ذلك ظهورها في كون الارض جميعها للمسلمين.

و في كل نظر:

أما الاول: فلمنع الانصراف الموجب لتقييد الاطلاقات.

و أما الثاني: فلان خطاب الخمس متوجه الي المالك سواء كان هو الشخص او النوع، غاية الامر اذا كان الشي ء ملكا للنوع، كما ان أمر التصرف فيه بالايجار و صرف مال الاجارة في مصالح المسلمين بيد الولي كذلك أمر إخراج الخمس بيده.

و أما الثالث: فلان نصوص تقسيم الغنيمة أخماسا و اسداسا لا مفهوم لها كي تدل علي عدم ثبوت الخمس فيما عدا المنقولات، فلا تصلح لتخصيص الآية.

و أما الرابع: فلان عدم التعرض لشي ء لا يعارض المتعرض لثبوته.

و يشهد لثبوته مضافا الي عموم الآية الشريفة و أخبار الغنيمة.

جملة من النصوص:

كخبر أبي بصير عن الامام الباقر عليه السلام كل شي ء قوتل عليه علي شهادة (أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله) فان لنا خمسه و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل الينا حقنا «2».

و خبر أبي حمزة عنه عليه السلام: ان الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء- الي ان قال- و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا، و الله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان أو مالا

و نحوهما غيرهما، فالاظهر ثبوت الخمس.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب قسمة الخمس، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 423

فإن كانت حينئذ مواتا كانت للامام عليه السلام (1) كما هو المشهور بل المتفق عليه علي الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكي التذكرة و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية علي ان الموات من الانفال لإطلاق (2) الاخبار الدالة علي ان الموات بقول مطلق له عليه السلام و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة علي ان المفتوحة عنوة للمسلمين لان موارد الاجماعات هي الارض المغنومة عن الكفار كسائر الغنائم التي يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس و ليس الموات من أموالهم و انما هي مال الامام و لو فرض جريان أيديهم عليه كان بحكم المغصوب لا يعد في الغنيمة، و ظاهر الاخبار خصوص المحياة مع أن الظاهر عدم الخلاف، نعم لو مات المحياة حال الفتح (3) فالظاهر بقائها علي ملك المسلمين بل عن ظاهر

______________________________

(1) الموضع الثاني: في اعتبار كون الارض محياة حين الفتح.

المشهور بين الاصحاب ذلك، و استدل له السيد قدس سره: بأن أخبار الارض المفتوحة عنوة منصرفة الي المحياة منها، و الا فدعوي ان الموات كانت ملكا للامام عليه السلام قبل الفتح و كانت مغصوبة في أيديهم كما تري.

و فيه: انه يمكن دفع هذا المحذور بالالتزام بأن من أحيا أرضا فهي له و لو كان المحيي كافرا، مع ان الالتزام بذلك لا أري له محذورا لو وافقه الدليل كما هو المفروض.

(2) و استدل له المصنف قدس سره بإطلاق ما دل علي ان الموات من الأراضي للإمام عليه السلام.

و لكن: يمكن أن يقال: إن تلك

الاخبار موردها ذلك لا انها بالاطلاق تدل عليه، إذ الاراضي كلها كانت للكفار، فلو لم تكن الموات منها للامام لم يبق لما دل علي انها من الانفال مورد، إذ الارض التي سلمها أهلها طوعا للمسلمين و الارض التي انجلي عنها أهلها انما تكون للامام محياة كانت أم مواتا.

(3) هذا هو الموضع الثالث و هو ما اذا كانت الأرض محياة حال الفتح ثمّ ماتت، فهل هي باقية في ملك المسلمين كما اختاره المصنف قدس سره و تبعه جمع، أم تدخل في ملك الامام كما ذهب اليه جمع آخرون؟ وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 424

الرياض استفادة عدم الخلاف في ذلك من السرائر لاختصاص أدلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه (1) ثمّ انه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة (2) و مع الشك فيها فالاصل العدم و إن وجدناها الآن محياة لأصالة عدمها حال الفتح.

______________________________

(1) قد استدل للأول: باختصاص أدلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه، فإن تلك الارض حينئذ باقية في ملك مالكها سواء كان هو الشخص كما لو أحيا أحد أرضا، أم كان هو النوع كما في المقام.

و فيه: ان اطلاق ما دل علي ان الارض المحياة حال الفتح للمسلمين «1» و ما دل علي ان من أحيا أرضا فهي له «2» لا يشمل أرضا ماتت بعد ذلك، إذ الحكم حدوثا و بقاء تابع لفعلية الموضوع و المفروض انعدامه.

و استصحاب بقاء الملكية مضافا الي عدم جريانه في الشبهات الحكمية لا يجدي في المقام لمحكوميته لما دل علي ان موتان الارض له عليه السلام.

و تشير الي ما ذكرناه النصوص الدالة

علي تملك المحيي و إن كانت مسبوقة بملك الغير.

كصحيح الكابلي: فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها «3» و نحوه غيره.

فالاظهر انها بعد الموت تكون للامام عليه السلام.

(2) الموضع الرابع: كل ما يثبت به الفتح عنوة يثبت به كون الأرض محياة حال الفتح، و لو شك في ذلك فإن كانت الارض تحت يد من يدعي ملكيتها يحكم بأنها له، و إن كانت تحت يد السلطان- أي يده الثابتة علي عامة الاراضي الخراجية- لا يحكم بأنها منها لان يدها عادية، فيتعين الرجوع الي الاصل، و هو يقتضي عدم كونها للمسلمين، لانه يستصحب عدم فتح الارض علي صفة الحياة، فإن هذا له حالة سابقة كذلك كما لا يخفي بل يمكن أن يقال إنه يستصحب عدم الحياة الي حين الفتح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع و شروطه.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب احياء الموات.

(3) الوسائل، باب 3، من أبواب احياء الموات، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 425

فيشكل الامر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة (1) نعم ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له. اما اذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لاجلها بكونها خراجية لان يد السلطان عادية علي الاراضي الخراجية ايضا و ما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الامام لكونها تركة من لا وارث له و بين غيره فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها و وظيفة الحاكم في الاجرة المأخوذة منها اما القرعة و أما صرفها في مصرف مشترك بين الكل كفقير يستحق الانفاق من

بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.

______________________________

و دعوي انه مثبت إذ لا يثبت به وقوع الفتح علي الموات.

مندفعة بأن المترتب علي هذا الاصل هو عدم كونها ملكا للمسلمين، و هذا يكفي للحكم بأنها للامام، إذ كما ان الموات حين الفتح له عليه السلام كذلك الارض التي لا رب لها له.

(1) قوله فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة.

خلاصة القول في المقام ان المنصوص عليه كون أرض العراق مفتوحة عنوة كما سيمر عليك.

و لكن جرت السيرة القطعية العملية علي المعاملة معها معاملة الاملاك الشخصية.

و يمكن دفع هذه الشبهة بأنه قد ثبت كون كثير من تلك الاراضي لأربابها.

منها الموات حال الفتح فانها ملك للامام عليه السلام و يملكها من احياها كما ثبت في محله و اشبعنا القول فيه في كتاب احياء الموات من فقه الصادق.

و الظاهر ان المشاهد المشرفة و جملة من البلاد المستحدثة من هذا القبيل و علي هذا فلا حاجة الي الاستدلال علي جواز بيع ما يعمل من التربة الحسينية بالسيرة بتوهم انها تقيد اطلاق نصوص المنع.

و منها الخمس من تلك الاراضي فانه يملكها المستحق فينقل الي غيره بالمعاملة و الارث.

و منها الاراضي التي ابقيت في يد أهل الذمة فانها ملك لأربابها و عليهم الجزية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 426

ثمّ اعلم أن ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق (1) المسمي بأرض السواد من غير تقييد بالعامر فينزل علي ان كلها كانت عامرة حال الفتح، و يؤيده انهم ضبطوا أرض الخراج كما في المنتهي و غيره بعد المساحة بستة أو اثنين و ثلاثين ألف ألف جريب، و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية في العراق هي و ما يتبعها من القري من المحياة

حال الفتح التي تملكها المسلمون و ذكر العلامة قدس سره في كتبه تبعا لبعض ما عن المبسوط و الخلاف ان حد

______________________________

و سيمرّ عليك في خبر أبي الربيع وجود هذه الارض في أرض العراق.

فعلي هذا ان ثبت كون الارض بالخصوص من المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح، و لم تمت بعد كي تنتقل الي الامام فيملكها من احياها كما مر لم يجز بيعها.

و ما لم تثبت فيه هذه الامور و لا أظن ان تثبت لأحد، جاز البيع لانحلال العلم الاجمالي لعدم كون جميع أطرافه محل الابتلاء، لا سيما و ان الاراضي الخراجية التي يضرب عليها الخراج من أراضي المزارع كثيرة الي الآن و أمرها بيد السلطان.

(1) قوله ثمّ اعلم ان ظاهر الأخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق.

يشهد به نصوص كثيرة.

كصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن السواد ما منزلته قال عليه السلام: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الاسلام بعد اليوم و من لم يخلق بعد، فقلت الشراء من الدهاقين قال عليه السلام: لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان تصيرها للمسلمين فإن شاء ولي أمر المسلمين ان يأخذها فله، قلت: فان أخذها قال عليه السلام: رد اليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل «1».

و المراد بأرض السواد الارض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمان عمر و هي سواد العراق، و سميت هذه الارض بالسواد: لان الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الارض و التفاف شجرها سموها السواد لذلك.

و قوله عليه السلام: فاذا شاء ولي أمر المسلمين الي آخره ظاهر في انه لا تدخل الارض في ملك المشتري، و ان لولي الامر ابقاء الارض تحت

يده و له أخذها منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 4، كتاب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 427

سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان الي طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب عرضا و من تخوم الموصل الي ساحل البحر ببلاد عبادان طولا و زاد العلامة قدس سره قوله من شرقي دجلة. فاما الغربي الذي يليه البصرة فانما هو اسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص، و ما والاها كانت «سباخا» مماتا فاحياها عثمان، و يظهر من هذا التقييد ان ما عدا ذلك كانت محياة كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد و الكوفة و الحلة، و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة و لم يثبت ان أرضها يملكها المسلمون بالاستغنام و التي فتحت عنوة و أخذت من الكفار قهرا قد انهدمت، لا يخلو عن نظر لان المفتوح عنوة لا يختص بالابنية حتي يقال إنها انهدمت فاذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين ألف ألف جريب و ايضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن علي طرف العراق بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا غير معمورة وقت الفتح، و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

______________________________

و أما قوله عليه السلام: فيرد عليه رأس ماله فهو إما أن يكون تفضلا من ولي الامر من جهة استنقاذه الارض من يد الدهاقين، أو يكون من جهة كونه بإزاء ما كان للدهاقين من الآثار

المملوكة، أو بإزاء حق الاختصاص.

و قوله له ما أكل من غلتها ظاهر في ان المنافع كالعين تكون للمسلمين و لكن حيث انه عمل فيها فله ما أكل منها و نحوه غيره.

و لكن ينافيه خبر أبي الربيع الشامي عن الامام الصادق عليه السلام لا تشتر من أرض السواد شيئا الا من كان له ذمة فانما هي في للمسلمين «1».

و ابو الربيع و الراوي عنه خالد بن جرير و ان لم يوثقا الا ان الراوي عن خالد هو

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 428

______________________________

الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الاجماع فالخبر معتبر سندا.

و الاستثناء انما يكون من جهة ان الارض المفتوحة عنوة ان ابقيت في يد من كانت له ذمة تكون ملكا لأربابها فيجوز بيعها و هذا يدل علي ان بعض قطعات أرض السواد هكذا.

بقي أمران: لا بد من الاشارة إليهما.

أحدهما انه هل يجوز بيع الاراضي المفتوحة عنوة أم لا فيه طائفتان من النصوص المانعة من البيع، و هي كثيرة، و ما توهم كونه مجوزا، و تلكم النصوص مروية في الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع و باب 71 من أبواب جهاد العدو، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في كتاب الجهاد من فقه الصادق.

ثانيهما، ان أي أرض تكون مفتوحة عنوة و أي ارض لا تكون كذلك.

قال الشيخ في المبسوط علي المحكي ظاهر المذهب ان النبي صلي الله عليه و آله فتح مكة عنوة بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك و انما لم يقسم الدور و الارضين لانها لجميع المسلمين.

فالمسلم الثابت من الاراضي المفتوحة عنوة مكة و أرض العراق أكثرها لا جميعها كما مر.

و أما غير هذين الموضعين

المذكورين فهو محل الاشتباه لعدم النص الوارد في شي ء من ذلك.

و الاعتماد في الاحكام الشرعية علي كلام المؤرخين غير الثابت وثاقتهم محل اشكال كما صرح به صاحب الحدائق.

تم الجزء الثاني من كتاب «منهاج الفقاهة» و يتلوه في الطبع الجزء الثالث من أول كتاب البيع و الحمد لله أولا و آخرا.

الجزء الثالث

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق، و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة، و علي آله العلماء بالله الامناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعة، و المرجو من الله تعالي التوفيق لنشر بقية المجلدات فانه ولي التوفيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 5

كتاب البيع (1)

اشارة

______________________________

تعريف البيع و بيان حقيقته

اشارة

(1) و فيه مقاصد:

الأول: في تعريف البيع و بيان حقيقته.

و قد اختلفت كلمات الاصحاب رضوان الله تعالي عليهم في ذلك بعد اتفاقهم ظاهرا علي انه لا حقيقة شرعية، أو متشرعية له.

و قبل بيان حقيقته لا بد من بيان امر لا يستغني عنه.

و هو: ان في البيع و كذا سائر المعاملات امورا اربعة:

احدها: اعتبار الملكية القائم بالمتبايعين.

ثانيها: اعتبارها القائم بالعقلاء.

ثالثها: الاعتبار القائم بالشارع الاقدس.

رابعها: اظهار المتبايعين اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي من لفظ أو غيره.

و ما اشتهر- من ان حقيقة الانشاء عبارة عن ايجاد معني كالملكية و غيرها باللفظ لا واقع له إذ الوجود الحقيقي للمعني لا يمكن ايجاده الا باسبابه الخارجية، و اللفظ و ما ضاهاه ليسا منها بالضرورة، و الوجود الاعتباري أي اعتبار المعتبر قائم بنفسه، و لا دخل للفظ و غيره في تحققه،

نعم- تسمية الانشاء ايجادا بمعني انه بضميمة الاعتبار النفساني موضوع لاعتبار الشارع و العقلاء حيث ان بناء العقلاء علي عدم اعتبار الملكية في البيع مثلا الا مع اعتبار المتبايعين بقيد الاعلام به، لا بأس بها،

و علي هذا فلا سببية في باب العقود و الايقاعات اصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 6

و هو في الاصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال (1)

______________________________

(1) و حيث انه لا حقيقة شرعية و لا متشرعية للبيع فنظره قده الي بيان الموضوع بحسب العرف و اللغة كي يحمل عليه في الاحكام المترتبة علي هذا العنوان و بما ان تعيين العرف و اللغة في هذا الزمان لا يفيد بالنسبة الي زمان الشارع الاقدس و لذا في الهامش يفيد و (الظاهر عرفا و لغة بضميمة اصالة عدم النقل) التي هي من الاصول العقلية الي يستند إليها الكل في ابواب الفقه

و كيف كان فقد عرف البيع بتعاريف الاول ما عن المصباح من تعريفه بانه مبادلة قال بمال و اورد علي التعريف المذكور بامور:

الأول: ان المبادلة قائمة بالطرفين كما هو الشأن في باب المفاعلة، و لا يصح التعبير بها عما يقوم بطرف واحد، مع ان البيع عندهم ليس هو ذلك بل عبارة عن التبديل.

و ما افاده المحقق الاصفهاني قدس سره من انكار تقوم المفاعلة بطرفين مستشهدا بقوله تعالي: (يخادعون الله) «1» و قوله عز و جل (و من يهاجر في سبيل الله) «2» و نافقوا، و شاقوا، و غير ذلك من الاستعمالات مدعيا ان هذه الهيئة انما وضعت لتعدية المادة و انهائها الي الغير، مثلا الكتابة لا تقتضي الا تعدية المادة الي المكتوب فيقال كتب الحديث من دون تعديتها الي المكتوب إليه، بخلاف قولهم كاتبه فانه يدل علي تعديتها الي الغير،

بحيث لو اريد افادة هذا المعني بالمجرد لقيل كتب إليه، ثمّ قال: ان الهيئة المجردة و ان افادت هذه الخصوصية في بعض الموارد كضرب زيد عمروا الا انها غير ملحوظة في الهيئة و تكون من لوازم النسبة، بخلاف ضارب زيد عمروا فان هذه الخصوصية ملحوظة فيه و ان كان لطيفا، الا انه يرد عليه: ان هذه الامور ليست امورا برهانية بل سماعية لا بد فيها من الرجوع الي اهله، و هم قد صرحوا بذلك و جعلوا له موارد استثنائية منها الآيات المشار إليها.

______________________________

(1) سورة البقرة: آيه 9.

(2) سورة النساء: آية 101.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 7

______________________________

الثاني: ان لازم هذا التعريف عدم كون بيع الكلي بيعا لانه ليس مالا قبل البيع،

فليس مبادلة مال، و عدم صحة جعل عمل الحر عوضا علي القول بعدم كونه مالا قبله.

الثالث: ان

مطلق المبادلة ليس بيعا قطعا، بل لو كانت المبادلة بيعا فانما هي المبادلة في الملكية.

الرابع: ان التبديل و المبادلة لازم غالبي للبيع لا انه مفهومه لما نورده علي تعريف جامع المقاصد.

الخامس: ان مقتضي هذا التعريف لزوم دخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، مع انه لا يعتبر ذلك، أ لا تري ان الانسان يعطي الدرهم الي الخباز و يقول: اعط الخبز للفقير، فان هذا بيع مع انه لا مبادلة فيه، و الالتزام بانه، يملك الفقير الدرهم اولا ثمّ يعطي الخباز، أو انه يوكله في تمليكه الخبز اياه ثمّ اعطائه للفقير، خلاف الواقع الذي عليه بناء العرف و العقلاء في امثال هذه المعاملة.

و بما ذكرناه يظهر ما في تعريفه بانه: تبديل عين بمال، أو تمليكها به، أو نحو ذلك من التعاريف.

و المحقق النائيني قدس سره بعد اعترافه بان هذه التعاريف تقريبية اختار في تعريفه انه: تبديل مال بمال، و ان في البيوع المتعارفة بين الناس انما يكون التبديل في الأموال لا في الملكية، و ذكر في توضيح ذلك: ان الملكية عبارة عن اضافة حاصلة بين المالك و المملوك، و هي تكون متحققة في عالم الاعتبار و تكون منشئا للآثار و لا تكون قابلة للتبديل ابتداء لانه ليس للمالك ملكية علي الملكية بل في باب المعاوضات يتبدل المالان بخلاف باب الارث فان فيه يتبدل المالكان، فالبائع انما يحل الاضافة القائمة بالطعام و يجعلها قائمة بالدرهم و لا يكون هناك تبديل في الملكية فيكون البيع هو تبديل مال بمال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 8

و الظاهر اختصاص المعوض بالعين، فلا يعم ابدال المنافع بغيرها، (1) و عليه استقر اصطلاح الفقهاء في البيع، نعم ربما يستعمل في كلمات

بعضهم في نقل غيرها

______________________________

و يرد عليه:

اولا: ان بيع الكلي بيع مع انه قبل البيع ليس طرف الاضافة كي يكون هناك تبديل.

و ثانيا: ان لازم ذلك عدم كون بيع آلات المسجد بالغلة الموقوفة عليه بيعا، فانها لا تصير ملكا لأحد كي ينطبق عليه هذا التعريف.

و ثالثا: ان الملكية لا حقيقة لها سوي الاعتبار و هو بسيط قائم بالمالك و المملوك،

فلا يعقل تبدل احد طرفيها مع بقائها، فلا محالة لا بد من تبديلها.

و بعبارة اخري: المشتري لا يملك المبيع الا باعتبار كونه ملكا له، و خلع البائع الملكية عن نفسه و لبسها به و معه تتبدل الملكية لا محالة فلا يتصور بقاء ملك الاضافة و تبديل طرفها.

فالحق في تعريف البيع بنحو يكون جامعا و مانعا ان يقال: انه اعطاء شي ء بازاء شي ء، و هذا بحسب الموارد مختلف اثره، فقد يكون اثره ملكية العوضين كما في غالب موارده، و قد يكون اثره الانعتاق كما في بيع العبد ممن ينعتق عليه، فان اثر اعطاء البائع اياه بازاء شي ء انقطاع اضافته، و حيث لا يعقل دخوله في ملك المشتري ينعتق عليه قهرا، و قد يكون اثره السقوط كما في بيع الدين ممن هو عليه، و قد يكون اثره قيام المبيع مقام عوضه فيما له من التعلق و الاضافة بجهة كالآلات المشتراة من غلة العين الموقوفة للمسجد مثلا.

ضابط ما يصح جعله معوضا و عوضا و ما لا يصح

فقد قال المصنف قدس سره في ضابط ما يصح جعله مبيعا

(1) و الظاهر اختصاص المعوض بالعين فلا يعم ابدال المنافع بغيرها تنقيح القول في المقام بالبحث في موضعين الاول في بيان المراد من العين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 9

______________________________

الثاني في انه هل يعتبر ان يكون المبيع عينا ام لا.

اما المقام الأول: فالمراد من

العين هو الموجود المتعين الخارجي و ما لو وجد لكان من المتعينات الخارجية، فتشمل العين الشخصية، و الكلي المشاع، و الكلي في المعين، و الكلي الذمي. و تخرج المنفعة و الحق، و لا إشكال في شي ء من ذلك الا في الكلي الذمي، فانه اشكل علي جعله مبيعا بوجهين:

الأول: ان الملكية من الاعراض، فلا بد لها من معروض، و لا وجود للكلي الذمي حتي يكون معروض الملكية.

و اجاب عنه المحقق النراقي قده: بان البيع ليس هو التمليك، بل عبارة عن نقل الملك، و حيث انه لا محذور في نقل الملك في ظرف وجوده- و ان كان متأخرا فعلا لعدم كون النقل من الاعراض- فلا اشكال في صحة البيع.

و قال: و الحاصل ان البيع نقل الملك بالغير بالفعل سواء كان الملك ايضا فعليا أو قويا مترقب الحصول.

و فيه: اولا: ان لازم ذلك بطلان البيع إذا تعذر تسليم الكلي، أو لم يحصل للبائع،

لانه يكشف انه باع ما ليس له، مع انه لا يكون باطلا بالاتفاق.

و ثانيا: ان النقل مطلقا لا بد و ان يكون بملاحظة مكان أو اضافة، و ليس له استقلال في التحصل، فلو كان حقيقة البيع هو النقل كان بمعني نقل الملك، فكما ان الملكية غير معقولة كما هو المفروض، كذلك النقل لا يكون فعليا، فلا نقل بالفعل و انما هو معلق علي أمر متأخر، و التعليق في البيع باطل بالاجماع.

و اجاب عنه السيد الفقيه: بان الملكية و ان كانت من الاعراض الخارجية الا ان حقيقتها ليست الا اعتبارا عقلائيا، فيمكن ان يكون محلها موجودا اعتباريا فنقول:

العقلاء يعتبرون الكلي الذمي شيئا موجودا تتعلق به الملكية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 10

______________________________

و فيه: اولا: انه لا يصح الجمع

بين العرض الذي هو امر واقعي مقولي، و بين الاعتبار الذي لا ثبوت له الا في افق الاعتبار.

و ثانيا: انه من المعلوم ان العقلاء في باب اعتبار ملكية الكلي الذمي ليس لهم اعتبار ان احدهما متعلق بوجوده، و ثانيهما متعلق بملكيته.

فالحق في الجواب ان يقال: ان الملكية انما هي من الاعتباريات و الاعتبار لا يحتاج الا الي طرف في افق الاعتبار و هو كما يكون عينا خارجية يمكن ان يكون كليا في الذمة، و الظاهر ان المستشكل خلط بين الملكية التي هي من الاعراض الخارجية- و هي الهيئة الحاصلة للجسم من احاطة شي ء به- كالهيئة الحاصلة للرأس من احاطة العمامة به، و بين الملكية التي هي من الاعتباريات التي تعتبر لفائدة مترتبة علي اعتبارها. و الذي لا يمكن ان يتحقق بلا محل موجود انما هي الملكية بالمعني الأول، و اما الملكية الاعتبارية فهي لا تتوقف الا علي محل موجود في افق الاعتبار بنفس الاعتبار، و عليه فكما يمكن ان يكون ذلك عينا موجودة في الخارج يمكن ان يكون كليا في الذمة، بل ربما يكون المالك ايضا كليا ككلي الفقير و السيد في باب الزكاة و الخمس.

و بهذا البيان يظهر انه يمكن ان يكون المالك امرا اعتباريا كالحكومة التي هي من الامور الاعتبارية العقلائية و يعتبرونها لشخص أو لعدة اشخاص، و لذا تري ان العقلاء يعتبرون لهم الملكية بما انهم هيئة حاكمة، و الفرق بين ملكيتهم بما هم كذلك و بين ملكيتهم بما هم اشخاص انه لو مات احدهم أو جميعهم في الأول لا ينتقل المال الي الورثة، و لو انتقلت عنهم الحكومة يخرج المال عن تحت سلطانهم بخلافه في الثاني. و تمام الكلام في ذلك

موكول الي محل آخر.

الاشكال الثاني: انه يعتبر في البيع كون المبيع مالا قبل البيع و الكلي في الذمة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 11

______________________________

ليس كذلك،

و يرد عليه: انه لم يدل دليل من عرف أو شرع علي اعتبار ان يكون المبيع قبل البيع مالا، و تعريف المصباح لا حجية له، بل يعتبر شرعا و عرفا كون المبيع قابلا لان يعوض عنه، و ضابط ذلك كونه متعلقا للاغراض و معلوم ان الكلي كذلك.

و أما المقام الثاني: فالأرجح في النظر اعتبار كون المبيع من الاعيان و ذلك لان البيع من المفاهيم العرفية و الامضاء الشرعي متعلق به،

و لعل اختصاص البيع بنقل الاعيان و تمليكها و عدم شموله لنقل المنافع من الامور الواضحة عندهم بحسب المتفاهم العرفي.

و الظاهر انه الي هذا نظر الفقهاء حيث استدلوا للاختصاص تارة: بالتبادر، و اخري:

بصحة سلب البيع عن تمليك المنفعة بعوض، و ثالثة: بانصراف الادلة الي ما هو المعهود خارجا من جعل المعوض في البيع عينا.

لا يقال: ان البيع بحسب متفاهم اهل هذا الزمان و ان اختص بنقل الاعيان الا ان

المعيار هو عرف زمان الشارع الاقدس.

فانه يتوجه عليه اولا: انه ان ثبت ذلك في هذا الزمان يبني علي كونه كذلك في زمانه صلي الله عليه و آله لأصالة عدم النقل المعبر عنها بالاستصحاب القهقري، الذي علي جريانه بناء العقلاء و سيرة العلماء و لو لاه لانسد عليهم باب الاجتهاد لعدم احراز كون الروايات ظاهرة في المعاني التي تكون الآن ظاهرة فيها في زمانه صلي الله عليه و آله الا بذلك.

و ثانيا: ان الشك في شمول البيع لنقل المنافع مانع عن التمسك بعمومات الصحة، و يتعين معه البناء علي الاختصاص لأصالة الفساد.

و يؤيد ما اخترناه من

الاختصاص: استقرار اصطلاح الفقهاء عليه في تعيين الثمن و المثمن، يعني انهم إذا ارادوا تمييز البائع عن المشتري و المثمن عن الثمن جعلوا مالك العين بائعا و مالك المنفعة مشتريا، و الاجماع، و انه لا فرق بين الاجارة و البيع الا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 12

بل يظهر من كثير من الاخبار (1) كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر، و بيع سكني الدار التي لا يعلم صاحبها، (2) و كأخبار بيع الأرض الخراجية و شرائها.

(3) و الظاهر انها مسامحة في التعبير كما ان لفظ الاجارة يستعمل عرفا في نقل بعض الاعيان كالثمرة علي الشجرة (4)

______________________________

في ان البيع لنقل الاعيان و الاجارة لنقل المنافع بناء علي ما حققناه في كتاب الاجارة من ان حقيقتها تمليك المنفعة بعوض.

و استدل للتعميم بوجهين:

الأول: ان ما عن المصباح من تعريف البيع بانه مبادلة مال بمال كما يشمل نقل الاعيان يشمل نقل المنافع.

(1) الثاني: ما في المتن قال بل يظهر ذلك من كثير من الاخبار.

حيث اطلق البيع علي نقل المنافع في جملة من النصوص

(2) منها: النصوص الدالة علي بيع سكني الدار: كموثق اسحاق بن عمار «1» و منها: ما دل علي بيع خدمة المدبر: كخبر السكوني «2» و منها: ما ورد في بيع الاراضي الخراجية «3» و فيهما نظر:

اما الأول: فلما تقدم من عدم تمامية تعريف المصابح و عدم حجيته.

و أما الثاني فلأن الاستعمال اعم من الحقيقة، و اصالة الحقيقة انما يرجع إليها لتشخيص المراد لا لتعيين الموضوع له بعد معلومية المراد،

فالأظهر اختصاص البيع بنقل الاعيان

(4) قوله كالثمرة علي الشجرة.

الظاهر ان مراده ليس ما إذا آجر الشجرة لثمرتها قبل وجودها كما افاده السيد قدس سره بل مراده ما إذا تعلقتا لإجارة

بنفس الثمرة- فانها التي تكون بيعا قطعا كما في رواية «4»

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 5.

(2) الوسائل باب 3 من أبواب التدبير من كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد حديث 4.

(3) الوسائل باب 71 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه من كتاب الجهاد.

(4) الوسائل باب 2 من أبواب بيع الثمار حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 13

و أما العوض فلا اشكال في جواز كونها منفعة (1) كما في غير موضع من القواعد و عن التذكرة و جامع المقاصد و لا يبعد عدم الخلاف فيه، نعم نسب الي بعض الاعيان (و هو البهبهاني) الخلاف فيه، و لعله لما اشتهر في كلامهم من ان البيع نقل الاعيان و الظاهر ارادتهم بيان البيع نظير قولهم ان الاجارة لنقل المنافع.

______________________________

الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام الواردة في بيع الثمار و ان لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر،

أي لا تشتر كما هو صريح ساير الاخبار

جعل المنفعة عوضا

هذا كله في المعوض،

و أما في العوض فقد قال المصنف قدس سره:

(1) اما العوض فلا اشكال في جواز كونه منفعة.

و الكلام في المقام يقع في موارد:

الأول: في بيان حقيقة المنفعة.

الثاني: في جواز جعلها عوضا.

الثالث: في جواز جعل عمل الحر عوضا.

الرابع: في الحقوق.

اما المورد الأول: فالمنفعة عبارة عما به يكون المال مالا، و بعبارة اخري: عبارة عن الحيثية القائمة بالعين الموجودة بوجودها علي نحو وجود المقبول بوجود القابل،

فمنفعة الدابة ليست ما هو فعل الراكب الذي هو من اعراضه لا من اعراض الدابة، بل المضايف لفعل الراكب الذي يصير فعليا بالاستيفاء الذي هو عبارة عن الانتفاع.

و بهذا البيان ظهر ان ما افاده السيد الفقيه في حاشيته من: ان الثمرة تعد

منفعة الشجرة عرفا، لا يمكن المساعدة عليه، إذ حقيقة العين مغايرة لحقيقة المنفعة فلا يعقل انطباق احداهما علي الاخري.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لعدم جواز جعلها عوضا بوجوه:

الأول: ما اشتهر في كلامهم من ان البيع نقل الاعيان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 14

و أما عمل الحر فان قلنا: انه قبل المعاوضة عليه من الاموال فلا اشكال (1)

و الا ففيه اشكال من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.

______________________________

الثاني: ان المنفعة غير موجودة: فغير قابلة للمملوكية، فلا يصح جعلها عوضا. و هو المحكي عن الشهيد.

الثالث: انه لعدم تعارف جعل المنفعة عوضا تكون ادلة نفوذ البيع منصرفة الي نقل غيرها.

و في كل نظر اما الأول: فلأن البيع- كما عرفت- انما هو عمل البائع، فهم في مقام بيان ما ينتقل من البائع، و هذا منهم نظير ما ذكروه من ان الاجارة لنقل المنافع، مع انه لا كلام بينهم في صحة جعل العوض فيها عينا.

و أما الثاني: فلما عرفت من ان الملكية امر اعتباري، فيصح اعتبارها بالاضافة الي المنفعة التي هي مقدرة الوجود بتبع وجود العين القابلة لاستيفاء المنافع عنها.

و أما الثالث فلان الانصراف الناشئ عن قلة وجود فرد لا يصلح لتقييد المطلقات، فالأظهر جواز جعلها عوضا.

جعل عمل الحر عوضا

(1) اما المورد الثالث: فقال المصنف قدس سره: و أما عمل الحرفان قلنا انه قابل المعاوضة عليه من الأموال فلا اشكال.

محصل كلامه: انه لا إشكال في جواز جعل عمل الحر عوضا إذا كان ذلك بعد وقوع المعاوضة عليه، كما إذا كان اجيرا لغيره فانه يجوز لذلك الغير جعله عوضا، و يكون كعمل العبد حينئذ الذي لا كلام في انه مال و يصح

جعله عوضا و أما إذا كان ذلك قبل وقوع المعاوضة عليه فجواز جعله عوضا مبني علي كونه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 15

______________________________

من الأموال و ان لم يعد منها لا يجوز ذلك.

يقع الكلام في هذا المورد في جهتين:

الاولي: في انه مال قبل وقوع المعاوضة عليه ام لا؟ الثانية: في انه علي كل من التقديرين هل يصح جعله عوضا ام لا؟ اما الجهة الأولي: فالحق انه مال، لان المالية من الاعتبارات العقلائية و انما تعتبر للشي ء من جهة كونه مما يرغب إليه و يميل إليه النوع، أو ان نظام الاجتماع يتوقف عليه،

كما في اعتبار المالية للذهب و الفضة،

و هذا الذي يسمي بالمال تارة يعتبرونه ملكا لشخص و اخري لا يعتبر ذلك كما في المباحات الاصلية، و علي هذا فمن الواضح ان عمل الحر و ان لم يكن ملكا لفاعله- لان ملكية العمل انما تكون عن سبب و هو مفقود- الا انه مال و لا فرق بينه و بين عمل العبد، و لابين قبل وقوع المعاوضة عليه و بين بعده.

و استدل لعدم كونه مالا بوجوه:

الأول: ان المالية صفة وجودية: و لا بد لها من محل، و العمل المعدوم لا يكون محلا لها.

الثاني: انه لو كان عمل الحر مالا و كان صاحبه ذا مال، لتعلق به الاستطاعة إذا كان قادرا علي عمل، يكون عوضه مما تتحقق به الاستطاعة و خرج عن كونه فقيرا.

الثالث: انه لو كان مالا لكان حابسه ضامنا.

و في كل نظر اما الأول: فلما مر من ان الامور الاعتبارية تقوم بمحل يكون موجودا تقديرا، و المقام كذلك، فان عمل الحر يقدر وجوده بتبع وجود العامل و قدرته عليه و أما الثاني: فلأن الاستطاعة تتوقف علي ملكا و

صاحبه ذا مال، و عمل الحر و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 16

و أما الحقوق فان لم يقبل المعاوضة بالمال (1)

______________________________

ان كان مالا الا انه ليس ملكا لعامله، فلا تتحقق به الاستطاعة نعم لمجرد سلطنة علي تمليكه للغير يخرج عن كونه فقيرا و لا يصدق عليه هذا العنوان.

و أما الثالث: فلأن الضمان لا بد له من سبب، و هو، اما الاتلاف، أو اليد، أو الاستيفاء، و شي ء منها لا يكون في المقام اما الأول: فلأنه ليس مال العامل حتي يشمله، من اتلف مال الغير فهو له ضامن،

و أما الثاني: فلأن عمل الحر لا يكون تحت اليد و الاستيلاء لا بنفسه و لا بتبع الاستيلاء علي الحر، و بعبارة اخري: قاعدة اليد انما تجري في صورة الاستيلاء، و الحر لا يدخل تحت استيلاء غيره و أما الثالث: فواضح.

فتحصل: ان الأظهر انه مال قبل وقوع المعاوضة عليه.

و أما الجهة الثانية: فبناء علي كونه مالا، ما ذكر وجها لعدم جواز جعل المنفعة عوضا جار هنا، و الجواب ما ذكرناه، و علي فرض عدم كونه مالا استدل علي عدم الجواز- مضافا الي ذلك- بانه يعتبر في المبيع و الثمن ان يكونا من الأموال قبل البيع.

و فيه: انه لم يدل دليل علي اعتبار ذلك لا من العرف و لا من الشرع، و تعريف المصباح لا حجية له، بل يعتبر عرفا و شرعا كون المبيع قابلا لان يعوض عنه، و ضابط ذلك كونه متعلقا للاغراض، و معلوم ان عمل الحر كذلك.

فالأظهر انه يصح جعل عمل الحر عوضا.

حقيقة الحق و اقسامه

و أما المورد الرابع: ففي المتن.

(1) و أما الحقوق فان لم يقبل المعاوضة بالمال.

تنقيح القول في المقام انما يكون بالبحث في جهات:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3،

ص: 17

______________________________

الاولي: أنه: في الادلة عناوين ثلاثة: الملك، و الحكم، و الحق اما الملك: فقد تقدم انه امر اعتباري و أما حقيقة الحكم فواضحة و مذكورة في محلها انما الكلام في حقيقة الحق بنحو يمتاز عن الملك و الحكم الحق في اللغة: هو الثبوت، و بهذا الاعتبار يطلق عليه سبحانه الحق من جهة ان ثبوته من اعلي مراتب الثبوت، و يقال للأمر الموافق للواقع انه حق من جهة ثبوته، و هكذا سائر موارد استعماله.

و أما بحسب الاصطلاح فقد يقال: ان الحق هو الملك، و لعله المراد من قول السيد في الحاشية: انه مرتبة ضعيفة من الملك بل نوع منه، و لذا عبر عن حق الخيار بملك فسخ العقد، غاية، الأمر المملوك، تارة: يكون العين بما لها من الشئون، و اخري: جهة خاصة منها، و ثالثة: عمل من اعمال الحر، و في الجميع الملكية واحدة و انما المملوك مختلف.

و به يندفع: ما اورد علي هذا: بان الملك ملزوم للسلطنة المطلقة، مع ان الحق سلطنة خاصة علي تصرف خاص.

و لكن يرد علي هذا: انه ربما يضاف الحق الي ما لا يكون له اعتبار الملكية شرعا كحق الاختصاص بالخمر التي كانت خلا قبلا، أو كحق الاولوية في الأرض المحجرة التي لا تملك الا بالاحياء.

و قد يقال: انه مرتبة ضعيفة من الملك.

و فيه: ان الملكية التي هي امر اعتباري بسيطة لا يكون لها مراتب، و اختلاف المملوك سعة و ضيقا اجنبي عن اختلاف مراتب الملكية.

فالحق ان يقال: انه عبارة عن اعتبار السلطنة علي شي ء أو شخص في جهة خاصة، مثلا حق الشفعة عبارة عن السلطنة علي الفسخ و الامضاء، و هكذا سائر الحقوق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 18

كحق الحضانة

و الولاية فلا اشكال (1) و كذا لو لم يقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار (2)

______________________________

و لا يخفي ان هذا ليس حقيقة شرعية له، إذ مضافا الي عدم الدليل عليه: ان الحق يستعمل كثيرا في الاخبار و كلمات علمائنا الابرار في الحكم، و عليه: فتشخيص كون مورد خاص من قبيل الحكم أو الحق بالمعني الذي ذكرناه يتوقف علي ملاحظة الخصوصيات و القرائن، و لا يستفاد ذلك من مجرد اطلاق الحق عليه.

الجهة الثانية: في بيان اقسام الحقوق.

فقد جعل المصنف لها اقساما:

(1) الاول: ما لا يقبل المعاوضة بالمال: كحق الحضانة و الولاية.

و المراد به بحسب الظاهر- لا سيما مع ملاحظة التمثيل- هو ما لا يقبل النقل و لا الإسقاط، و يحتمل بعيدا ان يكون المراد به ما كان له اسقاطه و نقله الا انه مجانا لا بالعوض، كحق القسم، فانه ذكر العلامة قدس سره: ان لكل من الازواج نقله الي ضرتها و اسقاطه،

الا انه ليس لها اخذ المال بازاء ذلك.

(2) الثاني ما يقبل الاسقاط و لا يقبل النقل: كحق الشفعة و حق الخيار.

الثالث: ما يكون قابلا للنقل و الانتقال و الاسقاط كحق التحجير و اورد علي هذا التقسيم بالنحو الذي استظهرناه المحقق النائيني بان كون شي ء حقا و غير قابل للاسقاط لا يعقل فانه لو لم يقبل الاسقاط فكيف تكون له السلطنة، و كيف يكون زمام امره بيده، بل الضابط للحق و الفرق بينه و بين الحكم كونه قابلا للاسقاط، و تبع في هذا الضابط شيخنا السعيد الشهيد قدس سره.

و فيه: ان مقتضي سلطنة الانسان علي شي ء هو كون امره بيده لا أمر السلطنة بيده، و الانسان مسلط علي العين- أو العمل- لا انه مسلط علي

سلطانه و مالك له، و بهذا البيان التزمنا بان الناس مسلطون علي اموالهم «1» لا يدل علي صحة الاعراض

______________________________

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 19

لان البيع تمليك الغير (1)

______________________________

و بالجملة: كما ان الحكم امره بيد الحاكم، كذلك الحق امره بيد المعتبر و من بيده الاعتبار، فإذا لم يجعل المعتبر امر رفع هذا الاعتبار و نقله الي الغير بيد من اعتبر له ليس له ذلك،

فالحق ان من اقسام الحق ما لا يقبل الاسقاط.

ثمّ معرفة ان الحق الفلاني هل هو قابل للاسقاط و النقل ام لا؟ لا بد و ان تكون من الدليل و ليس لذلك ضابط كلي يمتاز به الحقوق كل منها عن غيره،

و تمام الكلام في ذلك موكول الي محل آخر.

الجهة الرابعة: في حكم جعل الحقوق عوضا.

بعد ما لا كلام و لا إشكال في عدم صحة جعل ما هو من قبيل القسم الأول- اي ما لا يقبل الانتقال و الاسقاط عوضا- وقع الخلاف في القسمين الاخيرين،

و هاهنا اقوال:

الأول: عدم صحة جعل شي ء منهما عوضا، اختاره المحقق النائيني قدس سره.

الثاني: جواز جعل ما يقبل الانتقال خاصة عوضا الثالث جواز جعل كل منهما عوضا، غاية الأمر في ما لا يقبل الانتقال يصح جعل اسقاطه عوضا.

قد استدل المصنف وفاقا لغيره من الاعلام لعدم جواز جعل ما لا يقبل النقل عوضا:

(1) بان البيع تمليك الغير.

مراده: ان حقيقة البيع هو التمليك من الطرفين، فما لا يقبل النقل لا يقبل التمليك فلا يصح جعله عوضا.

و لما كان صاحب الجواهر بعد ما نقل هذا من استاذه و ذكر في وجهه: ان البيع من النواقل لا من المسقطات، فلا يصح جعله

عوضا علي معني سقوطه، اشكل عليه بان من البيع بيع الدين علي من هو عليه مع انه لا يفيد الا الاسقاط فيلتزم في الحق ايضا بذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 20

و لا ينتقض ببيع الدين علي من هو عليه لأنه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط و لذا جعل الشهيد في قواعده الابراء مرددا بين الاسقاط و التمليك.

و الحاصل انه يعقل ان يكون ان يكون مالكا في ذمته فيؤثر تمليكه السقوط و لا يعقل ان يتسلط علي نفسه (1)

______________________________

(1) و تصدي المصنف قدس سره لجواب هذا الاشكال: بانه فرق بين الموردين، فانه في بيع الدين علي من هو عليه تحدث الملكية آنا ما، و تسقط، و لا مورد لتقرير ذلك في الحق بان ترجع حقيقة الاسقاط المجعول عوضا الي نقل الحق الي من هو عليه، و يؤثر ذلك في سقوطه، و يدعي ان ما دل علي انه لا يقبل النقل يكون المراد به النقل علي وجه الاستقرار لا علي هذا الوجه، فان نقل الحق الي من عليه و لو آنا ما محال لاستلزام ذلك اتحاد المسلط و المسلط عليه، و قد تقدم تنقيح ذلك.

و بهذا البيان الذي بينا مراد المصنف قدس سره يندفع جملة مما اورده المحشون عليه.

و قد استدل المحقق النائيني قدس سره علي عدم جواز جعل نفس الحق عوضا: بان البيع حقيقته تبديل طرف الاضافة بمثله، و لازم ذلك دخول كل من الثمن و المثمن، في ملك مالك الاخر، و معلوم ان الحق ليس كذلك، فانه مباين مع الملك سنخا، فلا يصلح للحلول محل المثمن في الملكية كي يصدق البيع.

و استدل قدس سره علي عدم جواز جعل الاسقاط عوضا بان: نفس الاسقاط بما

انه فعل من الافعال و اثره و هو السقوط بما انه اسم المصدر ليس من الافعال التي تقبل للملوكية نظير الخياطة، فان هذا المعني معني حر في غير قابل لان يتمول الا باعتبار نفس الحق، و قد عرفت ما فيه.

و يرد علي ما افاده في نفس الحق: ان تعريف البيع بما ذكر مضافا الي ما مر ما فيه من المحاذير، انه ليس مورد آية أو رواية حتي يجعل صدقة أو عدم صدقه مبني للاحكام الشرعية، و قد مر ان حقيقة البيع ليست الا جعل شي ء بازاء شي ء، فإذا جعل المبيع بازاء حق التحجير بان يصير هذا الحق لمالك المبيع في مقابل خروجه عن ملكه فقد جعل شي ء بازاء شي ء فهو بيع حقيقة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 21

و السر ان مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد (1)

بخلاف الملك فانها نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج الي من يملك عليه حتي يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه فافهم

______________________________

و أما ما ذكر في الاسقاط فيرد عليه- مضافا الي ذلك- ان نفس الاسقاط و ان كان معني حرفيا لا يتمول، و الحق في نفسه غير الملك، الا انه لا مانع من صيرورة الحق سببا و واسطة في قابلية اسقاطه للملكية، و نظير ذلك ان العلم بنفسه لا يملك لكنه يصير سببا لزيادة مالية العبد المتصف به.

و بالجملة: عدم قابلية الحق للمملوكية لا ينافي صيرورته واسطة في كون اسقاطه قابلا للتمول و المملوكية فتدبر فانه دقيق.

الجهة الرابعة: كل حق قابل للنقل هل يجوز نقله الي من عليه الحق فلا ام لا؟

(1) صريح المتن و المحقق النائيني قدس سره: عدم الجواز.

و استدلاله بان الحق

لما كان نحوا من السلطنة علي من عليه الحق يعقل نقله إليه،

لان الانسان لا يمكن ان يتسلط علي نفسه بالنحو الذي كان لطرفه.

و بالجملة: لا يعقل قيام طرفي السلطنة بشخص واحد.

و شيد بعضهم هذا الوجه بان المسلط و المسلط عليه متضائفان و التضايف من اقسام التقابل فكيف يعقل اجتماعهما في واحد و يرد عليه اولا ان المسلط عليه انما هو بمعنيين: الأول: طرف السلطنة، الثاني: من بضرره السلطنة، مثلا في حق الخيار و حق الشفعة الذين هما مورد كلام المصنف قدس سره، حل العقد في الأول و تملك الشريك ما اشتراه المشتري ببذل الثمن في الثاني مسلط عليهما بالمعني الأول، و من عليه الحق في الموردين هو المسلط عليه بالمعني الثاني، و في جميع الحقوق التي فيها من عليه الحق يكون الأمر علي هذا المنوال، و عليه فنقل الحق الي من عليه الحق لا يلزم منه اتحاد المسلط و المسلط عليه بمعني قيام طرفي السلطنة بشخص واحد كي يكون امرا غير معقول. و ثانيا: انه لو سلم كون المسلط عليه هو من عليه الحق، فلا اري محذورا في اجتماعهما في شخص واحد، و ليس كل ما هو من اقسام التضايف من انحاء التقابل، بل ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 22

و أما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه فهي و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح الا ان في جواز وقوعها عوضا للبيع اشكالا (1) من اخذ المال في عوضي المبايعة لغة و عرفا (2) مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، و لما يصح ان يكون اجرة في الاجارة في حصر الثمن في المال. (3)

______________________________

كان بينهما تغاير في الوجود كالعلية و

المعلولية منها و الا فالعالمية و المعلومية أو المحبية و المحبوبية من اقسام التضايف، و ليستا من انحاء التقابل و تجتمعان في شخص واحد و بحب الانسان نفسه و يعلم بنفسه.

و السلطنة من هذا القبيل، فان معناها كون الشخص قاهرا علي شخص و كون الغير تحت ارادته و اختياره، و هذا المعني يمكن اجتماعه في شخص واحد، بل سلطنة الانسان علي نفسه من اعلي مراتب السلطنة، كيف و قد ورد. (الناس مسلطون علي انفسهم) و لم يستشكل احد في معقولية ذلك. فتدبر فانه دقيق.

فتحصل: ان الأظهر جواز نقله الي من عليه الحق.

الجهة الخامسة في انه في الحقوق القابلة للانتقال هل يصح جعلها عوضا في خصوص البيع ام لا يجوز

(1) و قد اشكل المصنف قدس سره في ذلك و استدل لعدم جواز جعل ما يقبل النقل عوضا للبيع بوجهين

(2) احدهما عدم صدق المال علي الحق و لو بعد البيع، و قد اخذ المال في عوضي المبايعة لغة و عرفا.

(3) ثانيهما ظهور كلمات الفقهاء في حصر الثمن في المال و يرد علي الدليل الأول ان البيع ليس هو التمليك من الطرفين، بل هو اعطاء شي ء بازاء شي ء و لو كان الشي ء الثاني سقوط الحق فلا مانع من جعل سقوط الحق عوضا و ان لم يقبل النقل، و قد تقدم تمامية ما اورده صاحب الجواهر من النقض و عدم صحة جواب المصنف قدس سره عنه.

و يرد علي الثاني: ان المال ان كان هو ما يبذل بازاء الشي ء لكونه موردا لرغبة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 23

ثمّ الظاهر ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية بل هو باق علي معناه العرفي كما سنوضحه ان شاء الله. الا

ان الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه، (1) ففي المبسوط و التذكرة و غيرهما، انتقال عين من شخص الي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي و (2) و حيث ان في هذا التعريف مسامحة واضحة.

______________________________

العقلاء و ميلهم من جهة ما فيه من الاغراض العقلائية فالحق مال، و ان كان المال بحسب المفهوم العرفي اخص من ذلك كما ادعي، فالحق و ان لم يكن مالا الا انه لا دليل علي اعتبار المال بهذا المعني في عوضي المبايعة، و مجرد تعريف المصباح أو ما شابه لا يصلح لذلك كما تقدم، فان حقيقة البيع اعطاء شي ء بازاء شي ء، و لا يعتبر في صدقه سوي كون العوض أو المعوض مما يبذل بازائه الشي ء و الحق كذلك.

فتحصل ان الاظهر جواز جعل كل من القسمين عوضا غاية الامر في القسم الاول يجعل سقوط الحق عوضا- و في القسم الثاني يجوز جعل سقوطه عوضا كما يجوز نقله عوضا.

تعاريف الفقهاء للبيع
اشارة

(1) إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم: انه قد عرف البيع بتعاريف: أخر الاول: ما عن جماعة كالشيخ في محكي المبسوط و العلامة في التذكرة و غيرهما في غيرهما من

(2) انه انتقال عين من شخص الي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي.

و اورد عليه جماعة منهم السيد الفقيه في الحاشية: بان الانتقال اثر للبيع، و ايضا انه فعل، و الانتقال انفعال، و ايضا هو مناف لسائر تصاريفه.

و فيه: ان ملكية المشتري في اعتبار العقلاء و الشارع اثر للبيع، بمعني انه موضوع لها، و أما الملكية في اعتبار المتبايعين فهي عين النقل و التمليك لا انها اثره، فان ايجاد الملكية اعتبارا و وجودها كذلك متحدان بالذات و مختلفان بالاعتبار، و عليه فان اريد من الانتقال في التعريف

الملكية في نظر المتبايعين لا يرد عليه شي ء من هذه الايرادات،

و ان اريد به الملكية في اعتبار العقلاء أو الشارع، فيرد عليه الايراد الأول و الثالث دون الثاني كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 24

عدل آخرون الي تعريفه بالايجاب و القبول الدالين علي الانتقال (1) و حيث ان البيع من مقولة المعني دون اللفظ مجردا أو بشرط قصد المعني و الا لم يعقل انشاؤه باللفظ (2) عدل جامع المقاصد الي تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة (3)

______________________________

فالأولي ان يورد علي هذا التعريف: بان البيع بما له من المعني المرتكز في الاذهان قائم بالبائع لا بالعوضين، و لانتقال قائم بهما، مع انه لا يعتبر الرضا في مفهوم البيع و الا لم يكن بيع المكره و بيع غير المقدور علي تسليمه بيعا.

(1) هذا هو التعريف الثاني و عن المشهور و هو تعريفه بالعقد المركب من الايجاب و القبول الدالين علي لانتقال. و عن العلامة دعوي الاجماع عليه.

و اورد عليه صاحب الجواهر قدس سره: بان اللفظ من مقولة الكيف و البيع فعل و المقولات العشر متباينات لا يصدق بعضها علي بعض.

و فيه: ان البيع فعل عرفي لا مقولي كالتكلم الذي هو من مقولة الكيف.

(2) وارد عليه في المتن بان البيع من مقولة المعني دون اللفظ و الا لم يعقل انشاؤه باللفظ، و مراده بذلك: ان البيع- بحسب المرتكز العرفي- هو النقل و التمليك الخارجي لا الوجود اللفظي للانشاء، و الا لما كان معني لانشائه، بل كان اظهاره اخبارا لا إنشاء و ظاهر التعريف المذكور بقرينة توصيف الايجاب و القبول بالدلالة ارادة الوجود اللفظي منهما.

و بهذا البيان ظهر اندفاع ما اورد علي المصنف قدس سره بان البيع ليس من

مقولة المعني و الا لزم كونه كلاما نفسيا، إذ لا يعقل كونه من مقولة المعني الا جعله من باب النقل القلبي و هو راجع الي الكلام النفسي، و قد بين في محله بطلان الكلام النفسي.

و يرد علي هذا التعريف- مضافا الي ذلك-: ان البيع علي ما يظهر من مشتقاته قائم بالبائع لا به و بالمشتري معا.

(3) الثالث: ما في جامع المقاصد من تعريفه بنقل الملك من مالك الي آخر بصيغة مخصوصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 25

و يرد عليه مع ان النقل ليس مرادفا للبيع، (1) و لذا صرح في التذكرة بأن ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات و ان المعاطاة عنده بيع مع حلوها عن الصيغة (2) ان النقل بالصيغة ايضا لا يعقل انشاءه بالصيغة (3) و لا يندفع هذا بان المراد ان البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة فجعله مدلول الصيغة اشارة الي تعيين ذلك الفرد من النقل لا انه مأخوذ في مفهومه حتي يكون مدلول بعت نقلت بالصيغة لأنه ان اريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور لان المقصود معرفة مادة بعت و ان اريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار علي

______________________________

و اورد عليه المصنف بايرادات.

(1) احدها ان النقل ليس مرادفا للبيع.

و اجاب عنه المحقق الايرواني قدس سره: بانه بعد تقييد النقل في التعريف بان يكون بالصيغة المخصوصة لا وجه لهذا الايراد.

الظاهر انه تخيل ان مراد المصنف قدس سره من الايراد اعمية النقل عن البيع، فأجاب عنه بذلك، و الظاهر انه يريد تغاير البيع و النقل مفهوما، فان البيع إذا كان بمعني التمليك يكون عبارة عن التسليط، و لازم ذلك إذا كان الشي ء مملوكا له هو النقل نظير ان

المشي مغاير للنقل و الانتقال في المكان، لكنه لازم لهما مع انه ليس لازمه دائما، فان تمليك عمل الحر يكون بيعا و لا نقل لعدم كونه مالكا له قبله، و بيع الكلي في الذمة يصح و لا نقل هناك،

فهذا الايراد تام. نعم إذا كان المقصود الاشارة الي المعاملة المتداولة كي يكون التعريف لفظيا صح ذلك فانه يكفي فيه الملازمة الغالبية.

(2) ثانيها: ان المعاطاة عنده بيع مع خلوها عن الصيغة.

و يمكن الجواب عنه: بان مراد المحقق قدس سره ليس دخل هذا القيد في حقيقة البيع بل الاشارة به الي سنخ النقل، و عليه فلا تضر اخصيته.

(3) ثالثها: انه ان اريد دخل هذا القيد في ماهية البيع. يرد عليه: ان النقل بالصيغة لا يعقل انشاؤه بالصيغة، و ان اريد به الاشارة الي النقل الخاص يرد عليه: أنه ان اريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور، و ان اريد بها غير بعت من سائر الصيغ لزم الاقتصار علي سائر الصيغ غير بعت.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 26

مجرد التمليك و النقل.

فالاولي تعريفه بأنه انشاء تمليك عين بمال (1)
اشارة

و لا يلزم عليه شي ء مما تقدم.

نعم يبقي عليه امور:
اشارة

______________________________

و فيه: ان الظاهر ان مراده هو الشق الثاني، و عليه فيمكن ارادة الجامع بين صيغة بعت و غيرها من الصيغ من الصيغة، و لا يلزم محذور الدور لانه مع سعة دائرة الكاشف لا يلزم دور، و لا محذور لزوم الاقتصار. فالعمدة الاشكال الأول.

(1) الرابع: ما في المتن من تعريفه: بانه انشاء تمليك عين بمال.

و ترد عليه امور:

احدها: ما عن المحقق الخراساني قدس سره من: ان التمليك الانشائي إذا كان مادة بعت فلا يعقل انشاؤه بالصيغة، إذ القابل للوجود الانشائي نفس المعني لا الموجود الانشائي.

ثانيها: ان هذا التعريف يصدق علي الشراء ايضا لشموله للانشاء الصريح و الضمني، مع ان مقصوده الصريح خاصة.

ثالثها: ما افاده بعض المحققين قدس سره من: ان ظاهر هذا التعريف تعلق الجار بالتمليك،

فيكون هو تعريفا للهبة المعوضة، فان العوض فيها للفعل و هو التمليك لا للعين، و في البيع يكون العوض عوضا لما تعلق به التمليك.

رابعها: انه لا يمكن الالتزام بالتمليك في جملة من الموارد: منها: اشتراء آلات المسجد من غلة العين الموقوفة عليه، فانه لا يملكها احد كما لا يملك الغلة.

و منها: انه لا يشمل بيع العبد ممن ينعتق عليه، فانه ليس هناك تمليك و تملك و ذلك لوجهين:

الأول: انه إذا امتنع الملك الحقيقي شرعا أو عقلا لما كان فرق بين زمان طويل أو قصير، فلا يمكن الالتزام بحصول الملك آنا ما ثمّ الانعتاق.

و دعوي انه يمكن الالتزام بالملك الحكمي،

مندفعة بان مرجع ذلك الي القول بترتب آثار البيع من دون حصول الملكية، فان التزم بكونه بيعا حقيقة لزم بطلان التعريف المذكور و الا لزم بقاء العوضين علي ملك مالكهما لعدم المعاوضة الحقيقية.

الثاني: ان ظاهر

الادلة ترتب الانعتاق علي نفس الشراء، فالالتزام بالملكية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 27

منها: انه موقوف علي جواز الايجاب بلفظ ملكت

و الا لم يكن مرادفا له و يرده انه الحق كما سيجي ء

و منها: انه لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه

لأن الانسان لا يملك ما لا علي نفسه، (1) و فيه مع ما عرفت و ستعرف من تعقل تملك ما علي نفسه (في ذمته) و رجوعه الي سقوطه عنه (2) نظير تملك ما هو مساو لما في ذمته و سقوطه بالتهاتر انه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع إذ ليس للبيع لغة و عرفا معني غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الالفاظ، و لذا قال فخر الدين ان معني بعت في لغة العرب ملكت غيري فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شي ء مما يساويها فلا يعقل البيع.

و منها: انه يشمل التمليك بالمعاطاة

مع حكم المشهور بل دعوي الاجماع علي انها ليست بيعا، و فيه ما سيجي ء من كون المعاطاة بيعا لأن مراد النافين نفي صحته.

______________________________

و لو آنا ما مناف لذلك.

و ما عن الجواهر من: ان الجمع بين هذه الادلة و بين ما دل علي عدم العتق الا في ملك يقتضي الالتزام بتقدم الملك علي الانعتاق تقدما ذاتيا.

يرد عليه: ان الملكية من الامور الاعتبارية و لا يعقل الاعتبار الا في الزمان،

فالملكية في غير الزمان مما لا نتعقله.

(1) و منها: انه لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه، فان الانسان لا يملك ما لا علي نفسه لعدم ترتب الاثر علي هذه الملكية فيلغو اعتبارها.

(2) و ما ذكره قدس سره في الجواب عن ذلك من تعقل تملك ما في ذمته و رجوعه الي سقوطه عنه،

غير تام، فان السقوط ان كان لاجل ما اشرنا إليه من لغوية اعتبار الملكية فهو مانع عن الحدوث كالبقاء و ان كان لكونه اثر تلك الملكية فيرد عليه: ان ثبوت الشي ء لا يكون علة لسقوطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص:

28

و منها: صدقه علي الشراء،

فان المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع و فيه ان التمليك فيه ضمني (1) و انما حقيقته التملك بعوض، و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت تقدم علي الايجاب أو تأخر، و به يظهر اندفاع الايراد بانتقاضه بمستأجر العين (2) حيث ان الاستئجار يتضمن تمليك العين بمال اعني المنفعة

و منها انتقاض طرده بالصلح علي العين بمال و بالهبة المعوضة.

و فيه ان حقيقة الصلح و لو تعلق بالعين ليس هو التمليك علي وجه المقابلة و المعاوضة بل معناه الاصلي هو التسالم. (3) و لذا لا يتعدي بنفسه الي المال. نعم هو متضمن

______________________________

(1) قوله و فيه ان التمليك فيه ضمني و انما حقيقته التملك بعوض.

و فيه ان الشراء حقيقته ليس هو اعطاء شي ء بازاء شي ء الذي هو حقيقة البيع، كما مر، و لا إنشاء تمليك عين بمال الذي هو البيع عنده، بل الشراء مطاوعة لذلك، و الذي يوجب ملكية المعوض للمشتري و العوض للبائع انما هو فعل البائع الذي تعلق به القبول

(2) و أما الاجارة: فقد فرق المصنف قدس سره بينها و بين البيع بان البيع تمليك العين بعوض و الاجارة تمليك المنفعة به، و لكن علي القول بصحة جعل المعوض في البيع منفعة لا بد من بيان فرق آخر بينهما و قد يقال: ان الفرق بينهما انما يكون في ان البيع يتعلق بكل من العين و المنفعة، و إذا تعلق بالعين يكون اثره ملكيتها فيما يكون قابلا لذلك، و هذا بخلاف الاجارة فانها تتعلق بالعين خاصة و اثرها نقل المنافع.

توضيحه، ان من ملك شيئا ملك منافعه بالتبع و يكون له حق القبض علي العين لاستيفاء المنافع، فالبيع انما هو اعطاء للعين أو المنفعة بازاء العوض، و أما الاجارة فانما هي لنقل ذلك الحق، بمعني

انها تتعلق بالعين لنقل ذلك الحق. و تمام الكلام موكول الي محله.

(3) و أما الصلح: فالفرق بينه و بين البيع هو ما ذكره المصنف قدس سره من: ان حقيقة الصلح هو التسالم، و يكون متعلقه في بعض الموارد ملكية العين أو المنفعة، و في بعض الموارد غير ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 29

للتمليك إذا تعلق بعين (1) لا انه نفسه و الذي يدلك علي هذا ان الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة فيفيد التمليك و قد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية و هو مجرد التسليط، و قد يتعلق بالحقوق فيفيد الاسقاط أو الانتقال. و قد يتعلق بتقرير امر بين المتصالحين، كما في قول احد الشريكين لصاحبه صالحتك علي ان يكون الربح لك و الخسران عليك، فيفيد مجرد التقرير فلو كانت حقيقة الصلح هي عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا و هو واضح البطلان فلم يبق الا ان يكون مفهومه معني آخر و هو التسالم فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقه، فالصلح علي العين بعوض تسالم عليه و هو يتضمن التمليك لا ان مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام و حقيقته هو انشاء التمليك و من هنا لم يكن طلبه من الخصم اقرارا له بخلاف طلب التمليك.

و أما الهبة المعوضة و المراد (2) بها هنا ما اشترط فيها العوض فليست انشاء تمليك بعوض علي جهة المقابلة (3) و الا لم يعقل تملك احدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر.

______________________________

و لا ايراد عليه سوي ما ذكره من

(1) انه إذا تعلق الصلح بالعين يكون متضمنا للتمليك،

فانه يرد عليه: انه لا يتعلق بالعين، بل هو نظير الالتزام

لا يعقل تعلقه الا بفعل أو نتيجة كالملكية، و لذا لا يصح جعل مفعوله الثاني العين كما لا يخفي.

(2) و أما الهبة المعوضة: فتتصور علي وجوه:

الأول: ان يهب المال و يشترط علي المتهب هبة شي ء.

الثاني: ان يهبه المال و يكون داعيه هبة المتهب شيئا.

الثالث: ان يهب المال و يشترط النتيجة، أي كون ذلك المال ملكا له.

الرابع: ان يهبه بازاء ذلك الشي ء.

الخامس: ما اضافه السيد الفقيه و هو: ان يهبه في مقابل هبته، بحيث تكون المقابلة بين الهبتين و مقتضي المقابلة بطلان احد المتقابلين بفقد الآخر.

(3) اما في الوجه الاول و الثاني: فيكون اعطاء المال اعطاء لا بإزاء شي ء بل مجانا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 30

مع ان ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب بالهبة بل غاية الأمر ان المتهب لو لم يؤد العوض، كان للواهب الرجوع في هبته. فالظاهر ان التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكا مستقلا (1)

يقصد به وقوعه عوضا لا ان حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الأولي،

فقد تحقق مما ذكرنا ان حقيقة تمليك العين بالعوض ليست الا البيع فلو قال ملكتك كذا بكذا، كان بيعا و لا يصح صلحا و لا هبة معوضة و ان قصدهما إذ التمليك علي جهة المقابلة الحقيقية ليس صلحا و لا هبة فلا يقعان به، نعم لو قلنا بوقوعها بغير الالفاظ الصريحة توجه تحققهما مع قصدهما فما قيل من ان البيع هو الاصل في تمليك الاعيان بالعوض فيقدم علي الصلح و الهبة المعوضة محل تأمل،

بل منع لما عرفت من ان تمليك الاعيان بالعوض هو البيع لا غير. نعم لو

اتي بلفظ التمليك بالعوض و احتمل ارادة غير حقيقته كان مقتضي الاصل اللفظي حمله علي المعني الحقيقي فيحكم بالبيع، لكن الظاهر ان الاصل بهذا المعني ليس مراد القائل المتقدم و سيجي ء توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع ان شاء الله.

______________________________

و الفرق بينها و بين البيع حينئذ واضح غاية الأمر في الصورة الأولي إذا لم يهب المتهب ذلك الشي ء يكون للواهب الخيار، و لا يكون ذلك في الصورة الثانية.

و أما في الوجه الثالث: فان قلنا بعدم صحة شرط النتيجة فلا كلام،

(1) و ان قلنا بصحته فذلك الشي ء و ان كان يصير ملكا له الا انه للشرط لا لعقد الهبة و المال الموهوب انما يعطي مجانا لا بإزاء شي ء، و هذا بخلاف البيع.

و أما في الوجه الرابع: فهو بيع حقيقة بلسان الهبة، و سيأتي الكلام في انه هل يصح البيع بلسان الهبة ام لا.

و أما في الوجه الخامس: فقد افاد السيد قدس سره في الفرق بينها و بين البيع: ان في البيع المقابلة انما تكون بين المالين، و في هذه الهبة تكون بين الفعلين.

و ما ذكره من الفرق علي تقدير صحة هذه الهبة متين، الا ان الكلام في صحتها، و ذلك لانه ان اريد بها تعليق هبته علي هبة الآخر، فلو لم يهب الطرف لا يكون هبة من هذا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 31

بقي القرض داخلا في ظاهر الحد و يمكن اخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة (1) لا معوضة للعين بهما و لذا لا يجري فيه ربا المعاوضة (2)

______________________________

الطرف ايضا لتقيدها بهبة الآخر، فهذا هو التعليق المجمع علي بطلانه.

و ان اريد بها انه يملك هبته في

مقابل تملك هبة الآخر فيرد عليه: ان في الهبة التمليك انما يتعلق بالمال و ليس هناك تمليك متعلق بهذا العمل من الحر، نعم يصح ذلك فيما إذا وقع عقد آخر علي هذا العمل بحيث صار مملوكا بواسطة عقد آخر، و لكنه خارج عن المقام.

(1) و أما القرض: فقد فرق المصنف قدس سره بينه و بين البيع بان القرض حقيقته ليست هي المعاوضة بل هي تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة.

و يرد عليه: ان التمليك المزبور لا يخلو عن أحد وجهين: اما ان يكون تمليكا بازاء بدله في الذمة، فهو معاوضة حقيقة، و أما ان يكون تمليكا مجانيا و اشترط في ضمنه ان تكون الذمة مشغولة بالمثل أو القيمة، فهذا غير معقول، إذ مرجعه الي اشتراط ضمان الانسان لمال نفسه.

فالحق ان يقال: ان حقيقة القرض تمليك للعين- اي لخصوصيتها- مجانا و جعل لماليتها في الذمة، ففي الحقيقة هو ينحل الي انشاءين: تمليك مجاني بالنسبة الي العين، و تضمين لمالية العين و استئمان لها في ذمة المقترض الي اجل معين: و عليه فالفرق بينه و بين البيع في غاية الوضوح.

و أما ما استشهد به المصنف قدس سره لعدم كون القرض من المعاوضات فهي امور:

(2) منها: قوله لا يجري فيه ربا المعاوضة.

و ذكر السيد قده في بيان مراد المصنف قدس سره: انه لا يشترط في تحقق الربا فيه ما يعتبر في تحققه في سائر المعاوضات من اشتراط كون العوضين من المكيل و الموزون و كونها من جنس واحد بل يجري فيه مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 32

و لا الغرر المنفي فيهما (1) و لا ذكر العوض (2) و لا العلم به (3) فتأمل. ثمّ ان ما ذكرنا

تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت و غيره من المشتقات

______________________________

و اورد عليه: بان سعة دائرة الربا فيه لدليل خاص لا تنافي كونه من المعاوضات.

لكن: الظاهر ان مراده عدم جريان الربا الذي يجري في البيع في القرض، و ذلك في مثل بيع الريال الذي يساوي اربعة دراهم مثلا و يكون بحسب الوزن اكثر منها بها، فان ذلك ربا محرم و هذا لا يجري في القرض فان من اقترض الريال له ان يؤدي اربعة دراهم و للمقرض اشتراط ذلك و ليس ذلك غير جائز، و السر فيه ما ذكرناه من ان حقيقة القرض تمليك للعين مجانا و استئمان للمالية في ذمة المقترض، فما في ذمته مالية الريال لا عينه و هي عين مالية اربعة دراهم فيجوز تطبيقها عليها.

(1) و منها: عدم جريان الغرر المنفي فيه.

و فيه: ان جماعة من الأصحاب صرحوا بلزوم العلم بمقدار العين المقترضة و انه لا يجوز بالمكيال المجهول، و جماعة اخري و ان كان ظاهرهم علي ما عن الجواهر عدم اعتبار ذلك الا ان جريان الغرر في مطلق المعاوضات ليس متفقا عليه، فهذا لا يكون شاهدا علي عدم كونه من المعاوضات عندهم.

(2) و منها: عدم لزوم ذكر العوض فيه، فلو كان من المعاوضات لكان اللازم ملاحظة الطرفين في مقام انشاء المعاوضة.

(3) و منها: عدم لزوم العلم بالعوض، مع انه في المعاوضات لا بد من العلم به.

و اورد عليه و علي سابقه: بان العين المقترضة اما ان تكون من المثليات أو تكون من القيميات، و علي كل حال العوض معلوم و لا يحتاج الي الذكر.

و فيه: اولا: ان بعض الاشياء ربما لا يعلم الانسان حين القرض انه مثلي أو قيمي فيقترض المال و يستعلم

الحال قبل الاداء.

و ثانيا: انه ربما يعلم انه قيمي و لكن لا يعلم مقدار القيمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 33

و يظهر في بعض من قارب عصرنا استعماله في معان اخر غير ما ذكر (1)
احدها: التمليك المذكور لكن بشرط تعقبه بتملك المشتري

و إليه نظر بعض مشايخنا حيث اخذ قيد التعقب بالقبول في تعريف البيع المصطلح، و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل و صحة السلب عن المجرد، و لهذا لا يقال باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره، و يستفاد من قول القائل بعت مالي انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط

الثاني: الأثر الحاصل من الايجاب و القبول و هو الانتقال

كما يظهر من المبسوط و غيره

الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب و القبول

و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد،

______________________________

لا يعتبر تعقب القبول في صدق البيع

(1) التنبيه الثاني: قال المصنف قدس سره: و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله في معان اخر لا يخفي انه لم يظهر لنا وجه ما صنعه المصنف قدس سره في المقام حيث ذكر اولا تعريف المصباح و انتقل الي بيان امور اخر ثمّ عاد إليه بذكر سائر التعاريف، ثمّ كرر العود إليه في هذا الموضع، مع ان ما ذكره هنا بعينه ما تقدم من المعاني.

و لكن الذي يهمنا في المقام بيان انه هل يعتبر في صدق البيع تعقب القبول ام لا؟ و فيه اقوال:

الأول: ما في المتن و هو: عدم اعتباره، و تبعه المحقق النائيني قدس سره.

الثاني: اعتباره اما بكونه اسما لمجموع أو فعل البائع بشرط التعاقب علي نحو الشرط المتأخر، اختاره السيد و المحقق الايرواني.

الثالث: اعتبار قابليته لتعقب القبول، اختاره بعض مشايخنا المحققين.

و الأظهر هو الأول، و ذلك يظهر من ملاحظة انشاء البائع، فانه إذا قال بعت اظهر بذلك اعتبار نفسه، و المشتري انما يقبل ذلك لا ان فعله دخيل في ما ينشؤه البائع، هذا مضافا الي ملاحظة سائر مشتقاته كالبائع و غيره، مع انه لو نذر ان يبيع داره صح هذا النذر،

و لو كان البيع فعل المجموع أو فعل البائع بشرط التعقب بالقبول لما صح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 34

قال: بل الظاهر اتفاقهم علي ارادة هذا المعني في عناوين ابواب المعاملات (1)

حتي الاجارة و شبهها التي ليست هي في الأصل اسما لأحد طرفي العقد.

[المناقشة في هذه الاستعمالات]

اقول: اما البيع بمعني الايجاب المتعقب للقبول فالظاهر انه ليس مقابلا للأول و انما هو فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة علي ارادة الايجاب

المثمر إذ لا ثمرة في الايجاب المجرد فقول المخبر بعت انما اراد الايجاب المقيد،

فالقيد مستفاد من الخارج لا أن البيع مستعمل في الايجاب المتعقب للقبول، و كذلك لفظ النقل (2) و الا بدال و التمليك و شبهها مع انه لم يقل احد بأن تعقب القبول له دخل في معناها. نعم تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج لا في نظر الناقل إذ التأثير لا ينفك عن الأثر فالبيع و ما يساويه معني من قبيل الايجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار كما تخيله بعض فتأمل. و منه يظهر ضعف اخذ القيد المذكور في معني البيع المصطلح فضلا عن ان يجعل احد معانيها.

______________________________

لكون جزء المنذور أو شرطه خارجا عن تحت القدرة و يؤيده قوله صلي الله عليه و آله البيعان بالخيار «1» إذ لو كان البيع اسما لفعل المجموع لما كانا بيعين بل كانا معا بائعا.

(1) قوله بل الظاهر اتفاقهم علي ارادة هذا المعني في عناوين انواع المعاملات بل الظاهر عدمه فان مورد البحث في تلك الابواب نفس المعاملات و لذا يعنونون اعتبار الايجاب و القبول و يقولون، يعتبر في البيع الايجاب و القبول و لو كان مرادهم منه العقد كان هذا التعبير من الفساد بمكان- و سيصرح المصنف قدس سره بعد اسطر بخلاف ذلك- و يقول و الحاصل ان البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعني اسم المصدر الخ.

(2) قوله و كذلك لفظ النقل النقل و التمليك انما هما للمعني الجامع بين النقل بعوض أو مجانا- فعدم اعتبار القبول في صدقهما لا يلازم عدم اعتباره في البيع و قد استدل للثاني:

بالتبادر، و بصحة السلب عن المجرد، و لهذا لا يقال باع فلان ماله الا

بعد ما اشتراه غيره،

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 35

و أما البيع بمعني الاثر و هو الانتقال فلم يوجد في اللغة و لا في العرف و انما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط و قد يوجه بان المراد بالبيع المحدود المصدر من المبني للمفعول اعني المبيعية و هو تكلف حسن و أما البيع بمعني العقد فقد صرح الشهيد الثاني بأن اطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية. (1) و الظاهر ان المسبب هو الأثر الحاصل في نظر الشاعر لأنه المسبب عن العقد لا النقل الحاصل من فعل الموجب لما عرفت من انه حاصل بنفس انشاء الموجب من دون توقف علي شي ء كحصول وجوب الضرب في نظر الأمر بمجرد الأمر و ان لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره و إلي هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوي من قولهم لزم في الخارج في نظر غيره و إلي هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوي من قولهم لزم البيع أو وجب أو لا بيع بينهما أو اقاله في البيع و نحو ذلك.

و الحاصل ان البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعني اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف علي تحقق الايجاب و القبول،

فاضافة العقد الي البيع بهذا المعني ليست بيانية، و لذا يقال انعقد البيع، و لا ينعقد البيع، ثمّ ان الشهيد الثاني نص في

______________________________

و بان البيع من العقود و لو تحقق البيع بمجرد انشاء البائع لزم كونه ايقاعا و باستعماله في المتعقب بالقبول في النصوص و الفتاوي من قولهم لزم البيع أو وجب أو لا بيع بينهما أو اقاله البيع أو نحو ذلك.

و

في كل نظر اما الأولان: فلأن التبادر و صحة السلب انما يتمان في مثل بعت داري في مقام الاخبار الذي قامت القرينة علي كونه لبيان البيع المثمر، و لا يتمان في غير هذا المورد.

و أما الثالث: فلأن العقد و الايقاع اصطلاحان، و المراد بالأول ما يعتبر فيه القبول، و بالثاني ما لا يعتبر، و لا كلام في اعتباره في صحة البيع و ترتب الاثر عليه.

و أما الرابع: فلأن الاستعمال اعم من الحقيقة، لا سيما مع قيام القرينة علي ارادة موضوع الأثر.

(1) قوله لعلاقة السببية قد مر في اول الكتاب ما في اطلاق السبب و المسبب في باب المعاملات و ان ذلك بمعزل عن الصواب فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 36

كتاب اليمين من المسالك علي ان عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح (1) مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة و المجاز كالتبادر و صحة السلب (2) قال: و من ثمّ حمل الاقرار به عليه (3) حتي لو ادعي ارادة الفاسد لم يسمع اجماعا، و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد لقبل تفسيره باحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة و انقسامه الي الصحيح و الفاسد اعم من الحقيقة، انتهي.

______________________________

و قد استدل للثالث: بان البيع اسم للصحيح العرفي، و الصحيح العرفي في اجزاء السبب ما كان قابلا لان يلتئم منه المجموع، فيكون البيع معناه انشاء التمليك القابل للحقوق القبول.

و فيه ما سيأتي من فساد المبني و ان البيع ليس موضوعا للصحيح العرفي، فالحق عدم اعتباره في مفهوم البيع لا بنحو الجزئية و لا بنحو الشرطية.

نعم هو معتبر في صحة البيع عرفا و شرعا.

البيع حقيقة في الصحيح أو الأعم
اشارة

(1) قوله ثمّ ان الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك

علي ان عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح.

هذا هو التنبيه الثالث و الكلام فيه يقع في مقامين الاول في بيان ما افاده المصنف قدس سره في المقام الثاني في بيان ما هو الحق و قبل التعرض للبحث في المقامين لا بأس بالتعرض لما افاده الشهيدان

(2) قوله و صحة السلب الموجود في المسالك و عدم صحة السلب فيرد عليه مضافا الي ما تقدم انه لا كلام في عدم صحة سلبه عن الصحيح انما الكلام في اختصاصه به.

(3) قوله و من ثمّ حمل الاقرار به عليه.

و الظاهر ان السر فيه ظهور حال المسلم في عدم اختيار الفاسد لا وضع البيع لذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 37

و قال الشهيد الأول في قواعده الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا يطلق علي الفاسد (1) الا الحج لوجوب المضي فيه، و ظاهره ارادة الاطلاق الحقيقي و يشكل ما ذكراه بأن وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك باطلاق نحو احل الله البيع و اطلاقات أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شي ء فيها مع أن سيرة علماء الاسلام التمسك بها في هذه المقامات. نعم يمكن ان يقال

______________________________

(1) قوله قال الشهيد الاول … لا يطلق علي الفاسد يمكن توجيه كلامه قده بقرينة ما في ذيله فلو حلف علي ترك الصلاة و الصوم اكتفي بمسمي الصحة و هو الدخول فيها، فلو افسدها بعد ذلك لم يزل الحنث، و يحتمل عدمه لانه لا يسمي صلاة شرعا و لا صوما مع الفساد، و أما لو تحرم في الصلاة، أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا- بانه قده ليس في مقام بيان المفاهيم و انها موضوعة

للصحيحة، حتي يرد عليه ما تقدم، بل في مقام بيان ان ما يتعلق به النذر انما هو الصحيح و انه لا ينذر الا ان لا يصلي صلاة صحيحة، و ان لا يبيع بالبيع الصحيح الشرعي، و انه بعد الفراغ عن ذلك يفصل بين ما هو الفاسد من الاول، و بين ما لو انعقد صحيحا ثمّ افسد في الاثناء.

اما المقام الأول: فقد يقال: ان الفاظ المعاملات من البيع و غيره اسام للصحيحة و انما تستعمل في غيرها مجازا.

و اورد عليه بايرادين:

الأول: ان لازم ذلك الالتزام بالحقيقة الشرعية في المعاملات، مع انه بالبداهة ليس كذلك، كيف و قد كان الشارع المقدس يستعمل اساميها فيما كان يستعمل فيه العرف و لم يصرح في مورد بكون مراده غير ما يفهمه العرف.

الثاني: ان لازم ذلك عدم جواز التمسك باطلاقات ادلة العقود ك (أحل الله البيع) «1» و نحوه لنفي اعتبار ما شك في اعتباره فيها، إذ مع الشك المزبور لا محالة يشك

______________________________

(1) البقرة: 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 38

ان البيع و شبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر (1) الذي يراد من قول القائل بعت عند الانشاء لا يستعمل حقيقة الا فيما كان صحيحا مؤثرا و لو في نظرهم. ثمّ إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده و الا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر و مجاز في غيره، الا ان الافادة و ثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف و الشرع. و أما وجه تمسك العلماء باطلاق ادلة البيع و نحوه.

______________________________

في صدق الموضوع، و معه

لا مجال للتمسك بالاطلاق مع ان سيرة علماء الاسلام علي التمسك به في هذه المقامات.

(1) و اجاب المصنف قدس سره عن الاول: بان البيع أو شبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر- اي المسبب و المنشأ- لا يستعمل الا فيما هو مؤثر و صحيح و لو في نظرهم،

ثمّ إذا كان مؤثرا عند الشارع كان بيعا عنده ايضا و الا كان صورة بيع، فالموضوع له انما هو الصحيح المفيد للأثر، و لا اختلاف في هذا المفهوم بين العرف و الشرع، و انما الاختلاف في المصداق، فان اهل العرف يرون بعض البيوع مفيدا مؤثرا و الشارع لا يراه كذلك.

لا يقال ان تخطئة الشارع العرف انما تتصور فيما له واقع في عالم العين و الوجود،

و لا تتصور فيما لا واقع محفوظ له و كان في ذاته مختلفا باختلاف الانظار كالبيع، فانه ان كان موضوعا لاعتبار الملكية في نظر العرف و ان لم يعتبرها الشارع كان موضوعا للاعم،

و ان كان موضوعا لاعتبارها في نظر الشارع عاد المحذور، و علي اي تقدير لا معني للتخطئة المذكورة.

فانه يتوجه عليه: ان اعتبار الملكية كان المعتبر هو العقلاء أو الشارع انما يكون عن مصلحة داعية إليه، و اهل العرف ربما يعتقدون وجودها فيعتبرون الملكية و الشارع المقدس يخطأهم في ذلك لكونه محيطا بالواقعيات، و يري انه ليس في هذا الاعتبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 39

فلان الخطابات لما وردت علي طبق العرف حمل لفظ البيع، و شبهه في الخطابات الشرعية علي ما هو الصحيح المؤثر عند العرف (1) أو علي المصدر الذي يراد من لفظ بعت (2) فيستدل باطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء علي كونه مؤثرا في نظر الشارع ايضا فتأمل.

فان للكلام محلا آخر.

______________________________

مصلحة غير مزاحمة بالمفسدة كما في بيع الربوي، فالتخطئة انما تكون في المنشأ للاعتبار.

و اجاب قدس سره عن الايراد الثاني بوجهين

(1) احدهما: ان البيع و ان كان موضوعا للصحيح المؤثر الا ان المخاطب بالخطابات الشرعية بما انه اهل العرف فيحمل دليل امضاء البيع علي امضاء ما هو الصحيح المؤثر عندهم، و لو كان مراده خلاف ما عليه العرف لزم عليه نصب القرينة، فمع عدمه يكون الموضوع هو البيع الصحيح عند العرف. و هذا التقريب لا دخل له بتخطئة الشارع نظر العرف أو تصويبه، إذ صريح عبارته ان الموضوع هو الصحيح المؤثر عند العرف. فلاحظ.

(2) ثانيهما: حمل لفظ البيع أو شبهه الواقع في ادلة الامضاء علي المصدر الذي يراد من لفظ بعت اي انشاء تمليك عين بعوض، الذي هو فعل الموجب، و اختاره في تعريف البيع، فإذا حكم الشارع عليه بالحل أو بوجوب الوفاء يستكشف منه كونه مؤثرا في نظر الشارع، و الا لما كان له حلية و لا وجوب الوفاء، و مقتضي اطلاقه كون انشاء النقل يوجب النقل شرعا. هذا محصل كلامه بتوضيح منا.

و المحقق النائيني قدس سره اورد علي ما ذكره ثانيا في وجه التمسك بالاطلاق: بان المطلقات الواردة في الكتاب و السنة كلها واردة في مقام امضاء المسببات دون الاسباب لانها اسام للمسببات و اورد علي ما ذكره اولا: بانه إذا كان الدليل واردا في مقام امضاء المسببات- اي المعاملات الرائجة عند العرف كالزوجية و المبادلة مع قطع النظر عن الاسباب التي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 40

______________________________

يتوسل بها إليها- فلا يدل علي امضاء الاسباب.

و بعبارة اخري: المسبب له وجود غير وجود السبب، فإمضاؤه لا يكون امضاء للسبب، نعم إذا لم

يكن له سبب متيقن اصلا لا محالة يكون امضاؤه امضاء له و الا يلزم اللغوية، و في المقام السبب المتيقن موجود كما هو واضح.

و دعوي ان اهل العرف حيث يرون حصول المسبب بسبب معين عندهم فامضاء المسبب يستلزم امضاء السبب.

مندفعة بان المتبع هو انظار اهل العرف في تعيين المفاهيم لا في التطبيق، فهم و ان رأوا حصول المسبب عند وجود امر خاص الا ان امضاء المسبب لا دليل علي كونه امضاء لنظرهم في التطبيق ايضا.

و لكن: يمكن دفع الثاني: بان مقتضي اطلاق دليل المسبب الافرادي امضاء كل فرد من افراد المسبب عند العرف، و لازم ذلك امضاء كل سبب يتسبب به إليه و الا كان اطلاق دليل المسبب مقيدا بغير ما حصل من ذلك السبب الذي يشك في امضائه، و لعله الي هذا يرجع ما نقله قدس سره عن التقريرات و ذكرناه بقولنا: و دعوي و عليه فهو حق و لكن الذي يرد عليه: ما تقدم في أول الكتاب من أن ما هو المعروف من كون الانشاء عبارة عن ايجاد امر باللفظ أو شبهه مما لا أساس له.

و اجاب المحقق النائيني قدس سره، عن الاشكال بوجه آخر و هو: ان نسبة صيغ العقود الي المعاملات ليست نسبة الاسباب الي المسببات، بل نسبتها إليها نسبة الآلة الي ذي الآلة، و الارادة متعلقة بنفس المعاملة ابتداء بداهة ان الموجد للملكية ليس قول بعت نظير الالقاء الموجد للاحراق، بل الموجد لها ارادة البائع، فإذا لم يكن من قبيل الاسباب و المسببات فليس هناك موجودان خارجيان حتي لا يكون امضاء احدهما امضاء للآخر،

بل الموجود واحد، غاية الأمر انه باختلاف الآلة ينقسم الي اقسام عديدة، فإذا كان المتكلم في مقام

البيان و لم يقيده بنوع خاص يستكشف منه عمومه لجميع الانواع.

و فيه: مضافا الي ضعف المبني لما اشرنا إليه في اول الكتاب: ان وجود ذي الآلة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 41

______________________________

مغاير مع وجود الآلة بالوجدان، و الارادة و ان تعلقت حين البيع بذي الآلة ابتداء و بالآلة تتعلق تبعا الا انه في مقام الجعل، لا بد من لحاظ الآلة مستقلا كي يري صلاحية كل آلة عرفية لذلك أو آلة خاصة، و عليه فإذا كان الاطلاق مسوقا لبيان امضاء ذي الآلة لا يصح التمسك بالاطلاق لصلاحية كل آلة لذلك الا بالتقريب الذي ذكرناه، فلا فرق بين كونها من قبيل الاسباب و المسببات أو الآلة و ذي الآلة.

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه يقع في موضعين الأول: في ان الفاظ المعاملات اسام للصحيحة أو الأعم.

الثاني: في التمسك باطلاقات ادلة الامضاء.

اما الموضع الأول: فقد يقال- كما عن جملة من المحققين منهم المحقق الخراساني قدس سره و المحقق النائيني-: انها ان كانت موضوعة للمسببات لا مجال للنزاع المذكور، إذ لو كانت اسامي للمسببات لا تتصف الا بالوجود و العدم دون الصحة و الفساد.

و لكن الحق في المقام ان الصحة و الفساد لا يتصف بهما الا الموجود الخارجي، و اتصافه بهما انما يكون بلحاظ انطباقه علي ما اخذ طرفا للحكم أو الاعتبار الشرعي و عدمه، و عليه فالمسببات ايضا تتصف بهما و ذلك لان في باب المعاملات كالبيع امورا اربعة:

احدها: اعتبار المتعاملين الملكية.

ثانيها: اعتبار العقلاء و امضائهم لذلك.

ثالثها: اعتبار الشارع اياها.

رابعها: اظهار ذلك الأمر النفساني بمظهر خارجي.

و لا ريب في انها ان كانت اسامي للمسببات تكون اسامي للاعتبارات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 42

______________________________

الصادرة من المتعاملين لا الصادرة من العقلاء و

الشارع، مثلا البيع اسم لفعل البائع و لا يطلق علي الشارع و العقلاء البائع، و حيث ان الشارع المقدس لم يعتبر الملكية في كل مورد اعتبرها المتعاملان بل في بعض مواردها- كما إذا كان مظهرا بلفظ أو غيره من المظهرات الخارجية و كان المعتبر غير محجور عليه و غير ذلك من الخصوصيات- فكل اعتبار خارجي شخصي ان كان منطبقا علي ما هو موضوع للاعتبار الشرعي و طرف له فهو صحيح، و الا فهو فاسد،

فالمعاملات و ان كانت اسامي للمسببات تتصف بالصحة و الفساد ايضا، و قد مر ان البيع اسم للمسبب، اي الاعتبار الصادر من البائع.

الظاهر كونه اسما للاعم لا لخصوص الصحيح بالمعني المتقدم، فان الصحة انما تنتزع عن مطابقة المأتي به لما هو طرف الاعتبار، فهي متأخرة عن الامضاء، فكيف يمكن اخذها في المرتبة السابقة عليه- فتدبر- فانه يمكن ان يقال بوضعها للحصص الخاصة الملازمة للامضاء الشرعي، مع ان المعاملات امور عرفية امضاها الشارع الاقدس و ضروري انه لم يتصرف في وضعها و لم يستعملها في غير ما وضعت تلك الالفاظ له في العرف، بل استعملها في معانيها، غاية الأمر اعتبر في امضائها قيودا.

التمسك بالاطلاق [لإمضاء كل مظهر]

و أما الموضع الثاني: فبناء علي ما اخترناه من ان البيع مثلا اسم للاعتبار الصادر من المتعاملين و انه لا يعتبر في صدقه شي ء آخر، و ان دعوي كون باب المعاملات من قبيل ايجاد امر باللفظ و نحوه فاسدة بل هي اعتبارات قائمة بالمتعاملين تظهر باللفظ و غيره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 43

______________________________

الأظهر جواز التمسك باطلاقات ادلة امضاء كل ما هو مظهر لها، و ذلك لان ادلة امضاء المعاملات مثل قوله تعالي: (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» كما ان لكل واحد

منها اطلاقا افراديا، و يدل علي امضاء كل فرد من افراد البيع مثلا، كذلك له اطلاق احوالي، فمقتضي (أحل الله البيع)

امضاء كل فرد من افراد البيع في جميع حالاته، اي سواء ابرز بالعربي أو بالفارسي أو بغيرهما، و لازم ذلك امضاء كل مظهر.

و لو تنزلنا عن ذلك و سملنا دخل شي ء آخر غير الاعتبار القائم بالمتعاملين في المعاملات، و انه لا تصدق اساميها بمجرد تلك الاعتبارات، فلا يخلو ذلك من امور:

احدها: اعتبار امضاء العرف و العقلاء، بمعني ان كل معاملة واقعة بين المتعاقدين ممضاة عند العرف فهي بيع أو غيره و الا فلا.

ثانيها: اعتبار امضاء الشارع فيها.

ثالثها: اعتبار وجود المصلحة و المناسبة الواقعية، بمعني ان كل معاملة واقعة عن المصلحة و المناسبة الواقعية فهي بيع أو غيره.

رابعها: ان يكون البيع مثلا موضوعا لأمر واقعي، و يكون نظر العرف و الشرع طريقا إليه، و عليه يكون النهي تخطئة للعرف في المصداق.

فلو كان المعتبر هو الأمر الأول، لو شك في دخالة شي ء في امضاء العرف و العقلاء لما صح التمسك بالاطلاق لنفي اعتباره للشك في صدق الموضوع، و أما لو احرز ذلك و شك في دخالته في الامضاء الشرعي فيتمسك بالاطلاق لنفيه.

و لو كان المعتبر هو الثاني لا يصح التمسك بالاطلاق لنفي اعتبار ما شك في اعتباره لا بالإطلاق اللفظي و لا بالإطلاق المقامي،

اما الأول: فللشك في صدق الموضوع و أما الثاني فلوجود القدر المتيقن في العاملات الرائجة عند العرف.

______________________________

(1) البقرة 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 44

الكلام في المعاطاة:

اعم ان المعاطاة علي ما فسره جماعة ان يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر (1) و هو يتصور علي وجهين:

احدهما: ان يبيح كل منهما للآخر التصرف

فيما يعطيه من دون نظر الي تمليكه.

الثاني: ان يتعاطيا علي وجه التمليك، و ربما يذكر وجهان آخران:

______________________________

و يمكن ان يكون اعتماد الشارع الاقدس عليه.

و لو كان المعتبر هو احد الأخيرين يمكن التمسك بالاطلاق لنفي ما شك في اعتباره شرعا مع احراز عدم دخالته عرفا، بتقريب: ان للشارع جهتين: احداهما كونه مشرعا و جاعلا للاحكام، ثانيتهما: كونه من العرف و العقلاء، بل هو رئيسهم، فإذا قال احل الله البيع و لم يعين البيع الشرعي لا محالة يحمل علي ارادة امضاء البيع العرفي، كما هو الشأن في جميع المفاهيم الواقعة في الادلة الشرعية، و عليه فيتمسك بالاطلاق لنفي اعتباره شرعا.

فتحصل مما ذكرناه: انه يصح التمسك بالاطلاق علي جميع الوجوه و الاقوال الا بناء علي كون البيع و كذا غيره من المعاملات موضوعا للصحيح عند الشارع.

بيع المعاطاة

اشارة

المقصد الثاني في المعاطاة:

(1) قال المصنف قدس سره: اعلم ان المعاطاة علي ما فسره جماعة ان يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر لفظ المعاطاة لم يرد في آية و لا رواية كي ينازع في تعيين مفهومه، بل المراد بها البيع الذي ابرز بغير الصيغ المخصوصة من الافعال المقصود بها ابراز ذلك الاعتبار النفساني و فيما ذكره قدس سره في تعريفها مسامحة واضحة، إذ المعاطاة التي وقع النزاع في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 45

احدهما: ان يقع النقل من غير قصد البيع، و لا تصريح بالاباحة المزبورة بل يعطي شيئا ليتناول شيئا فدفعه الآخر إليه. (1)

و الثاني: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع و يرد الأول بامتناع خلو الدافع (الواقع) عن قصد عنوان من عناوين البيع، أو الاباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة.

(2)

______________________________

انها بيع صحيح لازم ام لا، لا يكون كلا طرفيها اعطاء الشي ء عوضا، بل احدهما اعطاء بعوض، اي احد الشيئين عوض و الآخر معوض.

و محل النزاع هو المعاطاة التي تتخلف عن البيع المنشأ باللفظ المخصوص في الصيغة مع اشتمالها علي جميع الجهات و الخصوصيات، و عليه فهي لا تتصور الا علي وجه واحد و هو ما لو قصد بها التمليك.

و أما المعاطاة بالمعني الاوسع من ذلك فقد ذكروا انها تتصور علي وجوه:

احدها: ان يقصد بها التمليك.

ثانيها: ان يقصد بها اباحة التصرفات.

(1) ثالثها: ما في الجواهر و هو: ان يقع الفعل من المتعاطين من غير قصد البيع و لا تصريح بالاباحة، بل يعطي البقال مثلا شيئا ليتناول عوضه فيدفعه إليه.

(2) و اورد عليه المصنف قده: بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الاباحة أو غير ذلك من العنوانات الخاصة.

و لكن: الذي يظهر من كلام صاحب الجواهر قدس سره- بقرينة قوله في ما بعد ذلك و لعل القائل باشتراط الصيغة في البيع يشرعه ايضا علي جهة الاباحة التي هي كالاصل فيما يقصد به مطلق التسليط، فغيرها محتاج الي قصد آخر بخلافها فانه يكفي فيها قصد هذا التسليط المطلق. انتهي ان مراده ان يقصد التسليط المطلق من دون ان يقصد شي ء من الفصول الوجودية،

و نتيجة ذلك الاباحة المالكية، حيث انه يكون التسليط المطلق غير المتفصل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 46

و الثاني: بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض علي وجه المبادلة هو (1) مفهوم البيع لا غير. نعم يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك كون التمليك المطلق اعم من البيع، ثمّ ان المعروف بين

علمائنا في حكمها انها مفيدة لإباحة التصرف و يحصل الملك بتلف احدي العينين.

و عن المفيد و بعض العامة القول بكونها لازمة كالبيع و عن العلامة رحمه الله في النهاية احتمال كونها بيعا فاسدا في عدم افادتها لإباحة التصرف

______________________________

يفصل وجودي هو الاباحة، لان فصلها امر عدمي و هو عدم قصد شي ء من العناوين الخاصة من قبيل قطع اضافة الملك عن نفسه.

و لكن يرد عليه: ان هذا يرجع الي الوجه الأول.

رابعها: ما في الجواهر و هو: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع.

(1) و يرد عليه: ما اورده في المتن من: ان التمليك بالعوض هو حقيقة البيع لا شي ء آخر.

خامسها: ما عن المحقق الرشتي- و قد ذكره في توجيه الوجه الثالث المحكي عن الجواهر ردا علي الشيخ قدس سره- قال:

و يمكن دفعه بان النقل في المقام كاللفظ في العقود قد يكون مسلوب المعني، نعم لا بد في الفعل الاختياري من غرض، فإذا كان هو محض التوصل الي الآخر تم الفرض.

و فيه: ان هذا و ان كان يتصور في اعطاء الظالم لدفع شره، فانه لا مبيح و لا مملك،

لكنه لا يتصور في المعاطاة المعاملية.

سادسها: ما افاده بعض المحققين، و هو: ما اختلف فيه العوضان في جهة التمليك و الاباحة بان كانت الاباحة بازاء التمليك.

سابعها: ان يقصد كل منها الاعراض عن ملكه بازاء اعراض صاحبه عن ملكه، و يتملك كل منهما مال الآخر بالحيازة.

فتحصل: ان المعقول منها اربع صور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 47

و لا بد اولا من ملاحظة ان النزاع في المعاطاة المقصود بها الاباحة أو في المقصود بها التمليك (1) الظاهر من الخاصة و العامة هو المعني الثاني، و حيث ان الحكم بالاباحة بدون الملك قبل التلف

و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزل المحقق الكركي الاباحة في كلامهم علي الملك الجائز المتزلزل و انه يلزم بذهاب احدي العينين و حقق ذلك في شرحه علي القواعد و تعليقه علي الارشاد بما لا مزيد عليه.

______________________________

(1) قوله و لا بد اولا من ملاحظة ان النزاع في المعاطاة المقصود بها الاباحة أو في المقصود بها التمليك و قد عرفت ان محل النزاع هو خصوص المعاطاة المقصود بها التمليك، و صاحب الجواهر ايضا لا ينكر ذلك و انما يدعي ان مورد النفي و الاثبات ليس شيئا واحدا بل المعاطاة- التي نفوا عنها افادة الملكية- هي ما قصد بها التمليك، و المعاطاة التي اثبتوا لها الافادة للاباحة هي ما قصد بها الاباحة.

و بالجملة: نزاع المعاطاة انما هو في المعاملات الرائجة عند العرف التي لا شبهة في ان المقصود بها التمليك، و مورد نزاع الفقهاء ايضا ذلك، فان كلماتهم كالصريحة في ان مورد النزاع هو ما يكون واجدا لجميع الجهات سوي الصيغة.

و ربما يقال: ان المعاطاة الرائجة بين الناس لا تسبيب فيها الي شي ء من الملكية و الاباحة، و ان انزاع المعاطاة بين العامة و الخاصة ان الخاصة يقولون انه يعتبر في انعقاد البيع الايجاب و القبول و لو بالفعل،

و العامة يقولون انه ينعقد بمجرد التعاطي الخالي عن الانشاء، كما انه ينعقد بالانشاء.

اما دعواه ان المعاملة الرائجة هي ما لم يقصد فيها التمليك و نظرها بالتقابض الواقع بعد الصيغة فبينة الفساد، يكذبها الوجدان،

و أما دعوي ان نزاع الخاصة انما هو في ذلك فهي تندفع بملاحظة كلمات القوم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 48

لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ الي جعل محل النزاع هي

المعاطاة المقصود بها مجرد الاباحة (1) و رجح بقاء الاباحة في كلامهم علي ظاهرها المقابل للملك. و نزل مورد حكم قدماء الاصحاب بالاباحة علي هذا الوجه و طعن علي من جعل محل النزاع في المعاطاة، بقصد التمليك قائلا ان القول بالاباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب الي اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و كبرائهم و الانصاف ان ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الاباحة بالملك المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الاصحاب مثل الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلي في السرائر و ابن زهرة في الغنية و الحلبي في الكافي و العلامة في التذكرة و غيرها بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف الا ان جعل محل النزاع ما إذا قصد الاباحة دون التمليك ابعد منه بل لا يكاد يوجد في كلام احد منهم ما يقبل الحمل علي هذا المعني، و لننقل اولا

______________________________

بقي الكلام في انه مع ظهور كلمات الاصحاب في ان المعاطاة التي قصد بها التمليك تفيد اباحة جميع التصرفات، لاحظ كلماتهم التي ذكرها المصنف في المتن و ستمر عليك فانك لا ترتاب في ظهورها في ذلك افاد المحقق الكركي: ان مراد الأصحاب من الاباحة الملك المتزلزل

(1) و افاد صاحب الجواهر: ان مراد الاصحاب من المعاطاة المبيحة للتصرفات هي ما قصد به الاباحة لاما قصد به التمليك.

و الظاهر ان الذي اوجب التزامهما بما ذكرناه انه يلزم من التحفظ علي ظواهر كلمات الفقهاء من كلتا الجهتين وقوع ما لم يقصد، و عدم وقوع ما قصد،

و بعبارة اخري: تخلف العقود عن القصود بل قصد قطع اضافة الملكية عن نفسه ينافي بنفسه مع الاباحة المالكية- اي اباحة ملكه

لغيره- و لذا قال صاحب الجواهر قدس سره:

ان القول بالاباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب الي اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و لكن يمكن توجيه كلام المشهور و دفع الاستبعاد باحد وجهين نذكرهما بعد نقل كلمات القوم التي ذكرها المصنف قدس سره في الكتاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 49

كلمات جماعة ممن ظفرنا علي كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الاباحة علي الملك المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي و ابعدية جعل محل الكلام في كلمات قدمائنا الاعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرد اباحة التصرفات دون التمليك.

فنقول: و بالله التوفيق قال في الخلاف: إذا دفع قطعة الي البقلي أو الشارب فقال اعطني بها بقلا أو ماء فاعطاه، فانه لا يكون بيعا و كذلك سائر المحقرات، و انما يكون اباحة له فيتصرف كل منهما فيما اخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه، و فائدة ذلك ان البقلي إذا اراد ان يسترجع البقل أو اراد صاحب القطعة ان يسترجع قطعته كان لهما ذلك لأن الملك لم يحصل لهما، و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و ان لم يوجد الايجاب و القبول و قال ذلك في المحقرات دون غيرها، دليلنا ان العقد حكم شرعي و لا دلالة في الشرع علي وجوده هنا فيجب ان لا يثبت.

و أما الاباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهي. و لا يخفي صراحة هذا الكلام في عدم حصول الملك. و في ان محل الخلاف بينه و بين ابي حنيفة ما لو قصد البيع، لا الإباحة المجردة كما يظهر ايضا من بعض كتب الحنيفة حيث انه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال، قال

و ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطي و ايضا فتمسكه بأن العقد حكم شرعي يدل علي عدم انتفاء قصد البيعية و الا لكان الاولي بل المتعين التعليل به إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معني للتمسك بتوقيفية الاسباب الشرعية كما لا يخفي.

و قال في السرائر بعد ذكر اعتبار الايجاب و القبول و اعتبار تقدم الاول علي الثاني ما لفظه فإذا دفع قطعة الي البقلي أو الي الشارب فقال: اعطني فانه لا يكون بيعا و لا عقدا لان الايجاب و القبول ما حصلا، و كذلك سائر المحقرات و سائر الاشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان أو غير ذلك، و انما يكون اباحة له فيتصرف كل منهما فيما اخذه تصرفا مباحا من غير ان يكون ملكه أو دخل في ملكه و لكل منهما ان يرجع فيما بذله لأن الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود الفاسدة لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار الي كل واحد منهما، و انما ذلك، علي جهة الاباحة انتهي فان تعليله عدم الملك بعدم حصول الايجاب و القبول يدل علي أن ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك مع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 50

ان ذكره في حيز شروط العقد يدل علي ما ذكرنا و لا ينافي ذلك قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة الخ، كما لا يخفي.

و قال ابن زهرة في الغنية بعد ذكر الايجاب و القبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي و معلومية العوضين، و بعد بيان الاحتراز بكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ما هذا لفظه و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن

القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الايجاب من البائع بأن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك بألف فانه لا ينعقد بذلك بل لا بد ان يقول المشتري، بعد ذلك اشتريت أو قبلت حتي ينعقد و احترازا ايضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو ان يدفع الي البقلي قطعة و يقول اعطني بقلا فيعطيه، فان ذلك ليس ببيع. و انما هو اباحة للتصرف يدل علي ما قلناه الاجماع المشار إليه و ايضا، فما اعتبرناه مجمع علي صحة العقد به و ليس علي صحته بما عداه دليل. و لما ذكرنا (من اعتبار الايجاب و القبول اللفظيين) نهي صلي الله عليه و آله عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة علي التأويل الآخر و معني ذلك ان يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و القاء الحصاة بيعا موجبا، انتهي. فان دلالة هذا الكلام علي ان المفروض قصد المتعاطين التمليك من وجوه متعددة منها ظهور ادلته الثلاثة في ذلك، و منها احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد، و قال في الكافي بعد ذكر انه يشترط في صحة البيع امور ثمانية ما لفظه و اشترط الايجاب و القبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع الي ان قال: فان اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع، و لم يستحق التسليم و ان جاز التصرف مع اخلال بعضها للتراضي دون عقد البيع و يصح معه الرجوع انتهي.

و هو في الظهور قريب من عبارة الغنية.

و قال المحقق رحمه الله في الشرائع و لا يكفي التقابض من غير لفظ و ان حصل من الامارات ما دل علي ارادة البيع، انتهي. و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد به البيع

بل للتنبيه علي انه لا عبرة بقصد البيع من الفعل، و قال في التذكرة في حكم الصيغة الأشهر عندنا انه لا بد منها فلا يكفي التعاطي في الجليل و الحقير مثل اعطني بهذا الدينار ثوبا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه و به قال الشافعي مطلقا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 51

لأصالة بقاء الملك و قصور الافعال عن الدلالة علي المقاصد و عن بعض الحنفية و ابن شريح في الجليل، و قال احمد ينعقد مطلقا و نحوه قال مالك: فانه قال: ينعقد بما يعتقده (كذا في التذكرة) الناس بيعا، انتهي. و دلالته علي قصد المتعاطين للملك لا يخفي من وجوه ادونها جعل مالك موافقا لأحمد في الانعقاد من جهة انه قال ينعقد بما يعتقده الناس بيعا و قال الشهيد في قواعده بعد قوله قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي و ذكر امثلة لذلك ما لفظه. و أما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الاباحة لا الملك و ان كان في الحقير عندنا انتهي و دلالتها علي قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفي هذا كله مع ان الواقع في ايدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس مع انهم صرحوا بارادة المعاملة المتعارفة بين الناس. ثمّ انك قد عرفت ظهور اكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك بل صراحة بعضها فالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد و مع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد انهم ارادوا بالاباحة الملك المتزلزل فقال المعروف بين الاصحاب ان المعاطاة بيع و ان لم يكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر

عبارة المفيد و لا يقول احد من الاصحاب بانها بيع فاسد سوي المصنف في النهاية. و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها و قوله تعالي: احل الله البيع يتناولها لأنها بيع، بالاتفاق حتي من القائلين بفسادها لأنهم يقولون هي بيع فاسد.

و قوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) فانه عام الا ما اخرجه الدليل و ما يوجد في عبارة جمع من متأخري الاصحاب من انها تفيد الاباحة و تلزم بذهاب احدي العينين يريدون به عدم اللزوم في اول الامر و بالذهاب يتحقق اللزوم لامتناع ارادة الاباحة المجردة من اصل الملك إذ المقصود للمتعاطين انما هو الملك، فإذا لم يحصل كانت فاسدة، و لم يجز التصرف في العين و كافة الاصحاب علي خلافه و ايضا فان الاباحة المحضة لا تقتضي الملك اصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده، و انما الافعال لما لم يكن دلالتها علي المراد في الصراحة كالأقوال و انما تدل بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف احدي العينين يمتنع التراد و يتحقق اللزوم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 52

لأن احداهما في مقابل الآخر و يكفي تلف بعض احدي العينين لامتناع التراد في الباقي إذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر، انتهي. و نحوه المحكي عنه في تعليقه علي القواعد و زاد فيه ان مقصود المتعاطين اباحة مترتبة علي ملك الرقبة كسائر البيوع فان حصل مقصودهما ثبت ما قلنا و الا لوجب ان لا تحصل اباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد، إذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل و عليه يتفرع النماء و جواز

وطي الجارية و من منع فقد اغرب انتهي و الذي يقوي في النفس ابقاء ظواهر كلماتهم علي حالها، و انهم يحكمون بالاباحة المجردة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطين التمليك و ان الاباحة لم تحصل بانشائها ابتداء بل انما حصلت كما اعترف به في المسالك من استلزام اعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليها الأذن في التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة.

و حاصله ان المقصود هو الملك فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف إذ الاباحة ان كانت من المالك فالمفروض انه لم يصدر منه الا التمليك و ان كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد الي نص في ذلك مع ان الغاء الشارع للأثر المقصود و ترتيب غيره بعيد جدا مع ان التأمل في كلامهم يعطي ارادة الاباحة المالكية لا الشرعية و يؤيد ارادة الملك ان ظاهر اطلاقهم اباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصح الا من المالك كالوطي و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات، كما إذا وقعت هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع بعيد. و سيجي ء ما ذكره بعض الاساطين من ان هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة، لكن الانصاف ان القول بالتزامها لهذه الأمور اهون من توجيه كلماتهم، فان هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضي الاصل عدم الملكية و لم يساعد عليها دليل معتبر و اقتضي الدليل صحة التصرفات المذكورة مع ان المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد المنع عما يتوقف علي الملك كإخراجه في خمس أو زكاة و كوطي الجارية، و مما يشهد

علي نفي البعد عما ذكرنا من ارادتهم الاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك انه قد صرح الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر كظاهر العلامة في القواعد بعدم حصول الملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 53

باهداء الهدية بدون الايجاب و القبول و لو من الرسول. نعم يفيد ذلك اباحة التصرف لكن الشيخ استثني وطي الجارية. ثمّ ان المعروف بين المتأخرين ان من قال بالاباحة المجردة في المعاطاة قال: بأنها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة و معقد اجماع الغنية و ما ابعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثاني من ارادة نفي اللزوم و كلاهما خلاف الظاهر و يدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد بأن الايجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة.

و أما الأول فان قلنا بأن البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح و لو بناء علي ما قدمناه في آخر تعريف البيع، من ان البيع في العرف اسم للمؤثر منه في النقل. فان كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث انهم متشرعة و متدينون بالشرع صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيا، و الا كان صوريا نظير بيع الهازل في نظر العرف فيصح علي ذلك نفي البيعية علي وجه الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسره بالعقد لأنهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر في النقل في نظر الشارع إذا عرفت ما ذكرنا

______________________________

و بعد ملاحظة كلمات القوم يمكن توجيه كلام المشهور و دفع الاستبعاد باحد وجهين احدهما: ما افاده المحقق الخراساني قدس سره و

هو: ان الأصحاب ملتزمون بالاباحة قبل التصرف المتوقف علي الملك و قبل التلف- و الملكية بعد احدهما- و عليه فهم ملتزمون بافادة المعاطاة المقصود بها الملكية الملكية غاية الأمر مشروطة بالتصرف أو التلف و يكون المقام نظير توقف الملكية في باب الصرف علي القبض، و انما يباح التصرف قبل حصول الملكية للسيرة، و علي ذلك فلا يلزم تخلف العقود عن القصود، فان ما قصده المتعاملان يقع، و الاباحة ليست من مقتضيات العقد، بل مقتضاه الملكية، و انما يباح التصرف للسيرة.

ثانيهما: ان عدم تخلف العقود عن القصود ليس امرا لا يقبل التخصيص، فإذا حكم الشارع الأقدس بان ما قصده المتعاملان- و هي الملكية- لا يقع لبطلان هذا البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 54

______________________________

و انما يباح التصرفات تعبدا لا محذور فيه و بعبارة اخري: ان ما التزم به القوم هي الاباحة الشرعية لا الإباحة المالكية، و باب هذه الاباحة باب ترتب الحكم علي موضوعه لا ترتب الامر التسبيبي علي سببه.

و ربما يوجه كلام المشهور بوجهين آخرين احدهما: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان عدم ترتب الملكية علي المعاطاة المقصود بها التمليك انما هو لاجل ان الفعل لا يكون بالحمل الشائع الصناعي مصداقا للبيع، فقصده و ايجاد ما هو غير مصداقه لا يفيد الملك (و سيأتي توضيح ذلك عند ذكر الادلة علي الأقوال)،

و أما ترتب الاباحة عليه مع عدم قصدها فلأن الاباحة المالكية ليست الا التسليط الخارجي و ادخال المالك العين تحت استيلاء الغير، و الفعل بنفسه مصداق للتسليط الخارجي و لا يعتبر فيه قصدها، و لا يضر قصد خلافها، كما هو الشأن في جميع العناوين الثانوية المترتبة علي الفعل قهرا كالايلام المترتب علي الضرب،

فانه يترتب عليه و ان قصد به خلاف الايلام.

و يرد علي هذا ما ذكره هو قده من: ان لازم ذلك هو الالتزام باباحة التصرفات في المقبوض بالعقد الفاسد، مع ان عدم جواز التصرف فيه اجماعي،

مضافا الي ان الاباحة المالكية انما هي من الامور التي يتوقف تحققها علي القصد،

و لا تحصل بدونه، و الفعل الخارجي انما يكون مشتركا بينها و بين التمليك و القرض و العارية و نحو ذلك، و يتميز كل عن غيره بالقصد.

و الانصاف ان هذا التوجيه ابعد من أصل المطلب.

ثانيهما: انه للملك مراتب: ملك العين، ملك المنفعة، ملك الانتفاع، و الاخير مساوق للاباحة، فبناء المشهور علي افادة المعاطاة المقصود بها الملكية للاباحة التزام بوقوع بعض ما قصد، و هذا غير وقوع ما لم يقصد، و لا محذور في ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 55

فالأقوال في المعاطاة علي ما يساعده ظواهر كلماتهم (1) ستة اللزوم مطلقا كما هو ظاهر عن المفيد (2) و يكفي في وجود القائل به قول العلامة رحمه الله في التذكرة الأشهر عندنا انه لا بد من الصيغة و اللزوم بشرط كون الدال علي التراضي أو المعاملة لفظا حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (هو السيد حسن (قده)) و بعض متأخري المحدثين (لكن في عد هذه الأقوال في المعاطاة تأمل)

______________________________

و فيه: ان الاباحة ليست عبارة عن ملك الانتفاع، بل ملك الانتفاع ليس له معني معقول، و انما يكون جواز الانتفاع من آثار ملك المنفعة أو اباحة المالك، مع ان البيع ليس الا تمليكا للعين و المنفعة و ليس هو تمليكا للانتفاع، بل ملكية الانتفاع- علي فرض معقوليتها- تابعة لمك المنفعة، فالصحيح ما ذكرناه.

و لكن مع ذلك كله يرد علي المشهور امران:

الأول:

ما افاده الشيخ الكبير قدس سره و هو: ان الاصحاب لم يفرقوا بين التصرفات المتوقفة علي الملك، و التصرفات غير المتوقفة عليه، و حكموا باباحة جميعها، و الالتزام بهذا مع القول بعدم الملك بعيد، و سيأتي تمام الكلام فيه عند نقل المصنف قدس سره كلامه.

الثاني: انهم ملتزمون باباحة التصرفات المتوقفة علي الملك من أول تحقق المعاطاة، و جوازها متوقف علي الملك بنحو الجواز المشروط، و عليه فلا يجتمع ذلك مع القول بعدم حصول الملكية.

ثمّ مع الاغماض عن ذلك كله لا بد في اثبات هذه الدعوي من اقامة الدليل عليه في مقام الاثبات و ستعرف عدم الدليل عليه.

الاقوال في المعاطاة

(1) إذا عرفت ما ذكرناه فالاقوال في المعاطاة علي ما يساعده ظواهر كلماتهم سبعة

(2) احدها افادتها الملك اللازم، و هو المحكي عن المفيد و مال إليه في محكي المسالك، و في محكي شرح الارشاد و اختاره المحدث الكاشاني و جمع من محققي متأخري الأصحاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 56

و الملك الغير اللازم ذهب إليه المحقق الثاني (1) و نسبه الي كل من قال بالاباحة و في النسبة ما عرفت و عدم الملك مع اباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كما هو ظاهر عبائر كثير بل ذكر في المسالك أن كل من قال بالاباحة يسوغ جميع التصرفات و اباحة ما لا يتوقف علي الملك. و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد علي القواعد و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في اهداء الجارية من دون ايجاب و قبول. و القول بعدم اباحة التصرف مطلقا نسب الي ظاهر النهاية. لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة بل لم نجد قائلا

به الي زمان المحقق الثاني الذي قال به، و لم يقتصر علي ذلك حتي نسبه الي الاصحاب، نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير حيث قال فيه الأقوي ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، فان تلفت لزمت، انتهي. و لذا نسب ذلك إليه في المسالك لكن قوله بعد ذلك و لا يحرم علي كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد ظاهر في أن مراده مجرد الانتفاع إذ لا معني لهذه العبارة بعد الحكم بالملك.

و أما قوله و الاقوي الي آخره فهو اشارة الي خلاف المفيد رحمه الله و العامة القائلين باللزوم و اطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و اطلاق الفسخ علي الرد بهذا الاعتبار ايضا، و كذا اللزوم و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه أن الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها علي الايجاب و القبول، ثمّ قال: و هل يستغني عن الايجاب و القبول في هدية الاطعمة الاقرب عدمه، نعم يباح التصرف بشاهد الحال، انتهي. و صرح بذلك ايضا في الهدية فإذا لم يقل في الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع،

______________________________

(1) ثانيها- انها تفيد الملك غير اللازم، اختاره المحقق الكركي، قال: المعروف بين الأصحاب انها- اي المعاطاة- بيع و ان لم تكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر المفيد،

و لا يقول احد من الأصحاب بانها بيع فاسد سوي العلامة قدس سره في النهاية، و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنه.

ثالثها- انها تفيد الملكية اللازمة بشرط كون الدال علي التراضي أو المعاملة لفظا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 57

و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثاني الي حصول الملك و لا يخلو عن قوة للسيرة

المستمرة علي معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه (1) بالعتق و البيع و الوطي و الايصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك.

______________________________

حكي ذلك عن بعض معاصري الشهيد الثاني و بعض متأخري المحدثين، و لعل المراد اعتبار ان يكون هناك لفظ دال علي المساومة و ان كان الانشاء بالمعاطاة.

و عليه فلا يرد عليه ما عن المصنف قدس سره في الحاشية: لكن في عد هذا من الأقوال في المعاطاة تأملا، فان هذا يصح إذا كان مرادهما انشاء البيع باللفظ، فانه حينئذ يخرج عن المعاطاة، غايته انه لا يعتبر لفظ مخصوص. و لا يتم علي ما ذكرناه.

رابعها- انها تفيد اباحة التصرفات غير المتوقفة علي الملك، و هو الظاهر من حواشي الشهيد علي القواعد.

سادسها- انها لا تفيد الاباحة أيضا، ذهب إليه الشيخ في النهاية و ان رجع عنه.

سابعها- انها معاملة مستقلة تفيد الملكية، اختاره الشيخ الكبير.

هذه هي الأقوال في المسألة

دليل المختار في المعاطاة

و الأظهر انها تفيد الملك و اللزوم، فلا بد من البحث في موردين لاثبات المدعي:

الأول: في انها تفيد الملك، أو الاباحة، ام لا تفيد شيئا منهما.

الثاني: في انها هل تفيد اللزوم ام لا.

اما المورد الأول: فالكلام فيه يقع اولا:

فيما استدل به أو يمكن الاستدلال به علي المدعي.

ثمّ فيما استدل به علي عدم افادتها الملكية.

اما الأول: فقد استدل له بوجوه:

(1) الاول: السيرة المستمرة علي معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطء و الايصاء و التوريث و غير ذلك من آثار الملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 58

______________________________

و اورد المصنف عليه بما اورد قدس سره علي الاستدلال بالآية و سيأتي بعد صفحات و هو: ان غاية ما ثبت بالسيرة جواز التصرفات حتي

المتوقفة علي الملك، و ثبوت الملكية من اول الأمر باباحتها متوقف علي ثبوت الملازمة عقلا أو شرعا، و لم يثبت شي ء منهما،

اما الملازمة الشرعية فلأن المشهور قائلون باباحة جميع التصرفات و لا يقولون بالملك من الأول،

و أما الملازمة العقلية فلأن القدر اللازم بحكم العقل هو حصول الملك قبل التصرف المتوقف علي الملك و لو آنا ما لا من الأول.

ثمّ قال: اما السيرة علي التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قلة المبالات في الدين مما لا يحصي في عباداتهم معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفي.

و يرد عليه قده امور:

الأول: انه ما الفرق بين السيرة علي التوريث و السيرة علي جواز التصرفات،

حيث لم يناقش في الثانية و ناقش في الأولي، فان تطرق هذا الاحتمال في الأولي تطرق في الثانية طابق النعل بالنعل.

الثاني: ان السيرة قائمة علي الفرض علي التصرفات المتوقفة علي الملك، و لازم ذلك ثبوت الملكية من الأول، فان اباحة التصرفات لا تدور مدار فعلية التصرفات، بل هي تثبت من اول الأمر، و عليه فان ثبتت الملكية من الأول ثبت المطلوب، و الا فقد ابيح تلك التصرفات لغير المالك، و هو مناف لأدلة توقفها علي الملك.

و بعبارة اخري: هذه الاباحة مع انها اباحة مشروطة بالملك تكون ثابتة من الأول فلا يعقل الالتزام بعدم الملك.

الثالث: انه يمكن الالتزام بحدوث الملكية آنا ما في التوريث قبل الموت ان امكن الالتزام به في سائر ما يتوقف علي الملك، فلم يظهر وجه تفرقته بينهما.

و الحق ان يورد علي هذا الوجه: بان السيرة في هذه الازمنة و ان ثبتت الا ان اتصالها الي زمان المعصوم غير ثابت، إذ لعل هذه نشأت عن افتاء المراجع بالملكية أو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3،

ص: 59

______________________________

اباحة التصرفات، أ لا تري ان جواز الصلاة في اللباس المشكوك فيه مما افتي به اكثر المتأخرين، فإذا فرضنا افتاء الجميع به في بعض الاعصار يكون عمل الناس جميعا عليه،

فيتوهم ثبوت السيرة، مع ان عدم الجواز في القديم كان كالمجمع عليه.

الثاني: سيرة العرف و العقلاء في كل ملة و نحلة علي المعاملة مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملكية، و حيث لم يردع عنها الشارع الاقدس فيستكشف امضاؤه لها،

و لا يتوهم ان ادلة توقف البيع و العتق و الوطء علي الملك رادعة، فان السيرة ليست علي جواز تلك التصرفات لغير المالك، بل علي المعاملة مع المأخوذ بها معاملة الملك و ربما يقال: انه يكفي في الرادعية ادلة الاستصحاب، فان مقتضاها الحكم ببقاء الملكية ما لم يعلم زوالها، و لا دليل علي زوالها فيجب الحكم ببقائها، فتكون تلك الادلة رادعة عن ثبوت الملك بالمعاطاة.

و اجيب عنه: بان رادعية تلك الادلة غير معقولة لاستلزامها الدور، إذ رادعية الادلة عن السيرة متوقفة علي عدم حجيتها، و الا فلا محالة تكون مخصصة لها، و عدم حجيتها متوقف علي رادعيتها، و هذا دور واضح.

و اورد عليه: بان اثبات حجية السيرة أيضا دوري، إذ هي متوقفة علي عدم الردع عنها و لو بالعموم، و عدم الردع في المقام يتوقف علي حجيتها.

ورد ذلك: بان في حجية السيرة لا نحتاج الي اثبات عدم الردع، بل يكفي فيها عدم ثبوت الردع.

و لكن يرد عليه: ان في حجية العمومات و صلوحها للرادعية ايضا يكفي عدم ثبوت التخصيص، إذ الدليل العام حجة ما لم يثبت خلافه.

و الحق في الجواب عن اصل الاشكال- اي عن رادعية ادلة الاستصحاب-

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 60

و يدل عليه ايضا عموم قوله

تعالي: (و احل الله البيع) حيث انه يدل علي حلية جميع التصرفات المترتبة علي البيع (1) بل قد يقال بأن الآية دالة عرفا بالمطابقة علي صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفي لكنه محل تأمل (2)

______________________________

ان يقال: ان عمل العقلاء و معاملتهم مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملكية انما يكون لبنائهم عليها و جزمهم بها، و ليسوا شاكين في ذلك، و عليه فلا يعقل رادعية ادلة الاستصحاب المتضمنة لبيان حكم الشك من دون تعرض للموضوع كما هو الشأن في جميع الادلة المتضمنة لبيان الأحكام، فان بناء العقلاء متكفل لعقد الوضع، و تلك الادلة متكفلة لعقد الحمل، فلا يتواردان علي محل واحد كي تصلح العمومات للرادعية.

(1) الثالث: قوله تعالي (احل الله البيع) «1» و الاستدلال به يتوقف علي اثبات

دلالة الآية علي حصول الملكية بالبيع. و اثبات صدق البيع عليها فالكلام يقع في موضعين الاول في اثبات دلالة الآية علي افادة البيع الملكية.

و محصل الكلام فيه: ان محتملات الحل ثلاثة: الحل الوضعي اي الصحة و النفوذ،

و التكليفي اي الجواز و الرخصة، و الاعم منهما، و لعل الجامع بينهما هو جعله مرخي العنان في مقابل المنع و التقييد.

اما علي الأول: فالآية تدل علي امضاء البيع مطابقة، و هذا الوجه هو الذي اراده المصنف بقوله

(2) بل قد يقال بان الآية دالة عرفا بالمطابقة علي صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفي، لكنه محل تأمل.

و الظاهر ان منشأ تأمله هو ظهور الحل في الحلية التكليفية المؤكد هذا الظهور بمقابلة (و حرم الربا).

و لكن يرد عليه، انه من جهة استناده الي نفس البيع ظاهر في ارادة الوضعي منه، و هكذا في الحرمة المنسوبة الي الربا.

______________________________

(1) البقرة: 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 61

______________________________

و أما علي

الثاني: اي ارادة الحلية التكليفية من احل، فحيث انه لاموهم لحرمة البيع لا بما هو فعل و لا بما هو تسبيب للملك، فلا بد من تقدير التصرفات، و عليه فيمكن استفادة مملكية البيع من الآية بوجوه:

احدها، الملازمة العرفية بين حلية جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك، و بين الملكية كما تقدم.

ثانيها: ان جواز التصرفات المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطء و نحوهما، من آثار الملكية، فإذا دلت الآية علي جوازها دلت علي الملكية بالملازمة العقلية،

و هذا الوجه هو الوجه الأول في كلامه، و مورد نقضه و إبرامه و تأمل فيه بما ذكرناه في السيرة مع الجواب عنه فراجع.

ثالثها: ان الآية الشريفة و ان دلت علي اباحة التصرفات الا انها لا تدل علي حلية مجرد التصرفات المتوقفة علي الملك، بل علي حلية التصرفات المترتبة علي البيع، و مرجع ذلك الي حلية الاكل عن هذا السبب، و لازم ذلك عرفا ثبوت الملكية، كما ان اللازم العرفي لما تضمن حرمة الاكل عن سبب عدم الملكية كقوله عليه السلام ثمن العذرة سحت.

و هذا الوجه هو الذي ركن إليه في آخر الامر.

و بما ذكرناه ظهر ان ما اورده المحقق الايرواني قدس سره عليه من ان المصنف قدس سره التجأ الي اختيار ما جعله محل التأمل، غير تام، فان ما اختاره غير ما تأمل فيه.

و أما علي الثالث: فحيث ان احل انتسب الي البيع و لا معني لحليته التكليفية و التقدير خلاف الأصل، فلا محالة يراد به حينئذ الحلية الوضعية، و عليه فتدل الآية بالمطابقة علي صحة البيع و مملكيته.

فتحصل: ان الآية علي جميع التقادير تدل علي صحة البيع و مملكيته، و مقتضي اطلاقها الاحوالي- بالتقريب الذي ذكرناه قبل الشروع في

مبحث المعاطاة- هو امضاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 62

و أما منع صدق البيع، عليه عرفا فمكابرة (1) و أما دعوي الاجماع في كلام بعضهم علي عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية (2) فمرادهم بالبيع، المعاملة اللازمة التي هي احد العقود، و لذا صرح في الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع (3) و دعوي ان البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها.

______________________________

كل بيع و عدم اعتبار شي ء مما شك في اعتباره في اظهاره و ابرازه، ففي المقام يشك في اعتبار اللفظ فيه فيتمسك باطلاقها و يحكم بعدم اعتباره و تحققه بالاظهار بالفعل

(1) الموضع الثاني: في انه هل يصدق عليها البيع ام لا؟ ربما يقال بالعدم، لان العناوين المنشأة بالقول أو الفعل لا بد و ان يكون القول أو الفعل مصداقا لذلك العنوان بالحمل الشائع الصناعي، و الا لا يتحقق ذلك العنوان و ان قصد تحققه، فلو مشي بقصد انشاء البيع لما تحقق، و التعاطي الخارجي حيث لا يكون بالحمل الشائع مصداقا للبيع الذي هو عبارة عن تبديل احد طرفي الاضافة بمثله، فقصده و ايجاد ما هو غير مصداقه لا يوجب تحقق عنوان البيع.

و فيه أن القول أو الفعل ليس مصداقا للبيع في شي ء من الموارد بناء علي كونه موضوعا للمسبب، اي اعتبار المتبايعين، نعم لا كلام في ان نفس ذلك الاعتبار النفساني ما لم يبرز باللفظ أو الفعل لا يكون ممضي عند العقلاء و الشارع، و ابرازه لا بد و ان يكون بما يكون مبرزا له عند العقلاء، و حيث عرفت ان حقيقة البيع هو اعطاء شي ء بازاء شي ء و هذا المعني عند العرف يبرز باعطاء شي ء خارجا واخذ

ما بازائه، فلا اشكال، و ان شئت ان تعبر مسامحة بان الفعل الخارجي مصداق لهذا العنوان علي هذا المبني فلا مشاحة

(2) و أما دعوي الغنية الاجماع علي عدم كونها بيعا فمراده نفي اللزوم أو الصحة لا الحقيقة.

(3) قوله و لذا صرح بالغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع الظاهر ان مراده الاستشهاد بكلامه حيث جعل الايجاب و القبول من شرائط الصحة لا أصل التحقق- علي ان المعاطاة عنده بيع- فيكون المراد من قولهم المعاطاة ليست بيعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 63

و مما ذكر يظهر وجه التمسك بقوله تعالي (الا ان تكون تجارة عن تراض) (1)

و أما قوله (الناس مسلطون علي اموالهم) (2) فلا دلالة فيه علي المدعي لأن عمومه باعتبار انواع السلطنة (2) فهو انما يجدي فيما إذا شك في ان هذا النوع من السلطنة ثابتة المالك و ماضية شرعا في حقه ام لا. اما إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة في حقه ماضية شرعا

______________________________

انها ليست بيعا صحيحا أو لازما- و عليه- فلا يرد علي المصنف انه يفيد عكس المدعي كما افاده السيد قدس سره ثمّ انه قده وجه كلام المصنف قدس سره بما هو خلاف الظاهر جدا

(1) الرابع: قوله تعالي: (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض. «1» و تقريب الاستدلال به: انه بعد ما لا ريب في ان المراد من الأكل هو معناه الكنائي- لا معناه الموضوع له و هو واضح- يكون المراد بالاكل احد معنيين:

الأول: كونه كناية عن مطلق التصرفات حتي المتوقفة علي الملك و عليه فتجري في هذه الآية الوجوه الثلاثة التي ذكرناها لدلالة الآية المتقدمة علي صحة المعاطاة لو اريد باحل

الحلية التكليفية، فلا نعيد.

الثاني: جعل الاكل كناية عن التملك،

و عليه فهي بالمطابقة تدل علي صحة المعاطاة و كونها موجبة للملكية، و دعوي عدم كونها تجارة عن تراض مكابرة واضحة.

(2) الخامس: النبوي: الناس مسلطون علي اموالهم. «2» تقريب الاستدلال به:

انه يدل علي ان الناس مسلطون علي أموالهم بجميع انحاء التصرفات و من جملتها البيع المعاطاتي.

و اورد عليه بايرادات:

(3) الاول: ما في المتن و هو: ان عمومه انما هو باعتبار- انواع السلطنة

______________________________

(1) النساء آية 29.

(2) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 64

لكن شك في ان هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطي مع القصد ام لا بد من القول الدال عليه فلا يجوز الاستدلال علي سببية المعاطاة في الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس علي اموالهم.

______________________________

فلو احرز ثبوت سلطنة خاصة له كتمليك ماله غيره، و شك في انه هل يحصل بمجرد التعاطي ام، لا بد من القول الدال عليه، فلا يجوز التمسك به علي مملكية المعاطاة.

ان كان مراده قده انه في مقام اثبات مشروعية كل نوع في الجملة و ليس له اطلاق افرادي،

فيرد عليه: ان له اطلاقا افراديا، و يدل علي ثبوت السلطنة علي كل تصرف من التصرفات، و لذا لو شك في ان فردا خاصا من نوع من التصرف كالأكل هل يكون جائزا ام لا يتمسك به،

و السر فيه ان السلطنة هي القدرة، و من المعلوم انها لا تتعلق بالمال بل بالتصرف فيه و حذف المتعلق يفيد العموم، فمعني النبوي: ان الناس قادرون علي كل تصرف في اموالهم، و الاختصاص بنوع منه بلا وجه.

و ان كان مراده انه في مقام امضاء المسببات لا الأسباب،

فيرد عليه: ان

هذا اشكال اورد علي الاستدلال بآية الحل ايضا بناء علي كون الفاظ المعاملات اسامي للمسببات لا الأسباب، و قد تقدم الجواب عنه.

الثاني: ما عن المحقق الخراساني قدس سره و هو: ان المستفاد منه كونه في مقام بيان عدم محجورية المالك لا في مقام تشريع السلطنة بانحائها.

و فيه: ان حمل السلطنة- التي هي القدرة علي التصرفات مطلقا- علي ارادة عدم المحجورية- اي عدم المانع من التصرف- خلاف الظاهر.

الثالث: ما افاده جمع من المحققين، و هو: ان دليل السلطنة انما يدل علي ثبوت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 65

______________________________

السلطنة في موضوع المال، و لا يدل علي السلطنة علي اذهاب هذا الموضوع و ازالة السلطان.

و فيه: انه ان اريد بذلك انه يدل علي ثبوت السلطنة علي المال لا علي رفع هذه السلطنة،

فيرد عليه: ان هذا يتم في الاعراض، و لا يتم في البيع الذي حقيقته اعطاء المال للغير، و لازمه رفع السلطنة عن نفسه،

و ان اريد به ان الظاهر من الحديث التسلط علي التصرفات في موضوع المال.

و بعبارة اخري: مع اضافة المال إليه، و اخراج المال عن الملك ليس منها كما هو واضح،

فيرد عليه: ان الظاهر من الحديث ثبوت السلطنة مع انحفاظ الاضافة حال السلطنة لا حال التصرف كما لا يخفي.

فالحق ان شيئا مما اورد علي الاستدلال بالنبوي ليس بوارد.

و ربما يستدل لمملكية المعاطاة بالآية الشريفة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و سيأتي تنقيح القول فيها عند ذكر ادلة اللزوم فانتظر.

و قد ظهر مما ذكرناه مدارك سائر الاقوال،

إذ من يقول بانها مفيدة للملك لكنها ليست بيعا يستند في عدم كونها بيعا الي ما تقدم في آية حل البيع، و في كونها معاملة مستقلة ممضاة الي عموم آية التجارة عن تراض.

و أما

من يقول باباحة التصرفات دون الملك فقد استند في الاباحة الي ما تقدم من السيرة، و الآية، و إلي عدم كونها مفيدة للملك بما سيمر عليك.

و أما من يقول بانها لا تفيد الملكية و لا الإباحة فقد استند الي ان الآيات انما هي في مقام امضاء المسببات، فلا نظر لها الي الاسباب، و السيرة اما غير ثابتة علي الاباحة أو غير مفيدة.

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 66

و منه يظهر ايضا عدم جواز التمسك به لما سيجي ء من شروط الصيغة، و كيف كان ففي الآيتين مع السيرة كفاية، اللهم الا يقال انهما لا تدلان علي الملك،

(1) و انما تدلان علي اباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطي و العتق و الايصاء و اباحة هذه التصرفات انما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات من الاجماع و عدم القول بالانفكاك دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم حيث اطلق القائلون بعدم الملك اباحة التصرفات،

و صرح في المسالك بأن من اجاز المعاطاة سوغ جميع التصرفات غاية الامر انه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف علي الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فان الجمع بين اباحة هذه التصرفات و بين توقفها علي الملك يحصل بالتزام هذا المقدار و لا يتوقف علي الالتزام بالملك من اول الأمر ليقال ان مرجع هذه الاباحة ايضا الي التمليك. و أما ثبوت السيرة و استمرارها علي التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة في الدين مما لا يحصي في عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم (2) كما لا يخفي

______________________________

(1) قوله اللهم الا ان يقال انهما لا تدلان علي الملك.

ضمير التثنية ترجع الي

الآيتين التين مفاد هما شي ء واحد، و السيرة و حاصل، ما يفيد و ان اشرنا إليه سابقا ان غاية ما يدل عليه هذه الادلة جواز التصرفات حتي المتوقفة علي الملك و استلزام ذلك لثبوت الملكية من اول الامر و عدم ملائمته مع الملكية قبل التصرف المذكور،

يتوقف علي ثبوت الملازمة عقلا أو شرعا، و لم يثبت تلك اما الملازمة الشرعية فلعدم الدليل عليها بل المشهور قائلون باباحة جميع التصرفات و لا يقولون بالملك من الاول و أما الملازمة العقلية فلان القدر اللازم بحكم العقل هو حصول الملك قبل التصرف المتوقف علي الملك و لو آنا

(2) و أما ثبوت السيرة و استمرارها علي التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قد مر الكلام علي ما افيد عند ذكر الادلة علي افادة الملكية للمعاطاة و اجبنا عن ذلك باجوبة ثلاثة فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 67

و دعوي انه لم يعلم من القائل بالاباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة علي الملك (1) كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و عدم جواز وطي الجارية المأخوذة بها. و قد صرح الشيخ رحمه الله بالاخير في معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية علي جوازها فيثبت الملك مدفوعة بأنه و ان لم يثبت ذلك الا انه لم يثبت ان كل من قال باباحة جميع هذه التصرفات قال: بالملك من اول الأمر فيجوز للفقيه حينئذ التزام اباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف علي الملك لا من اول الأمر فالأولي حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا (2) هذا

مع امكان اثبات صحة المعاطاة في الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتها و تتميمه في البيع بالاجماع المركب هذا مع ان ما ذكر من ان للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه.

______________________________

(1) قوله و دعوي انه لم يعلم من القائل بالاباحة جواز مثل هذه التصرفات حاصل هذه الدعوي ان انكار الملازمة الشرعية بين اباحة جميع التصرفات و الملكية الثابتة بالاجماع و غيره في المقام يبتني علي اختيار المشهور في المقام اباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك و هذا غير ثابت فلا وجه لإنكارها و حاصل رده قده ان الملازمة تحتاج الي دليل و مجرد عدم الدليل علي عدمها لا يكفي في ثبوتها.

(2) قوله بان المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا محصل ما ذكره قده ان الآية الشريفة تدل علي حلية جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك الا انها لا تدل علي مجرد ذلك بل علي حلية التصرفات المترتبة علي البيع، و مرجع ذلك الي حلية الاكل من هذا السبب، و لازم ذلك عرفا ثبوت الملكية،

كما ان اللازم العرفي لما تضمن حرمة الاكل عن سبب عدم الملكية كقوله عليه السلام ثمن العذرة سحت و بذلك يظهر ان ما افاده المحقق الايرواني من ان المصنف التجأ الي اختيار ما تأمل فيه اولا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 68

______________________________

غير تام- فان ما تأمل فيه هو كون المراد من حلية البيع في الآية الكريمة الحلية الوضعية فتدل الآية بالدلالة المطابقية علي ثبوت الملكية، و ما يختاره هو اراده الحلية التكليفية فتدبر

ادلة عدم افادة المعاطاة الملكية

و قد استدل لعدم افادتها الملكية بوجوه:

الأول: اصالة عدم الملك المعتضدة بالشهرة المحققة الي زمان المحقق الثاني.

و فيه: ان الأصل انما

يستند إليه مع عدم الدليل، و قد عرفت وجوده:

الثاني: الاجماع المدعي في الغنية و القواعد هنا و في المسالك في مسألة توقف الهبة علي الايجاب و القبول.

و فيه: اولا: ان الاجماع المنقول ليس بحجة.

و ثانيا: ان مدرك المجمعين معلوم.

الثالث: الخبر المروي عن النبي صلي الله عليه و آله الناهي عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة «1» بتقريب: انه يدل علي النهي عن انشاء البيع بهذه الافعال، و بضميمة عدم القول بالفصل يثبت ذلك في سائر الافعال، و حيث ان ظاهر النهي في امثال المقام الارشاد الي الفساد فيدل علي عدم صحة البيع المعاطاتي.

و فيه: اولا: انه نبوي عامي ضعيف و ثانيا: ان الظاهر منه- و لا اقل من المحتمل- النهي عن تعيين المبيع بهذه الافعال، و الوجه في البطلان حينئذ كونه بيعا غرريا لا النهي عن انشاء البيع بها.

و ثالثا: ان عدم القول بالفصل بين هذه الافعال و غيرها لم يثبت.

الرابع: قوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام. «2»

______________________________

(1) الوسائل باب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 13.

(2) الوسائل باب 8 من أبواب احكام العقود حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 69

______________________________

و فيه: انه سيأتي عند تعرض المصنف قدس سره لهذا الخبر بيان المراد منه، و ستعرف انه اجنبي عن ما استدل به له.

الخامس: جملة من النصوص «1» الخاصة المتضمنة لذكر الصيغة الواردة في بيع المصحف، و بيع اطنان القصب، و بيع الآبق مع الضميمة، و في المزارعة و في غيرها، ففي الموثق: لا تشتر كتاب الله و لكن اشتر الحديد و الجلود و قل: اشتري منك هذا بكذا و كذا.

و نحوه غيره.

و فيه: انه لا إشعار في

هذه النصوص بالاشتراط فضلا عن الدلالة، لورودها في مقام بيان احكام اخر لاشتراط الصيغة، و ليس لها مفهوم كي تدل علي عدم الصحة إذا كانت المعاملة بغير اللفظ.

فتحصل انه لا دليل علي عدم افادة المعاطاة الملكية، فالمتبع هو ما دل علي افادتها تلك.

كلام بعض الاساطين و ما يرد عليه

و الشيخ الكبير في شرحه علي القواعد ذكر محاذير للقول بافادة المعاطاة الاباحة قبل التصرف و التلف و الملكية بعد احدهما، و تلك المحاذير انما تكون علي قسمين:

احدهما: ما يرجع الي بطلان القول بافادة المعاطاة المقصود بها الملكية الاباحة، و هو الأول و الثالث مما عدده في كلامه ثانيهما ما يرجع الي بطلان القول بحدوث الملكية آنا ما قبل التصرف أو التلف.

______________________________

(1) الوسائل باب 30 من ابواب ما يكتسب به و باب 19 و 11 من أبواب

عقد البيع و شروطه و باب 8 من أبواب كتاب المزارعة و غيرها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 70

و لذا ذكر بعض الاساطين في شرحه علي القواعد في مقام الاستبعاد ان القول بالاباحة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك، و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة. منها ان العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود.

و منها ان يكون ارادة التصرف من المملكات فيملك العين أو المنفعة بارادة التصرف بهما أو معه دفعة و ان لم يخطر ببال المالك الأول الأذن في شي ء من هذه التصرفات لأنه قاصد للنقل من حيث الدفع لأنه لا سلطان له بعد ذلك بخلاف من قال اعتق عبدك عني و تصدق بمالي عنك.

و منها ان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاصة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا يتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله و

عدم التصرف فيه أو عدم العلم به فينفي بالاصل، فتكون متعلقة بغير الاملاك و ان صفة الغني و الفقر تترتب عليه كذلك فيصير ما ليس من الاملاك بحكم الأملاك. و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا الي غرابة استناد الملك الي التصرف.

و منها جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الآخر و التلف من الجانبين مع التفريط معينا للمسمي من الطرفين و لا رجوع الي قيمة المثل حتي يكون له الرجوع بالتفاوت، و مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها فالقول بانه المطالب لانه تملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب و القول بعدم الملك بعيدا جدا مع ان في التلف القهري ان ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه بعيد لعدم قابليته، و بعده ملك معدم و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين.

و منها ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف علي النية فهو بعيد و ان اوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطئا بالشبهة، و الجاني عليه و المتلف له «1» جانيا علي مال الغير و متلفا له.

و منها ان النماء الحادث قبل التصرف ان جعلنا حدوثه مملكا له دون العين فبعيدا و معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الاكثر و شمول الاذن له خفي

______________________________

(1) تذكير الضمير في عليه و له باعتبار المأخوذ بالمعاطاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 71

و منها قصر التمليك علي التصرف مع الاستناد فيه الي اذن المالك فيه اذن في التمليك فيرجع الي كون المتصرف في تمليكه نفسه موجبا قابلا، و ذلك جار في القبض بل هو اولي منه لاقترانه

بقصد التمليك دونه، انتهي. و المقصود من ذلك كله استبعاد هذا القول لا ان الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الاصول و العمومات إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء. اما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود. (1) ففيها اولا ان المعاطاة ليست عند القائل بالاباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقامها شرعا فان تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه انما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعني ترتب الاثر المقصود عليه، فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه. (2) اما المعاملات الفعلية التي لم يدل علي صحتها دليل فلا يحكم بترتب الاثر المقصود عليها، كما نبه عليه الشهيد في كلامه المتقدم من ان السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات. نعم إذا دل الدليل علي ترتب اثر عليه حكم به و ان لم يكن مقصودا.

______________________________

و كيف كان: فمن جملة المحاذير التي ذكرها:

(1) ان لازم ذلك ان العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود: و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك بجوابين:

الأول: الجواب الحلي

(2) و حاصله: ان التبعية المزبورة انما هي في العقود الصحيحة، إذ لا يعقل صحة العقد مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه، و أما العقد الفاسد فعدم ترتب الاثر المقصود عليه لا محذور فيه بل لا معني للفساد الا ذلك، و أما ترتب شي ء آخر عليه بتعبد من الشارع فلا ينافي شيئا من القواعد،

و المقام كذلك، فان القوم قائلون بعدم كون المعاطاة بيعا صحيحا، فلا تترتب عليها الملكية و ان قصد بها تلك و انما تترتب عليها الاباحة الشرعية لا المالكية بتعبد من الشارع المستكشف من السيرة

و غيرها، و ليس ذلك تسبيبا بالعقود و لا مضمونها حتي يقال وقع بالعقد ما لم يقصد،

فما قصد و ان لم يقع الا انه لا محذور فيه لان لازم الفساد ذلك، و ما وقع و ان لم يقصد الا انه لم يقع بالعقد حتي يقال انه وقع ما لم يقصد بل انما هو حكم شرعي:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 72

و ثانيا ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير، فانهم اطبقوا علي ان عقد المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الفاسد، الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه مع انها لم يقصد الا ضمان كل منهما بالآخر (1) و توهم ان دليلهم علي ذلك قاعدة اليد مدفوع بأنه لم يذكر هذا الوجه الا بعضهم معطوفا علي الوجه الأول و هو اقدامها علي الضمان فلاحظ المسالك و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة الا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء (2)

______________________________

و بهذا البيان ظهر اندفاع ما اورده السيد الفقيه و المحقق النائيني قدس سره عليه بان تبعية العقد للقصد مشتركة بين العقود و المعاملات الفعلية و ليست حكما تعبديا كي تختص بمورد دون آخر.

وجه الاندفاع: ان المصنف قدس سره لم يدع انه لا محذور في تخلف العقد عن القصد في المعاملات الفعلية بل ادعي انه لا يلزم ذلك. فتدبر فيما ذكرناه.

الجواب الثاني: النقض، و هو ان التخلف في المقام انما يكون نظير التخلف في الموارد الخمسة، يعني ليس تخلفا حقيقة لا انه تخلف جائز.

(1) المورد الاول: ان الاصحاب اتفقوا علي ان المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الفاسد عندهم الضمان فيما يقتضيه صحيحه، مع

انهما يقصدا الاضمان كل منهما بالآخر.

و فيه: ان السبب للضمان في هذا المورد ليس هو العقد بل القبض كان الوجه فيه الاقدام ام قاعدة اليد، فما لم قصد به الضمان بالمسمي هو العقد، و ما ترتب عليه الضمان بالقيمة هو القبض، فلا يكون نظيرا للمقام.

(2) المورد الثاني: الشرط الفاسد، فانه لم يقصد المعاملة الا مقرونة به، و هو غير مفسد عند اكثر القدماء.

و فيه: ان مبني عدم مفسديته عدم تقييد البيع به، و كون الشرط التزاما في التزام،

بمعني ربط الالتزام العقدي بالالتزام الشرطي، و لازم ذلك ان تخلفه يوجب الخيار لا البطلان، فلا يلزم من ذلك تخلف العقد عن القصد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 73

و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل (1) و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع اجازته علي قول كثير (2) و ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما علي قول نسبه في المسالك و كشف اللثام الي المشهور. (3)

نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه ان التخلف عن القصود يحتاج الي الدليل المخرج عن ادلة صحة العقود، و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للاصل. و أما ما

______________________________

(1) المورد الثالث: انه لو باع ما يملك و ما لا يملك بعقد واحد فانهم التزموا بوقوع بيع ما يملك و صحته مع انه لم يقصد الا بيعه مقرونا بما لا يملك.

و فيه: ان مدرك صحته انحلال العقد عليهما الي عقدين، و عليه فاحدهما صحيح و لم يتخلف عن القصد، و ثانيهما باطل اي ما قصد لا يقع و لا يقع ما لم يقصد حتي يلزم المحذور المذكور.

(2) المورد الرابع: بيع الغاصب لنفسه، فانه إذا اجازه

المالك يقع للمالك مع ان الغاصب قصد وقوعه لنفسه.

و فيه: ان منشأ الصحة علي المشهور ان الغاصب يوقع البيع للمالك غاية الأمر يبني علي انه المالك، فالتخلف انما يكون في هذا الاعتقاد المقارن لا في العقد. و تمام الكلام في محله.

(3) المورد الخامس: إذا قصد بالصيغة في النكاح الانقطاع و ترك ذكر الاجل فانهم حكموا بوقوعه دائما، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

و فيه: انهم التزموا بان النكاح حقيقة واحدة، و الفرق بين الدوام و الانقطاع هو الفرق بين المطلق و المشروط بشي ء، و عليه فحيث ان النكاح من الانشائيات فإذا ترك ذكر الأجل لا تتحقق الخصوصية الزائدة لعدم انشائها و انما يقع المطلق لقصده و انشائه و الانصاف: ان شيئا مما ذكرناه ليس ايرادا علي المصنف قدس سره، لانه ليس بصدد بيان موارد تخلف العقد عن القصد بل في مقام بيان ان مثل هذا التخلف الذي هو تخلف صوري لا حقيقي واقع كثيرا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 74

ذكره من لزوم كون ارادة التصرف مملكا (1) فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضي الجمع بين الأصل و دليل جواز التصرف المطلق و ادلة توقف بعض التصرفات علي الملك (2) فيكون كتصرف ذي الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطي و البيع و العتق و شبهها.

______________________________

(1) و منها ان تكون ارادة التصرفات من المملكات القهرية الموجبة لحصول الملكية قبل التصرف أو معه بنحو تكون الارادة سببا لها، و هذا مناف لدليل سلطنة المالك،

و لا يقاس باعتق عبدك عني و تصدق بمالي عنك، فانه في هذين الموردين توكيل في التمليك، و التملك قبل التصرف، و هذا بخلاف المقام فان كلا من المتعاطيين يقصد الملك حال

التعاطي و لا يقصد الملك حال التصرف.

(2) و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك: بان مقتضي الجمع بين دليل توقف بعض التصرفات علي الملك، و دليل جواز التصرف المطلق، و استصحاب بقاء الملك الي آن قبل التصرف، هو ذلك، اي حصول الملك بعد ارادة التصرف، و يكون كتصرف ذي الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالتصرف المتوقف علي الملك.

و يرد عليه امران:

الأول: ان غرض الشيخ الكبير قدس سره ليس عدم الدليل علي مملكية ارادة التصرف كي يصح الجواب عنه بان مقتضي الجمع بين القواعد ذلك، إذ لا يعتبر في الدليل علي السببية ورود دليل بالخصوص، بل غرضه ان القول بذلك غريب لا نظير له في الفقه، فلا ينفع هذا الجواب.

الثاني: ان تنظير المقام بتصرف الواهب و ذي الخيار في غير محله، فان في ذينك البابين الواهب و من له الخيار يقصدان الفسخ و الرجوع بالتصرف و لهما ذلك، فالتصرف بنفسه يكون رجوعا أو كاشفا عنه، و هذا بخلاف المقام فانه ليس هناك قصد التمليك و التملك علي الفرض، فيقال كيف تكون ارادة التصرف مملكة مع عدم قصد الملكية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 75

و أما ما ذكره من تعلق الاخماس و الزكوات الي آخر ما ذكره فهو استبعاد محض و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها (1) مع ان تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغني المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان علي الملك.

______________________________

و أما الايراد علي المصنف قدس سره كما ذكره المحقق النائيني بانه ليس فيما ينقل عن الشيخ الكبير كون ارادة التصرف من المملكات بل انه جعل محط الاشكال كون نفس التصرف ملكا،

فغير صحيح، فان ما نقله الشيخ قدس سره كالصريح فيما استفاده منه و

لعل المحقق النائيني لاحظ شرح القواعد و لم يجده موافقا لما ذكره المصنف قدس سره.

و الحق في الجواب عما ذكره الشيخ الكبير ان يقال: انه يمكن ان يلتزم المشهور بان السبب للملكية هي المعاطاة، و انما يكون التصرف أو ارادته شرطا للملكية نظير القبض الذي هو شرط لحصولها في بيع الصرف.

و منها: ان يصير ما ليس من الاملاك بحكم الاملاك، فان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و غيرها مما هو مترتب علي الا ملاك تتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه. و اجاب المصنف قدس سره عنه بقوله:

(1) و أما ما ذكره من تعلق الاخماس و الزكوات الي آخر ما ذكره فهو استبعاد محض و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها.

و هذا يحتمل معنيين:

احدهما: ان تعلق هذه الامور بالمأخوذ بالمعاطاة مع عدم الملك لا مانع منه سوي الاستبعاد فيلتزم به. و دفعه بمخالفته للسيرة حيث ان بناء المتشرعة علي المعاملة مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملكية بحيث لو سألوا عن وجه تعلق المذكورات به اجابوا بكونه كسائر الا ملاك، رجوع الي الاستدلال بالسيرة علي الملك، و المفروض عدم تماميته عند هذا القائل و الا لالتزم بالملك.

ثانيهما: ان الالتزام بعدم تعلقها به لا محذور فيه سوي الاستبعاد، و دفعه بقيام السيرة علي التعلق، رجوع إليها، فيخصص بها ما دل علي عدم تعلقها بغير الا ملاك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 76

و أما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه. (1)

______________________________

و الظاهر هو الأول، لان كاشف الغطاء استبعد التعلق كما لا يخفي.

و فيه: ان هذا الجواب لا يفيد في دفع ما افاده الشيخ الكبير، فانه يقول: لا كلام في تعلق

هذه الامور بالمأخوذ بالمعاطاة، و المفروض انه ليس بملك، فيلزم ان يكون غير الملك، بحكم الملك و هذا في نفسه بعيد لا انه لا دليل عليه.

و الحق ان يقال: انه لو كان اشكال و استبعاد فانما هو في الاخماس و الزكوات و حق الشفعة، و أما سائر المذكورات كالاستطاعة و حق الديان و النفقات و غيرها فتتعلق بغير الا ملاك لتحقق الاستطاعة بالبذل و الاباحة، و الدين يجب اداؤه من مال اذن صاحبه في الاداء منه إذا كان حالا، و النفقة واجبة من مال يجوز له الانفاق منه، و الوارث يرث من الميت كل ما تركه من حق أو مال، مع انه يمكن الالتزام علي هذا المسلك بمالكية المورث آنا ما قبل الموت، و تصح الوصية ايضا، و الربا يجري في البيع و ان لم يفد الملك و هكذا البقية.

و أما تعلق الخمس و الزكاة و حق الشفعة، و المراد به ان المباح له بالمعاطاة له الاخذ بالشفعة لو باع شريكه المالك به،

فان ثبت بدليل فيكون هو المخصص لما دل علي توقفه علي الملك، لكن يبقي استبعاد الشيخ بحاله، و الا فالقائلون بالاباحة منكرون للتعلق.

و منها: كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر.

(1) و اجاب المصنف عنه بقوله ظهر جوابه و لكن الجواب المتقدم الذي ذكره عن مملكية التصرف من انه مقتضي الجمع بين القواعد لا يكفي في المقام لانه يقتضي مالكية المتصرف لما في يده تصحيحا لتصرفه المتوقف علي الملك، و لا يقتضي مالكية غير المتصرف، نعم الجواب الذي ذكرناه يكون جوابا عن هذا الايراد ايضا كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 77

و أما كون التلف مملكا للجانبين، فان ثبت باجماع أو سيرة

(1) كما هو الظاهر كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه في يد كل منهما من ماله مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع لأن هذا هو مقتضي الجمع بين هذا الاجماع و بين عموم علي اليد ما أخذت و بين اصالة عدم الملك الا في الزمان المتيقن بوقوعه فيه توضيحه ان الإجماع لما دل علي عدم ضمانه بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد رعاية لعموم علي اليد ما اخذت فذلك الاجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه فإذا قدر التلف من مال ذي اليد، فلا بد من ان يقدر في آخر ازمنة امكان تقديره رعاية لأصالة عدم حدوث الملكية قبله كما يقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد.

______________________________

و منها: كون التلف من جانب مملكا للجانب الآخر و التلف من الجانبين معينا للمسمي من الطرفين، و انه لا رجوع بالمثل أو القيمة.

(1) و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك بقوله: و أما كون التلف مملكا للجانبين فان ثبت الي آخر ما ذكره.

توضيحه: ان مقتضي عموم علي اليد «1» و ان كان هو الضمان ببدله الواقعي، الا انه لما قام الاجماع علي عدم ضمان المثل و القيمة، يدور الأمر بين ان يكون المال قبل التلف ملكا لذي اليد فيبقي عموم علي اليد علي حاله، و بين ان يكون باقيا علي ملك مالكه الأول فيكون الاجماع و السيرة مخصصين لعموم علي اليد، و قد ثبت في محله ان التخصص مقدم علي التخصيص عند الدوران، و عليه فلاجل ذلك- بضميمة استصحاب عدم الملك الي آن

قبل التلف- يحكم بحصوله قبله آنا ما هذا هو مراده قده لاما افاده بعضهم من ان غرضه ثبوت مملكية التلف بالاجماع و السيرة:

و لكن يرد علي المصنف قدس سره امران:

الأول: ان اليد في المقام يد امانية شرعية أو مالكية و لا تكون مشمولة لقاعدة علي اليد علي التقديرين.

الثاني: ان التمسك بالعموم- اي تقديم التخصص علي التخصيص- انما هو

______________________________

(1) سنن البيهقي، ج 16، ص 90، كنز العمال، ج 5، ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 78

و أما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة (1) فالظاهر علي القول بالاباحة ان لكل منهما المطالبة ما دام باقيا (2) و إذا تلف فظاهر اطلاقهم التملك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه (3) نعم لو لا قام اجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.

______________________________

فيما إذا لم يكن الحكم معلوما، و أما إذا علم ذلك و شك في كون ما علم عدم ثبوت حكم العام له من افراد العام كي يكون ذلك تخصيصا أو غيره فلا مورد للتمسك باصالة العموم حفظا للعام عن ورود التخصيص عليه.

فالحق في الجواب عن الشيخ الكبير: انه في صورة التلف من الجانبين لا ضمان لعدم المقتضي، مع انه يمكن الالتزام بمالكية كل منهما قبل التلف، و في صورة التلف من جانب واحد انما يكون الطرف الآخر مالكا لما في يده بسبب المعاطاة المشروط تأثيرها في الملكية عندهم بالتصرف المتوقف علي الملك أو التلف.

(1) و منها: انه لو غصب المأخوذ بالمعاطاة غاصب، فلا بد و ان يكون المطالب هو المالك المبيح لا المباح له، و هو خلاف ظاهر الاصحاب، و القول بتملكه بالغصب، فيكون حق المطالبة له من هذه الجهة بعيد.

(2) و

اجاب المصنف قدس سره عنه: بان لكل منهما المطالبة ما لم يتلف، ما المالك فلمالكيته، و أما المباح له فلفرض ان له السلطان علي المأخوذ، و الانتزاع من الغاصب من مراتب السلطنة.

(3) و أما في صورة التلف فالمطالب للقيمة هو المباح له لصيرورته مالكا بالتلف.

و يرد علي المصنف قدس سره: ان المالك بعد كون عوض المال تحت يده ليس له حق المطالبة و الا لزم الجمع بين العوض و المعوض.

و منها: ان النماء الحادث قبل التصرف ان جعلناه ملكا للمباح له دون العين فبعيد،

أو مع ملكية العين فكذلك، و كلاهما مناف لظاهر الاكثر، و مع عدم كونه ملكا له و دخوله في ملك المالك- حيث ان شمول الاذن له خفي- فلازمه عدم جواز التصرف فيه، و هو خلاف السيرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 79

و أما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي عن بعض ان القائل بالاباحة لا يقول بانتقال النماء بالأخذ بل حكمه حكم اصله، و يحتمل ان يحدث النماء في ملكه بمجرد الاباحة (1) ثمّ انك مما ذكرنا تقدر علي التخلص عن سائر ما ذكره مع انه رحمه الله لم يذكرها للاعتماد و الانصاف انها استبعادات في محلها.

و بالجملة فالخروج عن اصالة عدم الملك المعتضدة بالشهرة المحققة الي زمان المحقق الثاني و بالاتفاق المدعي في الغنية و القواعد هنا و في المسالك في مسألة توقف الهبة علي الايجاب و القبول مشكل و رفع اليد عن عموم ادلة البيع،

و الهبة و نحوهما المعتضدة بالسيرة القطعية المستمرة و بدعوي الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني بناء علي تأويله لكلمات القائلين بالاباحة اشكل،

______________________________

(1) و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك: بان القائل بالاباحة لا يقول بانتقال النماء

بالاخذ، بل حكمه حكم اصله، و يحتمل ان يحدث النماء في ملكه بمجرد الاباحة.

و فيه: ان الاحتمال الاول هو الذي اجاب عنه الشيخ الكبير بان شمول الاذن له خفي، و أما الاحتمال الثاني فهو الذي استبعده.

و لكن يمكن الجواب عنه: بان الاباحة الثانية اباحة شرعية لا المالكية، فلا تتوقف علي الاذن.

و منها: انه في التلف، ان ملك التالف قبل التلف فعجيب للزوم تقدم المسبب علي السبب، و ان ملكه معه فبعيد، لانه لا استقرار له حتي يملكه، و ان ملكه بعده فهو ملك المعدوم.

و فيه: انه يلتزم بالأول و يقال بتأثير المعاطاة في الملكية و شرطها التلف بنحو الشرط المتأخر، أو يقال بكونه كاشفا عن السبب.

و منها: ان التصرف ان لم يتوقف علي النية فهو بعيد، و ان توقف عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطئا بالشبهة.

و فيه: انه بنفسه شرط التأثير في الملكية لامع النية، فلا بعد فيه، مع انه لو توقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 80

فالقول الثاني لا يخلو عن قوة و عليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا (1) كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه الله أو بشرط كون الدال علي التراضي لفظا كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني و قواه جماعة من متأخري المحدثين أو هي غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع في ماله كما عليه اكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت

______________________________

عليها كان الواطئ للجارية من غيرها زانيا لا واطئا بالشبهة.

و منها: قصر التمليك علي التصرف مع الاستناد فيه الي ان اذن المالك في التصرف اذن في تمليك نفسه، فيتحد الموجب و القابل.

و هذا بعينه يجري في القبض الذي هو اول تصرف يصدر من المتعاطيين، بل هو اولي

لكونه مقرونا بقصد التمليك دونه.

و فيه: اولا: ان حصول الملكية قبل التصرف أو معه ليس من حيث الاذن في تمليك نفسه بل هو بنفسه مملك.

و ثانيا: ان هذا لا يجري في القبض لعدم توقفه علي الملك كي يقتضي الجمع بين الادلة حصول الملكية قبله أو معه.

و ثالثا: انه لو كانت مملكية التصرف من باب الاذن في التمليك فلم لا يلتزم بحصول الملكية بالتعاطي، إذ لا فرق بين هذا الفعل الذي ينشأ به التمليك و غيره؟ و لكن الانصاف ان ما افاده الشيخ الكبير جملة منه استبعادات في محلها، و قد مر ان القول بالاباحة مما لا يمكن اثباته بالدليل، و انه يقتضي القول بالملك. فراجع.

اصالة اللزوم [و أدلتها]
- استصحاب بقاء الملك

(1) قوله فهل هي لازمة ابتداء مطلقا هذا هو المورد الثاني: و هو ان الملك الحاصل بالمعاطاة لازم ام جائز؟ و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأول: فيما استدل به للزوم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 81

وجوه اوفقها بالقواعد هو الاول بناء علي اصالة اللزوم في الملك للشك في زواله (1) بمجرد رجوع مالكه الاصلي، و دعوي ان الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر و المفروض انتفاء الفرد الأول بعد الرجوع، و الفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من اول الأمر فلا ينفع الاستصحاب (2) بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأول (3) مدفوعة مضافا الي امكان دعوي كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب (4) فتأمل.

______________________________

و قد استدل للزوم بامور.

احدها استصحاب بقاء الملك بعد الفسخ للشك في زواله بعد القطع بوجوده فيستصحب بقائه، و إليه اشار المصنف بقوله.

(1) بناء علي اصالة اللزوم في الملك للشك في زواله.

و اورد عليه بايرادين.

(2) الاول: انه من قبيل استصحاب الكلي في القسم الثاني و

هو لا يجري، لان الفرد القصير، و هو الملك المتزلزل، مقطوع الارتفاع بعد الرجوع، و الملك اللازم مشكوك الحدوث فيجري استصحاب عدم حدوثه.

(3) الثاني: ان هذا الاصل محكوم باستصحاب علقة المالك الاول.

و المصنف قدس سره لم يتعرض في المقام للجواب عن الاول و اجاب عن الثاني.

(4) اولا بان الاستصحاب يجري في القسم الثاني من اقسام الكلي.

و ثانيا: بان استصحاب بقاء الملك من قبيل استصحاب الشخص لا الكلي، و علله بما سيمر عليك.

و علي فرض الشك في كون المستصحب شخصيا ام كليا يجري الاصل و ان كان علي فرض ثبوت كونه كليا لا يجري فيه الاصل.

تحقيق القول في المقام يقتضي البحث في مواضع:

الأول: في ان الملك المستصحب في المقام هل هو كلي أو شخصي؟ بمعني انه القدر المشترك الجامع بين الملك المتزلزل و المستقر، أو هو شخص معين لعدم كون الجواز و اللزوم من الامور المنوعة أو المفردة؟ الثاني: في انه لو ثبت كونه شخصيا هل يجري الأصل فيه ام لا، و لو ثبت كونه كليا فهل يجري فيه الاصل ام لا، و لو شك في ذلك فهل يكون مجري الاستصحاب ام لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 82

بان انقسام الملك الي المتزلزل و المستقر، ليس باعتبار اختلاف في حقيقته و انما هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الاصلي،

و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب (1) و يدل عليه مع انه يكفي في الاستصحاب الشك في ان اللزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملك و مع ان المحسوس بالوجدان. انشاء الملك

في الهبة اللازمة و غيرها علي نهج واحد (2) ان اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك فاما ان يكون تخصيص القدر المشترك باحدي الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع فان كان الأول كان اللازم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و قصد عدمه أو عدم قصده و هو بديهي البطلان إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع و عدمه و ان كان الثاني لزم امضاء الشارع العقد علي غير ما قصده المنشئ و هو باطل في العقود (3) لما تقدم ان العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود

______________________________

الثالث: في انه في المقام هل يكون اصل حاكم عليه.

و بعبارة اخري: هل يجري استصحاب بقاء علقة المالك الأول ام لا؟

(1) اما الموضع الاول: فالمصنف قدس سره ذهب الي ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب.

و استدل له بوجهين:

(2) احدهما: ان الملكية ليست من الامور الواقعية أو التعبدية الشرعية حتي يقال انا لا نعرف حقيقتها، بل هي امر اعتباري يعتبرها المتعاقدان و عليه فحيث نري بالوجدان و الحس ان انشاء الملك في البيع و الهبة علي نهج واحد فيستكشف من ذلك اتحاد حقيقة الملك.

(3) الثاني: ان اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك فاما ان يكون التخصص بجعل المالك أو الشارع.

فان كان الأول لزم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و عدمه، و هو بديهي البطلان لعدم دخل قصد المالك في الرجوع و عدمه.

و ان كان الثاني لزم امضاء الشارع العقد علي غير ما قصده المنشئ، و هو باطل في العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 83

و ان امكن القول بالتخلف هنا في مسألة المعاطاة بناء

علي ما ذكرنا سابقا انتصارا للقائل بعدم الملك من منع وجوب امضاء المعاملات الفعلية علي طبق قصود المتعاطيين،

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ما افاده السيد الفقيه في الحاشية، و هو: ان الظاهر ان الاختلاف بينهما اختلاف في حقيقتها، فان الملكية في انظار العرف قسمان، و انهم يرون الملكية الموجودة في الهبة مغايرة مع الموجودة في العقود اللازمة.

و فيه: انه بعد التوجه الي ان الملكية من الامور الاعتبارية و يعتبرها المالك لغيره،

لا يشك احد في ان المعتبر في الموردين شي ء واحد، و ان الاختلاف انما هو من ناحية الحكم الشرعي بجواز الفسخ و الرجوع في مورد دون آخر.

الثاني: ما افاده ايضا فيها، و هو: ان اختلاف السبب إذا لم يكن موجبا لاختلاف المسبب لا يكون مقتضيا لاختلاف الاحكام.

و فيه: ان المصنف قدس سره يدعي ان اللزوم و الجواز من احكام السبب نفسه لا من احكام المسبب، فلا وجه لهذا الايراد.

الثالث: ما افاده قده ايضا و تبعه المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه علي فرض اتحاد الحقيقة يكفي في الاشكال التعدد الفردي كما في الحيوان المردد بين زيد و عمرو في الدار إذا كان قاطعا بخروج احدهما المعين.

و فيه: ان المصنف قدس سره يدعي عدم التعدد الفردي ايضا و ان الملك لا يختلف في الحقيقة النوعية و لا في الخصوصية الزائدة علي الحقيقة، فالمتيقن هو الملك الشخصي المتعين من جميع الجهات حتي من جهة السبب اي المعاطاة، و انما الشك في ان هذا الشخص هل يكون سببه محكوما باللزوم أو الجواز، فهو نظير ما لو علم بدخول زيد في الدار و شك في خروجه من جهة الشك في انه هل دخل فيها بانيا علي البقاء الي ساعة

أو الي ساعتين.

الرابع: ما افاده السيد ايضا ايرادا علي الوجه الثاني الذي ذكره المصنف قدس سره برهانا لمختاره، و هو: ان التخصيص بالنسبة الي النوعين من المعاملة كالبيع و الهبة مثلا انما يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 84

لكن الكلام في قاعدة اللزوم في الملك تشمل العقود ايضا.

______________________________

من قبل المتعاقدين، و بالنسبة الي النوع الواحد كالبيع انما يكون من قبل الشارع و لا بأس بامضاء الشارع علي غير ما قصده المنشئ، فان هذا المقدار من الاختلاف مغتفر.

و فيه: ان لازم ما افاده في القسم الأول دوران اللزوم و الجواز في النوعين مدار قصد المنشئ، و هو بديهي الفساد.

و أما ما ذكره في القسم الثاني فيرد عليه: ان المصنف لا يدعي استحالة امضاء الشارع علي غير ما قصده المنشئ، بل يدعي انه إذا لم يرد دليل الا علي امضاء ما انشأه المتعاقدان كان لازم ذلك وقوع المنشأ علي نحو ما قصداه، و هذا امر بديهي.

الخامس: ان اختلاف السبب مستلزم لاختلاف المسبب، إذ المتباينان لا يعقل تأثيرهما في شي ء واحد.

و فيه: ان المؤثر في الملك انما هو الجامع بين السببين، و الاختلاف انما يكون في خصوصيات السبب المؤثر في اللزوم و الجواز.

فتحصل: ان شيئا مما اورد علي المصنف قدس سره لا يرد عليه.

و يشهد لعدم كونهما من مقومات الملك و عدم كون الاختلاف بينهما في حقيقة الملك- مضافا الي ما ذكره المصنف قدس سره-: وجهان آخران.

احدهما: انه يلزم ان لو انشأ الملكية و لم يقصد اللزوم أو الجواز- و لو بالقصد الي الملكية التي من شأنها ذلك- ان لا تقع الملكية، إذ الجامع لا يعقل وجوده بدون الفصل المميز.

الثاني: انه لو كانا من مقوماتها لزم امتناع معروضية الملكية

الواحدة تارة للزوم و اخري للجواز مع وضوح خلافه، فان المبيع المنشأ باللفظ تكون الملكية الحاصلة منه في زمان الخيار جائزة و بعده لازمة.

و بما ذكر كما ظهر ان الملكية ليست نوعين، كذلك ظهر انها ليست ذات مراتب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 85

______________________________

و ان الملك الجائز و اللازم ليسا فردين من الملك، نعم لا ننكر ان الاحكام الشرعية التكليفية و الوضعية تابعة للملاكات و لازم ذلك ان الملك المتخصص بكونه عن سبب تقتضي المصلحة الحكم عليه أو علي سببه باللزوم تارة و بالجواز اخري، و لكن مثل هذه الخصوصية لا يعقل ان تكون من مفردات الملك الاعتباري كما لا يخفي.

فتحصل مما ذكرناه: ان الجواز و اللزوم حكمان شرعيان جعلا للسبب أو للمسبب لا يعقل ان يكونا من مقومات الملك و قيوده، و الا لزم تقدم ما هو متأخر، فالملك في الموردين شي ء واحد.

و أما الموضع الثاني: فالكلام فيه يقع في جهات:

الأولي: إذا كان الملك في الموردين شيئا واحدا فعلي القول بجريان الاستصحاب في الاحكام لا كلام في جريان هذا الأصل.

و أما علي القول بعدم جريانه فيها فقد يقال بعدم جريانه فيه لكونه من الاحكام.

و لكن يمكن ان يقال: ان الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الاحكام انما هو محكوميته لاستصحاب عدم الجعل كما حققناه في محله، و عليه ففي المقام بما ان جعل الملكية المستمرة مما لا شك فيه، و انما يكون منشأ الشك في بقاء الملك بعد الفسخ و الرجوع الشك في جعل حق الفسخ و الرجوع و الأصل يقتضي عدمه.

فاستصحاب عدم جعل الحكم بنحو يكون باقيا في زمان الشك الجاري في سائر المقامات- كما لو شك في جعل وجوب صلاة الجمعة في زمان

الحضور خاصة ام الي يوم القيامة، فانه يجري فيه اصالة عدم جعل الوجوب لها في زمان الغيبة الحاكم علي استصحاب بقاء الحكم.

لا يجري في المقام، و علي ذلك فمقتضي الأصل بقاء الملكية.

الجهة الثانية: بناء علي تعدد الملك اللازم و الجائز، هل يجري استصحاب بقاء القدر المشترك بينهما ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 86

______________________________

المصنف قدس سره في الأصول اختار جريان استصحاب الكلي في امثال المقام- اي القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي- و لكن في المقام بعد ما اشار الي مختاره قال:

فتأمل، و قد صار هذا الأمر بالتأمل سببا للايراد علي هذا الأصل بايرادات.

و حيث ان بعضها ايراد علي جريان الأصل في هذا القسم مطلقا فقد اغمضنا عن ذكره، لأن محله في الاصول و قد اشبعنا الكلام فيه في زبدة الاصول.

و بعضها ايراد علي جريانه في خصوص المقام.

و هو امور:

الأول: ما عن المحقق الخراساني قدس سره و هو: ان الشك في بقاء الكلي في المقام من قبيل الشك في المقتضي، حيث انه يشك في ان الملك الحادث بالمعاطاة هل هو لازم يكون فيه اقتضاء البقاء حتي بعد الفسخ، ام يكون جائزا لا يكون فيه اقتضاء البقاء بعده،

فيكون نظير الحيوان المردد بين الفيل و البق.

و فيه: ان الشك في المقتضي الذي ذهب المصنف قدس سره في الاصول الي عدم جريان الاستصحاب فيه هو ما إذا كان عمر المستصحب و امده في عمود الزمان مشكوكا فيه تكوينا أو تشريعا، كالزوجية المرددة بين الانقطاع و الدوام، و الحيوان المردد بين البق و الفيل، و أما إذا كان عمره معلوما و انه غير محدود بالزمان و كان الشك في رفعه- و لو كان منشأ الشك الشك في وجود المصلحة

الداعية في الامور الاعتبارية- فهو من الشك في الرافع. و تمام الكلام في محله.

و المقام من قبيل الثاني، إذ الملكية الحاصلة بالمعاطاة كانت لازمة أو جائزة تكون باقية في عمود الزمان، و انما الشك في رفعه بالفسخ.

الثاني: ان الأصل المزبور لا يثبت عنوان اللزوم.

و فيه: ان الآثار مترتبة علي الملكية الجامعة لا علي عنوان اللزوم، فلا حاجة الي اثباته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 87

______________________________

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره و هو: ان استصحاب الكلي انما يجري إذا كان له مع قطع النظر عن الارتفاع و البقاء نوعان: كالحدث المردد بين الأصغر و الأكبر، و أما في المقام فلا اختلاف في الملك الا بنفس الارتفاع و البقاء، إذ لو ارتفع بالفسخ فهو جائز، و لو بقي بعد فهو لازم، فإذا كان تنوعه بنفس اللزوم و الجواز- اي البقاء و الارتفاع- فلا يجري الاستصحاب فيه، إذ معني استصحاب الملك حينئذ هو استصحاب الملك الباقي- اي اللازم- و هو علي الفرض مشكوك الحدوث.

و مرجع هذا الاشكال في الحقيقة الي أن النوعين من الملك متباينان بتمام هويتهما، و في كل منهما أحد ركني الاستصحاب منتف، إذ الملك الجائز مقطوع الارتفاع،

و اللازم مشكوك الحدوث من الأول.

و فيه: ان تنوع الملك ليس باللزوم و الجواز، بل هما علي هذا المسلك قسمان من الملك، و يمتاز كل منهما عن الآخر، مع قطع النظر عن البقاء و الارتفاع، غاية الأمر ليس لكل منهما اسم خاص، و الا فلا فرق بين الملك و الحدث، فكما ان الثاني ينقسم الي الأصغر و الأكبر و الكاشف عن الاختلاف الاختلاف في الأثر، كذلك الأول فتدبر.

فالحق ان يقال: ان استصحاب بقاء الكلي في القسم الثاني انما يجري

في الموضوعات من جهة ان استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل لا يترتب عليه عدم الكلي، لعدم كون الترتب شرعيا، و ليس بقاء الكلي فيها عين بقاء الفرد، فان ذلك و ان تم في عالم العين الا انه لا يتم في عالم الاعتبار و التشريع كما فصل ذلك في محله.

و لا يكون جاريا في الاحكام من جهة ان جعل الجامع فيها انما يكون بجعل الفرد.

فلو علم بعدم وجود فرد، و كان مقتضي الاصل عدم وجود الفرد الآخر لا يكون الشك في بقاء الكلي باقيا، إذ لا وجود له سوي وجود الفرد و المقام من قبيل الثاني، فان الملكية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 88

و بالجملة فلا اشكال في اصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا،

و كذا لو شك في ان الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز (1) كالصلح من دون عوض و الهبة

______________________________

انما هي من الاعتبارات الشرعية، فإذا فرضنا العلم بارتفاع الملك الجائز علي فرض حدوثه، و جرت اصالة عدم حدوث الملك اللازم، ثبت من ذلك عدم بقاء الملك الجامع بينهما.

لا يقال: ان استصحاب عدم حدوث الملك اللازم يعارض استصحاب عدم حدوث الملك الجائز فيتساقطان فيرجع الي استصحاب بقاء القدر المشترك.

فانه يقال: أن الملك اللازم بما انه يترتب عليه جميع آثار الملك الجائز- غير ارتفاعه بالفسخ- فاستصحاب عدم حدوث الملك الجائز لعدم الاثر لا يجري، نعم لو كان يثبت به ان الحادث هو الملك اللازم كان جاريا، لكنه لا يثبت.

فتحصل: ان الأظهر عدم جريان استصحاب القدر المشترك في المقام.

و لعله الي هذا نظر المصنف قدس سره حيث امر بالتأمل، كما ان هذا هو مراد السيد الفقيه في حاشيته، فلا يرد عليه شي ء مما

اوردوه عليه.

و لا يخفي انه بناء علي ما اخترناه و حققناه في الاصول من جريان الأصل في الفرد المردد- من جهة ان الموجود و ان كان مرددا عندنا و لكن لا يضر ذلك بتيقن وجوده سابقا فيستصحب بقاء ذلك المتيقن سابقا.

لا مانع من استصحابه، و معه لا حاجة الي استصحاب بقاء القدر المشترك، إذ اثر القدر المشترك اثر لكل واحد من الفردين، فلا مانع من اجراء الاستصحاب في الشخص الواقعي المعلوم سابقا.

الجهة الثالثة: انه بناء علي عدم جريان الاستصحاب في الكلي في امثال المقام و جريانه في الشخصي، لو شك في ان الملك اللازم و الجائز قسمان ام هما شي ء واحد،

فهل يجري الاستصحاب فيه لو شك في زواله بالفسخ ام لا؟

(1) و المصنف قدس سره ذهب الي جريانه قال و كذا لو شك في ان الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز.

و اورد عليه السيد في الحاشية- و جمع من المحققين- بانه مع هذا الشك لا يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 89

______________________________

المستصحب محرزا فكيف يكون جاريا.

و لكن يمكن توجيه ما افاده المصنف قدس سره: بان عدم جريان الاستصحاب في الكلي في القسم الثاني انما يكون من جهة جريان اصالة عدم حدوث الفرد الطويل، و الا فمع عدم جريان الاصل فيه للتعارض أو لغيره لا ريب في جريان الاصل في الكلي.

و في المقام بما انه لم يحرز كون الملك اللازم فردا أو نوعا آخر لا تجري اصالة عدم حدوثه، و معه لا مانع من اجراء الأصل في الملك الموجود كان كليا ام شخصيا.

فتدبر فانه دقيق.

و أما الموضع الثالث: فقد قيل: انه يعارض هذا الأصل اصلان آخران، و هما مقدمان للحكومة.

احدهما: اصالة بقاء علقة المالك الأول،

فانه يشك في ان علقة المالك الأول هل انقطعت بالمرة بالمعاطاة، ام بقيت مرتبة ضعيفة منها اثرها جواز الرجوع فيستصحب بقائها- بعد كون قوة العلقة و ضعفها من مراتب شي ء واحد لا أنهما امران متباينان- فإذا جري هذا الأصل لا يبقي شك في بقاء الملك كي يستصحب، فان الشك في بقائه بعد الرجوع مسبب عن الشك في ثبوت هذا الحق و عدمه.

و فيه: ان العلقة الثابتة للمالك لم تكن الا الملكية، و بتبعها السلطنة علي التصرفات،

اما الملكية فهي قد زالت بالبيع و الا لزم اجتماع المالكين علي شي ء واحد- و لم يبق منها شي ء لعدم ثبوت المراتب لها- و أما السلطنة فهي تابعة للملكية فلا محالة تكون زائلة.

و دعوي ان للشخص سلطنة علي ماله و سلطنة علي تسليط الغير عليه حدوثا و بقاء و بالبيع زالت السلطنة عليه، و كذلك السلطنة علي تسليط الغير حدوثا، اما السلطنة علي تسليط الغير بقاء فهي مشكوكة الارتفاع فيستصحب بقاؤها، و نتيجة ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 90

نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة (1)

______________________________

جواز رفع سلطنة الغير بالفسخ.

مندفعة بان السلطنة علي رد الملك سلطنة جديدة ان ثبتت فانها تثبت في ظرف عدم الملك، فكيف تكون من آثار الملك.

فالحق ان حق الفسخ ان ثبت فهو حق حادث بعد زوال العلقة الاولية.

ثانيهما: استصحاب بقاء حق الفسخ الثابت في زمان ثبوت خيار المجلس، فانه يشك في زواله و بقائه بعد الافتراق، فيستصحب بقاؤه.

و فيه: ان ذلك الحق قد زال بالافتراق قطعا لقوله عليه السلام فإذا افترقا وجب البيع «1» فلو كان الحق باقيا فهو حق آخر مشكوك الحدوث تجري اصالة عدم ثبوته.

و الكلي الجامع بينهما لا يجري الاصل فيه لان الاستصحاب

حينئذ من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي، و المختار عندنا عدم جريان الأصل فيه الا إذا عد الفردان مرتبتين من شي ء واحد حتي فيما إذا احتمل حدوث الفرد الآخر مقارنا لحدوث الفرد الزائل قطعا.

مضافا الي انه من قبيل استصحاب الحكم الشرعي، و المختار عدم جريانه.

فتحصل مما ذكرناه: ان استصحاب بقاء الملك يجري و يحكم بواسطته باللزوم.

(1) قوله نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة و ذلك فيما إذا تعلق الغرض بتعيين السبب لا الملكية بعد الفسخ إذ لا أصل يعين الواقع في الخارج، و أما فيما إذا كان الغرض متعلقا ببقاء الملك بعد الفسخ و عدمه، فيكون مدعي اللزوم منكرا و مدعي الجواز مدعيا لموافقة قول المدعي للزوم للاصل.

دليل السلطنة

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الخيار، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 91

و يدل علي اللزوم مضافا الي ما ذكر عموم قولهم (قوله) الناس مسلطون علي اموالهم (1) فان مقتضي السلطنة ان لا يخرج عن ملكيته (ملكه) بغير اختياره فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة فاندفع ما ربما يتوهم ان غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص علي ملكه و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الأصلي. و لما ذكرنا تمسك المحقق رحمه الله في الشرائع علي لزوم القرض بعد القبض بأن فائدة الملك السلطنة و نحوه العلامة رحمه الله في موضع آخر

______________________________

(1) هذا هو الدليل الثاني: و هو قوله صلي الله عليه و آله الناس مسلطون علي اموالهم «1» و تقريب الاستدلال به وجهان:

احدهما: التمسك بعموم هذا الدليل و اطلاقه الزماني أو الاحوالي الشامل لما بعد الفسخ بان يقال: ان مقتضي عمومه ثبوت السلطنة للمالك بعد فسخ المالك الأول

و رجوعه، و لازم ذلك عدم تأثير الفسخ و رجوعه.

و فيه: ان موضوع السلطنة هو مال الانسان و ملكه، و ثبوته بعد الفسخ غير محرز، إذ لو كان الفسخ مؤثرا لما كان الموضوع باقيا، و مع الشك في صدق الموضوع لا مجال للتمسك بالاطلاق.

ثانيهما: التمسك باطلاق هذا الدليل الشمولي لجميع انحاء التصرفات، و من جملتها دفع مزاحمة الاجانب و منهم المالك الأول، و لازمه عدم تأثير فسخه.

و بعبارة اخري: خروج المال من ملكه بغير اختياره مناف لسلطنة المالك علي ماله، فمقتضي اطلاق دليل السلطنة عدم خروجه و عدم تأثير رجوع المالك الأول.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان الدليل انما يدل علي سلطنة المالك علي ماله لا علي عدم ثبوت السلطنة لغيره، فلا يدل علي عدم ثبوت هذا الحق للمالك الأول.

و فيه: ان لازم السلطنة التامة علي جميع التصرفات سلطنة مطلقة عدم سلطنة الغير علي ما يزاحم سلطنته، و الا لم تكن سلطنة مطلقة، فتملك الغير بلا رضا منه مناف

______________________________

(1) البحار، ج 2، ص 272، الطبع الحديث و ج 1، ص 154، الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 92

______________________________

للسلطنة المطلقة فليس له ذلك.

الثاني: ان دليل السلطنة انما يدل علي عدم محجورية المالك و استقلاله في التصرفات، و لا يدل علي ازيد من ذلك.

و يرد عليه: ما تقدم عند ذكر الاستدلال به علي مملكية المعاطاة. فراجع.

الثالث: ان حق الفسخ علي فرض ثبوته للمالك الأول في المقام انما هو بمعني حق فسخ العقد.

و بعبارة اخري: متعلقه العقد لا العين فلا ينافي ثبوته السلطنة.

و فيه: ان نتيجة ثبوت هذا الحق بما انها خروج المال عن ملكه بغير رضا منه،

فثبوته ينافي السلطنة المطلقة الثابتة به للمالك، فينتفي به.

الرابع: ان السلطنة المنافية

لسلطنة المالك انما هي السلطنة علي التصرف في ماله،

و أما التصرف المزيل للموضوع فلا ينافي السلطنة المنافية في المال.

و بعبارة اخري: ان هذا الدليل كسائر الأدلة انما يدل علي ثبوت الحكم في ظرف ثبوت الموضوع و لا يكون متعرضا لبقاء الموضوع و ارتفاعه، و عليه فكما ان هذا الدليل لا يدل علي سلطنة المالك علي ازالة الملكية عن نفسه بالاعراض، كذلك لا يدل علي عدم سلطنة الغير علي ازالتها.

و ان شئت قلت: ان هذا الدليل كما لا يدل علي سلطنة المالك علي ازالة الملكية،

كذلك لا يدل علي السلطنة علي ابقائها كي تكون سلطنة الغير علي ازالتها منافية لسلطنة المالك علي ماله.

و لا يتوهم انا ندعي عدم دلالته علي تسلط المالك علي تمليك ماله للغير. لما عرفت في البحث عن مملكية المعاطاة الفرق بين تمليكه ماله للغير و بين ازالة الملكية عن نفسه بالاعراض، و ان هذا الدليل يدل علي ثبوت الأول دون الثاني، و عليه فهو يدل علي عدم سلطنة احد علي تملك مال الغير بلا عوض أو معه، و لا يدل علي عدم سلطنته

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 93

و منه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام

لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه (1)

حيث دل علي انحصار سبب حل مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحل بغير رضاه و توهم تعلق الحل بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع اول الكلام مدفوع بما تقدم من ان تعلق الحل بالمال يفيد العموم بحيث يشمل التملك ايضا،

فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه الا بطيب نفس المالك

______________________________

علي ازالة الملكية عنه بالرجوع- فتدبر فانه دقيق.

فالأظهر انه لا يدل علي اللزوم.

(1) هذا هو الثالث: من ادلة اللزوم و هو ما دل

علي انه: لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه «1».

و تقريب الاستدلال به بوجهين كما في دليل السلطنة، بل التقريب الثاني المتقدم هناك في المقام اوضح، فان صريح مدلوله عدم جواز التصرف في مال الغير بلا رضاه،

و الجواب عن الوجهين ما تقدم.

و يمكن ان يجاب عن التقريب الثاني- الذي هو العمدة في المقامين- في هذا المقام بجواب آخر و هو:

ان الحلية من جهة استنادها الي المال لا إلي المعاملات ظاهرة في الحلية التكليفية، أ لا تري انه لم يحتمل احد في قوله عليه السلام كل شي ء حلال ان يدل علي نفوذ المعاملات.

و بالجملة: لا ريب في ظهورها في الحلية التكليفية، و قد تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح: ان الحرمة التكليفية لا تستلزم الفساد، و عليه فهذا الدليل اما لا يشمل الفسخ للعلم بعدم حرمته تكليفا، أو يشمله و لا يدل علي عدم نفوذه.

______________________________

(1) هذا المضمون في كثير من الاخبار راجع الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي و المستدرك ج 1، ص 222، و فروع الكافي ج 1، ص 426 و الاحتجاج ص 267.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 94

و يمكن الاستدلال ايضا بقوله تعالي: (و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض). (1) و لا ريب ان الرجوع ليست تجارة و لاعن تراض، فلا يجوز اكل المال و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا لأن حصر مجوز اكل المال في التجارة انما يراد به اكله علي ان يكون ملكا للأكل لا لغيره (2) و يمكن التمسك ايضا بالجملة المستثني منها حيث ان اكل المال و نقله عن مالكه بغير رضي المالك اكل و تصرف بالباطل عرفا (2)

نعم بعد اذن المالك الحقيقي و هو الشارع و حكمه التسلط علي فسخ المعاملة من دون رضي المالك يخرج عن البطلان.

______________________________

آية التجارة عن تراض

(1) هذا هو الدليل الرابع: و هو قوله تعالي: (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم «1».

و قد استدل المصنف رحمه الله بكل من المستثني و المستثني منه.

اما الأول: فقد استدل به بتقريبين:

الأول: ما في اول الخيارات و هو انه يدل علي جواز الاكل مطلقا بسبب التجارة عن تراض حتي فيما بعد الفسخ، و لازم ذلك عدم نفوذ الفسخ.

و فيه: ما تقدم في دليل السلطنة من انه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، حيث انه لا يعلم بقاء الملك بعد الرجوع.

مع انه يتوقف الاستدلال علي ارادة جميع التصرفات من الأكل لا التملك.

(2) التقريب الثاني: ما ذكره في المقام من انه حصر مجوز الاكل في التجارة،

و المراد به اكله علي ان يكون ملكا للاكل، و من المعلوم ان الفسخ ليس تجارة و لاعن تراض.

و فيه: انه قده سيصرح في مبحث الاكراه بان الاستثناء منقطع غير مفرغ، و هو لا يفيد الحصر، و هذا هو الظاهر من هذا الاستثناء كما سيمر عليك، و عليه فلا دلالة لهذه الجملة علي الحصر، فلا وجه للاستدلال بها.

(3) و أما المستثني منه فقد استدل به بتقريب: ان اكل مال الغير و تملكه بغير رضاه

______________________________

(1) النساء: 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 95

و لذا كان اكل المارة من الثمرة الممرور بها اكلا بالباطل لو لا اذن المالك الحقيقي. و كذا الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من الاسباب القهرية هذا كله مضافا الي ما دل علي لزوم خصوص البيع، مثل قوله صلي الله عليه و آله

البيعان بالخيار ما لم يفترقا. (1)

______________________________

اكل و تصرف بالباطل عرفا.

و فيه: اولا: انه و ان كان المراد بالباطل هو الباطل العرفي لا الشرعي، الا انه حيث يكون اذن المالك الحقيقي موجبا للخروج عن كونه باطلا، و يحتمل في المقام اذنه في الفسخ، فكون الفسخ من الباطل مشكوك فيه، و مع الشك في صدق الموضوع كيف يتمسك بحكمه.

و ثانيا: انه يحتمل اختصاص الآية بالمعاوضات من جهة التعبير ب اموالكم بينكم الظاهر في اعطاء مال واخذ مال، و الرجوع ليس منها، فانه رد للملك، و يستتبع ذلك رجوع العوض لا انه تملك بعوض.

و ثالثا: ان الفسخ إذا كان حلا للعقد فلا تشمله الآية الشريفة لانه ليس سببا للاكل،

بل هو انما يرفع السبب المملك، و بعده يكون الملك بالسبب الأول.

فتحصل: انه لا يصح الاستدلال علي اللزوم بهذه الآية الشريفة.

دليل لزوم خصوص البيع

(1) الخامس: قوله عليه السلام: البيعان بالخيار ما لم يفترقا. «1» و تقريب الاستدلال به بعد فرض صدق البيع علي المعاطاة و البيع علي المتعاطي.

واضح.

و اورد عليه.

تارة: بانه يدل علي اللزوم الحيثي لا اللزوم من جميع الجهات، و لذا لا ينافي ثبوت خيار الحيوان و الشرط و نحوهما.

و اخري: بانه في مقام جعل الخيار لا جعل اللزوم، فلا وجه للتمسك باطلاقه.

و ثالثة: بما افاده المحقق النائيني قدس سره و هو انه: انما يدل علي اللزوم و الجواز

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الخيار حديث 3 و بمضمونه اخبار اخر في ذلك الباب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 96

و قد يستدل ايضا بعموم قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) بناء علي ان العقد

______________________________

الحقيين لا اللزوم الحكمي، و في المعاطاة ان ثبت اللزوم فهو حكمي.

و في الجميع نظر.

اما الأول: فلكونه خلاف اطلاق الخبر.

و

أما الثاني: فلأنه في مقام جعل الخيار قبل التفرق، و اللزوم بعده، و لذا في بعض

النصوص قال عليه السلام بعد ذلك: فإذا افترقا فلا خيار لهما.

و أما الثالث: فلأن اللزوم مطلقا حكمي، بمعني انه مجعول شرعي لا من منشئات المتعاقدين، و لذا لو اوقعا العقد غير قاصدين له بل للجواز لا يتصف العقد الا به كما لا يخفي.

فالأظهر صحة الاستدلال بهذا الوجه للزوم المعاطاة.

آية الوفاء بالعقد

(1) هذا هو الوجه السادس و هو قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» و تنقيح القول فيه برسم امور:

الأول: ان العقد غير العهد، فان العهد، هو الجعل و القرار، و هو يشمل العهود الالهية،

اي التكاليف و سائر مجعولاته، و لو كان ذلك من قبيل المناصب كالخلافة، كما في قوله تعالي: لا ينال عهدي الظالمين «2».

و أما العقد: فهو ربط شي ء بشي ء، و منه عقد الازار لربطه، و عقدة اللسان لارتباطه المانع عن ارساله.

و العقد في اصطلاح الفقهاء في قبال الايقاع، و هذا معني شامل للارتباطات الواقعة في النفس و الارتباطات المتعلقة بالاعتباريات، فالعقد انما يطلق علي البيع باعتبار ارتباط اعتبار كل من المتعاقدين بالآخر.

______________________________

(1) المائدة، آيه 2.

(2) البقرة، 124.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 97

هو مطلق العهد كما في صحيحه عبد الله بن سنان، أو العهد المشدد كما عن بعض اهل اللغة (1) و كيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة

______________________________

و بما ذكرناه ظهر ان ما في المتن تبعا لجملة من اللغويين و تبعه جمع من المحشين.

(1) من تفسيره بالعهد أو المشدد منه، غير صحيح.

كما ان ما افاده المحقق النائيني قدس سره في وجه عدم صدق العقد علي المعاطاة: بان العقد انما يسمي عقدا لكونه مفيدا للعهد المؤكد و الميثاق، اي التزام المتبايعين

بما أنشئاه و الفعل قاصر عن افادة هذا المعني، فانه انما يفيد تبديل احد طرفي الاضافة بمثله، و لا يدل علي الالتزام المزبور، و هذا بخلاف اللفظ فانه يدل عليه بالالتزام.

غير تام، فان العقد لا دخل للفعل و القول فيه، بل هو امر نفساني، يكون الكاشف عنه تارة القول و اخري الفعل.

الثاني: ان الوفاء عبارة عن التمام أو ما يقاربه، و الايفاء عبارة عن الاتمام و الانهاء، و عليه فان كان العقد متعلقا بالفعل كان الوفاء به ايجاده، و ان كان متعلقا بالنتيجة كالعقد علي ملكية عين بعوض كان الوفاء به اتمامه و عدم رفع اليد عنه بحله و نقضه.

و بذلك يظهر امران.

الأول: ان ما افاده بعضهم من ان المراد بالوفاء بالعقد في المقام تسليم العوضين،

غير تام، إذ العقد لم يتعلق بترتيب آثار الملك، فهو اجنبي عن الوفاء به.

الثاني: ان ما افاده المحقق الايرواني قدس سره من ان العقد علي النتيجة لا يكون مشمولا للآية- إذ العقد عليها اما ان يؤثر في وقوعها او لا، و علي كل حال لا عمل خارجي له من العاقد حتي يخاطب بخطاب اوفوا.

في غير محله.

الثالث: ان الأمر بالوفاء اما ان يكون ارشاديا، أو يكون امرا مولويا نفسيا، و علي الأول: حيث انه لا معني لكونه ارشادا الي الصحة- لما عرفت من ان الوفاء بالعقد في المقام عبارة عن اتمامه و عدم رفع اليد عنه و هذا فرع نفوذه و صحته- فلا محالة يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 98

و كذلك قوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم (1) فان الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ.

______________________________

ارشادا الي اللزوم.

و قد ادعي المحقق النائيني ظهوره في ذلك بدعوي انه كما يكون

للأمر و النهي في باب المركبات ظهور ثانوي في الارشاد الي الجزئية و المانعية، كذلك في المعاملات يكون، ارشادا الي حكم وضعي، و هو في المقام اللزوم و عدم تأثير الفسخ و الرجوع، فعلي هذا دلالته علي لزوم المعاطاة واضحة، و لكن لم يثبت هذا الظهور.

و ان كان مولويا نفسيا: فيمكن تقريب دلالته علي اللزوم و عدم تأثير الفسخ بوجهين:

احدهما: ان وجوب الوفاء و عدم جواز الفسخ لو كان فانما هو بمناط عدم ثبوت هذا الحق له، فيكون من قبيل حرمة الظلم، و لا يحتمل كونه محرما بالحرمة النفسية مع ثبوت هذا الحق، و من عدم الحق يستكشف عدم تأثيره.

ثانيهما: الاجماع علي انه لو كان حراما كان غير مؤثر، و انه لو كان مؤثرا لما كان حراما.

فتحصل: ان الأظهر دلالة هذه الآية الشريفة علي اللزوم في المعاطاة.

دليل الشرط

(1) هذا هو الوجه السابع: و هو قوله عليه السلام: المسلمون عند شروطهم. «1» و تقريب الاستدلال به علي المشهور: ان الشرط لغة: مطلق الالتزام، فيشمل ما كان بغير اللفظ.

و فيه ان الاستدلال به علي اللزوم انما يتوقف علي امرين:

صدق الشرط علي المعاملات كالبيع.

و دلالته علي اللزوم.

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 99

______________________________

اما الأول: فمع قطع النظر عما سيأتي في مبحث الشروط من الكلام في صدق الشرط علي الالتزامات المعاملية، حيث انه يعتبر في صدقه كون الالتزام في ضمن التزام لا يصدق الشرط علي الالتزام الابتدائي.

و بعبارة اخري: الشرط هو الالتزام التابع كما يظهر لمن راجع موارد استعماله، و لذا قال في محكي القاموس: الشرط الزام الشي ء أو التزامه في البيع و نحوه، و لا يصدق علي الالتزام المستقل الابتدائي، فلا يصدق الشرط

علي البيع.

و أما الثاني: فالأظهر انه انشاء حكم تكليفي لا وضعي، و ذلك لان مضمونه لو كان عدم انفكاك الشرط عن المؤمن كان يحتمل ارادة اللزوم منه أو الصحة، و لكن بما ان مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه- و هذا ليس صفة في الشرط كي يكون ذلك ارشادا الي صحته أو لزومه بل هو صفة في المؤمن- فلا محالة يكون ظاهرا في كونه أمرا بالوفاء بالشرط تكليفا. و عليه فيجري فيه ما ذكرناه في دليل وجوب الوفاء بالعقد.

فراجع.

الثامن: السيرة العقلائية، فانها قائمة علي لزوم كل معاملة صحيحة.

و بعبارة اخري: ان العقلاء- بما هم عقلاء- ملتزمون بعدم جواز الرجوع في كل معاملة بنوا علي صحتها، و حيث ان الشارع الاقدس لم يردع عنها- لما ستعرف من عدم تمامية ما استدل به علي عدم اللزوم- فيستكشف من ذلك امضاؤه لها.

التاسع: النصوص الخاصة استدل بها السيد الفقيه قدس سره.

مثل صحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام الوارد فيمن اشتري طعاما و ارتفع أو نقص في القيمة و قد اكتال بعضه فابي صاحب الطعام ان يسلم له ما بقي و قال: ان لك ما قبضت، فقال: ان كان يوم اشتراه ساعره علي انه له فله ما بقي. «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من أبواب احكام العقود حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 100

و الحاصل ان الحكم باللزوم في مطلق الملك و في خصوص البيع، مما لا ينكر الا ان الظاهر فيما نحن فيه قيام الاجماع علي عدم لزوم المعاطاة (1) بل ادعاه صريحا بعض الاساطين في شرح القواعد و يعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به قائل الي زمان بعض متأخري المتأخرين فان العبارة المحكية عن المفيد رحمه الله

في المقنعة لا تدل علي هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به فان المحكي عنه انه قال: ينعقد البيع، علي تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالابدان، انتهي.

______________________________

وجه الدلالة: انه عليه السلام حكم باللزوم بمجرد المساعرة، و ان لم يكن الانشاء باللفظ و نحوه غيره.

و فيه: ان هذه النصوص واردة في مقام بيان حكم آخر فلا يصح التمسك باطلاقها.

فتحصل مما ذكرناه: ان الاستصحاب، و السيرة و دليل وجوب الوفاء بالعقد، و دليل لزوم البيع بالخصوص، تدل علي لزوم المعاطاة.

ادلة عدم لزوم المعاطاة و الجواب عنها

المورد الثاني: فيما استدل به علي عدم اللزوم:

و هو امور.

(1) احدها: الاجماع.

و تقريبه من وجهين:

الأول: الاجماع البسيط علي عدم اللزوم، و قد ادعاه غير واحد.

و فيه: اولا: انه غير ثابت، كيف و ان ظاهر ما عن العلامة قدس سره في التذكرة و المختلف من نسبة اعتبار الصيغة في اللزوم الي الأشهر و الاكثر وجود قائل معتد به بعدم الاعتبار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 101

و يقوي ارادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره في اللزوم و كانه لذلك حكي كاشف الرموز عن المفيد و الشيخ رحمه الله انه لا بد في البيع عندهما من لفظ مخصوص و قد تقدم دعوي الاجماع من الغنية علي عدم كونها بيعا و هو نص في عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا في عدم الملكية الذي لا نقول به و عن جامع المقاصد يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالاجماع.

نعم قول العلامة رحمه الله في التذكرة ان الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة يدل علي وجود الخلاف المعتد به في المسألة و لو كان المخالف شاذ العبر

بالمشهور و كذلك نسبته في المختلف الي الأكثر و في التحرير ان الأقوي ان المعاطاة غير لازمة، ثمّ لو فرضنا الاتفاق من العلماء علي عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو اكثرهم الي انها ليست مملكة، و انما تفيد الاباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا (1) إذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها الا بعض من تأخر عن المحقق الثاني تبعا له، و هذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور

______________________________

(1) و ثانيا: ان اغلب المجمعين بانون علي عدم افاده المعاطاة للملكية، فيكون الاتفاق تقييديا لا يفيد. و لا يكون كاشفا إذ القول باللزوم فرع الملكية و لا يقول الاكثر بها.

و ثالثا: ان مدرك المجمعين معلوم، فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

الثاني: الاجماع المركب.

بتقريب: ان الأصحاب بين من يقول بعدم افادتها الملك، و من يقول بعدم لزومها.

فالقول باللزوم احداث للقول الثالث.

و فيه: اولا: انه ليس اجماعا لوجود القائل باللزوم.

و ثانيا: ان ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم كما تقدم.

و ثالثا ان كون الأصحاب علي قولين لا يفيد في الاجماع المركب ما لم يكن اجماعا علي عدم الثالث، و في المقام، حيث ان القائلين بعدم افادتها الملك لم يصرحوا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 102

لان قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع. نعم يمكن ان يقال بعد ثبوت الاتفاق المذكور ان اصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا.

فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل.

و كيف كان فتحصيل الاجماع علي وجه استكشاف قول الامام عن قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا و ان كان هذا لا يقدح في الاجماع علي طريق القدماء كما بين

في الأصول.

و بالجملة فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من لم يعتبر مطلق اللفظ في اللزوم ما احسنه و ما امتن دليله ان لم ينعقد الاجماع علي خلافه في غاية الحسن و المتانة و الاجماع، و ان لم يكن محققا علي وجه يوجب القطع الا ان المظنون قويا تحققه علي عدم اللزوم مع عدم لفظ دال علي انشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ اصلا ام وجد، و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض. و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار (1) بل يظهر منها ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين اهل السوق و التجار،

______________________________

بعدم اللزوم علي تقدير القول بالملك، فلا يفيد.

الثالث: الاخبار الخاصة التي اشار إليها المصنف قدس سره بقوله.

(1) و يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار.

و يمكن ان يكون نظره الي ما تقدم في ادلة افادة المعاطاة الملك من الخبر الوارد في بيع المصحف «1» و الوارد في بيع اطنان القصب «2».

و يمكن ان يكون نظره الي ما سينقله من الأخبار التي ادعي اشعارها أو ظهورها.

فان كان نظره الي الأول فيرد عليه ما تقدم، و ان كان الي الثاني فسيأتي ما فيه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31 من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل باب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 103

بل يمكن دعوي السيرة علي عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضي (1) نعم ربما يكتفون بالمصافقة فقول البائع بارك الله لك أو ما ادي هذا المعني بالفارسية. نعم يكتفون بالتعاطي في المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز

الرجوع فيها بل ينكرون علي الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين. نعم الاكتفاء في اللزوم بمطلق الانشاء القولي غير بعيد للسيرة و لغير واحد من الاخبار كما سيجي ء ان شاء الله تعالي في شروط الصيغة

______________________________

(1) الرابع سيرة المتشرعة، فان بناءهم في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع علي عدم الاكتفاء بالمعاطاة، و في المحقرات ينكرون علي من امتنع عن الرجوع مع بقاء العينين إذا كان انشاء البيع بالتعاطي.

و فيه: ان هذه السيرة لم يثبت كونها مستمرة الي زمان المعصوم عليه السلام، بل يحتمل قويا كونها مستندة الي فتوي المراجع و الفقهاء، فلا تفيد.

الخامس: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و حاصله: ان اللزوم علي قسمين: لزوم حكمي، و لزوم حقي.

و الأول: انما هو ما يجعله الشارع الأقدس في موارد لمصلحة تدعو الي ذلك كما في الهبة بذي الرحم، و اثر هذا عدم جواز جعل الخيار و عدم صحة الاقالة، و يقابل هذا الجواز الحكمي كما في الهبة بغير ذي الرحم، و اثره عدم جواز الاسقاط.

و الثاني: انما يكون بانشاء المتعاقدين كما في البيع اللفظي، فان البائع ينشأ باللفظ امرين: احدهما: تبديل أحد طرفي الاضافة بمثله، ثانيهما: الالتزام ببقاء بدلية المبيع للثمن.

و الأول مدلول مطابقي للفظ، و الثاني مدلول التزامي له و يقابل هذا الجواز الحقي و هو ما جعل فيه الخيار.

و في المعاطاة ليس شي ء من اللزومين، اما الأول: فلعدم الدليل عليه، و أما الثاني:

فلأن الفعل قاصر عن افادة الالتزام ببقاء البدلية و ان قصد المتعاقدان ذلك، إذ مجرد البقاء القلبي ما لم ينشأ لا يفيد في باب المعاوضات، و الفعل من جهة عدم كونه مصداقا لهذا العنوان لا يصلح لكونه انشاء له، فادلة

اللزوم من جهة تضمنها اللزوم الحقي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 104

بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به في باب المعاطاة تارة علي عدم افادة المعاطاة اباحة التصرف، و اخري علي عدم افادتها اللزوم جمعا بينه و بين ما دل علي صحة مطلق البيع، كما صنعه في الرياض و هو قوله عليه السلام انما يحلل الكلام و يحرم الكلام و توضيح المراد منه يتوقف علي بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الاسلام في باب بيع ما ليس عنده و الشيخ في باب النقد و النسيئة عن ابن ابي عمير عن يحيي بن الحجاج عن خالد بن الحجاج أو ابن نحيج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني و يقول اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا فقال:

أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك قلت: بلي، قال: لا بأس انما يحلل الكلام و يحرم الكلام. (1) و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات اخر مجردة عن قوله عليه السلام انما يحلل انتهي. كلها تدل علي انه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه. و نقول ان هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها:

______________________________

- الذي لا يمكن القول به في المعاطاة- لا تشملها، و تختص بالبيوع اللفظية، فتكون المعاطاة جائزة لا بالجواز الحكمي التعبدي و لا بالجواز الحقي من جهة عدم تحقق منشأ اللزوم.

و فيه: اولا: ان اللزوم مطلقا يكون بجعل الشارع، و لذا لو قصد المتعاقدان الجواز في البيع اللفظي لما حكم به، غاية الأمر في بعض الموارد جعل حق الخيار و الاقالة، و في بعض الموارد

لم يجعل ذلك و الا فاللزوم مطلقا انما يكون بجعل منه و عليه فالادلة الدالة علي لزوم البيع انما تكون دالة علي لزوم المعاطاة كالبيع اللفظي بلا فرق بينهما اصلا.

و ثانيا: ان الفعل كما يكون قاصرا عن افادة الالتزام ببقاء البدلية، كذلك اللفظ قاصر عن افادته، إذ ليس ذلك لازما لقصد تبديل المال بالمال كي يكون اللفظ الدال عليه دالا عليه بالدلالة الالتزامية.

(1) السادس: خبر خالد بن نجيح «1» - أو الحجاج- المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من ابواب احكام العقود حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 105

الأول: ان يراد من الكلام في المقامين اللفظ الدال علي التحريم و التحليل (1) بمعني ان تحريم شي ء، و تحليله لا يكون الا بالنطق بهما فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال دون الاقوال.

______________________________

و تقريب الاستدلال به: انه عليه السلام حصر المحلل و المحرم في الكلام- اي اللفظ- فلا يكون الفعل محللا و محرما.

و فيه أن هذا الحديث مجهول علي تقدير و حسن علي تقدير آخر، إذ لو كان الخبر مرويا عن ابن نجيح فهو مجهول، و لو كان عن ابن الحجاج يكون حسنا، و حيث لم يثبت كونه عن ابن الحجاج فمن حيث السند لا يتم الاستدلال به.

و أما من حيث الدلالة فقد ذكر المصنف قدس سره للمراد من الجملة التي ذكرت علة، اي قوله عليه السلام انما يحلل الكلام و يحرم الكلام- احتمالات اربعة، و ستمر عليك.

و هنا احتمال خامس لعله الظاهر من الخبر ذكره صاحب الجواهر قدس سره و المحقق الخراساني و المحقق الاصفهاني و المحقق الايرواني.

و حاصله: ان المراد بالكلام الالتزام البيعي، و المراد بالمحللية و المحرمية المنسوبتين

إليه محللية الايجاب للمبيع علي المشتري و الثمن علي البائع، و محرمية المبيع علي البائع و الثمن علي المشتري، و اطلاق الكلام علي الالتزام شائع، مثل (كلام الليل يمحوه النهار).

فالمتحصل من الخبر: ان المشتري حيث انه ان شاء اخذ و ان شاء ترك فيكشف ذلك عن عدم تحقق المعاملة، و انما الواقع صرف المواعدة و المقاولة، فلا بأس لعدم كونه حينئذ من بيع ما ليس عنده، و هذا بخلاف ما إذا تحقق ايجاب البيع، و انطباق هذه الجملة علي جوابه عليه السلام علي هذا في غاية الوضوح، و عليه فهذا الخبر اجنبي عما استدل به له و هو اعتبار اللفظ في اللزوم.

و أما الاحتمالات التي ذكرها المصنف قدس سره فشي ء منها لا يخلو عن الاشكال، و هي اربعة.

(1) الاول: ان يكون المراد بالكلام اللفظ، فيكون المراد انحصار المحلل و المحرم باللفظ دون القصد المجرد، و دون الفعل مع القصد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 106

الثاني: ان يراد بالكلام: اللفظ مع مضمونه كما في قولك: هذا الكلام صحيح أو فاسد لا مجرد اللفظ اعني الصوت و يكون المراد ان المطلب الواحد يختلف الحكم الشرعي حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤدات بالكلام مثلا: المقصود الواحد و هو التسليط علي البضع مدة معينة يتأتي بقولها ملكتك بضعي أو سلطتك عليه أو آجرتك نفسي أو احللتها لك و بقولها متعت نفسي بكذا، فما عدا الاخير موجب لتحريمه و الاخير محلل (1) و علي هذا المعني ورد قوله عليه السلام انما يحرم الكلام في عدة من روايات المزارعة.

منها ما في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن

الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر، فقال لا ينبغي له ان يسمي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض ازرع في ارضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمي بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام.

______________________________

و يرد عليه امور:

منها: لزوم تخصيص الاكثر، فان التذكية تحلل الحيوان، و ذهاب الثلثين يحلل العصير المغلي بالنار، و انقلاب الخمر خلا يحلل الخمر، و الحيازات تحلل الأموال، و موت المورث يحلل المال للورثة، الي غير تلكم من الموارد.

و منها: ان لازم هذا عدم افادة المعاطاة الاباحة و لا التمليك، و هو خلاف الاجماع.

و منها: عدم انطباقه علي جواب الامام عليه السلام، فانه في صدد بيان ان بيع ما ليس عنده فاسد، و ان مجرد المقاولة لا بأس به، و عليه فالتعليل المذكور غير مربوط بهذا كما لا يخفي.

(1) الثاني: ان يكون المراد ان المضمون الواحد يختلف حكمه باختلاف الالفاظ المفيدة له، مثلا التسليط علي البضع مدة معينة يتحقق بمتعت نفسي بكذا، و يكون هذا محللا له، و لا يتحقق بملكتك بضعي بكذا، و يكون هذا محرما له.

و يرد عليه:

اولا: انه لا ينطبق علي المورد، فان في المورد مضمونين احدهما: المواعدة:

و ثانيهما: البيع، و الامام عليه السلام بصدد بيان ان الأول لا بأس به و الثاني فيه باس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 107

الثالث: ان يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه فيكون وجوده محللا و عدمه محرما أو بالعكس أو باعتبار محله و غير محله، فيحل في محله و يحرم في غيره (1) و

يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة.

الرابع: ان يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة و من الكلام المحرم ايجاب البيع و ايقاعه (2) ثمّ ان الظاهر عدم ارادة المعني الأول لأنه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث ان ظاهره حصر اسباب التحليل و التحريم في الشريعة، في اللفظ يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لأن ظاهر الحكم كما يستفاد من عدة روايات اخر تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع علي الرجل قبل شراء المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق في التحليل و التحريم في هذا الحكم اصلا، فكيف يعلل به

______________________________

و ثانيا: ان التحريم علي هذا ليس مستندا الي الكلام.

و ثالثا: ان المناسب لهذا المعني تنكير الكلام في الموردين:

(1) الثالث: ان يكون المراد بالكلام في الموردين الكلام الواحد، و يكون تحليله و تحريمه باعتبار وجوده و عدمه، أو باعتبار محله و غير محله، مثل: عقد النكاح يحلل إذا كان العاقد محلا، و يحرم إذا كان محرما.

و يرد عليه: ان التحليل و التحريم باعتبار الوجود و العدم في غاية البعد، فانه مضافا الي ان الظاهر منه ما هو بالحمل الشائع كلام- أ لا تري انه لم يحتمل احد ارادة العدم في غير المقام، مثلا لم يحتمل احد في قوله تعالي و لله علي الناس حج البيت ان المراد عدم الحج- ان تقدير العدم ينافي وحدة السياق.

مع ان نسبة المحللية الي عدم الشي ء لا تصح، إذ العدم لا يؤثر في الصحة.

و أما باعتبار وقوع الكلام في محله و في غير محله فهو ايضا لا يتم، إذ الايجاب الواقع في غير محله لا يكون محرما، لان عدم

الحلية انما يكون لعدم حصول الايجاب الصحيح لا لحصول الايجاب الفاسد.

(2) الرابع: ان يراد بالكلام المحلل خصوص المقاولة، و من الكلام المحرم ايجاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 108

و كذا المعني الثاني، إذ ليس هنا مطلب واحد حتي يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما، فتعين المعني الثالث و هو ان الكلام الدال علي الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة الا وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل لأنه بيع ما ليس عنده و لا يحلل الا عدمه، إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع، لم يحصل الا التواعد بالمبايعة هو غير مؤثر فحاصل الرواية ان سبب التحليل و التحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدما و وجودا و المعني الرابع، و هو ان المقاولة و المراضاة مع المشتري الثاني، قبل اشتراء العين محلل للمعاملة و ايجاب البيع معه محرم لها و علي كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة علي اعتبار الكلام في التحليل كما هو المقصود في مسألة المعاطاة.

نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع بوجه آخر (1) بعد ما عرفت من أن المراد بالكلام هو ايجاب البيع: بأن يقال أن حصر المحلل و المحرم في الكلام لا يتأتي الا مع انحصار ايجاب البيع في الكلام إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام الا ان يقال ان وجه انحصار ايجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم امكان المعاطاة في خصوص المورد إذ المفروض أن المبيع عند مالكه الأول،

______________________________

البيع. و بعبارة اخري: يكون المراد ان العبارة الواحدة يختلف حكمها باعتبار قصد الانشاء منها أو صرف المقاولة.

و يرد عليه: ان المقاولة لا تكون محللة لشي ء، كما ان البيع

الفاسد لا يحرم شيئا.

و يمكن تصوير احتمالات اخر في الخبر، الا انه لا يهمّنا التعرض لها، و قد عرفت ان الأظهر هو ما اخترناه تبعا للاساطين، و عليه فالخبر اجنبي عن المقام.

(1) قوله: نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع بوجه آخر.

هذا لا يتم بناء علي الاحتمال الذي استظهرناه.

و أما بناء علي ما استظهره المصنف قدس سره من الخبر فغاية ما يمكن ان يقال في تقريب دلالة الخبر علي اعتبار اللفظ في البيع: انه حصر المحلل و المحرم في الكلام، و لو لم ينحصر ايجاب البيع به و وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام.

و لكنه غير تام، إذا الحصر علي الاحتمال الرابع لوحظ بالاضافة الي الايجاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 109

فتأمل (1) و كيف كان فلا يخلو الرواية عن اشعار أو ظهور كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية اخري واردة في هذا الحكم ايضا، و هي رواية يحيي بن الحجاج عن ابي عبد الله عليه السلام عن رجل، قال لي اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة و بعينها ارابحك فيها كذا و كذا. قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قل ان تستوجبها أو تشتريها،

فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع (2) ليس مجرد اعطاء العين للمشتري و يشعر به ايضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح الي اصل المال، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد ان يبيع بيعا فيقول ابيعك بده دوازده أو ده يازده فقال: لا بأس انما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة فان ظاهره علي ما فهمه بعض الشراح انه لا يكره ذلك في المقاولة التي

قبل العقد، و انما يكره حين العقد و في صحيحة ابن سنان: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه.

ثمّ تشتري له نحو الذي طلب، ثمّ توجبه علي نفسك ثمّ تبيعه منه بعد.

______________________________

في مقابل المقاولة لا بالإضافة الي اللفظ في قبال الفعل مثلا. و علي الاحتمال الثالث لوحظ بالاضافة الي وجود الايجاب في قبال عدمه، أو بالاضافة الي وقوعه في محله في مقابل وقوعه في غير محله.

نعم لو كان للوصف مفهوم صح ما ذكر.

(1) قوله فتأمل.

لعله اشارة الي انه في المعاطاة لا يعتبر الاعطاء من الطرفين بل يكفي الاعطاء من طرف واحد فلو اعطي المشتري الثمن قاصدا به الاستيجاب واخذه البائع بقصد الايجاب تحقق البيع علي كلام يأتي.

أو الي انه لا دلالة في الخبر علي عدم كون المبيع عنده خارجا بل ظاهر قوله اشتر لي هذا الثوب هو حضور الثوب عندهما.

(2) قوله فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع ليس مجرد اعطاء العين.

الانصاف انه لا إشعار في شي ء من هذه النصوص «1» بذلك فضلا عن الظهور.

فتحصل: ان الاظهر بحسب الادلة ان المعاطاة تفيد الملك و تكون لازمة.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 8 من ابواب احكام العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 110

و ينبغي التنبيه علي امور:
الأول: الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم علي القول بافادتها الملك بيع (1)
اشارة

بل الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد انه مما لا كلام فيه حتي عند القائلين بكونها فاسدة كالعلامة في النهاية و دل علي ذلك تمسكهم له بقوله تعالي:

(احل الله البيع). و أما علي القول بافادتها للاباحة فالظاهر انه بيع عرفي لم يؤثر شرعا الا الاباحة فنفي البيع عنها في كلامهم و معاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة علي الملك هذا علي ما اخترناه سابقا من ان مقصود المتعاطيين في المعاطاة

التملك و البيع. و أما علي ما احتمله بعضهم بل استظهره من ان محل الكلام هو ما إذا قصدا مجرد الاباحة فلا اشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا و علي هذا فلا بد عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع الي الأدلة الدالة علي صحة هذه الاباحة العوضية من خصوص أو عموم و حيث ان المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم الناس مسلطون علي اموالهم كان مقتضي القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبت شرطيته كما انه لو تمسك لها بالسيرة كان مقتضي القاعدة العكس.

و الحاصل ان المرجع علي هذا عند الشك في شروطها هي ادلة هذه المعاملة سواء اعتبرت في البيع ام لا.

و أما علي المختار من ان الكلام فيما قصد به البيع فهل يشترط فيه شروط البيع (2) مطلقا ام لا، كذلك ام يبتني علي القول بافادتها للملك و القول بعدم افادتها الا الاباحة وجوه.

______________________________

اعتبار شرائط البيع فيها

(1) قوله الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم علي القول بافادتها الملك بيع.

هذا هو التنبيه الاول من التنبيهات التي يتعرض لها المصنف.

و هو ان المعاطاة هل هي بيع يترتب عليه جميع احكام البيع ام لا، ام هناك تفصيل بين المسالك.

و حق القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

(2) الاول: في انه هل يعتبر في المعاطاة شروط البيع كمعلومية العوضين و وجوب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 111

يشهد للأول: كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل علي اشتراطه في البيع (1)

______________________________

التقابض في الصرف و السلم و غيرهما، و هل تلحقها احكامه ككون تلف المبيع قبل القبض من مال بائعه ام لا؟ الثاني: في انه هل يجري فيها الربا ام لا.

الثالث: في جريان الخيار فيها.

اما الأول:

فان قلنا ان المعاطاة معاملة مستقلة مفيدة للملك و لا تكون بيعا، فان كان دليل امضائها مما له اطلاق ك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1». و نحو ذلك.

فالأظهر عدم اعتبار شي ء من الشرائط فيها، إذ تلك شرائط للبيع علي الفرض،

و المعاطاة ليست بيعا، و مقتضي اطلاق ذلك الدليل عدم اعتبارها فيها بناء علي ما عرفت من صحة التمسك باطلاق ادلة المعاملات لنفي اعتبار ما شك في اعتباره في الأسباب و ان كانت الفاظها اسامي للمسببات.

و ان كان دليل امضائها السيرة التي ليس لها اطلاق، فان فرضت علي عدم اخذ ذلك الشي ء في مقام التعاطي فعدم الاعتبار واضح، و ان لم يثبت ذلك فلا بد من رعايتها لقصور الدليل اللبي، و الأصل يقتضي عدم ترتب الأثر عليها عند فقدها.

و به يظهر حال المعاطاة المقصود بها الاباحة.

و أما ان لم نقل بانها معاوضة مستقلة و قصد بها الملكية، فتارة: نقول انها تفيد الملك اللازم، و اخري: نقول انها تفيد الملك الجائز، و ثالثة: نقول انها تفيد الاباحة.

(1) فان قلنا انها تفيد الملك اللازم فالاظهر اعتبار جميع الشروط فيها و لحوق جميع احكامه لها، و ذلك لان دليل اعتبار ذلك الشرط ان كان له اطلاق يدل علي اعتباره في البيع الشرعي مطلقا فالأمر واضح لانها بيع، و ان لم يكن له اطلاق- كما إذا ثبتت شرطية شي ء للبيع بالاجماع.

فقد يتوهم انه من جهة ذهاب جمع من المجمعين الي عدم كون المعاطاة بيعا

______________________________

(1) المائدة، 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 112

و يؤيده ان محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو ان الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط ام لا، كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثير من العامة و

الخاصة فما انتفي فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان، و ان فرض مشاركا له في الحكم و لذا ادعي في الحدائق ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة إذا استكمل شروط البيع

______________________________

لا يكون اجماع علي اعتباره في المعاطاة، فلا وجه لاعتباره فيها.

و لكنه توهم فاسد، فانه فرق بين موارد التخصيص و التخصص.

توضيح ذلك: انه تارة: ينعقد الاجماع علي وجوب اكرام العلماء، و لكن المجمعين مع بنائهم علي ان النحويين من العلماء ذهبوا- أو جمع منهم- الي عدم وجوب اكرامهم.

و في هذا المورد يؤخذ بالمتيقن و يحكم بعدم وجوب اكرام النحويين و اختصاص الاجماع بغيرهم.

و اخري: ينعقد علي وجوب اكرام كل عالم، الا ان جماعة منهم ذهبوا الي عدم وجوب اكرام النحويين لبنائهم علي انهم ليسوا بعلماء.

فمثل هذا الاجماع لا يؤخذ منه بالقدر المتيقن، فلو كان النحوي عندنا من العلماء نحكم بوجوب اكرامه.

و المقام من قبيل الثاني، إذ من يقول بعدم اعتبار ذلك الشرط في المعاطاة انما يقول به لاجل انه لا يراها بيعا، و عليه فلا وجه للأخذ بالمتيقن من الاجماع.

و بالجملة: فتاوي العلماء من قبيل النص انما يرجع إليها في تعيين الحكم الكلي، و أما صدق الموضوع علي فرد و عدمه فلا بد فيه من التماس وجه آخر.

و لا فرق فيما ذكرناه بين كون مدرك افادة المعاطاة الملك و اللزوم هي ادلة امضاء البيع ام كان هي السيرة.

و عن المحقق الاصفهاني قدس سره: انه ان كان دليل نفوذ المعاطاة هي السيرة و قد فرضت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 113

غير الصيغة المخصوصة، و انها تفيد اباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض، و مقابل المشهور في

كلامه قول العلامة رحمه الله في النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف في اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

______________________________

علي عدم اخذ ذلك الشي ء- الذي دل النص مثلا علي اعتباره في البيع الشرعي مطلقا في مقام التعاطي- كانت مخصصة لدليل اعتبار الشرط و دالة علي اختصاصه بالقولي.

و فيه: ان المراد بهذه السيرة ان كان هي السيرة العقلائية فلا يعقل كونها مخصصة لدليل اعتبار ذلك الشرط، فان ذلك الدليل انما يدل علي دخله في البيع الشرعي- كما سيمر عليك- فلا محالة لا بد من تقديمه علي السيرة علي عدم اخذه في البيع العرفي كما لا يخفي.

و ان اريد بها سيرة المتشرعة المستمرة كان ما ذكر تاما- ان ثبتت- لكن دون اثباتها خرط القتاد.

فالأظهر اعتبار جميع الشرائط فيها علي هذا المسلك و لحوق جميع احكامه لها.

و ان قلنا: انها تفيد الملك الجائز، ففيها اقوال و وجوه:

احدها: اعتبار جميع شرائط البيع فيها.

الثاني: عدم اعتبار شي ء منها فيها.

الثالث: التفصيل بين الشرائط التي ثبت اعتبارها بالنص فتعتبر فيها، و ما ثبت اعتباره فيها بالاجماع فلا يعتبر.

الرابع: التفصيل بين ان يكون دليل نفوذ المعاطاة الادلة اللفظية فتعتبر فيها شرائط البيع.

و بين ان يكون دليل النفوذ السيرة فلا تعتبر فيها.

و الأظهر هو الأول، لان الأدلة الدالة علي اعتبار الشرائط في البيع تدل علي اعتبارها في كل ما يصدق عليه البيع سواء كانت من الادلة اللفظية أو اللبية، و المعاطاة بيع علي الفرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 114

و يشهد للثاني: ان البيع في النص و الفتوي ظاهر فيما حكم فيه باللزوم (1)

و ثبت له الخيار في قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه. اما علي

القول بالاباحة فواضح لأن المعاطاة ليست علي هذا القول بيعا في نظر الشارع و المتشرعة إذ لا نقل فيه عند الشارع فإذا ثبت اطلاق الشارع عليه في مقام فنحمله علي الجري علي ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله علي النقل في نظرهم.

و قد تقدم سابقا في تصحيح دعوي الاجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا، بيان ذلك: و أما علي القول بالملك فلأن المطلق ينصرف الي الفرد المحكوم باللزوم في قولهم البيعان بالخيار و قولهم ان الأصل في البيع اللزوم، و الخيار انما ثبت لدليل و ان البيع بقول مطلق من العقود اللازمة و قولهم البيع هو العقد الدال علي كذا و نحو ذلك.

و بالجملة فلا يبقي للمتأمل شك في ان اطلاق البيع في النص و الفتوي يراد به ما لا يجوز فسخه الا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل،

______________________________

(1) و استدل للثاني في المتن: بان البيع إذا وقع موضوعا في النص و الفتوي للاحكام ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و المعاملة اللازمة من غير جهة الخيار، و لذا قالوا:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و قالوا: الأصل في البيع اللزوم و الخيار انما ثبت لدليل، و قالوا:

ان البيع من العقود اللازمة.

و بالجملة: البيع في النصوص و كلمات العلماء ظاهر فيما كان مبنيا علي اللزوم الذي لو ثبت فيه الجواز كان جوازا حقيا و المعاطاة و ان كانت بيعا الا انها محكومة بالجواز الحكمي، فلا تشملها ادلة الشرائط.

و فيه: اولا: ان اللزوم و الجواز علي ما اعترف به سابقا من احكام السبب لا من خصوصيات المسبب، و البيع اسم للمسبب، فلا مورد لدعوي انصراف البيع الي البيع اللازم.

و ثانيا: انه لو سلم كون البيع قسمين: لازما و جائزا،

و لكن لا وجه لدعوي الانصراف الي اللازم، لأن الغالب تحقق البيع بالتعاطي، و علي فرض التنزل لا غلبة للقولي، مضافا الي ان الغلبة لا تكون منشأ للانصراف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 115

و وجه الثالث ما تقدم للثاني علي القول بالاباحة: من سلب البيع عنه، و للأول علي القول بالملك من صدق البيع عليه، حينئذ و ان لم يكن لازما، و يمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص فيحمل علي البيع العرفي و ان لم يفد عند الشارع الا الاباحة و بين ما ثبت بالاجماع علي اعتباره في البيع بناء علي انصراف البيع في كلمات المجمعين الي العقد اللازم (1) و الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة لكونها بيعا ظاهرا علي القول بالملك، كما عرفت من جامع المقاصد.

______________________________

و بالجملة: بعد ما لا شبهة في ان صدق البيع علي المعاطاة ليس ضعيفا بحيث تكون خارجة عن حقيقة البيع عند العرف، فلا مورد لدعوي الانصراف.

(1) و استدل للثالث: بان الانصراف المزبور انما هو في كلمات العلماء، و لا يكون في الاخبار، و عليه فما ثبت اعتباره بالاخبار يكون معتبرا في المعاطاة، و ما ثبت اعتباره بالاجماع فهو لانصرافه عندهم الي البيع القولي لا يكون معتبرا فيها.

و بانه لا بد من الاخذ في الأدلة اللبية بالمتيقن، و هو يقتضي الاختصاص لتصريح جماعة منهم بعدم الاعتبار في المعاطاة، و هذا بخلاف الدليل اللفظي.

و فيهما نظر.

اما الأول: فلما تقدم من منع الانصراف.

و أما الثاني: فلما مر من ان الاخذ بالمتيقن انما هو في مورد التخصيص لا التخصص، و المقام من قبيل الثاني، فراجع.

و استدل للرابع: بما تقدم هو و جوابه في المورد الأول، اي بناء علي

القول بافادة المعاطاة الملك اللازم. فراجع.

فالأظهر اعتبار جميع الشرائط في المعاطاة بناء علي افادتها الملك مطلقا.

و ان قلنا: بانها تفيد الاباحة الشرعية، فقد استدل لاعتبار الشرائط فيها بوجهين:

الأول: انها بيع عرفي و ان لم تفد شرعا الا الاباحة و مورد الادلة الدالة علي اعتبار تلك الشرائط هو البيع العرفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 116

و أما علي القول بالاباحة: فلانها لم يثبت الا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر ايضا (1) ثمّ انه حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه علي القواعد انه بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي الا بعد تلف العين، يعني العين الاخري ذكر انه يجوز ان يكون الثمن و المثمن في المعاطاة مجهولين لأنها ليست عقدا، و كذا جهالة الأجل،

و انه لو اشتري امة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن، انتهي. و حكي عنه في باب الصرف ايضا انه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين.

اقول: حكمه قدس سره بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم افادتها للملك، الا ان حكمه قدس سره بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف معللا بأن المعاطاة ليست عقدا، يحتمل ان يكون باعتبار عدم الملك

______________________________

(1) الثاني: ان الاصل في المعاطاة علي القول بعدم الملك الفساد، و عدم تأثيره شيئا، خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم و العدم- و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة- و بقي الباقي.

و فيهما نظر.

أما الأول، فلأنه فرق بين دليل امضاء البيع و دليل اعتبار شي ء فيه، و الأول لا بد و ان

يكون موضوعه البيع العرفي لانه القابل للامضاء، و الثاني لا يعقل ان يكون موضوعه ذلك، بل لا بد و ان يكون البيع الشرعي، إذ هو المشروط بنظره بشي ء اما البيع العرفي فلا يعقل اناطته بشي ء من ما اعتبره، إذ اعتبار شخص كيف يعقل ان يكون منوطا بنظر شخص آخر.

و أما الثاني: فلأن دليل امضاء المعاطاة- كان هو الدليل اللفظي أو السيرة- يكون عاما شاملا للفاقد لتلك الشرائط كما تقدم.

و بهذا ظهر مدرك القول بعدم اعتبارها فيها، و يأتي فيه التفصيلان المتقدمان مع جوابهما.

و الأظهر اعتبارها فيها علي هذا المسلك ايضا لما تقدم من ان المعاطاة علي هذا المسلك ايضا بيع شرعي، غاية الأمر تأثيرها في حصول الملك مشروط بالتصرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 117

حيث ان المفيد للملك منحصر في العقد، و ان يكون باعتبار عدم اللزوم حيث ان الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم و الاقوي: اعتبارها و ان قلنا بالاباحة لأنها بيع عرفي، و ان لم يفد شرعا الا الاباحة و مورد الادلة الدالة علي اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي، بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب، و لما عرفت من ان الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك: الفساد و عدم تأثيره شيئا خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقي الباقي، و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيه ايضا (1) و ان خصصنا الحكم بالبيع.

______________________________

المتوقف علي الملك، و التصرف نظير القبض المشروط بيع الصرف به، و قد تقدم توجيه ذلك، و عليه فيعتبر فيها كل ما هو من شرائط البيع.

فتحصل: ان الأظهر اعتبار جميع

الشرائط فيها علي جميع هذه المسالك الثلاثة.

جريان الربا في المعاطاة

المورد الثاني: في جريان الربا فيها و عدمه قال المصنف.

(1) و بما ذكرناه ظهر وجه تحريم الربا فيه أيضا.

و ملخص القول فيه انه تارة: نقول بجريان الربا في كل معاوضة و ان لم تكن بيعا كما هو الأظهر و المشهور. لعموم الآية الشريفة و حرم الربوا «1» فان الربا هي الزيادة في احد العوضين- المتجانسين، و لخصوص الاخبار الدالة علي اشتراط المثلية في المعاوضة مع اتحاد الجنس كقوله عليه السلام في صحيح الحلبي: الفضة بالفضة مثلا بمثل،

و الذهب بالذهب مثلا بمثل، ليس فيه زيادة و لا نقصان الزائد و المستزيد في النار «2».

و في صحيح ابي بصير: الحنطة و الشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما علي الآخر «3».

______________________________

(1) البقرة، آية 275.

(2) الوسائل باب 1 من أبواب الصرف حديث 1.

(3) الوسائل باب 8 من أبواب الربا حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 118

بل الظاهر التحريم حتي عند من لا يراها مفيدة للملك (1) لانها معاوضة عرفية و ان لم يفد الملك، بل معاوضة شرعية اعترف بها الشهيد رحمه الله في موضع من الحواشي حيث قال ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة، انتهي. و لو قلنا بأن المقصود للمتعاطيين الاباحة لا الملك فلا يبعد ايضا جريان الربا (2) لكونها معاوضة عرفا، فتأمل.

______________________________

و في حديث آخر: الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به و نحوهما غيرهما.

و اخري: نقول انه مختص بالبيع كما عن الحلي و العلامة رحمهما الله.

فعلي الأول يجري الربا في المعاطاة، كانت معاوضة مستقلة ام كانت بيعا مفيدة للملك اللازم أو الجائز أو الاباحة، اما علي الثلاثة الاول فواضح، و أما علي الأخير فلما

تقدم من انها مفيدة للملك، غاية الأمر مشروطة بشرط متأخر.

نعم، إذا كان المقصود بها الاباحة لا يجري فيها الربا، لأنه مختص بالمعاوضات الناقلة للملك.

و علي الثاني لا يجري فيها إذا كانت معاوضة مستقلة أو قصد بها الاباحة.

(1) قوله بل الظاهر التحريم حتي عند من لا يريها مفيدة للملك.

ان كان مراده انه كذلك علي التخصيص و هو و ان كان يلائم مع ما ذكره بقوله و بما ذكرناه يظهر وجه تحريم الربا فان علته حينئذ هي كونها بيعا عرفيا.

لكن يرد عليه ان التعليل لذلك بقوله لانها معاوضة عرفية و ان لم تفد الملك- لا يصح.

و ان كان مراده انه كذلك علي التعميم.

فيرد عليه ان الربا مختص بالمعاوضات المفيدة للملك- فمع فرض عدم افادتها له لا يجري فيها الربا- الا بناء علي ما ذكره سابقا من انها بيع عرفا بالتقريب المتقدم و عليه فلا بد من التعليل بذلك لا بأنها معاوضة.

(2) قوله فلا يبعد ايضا جريان الربا.

بل هو بعيد كان الربا مختصا بالبيع أو عاما لكل معاوضة اما علي الاول فواضح فانها حينئذ ليست بيعا عرفيا و لا شرعيا.

و أما علي الثاني فلانه مختص بالمعاوضة الملكية و لعله الي ذلك اشار بقوله فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 119

و أما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم (1) فيمكن نفيه علي المشهور لأنها اباحة عندهم فلا معني للخيار، و ان قلنا بافادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا، بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة (2) الا ان اثره يظهر بعد اللزوم و علي هذا فيصح اسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم، و يحتمل ان يفصل بين الخيارات المختصة

بالبيع، فلا يجري لاختصاص ادلتها بما وضع علي اللزوم من غير جهة الخيار و بين غيرها كخيار الغبن و العيب بالنسبة الي الرد دون الأرش،

فيجري لعموم ادلتها.

و أما حكم الخيار بعد اللزوم فسيأتي بعد ذكر الملزمات.

______________________________

جريان الخيارات فيها

(1) قوله و أما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم.

هذا هو المورد الثالث: و هو في جريان الخيارات فيها.

فان قلنا: انها معاوضة مستقلة، فالخيارات المختصة بالبيع لا تجري فيها لعدم كونها بيعا، و ما لا يختص بالبيع يجري فيها، و هذا واضح.

و ان قلنا: انها بيع، فبناء علي افادتها الملك اللازم تجري جميع الخيارات فيها.

و أما بناء علي افادتها الملك الجائز، فقال المصنف قدس سره.

(2) فيمكن القول بثبوت الخيار فيها مطلقا بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم،

كما سيأتي عند تعرض الملزمات، فالخيار موجود من زمان المعاطاة.

و يرد عليه: انها ان كانت بيعا فهي بيع قبل اللزوم، إذ اللزوم لا يصيرها بيعا.

و قد يقال: انه بناء علي هذا المسلك لا معني لثبوت الخيار فيها قبل اللزوم لكونه تحصيلا للحاصل، و يلزم منه اجتماع المثلين، و اللغوية لفرض كونها جائزة.

و يرد عليه: اولا: ان جوازها حكمي، و الخيار جواز حقي، و الأول لا يجوز اسقاطه و نقله، و لا يورث بالموت، و الثاني يجوز اسقاطه و نقله و يورث بالموت، فلا يلزم من ثبوته المحاذير المذكورة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 120

الأمر الثاني: ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين (1)
اشارة

فالملك أو الاباحة في كل منهما بالاعطاء

______________________________

و ثانيا: لو سلمنا كون جوازه ايضا حقيا، يمكن الجواب عنه بما اجاب به المصنف قدس سره في الخيارات فيما إذا اجتمع سببان من الخيار ككون المبيع حيوانا و معيبا،

و هو: ان الخيار و جواز الفسخ واحد و له اسباب متعددة، و لو اسقط ذو الخيار احدهما يكون الآخر باقيا.

و بعبارة اخري: يكون الجواز واحدا و له علل متعددة، و لا محالة عند اجتماعها يستند المعلول الي مجموعها، و لو انعدم احد العلل يكون المعلول باقيا لبقاء علته و مستندا

الي الباقي من العلل.

و ثالثا: ان الجواز الاصلي متعلق بالتراد لا بفسخ المعاملة، و الخيار انما هو ملك فسخ العقد، فمع عدم الخيار لو قال فسخت المعاملة تكون باقية بخلاف ما إذا ثبت الخيار.

فالأظهر جريانها فيها علي هذا المسلك ايضا.

و أما بناء علي افادتها الاباحة، فحيث عرفت انها بيع، غاية الأمر حصول الملكية يكون مشروطا بالتلف أو بالتصرف المتوقف علي الملك، فتجري فيها الخيارات، و ما في المتن من انه لا معني للخيار مما لا وجه له.

نعم لو قصد بالمعاطاة الاباحة لا تجري فيها الخيارات، اما الخيارات المختصة بالبيع فواضح، و أما الخيارات التي ادلتها تعم غير البيع فلانه ليس هناك سبب معاملي يمكن حله و ازالته.

بيان مورد المعاطاة

(1) قوله الامر الثاني ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين.

هذا الامر: في بيان المراد من المعاطاة و موردها.

و ملخص القول فيه: ان الصور المتصورة خمس:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 121

فلو حصل الاعطاء من جانب واحد لم يحصل ما يوجب اباحة الآخر أو ملكيته فلا يتحقق المعاوضة و لا الإباحة رأسا لأن كلا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية الآخر أو اباحته. الا ان الظاهر من جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في الدروس جعله من المعاطاة (1) و لا ريب انه لا يصدق معني المعاطاة لكن هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء علي عموم الحكم لكل بيع فعلي فيكون اقباض احد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض، أو مبيحا له به واخذ الآخر له تملكا له بالعوض أو اباحة له بازائه، فلو كان المعطي هو الثمن كان دفعه علي القول بالملك و البيع اشتراء، واخذه بيعا للمثمن به فيحصل الايجاب

و القبول الفعليين بفعل واحد في زمان واحد ثمّ صحة هذا علي القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة، إذ يدل عليها ما دل علي صحة المعاطاة من الطرفين.

و أما علي القول بالاباحة فيشكل بانه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل علي تأثيرها في الاباحة. اللهم الا ان يدعي قيام السيرة عليها كقيامها

______________________________

الاولي التعاطي من الطرفين و هو المتيقن، و الفرد الواضح المنطبق عليه عنوان المعاطاة،

و لكن لا بد و ان يعلم ان المقصود بالتعاطي ان كان هي المبادلة و المعاوضة لا يتوقف تحققها علي العطاء من الجانبين بل هي تتم بالعطاء من جانب و الاخذ من جانب آخر،

فان المعطي ينشأ البيع باعطائه، و الاخذ يقبله باخذه، فالعطاء من جانب القابل لا محالة يكون بعنوان الوفاء لما التزم به في اخذه، بل لو لم يكن منشئا للقبول باخذه كانت المعاملة فاسدة، فان العطاءين المقصود بهما التمليك و المعاوضة من قبيل الايجابين الصادرين من الطرفين، و لا تتحقق بهما المعاملة. نعم إذا قصد بهما الاباحة تتحقق لعدم كونها حينئذ معاملة، و ان كان داعي كل منهما للاباحة اباحة صاحبه.

(1) الصورة الثانية: الاعطاء من جانب واحد و الاخذ من الطرف الآخر، و هذا و ان لم يصدق عليه عنوان المعاطاة حقيقة، الا ان هذا العنوان لم يرد في آية و لا رواية كي يدور الحكم بالنفوذ و عدمه مدار صدقه و عدمه، و المراد بها في كلمات العلماء: ما يشمل الاعطاء من جانب، و لذا تراهم يعنونون جريان المعاطاة في الهبة، مع انه ليس في ذلك الباب الا الاعطاء و الاخذ. و عليه: فلا بد من ملاحظة الادلة، و قد عرفت انه في موارد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3،

ص: 122

علي المعاطاة الحقيقية، و ربما يدعي انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن واخذ المثمن من غير صدق اعطاء اصلا (1) فضلا عن التعاطي كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك، و كذا غير الماء من المحقرات كالخضراوات و نحوها، و من هذا القبيل دخول الحمام و وضع الأجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته.

فالمعيار في المعاطاة: وصول العوضين أو احدهما مع الرضا بالتصرف.

و يظهر ذلك من المحقق الأردبيلي رحمه الله ايضا في مسألة المعاطاة و سيأتي توضيح ذلك في مقامه ان شاء الله

______________________________

التعاطي ايضا يكون انشاء البيع بالاعطاء من جانب و الاخذ من جانب آخر، و يكون اعطاء الاخذ وفاء لما التزم به، فنفس ما هو موضوع للحكم في الموردين واحد، فلا وجه لدعوي عدم شمول الادلة للمورد الثاني.

الصورة الثالثة: ما إذا لم يكن هناك اعطاء اصلا، بل كان ايصال و وصول، كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء، و وضع الفلس في المكان المعد له، إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك، و كذا غير الماء من المحقرات كالخضراوات.

(1) و الي هذه نظر المصنف بقوله و ربما يدعي انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن.

و لو فرضنا تحقق سائر شرائط البيع من معلومية العوضين و غيرهما- كما هو المفروض في هذا المقام- تصحيح البيع في المقام يتوقف علي احد امور:

اما كون السقاء مثلا قاصدا بوضع الماء تمليك كل من شرب الماء بازاء ما تعارف فيه من العوض، و ان صاحب البقل قصد تمليك كل من اخذ البقل بوضعه في ذلك المكان بعوضه المتعارف، و هكذا.

و أما كون وضع المال في المحل الخاص

في الامثلة توكيلا للأخذ في البيع، فيكون هو متصديا لطرفي العقد.

و أما كون وضع الدراهم في كوز السقاء واخذ الماء منه انشاء للبيع من الطرفين،

و السقاء بعد اطلاعه عليه يجيز هذه المعاملة برضائه بها.

و الظاهر ان شيئا منها ليس في المعاملات الخارجية.

اما الأول: فلعدم تمليك صاحب المال بالنحو المذكور، مع انه يلزم منه الفصل بين الايجاب و القبول، و سيأتي اعتبار عدمه فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 123

ثمّ انه لو قلنا بان اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة امكن خلو المعاطاة من الاعطاء و الايصال رأسا فيتقاولان علي مبادلة شي ء بشي ء من غير ايصال (1) و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء علي الملك. و أما علي القول بالاباحة فالاشكال المتقدم هنا اكد.

______________________________

و أما الثاني: فلعدم توكيل المالك شخصا معينا و لا جميع الاشخاص، بل عدم توجهه الي ذلك، كما ان الاخذ لا يكون قاصدا للايجاب و القبول.

و أما الثالث: فلعدم قصد الاخذ بالنحو المذكور، مضافا الي ان بناء المتشرعة علي التصرف في المأخوذ مع عدم احراز الاجازة، بل و عدم اجازة صاحب المال.

فالأظهر انه في هذه الموارد اباحة بالعوض، و الدليل علي نفوذها و صحتها هي السيرة. و بعبارة اخري: يكون تصرفا بالرضا و اذنا في الاتلاف بالعوض المسمي، و دليل الامضاء السيرة بضميمة عدم الردع.

الصورة الرابعة: ما إذا لم يكن ايصال ايضا، بل كانت نتيجته كما إذا كان المالان عندهما بسبق امانة أو اشتباه أو غير ذلك فقصد البيع و التبديل بلا فعل من كل منهما، بل قصداه بالبقاء، و الظاهر انه لا يتحقق البيع لعدم وجود قول أو فعل كاشف عن قصد المعاملة و مجرد القصد لا

يكفي، اللهم الا ان يقال ان ابقاء كل منهما ما له تحت يد صاحبه و امساكه ماله فعلان اختياريان، فيمكن انشاء البيع بهما.

(1) هذه هي الصورة الخامسة: و هي ان ينشأ البيع باللفظ غير المعتبر في العقد، أي اللفظ غير الصحيح، كما في الانشاء باللفظ المتعارف استعماله في مقام المقاولة، و الظاهر عدم انعقاد البيع، فان البيع الممضي بعد ما لم يكن مجرد القصد الساذج، و اعتبرنا اظهاره بفعل أو قول، فلا بد و ان يكون باللفظ أو الفعل الذي له مظهرية لذلك المعني في نفسه، و لا ينعقد بكل فعل أو لفظ. فتأمل هذا علي القول بالملك.

و أما علي القول بالاباحة التعبدية الشرعية فالأمر اوضح لعدم احراز السيرة علي مثله ليحكم عليه بالاباحة نعم بناء علي الاباحة المالكية لا إشكال في ثبوتها به لان المناط فيها احراز الرضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 124

الثالث: تمييز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية

مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح (1) فان صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف.

______________________________

تمييز البائع عن المشتري

(1) الامر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة، مع كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و ما شاكل واضح.

انما الكلام فيما لو كان العوضان من غيره.

و تنقيح القول بالبحث في موردين:

احدهما: فيما هو الحق.

ثانيهما: فيما افاده المصنف و سائر الاساطين، و ما يرد عليهم.

اما المورد الأول: فلتوضيح المطلب لا بد من تقديم مقدمة، و هي:

ان المعاملة البيعية و سائر المعاملات حتي الهبة انما تكون متقومة بامرين: تمليك من طرف، و مطاوعة و قبول من الآخر، و لو كان هناك تمليكان بلا قبول كانا ايجابين و لم ينطبق عليهما عنوان البيع و

لا غيره من عناوين المعاملات.

إذا عرفت هذه المقدمة، فاعلم: انه في مقام الثبوت كل من ملك ماله بعوض هو البائع،

و طرفه القابل هو المشتري، من غير فرق بين المعاملة الفعلية و القولية، و من غير فرق بين الاثمان و العروض.

و أما في مقام الاثبات ففي المعاملة الفعلية لا محالة يكون المعطي ماله اولا هو البائع لانه يملك ماله بعوض، اللهم الا ان يكون قصده من الاعطاء كونه امانة عند صاحبه الي ما بعد المعاملة فيكون في الحقيقة اقباضا للعوض قبل البيع، و لا يتصور في اعطاء المعطي الأول غير ذلك، فانه لا يمكن ان يكون قبولا مقدما بان ينشأ به تملك مال صاحبه، و هذا بخلاف المعاملة اللفظية فانه يتصور فيه ذلك.

و لو كان الاعطاء من الطرفين في آن واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 125

و أما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن في العوضية (1) فإذا اعطي الحنطة في مقابل اللحم قاصدا أن هذا المقدار من الحنطة يسوي درهما هو ثمن اللحم فيصدق عرفا أنه اشتري اللحم بالحنطة و إذا انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم و الدينار هو الثمن و صاحبه هو المشتري و لو لم يلاحظ الا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام احدهما مقام الثمن في العوضية أو لوحظ القيمة في كليهما بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق و مقاولة تدل علي كون أحدهما بالخصوص بائعا، ففي كونه بيعا و شراء

______________________________

فان قصد كل منهما باعطائه التمليك لم يكن بيعا، بل لا يكون صلحا و لا معاملة مستقلة.

اما عدم كونه صلحا فلانه

في الصلح ايضا يعتبر انشاء المسالمة من طرف و القبول من آخر.

و أما عدم كونها معاملة مستقلة فلأن دليل امضاء المعاوضات اما السيرة أو آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» أو آية تجارة عن تراض. «2» و شي ء منها لا يصلح لاثبات صحة هذه المعاملة.

اما الأولي: فلأن عدم قيامها علي مثل هذه المعاملة واضح.

و أما الثانية: فلعدم كون الايجابين عقدا الذي حقيقته الربط بين شيئين كما تقدم.

و أما الثالثة: فلعدم صدق التجارة عن تراض عليهما كما لا يخفي.

و ان شئت قلت: انه لا دليل علي امضاء الشارع غير ما هو من العقود المتعارفة،

و هذه ليست منها.

(1) و المصنف قدس سره في مقام التمييز ذكر انه إذا كان احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم كان صاحب الثمن هو المشتري، و ان كانا من غير ذلك فان قصد باحدهما قيامه مقام الثمن في العوضية كان صاحبه المشتري، و الا ففيه احتمالات:

______________________________

(1) المائدة، آية 2.

(2) النساء، آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 126

بالنسبة الي كل منهما، بناء علي أن البيع لغة كما عرفت مبادلة مال بمال و الاشتراء ترك شي ء و الأخذ بغيره (1) كما عن بعض أهل اللغة فيصدق علي صاحب اللحم:

أنه باعه بحنطة و أنه اشتري الحنطة فيحنث لو حلف علي عدم بيع اللحم، و عدم شراء الحنطة. نعم لا يترتب عليهما أحكام البائع و لا المشتري لانصرافهما (2) في أدلة الاحكام الي من اختص بصفة البيع أو الشراء، فلا يعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين أو كونه بيعا بالنسبة الي من يعطي أولا لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة الي الأخذ لكونه قابلا عرفا

______________________________

منها: كون كل منهما بائعا و مشتريا.

و منها: كون المعطي

اولا هو البائع، و الآخر مشتريا.

و منها: كون ذلك مصالحة أو معاوضة مستقلة. ثمّ اختار قدس سره الثاني.

و فيه: - مضافا الي ان لازم ما افاده قدس سره كون كل من المتبايعين في بيع الصرف مشتريا، و مضافا الي انه لم يظهر المراد من قصد قيام احد العوضين مقام الثمن في العوضية، فان كان المراد ان يلاحظ قيمته و مقدار تموله من النقود فهذا امر موجود في كل منهما في غالب البيوع، و ان اراد به المعاملة عليه بالدراهم ثمّ جعل الدراهم عوضا فهو بديهي الفساد، و ان اراد غير ذلك فالعبارة غير وافية به.

ان ما ذكره قدس سره لو تم فانما هو في مقام الاشتباه في مقام الاثبات، و لا يفيد في مقام الثبوت.

(1) و فيه ان هذا لازم الاشتراء، و الا فهو قبول الشراء و البيع.

مع انه يلزم صدق المشتري علي كل منهما في جميع الموارد.

(2) و فيه انه لو سلم اختصاص كل منهما بحكم مع انه ممنوع كما ستعرف دعوي الانصراف لا تسمع.

و من الغريب في هذا المقام، ما افاده المحقق النائيني قدس سره و هو:

انه لو وقع التبديل بين العروضين بالاعطاء من الطرفين دفعة واحدة و لم يقصد باحدهما القيام مقام الثمن و لم يكن بسبق مقاولة، كان احدهما لا علي التعيين بائعا و الآخر مشتريا من دون امتياز بينهما واقعا، إذ هناك معاملة قائمة، بصرف الوجود من تبديل احدهما و قبول الآخر، و صرف الوجود يتحقق باحدهما من دون تمييز بينهما حتي واقعا لعدم خصوصية في احدهما دون الآخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 127

أو كونها معاطاة مصالحة لأنها بمعني التسالم علي شي ء و لذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد

الشريكين لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي: علي الصلح أو كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة و عرفا علي الدافع دون الآخر و صدق المشتري علي الأخذ أولا دون الآخر فتدبر.

الرابع: أن اصل المعاطاة و هي اعطاء كل منهما الآخر
اشارة

ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين علي وجوه: (1)

______________________________

فانه يرد عليه: انه لا يعقل تحقق شي ء في عالم العين و عدم تعينه واقعا، إذ المردد لا ماهية له و لا وجود فان كان البيع انشاء للتبديل و الاشتراء قبولا لذلك كما اعترف به،

فان انشأ في المعاملة المفروضة احدهما و قبل الآخر فالمنشئ بائع و القابل مشتر، و ان قصدا معا الانشاء فحيث لا يعقل وقوعهما معا- و كونهما بيعا كما اعترف به و كون احدهما المعين بيعا و الآخر اشتراء ترجيح بلا مرجح، واحدهما لا بعينه لا وجود له- فلا مناص عن البناء علي البطلان.

و أما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره في هذا المقام بما حاصله: ان البائع هو من بذل خصوصيات ماله و اغمض النظر عنها و لكن امسك علي ماليته باخذ البدل، و في ذلك لا نظر له الا الي حفظ تموله، و أما المشتري فهو بعكس ذلك يقال لكل من رغب في خصوصيات الاعيان التي يتلقاها من المأكولات و غيرها، و إذا كانت خصوصيات العين مرغوبة لكل من الجانبين كما في تبديل كتاب بكتاب لم يكن ذلك بيعا بل معاوضة مستقلة.

فيرد عليه: - مضافا الي ان لازم ما ذكره عدم كون بيع الاجناس بالتاجر الذي غرضه من المعاملة حفظ تموله و ازدياده بيعا- ان ما ذكر لا شاهد له من العرف و لا من الشرع، و لم

يعتبر احد في البيع ذلك. فالصحيح ما ذكرناه.

اقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين

(1) الامر الرابع: قال المصنف: ان اصل المعاطاة- و هي اعطاء كل منهما الآخر ماله- يتصور بحسب قصد المتعاطيين علي وجوه، ثمّ ذكر وجوها اربعة.

و اورد عليه السيد في الحاشية: بان الوجوه و الاقسام ازيد مما ذكره فانه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 128

أحدها: أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر (1) فيكون الآخر في أخذه قابلا و متملكا بازاء ما يدفعه فلا يكون في دفعه العوض انشاء تمليك بل دفع لما التزمه علي نفسه بازاء ما تملكه فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الأولي و قبضها فدفع العين الثاني خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه صححنا سابقا عدم توقف المعاطاة علي قبض كلا العوضين فيكون اطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقومة بالعطاء من الطرفين. و مثله في هذا الاطلاق لفظ المصالحة و المساقات و المزارعة و المؤاجرة و غيرها و بهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم يكن عطاء و في صحته تأمل.

______________________________

منها ما إذا كانت المقابلة بين المالين مع كون القبول بالاعطاء.

و منها: ما إذا كانت المقابلة بين المال و التمليك، أو بين التمليك و المال، و كذلك في طرف الاباحة.

و منها: غير ذلك.

و فيه: ان غرض المصنف قدس سره من التعرض لهذا التنبيه هو بيان الصور التي فيها اشكال و كلام، و مورد للنقض و الابرام، و الصور التي هذه حالها منحصرة في اربع عنده، إذ الاشكال في الصورة الاولي

انما هو من ناحية عدم صدق المعاطاة، و في الثانية من جهة عدم صدق البيع، و في الثالثة و الرابعة بما ذكره قدس سره مفصلا- و سيأتي-، و أما باقي الصور فكانت عنده خالية عن الاشكال و الكلام فلم يتعرض لها.

و لكن الأولي اضافة صورة اخري إليها، و هي المبادلة بين المال و التمليك، فانها ايضا وقعت محل الكلام و الاشكال.

و كيف كان: فأحد الوجوه الاربعة التي ذكرها:

(1) ان يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر فيكون الآخر في أخذه قابلا و متملكا بازاء ما يدفعه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 129

______________________________

فلا يكون في دفعه العوض انشاء تمليك بل دفع لما التزمه علي نفسه بازاء ما تملكه،

فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الاولي و قبضها، فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة.

و قد اورد عليه بايرادين:

الأول: ما عن السيد قده: بانه يمكن ان يكون انشاء القبول بدفع العوض ايضا بان يكون اخذ المعوض من باب الاستيفاء لا بعنوان القبول، و كان علي الشيخ قدس سره ان يذكر هذا الوجه ايضا لانه مضافا الي امكانه هو الغالب.

الثاني: ما عن المحقق النائيني قدس سره: بانه لا يكون القبول بالاخذ في مورد، بل المعاملة تتحقق بفعل كل منهما، و فعل البائع بمنزلة الايجاب القولي، و اعطاء المشتري بمنزلة القبول القولي، واخذ كل منهما وفاء بالمعاملة و التزام بآثارها.

و لكن قد عرفت في التنبيه الثاني انه في المعاطاة دائما يكون الايجاب بالاعطاء من طرف، و القبول بالاخذ و اعطاء الآخر انما يكون وفاء لما التزم به، و لو لم يكن الآخر منشئا للقبول بالاخذ لم يجد اعطائه، و ان قصد به التمليك فان الاعطاءين حينئذ بمنزلة ايجابين غير مرتبطين لا

إيجاب و قبول.

و يرد عليهما: - مضافا الي ذلك- ان كون الاخذ بعنوان الوفاء بالمعاملة و من باب الاستيفاء لم يظهر وجهه في الأخذ الاول، فانه حين الاخذ لم تتم المعاملة، فما معني الاخذ بعنوان الوفاء بها.

و يرد علي السيد قده: - مضافا الي ذلك- ان عدم التعرض لهذا في المكاسب انما هو من جهة ما ذكره قدس سره في التنبيه الثاني من أن المتيقن من مورد المعاطاة هو صورة التعاطي من الطرفين، و انه لا إشكال فيها، و انما الاشكال كان في هذا المورد، و لذا تعرض له خاصة في هذا التنبيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 130

ثانيها: أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بازاء تمليك ماله اياه. فيكون تمليك بازاء تمليك، فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين، و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين (1) فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة، و هذا بعيد عن معني البيع و قريب الي الهبة المعوضة لكون كل من المالين خاليا عن العوض، لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل، إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الاول لانه انما ملكه بازاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك الثاني لم يتحقق تملكه، الا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأول علي نحو الداعي لا العوض فلا يقدح تخلفه فالأولي أن يقال انها مصالحة و تسالم علي أمر معين أو معاوضة مستقلة.

______________________________

(1) ثانيها: ان يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بازاء تمليك ماله اياه فيكون تمليك بازاء تمليك، فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين، و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين.

الكلام في هذا الوجه يقع في موارد ثلاثة:

الأول في معقوليته، و الأظهر عدمها، فانه ان اريد

به تعليق التمليك علي تمليك الآخر فهو هبة معلقة، و ان اريد به اشتراط التمليك بالتمليك الآخر فهو هبة مشروطة، و ان اريد به كون احد التمليكين معوضا و الآخر عوضا، كما هو ظاهر المتن- فحيث ان صيرورة التمليك معوضا انما تحتاج الي انشاء و جعل متعلق بذلك، و التمليك، اي انشاء الملكية: انما هو جعل لذلك نفسه لا جعل لمعوضيته، فلا يعقل ان يكون تمليك الآخر عوضا عن هذا التمليك، إذ عوضيته اما ان تكون بنفسه أو بجعل الملكية و انشائها، أو بجعل آخر، و الأول غير معقول و هو واضح، و كذلك الثاني، فان كونه معوضا يحتاج الي جعل آخر متعلق به، و الثالث مفروض العدم، فالتمليك بازاء التمليك مما لا أتعقله.

الثاني: انه علي فرض معقوليته هل يمكن ان يكون القبول بالأخذ أم لا يمكن الا ان يكون بالتمليك الثاني؟ صريح المتن هو الثاني.

و اورد عليه السيد المحشي قده و المحقق الايرواني: بانه يمكن ان يكون بالاخذ،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 131

______________________________

فيكون التمليك واجبا علي الثاني من باب الوفاء.

قالا: بل يمكن ان يقال ان هذا هو المتعين.

و لكن الظاهر تمامية ما افاده الشيخ قدس سره، فان المعاوضة إذا كانت بين التمليكين لم يكن الايجاب تاما الا بعد تحقق التمليك و تماميته، و هو متقوم بايجاب و قبول، فالاخذ و ان كان قبولا الا انه قبول للتمليك لا البيع، فهو دائما يكون جزءا من الايجاب لا قبولا للمعاملة، فلا محالة يكون قبولها بالاعطاء من الآخر بقصد التمليك.

و بالجملة: في هذا الوجه خصوصية و هي: ان المعوض انما هو التمليك المتوقف تحققه علي القبول، فلا يمكن ان يكون الاخذ قبولا لذلك و للمعاملة.

الثالث: ان هذه

المعاملة علي فرض معقوليتها هل هي بيع، أو هبة معوضة، ام تكون مصالحة، أو معاوضة مستقلة؟ و الظاهر عدم كونها بيعا، لان البيع هو المبادلة بين المالين، و في هذه المعاملة لا مبادلة بينهما بل المعاوضة بين الفعلين، اللهم الا ان يقال: ان المعاوضة بحسب الصورة و ان كانت بين التمليكين الا ان النظر اليهما آلي، و في الحقيقة و اللب تكون المعاوضة بين المالين، و بهذا الاعتبار يمكن دخوله في البيع. فلو تم ذلك فهو اولا فهي هبة معوضة، إذ التمليك انما يكون تمليكا للشي ء مجانا و بلا عوض.

و الايراد عليه كما في المتن من انه لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الأول لأنه انما ملكه بازاء تمليكه، فما لم يتحقق تمليك الثاني هنا لم يتحقق تملكه،

و الهبة في حاقها مأخوذة المجانية.

غير تام، فان المجانية المعتبرة في الهبة انما هي في المال، و عدم جعل شي ء في مقابل المال، و هذا مفروض في المقام، إذ العوض انما هو للتمليك لا للمال.

فتحصل: انها اما بيع أو هبة معوضة، و لا تكون مصالحة و لا معاوضة مستقلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 132

ثالثها: أن يقصد الأول اباحة ماله بعوض فيقبل الآخر بأخذه اياه (1) فيكون الصادر من الأول الاباحة بالعوض، و من الثاني بقبوله لها التمليك كما لو صرح بقوله: أبحت لك كذا بدرهم.

رابعها: أن يقصد كل منهما الاباحة بازاء اباحة أخر (أخري (2)) فيكون اباحة بازاء اباحة أو اباحة لداعي اباحة علي ما تقدم نظيره في الوجه الثاني من امكان تصوره علي نحو الداعي، و علي نحو العوضية و كيف كان فالاشكال في حكم القسمين الأخيرين علي فرض قصد المتعاطين لهما،

______________________________

و أما الصورة

التي اضفناها، و هي: ما إذا كانت المقابلة و المعاوضة بين المال و التمليك، بان يقصد احدهما تمليك ماله بتمليك الآخر، و هو الفعل الخارجي الصادر من المشتري، فيكون من بيع الأموال بالاعمال.

فقد اشكل المحقق النائيني قدس سره فيها، و قال: ان البيع باطل في المقام و ان صح بيع الاموال بالاعمال. و استدل له. بان العمل الذي يقابل بالمال يشترط كونه مقصودا بالاستقلال كي يبذل بازاء نفسه المال كخياطة الثوب و نحوه، و التمليك ليس كذلك، بل هو آلي و طريقي لتحصيل المال، إذ التمليك بالمعني المصدري ليس مالا، بل المال هو الحاصل من المصدر، و ليس هذا الفعل الا آلة لحصول اسم المصدر، فلا يمكن ان يقابل بالمال، فلا يصح جعله عوضا.

و فيه: ان ضابط صحة جعل شي ء عوضا كونه متعلقا للغرض، سواء كان منشأ كونه كذلك طريقيته لتحصيل المال، أو كونه بنفسه مالا، و لا يعتبر فيه ازيد من ذلك، و التمليك متعلق للغرض و لو بواسطة طريقيته لحصول المال.

فالأظهر صحة جعله عوضا نظير سائر الاعمال.

(1) ثالثها ان يقصد الاول اباحة ماله بعوض، فيقبل الآخر باخذه اياه، فيكون الصادر من الأول الاباحة بالعوض، و من الثاني بقبوله لها التمليك كما لو صرح بقوله:

ابحت لك كذا بدرهم.

(2) رابعها ان يقصد كل منهما الاباحة بازاء اباحة اخري، فتكون اباحة بازاء اباحة اخري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 133

و منشأ الاشكال أولا الاشكال في صحة اباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي ملكية المتصرف (1) بأن يقول أبحت لك كل تصرف من دون ان يملكه العين

______________________________

و قد استشكل المصنف في هذين الوجهين باشكالين لا يكون شي ء منهما مربوطا بمسألة المعاطاة:

(1) اما الاشكال الاول: و حاصله: ان المالك

انما يجوز له اباحة التصرف في ماله بالنسبة الي التصرفات السائغة لغير المالك، و ليس له اباحة ما لا يجوز لغير المالك الا بايجاد موضوعه بتمليكه اياه، و المفروض في المقام عدمه، و دليل السلطنة لا يكون مشرعا لما منع عنه الشارع، أ لا تري انه لم يتوهم احد دلالته علي جواز وطء عبد الغير باذنه؟ فهو اشكال عام لجميع اقسام الاباحة سواء كانت باللفظ أو الفعل، مع قصد العوض أو مجانا.

و عليه فبما ان هذا البحث استطرادي لا بأس بتقديم بحث آخر استطرادي مربوط به.

التصرفات المتوقفة علي الملك

و هو انه هل هناك تصرف متوقف علي الملك ام لا؟ و ملخص القول فيه: ان جملة من الامور التي ذكروا توقفها علي الملك تقدم ما فيها و عرفت عدم التوقف.

بقي في المقام امور:

منها: اخراج المال في الخمس و الزكاة.

و منها: ثمن الهدي.

و منها: وطء الجارية.

و منها: العتق.

و منها: البيع.

و شي ء منها لا يتوقف علي الملك:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 134

______________________________

اما الأول: فلأنه ان قلنا بان الخمس و الزكاة يتعلقان بالذمة، فيكون سبيلهما سبيل سائر الديون، فكما يجوز وفاء الدين بمال الغير لو اذن لما دل «1» علي جواز اداء الدين من غير مال الدائن و التبرع بوفائه.

كذلك يجوز الخمس و الزكاة من مال الغير، و كون الخمس و الزكاة من العبادات لا ينافي ذلك، و ان كان منافيا لتبرع الغير بادائهما، فان المباشر في المقام من وجبا عليه.

و ان قلنا بتعلقهما بالعين، فحيث ان للمكلف تبديلهما من العين و ادائهما من مال آخر، فله التبديل بادائهما من مال الغير ان اذن في ذلك.

و أما الثاني: فلما ذكرناه في سابقه، لأنه ايضا من الديون.

مضافا الي ما ورد من النصوص

«2» في جواز الذبح عن العبد و الصبي، و ان رسول الله صلي الله عليه و آله ذبح عن امهات المؤمنين بقرة بقرة، إذ لو جازت النيابة جاز الهدي بملك الغير، و كذلك ثمنه.

و أما الثالث: فلأنه يجوز بالاباحة للنص، «3» غاية الأمر يعتبر ان يكون لفظ خاص،

و هو: احللت، و لا ينعقد بلفظ ابحت.

و أما ما «4» ظاهره توقف الوطء علي الملك فلا مناص من ان يكون المراد به ملك التصرف كي يعم جميع موارد الوطء الحلال.

و أما الرابع: فقد ذكر في وجه توقفه علي الملك: انه دلت النصوص علي انه لا عتق الا في ملك.

ففي خبر ابن مسكان: من اعتق ما لا يملك فلا يجوز «5» و نحوه غيره

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب المستحقين للزكاة و باب 3 من أبواب الدين و القرض و باب 12 من أبواب مقدمات

النكاح و باب 106 من أبواب احكام الاولاد و غيرها.

(2) الوسائل باب 2 و 3 و 8 من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(3) الوسائل باب 35 من أبواب مقدمات النكاح و باب 41 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

(4) الوسائل باب 35 من أبواب مقدمات النكاح و باب 41 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

(5) الوسائل باب 5 من أبواب كتاب العتق حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 135

و ثانيا الاشكال في صحته الاباحة بالعوض الراجعة الي عقد مركب من اباحة و تمليك فنقول أما اباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك فالظاهر أنها لا تجوز، إذ التصرف الموقوف علي الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد اذن المالك،

فان اذن المالك ليس مشرعا و انما يمضي فيما يجوز شرعا فإذا كان بيع الانسان مال غيره

لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره، غير معقول كما صرح به العلامة في القواعد فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه (1) نعم يصح ذلك بأحد وجهين كلاهما في المقام مفقود.

______________________________

و فيه: ان محتملات هذه النصوص التي وردت نظائرها في البيع امور الأول: ان المعتق لا بد و ان يكون رقا و مملوكا كي يقبل الانعتاق، و المبيع لا بد و ان يكون مملوكا حتي يقبل التملك.

الثاني: انه يعتبر في العتق و البيع ان يكون البائع و المعتق مالكين لهما لا مالكين للمال.

الثالث: انه يعتبر فيهما كون البائع و المعتق مالكين للمال، من دون نظر لها الي كون من يقع البيع: له- اي يدخل الثمن في ملكه- و من ينعتق عليه الرق مالكين.

الرابع: انه يعتبر فيهما كون البيع و العتق للمالك.

و الاستدلال بها يتوقف علي ارادة الأخير- كما لا يخفي- و هي غير ظاهرة فيه،

لو لم تكن ارادة غيره اظهر كما هو واضح.

و أما الخامس: فقد استدل له- مضافا الي النصوص المشار إليها مع جوابها-: بوجه عقلي اشار إليه في المتن و نقله عن العلامة في القواعد، و هو

(1) انه لا يعقل خروج المبيع عن كيس شخص و دخول الثمن في ملك شخص آخر.

و غاية ما قيل في تقريبه: ان المعاوضة من المعاني النسبية التعلقية، فلا بد و ان تكون العوضية في شي ء، فإذا كانت المعاوضة في الملكية فلا بد من قيام كل من الثمن و المثمن مقام الآخر في الاضافة الملكية لصاحبها، و مقتضي ذلك انتقال كل منهما الي مالك الاخر، و عليه فالاذن في بيع مال الغير لنفسه اذن في امر غير معقول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 136

______________________________

و فيه: ان

عنوان المعاوضة ليس موضوعا للاثر، بل الموضوع هو البيع، و قد عرفت ان حقيقته اعطاء شي ء بازاء شي ء لا مجانا، و هذا يصدق مع عدم دخول العوض في ملك مالك المعوض، و قد تقدم تنقيح القول في ذلك. فراجع.

إذا عرفت هذا فاعلم: انه لو قلنا بانه لا يكون شي ء من التصرفات متوقفا علي الملك، فلا اشكال في صحة مثل هذه الاباحة.

الاذن في التصرفات المتوقفة علي الملك

و أما لو قلنا بان بعض التصرفات كالبيع و العتق متوقف علي الملك.

فيقع الكلام في صحة اباحة جميع التصرفات و عدمها.

و لما كان علي هذا المسلك عدم الصحة في بادئ النظر واضحا، من جهة ان دليل السلطنة انما يدل علي تسلط الناس علي اموالهم فيما لم يمنع عنه الشارع، فإذا منع الشارع عن بيع غير المملوك و حكم بعدم نفوذه لا يصلح دليل السلطنة لتجويزه و الترخيص فيه و مع ذلك يظهر من قطب الدين و الشهيد قدس سره في باب بيع الغاصب ان تسليط المشتري للبائع الغاصب علي الثمن و الاذن في اتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا.

و يظهر ايضا من العلامة في المختلف انه لو علم البائع للجارية غصبية ما جعل ثمنا لها يجوز للمشتري وطئها.

و كانت ايضا مسائل ثلاث مشهورة بين الأصحاب:

احداها: انه لو قال الرجل لمالك العبد اعتق عبدك عني و اعتقه المالك يقع العتق عن الأمر.

ثانيتها: ان الرجل إذا اشتري احد عموديه ينعتق عليه مع انه لا يملكهما.

ثالثتها: انه لو تصرف الواهب و ذو الخيار فيما وهبه و باعه بالبيع الخياري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 137

احدهما: أن يقصد المبيح بقوله أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك أن ينشأ (انشاء توكيل) توكيلا له في بيع ماله ثمّ نقل الثمن

الي نفسه بالهبة (1) أو في نقله أولا الي نفسه ثمّ بيعه (2) أو تمليكا له بنفس هذه الاباحة، فيكون انشاء تمليك له و

يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله كما صرح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد اعتق عبدك عني بكذا، استدعاء لتمليكه و اعتاق المولي عنه جواب لذلك الاستدعاء، (2) فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدر وقوعه قبل العتق آنا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج الي الشروط المقررة لعقد البيع،

______________________________

بالبيع أو العتق، صح ذلك و كان هو فسخا فعليا، تصدي المصنف قدس سره في المقام لتوجيه ذلك و لبيان حكم تلك المسائل و الوجه في الالتزام بالملكية فيها و عدم انطباق تلك الوجوه علي المقام، و ذكر في كل واحدة من تلك المسائل وجها غير ما ذكره في غيرها، و قبل بيان تلك الوجوه ذكر وجهين لتصحيح الاذن في البيع.

(1) احدهما: ان يقصد المبيح بقوله ابحت لك ان تبيع مالي لنفسك انشاء توكيل له في بيع ماله له ثمّ نقل الثمن الي نفسه بالهبة.

(2) ثانيهما ان يقصد به نقله اولا الي نفسه ثمّ بيعه.

و ردهما: بان المفروض ان قصد المبيح ليس شيئا منهما.

و يرد عليهما- مضافا الي ذلك-: انه في كل منهما فرض التوكيل في الهبة، و هي من الانشائيات و لا تتحقق بمجرد القصد، فلو كان من قصده ايضا ذلك لم يفد شيئا، بل احتاج الي انشاء الهبة باللفظ أو الفعل.

(3) اما ما ذكره في مسألة اعتق عبدك عني، فمحصله: ان قول الرجل لمالك العبد:

اعتق … الخ استدعاء لتمليكه، و اعتاق المولي جواب لذلك الاستدعاء، فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدر وقوعه قبل

العتق آنا ما.

و قال: هذا الوجه لا ينطبق علي المقام، إذ المبيح لم يقصد التمليك بالاباحة المذكورة، و لا قصد المخاطب التملك عند البيع حتي يتحقق تمليك ضمني مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو بالاجمال في تلك المسألة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 138

و لا شك ان المقصود فيما نحن فيه ليس الاذن في نقل المال الي نفسه اولا و لا في نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالاباحة المذكورة و لا قصد المخاطب،

التملك عند البيع حتي يتحقق تمليك ضمني مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو اجمالا في مسألة اعتق عبدك عني، و لذا عد العامة و الخاصة من الأصوليين دلالة هذا الكلام علي التمليك: من دلالة الاقتضاء التي عرفوها بأنها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه فمثلوا للعقلي بقوله تعالي: و اسأل القرية و للشرعي بهذا المثال و من المعلوم بحكم الفرض أن المقصود فيما نحن فيه ليس الا مجرد الاباحة. (1)

______________________________

يرد علي ما ذكره في مسألة العتق امور:

الأول: انه إذا كان العتق هو المملك- لكونه جوابا للاستدعاء- فما وجه الالتزام بحصول الملك قبل العتق آنا ما. و بعبارة اخري: حيث ان التمليك من الانشائيات، و لا يتحقق بدون الانشاء- و المفروض ان انشاءه هو العتق- فكيف يقدر و جودة قبل العتق؟ و ان التزم بحصوله بالعتق يلزم منه اجتماع الملك و زواله في زمان واحد، و هو غير معقول، مع انه لا يفيد شيئا إذ المفروض توقف العتق بالحمل الشائع علي الملك، فإذا كان هو متوقفا علي العتق لزم الدور.

الثاني: ان لازم ذلك تأثير العتق في حصول الملك و زواله، و هو

في غاية البعد.

الثالث: ان التمليك و التملك من الامور القصدية، فلو فرض ان المستدعي و المعتق غير ملتفتين اليهما و لم يقصداهما فكيف يلتزم بحصول الملك.

(1) و يرد علي ما ذكره قدس سره من الفرق بين المسألتين بعدم القصد الي التمليك في المقام، و بدلالة الكلام في مسألة العتق علي التمليك بدلالة الاقتضاء ان المفروض في المسألتين عدم القصد الي التمليك، فان كان القصد الي العتق كافيا في قصد التمليك من جهة كونه قصدا اجماليا له، فكذلك في المقام.

و يرد علي ما افاده في مسألة العتق ان الامر به بيع ضمني لا يحتاج الي الشروط المقررة للبيع انه لم يدل دليل علي صحة هذا البيع، كي يقال ان مقتضاه سقوط اعتبار تلك الشروط المفقودة، و مجرد كون البيع ضمنيا لا يصلح لذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 139

______________________________

و بالجملة: لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة.

و الحق عدم كونه تمليكا في البابين.

و قد التزم المحقق النائيني قدس سره في مسألة اعتق عبدك عني بدخول العبد في ملك الامر و انعتاقه، لا من جهة توقف العتق علي الملك، بل من جهة انه إذا امر الامر بايجاد عمل محترم، أو باتلاف مال محترم غير مجاني يرجع نفعه إليه و امتثل المأمور ذلك يكون الاستدعاء و استيفائه له مقتضيا لضمان المستوفي، إذ المفروض انه لم يصدر عن المأمور تبرعا، بل بالعوض المسمي، و حيث ان ضمانه ليس من باب الغرامة بل ضمان معاملي، و تكون تلك المعاملة الواقعة بين الأمر و المأمور ذلك بامره و استدعائه، و هذا بامتثاله و عمله صحيحة لعموم تجارة عن تراض، فلا محالة يكون لازمه دخول المضمون به في ملك الضامن.

و فيه، ان الملك

من الامور التي يتوقف تحققها علي القصد و الانشاء فإذا فرضنا عدم قصد الأمر و المأمور التمليك و التملك لما كان وجه للالتزام بحصول الملك، و مجرد كون الضمان لا من باب الغرامة لا يقتضي دخول المضمون به في ملك الضامن.

مع انه يرد عليه الايراد الثاني الذي اوردناه علي المصنف قدس سره.

فالأظهر انه ان كان العتق غير متوقف علي الملك فيلتزم بالصحة في المثال و ضمان الامر ان لم يكن استدعائه علي وجه المجانية، و ان كان متوقفا عليه فلا يصح و يكون نظير عكس المسألة اعتق عبدي عنك، و به يظهر حال مسالتنا هذه.

و أما ذكر في مسألة العمودين و توهم انطباقه علي المقام، و لاجله التزم بالملك التقديري الفرضي، بمعني فرض الملك و تقديره لغاية خاصة و هو الانعتاق في مسألة العمودين، فحاصله: انه كما ان الجمع بين الادلة في تلك المسألة- و هي ما دل علي انه لا عتق الا في ملك، و ما دل علي ان شراء العمودين جائز، و ما دل علي ان الانسان لا يملك عموديه و ينعتقان عليه لو اشتراهما، و ما دل علي توقف صحة البيع بل حقيقته علي دخول كل من العوضين في كيس من خرج الآخر عن كيسه- يقتضي الالتزام بالملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 140

الثاني: ان يدل دليل شرعي علي حصول الملكية للمباح له بمجرد الاباحة فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند ارادة البيع، آنا ما، فيقع البيع في ملكه أو يدل دليل شرعي علي انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع، فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل غير العتق، فانه حينئذ يقال: بالملك المقدر آنا

ما للجمع بين الادلة (1)

______________________________

التقديري الفرضي بالمعني المتقدم.

كذلك في المقام الجمع بين ما دل علي توقف جملة من التصرفات كالبيع و العتق علي الملك، و دليل السلطنة الدال علي جواز اباحة جميع التصرفات هو الالتزام بالملك التقديري، و اجاب المصنف قدس سره بما ستعرف تقريبه فيقع الكلام اولا: في مسألة العمودين، ثمّ في المقام

(1) اما الاول: فالموهم للتنافي بين الادلة الموجب للالتزام المذكور اما ان يكون ما دل علي انه لا عتق الا في ملك «1» - بدعوي انه ينافي مع ما دل علي ان الانسان لا يملك عموديه «2» أو يكون هو ما دل علي توقف الشراء علي دخول العمودين في ملك المشتري، و هو ينافي مع ما دل علي عدم تملكهما.

و شي ء منهما لا يوجب التنافي المزبور اما الأول: فمضافا الي ما تقدم في معني لا عتق الا في ملك: انه لو سلم دلالته علي لزوم مالكية من ينعتق عليه للعبد. انه انما يدل علي انه لا عتق- الذي هو فعل اختياري- الا في ملك، و لا يدل علي انه لا انعتاق الا في ملك كي ينافي مع ما دل علي عدم تملكهما.

و أما الثاني: فلما تقدم في اول البيع و اشرنا إليه في اول هذا التنبيه من عدم توقف صدق البيع و الشراء علي هذا، بل حقيقة البيع جعل شي ء و اعطائه بازاء شي ء، و هذا بحسب الموارد يختلف اثره، و قد يكون اثره الانعتاق كما في المثال، فان اثر اعطاء

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من ابواب كتاب العتق.

(2) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 141

و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض انه لم يدل دليل

بالخصوص علي صحة هذه الاباحة العامة و اثبات صحته بعموم مثل الناس مسلطون علي اموالهم يتوقف علي عدم مخالفة مؤداها لقواعد اخر مثل توقف انتقال الثمن الي الشخص علي كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق علي الملك و صحة الوطي علي التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الاذن في مطلق التصرف و لأجل ما ذكرنا صرح المشهور بل قيل: لم يوجد خلاف في أنه لو دفع الي غيره مالا. و قال اشتر به لنفسك طعاما من غير قصد الاذن في اقتراض المال قبل الشراء أو اقتراض الطعام أو استيفاء الدين منه بعد الشراء (1) لم يصح كما صرح به في مواضع من القواعد. و علله في بعضها بأنه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير و هو كذلك، فان مقتضي مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه،

(2) و الا لم يكن عوضا و بدلا و لما ذكرنا حكم الشيخ و غيره بأن الهبة الخالية عن الصيغة تفيد اباحة التصرف لكن لا يجوز وطي الجارية (3) مع ان الاباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات،

______________________________

البائع اياه بازاء شي ء انقطاع اضافته، و حيث لا يمكن دخوله في ملك المشتري ينعتق عليه قهرا.

هذا كله مضافا الي ان الالتزام بالملك التقديري مرجعه الي القول بترتب آثار البيع من دون حصول الملكية، نعم حيث انه يكون من جملة نصوص المسألة ما تضمن انه إذا ملك الرجل والديه انعتقا عليه، فهو ينافي ما دل علي ان الرجل لا يملك احد عموديه.

و العلاج انما يكون باحد النحوين: اما الالتزام بان المراد بالأول الملك العقدي فيكون قوله عليه السلام إذا ملكوا بمنزلة إذا بيعوا، أو الالتزام

بالملك الحقيقي غير المستقر- و المراد بالثاني الملك المستقر- و علي اي حال لا وجه للالتزام بالملك التقديري

(1) بان يشتري الطعام لنفسه بثمن في ذمته ثمّ يفي دينه بمال الغير.

(2) قد مر في اول كتاب البيع عدم كون البيع معاوضة بهذا المعني.

(3) وفه ان محل الكلام الاباحة المالكية و مورد كلام الشيخ و الشهيد الاباحة الشرعية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 142

و عرفت ايضا ان الشهيد في الحواشي لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة. و ثمن الهدي و لا وطي الجارية مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة و دعوي ان الملك التقديري هنا ايضا لا يتوقف علي دلالة دليل خاص، بل يكفي الدلالة بمجرد الجمع بين عموم الناس مسلطون علي اموالهم،

الدال علي جواز هذه الاباحة المطلقة. و بين ادلة توقف مثل العتق و البيع علي الملك نظير الجمع بين الأدلة في الملك في الملك التقديري مدفوعة بأن عموم الناس مسلطون علي اموالهم انما يدل علي تسلط الناس علي اموالهم لا علي احكامهم فمقتضاه امضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا، فالاباحة و ان كانت مطلقة الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته في الشريعة.

و من المعلوم ان بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضي العقل و النقل الدال علي لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض، فلا يشمله العموم في الناس مسلطون علي اموالهم حتي يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة علي توقف البيع علي الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما.

و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم (1) علي عموم الناس مسلطون علي اموالهم

______________________________

و أما المقام الثاني فالحق

هو عدم انطباق ما ذكر في تلك المسألة علي ما نحن فيه لو تم، و ذلك لوجهين:

(1) الاول: ما ذكره المصنف قدس سره من حكومة دليل عدم جواز البيع و العتق الا في ملك علي عموم دليل السلطنة، فان دليل السلطنة انما يدل علي ان له ان يبيح التصرفات المحرمة من جهة عدم رضا مالكه و لا يدل علي ان له ان يبيح التصرف الممنوع شرعا لجهة اخري كما تقدم تقريبه، و حيث ان دليل عدم الجواز ينفي مشروعية هذا التصرف من جهة اخري، فلا محالة يكون رافعا لموضوع دليل السلطنة.

الثاني: انه لو كان له اطلاق شامل لجميع التصرفات فيقع التعارض بين الدليلين، و حيث ان النسبة بينهما عموم من وجه، و الترجيح مع ذلك الدليل، فيقدم و لا وجه للجمع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 143

الدال علي امضاء الاباحة المطلقة من المالك علي اطلاقها نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير علي عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد. إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه، فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر.

نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث امكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر امكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آنا ما فتأمل. (1)

و أما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع، أو العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه، فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة الي الميت (2)

______________________________

بالنحو المذكور. و لكن الذي يهون الخطب ما تقدم من عدم توقف البيع و العتق علي الملك، فلا معارض لدليل السلطنة.

(1) قد عرفت ان مقتضي القواعد علي فرض التعارض هو الرجوع الي المرجحات لا الجمع المذكور و

لعله لذلك امر بالتأمل في ذيل كلامه و أما ما ذكر في مسألة بيع الواهب عبده الموهوب أو عتقه و ادعي انطباقه علي ما نحن فيه، فمحصله: انه كما يلتزم في تلك المسألة بصيرورة العبد ملكا للواهب قبل التصرف المتوقف علي الملك، فكذلك يلتزم به في المقام.

(2) قوله نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة الي الميت بان يقال ان حكم «1» الشارع بانتقال الدية الي الورثة و انه يؤدي ديونه منها يستدعي صيرورتها ملكا للميت و انتقالها عنه إليهم- و حيث انه لا يمكن الالتزام بملكيتها له في حال الحياة و الا لزم تقدم المعلول علي علته و لا بملكيتها له حال الموت و الا لزم اجراء احكام دية الجناية علي الاعضاء بعد الموت فيلتزم بملكيتها له في حال الحياة بالملكية بالتقريب المتقدم و فيه ان الادلة انما دلت علي ان ديون الميت تؤدي من ماله و ان ما تركه الميت من ماله فلوارثه- و لم يدل دليل علي انه لا يؤدي ديونه من غيره و انه ليس للورثة ما لم يتركه الميت و عليه فإذا دل الدليل علي انه يؤدي ديونه من الدية و انها تنتقل

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 24 من ابواب كتاب الدين و الفرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 144

أو شراء العبد المعتق عليه. بل هو ملك حقيقي حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتصل بناء علي الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع (1)

و ليس كذلك فيما نحن فيه و بالجملة فما نحن فيه لا ينطبق علي التمليك الضمني المذكور اولا في: اعتق عبدك عني لتوقفه علي القصد و لا علي الملك المذكور ثانيا في شراء من ينعتق

عليه، لتوقفه علي التنافي بين دليل التسلط و دليل توقف العتق علي الملك، و عدم حكومة الثاني علي الأول، و لا علي التمليك الضمني المذكور ثالثا في بيع الواهب، و ذي الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق الا الحكم ببطلان الاذن في بيع ماله لغيره (2)

سواء صرح بذلك كما لو قال بع مالي لنفسك أو اشتر بمالي لنفسك ام ادخله في عموم قوله ابحت لك كل تصرف. فإذا باع المباح له علي هذا الوجه وقع البيع للمالك اما لازما بناء علي ان قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثر أو موقوفا علي الاجازة بناء علي ان المالك لم ينو تملك الثمن هذا

______________________________

الي الورثة فلا موجب للالتزام بالملكية

(1) قوله بناء الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه.

محصل ما افاده المصنف قدس سره انه في تلك المسألة انما يلتزم به من جهة كشف التصرف المتوقف علي الملك علي قصد الرجوع قبله، و هذا يكفي في الرجوع و الفسخ،

و لكنه لا ينطبق علي ما نحن فيه، إذ في صيرورة شي ء ملكا لشخص يعتبر الانشاء و لا يكفي مجرد القصد

(2) قوله فلم يبق الا الحكم ببطلان الاذن في بيع ماله لغيره.

و قد تقدم ان الاظهر صحة الاذن في ذلك لعدم توقفه علي الملك و لكن يرد علي ما ذكره قدس سره في تلك المسألة امور:

الأول: ان لازم ذلك ان يكون قول الواهب و البائع بالخيار: فسخت اخبارا عن الرجوع لا إنشاء له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 145

و لكن الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين و الشهيد رحمه الله في باب بيع الغاصب ان تسليط المشتري البائع الغاصب علي

الثمن و الاذن في اتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا، و انه يملك المثمن بدفعه إليه، فليس للمالك اجازة هذا الشراء و يظهر ايضا من محكي المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشتري جارية بعين مغصوبة: ان له وطي الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع، و مقتضي ذلك ان يكون تسليط الشخص لغيره علي ماله و ان لم يكن علي وجه الملكية،

يوجب جواز التصرفات المتوقفة علي الملك فتأمل (1) و سيأتي توضيحه في مسألة الفضولي ان شاء الله. و أما الكلام في صحة الاباحة بالعوض (2)

______________________________

الثاني: ان الرجوع و الفسخ من الانشائيات لانهما يوجبان صيرورة الشي ء ملكا له، و لا بد فيهما من الانشاء و الاظهار، و لا يكفي مجرد القصد.

الثالث: ان لازم هذا البيان قصر الحكم علي مورد قصد الرجوع و الفسخ، مع ان كلمات القوم مطلقة.

فالحق ان يقال: انه حيث لم يرد نص خاص في تلك المسألة، فعلي القول بتوقف البيع و العتق علي الملك لا مناص عن البناء علي البطلان في تلك المسألة.

(1) قوله فتأمل و لعل وجهه انه يمكن ان يكون نظر الجماعة الي ان اعطاء المشتري ماله للغاصب مع علمه بغصبية المبيع تسليط له علي ماله مجانا و موجب لصيرورته ملكا له فيكون تصرفه في ماله لا في مال الغير المباح له.

الاباحة بالعوض

(2) الاشكال الثاني الذي اورده المصنف علي القسمين الاخيرين، هو الاشكال في صحة الاباحة بالعوض الراجعة الي عقد مركب من اباحة و تمليك،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 146

سواء صححنا اباحة التصرفات المتوقفة علي الملك ام خصصنا الاباحة بغيرها، فمحصله ان هذا النحو من الاباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك

العوض الآخر بل كلاهما ملك للمبيح الا أن المباح له يستحق التصرف فيشكل الامر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا مع التأمل في صدق التجارة عليها، فضلا عن البيع (1)

______________________________

(1) و حاصله ان هذا النحو من الاباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح، الا ان المباح له يستحق التصرف فيشكل الامر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا، مع التأمل في صدق التجارة عليها … الي آخر ما افاده.

و هذا الاشكال ايضا لا يختص بالمعاطاة، بل يعم ما إذا كانت الاباحة باللفظ، فالكلام فيه ايضا استطرادي.

و كيف كان فتنقيح القول في هذا المقام بالبحث في موارد الأول: في حقيقة الاباحة بالعوض، و انها هل تكون بيعا أو اجارة، ام صلحا ام معاوضة مستقلة؟ الثاني: في الدليل علي صحتها و نفوذها.

الثالث: في انها لازمة ام جائزة.

اما المورد الاول فلا خلاف و لا ريب في أنها ليست تمليكا للعين و لا للمنافع و لا للانتفاع، اما الأولان: فواضح.

و أما الاخير: فلأن المبيح ليس مالكا للانتفاع- الذي هو قائم بالمباح له- و من افعاله فكيف يملكه له؟ و كذلك ليست اعطاء حق به، فان جواز التصرف من الاحكام التكليفية لا من الحقوق، و لذا ليس للمالك اسقاطه و لا نقله الي غيره، بل هي اباحة تكليفية للتصرفات و رفع للمنع عنها، و عليه فهي ليست اعطاء شي ء للمباح له بازاء شي ء فلا تكون بيعا، و لا تكون نقلا للمنافع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 147

الا ان يكون نوعا من الصلح لمناسبة له لغة لانه في معني التسالم علي امر (1) بناء

علي انه لا يشترط فيه لفظ الصلح كما يستفاد من بعض الاخبار الدالة علي صحته بقول المتصالحين لك ما عندك و لي ما عندي و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين و لو كانت معاملة مستقلة، كفي فيها عموم

الناس مسلطون علي اموالهم

((2)

______________________________

فلا تكون اجارة، و ليست انشاء للتصالح و التسالم علي امر- كما هو واضح- فلا تكون صلحا

(1) قوله لانه في معني التسالم علي امر و ما ذكره المصنف قدس سره في وجه كونها صلحا من انه عبارة عن التسالم علي امر و لا يعتبر فيه لفظ خاص و استشهد لذلك

بصحيحي محمد بن مسلم و منصور بن حازم عن السيدين الصادقين عليهما السلام: في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي فقال عليهما السلام لا بأس بذلك

«1». و هذا المعني ينطبق علي الاباحة المعوضة فهي صلح، يرد عليه: ان الصلح ليس هو التسالم علي امر، و الا لزم كون جميع المعاملات صلحا، بل الصلح المقابل لسائر العقود مسالمة عقدية و انشاء للتسالم، و من الواضح ان هذا لا ينطبق علي المقام.

و أما الصحيحان: فليس فيهما ما يدل علي ان تلك المعاملة التي نفي البأس عنها صلحا، بل من الجائز ان تكون معاملة مستقلة فيتعين ان تكون معاملة مستقلة.

(2) و أما المورد الثاني: فقد استدل المصنف قدس سره لصحتها بعموم

الناس مسلطون علي اموالهم

«2» و اورد عليه: بانه هذا ينافي ما ذكره قدس سره في المعاطاة من انه لا يصح الاستدلال به علي صحتها

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من أبواب كتاب الصلح حديث 1.

(2) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص:

148

و المؤمنون عند شروطهم

(1) و علي تقدير الصحة ففي لزومها مطلقا لعموم (2)

المؤمنون عند شروطهم

أو من طرف المباح له حيث انه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح، حيث ان ماله باق علي ملكه فهو مسلط عليه أو جوازها مطلقا وجوه أقواها اولها، ثمّ اوسطها.

______________________________

و فيه: انه في تلك المسألة بني علي عدم صحة الاستدلال به نظرا الي ان عمومه انما هو باعتبار انواع السلطنة، و انه لو احرز ثبوت سلطنة خاصة كالبيع له و شك في انه هل يحصل بمجرد التعاطي ام لا، لا مورد للتمسك بعمومه و هذا الوجه لا يجري في المقام، بل مقتضي عمومه الانواعي الذي اعترف بانه له صحة هذه المعاملة الخاصة التي هي نوع من الأنواع فالحق تمامية هذا الوجه.

(1) و أما

قوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم

«1» الذي استدل به المصنف قدس سره في المقام فقد تقدم في المعاطاة ما فيه و انه مختص بالشروط في ضمن العقود و لا يشمل الشروط الابتدائية.

و يشهد لصحتها- مضافا الي دليل السلطنة السيرة العقلائية القائمة علي الاباحة بالعوض المسمي- كما هو المتعارف في اجارة الدكاكين و ما شابهها- فان الشخص يستأجر الدكان من مالكه شهرا بمقدار معين،

ثمّ يبنيان علي ان كلما بقي المستأجر يعطي الاجرة بذلك المقدار، بل التصرف في الحمامات و الأمكنة المعدة لنزول المسافرين و نحو ذلك كلها من هذا القبيل. فتأمل.

و دليل التجارة.

و دعوي عدم صدقها علي الاباحة المعوضة من جهة انها عبارة عن التكسب بالمال، مندفعة بمنع ذلك، بل هي عبارة عن التكسب و الاسترباح الشامل للمقام فالحق انها صحيحة نافذة.

(2) و أما المورد الثالث، و هو انها لازمة أو جائزة

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار- في الخبر

المسلمون بدل- المؤمنون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 149

اما حكم الاباحة، بالاباحة فالاشكال، فيه ايضا يظهر مما ذكرنا في سابقة و الأقوي فيها ايضا الصحة و اللزوم للعموم أو الجواز من الطرفين لأصالة التسلط

______________________________

فيشهد للزومها قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و اورد عليه: بانه يعارض في طرف الاباحة بعموم «2» دليل السلطنة، إذ المفروض بقاء المال علي ملكه.

و فيه: ان دليل السلطنة انما يدل علي ثبوت السلطنة علي المال و لا يدل علي السلطنة علي العقد، و الاباحة اللازمة في المقام انما هي اباحة عقدية لا إباحة مستندة الي الاذن.

و ان شئت قلت: انه إذا كان العقد صادرا من المالك و باختياره- و بدليل السلطنة بنينا علي ان له ذلك- فلزوم العقد المزبور لا ينافي سلطنته علي المال، كما لا ينافيها في مورد الاجارة، مع ان العين باقية علي ملكه.

و بالجملة: كما لو شرط في ضمن عقد لازم اباحة مال احد المتعاقدين للآخر كان له ذلك و كان لازما، و لا يكون منافيا لدليل السلطنة كذلك في المقام.

و لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا التعارض يكون أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مقدما بناء علي ما هو الحق من الرجوع الي المرجحات إذا تعارض عامان من وجه، فان الترجيح مع الآية الشريفة، فانه إذا كانت موافقة الكتاب من المرجحات كان الكتاب مقدما عند التعارض.

هذا بناء علي ما هو الحق من انه إذا تعارض العام و المطلق لا يكون الأول مقدما:

و الا فتقديم الآية اظهر، لان الجمع المحلي بالالف و اللام من الفاظ العموم، كما انه لو قلنا بشمول اخبار العرض للمخالفة بالعموم من وجه يكون تقدم الآية الشريفة في غاية الوضوح.

و لو تنزلنا عن ذلك ايضا و سلمنا التساقط يكون

المرجع استصحاب بقاء الاباحة، اي الاباحة العقدية لا الإباحة المستندة الي الاذن، كي يقال

______________________________

(1) المائدة: آية 2.

(2) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم و ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 150

الخامس: في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه. (1)

______________________________

انه لا سبيل الي استصحابها لتقومها بالرضا المرتفع.

فالأظهر أنها معاوضة مستقلة صحيحة لازمة.

جريان المعاطاة في جميع العقود و الايقاعات

(1) قوله الخامس: في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه.

ملخص القول في المقام: ان صحة المعاطاة في البيع ان كانت بدليل تعبدي شرعي من الاجماع و السيرة فلا كلام في عدم جريانها في غير البيع الا ما قام الدليل الخاص علي صحته،

و ان كانت علي القاعدة من جهة صدق البيع عليها فهي تجري في غيره من المعاملات، فانه في كل باب يتمسك بعموم دليل ذلك الباب لصحتها لو كان، و الا تتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا إشكال في ذلك.

نعم في بعض الموارد- كما في باب الطلاق- دل «1» الدليل الخاص علي ان الطلاق لا يصح انشاؤه الا بصيغة خاصة، فلا تجري المعاطاة فيه لذلك.

و أما سائر الموارد فتجري المعاطاة فيها،

و قد ذكروا في بيان المانع عن جريان المعاطاة في جملة من العقود امورا:

منها: ان بعض المعاملات لا يكون الفعل فيه مصداقا لعنوان تلك المعاملة، مثلا اطلاق العبد و فكه عن الخدمة مع قصد العتق لا ينطبق عليه عنوان العتق، و في هذه المعاملات لا يصح الاستدلال بادلتها.

و منها: ما إذا دل الدليل في باب علي انه لازم كالرهن، و حيث ان المعاطاة جائزة بالاجماع فلا تجري فيه.

و منها: انه في بعض الموارد يكون الفعل محرما شرعا كما في النكاح بالوطء.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 15 و 16

من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 151

______________________________

و النهي عن المعاملة يدل علي الفساد.

و لنا عن هذه الوجوه جوابان: اجمالي و تفصيلي.

اما الاجمالي منهما فمحصله: انه يرد علي الوجه الأول: انا لا نتصور معاملة لا يكون فعل فيها مصداقا لتلك المعاملة بالمعني المعقول، و هو كون الفعل مظهرا عرفا للاعتبار النفساني لا أقل من الافعال التي يفهم الاخرس مقاصده بها، مثلا: إذا سأل احد مالك العبد: هل تعتق عبدك؟ فحرك رأسه قاصدا به انشاء العتق، يكون هذا الفعل- بضميمة القرينة الموجودة- مصداقا لعنوان العتق بالمعني المعقول، و هكذا في باب الوصية و غيرها مع انه قد عرفت ان عناوين المعاملات موضوعات لحقائقها، اي المسببات و الاعتبارات النفسانية و الاسباب مبرزات لها لا انها من مصاديقها.

و بالجملة: المظهر كان هو القول أو الفعل يكون خارجا عن مسمي المعاملة، فلا وجه للفرق بين الافعال اللهم الا ان يقال: ان بناء العقلاء علي عدم ترتيب آثار المعاملة علي الاعتبار النفساني المجرد، و عدم ترتيبه علي الاعتبار المبرز بما لا يكون له شأنية، ذلك عندهم كما لو مشي بقصد انشاء الزوجية و عليه فالحق في الجواب ما تقدم.

و يرد علي الوجه الثاني: ما تقدم من ان الأصل في المعاطاة هو اللزوم.

و يرد علي الوجه الثالث: ما تقدم في اول الجزء الاول من عدم دلالة النهي عن المعاملة علي الفساد، لا سيما إذا تعلق بالاسباب.

و أما الجواب التفصيلي، فملخص القول: انه من المعاملات التي وقع فيها النزاع:

النكاح و قد استدل لعدم جريان المعاطاة فيه بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 152

______________________________

احدها: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الفعل فيه مصداق لضده، و هو الزنا و

السفاح، فان مقابل النكاح ليس الا الفعل المجرد عن الانشاء القولي و عما جعله الشارع سببا للحلية.

و فيه: اولا: ان هذا الوجه مختص بانشائه بالوطء و لا يشمل انشاءه بفعل آخر كتمكين الزوجة و غيره، و هذا الجواب يجري في جميع الوجوه الآتية.

و ثانيا: ان مورد الكلام ما إذا وطء بقصد انشاء الزوجية لا مجردا عن القصد، و معه و ان كان سفاحا وزنا لكنه لا مانع من كونه مبرزا للزوجية، و ليست الزوجية و الزنا متقابلتين و متضادتين، فان الاولي من الاعتبارات، و الثاني من عناوين الفعل الخارجي،

فلا مانع من مبرزيته لها.

ثانيها: ان النكاح عقد لازم للنص و الاجماع، و المعاطاة جائزة بالاجماع.

و فيه: ما تقدم من ان الأصل في المعاطاة هو اللزوم،

مع انه يمكن ان يقال: ان الاجماع علي جواز المعاطاة مختص بالمعاملة التي تجتمع الصحة فيها مع الجواز و لا يشمل ما لا تجتمع معه.

و بعبارة اخري: المجمع عليه عدم اللزوم مع الصحة، و أما عدم اللزوم غير المجتمع معها فلا يكون مشمولا له مضافا الي انه يمكن ان يجعل هذا بنفسه دليل اللزوم فيه فيقال ان المعاطاة تفيد اصل النكاح، و أما اللزوم فهو ثابت بمقتضي الدليل الخاص الدال علي ان كل نكاح صحيح لازم.

ثالثها: ان لازم جريانها في النكاح حصر الزنا بصورة الاكراه و الزنا بذات البعل و نحوهما، و هذا كما تري.

و فيه: ان الوطء مع الرضا تارة يكون مع قصد الزوجية، و اخري بدونه. و محل الكلام هو الأول، و أما الثاني فلا ريب في انه زنا و سفاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 153

اعلم انه ذكر المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد علي ما حكي عنه ان

في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الاجارة (1) و كذا في الهبة و ذلك لأنه إذا امره بعمل علي عوض معين فعمله استحق الأجرة، و لو كانت هذه اجارة فاسدة لم يجز له العمل،

______________________________

رابعها: ان الوطء يحتاج الي سبب محلل، فلو كان سببا لحلية نفسه لزم اتحاد السبب و المسبب في مرتبة واحدة، مع امتناع تأثير الشي ء في نفسه.

و فيه: ان أول الوطء الأول سبب للزوجية، و هي سبب لحلية الوطء في الآنات المتأخرة و الوطء اللاحق، فلا يلزم اتحاد السبب و المسبب.

خامسها: ان السبب المبغوض لا يؤثر، فالوطء المؤثر في الزوجية مشروط بالحلية و المفروض انها من مقتضيات الزوجية، فتتوقف حلية الوطء علي تأثيره، و يتوقف تأثيره علي حليته، و هذا دور واضح.

و فيه: ما تقدم من ان النهي عن المعاملات- لا سيما الاسباب منها- لا يدل علي الفساد، مع ان ترتب الحلية علي الزوجية، و الزوجية علي الوطء- الذي هو سبب لها- انما يكون ترتبا رتبيا و أما في الزمان فالجميع في زمان واحد، فالوطء حين تحققه متصف بالجواز.

فتحصل: انه لا مانع عقلا و لا شرعا عن جريان المعاطاة في النكاح، و لكن قام الاجماع علي عدم الجريان، و هو المستند لو كان و كان تعبديا لا مستندا الي الوجوه المتقدمة.

و منها: الاجارة

(1) قوله في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الاجارة في المسألة اقوال احدها جريانها فيها مطلقا ثانيها عدم الجريان كذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 154

______________________________

ثالثها التفصيل بين الاجارة علي المنفعة فالاول، و بين الاجارة علي العمل فالثاني.

و الاظهر هو الاول، بناء علي ما هو الحق من صحة انشاء العقود و الايقاعات بكل ما يكون مبرزا لها، بلا

اعتبار اللفظ في المبرز، كما حققناه في البيع و اوضحناه.

و استدل لعدم الجريان فيها تارة بان المعاطاة انما التزمنا بجريانها في البيع من جهة الاجماع و السيرة، و هما غير ثابتين في المقام.

و اخري بان الاجارة لازمة كما يأتي، و المعاطاة اما مفيدة للملكية الجائزة أو الاباحة، فلا تجري فيها.

و ثالثة بانه ليس فعل صالح لانشاء الاجارة به، فان اعطاء العين و دفعها يلائم مع تمليكها لا تمليك منافعها، و لا يعنون عند العرف بعنوان الاجارة.

و كل مردود،

اما الاول فلما تقدم من ان مقتضي القاعدة جريانها في جميع العقود و الايقاعات.

و أما الثاني: فلما مر في البيع من ان المعاطاة تفيد الملكية اللازمة مع انه لو دل الدليل علي عدم لزومها في مورد خاص يقيد به اطلاق ما دل علي لزومها.

و أما الثالث فلان محل البحث انشاء الاجارة بالفعل، و لم يقع عنوان المعاطاة تحت الدليل كي يقتصر علي مورد تحقق التعاطي.

و عليه فلو تم هذا الوجه، فحيث انه مختص بالاعطاء الخارجي و لا يجري في جميع الافعال حتي مثل الاشارة بالرأس- كما لو سأله سائل: هل تؤجر دارك بزيد؟ فحرك رأسه، و ما شابه ذلك- فلا يعتمد عليه.

مع انه غير تام، فان اعطاء العين اعم من الهبة و الصلح و القرض و البيع و الاجارة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 155

و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد و ظاهرهم الجواز بذلك. و كذا لو وهب بغير عقد. فان ظاهر هم جواز الاتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز (1) بل منع من مطلق التصرف و هو ملحظ وجيه انتهي.

______________________________

فكما يقال انه بالتساوم علي البيع مثلا و قصد ذلك يكون الاعطاء مصداقا للبيع علي المشهور

و مبرزا له عرفا علي المختار، كذلك في المقام نقول ان تسليم العين في اول المدة بقصد اجارتها في جميعها يكون مع التساوم قبله مصداقا أو مبرزا لها.

و استدل للثالث بانه في اجارة الاعيان للمنافع يوجد فعل مبرز لعنوان الاجارة، و لا يوجد ذلك في اجارة الحر نفسه للعمل، فان الفعل المبرز ليس الا العمل الخارجي، و هذا ليس مصداقا للاجارة المتعلقة بالنفس، فلا تجري فيها.

و فيه- مضافا الي ما تقدم من ان هذا لو تم فانما هو في الاعطاء لا في كل فعل و لو كان هو الاشارة-: انه إذا فرضنا التساوم علي الاجارة، يكون الشروع في العمل بقصد اجارة نفسه علي كل ما تساوما عليه ايجابا للاجارة.

فالاظهر جريان المعاطاة في الاجارة مطلقا.

و يجوز ان يكون الايجاب بالقول و القبول بالفعل، لإطلاق الادلة و عمومها.

و استدل لعدم الجواز بانه ليس عقدا و لا معاطاة.

و فيه: انه لم يرد دليل علي لزوم الانشاء بالعقد أو المعاطاة، بل الدليل دل علي لزوم الابراز بلا تعيين لخصوص مبرز، فالاظهر كفايته.

(1) و بما ذكرناه يظهر الحال في كثير من ابواب الفقه حيث منع من جريان المعاطاة فيها من جهة عدم وجود فعل يكون مصداقا لتلك المعاملة منها الهبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 156

و فيه ان معني جريان المعاطاة في الاجارة علي مذهب المحقق الثاني الحكم بملك المأمور الأجر المعين علي الأمر و ملك الامر، العمل المعين علي المأمور به (1) و لم نجد من صرح به في المعاطاة. و أما قوله لو كانت اجارة فاسدة لم يجز له العمل، فموضع نظر لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل (2)

سيما إذا لم يكن العمل تصرفا في عين من

اموال المستأجر، و قوله لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد ممنوع، لأن الظاهر ثبوت اجرة المثل (2) لانه لم يقصد التبرع، و انما قصد عوضا لم يسلم له. و أما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل علي جريان المعاطاة فيها، (4) الا إذا قلنا في المعاطاة بالاباحة.

فان جماعة كالشيخ و الحلي و العلامة صرحوا بأن اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الاباحة دون الملك. لكن المحقق الثاني رحمه الله ممن لا يري بكون المعاطاة عند القائلين بها مفيدا للاباحة المجردة

______________________________

(1) يرد عليه امران الاول ان المفروض ان احد طرفي عقد الاجارة هو العمل الخارجي فلا تكون الاجارة المزبورة نظير الاجارة اللفظية موجبة للحكم بملك احدهما الاجر المعين علي الآخر و الآخر العمل المعين- و بالجملة- امر الامر وحده ليس عقد الاجارة الثاني: ان الاصحاب و ان لم يصرحوا في الاجارة بما ذكره- الا انهم لم يصرحوا في البيع ايضا بالملك.

(2) و فيه ان مورد كلام المحقق صورة استلزم العمل التصرف في اموال المستاجر- و أما في صورة عدم استلزامه ذلك فلا ريب في عدم المنع- و في هذه الصورة مقتضي فساد الاجارة عدم جواز التصرف و دعوي انه يجوز للرضا به مندفعة بان الرضا من جهة تخيل صحة الاجارة لا يجدي.

(3) و لكن ظاهر العبارة الموجودة في جامع المقاصد المحكية في المتن ثبوت الاجرة المسماة لا أجرة المثل.

(4) و فيه ان الاصحاب كما صرحوا في البيع المعاطاتي بالاباحة كك حكموا في الهبة المعاطاتية بالاباحة- و المحقق قدس سره في كلا البابين حمل كلماتهم علي ارادة الملك المتزلزل فلا ايراد مخصوص بالمقام عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 157

و توقف الملك في الهبة علي

الايجاب و القبول كاد ان يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك. و مما ذكرنا يظهر المنع في قوله بل مطلق التصرف. هذا و لكن الأظهر بناء جريان المعاطاة في البيع، جريانها في غيره من الاجارة و الهبة لكون الفعل مفيدا للتمليك فيهما.

و ظاهر المحكي عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره، حيث قال في باب الرهن ان الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الايجاب عليه المذكور في البيع آت هنا، انتهي. لكن استشكله في محكي جامع المقاصد بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا.

و لعل وجه الاشكال عدم تأتي المعاطاة بالاجماع في الرهن علي النحو الذي اجروها في البيع، (1) لأنها هناك اما مفيدة للاباحة أو الملكية الجائزة علي الخلاف و الأول غير متصور هنا. و أما الجواز فكذلك لانه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن (2)

______________________________

(1) قوله و لعل وجه الاشكال عدم تاتي المعاطاة بالاجماع في الرهن لعل مراد المحقق قده ان ما هو ثابت في المعاطاة بالاجماع جار في البيع دون الرهن لعدم معقولية الجواز فيه و عليه، فما ذكره المصنف قدس سره في وجه اشكاله قده تام،

و لا يرد عليه ما اورده المحقق الايرواني قدس سره من ان هذا من الاجتهاد في مقابل النص لتصريحه بان منشأ الاشكال عدم شمول الاجماع علي حكم المعاطاة للرهن.

و منها الرهن فقد اشكل في جريان المعاطاة فيه بوجهين:

(2) احدهما: ان المعاطاة ثبت جوازها بالاجماع، و الجواز غير متصور في الرهن لانه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن، و ان جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا للاجماع.

و الجواب عنه: ما ذكرناه في النكاح جوابا عن الوجه الثاني. فراجع.

ثانيهما:

ان القبض شرط في باب الرهن، و العقد مقتض، فيلزم من انشاء الرهن بالقبض اتحاد المقتضي مع الشرط، و هو محال كما حقق في محله.

و اجيب عنه: بان الشرط هو القبض، و المقتضي هو الاقباض، لان به ينشأ الرهن فلا يلزم الاتحاد المزبور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 158

خصوصا بملاحظة انه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها الي اللزوم ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان، و ان جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما اطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة علي اللفظ، و كان هذا هو الذي دعا المحقق الثاني الي الجزم بجريان المعاطاة في مثل الاجارة و الهبة و القرض و الاستشكال في الرهن،

نعم من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور. بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة علي اللفظ أو حمل تلك العقود علي اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن.

و لذا جوز بعضهم، الايجاب بلفظ الأمر كخذه، و الجملة الخبرية امكن ان يقول بافادة المعاطاة في الرهن اللزوم، لإطلاق بعض ادلة الرهن، و لم يقم هنا اجماع علي عدم اللزوم كما قام في المعاوضات. و لأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف (1) بأن يكتفي فيه بالاقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم: من توقف اللزوم علي اللفظ و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع (2) فتأمل.

نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من الذكري تبعا للشيخ رحمه الله

______________________________

و فيه: ان المقتضي هو الاقباض و القبض معا، لأن الرهن من العقود و متقوم بالايجاب و القبول، فالقبض جزء المقتضي فيلزم الاتحاد.

فالحق في الجواب عنه ان يقال: - مضافا الي ما تقدم من عدم انحصار الفعل

الذي ينشأ به الرهن بالقبض- انه ليس في النصوص ما يدل علي كون القبض شرطا في الرهن، بل هذا اصطلاح من الفقهاء، و الموجود في النصوص اعتبار القبض فيه الملائم ذلك مع كونه بنحو الاقتضاء.

مع: انه في باب التشريعيات و الاعتباريات ليس تأثير من الافعال الخارجية فيها حتي يكون شي ء مقتضيا و الآخر شرطا، بل انما هي موضوعات للمجعولات الشرعية و تكون موضوعيتها بتبع جعل الشارع و تمام الكلام في محله.

(1) و منها الوقف و اورد علي القول بجريان المعاطاة فيه- بوجهين

(2) الاول ما في المتن و هو ان القول باللزوم فيه مناف لما اشتهر بينهم من توقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 159

ثمّ ان الملزم للمعاطاة فيما تجري فيه من العقود الأخر هو الملزم في باب البيع كما سننبه به بعد هذا الأمر.

______________________________

اللزوم علي اللفظ و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع و فيه: مضافا الي ما تقدم في سابقيه انه لا مانع من جواز الوقف، و لم يدل دليل علي عدم اجتماع الوقف و الجواز، بل الوقف قبل القبض جائز،

اللهم الا ان يقال: ان القبض جزء المؤثر، فقبله لا يكون المؤثر تاما كي يكون لازما أو جائزا،

و قد ورد عنهم عليهم السلام ما كان لله فلا رجعة فيه «1» و ظاهر ذلك: ان ما كان لله لا يلائمه الرجوع و هذا غير قابل للتخصيص.

و كيف كان ففي الجواب الأول غني و كفاية.

الثاني: ما عن المحقق النائيني قدس سره، و هو مختص ببعض اقسام الوقف، و حاصله: ان بعض اقسامه كالوقف الخاص أو لمصرف خاص كالوقف لتعزية سيد الشهداء سلام الله عليه من جهة عدم كون فعل مصداقا له لا تجري فيه المعاطاة.

و فيه:

ما عرفت من عدم تصور عقد أو ايقاع لا يكون فعل مبرزا له. فراجع.

و منها: القرض.

و الكلام فيه اشكالا و جوابا ما في الرهن فراجع.

فتحصل: ان الأظهر جريان المعاطاة في جميع العقود و الايقاعات سوي ما دل الدليل الخاص علي اعتبار اللفظ فيه كالنكاح أو لفظ خاص فيه كالطلاق و التحليل.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من ابواب الوقوف و الصدقات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 160

السادس: في ملزمات المعاطاة
اشارة

علي كل من القول بالملك و القول بالاباحة. (1) اعلم ان الاصل علي القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة. (2)

______________________________

ملزمات المعاطاة

(1) الامر السادس في ملزمات المعاطاة علي كل من القول بالملك و القول بالاباحة.

ان بنينا علي لزوم المعاطاة- كما هو الحق و مر تفصيله- يسقط هذا الأمر و لا مورد له، و ان بنينا علي جوازها- فحيث انه في بعض الموارد الجواز متيقن، كما في صورة بقاء العينين و عدم تحقق شي ء من الملزمات، و في بعض الموارد اللزوم متيقن كصورة تلف العينين أو الامتزاج أو نحو ذلك فينبغي اولا تأسيس الأصل في المقام كي يرجع إليه عند الشك و عدم الدليل علي اللزوم أو الجواز.

(2) و قد ذهب المصنف قدس سره الي ان الاصل هو اللزوم علي القول بالملك، و استند في ذلك الي الوجوه الثمانية المتقدمة من العمومات و استصحاب بقاء الملكية.

و اورد عليه: تارة: بتمسكه بالعمومات مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و اخري: بتمسكه بالاستصحاب.

اما الأول: فاورد السيد الفقيه في حاشيته و المحقق الاصفهاني قدس سره و غيرهما عليه:

بان التمسك بها ينافي ما بني عليه في كتبه فقها و اصولا من انه إذا ورد عام و لم يكن له عموم ازماني بل كان عمومه افراديا، و ثبوت

حكم كل فرد في جميع الازمنة بالاطلاق،

كما إذا ورد اكرم كل عالم، حيث ان عمومه افرادي و بقاء حكم كل فرد في عمود الزمان يستفاد من الاطلاق، ثمّ خصص العموم الافرادي و خرج فرد من العام عن تحته في زمان و شك في الحكم بعد ذلك الزمان، كما إذا ورد لا تكرم زيدا في يوم الجمعة و شك في يوم السبت في وجوب اكرامه و عدمه، لا يصح التمسك بعموم العام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 161

______________________________

بل يكون مورد الاستصحاب حكم المخصص، فان عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و غيره من العمومات افرادي، و الزمان فيها انما يكون ظرفا لاستمرار الحكم كما صرح بذلك في خيار الغبن.

و عليه فلا بد من البناء علي جريان استصحاب الحكم الخاص بعد كونها مختصة بالاجماع علي الجواز حين الانعقاد كما هو المفروض لا التمسك بالعمومات.

و فيه: ان الجواز الثابت بالاجماع لو كان هو الجواز من كل وجه كان الايراد تاما،

و لكن الجواز الثابت انما هو الجواز الخاص، و هو الجواز المتعلق بتراد العينين.

و أما الجواز من وجه آخر فهو مشكوك فيه من اول الأمر، و هذا لا يمنع عن التمسك بعموم العام، مثلا إذا علم جواز البيع من جهة شرط رد الثمن و شك في جوازه من الجهات الاخر يتمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و يحكم بلزومه من تلك الجهات من اول الأمر، ففي الحقيقة ليس هذا تمسكا بعموم العام بعد ذلك الزمان.

بل تمسك به من اول الأمر بلحاظ الجهات الاخر.

و بالجملة: حيث ان الجواز الثابت بالاجماع هو جواز تراد العينين دون فسخ المعاملة مطلقا و من كل وجه، فالشك في اللزوم بعد امتناع التراد شك في اللزوم من جهة اخري، و مورد

للتمسك بعموم العام حتي علي مسلكه قده.

نعم بناء علي مسلك من يري جواز المعاطاة من كل وجه بلحاظ توقف اللزوم علي اللفظ لا يصح التمسك بعموم العام لما ذكر، و قد صرح بهذا المصنف قدس سره بعد اسطر،

حيث قال: و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة علي نحو جواز البيع الخياري حتي يستصحب بعد التلف … الي آخره، و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

هذا بناء علي ما بني عليه في كتبه اصولا وفقها،

و أما بناء علي ما حققناه من ان المرجع عموم العام مطلقا فالأمر اسهل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 162

و أما علي القول بالاباحة فالاصل عدم اللزوم (1) لقاعدة تسلط الناس علي اموالهم (2) و اصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة (2) و هي حاكمة علي اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها.

______________________________

و أما الثاني: فقد اورد المحقق الاصفهاني قدس سره علي استصحاب بقاء الملكية:

بانه محكوم لاستصحاب الجواز الثابت اصله بالاجماع، فان معني الحكم بجواز المعاطاة الحكم بزوال الملك بالرجوع، فالتعبد به تعبد بعدم الملك عند الرجوع، فلا يبقي شك في زوال الملك حتي يستصحب، و من الواضح ان ترتب زوال الملك علي الرجوع شرعي.

و السيد قده و ان اورد عليه بهذا الايراد، الا انه اشكل علي هذا الأصل بانه لا يجري عند الشيخ لكونه من الشك في المقتضي.

اما: اشكال السيد قده و ان كان في غير محله- من جهة ان الشك في المقتضي هو الشك في بقاء المستصحب في عمود الزمان لا الشك في مقدار استعداده بالنسبة الي الزمانيات كما حقق في محله الا ان اصل الايراد لا يكون موجها، و ذلك لعدم جريان استصحاب الجواز من جهة ان موضوعه

التراد، فبعد امتناعه و ارتفاع الموضوع لا مورد لاستصحاب الحكم.

فتحصل: ان ما افاده المصنف قدس سره علي القول بالملك تام.

(1) و أما علي القول بالاباحة، فقد ذهب المصنف الي ان الاصل عدم اللزوم و استدل له بوجهين:

(2) احدهما اصالة بقاء سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة، الحاكمة علي اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها.

(3) الثاني: قاعدة تسلط الناس علي اموالهم.

و اورد علي الوجه الثاني بايرادين:

الأول: ما عن المحقق النائيني قدس سره و هو: ان ما ذكره الشيخ قدس سره في المقام ينافي ما اختاره في الأمر الرابع في الاباحة بالعوض من ان الاقوي اللزوم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 163

______________________________

لعموم:

المسلمون عند شروطهم

«1» و فيه: انه فرق بين المقامين، فانه في ذلك المقام الاباحة عقدية مالكية و بالتزام المالك نفسه، و أما الاباحة في المقام فهي اباحة تعبدية شرعية غير عقدية و ثابتة بخلاف مقتضي العقد، فذلك الوجه لا يجري في المقام.

الثاني: ما اورده المحقق الايرواني، و هو: ان الاباحة الثابتة في مورد المعاطاة المقصود بها الملك بما انها اباحة تعبدية شرعية، ثابتة علي خلاف سلطنة المالك لثبوتها في موضوع عدم رضا المالك بالتصرف، فدليل السلطنة و قاعدتها لا تنهض لاثبات سلطنة المالك علي رفع الاباحة الشرعية لعدم صلاحيتها لاثبات سلطنة المالك علي تغيير الاحكام الشرعية.

و فيه: ان غاية ما ثبت بالدليل علي خلاف السلطنة انما هو جواز تصرف المباح له في مال الغير من دون رضاه، و أما انه هل يباح له حتي مع منع المالك ام لا، فلا يستفاد من هذا الدليل، فالمرجع فيه عموم دليل السلطنة، إذ لا بد من التمسك بالعام عند الشك في التخصيص الزائد.

و ان شئت قلت: ان

دليل السلطنة قد خصص بما دل علي جواز التصرف مع عدم رضاه، و أما انه إذا منع عن التصرف هل يجوز ذلك ام لا فالدليل المخصص غير شامل له،

فلا بد من الرجوع الي العام.

فتحصل: ان ما ذكره المصنف قدس سره علي القول بالاباحة تام.

هذا بناء علي القول بالاباحة الشرعية،

و أما علي القول بالاباحة المالكية- من جهة الرضا الضمني- فالأمر اوضح كما لا

يخفي.

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 164

إذا عرفت هذا فاعلم ان تلف العوضين ملزم اجماعا (1) علي الظاهر المصرح به في بعض العبائر، اما علي القول بالاباحة فواضح لأن تلفه من مال مالكه، و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه (2) و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفع بما سيجي ء.

______________________________

من الملزمات تلف العينين
اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم: انه قد عد من الملزمات امور

(1) احدها:: تلف العوضين و قد ادعي الاجماع عليه غير واحد،

بعد ما لا كلام علي الظاهر في ان تلف العينين من الملزمات علي القول بجواز المعاطاة، للاجماع، تصدي المصنف قده لبيان وجه اللزوم علي القولين، اي القول بالاباحة و القول بالملك.

(2) و استدل قده لذلك علي القول بالاباحة: بان تلفه من مال مالكه، و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه،

لأن ما يتوهم كونه سببا للضمان هي قاعدة الضمان باليد، و هي لا تجري في المقام لان هذه اليد قبل تلف العين لم تكن يد ضمان.

و فيه: أن ما ذكره في المقام ينافي ما ذكره في جواب استبعاد الشيخ الكبير من كون التلف من الجانبين معينا للمسمي من الطرفين. بما حاصله:

ان الجمع بين الادلة يقتضي الالتزام بدخول التالف في ملك من تلف في

يده قبل التلف آنا ما، و وجهناه بان المؤثر في الملك هو المعاطاة و التلف أو ارادة التصرف المتوقف علي الملك من تمام السبب المملك كالقبض في الصرف و السلم، و علي ذلك فيجري علي هذا القول ايضا ما ذكرناه علي القول الآخر، بل اللزوم هنا اولي لعدم جريان استصحاب الجواز من وجه آخر غير ما ذكرناه مضافا الي عدم جريان الاستصحاب في الاحكام مطلقا،

و هو ان الجواز الثابت سابقا هو الجواز لا في ملك، و ما يكون مشكوكا فيه لاحقا هو الجواز في الملك. فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 165

و أما علي القول بالملك فلما عرفت من اصالة اللزوم (1) و المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين، و حيث ارتفع مورد التراد امتنع، و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة علي نحو جواز البيع الخياري حتي يستصحب بعد التلف لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين، فلا مانع من بقائه بل لا دليل علي ارتفاعه بعد تلفهما بخلاف ما نحن فيه، فان الجواز فيه هنا بمعني جواز الرجوع في العين نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة فلا يبقي بعد التلف متعلق الجواز، بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد، لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة هذا

______________________________

(1) و أما علي القول بالملك فقد استدل له: باصالة اللزوم، بدعوي ان المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين، و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و اورد عليه بايرادات، عمدتها ايرادان احدهما: ان المراد بتراد العينين: التراد في الملكية، اي رد الربط الملكي القائم بالعين، و هذا لا يمكن مع بقاء العقد بعد عدم كون الفسخ و الرجوع معاملة جديدة،

فمتعلق الجواز دائما هو العقد، فلا فرق بين الموردين.

ثانيهما: ما

عن المحقق الخراساني قدس سره و هو: ان متعلق التراد ملكية العينين لا أنفسهما و الملكية كما يصح انتزاعها من الموجود، كذلك يصح انتزاعها من التالف، فانها من الاعتباريات و هي مما لا يتوقف علي موضوع موجود، و عليه فالموضوع و ان كان هو العينين الا انه يمكن التراد بعد التلف ايضا.

الذي يخطر بالبال في توضيح كلام المصنف قدس سره بنحو يندفع هذان الايرادان و سائر ما اورد عليه ان المراد من التعلق بالعقد هو التعلق به من كل وجه.

و المراد من التعلق بالعين فسخ العقد من جهة خاصة و هي تراد العينين خاصة كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 166

مع ان الشك في ان متعلق الجواز، هل هو اصل المعاملة أو الرجوع في العين، أو تراد العينين يمنع من استصحابه، فان المتيقن تعلقه بالتراد (1) إذ لا دليل في مقابلة اصالة اللزوم علي ثبوت ازيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق الا مع بقائهما،

و منه يعلم حكم ما لو تلف احدي العينين، أو بعضها علي القول بالملك (2)

و أما علي القول بالاباحة فقد استوجه بعض مشايخنا وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك (2) اصالة عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها.

______________________________

و علي ذلك فإذا كان جواز المعاطاة هو الجواز بالمعني الثاني فلا محالة يكون مرتفعا بعد تلف العينين، و المفروض لزوم المعاملة من الجهات الاخر، فلا مورد للرجوع،

و علي هذا فما افاده المصنف قدس سره في غاية المتانة.

(1) و بهذا يظهر تمامية ما ذكره المصنف قدس سره في ما لو شك في ان متعلق الجواز هل هو اصل المعاملة أو الرجوع في العين أو تراد العينين من ان المتيقن تعلقه

بالتراد، إذ لا دليل في مقابل اصالة اللزوم علي ثبوت ازيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق الا مع بقائهما، فان الترديد حينئذ من قبيل الترديد بين الاطلاق و التقييد لا من قبيل الترديد بين المتباينين بحيث يكون موضوع احدهما قابلا للبقاء دون الآخر.

فتحصل: ان الأظهر كون تلف العينين من الملزمات.

تلف احدي العينين

(2) و مما ذكرناه يعلم حكم ما لو تلف احدي العينين أو بعضها علي القول بالملك،

إذ لا فرق بينه و بين تلف العينين اصلا كما هو واضح.

(3) و أما علي القول بالاباحة، فقد نقل المصنف عن بعض معاصريه تبعا للمسالك:

انه ليس بملزم و استوجه بعض مشايخه ان الاصل عدم اللزوم لاستصحاب بقاء ملك مالك العين الموجودة و سلطنته عليها إذ و ان كان يحتمل زوال ملكه و معه لا مورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 167

و فيه انها معارضة باصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده أو قيمته (1) و التمسك بعموم علي اليد هنا في غير محله، بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان، بل و لا بعده إذا بني مالك العين الموجودة علي امضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع (2) انما الكلام في الضمان إذا اراد الرجوع و ليس هذا من مقتضي اليد قطعا هذا

______________________________

للتمسك بدليل السلطنة، الا انه يستصحب ملكه لها و سلطنته عليها.

و به يظهر اندفاع ما اورده السيد الفقيه قدس سره و غيره بقولهم:

لا مجال لاستصحاب السلطنة مع وجود قاعدتها، فلا معارض للبراءة، إذ الدليل لا يعارض الأصل.

(1) و اورد هو قده علي القوم: بانه يعارض مع اصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده أو قيمته للقطع بعدم مجانية التلف، أو للاجماع علي التلازم

بين جواز رجوع مالك العين الباقية و جواز رجوع مالك العين التالفة ببدلها.

لا يقال: ان مقتضي عموم علي اليد «1» الضمان فلا يجري الأصل المزبور.

(2) فانه يقال: ان هذه اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان، و كذا بعده إذا لم يرجع مالك العين الموجودة.

انما الكلام في ضمانه إذا رجع، و قاعدة اليد لا تصلح لاثبات الضمان في هذا المورد لوجهين احدهما ان مقتضي هذه القاعدة الضمان المطلق لا الضمان المشروط. و بعبارة اخري: مقتضاها العلية التامة للضمان لا الناقصة، اي كون اليد جزء العلة و جزئها الآخر رجوع مالك العين الموجودة.

ثانيهما: ان المال المأخوذ بما انه خرج عن تحت عموم علي اليد في زمان و هو قبل التلف و بعده قبل الرجوع، فلا يرجع إليه بعد الرجوع، لان المورد من موارد الرجوع الي استصحاب الحكم الخاص لا إلي عموم العام لعدم كون الزمان مفردا للعام.

ثمّ انه قده اورد علي نفسه توجيها لكلام الاساطين بامور ثلاثة:

______________________________

(1) سنن بيهقي ج 6 ص 90.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 168

و لكن يمكن ان يقال ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة علي اصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة (1) مع ان ضمان التالف ببدله معلوم الا ان الكلام في ان البدل هو البدل الحقيقي، اعني المثل أو القيمة أو البدل الجعلي أعني العين الموجودة فلا اصل. (2) هذا مضافا الي ما قد يقال: من ان عموم الناس مسلطون علي اموالهم يدل علي السلطنة علي المال الموجود بأخذه. و علي المال التالف بأخذ بدله الحقيقي، و هو المثل أو القيمة (2) فتدبر.

______________________________

(1) الاول: ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة علي اصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة، إذ الشك في الضمان ناش

عن الشك في بقاء السلطنة، إذ لو كانت باقية و رجع لا محالة يكون ضامنا بالمثل أو القيمة.

(2) الثاني: ان الضمان المطلق معلوم، و الشك انما هو في ان البدل هو البدل الحقيقي- أي المثل- أو القيمة- أو البدل الجعلي- اعني العين الموجودة- فلا يجري الأصل في شي ء منهما للتعارض بعد العلم الاجمالي بثبوت احدهما.

(3) الثالث: ان عموم الناس مسلطون علي اموالهم «1» يدل علي سلطنة مالك العين التالفة ايضا عليها باخذ بدلها و هو المثل أو القيمة، و مع وجود الدليل الاجتهادي لا مورد لأصل البراءة.

و فيما ذكره قدس سره مواقع للنظر:

الأول: تسليمه لجريان اصالة بقاء السلطنة، فانه ينافي ما تقدم منا و منه من انه علي القول بالاباحة لا بد من البناء علي ان التالف قبل تلفه آنا ما يصير ملكا لمن هو تحت يده، و كذلك العين الموجودة تصير ملكا للآخر، فإذا ملك كل منهما مال الآخر فحكم المقام علي هذا القول بعينه حكمه علي القول بالملك بلا تفاوت اصلا، و لا مورد لجريان اصالة السلطنة لخروج المال عن ملكه، فالسلطنة الثابتة قد زالت قطعا.

الثاني: ما ذكره قدس سره من حكومة اصالة السلطنة علي اصالة البراءة،

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 169

و لو كان احد العوضين دينا في ذمة احد المتعاطيين (1) فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه.

______________________________

فانه يرد عليه: ان لازم بقاء السلطنة و نفوذ الرجوع و ان كان ضمان بدل التالف لما تقدم، الا ان الثاني ليس اثرا شرعيا للاول كي يترتب علي استصحابه.

الثالث: ما ذكره قدس سره من عدم جريان اصالة البراء في نفسها للعلم الاجمالي،

فانه يرد عليه: ان هذا

العلم منحل لجريان استصحاب بقاء ضمان المسمي الثابت قبل التلف، فانه علي هذا تجري اصالة البراءة من ضمان المثل أو القيمة بلا معارض.

الرابع: ما افاده قده من ان دليل السلطنة يدل علي السلطنة علي المال التالف باخذ بدله، فانه يرد عليه: ان هذا خلاف ظاهر دليل السلطنة الذي موضوعه اموالهم، فانها لا تشمل الاموال المعدومة التالفة.

فتحصل: انه من الملزمات مطلقا.

إذا كان احد العوضين دينا في الذمة

(1) ثانيها: ما لو كان احد العوضين دينا في ذمة احد المتعاطيين، ذكره جماعة ربما يقال: انه لو قلنا بان تلف احدي العينين ليس من الملزمات، لا مورد لهذا البحث، لان غاية ما في المقام سقوط ما في الذمة و هو بمنزلة التلف و لكن يمكن ان يقال: انه إذا كان احد العوضين دينا، و الآخر مما يخرج عن ملك من انتقل إليه، كما إذا اشتري احد عموديه، أو كان العوضان دينا، لا يلغو هذا البحث.

و كيف كان: فلو كان احد العوضين دينا فالكلام يقع تارة: بناء علي القول بالملك و اخري: بناء علي القول بالاباحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 170

و الظاهر انه في حكم التلف، لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف (1)

و الظاهر ان الحكم كذلك علي القول بالاباحة (2) فافهم،

______________________________

(1) اما علي الاول: فقد استظهر المصنف قدس سره كونه في حكم التلف، معللا بان الساقط لا يعود، ثمّ احتمل العود و استضعفه.

و فيه أنه بعد سقوط ما في الذمة لا بد من البناء علي اللزوم علي القول بان تلف احدي العينين من الملزمات- الساقط عاد ام لم يعد و ان كان ما ذكره من ان الساقط لا يعود متين، فانه ان عاد ليس هو شخص ما في الذمة الساقطة

علي الفرض، لانه يتشخص بتشخص اطرافه، فمع سقوط ما في الذمة انعدم ذلك الشخص، و اعادة المعدوم محال.

و الوجه في ملزميته- علي كل تقدير- ان حق الرجوع بالسقوط ذهب، و رجوع الذمة مشغولة باشتغال جديد لا يصحح تعلق الحق به ثانيا، إذ بعد سقوطه عوده يحتاج الي دليل، و ان اريد ارجاعها مشغولة بالفسخ فالأمر اوضح، إذ لا بد و ان يكون متعلق الحق ثابتا قبل الفسخ كي يتعلق الحق به فيفسخ و يأخذ بحقه.

و أما علي القول بالاباحة ففي المتن

(2) و الظاهر ان الحكم كذلك علي القول بالاباحة،

و هذه العبارة يحتمل فيها وجهان:

احدهما: ان الحكم هو اللزوم، كما هو كذلك علي القول بالملك، و هذا هو الذي فهمه السيد من العبارة.

ثانيهما: ان جعل الدين عوضا علي القول بالاباحة يوجب سقوط ما في الذمة كما هو كذلك علي القول بالملك، إذ لا معني لإباحة ما في الذمة سوي سقوطه و الابراء عنه.

اما الحكم باللزوم- بناء علي عدم اللزوم علي القول بالاباحة لو تلفت احدي العينين- فلا اري له وجها، إذ غاية ما في الباب سقوط ما في الذمة، و هو في حكم التلف.

و لكن السقوط يرد عليه: اولا: انه لو سلم عدم معني معقول لإباحة ما في الذمة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 171

و لو نقل العينان أو احداهما بعقد لازم فهو كالتلف (1) علي القول بالملك لامتناع التراد، و كذا علي القول بالاباحة إذا قلنا باباحة التصرفات الناقلة

______________________________

لزم البناء علي بطلان المعاملة لا الحكم بسقوط ما في الذمة.

و ثانيا: ان اباحة ما في الذمة امر معقول، لامكان نقل ما يملكه الغير في ذمته باذنه و رضاه، نعم لو كانت الاباحة الثابتة في المعاطاة اباحة تكليفية

خاصة لما كان يتصور لها معني معقول في المقام، و لكنه بمراحل عن الواقع.

و أما ما افاده المحقق النائيني قدس سره من عدم معقولية تسلط الانسان علي ما في ذمته،

فغريب، فان الانسان لا يملك ما في ذمته، و لا مانع من تسلطه عليه بنقله و غيره.

فتحصل: انه علي القول بالاباحة لا تصير المعاملة لازمة بخلافه علي القول بالملك.

نقل العين بالعقد اللازم
اشارة

(1) الثالث: من الملزمات التي ذكره المصنف ما لو نقل العينان أو احداهما بعقد لازم.

و الحق كونه من الملزمات علي القولين اما علي القول بالملك: فلخروجه عن ملكه، و المفروض ان الجواز انما ثبت بدليل لبي، و المتيقن منه ما إذا بقيت العين علي صفة الملكية لمن انتقلت إليه، مع انه إذا كان الناقل من العقود اللازمة امتنع التراد، و معه لا معني لفسخ المعاملة لما تقدم من ان الجواز الثابت في المعاطاة انما هو جواز التراد.

و أما علي القول بالاباحة: فكذلك ان كان النقل بالتصرف المتوقف علي الملك،

و كذا ان كان بغيره لامتناع التراد، فلا معني لبقاء الجواز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 172

و لو عادت العين بفسخ ففي جواز التراد علي القول بالملك لإمكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان:

(1) اجودهما ذلك إذا لم يثبت في مقابلة اصالة اللزوم جواز التراد بقول المطلق. بل المتيقن منه غير ذلك. فالموضوع غير محرز في الاستصحاب، و كذا علي القول بالاباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق. الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ

______________________________

(1) و لو عادت العين بفسخ، ففي جواز التراد و عدمه وجهان، اختار المصنف الجواز بعد احتماله وجهين علي القول بالملك، و وجوها علي القول بالاباحة.

و محصل ما ذكره

قدس سره في المقام: انه علي القول بالملك يحتمل جواز التراد إذا عادت العين بالتفاسخ و الاقالة لاستصحاب الجواز الذي موضوعه ما يملكه المتعاطيان، و هو محفوظ قبل النقل و بعد الفسخ، فلا مانع من استصحابه بعد احتمال ان يكون تخلل النقل رافعا للحكم عن موضوعه عند ثبوته.

و بهذا البيان يندفع ما اورده السيد قدس سره بان المفروض سقوط الجواز بنقل العين.

فبعد العود الأصل بقائه علي السقوط،

إذ بعد النقل الي الغير لا قطع بزوال الجواز، بل لو كان موضوعه ما يملكه المتعاطيان لا مانع من بقاء الجواز علي تقدير التمكن منه.

و يحتمل عدم الجواز من جهة ان دليل جواز التراد انما هو دليل لبي، فيمكن ان يكون موضوعه ما يملكه المتعاطيان قبل النقل، فلا يجري الاستصحاب لعدم احراز الموضوع بنحو يمكن ابقاء حكمه و حيث ان المتيقن ذلك- اي كون الموضوع ما يملكه المتعاطيان قبل النقل- فلا بد في غير ذلك من الرجوع الي اصالة اللزوم.

و بما ذكرناه ظهر اندفاع ما اورده السيد قدس سره عليه: بان المستصحب معلوم الزوال لا ان الموضوع غير محرز،

فان المحرز زوال القدر المتيقن لا المستصحب.

و أما علي القول بالاباحة: فاحتمل فيه وجوها:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 173

الي ملك الثاني (1) فلا دليل علي زواله بل الحكم هنا اولي منه علي القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا حتي يستصحب. بل المحقق اصالة بقاء سلطنة المالك الأول، المقطوع بانتفائها. نعم لو قلنا: بأن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل (2) فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك الي المالك الأول و ان كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه، كان مقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض

الآخر باقيا علي ملك مالكه الأول، أو عائدا إليه بفسخ. و كذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف علي سبق الملك (3) بل يكفي فيه اباحة التصرف و الاتلاف و يملك الثمن بالبيع، كما تقدم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع لكن الوجهين ضعيفان. بل الأقوي رجوعه بالفسخ الي البائع، (4)

______________________________

(1) الاول: ان يكون التصرف الناقل كاشفا عن سبق المالك آنا ما، فبالتفاسخ يرجع المباح له الي ملك الثاني، و لا دليل علي زواله، بل الحكم هنا اولي لانه لم يتحقق هنا جواز تراد الملك، فان الثابت في السابق سلطنة الشخص علي ملكه لا جواز رد ملك الغير، فلا مورد للاستصحاب.

الثاني: ما ذكره بقوله

(2) نعم لو قلنا بان الكاشف عن الملك هو العقد الناقل و الظاهر ان مراده كون العقد علة لحصول الملك للبائع و خروجه عن ملكه،

فتكون ملكية المباح له باقتضاء العقد، فإذا ارتفع العقد كما يرتفع معلوله الآخر كذلك يرتفع هذا المعلول فيدخل في ملك المبيح بالفسخ، فيكون مقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد.

(3) الثالث: عدم كشف التصرف عن سبق الملك و لا كونه علة، بل المال يخرج من ملك المبيح و يدخل في ملك المشتري، و علي هذا فبالفسخ يرجع الي ملك المبيح،

فمقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد.

(4) ثمّ استضعف الوجهين الخيرين و اختار الاول و يرد عليه قده امور:

الأول: ان الظاهر كون تخصيصه مورد البحث بالتفاسخ من جهة وضوح انه لو عادت العين بسبب مملك جديد لا مورد للتراد من جهة ان به يحصل الملك الجديد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 174

______________________________

فلا يتوهم معه عود الحق،

مع انه لا فرق بين السبب الجديد و الفسخ، فان الحاصل بالفسخ ايضا ملك جديد لعدم معقولية عود عين

الملك الزائل.

الثاني: ان الاستصحاب الذي احتمل جريانه علي القول بالملك لا يجري لوجهين:

الأول: كونه استصحابا تعليقيا.

الثاني: كونه استصحابا حكميا، و المختار عدم جريانه.

الثالث: ما ذكره قدس سره القول بالاباحة من قوة الوجه الأول غير تام لما عرفت في التنبيه الرابع من اقوائية الوجه الثالث. فراجع.

الرابع: ما ذكره قدس سره علي القول بالاباحة من البناء علي الوجه الثاني مردود، فان العقد و ان كان علة لحدوث الملكية للمباح له الا ان لازم ذلك ليس رجوع المال الي المبيح، فان الفسخ حل للعقد من حينه لا من حين وقوعه، فلا يصلح لرفع هذا الأثر من العقد.

الخامس: ان ما أفاده قدس سره علي الوجه الثالث من انه بالفسخ يرجع المباح الي مالكه الأول، يرد عليه: انه إذا نقل المباح الي ثالث فلا محالة اخرجه من ملك مالكه الأول، و هو اما لا يملك ما جعل بازاء ذلك في المعاطاة، أو يملكه. و علي الأول: اما لا يكون المباح له ضاما لمثل ماله أو قيمته، أو يكون ضامنا.

لا سبيل الي شي ء من الأولين، لأن المفروض ان المباح له اتلف ماله، و هو و ان كان باذنه الا انه لم يكن اذنا مجانيا بل بعوض، و العوض انما هو العوض المسمي لا المثل و القيمة، فلا محالة يملك ما جعل بازائه، و المباح له يملك الثمن الذي جعل في العقد الثاني فبالفسخ يرجع المال الي البائع الثاني لا المالك الاول لزوال ملكه عما جعل عوضا في المعاطاة. فتدبر فانه دقيق.

فتحصل: انه لا يجوز التراد بعد الفسخ علي القولين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 175

و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية الزام الناقل فيه بالرجوع و لا رجوعه،

بنفسه الي عينه (1) فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب، و كذا علي القول بالاباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك.

نعم لو كان غير معاوضة كالهبة، و قلنا بأن التصرف في مثله لا يكشف عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتي لا يعقل كون العوض مالا لو احد و انتقال المعوض الي الآخر بل الهبة ناقلة للملك عن ملك المالك الي المتهب، فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة الي المالك لا الواهب، اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الاخري، أو عودها الي مالكها بهذا النحو من العود، إذ لو عادت بوجه آخر كان حكمه حكم التلف.

______________________________

نقل العين بعقد جائز

(1) قوله و لو كان الناقل عقدا جائزا، لم يكن لمالك العين الباقية الزام الناقل بالرجوع فيه، و لا رجوعه بنفسه الي عينه.

محصل ما افاده في المقام: ان الناقل ربما يكون معاوضة جائزة، و اخري يكون غير معاوضة كالهبة.

و ان كان معاوضة: فعلي القول بالملك تصير المعاطاة لازمة لعدم تحقق التراد، و تحصيله غير واجب لانه موضوع الجواز،

و كذا علي القول بالاباحة إذ المعاوضة كاشفة عن سبق الملك، و ان كان غير معاوضة كالهبة: فكذلك علي القول بالملك.

و أما علي القول بالاباحة و القول بعدم توقفها علي الملك بل هي ناقلة للملك عن ملك مالكه الي المتهب، فللمالك الرجوع لخروج المال عن ملكه دون الواهب، فيتجه الحكم بجواز التراد و يكون الرجوع في المعاطاة بواسطة الرجوع في الهبة، أو يكون كاشفا عنه كتصرف ذي الخيار مع بقاء العين الاخري أو عودها الي مالكها بهذا النحو من العود، إذ لو كادت بوجه آخر كان حكمه حكم التلف، فان السلطنة الثابتة لمالك العين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 176

______________________________

الموجودة- المفروض

رجوعها عن الاجنبي إليه- باقية علي اباحتها للآخر، و انما تقتضي جواز الرجوع بسلب اباحتها عنه إذا لم يلزم من اعمالها اشتغال ذمة المالك بعوض العين التي كانت مباحة عنده، و الا فحكمه حكم المعاوضة و التلف، و يجري فيه ما ذكرناه فيهما. فإذا لم تكن العين الاخري باقية أو كان عودها بسبب جديد كالارث لا تكون مباحة له فلا محالة تشتغل ذمته بالعوض. فتدبر جيدا.

و يرد علي ما افاده قده امور:

الأول: ان ظاهر ما ذكره في المعاوضة علي القول بالملك: انه لو كان له الزام الناقل تحقق التراد،

مع انه ليس كذلك فانه لو عادت العين كانت الملكية غير ما كانت ثابتة قبل النقل.

الثاني: ان حصره عدم جواز التراد علي القول بالاباحة في المعاوضة بانها كاشفة عن سبق الملك،

في غير محله، فانه إذا لم تكن كاشفة عنه بل قلنا بان المال يخرج عن ملك المبيح و يدخل في ملك الثاني، ليس له الرجوع، فان المباح له انما نقله عن نفسه لاعن المالك،

فحكم جواز الرجوع انما يكون له لثبوته للناقل دون المالك.

الثالث: ما ذكره من الفرق بين الهبة و المعاوضة علي القول بالاباحة ان قلنا بان التصرف في مثله لا يكشف عن سبق الملك،

غير تام، فان المباح له بما انه اتلف مال المبيح و اخرجه عن ملكه، فهو يكون ضامنا، و ضمانه انما يكون بالمسمي فلا محالة يملك ما جعل عوضا في المعاطاة، و عليه فان اريد من الجواز الثابت له جواز المعاطاة فهو غير ثابت، و معلوم الزوال، لانه كان عبارة عن جواز رد ملكه الي نفسه، و المفروض انتفاء موضوعه. و ان كان المراد الجواز الثابت للهبة فهو انما يكون للواهب لانه وهبه عن

نفسه لاعن مالكه فيكون جواز الرجوع له لا للمالك.

فتحصل: ان الناقل من الملزمات مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 177

و لو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول علي القول بالملك لم يبعد كون اجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة. و لو اجاز المالك الثاني نفذ بغير اشكال، و ينعكس الحكم اشكالا و وضوحا علي القول بالاباحة (1) و لكل منهما رده العين قبل اجازة الآخر و لو رجع الأول فاجاز الثاني، فان جعلنا الاجازة كاشفة لغي الرجوع و يحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و يلغوا الإجازة، و ان جعلناها ناقلة لغت الاجازة قطعا

______________________________

لو باع ثالث العين فضولا

(1) و لو باع ثالث العين فضولا، ففي المتن: فاجاز المالك الاول علي القول بالملك لم يبعد كون اجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة، و لو اجاز المالك الثاني نفذ بغير اشكال، و ينعكس الحكم اشكالا و وضوحا علي القول بالاباحة، انتهي.

محصل ما افاده: انه علي القول بالملك لا إشكال في نفوذ اجازة المالك الثاني، و الوجه فيه ظاهر،

و في نفوذ اجازة المالك الأول كان مرددا و لم يستبعد نفوذها، و الوجه في تردده ليس ما افاده المحقق النائيني قدس سره من ان رد البيع ليس كرد ذي الخيار ما انتقل عنه في تحققه بكل فعل أو قول، بل لا بد و ان يكون بالدلالة المطابقية، و هي تتحقق برد العين لا بإجازة الفضولي، فانها لازمة للرد، لان لازم هذا الاشكال في كون بيعه ردا، مع انه يصرح بكونه ردا بلا كلام،

بل الوجه فيه احد امرين.

احدهما: ان الاجازة ليست كالبيع تصرفا من المجيز قاصدا به الرجوع، بل انفاذ لتصرف الغير الذي لا رجوع له، و لم يقصده

ايضا.

ثانيهما: ان الاجازة انما تكون علي خلاف القاعدة، و هي تكون ثابتة للمالك، و ثبوتها لمن يصير مالكا و لو بها لم يدل عليه دليل.

و لكن الوجهين ضعيفان.

اما الأول: فلأن الاجازة و ان كانت انفاذا لتصرف الغير الا انها بنفسها تصرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 178

______________________________

و موجبة لصيرورة العقد و التمليك عقده و تمليكه.

و أما الثاني: فلما سيأتي من انها ثابتة علي القاعدة، فكما انه بالبيع يجوز الفسخ،

كذلك بالاجازة فلا اشكال في نفوذ اجازته ايضا و أما علي القول بالاباحة فقد استشكل بنفوذ اجازة المباح له بعد جزمه بنفوذ اجازة المالك.

اما وضوح نفوذ اجازة المالك فلا ينكر، و أما الاشكال في نفوذ اجازة المباح له فلا اري له وجها سوي الوجه الثاني المتقدم في اجازة المالك الأول علي القول بالملك، و قد عرفت ما فيه. فالأظهر ان لكل منهما الاجازة علي القولين و لو باع العين ثالث فضولا فهل لكل منهما رده قبل اجازة الآخر ام لا؟ الظاهر انه علي القول بالملك لكل منهما ذلك، اما للمالك الفعلي فواضح، و أما المالك الأول فان قصد برده البيع الفضولي الرجوع في المعاطاة كان له ذلك فانه رجوع.

نعم لو لم يقصد به رد المعاطاة ليس له ذلك لكونه اجنبيا عن المالك، و الرد حق للمالك،

و أما علي القول بالاباحة فللمالك المبيح ذلك.

و في ثبوته للمباح له تأمل بل منع من جهة عدم كونه مالكا، و ليس الرد من التصرفات الناقلة كي يكشف عن سبق الملك، و قصده التملك به لا يفيد، فان قصد التملك بل و انشائه لا يفيد في الملكية.

و لو رجع الأول فاجاز الثاني فهل تلغو الاجازة أو الرجوع. وجهان ينبغي اولا تعيين محل الكلام

ثمّ بيان حكمه.

اما الأول: فتارة يكون البيع الفضولي واقعا علي المثمن، و اخري: علي الثمن، و علي التقديرين تارة: يرجع البائع في المعاطاة و يجيز المشتري فيها، و اخري: يكون الامر بالعكس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 179

و لو امتزجت العينان أو احداهما سقط الرجوع علي القول بالملك (1) لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف.

______________________________

فان كان البيع واقعا علي المثمن، و رجع المشتري و اجاز البائع، أو كان البيع واقعا علي الثمن و رجع البائع و اجاز المشتري نفذا معا، إذ الرجوع في الموردين يوجب صيرورة المجيز مالكا لما وقع البيع الفضولي عليه قبل الاجازة، فله اجازة البيع الواقع علي ملكه،

فالكلام انما هو في الصورتين الاخيرتين فانه يقع التنافي بين الرجوع و الاجازة.

فتارة: نقول في الاجازة بالنقل، و اخري: نقول بالكشف الانقلابي، و ثالثة: نقول بالكشف الحقيقي،

اما علي الأولين: فلا اشكال في لغوية الاجازة لصدورها ممن ليس له تلك،

و أما علي الاخير: فقد يقال انها حيث تكشف عن سبق الملك، فيكون الرجوع واقعا في غير محله.

و لكن يدفعه، ان الاجازة و ان كانت كاشفة الا انه يعتبر فيها ان تكون صادرة ممن لو لم يجز كان مالكا، لا من لو لم يجز لم يكن مالكا، كما في المقام، حيث ان الرجوع اوجب خروجه عن ملكه.

فالأظهر تقدم الرجوع مطلقا.

من الملزمات الامتزاج و التغير

(1) قوله: لو امتزجت العينان أو احداهما. سقط الرجوع علي القول بالملك ان كان المزج موجبا للتلف الحقيقي، أو كان موجبا للتلف عرفا- كما لو صبغ شيئا باللون المشتري بالمعاطاة- جري عليه حكم التلف، و ان لم يكن موجبا له لا عرفا و لا حقيقة- كما لو مزج منا من الدهن المشتري بالمعاطاة بمن آخر- فبناء

علي القول بالملك يكون ذلك ملزما، فانه ان قلنا بحصول الشركة بالمزج القهري فقد تبدلت الملكية الاستقلالية الي الاشاعية، فلا يمكن التراد لا خارجا و لا ملكا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 180

اما علي القول بالاباحة فالاصل بقاء التسلط علي ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به. (1) نعم لو كان المزج ملحقا له بالاتلاف جري عليه حكم التلف.

______________________________

لا يقال: ان ذلك فيما لو مزجه بمال الغير لا فيما إذا مزجه بمال نفسه.

فانه يقال: نعم، و لكن لو رجع في المعاطاة و صار ملكا للبائع يملك بالاشاعة لا استقلالا،

و ان لم نقل بذلك فالتراد الملكي و ان كان ممكنا الا انه لعدم امكان التراد الخارجي لا يجوز الرجوع، إذ المتيقن من دليله هو الفسخ بالتراد الخارجي غير الممكن في المقام،

مع ان العين قد تغير وصف من اوصافها، فلا دليل علي جواز الرجوع في هذا المورد.

(1) و أما بناء علي الاباحة، فقد ذهب المصنف قدس سره الي عدم اللزوم لأصالة بقاء التسلط علي ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به.

و فيه: أنه تارة تزيد قيمة المأخوذ بالمعاطاة، و اخري تنقص، و ثالثة لا تزيد و لا تنقص.

فان نقصت قيمته لا ينبغي التوقف في اللزوم: لان المشتري اتلف وصفا من اوصاف المأخوذ، و حيث انه لم يكن مجانيا فلا وجه لعدم ضمانه، و لا وجه لضمانه المقدار الناقص لعدم كون ضمانه مثليا أو قيميا، و لم يجعل في المعاطاة في مقابل الناقص شي ء كي يملكه، فلا مناص عن الالتزام بتملكه جميع ما جعل عوضا في المعاطاة، فيصير المباح له مالكا لما تحت يده، فلا مورد لأصالة بقاء التسلط بعد ارتفاع

موضوعه.

و ان لم تنقص قيمته، فان بنينا علي حصول الشركة في المزج القهري فحيث ان الملكية الاستقلالية تبدلت الي الملكية الاشاعية، فلا يكون موضوع الجواز باقيا،

و الا فحيث ان التراد الخارجي غير ممكن لعدم تمييز الاجزاء المنتقلة منه الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 181

و لو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة (1) كطحن الحنطة، و فصل الثوب فلا لزوم علي القول بالاباحة و علي القول بالملك. ففي اللزوم وجهان مبنيان علي جريان استصحاب جواز التراد منشأ الاشكال ان الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي ثمّ انك قد عرفت مما ذكرنا انه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة حتي يورث بالموت و يسقط بالاسقاط ابتداء و في ضمن المعاملة، بل هو علي القول بالملك نظير الرجوع في الهبة و علي القول بالاباحة نظير الرجوع في اباحة الطعام (2) بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.

______________________________

و بعبارة اخري: تغير وصف من اوصافها فلا وجه للجواز.

فتحصل: ان المزج مطلقا من الملزمات.

(1) و لو تصرف في العين تصرفا مغيرا- للصورة فان صار التصرف المغير موجبا لنقص القيمة فلا اشكال في اللزوم، إذ تلف وصف موجب لنقص القيمة من الملزمات كما تقدم في المزج و ان لم تنقص قيمته فيمكن ان يقال ان المتيقن تعلق الجواز برد شخص العين المنتقلة عنه بما لها من الصورة و الاوصاف التي تتفاوت بها الرغبات، إذ لا دليل في مقابل اصالة اللزوم علي ازيد من ذلك، و عليه فهو من الملزمات مطلقا، و لا مورد للاستصحاب لعدم احراز الموضوع.

و بذلك ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره في المقام.

جواز الرجوع لا يورث بالموت

هل جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة فيورث بالموت و يسقط بالاسقاط ابتداء أو في ضمن المعاملة، ام لا يكون نظيرا له بل هو حكم لا يترتب عليه شي ء من احكام الحقوق؟ وجهان:

(2) اختار المصنف قده الثاني، و قال بل هو علي القول بالملك نظير الرجوع في الهبة، و علي القول بالاباحة نظير الرجوع في اباحة الطعام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 182

فلو مات احد المالكين لم يخبر لوارثه الرجوع علي القول بالملك (1) للاصل لان من له و إليه الرجوع هو المالك الاصلي و لا يجري الاستصحاب.

______________________________

و اورد عليه جمع من المحققين: بانه لم يعرف مما ذكره سوي كون متعلق الجواز في البيع المعاطاتي تراد العينين، و في البيوع اللازمة العقد، و مجرد ذلك لا يقتضي كونه حكما لا يورث، و لذا تري ان الفقهاء اتفقوا علي ان الخيار في البيوع اللازمة يورث، مع اختلافهم في ان متعلق الجواز هو العقد أو التراد.

(1) و كيف كان: فعلي القول بالملك لا يورث الجواز، لان توهم ثبوته للوارث ان كان من جهة ثبوته للمورث فيشمله ما دل علي ان ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه،

فيرد عليه: ان ظاهر كلمات القوم كونه حكما، لانك تراهم في المقام لم يعدوا من الملزمات الاسقاط، مع انهم ذكروه في الخيار في العقود اللازمة،

مع ان الشك في كونه حكما أو حقا يكفي في عدم الحكم بثبوته للوارث للشك في الموضوع كما لا يخفي.

و ان كان من جهة ثبوت الجواز لعنوان المالك المنطبق علي الوارث فيرد عليه: ان المتيقن منه في مقابل اصالة اللزوم ثبوته للمتعاطي لا لعنوان المالك،

و معه لا مورد لجريان الاستصحاب لعدم احراز الموضوع،

و

أما رجوع المالك الحي الي الوارث فهو ايضا لا يجوز من جهة ان الثابت جواز التراد، و مع عدم ثبوته للوارث لا يمكن التراد.

و بما ذكرناه يظهر حكم الاسقاط و انه لا يسقط به و أما علي القول بالاباحة، فقد عرفت ان هذه الاباحة ليست اباحة مالكية ضمنية بل اباحة تعبدية شرعية فلا تكون كما ذكره المصنف قدس سره منوطة بالرضا الباطن بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف و لكن مع ذلك لا تكون هي ثابتة للوارث، إذ المتيقن من دليلها ثبوتها للمورث،

فهي حكم لا يورث، و عليه فلا بد من الالتزام باحد امرين: اما حصول الملك بالموت، أو بطلان المعاملة رأسا، و علي اي تقدير لا يكون للوارث الرجوع كما لا يخفي.

و الأظهر هو الأول كما اعترف به المصنف قدس سره في جواب بعض الاساطين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 183

و لو جن احدهما، فالظاهر قيام وليه مقامه في الرجوع علي القولين (1)

السابع: ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة.
اشارة

قال يحتمل الأول: لأن المعاوضات محصورة و ليست احداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج الي دليل. و يحتمل الثاني: لاطباقهم علي انها ليست بيعا حال وقوعها فيكف يصير بيعا بعد التلف، و تظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن أو بعضه و علي تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حيث المعاطاة أو من حين اللزوم كل محتمل و يشكل الأول بقولهم انها ليست بيعا، و الثاني بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها، اللهم الا ان يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه. و الأقوي عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء علي انها ليست لازمة و انما يتم علي قول المفيد و من تبعه

و أما خيار العيب و الغبن فيثبتان علي التقديرين كما ان خيار المجلس منتف، انتهي. و الظاهر ان هذا تفريع علي القول بالاباحة في المعاطاة.

______________________________

عند رد استبعاداته. فراجع فتحصل: انه لا يورث و لا يسقط بالاسقاط علي اي تقدير.

(1) قوله و لو جن احدهما فالظاهر قيام وليه مقامه غاية ما يمكن ان يذكر في وجه ذلك، ان كل ما يقبل النيابة، يقوم فيه الولي مقام المولي عليه و حيث ان مباشرة المالك في الرد غير معتبرة- فيقوم مقامه إذا جن و لكن يرد عليه: ان الثابت بالدليل ولاية الولي في امواله و حقوقه، و حيث عرفت ان جواز الرجوع حكم لاحق فلا دليل علي ولايته فيه، و تمام الكلام في محله و علي ذلك فحكم الجنون حكم الموت كما لا يخفي.

ثبوت الخيار في المعاطاة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 184

و أما علي القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل فينبغي الكلام في كونها معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتي يتبعه حكمها بعد اللزوم. (1) إذ الظاهر انه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا اشكال في ذلك عندهم علي ما تقدم من المحقق الثاني. فإذا لزم صار بيعا لازما فيلحقه احكام البيع، عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه علي اللزوم لو لا الخيار، و قد تقدم ان الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار و كيف كان فالأقوي انها علي القول بالاباحة بيع عرفي لم يصححه الشارع و لم يمضه الا بعد تلف احدي العينين أو ما في حكمه، و بعد التلف يترتب عليه احكام البيع عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من اول الأمر، و المحكي عن حواشي الشهيد ان المعاطاة معاوضة مستقلة

جائزة أو لازمة. و الظاهر انه اراد التفريع علي مذهبه: من الاباحة و كونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخري، لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفي فلا بد ان يقول بالاباحة اللازمة فافهم.

______________________________

(1) و قد مر الكلام في ذلك بنحو الكبري الكلية في التنبيه الاول و عرفت المختار هناك، انما الكلام في المقام يقع في امر و هو:

انه بعد ما عرفت من انه علي القول بالاباحة يكون حصول الملك بالتلف انما هو من جهة شرطيته لتأثير المعاطاة نظير شرطية القبض في الصرف و السلم، فلا محالة تصير بيعا بعد حصول الشرط و تكون الخيارات ثابتة لها من حين حصول الشرط.

و قد وقع الكلام في خيارين.

احدهما: خيار الحيوان فيما إذا كان التالف حيوانا، الثاني، خيار المجلس.

اما الأول: فقد ذكر في وجه عدم ثبوته وجوه:

الأول: ان الظاهر من الأدلة ثبوت خيار الحيوان فيما إذا كان باقيا لاما إذا تلف.

و فيه: انه لو كان لسان دليله هكذا: يرد الحيوان كان لهذه الدعوي وجه، و حيث ان لسانه هكذا: صاحب الحيوان بالخيار فلا مورد لها اصلا كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 185

______________________________

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه لو كان التالف الحيوان فما لم يتلف لا خيار لعدم صيرورتها بيعا، و إذا تلف غير متعلق به الخيار، فمن اين يثبت به المثل أو القيمة.

و فيه: انه قد عرفت انه علي هذا المسلك لا بد من الالتزام بحصول الملكية آنا ما قبل التلف، و عليه فتلك الملكية الثابتة هي الملكية مع خيار الحيوان، فيتلف الحيوان كذلك، اي متعلقا به الخيار.

الثالث: ان خيار الحيوان

يمتنع ثبوته في الفرض، لان معني الخيار ملك فسخ العقد، و عليه فبما ان المسلم عندهم ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، اي موجب لبطلان المعاملة، فثبوت خيار الحيوان في الفرض موجب لانفساخ المعاملة و امتناع فسخها لانه تحصيل الحاصل،

و بعبارة اخري: ليس قادرا علي الحل و الابقاء، فإذا امتنع ذلك امتنع ثبوته يلزم من وجوده عدمه، و ما هو كذلك محال. فتدبر فانه دقيق.

و أما الثاني: فاورد علي ثبوت خيار المجلس بوجهين:

الأول: ما عن المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان هذا الخيار من جهة ما في ذيل دليله فإذا افترقا وجب البيع يختص ثبوته لانه بالعقد اللازم من غير هذه الجهة، و لا يكون ثابتا في العقد الجائز في نفسه كما في المعاطاة، و قد تقدم الجواب عنه في التنبيه الأول.

فراجع.

الثاني: ان المعاطاة تصير بيعا بعد التلف أو ما بحكمه، ففي مجلس المعاطاة لا تصير كذلك حتي تلحقها احكامه.

و فيه: اولا: ما تقدم من انها بيع من الأول،

و ثانيا: انه يمكن ان يطول المجلس الي تحقق احد الملزمات من النقل و غيره فالأظهر ثبوت خيار المجلس و عدم ثبوت خيار الحيوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 186

الثامن: لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة
اشارة

بما إذا تحقق انشاء التمليك أو الاباحة بالفعل و هو قبض العينين.

اما إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم. (1)

فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي ء (2) زائد علي الانشاء اللفظي، كما قويناه سابقا بناء علي التخلص بذلك عن اتفاقهم علي توقف العقود اللازمة علي اللفظ فلا أشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما و ان قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة علي اللفظ فهل يرجع ذلك الانشاء القولي الي حكم المعاطاة مطلقا أو

بشرط تحقق قبض العين معه، أو لا يتحقق به مطلقا. نعم إذا حصل انشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة فالانشاء القولي السابق كالعدم لا عبرة به و لا بوقوع القبض بعده خاليا عن قصد الانشاء بل بانيا علي كونه حقا لازما، لكونه من آثار الانشاء القولي السابق نظير القبض في العقد الجامع للشرائط. ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الاول تبعا لما يستفاد من كلام المحقق و الشهيد الثانيين. قال المحقق في صيغ عقوده، (علي ما حكي عنه، بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة) انه لو اوقع البيع بغير ما قلناه، و علم التراضي منهما كان معاطاة انتهي.

______________________________

حكم العقد الفاقد لبعض شرائط الصيغة

(1) قوله اما إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم بعد ما لا كلام في تحقق المعاطاة المصطلحة بما إذا تحقق انشاء التمليك أو الاباحة بالفعل وقع الكلام في انها هل تحصل بالقول غير الجامع للشرائط ام لا.

و تنفيح القول فيه بالبحث في موارد:

المورد الاول في عنوان المصنف قدس سره هذا الامر، فانه اورد عليه بامرين احدهما ما عن المحقق الخراساني قدس سره و هو ان قوله قده

(2) فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي ء يكون خلفا لقوله، اما إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم ثانيهما: ان اخذ محل الكلام ما إذ كان القول فاقد الشرائط اللزوم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 187

و في الروضة في مقام عدم كفاية الاشارة مع القدرة علي النطق انها تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح، انتهي.

و ظاهر الكلامين صورة وقوع الانشاء بغير القبض بل يكون القبض من آثاره و ظاهر تصريح جماعة منهم المحقق و العلامة: بانه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك، و كان مضمونا عليه: هو الوجه

الاخير لأن مرادهم بالعقد الفاسد اما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة، كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين. و أما يشمل هذا و غيره كما هو الظاهر و كيف كان فالصورة الأولي داخلة قطعا و لا يخفي ان الحكم فيها بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة.

______________________________

ظاهر في كونه جامعا لشرائط الصحة، و مثل هذا العقد لا كلام من احد في صحته،

و بعبارة اخري، المفروغ عن صحته كيف يكون محل الخلاف من حيث الصحة و الفساد و الجواب عنهما: ان مراده من القول الفاقد لشرائط اللزوم، الذي اخذه في العنوان،

هو القول الفاقد، للعربية، و الماضوية، و نحوهما من الامور التي وقع الخلاف في كونها شروطا للصحة أو اللزوم و بعبارة اخري التعبير المزبور لمجرد المعرفية فلا اشكال عليه من هاتين الجهتين و المورد الثاني: في بيان منشأ التعرض لهذا التنبيه،

و الظاهر ان التعرض له من جهة دفع ما يتراءي من التنافي بين كلمات الفقهاء، حيث ان بناءهم علي ان المقبوض بالعقد الفاسد لا تترتب عليه الملكية، و لا يجوز التصرف فيه، و يجب رده الي مالكه،

و هذا ينافي مع ما يظهر من كلمات جماعة تبعا للمحقق و الشهيد الثانيين من انه لو اوقع المتعاقدان العقد فاقدا لشروط الصيغة يكون معاطاة و المصنف قدس سره تعرض لهذا التنبيه للجمع بين كلماتهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 188

و ربما يجمع بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين، فيقال ان موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا الا بزعم صحة المعاملة (1) فإذا انتفت الصحة انتفي الاذن،

لترتبه علي زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير اذن و اكلا للمال بالباطل، لانحصار وجه الحل في كون المعاملة بيعا، أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا باكل المال من غير عوض. و الأولان قد انتفيا بمقتضي الفرض، و كذا البواقي للقطع من جهة زعمها (أي المتعاطين) صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي ء في المقابل. فالرضاء المقدم كالعدم، فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد و استمر رضا هما فلا كلام في صحة المعاملة و رجعت الي المعاطاة كما إذا علم الرضا من اول الأمر باباحتهما التصرف بأي وجه، اتفق سواء صحت المعاملة أو فسدت فان ذلك ليس من البيع الفاسد في شي ء.

اقول المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا يتضمن الا انشاء واحدا هو التمليك. و من المعلوم ان هذا المقدار لا يوجب بقاء الاذن الحاصل في ضمن التمليك بعده ان كان انشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ انما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط، مع انك عرفت ان ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين: حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الاشارة المفهمة بقصد البيع، و بنفس الصيغة الخالية عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما، و منه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد العقد غير مبني علي صحة العقد.

______________________________

المورد الثالث: في بيان ما قيل في وجه الجمع و ما يمكن ان يقال.

و قد ذكروا في وجه الجمع امورا منها: ما عن بعض و هو محكي في المتن.

(1) و حاصله: ان الحكم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد انما هو فيما إذا كان الرضا بالتصرف لزعم صحة المعاملة، و الحكم بصحته

معاطاة انما هو فيما إذا علم الرضا بالتصرف علي التقديرين.

و اورد المصنف قدس سره عليه بايرادات:

(2) الاول: ان المفروض في المقام هو تقييد الرضا بانشاء التمليك، فلا يكون مع فرض العلم بالفساد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 189

ثمّ ان ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد دون غيره من الصور (1) مع ان كلام الجميع مطلق يرد عليه أن هذا التراضي ان كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد، فان كان لا علي وجه المعاطاة بل كل منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضاء صاحبه بتصرفه في ماله فهذا ليس من المعاطاة (2) بل هي اباحة مجانية من الطرفين تبقي ما دام العلم بالرضا، و لا يكفي فيه عدم العلم به و بالرجوع، لأنه كالأذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه اثر المعاطاة من اللزوم بتلف احدي العين أو جواز

______________________________

(1) الثاني: ان لازم ذلك هو الحكم بوقوعه معاطاة فيما إذا علما بفساد العقد لا مطلقا.

(2) الثالث: ان الرضا بالتصرف انما يفيد اباحة التصرفات كالاذن فيها، و هذا اجنبي عن المعاطاة.

و منها: ما عن المحقق الخراساني قدس سره، و هو ان الحكم بالضمان في تلك المسألة اقتضائي- اي من حيث كونه عقدا- فلا ينافي صحته معاطاة.

و فيه: ان كلماتهم ظاهرة لو لم تكن صريحة في الضمان الفعلي لا الحيثي.

و منها: غير ذلك مما يظهر ما فيه من بيان حق القول في المقام، و هو:

انه إذا كان المفقود الشروط التي دل دليل خاص علي اعتبارها في ما ينشأ به البيع لا كلام في عدم صحته معاطاة، إذ المعاطاة انما تصح لكونها بيعا مشمولا للادلة و العمومات علي

الفرض.

نعم لو قلنا بان مدرك صحة المعاطاة الدليل التعبدي الخاص لا العمومات، و فرضنا شمول موضوع ذلك الدليل للقول الفاقد لذلك الشرط كان معاطاة لكن المبنيين فاسدان، و عليه فإذا بقي رضاهما بعد ذلك العقد الي حين التقابض و لم يكن مقيدا بل كان رضا بالتصرف- صحت المعاملة ام فسدت- جاز التصرف فيه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 190

التصرف الي حين العلم بالرجوع، و ان كان علي وجه المعاطاة فهذا ليس الا التراضي السابق علي ملكية كل منها لمال الآخر، و ليس تراضيا جديدا بناء علي ان المقصود بالمعاطاة التمليك، كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثاني، فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدم عن صيغ العقود ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي، يدخل في المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا علي وجه المعاوضة.

و تفصيل الكلام ان المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط. اما ان يقع تقابضهما بغير رضا من كل منهما في تصرف الآخر بل حصل قهرا عليهما، أو علي احدهما و اجبارا علي العمل بمقتضي العقد، فلا اشكال في حرمة التصرف في المقبوض علي هذا الوجه، و كذا ان وقع علي وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما علي ملكية الآخر اعتقادا أو تشريعا كما في كل قبض وقع علي هذا الوجه،

لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع، كما في نظائره.

و هذان الوجهان مما لا إشكال فيه في حرمة التصرف في العوضين كما انه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن اثر العقد و تقابضا بقصد انشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد. و أما ان وقع الرضا بالتصرف بعد العقد، من

دون ابتنائه علي استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لانشاء التمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لو لاها كان الرضا ايضا موجودا و كان المقصود الأصلي من المعاملة التصرف و اوقعا العقد الفاسد وسيلة له و يكشف عنه انه لو سئل كل منهما من رضاه بتصرف صاحبه علي تقدير عدم التمليك أو بعد تنبيهه علي عدم حصول الملك كان راضيا، فادخال هذا في المعاطاة يتوقف علي امرين:

الأول: كفاية هذا الرضاء المركوز في النفس بل الرضاء الشأني لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره، و قد صرح بعد من قارب عصرنا بكفاية ذلك و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره الي هذا، و لعله لصدق طيب النفس علي هذا الأمر المركوز في النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 191

الثاني: انه لا يشترط في المباحات انشاء الاباحة أو التمليك بالقبض بل و لا بمطلق الفعل بل يكفي وصول كل من العوضين الي المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله أو بعده علي الوجه المذكور و فيه اشكال من ان ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو: العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلامة رحمه الله في رد كفاية المعاطاة في البيع: ان الافعال قاصرة عن افادة المقاصد، و كذا استدلال المحقق الثاني علي عدم لزومها بأن الافعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة، و كذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله في قواعده من ان الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول، و انما يفيد الاباحة، و كذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطي. و من ان الظاهر ان عنوان التعاطي (التقابض) في كلماتهم لمجرد الدلالة

علي الرضا و ان عمدة الدليل علي ذلك هي السيرة، و لذا تعدوا الي ما إذا لم يحصل الا قبض احد العوضين و السيرة موجودة في المقام، فان بناء الناس علي اخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين اربابها مع عدم حضور هم و وضعهم الفلوس في الموضع المعد له و علي دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس في كوز الحمامي فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو احدهما مع التراضي بالتصرف، و هذا ليس ببعيد علي القول بالاباحة.

______________________________

و لكنه لا يكون معاطاة، لان المعاطاة التي تكون موضوعة لهذا المبحث هي التي قصد بها التمليك لا الإباحة، و ان اعرضا عن اثر العقد و تقابضا بقصد انشاء التمليك يكون التقابض معاطاة.

و أما إذا كان المفقود الشروط التي اعتبروها من باب الاخذ بالمتيقن، فالظاهر وقوعه صحيحا و بيعا شرعيا مشمولا للعمومات علي المختار من تصحيح المعاطاة علي القاعدة لا بالدليل الخاص من الاجماع و السيرة، و كذلك لو قلنا بصحتها للسيرة العقلائية لعدم الفرق عندهم بين الفعل و القول الفاقد، و ان قلنا بصحتها بالاجماع فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو ما إذا كان انشاء التمليك بالفعل لا بالقول الفاقد للشروط.

هذا تمام الكلام في المباحث المتعلقة بالمعاطاة، و الحمد لله اولا و آخرا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 192

مقدمة: في خصوص الفاظ عقد البيع (1)

اشارة

قد عرفت ان اعتبار اللفظ في البيع، بل في جميع العقود مما نقل عليه الاجماع و تحقق فيه الشهرة العظيمة، مع الاشارة إليه في بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة. اما مع العجز عنه كالاخرس فمع عدم القدرة علي التوكيل لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار اللفظ،

و قيام الاشارة مقامه (2)

______________________________

الفاظ عقد البيع

(1) قوله مقدمة في خصوص الفاظ عقد البيع.

و الكلام في هذه المقدمة يقع في موردين:

الأول: فيمن يعتبر في حقه اللفظ في معاملاته.

الثاني: في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ الذي ينشأ به البيع.

(2) اما المورد الاول: فقد يقال: انه علي فرض اعتبار اللفظ يختص ذلك بغير العاجز عن التكلم و أما العاجز عنه كالاخرس فلا يعتبر في معاملاته اللفظ.

و حق القول في الأخرس يقتضي البحث في مواضع:

الأول: في معاطاته و انه هل تكون هي كمعاطاة غيره لا تفيد الملكية أو اللزوم،

او لا تكون مثلها.

الثاني: في اشارته.

الثالث: في كتابته.

اما الموضع الأول: فان قلنا باعتبار اللفظ في الملكية أو اللزوم- من جهة ان التعاطي الخارجي غير قابل لان تنشأ به الملكية و انه قاصر عن افادة الملكية أو اللزوم- فالحق عدم افادة معاطاة الاخرس ايضا ذلك، إذ معاطاته كمعاطاة غيره غير صالحة لذلك، فمع الانشاء كيف يمكن الحكم بتحقق المنشأ،

و ان قلنا باعتباره فيها للاجماع، و الا فالمعاطاة في نفسها مشمولة للعمومات و غير قاصرة عن افادة ذينك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 193

______________________________

فتارة: يقال ان التقييد باللفظ في كلماتهم لخصوصية فيه،

و اخري: يقال بان التقييد به من جهة انه الغالب، و الا فالمعتبر هو كل ما يقدر عليه مما يكون كاللفظ و لا يكون ذا وجوه و لا يتطرق فيه الاشتباه.

و علي الثاني: فحيث انه لا كلام في ان الاخرس ليس ممن لا يقدر علي البيع،

فالمتيقن من الاجماع غيره، فلا بد من البناء علي صحة معاطاته.

و أما علي الأول: فيبني علي ان معاطاته كمعاطاة غيره،

و لو شك في انه من قبيل الاول أو الثاني: فلا محالة يشك في تخصيص العمومات بالاضافة إليه، و

الأصل عدمه و صحة معاطاته.

و أما الموضع الثاني: فلا ينبغي الريب في ان انشاء المعاملات كما يكون باللفظ يكون بالاشارة لما نري بالوجدان ان العقلاء في مقام تفهيم مراداتهم من الأمر و النهي و غيرهما يبرزونها بالاشارة، و ليس الانشاء الا ابراز امر نفساني بداعي تنفيذ العقلاء و الشارع ذلك الأمر، و ليست كالاعطاء ذا وجوه كي يقال انها قاصرة عن افادة الملكية و عليه فمقتضي العمومات قيامها مقام اللفظ و صحة المعاملة بالاشارة حتي علي القول بعدم صحة المعاطاة و عدم افادتها الملكية لقصور الفعل عن انشاء الملكية به.

و هذا من غير فرق بين القدرة علي التوكيل و عدمها،

الا ان يدعي الاجماع علي عدم صحة انشاء المعاملة بها،

و لكنه علي فرض ثبوته حتي مع العجز عن التكلم لا ريب في اختصاصه بصورة القدرة علي التوكيل، إذ مع العجز عنه و القطع بان الشارع لا يرضي بان لا يعامل الاخرس اصلا، لا مناص عن البناء علي صحة معاملاته بالاشارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 194

و كذا مع القدرة علي التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه (1) كما قيل، لان الوجوب بمعني الاشتراط كما فيما نحن فيه هو الأصل (2) بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الاخرس (2) فان حمله علي صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق علي الفرد النادر مع ان الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب، ثمّ لو قلنا بأن الاصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بافادتها الملكية.

فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين علي مباشرة اللفظ.

______________________________

و قد استدل لقيام اشارته مقام اللفظ مع القدرة علي التوكيل بوجهين آخرين:

(1) احدهما: اصالة عدم وجوب التوكيل.

(2) و اورد عليه المصنف قدس سره: بان الاصل في المعاملات

الاشتراط.

مراد المستدل انه بعد شمول العمومات للاشارة القدر المتيقن خروجه هو صورة القدرة علي التكلم، و أما في صورة العجز و ان كان قادرا علي التوكيل فلا اجماع علي عدم الصحة، فمقتضي العمومات الصحة.

و لو شك في الاشتراط و عدمه يكون الأصل عدمه،

و عليه فلا يرد عليه ما ذكره المصنف قدس سره.

(3) الثاني ما ذكره المصنف قدس سره بقوله بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الاخرس لا خلاف و لا إشكال في انه يقع طلاق الاخرس بالكتابة و الاشارة و الفعل الدال عليه، و كذا كل من يتعذر عليه النطق، و النصوص شاهدة به لاحظ.

صحيح البزنطي عن الامام الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت و لا يتكلم قال عليه السلام اخرس هو قلت نعم و يعلم منه بغض لامرأته و كراهته لها أ تجوز ان يطلق عنه وليه قال عليه السلام لا و لكن يكتب و يشهد علي ذلك قلت فانه لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها قال عليه السلام بالذي منه من افعاله مثل ما ذكرت من كراهته و بغضه لها «1» و نحوه غيره من النصوص الكثيرة الدالة علي الاكتفاء بالكتابة أو كل فعل اعم من الاشارة و غيرها فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب 19 من ابواب مقدمات الطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 195

و الظاهر ايضا كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة (1) لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق مع ان الظاهر عدم الخلاف فيه. و أما مع القدرة علي الاشارة فقد رجح بعض الاشارة و لعله لانها اصرح في الانشاء من الكتابة.

و في بعض روايات الطلاق ما يدل علي العكس (2) و إليه

ذهب الحلي رحمه الله هناك

______________________________

(1) و أما الموضع الثالث: فعن المحقق النائيني عدم كفاية الكتابة،

و استدل له: بالاجماع علي عدم تأثيرها في غير الوصية و بانها ليست مصداقا في العرف و العادة لعنوان عقد أو ايقاع، فليست آلة لإيجاد عنوان بها.

و يرد علي الأول: انه اجماع منقول، مع ان المتيقن منه صورة القدرة علي التكلم لا مطلقا.

و يرد علي الثاني: ان عناوين العقود و الايقاعات اسام للامور الاعتبارية النفسانية و اللفظ، و كذا ما يقوم مقامه مبرز لذلك، و عليه فكما انه يصح الاخبار بالكتابة، كذلك يصح الانشاء بها لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة كما حقق في محله،

(2) مع انه قد ورد في بعض اخبار الطلاق انه يصح الطلاق بالكتابة، بل تقدمه علي الطلاق بالاشارة، لاحظ صحيح البزنطي المتقدم آنفا فلو لم يكن انشاء الطلاق بها ممكنا لما كان وجه للحكم بوقوعه.

و بعد ما عرفت من ان كفاية الاشارة و الكتابة انما تكون علي القاعدة فلا معني للنزاع في تقدم الكتابة أو الاشارة.

نعم في خصوص الطلاق ذهب الحلي الي تقديم الكتابة لانها اقوي و لكن الاقوائية ليست موجبة للتقديم الاعلي نحو الاولوية و قد يستدل لما ذهب إليه- بذكرها اولا في صحيح البزنطي المتقدم و هو ايضا لا يصلح للتقديم علي وجه اللزوم و من ما ذكرناه يظهر عدم الخصوصية للأخرس و ان الحكم بشمل كل عاجز عن التكلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 196

ثمّ الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ (1) تارة يقع في مواد الالفاظ من حيث افادة المعني بالصراحة و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية و من حيث اللغة المستعملة في معني المعاملة و اخري في هيئة كل من الايجاب

و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضي. و ثالثة في هيئة تركيب الايجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة. أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات (2) قال في التذكرة الرابع من شروط الصيغة: التصريح فلا يقع بالكناية بيع مع النية مثل قوله ادخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه مني بكذا أو سلطتك عليه بكذا، عملا باصالة بقاء الملك، و لأن المخاطب لا يدري بم خوطب، انتهي.

و زاد في غاية المراد علي الأمثلة مثل قولك اعطيتكه بكذا، أو تسلط عليه بكذا

______________________________

خصوصيات الفاظ العقد

(1) قوله ثمّ الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ.

هذا هو المورد الثاني للبحث و ملخص القول فيه ان الخصوصيات المعتبرة فيه قسمان احدهما ما يعرض الالفاظ انفسها ثانيهما: ما يكون خارجا عنها.

اما الأول: فملخص القول فيه: بعد ما لا ريب في صحة الانشاء بالحقيقة الدالة علي المعني بلا عناية- قرينة و لو صارفة، و بالمجاز المشهور الذي يحتاج ارادة المعني الحقيقي منه الي قيام القرينة، يقتضي البحث في مواضع:

الأول: في انشاء المعاملة بالكنايات.

الثاني: في المجازات.

الثالث: في المشترك اللفظي.

الرابع: في المشترك المعنوي.

اما الموضع الأول: ففي المتن.

(2) فالمشهور بين الاصحاب- علي ما نسب إليهم- عدم وقوع العقد بالكنايات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 197

و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة فلا ينعقد بالمجازات حتي صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد، و المراد بالصريح- كما يظهر من جماعة من الخاصة و العامة- في باب الطلاق و غيره، ما كان موضوعا لعنوان ذلك العقد لغة أو شرعا، و من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع (1) فيفيد ارادة نفسه بالقرائن و هي علي

قسمين عندهم جلية و خفية، و الذي يظهر من النصوص المتفرقة في ابواب العقود اللازمة و الفتاوي المتعرضة لصيغها في البيع،

بقول مطلق، و في بعض انواعه و في غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتد به في المعني المقصود فلا فرق بين قوله بعت و ملكت و بين قوله نقلت الي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا، و هذا هو الذي. قواه جماعة

______________________________

و المراد بالكناية في المقام ليس ما هو من اقسام المجاز- و هو استعمال اللفظ الموضوع للازم المعاملة في معني تلك المعاملة الذي هو الملزوم مجازا بل المراد بها استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، و هو اللازم للانتقال الي الملزوم و الشاهد علي ذلك ان بعض المانعين عن الانعقاد بالكناية ذهب الي انعقاد المعاملة بالفاظ تكون موضوعة لمعني هو لازم المعاملة فما هو ظاهر المصنف من حملها علي المعني الأول

(1) حيث قال و من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع غير صحيح و كيف كان: فقد اختار المحقق النائيني رحمه الله عدم الانعقاد بها،

و استشهد لذلك: بان انشاء اللازم و ايجاده في الانشاء القولي ليس ايجادا للملزوم عرفا، و كون الملزوم مقصودا و داعيا من ايجاد اللازم لا أثر له، لان الدواعي لا أثر لها في باب العقود و الايقاعات.

ثمّ اورد علي نفسه: بان الملزوم و ان لم ينشأ اصالة الا انه منشأ تبعا، و في المرتبة الثانية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 198

من متأخري المتأخرين، و حكي عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق علي ما حكي عن تلميذه كاشف الرموز أنه حكي عن شيخه المحقق أن عقد البيع لا يلزم منه لفظ مخصوص. و انه اختاره

ايضا.

و حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه أنه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل أسلمت اليك و عاوضتك و حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين بل هو ظاهر العلامة في التحرير حيث قال: ان الايجاب اللفظ الدال علي النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما و نحوه المحكي عن التبصرة و الارشاد و شرحه لفخر الاسلام فإذا كان الايجاب هو اللفظ الدال علي النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته الي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا، بل ربما يدعي انه ظاهر كل من أطلق اعتبار الايجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و أتباعه فتأمل.

و قد حكي عن الأكثر تجويز البيع حالا بلفظ السلم. و صرح جماعة أيضا في بيع التولية بانعقاده بقوله وليتك العقد أو وليتك السلعة و التشريك في المبيع بلفظ شركتك، و عن المسالك في المسألة تقبل احد الشريكين في النخل حصة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة ان ظاهر الاصحاب جواز ذلك بلفظ التقبل مع انه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة، هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع.

و أما في غيره فظاهر جماعة في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله تصرف فيه أو انتفع به و عليك رد عوضه أو خذه بمثله و اسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله في البيع من الكنايات مع ان القرض من العقود اللازمة علي حسب لزوم البيع و الاجارة، و حكي عن جماعة في الرهن: ان ايجابه يؤدي بكل لفظ يدل عليه مثل قوله هذه وثيقة عندك و عن الدروس تجويزه بقوله خذه أو امسكه بمالك، و حكي عن

غير واحد تجويز ايجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ تعهدت المال، و تقلدته و شبه ذلك.

و قد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الاجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد و تردد جماعة في انعقاد الاجارة بلفظ بيع المنفعة. و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل علي تسليم الأرض للمزارعة، و عن مجمع البرهان كما في غيره،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 199

انه لا خلاف في جوازها بكل لفظ بدل علي المطلوب مع كونه ماضيا. و عن المشهور جوازها بلفظ أزرع، و قد جوز جماعة الوقف بلفظ حرمت و تصدقت مع القرينة الدالة علي ارادة الوقف مثل ان لا يباع، و لا يورث، مع عدم الخلاف كما عن غير واحد علي انهما من الكنايات و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع انه ليس صريحا فيه، و مع هذه الكلمات كيف يجوز ان يسند الي العلماء أو اكثر هم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع له، و انه لا يجوز بالالفاظ المجازية خصوصا مع تعميمها للقريبة و البعيدة كما تقدم عن بعض المحققين و لعله لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالالفاظ المجازية في العقود اللازمة، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في اكثرها بالالفاظ الغير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني علي ما حكي عنه في باب السلم و النكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة علي المجازات البعيدة، و هو جمع حسن، و الأحسن

______________________________

و اجاب عنه: بان الايجاد بهذا النحو في كمال الضعف من الوجود، فينصرف الاطلاق عنه، و لا تشمله العمومات ايضا لخروجه عن الاسباب المتعارفة.

و يرد عليه:

اولا: انه قده صرح بانه لو قصد

البيع بالفعل المصداق للازمه كالتسليط ينعقد به، و لم يظهر الفرق بين الفعل و القول في ذلك.

و ثانيا: انه لا فرق بين الاخبار و الانشاء الا في الداعي كما اشرنا إليه غير مرة،

فكما يصح الاخبار بالكناية، كذلك يصح الانشاء بها،

مع انه لو سلم كون الانشاء ايجادا لأمر لا إظهارا.

يرد عليه انه بعد فرض الملازمة بين اللازم و الملزوم إذا وجد اللازم في اي وعاء كان لا محالة يوجد الملزوم في تلك الوعاء.

و بالجملة: لا يعتبر في الانشاء سوي كون اللفظ مما له ظهور عرفي في المراد، و لا إشكال في ان اظهار اللازم عرفا اظهار للملزوم.

و دعوي: انصراف الاطلاق عنه لا تسمع فالأظهر انعقاد البيع و غيره من المعاملات بالكنايات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 200

منه ان يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدال علي انشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر، ليرجع الافادة بالآخرة الي الوضع (1) إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين افادة لفظ للمطلب بحكم الوضع أو افادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع علي ارادة المطلب من ذلك اللفظ، و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته علي المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد،

فان الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين، و ان كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بني عليه: من عدم العبرة بغير الأقوال في انشاء المقاصد، و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال أو اقتران حال تدل علي ارادة البيع جزما، و مما ذكرنا يظهر الاشكال في الاقتصار علي المشترك اللفظي اتكالا علي القرينة الحالية المعينة، و

كذا المشترك المعنوي و يمكن ان ينطبق علي ما ذكرنا الاستدلال المتقدم في عبارة التذكرة بقوله قدس سره لأن المخاطب لا يدري بم خوطب إذ ليس المراد ان المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية، بل المراد ان الخطاب بالكناية لما لم يدل علي المعني المنشأ ما لم يقصد الملزوم لأن اللازم الأعم كما هو الغالب، بل المطرد في الكنايات لا يدل علي الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد الجامع مع الملزوم الخاص

______________________________

و أما الموضع الثاني: فقد فصل المصنف قدس سره بين كون القرينة حالية أو مقالية، و اختار الانعقاد في الثاني دون الأول. و به جمع بين كلمات القوم و نسبه إليهم.

(1) و استدل له: بانه إذا كانت القرينة لفظية فترجع الافادة بالآخرة الي الوضع، و لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين افادة اللفظ للمطلب بحكم الوضع،

أو افادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع علي ارادة المطلب من ذلك اللفظ، و هذا بخلاف ما إذا كانت القرينة حالية، فان الافادة حينئذ لا تكون باللفظ، و المفروض عدم العبرة بغير الأقوال في انشاء المعاملات.

و فيه ان الدال علي المعني في الاستعمال المجازي انما هو اللفظ و ذو القرينة، و القرينة انما تدل علي ذلك- اي ارادة المعني من ذي القرينة- لا ان جزءا من المعني يستفاد من ذي القرينة، و جزءا منه من القرينة، مثلا في قولنا: رأيت اسدا يرمي، يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 201

فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب، و انما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم و المفروض علي ما تقرر في مسألة المعاطاة ان النية بنفسها، أو مع انكشافها

بغير الاقوال لا تؤثر في النقل و الانتقال،

فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به، لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من امثلة الكناية، ثمّ انه ربما يدعي ان العقود المؤثرة في النقل و الانتقال اسباب شرعية توقيفية كما حكي عن الايضاح من ان كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار علي المتيقن، و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوي العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتية بعضها. و أما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها علي العنوان المعبر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع.

فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة معبرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة، فلا بد من اشتمال عقدها علي هذه العناوين، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الاجارة أو نحو ذلك، و هكذا الكلام في العقود المنشئة للمقاصد الاخر كالبيع، و الاجارة و نحوهما، فخصوصية اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها علي هذه العنوانات الدائرة في لسان الشارع أو ما يرادفها لغة أو عرفا لأنها بهذه العنوانات موارد للاحكام الشرعية التي لا تحصي، و علي هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العناوين كما لو لم تقصد المرأة الا هبة نفسها أو اجارة نفسها مدة الاستمتاع، لم يترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة علي الزوجية الدائمة أو المنقطعة، و ان كانت بقصد هذه العناوين دخلت في الكناية التي عرفت ان تجويزها رجوع الي عدم اعتبار افادة المقاصد بالاقوال، فما ذكره الفخر رحمه الله مؤيد لم ذكرناه و استفدناه من كلام والده قدس سره و إليه

يشير ايضا ما عن جامع المقاصد من أن العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه.

و ما عن المسالك من انه يجب الاقتصار علي العقود اللازمة علي الالفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة و مراده بالمنقولة شرعا هي المأثورة في كلام الشارع،

و عن كنز العرفان في باب النكاح انه حكم شرعي حادث، فلا بد له من دليل يدل علي حصوله و هو العقد اللفظي المتلقي من النص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 202

ثمّ ذكر لإيجاب النكاح الفاظا ثلاثة و عللها بورودها في القرآن، و لا يخفي ان تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من تفسير توقيفية العقود، و انه متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار علي المتيقن و من هذا الضابط تقدر علي تمييز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الالفاظ المتقدمة في ابواب العقود المذكورة من غيره من غيره و ان الاجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة أو السكني مثلا لا يبعد جوازه و هكذا.

______________________________

يرمي قرينة علي ارادة الرجل الشجاع من الأسد، و عليه ففي جميع المجازات يكون الدال علي المعاملة هو اللفظ.

فالأظهر صحة الانشاء بالمجاز و ان كان بعيدا.

و بما ذكرناه ظهر الحال في المشترك اللفظي إذا كانت افادة اللفظ فيه للمعني المراد مع القرينة.

و أما الموضع الرابع- اي المشترك المعنوي-: فقد اختار المحقق النائيني قدس سره عدم صحة الانشاء به إذا كان مشتركا بين العقود التمليكية و غيرها من النقل الخارجي كلفظ نقلت.

و استدل له: بان امتياز النقل الخارجي عن النقل الاعتباري ليس بعين ما به اشتراكهما، فلا محالة ينشأ الجنس العالي اولا ثمّ يميز بالفصل، فيلزم التدريجية في الوجود.

و فيه: انه و ان كان اللفظ مركبا، الا

انه لا يكون ذلك الاعتبار النفساني البسيط تدريجيا من حيث الاظهار و الابراز، بل يصير مبرزا بالمجموع.

فالأظهر صحة الانشاء بالمشترك المعنوي ايضا.

الفاظ الايجاب و القبول
اشارة

و مما ذكرناه من صحة الانشاء بالكنايات و المجازات، و المشترك اللفظي،

و المعنوي يظهر انه يصح الانشاء بجميع الالفاظ التي وقع الخلاف في صحة الانشاء بها التي ستمر عليك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 203

إذا عرفت هذا فلنذكر الفاظ الايجاب و القبول:

[أما الإيجاب]
منها لفظ بعت في الايجاب

و لا خلاف فيه فتوي و نصا، و هو و ان كان من الاضداد (1) بالنسبة الي البيع و الشراء لكن كثرة استعماله في وقوع البيع به تعينه،

و منها لفظ شريت

فلا اشكال في وقوع البيع به لو ضعه له، كما يظهر من المحكي عن بعض اهل اللغة بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم الا في البيع.

و عن القاموس شراه يشريه ملكه بالبيع، و باعه كاشتراه فهما ضد و عنه ايضا كل من ترك شيئا و تمسك بغيره، فقد اشتراه و ربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع (2) و كونه محتاجا الي القرينة المعينة،

و عدم نقل الايجاب به في الأخبار و كلام القدماء و لا يخلو عن وجه.

______________________________

و أما علي القول الآخر: فقد وقع الكلام في انشاء البيع بطائفة من الالفاظ من ناحية الصغري، و انها داخلة في ما يصح الانشاء به، أو فيما لا يصح، و هي متعددة:

منها: لفظ بعت.

(1) و الكلام فيه من جهة انه من الاضداد- كما اختاره المصنف قدس سره- أو مشترك معنوي بمعني التمليك بعوض اعم من ان يكون صريحا أو ضمنيا.

الظاهر ان: المتفاهم منه عرفا كونه موضوعا للبيع المقابل للشراء كما يظهر لمن راجع المرتكز في ذهنه، فلو سلم كونه في اللغة موضوعا لكل منهما أو للجامع بينهما، لا ينبغي التأمل في ان المتفاهم منه عرفا هو البيع، و هذا يكفي في صحة انشاء البيع به، فلا حاجة الي تطويل الكلام في ذلك.

و منها لفظ شريت.

(2) و المصنف قدس سره بعد تسليمه كونه من الاضداد استشكل في انشاء البيع به، بقلة استعماله فيه عرفا، و كونه محتاجا الي القرينة المعينة، و عدم نقل الايجاب به في الاخبار و كلمات

العلماء.

و يرد عليه- مضافا الي ما تقدم من انه لا إشكال في صحة الانشاء و ان كانت القرينة المعينة حالية-: ان القرينة المعينة دائما تكون لفظية، لان الشراء إذا استعمل في البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 204

و منها لفظ ملكت بالتشديد

و الاكثر علي وقوع البيع به، بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق حيث قال: انه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت،

و يدل عليه ما سبق في تعريف البيع من ان التمليك بالعوض المنحل الي مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفا و لغة، (1) صرح به فخر الدين حيث قال: ان معني بعت في لغة العرب ملكت غيري، و ما قيل من ان التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الاطلاق غيرها فيه ان الهبة انما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك، فهي مشتركة معني بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها، فان اتصل بالكلام ذكر العوض افاد المجموع المركب بمقتضي الوضع التركيبي البيع، و ان تجرد عن ذكر العوض افاد المجموع المركب بمقتضي الوضع التركيبي البيع، و ان تجرد عن ذكر العوض اقتضي تجريده الملكية المجانية.

و قد عرفت سابقا ان تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي فلو أراد منه الهبة المعوضة أو قصد المصالحة، بني علي صحة عقد بلفظ غيره مع النية، (2) و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في شرح الارشاد: ان معني بعت في لغة العرب ملكت غيري.

______________________________

يكون مفعوله الأول مال نفسه و غير مصدر بالباء و إذا استعمل في الشراء يكون مفعوله

الأول مال الطرف و مال نفسه يصدر بالباء- فالقرينة المعينة دائما تكون هي الهيئة.

و منها: لفظ ملكت.

و الكلام فيه ليس في صحة انشاء

البيع به

(1) لما ذكره المصنف قدس سره من ان حقيقة البيع هي التمليك بعوض.

(2) بل الكلام فيه انما هو فيما ذكره المصنف قدس سره بان صحة العقد به بارادة الهبة المعوضة أو المصالحة منه مبنية علي صحة عقد بلفظ غيره مع النية،

فانه اورد عليه السيد و المحقق النائيني قدس سره: بان ما ذكره يتم في الصلح و لا يتم في الهبة المعوضة، فان الهبة المجانية و المعوضة من التمليك حقيقة.

و فيه: ان الهبة المعوضة من التمليك المجاني لا التمليك بعوض، إذ العوض فيها ليس في مقابل المال الموهوب، و المصنف قدس سره يدعي ان الهبة المعوضة ليست من التمليك بعوض، و لم يدع عدم كونها من التمليك. فتدبر في كلماته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 205

و أما الايجاب باشتريت،

ففي مفتاح الكرامة انه قد يقال بصحته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة، و المنقول عنها في نسختين من تعليق الارشاد.

اقول و قد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف علي بعت و ملكت شبههما أو ما يقوم مقامهما إذا ارادة ما يقوم مقامهما في اللغات الاخر للعاجز عن العربية ابعد، فيتعين ارادة ما يرادفهما لغة أو عرفا فيشمل شريت و اشتريت لكن الاشكال المتقدم في شريت اولي بالجريان هنا لأن شريت استعمل في القرآن الكريم في البيع، بل لم يستعمل فيه الا فيه (1) بخلاف اشتريت و دفع الاشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال علي كونه ايجابا. اما بناء علي لزوم تقديم الايجاب علي القبول. و أما لغلبة ذلك غير صحيح لأن الاعتماد علي القرينة الغير اللفظية،

في تعيين المراد من الفاظ العقود قد عرفت ما فيه، (2) الا ان يدعي ان ما ذكر سابقا من اعتبار

الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته علي خصوص العقد و تميزه عما عداه من العقود. و أما تميز ايجاب عقد معين عن قبوله الراجع الي تميز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة، بل يكفي استفادة المراد و لو بقرينة المقام أو غلبته و نحوهما، و فيه اشكال.

______________________________

و منها: لفظ اشتريت.

(1) و المصنف قدس سره: قال ان الاشكال المتقدم في شريت اولي بالجريان هنا، لان شريت استعمل في القرآن الكريم «1» في البيع، بل لم يستعمل فيه الا فيه بخلاف اشتريت.

و ربما يتوهم انه يمكن دفع الاشكال المتقدم و هو قلة استعماله في البيع بانه لو قدم ذلك يتعين ارادة الايجاب منه.

(2) و اجاب المصنف قدس سره عنه بان الاعتماد علي القرينة غير اللفظية في تعيين المراد من الفاظ العقود قد عرفت ما فيه.

و يرد عليه ما ذكرناه من الوجهين في شريت انما الاشكال فيه يكون من جهة اخري، و هي ان هيئة الافتعال انما وضعت لمعنيين: احدهما: قبول المادة. كالا اكتساب

______________________________

(1) سورة يوسف: آية 21 البقرة آية 102.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 206

و أما القبول، فلا ينبغي الاشكال في وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا (1)

و أما بعت فلم ينقل الا من الجامع (لابن سعيد) مع أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء، و لعل الاشكال فيه كأشكال اشتريت في الايجاب.

و اعلم ان المحكي عن نهاية الاحكام و المسالك ان الاصل في القبول قبلت و غيره بدل لأن القبول علي الحقيقة مما لا يمكن به الابتداء و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن، و سيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الايجاب، ثمّ ان في انعقاد القبول بلفظ الامضاء و الاجازة و الانفاذ و شبهها وجهين. (2)

فرع لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة بين الايجاب و القبول

ثمّ اختلفا في تعيين الموجب و القابل (3) اما بناء علي جواز تقديم القبول، و أما من جهة اختلافهما في المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف، ثمّ عدم ترتيب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء علي واحد منهما.

______________________________

و الاحتطاب و الاقتراب.

ثانيهما: قبول المادة من الغير كالانتقاض و شبهه، و في كل مورد لا بد من الرجوع الي اهله في انه استعمل في اي المعنيين و ليس لنا التصرف، و عليه فحيث ان اشتريت في الكلمات انما استعمل في قبول المادة من الغير لا في قبول المادة، فاستعماله في الايجاب لا يصح.

(1) و مما ذكرناه ظهر وقوع القبول بلفظ قبلت، و رضيت، و شريت، و اشتريت

(2) انما الكلام فيه في الفاظ امضيت، اجزت، انفذت و اشباهها و منشأ الاشكال ان الانفاذ و الامضاء و الاجازة انما تتعلق بما له مضي و جواز و نفوذ، و ما يترقب منه ذلك هو السبب التام، و هو العقد لا الإيجاب خاصة.

و لكن يمكن دفعه: بان هذه العناوين بما انها من لوازم تحقق العقد بلحوق القبول للايجاب و يكون القبول ملزوما لها، فانشاء القبول

بها من قبيل الاستعمال الكنائي، و قد عرفت صحة الانشاء بالكنايات.

(3) لا اختصاص لهذا الفرع بايقاع العقد بالالفاظ المشتركة بل لو كان بالالفاظ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 207

[شروط عقد البيع]

مسألة: المحكي عن جماعة منهم: السيد عميد الدين و الفاضل المقداد، و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد

، (1) للتأسي (2) كما في جامع المقاصد، و لان عدم صحته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق اولي (3) و في الوجهين ما لا يخفي و اضعف منهما منع صدق العقد علي غير العربي مع التمكن من العربي. فالاقوي صحته بغير العربي.

______________________________

المختصة و كان الاختلاف في المتقدم يجري هذا الفرع ثمّ ان الحكم بالتحالف انما هو فيما إذا كان هناك اثر مترتب علي كل من الدعويين، كما لو كان كل من العوضين حيوانا، و الا فصاحب الحيوان هو المنكر، و للكلام في هذا الفرع محل آخر.

اعتبار العربية

و أما الثاني: فالكلام في ما قيل باعتباره في طي مسائل:

(1) الاولي: المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان: اعتبار العربية في العقد.

و استدل له بوجوه

(2) الاول: التأسي، فإن النبي صلي الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام كانوا يعاملون بالعربية.

و فيه: انه لم يدل دليل علي لزوم التأسي أو محبوبيته في كل ما كانوا عليهم السلام يفعلونه،

أ لا تري انهم كانوا يتكلمون بالعربي و لم يتوهم احد لزومه أو استحبابه، و لعل انشاء معاملاتهم بها من هذا القبيل مع ان مطلوبيتها لا تستلزم فساد الانشاء بغيرها بعد شمول العمومات و الاطلاقات له، مضافا الي عدم لزوم التأسي غايته الاستحباب.

(3) الثاني: ان اعتبار الماضوية في العقد يستلزم اعتبار العربية بالاولوية.

و فيه: ان الماضوية ليست من خصوصيات اللغة العربية حتي يقال ان اعتبارها يستلزم اعتبار العربية، بل هي خصوصية

في كل لغة فهما خصوصيتان في عرض واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 208

و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء علي اشتراط العربي؟ الاقوي ذلك (1) بناء علي ان دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار علي المتيقن من اسباب النقل، و كذا اللحن في الاعراب.

______________________________

الثالث: ان مقتضي اصالة الفساد عدم ترتب الأثر علي شي ء من العقود، و المتيقن مما خرج عن هذا الأصل هو العقد بالعربية، فلا بد من رعايتها.

و فيه: انه يتوقف علي عدم جواز التمسك بالعمومات و المطلقات في دفع احتمال اعتبار شي ء في الاسباب، و قد عرفت في اول هذا الجزء صحته.

الرابع: عدم صدق العقد علي غير العربي مع التمكن من العربي.

و فيه: اولا: انه يكفي صدق التجارة و البيع عليه في نفوذه.

و ثانيا: ان العقد من مقولة المعني، فما معني عدم صدقه علي غير العربي و صدقه علي العربي؟ و اضعف من ذلك دعوي عدم صدقه عليه مع التمكن من العربي.

فتحصل: ان الأظهر عدم اعتبار العربية،

و يشهد- له مضافا الي ذلك-: انه لو كان ذلك معتبرا لاشتهر و كان يجب علي كل مكلف تعلم صيغ العقود لكثرة ابتلاء الناس بالمعاملات، فنفس عدم اشتهار ذلك و عدم نقل ورود رواية دالة علي ذلك دليل قطعي علي عدم الاعتبار، مع قيام السيرة عليه.

نعم في خصوص النكاح ادعي الاجماع علي اعتبار العربية مع من التمكن، فان ثبت و الا فالعمومات تقتضي عدم اعتبارها فيه ايضا، فالأظهر صحته بغير العربي.

ثمّ انه علي القول باعتبار العربية وقع الكلام في امور

(1) احدها: انه هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة كما اختاره المصنف ام لا؟ الظاهر: إن اللحن فيهما ان كان بنحو

لا يضر بظهور الكلام عرفا في ارادة المعاملة الخاصة كما لو قال: بعتك بالفتح صح العقد و لا يعتبر عدمه للعمومات. نعم علي القول بلزوم الاقتصار علي المتيقن من الاسباب لا بد من العقد مع عدم اللحن، لكن عرفت انه بمراحل عن الواقع، و ان كان بنحو يضر به كما لو قال جوزتك بدل زوجتك اعتبر عدمه لما عرفت من لزوم كون الانشاء بما يكون مظهرا لتلك المعاملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 209

و حكي عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك بفتح الباء و بين ما لو قال:

جوزتك بدل زوجتك، فصحح الأول دون الثاني (1) الا مع العجز عن التعلم و التوكيل، و لعله لعدم معني صحيح في الأول الا البيع بخلاف التجويز (2) فان له معني آخر فاستعماله في التزويج غير جائز. و منه يظهر ان اللغات المحرفة لا بأس بها إذا لم يتغير بها المعني.

ثمّ هل المعتبر عربية جميع اجزاء الايجاب، و القبول، كالثمن و المثمن ام يكفي عربية الصيغة (3) الدالة علي انشاء الايجاب و القبول حتي لو قال: بعتك:

اين كتاب را به درهم، كفي و الاقوي هو الأول لأن غير العربي كالمعدوم فكأنه لم يذكر في الكلام. نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب في القبول، و اكتفي بانفهامها و لو من غير اللفظ صح الوجه الثاني، لكن الشهيد رحمه الله في غاية المراد في مسألة تقديم القبول نص علي وجوب ذكر العوضين في الايجاب.

______________________________

(1) و لعله الي ما ذكرنا نظر فخر الدين حيث فصل بين ما لو قال بعتك بفتح الباء و بين ما لو قال جوزتك بدل زوجتك فصحح الاول دون الثاني، لا إلي

ما افاده المصنف قدس سره

(2) بقوله لعدم معني صحيح في الاول الا البيع بخلاف التجويز.

فان لازم ما ذكره صحة العقد بزوجتك، إذ لا معني صحيح له سوي التزويج، مع انه لا تأمل في فساده فالمعيار ما ذكرناه

(3) قوله ثمّ هل المعتبر عربية جميع أجزاء الايجاب و القبول كالثمن و المثمن ام يكفي عربية الصيغة.

يقع الكلام في موردين:

الأول: انه هل يعتبر ذكر العوضين في عقد البيع ام لا؟ الثاني: انه علي فرض اللزوم هل يعتبر ان يكون بالعربية ام لا؟ اما الأول: فالظاهر لزوم ذكرهما، إذ العوضان في البيع نظير الزوجين في النكاح، إذ المبادلة انما تكون بين المالين و لا بد من انشاء هذا المعني، فإذا لم يذكر العوضين لم ينشأ البيع و لو كان من قصده تبديل هذا المال بذلك لعدم العبرة بالقصد المجرد في انشاء المعاملات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 210

ثمّ انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا، بمعني اللفظ (1) بأن يكون فارقا بين معني بعت و أبيع و انا بايع أو يكفي مجرد علمه بأن هذا اللفظ، يستعمل في لغة العرب لانشاء البيع الظاهر هو الأول لأن عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام، بل يقصد المتكلم منه المعني الذي وضع له عند العرب فلا يقال انه تكلم و ادي المطلب علي طبق لسان العرب، الا إذا ميّز بين معني بعت و ابيع و اوجدت البيع و غيرها، بل علي هذا لا يكفي معرفة ان بعت مرادف لقوله: فروختم حتي يعرف ان الميم في الفارسي عوض تاء المتكلم فيميز بين بعتك و بعت بالضم و بعت بفتح التاء، فلا ينبغي ترك الاحتياط و ان كان في تعينه نظر و لذا نص البعض

علي عدمه.

مسألة: المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية،

بل في التذكرة الاجماع علي عدم وقوعه بلفظ ابيعك أو اشتر مني، و لعله لصراحته في الانشاء (2) إذ المستقبل اشبه بالوعد

______________________________

و أما الثاني: فجميع ما ذكر في وجه اعتبار العربية في الصيغة تدل علي اعتبارها في اجزاء الايجاب و القبول سوي الاولوية، و لكن قد عرفت فساد الجميع،

فالأظهر عدم اعتبارها فيها.

(1) قوله ثمّ: هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعني اللفظ اعتبار كونه عالما بمعني اللفظ في الجملة مما لا ينكر، لان استعمال اللفظ في المعني يتوقف علي لحاظ اللفظ و المعني، و الا فلا يعقل ذلك و يكون التلفظ مجرد لقلة اللسان و ليس تكلما بالعربي مثلا و لكن ذلك لا يقتضي اعتبار العلم التفصيلي.

عدم اعتبار الماضوية

الثانية: المشهور كما عن غير واحد: اشتراط الماضوية.

و قد استدل لاعتبارها بوجوه الأول: الاجماع و هو كما تري.

(2) الثاني: ما في المتن و هو ان الماضي صريح في الانشاء، و المستقبل اشبه بالوعد،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 211

و الامر استدعاء لا إيجاب، (1) مع ان قصد الانشاء في المستقبل خلاف المتعارف (2)

______________________________

و فيه: انه ان اريد من صراحة الماضي في الانشاء عدم احتياج ظهوره في الانشاء الي قرينة حالية أو مقالية فيرد عليه: ان تلك الهيئة مشتركة بين الانشاء و الاخبار، بمعني ان الموضوع له و المستعمل فيه في هيئة الصيغة المشتركة بين الانشاء و الاخبار- مثل بعت- شي ء واحد،

و هي النسبة المتحققة بين المسند- و هو الاعتبار النفساني- و المسند إليه- و هو المتكلم-، و انما يفترقان في الداعي كما حقق في محله، فلا بد في افادتها الانشاء الي القرينة.

و ان اريد من صراحته عدم كون الماضي المستعمل في الانشاء من قبيل الكناية أو

المجاز فهو و ان كان متينا الا ان الفعل المضارع المستعمل في الانشاء ايضا كذلك، فان هيئة المضارع وضعت للدلالة علي تلبس الذات بالمبدإ في حال التكلم أو بعده، فإذا استعملت في مقام الانشاء فقد استعملت في ما وضعت له.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من انها تدل علي تلبس الفاعل بالمبدإ و هذا ملازم للتحقق لا انه صريح فيه بل لازمه يرد عليه: ان التلبس عين التحقق لا انه لازمه.

و ان شئت قلت: انها موضوعة للتحقق ايضا. و تمام الكلام في محله.

و بما ذكرناه يظهر صحة استعمال الجملة الاسمية نحو انا بائع في مقام الانشاء،

فان هذه الهيئة وضعت للدلالة علي انتساب البيع الي البائع، فيصح استعمالها في مقام انشاء البيع، فظهر ان الحكم في باب الطلاق بوقوعه بانت طالق ليس علي خلاف القاعدة.

(1) و أما الامر فهو موضوع للدلالة علي ان صدور المادة من المخاطب متعلق لشوق المتكلم، و عليه فصحة الانشاء به تتوقف علي صحة الانشاء بالكناية، لان انشاء المعاملة باظهار كون وقوعه متعلقا للشوق من قبيل الاستعمال الكنائي، و قد عرفت صحة الانشاء بالكناية، و سيأتي تمام الكلام في ذلك في المسألة الآتية.

(2) الثالث ان قصد الانشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 212

و عن القاضي في الكامل و المهذب عدم اعتبارها، و لعله لإطلاق البيع و التجارة و عموم العقود، (1) و ما دل في بيع الآبق و اللبن في الضرع من الايجاب بلفظ المضارع، (2) و فحوي ما دل عليه في النكاح و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحه المضارع في الانشاء علي وجه لا يحتاج الي قرينة المقام، فتأمل.

مسألة: الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول

، (2) و به صرح

في الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة، كما عن الايضاح و جامع المقاصد

______________________________

و فيه: ان التعارف لا يوجب تقييد اطلاق الادلة كما لا يخفي،

(1) فالاظهر صحة الانشاء بغير الماضي للمعلومات و الاطلاقات.

(2) و تشهد له- مضافا إليها-: النصوص الواردة في بيع العبد الآبق، و الجارية الآبقة، و بيع المصحف، و اللبن في الضرع، و النكاح، من الوقوع بفعل المضارع و الأمر «1» و حمل جميعها علي ارادة المقاولة و الوعد و الاستدعاء خلاف الظاهر جدا.

تقديم القبول علي الايجاب

(3) قوله الاشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول مطلقا.

الأقوال في المسألة ثلاثة الأول: - و هو الأشهر كما قيل- لزوم تقديم الايجاب علي القبول مطلقا.

الثاني: ما عن الشيخ في كتاب النكاح من المبسوط، و المحقق في الشرائع، و العلامة قدس سره في التحرير، و الشهيدين في بعض كتبهما و غيرهم في غيرها، و هو جواز التقديم بل عن المبسوط و السرائر دعوي الاجماع عليه في كتاب النكاح

______________________________

(1) الوسائل باب 8 و 11 من أبواب عقد البيع و باب 31 من أبواب ما يكتسب به. و باب 18 من ابواب المتعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 213

و لعله الاصل بعد حمل آية وجوب الوفاء علي العقود المتعارفة (1)

كإطلاق البيع و التجارة في الكتاب و السنة. و زاد بعضهم أن القبول فرع الايجاب فلا يتقدم عليه و أنه تابع له، فلا يصح تقدمه عليه و حكي في غاية المراد عن الخلاف الإجماع عليه و ليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه فيؤخذ به فراجع، خلافا للشيخ في المبسوط في باب النكاح،

و أن وافق الخلاف في البيع الا انه عدل عنه في

باب النكاح، بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحته بين الامامية حيث أنه بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل زوجني فلانة جائز بلا خلاف، قال: أما البيع فإنه إذا قال بعنيها، فقال: بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين، و قال: قوم منهم لا يصح حتي يسبق الايجاب، انتهي. و كيف كان فنسبة القول الأول إلي المبسوط مستند إلي كلامه في باب البيع و أما في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق في الشرائع و العلامة في التحرير و الشهيدين في بعض كتبهما. و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها، و فحوي جوازه في النكاح الثابت بالأخبار (2) مثل خبر ابان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل علي صحة تقديم القبول بقوله للمرأة أتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله إلي أن قال: فإذا قالت: نعم، فهي امرأتك و انت أولي الناس بها و رواية سهل الساعدي المشهور في كتب الفريقين كما قيل: المشتملة علي تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها.

______________________________

الثالث: التفصيل بين الصيغ التي ينشأ بها القبول، و هو الذي اختاره المصنف و سيمر عليك و ربما ينسب الي بعض التفصيل بين البيع و النكاح بجواز التقديم في النكاح بلفظ الامر دون البيع، لكن الظاهر عدم صحة النسبة.

(1) و قد استدل للاشتراط مطلقا بالاصل بعد حمل ادلة الامضاء علي العقود المتعارفة،

و يرده انه لا وجه له سوي الانصراف الذي هو بدوي لا يصلح للتقليد

(2) و بازاء ذلك استدل لعدم الاشتراط بفحوي جوازه في النكاح الثابت بالاخبار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 214

______________________________

و قد ذكر

المصنف قدس سره من الروايات المثبتة روايتين احداهما خبر ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له عليه السلام كيف اقول لها إذا خلوت بها فقال عليه السلام تقول اتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة نبيه لا وارثة و لا مورثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما و تسمي من الاجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فإذا قالت نعم فقد رضيت و هي امرأتك و انت اولي الناس بها الحديث «1» ثانيتهما و خبر سهل الساعدي المروي عند الخاصة و العامة و عن المسالك انه المشهور بين العامة و الخاصة و رواه كل منهما في الصحيح و هو ان امرأة اتت الرسول صلي الله عليه و آله فقالت يا رسول الله صلي الله عليه و آله وهبت نفسي لك و قامت قياما طويلا فقام رجل و قال يا رسول صلي الله عليه و آله زوجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة الي ان قال فقال رسول الله صلي الله عليه و آله زوجتك بما معك من القرآن «2» لكن لم يرو هذا الخبر من اصحابنا غير الاحسائي في غوالي اللئالي نعم في صحيح محمد بن مسلم ما يقرب هذا المضمون «3» و تقريب الاستدلال بهذه النصوص انه ليس فيها ان الزوج اعاد القبول فيكون امره قبولا مقدما علي الايجاب و فيه ان قول الرجل في خبر سهل و محمد بن مسلم لا يكون قبولا بل هو طلب النكاح و لذا طلب منه المهر،

اضف إليه الفصل الطويل بين ذلك و ايجاب النبي صلي الله عليه و آله و أما خبر

ابان و ما بمضمونه فقد استدل بها علي جواز ان يكون الايجاب من الزوجة و سيأتي الكلام فيه في تلك المسألة.

______________________________

(1) الوسائل باب 18 من ابواب المتعة حديث 1.

(2) المستدرك باب 21 من ابواب مقدمات النكاح حديث 2.

(3) الوسائل باب 2 من ابواب المهور حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 215

و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت و رضيت. و أما ان يكون بطريق الأمر و الاستيجاب نحو بعني، فيقول المخاطب: بعتك و أمّا ان يكون اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت، فإن كان بلفظ قبلت. فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لما عرفت في صدر المسألة، بل المحكي عن الميسية و المسالك و مجمع الفائدة انه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ قبلت، و هو المحكي عن نهاية الاحكام و كشف اللثام في باب النكاح و قد اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين ايضا، بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه (1) و يدل عليه مضافا الي ما ذكروا الي كونه خلاف المتعارف من العقد: ان القبول الذي هو احد ركني عقد المعاوضة فرع الايجاب، فلا يعقل تقدمه عليه. (2)

و ليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد، مجرد الرضا بالايجاب حتي يقال ان الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه قبله، فقد يرضي الانسان بالأمر المستقبل. بل المراد منه الرضا بالايجاب علي وجه يتضمن إنشاء نقل ماله في الحال الي الموجب علي وجه العوضية لأن المشتري ناقل كالبائع، و هذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الايجاب، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال فإن من رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل، لم ينقل في الحال ماله إلي

الموجب بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا، فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله و ينقله الي غيره علي وجه العوضية. و من هنا يتضح

______________________________

و ملخص القول في المقام ان القبول تارة: يكون بلفظ قبلت و رضيت، و اخري:

يكون بلفظ الامر، و ثالثة: يكون بلفظ اشتريت و ما شابهه.

فان كان بلفظ قبلت و رضيت فقد استدل لعدم جواز تقديمه علي الايجاب بوجوه:

(1) الاول: الاجماع، و هو كما تري.

(2) الثاني ما في المتن و حاصله: ان القبول بالمعاوضات انما يتضمن لامرين:

احدهما: الرضا بالايجاب. الثاني: نقل ماله من حين القبول. و هذان الأمران متحققان في القبول المتأخر باي لفظ كان، فانه لا حالة منتظرة للنقل سوي لحوقه، و كذلك حاصلان مع القبول المتقدم إذا كان بلفظ اشتريت، فانه انشاء لنقل ماله الذي هو العوض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 216

فساد ما حكي عن بعض المحققين في رد الدليل المذكور، و هو كون القبول فرع الايجاب و تابعا له و هو ان تبعية القبول للايجاب ليست تبعية اللفظ، للفظ و لا القصد للقصد حتي يمتنع تقديمه و انما هو علي سبيل الفرض و التنزيل، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقي إليه من الموجب، و الموجب مناولا كما يقول السائل في مقام الانشاء انا راض بما تعطيني و قابل لما تمنحني، فهو متناول قدم انشاءه أو أخر فعلي هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ: قبلت و رضيت ان لم يقم اجماع علي خلافه انتهي.

و وجه الفساد ما عرفت سابقا من ان الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بازاء مال صاحبه، ليس فيه انشاء نقل من القابل في الحال،

بل هو رضا منه بالانتقال

في الاستقبال، و ليس المراد: ان اصل الرضا بشي ء تابع لتحقّقه في الخارج أولا قبل الرضا به حتي يحتاج الي توضيحه بما ذكره من المثال، بل المراد الرضا الذي يعد ركنا في- العقد

______________________________

و أما إذا كان القبول بلفظ قبلت و قدم ذلك، فالأول موجود، الا ان الثاني غير متحقق، لان القبول بهذا اللفظ انما يتضمن نقل ماله بالالتزام من جهة ان ذلك لازم رضاه بانشاء البائع تمليك ماله بازاء مال القابل، فهو يكون نقلا من حين تحقق الايجاب من الموجب لا من حين القبول.

و بعبارة اخري: ان النقل الحاصل بهذا اللفظ انما يكون بعنوان الرضا بنقل الموجب، و لازم ذلك عدم تحققه الا حين تحققه من ذلك الغير.

و فيه: اولا: انه لا يعتبر في القبول نقل ماله الي الغير، بل يكفي رضاه بنقل الغير ماله إليه في مقابل تملك ماله، بل وظيفة القابل ليست الا ذلك، فان البائع انما يعتبر ملكية ماله للمشتري بازاء ملكية ماله لنفسه، و هذا الاعتبار النفساني المظهر بالايجاب لا يصير وحده موضوعا لاعتبار العقلاء و الشارع الا مع رضا المشتري بذلك، فالمعتبر هو رضاه المظهر باللفظ لا غير.

و ثانيا: انه لو سلم اعتبار النقل فيه ايضا، لكن لم يدل دليل علي اعتبار النقل في الحال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 217

و مما ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر (1) كما لو قال بعني هذا بدرهم، فقال: بعتك لأن غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة علي الرضا بها، لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم الي البائع كما لا يخفي، و أما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا علي الصحة به فموهون بما ستعرف

من مصير الأكثر علي خلافه. و أما فحوي جوازه في النكاح، ففيها بعد الاغماض عن حكم الاصل بناء علي منع دلالة رواية سهل علي كون لفظ الأمر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد ايجاب النبي صلي الله عليه و آله و يؤيده انه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الايجاب و القبول منع الفحوي و قصور دلالة رواية ابان من حيث اشتمالها علي كفاية قول المرأة، نعم، في الايجاب.

______________________________

و ثالثا: ان المراد من النقل في الحال ان كان هو النقل في اعتباره فهو ممكن من حين القبول و ان قدم لانه فعله الاختياري و ان كان هو النقل في اعتبار العقلاء و الشارع فهو مما لا يتصور في الايجاب المتقدم ايضا لفرض عدم النقل عندهم الا بعد تمامية العقد.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان هذا اللفظ- أي قبلت- ظاهر في مطاوعة شي ء و انفاذ أمر أوجده، و هذا المعني يتفرع علي وقوع ايجاد من الآخر كتفرع الانكسار علي الكسر، فان مطاوعة الأمر المتأخر و الانفعال و التأثر من الايجاب فعلا يمتنع عقلا.

و فيه: ان المطاوعة المأخوذة في القبول انما هي مطاوعة انشائية لا حقيقية، فلا مانع عن تقدم قبلت علي الايجاب.

و ان كان القبول بلفظ الأمر، فقد استدل لعدم جواز تقديمه علي الايجاب بامور:

(1) الاول: ما افاده المصنف قدس سره في قبلت بتقريب: انه انما يدل علي الرضا بالمعاملة و لا يكون متضمنا لنقل المال في الحال. و قد عرفت ما فيه.

الثاني: ما ذكره المحقق النائيني قدس سره في الصورة الثالثة، و ستعرف تقريبه و ما يرد عليه الثالث انه يعتبر الماضوية في صيغ العقود، و فيه ما عرفت من عدم اعتبارها

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 218

ثمّ اعلم ان في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافا كثيرا بين كلمات الاصحاب، فقال في المبسوط: ان قال بعنيها بالف، فقال: بعتك صح و الاقوي عندي انه لا يصح حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت و اختار ذلك في الخلاف و صرح به في الغنية، فقال: و اعتبرنا حصول الايجاب من البائع و القبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و هو ان يقول بعنيه بألف، فيقول: بعتك، فإنه لا ينعقد حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت، و صرح به ايضا في السرائر و الوسيلة و عن جامع المقاصد ان ظاهر هم ان هذا الحكم اتفاقي، و حكي الاجماع عن ظاهر كل من اشترط الايجاب و القبول.

و مع ذلك كله فقد صرح الشيخ في المبسوط في باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع، و نسبته الينا مشعر بقرينة السياق الي عدم الخلاف فيه بيننا،

فقال: إذا تعاقدا فإن تقدم الايجاب علي القبول، فقال: زوجتك، فقال: قبلت التزويج صح، و كذا إذا تقدم الايجاب علي القبول في البيع صح بلا خلاف. و أما ان تأخر الايجاب و سبق القبول، فإن كان في النكاح، فقال الزوج: زوجنيها.

فقال: زوجتكها، صح و ان لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدي قال الرجل: زوجنيها يا رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: زوجتكها بما معك من القرآن فتقدم القبول و تأخر الايجاب، و ان كان هذا في البيع، فقال: بعنيها، فقال: بعتكها، صح عندنا و عند قوم من المخالفين، و قال: قوم منهم لا يصح حتي يسبق الايجاب،

انتهي.

و حكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل بل يمكن

نسبة هذا الحكم الي كل من جوز تقديم القبول علي الايجاب بقول مطلق، و تمسك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج، الا ان المحقق رحمه الله مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب صرح بجواز تقديم القبول علي الايجاب، و ذكر العلامة قدس سره الاستيجاب و الايجاب، و جعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب و القبول كالمعاطاة، و جزم بعدم كفايته، مع انه تردد في اعتبار تقديم القبول، و كيف كان فقد عرفت ان الاقوي المنع في البيع لما عرفت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 219

بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ: قبلت يمكن المنع هنا بناء علي اعتبار الماضوية فيما دل علي القبول، ثمّ ان هذا كله بناء علي المذهب المشهور بين الأصحاب، من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم، و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك. و اما علي ما (اخترناه) قويناه سابقا في مسألة المعاطاة من ان البيع العرفي موجب للملك، (1) و ان الاصل في الملك اللزوم، فاللازم الحكم باللزوم في كل مورد لم يقم اجماع علي عدم اللزوم و هو ما إذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا، أو كان اللفظ المنشئ به المعاملة مما قام الاجماع علي عدم افادتها اللزوم. و أما في غير ذلك فالأصل اللزوم، و قد عرفت ان القبول علي وجه طلب البيع قد صرح في المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكي عن الكامل ايضا،

فتأمل.

و ان كان التقديم بلفظ اشتريت و ابتعت أو تملكت أو ملكت هذا بكذا،

فالأقوي جوازه (2) لأنه إنشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا ففي الحقيقة انشاء المعاوضة كالبائع الا ان

البائع ينشأ ملكية ماله لصاحبه بازاء مال صاحبه،

و المشتري ينشأ ملكية مال صاحبه

______________________________

(1) قوله و أما علي ما قويناه سابقا في مسألة المعاطاة من ان البيع العرفي موجب للملك ما ذكره قده في وجه عدم جواز التقديم في الموردين لا ربط له باعتبار اللفظ في الانشاء بل هو قيد آخر و هو تضمن القبول للنقل الفعلي و عليه فلا فرق في هذا المقام بين المسلك المشهور و مسلكه قده- و لعله لذلك امر بالتأمل.

و ان كان القبول المقدم بلفظ اشتريت و ابتعت و نحوهما

(2) فقد اختار المصنف قدس سره جواز تقديم.

و استدل له بان المعتبر في القبول امران: الرضا بالايجاب، و نقل الثمن في الحال و لا يعتبر فيه شي ء زائدا علي ذلك.

و اورد عليه بامور:

الأول: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه يعتبر في القبول باي لفظ كان مطاوعة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 220

ففي الحقيقة كل منها يخرج ماله الي صاحبه، و يدخل مال صاحبه في ملكه الا ان الادخال في الايجاب مفهوم من ذكر العوض، و في القبول مفهوم من نفس الفعل و الإخراج بالعكس، و حينئذ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معني القبول.

لكنه لما كان الغالب وقوعه عقيب الايجاب و إنشاء انتقال مال البائع إلي نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول اطلق عليه القبول و هذا المعني مفقود في الايجاب المتأخر لأن المشتري إنما ينقل ماله إلي البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا، و البائع إنما ينشأ انتقال الثمن إليه كذلك،

لا بمدلول الصيغة.

و قد صرح في النهاية و المسالك علي ما حكي: بأن اشتريت ليس قبولا حقيقة، و إنما هو بدل

و ان الأصل في القبول قبلت، لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به، و مرادهما أنه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع،

كما أن رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلي البائع إلا إذا وقع متأخرا، و لذا منعنا عن تقديمه فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلي إفادة نقل المال و مطاوعة البيع عند التقدم و التأخر متعاكسان

______________________________

الايجاب و الانفعال و التأثر منه، و الا كان غير مرتبط بالايجاب بل هو ايجاب مستقل، و تضمنه للمطاوعة يستدعي تأخره عن الايجاب.

و فيه: اولا: انه لا يعتبر في القبول سوي الرضا بالايجاب، و هذا لا يمنع عن جواز التقديم- كما تقدم- و لا يلزم منه عدم الارتباط بالايجاب كما هو واضح.

و ثانيا: ما تقدم من ان المطاوعة الانشائية قابلة للتقدم و ليست كالمطاوعة الحقيقية.

الثاني: الاجماع علي اعتبار القبول في العقد، و هو متضمن لمعني المطاوعة.

و فيه: ان المتيقن من الاجماع اعتبار القبول الشامل للرضا بالايجاب.

الثالث: ان الاشتراء أو الابتياع بمفهومه متضمن لاتخاذ المبدأ، فان كان بعنوان اتخاذ المبدأ من الغير فهو مطاوعة قصدية، و ان كان بعنوان اتخاذ المبدأ ابتداء فيكون من انشاء بيع مال الغير فضولا لا إنشاء الملكية قبولا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 221

فان قلت ان الإجماع علي اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتي يقع قبولا لأن إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له، يتحقق فيه معني الانتقال و قبول الأثر، فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فإن مجرد انشاء

المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول، كما لو نوي تملك المباحات أو اللقطة فإنه لا قبول فيه رأسا.

قلت: المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعني الشامل للرضا بالايجاب.

و أما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الاثر، فلا، فقد تبين من جميع ذلك ان انشاء القبول لا بد ان يكون جامعا لتضمن انشاء النقل و للرضا بانشاء البائع تقدم أو تأخر و لا يعتبر انشاء انفعال نقل البائع، فقد تحصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ: اشتريت وفاقا لمن عرفت، بل هو ظاهر اطلاق الشيخ في الخلاف حيث انه لم يتعرض الا للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب و الايجاب. و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت: و كذا السيد في الغنية حيث اطلق اعتبار الايجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الإيجاب و كذا ظاهر إطلاق الحلبي (أبو الصلاح) في الكافي، حيث لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد.

و الحاصل ان المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء: الحلي و ابن حمزة،

فمن التعجب بعد ذلك حكاية الاجماع عن الخلاف علي تقديم الايجاب، مع انه لم يزد علي الاستدلال بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب بأن ما عداه مجمع علي صحته و ليس علي صحته دليل و لعمري ان مثل هذا مما يوهن الاعتماد علي الاجماع المنقول.

و قد نبهنا علي امثال ذلك في مواردها نعم يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب (1) و لا فرق بين المتعارف هنا، و بينه في المسألة الآتية، و هو الوصل. بين الايجاب و القبول

______________________________

و فيه اولا: ان المطاوعة الانشائية لا تمنع من

التقديم كما تقدم.

و ثانيا: ان صيغة الافتعال ليست كصيغة الانفعال متضمنة للمطاوعة دائما.

(1) الرابع: ما اوجب تردد المصنف قدس سره و هو كون تقديم القبول خلاف المتعارف المعهود من الصيغة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 222

فالحكم لا يخلو عن شوب الاشكال، ثمّ ان ما ذكرنا جار في كل قبول يؤدي بانشاء مستقل كالاجارة التي يؤدي قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا، أو ملكت و النكاح الذي يؤدي قبوله بلفظ نكحت و تزوجت. و أما ما لا إنشاء في قبوله الا قبلت أو ما يتضمنه كارتهنت. (1) فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه، إذ لا التزام في قبوله لشي ء كما كان في قبول البيع التزام بنقل ماله الي البائع، بل لاينشأ به معني غير الرضا بفعل الموجب.

و قد تقدم ان الرضا يجوز تعلقه بأمر مترقب كما يجوز تعلقه بأمر محقق،

فيجوز ان يقول رضيت برهنك هذا عندي، فيقول رهنت و التحقيق عدم الجواز لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفي انه لا يصدق الارتهان علي قبول الشخص الا بعد تحقق الرهن لان الايجاب انشاء للفعل (للنقل) و القبول انشاء للانفعال (للانتقال) و كذا القول في الهبة و القرض فانه لا يحصل من انشاء القبول فيهما التزام بشي ء، و إنما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوها قبول المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض،

______________________________

و فيه: ان التعارف لا يوجب تقييد المطلقات و انصرافها.

فتحصل: ان الأظهر جواز تقديم القبول مطلقا لإطلاق ادلة امضاء البيع و التجارة و العقود.

المؤيد بالنصوص الخاصة الواردة في موارد مخصوصة المتقدمة الاشارة إليها.

(1) قوله و أما ما لا إنشاء في قبوله الا قبلت أو ما يتضمنه كارتهنت.

لما فرغ من بيان

حكم القبول من حيث التقديم و التأخير في العقود المعاوضية المستلزمة لكون القابل فيها باذلا لشي ء من عمل أو منفعة أو عين أو تسليط، اراد بيان حكمه في العقود غير المعاوضية.

و حاصل ما ذكره فيها انها علي قسمين.

منها ما لا يعتبر في قبوله سوي الرضا بالايجاب و هي العقود الإذنية كالوكالة و العارية و شبههما مما ليس فيه اعطاء واخذ اصلا، بل انما يفيد اباحة أو سلطنة علي التصرف أو الحفظ.

و منها ما يعتبر في قبوله عنوان المطاولة كالرهن و الهبة و القرض و شبهها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 223

أما المصالحة المشتملة علي المعاوضة (1) فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين، و كان نسبتها إليهما علي وجه سواء، و ليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر كان البادي منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة و عرفا،

______________________________

مما يتضمن اعطاء من طرف واخذ من الآخر.

و الوجه في اعتباره في قبولها لزوم تحقق عنوان المرتهن و المتهب و المقترض ليترتب عليها احكامها، و تلك العناوين تتحقق بالقبول، فيعتبر في قبولها عنوان المطاوعة.

و في القسم الاول: لا مانع من تقديم القبول، لان الرضا يتعلق بالامر المتأخر.

و في القسم الثاني: لا يجوز التقديم، إذ المطاوعة و الانفعال بما يوجبه الموجب لا تتحقق قبل الفعل و الايجاب.

و يرد عليه قدس سره امور:

الأول: ان الفرق بين القسمين بلا فارق، إذ كما انه رتب الاحكام في القسم الثاني علي المرتهن مثلا، كذلك رتبت في القسم الأول علي العناوين الخاصة من المستعير و الوكيل و شبههما، و هذه العناوين لا تتحقق قبل القبول، و المحقق لها هو القبول.

الثاني: ان العناوين المشار إليها في القسمين ليست عناوين قصدية، و

انما هي تصدق علي القابل بعد تحقق العقد، و ان لم يكن القابل ملتفتا إليها كعنوان البائع و المشتري.

الثالث: ان الممتنع تحقق عنوان المطاوعة في الوعاء المناسب له قبل الايجاب،

و أما انشاء ذلك العنوان المتحقق بعد الايجاب فلا مانع فيه، و لم يدل دليل علي اعتبار تحقق عنوان المطاوعة في حال القبول.

فتحصل: ان الأظهر جواز تقديم القبول في القسمين:

(1) قوله اما المصالحة المشتملة علي المعاوضة.. موجبا لصدق الموجب عليه.

محصل ما ذكره فيه ان القبول في المصالحة المشتملة علي المعاوضة. منحصر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 224

ثمّ لما انعقد الإجماع علي توقف العقد علي القبول، لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول إذ لو قال أيضا صالحتك، كان إيجابا آخر فليزم تركيب العقد من إيجابين، و تحقق من جميع ذلك أن تقديم القبول في الصلح أيضا غير جائز إذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت.

و قد عرفت ان قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل علي انشاء لنقل العوض في الحال. فتلخص مما ذكرنا ان القبول في العقود علي اقسام: لأنه اما ان يكون التزاما بشي ء من القابل كنقل مال عنه أو زوجية. و أما ان لا يكون فيه سوي الرضا بالايجاب، و الأول علي قسمين، لأن الالتزام الحاصل من القابل اما ان يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة أو متغايرا كالاشتراء.

و الثاني: ايضا علي قسمين، لأنه اما ان يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض.

و أما ان لا يثبت فيه اعتبار ازيد من الرضا بالإيجاب، كالوكالة و العارية و شبههما فتقديم القبول علي الايجاب لا يكون الا في القسم الثاني من كل من القسمين،

______________________________

بلفظ قبلت من جهة ان الالتزامين

من المتسالمين متساويان، و لذا كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين، فنسبتها اليهما علي حد سواء، فان انشأ القبول بلفظ قبلت كان الايجاب معه عقدا، و الا كانا ايجابين غير مرتبطين، فان كان قبولها بلفظ قبلت لزم تأخيره لما عرفت من ان قبلت إذا قدم لا يدل علي النقل في الحال.

و يرد عليه- مضافا الي ما تقدم من انه لا يعتبر في القبول سوي الرضا بما انشأه الموجب، و انه لا يعتبر النقل في الحال في القبول.

انه في تحقق عنوان المصالحة كعنوان البيع لا يعتبر ازيد من كون انشاء التسالم من احدهما، و قبول ذلك من الآخر كان بلفظ قبلت أو تصالحت أو غيرهما.

فتحصل: ان الأظهر جواز تقديم القبول في جميع العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 225

ثمّ ان مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام ايجابه اعتبار عرفي فكل من التزم بنقل ماله علي وجه العوضية لمال آخر يسمي مشتريا و كل من نقل ماله علي ان يكون عوضه مالا من آخر يسمي بائعا، و بعبارة أخري كل من ملك ماله غيره بعوض، فهو البائع فكل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشتري، و إلا فكل منهما في الحقيقة يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله.

و من جملة شروط العقد: الموالاة بين إيجابه و قبوله (1) ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع، ثمّ العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و الشيخ المقداد،

قال الشهيد في القواعد الموالاة معتبرة في العقد و نحوه، و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثني (الاستثناء) و المستثني منه (2) و قال بعض العامة لا يضر قول الزوج بعد الايجاب الحمد لله و الصلاة

علي رسول الله قبلت نكاحها،

______________________________

اعتبار الموالاة

(1) قوله و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله.

و هو: المحكي عن الشيخ في المبسوط في باب الخلع و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و الشيخ المقداد و غيرهم من الاساطين.

(2) قوله و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثني و المستثني منه.

الظاهر ان مراده ان ظهور اعتبار الاتصال بينهما صار منشئا للتنبه علي اعتبار الاتصال في غيره من الموارد المشابهة له.

و وجه ظهور اعتباره فيه- احد امرين.

احدهما ما افاده المصنف قدس سره بعد اسطر بقوله و يحتمل بعيدا الخ.

و هو ان المستثني من الملحقات التي توجب خروج الكلام من الكذب الي الصدق،

فلا بد من اتصاله كي يخرج الكلام عن الكذب بحسب ظاهره.

ثانيهما ان كلمة الا، بما ان معناها معني حرفي متقوم بالطرفين فلا بد من اتصال المستثني بالمستثني منه كي تتحقق تلك النسبة و الربط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 226

و منه الفورية في استتابة المرتد (1) فيعتبر في الحال، و قيل: الي ثلاثة ايام، و منه السكوت في اثناء الاذان، فإن كان كثيرا ابطله، و منه السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها (خلالها)، كذا التشهد و منه تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع (2) فان تعمدوا أو نسوا حتي ركع فلا جمعة، و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة، و منه الموالاة في التعريف بحيث لا ينسي انه تكرار و الموالاة في سنة التعريف، فلو رجع في اثناء المدة استونفت ليتوالي، انتهي.

اقول: حاصله ان الامر المتدرج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف فلا بد في ترتب الحكم المعلق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتصالية،

فالعقد المركب من الايجاب و

القبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئته الاتصالية (2) و لذا لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو ازيد، و انضباط ذلك انما يكون بالعرف فهو في كل أمر بحسبه،

______________________________

(1) قوله و منه الفورية في استتابة المرتد.

الظاهر ان مراد الشهيد قدس سره عدم الفصل بين الاستتابة و التوبة بحيث يظهر كون التوبة اجابة للاستتابة، فلو اخرها لم تقبل خلافا لمن قال انها تقبل و ان تاب بعد ثلاثة ايام.

لا ما ذكره المصنف قدس سره في تفسير كلام الشهيد و هو عدم الفصل بين الارتداد و الاستتابة.

(2) قوله و منه تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع.

يعني ان ما دل «1» علي اعتبار العدد في الجمعة يقتضي اعتبار دخولهم في الصلاة قبل الركوع علي وجه يعد المجموع أي تمام الصلاة فعلا لجميعهم.

و استدل لاعتبار الموالاة بين الايجاب و القبول بوجوه.

(3) الاول: ما عن الشهيد قدس سره و حاصله: ان كل امرين أو امور يجمعها عنوان واحد كالصلاة و الاذان و نحوهما يعتبر في تحقق ذلك العنوان و انطباقه عليها عدم الفصل بينها بنحو يوجب عدم تحقق الصورة الاتصالية و صيرورة كل واحد عنوانا مستقلا.

و من هذا القبيل العقد، فانه عبارة عن ربط انشاء احدهما بانشاء الآخر، فلو انفصل

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب صلاة الجمعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 227

فيجوز الفصل بين كل من الايجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما، و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف كما في الاذان و القراءة، و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا،

كما هو مقتضي التمسك بأية الوفاء بالعقود و باطلاق كلمات الاصحاب في اعتبار العقد في اللزوم، بل الملك، اما لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد. (1) و أما جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثني منه فلأنه منشأ. الانتقال الي هذه القاعدة، فإن اكثر الكليات انما يلتفت إليها من التأمل في مورد خاص، و قد صرح في القواعد مكررا بكون الاصل في هذه القاعدة كذا، و يحتمل بعيدا ان يكون الوجه فيه ان الاستثناء اشد ربطا بالمستثني منه من سائر اللواحق لخروج المستثني منه معه عن حد الكذب الي الصدق فصدقه يتوقف عليه، فلذا كان طول الفصل هناك اقبح فصار اصلا في اعتبار الموالاة بين اجزاء الكلام، ثمّ تعدي منه الي سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا، أو معني، أو من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا أو قراءة أو أذانا و نحو ذلك،

______________________________

القبول عن الايجاب بزمان معتد به عرفا لما صدق عليهما العقد، فلا يترتب عليهما الاثر المترقب منه.

(1) و اجاب: عن هذا الوجه المصنف قدس سره: بان حكم الملك و اللزوم في المعاملة لو كان منوطا بصدق العقد كان ما ذكر تاما، و أما لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد.

و اورد علي هذا الجواب المحقق النائيني قدس سره تأييدا للشهيد قدس سره بايرادات:

منها: انه ليس البيع و التجارة و الصلح و النكاح الا العقود المتعارفة.

و فيه: ان التعارف لا يوجب الانصراف الذي يعتمد عليه في تقييد اطلاق الادلة كما حقق في محله.

و ان اريد به عدم صدق البيع كما لا يصدق العقد عليه فهو

بديهي البطلان.

و منها: ان ادلة امضاء البيع و التجارة عن تراض من جهة عدم ورودها في مقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 228

ثمّ في تطبيق بعضها علي ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد. فإن غاية ما يمكن ان يقال في توجيهه ان المطلوب في الإسلام الاستمرار فإذا انقطع فلا بد من اعادته في اقرب الاوقات.

و أما مسألة الجمعة فلأن هيئة الاجتماع في جميع احوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة، فيقدح الاخلال بها و للتأمل في هذه الفروع و في صحة تفريعها علي الاصل المذكور مجال،

______________________________

البيان من جميع الجهات لا سبيل الي التمسك باطلاقها.

و فيه: انه قد عرفت انها مطلقة من هذه الجهات، و لذا بنينا علي التمسك باطلاقها لإمضاء الاسباب، مع ان الشك في كونها في مقام البيان يكفي في الحكم بالاطلاق.

و منها: انه لا يمكن التفكيك بين الصحة و اللزوم الا بدليل خارجي من الاجماع و نحوه من جعل الشارع الخيار للمتعاقدين أو جعلهما لأنفسهما أو لأجنبي، و عليه فحيث ان هذه المعاملة- اي الايجاب و القبول الذي تخلل الفصل بينهما- لا تكون مشمولة لدليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» الذي هو دليل اللزوم- و لأجل ذلك لا يحكم بلزومها- فلا بد من البناء علي فسادها ايضا.

و فيه: اولا: قد عرفت ان دليل لزوم البيع لا ينحصر به.

و ثانيا: انه لم يدل دليل علي عدم التفكيك بين الصحة و اللزوم.

و ثالثا: انه لو سلم ذلك، فليكن دليل الصحة- بضميمة عدم الفصل بين الصحة و اللزوم- كافيا في الحكم باللزوم، و عدم شمول دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا يدل علي عدم لزومه كي يحكم بضميمة عدم الفصل بالفساد، فانه يقتضي لزوم كل عقد لا عدم لزوم

غير العقد، فلا يصلح لمعارضة دليل الصحة، إذ الاقتضاء لا يعارض المقتضي لشي ء.

و يمكن الجواب عن الشهيد قدس سره بوجه آخر- و هو ايراد علي المصنف قدس سره ايضا حيث سلم عدم صدق العقد عليه- و هو: ان العقد من مقولة المعني لا اللفظ، و هو عبادة عن ربط

______________________________

(1) المائدة، آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 229

ثمّ ان المعيار في الموالاة موكول الي العرف كما في الصلاة و القراءة و الاذان و نحوه، و يظهر من رواية سهل الساعدي المتقدمة في مسألة تقديم القبول، جواز الفصل بين الايجاب و القبول بكلام طويل اجنبي، بناء علي ما فهمه الجماعة من ان القبول فيها قول ذلك الصحابي زوجنيها و الايجاب قوله بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن، و لعل هذا موهن آخر للرواية، فافهم.

______________________________

احد الالتزامين بالآخر باعتبار ورودهما علي امر واحد، و هو كون احد المالين بازاء الآخر، و هذا لا يقتضي الا بقاء الالتزام الأول علي حاله و ان تخلل زمان طويل. نعم إذا لم يكن الالتزام الأول باقيا في نفس الموجب بان اعرض عنه مثلا لم يرتبط الالتزام الثاني به، و هذا ايضا لا فرق فيه بين تخلل زمان قصير أو طويل.

فالأظهر عدم تمامية هذا الوجه.

الوجه الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان في العقود المعاوضية خلعا

و لبسا أو ايجاد علقة، فلا بد و ان يكون مقارنا للخلع لبس، و هكذا مقارنا لإيجاد العلقة قبول، و الا تقع الاضافة أو العلقة بلا محل و مضاف إليه.

و فيه: اولا: النقض بالزمان القصير الفاصل بين الايجاب و القبول قهرا في جميع الموارد، فانه لا فرق في هذا المحذور بين الزمان القصير و

الطويل.

و ثانيا: ان الخلع في اعتبار الموجب و ان تحقق من حين الايجاب الا ان اللبس في اعتباره ايضا كذلك، و أما في اعتبار العقلاء و الشارع فكما ليس لبس الا بعد القبول، ليس خلع كذلك. فتدبر فانه دقيق.

الوجه الثالث: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه يلزم من الفصل المخل بالموالاة عدم تطابق الايجاب و القبول، فان الايجاب نقل من حينه، فإذا تأخر القبول فاما ان يكون قبولا لتمام مضمون الايجاب فيلزم حصول النقل قبل حصول تمام العقد و ذلك باطل أو يكون قبولا لبعض مضمونه- اعني النقل من حين تحقق القبول- فيلزم عدم المطابقة بين الايجاب و القبول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 230

و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد (1) بأن لا يكون معلقا علي شي ء بأداة الشرط، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي ء لا في غيرها، و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلي و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدس الله ارواحهم و عن فخر الدين في شرح الارشاد في باب الوكالة ان تعليق الوكالة علي الشرط لا يصح عند الامامية و كذا غيره من العقود، لازمة كانت أو جائزة.

و عن تمهيد القواعد دعوي الاجماع عليه و ظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف الاتفاق عليه.

و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد (2) و ان لم يتعرض الأكثر في هذا المقام،

______________________________

و فيه: انه ستعرف عدم اعتبار التطابق بينهما بنحو يشمل مثل هذا التطابق.

مع ان النقل في اعتبار العقلاء و الشارع لا يقع الا بعد تمامية العقد في جميع الموارد.

فتحصل: ان الأظهر عدم

اعتبار الموالاة بين الايجاب و القبول.

و من الشرائط التنجيز في العقد
اشارة

(1) الخامسة: صرح جماعة منهم الشيخ، و الحلي، و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني، و غيرهم: بانه يعتبر في العقد التنجيز، بان لا يكون معلقا علي شي ء باداة الشرط، بان يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي ء لا في غيرها. و في المتن.

(2) و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد.

و عن جماعة: دعوي الاجماع عليه.

و تنقيح القول في المقام: ان المعلق بحسب التصوير العقلي احد امور ثلاثة:

الأول: الانشاء.

الثاني: المنشأ كالملكية مثلا.

الثالث: متعلق المنشأ، كما لو آجر دارا فعلا ليسكن فيها بعد سنة فان المنشأ كالانشاء ليس معلقا بل المعلق هو متعلق المنشأ اي سكني الدار، و الا فالمستأجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 231

______________________________

يملك فعلا علي المؤجر منفعة الدار بعد سنة.

اما الأول: فالتعليق فيه امر غير معقول، من غير فرق بين ان يكون المراد به آلة الانشاء كاللفظ ام نفس الاعتبار النفساني.

اما الأول: فلأن الانشاء وجه من وجوه استعمال اللفظ في المعني- كان عبارة عن ايجاد المعني باللفظ، ام كان عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني باللفظ بداعي تنفيذه- فلا يعقل فيه التعليق.

و أما الثاني: فلأن الاعتبار فعل تكويني، فكما لا يعقل التعليق في وقوع الضرب علي احد و كذا غيره من الأفعال التكوينية، كذلك لا يعقل التعليق في الاعتبار، و الظاهر ان هذا ليس محل الكلام في المقام.

و أما الثالث: - اي التعليق في متعلق المنشأ- فهو انما يصح فيما إذا كان من الاعراض و الافعال من جهة تصوير التعدد فيها بلحاظ التقييد بالزمان أو الزماني، مثلا منفعة الدار في هذه السنة غير منفعتها في السنة الآتية، فالتعليق فيها امر

ممكن و واقع لا محذور فيه، و أما الجواهر كالدار فلا يتصور فيها التعليق من جهة ان الوجود الجوهري لا يتعدد بتعدد الزمان و الزماني، مثلا الدار في هذه السنة ليست غير الدار في السنة الآتية،

فإذا كان متعلق المنشأ جوهرا خارجيا لا يعقل التعليق فيه، فان كان هناك تعليق و شرط فلا بد و ان يرجع الي المنشأ.

و لعل هذا هو وجه الفرق بين الاجارة و البيع، حيث لم يقع الخلاف في صحة التعليق فيها علي بعض الوجوه المتقدم مع اتفاقهم علي بطلان التعليق في البيع و عدم امكان تصحيحه بوجه.

فمحل الكلام انما هو التعليق في المنشأ.

و قبل الشروع في البحث فيه و بيان وجوه المنع لا بد من التنبيه علي امرين.

احدهما نقل كلمات القول في المقام و حيث ان المصنف ذكر كلماتهم فلاحظ المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 232

و يدل عليه فحوي فتاويهم و معاقد الاجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلما دل علي الاذن، حتي ان العلامة ادعي الاجماع- علي ما حكي عنه- علي عدم صحة ان يقول الموكل: انت وكيلي في يوم الجمعة ان تبيع عبدي، و علي صحة قوله انت وكيلي و لاتبع عبدي الا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا و فرق بينهما جماعة بعد الاعتراف بأن هذا في معني التعليق بأن العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و ان افادت فائدتها، فإذا كان الامر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع.

و بالجملة فلا شبهة في اتفاقهم علي الحكم. و أما الكلام في وجه الاشتراط فالذي صرح به العلامة في التذكرة انه

مناف للجزم حال الانشاء بل جعل الشرط هو الجزم. ثمّ فرع عليه عدم جواز التعليق قال الخامس من الشروط الجزم فلو علق العقد علي شرط لم يصح و ان كان الشرط المشية للجهل بثبوتها حال العقد،

و بقائها مدته و هو احد قولي الشافعي، و اظهرهما عندهم الصحة، لأن هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد لأنه لو لم يشأ لم يشتر انتهي كلامه، و تبعه علي ذلك الشهيد رحمه الله في قواعده قال: لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا الا مع الجزم و الجزم ينافي التعليق، انتهي.

و مقتضي ذلك ان المعتبر هو عدم التعليق علي امر مجهول الحصول، كما صرح به المحقق في باب الطلاق و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان في الجامع و المسالك في مسألة ان كان لي فقد بعته ان التعليق انما ينافي الانشاء في العقود و الايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول لكن الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم ان الجزم ينافي التعليق لأنه بعرضة عدم الحصول، و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق علي الوصف لأن الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه فاعتبر المعني العام دون خصوصيات الأفراد، ثمّ قال: فإن قلت فعلي هذا يبطل قوله في صورة انكار التوكيل: ان كان لي فقد بعته منك بكذا، قلت: هذا تعليق علي واقع لا متوقع الحصول فهو علة للوقوع أو مصاحب له لا معلق عليه الوقوع، و كذا القول لو قال في صورة انكار وكالة التزويج و انكار التزويج حيث تدعيه المرأة ان كانت زوجتي فهي طالق، انتهي كلامه رحمه الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 233

و علل العلامة في القواعد صحة ان كان لي فقد بعته بأنه امر واقع يعلمان وجوده فلا

يضر جعله شرطا، و كذا كل شرط علم وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع و لا وقوفه، انتهي.

و تفصيل الكلام ان المعلق عليه، اما ان يكون معلوم التحقق، و أما ان يكون محتمل التحقق و علي الوجهين: اما ان يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل، و علي التقادير، فاما ان يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشي ء مما يصح تملكه شرعا، أو مما يصح اخراجه عن الملك كغير ام الولد و غير الموقوف و نحوه، و كون المشتري ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا و ممن يجوز العقد معه، بأن يكون بالغا، و أما ان لا يكون كذلك، ثمّ التعليق اما مصرح به و أما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة، و قوله في القرض و الهبة خذ هذا، بعوضه أو خذه بلا عوض يوم الجمعة فإن التمليك معلق علي تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال و لهذا احتمل العلامة في النهاية، و ولده في الايضاح بطلان بيع الوارث لمال مورثه بظن موته معللا بأن العقد و ان كان منجزا في الصورة الا انه معلق و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك، فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر انه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و الصيمري. و حكي ايضا عن المبسوط و الايضاح في مسألة ما لو قال: ان كان لي فقد بعته بل لم يوجد في ذلك خلاف صريح، و لذا ادعي في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا، و ما كان منها معلوم الحصول في المستقبل و هو المعبر

عنه بالصفة، فالظاهر انه داخل في معقد اتفاقهم علي عدم الجواز و ان كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه، كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه و نحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه، بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فإنه قال إذا قال الواقف: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته لم يصح الوقف بلا خلاف لأنه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق ايضا، انتهي. فإن ذيله يدل علي ان مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 234

بالامامية. نعم مماثلته للعتق مختص بهم، و ما كان منها مشكوك الحصول و ليس صحة العقد معلقة عليه في الواقع كقدوم الحاج، فهو المتيقن من معقد اتفاقهم، و ما كان صحة العقد معلقة عليه كالأمثلة المتقدمة. فظاهر اطلاق كلامهم يشمله، الا ان الشيخ في المبسوط حكي في مسألة ان كان لي فقد بعته، قولا من بعض الناس بالصحة و ان الشرط لا يضره مستدلا بأنه لم يشترط الا ما يقتضيه اطلاق العقد،

لأنه انما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل إذا كان اذن له في الشراء، فإذا اقتضاه الاطلاق لم يضر اظهاره و شرطه كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما اشبه ذلك انتهي. و هذا الكلام و ان حكاه عن بعض الناس الا ان الظاهر ارتضائه له.

و حاصله انه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه في الواقع فتعليقه ببعض مقدماته كالالزام ببعض غاياته فكما لا يضر الالزام بما يقتضي العقد التزامه، كذلك التعليق

بما كان الاطلاق معلقا عليه و مقيدا به، و هذا الوجه و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق في انشاء العقد، لأن المعلق علي ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الاثر الشرعي علي العقد دون انشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلم، فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع علي شي ء، و المعلق علي شي ء ليس معلقا في كلام المتكلم علي شي ء بل و لا منجزا، بل هو شي ء خارج عن مدلول الكلام الا ان ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بتحقق الاجماع عليه، مع ان ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدل علي ان محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم.

و يؤيد ذلك ان الشهيد في قواعده جعل الاصح صحة تعليق البيع علي ما هو شرط فيه، كقول البائع بعتك ان قبلت و يظهر منه ذلك ايضا في آخر القواعد، ثمّ انك قد عرفت ان العمدة في المسألة هو الاجماع، و ربما يتوهم ان الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الانشاء للتعليق، و بطلانه واضح لأن المراد بالانشاء ان كان هو مدلول الكلام، فالتعليق غير متصور فيه الا ان الكلام ليس فيه، و ان كان الكلام في انه كما يصح انشاء الملكية المتحققة علي كل تقدير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 235

فهل يصح انشاء الملكية المتحققة علي تقدير دون آخر، كقوله هذا لك ان جاء زيد غدا، و خذ المال قرضا أو قراضا إذا اخذته من فلان و نحو ذلك، فلا ريب في انه امر متصور واقع في العرف و الشرع كثيرا في الأوامر و المعاملات من العقود و الايقاعات (1)

______________________________

الثاني ان

ما صرح به المصنف قدس سره في المقام في بيان صحة التعليق في المنشأ بقوله.

(1) فلا ريب في انه متصور و واقع في العرف و الشرع كثيرا في الاوامر و المعاملات من العقود و الايقاعات.

ينافي ما نسب إليه في التقريرات في مبحث الواجب المشروط من امتناعه.

و كيف كان: فصور التعليق في المنشأ علي ما ذكره المصنف قدس سره ثمان.

الا ان الظاهر انها اثنتا عشرة و ذلك لان المعلق عليه.

ان كان امرا حاليا فتارة: يكون معلوم التحقق، و اخري: يكون مشكوك التحقق.

و علي التقديرين فتارة: يكون مما له دخل في صحة العقد، و اخري: لا يكون دخيلا فيه.

و ان كان امرا استقبالها فهذه التقادير الاربعة تتصور فيه، باضافة انه علي اي تقدير ربما يكون القيد ماخوذا فيه علي نحو الشرط المتأخر، بمعني انه ينشأ. الملكية الفعلية علي فرض تحقق ذلك الامر في المستقبل، و ربما يكون بنحو الشرط المقارن، بمعني انه ينشأ الملكية علي تقدير تحققه بعد تحققه.

فان كان المعلق عليه امرا استقباليا مشكوك الحصول، و لم تكن صحة العقد متوقفة عليه، و كان التعليق بنحو الشرط المقارن، فالظاهر انه مورد اتفاق الاصحاب القائلين بمبطلية التعليق، فلو كان الاجماع تعبديا كان هو الحجة في المقام، و لا دليل عليه سوي ذلك.

فانه قد استدل للبطلان- بغير الاجماع- بوجوه:

الأول: ما عن جماعة، و هو: اعتبار الجزم في العقد، و هو مناف للتعليق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 236

و يتلو هذا الوجه في الضعف ما قيل من ان ظاهر ما دل علي سببية العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق اثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (1) و فيه بعد الغض عن عدم انحصار ادلة الصحة و اللزوم في مثل

قوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لأن دليل حلية البيع و تسلط الناس علي اموالهم كاف في اثبات ذلك (2)

ان العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به علي طبق مدلوله فليس مفاد (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الا مفاد اوفوا بالعهد في ان العقد كالعهد إذا وقع علي وجه التعليق فترقب تحقق المعلق عليه في تحقق المعلق لا يوجب لعدم الوفاء بالعهد.

______________________________

و فيه: انه ان اريد به الجزم بالانشاء فهو حاصل كما هو واضح، و ان اريد به الجزم بالمنشإ في نظره- اي تحقق الملكية الاعتبارية جزما- فهو محل الكلام، و ان تمسك بالاجماع علي اعتباره فسيأتي الكلام فيه.

(1) الثاني: ان ظاهر خطاب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» كظاهر سائر الخطابات: ان الحكم مطلق غير مشروط بشي ء، فيكون ظاهره ترتب الاثر علي العقد، و عليه فان التزم بترتب الاثر فعلا قبل تحقق ما علق عليه كان ذلك منافيا للانشاء المعلق، و لا سبيل إليه.

و ان التزم بعدم ترتب الاثر فعلا لزم عدم كونه مشمولا لهذا الخطاب، فلا دليل علي لزوم الوفاء به و ترتيب الأثر عليه.

و فيه اولا: ان دليل الصحة لا ينحصر ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بل هناك ادلة اخر من قبيل (احل الله البيع) «2» التي لا يجري فيها هذا الوجه، و لا فرق في ذلك بين المعلق و المنجز.

و لا يخفي ان هذا الايراد انما يرد علي المستدل لو كان مفاد (احل الله البيع) الحلية الوضعية، و لا يرد عليه لو كان مفاده الحلية التكليفية، فان ما ذكر في وجه اختصاص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يجري فيه طابق النعل بالنعل.

(2) و بذلك ظهر ان المصنف قدس سره حيث التزم في مبحث المعاطاة بان مفاده الحلية

______________________________

(1) المائدة، 2.

(2) البقرة، 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3،

ص: 237

و الحاصل انه ان اريد بالمسبب هو مدلول العقد فعدم تخلفه عن انشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها، و ان اريد به الاثر الشرعي و هو ثبوت الملكية فيمنع كون اثر مطلق البيع الملكية المنجزة، بل هو مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان اثره الشرعي الملك الغير المعلق، و ان كان معلقا فأثره الملكية المعلقة مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا (1)

______________________________

التكليفية ليس له هذا الايراد.

(1) كما ان ايراده عليه بقوله مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا.

ليس في محله، إذ التخلف مع الدليل لا يوجب سلب الظهور المدعي في الاستدلال، اللهم الا ان يكون مراده ان التخلف كثير، و لو بني علي الظهور المزبور لزم تخصيص الاكثر المستهجن.

و ثانيا: ان العقد ليس هو اللفظ كما تقدم، بل هو ربط احد الالتزامين الواردين علي مورد واحد بالآخر، و الوفاء به عبارة عن اتمامه، و معني ذلك فيما إذا كان متعلقه النتيجة هو عدم حله و نقضه لا ترتيب الآثار عليه، و من الواضح انه في هذا الذي ذكرناه لا فرق بين العقد المعلق و المنجز.

الثالث: انه يلزم تخلف المنشأ عن الانشاء، و هو غير معقول.

و فيه: ان هذه شبهة اوردوها علي الواجب المشروط و قد اجبنا عنها في كتابنا زبدة الاصول مفصلا.

و نقتصر في المقام علي الاشارة الي وقوع ذلك الذي هو ادل دليل علي امكانه،

لاحظ، الوصية، و النذر، و التدبير، و الواجب المشروط.

الرابع: ما عن المحقق النائيني قدس سره، و هو: انصراف العقود الي العقود غير المعلقة المتعارفة بين عامة الناس، فلا تشمل ادلة العقود و العناوين العقد المعلق.

و فيه: مضافا الي ان التعارف لا يوجب

الانصراف المقيد للاطلاق، ان التعليق في العقد واقع كثيرا كما تقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 238

مع ان ما ذكره لا يجري في مثل قوله: بعتك ان شئت، و ان قبلت فقال قبلت فانه لا يلزم هنا تخلف اثر العقد عنه، مع ان هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال فإن العقد حينئذ يكون مراعي لا موقوفا، مع ان ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخر مقتضاها عنه كما لا يخفي، و ليس الكلام في خصوص البيع، و ليس علي هذا الشرط في كل عقد دليل علي حدة، ثمّ الاضعف من الوجه المتقدم التمسك في ذلك بتوقيفية الاسباب الشرعية، الموجبة لوجوب الاقتصار فيها علي المتيقن، و ليس الا العقد العاري عن التعليق (1) إذ فيه ان اطلاق الأدلة مثل حلية البيع و تسلط الناس علي اموالهم وحل التجارة عن تراض، و وجوب الوفاء بالعقود و أدلة سائر العقود كاف في التوقيف.

و بالجملة فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم ادلتها و وقوع كثير منها في العرف علي وجه التعليق بغير الاجماع محققا أو منقولا مشكل، ثمّ ان القادح هو تعليق الانشاء.

______________________________

(1) الخامس: ان الاسباب الشرعية توقيفية لا بد فيها من الاقتصار علي المتيقن،

و هو العقد الخالي عن التعليق.

و فيه: ان هذا يتم إذا لم تكن هناك عمومات و مطلقات من قبيل احل الله البيع و فتحصل مما ذكرناه: انه ليس في مقابل العمومات و المطلقات الدالة علي الصحة ما يدل علي بطلان العقد المعلق سوي الاجماع.

و في مقابل هذه الصورة صورتان.

احداهما: ما إذا كان المعلق عليه امرا حاليا معلوم الحصول مع كونه مما تتوقف صحة العقد عليه.

ثانيتهما: ما إذا كان

المعلق عليه امرا استقباليا كذلك، مع كون القيد مأخوذا علي نحو الشرط المتأخر، فانه لا يجري فيهما شي ء من المحاذير المتقدمة حتي الاجماع، بل لعل الاجماع قائم علي عدم بطلان العقد المعلق فيهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 239

______________________________

و أما ان كان المعلق عليه امرا حاليا معلوم الحصول مع كونه مما لا يتوقف عليه صحة العقد، أو كان امرا استقباليا كذلك مع كون الشرط بنحو الشرط المتأخر، فلا يجري فيهما شي ء من الوجوه المتقدمة.

سوي ما افاده المحقق النائيني من دعوي الانصراف التي عرفت ما فيها، و الظاهر انهما غير داخلين في معقد الاجماع.

فلا ينبغي التوقف في عدم البطلان فيهما.

و أما ان كان المعلق عليه امرا استقباليا معلوم الحصول مع كون الشرط علي نحو الشرط المقارن.

فمقتضي الوجه الثاني و الثالث و الخامس بطلانه، و كذلك مقتضي الوجه الرابع هو ذلك لو كان المعلق عليه مما لا تتوقف صحة العقد عليه، و قد عرفت عدم تمامية شي ء منها.

و أما الاجماع فالمتيقن منه غيرهما فلا وجه للحكم بالبطلان.

و ما ذكره الشهيد قدس سره في محكي قواعده من الحكم بالبطلان في الصورتين معللا بان الجزم ينافي التعليق لانه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق علي الوصف لان الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه فاعتبر المعني العام دون خصوصيات الافراد.

يرد عليه: انه يتم لو كان بطلان العقد المعلق مفاد آية أو رواية، و لم يحرز كون الجهل بحصول الشرط هو العلة لذلك لا فيما إذا كان البطلان من جهة الوجوه المتقدمة.

فراجع.

و أما ان كان المعلق عليه امرا حاليا مشكوك الحصول، أو كان استقباليا كذلك مع كونه بنحو الشرط المقارن أو المتأخر، كان المعلق عليه مما تتوقف صحة العقد عليه

ام لا فالظاهر شمول معقد الاجماع لهما فلاحظ.

تنبيهات [التعليق في العقد]

و ينبغي التنبيه علي امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 240

و أما إذا انشأ من غير تعليق صح العقد، و ان كان المنشئ مترددا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا (1) كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم ان المال له، أو ان المبيع مما يتمول أو ان المشتري راض حين الايجاب ام لا أو غير ذلك مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا أو شرعا، بل الظاهر انه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر عليه إذا تحقق القصد الي التمليك العرفي، و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين،

حيث قال: لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد، نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية أو الشك فيها في إنشاء الطلاق، فإنه لا يتحقق القصد إليه منجزا من دون العلم بالزوجية

______________________________

الاول: ان القادح انما هو التعليق في العقد، فلو كان مترددا في ترتب الاثر علي العقد الذي ينشؤه شرعا و انه صحيح أو فاسد لا كلام في صحته، فانه لا يكون هذا الترديد مورثا للتعليق في ما ينشؤه، إذ العلم بالفساد يجتمع مع القصد الي المعاملة فضلا عن الترديد فيه.

هذا فيما إذا كان مترددا في تأثيره شرعا، و لو كان مترددا في تأثيره عرفا فان كان ما يحتمل دخله في ترتب الاثر عرفا مقوما لعنوان المعاملة و تحققها كالزوجية بالاضافة الي الطلاق، لا محالة يكون ذلك منافيا للتنجيز، و الا فلا.

و بما ذكرناه ظهر ان ما افاده المصنف قدس سره.

(1) بقوله: و أما إذا انشأ من غير تعليق صح العقد، و ان كان المنشئ مترددا في ترتب الاثر عليه شرعا أو عرفا.

تام،

و ان مراده ما ذكرناه، لا ان مراده كون التنجيز من شرائط الصيغة.

فلا يرد عليه ما افاده السيد في الحاشية بقوله: مقتضي ما ذكره العلامة و الشهيد من كون الوجه اعتبار الجزم البطلان في هذه الصورة ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 241

و كذا الرقية في العتق، و حينئذ فإذا مست الحاجة الي شي ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء علي ما هو شرط فيه، فلا بد من إبرازه بصورة التنجيز (1) و ان كان في الواقع معلقا، أو يوكل غيره الجاهل بالحال بايقاعه و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا علي كون الموكل مالكا للفعل لأن فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الاذن الا ان ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان،

فيما لو زوج امرأة يشك في انها محرمة عليه فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد، قال: و كذا الايقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها أو ولي نائب الامام عليه السلام قاضيا لا يعلم اهليته، و ان ظهر اهلا ثمّ قال:

و يخرج من هذا بيع مال مورثه لظنه حياته، فبان ميتا لأن الجزم هنا حاصل، لكن خصوصية البائع غير معلومة و ان قيل بالبطلان امكن لعدم القصد الي نقل ملكه،

و كذا لو زوج امة ابيه فظهر ميتا، انتهي. و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق، فافهم.

______________________________

الثاني: انه هل يكون هذا الشرط من شرائط الصيغة كالعربية كما يظهر من بعض كلماتهم و إليه يشعر ما في المتن.

(1) فإذا مست الحاجة الي شي ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء علي ما هو شرط فيه فلا بد

من ابرازه بصورة التنجيز.

ام يرجع هذا الشرط الي المعني المقصود بان يعتبر في المعاملة ان لا يكون القصد إليها معلقا علي امر، كما هو صريح المحقق النائيني قدس سره حيث قال: لا ينحصر التعليق في اداة الشرط بل كل ما كان في معني التعليق و لو بغير الاداة؟ وجهان.

اقواهما الثاني، إذ الظاهر من كلماتهم و معاقد اجماعاتهم هو ذلك كما هو مقتضي الوجوه الخمسة المشار إليها المذكورة لبطلان التعليق.

الثالث: هل هناك فرق بين الامور التي تتوقف صحة العقد عليها فلا مانع من تعليق العقد عليها، و بين ما لا تتوقف صحة العقد عليه فالتعليق عليه مبطل ام لا؟ وجهان.

قد استدل للاول الشيخ الاكبر في محكي المبسوط: بان التعليق علي ما تتوقف صحة العقد، عليه ليس الا شرطا لما يقتضيه اطلاق العقد، فإذا اقتضاه الاطلاق لم يضر اظهاره و شرطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 242

و قال في موضع آخر و لو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين، امكن الصحة، و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا، و يشكلان في العالم بالحكم لعدم قصدهما إلي طلاق صحيح، انتهي.

و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول (1) فلو اختلفا في المضمون، بأن اوجب البائع البيع علي وجه خاص من حيث خصوص المشتري،

أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط،

______________________________

و استدل المحقق النائيني قدس سره له بالانصراف.

و هذا الوجهان و ان كانا فاسدين.

اما الثاني. فلما تقدم.

و أما الاول فلأن المعلق علي ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الاثر الشرعي علي العقد دون انشاء مدلول الكلام، فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع علي شي ء كما ذكره المصنف قدس سره.

الا انه حيث عرفت انحصار المدرك لهذا

الشرط بالاجماع، فمثل هذه الكلمات توجب الترديد في شمول معقد الاجماع للتعليق علي ما يتوقف صحة العقد عليه، فيتعين الرجوع الي المطلقات و العمومات الدالة علي الصحة.

اعتبار المطابقة بين الايجاب و القبول

(1) السادسة: من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول.

كما صرح به غير واحد.

بل الظاهران اعتبار التطابق بين الايجاب و القبول من القضايا التي قياساتها معها،

فانه مع عدم التطابق- كما لو انشأ احدهما بعنوان البيع و قبل الآخر بعنوان الهبة- لا يتحقق العقد، فانه مع عدم ورود الالتزامين علي مورد واحد لا يكونان مرتبطين، و مع عدم الربط لا يصدق عليهما عنوان العقد.

و ان شئت قلت ان القبول قوامه بالرضا بالايجاب، بل هو حقيقته، فمع عدم كونه قبولا لما انشأه الموجب لما كان قبولا، فلا يتحقق العقد، بل كانا ايقاعين غير مرتبطين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 243

فقبل المشتري علي وجه آخر لم ينعقد (1) و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالايجاب، فحينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا، فقال: اشتريته لنفسي لم ينعقد، و لو قال: بعت هذا من موكلك فقال الموكل:

الغير المخاطب: قبلت صح، و كذا لو قال: بعتك فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل،

______________________________

انما الكلام في تطبيق هذه الكبري الكلية علي مواردها: فان عدم التطابق في بعض الموارد واضح لا يحتاج الي بيان.

كما لو اختلفا في عنوان المعاملة أو في اركانها و هي المبيع و الثمن في البيع، مثل ما لو باع العبد بمائة دينار و قبل بيع الجارية.

كما ان تحقق التطابق في بعض موارد اخر واضح.

كما لو اختلفا من حيث اللفظ مع اتحاد المعني كأن يقول البائع بعتك، فقال: قبلت الشراء.

و محل الخلاف موارد:

منها: ما إذا اوجب

البائع مشروطا بشرط و قبل القابل البيع بلا شرط.

و منها: ما إذا اوجب البائع البيع لشخصين فقبل احدهما نصف البيع بنصف الثمن.

و منها: ما لو باع البائع شيئين بثمن معين فقبل القابل احدهما بنصف الثمن.

(1) اما الاول: فصريح المصنف قدس سره و المحقق النائيني قدس سره: بطلان البيع من جهة عدم المطابقة.

و لكن: الظاهر هو تحقق التطابق الذي دل الدليل علي اعتباره، و ذلك لانه لا خلاف بينهم في ان تخلف الشرط أو تعذره أو فساده لا يوجب بطلان العقد بل يقع صحيحا، غاية الأمر غير لازم، فيستكشف من ذلك ان المعاقدة واقعة علي الفاقد للشرط،

و عليه فالقبول بلا شرط مطابق للايجاب.

و ان شئت قلت: ان الشرط لو كان قيدا للمعاملة لزم بطلانها عند تخلفه، فالقول بان تخلفه لا يوجب البطلان يكون مبتنيا علي كونه التزاما في ضمن التزام بالمعني الذي سيأتي تحقيقه في محله، و عليه فالالتزام البيعي غير معلق علي شي ء،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 244

و لو قال بعتك العبد بكذا، فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد (1) و كذا لو قال: بعتك العبد بمائة درهم، فقال: اشتريته بعشرة دنانير، و لو قال للاثنين بعتكما العبد بالف فقال احدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم يقع، و لو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز، و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشتري اشتريت كل نصف منه بخمسين، و فيه اشكال.

______________________________

فالقبول بلا شرط مطابق للايجاب.

و لعله الي هذا يرجع ما ذكره بعضهم من: ان فساد الشرط إذا لم يخل بصحة العقد فعدم قبول المشتري للشرط الذي تضمنه الايجاب اولي بعدم الاخلال.

(1) و أما الثاني: فصريح المحققين المتقدم ذكرهما ايضا

البطلان لعدم التطابق،

و لكن الظاهر الصحة و التطابق، و ذلك لان البيع لشخصين ينحل الي بيعين حقيقة، كما يدل عليه افتاء الفقهاء بالصحة و عدم البطلان فيما لو قبلا و فسخ احدهما البيع في المجلس بالقياس الي غير الفاسخ، فإذا كان هناك بيعان فالمطابقة بين احد البيعين و القبول متحققة فلا وجه للبطلان، بل غاية ما هناك ثبوت الخيار للبائع كما لا يخفي.

و بما ذكرناه ظهر الحال في الثالث، فان الأظهر الصحة لعين ما ذكرناه في سابقه.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره في المقام من: انه لا يفيد لصحة العقد المختلف فيه من حيث الانشاء ثبوت خيار تبعض الصفقة الذي هو اثر العقد الصحيح، لانه لا بد اولا من صحة العقد باتحاد المنشأ ثمّ اثبات الخيار فيه، فما يترتب علي الصحة لا يمكن ان يكون منشأ الصحة.

يرد عليه: ان المثبت للصحة هو الاتحاد بالتقريب المتقدم لا ثبوت الخيار. فلاحظ و تدبر.

فتحصل مما ذكرناه: ان اعتبار المطابقة بين الايجاب و القبول مما لا ينبغي انكاره،

الا ان جملة من الموارد التي ذكرها المصنف قدس سره من موارد عدم المطابقة ليست منها، بل فيها التطابق متحقق، و عليك بالتأمل في كل مورد ثمّ الحكم بالصحة أو الفساد من جهة وجود التطابق و عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 245

و من جملة الشروط في العقد ان يقع كل من ايجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء (1) فلو كان المشتري في حال ايجاب البائع غير قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب لم ينعقد (2) ثمّ ان عدم قابليتهما ان كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الاغماء، بل النوم فوجه

الاعتبار عدم تحقق معني المعاقدة و المعاهدة حينئذ. (3)

______________________________

اعتبار وقوع العقد في حال يجوز لكل منهما الانشاء

(1) السابعة: من جملة الشروط في العقد: ان يقع كل من ايجابه و قبوله في حال يجوز لكل منهما الانشاء بلا خلاف فيه في الجملة، بل الظاهر انه متفق عليه.

و تنقيح القول فيه بالبحث في موضعين:

الأول: في عدم الاهلية المانع عن تحقق التعاهد و التعاقد.

الثاني: في عدم الاهلية الموجب لعدم كون العقد عن رضا معتبر.

اما الأول: ففيه اقوال:

(2) الاول: ما اختاره المصنف قدس سره و المحقق النائيني قدس سره و هو: اعتبار واجدية كل منهما لجميع القيود المعتبرة في تحققه في حال انشاء الآخر.

الثاني: عدم اعتبارها فيهما، اختاره المحقق الايرواني قدس سره.

الثالث: اعتبار واجدية القابل لها في حال الايجاب و عدم اعتبارها بالنسبة الي الموجب، ذهب إليه السيد قدس سره في بعض الفروض.

الرابع: عكس ذلك.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

الأول: في الايجاب.

الثاني: في القبول.

الثالث: فيما بينهما.

اما المورد الاول: فقد استدل لاعتبار واجدية القابل لتلك القيود: في المتن.

(3) بان المعاقدة و المعاهدة لا تتحقق بدونها، هذا ما افاده المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 246

______________________________

و ايده المحقق الاصفهاني قدس سره بان مناط المعاهدة مع الغير يقتضي كونهما معا كذلك في حال الايجاب و القبول، إذ معية المتعاقدين انما هي معية شاعر ملتفت الي ما يلتزم للغير و يلتزم الغير له، و الا فلا ينقدح القصد الجدي في نفس العاقل الي المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار، و علمه بالتفاته فيما بعد لا يصحح المعاهدة معه فعلا.

و فيه: اولا: أن عنوان العقد انما ينطبق علي الالتزامين الواردين علي مورد واحد و ليس منطبقا علي الايجاب خاصة، و انما شأن الموجب هو الالتزام النفساني و ابرازه،

و

هو انما يكون باقيا ما لم يرفع اليد عنه، فإذا كان باقيا الي حين القبول و التزم القابل الاهل لذلك حين القبول فقد ارتبط الالتزامان لا محالة و تحقق عنوان العقد.

و دعوي عدم تحقق الالتزام في نفس الموجب بالنسبة الي من هو كالجدار.

كما تري، إذ العاقل الملتفت الي مالكية من يفرض كالجدار كيف لا ينقدح في نفسه القصد الجدي.

و ثانيا: انه لا ينحصر دليل النفوذ باوفوا بالعقود.

فالأولي ان يستدل له: بانه بعد ما لا ريب في انه يعتبر في ترتيب العقلاء و الشارع الاثر علي الالتزام النفساني ان يظهره لمن هو طرفه في المعاملة، فإذا كان الطرف غير قابل للتخاطب فالاظهار له كلا اظهار، فلاجل ذلك يعتبر قابلية القابل للتخاطب حال الايجاب، فتدبر فانه دقيق.

و أما المورد الثاني: فيشهد لاعتبار واجدية الموجب لتلك القيود حال القبول الوجه المشار إليه.

و يمكن ان يقال في هذا المورد: بما أنه في حال القبول يتم العقد و يخرج المال عن ملك كل منهما فلا بد و ان يكون الموجب ايضا ممن يكون اهلا لذلك كي يترتب الاثر علي التزامه النفساني.

و أما ما ذكر في وجهه من عدم تحقق المعاقدة و المعاهدة، من جهة انتفاء الالتزام النفساني بالاغماء و الجنون مثلا، فليس هناك التزام من الموجب كي يرتبط بالتزام القابل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 247

و أما صحة القبول من الموصي له بعد موت الموصي فهو (1) شرط حقيقة لا ركن، فإن حقيقة الوصية الايصاء، و لذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك، و ان كان لعدم الاعتبار برضاهما، فلخروجه ايضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لأن المعتبر فيه عرفا، رضا كل

منهما لما ينشؤه الآخر حين انشأه (انشاءه) كمن يعرض له الحجر بفلس أو سفه أو رق، لو فرض أو مرض موت و الاصل في جميع ذلك ان الموجب لو فسخ قبل القبول لغي الايجاب السابق (2)

______________________________

فيرد عليه: ان الالتزامات النفسانية لا تزول بذلك، و لذا لا شك لأحد في ان العهود و الالتزامات لا تبطل بالموت، فضلا عن النوم و الاغماء، و لا فرق بين الموت قبل لحوق القبول و بعده، إذ ضم التزام آخر إليها لا يوجب بقائها ان كانت تزول بالموت.

و بما ذكرناه ظهر الحال في المورد الثالث، و انه لا يعتبر الاهلية بينهما كما لا يخفي.

(1) قوله و أما صحة القبول من الموصي له بعد موت الوصي فهو شرط.

هذا دفع لما توهم من انه لا كلام في صحة القبول من الموصي له بعد موت الموصي فيستكشف من ذلك ان موت الموجب لا يكون مانعا عن تحقق المعاقدة.

و حاصل الدفع ان حقيقة الوصية ليست الا الايصاء و لا يعتبر في تحققها القبول بل هي من الايقاعات و قبولها قبول الوصية وردها ردها لا انه جزء للوصية.

نعم في الوصية التمليكية، من جهة ان ادخال المال في ملك الغير من دون رضاه مناف لسلطنة الناس علي انفسهم، و ليس من شئون السلطنة علي المال السلطنة علي الغير، فلا محالة يتوقف نفوذ التمليك علي الرضا، أو عدم الرد علي الخلاف الا ان القبول الكاشف عن الرضا أو عدم الرد شرط لنفوذ الوصية لا انه جزء للعقد، و تمام الكلام في محله.

(2) قوله و الاصل في جميع ذلك ان الموجب لو فسخ … لغي الايجاب السابق.

مراده ان الوجه في الالتفات الي ما ذكرناه من اعتبار رضا كل

منهما حال انشاء الآخر في تحقق المعاقدة، وضوح فساد الايجاب بفسخ الموجب و عدم رضا القابل به،

فعلمنا من ذلك مدخلية رضا كل منهما حال انشاء الآخر في تحقق معني المعاقدة.

فلا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره بقوله ان هذا عين المسألة المبحوث عنها لا أصلها و مأخذها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 248

و كذا لو كان المشتري في زمان الايجاب غير راض أو كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير، فصحة كل من الايجاب و القبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من اول العقد الي ان يتحقق تمام السبب، و به يتم معني المعاقدة فإذا لم يكن هذا المعني قائما في نفس احدهما، ام قام، و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معني المعاقدة (1) ثمّ انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من احدهما حين العقد بل يكفي حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الايجاب و قبل القبول، اللهم الا ان يلتزم بكون الحكم في المكره علي خلاف القاعدة لأجل الاجماع.

______________________________

و لكن يرد علي المصنف قدس سره: ان لغوية الايجاب بفسخ الموجب، اجنبية عن المقام فان الفسخ موجب لحل الالتزام حقيقة فلا يكون الايجاب باقيا كي يلحقه القبول و يرتبط به، و يتحقق عنوان العقد، و هذا غير ما نحن فيه الذي يكون الالتزام و الايجاب باقيا كما عرفت.

و أما الموضع الثاني: ففيه ايضا اقوال.

و ملخص القول فيه: انه قد استدل المصنف قدس سره لاعتبار واجدية كل منهما لتلك القيود في حال انشاء الآخر.

(1) بعدم تحقق معني المعاقدة و المعاهدة حينئذ.

و لعل نظره الشريف الي ما افاده بعض المحققين بان رضاهما بعد ان كان في نظر الشارع الأقدس كلا

رضا، و المفروض ان رضاهما مما يعتبر في تحقق مفهوم التعاهد، لا جرم كان تعاهدهما في نظره كالعدم، فلا يكون عقدهما عقدا معتبرا شرعيا.

و فيه: ان حقيقة العقد هي ربط الالتزامين الواردين علي مورد واحد- كان ذلك مع رضاهما بذلك أو بدونه- فالرضا بالعقد لا يعتبر في تحققه، و عدمه لا يخل به، من غير فرق بين عدم الرضا اصلا أو عدم الاعتبار به شرعا و انما هو شرط في تأثير انشاء كل منهما نفسه، فاعتبار رضا كل منهما حال انشاء الآخر مما لا أصل له، و لأجل ذلك نلتزم بان صحة عقد المكره إذا لحقه الرضا انما تكون علي القاعدة، مع انه لو سلم توقف تحقق العقد علي الرضا الا ان دليل الصحة لا ينحصر باوفوا بالعقود كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 249

فرع لو اختلف، المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة

فهل يجوز ان يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه ام لا وجوه: (1)

ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل، كما لو فرضنا انه لا قائل بجواز تقديم القبول علي الايجاب و جواز العقد بالفارسية أدرؤها اخيرها

______________________________

اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة

(1) فرع: لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة، فهل يجوز لكل واحد منهما ان يكتفي بما يقتضيه مذهبه، ام لا.

ام يجوز الا في صورة كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا للنقل كما لو فرضنا انه لا قائل بصحة العقد بالفارسي مع تقديم القبول علي الايجاب، و كان العقد بالفارسي صحيحا عند احدهما، و تقديم القبول جائزا عند الآخر، فاوقعا العقد كذلك؟ وجوه:

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

الأول: في القيود التي ينحصر دليلها بالاجماع.

الثاني: في ما

لدليل اعتباره اطلاق مع عدم سراية احدي الصفات الي فعل الآخر.

الثالث: في ما لدليل اعتباره اطلاق مع السراية.

اما الأول: فالظاهر صحة العقد كما هو مقتضي العمومات و المطلقات، و المتيقن من الاجماع علي اعتبار ذلك القيد كالعربية مثلا هو غير المقام الصادر فيه الايجاب و القبول عن اعتقاد كل منهما صحة ما انشأه، ففيه يرجع الي العمومات المقتضية للصحة.

و أما المورد الثاني: ففيه اقوال:

الأول: الصحة مطلقا.

الثاني: عدم الصحة كذلك.

الثالث: التفصيل بين كون العقد فاسدا في نظر الجميع، بحيث لا قائل بصحته،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 250

و الاولان مبنيان علي ان الاحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية (1) فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا اشارة الاخرس و ايجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة الي واجد الماء ام هي احكام عذرية لا يعذر فيها الا من اجتهد أو قلد فيها؟ و المسألة محررة في الأصول، هذا كله إذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا الي فعل الآخر كالصراحة و العربية و الماضوية

______________________________

كما لو فرضنا انه لا قائل بنفوذ العقد الفارسي المقدم ايجابه علي قبوله فعدم الصحة، و بين غيره فالصحة.

(1) و قد ابتني المصنف قدس سره الاولين علي ان الاحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية، فالايجاب بالفارسي من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة اشارة الاخرس، ام هي احكام ظاهرية لا يعذر فيها الا من اجتهد أو قلد فيها؟ و اورد عليه بوجهين:

الأول: ما افاده المحقق الخراساني قدس سره: بان مجرد كونه حكما واقعيا و بمنزلته لا يكفي في الحكم بالصحة، بل لا بد و ان يقيد بما إذا كان كذلك حتي في حق الغير

الذي له مساس بالعقد، فلو كان حكما واقعيا في حق المنشئ خاصة لم يجد في الحكم بالصحة بالاضافة الي غيره.

و فيه: انه بما ان الملكية من الاحكام المجعولة الوضعية، و من الاعتباريات لا من الامور الواقعية، فإذا فرضنا ان الايجاب بالفارسي و ان كان عند القابل مما لا مصلحة في نفسه في جعل الملكية بعده، الا انه من جهة قيام الامارة عند الموجب تحدث فيه مصلحة بهذا العنوان مقتضية لذلك، فلا محالة للآخر القابل ترتيب الاثر، لأنه لا كشف خلاف لذلك، و لا معني للقول بان المصلحة انما هي في حق الموجب خاصة، فالملكية المجعولة انما تكون له خاصة. فتدبر فانه دقيق.

الثاني: ما افاده السيد في الحاشية و تبعه بعض مشايخنا المحققين قدس سره، و هو: ان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 251

و الترتيب (1)

و أما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين علي صفات صحة الانشاء إلي آخر العقد. فالظاهر أن اختلافها يوجب فساد المجموع لأن بالإخلال بالموالاة أو التنجيز أو البقاء علي صفات صحة الانشاء يفسد عبارة من يراها شروطا فإن الموجب إذا علق مثلا أو لم يبق علي صفة صحة الانشاء إلي زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الايجاب بالقبول، و كذا القابل إذا لم يقبل إلا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك يجب علي الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمل (2)

______________________________

ما ذكر علي القول بكون الاحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية انما يتم بالنسبة الي ما لو كان الحكم المجتهد فيه مع متعلقه موضوعا لحكم الآخر، كما لو كان رأيه جواز النكاح بالفارسي فزوج امرأة بالعقد الفارسي فانه يكون العقد صحيحا عنده، فلا يجوز لغيره الذي

يري اعتبار العربية تزويج تلك المرأة، و لا ينفع بالنسبة الي ما إذا كان المتعلق معروضا لحكمه و لحكم غيره في عرض واحد، كما لو ذكي الذبح بغير الحديد فانه لا يجوز لمن يري اعتبار كونه بالحديد الأكل من تلك الذبيحة.

و السر فيه: ان ذلك بعنوانه المجتهد فيه ليس موضوعا لحكم غيره، فلا يجوز. لغيره المخالف له في الرأي الاكل منه.

(1) قوله و الترتيب.

و قد اورد عليه بان الترتيب من الصفات التي تسري الي فعل الآخر إذا لقابل، إذا قدم قبوله علي الايجاب لزعمه جوازه، فيلزم منه تأخر الايجاب، و المفروض ان الموجب يري بطلان العقد المؤخر ايجابه عن قبوله فليس الايجاب بعده.

و لكن يمكن دفعه بان مدرك لزوم تقديم الايجاب و عدم جواز تقديم القبول عنده قده عدم كون القبول نقلا في الحال و هذه الخصوصية لا تسري الي الايجاب فهو من قبيل الاول لا الثاني.

(2) قوله فتأمل.

لعله اشارة الي ان الموالاة انما تكون شرطا لصحة القبول لا الإيجاب، إذ لا معني لصحة الايجاب، الا وقوعه علي نحو لو لحقه القبول الواجد للشرائط لأثر، و هو مع فقد الموالاة كذلك فالموالاة من قبيل الترتيب لا التنجيز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 252

______________________________

و كيف كان فيما نحن فيه من قبيل الثاني، لان البيع فعل واحد تشريكي، بمعني انه قائم بطرفين و يجب علي كل من المتبايعين ايجاد عقد البيع، و لا يجوز لواحد منهما الاكل الا بعد ذلك.

و بالجملة: الصحة لأحد الطرفين ليست موضوعة لحكم الطرف الآخر، بل لا بد من إحراز كل منهما صحة مجموع السبب.

و فيه: ان هذا في الصحة الفعلية، و أما الصحة التأهلية، فهي انما تكون لكل من الايجاب و القبول مستقلا،

و هي في الايجاب مثلا تكون موضوعة لحكم القابل.

فما افاده المصنف قدس سره متين.

و أما المورد الثالث: فقد افاد المصنف قدس سره: ان العقد باطل حتي علي القول بكون الاحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية الاضطرارية، و الفرق بينه و بين المورد الثاني انه في ذلك المورد لا يوجب سراية تلك الصفة الي فعل الآخر، و المفروض صحته من المعتقد في نظر الآخر.

و هذا بخلاف هذا المورد، فان تلك الصفة تسري الي فعل الآخر إذا انشأ الموجب العقد معلقا، و القابل ان قبل مطلقا لزم عدم التطابق بين الايجاب و القبول، و ان قبل معلقا كان فعله في نظره فاقدا للوصف المعتبر في العقد فيوجب ذلك الفساد من هذه الجهة لا من جهة فساد فعل طرفه.

و ملخص القول: ان فساد احد الجزءين لا يسري الي الآخر علي هذا المسلك،

و لكن منشأ الفساد يسري إليه و يوجب ذلك فساده.

ضمان المقبوض بالعقد الفاسد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 253

مسالة [أحكام المقبوض بالعقد الفاسد]

اشارة

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد، لم يملكه

[الأول ضمان المقبوض بالعقد الفاسد]
اشارة

و كان مضمونا عليه (1) اما عدم الملك فلأنه مقتضي فرض الفساد. و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه و هو أحد امور متفرعة علي القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف، و ادعي الشيخ في باب الرهن و في موضع من البيع الاجماع عليه صريحا، و تبعه في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد.

و في السرائر أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان، و في موضع آخر نسبه الي اصحابنا و يدل عليه النبوي

______________________________

(1) قوله لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه.

بلا خلاف و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل هو في الجملة من الواضحات.

و الوجه فيه واضح، لأن ذلك مقتضي فرض الفساد، و تترتب عليه امور:

الأول: انه لا يجوز له التصرف فيه، و كان مضمونا عليه كما هو المعروف، و عن شيخ الطائفة في باب الرهن و في موضع من البيع، و الحلي في موضعين من السرائر،

و العلامة في التذكرة و المختلف، و غيرهم في غيرها: دعوي الإجماع عليه.

و ليعلم ان محل البحث في المقام انما هو في فرض التلف، و أما في فرض الإتلاف فلا اظن توهم الخلاف في الضمان، من جهة قاعدة من اتلف.

و كيف كان: فالكلام في موردين:

الاول في الحكم التكليفي، و هو جواز التصرف و عدمه.

الثاني في الحكم الوضعي.

اما الأول: فان كان المالك المسلط للمشتري علي ماله راضيا بالفعل في التصرف في ماله حتي مع فساد العقد- كما لو علم بالفساد و سلطه عليه كذلك- فلا اشكال في جواز التصرف. و ان لم يكن راضيا بالرضا الفعلي و لكن كان راضيا بالرضا التقديري،

بمعني انه

لو كان عالما بالفساد و ان المال ماله كان راضيا بالتصرف فيه، جاز التصرف بناء علي كفاية الرضا التقديري في حلية التصرف. و الا فلا يجوز لما دل علي انه لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه. «1»

______________________________

(1) راجع الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي و المستدرك ج 1 ص 212

و فروع الكافي ج 1- ص 426- و الاحتجاج ص 267.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 254

المشهور: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي. (1) و الخدشة في دلالته بأن كلمة علي ظاهرة في الحكم التكليفي، فلا يدل علي الضمان (2) ضعيفة جدا، فإن هذا الظهور انما هو إذا اسند الظرف الي فعل من افعال المكلفين، لا إلي مال من الأموال كما يقال عليه دين،

______________________________

و دعوي ان فساد المعاملة لا يوجب زوال الأذن و الرضا بالتصرف الذي كان في ضمن العقد، لأن الجنس لا يتقوم بفصل خاص.

فاسدة، فان الرضا من قبيل ما يكون ما به اشتراكه عين ما به امتيازه. فإذا لم يترتب علي الرضا الموجود في ضمن المعاملة اثر- و المفروض انه ليس هناك رضا آخر- فلا مورد للقول بالجواز.

و أما الثاني: فقد مر في التنبيه الثامن من تنبيهات المعاطاة ما عن بعضهم من حصول الملك بالقبض الواقع بعد المعاملة الفاسدة و ما يرد عليه.

و انما الكلام في المقام في انه مع عدم حصول الملك هل يكون ضامنا لو تلف ام لا.

المشهور بين الأصحاب هو الأول، و عن غير واحد: دعوي الإجماع عليه.

و استدل له في المتن بوجهين.

(1) الاول: النبوي المشهور: علي اليد ما اخذت حتي تؤدي «1».

و هو و ان كان ضعيف السند الا انه لاعتماد الأصحاب عليه و استدلالهم به لا

مجال للمناقشة في سنده، و انما المهم دفع ما اورد علي الاستدلال به، و هو انما يكون امرين.

(2) الاول: ان كلمة علي ظاهرة في الحكم التكليفي، من جهة ان ظاهر كلمة علي هو الاستعلاء و الاستعلاء المعقول الحاصل في التكليف اقرب الي المعني الحقيقي مما يتصور بالنسبة الي الوضع.

و يمكن الجواب عنه بوجوه.

منها: ان حمله علي ارادة التكليف منه مستلزم لجعل الظرف لغوا و يقدر يجب و نحوه، بخلاف ما لو حمل الحديث علي الوضع كما لا يخفي، و هو خلاف الظاهر.

______________________________

(1) سنن البيهقي ج 6- ص 90- و كنز العمال ج 5- ص 257 الرقم 5197، تفسير أبو الفتوح رازي ج 1، ص 784، عوالي اللئالي، ج 2، ص 345، ج 10- المستدرك كتاب الغصب باب 1، حديث 4، نقل عنهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 255

فان لفظة علي حينئذ لمجرد الاستقرار في العهدة عينا كان أو دينا (1)

______________________________

و منها: انه يستدعي تقدير فعل من الأفعال من قبيل رده أو حفظه، و هذا التقدير ايضا خلاف الظاهر.

و منها: ان تقدير الرد ليدل الحديث علي وجوب رد المال الي صاحبه لا يناسب الغاية، إذ يكون مفاده حينئذ انه يجب الرد الي ان يتحقق الرد، فتكون الغاية تحديدا للموضوع، و هو بعيد في الغاية.

و لا يناسب ايضا ارادة دفع البدل، إذ مع امكان الغاية لا يجب دفع البدل، و مع عدم امكانها لا غاية كي يفي بها.

فالمتعين حمل الحديث علي الوضع.

(1) ثمّ الوضع المراد من الحديث هل هو بمعني الضمان بالقوة و هو كون دركه عليه مع تلفه كما هو صريح المتن و المنسوب الي المشهور.

ام هو بمعني دخول المأخوذ في العهدة و للعهدة آثار تكليفية و

وضعية من حفظه و ادائه مع التمكن و اداء بدله لو تلف- كما اختاره بعض مشايخنا العظام؟ وجهان.

اقواهما الثاني، لأن ما قبل الغاية من جهة كونه مغياً بالأداء لا بد و ان يكون امرا ثابتا فعليا مستمرا الي ان يتحقق الأداء، و هذا ينطبق علي الوجه الثاني، و أما علي الوجه الأول فلا امر مستمر الي حال الأداء ما لم يتلف.

الايراد الثاني: ما عن المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الأخذ هو الاستعلاء علي الشي ء بالقهر و الغلبة كما تشهد به موارد استعماله- لاحظ قوله تعالي: (و كذلك اخذ ربك إذا اخذ القري) «1» و قوله: (لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين) «2» و قوله تعالي:

(فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر) «3» و غير ذلك من موارد استعماله. و عليه فيختص الحديث بصورة الغصب و لا يشمل غير ذلك المورد من موارد اذن المالك الحقيقي و تسليط المالك ماله للمشتري.

______________________________

(1) هود، 102.

(2) الحاقة، 46.

(3) القمر، 42.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 256

و من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به علي ضمان الصغير (1) بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة، لعدم التمييز و الشعور،

______________________________

و فيه: ان الأخذ بحسب اللغة معناه تناول الشي ء كان عن قهر و غلبة ام لم يكن،

و استعماله في غير موارد الأخذ بالغلبة و القهر كثير، لاحظ قوله تعالي: (خذ العفو) «1» و قوله عز اسمه: (خذ من اموالهم صدقة) «2» و قوله عليه السلام: خذها فاني اليك معتذر. و غير ذلك من الموارد فتحصل: ان الحديث يدل علي الضمان في مطلق الموارد..

(1) قال المصنف قدس سره: و من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به علي ضمان الصغير.

و يرد عليه: انه يتم علي

القول باستقلال الأحكام الوضعية في الجعل، و أما بناء علي مسلكه قده من انها منتزعة من الأحكام التكليفية في مواردها فلا يتم كما لا يخفي.

و ما ذكره بعض مشايخنا العظام بقوله: و يمكن دفعه بان ذلك انما يتوجه لو اريد من الجملة الانشاء و الجعل، و أما لو اريد منه الاخبار بالتعهد، و ان الاخذ متعهد بما اخذه، و انه يثبت عليه و يتوجه إليه تمام ما في المأخوذ من التكلفات و الخسارات المتوجهة طبعا الي مالكه، فلا يلزم شي ء، و يكشف عن ثبوت منشأ انتزاع هذا الوضع من التكليف.

يرد عليه: - مضافا الي كونه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من الجملة كونها في مقام الانشاء لا الأخبار.

ان الأمر الانتزاعي يتبع منشأ. انتزاعه فعلا و تقديرا، فإذا لم يكن بالنسبة الي الصغير تكليف لا يكون وضع علي مسلكه.

و أما ما افاده في رسالة الاستصحاب بما حاصله: ان ضمان الصغير حكم وضعي ينتزع من الخطاب المتوجه إليه بعد صيرورته بالغا بان يغرم ما اتلفه في حال صغره.

فيرد عليه: ان فعلية الأمر الانتزاعي مع كون منشأ انتزاعه امرا استقباليا لا تعقل.

______________________________

(1) الاعراف، 199.

(2) التوبة، 103.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 257

و يدل علي الحكم المذكور ايضا قوله عليه السلام في الامة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشتري انه: يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة (1)

فإن ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريق اولي، فليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء بل من قبيل أحداث نمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني للضمان و هو.

مرسل جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه السلام في

رجل اشتري جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال عليه السلام يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته. «1» بدعوي انه يدل علي ضمان المنفعة التي لم يستوفها المشتري، فيدل بالاولوية علي ضمان العين في صورة التلف.

وجه الاولوية: ان اليد علي المنافع انما يكون بتبع اليد علي الأعيان، فإذا كانت اليد التابعة موجبة للضمان فالمتأصلة اولي بذلك.

و فيه: انه لو قيل بتكون الولد من نطفة المرأة و كان اللقاح من الرجل.

أو قيل بان الولد ينعقد رقا و يصير حرا بالولادة.

يكون: ذلك اتلافا حقيقة، و الضمان في صورة الإتلاف مما لا كلام فيه.

و أما لو قيل بتكونه من نطفة الرجل و انه ينعقد رقا، فمن حيث اخذ.

الولد منها حرا و ان كان لا إتلاف و لا استيفاء للمنفعة، الا انه من حيث اشغال الرحم بتربية ما وضعه فيها استيفاء لمنفعة الرحم، و لا أقل من كونه اتلافا، فانها كانت مستعدة لإنماء نطفة الرق فسلب عنها ذلك باشغالها بنطفته.

و عليه فإذا كان مفاد الحديث ثبوت ضمان الولد بالقيمة كان ذلك تعبدا محضا و تم استدلال المصنف قدس سره به، و أما لو كان مفاده ثبوت ضمان قيمة ولد مملوك فلا يتم، و لا يبعد دعوي ظهوره في الثاني، و لا أقل من الإجمال.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 258

ثمّ ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (1) و هذه القاعدة اصلا و عكسا و ان لم اجدها بهذه العبارة في كلام من تقدم علي العلامة الا انها يظهر من كلمات الشيخ رحمه الله

في المبسوط، فانه علل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة بأنه دخل علي ان يكون المال مضمونا عليه.

و حاصله ان قبض المال مقدما علي ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب

للضمان، و هذا المعني يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها. و ذكر ايضا في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد: ان صحيحه لا يوجب الضمان،

فكيف يضمن بفاسده، و هذا يدل علي العكس المذكور، و لم اجد من تأمل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق، فهل يستحق السابق اجرة المثل ام لا،

و كيف كان فالمهم بيان معني القاعدة اصلا و عكسا، ثمّ بيان المدرك فيها.

______________________________

فتحصل: انه لا يصح الاستدلال به من جهتين.

ثمّ انه في مورد الخبر لا بد من البناء علي اشتغال ذمة المشتري بالوطء ايضا، فانه منفعة استوفاها عن ملك الغير.

قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

و في مفتاح الكرامة نسب الي الأصحاب انهم استدلوا للضمان مضافا الي ما تقدم بالقاعدة المشهورة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و في الجواهر بالنسبة الي الجملة الأولي انه يظهر من بعضهم الإجماع عليها.

(1) و في المتن: ثمّ ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 259

فنقول و من الله الاستعانة: ان المراد بالعقد اعم من الجائز و اللازم، بل مما كان فيه شائبة الايقاع، أو كان اقرب إليه فيشمل الجعالة و الخلع، و المراد بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعني كون خسارته و دركه في ماله الاصلي، فإذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه معه. (1)

______________________________

و قد اورد علي المصنف

قدس سره بان هذه القاعدة اصلا و عكسا لم ترد مورد رواية و لا معقد اجماع كي تكون مدركا لضمان المقبوض بالعقد الفاسد فلا فائدة في البحث فيها.

و فيه ان التعرض لذلك بعد بنائه علي ان مقتضي حديث علي اليد- اقتضاء كل يد للضمان، بيان ما خرج عن تحت هذه القاعدة تخصيصا أو تخصصا.

و كيف كان: فالمهم بيان معني القاعدة اصلا و عكسا، ثمّ بيان المدرك فيها.

فلا بد من البحث في مقامين:

الأول: في الأصل، و الكلام فيه في جهات:

الأولي: في معني الضمان، فعن بعض الأساطين تفسيره بكون تلفه عليه و انه يتلف مملوكا له.

و فيه: انه لا دليل و لا وجه لتقدير التالف ملكا لمن تلف في يده الا بناء علي القول بكون اداء البدل من قبيل المعاوضة القهرية الشرعية، و ستعرف ما في المبني.

مع ان الانسان لا يكون ضامنا لأمواله التالفة و لا يكون ذلك خسارة عليه و ان كان خسارة منه. و في المتن.

(1) تفسيره بكون المال متداركا بالعوض بمعني كون خسارته و دركه في ماله الأصلي، فإذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه منه.

و يرد عليه:

اولا: ان هذا لا يناسب معني الضمان الذي هو من مادة ضمن يضمن بحسب اللغة و المتفاهم العرفي.

و ثانيا: ان لازم هذا المعني عدم فعلية الضمان قبل التلف في العقود الفاسدة.

و ثالثا: ان الثابت في العقود الصحيحة التمليك للمال بالعوض لا التدارك بالعوض،

فليس عنوان الدرك و التدارك في الصحيح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 260

و أما مجرد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معني للضمان اصلا، فلا بقال ان الانسان ضامن لأمواله، ثمّ تداركه من ماله تارة يكون باداء عوضه الجعلي الذي

تراضي هو و المالك علي كونه عوضا و امضاه الشارع كما في المضمون بسبب العقد الصحيح و اخري باداء عوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و ان لم يتراضيا عليه، و ثالثة باداء اقل الامرين: (1) من العوض الواقعي و الجعلي، كما ذكره بعضهم في بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض (2) فإذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي، لأن هذا هو التدارك حقيقة. و لذا لو اشترط ضمان العارية

______________________________

و رابعا: ان التلف لا دخل له في الضمان في الصحيح، و انما تمام الموضوع فيه هو العقد.

فالحق في معني الضمان ان يقال: ان المراد به في الجملتين هو المراد به في سائر موارد استعماله، بل سائر موارد استعمال مشتقاته، و هو التعهد المالي. ففي العقود الصحيحة يكون هذا المعني- اي تعهد كل منهما مال صاحبه بتسبيب من المتعاقدين مع امضاء الشارع- و في العقود الفاسدة يكون ذلك بجعل من الشارع، فالضمان في الجملتين اريد به التعهد المالي.

(1) قوله و ثالثة بازاء اقل الامرين من العوض الواقعي و الجعلي.

(2) و قد مثل لذلك بتلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

و في المسألة اقوال.

الاول عدم وجوب دفع العوض و عدم الضمان، اختاره العلامة، و ولده علي ما نسب اليهما.

الثاني ما عن جماعة، و هو تعين دفع المسمي.

الثالث، ما عن المسالك، و اختاره المصنف قدس سره و هو وجوب اقل الامرين من المسمي و العوض الواقعي للعين.

وجه الاول انه في الهبة المعوضة، لا يجب علي المتهب دفع العوض، غاية الامر مع بقاء العين للواهب الرجوع إذا لم يدفع المتهب العوض، ففي صورة التلف لا يجب عليه شي ء، لا

العوض المسمي كما هو واضح، و لا الواقعي لفرض انه هبة صحيحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 261

لزم غرامة مثلها أو قيمتها، و لم يرد في اخبار ضمان المضمونات من المغصوبات و غيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق.

و أما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع فاحتمال ان يكون المراد بالضمان في قولهم يضمن بفاسده هو وجوب اداء العوض المسمي، نظير الضمان في العقد الصحيح ضعيف في الغاية لا لأن ضمانه بالمسمي يخرجه من فرض الفساد، إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين علي ملك مالكه و ان كان عند تلف احدهما يتعين الآخر للعوضية، نظير المعاطاة (1) علي القول بالاباحة بل لأجل ما عرفت من معني الضمان و ان التدارك بالمسمي في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطئا علي عوضيته، لا لأن معني الضمان في الصحيح مغاير لمعناه الفاسد حتي يوجب ذلك تفكيكا في العبارة فافهم.

______________________________

و وجه الثاني عموم ما دل علي لزوم الوفاء بالعقد- غاية الامر انه في صورة وجود العين يكون المتهب مخيرا بين ردها و دفع المسمي- فإذا تعذر الاول للتلف تعين الثاني.

و وجه الثالث ان المتهب قبل التلف مخير بين دفع المشترط ورد العين و إذا تلف يكون هذا الخيار باقيا لانه تعذر دفع العين يقوم بدلها مقامها في الطرفية للتخيير.

فيكون في فرض التلف مخيرا بين دفع المشترط و العوض الواقعي فالواجب عليه أي ما لابد منه هو دفع اقل الامرين و تمام الكلام في هذه المسألة موكول الي محله.

(1) قوله إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين علي ملك مالكه و ان كان عند تلف احدهما

يتعين الآخر للعوضية نظير المعاطاة.

و فيه ان معني الفساد عدم امضاء الشارع لعوضية كل منهما للآخر مطلقا، لا عدم امضائه لها في زمان خاص، أو مع عدم الشرط المخصوص.

و عليه فتعين كل منهما للعوضية، عند تلف احدهما، مناقض لفرض الفساد.

و انما يلتزم بذلك في المعاطاة لما عرفت من انها صحيحة ممضاة، غاية الامر تكون مشروطة بشرط، و هو تلف احدهما فضمانه بالمسمي يخرجه من فرض الفساد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 262

ثمّ العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الانواع (1) ليكون افراده مثل البيع، و الصلح و الإجارة و نحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، و إنما المقتضي له بعض اصنافه. فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به، دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان، لأنه قد لا يفيد الا فائدة الهبة الغير المعوضة أو الابراء، فالموجب للضمان هو المشتمل علي المعاوضة فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان ايضا، و لا يلتفت الي ان نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده و كذا الكلام في الهبة المعوضة، و كذا عارية الذهب و الفضة.

نعم ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم، ان صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغي ان لا يضمن بفاسدها، و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها

______________________________

(1) الجهة الثانية: في ان عموم العقود هل هو انواعي، أو اصنافي، ام افرادي؟ ظاهر العموم و ان كان هو الأخير- كما هو الشأن في كل طبيعة واقعة في متلو اداة العموم كقوله عليه السلام كل شي ء طاهر، أو كل مسكر حرام و ما شابههما.

الا ان ظاهر قولنا

يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وجود الفردين في ما هو الموضوع لهذا الحكم، و لو حمل العام علي الأفرادي تعين حمل الصحيح علي الفرض و التقدير فيقال: ان هذا البيع الفاسد لو كان صحيحا كان يضمن به، فكذلك في هذا الفرض، و هو خلاف الظاهر.

فما احتمله صاحب الجواهر من كون العموم افراديا ضعيف.

فيدور الأمر بين كونه انواعيا أو اصنافيا.

و الأظهر هو الثاني، إذ لو كان انواعيا حيث انه قد يتفق في نوع واحد، ما يضمن بصحيحه، و ما لا يضمن به، كالعارية: فان في عارية الذهب و الفضة ضمان دون عارية غيرهما، و كالصلح فانه ربما يكون معاوضيا، و ربما لا يكون كذلك فلا يفيد سوي الإبراء و التمليك المجاني، فالجامع بين القسمين لا محالة لا يكون موجبا للضمان،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 263

ثمّ المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضائه له بنفسه (1) فلو اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح، ففي الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة اشكال كما لو استأجر اجارة فاسدة، و اشترط فيها ضمان العين. و قلنا بصحة هذا الشرط فهل يضمن بهذا الفاسد لأن صحيحه يضمن به و لو لأجل الشرط ام لا و كذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة.

و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا تبعا لظاهر المسالك، و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل بناء علي انها هبة مشروطة لا معاوضة.

و ربما يحتمل في العبارة ان يكون معناه ان كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد، و رتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط ان لا أجرة كما اختاره الشهيدان أو باع بلا

ثمن كما هو احد وجهي العلامة في القواعد، و يضعف بأن الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح و فاسد،

لا ما يفرض تارة صحيحا و اخري فاسدا، فالمتعين بمقتضي هذه القاعدة الضمان في مسألة البيع، لأن البيع الصحيح يضمن به نعم ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة بأنه اقدم علي العين مضمونة عليه لا يجري في هذا الفرع لكن الكلام في معني القاعدة لا في مدركها.

______________________________

فلا بد من البناء علي عدم الضمان في الأفراد الفاسدة منه مطلقا و هو مما لا يمكن الالتزام به.

و ان شئت قلت: انه مع وجود القسمين في نوع فهل يتبع الفاسد ما يضمن بصحيحه، أو ما لا يضمن به.

و بعبارة ثالثة: ان ظاهر الجملة اتحاد القسمين في جميع ما يعتبر في الضمان و عدمه الا في الجهة الموجبة للفساد، فيتعين كون العموم اصنافيا.

(1) قوله ثمّ المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضائه له بنفسه.

اورد عليه السيد قدس سره: بان العقد مع الشرط و مجردا عنه صنفان متغايران، و بعد ارادة الصنف من مدخول كل لا يبقي اشكال في ان المراد اعم من ان يكون اقتضاء الصحيح بنفسه أو بضميمة الشرط.

و فيه: ان الشرط تارة يكون مؤثرا في اقتضاء العقد للضمان- و بعبارة اخري:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 264

ثمّ ان لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده. اما بمعني (1) في بأن يراد كلما تحقق الضمان في صحيحه تحقق في فاسده، و أما لمطلق السببية الشامل للناقصة لا العلة التامة فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان الا بعد القبض، كما في السلم و الصرف بل مطلق البيع حيث ان المبيع قبل القبض مضمون علي البائع بمعني ان دركه عليه و

يتداركه برد الثمن فتأمل. و كذا الاجارة و النكاح و الخلع فإن المال في ذلك كله مضمون علي من انتقل عنه الي ان يتسلمه من انتقل إليه. و أما العقد الفاسد فلا يكون علة تامة أبدا بل يفتقر في ثبوت الضمان الي القبض فقبله لا ضمان،

فجعل الفاسد سببا. اما لأنه المنشأ للقبض علي وجه الضمان الذي هو سبب للضمان (2)

______________________________

يوجب ضمان متعلق العقد، كما في العارية المضمونة، فان الشرط يوجب صيرورة يد المستعير يد ضمان.

و اخري لا يكون كذلك، بل يوجب الضمان في غير متعلق العقد كما لو استأجر اجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين و قلنا بصحة هذا الشرط، فان متعلق العقد هو المنفعة دون العين.

ففي الأول يتم ما ذكره المحشي و لا يتم في الثاني كما لا يخفي.

(1) قوله ثمّ ان لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده اما بمعني في.

هذه هي الجهة الثالثة: و هي في بيان الباء في بصحيحه و بفاسده.

محتملات الباء في المقام ثلاثة: السببية التامة، السببية الناقصة، الظرفية.

لا سبيل الي الالتزام بالأول، لأنه ربما لا يوجب العقد الصحيح الضمان الا بعد القبض كما في باب الصرف و السلم، فيكون القبض جزء العلة.

و أما الثاني: فالالتزام به في بصحيحه و ان كان لا بأس به الا انه لا يتم في بفاسده،

إذ في العقد الفاسد الموجب للضمان هو القبض دون العقد، و قد ذكر المصنف وجهين لسببية العقد الفاسد للضمان:

(2) الاول ان العقد منشأ و سبب للقبض علي وجه الضمان الذي هو سبب للضمان، فهو سبب للسبب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 265

و أما لانه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض (1) و لذا علل الضمان الشيخ و غيره، بدخوله علي ان يكون

العين مضمونة عليه و لا ريب انه دخوله علي الضمان انما هو بإنشاء العقد الفاسد فهو سبب لضمان ما يقبضه و الغرض من ذلك كله، دفع ما يتوهم ان سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد علي الصحيح في سببية الضمان و يقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و قد ظهر من ذلك ايضا فساد توهم ان ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد الي القبض فلا بد من تخصيص القاعدة باجماع و نحوه، ثمّ ان المدرك لهذه الكلية (2) علي ما ذكره في المسالك

______________________________

و فيه: ان سبب السبب و ان كان سببا الا ان ذلك فيما إذا كانت السببية في الموردين من سنخ واحد تكوينية أو تشريعية، و أما إذا كانت في احدهما تكوينية و في الآخر تشريعية فلا يصح هذا الاطلاق كما لا يخفي، و المقام كذلك، فان سببية العقد الفاسد للقبض ليست تشريعية بخلاف سببية القبض للضمان. و ان شئت قلت: ان الظاهر من هذه الجملة ان السببية المترقبة من هذه القاعدة هي الشرعية لا الخارجية.

(1) الثاني: ان العقد الفاسد سبب الحكم بالضمان بشرط القبض.

و فيه: ان الموجب للضمان هو القبض، و السببية المشار إليها من قبيل الوصف بحال المتعلق، فعلي هذا بما ان الظاهر بقرينة وحدة السياق ارادة شي ء واحد من كلمة الباء،

فيتعين حملها علي ارادة الظرفية، كما في قوله تعالي: (و لقد نصركم الله ببدر) «1» و قوله:

(و نجيناهم بسحر) «2» و غير ذلك من الاستعمالات.

مدرك قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

(2) قوله ثمّ ان المدرك لهذه الكلية.

هذه هي الجهة الرابعة: و هي في مدرك هذه القاعدة و قد ذكر له وجوه.

الأول: الإجماع.

و فيه: انه لو تم الإجماع حيث انه

غير تعبدي لمعلومية مدرك المجمعين فلا يعتني به.

______________________________

(1) آل عمران، آية 119.

(2) القمر، آية 35.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 266

في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل، هو اقدام الاخذ علي الضمان (1) ثمّ اضاف الي ذلك قوله صلي الله عليه و آله علي اليد ما أخذت حتي تؤدي.

و الظاهر انه تبع في استدلاله بالاقدام الشيخ في المبسوط حيث علل الضمان في موارد كثيرة من البيع و الاجارة الفاسدين بدخوله علي ان يكون المال مضمونا عليه بالمسمي فإذا لم يسلم له المسمي رجع الي المثل أو القيمة، و هذا الوجه لا يخلو عن تأمل لأنهما انما اقدما و تراضيا و تواطئا بالعقد الفاسد علي ضمان خاص (2) لا الضمان بالمثل و القيمة و المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص، و مطلق الضمان لا يبقي بعد انتفاء الخصوصية، حتي يتقوم بخصوصية اخري، فالضمان بالمثل أو القيمة ان ثبت، فحكم شرعي تابع لدليله

______________________________

(1) الثاني: اقدام الاخذ علي الضمان، و هو و ان دخل علي ان يكون المال مضمونا عليه بالمسمي، لكنه إذا لم يسلم له المسمي رجع الي المثل أو القيمة.

و اورد عليه المصنف قدس سره بايرادات:

(2) منها: انهما انما اقدما علي ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة،

و المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص، و مطلق الضمان لا يبقي بعد انتفاء الخصوصية حتي يتقوم بخصوصية اخري.

و اورد عليه المحقق الخراساني قدس سره علي ما نسب إليه: بانهما انما اقدما علي اصل الضمان في ضمن الأقدام علي ضمان خاص، و الشارع انما لم يمض الضمان الخاص لا أصله.

و فيه: ان الأقدام الموضوع للأثر هو الأقدام القصدي لا القهري، و معلوم ان ما تراضيا

عليه و قصداه هو الضمان بشي ء خاص، و هذا لا ينحل الي التراضي بمطلق الضمان، و كونه بشي ء خاص، فلا يكون الأقدام علي الضمان بالمسمي اقداما علي مطلق الضمان.

فالاولي: ان يورد علي المصنف قدس سره: بان ما ذكره اخص من المدعي، إذ ربما يكون المسمي مقدارا كليا منطبقا علي القيمة الواقعية، و ربما يكون المسمي هو القيمة الواقعية.

و في هذين الموردين يكون المقدم عليه هو الذي يحكم بثبوته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 267

و ليس مما اقدم عليه المتعاقدان. هذا كله مع ان مورد هذا التعليل اعم من وجه من المطلب إذ قد يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض (1) و قد لا يكون اقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان (2) كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع علي البائع إذا تلف في يد المشتري و كما إذا قال بعتك بلا ثمن، أو آجرتك بلا اجرة، نعم قوي الشهيدان في الأخير عدم الضمان و استشكل العلامة في مثال البيع في باب السلم. و بالجملة فدليل الاقدام مع انه مطلب يحتاج الي دليل لم نحصله منقوض طردا و عكسا.

______________________________

(1) و منها: انه ربما يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض.

و فيه: ان الضمان في الصحيح ضمان المسمي، و هو متحقق قبل القبض، و انما يكون التلف من مال بائعه لما دل علي ذلك من جهة انفساخ العقد بالتلف أو من جهة الشرط الارتكازي الضمني، و هو ضمان البائع لو تلف المال قبل قبضه. و علي اي تقدير الضمان المقدم عليه قبل القبض موجود.

(2) و منها: انه ربما لا يكون الاقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان، كما إذا قال بعتك

بلا ثمن، و كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع علي البائع إذا تلف في يد المشتري.

و لكن يرد علي النقض الأول: ان المنشأ لهذا البيع لا يتمكن من قصد حقيقة البيع الا بان يقصد ذلك بقوله بعتك، و قوله بلا ثمن يكون اسقاطا للعوض و ابراء الذمة المشتري،

فان قوام البيع و حقيقته انما يكون بجعل المال بازاء الثمن، فيكون هذا الكلام من الأغلاط و ذكر المتناقضين، و ان قصد البيع بقوله بعتك خاصة فقد أقدم علي الضمان، و ان قصد به التمليك فهو هبة، إذ التمليك بلا عوض هو الهبة. و عليه فان صح انشاء عقد بالألفاظ الموضوعة لعقد آخر كانت هذه هبة صحيحة، و الا ففاسدة، فعلي جميع التقادير لا يصح هذا النقض.

و يرد علي الثاني: ان الأقدام علي الضمان المعاوضي موجود، و كذلك الضمان،

غاية الأمر هناك شرط لضمان البائع المبيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 268

و أما خبر اليد فدلالته و ان كانت ظاهرة و سنده منجبرا (1) الا ان مورده مختص بالاعيان فلا يشمل المنافع و الاعمال المضمونة في الاجارة الفاسدة. (2)

______________________________

و منها: انه لا دليل علي سببية الأقدام للضمان، و هذا هو الحق في الجواب عن هذا الدليل.

(1) الثالث: خبر علي اليد المتقدم، و قد تقدم ان ضعف سنده منجبر بالشهرة و دلالته علي الضمان ظاهرة.

(2) و اورد عليه: بان مورده مختص بالاعيان و لا يشمل المنافع و الاعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة.

وجه الاختصاص بها امران.

احدهما: ما افاده المصنف في الأمر الثالث، و هو عدم صدق الأخذ بالإضافة الي المنافع.

و فيه: انه ليس المراد بالأخذ الأخذ بالجارحة الخاصة، و الا لزم عدم شمول الخبر لجملة من الأعيان كالدار و العقار،

فلا محالة يكون الأخذ كناية عن الاستيلاء علي الشي ء، و التعبير عنه بالأخذ باليد من جهة كونه لازما غالبيا له، و الأخذ بهذا المعني يصدق بالاضافة الي المنافع، إذ الاستيلاء علي المنفعة انما يتحقق بالاستيلاء علي العين،

و ان لم يستوف المنفعة و لم تكن العين مضمونة، فان المنفعة هي قابلية العين للركوب و للسكني مثلا، و هذه القابلية من مراتب وجود العين، و الاستيلاء علي العين استيلاء عليها بجميع شئونها و مراتب وجودها، و منها القابلية للانتفاع.

ثانيهما: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و هو عدم صدق التأدية في المنافع، فان الظاهر قوله حتي تؤدي كون عهدة المأخوذ باداء نفس المأخوذ، و المنافع لتدرجها في الوجود لا أداء لها بعد أخذها في حد ذاتها.

و لا يمكن دفعه بان المنفعة و ان كانت تدريجية الوجود الا انها واحدة وجودا فيصدق الأخذ بالاستيلاء علي طرف هذا الواحد و الأداء باداء طرفه الآخر، لأن المقصود اثبات ضمان المنافع، و هذا التقريب يوجب عدم الضمان بعد رد العين كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 269

اللهم الا ان يستدل علي الضمان فيها بما دل علي احترام مال المسلم (1)

و انه لا يحل الا عن طيب نفسه، و ان حرمة ماله كحرمة دمه و انه لا يصلح ذهاب حق احد

______________________________

كما انه لا يفيد جعل الغاية محددة للموضوع فيدل الخبر علي ضمان المأخوذ غير المؤدي، إذ الظاهر منه ما كان من شانه ان يؤدي بعد اخذه.

و فيه: ان الغاية في الخبر ليست اداء شخص ما اخذ و الا بقي الضمان في صورة التلف و اداء العوض لعدم تحقق اداء الشخص، بل المراد منها اعم من اداء الشخص و اداء العوض غاية

الأمر يكون بنحو الطولية، فإذا كانت العين موجودة لا يرتفع الضمان الا باداء شخصها، و في صورة التلف يرتفع باداء عوضها، و المنافع و ان لم يمكن ردها الا انه يمكن رد عوضها.

هذا كله مضافا الي انه يمكن ان يقال: انه و ان اختص مورد الخبر بالأعيان و لا يشمل المنافع، الا ان اخذ العين له احكام منها ضمان منافعها.

فتحصل: ان الأظهر دلالة الخبر علي ضمان المنافع.

(1) الرابع: قاعدة احترام مال المسلم الثابتة بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه. «1» و قوله صلي الله عليه و آله: حرمة ماله كحرمة دمه «2». و قوله: لا يصلح ذهاب حق احد. «3» و تقريب دلالة حديث لا يحل: ان الحلال هو ما لا تبعة له، فإذا نسب الي الفعل كان معناه انه لا يعاقب عليه، فيستفاد منه الحلية التكليفية. و إذا نسب الي المال كما في المقام كان معناه ما لا خسارة من قبله، فمعني لا يحل في المقام انه مع عدم رضا المالك يكون المال مما له تبعة و خسارة و عوض.

و فيه: اولا: ان ظاهر هذا التركيب في نفسه ارادة الحلية التكليفية، و يقدر التصرف

______________________________

(1) بمضمونه اخبار- في الوسائل باب 3- من ابواب مكان المصلي- و المستدرك ج 1، ص 212- و فروع الكافي ج 1- ص 226- و الاحتجاج ص 267.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب القصاص في النفس حديث 3.

(3) الوسائل- باب 40- من ابواب كتاب الشهادات حديث 1 و 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 270

______________________________

كما في نظائر المقام، كقوله تعالي: (حرمت عليكم امهاتكم) «1» و قوله عز و جل: (احل لكم الطيبات «2» و غيرهما.

و ثانيا:

ان حمل الحلية علي الوضعية لا يلائم مع حرف المجاوزة في قوله الا عن طيب نفسه، فان ظاهره صدور شي ء عن الطيب، فيكون ظاهره حلية التصرف عن الرضا.

و ثالثا: ان الحديث لو دل علي الضمان فانما هو بالنسبة الي المنفعة التي استوفيت،

و لا يدل علي الضمان في المنافع غير المستوفاة، و العمل الصادر من الأجير بالإجارة الفاسدة من دون تسبيب من المستأجر، فانها غير مربوطة بالمستأجر حتي يشملها الحديث الشريف.

و رابعا: انه لا يشمل عمل الحر بناء علي ما تقدم منه في اول كتاب البيع من التأمل في صدق المال عليه.

و أما حديث حرمة ماله كحرمة دمه فتقريب الاستدلال به: ان الحرمة انما نسبت الي المال، و ظاهر ذلك ارادة احترام المال من حيث انه مال، و احترامه كذلك انما يكون بالمعاملة معه معاملة ماله مالية بتداركها، فعدم تدارك ماليته معناه معاملة الهدر معه،

فرعاية ماليته رده اورد عوضه لو تلف.

و فيه: اولا: ان ظاهر الخبر- و لو بقرينة السياق- ارادة الحرمة التكليفية منه، فان قبله هكذا: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحمه من معصية الله فيكون المراد من حرمة ماله- بواسطة تنظيره بحرمة دمه- شدة العقوبة المعبر عنها بالكفر.

و ثانيا: انه ايضا لا يشمل المنافع غير المستوفاة و العمل الصادر من الأجير غير العائد نفعه الي المستأجر.

و ثالثا: ان الظاهر منه من جهة اضافة المال الي المؤمن ارادة رعاية مالكيته،

______________________________

(1) النساء، 33.

(2) المائدة، 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 271

مضافا الي ادلة نفي الضرر (1) فكل عمل وقع من عامل لأحد بحيث يقع بأمره و تحصيلا لغرضه، فلا بد من اداء عوضه لقاعدتي الاحترام و نفي الضرر. ثمّ انه لا يبعد ان يكون

مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال علي الضمان بالاقدام و الدخول عليه بيان ان العين و المنفعة اللذين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتي لا يقضي احترامهما بتداركهما بالعوض كما في العمل المتبرع به و العين المدفوعة مجانا أو امانة، فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضي اليد في الاموال و احترام الاعمال. نعم في المسالك ذكر كلا من الاقدام و اليد دليلا مستقلا فيبقي عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض.

______________________________

و هي لا تقتضي ازيد من عدم التصرف فيه بلا رضاه، لا تداركه لو تلف.

و رابعا: انه لا يشمل عمل الحر بناء علي عدم كونه مالا.

و أما حديث لا يصلح ذهاب حق احد فهو لا يدل علي الضمان، لأن الكلام انما هو في ثبوت الحق في المقام، و الحكم لا يصلح لإثبات موضوعه.

(1) الخامس: قاعدة نفي الضرر، بدعوي ان حكم الشارع بعدم ضمان من تلف المال تحت يده ضرري علي المالك فينتفي لحديث نفي الضرر «1»، فيحكم بالضمان.

و لكن بعد تسليم المبنيين اللذين بني عليهما المصنف قدس سره في محله، و عليهما يبتني الاستدلال في المقام.

احدهما: ان المنفي بحديث لا ضرر ليس خصوص الأحكام الوجودية المجعولة،

بل كل ما هو من الإسلام وجوديا كان أو عدميا.

ثانيهما: ان مدلول حديث لا ضرر نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر، كان الضرر ناشئا من متعلقه ام كان ناشئا من نفسه، كلزوم البيع الغبني.

انه لا يصح الاستدلال به في المقام من جهة ان حديث لا ضرر انما يدل علي نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر، و ان الضرر يكون منفيا في عالم التشريع،

______________________________

(1) الوسائل- باب 12 و 7- من ابواب

كتاب احياء الموات و باب 5- من ابواب كتاب الشفعة و باب 1 من ابواب موانع الارث و غيرها من كتب الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 272

و يبقي الكلام حينئذ في بعض الاعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها الي الضامن و لم يقع بأمره كالسبق في المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل، خلافا لآخرين و وجهه ان عمل العامل لم يعد نفعه الي الآخر و لم يقع بأمره ايضا، فاحترام الاموال التي منه الاعمال لا يقضي بضمان الشخص له و وجوب عوضه عليه لأنه ليس كالمستوفي له، و لذا كانت شرعيته علي خلاف القاعدة حيث انه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل و تمام الكلام في بابه.

ثمّ انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد و بين علمه مع جهل القابض (1) و توهم ان الدافع في هذه الصورة هو الذي سلطه عليه و المفروض ان القابض جاهل مدفوع، باطلاق النص و الفتوي، و ليس الجاهل مغرورا لأنه اقدم علي الضمان قاصدا و تسليط الدافع العالم لا يجعلها امانة مالكية لأنه دفعه علي انه ملك المدفوع إليه لا انه امانة عنده أو عارية. و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به و سيأتي تتمة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري هذا كله في اصل الكلية المذكورة.

______________________________

و لا يدل علي تدارك الضرر المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي، فلو تضرر احد في تجارته مثلا لا يجب علي المسلمين تدارك ضرره، و هذا من الوضوح بمكان.

و في المقام إذا حكم الشارع بالضمان فهو انما يكون من جهة لزوم

تدارك الضرر المفروض وجوده بالتلف لا من جهة نفي الضرر، فالحديث لا يثبت ذلك.

مع ان الحديث لو كان مثبتا للزوم التدارك لما كان وجه للالتزام بلزوم التدارك علي من هو طرف العقد مع عدم انتفاعه به و لا إتلافه، فليكن سد ضرره من بيت المال المسلمين.

فالأظهر ان قاعدة نفي الضرر ايضا لا تفي باثبات المطلب. فالعمدة حديث اليد،

و هو انما يختص بالأعيان و المنافع، و لا يشمل مثل عمل الحر كما لا يخفي.

(1) قوله لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد و بين علمه مع جهل القابض.

الصور المتصورة اربع: علمهما بالفساد، و جهلهما به، و علم الدافع مع جهل القابض، و العكس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 273

و أما عكسها: و هو ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (1) فمعناه ان كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضمانا، كما في عقد الرهن و الوكالة و المضاربة و العارية الغير المضمونة، بل المضمونة بناء علي أن المراد بإفادة الصحيح للضمان افادته بنفسه لا بأمر خارج عنه، كالشرط الواقع في متنه و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة،

______________________________

و الأشكال انما هو في صورتين منها، و هما: علم الدافع و جهل القابض، و علمهما به. و في الصورة الاولي منهما اشكال آخر مختص بها.

اما الأشكال المشترك فهو: ان الدافع ماله العالم بفساد العقد لا محالة يكون دفعه تسليطا و امانة مالكية.

و فيه: انه يمكن ان يكون الدفع بعنوان استحقاقه الذي بني عليه تشريعا.

و بعبارة اخري: بعد تصوير ذلك يكون هذا هو محل البحث في المقام.

و أما إذا سلطه مجانا فلا كلام في عدم الضمان.

و أما الأشكال المختص

فهو: ان الدافع إذا كان عالما بالفساد و القابض جاهلا به لا محالة يكون الدافع غارا و القابض مغرورا، فلا يكون ضامنا لقاعدة الغرور.

و فيه: ان القابض انما قبضه لا مجانا بل مع العوض و اقدم علي ذلك، فلا يكون مغرورا.

قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

(1) المقام الثاني: في عكس القاعدة، و هو: ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و الكلام فيه في مواضع:

الأول: ان الكلام في مواد القضية هو ما تقدم في اصل القضية، الا انه يشهد لعدم ارادة السببية من لفظة الباء في هذه القاعدة انها لو كانت للسببية. لم تجد هذه القضية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 274

______________________________

للحكم بعدم الضمان في شي ء من الموارد، إذ هي انما تدل علي عدم اقتضاء الفاسد من العقود للضمان، و لا ينافي ذلك اقتضاء اليد أو غيرها للضمان، فالمتعين حملها علي ارادة الظرفية.

الثاني: في مدرك هذه القاعدة. فعن الشيخ في المبسوط: الاستدلال لها: بان الضمان لا بد و ان يكون لأقدام الاخذ، أو لحكم الشارع به، و العقد الصحيح الذي ليس فيه اقدام علي الضمان و لا حكم الشارع به فيه فالفاسد منه ايضا كذلك فانه ليس فيه اقدام،

و لا حكم للشارع فيه.

اما الأول: فواضح.

و أما الثاني: فلأن حكمه به مع عدم التعبد الشرعي الخاص به لا بد و ان يكون من جهة امضاء ما يقتضي الضمان المفقود في المقام بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

و لكن هذا الاستدلال مبني علي مسلكه في الضمان في فاسد العقود التي يضمن بصحيحها من التمسك بقاعدة الاقدام.

و أما بناء علي كون المدرك حديث علي اليد فهذا الاستدلال اجنبي عن المقام.

و ظاهر كلام شيخ الطائفة هو الاستدلال باشتراك العلة الموجبة لعدم الضمان بين الصحيح و الفاسد،

و قوله فكيف بفاسده اريد به التعجب، إذ مع وحدة العلة كيف يختلف المعلول.

لا بالاولوية كما فهمه المصنف قدس سره.

ثمّ علي فرض ارادته الاولوية، مراده اولوية الفاسد بعدم الضمان من صحيحه لا أولوية فاسد ما لا يضمن بصحيحه من فاسد ما يضمن بصحيحه كما هو ظاهر توجيه المصنف قدس سره.

و قد استدل المصنف قدس سره فيما سيأتي من كلامه علي عدم الضمان في غير التمليك بلا عوض- اعني الهبة- في مقابل اليد المقتضية له: بعموم ما دل علي ان من استأمنه المالك علي ماله غير ضامن، بل ليس له ان يتهمه. «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب الوديعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 275

______________________________

و حاصله: ان حقيقة الاستئمان المالكي هي التسليط عن الرضا مجانا الموجود في فاسد العقود التي لا يضمن بصحيحها.

و استدل له في الهبة بفحوي ما دل علي خروج صورة الاستئمان «1»، فان استئمان

المالك لغيره علي ملكه إذا اقتضي عدم ضمانه له اقتضي التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق اولي.

و لمن تأخر عنه في كل من الموردين كلام.

اما المورد الأول: فاورد عليه المحقق الايرواني: بان تسليط المالك ان وقع بزعم صحة المعاملة و مقيدا بها ثمّ ظهر عدم الصحة لم يكن هناك واقعا تسليط منه، فكانت اليد باقية تحت عموم علي اليد القاضية بالضمان.

و فيه: ان حقيقة الاستئمان كما عرفت هي التسليط عن الرضا، و حيث ان دفع ما وقع عليه العقد في هذه الموارد ليس عن اللابدية فلا محالة يكون دفعه المال تسليطا عن الرضا، و ان وقع باعتقاد صحة المعاملة.

و أما المورد الثاني: فقد اورد عليه المحقق الخراساني: بان الاولوية انما تكون فيما إذا لم يكن هناك اتلاف، و الا

فالضمان ثابت في الأصل، مع انه في المقبوض بالهبة الفاسدة لا ضمان مطلقا.

و لكن: الظاهر ان مراد المصنف قدس سره انه في الأصل انما يحكم بعدم الضمان من جهة ان اليد مأذونة و المالك سلطها عن الرضا، غاية الأمر بما انه في تلك الموارد لا إذن و لا رضا في التصرف المتلف، فيلحق ذلك التصرف حكمه، و هذا بخلاف الهبة، فانه في ذلك المورد يكون المأذون فيه مطلق التصرف حتي المتلف منه.

و وجه الاولوية انه في تلك الموارد انما يكون هو التسليط عن الرضا، و في الهبة يكون ذلك بزيادة قطع اضافة الملكية عن نفسه و وصلها بالموهوب له.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب العارية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 276

ثمّ ان مقتضي ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لان صحيح الاجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به في القواعد و التحرير. و حكي عن التذكرة و اطلاق الباقي الا ان صريح الرياض الحكم بالضمان، و حكي فيها عن بعض نسبته الي المفهوم من كلمات الاصحاب (1)

______________________________

فتحصل: ان ما افاده الشيخ قدس سره حق لا ريب فيه.

و يمكن ان يستدل علي عدم الضمان في العقد الفاسد الذي لا يضمن بصحيحه بوجهين آخرين.

احدهما: السيرة العقلائية علي عدم الضمان في العقود المتضمنة للتسليط المجاني، و هي تخصص قاعدة اليد، و لا تصلح هي ان تكون رادعة عنه بعمومها كما حقق في الأصول.

الثاني: انصراف الحديث عن اليد المستندة الي التسليط المجاني، و لعل وجهه ان قاعدة اليد انما تكون عقلائية ممضاة شرعا لا تعبدية صرفة، و هي انما تكون لأجل احترام المال، و لا ريب في سقوط احترام المال بتسليط المالك غيره عليه مجانا. فإذا لا ينبغي التوقف في

عموم هذه القاعدة.

نعم يختص ذلك بما إذا كان التسليط المشار إليه باقيا الي حين التلف أو الإتلاف،

فلو وهب ماله لذي رحمه بهبة فاسدة و اعتقد صحتها و لم يكن راضيا ببقاء الموهوب تحت يده و لا يسترده لاعتقاد لزومها، لا إشكال في الضمان في صورة التلف و الإتلاف لعموم قاعدتي اليد و الإتلاف و عدم المخصص.

الموارد التي توهم عدم اطراد القاعدة فيها

الثالث: في الموارد التي توهم عدم اطراد القاعدة اصلا و عكسا فيها:

(1) منها: ضمان العين المستأجرة، فان الاجارة الصحيحة لا توجب ضمانها، مع ان المنسوب الي الاصحاب ان فاسدها يوجب الضمان.

الكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في انه علي فرض ثبوت الضمان هل يكون ذلك نقضا لعكس القاعدة ام لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 277

و الظاهر ان المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، و ما ابعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال في باب الغصب: ان الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة، و الذي ينساق إليه النظر هو الضمان لأن التصرف فيه حرام لأنه غصب فيضمنه، ثمّ قال: الا ان كون الاجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها. مناف لذلك، فيقال انه دخل علي عدم الضمان بهذا الاستيلاء و ان لم يكن مستحقا و الاصل براءة الذمة من الضمان فلا يكون العين بذلك مضمونة و لو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن لأن استيلائه بغير حق و هو باطل انتهي.

و لعل الحكم بالضمان في المسألة اما لخروجها عن قاعدة ما لا يضمن، لأن المراد بالمضمون مورد العقد و مورد العقد في الاجارة المنفعة، فالعين يرجع في حكمها الي القواعد. (1)

______________________________

الثاني: في انه هل الضمان

ثابت ام لا؟ اما الأول: فقد افاد المصنف قدس سره في وجه عدم كونه نقضا.

(1) بان المراد بالمضمون مورد العقد، و مورده في الاجارة المنفعة، و العين في حكمها يرجع الي القواعد.

فإذا اقتضت ضمانها لا يكون ذلك نقضا لها.

و اورد عليه المحقق الخراساني قدس سره: بان حقيقة الإجارة جعل العين في الكراء و ملك المنفعة لازمها الغالبي، و الا فربما تقتضي ملك العين كإجارة الشاة فانها تقتضي ملك لبنها، فمورد عقد الإجارة، هو العين لا المنفعة.

و لكن يمكن دفعه: بان كون مورد العقد هو العين أو المنفعة اجنبي عما هو الميزان و الملاك للقاعدة، فان الضابط، هو ان العقد الصحيح إذا اوجب الضمان المعاوضي ففي الفاسد منه ضمان الغرامة، و إذا لم يكن في صحيحه الضمان من ناحية العقد ففي فاسده ايضا لا ضمان، و الإجارة انما توجب الضمان بالإضافة الي المنفعة، و ان كان مورد العقد العين، و لا نظر لها الي العين، و لا تكون مقتضية بالقياس إليها اثباتا و نفيا. و عليه فما افاده المصنف قدس سره متين.

و أما المورد الثاني: فقد اختلفت كلماتهم فيه، و ملخص القول فيه: انه في الموارد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 278

و حيث كانت في صحيح الاجارة امانة مأذونا فيها شرعا، و من طرف المالك لم يكن فيه ضمان. و أما في فاسدها فدفع المؤجر للعين انما هو للبناء علي استحقاق المستأجر لها لحق الانتفاع فيه و المفروض عدم الاستحقاق فيده عليه يد عدوان موجبة للضمان. (1) و أما (لأن) قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد (2)

و الاقوي عدم الضمان فالقاعدة المذكورة غير مخصصة بالعين المستأجرة و لا متخصصة، ثمّ انه يشكل اطراد القاعدة في

موارد

______________________________

التي لا يتوقف استيفاء المنفعة علي تسليط المستأجر علي العين كالدابة حيث انه لا يتوقف استيفاء المنفعة منها و هي الركوب علي استيلائه لامكان كون المالك هو السائق لا يكون ضمان، إذ بعد ما لا ملزم بالتسليط يكون التسليط عن الرضا، فتكون العين امانة مالكية لما تقدم من ان حقيقة الاستئمان المالكي التسليط عن الرضا.

و أما في الموارد التي يكون استيفاء المنفعة متوقفا علي التسليط، فان كان رضا المالك بذلك الحادث قبل العقد باقيا الي حين التسليم كما هو الغالب فلا اشكال في عدم الضمان ايضا من جهة الأمانة المالكية، و ان لم يكن باقيا فيمكن ان يوجه عدم الضمان بان المتعاملين حين العقد متبانيان علي عدم ضمان العين لكون الإجارة مبنية علي عدم الضمان، و مع هذا التباني و اسقاط المالك احترام ماله لا تكون العين مشمولة لحديث اليد لما عرفت من انصرافه عن هذه الموارد. فإذا لا دليل علي الضمان و الأصل عدمه، بل يمكن الاستدلال عليه ببناء العقلاء علي ذلك.

فالأظهر عدم الضمان علي جميع التقادير.

و قد استدل للضمان بوجهين ذكرهما المصنف قدس سره في المتن الأول.

(1) ان دفع المؤجر للعين انما هو للبناء علي استحقاق المستأجر لها لحق الانتفاع منه، و المفروض عدم الاستحقاق، فيده عليه يد عدوان موجبة للضمان.

و فيه: ما عرفت من انه في بعض الموارد تكون يده يد امانية لا عدوانية، و في بعضها الآخر لا تقتضي الضمان لانصراف حديث اليد و بناء العقلاء.

و بذلك كله يظهر الجواب عن الوجه الثاني.

(2) و هو معارضة القاعدة هنا بقاعدة اليد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 279

منها الصيد الذي استعاره المحرم من المحل (1) بناء علي فساد العارية فانهم حكموا بضمان المحرم له

بالقيمة مع ان صحيح العارية لا يضمن به، و لذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان علي تقديري الصحة و الفساد. الا ان يقال ان وجه ضمانه بعد البناء علي انه يجب علي المحرم ارساله و اداء قيمته.

______________________________

(1) و منها: الصيد الذي استعاره المحرم من المحل بناء علي فساد العارية فان المنسوب إليهم ضمان المحرم بالقيمة، مع ان صحيح العارية لا يضمن به.

لا بد اولا من الإشارة الإجمالية الي حكم المسألة.

ثمّ ملاحظة انه هل يكون نقضا علي القاعدة. ام لا.

اما الجهة الأولي: فمجمل القول فيها: انه ان قلنا بعدم حرمة امساك الصيد للمحرم و ان المحرم هو حدوث ذلك لا إبقاؤه، فلا اشكال في صحة العارية و عدم الضمان الا مع الإتلاف، و الا فبناء علي وجوب رده الي مالكه تقديما لحق المخلوق علي حق الخالق أو مع الفداء جمعا بين الحقين، فلا وجه للضمان، لأن العارية بنفسها لا تقتضيه من جهة الاستئمان المالكي، و المفروض عدم وجوب الإرسال، فلا يتوهم الضمان من ناحيته.

و أما ان قلنا بوجوب الإرسال فلا كلام في الضمان.

و كذا بعد الإرسال إذا عد تلفا عرفا.

و أما قبله فقد نسب الي المشهور الضمان من حين وجوب الإرسال.

و استدل له بوجهين.

الأول: ان وجوب ارسال الصيد كاشف عن خروجه عن ملك مالكه بالعارية و الا لزم التصرف في مال الغير من غير اذنه، فيشمله ما دل علي ان من اتلف مال الغير فهو له ضامن. إذ لا فرق في هذه الكبري الكلية بين اتلاف العين و اتلاف ملكيتها مع بقائها،

فتكون القيمة ثابتة من حين العارية. و لعله الي هذا نظر المصنف قدس سره حيث قال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 280

ان المستقر عليه قهرا بعد

العارية هي القيمة لا العين (1) فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الاتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف،

______________________________

(1) ان المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف.

و في كل من الصغري و الكبري نظر:

اما الاولي: فلأن التمسك باصالة العموم انما هو فيما إذا احرز الفردية للعام و شك في شمول حكمه له، كما لو علم عالمية زيد و شك في وجوب اكرامه، فيتمسك بعموم اكرم العلماء لوجوبه.

و أما لو احرز الحكم و شك في فرديته للعام، كما لو علم عدم وجوب اكرام زيد و شك في انه عالم فيكون عموم اكرم العلماء مخصصا، أو غير عالم، فليس هناك تخصيص، فلا مجال للتمسك باصالة العموم، و الحكم بعدم الفردية كما حقق في محله،

و التمسك بعموم ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير من دون رضاه في المقام، انما يكون من قبيل الثاني كما لا يخفي، فلا مورد للتمسك به.

مع انه لو صح التمسك به لعارضه عموم آخر، و هو ما دل علي ان اختيار المال بيد مالكه و انه مسلط عليه، و هذا ينافي مع خروجه عن ملكه قهرا.

مضافا الي ان لازم هذا انه لو عصي و رده المحرم الي مالكه يكون الضمان باقيا، مع ان الأصحاب افتوا ببراءة ذمته في هذا الفرض.

و اضف الي ذلك كله ان المعير في صورة العلم دخيل في التلف، فان التلف بهذا المعني اثر فعلهما معا، و معه لا وجه للحكم بضمان المستعير كما هو واضح.

و أما الثانية:

فلأن الدليل انما دل علي ان اتلاف مال الغير موجب للضمان، و أما اتلاف الملكية و ازالة العلقة فلم يدل دليل علي انه موجب للضمان.

الوجه الثاني: ان من اسباب الضمان الحيلولة بين المال و مالكه، و هي كما تتحقق بعدم تمكنه عقلا من التصرف فيه، كذلك تتحقق بعدم تمكنه شرعا. و في المقام علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 281

و يشكل اطراد القاعدة ايضا في البيع فاسدا بالنسبة الي المنافع التي لم يستوفها،

فإن هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح مع انها مضمونة في العقد الفاسد (1) الا ان يقال ان ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد.

______________________________

تقدير وجوب الإرسال لا يتمكن المستعير من رده إليه شرعا، و معه يكون مقتضي قاعدة الحيلولة الضمان.

و فيه: ان المالك متمكن عقلا و شرعا من الاسترداد، و انما لا يتمكن المستعير من الرد، و هذا ليس موردا للقاعدة. مع ان دفع بدل الحيلولة انما هو من احكام العين المضمونة و لا يكون عدم التمكن من الأداء بنفسه من المضمنات، و معلوم ان يد المستعير يد مأذونة غير موجبة للضمان، مضافا الي ان المالك مع علمه بنفسه دخيل في ذلك، فلا وجه لضمان المستعير. و هناك وجوه اخر بينة الفساد.

فالأظهر عدم الضمان قبل الإرسال كما عن العلامة قدس سره و غيره.

و أما الجهة الثانية: فان بنينا علي عدم الضمان فلا كلام، و ان بنينا علي الضمان فحيث ان مدركه صدق الإتلاف فعدم ورود النقض واضح، فانه انما يصح النقض إذا حكم به مع صدق التلف دون الإتلاف، إذ في صورة الإتلاف في صحيح العارية ايضا يكون الضمان ثابتا.

(1) و منها: ضمان المنافع غير المستوفاة في البيع الفاسد،

مع انها غير مضمونة في البيع الصحيح. هكذا ذكر المصنف قدس سره هذا النقض.

و لكن يرد عليه: اولا: ما سيأتي منه قده من نقل الأقوال الخمسة في ضمان المنافع التي لم يستوفها المشتري في الأمر الثالث، فليس الحكم بالضمان مسلما.

و ثانيا: ان التخصيص بغير المستوفاة لا وجه له، فان المستوفاة ايضا مضمون بها في الفاسد دون الصحيح.

فان قيل: ان وجه الضمان فيها انما هو الإتلاف، و مورد القاعدة هو التلف.

توجه عليه: انه لا فرق بينهما، فان الإتلاف يصدق بالنسبة الي غير المستوفاة ايضا بامساك العين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 282

و فيه: نظر لان نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء في العقد الصحيح (1) لان الثمن انما هو بازاء العين دون المنافع، و يمكن نقض القاعدة ايضا: بحمل المبيع فاسدا (2) علي ما صرح به في المبسوط و الشرائع و التذكرة و التحرير من كونه مضمونا علي المشتري خلافا للشهيدين، و المحقق الثاني و بعض آخر، تبعا للعلامة في القواعد مع ان الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء علي انه للبائع و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما إذا اشترط الدخول في البيع و حينئذ لا نقض علي القاعدة (3)

______________________________

و كيف كان: فالكلام في المقام انما هو في انه علي فرض الحكم بالضمان هل يكون ذلك نقضا علي عكس القاعدة ام لا؟

(1) و المصنف قدس سره سلم ورود النقض من جهة ان المنفعة غير مضمونة في العقد الصحيح، لأن الثمن انما هو بازاء العين دون المنفعة.

و اورد عليه السيد قدس سره: بان المنافع و ان لم تكن مقابلة بالمال الا انها ملحوظة في القيمة و زيادة الثمن، و هذا المقدار يكفي في صدق كونها مضمونة.

و فيه:

ان الميزان ان كان علي عالم اللب لزم عدم ضمان العين، و ان كان علي عالم الصورة لم يندفع الأشكال بذلك.

و ان شئت قلت: انه لا ريب في ان المال في البيع ليس بازاء المنفعة و ان كانت هي الداعية لجعل المال في مقابل العين، و لذا لو فسخ البيع و كان المشتري مستوفيا لمقدار من المنفعة مع بقاء العين بحالها يرد جميع الثمن، و لا يلاحظ شي ء منه في قبال المنفعة، و عليه فلا يتم هذا الجواب.

و الصحيح في وجه عدم ورود النقض ان يقال: ان حكم المنفعة في البيع حكم العين في الإجارة، و هي لكونها خارجة عن مورد العقد لو حكم فيها بالضمان للقواعد لا يكون نقضا علي القاعدة، مع انه ستعرف انه يمكن ان يقال: ان القاعدة انما هي في مورد التلف، و المنافع التي يحكم بضمانها انما هي في صورة الإتلاف من جهة امساك العين.

(2) و منها: حمل البيع فاسدا، فانه غير مضمون في الصحيح، مع انه مضمون في البيع الفاسد.

(3) و المصنف قدس سره اجاب عنه: بانه يمكن ان يكون القول بالضمان في صورة الاشتراط- اي جعل الحمل جزءا من المبيع- و حينئذ لا نقض علي القاعدة، فان في صحيحه ايضا الضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 283

و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة (1) بناء علي أنه لا يجوز التصرف بها فأخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان. ثمّ أن مبني هذه القضية السالبة علي ما تقدم من كلام الشيخ في المبسوط هي الاولوية. و حاصلها أن الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده.

و توضيحه ان الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع امضاء الشارع له،

فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم

لا يؤثر في الضمان لأن اثر الضمان. اما من الاقدام علي الضمان و المفروض عدمه، و الا لضمن بصحيحه.

و أما من حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة، و المفروض انها لا تؤثر شيئا. و وجه الأولوية ان الصحيح إذا كان مفيدا للضمان امكن ان يقال ان الضمان من مقتضيات الصحيح فلا يجري في الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثر علي ما سبق تقريبه من انه اقدم علي ضمان خاص، و الشارع لم يمضه، فيرتفع اصل الضمان لكن يخدشها انه يجوز ان يكون صحة الرهن و الاجارة المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر علي العين شرعا مؤثرة في رفع الضمان بخلاف الفاسد

______________________________

و فيه: انه لا نقض علي القاعدة و ان قيل بالضمان في صورة عدم الاشتراط من جهة خروج الحمل عن مورد القاعدة و العقد بالنسبة إليه لا اقتضاء.

ثمّ ان الأظهر هو عدم الضمان من جهة ان اقدامه علي البيع الملازم للتسليط علي الحمل بناء من المتعاقدين علي عدم الضمان بالقياس الي الحمل و كونه امانة مالكية، فلا يشمله حديث علي اليد كما تقدم. و تمام الكلام في محله.

(1) و منها: الشركة الفاسدة بناء علي انه لا يجوز التصرف بها، فانهم حكموا بضمان ما اخذه احد الشريكين عدوانا.

و فيه: ان عقد الشركة بنفسه لا يوجب جواز التصرف كي يقال انه في صورة الفساد لا يجوز، فيكون المتصرف ضامنا، بل هو انما يكون في صورة الأذن في التصرف، و عليه فلا فرق بين الصحيح و الفاسد في عدم الضمان، إذ لو اقتضي الأذن عدم الضمان في الصحيح اقتضاه في الفاسد ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 284

الذي لا يوجب تسلطا لهما علي العين، فلا اولوية.

فإن قلت ان الفاسد و

ان لم يكن له دخل في الضمان، الا ان مقتضي عموم علي اليد هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة علي القابض، و بقي الباقي. قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها، و هي عموم ما دل علي ان من لم يضمنه المالك سواء ملكه اياه بغير عوض، أو سلطه علي الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو العمل فيه بلا اجرة أو معها، أو غير ذلك فهو غير ضامن. اما في غير التمليك بلا عوض، اعني الهبة فالدليل المخصص لقاعدة الضمان عموم ما دل علي ان من استأمنه المالك علي ملكه غير ضامن بل ليس لك ان تتهمه. اما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال علي خروجها من عموم اليد، بفحوي ما دل علي خروج مورد (صورة) الاستئمان. فإن استئمان المالك لغيره علي ملكه إذا اقتضي عدم ضمانه له، اقتضي التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق اولي،

و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض، كما في المعاوضات فإنه عين التضمين فحاصل ادلة عدم ضمان المستأمن ان من دفع المالك إليه ملكه علي وجه لا يضمنه بعوض واقعي اعني المثل و القيمة، و لا جعلي فليس عليه ضمان.

الثاني: من الامور المتفرعة علي عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد: وجوب رده فورا الي المالك. (1)

و الظاهر انه مما لا خلاف فيه علي تقدير عدم جواز التصرف فيه، كما يلوح من مجمع الفائدة بل صرح في التذكرة كما عن جامع المقاصد: ان مئونة الرد

______________________________

يجب رد المقبوض بالعقد الفاسد الي مالكه فورا

(1) الثاني من الامور المتفرعة علي عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد: وجوب رده فورا.

و الكلام في هذا الأمر يقع في جهات:

الأولي: في مدرك وجوب الرد، و قد استدل

له بوجوه:

الأول: الإجماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 285

علي المشتري لوجوب ما لا يتم الرد الا به، و اطلاقه يشمل ما لو كان في رده مئونة كثيرة إلا أن يقيد بغيرها بأدلة نفي الضرر، و يدل عليه أن الامساك آنا ما تصرف في مال الغير بغير اذنه، فلا يجوز لقوله عجل الله تعالي فرجه لا يجوز لأحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه (1) و لو نوقش في كون الامساك تصرفا (2) كفي عموم قوله صلي الله عليه و آله لا يحل مال امرء مسلم لاخيه الا عن طيب نفسه (3)

______________________________

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

(1) الثاني: التوقيع المروي عن الاحتجاج: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره الا باذنه. «1» بتقريب: ان الامساك و لو آنا ما تصرف في مال الغير بلا رضا منه، فلا يجوز فيجب الرد.

و اورد عليه: بان التصرف من الصرف، فالمراد به التقليب و التقلب، و لا يصدق ذلك علي مجرد الامساك.

(2) و الظاهر من الكتاب تردد المصنف قدس سره في تمامية هذا الايراد.

و لكن عدم تمامية الاستدلال به واضح، إذ لو كان الامساك تصرفا لما دل هذا التوقيع الشريف علي وجوب الرد الا بناء علي مقدمية ترك الضد لوجود ضده، و المراد بالضدين في المقام ما يعم المتماثلين اي ما لا يجتمعان، و وجوب نقيض الحرام، فانه حينئذ يكون الرد ضدا للإمساك، فإذا حرم الامساك حرم ترك الرد لحرمة ذي المقدمة و هو الامساك، و إذا حرم الترك وجب الفعل، و في كلتا المقدمتين نظر بل منع، و عليه فلا يدل هذا الخبر علي وجوب الرد.

(3) الثالث: موثق سماعة عن مولانا الصادق عليه السلام في

حديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله:

من كانت عنده امانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه. «2»

______________________________

(1) الاحتجاج ص 267- عن الاسدي العمري عنه عليه السلام.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 286

حيث يدل علي تحريم جميع الافعال المتعلقة به التي منها كونه في يده

______________________________

و لا يرد علي هذا الحديث الايراد الأول علي الخبر المتقدم، حيث ان حذف المتعلق يفيد العموم فيدل علي حرمة كل فعل له مساس بمال الغير بلا اذنه، الا ان الأشكال الثاني يرد عليه.

لا يقال: ان ذلك لا يلائم مع صدر الحديث الظاهر في وجوب الرد.

فانه يرد: بان ظهور التعليل مقدم علي ظهور المعلل.

فالحق ان يستدل له: بانه المستفاد من النصوص المتفرقة. ففي صحيح البزنطي الوارد في اللقطة: و ان جاءك طالب لا تتهمه رده عليه. و في صدره في الطير الذي يعرف صاحبه قال عليه السلام: إذا عرف صاحبه رده إليه «1». و غير ذلك من النصوص.

فان المستفاد منها لا سيما بعد ملاحظة الآية الشريفة الواردة في الأمانات إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا «2» و تسالم الأصحاب علي هذا الحكم، وجوب رد مال الغير الي صاحبه.

الثانية: في معني الرد و الأداء، و انه هل يكون مجرد اعلام المالك بذلك و التخلية بينه و بين ماله، ام هو حمله إليه و اقباضه منه، ام كل من الأمرين مصداق للأداء و الرد، ام يكون ذلك في الأمانة بالتخلية و في غيرها بالإقباض من المالك كما لعله المشهور؟ اقوال.

الأظهر هو الأخير، فان حقيقة الرد و الأداء ايصال الشي ء الي

محله، و حينئذ إذا كان المال امانة عند شخص فرده ليس الا بالتخلية بينه و بين مالكه، لأن بها يخلع الأمين نفسه عن السلطنة عليه و يدخله تحت سلطنة المالك و يوصل الشي ء الي محله. و أما محل المال خارجا فهو كل مكان رضي به المالك أو الشارع الأقدس،

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب كتاب اللقطة حديث 1.

(2) النساء الآية، 58.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 287

و أما توهم ان هذا باذنه حيث انه دفعه باختياره فمندفع بانه انما ملكه اياه عوضا، فإذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا انتفي الاذن (1) و المفروض ان كونه علي وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك،

و كونه مالا للمالك و امانة في يده ايضا مما لم يؤذن فيه و لو اذن له فهو استيداع جديد كما انه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة، هذا، و لكن الذي يظهر من المبسوط عدم الاثم في إمساكه معللا بانه قبضه باذن مالكه و كذا السرائر ناسبا له إلي الأصحاب و هو ضعيف و النسبة غير ثابتة و لا يبعد إرادة صورة الجهل لأنه لا يعاقب.

______________________________

و حيث ان وجود المال خارجا عند الأمين انما يكون برضا المالك أو باذن من ولي امره- اي الشارع الأقدس- فلا يكون في غير محله كي يكون مكلفا بالرد الخارجي.

و أما إذا كان المال مغصوبا فأداؤه و رده انما يكون بالإقباض منه، إذ كما ان كونه تحت سلطنة الغاصب في غير محله- فلا بد من ايصاله الي محله.

كذلك كونه عنده خارجا يكون في غير محله، فلا بد من ايصاله إليه بالإقباض منه.

و بما ذكرناه ظهر انه لو نقل الأمين الوديعة من بلد الايداع الي

بلد آخر بغير داعي الحفظ و بدون اذن مالكه و الشارع، يجب ردها الي بلد الايداع.

الجهة الثالثة: في انه هل يكون المقبوض بالعقد الفاسد من قبيل الأمانة فيكفي في رده التخلية، ام يكون من قبيل المغصوب فيجب الاقباض؟ و الأظهر هو الأول، و ذلك في العقود الجائزة واضح، لأنه مع عدم كون المالك ملزما بالدفع لا محالة يكون دفعه للمال عن الرضا، و قد مر أن الاستئمان المالكي هو التسليط عن الرضا، و أما في العقود اللازمة فلأنه حين اقدامه علي العقد المقتضي للدفع لا محالة كان راضيا بالدفع و التسليط، و الظاهر بقائه علي حاله نوعا الي ما بعد العقد، و هذا هو الوجه في كون يده امانية، فلا يرد عليه ما ذكره المصنف قدس سره.

(1) بقوله: انه انما ملكه اياه عوضا، فإذا انتفت صفة العوضية … انتفي الاذن.

إذ الوجه في كونه استئمانا هو الأذن الخارجي لا الإذن العقدي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 288

الثالث: أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد (1) [كان عليه عوضها]
اشارة

______________________________

و بما ذكرناه ظهر انه يمكن ان يقال: ان النزاع في المقام صغروي، إذ من يقول بجواز التصرف يقول بذلك فيما إذا احرز رضا المالك بالتصرف في ماله و لو كان رضا تقديريا، و من يقول بالعدم فانما هو في غير هذه الصورة.

الجهة الرابعة: في انه إذا توقف الرد علي المئونة.

فهل يجب بذلها علي المشتري من جهة انه لا يتم الرد الا به.

ام لا يجب لقوله عليه السلام لا ضرر «1».

ام هناك تفصيل بين المئونة القليلة و الكثيرة، فيجب البذل في الأولي و لا يجب في الثانية من جهة عدم صدق الضرر علي بذل القليلة، بخلاف بذل المئونة الكثيرة، كما هو الظاهر من المتن في بادئ النظر.

ام يفصل بين ما

إذا كانت المئونة بمقدار ما يقتضيه طبعا رد مال الغير فهو علي القابض، و ان كانت زائدة عليه فلا يجب بذلها كما هو محتمل المتن و صريح المحقق النائيني قدس سره؟ وجوه:

اقواها الأخير، و ذلك لأنه إذا كانت المئونة بمقدار ما يقتضيه طبعا رد المال لا محالة يكون دليل وجوب الرد اخص من حديث لا ضرر فيخصص به، و ان كانت زائدة عليه كان مقتضي حديث لا ضرر عدم وجوب البذل.

ضمان المنافع المستوفاة

(1) الثالث: فيما لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد.

و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

الأول: في المنافع المستوفاة.

الثاني: في المنافع غير المستوفاة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كتاب احياء الموات- و غيره من الابواب المتقدمة إليها الاشارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 289

كان عليه عوضها علي المشهور، بل ظاهر ما تقدم من السرائر من كونه بمنزلة المغصوب الاتفاق علي الحكم

______________________________

اما الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

احدهما: في الدليل علي الضمان.

ثانيهما: فيما استدل به علي عدم الضمان.

اما المورد الأول: فيمكن ان يستدل له بوجوه:

الأول: عموم علي اليد «1». بناء علي ما تقدم من ان اليد علي المنافع انما يكون بتبع اليد علي الأعيان، و ان الحديث يدل علي الضمان.

الثاني: الرواية الواردة في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشتري، الدالة علي انه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة «2». بالتقريب المتقدم في اول هذا المبحث.

الثالث: صحيح ابي ولاد «3» الآتي الدال علي ضمان منفعة المغصوب المستوفاة،

نعم هذان الوجهان لا يصلحان للمعارضة مع دليل عدم الضمان كما ستعرف.

الرابع: قاعدة من اتلف، المستفادة من النصوص الواردة في موارد خاصة، و جملة منه موارد العقود الاستئمانية كالمضاربة و الرهن و

غيرها «4». فانه حكم فيها بالضمان مع التعدي و التفريط، و جملة منها في غيرها، مثل ما ورد في القصار يخرق الثوب من قوله عليه السلام: فهو ضامن، أو غرمه بما جنت به يده «5». و غيره.

و دعوي عدم صدق المال علي المنفعة قد مر جوابها في اول الكتاب.

______________________________

(1) سنن البيهقي ج 6- ص 90- و كنز العمال ج 5، ص 257.

(2) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 3.

(3) الوسائل- باب 7- من ابواب كتاب الغصب- و باب 17- من ابواب كتاب الاجارة حديث 1.

(4) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب المضاربة- و باب 7- من ابواب كتاب الرهن.

(5) الوسائل- باب 29- من ابواب كتاب الاجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 290

و يدل عليه عموم قوله لا يحل مال امرء مسلم لأخيه الا عن طيب نفسه بناء (1)

علي صدق المال علي المنفعة. و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح، خلافا للوسيلة فنفي الضمان محتجا بأن الخراج بالضمان كما في النبوي المرسل (2)

و تفسيره ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له، فالباء للسببية أو المقابلة فالمشتري لما اقدم علي ضمان المبيع و تقبله علي نفسه، بتقبيل البائع و تضمينه اياه علي ان يكون الخراج له، مجانا، كان اللازم من ذلك ان خراجه له علي تقدير الفساد كما ان الضمان عليه علي هذا التقدير ايضا.

و الحاصل أن ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج و مرجعه إلي أن الغنيمة و الفائدة بإزاء الغرامة. و هذا المعني مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة مثل قوله في مقام الاستشهاد علي كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري: أ لا تري أنها لو

أحرقت كانت من مال المشتري؟ و نحوه في الرهن و غيره و فيه ان هذا الضمان ليس هو ما اقدم عليه المتبايعان حتي يكون الخراج بإزائه.

و انما هو امر قهري حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم و المغصوب. فالمراد بالضمان الذي بازائه الخراج التزام الشي ء علي نفسه و تقبله له مع امضاء الشارع له،

______________________________

ثمّ انه قد استدل له بوجوه أخر.

(1) منها: قاعدة احترام مال المسلم.

و منها: قاعدة نفي الضرر.

و قد تقدم انه لا يمكن اثبات الضمان بهذه الوجوه.

و أما المورد الثاني: فقد استدل علي عدم الضمان.

(2) بالنبوي المرسل الخراج بالضمان «1».

بتقريب: انه يدل علي ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه- اي منافعه- له مجانا.

و تنقيح القول في النبوي المرسل بعد تسليم قوة سنده لعمل قدماء اصحابنا به- مع انه محل نظر- فانه و ان استدل شيخ الطائفة به في جملة من الموارد في محكي المبسوط،

______________________________

(1) راجع صحيح الترمذي، ج 5، ص 285- و سنن ابي داود،

ج 2، ص 255، و المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 291

______________________________

و العلامة قدس سره في باب الغصب من كتاب التذكرة، الا ان هذا المقدار لا يكفي في جبر ضعف السند. و بعد تسليم ان ما ذكره العلامة قدس سره من اختصاص النبوي بالبيع انما هو اجتهاد منه في تطبيقه علي البيع.

أنه فيه احتمالات:

احدها: ان المراد بالضمان المعني الاسم المصدري، و كونه بمعني التعهد المالي فيكون مفاد الخبر ان المنافع لمن هو ضامن للعين، و ان كان ضمانه قهرا عليه كما فهمه أبو حنيفة.

ثانيها: ان المراد به المعني المصدري، اي احداث الضمان امضاه الشارع ام لا،

فيكون مفاده ان المنافع لمن اقدم علي

الضمان، فيشمل العقود المعاوضية، صحيحة كانت ام فاسدة، و لا يشمل موارد عدم اقدام الشخص علي الضمان، و هو الذي فهمه ابن حمزة و جعله مدركا لعدم ضمان المنافع في المقبوض بالعقد الفاسد.

ثالثها: ان المراد بالضمان المعني المصدري مع امضاء الشارع له، فيختص الخبر بالعقود المعاوضية الصحيحة، و الظاهر انه الذي فهمه المشهور منه.

رابعها: ان المراد به كون تلف العين مملوكة للشخص، يعني ان المنافع تكون لمن كانت العين ملكه، بحيث لو تلفت تلفت من ملكه، و هو الذي فهمه شيخ الطائفة من الخبر.

فيكون مفاده تبعية ملكية المنافع لملكية العين، فيكون اجنبيا عن المقام.

خامسها: ان المراد بالضمان احد المعاني الثلاثة الأولي، و لكن مع كون المراد به ضمان نفس المنفعة لا العين، فيكون مفاده: ان المنافع تملك بلا ملك للعين، و يدل علي صحة الإجارة.

سادسها: ان المراد به ضمان الأرض، و المراد بالخراج الضريبة المعينة للأراضي الخراجية، فيكون مفاده: ان الخراج يثبت في عهدة ضامن الأرض و متقبلها.

سابعها: ان المراد به ضمان التكفل، فيكون مفاده: ان فائدة العين انما تكون بازاء دخول العين في كفالة مالكها، بحيث لو كان حيوانا لكان عليه نفقته و حفظه و اصلاحه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 292

و ربما ينتقض ما ذكرنا في معني الرواية بالعارية المضمونة (1) حيث انه اقدم علي ضمانها مع ان خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة، و انما تملك الانتفاع الذي عينه المالك، فتأمل.

______________________________

اما الاحتمال الأخير: فيدفعه: ان ملكية المنفعة انما تكون تابعة لملك العين لا لكونها في كفالته، مع انه يختص الخبر حينئذ بمثل الحيوان، و لا يشمل غيره.

و أما الاحتمال السادس: فهو خلاف اطلاقه، فان حذف المتعلق يفيد العموم.

و أما الاحتمال الرابع: فقد مر

ما فيه في بيان المراد من قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و أما الاحتمال الأول: فيدفعه صحيح ابي ولاد الآتي الدال علي ضمان المنافع زيادة علي ضمان العين.

و أما الاحتمال الثاني: فيدفعه انه مع عدم امضاء الشارع لا تحقق حقيقة لاحداث الضمان، مع انه يلزم منه حينئذ ضمان المالك للمنافع بعد العقد الفاسد قبل التسليم، مع انه يلزم منه انه لو ضمن بشي ء في ضمن عقد صحيح كونه مالكا لمنافعه.

فيدور الأمر بين الثالث و الخامس.

و الأظهر هو الأول، فان ظاهر القضية ان المنفعة انما تترتب علي الضمان ترتب العلة الغائية لشي ء عليه التي هي الداعية إليه، و معلوم ان الداعي للأقدام علي الضمان في العقود المعاوضية هي المنافع، و مع الاغماض عن ما ذكرناه لإجمال الخبر لا يستند إليه في الحكم بعدم ضمان المنافع المستوفاة.

(1) قوله و ربما ينتقض ما ذكرنا في معني الرواية بالعارية المضمونة.

يمكن دفعه بان المراد بالضمان علي المعني الذي اختاره المصنف قدس سره في معني الخبر وفاقا للمشهور و قويناه هو ثبوته في الذمة دون كون العين في العهدة و معلوم ان هذا المعني لا يكون في العارية المضمونة و يختص بالعقود المعاوضية الصحيحة.

مع انه في العارية المضمونة ايضا كك فانه لا فرق بين تملك المنفعة و الانتفاع فان معني كون الخراج له- انه ينتفع بمنافعه مجانا كان ذلك لملكية المنفعة أو الانتفاع و لعل الامر بالتأمل في الكتاب اشارة الي ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 293

و الحاصل ان دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن، فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه و عدم حله الا عن طيب النفس، و ربما يرد هذا القول بما ورد في

شراء الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد، و عوض اللبن بل عوض كل ما انتفع.

و فيه ان الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة ان مالك العين جعل خراجها له بازاء ضمانها بالثمن لاما كان فساده من جهة التصرف في مال الغير، و اضعف من ذلك رده بصحيحة ابي ولاد المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ردا علي ابي حنيفة القائل بأنه إذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب سقط كراها، كما يظهر من تلك الصحيحة. نعم لو كان القول المذكور موافقا لقول ابي حنيفة في اطلاق القول بأن الخراج بالضمان، انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردا عليه. هذا كله في المنفعة المستوفاة. و أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء (1) فالمشهور فيها ايضا الضمان.

______________________________

حكم المنافع غير المستوفاة

(1) قوله و أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها ايضا الضمان.

هذا هو المقام الثاني: و هو في المنافع الفائتة بغير استيفاء.

فالمشهور فيها ايضا الضمان.

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في دليل الضمان.

الثاني: فيما استدل به علي عدم الضمان.

اما المورد الأول: فيدل علي الضمان حديث علي اليد بناء علي ما تقدم في بيان مدرك قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده من شمول الحديث للمنافع.

و تشهد له ايضا قاعدة الإتلاف، فان حبس العين و منع مالكها عن الانتفاع بها اتلاف لمنافعها عرفا.

و عن المحقق الخراساني قدس سره: الاستدلال له بان من آثار ضمان العين ضمان منافعها، فالدليل علي ضمان العين دليل لضمان منافعها.

و فيه: ان اريد بذلك انه يصدق الاستيلاء و اليد علي المنافع بالاستيلاء و اليد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 294

و لعله لكون المنافع اموالا في يد من بيده العين (1) فهي مقبوضة في يده و لذا يجري علي المنفعة

حكم المقبوض إذا قبض العين، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر و يتحقق قبض الثمن في السلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا،

و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا مضافا الي انه مقتضي احترام مال المسلم، إذ كونه في يد غير مالكه مدة طويلة من غير اجرة مناف للاحترام لكن يشكل الحكم بعد تسليم كون المنافع اموالا حقيقة: بأن مجرد ذلك لا يكفي في تحقق الضمان،

الا ان يندرج في عموم علي اليد ما اخذت فلا اشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع، و حصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ، و دعوي انه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الاعيان مشكلة. و أما احترام مال المسلم فإنما يقتضي عدم حل التصرف فيه و اتلافه بلا عوض، و انما يتحقق ذلك في الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا كما عن الايضاح أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للأصل السليم، مضافا: الي انه قد يدعي شمول قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

______________________________

علي العين فهو يرجع الي التمسك بحديث اليد.

و ان اريد به ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره من ان اداء العين المجعول غاية للضمان لا يكون الا بادائها بمنافعها و فروعها، فيرد عليه: انه ان لم يصدق اليد علي المنافع باليد علي العين لما كان يجدي شمول الحديث للعين في ضمانها، فان الغاية اداء نفس ما يكون تحت اليد لا شي ء آخر، و إن اريد به غير ذلك فعليه البيان.

(1) قوله و لعله لكون المنافع اموالا في يد من بيده العين.

هذه هي الصغري لقياس تكون النتيجة الضمان، فلا بد و ان تنضم إليها ما يدل علي الضمان من قاعدة اليد،

او الاتلاف، أو الاحترام، و شي ء منها لا يصلح للحكم بالضمان كما مر.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لعدم الضمان بوجوه:

الأول: ان مقتضي قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. ذلك، فان المنافع لا تضمن في العقد الصحيح فكذلك في فاسده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 295

و من المعلوم ان صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة، لأنها له مجانا و لا يتقسط الثمن عليها، و ضمانها مع الاستيفاء لأجل الاتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة لأنها بالنسبة الي التلف لا الإتلاف مضافا، الي الاخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان. (1)

______________________________

و فيه: اولا: ما تقدم من ان القاعدة انما تختص بصورة التلف و لا تشمل صورة الإتلاف، و قد عرفت صدق الإتلاف علي تلف المنافع.

و ثانيا: ان مقتضي قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ضمان المنافع في الإجارة الفاسدة، و بضميمة عدم الفصل بين البيع و الإجارة يثبت الضمان في المقام.

و ثالثا: ما تقدم من ان المنافع خارجة عن مورد العقد و مصبه، و القاعدة اصلا و عكسا مختصة بما هو مصب العقد.

الثاني: ان البائع في صورة علمه بالفساد مقدم علي استيلاء المشتري علي المنافع مجانا.

و فيه: ان البائع لا نظر له الي المنافع، و انما يسلط المشتري علي العين، إذ ليس متعلق العقد المنفعة، و انما هو العين، مع ان هذا لا يختص بغير المستوفاة كما لا يخفي.

(1) الثالث: قوله عليه السلام في الامة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشتري: يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته. «1» بتقريب: انه يدل علي ضمان المنفعة المستوفاة، و ساكت عن ضمان غيرها في

مقام البيان.

و فيه: ان الخبر وارد في مقام بيان منفعة واحدة، و انه يكون الولد حرا، و عليه قيمته، و لذا لم يتعرض لبيان المنافع المستوفاة الآخر من الطبخ و التنظيف و غيرهما.

و الغريب ان المصنف قدس سره في اول هذا المبحث عند ذكر الدليل علي الضمان في

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 296

و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه، فقال عليه السلام:

الحكم ان يأخذ الوليدة و ابنها (1) و سكت عن المنافع الفائتة. فإن عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريق اولي.

و الانصاف ان للتوقف في المسألة كما في المسالك تبعا للدروس و التنقيح مجالا،

و ربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الاشكال و التوقف بصورة علم البائع علي ما استظهره السيد العميد و المحقق الثاني من عبارة الكتاب، و عن الفخر حمل الأشكال في العبارة علي مطلق صورة عدم الاستيفاء

______________________________

المقبوض بالعقد الفاسد ذكر الرواية، و جعل هذه المنفعة من المنافع غير المستوفاة، و في المقام جعلها من المستوفاة، و قد تقدم ما هو الحق عندنا.

(1) الرابع: صحيح محمد بن قيس الوارد فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه، قال عليه السلام:

خذ وليدتك و ابنها «1».

بتقريب: انه ساكت عن المنافع الفائتة، و هو و ان ورد فيما إذا كانت العين لغير البائع، الا انه يدل علي حكم المقام بالأولوية.

و يرد عليه ما اوردناه علي سابقه.

الخامس: صحيح ابي ولاد الآتي الدال علي ضمان منفعة البغل المستوفاة دون غيرها «2». و إذا ثبت عدم الضمان في المغصوب

ثبت في المقام بالأولوية.

و فيه: انه لا يتصور منفعة للبغل تجتمع مع المنفعة المستوفاة، فانه و ان كان يتصور له منفعة اخري، الا انها تضاد مع ما استوفاه. و بعبارة اخري كان للبغل منافع مختلفة علي سبيل البدل، و حيث انه استوفي واحدة منها و لم تكن هناك فائدة اخري يمكن استيفائها فائتة، كان عليه ضمان تلك المنفعة خاصة. مع انه عليه السلام في هذا الصحيح في مقام الرد علي ابي حنيفة و بيان ان عليه كري البغل و ليس في مقام بيان احكام اخر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب كتاب الاجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 297

فيتحصل من ذلك كله: ان الاقوال في ضمان المنافع الغير المستوفاة خمسة:

الاول الضمان و كانه للاكثر الثاني عدم الضمان كما عن الايضاح الثالث: الضمان الا مع علم البائع كما عن بعض من كتب علي الشرائع الرابع: التوقف في هذه الصورة (1)، كما استظهره جامع المقاصد، و السيد العميد من عبارة القواعد الخامس: التوقف مطلقا كما عن الدروس و التنقيح و المسالك، و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين، و قد عرفت ان التوقف اقرب الي الانصاف، الا ان المحكي من التذكرة ما لفظه: ان منافع الأموال من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه، سواء اتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها، عند علمائنا اجمع، و لا يبعد ان يراد باليد العادية مقابل اليد الحقه، فيشمل يد المشتري فيما

نحن فيه خصوصا مع علمه سيما مع جهل البائع به، و اظهر منه ما في السرائر في آخر باب الاجارة من الاتفاق ايضا علي ضمان منافع المغصوب الفائتة، مع قوله في باب البيع ان البيع الفاسد عند اصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب الا في ارتفاع الاثم عن امساكه،

انتهي. و علي هذا فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة (2) و ان المتراءي من ظاهر صحيحة ابي ولاد اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به الي غير محل الرخصة، الا انا لم نجد بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها.

______________________________

(1) قوله الرابع التوقف في هذه الصورة لا يخفي ما في عد التوقف في الحكم مطلقا- أو مع العلم بالفساد من الاقوال في المسألة- فالاقوال ثلاثة.

(2) قوله و علي هذا فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة لا يخفي انه قده حكم بالضمان اولا- ثمّ بعدمه- ثمّ توقف في حكم المسألة- ثمّ قوي الضمان و اورد عليه السيد في الحاشية بانه ان لم يتم ما ذكر وجها للضمان- لما صح القول به لاجل الاجماعين المنقولين بعد عدم حجية الاجماع المنقول و عدم معلومية الشمول للمقام فتحصل مما ذكرناه ان الاظهر هو الضمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 298

الرابع: إذا تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله
اشارة

بلا خلاف (1) الا ما يحكي عن ظاهر الاسكافي و قد اختلف كلمات اصحابنا في تعريف المثلي، فالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و المحقق و تلميذه و العلامة و غيرهم (قدس الله أرواحهم)، بل المشهور علي ما حكي

______________________________

المثلي و القيمي

(1) الرابع: إذا تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله بلا خلاف.

و الكلام في هذا الأمر يقع في مواضع:

الأول: في تعريف المثلي و القيمي.

الثاني: في انه لو شك في

مورد في انه يجب رد المثل أو القيمة، مقتضي الأصول العملية رد ايهما.

الثالث: فيما تقتضيه الأدلة الاجتهادية.

و قبل الشروع في البحث في هذه المواضع لا بد من التنبيه علي امر و هو: انه لم يقع لفظا المثلي و القيمي في شي ء من الروايات. نعم المشهور بين الأصحاب: انه لو تلف شي ء تحت يد غير المالك- الذي لا يكون مأذوناً فيه- يجب رد مثله ان كان من المثليات، ورد قيمته ان كان من القيميات. بل ادعي عليه الإجماع، و حيث ان المثلي و القيمي ليسا من المفاهيم الواضحة المصاديق، و اختلفت كلماتهم فيهما في جملة من الموارد.

فقد وقع الخلاف في انه هل يرجع الي العرف في تفسيرهما و لا يتبع تفسير العلماء و ان اتفقوا علي امر مخالف لما هو المتفاهم عند العرف ام لا بد من البناء علي المثلية في خصوص ما إذا اتفقت كلماتهم علي كون شي ء كذلك و لا يرجع في ذلك الي العرف،

ام لا اعتبار بالعرف، و لا باتفاق العلماء، بل يرجع في كل مورد الي ما يفهم من اطلاقات ادلة الضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 299

انه ما يتساوي اجزاؤه من حيث القيمة (1) و المراد باجزائه ما يصدق عليه اسم الحقيقة، و المراد بتساويها من حيث القيمة، تساويها بالنسبة بمعني كون قيمة كل بعض بالنسبة الي قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار. و لذا قيل في توضيحه أن المقدار منه إذا كان يساوي قيمة، فنصفه يستوي نصف تلك القيمة و من هنا رجح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميا، قال: إذ لو انفصلت نقصت قيمتها.

قلت: و هذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليا إذا لو انكسر

نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع، الا ان يقال: ان الدرهم مثلي بالنسبة الي نوعه و هو الصحيح، و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة و لا الدقاقة مثلا للارز.

______________________________

و منشأ هذا الخلاف: ان الإجماع علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة هل هو من قبيل الإجماع علي القاعدة و يكون الإجماع كاشفا عن صدور الحكم عن المعصوم عليه السلام متعلقا بهذين العنوانين ام هو من قبيل الإجماع علي الحكم في الموارد الخاصة يجمعها تفسير المجمعين لها بذينك العنوانين ام هو من قبيل الإجماع علي تفسير الاطلاقات الواردة في الضمان و ليس من قبيل الإجماع علي القاعدة و لا من قبيل الإجماع علي الحكم إذ علي الأول لا بد من الرجوع في تفسيرهما الي العرف كما هو الشأن في العناوين المأخوذة في متون النصوص و لا عبرة بتفسير الفقهاء و علي الثاني لا بد من الأخذ بما اتفق عليه المجمعون و لا عبرة بنظر العرف و فهمهم كما هو واضح.

و علي الثالث لا عبرة بشي ء منهما.

و حيث انه لم يثبت كون الإجماع في المقام من اي قسم من هذه الأقسام فلا دليل لكون العبرة بنظر العرف و لا بتفسير الفقهاء، و عليه فيتعين الرجوع الي الأدلة- و ستعرف مقتضاها- فلا اثر للنزاع في ان المثلي ما هو.

و كيف كان: فقد عرفت انه يقع الكلام في مواضع:

الأول: في تعريف المثلي و القيمي. فعن المشهور تفسير المثلي

(1) بانه ما يتساوي اجزاءه من حيث القيمة و المراد من الأجزاء الجزئيات و الأفراد، و المراد من التساوي التساوي من غير جهة الكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 300

و من هنا يظهر ان كل نوع من انواع الجنس الواحد

بل كل صنف من اصناف نوع واحد مثلي بالنسبة إلي أفراد ذلك النوع أو الصنف، فلا يرد ما قيل من أنه ان أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه علي شي ء من المعرف، إذ ما من مثلي الا و اجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة فان قفيزا من حنطة تساوي عشرة و من اخري تساوي عشرين، و ان اريد التساوي في الجملة فهو، في القيمي موجود كالثوب و الأرض (1) انتهي. و قد لوح هذا المورد في آخر كلامه الي دفع ايراده بما ذكرنا من ان كون الحنطة مثلية، معناه ان كل صنف منها متماثل الأجزاء و متساو في القيمة، لا بمعني ان جميع ابعاض هذا النوع متساوية في القيمة. فإذا كان المضمون بعضا من صنف لواجب دفع مساويه من هذا الصنف لا القيمة، و لا بعض من صنف آخر لكن الانصاف ان هذا خلاف ظاهر كلماتهم فإنهم يطلقون المثلي علي جنس الحنطة و الشعير و نحوهما مع عدم صدق التعريف عليه، و اطلاق المثلي علي الجنس باعتبار مثلية انواعه أو اصنافه و ان لم يكن بعيدا الا ان انطباق التعريف علي الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا، الا ان يهملوا خصوصيات الاصناف

______________________________

فمحصل المراد: ان المثلي ما له مماثل في الصورة و الصفات التي تختلف بها الرغبات و تتفاوت بها القيم.

و اظن ان ما عن التحرير من تفسيره بما تماثلت اجزاءه و تقاربت صفاته و ما عن الدروس و الروضة من: انه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات و ما عن بعضهم من: انه ما يجوز بيعه سلما، و ما عن آخر ما يجوز بيع بعضه ببعض. ايضا ترجع الي هذا المعني، و لا اختلاف بينهم بحسب المراد.

و

قد اورد علي هذا التعريف بايرادات:

(1) الاول: انه اريد بالتساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه علي شي ء من الموارد، إذ ما من مثلي الا و اجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة، فان قفيزا من حنطة تساوي عشرة و من اخري تساوي عشرين. و ان اريد التساوي في الجملة فهو في القيمي موجود كالثوب و الأرض.

و فيه: ان الميزان وجود المماثل له، كان الجامع بينهما هو الصنف أو النوع أو الجنس، ففي الحنطة يكون كل صنف منها مثليا و هذا هو مراد كل من جعلها مثلية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 301

الموجبة لزيادة القيمة و نقصانها، كما التزمه بعضهم غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيات عند اداء المثل عوضا عن التالف أو القرض و هذا ابعد، مضافا الي انه يشكل اطراد التعريف بناء علي هذا: بأنه ان اريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا، فقل ما يتفق ذلك من الصنف الواحد من النوع، لأن اشخاص ذلك الصنف لا يكاد يتساوي في القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة و نقصانها، كما لا يخفي، و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة و ان لم يتساو حقيقة، تحقق ذلك في اكثر القيميات (1) فإن لنوع الجارية اصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة، و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها.

و لذا اختار العلامة في باب القرض من التذكرة- علي ما حكي عنه- علي ان ما يصح فيه السلم من القيميات مضمون في القرض بمثله.

و قد عد الشيخ في المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات مع ان كل نوع منها مشتمل علي أصناف متقاربة في القيمة، بل متساوية عرفا، ثمّ لو فرض أن الصنف المتساوي من حيث القيمة

في الانواع القيمية عزيز الوجود بخلاف الانواع المثلية، لم يوجب ذلك اصلاح طرد التعريف. نعم يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثلي، بالمثل و القيمي، بالقيمة ثمّ انه قد عرف المثلي بتعاريف اخر اعم من التعريف المتقدم أو اخص

______________________________

(1) الثاني: انه ان اريد تساوي الاجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا، فقلما يتفق ذلك في الصنف الواحد من النوع. و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة تحقق ذلك في اكثر القيميات.

و فيه: ان المراد هو الأول، و عرفت ان المراد هو التساوي في الصفات الموجبة لاختلاف القيم، و عليه فدعوي اختلاف افراد الصنف الواحد في الصفات الموجب لاختلافها في المالية مجازفة، و اختلاف الرغبات بملاحظة بعض الخصوصيات غير الدخيلة في المالية بالنسبة الي الأفراد من صنف واحد و ان كان لا ينكر الا انه لا يضر بالمثلية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 302

فعن التحرير انه ما تماثلت اجزائه و تقاربت صفاته. و عن الدروس و الروضة أنه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات. و عن المسالك و الكفاية: أنه أقرب التعريفات إلي السلامة و عن غاية المراد: ما تساوي أجزاؤه في الحقيقة النوعية. و عن بعض العامة انه ما قدر بالكيل أو الوزن، و عن آخر منهم: زيادة جواز بيعه سلما. و عن ثالث منهم زيادة جواز بيع بعضه ببعض. الي غير ذلك مما حكاه في التذكرة عن العامة، ثمّ لا يخفي انه ليس للفظ المثلي حقيقة شرعية و لا متشرعية، و ليس المراد معناه اللغوي إذ المراد بالمثل لغة المماثل. فان اريد من جميع الجهات فغير منعكس و ان اريد من بعضها فغير مطرد، (1) و ليس

في النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتي يبحث عنه، نعم وقع هذا العنوان في معقد اجماعهم علي ان المثلي يضمن بالمثل و غيره بالقيمة.

و من المعلوم انه لا يجوز الاتكال في تعيين معقد الاجماع علي قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين، و حينئذ فينبغي ان يقال كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا اشكال في ضمانه بالمثل، للاجماع و يبقي ما كان مختلفا فيه بينهم،

كالذهب و الفضة الغير المسكوكين، فإن صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميات و ظاهر غيره كونهما مثليين، و كذا الحديد و النحاس و الرصاص فإن ظواهر عبائر المبسوط و الغنية و السرائر كونها قيمية و عبارة التحرير صريحة في كون اصولها مثلية و ان كان المصوغ منها قيميا. و قد صرح الشيخ في المبسوط

______________________________

الثالث: انه ربما يوجد لبعض ما هو من القيميات مماثل بهذا المعني، كما لو فرضنا حيوانين مثليين في جميع الخصوصيات، مع انه لا ريب في كون الحيوان قيميا. و إلي هذا نظر المصنف ره حيث قال

(1) فان اريد من جميع الجهات فغير منعكس و ان اريد من بعضها فغير مطرد.

و فيه: ان الميزان هو وجود المماثل نوعا و بحسب الغالب، و لا عبرة بوجود المثل في النادر، إذ اهل العرف يحكمون بضمان القيمة في هذه الموارد.

و أما القيدان الآخران اللذان ذكرهما المحقق النائيني ره:

احدهما: ان يكون التساوي في الصفات بحسب الخلقة الالهية كالحبوبات لا ما كان كذلك بحسب الصناعة البشرية، فالمسكوكات من القيميات لا المثليات.

ثانيهما: ان يتغير بالبقاء أو بتأثير من الهواء كالفواكه.

فلا يكونان معتبرين، إذ لا وجه لتوهم اعتبارهما سوي عد جمع من العلماء هذه الأشياء-

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 303

بكون الرطب و العنب قيميا و التمر

و الزبيب مثليا.

و قال في محكي المختلف ان في الفرق اشكالا بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب، و العنب مثليين، و قد حكي عن موضع من جامع المقاصد ان الثوب مثلي و المشهور خلافه و ايضا فقد مثلوا للمثلي بالحنطة و الشعير، و لم يعلم ان المراد نوعهما اوكل صنف و ما المعيار في الصنف، و كذا التمر.

و الحاصل ان موارد عدم تحقق الاجماع علي المثلية فيها كثيرة، فلا بد من ملاحظة ان الاصل الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو بالقيمة، أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل و القيمة، و لا يبعد ان يقال ان الاصل هو تخيير الضامن لأصالة براءة ذمته عما زاد علي ما يختاره (1) فإن فرض اجماع علي خلافه، فالاصل تخيير المالك

______________________________

أي ما تساوت جزئياته بحسب الصناعة البشرية، و ما يتغير بالبقاء و بتأثير الهواء من القيميات- مع انه يكون الاختلاف في ذلك بحسب الأزمان و الأمكنة و الكيفيات، و من الواضح انه لو كان شي ء مثليا في زماننا كالثوب و الكتاب و غيرهما- يعامل معه معاملة المثلي و ان كان في سالف الزمان من القيميات.

بيان ما هو المرجع عند الشك في المثلية و القيمية

الموضع الثاني: في بيان المرجع عند الشك في المثلية و القيمية و فيه وجوه و اقوال:

(1) ان الأصل الذي يرجع إليه هو تخيير الضامن بين المثل و القيمة.

(2) انه تخيير المالك بينهما.

(3) الضمان بالمثل.

(4) الضمان بالقيمة.

(5) القرعة.

(6) الرجوع الي الصلح القهري.

و قد استدل للأول

(1) باصالة براءة ذمة الضامن عما زاد علي ما يختاره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 304

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان الإجماع قائم علي عدم التخيير بين المثل و القيمة، فانه اما يتعين المثل أو القيمة.

و فيه: اولا:

انه في الشبهة الحكمية لم يثبت اجماع تعبدي علي عدم التخيير بينهما واقعا، بل هو ايضا محتمل.

و ثانيا: ان المجمع عليه انما هو عدم التخيير واقعا لا عدمه و لو في الظاهر.

الثاني: ما عن جماعة من المحققين منهم المحقق النائيني و المحقق الأصفهاني،

و هو: ان المقام من قبيل دوران الأمر بين المتباينين. فان المراد بالقيمة ليس هي المالية السارية في كل مال بالحمل الشائع- حتي يقال ان وجوب اداء المالية متيقن و الشك في وجوب رعاية امر زائد و هي خصوصية الطبيعة المماثلة للتالف فيجري عنها البراءة- بل المراد بها المالية المحضة التي لا مطابق لها الا المالية القائمة بالدرهم و الدينار و اشباههما، و لذا ليس للضامن ان يؤدي بدل القيمي التالف شيئا آخر، فتعين النقود في القيميات شاهد كون القيمة هي المالية المحضة لا المالية السارية، فالتفاوت بين المثل و القيمة كالتفاوت بين الماهية بشرط لا، و الماهية بشرط شي ء و هما متباينان، فلا بد من الاحتياط، و لا مورد للبراءة.

و فيه: ان القيمة التي ضمن بها في القيميات هي صرف المالية لا المالية بشرط لا، و حيث ان مطابقها هي النقود، و أما غيرها فيكون له مع قطع النظر عن المالية خصوصيات اخر، فللمالك طلب النقد خاصة و الامتناع عن قبول الخصوصية التي يبذلها الباذل. و لذا لو رضي المالك بشي ء آخر غير النقدين كان اداءه وفاء لما في ذمته و لا يحتاج الي معاملة جديدة. و عليه ففي مورد الشك في المثلية و القيمية يصح ان يقال: ان اشتغال الذمة بصرف المالية معلوم، و الشك انما هو في الاشتغال بالخصوصية الزائدة، و الأصل عدمه، و حيث ان الشك المزبور سبب للشك

في لزوم اعطاء صرف المالية المعراة عن الخصوصية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 305

لأصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضي به المالك (1) مضافا الي عموم علي اليد ما اخذت حتي تؤدي فإن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين خرج ما إذا رضي المالك بشي ء آخر (2) و الاقوي تخيير المالك من اول الأمر لأصالة الاشتغال (3) و التمسك باصالة البراءة لا يخلو من منع

______________________________

تحصيلا لرضا المالك و ثبوت حقه فيها علي وجه يكون له الامتناع عن الخصوصية لو اراد الضامن دفعها، فتجري البراءة عن ذلك ايضا. فتكون نتيجة الأصلين تخيير الضامن في دفع ايهما شاء.

الثالث: ان الدوران بينهما ان لم يكن من قبيل دوران الأمر بين المتباينين فهو من قبيل دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل في الدوران بينهما هو التخيير لا التعيين.

الرابع: ان الحكم الظاهري يعتبر فيه عدم العلم بالمخالفة للواقع، و الا فلا يكون مجعولا. و في المقام إذا علمنا بان الواقع اما المثل معينا أو القيمة كذلك، فيعلم بان التخيير غير مطابق للواقع، فلا وجه للبناء عليه.

و فيه: ان التخيير الذي بنينا عليه ليس بنفسه مفاد اصل من الأصول، بل هو نتيجة جريان البراءتين اللتين لا علم بمخالفة كل واحدة منهما للواقع، و العلم بمخالفتهما معا للواقع لا يضر بجريانهما معا.

فتحصل: ان الأظهر هو تخيير الضامن.

و قد استدل المصنف لتخيير المالك بوجوه

(1) الاول اصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضي به المالك

(2) الثاني ان مقتضي عموم علي اليد عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين خرج ما إذا رضي المالك بشي ء آخر و سيأتي الكلام علي ذلك في الموضع الثالث

(3) اصالة الاشتغال توضيح هذا الوجه، انه إذا لم

تجر اصالة البراءة بالقياس الي الضامن لما تقدم و تعين عليه دفعهما و اختار المالك احدهما لا ريب في كونه مسقطا للذمة، لأن ما يختاره اما هو البدل الواقعي، أو يكون بدل البدل من جهة رضاء المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 306

نعم يمكن ان يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال، و الإجماع علي عدم تخيير المالك التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين اعني، تعين المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة، و لا للضامن الامتناع، و بين تعين القيمة، كذلك فلا متيقن في البين و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوي فتأمل

______________________________

بغير الجنس في مقام الوفاء. و علي أي تقدير يكون مسقطا، فما يختاره المالك يكون مسقطا قطعا و غيره مشكوك فيه و الأصل عدم السقوط إلا بما يختاره المالك.

و فيه: ان محل الكلام انما هو فيما إذا لم يرض المالك الا بما هو حقه، و لم يرض الضامن الا بدفع ما يجب عليه دفعه واقعا. و أما صورة تراضيهما علي امر فهي خارجة عن محل الكلام، فانه في هذه الصورة لا كلام في جواز رد القيمة و ان تعين دفع المثل، و كذلك العكس، و من المعلوم ان اختيار المالك ليس معينا لما يجب دفعه و لا هو بنفسه موضوع للحكم كما لا يخفي.

و استدل للثالث- و هو تعين المثل- بوجهين:

الأول: ان المثل و القيمة من قبيل الأقل و الأكثر، و الدوران بينهما من قبيل دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل في هذا المورد هو التعيين.

و فيه: ما حققناه في محله من ان الأصل فيه هو التخيير.

الثاني: ان مقتضي عموم علي

اليد هو تعين دفع المثل مطلقا، خرج عنه بالإجماع القيميات، و من الواضح ان الإجماع انما يكون حجة فيما ثبت قيميته فالمرجع في صورة الشك هو عموم العام.

و فيه: انه لو سلم كون مقتضي عموم علي اليد هو تعين المثل مطلقا، ان الخارج عنه بالإجماع ليس هي الموارد الخاصة بل عنوان القيمي، فلو شك في شي ء انه قيمي أو مثلي يكون من الشك في المصداق، و ليس المرجع فيه عموم العام لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 307

______________________________

و استدل للقول الرابع: بان مقتضي النبوي هو لزوم دفع القيمة مطلقا، خرج منه المثلي، فمع الشك فيه يرجع الي عموم العام.

و فيه: - مضافا الي ما ستعرف من عدم دلالة النبوي في نفسه علي ذلك- انه عند الشك في كون شي ء مثليا بالشبهة الموضوعية لا يرجع الي عموم العام كما تقدم آنفا.

و استدل للقول الخامس: بعموم ادلة القرعة «1».

و فيه: اولا: انه انما يرجع إليها في صورة عدم تعين الوظيفة بالأمارة أو الأصل، و قد عرفت ان مقتضي الأصل هو تخيير الضامن.

و ثانيا: انه تختص ادلتها بالشبهة الموضوعية و لا تشمل الشبهة الحكمية.

و استدل للقول السادس: بانه من جهة ان الأمر دائر بين المتباينين، و كما يجب علي الضامن دفعهما معا قضاء للعلم الإجمالي، لا يجوز علي المالك اخذهما للعلم الإجمالي بحرمة اخذ احدهما، فلا مناص الا عن الصلح.

و فيه: ما عرفت من ان الأصل يقتضي تخيير الضامن.

ما تقتضيه الأدلة الاجتهادية عند الشك في المثلية و القيمية

الموضع الثالث: فيما تقتضيه الأدلة الاجتهادية في هذا المقام،

و الأدلة التي ركنوا إليها في المقام ثلاثة:

الأول: النبوي المتقدم: علي اليد ما اخذت حتي تؤدي و قد استظهر المصنف ره منه تخيير المالك بتقريب انه

يدل من جهة جعل الغاية اداء العين خاصة علي بقاء عهدة العين، و انه لا رافع لها سوي ادائها، و قد قام الإجماع علي سقوطها بدفع ما رضي به المالك و بقي الباقي.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوي كتاب القضاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 308

______________________________

و هذا هو الذي مر في الموضع الثاني من نقل عبارته و وعدنا البحث فيها في هذا الموضع و فيه ان الوجوه المحتملة في الحديث اربعة:

احدها: أن يكون الحديث مختصا بما قبل التلف من جهة ظهور كلمة حتي في كون مدخولها رافعا لما قبلها و غاية له، و ظهور ذلك في كونه ممكن الحصول، إذ عليه تكون الغاية قرينة علي اختصاص الحكم الثابت في المغيا بحال وجود العين.

ثانيها: ان يكون الحديث دالا علي كون العين في العهدة ما دام وجودها و بتلفها تنقلب العهدة الي ذمة المثل أو القيمة كما عليه المشهور من جهة ان مفاد الحديث كون المأخوذ تلفه علي الاخذ ثالثها: ان يكون المراد به بقاء العين في العهدة و لو بعد التلف و يكون دفع المثل أو القيمة مسقطا لها و قد اختاره جمع من المحققين لكونه من مراتب رد العين.

رابعها: ان يكون مفاده بقاء العين في العهدة حتي بعد التلف، و دفع المثل أو القيمة انما يكون من باب الجمع بين الحقين، يعني حق المالك لمطالبة العين، و حق الضامن كي لا يكلف بغير المقدور.

و ما ذكره ره لا يتم علي شي ء من هذه الوجوه اما علي الأول: فواضح.

و أما علي الثاني: فلأن سقوط العهدة بالتلف معلوم، و الشك انما هو فيما ثبت في الذمة، فلا وجه للتمسك بالعموم في هذا المقام.

و

أما علي الثالث: فلأن التخصيص الذي قام الإجماع عليه ليس بعنوان ما يختاره المالك، بل هو انما يكون بالمثل أو القيمة.

فعلي القول بانهما من قبيل المتباينين لا سبيل الي التمسك بالعموم، و علي القول بانهما من قبيل الأقل و الأكثر، و ان كان يتمسك بالعموم في الشبهة المفهومية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 309

هذا و لكن يمكن ان يقال ان القاعدة المستفادة من اطلاقات الضمان في المغصوبات، و الامانات المفرط فيها، و غير ذلك هو الضمان بالمثل لأنه اقرب الي التالف من حيث المالية و الصفات (1) ثمّ بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما،

لأنهما اقرب من حيث المالية لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه اليهما، و لأجل الاتكال علي هذا الظهور لا تكاد تظفر علي مورد واحد من هذه الموارد علي كثرتها. قد نص الشارع فيه علي ذكر المضمون، به بل كلها إلا ما شذ و ندر قد أطلق فيها الضمان، فلو لا الا الاعتماد علي ما هو المتعارف

______________________________

و لكن لازمه تعين المثل، مع انه لا يرجع إليه في الشبهة الموضوعية و أما علي الرابع: فلا شك في بقاء العهدة حتي يتمسك بالعموم، بل وجوب دفع البدل انما يكون ثابتا بدليل آخر.

و يدفع الاحتمال الأول لزوم ركاكة هذا الكلام، إذ كون اداء العين رافعا و مسقطا لعهدتها واضح لا يحتاج الي بيان مع ان ما ذكر من ظهور الجملة في كون الغاية ممكن الحصول انما يتم بالقياس الي ما لا يمكن حصوله لاما إذا امكن في زمان دون زمان كما لا يخفي.

و يدفع الاحتمال الأخير الضرورة و الإجماع فيدور الأمر بين الثاني و الثالث.

و الأظهر هو الثالث، إذ كون العين بنفسها في العهدة

امر معقول ثبوتا حتي بعد تلفها،

و عدمها في عالم العين لا ينافي وجودها في عالم الاعتبار، و حيث ان الظاهر من الحديث كون المأخوذ بنفسه في العهدة فلا وجه لصرف ذلك عن ظاهره.

(1) الثاني: ان مقتضي اطلاقات ادلة الضمان الواردة في المغصوبات و الامانات المفرط فيها ذلك هو الضمان بالمثل، إذ هي علي كثرتها لا تكون متعرضة لبيان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 310

لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان، و قد استدل في المبسوط و المختلف علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة بقوله تعالي (1) (فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ)

______________________________

المضمون به الا ما شذ و ندر، فيعلم من ذلك اتكاله علي ما هو المتعارف عند الناس. و من المعلوم ان المتعين عندهم تعين رد ما هو الأقرب الي العين بعد عدم امكان رد، العين نفسها، و الأقرب هو المثل لكونه تداركا للمالية، و الخصوصيات الفائتة التي تختلف بها الرغبات، فيتعين ذلك.

و في صورة عدم التمكن من رده ايضا يراعي ما هو الأقرب الي التالف بعد المثل، و هو القيمة من النقدين أو شبههما، لأن غيرهما مشتمل علي خصوصيات غير متمولة مغايرة لخصوصيات التالف، و معلوم ان غير المشتمل علي الخصوصيات المغايرة اقرب من المشتمل عليها.

و بعبارة اخري: ان غير النقدين انما يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه اليهما.

و فيه: اولا: انه لو تم لاختص لزوم اداء المثل بما إذا كان موجودا نوعا، إذ المعلوم من حال العقلاء رعاية للحكمة عدم التضمين بالأقرب مطلقا، فلا عبرة بوجوده احيانا.

و ثانيا: ان الأقربية ليست مناط الحكم، بل العبرة علي التقريب المتقدم بما هو المتعارف عند الناس، و من المعلوم من حالهم انه لا

نظر لهم في هذا المقام الا الي المالية،

و لذا تراهم لا يطالبون المثل لو سقط عن المالية، و لا يلتفتون إليه و لا يلزمون بدفعه إذا زادت قيمته.

و بالجملة: المعيار عندهم هو القيمة، و عليه فهذا الوجه يعين القيمة.

(1) الثالث: قوله تعالي: (فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) «1» قيل: انه يدل علي تعين المثل في المثلي و القمية في غيره، بتقريب ان مماثل ما اعتدي

______________________________

(1) البقرة الآية 194.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 311

بتقريب أن مماثل ما اعتدي هو المثل في المثلي، و القيمة في غيره، و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا (1) لا يقدح بعد عدم القول بالفصل، و ربما يناقش في الآية بأن مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء، لا المعتدي به. (2)

و فيه نظر نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه، بالقول المشهور لأن

______________________________

هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

و اورد عليه بوجوه

(1) الاول: انه مختص بالمتلف عدوانا.

(2) ان مدلوله اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء لا المعتدي به.

الثالث: ان النسبة بين مقتضاه و مذهب المشهور عموم من وجه، فقد يضمن بالمثل بمقتضي الآية الشريفة و لا يضمن به عند المشهور، كما لو اتلف عليه عبدا و له في ذمة المالك بسبب القرض عبد موصوف بصفات التالف، فان مقتضي الآية الشريفة التهاتر القهري، و المشهور غير ملتزمين بذلك.

و قد ينعكس الأمر كما لو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا فان مقتضي الآية عدم جواز الزام المالك بالمثل لاقتضائها اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية، و المشهور ملتزمون بتعين المثل، و قد يجتمعان في المضمون به.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلعدم القول بالفصل.

و أما الثاني: فلأن

الظاهر من الآية المماثلة في المعتدي به، لأن حملها علي ارادة المماثلة في الاعتداء يستلزم كون الباء زائدة، و كون المثل صفة لمفعول مطلق محذوف- و هو الاعتداء و هذا خلاف الظاهر.

و أما الثالث: فلعدم كونه اشكالا علي الاستدلال بالآية الشريفة، مع انه ستعرف ما فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 312

مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة و المالية، (1) و هذا يقتضي اعتبار المثل حتي في القيميات، سواء وجد المثل فيها ام لا. اما مع وجود المثل فيها، كما لو اتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات. فإن مقتضي العرف و الآية الزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك، و لو با ضعاف قيمته و دفعه الي مالك الذراع المتلف، مع أن القائل بقيمية الثوب لا يقول به، و كذا لو اتلف عليه عبدا و له في ذمة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف، فانهم لا يحكمون بالتهاتر القهري، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في بيع عبد من عبدين. نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس و المسالك

______________________________

و لكن الانصاف ان مقتضي اطلاق الآية الشريفة- لا سيما بعد ملاحظة موردها و هو مقاتلة المشركين في الشهر الحرام، و ما عن التهذيب عن الإمام الصادق عليه السلام في الرجل قتل رجلا في الحرم أو سرق في الحرام قال عليه السلام: يقام عليه الحد و صاغرا لانه لم ير للحرم حرمة و قد قال لله تعالي: (فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) فقال: هذا هو في الحرم، و قال: (فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَي الظّٰالِمِينَ) فقال: هذا هو في الحرم، و قال: (فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَي الظّٰالِمِينَ) «1»

هو ارادة الأعم من المماثلة في الاعتداء و المعتدي به و كيفياته، الا انها لا تدل علي الضمان و اشتغال الذمة، بل تدل علي جواز الاعتداء بالمثل، فلو تصرف في حنطته جاز له التصرف في حنطته ايضا، و لا تدل علي ازيد من ذلك.

ثمّ يقع الكلام في انه علي فرض دلالة الآية علي الضمان هل تدل علي ان ضمان المثلي انما يكون بالمثل و القيمي بالقيمة كما عن شيخ الطائفة

(1) أو تدل علي وجوب المماثلة في الحقيقة و المالية في جميع الموارد كما اختاره المصنف ره ام تدل علي غير ذلك.

محتملاتها اربعة:

الأول: ان يراد بالمماثلة المماثلة المطلقة- اي المماثلة في الحقيقة و المالية- من جهة ان المماثلة المطلقة هي المماثلة بلا عناية، و لازم ذلك ما افاده الشيخ ره من انه لو نقص قيمة المثل عن التالف لا يجتزي به في مقام الأداء.

الثاني: ان يراد بها المماثلة في الحقيقة خاصة، من جهة انها المماثلة العرفية

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من ابواب مقدمات الطواف من كتاب الحج حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 313

الي جواز رد العين المقترضة إذا كانت قيمية، لكن لعله من جهة صدق اداء القرض باداء العين (1) لا من جهة ضمان القيمي بالمثل، و لذا اتفقوا علي عدم وجوب قبول غيرها و ان كان مماثلا لها من جميع الجهات.

و أما مع عدم وجود المثل للقيمي التالف، فمقتضي الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، كما لو تعذر المثل في المثلي فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي و لا يقولون به، و ايضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضي ذلك عدم وجوب إلزام المالك بالمثل، لاقتضائهما اعتبار المماثلة في

الحقيقة و المالية مع أن المشهور كما يظهر من بعض إلزامه به.

______________________________

و لازمه ما افاده المشهور من تعين المثل و ان نقص قيمته عن التالف.

الثالث: ان يراد بها المماثلة في المالية، من جهة ان الأغراض العقلائية في باب الأموال متعلقة بحيثية المالية، و لازمه تعين القيمة مطلقا.

الرابع: ان يراد بها مطلق المماثلة- اي المماثلة من اي وجه كان- و لازمه التخيير في اداء ايهما شاء. و الأظهر منها هو الثاني كما لا يخفي وجهه.

فظهر مما ذكرناه امور:

الأول: ان ما نسب الي شيخ الطائفة من دلالة الآية علي ان المثلي يضمن بالمثل و القيمي بالقيمة لا يمكن تصحيحه و تطبيق الآية عليه.

الثاني: ان ما اختاره المصنف ره خلاف الظاهر.

الثالث: ان ما اختاره المشهور هو الذي تدل عليه الآية علي فرض دلالتها

(1) قوله لكن لعله من جهة صدق باداء القرض باداء العين.

و فيه انه إذا كان المفروض عدم حل عقد القرض و كون المتعين في القيميات القيمة لزم عدم كفاية رد العين لعدم كونها من مصاديق ما ثبت في الذمة فمن يفتي بجواز رد العين لا مناص من بنائه علي كون ردها حلا لعقد القرض أو ان القيمة في القيميات لا تكون متعينة بل ادائها من باب الارفاق- و عليه فكما يجوز رد العين يجوز رد المثل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 314

و أن قوي خلافه بعض بل ربما احتمل جواز دفع المثل. و لو سقط من القيمة بالكلية و أن كان الحق خلافه فتبين أن النسبة بين مذهب المشهور و مقتضي العرف و الآية عموم من وجه فقد يضمن بالمثل بمقتضي الدليلين و لا يضمن به عند المشهور، كما في أكثر الأمثلة، ثمّ أن الإجماع علي ضمان

القيمي بالقيمة علي تقدير تحققه، لا يجدي بالنسبة إلي ما لم يجمعوا علي كونه قيميا، ففي موارد الشك يجب الرجوع إلي المثل بمقتضي الدليل السابق و عموم الآية (1) بناء علي ما هو الحق المحقق من أن العام المخصص بالمجمل مفهوما المتردد بين الأقل و الأكثر،

لا يخرج عن الحجية بالنسبة إلي موارد الشك فحاصل الكلام إن ما اجمع علي كونه مثليا يضمن بالمثل مع مراعاة الصفات التي يختلف بها الرغبات و إن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه عن قيمة التالف بناء علي تحقق الإجماع علي إهمال هذا التفاوت مضافا إلي الخبر الوارد في أن اللازم علي من عليه دراهم الثابت في ذمة من اقترض دراهم و أسقطها السلطان و روّج غيرها هي الدراهم الأولي (2) و ما أجمع علي كونه قيمتا يضمن بالقيمة، بناء علي ما سيجي ء من الاتفاق علي ذلك و إن وجد مثله

______________________________

(1) قوله و عموم الآية ما ذكره قده لا يتم في الشبهة المصداقية لعدم جواز التمسك بالعام فيها مطلقا.

(2) قوله مضافا الي الخبر الوارد في ان اللازم علي من عليه دراهم الثابت في ذمة … هي الدراهم الاولي النص هو صحيح معاوية عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت و لا يباع بها شي ء الصاحب الدراهم الدراهم الاولي أو الجائزة التي تجوز بين الناس فقال عليه السلام لصاحب الدراهم الدراهم الاولي «1» و مكاتبة يونس الي ابي الحسن الرضا عليه السلام انه كان لي علي رجل دراهم و ان السلطان اسقط تلك الدراهم و جاءت دراهم اعلي من الدراهم الاولي و لها اليوم وضيعة فأيّ شي ء له عليه الاولي التي اسقطها السلطان

______________________________

(1) الوسائل

باب 20 من ابواب الصرف حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 315

أو كان مثله في ذمة المالك و ما شك في كونه قيميا أو مثليا يلحق بالمثلي مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع و التالف، و مع الاختلاف الحق بالقيمي (1)

فتأمل. (2)

______________________________

أو الدراهم التي اجازها السلطان فكتب عليه السلام لك الدراهم الاولي «1» و ظاهر هما في بادئ النظر و ان كان سقوط مالية الدراهم رأسا الا انهما قابلان للحمل علي نقص القيمة و بازائهما مكاتبة اخري ليونس قال كتبت الي ابي الحسن الرضا عليه السلام ان لي علي رجل ثلاثة آلاف درهم و كانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الايام و ليست تنفق اليوم فلي عليه تلك الدراهم باعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس قال فكتب عليه السلام الي لك ان تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما اعطيته ما ينفق بين الناس و الترجيح للاولين

(1) قوله و مع الاختلاف الحق بالقيمي ربما يورد عليه كما عن جمع من المحشين منهم السيد الطباطبائي قده من انه،

بناء علي الرجوع الي، عموم ما دل علي وجوب المثل مطلقا في مورد الشك في المثليّة و القيمية، كما هو مختاره قده علي ما صرح به قبل اسطر لا فرق بين ما علم مثلية و ما شك فيها، فكما انه في المورد الاول يجب اداء المثل و ان فرض نقصان قيمته في زمان الدفع عن قيمة التالف كذلك في المورد الثاني لا بد من البناء عليه، فلا وجه للبناء علي الالحاق بالقيمي و لكن الظاهر هو الفرق بينهما: فانه فيما علم مثليته انما حكم بذلك للاجماع المختص بذلك المورد، و الا فقد صرح قبل ذلك بان مقتضي الآية

و اطلاقات الضمان عدم الزام المالك بالمثل لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية، و علي هذا ففي مورد الشك حيث لا إجماع علي ذلك فلا يكون هو المتعين.

(2) قوله فتأمل الظاهر انه اشارة الي ان مقتضي الادلة المتقدمة علي مسلكه من دلالتها علي اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية- هو دفع المثل مع تفاوت القيمة لا الرجوع الي القيمة مطلقا.

______________________________

(1) نفس المصدر ح: 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 316

الخامس: ذكر في القواعد انه لو لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء تردد
اشارة

- انتهي- (1)

اقول كثرة الثمن ان كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بأن صار قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر انه لا إشكال في وجوب الشراء و لا خلاف (2) كما صرح به في الخلاف حيث قال: إذا غصب ماله مثل كالحبوب (كاللحوم) و الادهان فعليه مثل ما تلف في يده يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف. و في المبسوط يشتريه بأي ثمن كان اجماعا، انتهي.

______________________________

إذا لم يوجد المثل الا بأكثر من ثمن المثل

(1) قوله الخامس: ذكر في القواعد: انه لو لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل

ففي وجوب الشراء تردد.

قبل الشروع في البحث لا بد من تقديم مقدمات:

الاولي: انه إذا كانت العين موجودة بنفسها يجب ردها و ان زادت قيمتها من جهة الزيادة العينية، أو لترقي القيمة السوقية. و ان نقصت قيمتها فان كان ذلك من جهة تلف وصف من اوصافها أو جزء منها يجب رد تفاوت القيمة لعموم علي اليد، و ان كان ذلك من جهة تنزل القيمة السوقية يكتفي بردها لعدم اشتغال ذمته الا بها، بل لو سقطت عن المالية بالكلية لا يجب عليه رد شي ء آخر.

الثانية: ما تقدم من ان الحق شغل الذمة بنفس العين الي حين الأداء، بمعني كون

العين في العهدة و ان الانتقال الي المثل أو القيمة انما هو حين الأداء.

(2) الثالثة: ان محل الكلام في المقام ليس هو ما إذا ازدادت القيمة السوقية للمثل بان صار قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فانه لا إشكال في هذا المورد في وجوب الشراء فانه ان اريد اداء القيمة لا بد من اداء قيمة يوم الأداء. فعلي اي تقدير يتعين صرف هذا المقدار من المال فلا وجه لتوهم عدم وجوب الشراء للضرر و غيره، بل محل البحث ما إذا لم يوجد المثل الا عند من لا يبيعه الا بثمن غال و هي الصورة الثانية للمسألة ذكرها المصنف قدس سره بعد التعرض لمسألة اخري و هي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 317

و وجهه عموم النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي و يؤيده فحوي حكمهم بأن تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال الي القيمة، بل،

ربما احتمل بعضهم ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية (1) كالماء علي الشاطي، و الثلج في الشتاء.

______________________________

إذا سقط المثل عن المالية

(1) قوله: بل ربما احتمل بعضهم ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية.

قد تقدم انه لا إشكال في انه إذا سقطت العين المأخوذة عن المالية من دون ان ينقص منها شي ء و لا من صفاتها و منافعها لا يجب عليه شي ء سوي ردها.

انما الكلام فيما إذا تلفت و كانت مثلية و سقط المثل عن المالية و الأظهر هو عدم الانتقال الي القيمة و كفاية رد المثل، و ذلك فان مقتضي الأدلة وجوب المثل، و أما المالية المنتزعة من ميل الناس و رغبتهم أو اعتبار من بيده الاعتبار كالتومان المتداول في هذا الزمان فهي لا تكون

مضمونة.

و ان شئت قلت: ان العين بما لها من الخصوصيات تكون في العهدة الي حين الأداء، و هي في الفرض حين الأداء لا قيمة لها، فلا وجه للانتقال الي القيمة، و اداء قيمة يوم الأخذ أو يوم التلف و الفائت انما هو رغبات الناس أو اعتبار المعتبر لا شي ء من المأخوذ و يشهد لما اخترناه- مضافا الي انه مقتضي القاعدة:

صحيح معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت و لا يباع بها شي ء الصاحب الدراهم الدراهم الأولي، أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ فقال عليه السلام: لصاحب الدراهم الدراهم الأولي. «1» و قد استدل لضمان المالية في هذه الصورة بوجوه:

الأول: ان الزمان و المكان من خصوصيات العين الدخيلة في ماليتها، فان الماء

______________________________

(1) الوسائل باب 20 من ابواب الصرف حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 318

______________________________

في مفازة الحجاز غير الماء علي الشاطئ، و الثلج في الشتاء غير الثلج في الصيف، فإذا اخذ الماء في المفازة و الثلج في الصيف تكون خصوصية الزمان و المكان في عهدة الضامن و لا يكون ردهما في الشاطئ و الشتاء أداء للمأخوذ، فلا مناص عن رد القيمة أداء للخصوصيتين.

و فيه: - مضافا الي ان لازم ذلك لزوم تدارك المالية إذا سقطت العين عن المالية،

و تدارك النقصان إذا نقص المثل عن التالف من حيث القيمة، مع انهم غير ملتزمين بذلك- ان الزمان و المكان ليسا دخيلين في المالية، بل اصل القيمة و ترقيها ينشئان من كثرة الراغب و قلة الوجود، كما ان عدمها و تنزلها ينشئان من كثرة الوجود و قلة الطالب بلا دخل للزمان و المكان في ذلك، فان الثلج في الصيف إذا كثر

لو قل طالبه تنقص ماليته أو يسقط عنها، و هو في الشتاء إذا قل و كثر راغبه يصير غاليا. فالمعيار ما ذكرناه.

و بالجملة: سقوط المالية تارة يكون من جهة نقص في ذلك الشي ء كما إذا صار الثلج ماء، و اخري يكون من جهة عدم احتياج الناس لأجل كثرة وجوده أو غير ذلك مع بقائه علي ما هو عليه من الخصوصيات،

ففي الأول يحكم بالضمان لعموم ادلته، و لا يحكم به في الثاني.

الثاني: حديث لا ضرر «1» بتقريب: ان المأخوذ حين اخذه كان له مالية، فإذا رد مثله مع عدم المالية له من دون تداركها يكون ذلك ضررا علي المالك، و الحديث ينفيه.

و فيه: انه لو كان مفاد الحديث ما اختاره بعض معاصري الشيخ الأعظم ره- و هو نفي الضرر غير المتدارك- تم ما ذكر، فان لازمه ثبوت التدارك في موارد الضرر بالأمر به في الشريعة المقدسة، و ان كان ثبوت ضمان الاخذ علي هذا الوجه ايضا لا يخلو من اشكال، فان غاية ما يقتضيه هذا المسلك لزوم التدارك، اما كون المتدارك هو الاخذ فلا يدل عليه، فليكن التدارك من بيت المال. و لكن قد حققنا في محله ضعف المبني و ان

______________________________

(1) الوسائل باب 12 من ابواب كتاب احياء الموات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 319

و أما ان كان لأجل تعذر المثل و عدم وجدانه الا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس مع وصف الاعواز بحيث يعد بذل ما يريد مالكه بازائه ضررا عرفا، و الظاهر ان هذا هو المراد بعبارة القواعد لأن الثمن في الصورة الاولي ليس بأزيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل،

______________________________

الحديث انما ينفي الأحكام الضررية و لا يثبت به حكم، فلا

يثبت به الضمان في المقام.

الثالث: ما افاده المحقق الأصفهاني ره، و هو: ان دليل وجوب رد المثل انما يكون دليلا علي التضمين و التغريم، فلا بد من رعاية حيثية المالية، إذ المال التالف لا يتدارك الا بالمال. ثمّ قال: و منه تبين الفرق بين سقوط العين عن المالية و سقوط المثل عن المالية،

فان رد الملك بلحاظ ملكيتها لا بلحاظ ماليتها، لكن التضمين و التغريم بلحاظ ماليتها،

فيجب حفظ المالية في الثاني دون الأول.

و لكن يرد عليه قده امران الأول: انه لا فرق بين العين و المثل، و وجوب رد كليهما انما ثبت بعموم علي اليد،

و هو بالنسبة اليهما علي حد سواء، فلو قلنا بلزوم غرامة المالية في المثل لا مناص عن القول به في العين.

الثاني: ان ادلة الضمان انما تدل علي وجوب رد العين مع وجودها، و المثل بعد تلفها ان كان مثليا، و قد تقدم ان المماثلة المعتبرة هي المماثلة من حيث الحقيقة، و حيث ان المالية ليست صفة في العين أو المثل، فلا وجه لضمانها.

و ان شئت قلت: ان العين بعد تلفها انما تكون في العهدة الي حين الأداء، و هي علي الفرض لا مالية لها حينه، فلا وجه لأدائها.

فتحصل: ان الأظهر بحسب القواعد ما اختاره صاحب الجواهر ره و احتمله في القواعد من انه إذا سقط المثل عن المالية لا ينتقل الفرض الي القيمة بل يكفي رد المثل

(الصورة الثانية)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 320

و انما زاد علي ثمن التالف يوم التلف. و حينئذ فيمكن التردد في الصورة الثانية كما قيل من ان الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة في الكفارة و الهدي و انه يمكن معاندة البائع و طلب اضعاف القيمة و

هو ضرر، و لكن الاقوي مع ذلك وجوب الشراء (1) وفاقا للتحرير، كما عن الايضاح و الدروس و جامع المقاصد بل اطلاق السرائر و نفي الخلاف المتقدم عن الخلاف لعين ما ذكر في الصورة الاولي. (2)

______________________________

و كيف كان فالاقوال في ما هو محل البحث و هو ما إذا لم يوجد المثل الا عند من لا يبيعه الا بثمن غال ثلاثة

(1) الاول ما عن جماعة منهم المصنف ره و هو وجوب الشراء الثاني: عدم وجوب الشراء و ان حكمه حكم تعذر المثل- و سيأتي- اختاره جمع آخرون.

الثالث: ما افاده السيد ره و غيره و هو التفصيل بين ما لو علم الاخذ بعدم الاستحقاق، و ما لو لم يعلم بذلك، فيجب الشراء في الأول دون الثاني.

(2) و استدل للاول: باطلاق النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي.

و فيه: ان اطلاق النص ترفع اليد عنه بحديث لا ضرر «1» الحاكم علي جميع ادلة الأحكام الواقعية.

و اورد علي التمسك بحديث لا ضرر في المقام بايرادات:

الأول: ان هذا الحكم بنفسه ضرري في جميع الموارد، فلا محالة يكون دليله مخصصا للحديث.

و فيه: انه لا يتم بالنسبة الي المقدار الزائد كما لا يخفي.

الثاني: ان جريان دليل الضرر في الزام الضامن بالشراء يعارض مع منع المالك من مطالبة المثل بحقه.

و فيه: ان كون حقه المثل في هذا الفرض اول الكلام.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كتاب احياء الموات و غيره من الابواب المتقدمة إليها الاشارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 321

______________________________

الثالث: انه لا ضرر في متعلق التكليف و هو دفع المثل، و انما الضرر في مقدماته و هو شراء المثل بازيد من ثمن المثل. فلا وجه للتمسك بحديث نفي الضرر لعدم وجوبه.

و فيه: اولا:

ان المقصود دفع وجوب الشراء بحديث لا ضرر.

و ثانيا: ان حديث لا ضرر لا يختص بما إذا كان متعلق الحكم ضرريا، بل يدل علي نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر. و في المقام الضرر انما ينشأ من وجوب دفع المثل.

الرابع: انه اقدم الضامن بنفسه عليه بقبضه مال الغير بلا استحقاق.

و فيه: اولا: انه لو تم فانما هو في صورة العلم بعدم الاستحقاق، و أما في صورة الجهل فلا يتم.

و ثانيا: ان اخذ العين انما يكون اقداما علي ضمان المثل و ان كان لم يوجد الا باكثر من ثمن المثل إذا كان حكمه في الشريعة هو ذلك، فلا يصح تعليل الحكم بذلك لاستلزامه الدور. و بعبارة اخري: الأقدام علي الضرر انما يكون متوقفا علي ثبوت هذا الحكم، و لو توقف ذلك عليه لزم الدور.

و ثالثا: ان الأقدام علي الضرر ليس من موانع جريان حديث لا ضرر الا في الموارد التي يكون رفع الحكم خلاف الامتنان أو غير موافق له.

و الغريب ان السيد قده في العروة بنائه علي ذلك، و لذا افتي ببطلان وضوء من تحمل الضرر و توضأ، و مع ذلك في المقام استند الي قاعدة الأقدام.

و رابعا: ان الإقدام المانع عن جريان الحديث و التمسك به هو الأقدام علي الضرر- كما لو توضأ بالماء مع كون الوضوء ضرريا، أو اشتري شيئا مع علمه بعدم مساواته مع الثمن قيمة. و أما لو فعل فعلا، الذي لو حكم الشارع بحكم يكون ذلك الحكم ضرريا، كما لو اكل في الليل شيئا يكون اكله، سببا لكون الصوم ضرريا عليه، أو اجنب نفسه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 322

ثمّ انه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان

التلف أو غيره (1)

و لا بين كون قيمته في مكان المطالبة ازيد من قيمة في مكان التلف ام لا، وفاقا لظاهر المحكي عن التحرير و التذكرة و الايضاح و الدروس و جامع المقاصد، و في السرائر انه الذي يقتضيه عدل الاسلام و الأدلة و اصول المذهب و هو كذلك لعموم الناس مسلطون علي أموالهم، هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة، و أما مع تعذره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.

______________________________

مع كون الغسل ضرريا عليه- فلا يكون ذلك الأقدام سببا لعدم شمول الحديث. فتدبر فانه دقيق.

و المقام من قبيل الثاني، فان اخذ العين هو المقدم عليه و هو ليس ضرريا، و الضرر انما ينشأ من حكم الشارع بوجوب رد المثل فيشمله لا ضرر.

فتحصل: ان مقتضي حديث لا ضرر عدم وجوب الشراء و يشهد له: - مضافا الي ذلك- ما تقدم من ان وجوب رد المثل انما هو فيما لو كان المثل كثيرا مبذولا، و الا فهو قيمي، و لا فرق في ذلك بين كون عزة الوجود بدوية أو طارئة، فكون الشي ء مثليا في زمان لا يوجب كونه كذلك الي الأبد. فالأظهر عدم وجوب الشراء.

و مما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث و جوابه.

(1) قوله لا فرق في جواز مطالبة المالك بين كونه في مكان التلف أو غيره.

لا ينبغي التوقف في جواز مطالبة المالك لماله من العين أو المثل في اي مكان كان لعموم الناس مسلطون علي اموالهم «1» و كذا لا إشكال في وجوب رد العين إذا كانت موجودة، و المثل إذا كانت قيمته في مكان المطالبة مساوية لقيمته في مكان التلف،

انما الكلام فيما إذا كانت قيمته في مكان المطالبة ازيد من قيمته في مكان التلف،

و فيه

وجوه و اقوال:

الأول: وجوب رده علي الضامن.

الثاني: عدم وجوبه.

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 323

السادس: لو تعذر المثل في المثلي (1) فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك،
اشارة

لأن منع المالك ظلم و الزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر (2)

فوجب القيمة جمعا بين الحقين

______________________________

الثالث: التفصيل بين البلدان التي نقل الضامن العين إليها و بين غيرها، فان طالبه في احد تلك البلدان وجب الرد، و ان طالبه في غيرها لا يجب.

و استدل السيد قده للأخير: بانصراف ادلة الضمان نظير ما يقال في القرض من الانصراف الي بلد وقوعه فان المستفاد منها وجوب الرد و الدفع في مكان ذلك المال، و لا يفهم جواز الالزام في كل مكان اراد المالك.

و فيه: انه في باب القرض يتم ما ذكر لكون الانصراف هناك عقديا، و هذا بخلاف باب الضمان.

و الأظهر هو الأول، لأن العين لا تخرج عن العهدة بعد تلفها كما تقدم، فمال المالك في عهدة الضامن، و مقتضي عموم علي اليد ما اخذت و غيره من الأدلة لزوم الخروج عن عهدته في اي مكان كانت المطالبة.

لو تعذر المثل في المثلي

(1) قوله السادس: لو تعذر المثل في المثلي.

و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامات:

الأول: في انه إذا تعذر المثل في المثلي هل يكون مضمونا بالقيمة ام لا؟ و الكلام في هذا المقام يقع في موردين:

الأول: في ما إذا طالب المالك.

الثاني: في فرض عدم مطالبته.

اما المورد: فقد استدل علي الانتقال الي القيمة بوجوه:

(2) احدها: ما ذكره المصنف ره بقوله: لان منع المالك ظلم، و الزام الضامن بالمثل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 324

______________________________

منفي بالتعذر فوجب القيمة جمعا بين الحقين.

و فيه: ان الامتناع عن اداء القيمة انما يكون ظلما إذا كان حقه هو القيمة في فرض تعذر المثل، و

الا فلو كان حقه هو المثل فهو بنفسه متعذر لا انه ممنوع عن حقه، فثبوت الاستحقاق به دوري.

الثاني: ما افاده السيد في الحاشية و المحقق النائيني ره، و هو: أنه للعين جهات ثلاثا: الخصوصية الشخصية، و الخصوصية النوعية، و الحيثية المالية. فبمقتضي الأدلة وجب رد جميعها علي الاخذ فكما انه إذا امتنع رد الخصوصية الشخصية لم يسقط وجوب رد الجهتين الأخيرتين.

كذلك إذا امتنع رد الخصوصية النوعية لم يكن وجه لسقوط الجهة الثالثة، فيجب رد القيمة من هذه الجهة.

و فيه: ان المالية الواجب ردها في المثلي انما هي المالية الخاصة الموجودة في المثل، فوجوب رد مالية اخري مجردة عن الخصوصية النوعية مع كون التالف مثليا يحتاج الي دليل آخر.

الثالث: ما استند إليه السيد قدس سره ايضا، و هو حديث لا ضرر «1» فانه يدل علي نفي كل حكم وجودي أو عدمي ينشأ منه الضرر في الشريعة و من تلك الأحكام هذا الحكم.

و فيه: ان لزوم الصبر علي المالك و جواز تأخير الضامن بالقياس الي المثل و ان كانا ضررين الا انهما عقليان و من باب تعذر ادائه و أما عدم لزوم اداء القيمة فهو لا يكون ضررا عليه، فان الامتناع عما لا يستحقه لا يكون ضررا عليه، و اثبات حقه به دور واضح.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كتاب احياء الموات و غيره من الابواب المتقدمة إليها الاشارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 325

مضافا الي قوله تعالي: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) فإن الضامن إذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه ازيد مما اعتدي (1) و أما مع عدم مطالبة المالك (2) فلا دليل علي الزامه بقبول القيمة لأن المتيقن ان دفع القيمة علاج

لمطالبة المالك، و جمع بين حق المالك بتسليطه علي المطالبة. و حق الضامن بعدم تكليفه بالمعذور أو المعسور. و ما مع عدم المطالبة فلا دليل علي سقوط حقه عن المثل، و ما ذكرنا يظهر من المحكي عن التذكرة و الايضاح

______________________________

(1) الرابع: ما افاده المصنف ره ايضا، و هو قوله تعالي: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) «1» بتقريب: ان الضامن إذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه ازيد مما اعتدي.

و فيه: ان الآية علي فرض دلالتها علي الضمان، انما تدل علي لزوم الاعتداء بالمثل، و لا تدل علي ان الاعتداء المأمور به هو ما لا يزيد علي ما اعتدي عليه، و الا لزم جواز المطالبة بالقيمة حتي مع عدم تعذر المثل.

و الصحيح ان يستدل له بما تقدم من ان الشي ء إذا لم يكن مثله كثيرا مبذولا فهو قيمي، من غير فرق بين التعذر في جميع الأعصار أو في عصر واحد و من باب الاتفاق.

فالمثلي المتعذر مثله قيمي، فللمالك مطالبة القيمة لأنها حقه.

و الغريب ان المحقق النائيني ره مع تصريحه بهذا في الأمر السابق لم يلتزم به في المقام بل صرح بخلافه. فراجع.

(2) المورد الثاني: في انه إذا لم يطالب المالك فهل للضامن الزام المالك بقبول القيمة ام لا؟ فيه وجهان بل قولان:

اظهرهما الأول: فانه بناء علي ما عرفت في وجه لزوم اداء القيمة لو طالب المالك يكون حق المالك ثابتا في القيمة قبل المطالبة، فللضامن الزامه بقبول حقه.

______________________________

(1) البقرة: 194.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 326

حيث ذكرا في رد بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذر المثل ما لفظه ان المثل لا يسقط بالاعواز أ لا تري ان المغصوب منه لو صبر الي زمان وجدان

المثل ملك المطالبة به، و انما المصير الي القيمة وقت تغريمها، انتهي. لكن اطلق كثير منهم: الحكم بالقيمة عند تعذر المثل، و لعلهم يريدون صورة المطالبة و الا فلا دليل علي الاطلاق و يؤيد ما ذكرنا ان المحكي عن الأكثر في باب القرض ان المعتبر في المثلي المعتذر و قيمته يوم المطالبة. نعم عبر بعضهم بيوم الدفع، فليتأمل. و كيف كان فلنرجع الي حكم المسألة فنقول أن المشهور أن العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع (1) لأن المثلي ثابت في الذمة الي ذلك الزمان و لا دليل علي سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر ادائه. و قد صرح بما ذكرنا المحقق

______________________________

نعم بناء علي ما افاده المصنف ره في وجه ذلك اولا ليس للضامن الزامه بذلك، فان الانتقال الي القيمة انما يكون من جهة الجمع بين الحقين، فإذا لم يطالب المالك لما كان وجه للانتقال.

و بهذا التقريب يظهر انه لا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره من انه إذا جاز للمالك مع تعذر المثل مطالبة القيمة كشف ذلك عن ان حقه هو القيمة، فجاز الزامه باخذ القيمة و تفريغ ذمة الضامن عن حقه.

العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمة اي يوم

المقام الثاني: في ان العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمة اي يوم ففي المتن

(1) المشهور ان العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمة يوم الدفع.

و الوجوه المحتملة التي بعضها اقوال خمسة عشر،

الا ان ما يمكن ان يذكر له وجه عشرة كما ستعرف و منشأ الاختلاف الخلاف في امرين:

احدهما: ان المدار في القيمي علي قيمة يوم الدفع، أو قيمية يوم الغصب، أو قيمة يوم التلف، أو اعلي القيم من يوم الأخذ الي يوم الدفع، أو الأعلي من يوم الأخذ الي

يوم التلف. و سيأتي في الأمر السابع تنقيح القول في ذلك.

ثانيهما: انه بناء علي الانتقال الي القيمة هل العين تصير قيمة أو القدر المشترك بينهما يكون قيميا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 327

الثاني، و قد عرفت من التذكرة و الايضاح ما يدل عليه، و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو للحلي في البيع الفاسد. و للتحرير في باب القرض، و محكي عن المسالك لأنه وقت الانتقال الي القيمة و يضعفه انه ان اريد بالانتقال انقلاب ما في الذمة الي القيمة في ذلك الوقت: فلا دليل عليه و ان اريد عدم وجوب اسقاط ما في الذمة الا بالقيمة فوجوب الاسقاط بها و ان حدث يوم التعذر مع المطالبة، الا انه لو اخر الاسقاط، بقي المثل في الذمة الي تحقق الاسقاط و اسقاطه في كل زمان باداء قيمته في ذلك الزمان، و ليس في الزمان الثاني مكلفا بما صدق عليه الاسقاط في الزمان الأول. هذا و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة الي ما تقدم سابقا من الآية و من ان المتبادر من اطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع الي اقرب الاموال الي التالف بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا بمجرد تعذر المثل (1) إذ لا فرق في تعذر المثل بين تحققه ابتداء كما في القيميات و بين طروه بعد التمكن، كما في نحن فيه و دعوي اختصاص الآية و اطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداء لا يخلو عن تحكم ثمّ ان في المسألة احتمالات اخر ذكر اكثرها في القواعد.

______________________________

و حق القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الأول: في بيان المختار.

الثاني: في بيان الوجوه التي ذكرت أو يمكن ان تذكر لسائر الأقوال.

اما الأول:

فحيث عرفت ان العين تكون في العهدة الي زمان الأداء و عرفت في ضابط القيمي و المثلي ان العين المتعذر مثلها تصير قيمية،

و ستعرف ان العبرة في القيميات بقيمة يوم الأداء،

فلا محالة تعرف ان المدار في المثل المتعذر مثله علي قيمة يوم الدفع.

(1) و أما الثاني: فان قيل: ان المأخوذ بنفسه يصير، قيميا تأتي فيه احتمالات خمسة، و هي: قيمة يوم الاخذ. قيمة يوم التلف. قيمة يوم الأداء اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم التلف. اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الدفع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 328

و قوي بعضها في الايضاح و بعضها بعض الشافعية. و حاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها انه اما نقول باستقرار المثل في الذمة الي اوان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الذي اخترناه تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، و ذكره في القواعد خامس الاحتمالات. و أما ان نقول بصيرورته قيميا عند الاعواز، فإذا صار كذلك. فإما ان نقول: ان المثل المستقر في الذمة قيمي (1)

فيكون القيمية صفة للمثل. بمعني انه لو تلف وجب قيميته. و أما ان نقول: ان المغصوب انقلب قيميا بعد ان كان مثليا.

فإن قلنا بالأول فإن جعلنا الاعتبار في القيمي بيوم التلف كما هو أحد الاقوال كان المتعين قيمة يوم الاعواز، كما صرح به في السرائر في البيع الفاسد. و التحرير في باب القرض لأنه يوم تلف القيمي.

و ان جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما هو القول الآخر في القيمي كان المتجه اعتبار زمان تلف العين لأنه اول ازمنة وجوب المثل في الذمة، المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه

______________________________

(1) و ان قيل ان المثل يصير قيميا، جاء فيه احتمالات خمسة و هي:

قيمة يوم تلف العين فانه يوم غصب المثل و كونه في الذمة الي يوم اعواز المثل، قيمة يوم. الاداء،

قيمة يوم الاعواز باعتبار كونه يوم تلف المثل، اعلي القيم من يوم تلف العين الذي هو يوم غصب المثل الي يوم اعواز المثل الذي هو يوم تلفه، اعلي القيم من يوم تلف العين الي يوم الأداء.

و ان قيل: ان الجامع بينهما يصير قيميا، جاء فيه ايضا احتمالات خمسة، و هي:

قيمة يوم الأداء و قيمة يوم الغصب و هو يوم غصب العين، إذ غصب القدر المشترك يكون بغصب العين. و قيمة يوم التلف، و هو يوم اعواز المثل، فان تلف القدر المشترك يكون بتعذر المثل و عدم التمكن من ادائه و اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الدفع. و اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم التلف.

و حيث ان احتمالين من احتمالات كون المثل قيميا- و هما الأولان- ينطبقان مع احتمالين من القول بكون المأخوذ قيميا- و هما الثاني و الثالث- كما لا يخفي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 329

و هذا مبني علي القول بالاعتبار في القيمي بوقت الغصب كما عن الأكثر.

و ان جعلنا الاعتبار فيه بأعلي القيم من زمان الضمان الي زمان التلف، كما حكي عن جماعة من القدماء في الغصب، كان المتجه الاعتبار باعلي القيم من يوم تلف العين الي زمان الاعواز، و ذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات.

و ان قلنا: ان التالف انقلب قيميا، احتمل الاعتبار بيوم الغصب، كما في القيمي المغصوب، و الاعتبار بالاعلي منه الي يوم التلف. و ذكر هذا اول الاحتمالات في القواعد.

و ان قلنا: ان المشترك بين العين و المثل صار قيميا، جاء احتمال الاعتبار بالاعلي من يوم الضمان الي

يوم تعذر المثل، لاستمرار الضمان في ما قبله من الزمان. اما للعين، و أما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلي من حين الغصب الي التلف. و هذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلي من يوم الغصب الي دفع المثل، و وجهه في محكي التذكرة و الايضاح بأن المثل،

لاستمرار الضمان في ما قبله من الزمان. اما للعين، و أما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلي من حين الغصب الي التلف. و هذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلي من يوم الغصب الي دفع المثل، و وجهه في محكي التذكرة و الايضاح بأن المثل لا يسقط بالاعواز، قالا: أ لا تري انه لو صبر المالك الي وجدان المثل استحقه، فالمصير الي القيمة عند تغريمها (1) و القيمة الواجبة علي الغاصب اعلي القيم.

و حاصله ان وجوب دفع قيمة المثل يعتبر من زمن وجوبه الي وجوب مبدله اعني العين فيجب اعلي القيم منها، فافهم.

______________________________

و احتمالات اربعة من القول بكون الجامع يصير قيميا، و هي غير الأخير تنطبق مع احتمالات القولين الأولين، و انما لا ينطبق خصوص الأخير من جهة انه علي هذا المسلك يكون هو الأعلي من يوم غصب العين الي يوم الأعواز.

فالمتحصل من هذه المسالك: ان الاحتمالات التي لها وجه تسعة. و هناك احتمال آخر،

(1) و هو: كون المدار علي قيمة يوم المطالبة بناء علي ان انقلاب المثل إليها انما هو حينهما. هذه هي المحتملات التي لها وجه، و أما غير تلكم من الاحتمالات فاما لا أساس له، او لا تتفاوت به القيمة مع المحتملات المذكورة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 330

إذا عرفت هذا، فاعلم ان المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثلي هو انه

مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة، غاية الامر يجب اسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو اسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة الا يوم الاسقاط و تفريغ الذمة. و أما بناء علي ما ذكرنا من ان المتبادر من ادلة الضمان التغريم بالاقرب الي التالف فالأقرب، كان المثل مقدما مع تيسره و مع تعذره ابتداء كما في القيمي، أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه كان المتعين هو القيمة. فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، و هو حال الاعواز فحال الاعواز معتبر من حيث انه اول ازمنة صيرورة التالف قيميا لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين. فعلي القول باعتبار يوم التلف في القيمي، توجه ما اختاره الحلي رحمه الله و لو قلنا بضمان القيمي باعلي القيم من حين الغصب الي حين التلف، كما عليه جماعة من القدماء توجه ضمانه فيما نحن فيه باعلي القيم من حين الغصب الي زمان الاعواز، إذ كما ان ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائه المتدارك لارتفاع القيم كذلك بشرط تعذر المثل في المثلي، إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية، و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا كان اداء مثلها عند تلفها كرد عينها في الغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين و المثل.

فإن قلنا ان تعذر المثل يسقط المثل كما ان تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب الي زمان الاعواز، و هو اصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية علي ما قيل.

و ان قلنا: ان تعذر المثل لا يسقط المثل و ليس كتلف العين، كان ارتفاع القيم فيما بعد تعذر المثل ايضا

مضمونا فيتوجه ضمان القيمة من حين الغصب الي حين دفع القيمة، و هو المحكي عن الايضاح، و هو اوجه الاحتمالات علي القول بضمان ارتفاع القيمة مراعي بعدم رد العين أو المثل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 331

ثمّ اعلم ان العلامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات: أنه لو تلف المثلي و المثل موجود، ثمّ اعوز (1) و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ تعذر المثل، بعد تيسره في بعض ازمنة التلف لاما تعذر فيه المثل ابتداء.

و عن جامع المقاصد انه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف، و لعله لعدم تنجز التكليف

______________________________

فتحصل ان المحتملات التي لها وجه عشرة:

الأول: قيمة يوم قبض العين.

الثاني: قيمة يوم تلفها.

الثالث: قيمة يوم اعواز المثل.

الرابع: قيمة يوم الدفع.

الخامس: اعلي القيم من يوم قبض العين الي يوم الدفع.

السادس: اعلي القيم من يوم تلف العين الي يوم الأداء.

السابع: اعلي القيم من يوم قبض العين الي يوم تلفها.

الثامن: اعلي القيم من يوم قبض المثل- اي تلف العين- الي يوم الأعواز.

التاسع: اعلي القيم من يوم قبض العين الي يوم الأعواز.

العاشر: قيمة يوم المطالبة.

و بذلك يظهر عدم تمامية ما افاده المحقق النائيني ره، و هو: ان المحتملات ثمانية،

مع ان المحتمل الثالث في كلامه قده متحد مع الخامس. فراجع و تدبر.

لا فرق بين التعذر البدوي و الطاري

(1) المقام الثالث: ظاهر كلام العلامة ره اختصاص هذه الاحتمالات بصورة طروء التعذر، لاما تعذر فيه المثل ابتداء.

و عن جامع المقاصد: انه حينئذ يتعين كون التالف قيميا. و ذكر في وجه التفصيل امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 332

بالمثل عليه في وقت من الاوقات (1) و يمكن ان يخدش فيه بأن التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمة ابتداء (2) كما لا يشترط في استقراره استدامتا علي ما اعترف

به مع طرو التعذر بعد التلف. و لذا لم يذكر احد هذا التفضيل في باب القرض.

و بالجملة فاشتغال الذمة بالمثل ان قيد بالتمكن، لزم الحكم بارتفاعه بطرو التعذر و الا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من اول الأمر، الا ان يقال ان ادلة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكن و ان لم يكن مشروطا به عقلا، فلا تعم صورة العجز، (3) نعم إذا طرأ العجز فلا دليل علي سقوط المثل و انقلابه قيميا.

و قد يقال علي المحقق المذكور: ان اللازم مما ذكره انه لو ظفر المالك بالمثل قبل اخذ القيمة لم يكن له المطالبة و لا أظن احدا يلتزمه و فيه تأمل

______________________________

(1) الاول: انه في صورة التعذر ابتداء لا يكون التكليف لأداء المثل منجزا في وقت من الأوقات، و هذا بخلاف صورة التعذر الطارئ.

(2) و اورد عليه المصنف ره: بان التمكن من الاداء ليس شرطا في الحكم الوضعي، اي اشتغال الذمة بالمثل، كما لا يشترط في استقراره استدامة.

و لكن: يرد علي المصنف ره: ان مبني التوجيه المزبور علي ان الضمان ليس بنفسه امرا اعتباريا استقلاليا، بل هو منتزع من التكليف الفعلي باداء البدل، و اساس الايراد انما هو كونه امرا اعتباريا مستقلا في الجعل، فهما لا يردان علي مبني فارد.

فالحق ان يورد عليه: بانه بناء علي كونه امرا اعتباريا، ان صح اعتباره في فرض التعذر الطارئ صح في الابتدائي ايضا، فانه إذا لم يكن مانع من اشتغال الذمة بالشي ء مع عدم التمكن من ادائه صح ذلك في التعذر البدوي، و الا لما صح بقاء ايضا.

(3) الثاني: ما ذكره المصنف ره، و هو: ان الادلة في مقام الاثبات قاصرة عن الشمول لصورة التعذر البدوي، و أما

إذا طرأ العجز فلا دليل علي سقوط المثل أو انقلابه قيميا.

و فيه: انه إذا كانت الأدلة في مقام الأثبات قاصرة عن شمول صورة التعذر الابتدائي، لزم ان لا تكون الذمة مشغولة بالقيمة في القيمي مع تعذر ادائها ابتداء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 333

ثمّ ان المحكي عن التذكرة ان المراد باعواز المثل ان لا يوجد في البلد و ما حوله. (1)

و زاد في المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في انقطاع المسلم فيه.

و عن جامع المقاصد الرجوع فيه الي العرف و يمكن ان يقال: ان مقتضي عموم وجوب اداء مال الناس و تسليطهم علي اموالهم اعيانا كانت ام في الذمة،

وجوب تحصيل المثل، كما كان يجب رد العين اينما كانت و لو كانت في تحصيله مئونة كثيرة، و لذا كان يجب تحصيل المثل بأي ثمن كان، و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.

______________________________

الثالث: ما ذكره بعض اكابر المحققين، و هو: ان الفرق بين العجز البدوي و الطارئ عدم صدق ضابط المثلية في الأول، و صدقه في الثاني.

توضيحه: ان ضابط كون الشي ء مثليا كون الشي ء ذا مماثل موجود لا كونه ذا مماثل نوعا، و عليه فمع العجز البدوي لا يكون التالف مثليا بخلاف صورة طروء العجز.

و فيه: انه إذا كان ضابط المثلية كون الشي ء ذا مماثل موجود، فعند طروء التعذر لا يكون بقاء كذلك، فلا مناص عن القول بالانقلاب.

فتحصل: انه لا فرق بين الصورتين.

ثمّ ان هذا كله علي مسلك المشهور من اشتغال الذمة بالمثل أو القيمة و أما علي المختار من كون العين في العهدة، فعدم الفرق اوضح.

المراد من اعواز المثل

المقام الرابع: في بيان المراد من الأعواز.

(1) فعن العلامة: ان المراد به عدم وجوده في البلد

و ما حوله، و عن المسالك زيادة قوله: مما ينقل إليه عادة، و عن المحقق الثاني: الرجوع فيه الي العرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 334

نعم لو انعقد الاجماع علي ثبوت القيمة عند الاعواز، تعين (1) ما عن جامع المقاصد كما ان المجمعين إذا كانوا بين معبر بالاعواز و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع الي الأخص و هو المتعذر لأنه المجمع عليه، نعم ورد في بعض اخبار السلم انه إذا لم يقدر المسلم إليه (عليه) علي ايفاء المسلم فيه تخير المشتري. (2)

و من المعلوم ان المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلي المتوقف علي استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة، و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه (2)

______________________________

(1) و المصنف ره ذهب الي الاخير بناء علي الاجماع علي ثبوت القيمة عند الأعواز، و أما إذا كان المجمعون بين معبر بالإعواز و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع الي الأخص و هو المتعذر.

(2) ثمّ مال قده الي ما عن العلامة من جهة النص الوارد في السلم انه إذا لم يقدر المسلم إليه علي ايفاء المسلم فيه تخير المشتري. بتقريب: انه من المعلوم ان المراد بعدم القدرة بحسب المتفاهم العرفي ذلك.

(3) ثمّ قال: و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.

و لكن الأعواز و التعذر لم يردا في رواية، و لا هما معقد اجماع تعبدي حتي ينازع في صدقهما، بل الفقهاء بعد استخراجهم الحكم من القواعد عبروا بهما، و عليه فيتعين ملاحظة القواعد.

و محصل الكلام: ان هنا مسألتين- بعد مفروغية انه إذا كان المثل موجود أ ليس للمالك مطالبة القيمة و الزام الضامن بادائها و له الالزام باداء المثل.

الأولي: انه متي ليس للمالك

الزام الضامن بالمثل.

الثانية: انه متي للمالك الزامه باداء القيمة.

اما الأولي: فليس للمالك الزامه بادائه إذا لم يتمكن عقلا أو شرعا، بان كان الأداء ضرريا عليه أو حرجيا. و بعبارة اخري: متي انتفي احد الشروط للتكليف، من غير فرق في ذلك بين وجود المثل في البلد أو غيره، كما ان له الزامه به إذا كانت شروط التكليف موجودة، و لو كان المثل في بلد بعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 335

ثمّ ان في معرفة قيمة المثل (1) مع فرض عدمه اشكالا من حيث ان العبرة بفرض وجوده و لو في غاية العزة كالفاكهة في أول زمانها أو آخره أو وجود المتوسط،

الظاهر هو الأول لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلا إذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون في هذا الجنس بمقتضي رغبتهم. نعم لو ألجأ إلي شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه الا ان يبذله بازاء عتاق الخيل و شبهها فان الراغب في الجمد في العراق من حيث أنه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه، و إنما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالإهداء إلي سلطان قادم إلي العراق مثلا، أو معالجة مشرف علي الهلاك و نحو ذلك من الأغراض و لذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذر،

كما ذكرنا في المسألة الخامسة فكل موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في

______________________________

و أما الثانية: فليس له الزامه بادائها الا إذا تعذر عقلا المثل، و الا فلو لم يكن متعذرا عقلا و لكن

كان ادائه حرجيا أو ضرريا له ان يتحمل الضرر و الحرج، و يؤدي المثل. و هذا ايضا لا فرق فيه بين البلد و غيره.

في معرفة قيمة المثل

(1) المقام الخامس: في معرفة قيمة المثل.

منشأ اختلاف القيمة ان كان اختلاف الأيام و الفصول، فقد تقدم الكلام في تعيينها و ان كان اختلاف الأمكنة فسيأتي الكلام فيه و ان كان اختلاف الأيام في عزة الوجود و كثرته، فالميزان هو قيمة اليوم الذي عين لذلك، كان هو يوم الغصب أو يوم التلف أو يوم الأداء أو غير ذلك.

و بالجملة: حيث عرفت ان العين انما تكون في العهدة الي حين الأداء- و لذلك بنينا علي ان المدار علي قيمة يوم الأداء- فيفرض العين موجودة يوم الأداء، و تقوم و تؤدي تلك القيمة الفرضية. فلا اشكال في المسألة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 336

صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه ثمّ أنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه و لو كان في غير بلد الضمان و كان قيمة المثل هناك أزيد، أما مع تعذره و كون قيمة المثل في بلد التلف مخالفها في بلد المطالبة فهل له المطالبة باعلي القيمتين ام يتعين قيمة بلد المطالبة أم بلد التلف وجوه (1) و فصل الشيخ في المبسوط في باب الغصب (2) بأنه أن لم يكن في نقله مئونة كالنقدين فله المطالبة بالمثل سواء كانت القيمتان مختلفتين أم لا، و إن كان في نقله، مئونة فان كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا، لأنه لا ضرر عليه في ذلك، و إلا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصير حتي يوفيه بذلك البلد، ثمّ قال أن الكلام في القرض كالكلام في

الغصب، و حكي نحو هذا عن القاضي أيضا فتدبر، و يمكن أن يقال أن الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم علي القول به مع الاطلاق، لانصراف العقد إليه و ليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف

______________________________

الاعتبار ببلد المطالبة أو بلد التلف

(1) السادس: إذا كانت قيمة المثل في بلد المطالبة مخالفة لقيمته في بلد التلف،

فهل الاعتبار ببلد المطالبة، أو ببلد التلف، أو يتخير المالك في التعيين، أو يخير الضامن فيه؟ وجوه:

المسألة مبنية علي مسألة مطالبة المثل مع عدم تعذره، و قد عرفت ان الأظهر جواز المطالبة في كل مكان شاء المالك، و عليه فالعبرة في المقام ببلد المطالبة.

(2) و فصل في المبسوط، بما محصاه: ان للمالك مطالبة القيمة في كل مكان كان له مطالبة المثل، فان كان المثل مما لا مئونة في نقله كان له المطالبة بالقيمة مطلقا، و ان كان في نقله مئونة فان كانت القيمتان متساويتين فله المطالبة بها ايضا مطلقا، و ان كان في نقله مئونة و كانت القيمتان مختلفتين فليس له الا مطالبة قيمة بلد التلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 337

بقي الكلام في انه هل يعد من تعذر المثل، خروجه عن القيمة (1) كالماء علي الشاطئ إذا أتلفه في مفازة و الجمد في الشتاء إذا اتلفه في الصيف، أم لا؟ الأقوي بل المتعين هو الأول، بل حكي عن بعض نسبته إلي الاصحاب و غيرهم و المصرح به في محكي التذكرة و الإيضاح و الدروس قيمة المثل في تلك المفازة،

و يحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه عن المالية.

فرع لو دفع القيمة في المثل المتعذر مثله، ثمّ تمكن من المثل (2) فالظاهر عدم عود المثل في ذمته وفاقا للعلامة رحمه الله. و من تأخر عنه

ممن تعرض للمسألة،

لأن المثل كان دينا في الذمة سقط باداء عوضه مع التراضي، فلا يعود كما لما لو تراضيا بعوضه مع وجوده، هذا علي المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز. و أما علي القول بسقوطه و انقلابه قيميا.

______________________________

و لكن يرد عليه: ان الضرر الذي لأجله حكم في الصورة الأخيرة بعدم لزوم اداء المثل أو قيمته في بلد المطالبة: ان كان من جهة الاحتياج الي مئونة النقل، فهو موجود في الصورة الثانية، و ان كان من جهة زيادة القيمة فهو موجود في الصورة الأولي، و ان كان من جهة مجموع الأمرين فيرد عليه: ان الانضمام يوجب زيادة الضرر لا أصله، فالالتزام بالتفصيل، و ان له المطالبة في اي مكان شاء في الصورتين الأوليتين و ان العبرة ببلد التلف في الأخيرة مما لا وجه له.

(1) قد مر الكلام علي ذلك و عرفت ان روايتين يمكن استفادة حكم المقام منهما- و ان ارجحهما ما يدل علي انه من تعذر المثل و سيأتي تمام الكلام فيه

لو تمكن من المثل بعد دفع القيمة

(2) السابع: لو دفع القيمة في المثل المتعذر مثله ثمّ تمكن من المثل،

فالأقوي عدم عود المثل في ذمته، و ذلك بناء علي المختار من ان التالف إذا تعذر مثله يصير قيميا واضح. فانه مع صيرورته قيميا و ادي الضامن القيمة فقد برئت ذمته، فلا موجب لاشتغال الذمة بالمثل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 338

فان قلنا بأن المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله فأولي بالسقوط لأن المدفوع نفس ما في الذمة.

و ان قلنا ان المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا (1) احتمل وجوب المثل عند وجوده لان القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل، و سيأتي ان حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

السابع: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا،
اشارة

فقد حكي الاتفاق علي كونه مضمونا بالقيمة (2)

______________________________

و ان شئت قلت: ان القيمة بدل للعين لا للمثل، فلا موهم لكون القيمة بدل الحيلولة للمثل.

(1) و أما بناء علي ان المثل يصير قيميا،

فان قلنا ببقائه في الذمة الي حين الأداء و ان المالك يسقط خصوصية المماثلة للطبيعة و يطالب المالية و لذلك له ان يصبر الي ان يتيسر المثل فلا يعود المثل في ذمته ايضا،

و كذلك لو قلنا بانقلاب شغل الذمة من المثل الي قيمته.

نعم بناء علي القول ببقاء المثل في الذمة يعقل اعتبار بدل الحيلولة من جهة انه بالتعذر لا يسقط المثل عن الذمة، و انما يؤدي القيمة لأن ينتفع بها الي ان يتيسر المثل

ضمان القيمي بالقيمة

(2) السابع، لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا فقد حكي الاتفاق علي كونه مضمونا بالقيمة.

و الكلام في هذا الأمر يقع في موارد:

الاول: انه لا ريب و لا كلام في انه عند تعذر المثل في القيميات يكفي رد القيمة و انما الخلاف المتوهم في صورة وجود المثل من جميع

الجهات أو ما يصدق عليه المثل، فالمشهور بين الأصحاب انه يكفي رد القيمة،

و عن الاسكافي و المحقق: انه يجب رد المثل.

و ظني انهما غير مخالفين للمشهور، فان مورد كلامهما القرض، و لا يبعد فيه دعوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 339

و يدل عليه الاخبار المتفرقة في كثير من القيميات، فلا حاجة الي التمسك بصحيحة أبي ولاد الآتية في ضمان البغل، و لا بقوله عليه السلام من أعتق شقصا من عبد قوم عليه، بل الأخبار كثيرة. بل قد عرفت أن مقتضي إطلاق أدلة الضمان في القيميات، هو ذلك بحسب المتعارف (1) إلا أن المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا، بل يمكن دعوي انصراف الاطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما لصورة تعذر المثل، كما هو الغالب.

فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي و ان فرض تيسر المثل له كما في من اتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه، و كما لو اتلف عليه ذرعا من مائة ذراع كرباس منسوج علي طريقة واحدة لا تفاوت في اجزائه اصلا هو الاجماع كما يستظهر و علي تقديره ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل. (2)

______________________________

ان المتعارف الشرط الضمني برد المثل و لو في بعض الصفات.

و يؤيد ما ذكرناه تصريح المحقق في باب الغصب و المقبوض بالعقد الفاسد بضمان القيمة، فمدعي عدم الخلاف في كفاية رد القيمة مع تيسر المثل غير مجازف.

(1) و كيف كان: فالاولي بيان ما هو المستفاد من الادلة، و قد تقدم في الامر السابق ان حديث علي اليد لا نظر له الي هذه الجهة و آية الاعتداء لا تدل علي الضمان،

و ان الاطلاق المقامي و

الإجماع يقتضيان تعين القيمة. فراجع.

(2) قوله و علي تقديره ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل مراده قده انه علي تقدير الاجماع، علي وجوب القيمة، مع تيسر ما يصدق عليه المثل عرفا، ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل فلا حزازة في كلامه لكن يرد عليه ان التفصيل خرق للاجماع و الادلة بالنسبة الي الصورتين علي حد سواء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 340

خصوصا مع الاستدلال عليه كما في الخلاف و غيره بقوله تعالي: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) (1) بناء علي ان القيمة مماثل للتالف في المالية، فإن ظاهر ذلك جعلها من باب الاقرب الي التالف بعد تعذر المثل، و كيف كان فقد حكي الخلاف في ذلك عن الاسكافي، و عن الشيخ و المحقق في الخلاف و الشرائع في باب القرض، فإن ارادوا ذلك مطلقا حتي مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل حتي يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا في مسألة تعين القيمة، متفرعا علي هذا (ذلك) القول فيرده اطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة (2) منها صحيحة أبي ولاد الآتية، و منها رواية تقويم العبد و منها ما دل علي انه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه (3)

بحساب ذلك، فلو لا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد ضمان التالف. و منها غير ذلك من الاخبار الكثيرة و ان ارادوا انه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا، نظرا الي ظاهر آية الاعتداء و نفي الضرر، لأن خصوصيات الحقائق قد تقصد اللهم الا ان يحقق اجماع علي خلافه و لو من جهة ان ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق

القول بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا في المسألة

______________________________

(1) قوله خصوصا مع الاستدلال عليه كما في الخلاف و غيره بقوله تعالي (فَاعْتَدُوا … ) و فيه انه قد عرفت في المسألة السابقة ان الآية الكريمة لا تدل علي الضمان و علي فرض دلالتها لا تدل علي ما اختاره الشيخ الاكبر فراجع.

(2) قوله فيرده اطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة.

قد مر عدم دلالة الروايات علي الانقلاب، مع ان خلاف الجماعة انما هو في القرض لا في غيره، فلا تكفي الروايات في ردهم مع احتمال الفصل،

مضافا الي انه لو اغمض عن ذلك كله فهو المتيقن من الروايات فلا حاجة الي الاطلاق.

(3) قوله و منها ما دل علي انه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه و فيه انه ليس في نصوص الرهن عنوان، السقوط بل فيها انهما يترداان الفضل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 341

______________________________

إذا كان لأحد الأمرين من الرهن و الدين عند تلفه فضل، و انه إذا كان الرهن يساوي ما رهنه فليس عليه شي ء.

الثاني: في انه هل تشتغل الذمة حين التلف بالقيمة في القيميات، ام تبقي العين في العهدة الي حين الأداء؟ المشهور بين الأصحاب هو الأول.

و الحق هو الثاني لما تقدم في الأمر السابق من ظهور حديث علي اليد في ذلك.

و لا ينافيه شي ء من الأخبار،

اما ما دل علي الضمان فواضح،

و أما النصوص المعينة للقيمة فلأن جملة منها مثل خبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام الوارد في السفرة المطروحة الكثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يقوم ما فيها ثمّ يؤكل لأنه يفسد و ليس له بقاء، فان جاء طالبها

غرموا له الثمن. «1»

و خبر علي بن جعفر عن الإمام الكاظم عليه السلام في رجل اصاب شاة في الصحراء الدال علي انه يأكلها و ان جاء صاحبها يطلب ثمنها رده عليه. «2» و مرسل الصدوق عن مولانا الصادق عليه السلام في الطعام الذي وجد في مفازة،

المتضمن انه يقوم علي نفسه لصاحبه فيرد علي صاحبه القيمة ان جاء «3».

و غير ذلك من النصوص التي تكون بهذا المضمون تكون في مقام بيان ان للواجد ولاية علي ان يبيع ما وجده عن صاحبه لنفسه و يبقي الثمن في ذمته الي ان يجئ صاحب المال، و اجنبية عن المقام بالمرة و جملة اخري منها لا يستفاد منها ازيد من وجوب دفع القيمة حين الأداء، و هذا يلائم مع كون العين في العهدة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 23- من ابواب كتاب اللقطة حديث 1.

(2) الوسائل- باب 13- من ابواب كتاب اللقطة حديث 7.

(3) الوسائل- باب 2- من ابواب كتاب اللقطة حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 342

ثمّ انهم اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد (1) فالمحكي في غاية المراد عن الشيخين و أتباعهما تعين قيمة يوم التلف. و عن الدروس و الروضة نسبته إلي الاكثر.

______________________________

تعيين القيمة [بحسب ما تقضيه الاصول العلمية]

(1) قوله ثمّ انهم اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد.

الأقوال و الوجوه المحتملة في المسألة في كون المدار علي أي يوم خمسة:

(1) القبض، نسب الي الأكثر.

(2) يوم التلف، نسب الي الشيخين و اتباعهما، و عن الدروس و الروضة: نسبته الي الأكثر.

(3) يوم الدفع.

(4) اعلي القيم من يوم القبض الي يوم التلف.

(5) اعلي القيم من يوم القبض الي يوم الدفع.

و أما ما عن المفيد و القاضي و الحلبي من الاعتبار بيوم البيع، فالظاهر ارادة

يوم القبض، فهو يرجع الي القول الأول.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في مواضع:

الأول: فيما تقتضيه الأصول العملية.

الثاني: فيما تقتضيه القواعد.

الثالث: فيما يقتضيه صحيح ابي ولاد و غيره من النصوص الخاصة.

اما الموضع الأول: فعن العلامة و غيره: انها تقتضي القول الخامس، إذ اشتغال ذمته بحق المالك معلوم، و لا تحصل البراءة الا بالأعلي.

و اورد عليه: بان الأصل في المقام البراءة لكون الشك في التكليف الزائد.

و اجاب عنه المصنف ره: بان الأصل بالنسبة الي لزوم دفع القيمة و ان كان هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 343

______________________________

البراءة الا ان الأصل في الضمان المستفاد من علي اليد هو الاستصحاب.

و حق القول في المقام، انه ان قلنا بان الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية في مواردها- كما اختاره المصنف قدس سره- فالمرجع اصالة البراءة، إذ لا شي ء مجعول سوي لزوم دفع القيمة، و المفروض دورانها بين الأقل و الأكثر، فتجري البراءة عن الزائد.

و ان قلنا بان الحكم الوضعي كالتكليفي متأصل في الجعل، فان قلنا في المقام بالانقلاب- بمعني اشتغال الذمة حين التلف بالقيمة كما هو المنسوب الي المشهور- فالمرجع هو البراءة ايضا، لأن شغل الذمة مشكوك فيه فتجري البراءة. و ان قلنا بكون العين في العهدة الي حال اداء العوض، فالمرجع هو استصحاب بقاء العين و عدم السقوط الا بدفع الأكثر.

و بما ذكرناه ظهر أن ما افاده العلامة حق علي المسلك المختار من بقاء العين في العهدة بعد تلفها،

كما ظهر أن جواب المصنف ره لا يتم علي مسلكه.

و أما الموضع الثاني: فقد استدل العلامة للقول الأول- علي ما نسب إليه-: بانه زمان ازالة يد المالك. توضيحه: ان القابض انما وضع يده علي ماله، مع قطع النظر عن الخصوصية الشخصية،

و الصفات النوعية. مالية خاصة متقدرة بقدر مخصوص، فوجب عليه رده بما له من الحيثيات إذا امكن الرد. و ان لم يمكن رد الخصوصية و الصفات النوعية للتلف وجب رد تلك المالية المخصوصة الواقعة تحت اليد، و لا وجه لوجوب رد المراتب الاخر من الماليات، فانها ماليات واردة علي ما هو تحت العهدة، لا ان العهدة واردة عليها.

و فيه: اولا: المالية المنتزعة من رغبة الناس و ميلهم لا تقع تحت اليد، و لا تكون مضمونة كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 344

و الوجه فيه علي ما نبه عليه جماعة منهم: العلامة في التحرير ان الانتقال الي البدل انما هو يوم التلف إذ الواجب قبله هو رد العين.

و ربما يورد عليه ان يوم التلف يوم الانتقال الي القيمة اما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا، و يدفع بأن معني ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته و معني ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف حتي يكون عند التلف كأنه لم يتلف و تداركه علي هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه (1) و مما ذكرنا ظهر ان الاصل في ضمان التالف ضمانه بقيمة يوم التلف، فإن خرج المغصوب من ذلك مثلا فبدليل خارج.

______________________________

و ثانيا: ان لازم ذلك انه لو كانت العين باقية و لكن نقصت قيمتها لزوم دفع ما نقص.

و ثالثا: ان هذا الوجه لو تم لاقتضي كون المدار علي اعلي القيم من يوم الأخذ الي يوم التلف، لأن علي اليد لا يختص بحدوث اليد، بل يشمل بقائها، فكل زمان من ازمنة كون العين تحت اليد قد ازيلت فيه يد المالك، فوجب ان يغرم اكثرها.

(1) و استدل للقول الثاني في المتن بان معني ضمان

العين عند قبضها كونها في عهدته، و معني ذلك وجوب تداركها ببدلها عند التلف حتي تكون عند التلف كأنها لم تتلف، و تداركها علي هذا النحو بالتزام مال معادل لها قائم مقامها.

و فيه: انه بناء علي المسلك الحق من بقاء العين في العهدة الي حين الأداء لا وجه لرعاية قيمة يوم التلف كما لا يخفي،

و به يظهر ان الحق هو القول الثالث، و هو ان العبرة بقيمة يوم الدفع.

و استدل للقول الرابع بوجوه:

احدها: قاعدة نفي الضرر.

و فيه: اولا: ان قاعدة نفي الضرر حاكمة علي الأدلة المثبتة للحكم، و تدل علي نفيه و لا تدل علي ثبوت حكم يرتفع به الضرر.

و ثانيا: انها لو دلت علي ذلك لزم البناء علي لزوم دفع ما نقص من القيمة مع بقاء العين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 345

______________________________

ثانيها: انه إذا تلفت العين في يوم ارتفاع قيمتها ضمن الاعلي بناء علي ان العبرة بيوم التلف، فكذلك إذا حيل بينها و بين المالك حتي تلفت فيضمن الأعلي، و لو تنزلت يوم التلف، لأن الغاصب منع المالك عن التصرف في اليوم الذي ارتفعت قيمتها.

و فيه: - مضافا الي انه لو تم لاقتضي لزوم دفع ما نقص من القيمة مع رد العين، و انه لا عبرة بيوم التلف- انه لا دليل علي كون الحيلولة سببا للضمان.

ثالثها: ما اساسه يبتني علي امرين: احدهما: شمول علي اليد للمالية و كونها مضمونة. ثانيهما: الانقلاب- بمعني اشتغال الذمة حين التلف بالقيمة- و قد عرفت ما في كلا الأمرين.

و استدل للقول الخامس: بالوجهين الأولين المذكورين في سابقه اللذين تقدم ما فيهما.

و بما يبتني علي امرين.

الأول: بقاء العين في العهدة الي حين الأداء الثاني: كون تفاوت الرغبات كالصفات داخلا تحت

الضمان. و قد مر ما في الثاني.

فتحصل: ان القواعد تقتضي كون العبرة بيوم الدفع.

و أما الموضع الثالث: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في صحيح ابي ولاد.

الثاني: في غيره من النصوص.

اما المورد الأول: فقبل البحث فيه لا بد من تقديم مقدمة و هي: ان الصحيح مختص بالمغصوب، و استدل للتعدي منه الي المقبوض بالبيع الفاسد علي فرض دلالة الصحيح علي حكم مخالف للقاعدة بوجهين:

احدهما: ما عن الحلي من دعوي الاتفاق علي كون البيع فاسدا بمنزلة المغصوب الا في ارتفاع الاثم.

و فيه: انه علي فرض ثبوت الاتفاق لم يثبت كونه تعبديا، مع ان ثبوته ممنوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 346

نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوي الاتفاق علي كون البيع فاسدا بمنزلة المغصوب الا في ارتفاع الاثم، الحقناه بالمغصوب ان ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل، بل يمكن ان يقال إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة ابي ولاد الآتية، كشف ذلك عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، إذ يلزم حينئذ ان يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف اضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك، عند التلف لما ذكرنا من ان معني التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك (1) نعم لو فرض دلالة الصحيحة علي وجوب أعلي القيم، امكن جعل التزام الغاصب بالزائد علي مقتضي التدارك مؤاخذة له باشق الأحوال، فالمهم حينئذ صرف الكلام

______________________________

(1) ثانيهما: ما افاده المصنف ره، و حاصله: انه لو فرض دلالة الصحيحة علي وجوب اعلي القيم امكن تخصيصها بالغاصب و عدم التعدي عنه، و أما لو كان ظاهرها ان الاعتبار بيوم الغصب وجب التعدي عنه، و ذلك لأنه

إذا كان قيمة المغصوب يوم التلف أو الدفع اكثر من قيمة يوم الغصب لزم من البناء علي ان قاعدة الضمان و التدارك تقتضي كون العبرة بقيمة يوم التلف أو يوم الدفع الإرفاق بالغاصب، و التخفيف عليه، و كون غيره اسوأ حالا منه، و هذا مما يقطع بخلافه، فلا محالة يستكشف ان المجعول هو قيمة يوم الأخذ مطلقا.

و بالجملة: التحفظ علي ظهور الرواية في كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يستلزم البناء علي انه المعيار مطلقا، و الا لزم كون غير الغاصب اسوأ حالا منه.

ثمّ ان السيد قده افاد في وجه مراد المصنف ره: انه لو قلنا بان معني التدارك اقامة البدل مقام الشي ء يوم التلف، فإذا دل الصحيح علي ان العبرة في باب الغصب بيوم الغصب لزم ان لا يكون المغصوب واجب التدارك، و هذا بخلاف ما لو قلنا بان معني التدارك اقامة البدل مقام الشي ء في زمان انقطاع يده عنه، و عليه فظهور الصحيح في كون المدار علي يوم الأخذ كاشف عن كون معني التدارك ذلك، و ان الذي فهمناه خطأ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 347

الي معني الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد.

اما لما ادعاه الحلي. و أما لكشف الصحيحة عن معني التدارك و الغرامة في المضمونات و كون العبرة في جميعها بيوم الضمان، كما هو احد الاقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد، و حيث ان الصحيحة مشتملة علي احكام كثيرة، و فوائد خطيرة فلا بأس بذكرها جميعا، و ان كان الغرض متعلقا ببعضها، فروي الشيخ في الصحيح عن ابي ولاد، قال: اكتريت بغلا الي قصر بني هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا، و خرجت في طلب غريم لي، فلما صرت قرب

قنطرة الكوفة خبرت ان

صاحبي توجه الي نحو النيل، فتوجهت نحو النيل، فلما اتيت النيل خبرت انه توجه الي بغداد فاتبعته و ظفرت به و فرغت مما بيني و بينه، و رجعت الي الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما، فاخبرت صاحب البغل بعذري، و اردت ان اتحلل منه فيما (مما) صنعت و ارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبي ان يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و اخبرته بالقصة و اخبره الرجل، فقال لي: ما صنعت بالبغلة، قلت رجعته (فقلت قد دفعته) سليما، قال: (فقال) نعم، بعد خمسة عشر يوما، قال فما تريد من الرجل قال: اريد كراء بغلي، فقد حبسه علي خمسة عشر يوما، فقال: اني ما اري لك حقا لأنه اكتراه الي قصر بني هبيرة فخالف فركبه الي النيل و إلي بغداد، فضمن قيمة البغل و سقط الكراء، فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده واخذ صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما افتي به أبو حنيفة، و اعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام بما افتي به أبو حنيفة، فقال في مثل هذا القضاء و شبهه تمنع السماء ماءها و تحبس الأرض بركاتها فقلت لأبي عبد الله عليه السلام فما تري انت جعلت فداك؟ قال عليه السلام: أري له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الي النيل و ذاهبا من النيل الي بغداد و مثل كراء البغل من بغداد الي الكوفة و توفيه اياه، قال: قلت جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه، قال: لا لأنك غاصب، قلت: أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان

يلزمني، قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن اصاب البغل عقر أو كسر أو دبر، قال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم رده عليه، قلت فمن يعرف ذلك؟ قال: انت، و هو اما ان يحلف هو فيلزمك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 348

و ان رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك، فقلت اني كنت اعطيته دراهم و رضي بها و حللني فقال عليه السلام انما رضي بها و حللك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع إليه فاخبره بما افتيتك به، فان: جعلك في حل بعد معرفته، فلا شي ء عليك بعد ذلك الخبر و محل الاستشهاد فيه فقرتان:

الاولي: قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته (1) الي ما بعد، فإن الظاهر ان اليوم قيد للقيمة اما باضافة القيمة المضافة الي البغل إليه ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل (2) فيكون اسقاط حرف التعريف من البغل للاضافة لا لأن ذا القيمة بغل غير معين حتي توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضمونا بالمثل، و القيمة انما هي قيمة المثل.

______________________________

و اورد عليه: بانه يمكن ان يقال: ان التدارك له معني جامع شامل للتدارك بحسب يوم قبضه و بحسب يوم التلف، الا ان اطلاقه يقتضي كون المناط علي قيمة يوم التلف،

و هذا لا ينافي تقييده بيوم آخر بالنسبة الي مورد خاص، فلا يكشف الخبر عن خطأ ما بني عليه. و لكن الظاهر ان مراده ما ذكرناه.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: انه قد استدل في المقام بصحيح «1» ابي ولاد الذي هو مذكور في المتن.

و محل الاستشهاد فيه

جمل ثلاث:

(1) الاولي: قوله عليه السلام: نعم قيمة البغل يوم خالفته.

و الاحتمالات في اليوم ثلاثة:

احدها: ان يكون قيدا للقيمة، فتكون الصحيحة حينئذ ظاهرة في ان العبرة بقيمة يوم الغصب.

و ذكر المصنف قدس سره في تقريب كونه قيدا لها وجهين:

(2) الاول: اضافة القيمة المضافة الي البغل إليه ثانيا، فيكون المعني قيمة يوم المخالفة للبغل.

______________________________

(1) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الاجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 349

و إما بجعل اليوم قيدا للاختصاص الحاصل من اضافه القيمة الي البغل. (1)

______________________________

و فيه: انه ان اراد بذلك اضافة المضاف نفسه إليه ثانيا، فمضافا الي انه لا معني حينئذ لقوله فيكون اسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة.

يرد عليه: ان الشي ء الواحد لا يضاف الي شيئين مرتين.

و بعبارة اخري: المضاف الي شي ء لا يضاف ثانيا.

و ان اراد به اضافة مجموع المضاف و المضاف إليه، فمضافا الي انه لا يصح قوله:

فيكون اسقاط … الخ، إذ لا دليل علي انه لا بد و ان لا يصدر جزء المضاف بحرف التعريف.

يرد عليه: ان المجموع لتضمنه النسبة الاضافية التي هي من الحروف لا يضاف، إذ المعني الحرفي لا يقع ظرفا.

و بعبارة اخري: الاضافة من خواص الأسماء و الحرف لا يضاف.

(1) الثاني: جعل اليوم قيدا للاختصاص الحاصل من اضافة القيمة الي البغل،

و الظاهر ان مراده ليس جعل متعلق الظرف و العامل فيه الاختصاص الحاصل من الاضافة، فانه معني حرفي، و العامل لا بد و ان يكون فعلا أو شبه فعل.

بل مراده قيدية اليوم للقيمة المضافة الي البغل، و هي مضافا الي كونها معني حدثيا في نفسها فانها ما يقوم بالشي ء من المالية، انه لو سلم كونها معني جامدا بسبب الاضافة تتضمن معني اشتقاقيا.

و فيه: ان

هذا و ان كان لا محذور فيه، الا ان قيدية اليوم لنعم لو لم تكن اظهر لا ريب في كونها محتملة، و الاحتمال مسقط للاستدلال.

الثالث: كون اليوم قيدا للبغل باضافة البغل إليه، فيكون المقام من قبيل تتابع الاضافات. فقد يقال كما عن المحقق النائيني قدس سره: بان الخبر علي هذا ايضا يدل علي ان العبرة بقيمة يوم المخالفة، إذ حيث لا تختلف الأعيان باختلاف الأيام، فبدلالة الاقتضاء لا بد و ان يكون اضافة البغل الي اليوم باعتبار قيمته في ذلك اليوم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 350

و أما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله نعم (1) القائم مقام قوله عليه السلام يلزمك يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فبعيد جدا، بل غير ممكن لان السائل انما سئل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم يكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان (2) كما يدل عليه أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني،

فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته. و قد اطنب بعض من جعل الفقرة ظاهرة في تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه، و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغوي و لا المتفاهم العرفي.

______________________________

و فيه: انه حيث لا ريب في ان للبغل بحسب الصفات و الخصوصيات المتفاوتة بحسب الأيام قيما مختلفة، و لا كلام ايضا في ان هذا الاختلاف مضمون في باب الضمان،

و الخلاف انما هو في اختلاف القيم المستندة، الي اختلاف السوق و الرغبات، فيمكن ان يكون يوم المخالفة في الخبر اشارة الي قيمة يوم البغل حال كونه قويا، فان التعب و الهزال انما عرضه بعد الحركة العنيفة لا لخصوصية في ذلك اليوم، و هذا يجتمع مع

كون المدار علي قيمة يوم التلف أو يوم الدفع بان يلاحظ البغل علي ما هو عليه يوم المخالفة في وقت التلف أو يوم الدفع فيقوم ذلك البغل في يوم الأداء أو وقت التلف، فعلي هذا الاحتمال يكون الصحيح اجنبيا عن ما هو المقصود.

(1) الرابع: كون اليوم قيدا لقوله عليه السلام نعم الذي هو في قوة قوله يلزمك أو يكون لفظ يلزمك مقدرا بعده، فيكون اليوم حينئذ وعاء توجه التكليف، فيوم القيمة علي هذا مسكوت عنه في الصحيحة.

و اورد علي هذا الاحتمال بوجهين:

(2) الاول: ما افاده المصنف قدس سره، و هو: ان السائل انما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته.

و فيه: اولا: ان السائل لم يقل ما يلزمني كي يكون ظاهرا فيما ذكر، بل قال أ ليس كان يلزمني فالواقع عقيب اداة الاستفهام الذي هو المسئول عنه اصل اللزوم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 351

______________________________

فكيف يجعل السؤال عما يلزمه.

و ثانيا: انه لو سلم كون اصل الضمان مفروغا عنه يمكن ان يحمل السؤال علي ان المضمون به هل هو القيمة أو غيرها، فجوابه عليه السلام ناظر الي ذلك.

ثانيهما: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان العين ما دامت قائمة لا يتوجه التكليف الي اداء القيمة، فيوم انتقال التكليف الي اداء القيمة هو يوم تلف العين لا يوم الغصب.

و فيه: ان نعم جواب عن السؤال، و هو لزوم اداء القيمة علي تقدير التلف، فيكون ظاهرا في لزوم اداء القيمة علي تقدير التلف، و معلوم ان هذا التكليف التعليقي انما يتوجه من حين الغصب.

فتحصل: انه لا مانع

من تعلق الظرف بنعم.

و ربما يقال- كما عن المحقق النائيني قدس سره-: بانه علي هذا التقدير ايضا يدل الخبر علي ان العبرة بيوم المخالفة غاية الأمر بالالتزام لا بالمطابقة، إذ لو لم يكن يوم المخالفة الا يوم دخول العين في العهدة لكان ذكر القيمة بلا موجب، إذ مالية المال إذا قدرت بالقيمة يوم المخالفة فلا محالة تكون القيمة قيمة ذلك اليوم، لأنه لا يعقل ان يكون الضمان بقيمة يوم المخالفة فعليا و يقدر قيمة يوم ما بعد المخالفة.

و فيه: ان التكليف المتوجه باداء القيمة في يوم المخالفة ليس تكليفا فعليا تنجيزيا بل هو تكليف تعليقي و هو لزوم اداء القيمة علي فرض التلف، فزمان فعلية الالزام و تنجزه زمان التلف لا يوم المخالفة.

فتحصل مما ذكرناه: ان محتملات هذه الجملة ثلاثة.

و علي الأول منها تدل علي ان العبرة بقيمة يوم المخالفة و لا تدل علي الأخيرين.

و حيث انه ان لم ندع ظهورها في الاحتمال الثالث فلا ريب في كون احتماله مساويا لغيره، فلا يبقي مورد للاستدلال بهذه الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 352

الثانية: قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا (1) فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوي فيه،

لعدم الاعتبار به فلا بد أن يكون الغرض منه اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء علي انه يوم الاكتراء، لأن الظاهر من صدر الرواية انه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة.

و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة، انما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق، و معلوم ايضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة. (2)

______________________________

(1) الجملة الثانية: قوله عليه السلام: و

يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا.

(2) و تقريب الاستدلال بها علي ان الميزان قيمة يوم المخالفة ما افاده المصنف و هو: ان اثبات قيمة يوم الاكتراء يكون لاثبات قيمة يوم المخالفة، لأن الظاهر من الخبر مخالفته للمالك بمجرد الخروج عن الكوفة، و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة انما يكون يوم الخروج، و معلوم ايضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة.

و فيه: ان نكتة التعبير بيوم الاكتراء- بعد فرض عدم كونه من حيث هو ميزانا في هذا الباب- انما هو وجود المكارين حينه دون سائر الأوقات.

و هذا كما يلائم مع كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يلائم مع كون الميزان قيمة يوم التلف أو يوم الأداء من جهة عدم الاختلاف في مدة خمسة عشر يوما ايضا كما سيصرح هو قده به.

و يؤكد ذلك ان الظاهر من الجملة الواردة لبيان معرفة تفاوت قيمة الصحيح و المعيب ان المقصود تعيين اصل قيمة البغل من جهة الجهل بها حيث لو علم قيمته في يوم ارتفع الاشتباه.

مع انه لو سلم الاختلاف- بما ان هذه الجملة غير واردة لبيان حكم شرعي بل في مقام بيان موضوع عرفي كما يشهد له قول السائل من يعرف ذلك الكاشف عن علم السائل بما هو وظيفته الشرعية- فيمكن ان يقال: انه لو كان الميزان قيمة يوم الاداء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 353

و أما قوله عليه السلام في جواب السؤال عن اصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده (1) فالظرف متعلق بعليك (2) لا قيد للقيمة، إذ لا عبرة في ارش العيب بيوم الرد إجماعا (3) لأن النقص الحادث تابع في

تعيين يوم قيمته لأصل العين، فالمعني عليك اداء الارش يوم رد البغلة

______________________________

إذا عينت قيمة البغل في يوم المخالفة معرفة قيمته في يوم الأداء سهلة كما لا يخفي.

فتحصل: ان هذه الجملة ايضا لا تدل علي خلاف ما تقتضيه القواعد.

(1) الجملة الثالثة: قوله عليه السلام في جواب السؤال عن اصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده.

و ملخص القول فيها: انه بناء علي وجود اليوم في الرواية، لمحتملات فيها اربعة.

(2) احدهما ما في المتن و هو: رجوعه الي قوله عليه السلام عليك فلا تعرض فيها ليوم هذه القيمة.

و اورد علي هذا الاحتمال: ان التكليف باداء الارش و الضمان انما يكون في يوم حدوث العيب لا يوم الرد، و ان اريد به يوم رد البغلة.

و فيه: انه بناء علي المختار من ان العبرة في القيميات بقيمة يوم الدفع، هذه الجملة علي هذا الوجه تدل علي ذلك، فانه بما ان التالف مع وجود العين وصف من اوصافها فلا يلاحظ بنفسه في العهدة، بل انما يكون عهدته بتبع عهدة العين، فإذا خرجت العين عن العهدة بادائها لا عين في العهدة ليقال ان صحيحها كذا و معيبها كذا، و ليس علي الضامن الا عهدة ما به يتفاوت صحيحها حال كونها في العهدة، فلا محالة يكون المعيار في مثل هذا التالف قيمة يوم رد العين. فتدبر فانه دقيق.

ثانيها: رجوعه الي القيمة، و ارادة رد الارش من قوله يوم ترده.

و يدفع هذا الاحتمال: ان مرجع الضمير حينئذ ان كان قيمة ما بين … الخ لزم تأنيثه،

و ان كان ما بين لزم رعاية عناية لعدم صدق الرد الا علي المأخوذ دون بدله.

(3) و أما ما ذكره المصنف قدس سره من انه

لا عبرة في ارش العيب بيوم الرد اجماعا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 354

و يحتمل ان يكون قيدا للعيب (1) و المراد العيب الموجود في يوم الرد.

لاحتمال ازدياد العيب الي يوم الرد، فهو المضمون دون العيب القليل الحادث اولا لكن يحتمل ان يكون العيب قد تناقص الي يوم الرد و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لأن المعيب (العيب) لو رد الي الصحة أو نقص لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي، فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف (2) ايضا، فتعين تعلقه بقوله عليك

______________________________

فيرد عليه: ان المسألة خلافية، و قد عرفت ان مقتضي القواعد ان العبرة بيوم الرد،

و قد افتي بذلك جمع، مع انه لو سلم قيام الإجماع عليه فليس هو اجماعا تعبديا، مضافا الي احتمال الفرق بين العين و النقص.

(1) ثالثها: رجوع يوم ترده الي العيب فيكون مفادها ضمان العيب الفعلي، فلا عبرة بحدوث العيب مع زواله عند رده، و يعتبر زيادته حال رد العين، و علي هذا فهي اجنبية عن المقام و غير متعرضة لهذا الحكم.

و اورد عليه بايرادين:

(2) الاول: ما افاده المصنف قدس سره، و هو: ان العيب قد يرتفع أو ينقص يوم الرد، و لازم هذا الوجه ان لا يوجب ضمانا في الصورة الأولي و ان لا يوجب الضمان بالنسبة الي ما حدث منه و ارتفع في الثانية، مع ان مقتضي الفتوي خلاف ذلك.

و فيه: ان المسألة خلافية و فيها اقوال ثالثها التفصيل بين الوصف القابل للزيادة كالسمن، و ما لم يكن كذلك كوصف الصحة.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان المراد منه هنا الحاصل من المصدر و هو معني اسمي ليس فيه معني الفعل

و لا يمكن اشراب معناه فيه.

و فيه: ان الجوامد علي قسمين: قسم لا يتقدر بالزمان، و قسم يتقدر به، و الأول لا يتعلق به الظرف، و الثاني لا مانع من تعلق الظرف به، و المقام من قبيل الثاني.

رابعها: رجوعه الي القيمة و ارادة رد البغلة. و تقريب دلالتها علي المختار من ان العبرة بيوم الرد ما ذكرناه في المحتمل الثاني.

فتحصل: ان هذه الجملة مضافا الي انها لا دلالة فيها علي ان العبرة بيوم المخالفة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 355

و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب قيمة التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض في الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل يوم الغصب، و يحتمل يوم حدوث العيب الذي هو يوم تلف وصف الصحة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات و المعاوضات، و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له في اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا ايضا علي ذلك.

نعم يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة، بأنه لا يبعد ان يكون مبني الحكم في الرواية علي ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما، و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة، دفع ما ربما يتوهمه امثال صاحب البغل من العوام، ان العبرة بقيمة ما اشتري به البغل و ان نقص بعد ذلك لأنه خسره المبلغ الذي اشتري به البغلة، و يؤيده التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية بيوم الاكتراء، فإن فيه اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة،

من حيث انه يوم المخالفة الا ان يقال ان الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه علي سهولة اقامة

الشهود علي قيمته في زمان الاكتراء، لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث انه زمان المخالفة، فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه علي سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين في مقابل قول السائل،

و من يعرف ذلك؟ فتأمل. و يؤيده ايضا قوله عليه السلام فيما بعد في جواب قول السائل و من يعرف ذلك قال انت و هو اما ان يحلف هو فيلزمك فان رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه. (1)

______________________________

يمكن دعوي دلالتها علي ان الميزان قيمة يوم الأداء.

بقي الكلام في الصحيح في جهات ثلاث:

الأولي: في الأشكال الذي اوردوه علي قوله عليه السلام في جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال: انت، و هو اما ان يحلف هو علي القيمة فيلزمك فان رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون علي ان قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فيلزمك. و الجواب عنه.

(1) الثانية: فيما افاده المصنف قدس سره من ان هذه الجملة تؤيد القول بان العبرة بيوم التلف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 356

أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون علي ان قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا، فيلزمك الخبر، فإن العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل، ثمّ لا وجه لقبول بينته، لأن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه (1) و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الذي يرضي به المحلوف له و يصدقه فيه من دون محاكمة (2) و التعبير برده اليمين علي الغاصب من جهة ان المالك اعرف بقيمة بغله، فكان الحلف حقا له

ابتداء خلاف الظاهر و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف فانه يمكن ان يحمل توجه اليمين علي المالك

______________________________

الثالثة في انه هل يمكن ان يستدل بالصحيح علي ان العبرة باعلي القيم ام لا.

اما الجهة الاولي: فمحصل الأشكال: ان المالك دائما يدعي الزيادة، فقوله مخالف للأصل، فيكون هو مدعيا و وظيفته اقامة البينة، و الغاصب منكرا و وظيفته الحلف أورد الحلف، فكيف حكم عليه السلام بانه يحلف المالك و ان له رد الحلف علي الغاصب.

(1) ثمّ علي فرض كونه منكرا، فما معني جعل اقامة البينة وظيفته؟ و اجيب عن الأشكال بوجوه:

(2) احدها: انه عليه السلام في مقام بيان طريق معرفة القيمة من دون فرض مخاصمة،

و قضية البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر انما هي في المخاصمات.

و ذلك من جهة ظهور السؤال و الجواب في ذلك، حيث ان السؤال انما يكون عن العارف، و اجاب عليه السلام: بانه اما ان يحلف المالك لمعرفته بقيمة بغله، أو ان تحلف انت من جهة كونه عندك في مدة أو يقيم المالك البينة لو لم تعرف انت و لم يعرف هو، فتكون الصحيحة غير مربوطة بموازين القضاء.

و الذي يوهن هذا الجواب- و ان ذهب إليه جمع منهم السيد الفقيه و المحققان الأصفهاني و الإيرواني.

قوله عليه السلام فيلزمك، و قوله لزمه إذ الملزم انما هو حلف من وظيفته بحسب الجعل الالهي ذلك لا حلف كل احد و ان توافق الطرفان عليه.

اللهم الا ان يقال ان الانسان بحسب الغالب يطمئن بحلف غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 357

علي ما إذا اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما، أو الاطلاع من الخارج علي قيمته سابقا (1) و لا شك حينئذ ان القول

قول المالك، فيكون سماع البينة في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا مع اتفاقهما علي بقائه عليها الي يوم التلف (2) فيكون الرواية قد تكفلت بحكم صورتين من صور تنازعهما، و يبقي بعض الصور، مثل دعوي المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة، و لعل حكمها اعني حلف الغاصب يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية. و أما علي تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة، فلا بد من حمل الرواية علي ما إذا اتفقا علي قيمة اليوم السابق علي يوم المخالفة أو اللاحق له و ادعي الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة و لا يخفي بعده و ابعد منه حمل النص علي التعبد. (3)

______________________________

ثانيها ان تكون هذه الجملة في مقام بيان حكم صورتين من صور النزاع.

(1) و يكون الحلف وظيفة المالك في ما لو اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما علي قيمته سابقا فيكون قول المالك موافقا للاصل.

(2) و البينة وظيفته في صورة اخري و هي صورة اختلافهما في قيمته سابقا مع اتفاقهما علي بقائه عليها الي يوم التلف فيكون قول المالك مخالفا للاصل و اختار المصنف هذا الوجه.

و فيه: ان هذا مناف لظاهر الصحيح، بل صريحه، فانه صريح في ورود حلف المالك و الغاصب و سماع البينة من المالك كلها علي مورد واحد.

ثالثها: حمل الصحيح علي التعبد و جعله مخصصا للقاعدة العامة، و هو غير بعيد في نفسه، إذ من شئون اخذ الغاصب باشق الأحوال عدم قبول قوله ما لم يرد الحلف عليه،

و ان لا يطالب منه بشي ء من موازين القضاء بل يوجه الخطاب الي المالك. و التزم به الشيخ في محكي النهاية، و المفيد في محكي المقنعة، و عن

المصنف: نسبته الي الأكثر. و بذلك ظهر ما في تضعيف المصنف قدس سره هذا الوجه. و قال.

(3) و ابعد منه حمل النص علي التعبد.

فتحصل: ان الأوجه في دفع الأشكال الوجه الثالث ثمّ الأول.

و أما الجهة الثانية: فقد افاد المصنف قدس سره في وجه كون هذه الجملة مؤيدة للقول:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 358

و جعل حكم خصوص الدابة أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا و فتوي من كون البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر كما حكي عن الشيخ في بابي الاجارة و الغصب، و اضعف من ذلك: الاستشهاد بالرواية علي اعتبار اعلي القيم من حين الغصب الي التلف، كما حكي عن الشهيد الثاني إذ لم يعلم لذلك وجه صحيح (1) و لم اظفر بمن وجه دلالتها علي هذا المطلب،

______________________________

بان العبرة بيوم التلف بعد حملها علي الموردين انه إذا كان المعيار يوم التلف يمكن توجيه الأشكال المتقدم بوجه قريب و هو حمل الخبر علي موردين متعارفين، و هما ما إذا اتفقا في السابق علي قيمة البغل و ادعي الغاصب نقصانها في يوم التلف عن قيمته في السابق، و ما إذا اتفقا علي انه لم تتفاوت قيمة البغل و انما اختلفا في السابقة من حيث الزيادة و النقصان. فانه في المورد الأول تكون وظيفة المالك اليمين لموافقة قوله للأصل،

و في المورد الثاني تكون وظيفته البينة لمخالفة قوله للأصل، و هذا بخلاف ما لو قلنا ان المدار علي يوم المخالفة، فان فرض صورة يكون قول المالك موافقا للأصل و وظيفته الحلف علي هذا انما يكون فرضا نادرا، و هو ما إذا اتفقا علي قيمة اليوم السابق علي يوم المخالفة أو اللاحق له و ادعي الغاصب نقصانه

عن تلك يوم المخالفة، و معلوم انه لا يصح حمل الصحيح علي هذا الفرض النادر.

و لكن يرد عليه امور:

الأول: ما تقدم من منافاة حمل الخبر علي الموردين لظاهره بل صريحه.

الثاني: ان غاية ما يدل عليه الوجه المزبور انه لا عبرة بقيمة يوم المخالفة، و أما ان المدار قيمة يوم التلف أو يوم الدفع فالخبر أجنبي عنه حينئذ.

الثالث: انه يمكن فرض صورة يكون قول المالك موافقا للأصل، و تكون تلك الصورة متعارفة، و ان قلنا بان المدار قيمة يوم المخالفة، و هي ما إذا اتفقا علي قيمة البغل و ادعي الغاصب انه كان معيوبا حين المخالفة، فان قول المالك بكونه صحيحا موافق للأصل، فتكون وظيفته حينئذ الحلف.

و أما الجهة الثالثة: ففي المتن.

(1) لم يعلم لذلك وجه صحيح، و لم اظفر بمن وجه دلالتها علي هذا المطلب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 359

نعم استدلوا علي هذا القول: بان العين مضمونة في جميع تلك الازمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته. و فيه ان ضمانها في تلك الحال ان اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلم. إذ تداركه لا يكون الا بذلك، لكن المفروض انها لم تتلف فيه، و ان اريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلا، و ان تنزلت بعد ذلك،

فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين و ان اريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعي بالتلف، فهو ان لم يخالف الاتفاق، الا انه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل، علي ما حكاه في الرياض عن خاله العلامة (قدس الله تعالي روحهما) من قاعدة نفي الضرر الحاصل علي المالك،

و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر، نعم يمكن

توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة: بأن العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان و صار ماليتها مقومة بتلك القيمة، فكما انه إذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة،

فكذا إذا حيل بينها و بين المالك حتي تلفت، إذ لا فرق مع عدم التمكن منها بين ان تتلف أو تبقي، نعم لو ردت. تدارك تلك المالية بنفس العين و ارتفاع القيمة السوقية امر اعتباري لا يضمن بنفسه، لعدم كونه مالا، و انما هو مقوم لمالية المال و به تمايز الاموال و قلة.

______________________________

و وجهها المحقق النائيني بان قوله عليه السلام يوم خالفته بيان لان المخالفة موجبة للضمان و المفروض ان كلما كان الشي ء تحت سلطنة الغاصب خالف المالك فيه، و لا موجب لأن تكون القيمة ملحوظة في اول حدوث المخالفة، بل إذا فرض قيمة العين اعلي في يوم من سائر الأيام يضمنها الغاصب و ان تنزلت بعد ذلك، و لامتناع اجتماع الضمانات لعين واحدة يدخل الأدني تحت الأعلي و ينحصر في الأعلي.

و يرد عليه: - مضافا الي ما تقدم من تطرق احتمالات في يوم خالفته الموجب لعدم صحة الاستدلال به، و مضافا الي ما عرفت من ان المالية ليست مضمونة و داخلة تحت علي اليد- ان الظاهر من يوم خالفته هو اول يوم حدوث المخالفة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 360

و الحاصل ان للعين في كل زمان من ازمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية ازيلت يد المالك، منها و انقطعت سلطنته عنها، فإن ردت العين، فلا مال سواها يضمن، و ان تلفت استقرت عليا تلك المراتب لدخول الادني تحت الاعلي، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادة، حيث انه يضمن الأعلي منها، و لأجل

ذلك استدل العلامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله لأنه زمان ازالة يد المالك، و نقول في توضيحه ان كل زمان من ازمنة الغصب قد ازيلت فيه يد المالك من العين علي حسب ماليته، ففي زمان ازيلت من مقدار درهم. و في آخر عن درهمين، و في ثالث عن ثلاثة، فإذا استمرت الازالة الي زمان التلف وجبت غرامة اكثرها، فتأمل. و استدل في السرائر و غيرها علي هذا القول باصالة الاشتغال لاشتغال ذمته بحق المالك، و لا يحصل البراءة الا بالاعلي.

و قد يجاب بأن الأصل في المقام البراءة حيث ان الشك في التكليف بالزائد، نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد، ثمّ انه حكي عن المفيد و القاضي و الحلبي الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض الي حكم المشتري و لم يعلم له وجه، و لعلهم يريدون به يوم القبض، لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض فافهم.

______________________________

و أما المورد الثاني: فقد استدل لأن العبرة بيوم التلف بطائفتين من النصوص:

الأولي: ما ورد في باب الرهن «1»، و قد تقدم في اول هذا التنبيه و عرفت انه لا ينافي مع القاعدة. فراجع.

الثانية: ما ورد في عبد اعتق بعضه، ففي خبر عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام عن قوم ورثوا عبدا جميعا فاعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي اعتق نصيبه منه، هل يؤخذ بما بقي؟ فقال عليه السلام: نعم يؤخذ بما بقي (منه بقيمته يوم اعتق خ) «2» و نحوه غيره.

و فيه: انه من المحتمل كون قوله يوم اعتق قيدا ليؤخذ لا للقيمة، و عليه فيدل علي ان زمان توجه التكليف انما هو من

حين التعلق و ساكت عن ان ما به الضمان هل هو قيمة يوم التلف أو يوم الأداء.

فتحصل: ان الأظهر بحسب الأدلة كون الميزان قيمة يوم الأداء و الدفع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب كتاب احكام الرهن.

(2) الوسائل- باب 18- من ابواب كتاب العتق حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 361

ثمّ انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف علي جميع الاقوال (1) الا انه تردد فيه في الشرائع، و لعله كما قيل من جهة احتمال كون القيمي مضمونا بمثله، و دفع القيمة انما هو لاسقاط المثل، و قد تقدم انه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوي، ثمّ ان ما ذكرنا من الخلاف انما هو في ارتفاع القيمة بحسب الازمنة. و أما إذا كان بسبب الا مكنة، كما إذا كان في محل الضمان بعشرة و في مكان التلف بعشرين،

و في مكان المطالبة بثلاثين. فالظاهر اعتبار محل التلف (2) لأن ماليته الشي ء تختلف بحسب الاماكن، و تداركه بحسب ماليته.

______________________________

(1) قوله ثمّ انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف علي جميع الاقوال.

و قد عرفت ان الحق اعتبارها من جهة بقاء العين في العهدة الي حين الخروج عنها الذي هو مختار جمع من المحققين، لاما احتمله قده من كون القيمي مضمونا بمثله.

ارتفاع القيمة بسبب الأمكنة

(2) قوله و أما إذا كان بحسب الامكنة … فالظاهر اعتبار محل التلف.

يحتمل في العبارة وجهان:

احدهما: مع لفظ عدم.

الثاني: بدونه.

و مراده علي الأول: ان خصوصية المكان من الخصوصيات و الأوصاف التي تكون دخيلة في المالية و تختلف المالية باختلافها، و ان اختلاف المالية فيها ليس مستندا الي مجرد تفاوت الرغبات فتكون نازلة منزلة الجزء، و عليه فالمضمون به اعلي القيم من قيم البلاد التي مرت بها العين لا قيمة

يوم التلف.

و مراده علي الثاني: ان معني الضمان وجوب تداركه ببدله عند التلف حتي يكون عند التلف كانه لم يتلف، و تداركه علي هذا النحو بالتزام مال معادل في مكان التلف قائم مقامه.

و لكن يرد علي الوجه الأول: ان خصوصية المكان كخصوصية الزمان ليست دخيلة في المالية، بل اصل القيمة و ترقيها ينشئان من كثرة الراغب و قلة الوجود، كما ان عدمها و تنزلها ينشئان من كثرة الوجود و قلة الطالب، بلا دخل للزمان و المكان في ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 362

ثمّ ان جميع ما ذكرنا من الخلاف انما هو في ارتفاع القيمة السوقية الناشئة من تفاوت رغبة الناس. و أما إذا كان حاصلا من زيادة في العين، فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان اعلي القيم، و في الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة، و انما زيادتها في بعض اوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت، نعم يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة، فإن العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها، أو اعلي القيم، ثمّ ان في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذر الوصول إليه (1) و ان لم يهلك، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو ابق لما دل علي الضمان بهذه الامور في باب الامانات المضمونة و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه أو بعدم رجاء وجدانه أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها أو و لو كانت قصيرة، وجوه. ظاهر ادلة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الاولين

______________________________

و يرد علي الوجه الثاني: ما تقدم من بقاء العين

في العهدة الي حين الأداء،

و الصحيح انه بناء علي المختار من بقاء العين في العهدة يكون الاعتبار بقيمة العين في محل الخروج.

نعم في المقام مسألة اخري، و هي: انه إذا كانت القيمة في مكان ازيد من القيمة في مكان التلف و الأخذ، هل للمالك ان يطالبها ام لا؟ و قد تقدم الكلام في ذلك.

بدل الحيلولة

لا باس بالتعرض لحكم ما لو لم تتلف العين و لكن تعذر الوصول إليها.

(1) فقد صرح المصنف و غير واحد: بانه في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة.

و تنقيح القول فيه بالبحث في جهات:

الأولي: انه لا كلام في الضمان في صورة تعذر الوصول الي ماله إذا صدق عليه التلف عرفا للأدلة المتقدمة، و للنصوص الكثيرة الدالة عليه منطوقا و مفهوما الواردة في السرق و الضياع، و لا حاجة الي نقلها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 363

لكن ظاهر اطلاق الفتاوي الاخير كما يظهر من اطلاقهم ان اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل إلي قيمته إلي أن يبلغ الساحل، و يؤيده أن فيه جمعا بين الحقين (1) بعد فرض رجوع القيمة إلي ملك الضامن عند التمكن من العين،

______________________________

انما الكلام فيما إذا لم يصدق عليه التلف عرفا.

و قد استدل علي الضمان بمعني لزوم دفع البدل المسمي عندهم ببدل الحيلولة- بوجوه:

الأول: قاعدة نفي الضرر «1» بدعوي ان صبر المالك الي حين الوصول إليه ضرر عليه فجاز له الزام الغاصب بالبدل.

و فيه: ان قاعدة نفي الضرر انما تنفي الحكم الضرري و حكم الموضوع الضرري،

و لا تدل علي ثبوت حكم و لا علي لزوم تدارك الضرر المتحقق كما حقق في محله.

الثاني: قاعدة اليد بدعوي ان

اداء العين كما يكون باداء بدلها عند تلفها يكون باداء بدل الحيلولة.

و فيه: ان مفاد حديث علي اليد «2» ان كان هو اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف فعدم دلالته علي الضمان ببدل الحيلولة واضح، و ان كان بقاء العين في العهدة الي حين الخروج عنها فهو انما يدل علي لزوم اداء العين ما دامت موجودة و تدارك ماليتها باداء حصة مماثلة لها بعد التلف. و بعبارة اخري: ما دامت موجودة لا يكون اداء بدل الحيلولة أداء لها، و لذا لا تخرج عن ملك مالكها، و لو كان ذلك أداء لها كان اللازم خروجها عن ملكه.

(1) الثالث: ان في ادائه جمعا بين الحقين، بعد فرض رجوع البدل الي الضامن لو ارتفع التعذر.

و فيه: ان الحق الثابت للمالك انما هو بالإضافة الي العين نفسها لا بد لها مع بقائها.

مع انه علي فرض التنزل يمكن الجمع بين الحقين بوجه آخر و هو الزام الضامن بالشراء، بل هذا الجمع اولي كما لا يخفي.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 12 من ابواب كتاب احياء الموات.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90- كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 364

فان تسلط الناس علي مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه (1) نظير ما تقدم في تسلطه علي مطالبة القيمة للمثل المتعذر في المثلي، نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك علي اداء القيمة اشكل الحكم،

______________________________

(1) الرابع: قاعدة السلطنة «1».

اما بدعوي السلطنة علي مطالبة العين للتوسل بها الي مطالبة البدل واخذه.

أو بدعوي ان من شئون السلطنة علي العين السلطنة علي ماليتها. و بعبارة اخري:

للعين شئون

ثلاثة: من حيث الشخصية، و من حيث الطبيعة النوعية، و من حيث المالية.

و تعذر مطالبة الأولي لا يمنع عن مطالبة غيرها.

أو بدعوي السلطنة علي مطالبة السلطنة علي الانتفاعات بما له.

و في الجميع نظر.

اما الأولي: فلأن السلطنة علي مطالبة العين مع امكان ردها ثابتة و لازمها السعي في ذلك بالسعي في مقدماته لارد البدل، و مع عدم امكانه لا تكون ثابتة لعدم القدرة،

و الامتناع بالاختيار و ان كان لا ينافي الاختيار الا انه عقابا لا خطابا.

و أما الثانية: فلأن مالية العين القائمة بها، اي تلك الحصة الخاصة من المالية يتعذر مطالبتها بتعذر مطالبة العين، و المالية القائمة ببدلها حصة اخري من المالية، و لم تثبت السلطنة علي مطالبتها.

و أما الثالثة: فلأن السلطنة علي الانتفاعات بما له ساقطة للتعذر.

الخامس: انه فوت سلطنة المالك و اتلفها فيجب عليه تدارك ذلك.

و فيه: ان ما للمالك انما هو الملك لا السلطنة، بل هي من الأحكام المترتبة عليه،

فلا يتعلق بها الضمان.

السادس: اطلاق النصوص المتقدمة.

و فيه: انها ظاهرة أو منصرفة الي صورة صدق التلف عرفا.

السابع: الإجماع، و هو كما تري.

______________________________

(1) البحار ج 1- ص 154 الطبع القديم- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 365

______________________________

فتحصل: انه لا دليل علي بدل الحيلولة كما اعترف به جمع من المحققين، نعم بما ان الغاصب فوت منافع العين علي المالك يكون ضامنا للمنافع. و قد تقدم تفصيل القول في ذلك.

مورد بدل الحيلولة

الجهة الثانية: في بيان مورد بدل الحيلولة.

فاعلم: انه إذا تمكن الغاصب من رد العين و لكنه لم يرد بل حال بين العين و مالكها، ليس هناك بدل الحيلولة، بل يكون الغاصب مكلفا برد العين، كما انه إذا تلفت العين أو تلف جميع الانتفاعات

في جميع الأزمنة خرجت بذلك عن الملكية، كصيرورة الخل خمرا، ام لا، كما إذا انكسرت المرآة، أو تلف بعض الانتفاعات في جميع الأزمنة،

كما لو صار الحيوان موطوءا فانه لم يتلف منه الا الانتفاعات به دائما في بلد الوطء لا في سائر البلاد، ليس هناك بدل الحيلولة.

بل مورده ما إذا تلفت جميع الانتفاعات في بعض الأزمنة لعدم تمكن الضامن من الرد.

ثمّ ان مورده ما إذا كان التعذر لعارض خارجي، و أما إذا كان ذلك من جهة ان رد العين مستلزم لخروجها عن المالية كالخيط المغصوب الذي خيط به الثوب- إذ قد يكون اخراجه من الثوب موجبا لتلفه- أو لخلطه بمال آخر، فلا يكون موردا لبدل الحيلولة و لا يعتبر فيه سوي ما ذكر، و عليه فصوره اربع سوي الصورة الملحق فيها المال بالتلف، إذ ربما يرجي التمكن من العين قريبا، و ربما يرجي بعد مضي مدة طويلة. و علي التقديرين اما ان يتعذر علي المالك اعادة العين، و انما يرجي ان تعود بنفسها كطائر اعتاد العود، و أما ان لا يتعذر. و علي القول بثبوت بدل الحيلولة يثبت في جميع هذه الصور، و لا وجه لتخصيصه بما إذا كان يرجي التمكن بعد مدة طويلة. نعم إذا كان زمان التعذر يسيرا جدا لا يكون مشمولا لما تقدم من الأدلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 366

ثمّ الظاهر عد اعتبار التعذر المسقط للتكليف، بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعي في مقدماته، لم يسقط القيمة زمان السعي، لكن ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذر و هو الاوفق باصالة عدم تسلط المالك علي ازيد من الزامه برد العين (1)

فتأمل

______________________________

الجهة الثالثة: في بيان ان التعذر الموضوع لهذا الحكم هل هو التعذر المسقط

للتكليف.

قد استدل للاول بوجهين.

(1) احدهما ما في المتن و هو اصالة عدم تسلط المالك علي ازيد من الزامه برد العين الذي كان قبل التعذر، خرج عن ذلك ما إذا تعذر بالتعذر المسقط للتكليف.

ثانيهما انه مع عدم التعذر المسقط يكون مكلفا برد العين، و لا يجتمع التكليف برد العين و البدل.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن الأدلة التي اقاموها علي ثبوت بدل الحيلولة مقتضي اطلاقها ثبوته في مورد التعذر العرفي ايضا، و معه لا مورد للرجوع الي الأصل.

و أما الثاني: فلأن مورد التكليف بالبدل زمان الاشتغال بالمقدمات، و مورد التكليف برد العين هو زمان ما بعد المقدمات.

و لكن الحق في المقام هو التفصيل بين كون زمان الأشغال بالمقدمات، قصيرا جدا، فلا يكون ثابتا و بين غيره، فيكون ثابتا و لا يخفي وجهه.

ثمّ ان السيد الفقيه اورد علي المصنف قدس سره بعد قوله ثمّ الظاهر عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف بقوله: لا يخفي ان هذا ليس مطلبا آخر، بل هو نفس الوجه الأخير الذي ايده بان فيه جمعا بين الحقين، كما ان تعبير البعض بالتعذر هو نفس الوجه الأول و هو اليأس من الوصول، فلا وجه للتكرار.

و فيه: ان في المقام بحثين:

احدهما: انه هل يعتبر في ثبوته اليأس عن الوصول الي الأبد أم لا؟ الثاني: في انه هل يعتبر التعذر المسقط للتكليف ام لا؟ و بين الجهتين عموم من وجه، إذ اليأس من الحصول ربما لا يوجب سقوط التكليف لعدم كونه متعذرا عقلا، كما ان العلم بوجدانه أو رجائه قد يوجب سقوط التكليف فعلا للتعذر العقلي، و علي هذا فلا مورد لإيراده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 367

و لعل المراد به التعذر في الحال و ان كان لتوقفه علي

مقدمات زمانية يتاخر لاجلها ذو المقدمة، ثمّ إن ثبوت القيمة مع تعذر العين، ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقا للضامن، فلا يجوز للمالك الامتناع، بل له أن يمتنع من أخذها،

و يصبر إلي زوال العذر، كما صرح به الشيخ في المبسوط و يدل عليه قاعدة تسلط الناس علي اموالهم (1) و كما ان تعذر رد العين في حكم التلف، فكذا خروجه عن التقويم،

______________________________

الزام المالك باخذ البدل

الجهة الرابعة: في الأحكام المتفرعة عليه بعد ثبوته.

و تنقيح القول فيها في ضمن مسائل:

الأولي: هل يكون دفع البدل حقا للضامن فله الزام المالك باخذه، ام ليس له ذلك.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره علي الثاني: بقاعدة تسلط الناس علي اموالهم «1».

و فيه: ان المراد بذلك ان كان هو السلطنة علي الامتناع من قبول بدل الحيلولة،

فيرد عليه: ان بدل الحيلولة ان صار ملكا له مع عدم مطالبته، فامتناعه عن قبوله كامتناعه عن قبول نفس العين لا يؤثر في عدم الخروج عن العهدة بدفعه.

و ان لم يصر ملكا له فلا اضافة له إليه كي يشمله دليل السلطنة.

و ان كان المراد به السلطنة علي الامتناع من اخذ بدل الحيلولة من جهة كونه بدلا عن ماله- و بعبارة اخري: السلطنة علي الامتناع من اخذ بدل ماله- فيرد عليه: ان بدل الحيلولة ان قلنا انه غرامة يدفعها الضامن و ليس بازاء العين، فلا يزاحم ذلك للسلطنة الثابتة للمالك علي ماله. و ان قلنا له عوضه قهرا فدليل السلطنة لا يمنع عنه لأخصية دليله حينئذ من دليلها. نعم بناء علي ان للمالك المعاوضة الاختيارية يتم ذلك، لكنه بمراحل عن الواقع.

و الحق في المقام اختلاف حكم المسألة باختلاف مداركه، إذ لو كان مدركه

______________________________

(1) البحار ج 2 ص

272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 368

ثمّ ان المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في المبسوط و الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهرهم ارادة نفي الخلاف بين المسلمين، و لعل الوجه فيه ان التدارك لا يتحقق الا بذلك و لو لا ظهور الاجماع، و ادلة الغرامة في الملكية لاحتملنا ان يكون مباحا له اباحة مطلقة و ان لم يدخل في ملكه (1) نظير الاباحة المطلقة في المعاطاة علي القول بها فيها، و يكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين، و حكي الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي رحمه الله في اجوبة مسائله،

______________________________

قاعدة اليد أو اطلاق النصوص كان ذلك حقا للضامن، فان حاله حينئذ كحال سائر امواله.

و أما ان كان المدرك قاعدة نفي الضرر، أو كون ذلك من باب الجمع بين الحقين أو الإجماع، فللمالك الامتناع من اخذه، فان الضرر ينتفي بثبوت حق للمالك في مطالبة البدل، كما ان الجمع بين الحقين يكون بذلك، و قاعدة السلطنة علي فرض دلالتها علي ذلك تدل علي ان للمالك السلطنة علي مطالبة ماله للتوسل به الي اخذ بدله، فله ان لا يطالب، و المتيقن من الإجماع صورة المطالبة.

في ان بدل الحيلولة ملك للمضمون له أو مباح

المسألة الثانية: في ان بدل الحيلولة هل هو ملك للمضمون له أو مباح؟ فقد استدل للثاني بوجهين:

(1) الاول: ما ذكره المصنف قدس سره، ه لصحمو: ان الفائت بسبب التعذر السلطنة المطلقة علي العين، فاللازم تداركها بسلطنة توازيها باداء مماثل العين، لأن معني الضمان ذهاب العين من مال الضامن، و لازم تلك فيما إذا كان الضمان بمعني انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية قيام مقابله مقامه في السلطنة لا في الملكية ليكون مقابلا

و تداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة، و حيث ان السلطنة علي الانتفاعات لا تقتضي الملك من اول الأمر عنده قده، فلذا اختار الإباحة لو لا الإجماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 369

و علي أي حال فلا ينتقل العين الي الضامن (1) فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه و دخول العين في ملكه، و ليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض و المعوض، فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له و قد استشكل في ذلك المحقق و الشهيد الثانيان. قال: الأول في محكي جامعه ان هنا اشكالا، فإنه كيف يجب القيمة و يملكها الاخذ و يبقي العين علي ملكه و جعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه، انتهي.

______________________________

اما ان الإباحة المطلقة هل تقتضي الملك من اول الأمر ام لا، فقد اشبعنا الكلام فيه في المعاطاة.

و أما ان ادلة بدل الحيلولة هل تدل علي الملك أو الإباحة فالحق هو التفصيل، إذ لو كان المدرك هو الجمع بين الحقين لما اقتضي ذلك ازيد من الإباحة، و لو كان المدرك غيره كان مقتضاه هو الملك، إذ قاعدة اليد تدل علي كون المبذول بدلا عن مالية العين، كما ان قاعدة السلطنة الدالة علي السلطنة علي مطالبة مالية ماله تقتضي ذلك، إذ مع عدم الملك لا يكون اعتبارها اعتبار مالية غير ماله، و قاعدة نفي الضرر ايضا تقتضي ذلك فان ضمان القيمة هناك كضمانها في صورة التلف و قاعدة نفي الضرر تدل علي ضمان البدل لأن عدمه، ضرري.

الثاني: انه حيث تكون العين باقية علي ملكه، فلو ملك البدل لزم منه الجمع بين العوض و المعوض.

و فيه: اولا: انه سيأتي

الكلام في ان العين تنتقل عنه ام لا.

و ثانيا: انه يمكن ان يقال: ان ثبوت البدل من باب الغرامة لا المعاوضة. فتأمل.

ثمّ ان هذا كله في غير صورة التلف العرفي، و أما في تلك الصورة فلا ينبغي التوقف في الملكية للأدلة الدالة علي ثبوت البدل فيها المتقدمة.

في ان العين هل تنتقل الي الضامن ام لا

المسألة الثالثة: في ان العين هل تنتقل الي الضامن ام لا؟

(1) قال المصنف و علي اي حال فلا ينتقل العين الي الضامن.

لا اشكال في عدم الانتقال بناء علي عدم صيرورة البدل ملكا للمالك، و أما بناء علي الملكية ففي موارد التلف الحقيقي أو العرفي لا كلام ايضا في خروجه عن ملكه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 370

و قال الثاني ان هذا لا يخلو من اشكال من حيث اجتماع العوض و المعوض علي ملك المالك من دون دليل واضح، و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا و توقف تملك المغصوب منه للبدل علي اليأس من العين و إن أجاز له التصرف،

كان وجها في المسألة انتهي. و استحسنه في محكي الكفاية أقول: الذي ينبغي أن يقال هنا: أن معني ضمان العين ذهابها من مال الضامن، و لازم ذلك إقامة مقابله من ماله مقامه ليصدق ذهابه من كيسه ثمّ ان الذهاب إن كان علي وجه التلف الحقيقي، أو العرفي المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه في الملكية، و إن كان الذهاب بمعني انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية، وجب قيام مقابله مقامه في السلطنة لا في الملكية ليكون مقابلا و تداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة، نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة

الفائتة متوقفة علي الملك لتوقف بعض التصرفات عليها وجب ملكيته للمبذول تحقيقا لمعني التدارك و الخروج عن العهدة، و علي أي تقدير، فلا ينبغي الاشكال في بقاء العين المضمونة علي ملك مالكها (1) إنما الكلام في البدل المبذول، و لا كلام أيضا في وجوب الحكم بالاباحة و بالسلطنة عليها، و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ الي أن إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك، هل يستلزم الملك من حين الاباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التصرف. و قد تقدم في المعاطاة بيان ذلك،

______________________________

اما في الأول: فواضح.

و أما في الثاني: فلأن الملكية من الاعتباريات، و الاعتبار انما يكون بلحاظ الأثر،

و بدونه لغو، فلا يكون هناك اعتبار الملكية.

و أما في غير ذينك الموردين، فقد اضطربت فيه كلمات الأعلام غاية الاضطراب،

و محصل القول: ان في مسألة وجوها و اقوالا:

احدها: ان الضامن يملك العين التي ادي عوضها مطلقا.

(1) الثاني: انه لا يملكها كذلك. اختاره المصنف قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 371

ثمّ انه قد تحصل مما ذكرنا ان تحقيق ملكية البدل، أو السلطنة المطلقة عليه، مع بقاء العين علي ملك مالكها انما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا، اما لو لم يفت الا بعض ما ليس به قوام الملكية فالتدارك لا يقتضي ملكه و لا السلطنة المطلقة علي البدل و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته، حينئذ لم يبعد انكشاف (كشف) ذلك عن انتقال العين إلي الغارم (1)

______________________________

(1) الثالث ما مال إليه المصنف و اختاره بعض المحققين و هو عدم الملكية فيما إذا كان الفائت معظم الانتفاعات، و الملكية فيما إذا لم يكن الفائت الا بعض ما ليس به

قوام الملكية.

و الاظهر هو الأول، و ذلك لوجهين:

الأول: ان اهل العرف يفهمون من الأمر بدفع البدل حصول المعاوضة و المبادلة بين العينين، و صيرورة كل منهما ملكا للآخر، و بدلا عنه.

الثاني: ان مقتضي عنوان التدارك و الغرامة ذلك، إذ مع فرض عدم التلف و بقاء مقدار من المالية للمتعذر لو حكم الشارع بتدارك ماليته بتمامه بعنوان تدارك ما في العهدة و بعنوان انه اداء للمتعذر لا مناص عن الالتزام بخروجه عن ملكه، و حيث ان كون المتعذر من المباحات الأصلية لم يقل به احد فلا بد من البناء علي صيرورته ملكا للضامن.

و استدل للثاني: بمنع تلك الاستفادة و الفهم العرفي من ادلة الضمان.

و بان التكليف باداء البدل يمكن ان يكون بعنوان الغرامة لا بعنوان البدلية، و الغرامة لا تقتضي كون العين ملكا للضامن، فان العين التالفة يضمن الضامن قيمتها و لا تكون ملكا له.

و بالجملة: الغرامة سادة للثلمة التي وردت علي ملك المالك، فلا يقتضي لزومها علي الغارم دخول العين في ملكه لأنها ليست بدلا عن نفس العين.

و فيه: انه مع بقاء العين علي مقدار من المالية، سد الثلمة لا يكون باعطاء كمال القيمة، فاعطاء تمامها مع فرض كون الغرامة لا بعنوان العقوبة و المجازاة بل بعنوان تدارك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 372

و لذا استظهر غير واحد ان الغارم، لقيمة الحيوان الذي وطئه يملكه، لأنه و ان وجب بالوطي نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر لكن هذا لا يعد فواتا لما به قوام المالية،

هذا كله مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها علي مقدار ملكيتها السابقة. اما لو خرج عن التقويم مع بقائها علي صفة الملكية فمقتضي قاعدة الضمان، وجوب كمال القيمة مع

بقاء العين علي ملك المالك، لأن القيمة عوض الاوصاف و الاجزاء التي خرجت العين لفواتها عن التقويم (1) لا عوض العين نفسها، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فإن بقائها علي ملك مالكها لا ينافي معني الغرامة لفوات معظم الانتفاعات فيقوي عدم جواز المسح بها الا باذن المالك،

______________________________

ما في العهدة، يستلزم خروج العين عن ملكه و دخولها في ملك الضامن.

و استدل للثالث: بانه مع فوات معظم الانتفاعات لا محالة يكون اداء القيمة غرامة،

و هي، لا تقتضي انتقال العين الي الغارم.

و أما مع فوات بعضها فعنوان الغرامة لا يقتضي اداء تمام القيمة، فالأمر باداء تمامها يكشف عن المعاوضة الشرعية.

و فيه: ان ما ذكره في الشق الأول يتم في صورة التلف العرفي، و أما في غيره فليس التالف مما يسوي بتمام القيمة كما عرفت.

فتحصل: ان الأظهر صيرورته ملكا للضامن.

(1) قوله لان القيمة عوض الاوصاف و الاجزاء … عن التقويم.

بل القيمة عوض عن العين بلحاظ ماليتها الثابتة لها، بلحاظ الاوصاف.

و ظاهر هذه العبارة انه لو كانت القيمة عوض العين نفسها لزم منه انتقال العين الي الضامن و هذا و ان كان حقا.

الا انه ينافي ما تقدم منه قدس سره، حيث قال و علي أي حال، فلا تنتقل العين الي الضامن،

فهي غرامة لا تلازم فيه بين خروج المبذول عن ملكه و دخول العين في ملكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 373

و لو بذل القيمة، قال في شرح القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، و لو طلب المالك نزعها و ان أفضي إلي التلف وجب (1) ثمّ يضمن الغاصب النقص و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة، انتهي. (2)

و عطف علي ذلك قوله و لا يوجب

ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من ان جناية الغاصب توجب اكثر الامرين، و لو استوعب القيمة اخذها و لم تدفع العين، انتهي.

و عن المسالك في هذه المسألة انه ان لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه، كما سبق فيجمع بين العين و القيمة لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن ان لا يجوز و يتعين القيمة، لكونه بمنزلة التلف، و حينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه يجب رده، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل و قبل المسح انتهي.

______________________________

(1) عبارة القواعد هكذا و لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة وجب نزعها مع الامكان فإن خيف تلفها فالقيمة انتهي.

احتمل في هذا المورد و امثاله امور:

منها: ان يجب بدل الحيلولة لتعذر وصول المالك الي ماله.

و منها: اشتراك مالك الثوب و مالك الخيوط في قيمة الثوب بعد الخياطة.

(2) و منها: كونها من موارد التلف.

و الأظهر هو الأخير، إذ قيمة الثوب و ان زادت بالخياطة الا ان زيادتها و لو مقدارا منها ليست بازاء الخيوط، و ان صارت هي سببا لازدياد قيمة العين، و قد مر عدم كون المورد من موارد بدل الحيلولة، بل تعد هذه الموارد عند العرف من موارد التلف، فيكون الغاصب ضامنا لقيمة الخيوط، و قد مر ان ذلك يوجب صيرورتها ملك الضامن، و عليه فلا يجب نزعها و ان طلبه المالك، و تجوز الصلاة في هذا الثوب المخيط كما افتي به في محكي مجمع البرهان و استجوده صاحب الجواهر قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص:

374

و استجوده بعض المعاصرين، ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه، لصيرورته عوضا شرعا، و فيه أنه لا منشأ لهذا الاقتضاء و ادلة الضمان قد عرفت ان محصلها يرجع الي وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء كان الذاهب نفس العين، كما في التلف الحقيقي أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليتها كغرق المال، أو كان الذاهب الأجزاء أو الاوصاف التي يخرج بذها بها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته و لا يخفي أن العين علي التقدير الأول خارج عن الملكية عرفا، و علي الثاني السلطنة المطلقة علي البدل، بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين. و هذا معني بدل الحيلولة، و علي الثالث فالمبذول عوض عما خرج المال بذها به عن التقويم لاعن نفس العين، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الاوصاف التي تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية، كيف و لم تتلف هي و ليس له علي تقدير التلف ايضا عهدة مالية. بل الأمر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال (1) بل، لو استلزم رده ضررا ماليا علي الغاصب امكن سقوطه (2) فتأمل.

و لعل ما عن المسالك من ان ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالاخراج، فتعين القيمة فقط، محمول علي صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء المستدخل فيه الخشبة كما لا يأبي عنه عنوان المسألة فلاحظ. و حينئذ فلا تنافي ما تقدم عنه سابقا (3) من بقاء الخيط علي ملك مالكه و ان وجب بذل قيمته.

______________________________

(1) قوله بل الامر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال.

و لعل الوجه في وجوب الرد في المقام، مع عدم شمول الادلة، لان موضوعها المال و ماله

عهدة مالية، و المفروض خروج المغصوب عن ذلك و كونه غير مال.

اطلاق قوله «1» عليه السلام لان الغصب كله مردود.

(2) قوله امكن سقوطه.

لحديث لا ضرر، اللهم الا ان يدعي ان ما دل علي ان الغاصب يؤخذ باشق الاحوال يشمل الغاصب المؤدي لمالية المال، فلا يرفع حكمه بحديث لا ضرر.

و لعله اشار الي ذلك بامره بالتأمل، الا ان الشأن في مدرك هذه العبارة.

(3) قوله فلا تنافي ما تقدم عنه سابقا.

لان عدم وجوب الرد في المقام انما هو لاجل المانع لا لعدم المقتضي و هو الملكية.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الغصب حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 375

ثمّ ان هنا قسما رابعا، و هو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية فيه (1) كما لو صار الخل المغصوب خمرا فاستشكل في القواعد وجوب ردها مع القيمة.

______________________________

حق الأولوية

(1) قوله: ثمّ ان هنا قسما رابعا و هو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية.

الكلام في هذا الفرع يقع في جهات:

الأولي: في بقاء حق الأولوية بعد زوال الملكية: و قد استدل له بامور:

الأول: ما افاده المحقق النائيني قدس سره و غيره، و هو: ان الحق ليس أمرا مغايرا للملك،

بل هو من شئونه و مراتبه الضعيفة المندكة تحت القوي، لأنه عبارة عن اضافة خاصة بين المستحق و المستحق عليه، و هي حاصلة للمالك و محفوظة في جميع الحالات المتواردة علي الملك.

و فيه: ان الملكية و الحق من الاعتباريات الشرعية و العرفية، لا من المقولات،

و الاعتبار لا اشتداد فيه و لا حركة، و كل من الملك و الحق اعتباري غير الآخر.

الثاني: ان حق الاولوية من آثار الملك، فمع زواله غاية الأمر يشك في ارتفاعه،

فيستصحب بقائه.

و

فيه: ان ما هو اثر الملك انما هو الحكم التكليفي من قبيل جواز التصرف فيه و نحوه، و هو غير حق الاولوية، مع ان لازم كونه اثرا له ارتفاعه بارتفاعه.

و بالجملة: حق الأولوية الذي هو اعتبار خاص ليس من آثار الملك.

الثالث: انه قد دل الدليل علي ان المالك احق بماله، فيستفاد من ذلك كون حق الاولوية من مقارنات الملك، و لو شك في زواله بارتفاع الملك يستصحب ذلك.

و فيه: ان ما دل عليه الدليل المزبور انما هو اولوية المالك بالتصرف في ماله من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 376

و لعله من استصحاب وجوب ردها و من ان الموضوع في المستصحب ملك المالك، إذ لم يجب الا رده و لم يكن المالك الا اولي به، الا ان يقال: ان الموضوع في الاستصحاب عرفي. (1) و لذا كان الوجوب مذهب جماعة، منهم: الشهيدان و المحقق الثاني و يؤيده انه لو عاد خلا ردت الي المالك بلا خلاف ظاهر.

______________________________

غيره، و هذا غير ثبوت حق الاولوية.

الرابع: الاجماع.

و فيه: انه ليس تعبديا، و لعل مستند المجمعين ما تقدم.

فالصحيح ان يستدل لثبوته بالسيرة العقلائية و بناء العقلاء علي ذلك، و اظن انه لا ريب في بنائهم عليه، و حيث لم يردع عنه الشارع فيستكشف امضاؤه لذلك.

الجهة الثانية: في وجوب رده علي القول بعدم انتقاله الي الضامن.

بناء علي ثبوت حق الاولوية لا شك في وجوبه، فانه كما يجب رد الملك يجب رد ما هو متعلق الحق.

و لو شك في وجوب رد متعلق الحق، فهل يجري استصحابه نظرا الي كون الملكية من الجهات التعليلية لوجوب الرد لا التقييدية.

(1) فالموضوع عند العرف يكون باقيا.

ام لا يجري لكونه من الجهات التقييدية؟ وجهان: اظهرهما الأول.

و أما بناء

علي عدم ثبوته، فجريان الاستصحاب و عدمه مبنيان علي ما تقدم.

الجهة الثالثة: في انه مع فرض ثبوت حق الاولوية هل يكون ذلك للمالك أو الضامن؟ و الأظهر هو الثاني لاقتضاء الغرامة ذلك، و لبناء العقلاء عليه. فالضامن احق من غيره.

حكم الزيادة العينية و ارتفاع القيمة السوقية

المسألة الرابعة: في حكم الزيادة العينية و ارتفاع القيمة. السوقية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 377

ثمّ ان مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع سواء كان للسوق أو للزيادة المتصلة بل المنفصلة كالثمرة، و لا يضمن منافعه (1) فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك. و عن التذكرة و بعض آخر ضمان المنافع، و قواه في المبسوط بعد أن جعل الاقوي خلافه. و في موضع من جامع المقاصد انه موضع توقف و في موضع آخر رجح الوجوب.

______________________________

(1) قوله فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع … و لا يضمن منافعه.

عن العلامة قدس سره و بعض آخر: ضمان المنافع، و رجحه في موضع من جامع المقاصد،

و الظاهر ان المشهور بين الأصحاب العدم، و هو الأظهر.

اما علي ما اخترناه من صيرورة العين المتعذرة ملكا للضامن فواضح.

و أما علي المسلك الآخر فلأنه قد خرج الضامن عن عهدة العين و ادي ماليتها،

فليس له بعد ادائها عهدة العين الثابتة بعلي اليد و غيره من ادلة الضمان، فلا شي ء يقتضي الضمان.

نعم إذا وضع يده عليها ثانيا أو علي نمائها حصل الضمان.

و بالجملة: بعد خروج الضامن عن عهدة العين يكون حاله بالإضافة الي ذلك الملك حال غيره من الأجانب، و عليه فكون النماء حادثا في ملك المالك لا يقتضي ضمانه، كما ان اليد السابقة التي خرج عن عهدتها لا تقتضي ذلك.

فالأظهر عدم

الضمان.

و استدل للقول الآخر: بان المال حيث يكون باقيا علي ملك مالكه و ارتفعت ماليته و قيمته، فالضامن كما يكون سببا للحيلولة بين المال و صاحبه، يكون سببا للحيلولة بين تلك الزيادة و المالك، و الغرامة المدفوعة تدارك للمالية قبلا لا المالية فعلا، فيجب تداركها.

و فيه: ان هذه الحيلولة ليست اخري بل بقاء لتلك الحيلولة، و المفروض انه خرج عن عهدتها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 378

ثمّ ان ظاهر عطف التعذر علي التلف في كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر و قبل الدفع (1) كالحاصل بعد التلف لكن مقتضي القاعدة ضمانه له لأن مع التلف يتعين القيمة، و لذا ليس له الامتناع من اخذها بخلاف تعذر العين فإن القيمة غير متعينة فلو صبر المالك حتي يتمكن من العين كان له ذلك و يبقي العين في عهدة الضامن في هذه المدة، فلو تلف كان له قيمتها من حين التلف أو اعلي القيم إليه أو يوم الغصب علي الخلاف، و الحاصل ان قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذر، و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف، مع الحكم بضمان الاجرة و النماء الي دفع البدل، و ان تراخي عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا، فمقتضي القاعدة ضمان الارتفاع الي يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر في المثلي، ثمّ انه لا إشكال في انه إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها الي (2) مالكها، كما صرح به في جامع المقاصد فورا و ان كان في احضارها مئونة كما كان قبل التعذر، لعموم علي اليد

ما اخذت حتي تؤدي (3)

______________________________

(1) قوله الحاصل بعد التعذر و قبل الدفع.

قد عرفت ان مقتضي القاعدة ضمان الارتفاع بعد التلف قبل الدفع ايضا، و علي فرض الالتزام بالانتقال و اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف الذي هو مبني عدم ضمان الارتفاع بعد التلف نلتزم به في المقام من حين التعذر، فانه من اول تحقق التعذر لا يكون مكلفا برد العين بل برد القيمة فينتقل التكليف من العين الي القيمة.

إذا ارتفع التعذر يحب رد العين

(2) المسألة الخامسة: إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا، فهل يجب ردها كما في المتن ام لا؟ وجهان.

و قد استدل لذلك بوجوه:

(3) الاول: ما في المتن و هو: ان مقتضي عموم علي اليد ما اخذت المغيي بالاداء هو ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 379

و دفع البدل لأجل الحيلولة. (1) انما افاد خروج الغاصب عن الضمان بمعني انه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك، و استلزم (و لازم) ذلك علي ما اخترناه عدم ضمان المنافع و النماء المنفصل و المتصل بعد دفع الغرامة، و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي، فلا يجوز استصحابه بل مقتضي الاستصحاب (2)

و العموم هو الضمان المدلول عليه، بقوله عليه السلام علي اليد ما أخذت المغيي بقوله حتي تؤدي.

و هل الغرامة المدفوعة تعود ملكها الي الغارم بمجرد طرو التمكن فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله، أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو اعلي القيم أو انها باقية علي ملك مالك العين، و كون العين مضمونة بها لا بشي ء آخر في ذمة الغاصب فلو تلفت استقر ملك المالك علي الغرامة فلم يحدث في العين الا حكم تكليفي بوجوب رده.

______________________________

و فيه: انه ان قلنا بالملكية- اي العين

بدفع الغرامة تصير ملكا للضامن- فلا موضوع لعلي اليد.

و ان قلنا ببقائها علي ملك المالك، فيرد عليه: انه علي الفرض حيث خرج عن عهدة العين بدفع البدل و اداء المالية- فلا وجه لعود مقتضي اليد مع عدم وضع اليد عليه ثانيا.

و دعوي ان العموم المزبور يدل علي تعهد الاخذ بالعين تداركا وردا، و دفع الغرامة انما يكون تداركا للمالية، و انما يسقط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي، و إذا ارتفع التعذر وجب عليه الرد لكونه من آثار تعهده به حين الأخذ كما افاده بعض مشايخنا المحققين، و لعله الي هذا يشير.

(1) قوله قدس سره: و دفع البدل لاجل الحيلولة … الخ.

مندفعة بان علي اليد انما يدل علي كون المال المأخوذ في العهدة ما لم يؤد، فإذا فرضنا كون دفع البدل أداء فلا وجه لوجوب الأداء ثانيا.

و بعبارة اخري: انما يجب دفع البدل من جهة كونه أداء، و معه لا وجه لوجوبه ثانيا.

و ان شئت قلت: انه لا يدل علي وجوب الرد تكليفا، و انما يدل علي الضمان خاصة.

(2) الثاني: ما في المتن ايضا، و هو: استصحاب وجوب الرد.

و فيه: انه ان اريد به استصحاب الوجوب التنجيزي، فيرد عليه: انه ارتفع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 380

و أما الضمان و عهدة جديدة فلا؟ وجهان، اظهرهما الثاني لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة و عدم طرو ما يزيل ملكيته عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا (1) و مجرد عود التمكن لا يوجب عود سلطنة المالك حتي يلزم من بقاء مالكيته علي الغرامة الجمع بين العوض، و المعوض، غاية ما في الباب قدرة الغاصب علي اعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة و وجوبها عليه، و حينئذ فإن دفع العين

فلا اشكال في زوال ملكية (مالكية) المالك للغرامة.

______________________________

بالتعذر فلا وجه لاستصحابه.

و ان اريد استصحاب الوجوب التعليقي.

فيرد عليه: ان التمكن ليس من قيود الطلب شرعا، بل هو شرط عقلي في كل واجب، فلا يكون الوجوب بسببه تعليقيا.

اللهم الا ان يقال: انه اما ان نقول باشتراط كل تكليف بالتمكن شرعا، فلا محالة يصير الوجوب تعليقيا، و لا مانع من استصحابه في المقام علي القول بجريان الاستصحاب التعليقي.

و ان قلنا بانه شرط عقلي، بمعني انه مع عدم التمكن لا يحكم العقل بلزوم متابعة المولي، و ان كان التكليف باقيا شرعا فيستصحب الوجوب التنجيزي في المقام.

و عليه فالحق ان يورد علي هذا الأصل: بانه مع الخروج عن عهده العين لا يجب ردها تكليفا لاختصاص الأدلة بصورة بقاء العهدة.

الثالث: ما افاده السيد قده و المحقق النائيني قدس سره، و حاصله: ان البدلية المفهومة من الأدلة انما هي بدلية ما دام التعذر و موقتة، فإذا ارتفع التعذر يعود كما كان.

و فيه: انه في موارد صدق التلف عرفا تكون الغرامة بدلا دائميا بمقتضي اطلاق النصوص، و في موارد بدل الحيلولة علي القول به مقتضي الأدلة من علي اليد و غيره كون دفع البدل في حال التعذر أداء للعين و خروجا عن عهدتها لا ما دام متعذرا. و بعبارة اخري: التعذر علة للحدوث لا ان البدلية تدور مداره وجودا و عدما.

(1) و لو شك في ذلك لكفي الاستصحاب في بقاء البدلية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 381

و توهم: ان المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمان التعذر،

فلا يعود لعدم عود مبدله ضعيف في الغاية بل كان بدلا عن اصل السلطنة يرتفع بعودها، فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه أو خروجه

عن ملكه بناقل لازم بل جائز،

و لا يجب رد نمائه المنفصل و لو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة أو لا، إذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك إلي الغارم فإن الغرامة عوض السلطنة (1) لا عوض قدرة الغاصب علي تحصيلها للمالك فتأمل.

نعم للمالك مطالبة عين ماله، لعموم: الناس مسلطون علي اموالهم. و ليس ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة، حتي سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها علي الوجه المقصود من الاملاك، و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة (2)

______________________________

الرابع: الإجماع، و هو كما تري.

فالصحيح ان يستدل له ببناء العقلاء، بدعوي ان بناءهم علي العود في امثال المقام مما يكون البدل لا من باب الابراء عن الخصوصية أو المعاوضة الشرعية، بل تنازلا عن الخصوصية الشخصية، كان المتنازل هو المالك أو الشارع ولاية عليه. فتدبر فانه دقيق.

(1) قوله فان الغرامة عوض السلطنة.

و فيه ان الغرامة علي فرض كونها بدل السلطنة، انما تكون بدلا عن السلطنة علي المطالبة، أي امكان وضع اليد علي العين، و لو بواسطة قدرة الغاصب.

لا عن السلطنة الفعلية و لذا لو كان الغاصب من الاول قادر اعلي الدفع لم يكن بدل الحيلولة ثابتا.

(2) قوله و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة.

مراده ان البدل لو كان بدل السلطنة.

علي المطالبة لكان يباح لغيره ممن له تلك كالولي فان له السلطنة علي مطالبة مال المولي عليه من الغاصب، فان المفروض كونه بدل السلطنة علي المطالبة، و هي له مع انه لا يباح له الغرامة بلا كلام، فيستكشف من ذلك عدم كونها بدلا عنها.

و فيه ان المدعي كونها بدلا عن السلطنة علي مطالبة المالك، لما له لينتفع به، لا مطلق السلطنة

علي المطالبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 382

و مما ذكرنا يظهر انه ليس للغاصب حبس العين (1) الي ان يدفع المالك القيمة، كما اختاره في التذكرة و الايضاح و جامع المقاصد، و عن التحرير الجزم بأن له ذلك.

و لعله لأن القيمة عوض. اما عن العين، و أما عن السلطنة عليه و علي أي تقدير،

فيتحقق التراد، و حينئذ فلكل من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتي يتسلم ما بيد الآخر، و فيه ان العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا. و لذا تحقق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة، فالمالك مسلط عليها و المعوض لغرامة السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالتراد، اللهم الا ان يقال له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة و هي السلطنة الفائتة، و الاقوي الاول، ثمّ لو قلنا بجواز الحبس لو حبسه فتلفت العين محبوسا فالظاهر انه لا يجري عليه حكم المغصوب لأنه حبسه بحق، نعم يضمنه لأنه قبضه لمصلحة نفسه. و الظاهر انه بقيمة يوم التلف علي ما هو الاصل في كل مضمون و من قال بضمان المقبوض باعلي القيم يقول به هنا من زمان الحبس الي زمان التلف. و ذكر العلامة في القواعد انه لو حبس فتلف محبوسا فالاقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع القيمة الاولي.

و الظاهر ان مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة، بناء علي زوال حكم الغصب عن العين لكونه محبوسا بغير عدوان، لا خصوص حين التلف و كلمات كثير منهم لا يخلو عن اضطراب.

______________________________

(1) قوله مما ذكرناه يظهر انه ليس للغاصب حبس العين.

ما ذكره قدس سره اولا من انه مع بقاء الغرامة علي ملك المالك لا مورد لحبس الغاصب العين إذ ما لم يرد

العين، لا يستحق الغرامة، فكيف يجوز له حبسها لاجلها و ان كان تاما،

الا ان الاظهر هو عدم جواز الحبس حتي بناء علي عود الغرامة الي الغاصب، كانت الغرامة بدلا، عن العين أو السلطنة- إذ جواز الحبس، حكم تعبدي ثبت في المعاملات،

و في غيرها لا دليل عليه.

فما يظهر من ذيل كلامه من دوران جواز الحبس و عدمه مدار كون العين عوضا أو معوضا- غير تام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 383

ثمّ ان اكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب، لكن الظاهر ان اكثرها بل جميعها حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، إذ ليس في الغصب خصوصية زائدة. نعم ربما يفرق من جهة نص في المغصوب مخالف لقاعدة الضمان، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاد، أو أعلي القيم علي ما تقدم من الشهيد الثاني دعوي دلالة الصحيحة عليه،

و أما ما اشتهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا. (1)

و لنختم بذلك احكام المبيع بالبيع الفاسد و ان بقي منه آخر اكثر مما ذكرنا و لعل بعضها يجي ء في بيع الفضولي.

______________________________

(1) قوله و أما ما اشتهر من ان الغاصب ماخوذ باشق الاحوال فلم نعرف له ماخذا قد تطابق النص و الفتوي علي ان الغاصب يلزم بالاشق علي وجه تقدم علي قاعدة لا ضرر و لا حرج.

و إليه يشير ما رواه السيد الرضي في نهج البلاغة قال امير المؤمنين عليه السلام الحجر الغصب في الدار رهن علي خرابها قال يروي هذا الكلام للنبي صلي الله عليه و آله «1».

فانه يدل علي لزوم رد المال الي صاحبه و ان استلزم خراب الدار اجمع بل ظاهر كلمات جمع من

الفقهاء ان هذه الجملة معقد اجماع.

و في الجواهر بل قد يقال ان للمالك اخذ ماله من الغاصب الممتنع عن دفعه في كل حال و ان استلزم ذلك تلف نفس الغاصب مع فرض عدم التمكن منه الا في الحال المزبور انتهي.

______________________________

(1) باب 1 من ابواب الغصب حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 384

الكلام في شروط المتعاقدين (1)

مسألة: [من شروط المتعاقدين البلوغ]
اشارة

المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي (2) بل عن الغنية: الاجماع عليه و ان اجاز الولي.

و في كنز العرفان: نسبة عدم صحة عقد الصبي الي اصحابنا و ظاهره ارادة التعميم لصورة اذن الولي. و عن التذكرة: ان الصغير محجور عليه بالنص و الاجماع، سواء كان مميزا ام لا في جميع التصرفات الا ما استثني كعباداته و اسلامه و احرامه و تدبيره و وصيته و ايصال الهدية و اذنه في الدخول

______________________________

عقد الصبي
اشارة

(1) المقصد الرابع: في شرائط المتعاقدين.

و هي: البلوغ، و العقل، و القصد و الاختيار.

تنقيح القول: بالبحث في مسائل:

(2) الاولي: المشهور كما عن الدروس و الكفاية: بطلان عقد الصبي.

معاملة الصبي تتصور علي وجوه:

الأول: كونه مستقلا فيها كان ذلك في امواله أو في اموال غيره، أذن الولي أو لم يأذن.

الثاني: ما إذا أذن الولي مع كون المعاملة مستندة إليه و يكون من قبيل الوكيل المفوض.

الثالث: كونه آلة محضة، بمعني كون المعاملة معاملة الولي ان كانت في امواله،

و معاملة الموكل ان كانت في اموال غيره، و يكون الصبي منشئا فقط. و مرجع منعه من التصرف علي النحو الاخير الي كون قصده للانشاء كلا قصد، و من قبيل بيع الهازل و النائم و محل الكلام هو الصبي المميز.

و أما غير المميز فلا اشكال في بطلان معاملاته حتي بالنحو الاخير لعدم قصده لمدلول العقد.

و المصنف قدس سره استظهر من عبارة التذكرة دعوي الاجماع علي بطلان عقده بالنحو الاخير ايضا، و مورد استظهاره منها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 385

علي خلاف في ذلك انتهي. و استثناء ايصال الهدية و اذنه في دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثني منه لمطلق افعاله (1) لأن الايصال و الاذن ليسا من التصرفات

القولية و الفعلية.

و انما الأول آلة في ايصال الملك، كما لو حمله علي حيوان أو ارسلها.

و الثاني كاشف عن موضوع تعلق عليه اباحة الدخول و هو رضا المالك،

______________________________

(1) استثنائه ايصال الهدية، و اذنه في دخول الدار من التصرفات التي ادعي الاجماع علي محجوريته فيها، مع انهما ليسا من التصرفات القولية أو الفعلية، فاستكشف من ذلك شمول المستثني منه لمطلق افعاله.

و يرد عليه قده: ان عدم حجية فعله في الأول، و قوله في الثاني في حكايتهما بالتصرف في مال الغير باخذ الهدية و الدخول في الدار لا يقتضي عدم العبرة بقصده للانشاء لرجوع ذلك الي عدم تصديق الصبي كالفاسق، فاستثناؤهما لا يكشف عن شمول المستثني منه لمطلق افعاله.

و بعبارة اخري: استثنائه اياهما من كون الصبي محجورا عليه شرعا يقتضي حمل كلامه قدس سره علي ارادة الايصال و الاذن- الذين هما من التصرفات الشرعية- لا الالية المحضة، فلا مناص عن حملهما علي ارادة كونهما فعل الوكيل أو قوله الكاشفين عن اهداء المالك و اذنه في الدخول، و لا كلام في ان هذا التصرف تصرف استقلالي للصبي و ليسا من قبيل اجراء الصيغة.

و علي هذا فثبوت الشهرة و الاجماع علي بطلان عقده بالمعني الاخير محل نظر،

بل منع.

و كيف كان: فلا بد من البحث في الادلة.

و الكلام فيها يقع في مقامين.

الأول: في ادلة المنع.

الثاني: في ادلة الجواز.

اما الأول: فقد استدل له بامور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 386

______________________________

الأول: الآية الشريفة (و ابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم اموالهم) «1».

و تقريب الاستدلال بها علي المنع: ان الظاهر من الآية الشريفة من جهة جعل البلوغ غاية الابتلاء و الامتحان، و غير ذلك من القرائن كون جواز

الدفع مشروطا بشرطين: البلوغ و الرشد، فمفهومها عدم جواز الدفع مع السفاهة أو الصباوة، و ليس ذلك الا من جهة حجره في تصرفاته، بل المراد من عدم الدفع ذلك.

فان قلت: ان ظاهر الآية الشريفة من جهة الامر بالدفع وجوب الدفع بعد البلوغ و الرشد فمفهومها عدم الوجوب قبل ذلك، و هذا يلائم مع الجواز.

فلا تدل الآية علي عدم الجواز.

اجبنا عنه: اولا: انه لو جاز الدفع لوجب لعدم جواز امساك مال الغير، فمفهومها عدم جواز الدفع قبل ذلك و وجوب حفظ امواله و عدم رده إليه.

و ثانيا: ان هذا الامر لو روده مورد الحظر و المنع لا يستفاد منه الوجوب، فدلالة الآية الشريفة علي محجورية الصبي في الجملة لا كلام فيها.

انما الاشكال في انها هل تدل علي المنع عن التصرفات مستقلا بالمعني الاول خاصة ام تدل علي المنع عنها بالمعني الثاني، ام تدل علي الغاء تصرفه بالمرة.

الظاهر هو الوسط، فان الآية من جهة توجيه الخطاب فيها الي الولي، و تضمنها المنع عن الدفع قبل البلوغ، تدل علي عدم استقلال الصبي في معاملاته في امواله و ان اذن له الولي، و لكنها لا تدل علي جعل انشائه كلا انشاء مع عدم كون التصرف تصرفا له، بل من تصرفات وليه، و كون البيع بيعه مثلا، فالآية تدل علي عدم نفوذ ما يعد تصرفا له و لو مع اذن الولي، و هي و ان اختصت بامواله الا انه يكفي في منعه عن التصرفات في مال غيره

______________________________

(1) النساء، آية 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 387

و احتج علي الحكم في الغنية بقوله صلي الله عليه و آله رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم، و عن المجنون حتي يفيق، و

عن النائم حتي يستيقظ. (1) و قد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار، و قال: أن مقتضي رفع القلم ان لا يكون لكلامه حكم، و نحوه الحلي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا،

و تبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة و غيره،

______________________________

عدم القول بالفصل.

(1) الثاني: حديث رفع القلم عن الصبي الذي رواه في محكي الخصال عن ابن الضبيان عن أمير المؤمنين عليه السلام في سقوط الرجم عن الصبي: اما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم. الحديث «1».

و روي عن قرب الاسناد عن الامام علي عليه السلام في سقوط القصاص و الدية في ماله:

و قد رفع عنهما القلم. «2» و في موثق عمار عن الامام الصادق عليه السلام عن الغلام متي يجب عليه الصلاة؟ قال عليه السلام: إذا اتي عليه ثلاث عشر سنة، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم. الحديث «3». و نحوها غيرها.

و عن الشيخ في المبسوط في مسألة الاقرار: ان مقتضي رفع القلم ان لا يكون لكلامه حكم.

و اورد عليه بايرادات:

ثلاثة منها ما في المتن و حيث ان المصنف يتعرض لها بعد اسطر فنحن تبعا له نتعرض لها في ما بعد/ رابعها: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان المراد بالقلم لو كان قلم التكليف كان المراد خصوص التكاليف الالزامية، و ذلك بقرينة الرفع، فان مناسب مادة الرفع

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.

(2) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2.

(3) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 388

______________________________

رفع ما في حمله كلفة و ثقل

و مشقة و ليس ذلك الا في الاحكام اللزومية.

و فيه: انه يصح اسناد الرفع الي كل ما يصح اسناد الوضع إليه لانهما متقابلان، فلا وجه للاختصاص ببعض الاحكام.

خامسها: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره ايضا، و هو: ان تأثير الانشاء في حصول عنوانه المنشأ كالبيع تأثير تكويني في امر اعتباري، فيكون كتأثير سيفه في القطع، و هذا لا يرفعه حديث الرفع، و أما رفع الآثار الشرعية المترتبة شرعا علي ذلك العنوان المتولد علي ان لا يكون البيع الحاصل بانشائه محكوما باحكام البيع فذلك في البشاعة يساوق القول بعدم ترتب آثار الموت علي من مات بسيفه، و معلوم بالقطع ان حديث الرفع لا يرفع الا احكاما مترتبة بلا واسطة علي فعل الصغير لا أحكاما مترتبة عليه حتي مع الواسطة.

و فيه: ان تأثير الانشاء في حصول العنوان ليس تكوينيا بل هو جعلي، غاية الأمر حصوله في نظر الشارع متوقف علي القيود الشرعية، و ان كان حصوله في نظر العاقد غير متوقف عليه.

و بالجملة: قد مر في اول الكتاب ان في البيع مثلا يعتبر البائع و المشتري الملكية و يتحقق ذلك في اعتبارهما، ثمّ ان كانت المعاملة واجدة للقيود المعتبرة عند العقلاء فيه يعتبر العقلاء ذلك ايضا، و الا فلا، و كذلك بالاضافة الي الشارع، فلو كان البلوغ من تلك القيود بنظره الاقدس لا تعتبر الملكية، و لا يكون العنوان متحققا في اعتباره، و هذا لا يستلزم شيئا من المحاذير المتقدمة.

ثمّ ان المحقق النائيني قدس سره اختار دلالته علي بطلان عقد الصبي حتي بالمعني الثالث بدعوي انه يدل علي كون الصبي مسلوب العبارة، فان الظاهر من قوله عليه السلام رفع القلم عنه ما هو المتعارف بين الناس و

الدائر علي ألسنتهم من ان فلانا رفع القلم عنه و لا حرج عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 389

و استدلوا ايضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السلام ان الجارية إذا زوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها و جاز امرها في الشراء و الغلام لا يجوز امره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتي يبلغ خمسة عشر سنة، الحديث. و في رواية ابن سنان: متي يجوز امر اليتيم؟ قال: حتي يبلغ اشده،

قال: ما اشده، قال: احتلامه. و في معناهما روايات اخر لكن الانصاف ان جواز الامر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرف لأن الجواز مرادف للمضي فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف علي الاجازة، كما يقال بيع الفضولي غير ماض، بل موقوف

______________________________

و اعماله كاعمال المجانين، فهذه الكلمة كناية عن ان عمله كالعدم، و رفع عنه ما جري عليه القلم، فلا ينفذ فعله و لا يمضي عنه، فان ما صدر عنه لا ينسب إليه.

و فيه: انه يدل علي رفع قلم الوضع و التكليف عن الصبي، و لازم ذلك بطلان عقده بالمعنيين الاولين دون الثالث، فان العقد الصادر من الصبي باذن الولي له نسبتان: نسبة الي الصبي، و نسبة الي الولي، غاية الأمر نسبته إليه انما تكون بالتسبيب، و لا منافاة بين عدم نفوذ ما هو عقد الصبي بالمباشرة و نفوذ ما هو عقد الولي، إذ القلم رفع عن الصبي لاعن الولي.

هذا علي فرض تسليم صدق كون العقد و البيع عقد الصبي مع كونه مجري الصيغة،

خاصة و كون طرف المعاملة عند العرف هو الولي، و الا فعدم دلالته علي سلب عبارته اوضح.

الثالث: النصوص

الدالة بالمنطوق و المفهوم علي عدم جواز امر الصبي في البيع و الشراء «1».

و قد ذكر المصنف روايتين منها و هما خبر حمزة و رواية ابن سنان.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب عقد البيع و شروطه و باب 2 من أبواب كتاب الحجر. و باب 44 من ابواب الوصايا و غير تلكم من الابواب المختلفة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 390

و يشهد له: الاستثناء في بعض تلك الاخبار بقوله الا ان يكون سفيها (1) فلا دلالة لها حينئذ علي سلب عبارته. و انه إذا ساوم وليه متاعا و عين له قيمته و امر الصبي بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا، و كذا لو اوقع ايجاب النكاح أو قبوله لغيره باذن وليه.

______________________________

و تقريب الاستدلال بها: انها بالاطلاق تدل علي عدم نفوذ بيعه و شرائه حتي مع اذن الولي، فتدل علي البطلان حتي بالمعني الاخير.

و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره: بانها في مقام بيان ان الاحتلام شرط في نفوذ امر الصبي و ليست في مقام بيان عدم نفوذ امره قبله و لو مع اذن الولي.

و فيه ان بعض تلك النصوص منطوقه يدل علي عدم نفوذ امره قبله، و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين اذن الولي و عدمه.

و الحق ان يقال: ان دلالتها علي بطلان عقد الصبي بالمعنيين الاولين لا تنكر.

الا انها لا تدل علي البطلان بالمعني الاخير، إذ لو كان الصبي مجري الصيغة خاصة لا يستند البيع و الشراء إليه، و علي هذا بنوا عدم ثبوت خيار المجلس لمجري الصيغة لعدم صدق البيع عليه، فالبيع انما يكون بيع الولي أو الموكل و الامر امره، و مجرد الصيغة لا تكون موضوع النفوذ و عدمه.

و لو تنزلنا

عن ذلك فلا اقل من ان مثل هذا البيع له نسبتان: نسبة إلي الصبي، و نسبة الي الولي أو الموكل، فلا مانع من نفوذه و مضيه بالاعتبار الثاني كما تقدم.

(1) قوله و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الاخبار بقوله الا ان يكون سفيها.

وجه الشهادة: ان السفيه ليس مسلوب العبارة، فمن استثنائه يعلم ان المراد عدم استقلاله في التصرف.

و فيه: انه لو كان مفاد هذه الاخبار- بحسب ظواهرها- عدم نفوذ امر الصبي و لو في اجراء الصيغة خاصة، هذا الاستثناء لا ينافيه، بل غاية ما هناك كنا نقول ان هذه الاخبار تدل بالاطلاق علي كونه ايضا مسلوب العبارة، الا ان الدليل دل علي خلاف ذلك، فلا يحكم بكونه مسلوب العبارة لدليل آخر لو كان، و الا فلا مانع من الالتزام بكونه ايضا مسلوب العبارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 391

و أما حديث رفع القلم ففيه:

أولا: أن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الاحكام (1) و لذا بنينا كالمشهور علي شرعية عبادات الصبي.

و ثانيا: أن المشهور علي الألسنة أن الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين (2) فلا مانع من ان يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ أو علي الولي إذا وقع باذنه و اجازته، كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ،

و حرمة تمكينه من مس المصحف

______________________________

و قد اورد المصنف علي دلالة حديث رفع القلم علي بطلان عقد الصبي بوجوه.

(1) احدها: ان الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الاحكام.

و فيه: اولا: انه لا شاهد لهذا الحمل، بل الظاهر منه قلم جعل الاحكام، و لا أقل من الاطلاق.

و ثانيا: ان مورد بعض هذه النصوص القصاص و ثبوت الدية و هما ليسا من قبيل المؤاخذة علي مخالفة

التكليف، بل من قبيل الحكم الوضعي.

و ثالثا: ان المراد لو كان رفع فعلية المؤاخذة مع ثبوت الاستحقاق فيكون مقتضاه العفو كان ذلك مما يقطع بخلافه، و ان كان المراد رفع الاستحقاق فهو لا يصح الا مع رفع الحكم الذي هو منشأ هذا الحكم العقلي.

(2) ثانيها: ان المشهور علي الالسنة ان الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين،

فلا مانع من كون عقده سببا فعليا للوجوب التعليقي- اي وجوب الوفاء بعد البلوغ- و يكون هذا الوجوب منشأ انتزاع الوضع لعدم اختصاص منشئه بالوجوب الفعلي المنجز.

و فيه: ان ما هو المشهور انما هو ثبوت الوضع في حقه في الجملة في قبال عدم ثبوت التكليف اللزومي بقول مطلق لا ثبوت الاحكام الوضعية في حقه مطلقا، كيف و قد اشتهر بينهم بطلان عقد الصبي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 392

و ثالثا: لو سلمنا اختصاص الاحكام حتي الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين (1) فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم الي وقت البلوغ.

و بالجملة: فالتمسك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي،

و ما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين. فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظمية، و الا فالمسألة محل اشكال، و لذا تردد المحقق في الشرائع في اجازة المميز باذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية و استشكل فيها في القواعد و التحرير، و قال في القواعد و في صحة بيع المميز باذن الولي نظر، بل عن الفخر في شرحه ان الاقوي الصحة مستدلا بأن العقد إذا وقع باذن الولي، كان كما لو صدر عنه، و لكن لم اجده. فيه و

قواه المحقق الاردبيلي علي ما حكي عنه، و يظهر من التذكرة عدم ثبوت الاجماع عنده حيث قال: و هل يصح بيع المميز و شرائه؟ الوجه عندي انه لا يصح و اختار في التحرير صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده، و ذكر المحقق الثاني انه لا يبعد بناء المسألة علي ان افعال الصبي و اقواله شرعية ام لا، ثمّ حكم بأنها غير شرعية و ان الاصح بطلان العقد.

______________________________

(1) ثالثها: انه لو سلمنا اختصاص الاحكام الوضعية ايضا بالبالغين، لكن لا مانع من كونه جزء السبب للملكية بعد البلوغ بان يكون الجزء الآخر البلوغ، و مع ذلك ليس للطرف الآخر نقض العقد لكون العقد موضوعا لوجوب الوفاء، و ان لم يؤثر في الملكية كما في معاملة الفضولي مع الاصيل، فانه يجب علي الثاني الوفاء بالعقد مع عدم حصول الملكية.

و بهذا البيان اندفع ايراد المحقق النائيني قدس سره عليه بانه: لا يمكن التفكيك في الآثار بين البالغ و غيره، إذ لو افاد عقد الصبي الملكية فلا يمكن ان لا يؤثر فعلا و يصير ذا اثر بعد البلوغ.

و فيه: انه بعد الالتزام باختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين لا سبيل الي الالتزام بكون عقده جزء المؤثر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 393

و عن المختلف انه حكي في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدل علي صحة بيع الصبي.

و بالجملة فالمسألة لا يخلو عن اشكال و ان اطنب بعض المعاصرين في توضيحه حتي الحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه فالانصاف ان الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة و الاجماع المحكي عن التذكرة بناء علي ان استثناء الاحرام الذي لا يجوز الا باذن الولي شاهد علي ان مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة،

لا نفي الاستقلال في

التصرف و كذا اجماع الغنية بناء علي ان استدلاله بعد الاجماع بحديث رفع القلم دليل علي شمول معقده للبيع باذن الولي، و ليس المراد نفي صحة البيع المتعقب بالاجازة، حتي يقال أن الاجازة عند السيد (ابن زهرة) غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل. و لو كان غير مسلوب العبارة، كالبائع الفضولي، و يؤيد الاجماعين ما تقدم عن كنز العرفان، نعم لقائل أن يقول: إن ما عرفت من المحقق و العلامة و ولده و القاضي و غيرهم خصوصا المحقق الثاني: الذي بني المسألة علي شرعية أفعال الصبي يدل علي عدم تحقق الاجماع، و كيف كان. فالعمل علي المشهور و يمكن أن يستأنس له أيضا بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عمد الصبي و خطاه واحد (1) كما في صحيحة ابن مسلم و غيرها، و الاصحاب و ان ذكروها في باب الجنايات الا انه لا إشعار في نفس الصحيحة. بل و غيرها بالاختصاص بالجنايات.

______________________________

(1) الرابع: النصوص المتضمنة لكون عمد الصبي خطأ:

كصحيح محمد بن مسلم عن مولانا الصادق عليه السلام: عمد الصبي و خطأه واحد. «1» و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ان الاحكام المترتبة علي الافعال مع القصد و العمد لا تترتب علي افعال الصبي، و ان اعماله عن قصد كالاعمال الصادرة عن غيره بلا قصد، فعقده كعقد الهازل و النائم.

و تنقيح القول بالبحث في جهتين.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة من كتاب الديات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 394

______________________________

الاولي: في انه هل تدل الاخبار علي ان قصد الصبي كلا قصد، ام تدل علي ان- اي الفعل الصادر عن عمد- خطأ، اي حكمه حكم الفعل الخطئي؟ ظاهر الاخبار بل

صريحها هو الثاني، مع ان حملها علي الأول مستلزم لتخصيص الاكثر، إذ لازمه صحة صلاته لو تعمد بالتكلم، و ايجاد غيره من الموانع، و صحة صومه لو اكل من الصبح الي الغروب، و انه لو حاز شيئا لا يملكه و يجوز اخذه منه، و غير ذلك من الاحكام التي لا مناص عن الالتزام بخروجها عنها بناء علي هذا المعني.

الثانية: في انه علي المعني المختار هل تعم النصوص باب المعاملات ام تختص بباب الجنايات؟ وجهان: اقواهما الثاني.

و ذلك لوجهين.

الأول: ان العمد و الخطأ انما يتصوران في الامور التي لها واقع محفوظ، و ذلك الامر قد يترتب علي سببه قهرا و آخر عن قصد، و الامور المتوقف تحققها علي القصد كالعقود و الايقاعات حيث انها لا تتحقق بدون القصد، فلا يتصور فيها الخطأ، إذ لو قصدها تقع و الا فلا لا انها تقع خطأ.

الثاني: ان تنزيل شي ء منزلة آخر انما يصح إذا كان للمنزل عليه اثر ليكون التنزيل بلحاظه، كما في القتل، فان اثر الخطأ منه كون الدية علي العاقلة، و أما ما لا حكم لخطئه كباب المعاملات- علي فرض تسليم الخطأ فيها- فلا يصح فيه هذا التنزيل.

و بعبارة اخري: انها تدل علي وحدة حكم عمد الصبي و خطأه، و هذا انما يصح فيما كان لكل منهما حكم يخصه، فاريد بهذه العبارة افادة الاتحاد في خصوص الصبي، و معلوم ان تعدد حكم العمد و الخطأ و اختلافهما في الحكم انما يكون في خصوص باب الجنايات.

و قد ذكر السيد قده في الحاشية وجهين آخرين لاختصاص النصوص بباب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 395

و لذا تمسك بها الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر علي ان اخلال الصبي المحرم بمحظورات

الاحرام التي يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة علي الصبي، و لا علي الولي لأن عمده خطأ. و حينئذ فكل حكم شرعي تعلق بالافعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد، فما يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبي و ايقاعه مع القصد كعقد الهازل و الغالط و الخاطئ و ايقاعاتهم بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الاخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم (1) و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام انه كان يقول: المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة. و قد رفع عنهما القلم، الي آخره. فإن ذكر رفع القلم في الدليل ليس له وجه ارتباط، الا بأن تكون علة لأصل الحكم و هو ثبوت الدية علي العاقلة أو بأن تكون معلولة لقوله عمدهما خطأ، يعني انه لما كان

______________________________

الجنايات:

احدهما: ان في ذيل بعض «1» تلك النصوص هذه العبارة تحمله العاقلة أو جعل الدية علي قومه و لا ريب في ان مثل هذه النصوص مختصة بباب الجنايات، و هي تكون قرينة علي غيرها.

و فيه: انه لا وجه لحمل المطلق في المقام علي المقيد لكونهما مثبتين.

ثانيهما: ان النصوص غير المذيلة بما ذكر انما تكون مطلقة لا عامة، و القدر المتيقن منها باب الجنايات.

و فيه: ان القدر المتيقن لا يمنع عن التمسك بالاطلاق، فالصحيح ما ذكرناه

(1) و المصنف ره بعد ما اشكل علي دلالة حديث رفع القلم علي بطلان عقد الصبي

قال: بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد «2» من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة حديث 3 و 5 و باب 36 من أبواب القصاص في النفس.

(2) الوسائل باب 36 من ابواب القصاص في النفس حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 396

قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع، و في الواقع رفع القلم عنهما، و لا يخفي ان ارتباطها بالكلام علي وجه العلية و المعلولية للحكم المذكور في الرواية، اعني عدم مؤاخذة الصبي و المجنون بمقتضي جناية العمد و هو القصاص، و لا بمقتضي شبه العمد و هو الدية، في مالهما لا يستقيم الا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا، من حيث العقوبة الاخروية و الدنيوية المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية. (1) و عدم ترتب ذلك علي افعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة اخروية أو دنيوية، و علي هذا، فإذا التزم علي نفسه مالا باقرار أو معاوضة و لو باذن الولي فلا اثر له في الزامه بالمال و مؤاخذته به و لو بعد البلوغ (2) فإذا لم يلزمه شي ء بالتزاماته، و لو كانت باذن الولي فليس ذلك الا لسلب قصده و عدم العبرة بإنشائه إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات علي نفسه لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة اذن الولي، و قد فرضنا الحكم مطلقا فيدل بالالتزام علي كون قصده في انشاءاته و اخباراته مسلوب الأثر.

______________________________

(1) و تقريب استظهار المطلب منه: ان قوله و قد رفع عنهما القلم لا وجه لذكره الا كونه

علة للحكم- و هو ثبوت الدية علي العاقلة- أو معلولا لقوله عليه السلام عمدهما خطأ و علي اي تقدير يدل علي ان قصد الصبي كلا قصد، فانه يدل حينئذ علي عدم اختصاص الرفع بالمؤاخذة و انه عام لكل ما التزم علي نفسه من المال باقرار أو معاوضة، و يدل انه لا أثر له في الزامه بالمال و مؤاخذته به بعد البلوغ

(2) و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين اذن الولي و عدمه، و عدم ترتب الاثر علي التزامه حتي مع اذن الولي لا يكون الا لسلب قصده و عدم العبرة بانشائه.

و يرد عليه- مضافا الي ما عرفت من ظهور حديث رفع القلم في رفع جميع الاحكام في نفسه و مع ذلك لا يدل علي سلب قصده. فراجع.

انه ليس علة للحكم، و لا معلولا لعمدهما خطأ اما الأول: فلخلوه عن اللام و الفاء الدالتين علي ذلك، مضافا الي انه اما ان تؤخذ العلة رفع القلم مطلقا، أو رفع القلم في باب الجنايات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 397

______________________________

فان كان الاول فاجنبية العلة عن الحكم المعلل واضحة، إذ اي ربط بين رفع قلم التكليف بالصوم و الصلاة و ثبوت الدية علي العاقلة،

و ان كان الثاني فغاية ما يمكن ان يقال في توجيه الارتباط: ان دم المسلم لا بد و ان يتدارك، و لا يكون ذلك من بيت المال، فلا بد و ان يكون من مال الصبي او من العاقلة،

فحيث ان القلم مرفوع عن الصبي فيكون من العاقلة و هذا مضافا الي مخدوشيته في نفسه إذ اي دليل علي لزوم التدارك، ثمّ أي دليل علي عدم كونه، من بيت المال، و أي دليل علي الدوران المزبور، ان لازم ذلك تعليل

ثبوت احد الضدين بنفي الضد الآخر، و هو كما تري.

و أما الثاني: أي عدم كونه معلولا، فلمخالفته في كيفية التعبير من حيث الاشتمال علي كلمة قد الدالة علي تحقق مدخولها و خلو جملة تحمله العاقلة عنها،

مضافا الي انه من المعلوم انه هذه الجملة اي جملة عمدهما خطأ ليست في مقام بيان امر تكويني بل متضمنة لبيان امر تشريعي و عليه فيتحد مفادها مع مفاد رفع القلم،

فلا وجه لجعل احدهما علة للآخر.

و الحق في المقام ان يقال: ان عمدهما خطأ متكفل في نفسه لبيان حكمين بنحو الاجمال، و قد بينهما الامام عليه السلام بجملتين اخريين: احداهما: ثبوت الدية علي العاقلة، و الاخري عدم ثبوت شي ء علي الصبي، و بين الأولي بقوله تحمله العاقلة و الثانية بقوله و قد رفع فهاتان الجملتان تفسير ان للجملة الاولي من دون ان يكون هناك علية أو معلولية.

فتحصل من مجموع ما ذكرناه: ان المستفاد من الادلة بطلان عقد الصبي إذا كان مستقلا، و صحته إذا كان باذن الولي أو اجازته.

ادلة القول بصحة عقد الصبي

و أما المقام الثاني: فقد استدل لجواز عقد الصبي بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 398

______________________________

الأول: الآية الشريفة (و ابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم اموالهم) «1» و تقريب الاستدلال بها من وجهين.

احدهما: ما افاده أبو حنيفة و وافقه بعض المعاصرين، و هو: ان ظاهر الآية كون الابتلاء قبل البلوغ بقرينة التعبير باليتامي، و قوله تعالي حتي سواء كانت للغاية ام للابتداء، و الظاهر من الابتلاء الابتلاء بالمعاملات علي الأموال بان يأذنوا لهم في البيع و الشراء قبل البلوغ، و ذلك يقتضي صحة تصرفاتهم.

و فيه: أنه لا إشكال في دلالتها علي عدم كون الصبي مسلوب العبارة،

الا انها لا تدل علي كونه مستقلا في التصرف لحصول الابتلاء بالبيع مع اذن الولي أو اجازته، و حيث ان ظاهر ذيل الآية الشريفة- كما مر- عدم صحة تصرفاته استقلالا، فلا بد من البناء علي ذلك.

ثانيهما: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان المستفاد من الآية الشريفة ان المدار في صحة معاملات الصبي علي الرشد بان تكون الجملة الاخيرة استدراكا عن صدر الآية، و انه مع استئناس الرشد لا يتوقف في دفع المال و لا ينتظر البلوغ و ان اعتبار البلوغ طريقي اعتبر امارة الي الرشد بلا موضوعية له و فيه انه لو لم يكن الامر بدفع المال متفرعا علي الرشد بعد البلوغ لا مطلق الرشد لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء هو البلوغ، و كان ذكر حتي إذا بلغوا النكاح زائدا، و حمله علي الطريقية الي الرشد خلاف الظاهر.

الثاني: مرسل المبسوط و روي: انه إذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف.

______________________________

(1) النساء: آية 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 399

______________________________

و فيه: انه لارساله و عدم العمل حتي من مرسله به لا يعتمد عليه.

الثالث: النصوص «1» الدالة علي جواز وصيته و صدقته و عتقه، فانه لو التزم بخروجها عن حديث رفع القلم يرد عليه اباء سياقه عن التخصيص.

و فيه: اولا: ان الدليل لم يكن مختصا بحديث رفع القلم.

و ثانيا: انه غير آب عن التخصيص،

هذا علي فرض جواز تلك التصرفات و الا فالأمر اسهل.

الرابع: السيرة التي ادعاها سيد الرياض علي ما نقل عنه الشيخ قدس سره و الانصاف انه لا ينبغي التشكيك فيها، الا ان المتيقن منها المعاملة باذن الاولياء،

بل سيد الرياض ادعاها في هذا المورد، و لا مورد للايراد عليه بانها

ناشئة عن عدم المبالاة بالدين.

الخامس: خبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام قال: نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن كسب الاماء فانها ان لم تجد زنت الا امة قد عرفت بصنعة يد، و نهي عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فانه ان لم يجد سرق «2» فان حصر كراهة التصرف فيما اكتسبه الغلام بما إذا لم يحسن صناعة بيده و احتمل سرقته اقوي شاهد علي نفوذ معاملاته.

و اجاب عنه المصنف قدس سره: بانه محمول علي موارد عدم معاملة نافذة من الصبي، اما بان لا تكون هناك معاملة اصلا- كالالتقاط المترتب عليه الملكية- أو مع كون المعاملة من الولي- كالاجارة التي اوقعها الولي- أو مع كونها عن الصبي علي نحو يجامع فساد المعاملة- كاستحقاق اجرة المثل في الاجارة التي اوقعها الصبي بغير اذن الولي

______________________________

(1) الوسائل باب 15 من أبواب كتاب الوقوف و الصدقات ج و باب 56 من أبواب كتاب العتق- و باب 44- من أبواب كتاب الوصايا.

(2) الوسائل باب 33 من ابواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 400

______________________________

أو عمل عملا بامر آمر، و من الواضح ان جواز التصرف في المكسوب في هذه الموارد لا يكشف عن نفوذ معاملات الصبي بما هو صبي.

و فيه: ان قبض الصبي المال في هذه الموارد- كما اعترف به قده قبيل ذلك لا أثر له لفرض كون اجرة المثل كلية، و كذلك الاجرة المسماة بحسب الغالب، و هو لا يتعين بقبض الصبي.

و بالجملة: غاية ما يثبت بما ذكره استحقاق الصبي للاجرة، و لكن لا يتعين ذلك فيما اقبضه من عليه، بل هو باق علي ملكه، فيحرم للولي و غيره التصرف فيه،

و به يظهر

حال الالتقاط، فانه إذا كان فعل الصبي كالعدم لا أثر لالتقاطه ايضا.

فالحق في المقام ان يقال: ان المنهي عنه اما ان يكون هو الكسب اي المعني المصدري أو يكون هو المكسوب، فان كان الأول فلا محالة يكون الموجه إليه الخطاب الولي فيكون مفاده مرجوحية نصب الولي لهم لتصدي المعاملات الا في الصناعة، و عليه فان كان النهي تحريميا لا يدل علي نفوذ معاملاته بوجه، و ان كان تنزيهيا، و ان كان يشعر بذلك، الا انه لا دليل علي حمل النهي عليه،

و ان كان الثاني كما لعله الظاهر لعدم مناسبة العلة مع الأول.

فتقريب الاستدلال به علي نفوذ معاملات الصبي انما يكون من وجوه:

احدها: من جهة التعليل، إذ لو لم تكن المعاملة نافذة كان المتعين التعليل بذلك،

فانه حينئذ كان التصرف فيه حراما لكونه ملك الغير، و ان علم بعدم السرقة لا التعليل بانه ان لم يجد سرق.

ثانيها: من جهة التقييد، إذ لو كانت معاملة غير الصبي غير نافذة من اصلها لم يكن هناك فرق بين من يحسن صناعة بيده و من لا يحسن.

ثالثها: من جهة الحكم، إذ المشهور بين الأصحاب حمل هذا النهي علي الكراهة،

فهذه آية نفوذ المعاملة و الا كان التصرف حراما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 401

ثمّ ان مقتضي عموم هذه الفقرة بناء علي كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالاتلاف (1) الحاصل منهما كما هو ظاهر المحكي عن بعض، الا ان يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع القلم، و لا يخلو من بعد و لكن هذا غير وارد علي الاستدلال،

لأنه ليس مبنيا علي كون رفع القلم علة للحكم، لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي و المجنون، فيختص رفع قلم المؤاخذة بالافعال التي

يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الاتلاف، فافهم و اغتنم.

______________________________

و في كل مناقشة:

اما الاول: فلأن هذا النهي انما هو بلحاظ هذا الاحتمال اي احتمال السرقة و لا نظر في ذلك الي نفوذ المعاملة و عدمه كي يدل علي نفوذها مع عدم ذلك، مع ان المنهي عن التصرف فيه ليس خصوص ما اكتسب بالمعاملة بل مطلق ما حصله الصبي كان بتلك ام بغيرها، فلا يدل علي نفوذ معاملته مع عدمه.

و أما الثاني: فلأن الفرق بين من يحسن صناعة بيده و غيره واضح، فانه في الأول يكون احتمال السرقة اضعف من غيره، فيكون ذكر القيد لتحقق الموضوع،

مع ان القيد لا مفهوم له.

و أما الثالث: فلعدم القرينة لحمل النهي علي الكراهة، مع ان هذا النهي انما هو بلحاظ احتمال السرقة خاصة و لا نظر فيه الي جهات اخر.

فتحصل: ان المستفاد من مجموع الادلة بطلان عقد الصبي إذا كان مستقلا في المعاملة و نفوذه إذا كان باذن الولي.

المستثنيات

(1) قوله عدم مؤاخذتهما بالاتلاف الحاصل منهما … فيخرج مثل الاتلاف و قد استثني من رفع القلم عن الصبي مواضع:

منها: اتلافه.

فان المشهور بين الأصحاب كونه موجبا لضمانه و قد استدلوا لذلك بوجوه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 402

______________________________

احدها: ما يستفاد من كلمات المصنف قدس سره، و هو: ان المستفاد من ادلة الباب بعد ضم بعضها ببعض عدم الاعتبار بما يصدر من الصبي من الافعال المعتبر فيها القصد الي مقتضاها كإنشاء العقود، فيخرج مثل الاتلاف.

و فيه: ان مقتضي عموم حديث رفع القلم رفع كل تكليف، أو وضع عن الصبي كان سببه فعله القصدي أو غير القصدي ثانيها: ما ذكره المحقق الاصفهاني و هو: ان مقتضي مناسبة الحكم و الموضوع ان كل

اثر منوط ترتبه علي الفعل بالعقل و كما له، و استشعار الفاعل فهو مرفوع عن الصبي،

فمثل الضمان المترتب علي مجرد الاتلاف غير المنوط بشي ء خارج عن عموم الآثار المرفوعة.

و فيه: ان كمال العقل انما هو من باب الحكمة لا العلة، و الا فرب غير بالغ اعقل من البالغ.

ثالثها: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه في بعض «1» النصوص جمع بين عمد الصبي خطأ و رفع القلم عنه، و هو يصلح قرينة لقصر المرفوع بقلم العمد، و ان المرفوع احكام اخذ في موضوعها العمد، و معه لا يبقي لرفع القلم عموم، و ذلك الحديث يوجب سقوط سائر النصوص المشتملة علي رفع الحكم عن الصبي، فمثل الاتلاف غير مشمول لها.

و فيه: اولا: ان عموم رفع القلم في ذلك الحديث لا محذور فيه، و مجرد تطبيقه علي مورد خاص لا يصلح قرينة لعدم ارادة العموم منه.

و ثانيا: انه لا وجه لصيرورته مسقطا لعموم سائر الروايات.

رابعها: ان حديث رفع القلم لو ورده مورد الامتنان يختص بما في رفعه منة و لا منة علي الامة في رفع الضمان لكونه خلاف الامتنان بالنسبة الي الكبير افاده المحقق الاصفهاني

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 403

ثمّ ان القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علي البالغين، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير (1) و الحاصل ان مقتضي ما تقدم من الاجماع المحكي في البيع و غيره من العقود و الاخبار المتقدمة، بعد انضمام بعضهما الي بعض: عدم الاعتبار بما يصدر من الصبي من الافعال المعتبر فيها القصد الي مقتضاها كإنشاء العقود اصالة و وكالة، و القبض و الاقباض (2) و كل

التزام علي نفسه من ضمان أو اقرار أو نذر أو ايجار.

______________________________

و فيه: انه لا قرينة لكونه واردا مورد الامتنان، بل لازم ذلك عدم شموله لبيعه، إذ ليس في رفع حليته منة علي الصبي، فالعمدة في استثنائه الاجماع ان ثبت و كان تعبديا و منها: التعزير.

(1) و قد افاد المصنف قدس سره في وجه خروجه: ان المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علي البالغين فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير و فيه اولا: انه لا شاهد لهذا التخصيص بل مقتضي عمومه شموله لكل من الأمرين و ثانيا: ان هناك شاهدا علي خلاف ذلك فان مجرد الفرق بين الصبي و البالغ في المؤاخذة و اختلاف حكمهما لا يصحح اسناد رفع القلم إليه كما لا يخفي فالصحيح في وجه خروجه قيام الدليل الخاص عليه المخصص لعموم رفع القلم.

و منها: انه إذا لاقي جزء من بدنه مع النجاسة ينجس، و لو تحقق في حقه سبب الجنابة يجنب كما هو المشهور بين الأصحاب.

و الوجه في ذلك عدم شمول حديث رفع القلم لهما في نفسه، و ذلك لأنه يعتبر ان يكون الحكم المرفوع به مترتبا علي فعل الصغير بما هو، فلا يعم مثل النجاسة المترتبة علي الملاقاة و الجنابة المترتبة علي سببها بلا دخل لفعل الصبي فيه،

و أما عدم شمول ما دل علي انه لا يجوز امر الصبي لهما فواضح.

(2) و منها: القبض. و الاقباض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 404

و قال في التذكرة: و كما لا يصح تصرفاته اللفظية كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد حصول الملك في الهبة، و ان اتهب له الولي و لا لغيره و ان اذن الموهوب له بالقبض، و لو قال مستحق الدين للمديون سلم

حقي الي هذا الصبي فسلم مقدار (قدر) حقه إليه لم يبرأ عن الدين و بقي المقبوض علي ملكه و لا ضمان علي الصبي لان المالك ضيعه حيث دفعه إليه و بقي الدين لأنه في الذمة و لا يتعين الا بقبض صحيح، كما لو قال ارم حقي في البحر فرمي مقدار حقه، بخلاف ما لو قال للمستودع سلم مالي الي الصبي أو القه في البحر لأنه امتثل أمره في حقه المعين،

و لو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن و إن كان بإذن الولي

______________________________

و ملخص القول فيه: ان القبض ربما يكون معينا للكلي و آخر يكون قبضا لمال معين.

و علي التقديرين: ربما يكون جزء السبب المملك كما في بيع الصرف و الهبة، و ربما لا يكون كذلك، و علي التقادير: ربما يكون باذن الولي و قد يكون بغير اذنه، فقد يقال بترتب الأثر علي قبضه مطلقا.

و استدل له السيد: بالسيرة عليه في الصدقات و باطلاق نصوص الكفارة الدال علي جواز اعطائها بيد الصغير «1» و بما في الزكاة الدال علي جواز اعطائها بالصغير. «2» و لكن المتيقن من السيرة اعطائها باذن الولي و نصوص الكفارة و الزكاة واردة في مقام بيان حكم آخر لا يصح الاستدلال بها في المقام، ففي محكي الجواهر: ثمّ لا يخفي ان المراد من اعطاء الأطفال في النص و الفتوي الايصال إليهم علي الوجه الشرعي بان يسلم بيد وليهم.

و الحق في المقام ان يقال: ان المقبوض ان كان شخصيا، فان لم يكن مال الصبي و لم يأذن المالك في القبض لا كلام في عدم كونه مبرءا للذمة، و ان اذن مالكه في القبض كان ذلك مبرءا للذمة، لان ذلك قبض منه و استيلاء

علي المال، إذ القبض الذي يترتب.

______________________________

(1) الوسائل باب 17 من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء و الكفارات.

(2) الوسائل باب 6 من أبواب المستحقين للزكاة و وقت التسليم و النية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 405

إذ ليس له تضييعها باذن الولي (1) و قال ايضا لو عرض الصبي دينارا علي الناقد لينقده، أو متاعا الي مقوم ليقومه فأخذه لم يجز له رده الي الصبي، بل الي وليه ان كان. فلو امره الولي بالدفع إليه فدفعه إليه برء من ضمانه إن كان المال للولي، و ان كان للصبي فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر، فإنه يلزمه ضمانه، و إذا تبايع الصبيان و تقابضا و اتلف كل واحد منهما ما قبضه فإن جري باذن الوليين فالضمان عليهما، و الا فلا ضمان عليهما، بل علي الصبيين. و يأتي في باب الحجر تمام الكلام، و لو فتح الصبي الباب و اذن في الدخول علي اهل الدار،

أو ادخل الهدية الي انسان عن اذن المهدي، فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه، انتهي كلامه رفع مقامه.

______________________________

عليه الاثر ليس هو الاخذ باليد خاصة بل هو الاستيلاء علي المقبوض المتحقق في الفرض.

و ان شئت قلت: ان المبرا للذمة اداء مال الغير فتبرأ الذمة و ان امر بالقاء ماله في البحر فألقاه.

و ان كان المال مال الصبي فان اذن له الولي في اقباضه أو اذن الصبي في قبضه برئت ذمته لانه قبض للولي.

(1) و ما افاده العلامة قدس سره من ان ذلك تضييع لمال الصبي فلا يجوز و ان أذن الولي،

غير تام، لعدم كونه تضييعا بل اقباض للولي.

و ان كان بدون اذنه لا يجوز لعدم العبرة بقبضه مستقلا.

و ان كان كليا، فان كان بدون اذن

الولي- ان كان ماله أو مال الصبي- أو بدون اذن مالكه- ان كان لغيرهما- لم تبرأ ذمته و بقي المقبوض علي ملكه.

و ان كان مع اذنه، كان ذلك قبضا معينا للكلي، و لا أقل من كونه توكيلا منه في قبض حقه و تعيينه فيما بيده ثمّ دفعه الي الصبي. فافهم و اغتنم.

معاملة الصبي في الاشياء اليسيرة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 406

ثمّ انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق في معاملة الصبي بين ان يكون في الاشياء اليسيرة أو الخطيرة (1) لما عرفت من عموم النص و الفتوي، حتي ان العلامة في التذكرة لما ذكر حكاية ان ابا الدرداء اشتري عصفورا من صبي فارسله ردها: بعدم الثبوت، و عدم الحجية، و توجيهه بما يخرجه عن محل الكلام.

و به يظهر ضعف ما عن المحدث الكاشاني من ان الأظهر جواز بيعه و شرائه، فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج، (2) انتهي. فإن الحرج ممنوع سواء اراد ان الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، ام اراد انه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس علي نصب الصبيان للبيع و الشراء في الاشياء الحقيرة، ثمّ لو اراد استقلاله في البيع و الشراء لنفسه بماله من دون اذن الولي ليكون حاصله انه غير محجور عليه في الاشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع.

______________________________

(1) قوله لا فرق في معاملة الصبي بين ان يكون في الاشياء اليسيرة أو الخطيرة و قد استدل لنفوذها في الاشياء اليسيرة بوجوه:

الأول: ان الآية و النصوص المتقدمة مختصة بالمعاملة في الاشياء الخطيرة بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع.

بتقريب: انها بمناسبة الحكم و الموضوع تدل علي عدم نفوذ امر الصبي فيما له شأن

يتفاوت فيه كامل العقل و غيره، و هو انما يكون في الأشياء الخطيرة دون المحقرات التي لها ثمن معين لا يتفاوت في الصغير و الكبير.

و فيه: ما تقدم من ان كمال العقل انما هو من قبيل الحكمة لا العلة، و الا فرب غير بالغ اكمل عقلا من البالغ.

(2) الثاني: لزوم الحرج من تصدي البالغين لجميع المعاملات حتي المعاملة علي المحقرات.

و فيه: ان لزوم الحرج من كونهم مستقلين في المعاملة ممنوع، نعم لا ننكر لزومه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 407

و أما ما ورد في رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام، (1) قال: و نهي النبي صلي الله عليه و آله عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده معللا بأنه ان لم يجد سرق

______________________________

من منعهم عن المعاملة مطلقا، و لكن قد مر أن الأظهر جواز معاملاتهم في صورة اذن الاولياء حتي في المجللات.

الثالث: ان سيرة أهل العرف من كل ملة و نحلة جرت علي ايكال المعاملات في المحقرات الي الصبيان.

و اجاب عنه المحقق النائيني قدس سره: بان السيرة مختلفة باختلاف الأشياء،

فانهم يوكلون الي من بلغ اربع سنين معاملة البقول، و إلي من بلغ ثمانية بيع اللحوم، و هكذا، و ثبوت السيرة من عصر الأئمة عليهم السلام من المتدينين بهذا التفصيل مشكل، بل المعلوم عدمها،

فلا يمكن الالتزام بكون هذه السيرة مخصصة للأدلة.

و يرد عليه قده: ان المستدل استدل بالسيرة العقلائية، و ما ذكره قدس سره انما يصلح جوابا عن سيرة المتشرعة، و بينهما فرق واضح كما لا يخفي.

فالحق ان يقال: ان الاستدلال ان كان بالسيرة العقلائية فالأدلة الدالة علي عدم نفوذ معاملات الصبيان تصلح رادعة عنها، فلا كاشف عن امضائها، و ان كان استدلالا

بسيرة المتشرعة فيرد عليه: ان ثبوتها في صورة عدم اذن الاولياء ممنوع.

(1) قوله و أما ما ورد في رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام.

اشار بذلك الي موثق «1» السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام قال نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن كسب الاماء فانها ان لم تجد زنت الا امة قد عرفت بصنعة يد و نهي عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فانه ان لم يجد سرق.

ظاهر هذه الرواية صحة معاملة الصبي اما مطلقا أو في صورة اذن الولي كما اخترناه علي ما هو القدر المتيقن من اطلاقها، لتعليله النهي بانه لو لم يجد سرق حيث انه لو كان قصده كلا قصد كان المناسب تعليله بما يفيد ذلك لا بما ذكر لان مقتضي ما ذكر عدم النهي لو علم بانه لا يسرق

______________________________

(1) الوسائل باب 33 من ابواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 408

فمحمول علي عوض كسبه من التقاط أو اجرة عن اجارة اوقعها الولي أو الصبي بغير اذن الولي، أو عن عمل امر به من دون اجارة، فاعطاه المستأجر أو الامر اجرة المثل فإن هذه كلها مما يملكه الصبي (1) لكن يستحب للولي و غيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوي الصبي فيه، لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن اموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات. و كيف كان فالقول المذكور في غاية الضعف، نعم ربما صحح سيد مشايخنا في الرياض (2)

هذه المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة ممن له اهلية التصرف من جهة استقرار السيرة و استمرارها علي ذلك. و فيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم

المبالاة في الدين، كما في سيرهم الفاسدة. (3)

و يؤيد ذلك ما يري من استمرار سيرتهم علي عدم الفرق بين المميزين و غيرهم و لا بينهم و بين المجانين، و لابين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولي اصلا و معاملتهم لأوليائهم علي سبيل الالية، مع ان هذا مما لا ينبغي الشك في فساده خصوصا الاخير

______________________________

مع انه لم يكن وجه للتقييد بالذي لا يحسن صناعة بيده، إذ علي فرض كون قصده كلا قصد لم يكن فرق بينه و بين ما يقابله

(1) و اجاب عن ذلك المصنف في المتن بان الخبر انما يدل علي الصحة لو كان الكسب في الخبر بمعناه المصدري أي الاكتساب و ايجاد ما هو سبب لتحصيل المال، و ليس كذلك بل هو بمعناه الاسم المصدري أي المكتسب و عوض الكسب و فائدته من التقاط أو اجرة عن اجارة اوقعها الولي أو الصبي باذن الولي فان هذه كلها مملوكة للصبي و يستحب للولي و غيره الاجتناب عنه،

و يرد عليه ان المعني المصدري و اسم المصدري واحد و هما مختلفان اعتبارا فالتفصيل بينهما في غير محله

(2) قوله ربما صحح سيد مشايخنا و مثله صاحب مفتاح الكرامة، و استدلاله بالسيرة و اجاب المصنف عنه في الرياض.

(3) بان السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 409

مع ان الاحالة علي ما جرت العادة به كالاحالة علي المجهول (1) فان الذي جرت عليه السيرة هو الوكول الي كل صبي ما هو فطن فيه بحيث لا يغلب في المساومة عليه فيكلون الي من بلغ ست سنين شراء باقة بقل أو بيع بيضة دجاج بفلس و إلي من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما،

و إلي من بلغ اربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكلون إليه امور التجارة في الاسواق و البلدان و لا يفرقون بينه و بين من اكمل خمسة عشر سنة و لا يكلون إليه شراء مثل القري و البساتين و بيعها الا بعد ان يحصل له التجارب و لا أظن ان القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة علي هذا التفصيل.

و كيف كان، فالظاهر ان هذا القول ايضا مخالف لما يظهر منهم، و قد عرفت حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز رد المال الي الصبي إذا دفعه الي الناقد لينقده أو المتاع الذي دفعه المقوم ليقومه مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للولي، و كذا حكمه بالمنع من رد مال الطفل إليه باذن الولي مع انه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

______________________________

و الحق ان يقال ان المراد بالسيرة ان كان هو السيرة العقلائية فالادلة الدالة علي عدم نفوذ معاملات الصبيان تصلح رادعة عنها فلا كاشف عن امضائها،

و ان كان المراد بها سيرة المتشرعة فيرد عليه ان ثبوتها حتي مع عدم اذن الاولياء ممنوع

(1) قوله ان الاحالة علي ما جرت به العادة به كالاحالة علي المجهول.

المحيل هو المحدث الكاشاني في عبارته المتقدمة، و ليس هذا ايرادا لو سلم السيرة فان لازم ما افاده المصنف الاقتصار علي المتيقن و في الموارد المشكوك فيها يرجع الي عموم ما دل علي عدم نفوذ معاملة الصبي، كما هو الشأن في جميع موارد الشبهة المفهومية و الاتمام الكلام في هذه المسألة و هو التمسك بالعام في الشبهة المفهومية إذا كان الدليل أي دليل الخاص مجملا و منفصلا محل آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 410

و قال كاشف الغطاء رحمه الله بعد المنع

عن صحة عقد الصبي اصالة و وكالة ما لفظه، نعم ثبت الاباحة في معاملة المميزين إذا جلسوا مقام اوليائهم أو تظاهروا علي رءوس الاشهاد حتي يظن ان ذلك من اذن الاولياء خصوصا في المحقرات،

ثمّ قال: و لو قيل بتملك الأخذ منهم، لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهي (1)

اما التصرف و المعاملة باذن الأولياء سواء كان علي وجه البيع، أو المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنه خلاف المشهور و المعروف، حتي لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة، لانها تصرف لا محالة، و ان لم يكن بيعا، بل و لا معاوضة، و ان اراد بذلك ان اذن الولي و رضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للاباحة لا نفس المعاملة، كما ذكره بعضهم في اذن الولي في اعادة الصبي

______________________________

(1) ما افاده كاشف الغطاء في وجه تصحيح المعاملة، يرجع الي ان صاحب المال انما يوكل كل من اخذه من الصبي بالاخذ للبيع فاخذه انشاء للبيع من جانب صاحب المال و قبول من ناحية نفسه فيكون موجبا و قابلا،

و لكن يرد عليه ان صاحب المال لا يوكل شخصا معينا، و لا جميع الاشخاص بل هو غير متوجه الي ذلك اضف إليه ان الاخذ لا يكون قاصد الايجاب و القبول،

مع ان بناء المشرعة علي التصرف في المأخوذ مع عدم احراز الاجازة بل و عدم اجازة صاحب المال و الحق انه في هذا المورد يكون اباحة بالعوض و الدليل علي نفوذها و صحتها هي السيرة و بعبارة اخري يكون تصرفا بالرضا و اذنا في الاتلاف بالعوض المسمي و دليل الامضاء السيرة بضميمة عدم الردع هذا علي تقدير عدم صحة عقد الصبي حتي مع اذن

الولي و الا فالظاهر ان ظاهر الحال كون الصبي مأذونا من قبل الولي في المعاملة فالمعاملة صحيحة بلا احتياج الي هذه التمحلات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 411

فتوضيحه ما ذكره بعض المحققين من تلامذته (1) و هو انه لما كان بناء المعاطاة علي حصول المراضاة كيف اتفق، و كانت مفيدة لإباحة التصرف خاصة،

كما هو المشهور و جرت عادة الناس بالتسامح في الاشياء اليسيرة و الرضا باعتماد غيرهم في التصرف فيها علي الامارات المفيدة للظن بالرضا في المعاوضات، و كان الغالب في الاشياء التي يعتمد فيها علي قول الصبي تعين القيمة (2) و الاختلاف الذي يتسامح به في العادة فلأجل ذلك صح القول بالاعتماد علي ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء، مع الشروط المذكورة كما يعتمد عليه في الاذن في دخول الدار. و في ايصال الهدية إذا ظهرت امارات الصدق، بل ما ذكرنا اولي بالجواز من الهدية من وجوه (3) و قد استند فيه في التذكرة الي تسامح السلف.

______________________________

(1) قوله ما ذكره بعض المحققين من تلامذته هو صاحب المقابيس ذكره في المقابيس في ثالث شروط المتعاقدين

(2) قوله و كان الغالب في الاشياء التي يعتمد علي قول الصبي تعين القيمة مراده تعين القيمة من الخارج من غير حاجة الي المساومة فلا ينافي ما ذكره كاشف الغطاء

(3) قوله بل ما ذكرنا اولي بالجواز من الهدية من وجوه احدها- وجود الامارات المفيدة للاطمينان بالاذن مثل الجلوس مقام اوليائهم و المعاملة بمرأي و مستمع من الناس في المقام دون الهدية ثانيها تخصيص المال باليسير و تعميمه في الهدية له و للخطير علي ما هو ظاهر اطلاقهم ثالثها ان الهدية من باب التمليك و المقام من باب الاباحة و

بديهي انه يتسامح في الثاني بما لا يتسامح به في الاول،

و رابعها ان المقام فيه العوض بخلاف الهدية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 412

و بالجملة فالاعتماد في الحقيقة علي الاذن المستفاد من حال المالك في الأخذ و الا عطاء مع البناء علي ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا علي قول الصبي و معاملته من حيث انه كذلك، و كثيرا ما يعتمد الناس علي الاذن المستفاد من غير وجود ذي يد اصلا، مع شهادة الحال بذلك، كما في دخول الحمام و وضع الاجرة عوض الماء التالف في الصندوق، و كذا في اخذ الخضر الموضوعة للبيع و شرب ماء السقائين، و وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لهما، و غير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها كما يعتمد علي مثل ذلك في غير المعاوضات من انواع التصرفات، فالتحقيق ان هذا ليس مستثني من كلام الاصحاب و لا منافيا له و لا يعتمد علي ذلك ايضا في مقام الدعوي و لا فيما إذا طالب المالك بحقه و اظهر عدم الرضا، انتهي.

و حاصله ان مناط الاباحة و مدارها في المعاطاة ليس علي وجود تعاط قائم بشخصين، أو بشخص منزل منزلة شخصين، بل علي تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه في ماله حتي لو فرضنا انه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق، كإطارة الريح و نحوها، فتراضيا علي التصرف باخبار صبي، أو بغيره من الامارات كالكتابة و نحوها، كان هذه معاطاة أيضا، و لذا كان وصول الهدية إلي المهدي إليه علي يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضي المهدي بالتصرف، بل التملك كافيا في إباحة الهدية بل في تملكها، و فيه أن ذلك حسن، إلا أنه موقوف

أولا علي ثبوت حكم المعاطاة من دون انشاء اباحة و تمليك، و الاكتفاء فيها بمجرد الرضا و دعوي حصول الانشاء بدفع الولي المال الي الصبي مدفوعة بأنه انشاء اباحة لشخص غير معلوم، و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها، و به يفرق بين ما نحن فيه، و مسألة ايصال الهدية بيد الطفل فإنه يمكن فيه دعوي: كون دفعه إليه للايصال اباحة أو تمليكا، كما ذكر ان اذن الولي للصبي في الاعارة اذن في انتفاع المستعير. و أما دخول الحمام و شرب الماء و وضع الاجرة و القمية فلو حكم بصحتها بناء علي ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء انحصر صحة وساطة الصبي فيما يكفي فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكفي فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 413

و الحاصل ان دفع الصبي و قبضه بحكم العدم، فكلما يكتفي فيه بوصول كل من العوضين الي صاحب الآخر بأي وجه اتفق، فلا يضر مباشرة الصبي. لمقدمات الوصول، ثمّ ان ما ذكر مختص بما إذا علم اذن شخص بالغ عاقل للصبي وليا كان ام غيره. و أما ما ذكره كاشف الغطاء اخيرا من صيرورة الشخص موجبا و قابلا.

ففيه اولا: ان تولي وظيفة الغائب و هو: من اذن للصغير ان كان باذن منه فالمفروض انتفاؤه (1) و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع (2)

و ثانيا: ان المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الاطفال النيابة عمن اذن للصبي، ثمّ انه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الالية بالصبي، و لا بالأشياء الحقيرة، بل هو جار في المجنون و السكران، بل

البهائم في الأمور الخطيرة إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار و كان الصغير آلة فلا فرق في الالية بينه و بين غيره، نعم من تمسك في ذلك بالسيرة من غير ان يتجشم لادخال ذلك تحت القاعدة فله تخصيص ذلك الصبي لأنه المتيقن من موردها كما ان ذلك مختص بالمحقرات.

______________________________

(1) قوله ان كان باذن منه فالمفروض انتفائه و فيه ان المفروض وجوده بعلائمه بل و بما يكون مظهرا بالفعل لا بالقول- و بعبارة اخري انه قد عرفت ان مسألة المعاطاة لا تختص بالاعطاء و الاخذ الخارجيين لعدم ورود هذا اللفظ في خبر و لا معقد اجماع بل المراد بها ما لو كان الانشاء بالفعل و لو مثل تحريك الرأس جوابا عن السؤال هل تبيع مالك، و عليه فالاعمال المفروضة انما يكون اذنا فعليا.

(2) قوله و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل سيجي ء الكلام علي ذلك في بحث الفضولي و ستعرف ان الاظهر ان الرضا النفساني كاف في الخروج عن الفضولية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 414

مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدها لمدلول العقد الذي يتلفظان به (1)
اشارة

و اشتراط القصد بهذا المعني في صحة العقد، بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه و لا إشكال فلا يقع من دون قصد الي اللفظ، كما في الغالط أو الي المعني لا معني عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعني عدم تعلق اذادته و ان اوجد مدلوله بالانشاء كما في الأمر الصوري فهو شبيه الكذب في الاخبار كما في (2) في الهازل أو قصد معني يغاير مدلول العقد بأن قصد الاخبار أو الاستفهام أو انشاء معني غير البيع مجازا أو غلطا فلا يقع البيع لعدم القصد إليه، و لا المقصود إذا اشترط

فيه عبارة خاصة

______________________________

اعتبار القصد

(1) قوله من جملة شرائط المتعاقدين: قصدها لمدلول العقد.

هذه هي المسألة الثانية و تنقيح القول فيها انما يكون بالبحث في مباحث:

الأول: ان للعاقد بحسب قصد اللفظ و قصد معناه احوالا اربعة:

الأول: ان يكون اللفظ صادرا عنه عن غير قصد، كاللفظ الصادر من النائم أو الغالط.

الثاني: ان يكون اللفظ مقصودا له دون معناه، كما إذا قال بعت علي وزن خفت.

الثالث: ان يكون المعني مقصودا له بالارادة الاستعمالية دون الارادة الجدية، كما إذا انشأ البيع بمعني استعمل الصيغة في معناها من دون ان يكون هناك اعتبار نفساني، و نظيره في الأخبار ما إذا اخبر عن شي ء و حكي عنه بداعي الهزل لا الجد.

الرابع: ان يكون المعني مقصودا بالارادة الجدية و لكنه لم يكن عن طيب النفس.

و اعتبار القصد بالمعاني الثلاثة الأول في صحة العقود من القضايا التي قياساتها معها، فان عناوين المعاملات امور قصدية و مع عدم هذه القصود لا تتحقق تلك و أما القصد بالمعني الرابع فاعتباره انما يكون شرعيا و سيأتي الكلام فيه في محله.

و قد ظهر مما ذكرناه امور:

الأول:

(2) ما ان افاده المصنف قدس سره في المقام من قياس الأمر الصوري بالكذب في الاخبار و تشبيههما بعدم القصد بالمعني الثالث في الانشاء كلام متين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 415

ثمّ انه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره، كما صرح به في المسالك (1) حيث قال: انهما قاصدان الي اللفظ دون مدلوله، و فيه انه لا دليل علي اشتراط ازيد من القصد المتحقق في صدق مفهوم العقد، مضافا الي ما سيجي ء في ادلة الفضولي. و أما معني ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار.

______________________________

و لا يرد عليه ما اورده

المحقق النائيني قدس سره من: ان شبيه الكذب في الأخبار منحصر في الانشاء في عدم وقوع المنشأ في عالم الاعتبار، اي اعتبار الشارع- و أما مع عدم قصد عنوان المعاملة الذي يكون الأمر الصوري شبيها به فلا يكون ذلك، مثل الكذب في الأخبار، فتدبر حتي لا تبادر بالاشكال.

الثاني: ان جعل اعتبار هذا القصد بالمعني الثالث- الذي هو مورد كلام المصنف ره من شرائط المتعاقدين اولي من جعله من شرائط العقد، فانه ليس من شئون الصيغة، بل مما يعتبر في البائع بالحمل الشائع.

و ما ذكره المحقق النائيني قدس سره في وجه اولوية جعله من شرائط العقد من انه لا يتحقق العقد بدونه،

يرد عليه: انه مع فقد سائر شرائط المتعاقدين أو العوضين لا يتحقق العقد ايضا،

فالمراد من شرائط المتعاقدين في مقابل شرائط العقد هي الامور التي تكون معتبرة في ترتب الأثر علي العقد مع كون مركزها المتعاقدين، و الا فمقتضي هذا البرهان عدم كون شي ء من الشروط شرطا للمتعاقدين حتي مثل البلوغ، إذ العقد لا يتحقق مع عدمه.

(1) الثالث: ان ما افاده الشهيد ره. من ان الفضولي و المكره غير قاصدين لمدلول العقد خلط قصد بقصد، إذ المكره لا طيب نفس له بمضمون العقد لا انه غير قاصد لمدلوله. و تمام الكلام في محله.

لا بد من تمييز البائع من المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 416

و اعلم انه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه كلاما في هذا المقام في أنه هل يعتبر تعيين المالكين اللذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما أم لا (1) و ذكر أن في المسألة أوجها و أقوالا و أن المسألة في غاية الاشكال، و أنه قد اضطربت فيها كلمات الاصحاب (قدس الله أرواحهم) في تضاعيف أبواب الفقه. ثمّ قال:

و تحقيق المسألة أنه ان توقف تعين المالك علي التعيين حال العقد لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه في النية أو مع اللفظ به أيضا كبيع الوكيل و الولي العاقد عن اثنين في بيع واحد و الوكيل عنهما و الولي عليهما في البيوع المتعددة،

فيجب أن يعين من يقع له البيع أو الشراء من نفسه أو غيره، و أن يميز البائع من المشتري إذا امكن الوصفان في كل منهما، فإذا عين جهة خاصة تعينت، و إن أطلق فإن كان هناك جهة ينصرف إليها الاطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه (و بين) و غيره إذا لم يقصد الابهام و التعيين بعد العقد و إلا وقع لاغيا، و هذا جار في سائر

______________________________

المبحث الثاني: صرح صاحب المقابيس: بانه يجب ان يميز البائع من المشتري إذا امكن الوصفان في كل منهما.

لا ينبغي التشكيك في لزوم تمييز البائع من المشتري- بمعني تعددهما لتقوم حقيقة البيع بذلك- و أما إذا كان متعددا و لكن لم يميز احدهما من الآخر- كما إذا قال:

بعت منا من حنطة احد هذين بتومان في ذمة صاحبه- فستعرف حكمه في المبحث الآتي

لا يجب تعيين من يشتري له و من يبيع له

(1) المبحث الثالث: وقع الكلام في انه هل يجب تعيين من يشتري له و من يبيع له مطلقا فلو باع أو اشتري للكلي- كما إذا اشتري لموكله اي هذا العنوان مع تعدده أو للفرد المبهم، كما إذا اشتري لأحد هو كلية مبهما ابهاما واقعيا بطل العقد ذهب إليه صاحب المقابيس، ام يجب التعيين إذا كان العوضان كليين، أو كان احدهما كذلك، اختاره المصنف قدس سره ام لا يجب التعيين مطلقا؟ و قد استدل للأول بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 417

العقود من النكاح

و غيره، و الدليل علي اشتراط التعيين و لزوم متابعته في هذا القسم أنه لو لا ذلك لزم بقاء الملك (المملوك) بلا مالك معين في نفس الأمر (1) و إن لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التي لم يتعين فيه العوضان (2) و لا بشي ء من الأحكام و الآثار المترتبة علي ذلك، و فساد ذلك ظاهر و لا دليل علي تأثير التعيين المتعقب و لا علي صحة العقد المبهم (3) لانصراف الأدلة إلي ما هو الشائع المعروف من الشريعة و العادة فوجب الحكم بعدمه، و علي هذا فلو اشتري الفضولي لغيره في الذمة فإن عين ذلك الغير تعين و وقف علي إجازته سواء تلفظ (وقع التعيين في اللفظ و النية خاصة) بذلك ام نواه و ان ابهم مع قصد الغير بطل و لا يوقف إلي أن يوجد له مجيز.

______________________________

(1) الاول: انه لو صح ذلك لزم بقاء المملوك بلا مالك معين في نفس الامر و فيه: انه لا محذور في بقاء المملوك بلا مالك معين، و نظيره في الشرع مالكية الفقراء للزكاة و العناوين الكلية للاوقاف لها، و مالكية احد رجلين للمال المنذور لاحدهما مع انه يمكن الالتزام بصحته و صيرورة من يعين بعد ذلك أو يستخرج بالقرعة مالكا اما من حين العقد أو بعد التعيين، علي الخلاف في كونه كاشفا أو ناقلا.

(2) الثاني: انه ان صح لزم ان لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التي لم يتعين فيها العوضان، و لا بشي ء من الأحكام و الآثار المترتبة علي ذلك.

و فيه: ان الجزم بالعقد و بما يترتب عليه من الآثار و الأحكام متحقق، و انما المفقود الجزم بوقوعه لشخص معين، و هذا مما لا دليل علي

اعتباره، مع انه يمكن ان يقال بان الجزم بذلك ايضا متحقق و هو وقوعه لمن يعين بعد ذلك. فتأمل.

(3) الثالث: ان الادلة لا تشمل العقد المبهم لانصرافها الي ما هو الشائع المعروف من الشريعة و العادة.

و فيه: ان الانصراف الناشئ عن شيوع فرد و ندرة آخر لا يصلح لتقييد الاطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 418

إلي أن قال. إن لم يتوقف تعين المالك علي التعيين حال العقد بأن يكون العوضان معينين، و لا يقع العقد فيهما علي وجه يصح إلا لمالكيهما، ففي وجوب التعيين أو الاطلاق المنصرف إليه أو عدمه مطلقا، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل و عدمه فيصح اوجه أقواها الأخير، و أوسطها الوسط (1) و اشبهها للأصول الأولي (2) و في حكم المعين إذا ما عين المال بكونه في ذمته زيد مثلا. و علي الاوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه و لغا قصد كونه علي الغير، و لو باع مال زيد عن عمرو، فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه و إلا وقف عن إجازته و لو اشتري لنفسه بمال في ذمة زيد، فإن لم يكن وكيلا فالمقتضي لكل من العقدين منفردا موجود،

و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما، و لما لم يتعين احتمل البطلان للتدافع و صحته عن نفسه لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء و ترجيح جانب الأصالة، و عن الموكل لتعين العوض في ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعين و لو اشتري عن زيد بشي ء في ذمته فضولا، فلم يجز فأجاز عمرو لم يصح عن أحدهما و قس علي ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب و لا فرق علي الأوسط في الأحكام

المذكورة بين النية المخالفة و التسمية و يفرق بينهما علي الأخير و يبطل الجميع علي الأول، انتهي كلامه

______________________________

و فيه: انه ان كان هناك ما يمكن ان يستشهد به للتعيين- و لو مع الاحتياج الي اذن الحاكم الشرعي- و الا فيرجع الي ادلة القرعة التي هي المرجع في هذه الموارد،

فإذا لا دليل علي اعتبار التعيين.

(1) قوله اقواها الاخير و اوسطها الوسط لم افهم وجه الجمع بين اقوائية الاخير و اوسطية الوسط لانه من قبيل الجمع بين النقيضين كما صرح بذلك بعض المحققين.

(2) قوله و اشبهها للاصول الاول،

الظاهر ان مراد بالاصول، اصالة الفساد و اصالة عدم ترتب الاثر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 419

اقول مقتضي المعاوضة و المبادلة دخول كل من العوضين في ملك الآخر، و إلا لم يكن كل منهما عوضا و بدلا و علي هذا فالقصد الي العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك الا ان ملكية العوض و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف علي تعيين المالك، فإن من الاعواض ما يكون متشخصا بنفسه في الخارج كالاعيان، و منها ما لا يتشخص الا باضافته الي مالك كما في الذمم، لأن ملكية الكلي لا تكون الا مضافا الي ذمة (1) و اجراء احكام الملك علي ما في ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا غير معهود، فتعين الشخص في الكلي انما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم علي تعيين صاحب الذمة فصح علي ما ذكرنا ان تعيين المالك مطلقا غير معتبر سواء في العوض المعين أو في الكلي، و ان اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشق الأول من تفصيله انما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة علي

تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا، فإن من اشتري لغيره في الذمة إذا لم يعين الغير، لم يكن الثمن ملكا، لأن ما في الذمة ما لم يضف الي شخص معين لم يترتب عليه احكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا

______________________________

و أما القول الثاني: فقد استدل له المصنف قدس سره:

(1) بان الكلي ما لم يضف الي ذمة شخص معين لا يكون مالا فتعين الشخص في الكلي انما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم علي تعيين صاحب الذمة.

و فيه: ان المفهوم الكلي ما لم يضف الي الذمة لا تعتبر له المالية، و لكن كما له المالية إذا اضيف الي ذمة شخص معين كذلك له المالية إذا اضيف الي ذمة الكلي أو احد الشخصين مع صيرورة من في ذمته معينا بعد ذلك اما بالقرعة أو بالتعيين.

فالحق انه لا دليل علي اعتبار التعيين مطلقا.

ثمّ ان هناك نزاعا آخر و هو: انه في المبيع الشخصي أو الكلي المضاف الي ذمة شخص معين لو قصد البيع اي اوقعه لغير المالك و لغير من في ذمته فهل يبطل البيع كما يظهر من المقابيس، ام يصح و يلغو قصد كونه عن غير المالك كما ذهب إليه المصنف قدس سره،

ام يصح و يقع عنه؟ وجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 420

و كذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين فإنه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال: بعت عبدا بألف، ثمّ قال: قبلت، فلا يصير العبد قابلا للبيع و لا الألف قابلا للاشتراء به حتي يسند كلا منهما الي معين، أو الي نفسه من حيث انه نائب عن ذلك المعين فيقول: بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان فيمتاز البائع عن

المشتري. و أما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان العوضان معينين فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت ان من لوازمها العقلية، دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية و البدلية، فلا حاجة الي تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان، و إذا لم يقصد المعاوضة الحقيقة فالبيع غير منعقد.

فان جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملكه المعوض، فقال:

ملكتك فرسي هذا بحمار عمر، فقال المخاطب: قبلت، لم يقع البيع لخصوص المخاطب لعدم مفهوم المعاوضة معه، و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتي.

و أما ما ذكره من مثال من باع مال نفسه عن غيره (1) فلا اشكال في عدم وقوعه عن غيره، و الظاهر وقوعه عن البائع و لغوية قصده عن الغير لأنه امر غير معقول لا يتحقق القصد إليه حقيقة، و هو معني لغويته. و لذا لو باع مال غيره عن نفسه (2)

وقع للغير مع اجازته كما سيجي ء و لا يقع عن نفسه ابدا، نعم لو ملكه فأجاز قيل:

بوقوعه له لكن لا من حيث ايقاعه اولا لنفسه فإن القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما و وجوده كعدمه

______________________________

و حق القول في المقام: انه ان بنينا علي ان حقيقة البيع هو الاعطاء لا مجانا كما هو الحق- ففي الصور المفروضة المذكورة في المتن

(1) من بيع مال نفسه عن غيره

(2) و بيع مال غيره عن نفسه و بيع مال غيره عن غيره ان كان ذلك مع اذن المالك و من يشتري له أو اجازته صح علي ما أوقعه، و الا بطل لذلك.

و أما بناء علي ما بني

عليه المصنف قدس سره وفاقا لجمع من ان البيع حقيقته متقومة بالمعاوضة و يلزم فيه دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض، فان لم يقصد المعاوضة بطل العقد، و ان قصدها فان كان مراده من قصده وقوع البيع لغير المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 421

الا ان يقال ان وقوع بيع مال نفسه لغيره انما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية لم لا يجعل هذا قرينة علي عدم ارادته من البيع المبادلة الحقيقية أو علي تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع، كما سيأتي ان المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصور الا علي هذا الوجه، و حينئذ يحكم ببطلان المعاملة لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي. و من هنا ذكر العلامة و غيره في عكس المثال المذكور، انه لو قال المالك للمرتهن بعه لنفسك بطل، و كذا لو دفع مالا الي من يطلبه الطعام، و قال اشتر به لنفسك، طعاما هذا و لكن الأقوي صحة المعاملة المذكورة، و لغوية القصد المذكور، لانه راجع الي ارادة ارجاع فائدة البيع الي الغير، لا جعله احد ركني المعاوضة. و أما حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن و اشتراء الطعام، فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب، لا ان المخاطب إذا قال: بعته لنفسي أو اشتريته لنفسي لم يقع لمالكه إذا اجازه.

و بالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولي و شرائه لنفسه، و وقوعه للمالك، يدل علي عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك، ثمّ ان ما ذكرنا كله حكم: وجوب تعيين كل من البائع و المشتري، من يبيع له و يشتري له. و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب و القابل لخصوص البائع (1) فيحتمل اعتباره، الا فيما

علم من الخارج عدم ارادة خصوص المخاطب لكل من المتخاطبين

______________________________

رجوع نفعه إليه بمعني ان يهبه بعد المعاملة، فلا كلام،

و ان كان مراده منه دخول العوض في كيسه فيمكن تصحيحه و الالتزام بلغوية القصد المزبور بالتقريب الذي سيأتي في مبحث الفضولي.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

تعيين الموجب لخصوص المشتري و القابل لخصوص البائع

(1) هذا هو المبحث الرابع: و هو في تعيين الموجب لخصوص المشتري و القابل لخصوص البائع.

و الكلام في هذا المبحث يقع في جهتين.

الاولي في بيان ما هو محل كلام المصنف قدس سره.

الثانية في بيان ما هو الحق في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 422

كما في غالب البيوع و الاجازات، فحينئذ يراد من ضمير المخاطب في قوله ملكتك كذا، أو منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيا، أو جعليا كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك باذن أو ولاية، و يحتمل عدم اعتباره الا فيما علم من الخارج ارادة خصوص الطرفين كما في النكاح و الوقف الخاص و الهبة و الوكالة و الوصية، و الاقوي هو الأول عملا بظاهر الكلام الدال علي قصد الخصوصية (1) و تبعية العقود للقصود، و علي فرض القول الثاني فلو صرح- بارادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل ان يقبل عن غيره. قال في التذكرة: لو باع الفضولي أو اشتري مع جهل الآخر فإشكال ينشأ من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد، و هذا الاشكال و ان كان ضعيفا مخالفا للاجماع و السيرة الا انه مبنية (منبه) علي ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

و قد يقال في الفرق بين البيع و شبهه، و بين النكاح، ان الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود، و يختلف الاغراض باختلافهما،

فلا بد من التعيين و توارد الايجاب و القبول علي امر واحد و لأن معني قوله بعتك كذا بكذا، رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، و المشتري يطلق علي المالك و وكيله، و معني قولها زوجتك نفسي، رضاها بكونه زوجا، و الزوج لا يطلق علي الوكيل، انتهي.

و يرد علي الوجه الأول من وجهي الفرق، ان كون الزوجين كالعوضين انما يصلح وجها لوجوب التعيين في النكاح، لا لعدم وجوبه في البيع (2) مع ان الظاهر

______________________________

اما الاولي فالذي يظهر من

(1) الاستدلال بظاهر الكلام- ان مورد كلامه انه هل يكون ظاهر كلام البائع أو المشتري الموجه الي الطرف هو كون شخص المخاطب طرفا للمعاملة بالاصالة، فليس له ان يقبل عن غيره، ام ليس له ذلك، فيلائم مع كونه اصيلا أو وكيلا أو وليا و به يظهر تمامية ايراد المصنف قدس سره علي من فرق بين البيع و نحوه و بين النكاح بان الزوجين في النكاح كالعوضين في ساير العقود

(2) بان هذا يصلح وجها لوجوب التعيين في النكاح لا لعدم الوجوب في البيع كما ان ما ذكره في وجه الفرق تام كما ستعرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 423

ان ما ذكرناه من الوقف و اخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها علي وجه النيابة، أو الفضولي فلا بد من وجه مطرد في الكل.

و علي الوجه الثاني ان معني بعتك، في لغة العرب، كما نص عليه فخر المحققين و غيره هو ملكتك بعوض و معناه جعل المخاطب مالكا، و من المعلوم ان المالك لا يصدق علي الولي و الوكيل و الفضولي فالاولي في الفرق: ما ذكرناه من ان الغالب في البيع و الاجازة، هو قصد المخاطب لا من حيث هو

بل بالاعتبار الاعم من كونه اصالة أو عن الغير (1)

______________________________

و أما الجهة الثانية فملخص القول فيها ان الكلام وقع في موارد الأول في انه هل تصح المعاملة مع عدم علم البائع مثلا بان مخاطبه هو المشتري بالاصالة- أو انه وكيل عنه أو ولي عليه. و بعبارة اخري: هل يجب ان يكون عالما بمن ينتقل إليه ماله و ينتقل ماله إليه ام يفصل بين العقود.

و الحق في هذا المقام هو التفصيل بين البيع و نحوه و النكاح و شبهه، فانه في النكاح تختلف الرغبات باختلاف الطرفين، كما انه في الوقف تختلف الاغراض باختلاف الموقوف عليهم، فيلزم التعيين. و أما في البيع: فلا يختلف الغرض باختلاف المالك، بل الركن فيه العوضان، و عليه فلا يجب فيه التعيين.

نعم لا يبعد القول بوجوب التعيين في صورة كون العوض هو الكلي في الذمة، فانه تختلف الاغراض باختلاف من في ذمته ذلك، مع انه من جهة اعتبار معلومية العوض لا بد من تعيين من في ذمته الكلي لاختلاف ما في الذمم باختلافها.

المورد الثاني: في انه هل يكون للكلام ظهور في كون المخاطب طرف المعاملة بالاصالة فليس له ان يقبل عن غيره، أو لا ظهور له في ذلك ذاتا، أو لقرينة نوعية صارفة عن ظهوره الذاتي، ام هناك فرق بين المعاملات.

و الأظهر هو الأخير و الصحيح في وجهه ما افاده المصنف قدس سره

(1) و حاصله: ان في البيع و نحوه قرينة نوعية صارفة عن ظهور الكلام في كون المخاطب به هو طرف المعاملة، بالاصالة، و تلك القرينة هي ان الغرض فيه متعلق بالمبادلة و وصول كل منهما الي عوض ماله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 424

و لا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري

في دعوي كونه غير اصيل فتأمل،

بخلاف النكاح و ما اشبهه. فإن الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث انه ركن للعقد، بل ربما يستشكل في صحة ان يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الاصيل، كما لو قال زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج (1) و كذا قوله وقفت عليك و اوصيت لك و وكلتك و لعل الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات علي الوكيل فيها (2) فلا يقال للوكيل الزوج و لا الموقوف عليه و لا الموصي له و لا الموكل بخلاف البائع و المستأجر فتأمل، حتي لا يتوهم رجوعه الي ما ذكرناه، سابقا و اعترضنا عليه.

______________________________

إذ هذا الغرض يكشف عن طور القصد العقدي و لا يبقي معه ظهور في ذلك، و أما في النكاح و شبهه فلا صارف عن الظهور الذاتي للكلام، بل اختلاف الرغبات باختلاف طرفي العقد يؤكد ذلك الظهور.

(1) المورد الثالث: في انه مع العلم بكون الطرف وكيلا أو نائبا، هل يصح في مقام اجراء الصيغة ان يجعله طرفا في المعاملة، ام لا بد من ذكر الموكل أو المولي عليه، ام يفصل بين المعاملات.

و الأظهر هو الأخير، فانه فرق بين النكاح و نحوه و البيع و شبهه لا من جهة ان معني انكحتك جعلتك زوجا، و معني بعتك جعلتك بائعا، و البائع يصدق علي الولي و الوكيل، و لا يصدق الزوج عليهما فانه يمكن ان ينتقض عليه بما إذا انشأ البيع بلفظ ملكتك فان معناه جعلتك مالكا،

و المالك لا يصدق علي الوكيل و الولي

(2) بل من جهة انه علي القول باعتبار الصراحة في ما تنشأ به المعاملة بما انه تعارف في البيع توجيهه الي المخاطب بعنوانه الأعم، و لم

يتعارف ذلك في النكاح،

فيجوز في الأول دون الثاني من جهة وجود الصراحة، بمعني ان اهل العرف يفهمون منه المراد في الأول دون الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 425

مسألة و من شرائط المتعاقدين: الاختيار (1)
اشارة

و المراد به القصد الي وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة و عدم طيب النفس لا الاختيار في مقابل الجبر. و يدل عليه

______________________________

من شرائط المتعاقدين الاختيار

(1) قوله: و من شرائط المتعاقدين: الاختيار.

و المراد به: القصد الي وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة لا الاختيار في مقابل الجبر.

و الكلام في هذه المسألة انما هو في اعتبار امر آخر وراء القصد المقوم للعقد الذي انعقدت له المسألة السابقة، و هو انه هل يعتبر صدور العقد عن طيب النفس و الرضا فلا يجوز ان وقع عن كره، ام لا يعتبر ذلك.

فما يظهر من جماعة- منهم الشهيدان- حيث قالوا: ان المكره قاصد الي اللفظ غير قاصد الي مدلوله- من ارجاع هذا البحث الي البحث السابق، و جعل المكره من مصاديق غير القاصد- في غير محله.

و ما ذكره في توجيهه بان مرادهم: ان المكره غير قاصد لوقوع مضمون العقد في الخارج فيه: انهم صرحوا بكونه غير قاصد الي مدلوله، و وقوع مضمون العقد في الخارج ليس مدلولا له كما هو واضح.

و المعاملات الرائجة المتعارفة بين الناس انما تكون علي اقسام اربعة:

الأول: ان تكون لاجل جلب المنفعة.

الثاني: ان تكون لا لجلب النفع و لا لدفع الضرر.

الثالث: ان تكون لاجل دفع الضرر المترتب علي شي ء آخر، كما إذا كان عياله جائعين فباع ثوبه ليشتري بثمنه طعاما، فان البيع انما يكون لدفع ضرر الجوع، و بعبارة اخري: تكون المعاملة للتخلص عن الضرر المتوجه إليه المترتب علي امر آخر.

الرابع: ان

تكون لاجل ترتب الضرر المترتب علي ترك المعاملة، كما لو اكره عليها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 426

______________________________

لا اشكال في صحة المعاملة في القسمين الأولين،

و أما المعاملة في القسم الثالث فهي مشمولة للعمومات بلا كلام،

و ما يتوهم ان يكون دليلا علي بطلانها امران:

احدهما: ما دل علي اعتبار طيب النفس الذي سيمر عليك.

الثاني: حديث الرفع الآتي.

و شي ء منهما لا يصلح لذلك اما الأول: فلوجود الرضا و طيب النفس بها باي معني كان.

و أما الثاني: فلأن حديث الرفع لو روده مورد الامتنان يختص بما إذا كان في رفع الحكم منة علي العباد، و حيث لا منة في رفع اثر مثل هذه المعاملة فلا تكون مشمولة للحديث.

و أما ما افاده المحقق النائيني قدس سره في وجه عدم الشمول: من ان الاضطرار الي المعاملة عبارة عما تكون نفس المعاملة اضطرارية، و أما إذا كانت المعاملة مما يدفع به الاضطرار، فلا يدل الحديث علي رفعها، كما انه لو كان الخطأ أو النسيان متعلقا بامر آخر غير نفس المعاملة و صدرت المعاملة عن عمد و التفات، فهذه لا ترتفع بالحديث فيرد عليه:

اولا: النقض بما إذا كانت المعاملة غير جائزة في نفسها، كما لو نذر ان لا يبيع داره،

فان لازم ذلك عدم ارتفاع حرمة البيع، مع انه لا أظن أن يلتزم به.

و ثانيا: ان الاضطرار إذا تعلق بشي ء و كانت المعاملة دافعة له لا محالة يتعلق الاضطرار بها ايضا، فالصحيح ما ذكرناه.

ادلة بطلان عقد المكره

و أما القسم الرابع: و هو الذي انعقدت له هذه المسألة، و هو عقد المكره، فقد استدل علي بطلانه- في مقابل العمومات المقتضية لصحته فيما إذا كان واجدا لجميع ما يعتبر في الصحة من قصد اللفظ و المعني و غير ذلك

من القيود- بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 427

قبل الاجماع قوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض) و قوله عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه (1)

______________________________

(1) الاول: ما دل علي اعتبار الرضا و طيب النفس، و هو آية التجارة عن تراض «1» و احاديث عدم حلية مال امرء مسلم الا بطيب نفسه «2» و الكلام فيهما يقع في موردين:

الأول: في ان عقد المكره فاقد للرضا ام لا؟ الثاني: في دلالة ما ذكر علي اعتبار الرضا في صحة العقد.

اما الأول: فقد ذهب جمع من المحققين منهم السيد الفقيه، و المحقق الاصفهاني، و المحقق الايرواني قدس سره الي انه غير فاقد للرضا، و ان الرضا ملازم للارادة.

و قد افاد المحقق الاصفهاني قدس سره في وجه ذلك: ان الارادة المحركة للعضلات نحو الفعل لا تتعلق بشي ء الا إذا كان فيه جهة ملائمة لقوة من القوي، و الا فلا ينقدح بسببها الشوق في النفس كي يتأكد الي ان يصير علة لحركة العضلات و هذه الملائمة ربما تكون بالاضافة الي القوي الطبيعية كالباصرة و غيرها، و ربما تكون بالاضافة الي القوة العاقلة كما في شرب المريض الدواء، و ربما تجتمعان، فما من فعل ارادي الا و هو يصدر اما عن شوق طبيعي أو عن شوق عقلي، فليس الرضا وراء الارادة و مبادئها، فالفعل الصادر عن اكراه كالصادر عن اضطرار انما يكون عن طيب عقلي غالب علي الكراهة الطبيعية، و الا لما صدر.

و فيه: ان الرضا بحسب المتفاهم العرفي يلازم ابتهاج النفس في مقابل انقباضها، و ذلك ربما يكون مع ارادة الفعل و آخر لا يكون معها كما في المكره و أما في المضطر فهو موجود

دائما، و ان شئت فاختبر ذلك من حال العرف، فهل يتوهم احد ان يكون قول: اني فعلت ذلك باختياري عن غير رضا مني إذا كان مكرها عليه متهافتا في كلامه هذا.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ان الرضا بحسب المتفاهم العرفي غير الارادة و مبادئها

______________________________

(1) النساء: آية 29.

(2) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي و الاحتجاج ص 267 و فروع الكافي ج 1 ص 426 و المستدرك ج 1 ص 212.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 428

و قوله صلي الله عليه و آله في الخبر المتفق عليه بين المسلمين رفع أو وضع عن امتي تسعة اشياء أو ستة. و منها ما اكرهوا عليه (1) و ظاهره و ان كان رفع المؤاخذة الا ان استشهاد الامام عليه السلام به في بعض الأحكام الوضعية يشهد لعموم المؤاخذة فيه لمطلق الالزام عليه بشي ء. ففي صحيحة البزنطي عن ابي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك.

فقال عليه السلام لا قال رسول الله صلي الله عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا و الحلف بالطلاق و العتاق و ان لم يكن صحيحا عندنا من دون الاكراه ايضا الا ان مجرد استشهاد الامام عليه السلام في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اكرهوا عليه يدل علي ان المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة و العقاب الاخروي. هذا كله مضافا الي الاخبار الواردة في طلاق المكره، بضميمة عدم الفرق.

______________________________

و أما المورد الثاني: فالأظهر عدم دلالة الآية و الروايات علي اعتبار الرضا اما الآية: فلأنه إذا كان الاستدلال بالمستثني منه و

هو (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) بدعوي ان عقد المكره- اي الصادر عن غير رضا- من مصاديق الباطل،

فيرد عليه: انه مع اذن المالك الحقيقي- الموجب لخروجه عن كونه باطلا المستكشف في المقام من العمومات- لا مجال للاستدلال به و ان كان الاستدلال بالمستثني و هو: الا ان تكون تجارة عن تراض فيرد عليه:

ان الاستثناء منقطع غر مفرغ، و هو لا يفيد الحصر.

و أما الروايات: فلأن ظاهر الحلية من جهة استنادها الي المال لا إلي المعاملات الحلية التكليفية، و قد تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح ان الحرمة التكليفية لا تستلزم الفساد، و عليه فهذه الروايات اما لا تشمل عقد المكره لعدم حرمته تكليفا،

او تشمله و لا تدل علي عدم نفوذه.

(1) الثاني: حديث الرفع «1» و دلالته علي بطلان عقد المكره بناء علي ما حققناه في

______________________________

(1) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس و باب 12 و 16 من ابواب كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 429

ثمّ انه يظهر من جماعة منهم الشهيدان: ان المكره قاصد الي اللفظ غير قاصد الي مدلوله، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة. و ليس مرادهم انه لا قصد له الا الي مجرد التكلم، كيف و الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعني قصدا صوريا،

و الخالي عن القصد الي غير التكلم هو من يتكلم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني. فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلي وقوع مضمون العقد في الخارج و ان الداعي له الي الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج، لا ان كلامه الانشائي مجرد عن المدلول، كيف و هو معلول الكلام الانشائي إذا كان مستعملا غير مهمل. و هذا الذي ذكرنا لا

يكاد يخفي علي من له ادني تأمل في معني الاكراه لغة و عرفا و ادني تتبع فيما ذكره الاصحاب في فروع الاكراه التي لا يستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ و جعله مقابلا للقصد و حكمهم بعدم وجوب التورية في التفصي عن الاكراه و صحة بيعه بعد الرضا و استدلالهم له بالاخبار الواردة في طلاق المكره و انه لا طلاق الا مع ارادة الطلاق حيث ان المنفي صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة و عرفا و فيما ورد فيمن طلق مداراة باهله الي غير ذلك.

و في ان مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق اكراها لا ينبغي ان تحمل علي الكلام المجرد عن قصد المفهوم الذي لا يسمي خبرا و لا إنشاء، و غير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد الي وقوع اثر العقد،

و مضمونه في الواقع و عدم طيب النفس به، لا عدم ارادة المعني من الكلام، و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من ان المكره و الفضولي قاصدان الي اللفظ دون مدلوله.

نعم ذكر في التحرير و المسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك قال في التحرير لو اكره علي الطلاق فطلق ناويا، فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه علي القصد، انتهي.

و بعض المعاصرين (صاحب الجواهر) بني هذا الفرع علي تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم فرد عليهم بفساد المبني و عدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 430

ثمّ ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا حمل الغير علي ما يكرهه (1) و يعتبر في

وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب علي ترك ذلك الفعل مضر بحال الفاعل أو متعلقه نفسا أو عرضا أو مالا، فظهر من ذلك ان مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب علي تركه لا يدخله في المكره عليه، كيف و الافعال الصادرة من العقلاء كلها أو جلها ناشئة عن دفع الضرر،

______________________________

زبدة الاصول من عموم الحديث لجميع الآثار و الاحكام التكليفية و الوضعية واضحة،

فانه يدل علي عدم نفوذ عقد المكره.

و أما ما افاده المصنف قدس سره من انه يدل علي ذلك حتي بناء علي كونه ظاهرا في رفع المؤاخذة من جهة ان استشهاد الامام عليه السلام به في رفع بعض الاحكام الوضعية كما في صحيح البزنطي «1» - حيث استدل عليه السلام به علي عدم وقوع آثار ما حلف به من الطلاق و العتاق- يدل علي ان المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة.

فيرد عليه: انه بعد فرض كون الحلف بالطلاق و العتاق غير صحيح عندنا من دون الاكراه ايضا، لا محالة يكون الاستدلال به غير جار علي الحق، و لا يكون الحديث منطبقا علي المورد، و عليه فلا وجه لصرف النبوي عن ظاهره، إذ لا منشأ له سوي دلالة الاقتضاء و تصحيح التعليل، و مع فرض كون التطبيق جاريا علي وفق التقية لا يبقي لذلك محل فافهم و اغتنم.

فالصحيح ما ذكرناه.

الثالث: النصوص الواردة في طلاق المكره و عتقه كحسن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن طلاق المكره و عتقه فقال عليه السلام: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه بعتق «2». و نحوه غيره، بضميمة عدم الفرق.

حقيقة الاكراه

(1) قوله ثمّ ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا حمل الغير علي ما يكرهه.

بعد ما عرفت من أن

الميزان في صحة المعاملة و فسادها صدق كونها مكرها

______________________________

(1) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان حديث 10.

(2) الوسائل باب 37 من أبواب مقدمات الطلاق و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 431

و ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص يوجب صدق المكره عليه، فإن من اكره علي دفع مال و توقف علي بيع بعض امواله. فالبيع الواقع منه لبعض امواله و ان كان لدفع الضرر المتوعد به علي عدم دفع ذلك المال. و لذا يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه لحلف أو شبهه الا انه ليس مكرها فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من اجل الاكراه المقترن بايعاد الضرر عن الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمد إليه عن رضا. (1) و ان كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر أو ترجيحا لأقل الضررين إلا أن هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به فإن النفس مجبولة علي كراهة ما يحمله غيره عليه مع الايعاد عليه بما يشق تحمله.

و الحاصل أن الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل في فعله، و مخلي و طبعه فيه بحيث تطيب نفسه بفعله، و ان كان من باب علاج الضرر، و قد يفعل لدفع ضرر ايعاد الغير علي تركه، و هذا مما لا يطيب النفس به و ذلك معلوم بالوجدان،

______________________________

عليها و عدمه، و ان وجود طيب النفس و الرضا و عدمه اجنبيان عن هذا المقام، لا بد من بيان حقيقة الاكراه و بيان ما يعتبر فيها.

حقيقة الاكراه: حمل الغير علي ما يكرهه.

و يعتبر في صدقه امور:

(1) الاول: بان يكون بحمل الغير علي الفعل، و أما إذا لم

يكن ذلك بل فعله لترضية خاطره فلا يصدق عليه المكره عليه، كما انه لو لم يكن حمل من انسان بل كان الحامل له ضرورة أو خوفا من حيوان مثلا لا يصدق عليه الاكراه.

الثاني: ان يكون حمل الغير مقترنا بوعيد منه علي تركه بالمطابقة أو بالالتزام كما هو الغالب في حمل السلطان الجائر، فلو حمله غيره علي فعل مع وعده بالنفع- كما لو وعده بان ينصبه واليا إذا باع داره- لا يكون ذلك مكرها عليه.

الثالث: ان يكون الضرر المتوعد به مما لم يكن مستحقا عليه، فلو قال بع دارك و الا قتلتك قصاصا و كان مستحقا عليه، أو و الا اطالبنك بالدين الذي لي عليك لا يصدق الاكراه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 432

ثمّ انه هل يعتبر في موضوع الاكراه، أو حكمه عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضررا آخر كما حكي عن جماعة ام لا؟ (1) الذي يظهر من النصوص و الفتاوي عدم اعتبار العجز عن التورية، لأن حمل عموم رفع الاكراه و خصوص النصوص الواردة في طلاق المكره، و عتقه، و معاقد الاجماعات و الشهرات المدعاة في حكم المكره علي صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدا، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد كما لا يخفي علي من راجعها مع ان القدرة علي التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا هذا

______________________________

الرابع: ان يكون حمل الغير متعلقا بنفس المعاملة، فلو حمله علي اعطاء مال و توقف ذلك علي بيع داره لا يصدق علي البيع انه مكره عليه، و ان ابيت عن ذلك فلا اقل من عدم شمول حديث الرفع له، فان رفعه تضييق لا توسعة، و

قد مر انه يعتبر في شموله كون رفعه منة و توسعة.

الخامس: ان يحتمل ترتب الضرر المتوعد به، و لا يعتبر العلم به و لا الظن، و لا فرق بين ان يكون الضرر المترتب من الامر أو من غيره، فلو امره آمر بفعل و خاف من ترتب الضرر علي تركه من ناحية اخيه مثلا يصدق عليه انه مكره عليه.

اعتبار العجز عن التفصي بما لا ضرر فيه

(1) و هل يعتبر في موضوع الاكراه أو حكمه عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به ام لا؟ فيه اقوال خمسة:

الأول: اعتبار العجز عن التفصي بالتورية أو غيرها في صدقه.

الثاني: عدم اعتباره.

الثالث: التفصيل بين التورية و غيرها، فيعتبر العجز عن التفصي بها.

الرابع: التفصيل بينهما حكما لا موضوعا.

الخامس: انه يعتبر في الاكراه الرافع للحكم التكليفي العجز عن التفصي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 433

______________________________

بالتورية و غيرها.

و أما في الاكراه الرافع لأثر المعاملة فلا يعتبر ذلك، بل يكفي العجز الفعلي المتحقق مع امكان التفصي، و ستعرف تقريب ذلك.

و الكلام في المقام يقع في جهتين:

الاولي: في بيان المختار و وجهه.

الثانية: في بيان وجه سائر الأقوال.

و قبل البحث في الجهتين لا بأس ببيان حقيقة التورية.

و هي ان يلقي المتكلم كلاما له ظهور في معني، و هو يريد منه غير ذلك المعني،

و يكون المعني المراد مطابقا للواقع دون المعني الظاهر، كما إذا استأذن رجل بالباب و قال الخادم له ما هو هاهنا، مشيرا الي موضع خال في البيت.

و يعتبر في صدقها امران آخران:

احدهما: ان يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي ظاهرا في غير ما افاده المتكلم،

فلو كان ظاهرا فيه و لكن المخاطب لقصور فهمه لم يتنبه له لم يكن ذلك من التورية.

ثانيهما: ان تكون ارادة ذلك المعني من ذلك اللفظ صحيحة بان تكون بينهما

علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية، مثلا لو قال اعطيت زيدا خمسين درهما و اراد به درهما واحدا و قد اعطاه في الواقع درهما لم يكن ذلك من التورية.

و علي هذا فالتورية خارجة عن الكذب الذي هو عبارة عن عدم مطابقة المعني المراد للواقع موضوعا.

إذا عرفت هذا فاعلم: ان الأقوي هو القول الأول.

و ذلك لانه يعتبر في صدق المكره عليه الفعل كونه صادرا عن الالجاء و الضرورة،

فمع امكان التفصي لا يصدق ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 434

و ربما يستظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية ايضا في صدق الاكراه، مثل رواية ابن سنان عن ابي عبد الله، قال: لا يمين في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في اكراه، قلت اصلحك الله و ما الفرق بين الجبر و الاكراه، قال: الجبر من السلطان و يكون الاكراه من الزوجة و الام و الاب و ليس ذلك بشي ء، الخبر (1)

و يؤيده انه لو خرج عن الاكراه عرفا بالقدرة علي التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها لان المناط حينئذ انحصار التخلص عن الضرر المتوعد في فعل المكره عليه فلا فرق بين ان يتخلص عنه بكلام آخر أو فعل آخر. أو بهذا الكلام مع قصد معني آخر. و دعوي ان جريان حكم الاكراه مع القدرة علي التورية تعبدي لا من جهة صدق حقيقة الاكراه كما تري،

______________________________

و بعبارة اخري: ان من يتمكن من التفصي عن الفعل المكره عليه يكون مجبولا علي الجامع بينه و بين ما اكره عليه، فاختيار ذلك الفعل لا محالة يكون لخصوصية اخري غير الجهة المشتركة بينه و بين التفصي، فيستند ذلك الفعل

لا محالة الي غير الاكراه.

و أما الجهة الثانية:

فاستدل للقول الثاني- و هو عدم اعتبار التفصي مطلقا بوجوه:

الأول: ان الاكراه: انما هو علي الفعل و هو مكره عليه ابتداء، و التفصي انما يكون تخلصا عن الاكراه بعد تحقق موضوعه، فالاكراه متحقق و لو لم يتفص.

الثاني: ان حمل النصوص و معاقد الاجماعات علي صورة عدم امكان التفصي حمل بعيد، بل غير صحيح، إذ في كل مورد فرض الاكراه لا محالة يتمكن الشخص من الفرار عنه بالتورية أو عدم القصد أو غير ذلك.

(1) الثالث: خبر ابن سنان عن مولانا الصادق عليه السلام «1»: المذكور في الفتن.

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من أبواب كتاب الايمان حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 435

لكن الانصاف ان وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق الا مع العجز عن التفصي بغير التورية، لأنه يعتبر فيه ان يكون الداعي، عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به علي الترك و مع القدرة علي التفصي لا يكون الضرر مترتبا علي ترك المكره عليه،

بل علي تركه و ترك التفصي معا.

فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين، من فعل المكره عليه، و التفصي، فهو مختار في كل منهما، و لا يصدر كل منهما الا باختياره، فلا اكراه و ليس التفصي من الضرر احد فردي المكره عليه حتي لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الاكراه عنهما كما لو اكره الي احد الامرين، حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها عليه لأن الفعل المتفصي به مسقط عن المكره عليه لا بدل له. و لذا لا يجري عليه احكام المكره عليه اجماعا فلا يفسد إذا كان عقدا

______________________________

و في كل نظر.

اما الأول: فلأنه مع التمكن من الفرار عما اكره عليه لا يصدق انه مكره عليه لما عرفت

من انه يعتبر في صدقه ترتب الضرر المتوعد به علي تركه، فمع امكان التفصي لا يترتب ذلك علي تركه، فلا يصدق عليه الاكراه.

و أما الثاني: فلأن الغالب ان المكره حين الاكراه لا يلتفت الي عدم كونه مكرها علي القصد، و لأجله يري نفسه مكرها علي القصد ايضا.

مع انه لو سلم كون ذلك فردا نادرا لا محذور فيه، إذ حمل المطلق علي الفرد النادر مستهجن، و أما إذا اخذ في الموضوع عنوان له افراد نادرة في نفسه فلا محذور فيه،

و المقام من قبيل الثاني كما هو واضح.

و أما الثالث: فلأنه اجنبي عن المقام، إذ إما نلتزم بان الام أو الزوجة أو الاب تقدر علي الاضرار لو ترك ما اكره عليه، فهو يدل علي انه لا فرق في الضرر المترتب بين كونه قويا أو ضعيفا، و أما نلتزم بالعدم فهو يدل علي عدم اعتبار ترتب الضرر علي ترك الفعل المكره عليه، فيكون حينئذ خلاف المتفق عليه.

و استدل للقول الثالث: بانه يعتبر في صدق الاكراه ان يعلم المكره أو يظن بانه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 436

و ما ذكرناه و ان كان جاريا في التورية، الا ان الشارع رخص في ترك التورية، بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر لما ذكرنا من ظهور النصوص و الفتاوي و بعد حملها علي صورة العجز عن التورية، مع ان العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الاخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه، خصوصا في قضية عمار و ابويه حيث اكرهوا علي الكفر، فأبي ابواه فقتلا، و اظهر لهم عمار ما ارادوا فجاء باكيا الي رسول الله صلي الله عليه و آله فنزلت الآية: من كفر بالله من بعد

ايمانه الا من اكره و قلبه مطمئن بالأيمان فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله ان عادوا عليك فعد و لم ينبهه علي التورية. (1)

فإن التنبيه في المقام و ان لم يكن واجبا الا انه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي صلي الله عليه و آله باعتبار شفقته علي عمار و علمه بكراهة تكلم عمار بالفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفي هذا،

______________________________

لو امتنع عن الفعل و اطلع عليه المكره بالكسر لأوقعه في الضرر، و من المعلوم ان هذا يصدق مع امكان التفصي بالتورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها، إذ المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره و عدم وقوع الضرر عليه.

و فيه: ان المعتبر في صدقه انه لو امتنع يحتمل أو يظن وقوع الضرر عليه، فمع العلم بعدم التفات المكره بالكسر الي التورية يعلم بعدم وقوعه عليه، فلا يصدق عليه الاكراه،

أ لا تري انه لو فرض ارسال الجائر الخمر الي بيت احد ليشربها و هو يقبل قوله لو قال شربتها و يتمكن من عدم الشرب و اظهار الشرب، انه لا يجوز له الشرب من جهة انه لو اطلع المكره علي الامتناع لأوقعه في الضرر.

(1) و استدل للقول الرابع: بالاخبار «1» المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه و بما ورد «2» في قضية عمار و ابويه حيث اكرهوا علي الكفر فابي أبواه فقتلا، و اظهرهم عمار ما ارادوا فجاء الي النبي صلي الله عليه و آله فنزلت الآية (من كفر بالله الي آخره) فقال صلي الله عليه و آله: له ان عادوا فعد و لم ينبهه علي التورية.

______________________________

(1) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان.

(2) الوسائل باب

29 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما من كتاب الامر بالمعروف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 437

هذا، و لكن الاولي ان يفرق بين امكان التفصي بالتورية و امكانه بغيره، بتحقق الموضوع في الأول دون الثاني لأن الاصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الاكراه ان يعلم أو يظن المكره بالفتح انه لو امتنع مما اكره عليه،

وقع فيما توعد عليه و معلوم ان المراد ليس امتناعه عنه في الواقع و لو مع اعتقاد المكره بالكسر عدم الامتناع بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره.

و هذا المعني يصدق مع إمكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لأن المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه و عدم وقوع الضرر عليه.

و الحاصل ان التلازم بين امتناعه و وقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الاكراه موجود مع التمكن بالتورية، لامع التمكن بغيرها، فافهم.

ثمّ أن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوغ للمحرمات، و مناطه توقف دفع ضرر المكره علي ارتكاب المكره عليه. و أما الاكراه الرافع لأثر المعاملات. فالظاهر ان المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة (1)

______________________________

و فيهما نظر.

اما الأول: فلأن عدم الاشارة الي التورية انما هو لاجل ان طبع المتكلم في بيان مراداته بالالفاظ انما هو بالقاء الالفاظ الظاهرة فيها، و لا يمكن له التورية الا بالتروي،

و هو في مقام الخوف و الاكراه عسر جدا و حرج شديد.

و أما الثاني: فلأن السب و التبري حرام حتي مع عدم قصد المعني و قصد معني آخر،

لأن مناط حرمة السب هو انهتاك المسبوب عند الغير، و هذا المناط موجود مع عدم القصد ايضا.

و المحقق النائيني قدس سره

اجاب عن الوجه الاول:

بان التورية ايضا من الكذب المحرم و لاجله لم ينبه عليها.

و فيه: ما عرفت من خروج التورية عن الكذب موضوعا.

(1) و أما القول الخامس- الذي اختاره المصنف قدس سره- فحاصله: الفرق بين الاكراه الرافع لأثر المعاملات، فيكفي فيه العجز عن التفصي فعلا و ان كان قادرا علي ان يقدر نفسه عليه، و أما الاكراه المسوغ للمحرمات فيعتبر فيه العجز المطلق، فمن كان قادرا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 438

و قد يتحقق مع امكان التفصي مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير،

متفرعا لعبادة أو مطالعة فجاءه من اكرهه علي بيع شي ء مما عنده، و هو في هذه الحال غير قادر علي دفع ضرره و هو كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره فالظاهر صدق الاكراه حينئذ بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقف دفع ضرر اكراه الشخص علي امر خدمه بدفعه و طرده، فإن هذا لا يتحقق في حقه الاكراه، و يكذب لو ادعاه بخلاف الأول إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل، و لو فرض في ذلك المثال اكراهه علي محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل.

فقد تقدم الفرق بين الجبر و الاكراه في رواية ابن سنان فالاكراه المعتبر في تسويغ المحظورات، هو الاكراه بمعني الجبر المذكور، و الرافع لأثر المعاملات هو الاكراه الذي ذكر فيها انه قد يكون من الاب و الولد و المرأة و المعيار فيه عدم طيب النفس (1) فيها لا الضرورة و الالجاء، و ان كان هو المتبادر من لفظ الاكراه. و لذا يحمل الاكراه

في حديث الرفع عليه فيكون الفرق بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث: اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض لكن الداعي علي اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو ان العبرة فيها بالقصد الحاصل من طيب النفس حيث استدلوا علي ذلك

______________________________

علي التفصي ليس له ارتكاب المحرم المكره عليه.

(1) و استند في ذلك الي ان المناط في الاكراه الرافع لأثر المعاملات عدم طيب النفس بالمعاملة و هو يتحقق مع العجز الفعلي، و ان امكن التفصي، و مثل لذلك بمن كان قاعدا في محل فارغ للعبادة فجاءه من يكرهه علي بيع داره و هو في هذه الحال لا يقدر علي دفع ضرره و له خدم في الخارج لو خرج إليهم يكفونه شر المكره و لكن يكره الخروج. فالظاهر صدق الاكراه الرافع لأثر المعاملة.

و أما الاكراه المسوغ للمحرمات، فهو عبارة عن الجبر غير الصادق في المثال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 439

بقوله تعالي: (تجارة عن تراض) و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه و عموم اعتبار الارادة في صحة الطلاق و خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله فقد تلخص مما ذكرنا ان الاكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي اخص من الرافع لأثر الحكم الوضعي، و لو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الاكراه، كانت النسبة بينهما العموم من وجه، لان المناط في رفع الحكم التكليفي، هو دفع الضرر. و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الارادة و طيب النفس، و من هنا لم يتأمل احد في انه ذا اكره الشخص علي احد الامرين المحرمين لا بعينه (1) فكل منهما

وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم لان المعيار في دفع الحرمة دفع الضرر المتوقف علي فعل احدهما.

اما لو كانا عقدين، أو إيقاعين كما لو اكره علي طلاق احدي زوجتيه، فقد

______________________________

المتقدم الذي إليه يتبادر لفظ الاكراه، و عليه يحمل حديث الرفع و غيره.

و يرد عليه اولا: قد عرفت انه لا دليل علي اعتبار الرضا و طيب النفس في صحة المعاملات، بل الرافع هو الاكراه، و عليه فلا فرق بين المعاملات و التكليفيات في ان الرافع و المسوغ هو الاكراه.

و ثانيا: انه لو سلم اعتبار الرضا و طيب النفس فالظاهر ان الرضا ليس الا ما يقابل الكره، ففي كل مورد لم يكن الرضا موجودا لا محالة يصدق الاكراه، مثلا في المثال المتقدم إذا لم يكن الخروج من ذلك المكان حرجيا و لا ضرريا كما لا يصدق الاكراه لا يصدق عدم الرضا و طيب النفس و ان كان حرجيا أو ضرريا، فكما يصدق عدم الرضا يصدق الاكراه.

فتحصل: ان الاظهر هو اعتبار عدم امكان التفصي مطلقا.

لو اكره الشخص علي احد امرين

بقي الكلام في امور:

(1) الاول: لو اكره الشخص علي احد الامرين المحرمين لا بعينه.

فتارة يكون الاكراه علي الافراد الطولية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 440

استشكل غير واحد في ان ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه. و يرجحه علي الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه، مكره عليه باعتبار جنسه ام لا؟ بل افتي في القواعد بوقوع الطلاق و عدم الاكراه و ان حمله بعضهم علي ما إذا قنع المكره (بالكسر) بطلاق احداهما مبهمة لكن المسألة عندهم غير صافية عن الاشكال من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية، و ان كان الاقوي وفاقا لكل من تعرض للمسألة تحقق الاكراه لغة و عرفا مع انه لو

لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الاكراه اصلا إذ الموجود في الخارج دائما احدي خصوصيات المكره عليه إذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات

______________________________

و اخري يكون علي الافراد العرضية.

و قد افاد المحقق النائيني في الصورة الاولي: بالفرق بين المحرمات و المعاملات،

فلو كان مكرها علي شرب الخمر موسعا لا يجوز له المبادرة إليه في اول الوقت، إذ لا بد في ارتكاب المحرم من المسوغ له حين الارتكاب، فإذا لم يكن حين الشرب ملزما فاختياره فعلا لا مجوز له، و أما لو كان مكرها علي بيع داره موسعا فاقدامه علي البيع في اول الوقت لا يخرجه عن الاكراه.

و فيه: انه بعد ما عرفت من ان الرافع لأثر المعاملات بعينه هو المسوغ للمحرمات لوحدة الدليل لم يظهر لنا الفرق بين البابين.

فالحق في المقام ان يقال: ان الاكراه تارة يكون علي الجامع، و اخري علي الفردين علي البدل.

فان كان علي الجامع الذي هو موضوع الاثر، فحيث ان وجود الجامع في الخارج لا بد و ان يكون مع خصوصية من الخصوصيات، و المفروض ان موضوع الاثر هو الجامع دون الخصوصيات، فكل ما وجد في الخارج يقع مكرها عليه، و الخصوصية الملازمة و ان لم تكن مكرها عليها الا انه لا أثر لها حتي ترتفع بالاكراه كي يقال انه لا إكراه عليها.

و أما ان كان علي الجامع بين ما هو موضوع الاثر و غيره- كالاكراه علي بيع داره صحيحا أو فاسدا- فحيث ان الجامع المكره عليه لا أثر له، و ما له الاثر و هو الخصوصية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 441

نعم هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية و ان كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك،

بمعني ان وجوده الخارجي ناش عن اكراه و اختيار. و لذا لا يستحق المدح أو الذم باعتبار اصل الفعل، و يستحقه باعتبار الخصوصية و تظهر الثمرة: فيما لو ترتب أثر علي خصوصية المعاملة الموجودة، فإنه لا يرتفع بالاكراه علي القدر المشترك. مثلا لو اكرهه علي شرب الماء أو شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر لأنه مختار فيه و ان كان مكرها في اصل الشرب، و كذا لو اكرهه علي بيع صحيح أو فاسد، فإنه لا يرتفع اثر الصحيح، لأنه مختار فيه و ان كان مكرها في جنس البيع لكنه لا يترتب علي الجنس اثر يرتفع بالاكراه.

______________________________

لا اكراه عليها- و ان كانت هي أو مقابلها مما لا بد منه- فلا يرتفع شي ء بالاكراه. و سيأتي لذلك زيادة توضيح في القسم الثاني.

و أما ان كان علي الفردين علي البدل.

فقد يقال كما عن المحقق الاصفهاني قدس سره بالفرق بين باب المعاملات و المحرمات.

ففي الأول لو اختار احدهما- و ان كان هو موضوع الاثر دون مقابله- يقع مكرها عليه، و لا يترتب عليه الاثر. إذ المفروض انه و مقابله كليهما مكره عليهما علي البدل،

فكل منهما يقع في الخارج يتصف بكونه مكرها عليه، و اختيار كل منهما اختيار البدل الاكراهي.

و في الثاني لا يجوز اختيار ما هو موضوع الحكم ان لم يكن مقابله كذلك كما في الاكراه علي شرب الخمر أو الماء، إذ المسوغ في المحرمات هو الاضطرار و مع وجود البدل المباح لا اضطرار الي الحرام.

و لكن يرد عليه.

اولا: ان المسوغ للمحرمات- مع قطع النظر عن الاضطرار هو الاكراه، فمع صدق المكره عليه علي محرم ترتفع حرمته به و ان لم يصدق عليه المضطر إليه، فلا وجه للفرق بين

البابين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 442

و من هنا يعلم انه لو اكره علي بيع مال أو ايفاء مال مستحق، لم يكن اكراها لأن القدر المشترك بين الحق و غيره إذا اكره عليه، لم يقع باطلا و الا لوقع الايفاء ايضا باطلا، فإذا اختار البيع صح لأن الخصوصية غير مكره عليها، و المكره عليه هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر و لو اكرهه علي بيع مال، أو اداء مال غير مستحق كان اكراها لأنه لا يفعل البيع الا فرارا من بدله أو وعيده المضرين، كما لو اكرهه علي بيع داره أو شرب الخمر، فإن ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الاخروي، ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده، ثمّ ان اكراه احد الشخصين علي فعل واحد (1) بمعني الزامه عليهما كفاية، و ايعادهما علي تركه كاكراه شخص واحد علي احد الفعلين في كون كل منهما مكرها.

______________________________

و ثانيا: ان الاكراه علي البدل لا يزيد علي الاكراه التعييني، فقد مر انه مع امكان التفصي في الاكراه التعييني لا يصدق الاكراه و لا يرتفع الاثر به، فكذلك في الاكراه علي البدل، فإذا كان احدهما موضوع الاثر دون الآخر فيمكن التفصي عما هو موضوع الاثر،

فلا وجه لتطبيق ادلة الاكراه عليه.

و ان شئت قلت: انه في الاكراه علي البدل بين ما هو موضوع الاثر و ما لا أثر له يصرح المكره باتيان موضوع الحكم أو التفصي عنه، فلا مورد لأدلة الاكراه.

فتحصل: انه لو اكره علي فردين احدهما مباح و الآخر حرام، أو احدهما صحيح و الآخر فاسد، فحيث انه يمكن التخلص عن الحرام و الصحيح فلا يكون مكرها عليه.

و منه يظهر حكم ما لو كان حكم احدهما اشد، كما لو اكره علي شرب النجس

أو النجس المغصوب لا يجوز ارتكاب الثاني، فانه بالنسبة الي المغصوب يمكن التفصي.

لو اكره احد الشخصين علي فعل واحد

(1) الثاني: لو اكره احد الشخصين علي فعل واحد بمعني الزامه عليها كفاية،

و ايعادهما علي تركه، ففيه وجوه و اقوال.

احدها: ما اختاره المصنف و هو: ان فعل كل منهما يقع مكرها عليه و ان علم ان صاحبه يفعله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 443

______________________________

ثانيها: ما اختاره المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه لو علم ان صاحبه يصدر عنه الفعل لغير داع الاكراه لا يقع فعله مكرها عليه، و الا فيقع كذلك و ان علم ان صاحبه يفعله لدفع الاكراه.

ثالثها: ما اختاره السيد الفقيه، و هو: انه ان علم بان صاحبه يفعله و ان فعل هذا لا يقع فعله مكرها عليه و الا فيقع، كذلك و ان علم انه يفعله ان لم يبادر هذا الي الفعل.

رابعها: ما اختاره المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان اكراه كل مختص بصورة عدم اتيان الآخر، فإذا احتمل كل اتيان صاحبه لم يكن فعله عن اكراه.

خامسها: ما هو الحق في المقام و ستعرفه.

و قبل بيان ما هو الحق ينبغي التنبيه علي مقدمة، و هي:

ان اكراه احد الشخصين علي فعل واحد كايجابه عليهما علي نحو الكفاية، فكما ان كلا منهما في الفرض الثاني مكلف غاية الأمر بالتكليف المشروط بعدم اتيان الآخر،

و لهذا بنينا في الواجب الكفائي علي ان كلا منهما بادر الي الفعل يكون فعله مصداقا للواجب و يثاب عليه، و لو صدر الفعل عن الجميع في عرض واحد يقع كل منهما مصداقا له و يثاب عليه كذلك كل منهما مكره علي الفعل في المقام في فرض عدم مبادرة صاحبه الي الفعل، نعم بين البابين فرق من ناحية

اخري، و هي انه في صدق الاكراه يعتبر عدم امكان التفصي و التخلص عن المكره عليه كما عرفت.

إذا عرفت هذا فاعلم ان المكره عليه ان كان فعلا واحدا و لم يكن ترتب الاثر أو الحكم بلحاظ حيثية الصدور، كما لو اكره أحد الوليين علي بيع مال الصبي كل منهما فعل يقع فعله مكرها عليه، و ان علم ان صاحبه يفعله فان ما هو موضوع الاثر و هو البيع علي مال الصبي لا يمكن التفصي عنه، و المفروض وقوع الاكراه عليه.

و ان كان المكره عليه فعلا واحدا و كانت حيثية الصدور دخيلة في الحكم، كما لو اكره احد الشخصين علي شرب اناء من الخمر معين علي نحو الكفاية، فان علم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 444

و اعلم ان الاكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد (1) كما تقدم، و قد يتعلق بالمالك دون العاقد كما لو أكره علي التوكيل في بيع ماله، فإن العاقد قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل في العقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه (2)

______________________________

ان صاحبه يشر به لا يجوز له الشرب، و لو شرب لا يكون مكرها عليه لفرض امكان التفصي و التخلص، بمعني انه لو لم يفعل لما وقع في الضرر، و لو علم ان صاحبه لا يفعله يجوز له الشرب و يقع فعله مصداقا للمكره عليه.

و لو احتمل ذلك فهل يجوز له الفعل ام لا؟ وجهان مبنيان علي انه هل يعتبر في صدق الاكراه العلم بترتب الضرر علي فرض الترك، ام يكفي احتمال ترتبه؟ إذ علي الأول لا يجوز الفعل لعدم العلم بترتبه، و علي الثاني يجوز.

و حيث عرفت ان الأظهر هو الثاني فالأقوي هو الجواز الا

إذا علم بان صاحبه يفعله.

صور تعلق الاكراه

(1) الثالث: قد يتعلق الاكراه بالعاقد و المالك.

و قد يتعلق بالمالك دون العاقد.

و قد يتعلق بالعاقد دون المالك.

و قد تقدم حكم تعلق الاكراه بالمالك العاقد.

و الكلام في المقام انما هو في صورتين:

الأولي: ما لو تعلق الاكراه بالمالك دون العاقد، كما لو اكره علي التوكيل في بيع ماله.

الثانية: ما لو انعكس الأمر، و هي ما لو اكره العاقد دون المالك.

(2) اما الصورة الاولي: فلا اشكال في فساد التوكيل، فالعاقد يكون فضوليا في بيعه، فلو تعقبه الاجازة صح و الا فلا. و هذا مما لا كلام فيه.

انما الكلام في انه إذا كان مورد الوكالة ايقاعا دون العقد، كما لو اكره علي التوكيل في طلاق امرأته و لم يجز الطلاق بل اجاز الوكالة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 445

و قد ينعكس كما لو قال بع مالي أو طلق زوجتي، و الا قتلتك و الاقوي هنا، الصحة لأن العقد هنا من حيث انه عقد لا يعتبر فيه سوي القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض (1) فهذا اولي من المالك المكره علي العقد إذا رضي لاحقا.

و احتمل في المسالك عدم الصحة نظرا الي ان الاكراه يسقط حكم اللفظ،

كما لو امر المجنون بالطلاق فطلقها، ثمّ قال: و الفرق بينهما: ان عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره، فان عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد، فإذا كان الامر قاصدا لم يقدح اكراه المأمور، انتهي و هو حسن.

و قال ايضا لو اكره الوكيل علي الطلاق دون الموكل ففي صحته وجهان (2)

ايضا من تحقق الاختيار في الموكل المالك، و من سلب عبارة المباشر انتهي،

و ربما يستدل علي فساد العقد في هذين الفرعين،

______________________________

فانه ان اجاز الطلاق

لا يصح للاجماع علي عدم صحة الفضولي من الايقاعات، و ان عقبه الاجازة، و بنينا علي الكشف دون النقل، إذ علي النقل لا يصح في المقام كما هو واضح.

و الحق ان يقال: انه ان كان معقد الاجماع عدم صحة الايقاع الذي تعلق به الاجازة، ففي المقام بما ان الاجازة تتعلق بالوكالة دون الطلاق يصح الطلاق.

و ان كان المعقد ان الايقاع لا يصح ان يكون معلقا علي الاجازة كما هو الظاهر منه فلا يصح في المقام، فان صحة الطلاق موقوفة علي صحة الوكالة المتوقفة علي الاجازة،

و المتوقف علي متوقف علي شي ء متوقف عليه، فتكون صحة الطلاق موقوفة علي الاجازة فلا يصح.

فتحصل: ان الأظهر عدم الصحة تعلقت الاجازة بالايقاع أو التوكيل.

(1) و أما الصورة الثانية- و هي ما لو تعلق الاكراه بالعاقد دون المالك- فقد يكون المكره هو المالك كما لو قال المالك للعاقد بع داري أو طلق زوجتي، و قد يكون الاكراه من الاجنبي كما لو اكره الوكيل علي بيع دار موكله أو طلاق زوجته.

(2) و إلي هاتين الصورتين نظر المسالك و تكون الصورة الاولي، هي الفرع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 446

بما دل علي رفع حكم الاكراه (1) و فيه ما سيجي ء من انه إنما يرفع حكما ثابتا علي المكره لو لا الاكراه و لا أثر للعقد هنا بالنسبة الي المتكلم به لو لا الاكراه (2)

و مما يؤيد ما ذكرنا حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، و من المعلوم أنه إنما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر و هو النقل و الانتقال.

و أما التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها عليه فلا معني للحوق الرضا به لأن ما مضي و انقطع لا يتغير عما وقع

عليه و لا ينقلب.

______________________________

الأول المذكور في المتن و الصورة الثانية هي الفرع الثاني فيه.

و في المقام اقوال:

احدها: الصحة في الفرعين، ذهب إليه المصنف قدس سره و غيره.

ثانيها: البطلان فيهما.

ثالثها: التفصيل بين الفرعين بالبناء علي الصحة في الفرع الأول، و البطلان في الثاني اختاره المحقق النائيني قدس سره.

و قد استدل للبطلان في الموردين بوجوه، عمدتها وجهان:

(1) الاول: ان مقتضي حديث رفع الاكراه رفع اثر العقد.

و اجاب عنه المصنف قدس سره.

(2) بقوله انه انما يرفع حكما ثابتا علي المكره لو لا الاكراه، و لا أثر للعقد هنا بالنسبة الي المتكلم به لو لا الاكراه.

و ليس مراده ان حديث الرفع انما يرفع الحكم الذي علي المكره لا الذي له، من جهة ان ذلك هو المناسب للامتنان الذي احتمله السيد الفقيه.

فانه يرد عليه: ان لازمه صحة قبول الهبة اكراها.

مع انه لا يعتبر في شمول الحديث كون الحكم ضررا عليه، بل يكفي كونه منافيا لغرضه.

كما انه ليس مراده ان حديث الرفع انما يرفع الاثر المتعلق به، و اثر العقد في الفرض ليس متعلقا به كما احتمله السيد ايضا.

فانه يرد عليه: انه لا دليل علي هذا التقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 447

نعم ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور، بأن القصد الي المعني و لو علي وجه الاكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد، و لا يعرف الا من قبل العاقد، فإذا كان مختارا امكن احرازه باصالة القصد في افعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها (1) اللهم الا ان يقال ان الكلام بعد احراز القصد و عدم تكلم العاقد لاغيا، أو موريا و لو كان مكرها مع انه يمكن اجراء اصالة القصد هنا ايضا، فتأمل.

______________________________

بل الظاهر ان مراده ان لفعل الوكيل جهتين.

احداهما: جهة

العقدية.

ثانيتهما: جهة قيامه بالوكيل.

و الاكراه لا يؤثر في فقد عقد الوكيل لشي ء من الامور المعتبرة فيه من الجهة الاولي من العربية و نحوها بعد كونه مستجمعة لها، و الجهة الثانية غير دخيلة في ترتب الاثر و حصول النقل و الانتقال لكون الوكيل اجنبيا عن المال، بل عقده انما يؤثر من حيث انتسابه الي المالك الموكل، و المفروض عدم كونه مكرها. فما هو موضوع الاثر لم يتعلق الاكراه به، و ما تعلق الاكراه به لا أثر له، و هو حسن.

(1) الثاني: ان القصد الي المعني شرط في صحة العقد، و مع الشك في ذلك لا أصل يحرز به كون المكره قاصدا له، إذ اصالة القصد الجارية في افعال العقلاء انما هي في الافعال الاختيارية دون المكره عليها.

و فيه: اولا: ان الكلام انما هو بعد احراز القصد.

و ثانيا: ان اصالة القصد انما هي في مطلق الافعال الاختيارية في مقابل الاضطرارية كحركة يد المرتعش.

و استدل للبطلان في الفرع الثاني المحقق النائيني قدس سره:

بان المكره إذا كان غير المالك فغاية ما هناك رضا المالك بالعقد، و مجرد الرضا لا يصحح الاستناد، كما ان الكراهة الباطنية ليست ردا.

و فيه: ان محل الكلام هو كون العاقد وكيلا مفوضا، و فعل الوكيل يستند الي الموكل من جهة الوكالة، فالأظهر هي الصحة في الفرعين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 448

[فروع]
اشارة

فرع و لو اكرهه علي بيع واحد غير معين من عبدين (1) فباعهما، أو باع نصف احدهما ففي التذكرة اشكال.

اقول اما بيع العبدين، فإن كان تدريجا، فالظاهر وقوع الاول مكرها، دون الثاني (2) مع احتمال الرجوع إليه في التعيين، سواء ادعي العكس ام لا،

______________________________

الاكراه علي بيع عبد من عبدين

(1) قوله فرع: لو اكرهه علي بيع واحد غير معين من عبدين فباعهما أو باع نصف احدهما ففي التذكرة: اشكال:

هذا هو الفرع الرابع و فيه صور.

الأولي: ان يكون المكره عليه بيع واحد غير معين فباعهما تدريجا.

(2) فقد جعل المصنف وقوع الاول مكرها عليه دون الثاني هو الظاهر، و احتمل الرجوع إليه في التعيين.

و اورد جل من تأخر عنه عليه: بانه لا وجه لهذا الاحتمال، إذ بعد انطباق عنوان احدهما علي البيع الأول قهرا، و ارتفاع لسان المكره عنه، و اندفاع ضرره به لحصول مقصوده، لا وجه لوقوع الثاني مكرها عليه.

و لكن يمكن ان يقال: ان نظر المصنف قدس سره الي انه لو باع الأول بالبيع الخياري ثمّ باع الثاني، فله ان يفسخ البيع الأول، فيقع الثاني مصداقا للمكره عليه، و له ان يبقيه علي حاله،

فيكون الأول مصداقا له، فيكون البائع هو المرجع في التعيين بهذا المعني.

و أما في صورة لزوم العقد الأول فلا يحتمل في حق المصنف قدس سره احتمال وقوع الثاني مكرها عليه.

الصورة الثانية: ان يكون المكره عليه بيع واحد غير معين فباعهما دفعة، ففي المسألة وجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 449

و لو باعهما دفعة، احتمل صحة الجميع، لأنه خلاف المكره عليه، و الظاهر أنه لم يقع شي ء منهما عن اكراه (1) و بطلان الجميع لوقوع احدهما مكرها عليه، و لا ترجيح، و الاول اقوي،

______________________________

الاول: صحة الجميع، ذهب إليها المصنف

و جل الاساطين ممن تأخر عنه.

الثاني: بطلان الجميع.

الثالث: بطلان احدهما و صحة الآخر، و يرجع في التعيين الي القرعة.

و استدل للاول بوجهين:

(1) الاول: ما في المتن، و اختاره المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان ما صدر عنه خارجا غير ما اكره عليه، و ما اكره عليه لم يصدر، و مجرد اشتمال المجموع علي احدهما لا يوجب صدق الاكراه علي احدهما، فضلا عن كليهما.

و فيه: ان المكره عليه ليس بيع احدهما بشرط لا كي لا يصدق علي بيع احدهما في المقام، بل بيع احدهما لا بشرط الحاصل في ضمن بيعهما، لان لا بشرط يجتمع مع الف شرط، فضم بيع آخر إليه لا يخرجه عما اكره عليه.

الثاني: ما افاده السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني قدس سره، و يمكن استظهاره من كلمات المصنف قدس سره، و هو: ان بيعهما معا دفعة مع كون الاكراه علي احدهما يكشف عن كون البائع راضيا ببيع احدهما، و معه لا يؤثر الاكراه شيئا، لان المفروض ان ما الزمه المكره- و هو بيع احدهما غير المعين- نفس ما هو راض به، فلا يكون اكراها علي ما لا يرضاه.

و فيه: ان بيع المجموع لا يكشف عن كون البائع راضيا ببيع احدهما في مفروض المسألة و هو كونه كارها لبيع كل منهما لو لا الاكراه، بل يمكن ان يكون ناشئا عن غرض آخر من انه يشق عليه التفرقة بينهما لكونهما والدا و ولدا، أو انه لا يوجد من يشتري احدهما منفردا، أو نحو ذلك، فحينئذ يكون بيع كل منهما مكروها، و لكن لما عرفت من اعتبار ترتب الضرر علي ترك المكره عليه في صدق الاكراه، و هذا المعني لا ينطبق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3،

ص: 450

و لو اكره علي بيع معين فضم إليه غيره و باعهما دفعة، فالاقوي الصحة في غير ما اكره عليه. (1)

و أما مسألة النصف، فإن باع النصف (بعد الاكراه علي الكل) بقصد بيع النصف الآخر امتثالا للمكره بناء علي شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين، فلا اشكال في وقوعه مكرها عليه (2) و ان كان لرجاء ان يقنع المكره بالنصف كان ايضا اكراها ((3)

______________________________

علي كل منهما الا علي البدل، فلا محالة يقع احدهما مكرها عليه دون الآخر، و حيث ان انطباقه علي واحد معين ترجيح بلا مرجح، و القرعة لا مورد لها في المقام إذ الظاهر من ادلتها «1» كونها معينة لما له التعين واقعا- لاحظ قوله عليه السلام: القرعة سهم من سهام الله و سهم الله لا يخطئ- فانه إذا لم يكن له واقع معين لا معني لخطئها و عدمه، فيتعين البناء علي بطلانهما معا.

(1) الصورة الثالثة: ان يكون المكره عليه واحدا معينا فباعهما دفعة.

لا ينبغي التوقف في صحة بيع ما لم يكره علي بيعه، و إن كان لو لا الاكراه علي المعين لما باعه، لانه لا يترتب الضرر علي تركه فلا يكون مكرها عليه.

كما لا ينبغي التوقف في بطلانه بالنسبة الي المكره عليه لصدق الاكراه بالاضافة إليه.

(2) الصورة الرابعة: ما لو اكره علي بيع واحد معين فباع نصفه، فتارة يشمل اكراهه المكره لبيعه دفعتين، و اخري لا يشمله. فإذا شمله فان باع النصف بقصد ان يبيع النصف الآخر فلا كلام في كونه مكرها عليه، و ان باعه لرجاء ان يقنع المكره بالنصف.

(3) فقد اختار المصنف قدس سره كونه ايضا مكرها عليه، و خالف المحقق النائيني قدس سره بدعوي ان البيع كذلك غير متعلق الاكراه

به، فان رجاء قناعته بالنصف يوجب تحقق الطيب و الرضا ببيع النصف.

و الحق ما افاده المصنف قدس سره، فان من يدفع النصف الي المكره و داعيه الي الدفع هو الاكراه- و انما يدفعه لرجاء ان يقنع المكره- يكون ذلك استدعاء منه لان يتبدل.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 451

و ان كان لرجاء ان يقنع المكره بالنصف كان ايضا اكراها، لكن في سماع دعوي البائع ذلك، مع عدم الامارات نظر. (1)

______________________________

الاكراه التعييني بدفع التمام الي الاكراه التخييري بين دفع التمام و دفع النصف،

فكما انه في صورة التخيير ابتداء يقع كل من فردي التخيير مكرها عليه، كذلك في التخيير بعد الاستدعاء.

و بالجملة: لا ينبغي التوقف في ان من يدفع الي المكره نصف ما اكره عليه لدفع شره و رضي المكره بذلك يصدق عليه ان مكره عليه، أ لا تري انه لو اجبر ظالم شخصا باعطاء الف تومان فاعطاه نصفه و استدعي منه قبوله ذلك و عدم اضراره يصدق عليه انه مكره عليه، و لا سبيل الي دعوي انه هبة صحيحة، لانه غير ما اكره عليه، و السر فيه ما ذكرناه.

و بهذا البيان ظهر انه لو اكره علي دفع شي ء و اعطي شيئا آخر لرجاء ان يقنع المكره بذلك يصدق عليه انه مكره عليه، لانه بفعله هذا يستدعي منه تبديل اكراهه التعييني الي الاكراه التخييري، فيصير دفعه هذا احد فردي التخيير فيصدق عليه انه مكره عليه.

و بهذا ظهر حكم ما إذا لم يشمل الاكراه لبيعه دفعتين، فانه ان باع نصفه لرجاء ان يقنع المكره بذلك يصدق عليه انه مكره عليه.

(1) قوله لكن في سماع دعوي البائع ذلك مع عدم الامارات نظر.

لم يظهر

لي فرق، بين هذا المورد، و بين ما لو اكره علي بيع شي ء معين فباعه، فكما ان هنا يحتمل كون بيعه الواقع عقيب الاكراه عن رضاه به كذلك في ذلك المورد، فما الوجه في سماع دعواه هناك و عدم سماعها هنا، و ان شئت قلت ان اصالة الجد التي عليها بناء العقلاء لا تجري في امثال هذه المقامات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 452

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير لو اكره علي الطلاق فطلق ناويا، فالاقرب وقوع الطلاق (1) انتهي و نحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع لأن الاكراه اسقط اثر اللفظ، و مجرد النية لا حكم لها، و حكي عن سبطه في نهاية المرام انه نقله قولا، و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الاجماع علي بطلان عقد المكره، و الاكراه يتحقق هنا إذ المفروض انه لولاه لما فعله، ثمّ قال: و المسألة محل اشكال انتهي. و عن بعض الأجلة (كاشف اللثام) انه لو علم انه لا يلزمه الا اللفظ و له تجريده عن القصد فلا شبهة في عدم الاكراه، و انما يحتمل الاكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و ان لم يرده المكره ام لا، انتهي.

______________________________

الاكراه علي الطلاق

(1) الخامس قال في التحرير لو اكره علي الطلاق فطلق ناويا فالاقرب وقوع الطلاق.

يقع الكلام في موردين:

الأول: في بيان وجه فتوي العلامة قدس سره بالصحة.

الثاني: في بيان محتملات هذا الفرع في نفسه و احكامها.

اما الأول: فالظاهر ان نظر العلامة قدس سره الي انه لو اكره علي الطلاق و ان لم يقصد المعني الذي يكون عند العامة طلاقا شرعيا مع النطق بالصريح، فطلق ناويا، فالأقرب وقوع

الطلاق، فانه غير مكره عليه.

و ايراد المصنف قدس سره عليه بانه يبتني علي القول باعتبار عدم امكان التفصي بالتورية في صدق الاكراه، إذ لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعني و قد مر عدم اعتباره.

مندفع اولا: بما تقدم من اعتبار العجز عن التورية في صدقه.

و ثانيا: بالفرق بينهما بعد كون المكره راضيا بالنطق بالصريح مع عدم القصد لاحظ و تأمل في الوجه المتقدم لعدم اعتبار العجز عن التورية تري عدم جريانه في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 453

ثمّ ان بعض المعاصرين (صاحب الجواهر) ذكر الفرع عن المسالك و بناه علي أن المكره لا قصد له أصلا فرده بثبوت القصد للمكره و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه، و فيه ما عرفت سابقا من أنه لم يقل أحد بخلو المكره عن قصد معني اللفظ، و ليس هذا مرادا من قولهم إن المكره غير قاصد الي مدلول اللفظ. و لذا شرك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في ذلك، كما عرفت سابقا،

فبناء هذا الحكم في هذا الفرع علي ما ذكر، ضعيف جدا، و كذا ما تقدم عن بعض الأجلة (كاشف اللثام) من أنه إن علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية، فنوي اختيارا صح لأن مرجع ذلك الي وجوب التورية علي العارف بها، المتفطن لها إذ لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعني بحيث يتكلم به لاغيا و قد عرفت ان ظاهر الادلة و الاخبار الواردة في طلاق المكره و عتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية.

و توضيح الاقسام المتصورة في الفرع المذكور: ان الاكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به. اما ان لا يكون له دخل

في الفعل اصلا، بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الاكراه لبنائه علي تحمل الضرر المتوعد به و لا يخفي بداهة وقوع الطلاق هنا (1) و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه،

______________________________

و أما المورد الثاني: فالاحتمالات المتصورة خمسة:

(1) الاول: ان لا يكون للاكراه دخل في الطلاق، بل يوقعه عن طيب نفسه و رضاه،

و المكره لجهله بحاله اكرهه عليه، لا إشكال و لا كلام في صحة هذا الطلاق.

الثاني: ان يكون كل من الاكراه و الرضا سببا مستقلا، بحيث لو لا الاكراه كان يوقعه،

و لو لا الرضا لأوقعه دفعا للاكراه.

فعن المحقق النائيني قدس سره: الحكم بالبطلان، بدعوي ان كل علتين مستقلتين إذا وردتا علي معلول واحد و كان بينهما تدافع لا يؤثر كل منهما، كاجتماع الرياء و قصد الامر في العبادات، فهذه المعاملة و ان صدرت عن الرضا الا انها تكون عن اكراه ايضا، أو انها و ان لم تكن عن اكراه الا انها لا تكون تجارة عن تراض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 454

فلا معني لجعله في التحرير اقرب، و ذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، و جعله قولا في نهاية المرام و استشكاله فيه لعموم النص و الاجماع، و كذا لا ينبغي التأمل في وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا في داعي الوقوع (1) بل هو بضميمة شي ء اختياري للفاعل،

______________________________

و فيه: اولا: ان المكره إذا كان راضيا لا يصدق علي ما صدر عنه عنوان المكره عليه، بل يصدق هذا العنوان مشروطا بمعني انه لو لم يكن راضيا كان مكرها عليه.

و بالجملة: مع وجود الرضا لا يصدق الاكراه، و لا يقاس المقام بالرياء في العبادات الذي هو متحقق في

الفرض، و يكون مبطلا للصلاة.

بل الصحيح تنظير المقام بما لو فرضنا العادل الورع التقي شرع في الصلاة امام الناس، فان هناك سببين مستقلين لعدم ابطال صلاته: الخوف من الله تعالي، و حفظ مقامه عند الناس، فهل يتوهم القول ببطلان صلاته لان ما بقي من صلاته يقع عن سببين مستقلين؟ و ثانيا: انه لو فرض استناد الطلاق الي الرضا و الاكراه، فمن حيث استناده الي الاكراه لا يترتب عليه الاثر، الا انه يترتب عليه الاثر من حيث استناده الي الرضا.

و بعبارة اخري: الاستناد الي الاكراه لا يؤثر في البطلان- كما هو الحال في الرياء- بل يوجب عدم تأثير العقد المستند إليه، فلا يمنع عن صحته من حيث استناده الي الرضا.

و ثالثا: ان حديث الرفع من حيث وروده في مقام الامتنان لا يشمل مثل هذا الطلاق، لان رفع اثره خلاف الامتنان. فالأظهر هي الصحة في هذه الصورة.

الثالث: ان يكون كل من الاكراه و الرضا جزء السبب، بحيث انه لو لا اجتماعهما لا يؤثر كل منهما.

(1) و قد حكم المصنف قدس سره بالصحة في هذه الصورة و تبعه السيد قدس سره.

و استدل له: بصدق كون الفعل عن الرضا، و ان كان تحققه بعد وجود امر آخر من الزام الغير.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه كما يصدق كون الفعل عن الرضا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 455

______________________________

فيشمله دليل جواز الاكل بالتجارة عن تراض، كذلك يصدق كون الفعل عن الاكراه،

فيشمله دليل رفع ما استكرهوا عليه.

و فيه: اولا: ان الاكراه لا يقتضي الفساد كي يعارض ما يقتضي الصحة كما تقدم.

و ثانيا: انهما لو تعارضا تساقطا فيرجع الي اطلاقات ادلة امضاء تلك المعاملة أو الايقاع.

ثانيهما: ما

افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الرضا و الاكراه ان وردا دفعة علي المسبب فالفعل مستند اليهما، و الاكراه و ان لم يقتض الفساد الا ان المقتضي للصحة ايضا لم يتحقق لعدم صدق التجارة عن تراض.

و فيه: ما عرفت من انه لا دليل علي اعتبار الرضا في صحة العقد، و ان الدليل منحصر بما دل علي رفع اثر المكره عليه، و عليه فلا يحكم بالفساد من هذه الجهة.

و الحق في المقام ان يقال: انه ان لم يصدق صدور العقد عن الاكراه فلا ينبغي التأمل في الصحة لعدم المانع، و ان صدق فيمكن دعوي ان منصرف دليل رفع ما استكرهوا عليه هو ما لو كان الاكراه سببا تاما لصدوره، فلا يشمل المقام.

فالأظهر هي الصحة.

الرابع: ان يكون احدهما سببا مستقلا و الآخر ضميمة، فلا كلام في انه يلحقه حكمه، فان كان السبب هو الرضا حكم بالصحة، و ان كان هو الاكراه حكم بالبطلان.

الخامس: ان يكون الاكراه داعيا علي الداعي علي الطلاق، اما لاعتقاد ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة فيوطن نفسه علي رفع اليد عن الزوجة فيوقع الطلاق قاصدا، أو لجهله بالحكم الشرعي فزعم ان الطلاق يقع مع الاكراه فيرضي نفسه بذلك و يوطنها عليه.

فقد حكم المصنف قدس سره بتحقق الاكراه في هذه الصورة، و خالفه المحقق النائيني قدس سره.

و استدل للصحة: بانه طلق ناويا و مريدا للطلاق.

ثمّ احتمل البطلان من جهة ان الاكراه صار علة لإرادة اسم المصدر، فالفعل بالآخرة يستند إليه و ان كان الداعي الثانوي اختياريا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 456

و ان كان الداعي هو الاكراه. فأما ان يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من

جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر (1) كمن قال له ولده:

طلق زوجتك و الا قتلتك أو قتلت نفسي، فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أو كان الداعي علي الفعل شفقة دينية علي المكره بالكسر أو علي المطلقة أو علي غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرم، و الحكم في الصورتين لا يخلو عن اشكال (2)

______________________________

و رده: بان لازمه بطلان اغلب المعاملات، فانها بالآخرة تنتهي الي غير الاختيار.

و الحق ما افاده المصنف كما سيمر عليك بعد التعرض لفرع آخر.

(1) قوله بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر.

لا يخفي ان المصنف تعرض لأمر هنا كان المناسب ذكره في المحل الذي ذكر مفهوم الاكراه، و نحن ايضا غفلنا عن ذكره هناك.

و هو: انه إذا كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه هو ما يترتب علي المكره بالكسر لا المكره- كما لو قال: طلق زوجتك و الا قتلت نفسي- فهل يصدق عليه الاكراه ام لا؟

(2) فقد استشكل المصنف قدس سره في ذلك.

و الحق هو التفصيل، فانه ربما يعد ضرر المكره ضررا للمكره بالفتح، كما لو كان المكره بالكسر هو العبد أو الابن، و المكره بالفتح هو المولي أو الاب، فان ضرر العبد أو الابن بالقتل يعد ضررا علي المولي و الاب، و في هذا المورد يصدق الاكراه، إذ لا فرق في ترتب الضرر المعتبر في صدقه بين كونه ضررا مع الواسطة أو بلا واسطة، و لذا لو قال الاجنبي بع دارك و الا قتلت ابنك يكون ذلك اكراها.

و ربما لا يعد ضرره ضررا عليه كما لو كان المكره بالكسر هو الأجنبي و قال طلق زوجتك

و الا قتلت نفسي فانه لا يعد ضررا عليه، فلا يصدق الاكراه.

و من هذا القبيل ما لو كان الداعي علي الفعل شفقة دينية علي المكره بالكسر كما لو قال الاجنبي طلق زوجتك و الا زنيت بامرأة اجنبية، فان طلاق زوجته لئلا يقع فعل محرم في الخارج ليس طلاقا ناشئا عن خوف ترتب الضرر، فلا يصدق عليه انه مكره عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 457

و ان كان الفعل لداعي التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة (1) لغفلته عن ان التخلص غير متوقف علي القصد الي وقوع اثر الطلاق و حصول البينونة، فيوطن نفسه علي رفع اليد عن الزوجة و الاعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا، و هذا كثيرا ما يتفق للعوام،

و قد يكون هذا التوطين و الاعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي أو كونه رأي مذهب بعض العامة، فزعم أن الطلاق يقع مع الإكراه فإذا اكره علي الطلاق طلق قاصدا لوقوعه لأن القصد إلي اللفظ، المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد الي وقوعها، فيرضي نفسه بذلك و يوطنها عليه، و هذا ايضا كثيرا ما يتفق للعوام، و الحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن اشكال، الا ان تحقق الاكراه اقرب.

______________________________

(1) قوله لاجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة.

ما افاده رجوع الي بيان ما هو الحق في المسألة التي محل الكلام بعد التعرض لمسألة اخري في الوسط، و قد اشرنا الي انه بعد بيان ما عندنا في تلك المسألة نشير الي ما هو الحق في المقام.

الحق تمامية ما افاده المصنف قدس سره فان توطين النفس و

ارادة الفعل و اسم المصدر لا ينافي مع الاكراه، بل هذا المعني ربما يستند الي الرضا و آخر الي الاكراه، و الا فمع عدم الارادة لا يصدق انه صدر عنه الطلاق عن اكراه، بل لم يصدر عنه، و حديث رفع الاكراه انما يرفع اثر الطلاق الواجد لجميع ما يعتبر فيه سوي انه صدر عن اكراه.

و دعوي انه لو حكم ببطلان ذلك لزم الحكم ببطلان اغلب المعاملات.

غريبة، فانه انما يحكم بالبطلان هنا لحديث رفع الاكراه، و لا ربط ذلك بمسألة الاختيار و عدمه.

فالأظهر هو البطلان في هذه الصورة.

ثمّ انه لا يهمّنا التعرض لما قيل في بيان مراد العلامة قدس سره و ما يمكن ان يورد عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 458

ثمّ ان المشهور بين المتأخرين، أنه لو رضي المكره بما فعله صح العقد (1)

بل عن الرياض تبعا للحدائق ان عليه اتفاقهم، لانه عقد حقيقي فيؤثر اثره مع اجتماع باقي شرائط البيع و هو طيب النفس.

و دعوي اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد (2) خالية عن الشاهد مدفوعة،

بالاطلاقات و اضعف منها دعوي اعتبارها في مفهوم العقد (3) اللازم، منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة و اضعف من الكل، دعوي اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده (4) اللازم، منه عدم صحة بيع المكره بحق، و كون اكراهه علي العقد تعبديا لا لتأثير فيه. و يؤيده فحوي صحة عقد الفضولي حيث ان المالك طيب النفس بوقوع اثر العقد، و غير منشئ للنقل بكلامه و امضاء انشاء الغير ليس الا طيب النفس بمضمونه، و ليس انشاء مستأنفا، مع انه لو كان، فهو موجود هنا. فلم يصدر من المالك هنالك الا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن انشاء العقد و هذا

موجود فيما نحن فيه مع زائد، و هو انشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد لما عرفت من ان عقده انشاء حقيقي و توهم ان عقد الفضولي واجد لما هو به مفقود

______________________________

لو تعقب الرضا عقد المكره

(1) قوله المشهور بين المتأخرين: انه لو رضي المكره بما فعله صح العقد.

قد مر في اول هذا المبحث ان محل الكلام هو العقد الجامع لجميع ما يعتبر فيه من قصد اللفظ و المعني و الجد و غير ذلك، و عليه فالاستدلال للبطلان، بعدم قصد المكره للفظ، أو عدم قصده للمعني، أو عدم قصده لوقوع مضمون العقد في الخارج في غير محله.

و قد استدل لعدم صحة العقد بلحوق الرضا بوجوه.

(2) منها اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد.

(3) و منها اعتبارها في مفهوم العقد.

(4) و منها اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده.

و منها غير ذلك مما ذكره المصنف قدس سره في المتن و اجاب عنها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 459

هنا و هو طيب نفس العاقد بما ينشئه مدفوع بالقطع بأن طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية إذ يكفي فيه مجرد قصد الانشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه،

و لا في النقل و الانتقال لعدم مدخلية غير المالك فيه، نعم لو صح ما ذكر سابقا من توهم ان المكره لا قصد له الي مدلول اللفظ اصلا و انه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعني الصوت، كما صرح به بعض صح انه لا يجدي تعقب الرضا إذ لا عقد حينئذ،

لكن عرفت سابقا انه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوي فراجع.

فظهر مما ذكرنا: ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد، و ان انتصر لهم بعض من تأخر

عنهم بقوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض) الدال علي اعتبار كون العقد عن التراضي (1) مضافا إلي النبوي المشهور الدال علي رفع حكم الإكراه مؤيدا بالنقض بالهازل، مع انهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا، و الكل كما تري لأن دلالة الآية علي اعتبار وقوع العقد عن التراضي اما بمفهوم الحصر و أما بمفهوم الوصف و لا حصر كما لا يخفي لان الاستثناء منقطع غير مفرغ (2) و مفهوم الوصف، علي القول به مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في (ربائبكم اللاتي في حجوركم) و دعوي وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة و سيجي ء زيادة

______________________________

بل عمدة الوجه للبطلان في مقابل الاطلاقات و العمومات الدالة علي صحة معاملة المكره امران.

(1) الاول: قوله تعالي: (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) «1».

بتقريب: انه يدل علي انحصار التجارة الممضاة بما إذا كانت ناشئة عن الرضا،

و من المعلوم ان عقد المكره و ان لحقه الرضا ليس عقدا عن الرضا، بل هو عقد و رضا.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بان الاستدلال ان كان بمفهوم الحصر.

فيرده: ان الاستثناء منقطع غير مفرغ.

و اورد عليه بايرادات:

______________________________

(1) النساء، 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 460

______________________________

الأول: ان المنقطع لا ينقسم الي قسمين مفرغ و غير مفرغ، فانه إذا كان مفرغا يكون متصلا لا منقطعا، مثلا إذا قال ما جاءني الا حمار يقدر المستثني منه ما يشمل الحمار ايضا، إذ لا داعي الي تقدير لفظ القوم حينئذ.

و فيه: انه يمكن ان يكون المستثني منه المقدر منقطعا كما إذا قيل هل جاءك القوم فقال ما جاءني الا حمار إذ المقدر في الجواب هو المسئول عنه، و الظاهر ان غرض

الشيخ قدس سره ان الاستثناء منقطع مذكور، فلا يحتمل فيه الاتصال.

الثاني: ان الاستثناء المنقطع يرجع الي المتصل في اللب، إذ لا بد من ان يكون المراد من المستثني منه ما يشمل المستثني، و الا فلا يصح الاستثناء، مثلا يكون المراد من ما جاءني القوم القوم و من يرتبط بهم، و الشاهد علي ذلك انه لا يصح ان يقال ما جاءني زيد الا عمرو، و ايضا لا يصح ان يقال ما جاءني القوم الا حمار إذا لم يكن الحمار متعلقا بهم، و علي ذلك فجميع الاستثناءات المنقطعة ترجع الي المتصل فتدل علي الحصر.

و فيه: اولا: ان الاستثناء لا يقتضي الدخول حقيقة، بل ربما يكون المصحح توهم الدخول كما في قوله تعالي: و سجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس فانه حيث كان بينهم- و ان لم يكن منهم- يتوهم الدخول في الحكم، فلذا اخرجه، و عليه فكون الا بمعني الاخراج لا يقتضي رجوع المنقطع الي المتصل.

و ثانيا: ان ارجاع المنقطع الي المتصل لا وجه له سوي التحفظ علي ظهور كلمة الا في الاخراج، و ان حملها علي لكن خلاف الظاهر، و للمنع عن ظهورها في ذلك بنحو تصلح قرينة للتصرف في المستثني منه بحمله علي خلاف ظاهره بارادة الاعم مجال واسع، و لا أقل من الاجمال.

الثالث: ان المراد بالباطل في الآية الشريفة هو الباطل الشرعي، و الغرض بيان كون كل اكل باطلا الا التجارة عن تراض، فيكون المعني: لا تأكلوا اموالكم بينكم بوجه من الوجوه فان كل وجه باطل الا التجارة عن تراض، فذكر الباطل لبيان علة الحكم، و عليه فالاستثناء في الآية الشريفة يكون متصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 461

توضيح لعدم دلالة الآية علي اعتبار سبق

التراضي في بيع الفضولي.

و أما حديث الرفع ففيه: اولا ان المرفوع فيه هي المؤاخذة و الاحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، و الزامه بشي ء (1) و الحكم بوقوف عقده علي رضاه راجع الي ان له أن يرضي بذلك، و هذا حق له لا عليه. نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتي يرضي المكره أو يفسخ، و هذا إلزام لغيره و الحديث لا يرفع المؤاخذة و الإلزام عن غير المكره كما تقدم.

و أما الزامه بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه، لا من احكام الفعل المتحقق علي وجه الاكراه، ثمّ ان ما ذكرنا واضح

______________________________

و فيه: انه خلاف الظاهر، إذ الظاهر منه كون الباطل موضوعا لا علة للحكم، و ايضا الظاهر منه ارادة الباطل العرفي.

فالحق تمامية جواب المصنف قدس سره.

و يرد عليه- مضافا الي ذلك- ان المراد من التجارة ليس هو العقد كي يعتبر ان يكون عن الرضا، بل المراد بها الكسب و الاكتساب، و هو لا يحصل شرعا الا بعد الرضا،

فيكون تجارة عن تراض.

الامر الثاني: حديث الرفع «1».

بتقريب: انه يدل علي رفع اثر ما استكرهوا عليه تكليفا كان ام وضعا، فاثبات التأثير للعقد الصادر عن اكراه- و لو كان علي سبيل جزء العلة كما يقوله القائل بصحة عقد المكره إذا تعقبه الرضا- خلاف مقتضي الحديث.

و اجاب عنه المصنف قدس سره باجوبة.

(1) الاول: ما ظاهره: ان حديث الرفع بمقتضي وروده في مقام الامتنان يختص بالآثار التي تكون علي المكره، و لا يشمل الاثر الذي له، و لا الأثر المتوجه الي غيره،

و عليه فحيث ان الحكم بوقوف عقد المكره علي الرضا و ان له ان يرضي و له ان لا يرضي،

حكم له

لا عليه، و الزام الطرف الآخر بعدم الفسخ حتي يرضي المكره أو يفسخ الزام

______________________________

(1) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 462

______________________________

لغيره، و معني صحة عقده ان رضي هو ذلك فلا تكون الصحة بهذا المعني مشمولة للحديث.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما عن السيد الفقيه و المحققين النائيني قدس سره و الاصفهاني، و هو: ان الحديث لو سلم انه لا يرفع الاثر الذي للمكره، فانما يختص بالاثر الثابت للعقد لو لا حديث رفع الاكراه، و أما الاثر الثابت له بعد وروده فلا يصلح الحديث لرفعه، و الصحة بمعني وقوفه علي الرضا حكم يثبت بعد ورود حديث الرفع، إذ مع قطع النظر عنه اثر العقد هو فعليه التأثير لا وقوفه علي الرضا، فلا يصلح حديث الرفع لرفعه و لا نظر له إليه.

و فيه: أنه يمكن توجيه كلامه بنحو لا يرد عليه هذا الايراد.

و حاصله: ان اثر العقد هو الملكية من حين العقد الي الابد، و إذا كانت حديث الرفع مختصا بما في رفعه منة يرتفع مقدار من الملكية الذي يكون ثبوته منافيا للامتنان و هو الملكية قبل الرضا، و أما الملكية بعد الرضا- التي هي اثر العقد مع قطع النظر عن حديث الرفع- فحيث انه لا امتنان في رفعها فهي لا ترتفع بالحديث.

و بالجملة: المرفوع بالحديث انما هو مقدار من الملكية التي هي باجمعها اثر العقد،

و يكون في رفعه منة، و أما المقدار الذي لا منة في رفعه- و هي الملكية بعد الرضا فلا يكون مرفوعا بالحديث.

الايراد الثاني: ما اورده السيد الفقيه قدس سره و المحقق النائيني قدس سره، و هو: أن المرفوع لا يختص بالآثار المتعلقة بالمكره، بل المرفوع

مطلق الآثار.

و فيه: ان الآثار المتعلقة بغير المكره علي قسمين: قسم منها مترتب علي الآثار المتعلقة بالمكره، نظير ما لو اكره علي النكاح فاوقع النكاح عن كره، فانه يكون عدم جواز تزويج الغير لتلك المرأة و كون الزنا معها زنا بذات البعل، و نحو ذلك مترتبة علي زوجية تلك المرأة للمكره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 463

علي القول بكون الرضا ناقلا، و كذلك علي القول بالكشف بعد التأمل. و ثانيا أنه يدل علي ان الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الاكراه (1) يرتفع عنه إذا وقع مكرها عليه، كما هو معني رفع الخطأ و النسيان ايضا، و هذا المعني موجود فيما نحن فيه لأن اثر العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه السببية المستقلة لنقل المال. و من المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الاكراه و هذا الاثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث انه جزء العلة التامة للملكية لم يكن ثابتا للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ليرتفع به إذ المفروض أن الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه.

و بعبارة اخري اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه هو اللزوم المنفي بهذا الحديث، و المدعي ثبوته للعقد بوصف الاكراه هو وقوفه علي رضا المالك. و هذا غير مرتفع بالاكراه لكن يرد (2) علي هذا ان مقتضي حكومة الحديث علي الاطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها لصحة بيع المكره و وقوفه علي الرضا اللاحق فلا يبقي دليل علي صحة بيع المكره فيرجع الي اصالة الفساد، و بعبارة اخري ادلة صحة البيع تدل علي سببية مستقلة، فإذا قيدت بغير المكره لم يبق لها دلالة

علي حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل علي صحة البيع بالمعني الأعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه

______________________________

و قسم منها يكون مترتبا علي ذلك الفعل مستقلا، نظير وجوب وفاء الطرف بالعقد الواقع بينه و بين المكره، حيث انه مترتب علي العقد مستقلا. و ما ذكراه يتم في القسم الاول دون الثاني- فتدبر.

فظهر ان هذا الجواب متين.

(1) الجواب الثاني: ان الحديث انما يرفع الاثر المترتب علي المكره عليه لو لا الاكراه، و أما الاثر الثابت له بوصف الاكراه فلا يدل الحديث علي رفعه، و هو واضح،

و الاثر الثابت للعقد- مع قطع النظر عن الاكراه- السببية المستقلة و المدعي ثبوته له هو وقوفه علي رضا المالك، و هذا غير مرتفع بالاكراه.

(2) و اورد علي نفسه: بان اثر العقد الثابت له بمقتضي الاطلاقات هو السببية التامة المرفوعة بالحديث، و ثبوت السببية الناقصة يحتاج الي دليل آخر مفقود، فيرجع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 464

مقيدا له فلا ينفع اللهم إلا أن يقال إن الاطلاقات المقيدة للسببية مقيدة (1) بحكم الأدلة الاربعة المقتضية لحرمة اكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس، بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الاكراه له. و أما المرضي به بالرضا اللاحق فإنما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، و هو أصل البيع و لا نقول بتأثيره، بل مقتضي الأدلة الاربعة مدخلية الرضا في تأثيره و وجوب الوفاء به، فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه، و الرضا به لاحقا و لازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام. و هذا لا

يرتفع بالاكراه لأن الاكراه مأخوذ فيه بالفرض كما ترتفع السببية المستقلة. و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا إذ علي الأول يكون تمام المؤثر نفسه. و علي الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد و هو تعقبه للرضا، و كيف كان فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له لا يترتب عليه إلا كونه جزء المؤثر التام. و هذا أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه، و من الرضا أو وصف تعقبه له فتأمل.

______________________________

الي اصالة الفساد.

(1) و اجاب عنه: بان المطلقات قيدت بمقيد آخر غير حديث الرفع بالرضا في مرتبة سابقة علي الحديث، فيكون المستفاد منها- بعد الجمع- ان العقد المرضي به بالرضا السابق أو اللاحق يكون مؤثرا، و لا حكومة للحديث علي ذلك، إذ البيع المرضي به بالرضا السابق لا يعقل عروض الاكراه عليه، و أما المرضي به بالرضا اللاحق فهو مع هذا القيد لا يعرضه الاكراه، و بدونه و ان كان يعرضه الا انه لا أثر له، إذ كونه جزء المؤثر عقلي قهري يحصل بعد حكم الشارع بتأثير العقد المرضي به، و علي هذا فالمطلقات المقيدة بما دل علي اعتبارا الرضا الاعم من السابق و اللاحق دليل صحة هذا العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 465

بقي الكلام في ان الرضا المتأخر ناقل أو كاشف

مقتضي الاصل و عدم حدوث حل مال الغير الا عن طيب نفسه هو الاول الا ان الاقوي بحسب الادلة النقلية هو الثاني كما سيجي ء في مسألة الفضولي، و ربما يدعي أن مقتضي الأصل هنا. و في الفضولي هو الكشف لأن مقتضي الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما افاده من نقل الملك حين

صدوره فامضاء الشارع للرضا بهذا المعني و هو النقل من حين العقد و ترتب الآثار عليه لا يكون الا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل.

و فيه ان مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل، الا ان إنشاءه لما كان في زمان التكلم فإن كان ذلك الانشاء مؤثرا في نظر الشارع في زمان التكلم

______________________________

يرد عليه امور:

احدها: ما تقدم من انه لو لا دليل رفع ما استكرهوا عليه لما كان دليل علي اعتبار الرضا في العقد.

ثانيها: ان الجزئية للمؤثر و ان كانت غير مجعولة الا انها مجعولة بتبع جعله جزء المؤثر، و هو قابل للرفع.

ثالثها: انه علي هذا لا يكون حديث الرفع من الادلة في هذا المبحث.

فالحق عدم تمامية هذا الجواب.

نعم جوابه الأول تام.

و يمكن ان يجاب عن هذا الوجه بجواب آخر، و هو:

ان الآثار انما يترتب علي المنشآت لا الإنشاءات، و هي امور باقية اعتبارا، فلها حدوث و بقاء، و من الواضح ان المرفوع انما هو المكره عليه بهذا العنوان كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في الموضوعات، فما دام يكون الاكراه باقيا لا يترتب عليه الاثر، و إذا تبدل الي الرضا فهو يكون مؤثرا بقاء.

و نظير ذلك ما لو اكره الجنب علي الجلوس في المسجد، فانه ما دام بقاء الاكراه ترتفع الحرمة، فإذا تبدل الي الرضا يحرم جلوسه بقاء.

فتحصل ان الأظهر ما هو المشهور من صحة عقد المكره إذا تعقبه الرضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 3، ص: 466

حدث الاثر فيه و ان كان مؤثرا بعد حصول امر حدث الأثر بعده، فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر في الحكم و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول،

أو بعد القبض في الصرف و السلم و الهبة أو بعد انقضاء زمان الخيار علي مذهب الشيخ، غير مناف لمقتضي الايجاب، و لم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة الي الازمنة. (1)

فإن قلت: حكم الشارع بثبوت الملك، و ان كان بعد الرضا الا ان حكمه بذلك لما كان من جهة امضائه للرضا بما وقع، فكأنه حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله، قلت: المراد هو الملك شرعا، و لا معني لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك، و سيأتي توضيح ذلك في بيع الفضولي ان شاء الله تعالي و ان شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضي فسخ العقد، فإنه و ان كان حلا للعقد السابق و جعله كأن لم يكن، الا انه لا يرتفع به الملكية السابقة علي الفسخ، لأن العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلقه. ثمّ علي القول بالكشف هل للطرف الغير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله.

______________________________

(1) سيأتي الكلام علي ذلك مستوفي في مبحث الفضولي فلا فائدة في البحث هنا.

ثمّ الجزء الثالث من كتابنا منهاج الفقاهة و يتلوه الجزء الرابع من اول بيع الفضولي و الحمد لله اولا و آخرا.

الجزء الرابع

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق، و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة، و علي آله العلماء بالله الامناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد.

فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه،

و المرجو من الله تعالي التوفيق لنشر بقية المجلدات فانه ولي التوفيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 5

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة الكلام في شروط المتعاقدين]

مسالة و من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع
اشارة

(1) فعقد الفضول لا يصح اي لا يترتب عليه ما يترتب علي عقد غيره من اللزوم.

و هذا مراد من جعل الملك و ما في حكمه شرطا، ثمّ فرع عليه بأن بيع الفضولي موقوف علي الاجازة، كما في القواعد، فاعترض جامع المقاصد عليه بأن التفريع في غير محله، لعله في غير محله، و كيف كان، فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من اهم المسائل، فنقول: اختلف الاصحاب و غيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم علي بطلان ايقاعه (2) كما في غاية المراد علي اقوال

______________________________

بيع الفضولي
اشارة

(1) قوله و من شروط المعتقدين ان يكونا مالكين أو ماذونين من المالك أو الشارع.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع و قبل الشروع فيها لا بد من التنبيه علي جهات:

الاولي: ان الكلام في المقام ليس في ترتب اللزوم علي عقد الفضولي و عدمه، بل في صحته الفعلية و عدمها، و انه هل يترتب عليه الاثر ام لا؟ فما في المكاسب من تفسير عدم صحته بعدم ترتب اللزوم علي عقده كانه سهو من قلمه الشريف.

(2) الجهة الثانية: ان المصنف قدس سره ارسل عدم جريان الفضولي في الايقاعات ارسال المسلمات، و نقل دعوي الاجماع عليه من غاية المراد.

و الحق ان يقال: انه ان بنينا علي بطلان الفضولي علي القاعدة في العقود و خرجنا عنها لدليل خاص فلا يصح ايقاع الفضولي لعدم الدليل.

و أما بناء علي صحته مع الاجازة علي القاعدة فلا وجه لما افاده، و ذلك لانه لم يذكر دليلا علي بطلان ايقاعه عموما سوي الاجماع.

و يرد عليه: اولا: انه غير ثابت، بل المتتبع يقف علي شواهد يطمئن بعدمه، فان ظاهر جمع منهم و صريح آخرين البناء علي صحته مع

الاجازة في جملة من الموارد كالوصية بما زاد علي الثلث بناء علي انها ايقاع، و عتق الراهن العبد المرهون، و عتق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 6

و المراد بالفضولي (1) كما ذكره الشهيد هو الكامل الغير المالك للتصرف و لو كان غاصبا. و في كلام بعض العامة انه العاقد بلا اذن من يحتاج الي اذنه، و قد يوصف به نفس العقد و لعله تسامح و كيف كان فيشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون إذن الولي، و من المالك إذ لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال، كما يومئ إليه استدلالهم لفساد الفضولي بما دل علي المنع من نكاح الباكرة بغير اذن وليها، و حينئذ فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحو هما، و بيع العبد بدون اذن السيد، و كيف كان فالظاهر

______________________________

المرتهن اياه و غير ذلك من الموارد، و لذا قال في الجواهر: بل عرفت مما قدمناه جريانه في العقود و غيرها من الافعال كالقبض و نحوه و الاقوال التي رتب المشارع عليها الاحكام الا ما خرج بالدليل كما اومئ إليه في شرح الاستاد.

و ثانيا: انه لو ثبت فليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم فلا يستند إليه

(1) الثالثة: ان الفضول جمع الفضل، و هو فعل ما لا يعني بالشخص و لا يهمّه،

و الفضول من الجموع التي جاءت بمعني المفرد إذا استندت الي الشخص، فهو يطلق علي من يعمل عملا لا يهمّه و غير مربوط به. و ليس له في الاصطلاح معني خاص، بل هو عبارة عمن يعامل معاملة لا يكون مالكا لها، اما لعدم مالكيته للعين التي هي مورد المعاملة كبيع مال الغير، أو لتعلق حق الغير بالعين كالمرهون، أو لمنع الشارع عنها الا

باذن شخص خاص كنكاح بنت الاخ، حيث انه يعتبر في صحته اذن عمته لو كانت زوجته.

و يترتب علي ما ذكرناه امران:

احدهما: ان الاولي التعبير ببيع الفضولي بنحو الاضافة لا البيع الفضولي بنحو التوصيف.

ثانيهما: ان مراد المصنف قدس سره بقوله ان يكونا مالكين ان كانت مالكيتهما للتصرف اغني عن ذكر قسيمه، و ان كانت مالكيتهما للعين فيرد عليه: ان مجرد ذلك لا يكفي مع عدم مالكيتهما للتصرف لتعلق حق الغير مثلا بما هو مورد المعاملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 7

شموله لما إذا تحقق رضاء المالك للتصرف باطنا و طيب نفسه بالعقد من دون حصول اذن منه صريحا أو فحوي (1) لأن العاقد لا يصير مالكا للتصرف، و مسلطا عليه بمجرد علمه برضاء المالك. و يؤيده اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليا و فرعوا عليه بيع الفضولي.

و يؤيده ايضا استدلالهم علي صحة الفضولي بحديث عروة البارقي مع ان الظاهر علمه برضاء النبي صلي الله عليه و آله بما يفعله، و ان كان الذي يقوي في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الاصحاب عدم توقفه علي الاجازة اللاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد،

______________________________

(1) هذه هي الجهة الرابعة: و هي انه هل يشمل عقد الفضولي العقد المقرون برضا المالك من دون اذن منه صريحا أو فحوي كما هو المنسوب الي ظاهر الاصحاب.

ام لا يشمله بل يكفي مجرد رضاه في صحة العقد و ترتب اثره كما اختاره المصنف قدس سره،

ام يفصل بين ما إذا كانت الاجازة لتحقق استناد العقد الي من يملك التصرف حتي يكون العقد عقده فلا يكفي، و بين ما إذا كانت لجهة اخري كالعين المرهونة إذا باعها مالكها،

فان اجازة المرتهن

ليست لاجل تحقق استناد العقد إليه بل لان العين وثيقته كما اختاره السيد الفقيه. وجوه،

و قد استدل للثاني بوجوه:

الأول: عموم وجوب الوفاء بالعقود «1».

و اورد عليه جمع منهم المحقق النائيني قدس سره: بان مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع،

اي كل مكلف يجب عليه الوفاء بعقده، و عقد الفضولي لا يكون عقد المالك بمجرد رضاه،

لان كونه عقدا له يتوقف علي مباشرته أو نيابة الغير عنه بالاذن أو الاجازة بعد صدور العقد من الفضولي.

و فيه: اولا: ان هذا لو تم لاقتضي البناء علي القول الثالث لا الأول.

و ثانيا: انه لا يتم، فان المراد من الاستناد ليس هو بنحو يصدق عليه انه اوجد العقد، لانه لا يصدق مع الاجازة، بل مع الاذن الذي حقيقته الترخيص، و اظهار الرضا

______________________________

(1) المائدة، 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 8

سواء علم به العاقد أو انكشف بعد العقد حصوله حينه أو لم ينكشف اصلا، فيجب علي المالك فيما بينه و بين الله تعالي امضاء ما رضي به، و بترتيب الآثار عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقود و قوله تعالي: الا ان تكون تجارة عن تراض (1) و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه (2) و ما دل ان علم المولي بنكاح العبد و سكوته، اقرار منه، و رواية عروة البارقي الآتية حيث اقبض المبيع و قبض الدينار لعلمه برضاء النبي صلي الله عليه و آله و لو كان فضوليا موقوفا علي الإجازة لم يجز التصرف في المعوض و العوض، بالقبض و الاقباض و تقرير النبي صلي الله عليه و آله له علي ما فعل، دليل علي جوازه، هذا مع ان كلمات الاصحاب في بعض

______________________________

به لتوقف صدقه علي كون الفعل صادرا عنه بالمباشرة أو

التسبيب و شي ء منهما ليس في مورد الاذن، فضلا عن الاجازة، بل المراد منه هو الاستناد، بمعني انه عقده و بيعه كما هو الظاهر من الآية الشريفة، فان ظاهر قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عقودكم لاما عقدتم،

و عليه فهذا المعني من الاستناد كما يتحقق بالاجازة- التي حقيقتها اظهار الرضا بما وقع- يتحقق بالرضا به.

و بالجملة: المعني المصدري لا يستند الي المجيز و لا إلي الراضي، بل و لا إلي الاذن،

و المعني الاسم المصدري ينسب إليه بمجرد الرضا.

و دعوي ان الاجازة التزام بالعقد و لذا لا يصح من غير المالك بخلاف الرضا و لذا يصح رضا الأجنبي بالعقد.

مردودة، لان الالتزام بالعقد لا أتصور له معني سوي الرضا به.

و بما ذكرناه ظهر صحة الاستدلال ب) احل الله البيع، «1» و لا يرد عليه ما اورده جمع من ان البيع- لا سيما المعني المصدري منه- لا ينتسب الي المالك بمجرد الرضا.

(1) الثاني: مما استدل به المصنف قدس سره قوله تعالي) تجارة عن تراض «2»

و اورد عليه بما اورده علي سابقيه، و الجواب الجواب.

(2) الثالث: ما دل علي انه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه «3».

______________________________

(1) البقرة، 275.

(2) النساء، 29.

(3) راجع الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي و المستدرك ج 1 ص 212 و فروع الكافي ج 1 ص 26

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 9

المقامات يظهر منه خروج هذا الفرض عن الفضولي، و عدم وقوفه علي الاجازة،

مثل قولهم في الاستدلال علي الصحة ان الشرائط كلها حاصلة الا رضا المالك،

و قولهم ان الاجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنه اعم من الرضا و نحو ذلك، ثمّ لو سلم كونه فضوليا ليكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه علي الاجازة لأنه

لا دليل علي توقفه مطلقا علي الاجازة اللاحقة، كما هو احد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثمّ ملكه، مع انه يمكن

______________________________

و فيه: ما تقدم من انه في مقام بيان شرط الحلية التكليفية، و لا كلام في انه يشمل الرضا النفساني، مع انه انما يدل علي اعتبار الرضا لا علي كفايته، و الفرق واضح.

الرابع: ما دل علي ان علم المولي بنكاح العبد و سكوته اقرار منه «1».

و اورد عليه جمع من الاساطين: بان السكوت عن مثل النكاح له خصوصية و هي كاشفيته النوعية عن الرضا.

و فيه: ان هذه الخصوصية لا تنكر، الا انها لا توجب الفرق بين هذا الرضا المستكشف بالقرينة النوعية و الرضا المستكشف من قرينة خاصة.

و بالجملة: غاية ما هناك كاشفية السكوت عن الرضا، فلو لم يكن الرضا كافيا لم يكن ذلك مجديا. و بذلك يظهر صحة الاستدلال بما دل علي كفاية سكوت الباكرة.

الخامس: رواية عروة البارقي، «2» و سيأتي الكلام فيها مفصلا، و يمكن الاستدلال له مضافا الي ذلك كله بصحيح الحميري الآتي: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها أو بامره أو رضا منه «3».

فتحصل: ان الأظهر هو ما ذهب إليه المصنف قدس سره.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الأول و الجواب عنه.

و دعوي ان الحالات النفسانية غير البارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في باب

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه.

(3) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 10

الاكتفاء في الاجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا ينفك عن ذلك مع الالتفات (1) ثمّ انه لو اشكل

في عقود غير المالك فلا ينبغي الاشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا، مع العلم برضا السيد، و لو لم يأذن له لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الاخبار و عدم منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف.

[صور بيع الفضولي]
اشارة

ثمّ اعلم ان الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع

فهنا مسائل ثلاث:
الاولي: ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك
اشارة

و هذا هو المتيقن من عقد الفضولي

و المشهور الصحة. [و أدلتهم]

بل في التذكرة نسبه إلي علمائنا تارة صريحا و اخري ظاهرا بقوله عندنا إلا أنه ذكر عقيب ذلك إن لنا فيه قولا بالبطلان.

و في غاية المراد: حكي الصحة عن العماني و المفيد و المرتضي و الشيخ في النهاية و سلار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة، و حكي عن الاسكافي و استقر عليه رأي من تأخر عدا فخر الدين، و بعض متأخري المتأخرين كالاردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين

______________________________

العقود و الايقاعات.

مندفعة بان ذلك انما هو في المؤثر و هو العقد دون الشروط، و لا ريب في ان الرضا الباطني شرط كما عرفت. كما انه ظهر مدرك القول الاخير، فانه استدل لعدم الاكتفاء به في معاملة غير المالك بما تقدم، و لكفايته في معاملة المالك بان اعتبار اجازة ذي الحق ليس لاجل تحقق الاستناد بل لاعتبار رضاه، و قد عرفت الجواب عنه.

(1) و فيه ان اكتفينا في الاجازة بالرضا اكتفينا به في الاذن بطريق اولي

بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع

إذا عرفت هذا فاعلم: ان الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه، و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك و قد يسبقه المنع فها هنا مسائل ثلاث:

الأولي: ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك، و هذا هو المتيقن من عقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 11

لعموم ادلة البيع و العقود (1) لأن خلوه عن اذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه، و اشتراط ترتب الاثر بالرضا و توقفه عليه ايضا لا مجال لإنكاره، فلم يبق الكلام الا في اشتراط سبق الاذن، و حيث لا دليل عليه، فمقتضي الاطلاقات عدمه،

و مرجع ذلك كله الي عموم حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد، خرج منه العاري عن الاذن و الاجازة معا، و لم يعلم خروج ما فقد الاذن و لحقه الاجازة،

______________________________

الفضولي، و المشهور الصحة، بل عن التذكرة: نسبته الي علمائنا تارة صريحا و اخري ظاهرا بقوله عندنا، الا انه ذكر عقيب ذلك: ان لنا فيه قولا بالبطلان.

و في المكاسب: و استقر عليه رأي من تأخر عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين كالاردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين و مراد صاحب الحدائق و حيث ان القائلين بالصحة منهم من استند الي القاعدة و منهم من استند الي النص فالأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الصحة علي القاعدة.

الثاني: الصحة بواسطة النص.

الثالث: البطلان.

ذهب الي كل جمع.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره للاول: بان مقتضي العمومات مثل) أوفوا بالعقود (و) احل الله البيع (و غيرهما ترتب الاثر علي كل عقد، و قد قيد ذلك بما دل علي اشتراط ترتب الاثر بالرضا و توقفه عليه، و المتيقن من ذلك الجامع بين الرضا السابق و اللاحق،

فالعقد الملحوق بالرضا يشك في ترتب الاثر عليه فيرجع الي العمومات المقتضية لذلك.

و فيه: اولا: انه بناء علي ما اسسه في الاصول- من انه إذا فرض خروج بعض الافراد في بعض الأزمنة عن العموم و لم يكن لدليل ذلك العموم عموم ازماني بعد ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 12

و إلي ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر عن اهله في محله، فما ذكره في غاية المراد: من انه من باب المصادرات لم اتحقق وجهه، لأن كون العاقد اهلا للعقد من حيث أنه بالغ عاقل لا كلام فيه، و كذا كون المبيع قابلا للبيع فليس محل

الكلام إلا خلو العقد عن مقارنة اذن المالك و هو مدفوع بالاصل، و لعل مراد الشهيد ان الكلام في اهلية العاقد،

______________________________

الزمان المخرج بالنسبة الي ذلك الفرد، لا يصح التمسك بالعموم، بل لا بد من الرجوع الي الاستصحاب- لا وجه لتمسكه بالعمومات في المقام، إذ خرج عنها العقد قبل لحوق الاجازة، لانه لم يقل احد بوجوب الوفاء عليه بان يجيزه، فبعد الاجازة يشك في انه يجب الوفاء به و يترتب عليه الاثر ام لا، فحيث انه ليس لها عموم ازماني فلا مورد للتمسك بها بل يتعين الرجوع الي الاستصحاب المقتضي لعدم ترتب الاثر.

و ثانيا: ان المستفاد من الادلة- بحسب المتفاهم العرفي كما تقدم- لزوم انتساب العقد و المعاملة الي المالك و ليس مفادها لزوم الوفاء بكل عقد.

و بالجملة: ان المستفاد منها وجوب وفاء كل شخص بعقد نفسه، فليس الموضوع كل عقد كي يصح التمسك بالعموم مع عدم الانتساب، و قد اعترف قده بذلك في مبحث الاجازة، قال: ان وجوب الوفاء بالعقد تكليف الي العاقدين، و من المعلوم ان المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته الا بعد الاجازة، فلا بد من تنقيح ذلك و انه هل ينسب العقد و المعاملة الي المالك بمجرد الاجازة ام لا، و قد تقدم تقريب اضافته إليه بالاجازة في الحاشية السابقة، و حاصله: ان المعتبر انما هو استناد المسببات لا الأسباب و هي تستند إليه بالاجازة.

و علي هذا البيان لا يرد ما اوردناه اولا علي المصنف، فان العقد قبل الاجازة لا يكون مشمولا للعمومات، لا انه مشمول لها و خارج عنها للمخرج.

و اورد السيد الفقيه قدس سره علي هذا الوجه: بان الاجازة لا تغير ما وقع عليه بحيث تنقلب النسبة، أ لا

تري انه لو امر بضرب احد فضرب يصدق انه ضربه، و لكن لو ضربه احد و اطلع هو عليه بعد ذلك فرضي به لا يصدق انه ضربه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 13

و يكفي في اثباتها العموم المتقدم، و قد اشتهر الاستدلال عليه بقضية عروة البارقي (1) حيث دفع إليه النبي صلي الله عليه و آله دينارا، و قال له: اشتر لنا به شاة للاضحية، فاشتري به شاتين، ثمّ باع احدهما في الطريق بدينار فأتي النبي صلي الله عليه و آله بالشاة و الدينار، فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله بارك الله لك في صفقة يمينك، فإن بيعه وقع فضولا و ان وجهنا شراءه علي وجه يخرج عن الفضولي، (2) هذا، و لكن لا يخفي ان الاستدلال بها يتوقف علي دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي

______________________________

و فيه: ان ما ذكره قدس سره يتم في الموجودات التكوينية الخارجية كالضرب و الاسباب في باب العقود و الايقاعات، و لذا ذكرنا انها لا تستند إليه بالاجازة، و لا يتم في الموجودات الاعتبارية و هي المسببات في المقام فانها تستند إليه بالاجازة فتشملها العمومات.

فتحصل: ان مقتضي العمومات صحة الفضولي.

و يمكن ان يستدل لها بالسيرة العقلائية بضميمة عدم ردع الشارع الاقدس عنها.

و أما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره في وجه الصحة بان الاجازة بنفسها انشاء من قبل المجيز فمع انشاء الاصيل هو عقد تشمله العمومات.

فيرد عليه: انه علي هذا عقد فاقد للتوالي بين الايجاب و القبول و مقدم قبوله علي ايجابه فيما إذا كان الأصيل مشتريا، فالحق ما ذكرناه.

ثمّ انه قد استدل لصحة الفضولي بالادلة الخاصة:

(1) احدها: ما تضمن قضية عروة البارقي، المذكور في المتن

«1». فان شراءه و بيعه وقعا فضوليين.

(2) و قد افاد المصنف قدس سره انه يمكن توجيه شراءه بنحو يخرج عن الفضولية. و لم يذكر التوجيه، و افيد فيه امور:

منها: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه مسبوق بالاذن الفحوي، حيث ان اذنه بشراء شاة بدينار يقتضي اذنه و رضاه بشراء شاتين بهذا المبلغ بطريق اولي.

______________________________

(1) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 14

توضيح ذلك ان: الظاهر علم عروة برضا النبي صلي الله عليه و آله بما يفعل. (1) و قد اقبض المبيع و قبض الثمن و لا ريب ان الاقباض و القبض في بيع الفضولي حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، فلا بد أما من التزام إن عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض و هو مناف لتقرير النبي صلي الله عليه و آله. و أما من القول بأن البيع الذي يعلم بتعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الاجازة، بناء علي كون الاجازة كاشفة و سيجي ء ضعفه، فيدور الامر بين ثالث و هو جعل

______________________________

و فيه: انه ان كان النبي صلي الله عليه و آله اعد دينارا لصرفه في شراء الشاة كان هذا متينا، و لكنه صلي الله عليه و آله انما اراد شاة واحدة للاضحية، و معه لا سبيل الي دعوي الاذن الفحوي كما لا يخفي.

و منها: ما افاده السيد الفقيه، و هو: ان المراد جنس الشاة الصادق علي الواحد و المتعدد.

و فيه: مضافا الي انه خلاف الظاهر في نفسه، يأباه بيع عروة احدي الشاتين.

و منها: غير ذلك مما هو واضح الدفع.

و لكن يرد علي الاستدلال به امران:

الأول: انه ضعيف السند، لأنه مروي من طرق

العامة، و عروة لم يوثق، مضافا الي نقل الشيخ قدس سره و العلامة اياه من عرفة، و القدماء من الأصحاب لو لم يكونوا معرضين عنه لا سبيل الي دعوي عملهم به كي ينجبر به ضعف السند.

الثاني: انه يحتمل ان عروة من حيث كونه معدا لخدمة النبي صلي الله عليه و آله كان وكيلا مفوضا في امر البيع و الشراء، فلم يكن بيعه و لا شراؤه فضوليا، و حيث انه قضية في واقعة و لا إطلاق له، فالاحتمال يسقطه عن الاستدلال.

و قد اورد علي الاستدلال به المصنف قدس سره بايرادين.

احدهما:

(1) انه حيث كان عروة قبض الثمن و اقبض الشاة، و لا سبيل الي دعوي انه فعل حراما لمنافاته لتقرير النبي صلي الله عليه و آله، و لا إلي جواز التصرف في المبيع ببيع الفضولي قبل الاجازة بناء علي كونها كاشفة لا ناقلة لما سيجي ء من ضعفه، و لا إلي دعوي علم عروة برضا النبي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 15

هذا الفرد من البيع، و هو المقرون برضا المالك، خارجا عن الفضولي كما قلناه،

و رابع: و هو علم عروة برضاء النبي صلي الله عليه و آله باقباض ماله للمشتري حتي يستأذن و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الامانة،

و الا فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا فلا يستحق قبض المال. فلو كان المشتري عالما،

فله ان يستأمنه علي الثمن حتي ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا. و لكن الظاهر هو اول الوجهين «الاخيرين و هو القول الثالث» كما لا يخفي خصوصا بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة علي جهة المعاطاة. (1)

و قد تقدم ان المناط فيه مجرد المراضاة، و وصول كل

من العوضين الي صاحب الآخر و حصوله عنده باقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا، فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضاء المالكين، ثمّ وصل كل من العوضين الي صاحب الآخر و علم برضاء صاحبه كفي في صحة التصرف، و ليس هذا من معاملة الفضولي لأن الفضولي صار آلة في الايصال و العبرة برضاء المالك المقرون به،

______________________________

صلي الله عليه و آله باقباض ماله للمشتري حتي يستأذن، و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الامانة. فيتعين البناء علي خروج المعاملة المقرونة برضا المالك عن معاملة الفضولي.

و فيه: اولا: لا وجه لاستظهار فساد الاحتمال الثالث، إذ لا سبيل له سوي دعوي كون المشتري جاهلا و هو غير ثابت، مع انه لو كان جاهلا يمكن ان يكون دفع الثمن علي وجه الاستئمان بان يدفعه علي وجه الرضا المطلق، اي علي جميع التقادير علي انه ان كان مالكا فبما انه مالك، و الا فبما انه امين نعم الشيخ قدس سره لا يحتاج الي اثبات فساده، بل مجرد

الاحتمال الرابع يسقطه عن الاستدلال.

و ثانيا: ان المعاملة المقرونة برضا المالك الفعلي خارجة عن الفضولية لا المقرونة بالرضا التقديري، و المقام من قبيل الثاني.

(1) ثانيهما: ان الظاهر وقوع المعاملة في مورد الرواية بنحو المعاطاة بين رسول الله صلي الله عليه و آله و مشتري الشاة، و يكون عروة آلة محضة في ايصال العوضين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 16

و استدل له ايضا تبعا للشهيد في الدروس (1) بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: قضي امير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها ابن سيدها و ابوه

غائب،

فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال:

وليدتي باعها ابني بغير اذني، فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتي ينفذ البيع لك، فما رآه ابوه قال له أرسل ابني قال: لا و الله لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه، الحديث قال في الدروس و فيها دلالة علي صحة الفضولي (2) و ان الاجازة كاشفة و لا يرد عليها شي ء مما يوهن الاستدلال بها، فضلا عن ان يسقطه، و جميع ما ذكر فيها

______________________________

و يكفي في صحة المعاطاة وصول العوضين الي المالكين مع رضاهما، و ان كان الموصل غير ذي شعور.

و فيه: اولا: ان ظاهر قوله صلي الله عليه و آله بارك الله في صفقة يمينك التبريك في المعاملة الصادرة منه لا علي كونه آلة في ايصال الثمن و المثمن و ثانيا: ان الكافي علي فرض القول به القصد الي انشاء البيع بايصال العوض باي وجه اتفق، و ما هو موجود في المقام هو الرضا بالبيع الصادر من الغير فالصحيح ما ذكرناه.

(1) ثانيها صحيح محمد بن قيس المذكور في المتن «1»

(2) و عن الدروس: ان فيه دلالة علي صحة الفضولي.

الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في فقه الحديث.

الثانية: في دلالته علي صحة الفضولي.

اما الاولي: فقد يقال انه مشتمل علي احكام لا يمكن الالتزام بها، و لأجل ذلك يرد علمه الي اهله.

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 17

من الموهنات موهونة الا ظهور الرواية في تأثير الاجازة المسبوقة بالرد (1) من جهة ظهور المخاصمة في ذلك

و اطلاق حكم الامام عليه السلام بتعين اخذ الجارية. و انها من المالك بناء علي انه لو لم يرد البيع وجب تقييد الاخذ بصورة اختيار الرد (2)

و مناشدة المشتري للإمام عليه السلام و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده و قوله حتي ترسل ابني (3) الظاهر في انه حبس الولد و لو علي قيمة يوم الولادة و حمل امساكه الوليدة علي حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها علي القيمة ينافيه قوله عليه السلام، فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع الولد.

______________________________

(1) منها: انه يدل علي نفوذ الاجازة بعد الرد، و الاجماع قام علي عدم نفوذها،

و سيأتي الجواب عن ذلك.

(2) و منها: حكمه عليه السلام باخذ الوليدة و ابنها من دون تقييد بعدم الاجازة.

و فيه: انه بيان للحكم في فرض عدم الاجازة.

منها: حكمه عليه السلام باخذ الوليدة و ابنها قبل ان يسمع من المشتري دعواه، و لعله كان يدعي اذن السيد أو رضاه، فكان يتعين تكليفه باقامة البينة، و مع عدمها ان يكلف السيد بالحلف اورد الحلف كما هو الشأن في سائر موارد المخاصمات.

و فيه: انه حيث كان نقل ابي جعفر عليه السلام هذه القضية لبيان ان البيع قابل للاجازة، لم تكن وظيفته عليه السلام بيان جميع الخصوصيات، فلعله لم يكن المشتري مدعيا للاذن أو الوكالة أو الرضا، أو انه انما حكم عليه السلام بذلك بعد تكليفه باقامة البينة.

و منها: حكمه عليه السلام باخذ الولد مع انه حر، إذ الظاهر ان الوطء كان بالشبهة.

و فيه: ان يمكن ان يكون الاخذ لاجل تعلق حقه به من جهة كونه نماء امته، و ان ابيت عن استحقاق القيمة الا علي تقدير عدم الاجازة فقد حكم عليه السلام بذلك قبل الاجازة.

(3)

و منها حكمه باخذ ابن السيد، مع ان غاية الامر كونه غاصبا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 18

و الحاصل ان ظهور الرواية في رد البيع اولا مما لا ينكره المصنف (1)

الا ان الانصاف أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للانكار، فلا بد من تأويل ذلك الظاهر لقيام القرينة و هي الإجماع علي اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.

و الحاصل ان مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية، من جهة اشتمالها علي تصحيح بيع الفضولي بالاجازة بناء علي قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي، كان ظهورها في كون الاجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا للاقتصار علي موردها، لوجه علمه الامام عليه السلام مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوي عدم الاذن للولد،

فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق

______________________________

و فيه: انه لاجل صيرورته سببا لتلك الخسارة و غاصبا للثمن لا مانع من ذلك للتوصل به الي حقه.

و منها: تعليمه عليه السلام اياه الحيلة، مع ان وظيفة الحاكم ليست ذلك.

و فيه: اولا: انه لم يثبت كون ذلك قضاوة، بل لعله كان جوابا عن المسألة و بيانا للحكم الشرعي.

و ثانيا: لم يدل دليل علي عدم جواز تعليم الحيلة.

و أما الثانية: فقد اورد علي الاستدلال به علي صحة بيع الفضولي.

(1) بانه ظاهر في تأثير الاجازة المسبوقة بالرد، و هو خلاف الاجماع و الكلام في ذلك يقع في موردين:

الأول: في ظهوره في ذلك.

الثاني: في انه علي فرض الظهور هل يمنع من الاستدلال به علي صحة الفضولي ام لا؟ اما الأول: فقد استند المصنف قدس سره في دعواه تلك الي

امور:

احدها: اطلاق حكمه عليه السلام بتعين اخذ الجارية و ابنها من المالك، إذ لو لم يكن رادا للبيع وجب تقييد الاخذ بصورة اختيار الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 19

الي صاحبه. اما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الامير عليه السلام في قوله: خذ ابنه حتي ينفذ لك البيع، و قول الباقر عليه السلام في مقام الحكاية، فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه، في ان للمالك ان يجيز العقد الواقع علي ملكه و ينفذه (1) لم يقدح في ذلك ظهور الاجازة الشخصية في وقوعها بعد الرد، فيؤول ما يظهر منه الرد بارادة عدم الجزم بالإجازة و الرد، أو كون حبس الوليدة علي الثمن أو نحو ذلك، و كأنه قد اشتبه مناط الاستدلال علي من لم

______________________________

و فيه: انه مع عدم الاجازة يكون الحكم ذلك ايضا، فلعله كان مرددا في الرد و الاجازة فحكم عليه السلام باخذهما ما لم يجز.

ثانيها: ظهور المخاصمة في ذلك.

و فيه: انها ظاهرة في كراهة البيع لا في الرد الذي هو حل للعقد و رفع له، و مجرد اظهار الكراهة الباطنية ليس ردا، بل يمكن منع ظهورها في ذلك ايضا، إذ لعلها كانت لاجل استحصال ثمن الجارية الذي اخذه ابوه.

ثالثها: مناشدة المشتري للامام عليه السلام، و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده.

و فيه: انه حيث لم يجز البيع و استرد ماله و نماءه الي ان ينفك باداء قيمته طلب منه عليه السلام علاجا ليجيز البيع.

رابعها: قوله حتي ترسل ابني الظاهر في انه حبس الولد و لو علي قيمة يوم الولادة.

و فيه: انه ظاهر في عدم الاجازة لا في الرد، إذ للمالك التصرف في ماله قبل الاجازة حتي علي الكشف.

فتحصل: انه لا

ظهور للرواية في كون الإجازة بعد الرد، فالاستدلال به علي صحة الفضولي لا إشكال فيه.

و أما الثاني: فقد ذهب السيد الفقيه قدس سره الي ان الرواية تكون دليلا علي صحة الاجازة حتي بعد الرد، و لا مانع من العمل بها.

و فيه: انه خلاف الاجماع لا يمكن المصير إليه.

(1) و افاد المصنف قدس سره في وجه صحة الاستدلال به في المقام: بان هذا الخبر المتضمن لقوله عليه السلام حتي ينفذ لك البيع و قوله اجاز بيع ابنه ظاهر في ان حكم الفضولي ذلك، و عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 20

يستدل بها في مسألة الفضولي أو يكون الوجه في الاغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة، فإنها لا تزيد علي الاشعار، و لذا لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي، بل ذكرها في موضع آخر لكن الفقيه في، غني منه بعد العمومات المتقدمة،

و ربما يستدل ايضا بفحوي صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر و العبد الثابتة بالنص (1) و الاجماعات المحكية، فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالاجازة كان تمليك ماله اولي بذلك، مضافا الي ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح لانه يكون منه الولد، كما في بعض الاخبار. و قد اشار الي هذه الفحوي في غاية المراد و استدل بها في الرياض، بل قال: انه لولاها اشكل الحكم من جهة

______________________________

فيتصرف في ظهور صدره في الاجازة بعد الرد ويؤول بارادة عدم الجزم بالاجازة و الرد أو غير ذلك.

و فيه: ان الظاهر من قول الأمير عليه السلام البيع ارادة البيع الخاص الذي اوقعه الابن،

و صريح قول الإمام الباقر عليه السلام ذلك، فهو ظاهر في القضية الشخصية، و حيث انه علي هذا لا يعمل بالخبر فيما تضمنه بحسب

ظاهره، فلا بد من تأويله، و معه يصير مجملا فلا يمكن الاستدلال به.

و دعوي انه بالدلالة المطابقية يدل علي صحة الفضولي في المورد، و بالدلالة الالتزامية يدل علي قابلية كل فضولي للنفوذ بالاجازة، و الاجماع المشار إليه يوجب سقوط الاولي لا الثانية.

مندفعة بتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية وجودا و حجية. فتدبر فالحق ما ذكرناه.

(1) ثالثها النصوص «1» الواردة في النكاح الدالة علي نفوذ بالاجازة.

و تقريب الاستدلال بها من وجوه:

الأول: بعموم التعليل الوارد في صحة نكاح العبد باجازة المولي- حيث علله عليه السلام بان نكاحه مشروع ذاتا و ليس معصية لله تعالي، بل انما يكون عدم

______________________________

(1) الوسائل باب 24 و 25 و 26 و 27 و 70 من أبواب نكاح العبيد و الاماء و باب 6 و 7 و 13 من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 21

______________________________

نفوذه من باب كونه عصيانا للسيد فإذا اجاز جاز- فانه يدل علي ان كل معاملة لا تكون غير مشروعة بذاتها كبيع الخمر و الخنزير، بل انما لا تكون نافذة لرعاية حق الغير تصح باجازة من اعتبر رضاه، فان كونها معصية لذلك الغير قابلة للزوال بسبب تبدل كراهته بالرضا.

الثاني: ما افاده صاحب الجواهر قدس سره، و هو: ان ما ورد في نكاح الفضولي الدال علي صحته بالاجازة باطلاقه يشمل ما إذا تضمن الصداق بيعا، كما إذا باع شخص مال زيد من عمرو فضولا بمائة دينار و تزوج له هندا بتلك الدنانير، فاطلاق تلك الاخبار يقتضي صحة هذا النكاح، و لازمه صحة البيع ايضا، و يتم في غير هذه الصورة بالاجماع المركب.

و فيه: اولا: ان الاخبار مسوقة لبيان حكم النكاح من هذه الجهة خاصة، و لا نظر لها

الي الجهات الاخر، فلا وجه للتمسك باطلاقها.

و ثانيا: ان النكاح لعدم توقفه علي المهر لان بطلان المهر لا يستلزم بطلان النكاح- لا يلازم امضاؤه في الفرض امضاء البيع و انفاذه.

الثالث: ان جملة من النصوص تدل علي ان النكاح يصح بالاجازة، فإذا صح تمليك البضع بالاجازة صح تمليك ماله بها بالاولوية، اما لأن الأول لا عوض له بخلاف الثاني، أو لأن النكاح مبني علي الاحتياط و احري بشدة الاهتمام، لانه يكون منه الولد. و الكلام فيه يقع في جهات:

الاولي: في ثبوت هذا الحكم في مطلق النكاح.

الثانية: في التعدي عنه الي سائر العقود بحسب القواعد.

الثالثة: في ان الرواية التي اشار إليها المصنف هل تمنع عن هذه الاولوية ام لا؟ اما الاولي: فعن الشيخ في المبسوط و الخلاف: انكاره فيه من الأصل، و عن فخر المحققين ايضا ذلك، و عن أبي حمزة: اختصاصه بتسعة مواضع لوجود النص فيها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 22

______________________________

دون غيرها، و استشكل السيد الفقيه في التعدي عن تلك الموارد المخصوصة، و المشهور بين الأصحاب التعدي، بل نقل الاجماع عليه غير واحد.

و الحق ان: صحة نكاح الفضولي في الجملة مما لا ينبغي التوقف فيه لورود جملة من الأخبار «1» في نكاح الأب لابنه، و الاخ لاخيه، و العم لابن اخيه، و الام لابنها، و نكاح الوصي، و غير ذلك من الموارد، و فيها الصحاح و الموثقات.

و أما التعدي عن تلك الموارد الي مطلق النكاح فالظاهر ذلك، لأن غاية ما ذكر في وجه عدم التعدي: ان موارد النصوص الواردة في المقام ما بين ما يكون العاقد عاقدا لنفسه الا انه منوط برضا الغير، و ما بين ما يكون العاقد وليا شرعيا أو عرفيا، فالتعدي عنهما الي

ما إذا كان العاقد عاقدا لغيره و لم يكن وليا يحتاج الي دليل.

و لكنه فاسد، و ذلك لوجهين:

احدهما: ان من جملة تلك النصوص ما ورد في «2» نكاح الاخ و العم، و هما ليسا عاقدين لأنفسهما، و لا ولاية لهما عرفا ايضا.

ثانيهما ان من جملتها ما ورد في عبد مملوك بين رجلين زوجه احدهما و الآخر لا يعلم و علم به بعد ذلك، قال عليه السلام للذي لم يعلم و لم يأذن: ان يفرق بينهما، و ان شاء تركه علي نكاحه «3». و نحوه ما ورد في جارية مملوكة بين رجلين «4» فانهما يدلان علي توقف نكاح احد الشريكين علي اجازة الآخر من حيث انه تصرف ورد علي ماله، و معلوم انه ليس عاقدا لنفسه و لا ولاية له عرفا و لا شرعا فإذا ثبوت ذلك في مطلق نكاح الفضولي مما لا ينبغي التوقف فيه.

و أما الجهة الثانية: فالحق عدم صحة التعدي الي سائر العقود

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من ابواب عقد النكاح.

(2) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من ابواب عقد النكاح.

(3) الوسائل باب 25 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

(4) الوسائل باب 70 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 23

الاجماعات المحكية علي المنع و هو حسن الا انها ربما توهن بالنص الوارد (1) في الرد علي العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني لأن المال له عوض و البطلان في الأول لان البضع ليس له عوض،

حيث قال الامام عليه السلام في مقام ردهم و اشتباههم في وجه الفرق سبحان الله ما

اجور هذا الحكم و افسده، فإن النكاح اولي و اجدر ان يحتاط فيه، لانه الفرج و منه يكون الولد، الخبر.

______________________________

لعدم تمامية الوجهين المتقدمين،

اما الاول: فلان في النكاح لا يملك البضع، بل هناك تسلط محض، مع انه لا يجري في الهبة و الصلح في موردها، مضافا الي ان هذه الاولوية ظنية لخفاء المصالح المقتضية لجعل الاحكام.

و أما الثاني: فلأن الشارع الأقدس و ان اهتم بالنكاح- و هو احري بالاحتياط- الا ان ذلك في مقام عمل المكلفين برعاية ما جعل الشارع سببا له، و في موارد الشبهات الحكمية و الموضوعية، و لا ربط لذلك بجعل الشارع، فتوسعة الشارع في اسباب النكاح لا تستلزم توسعته في اسباب البيع، بل الشارع الأقدس اعتبر في سائر العقود ما لم يعتبر في هذا العقد- كالتقابض في الصرف و السلم- و وسع في اسباب النكاح بتشريع عقد التمتع و ملك اليمين و جواز تقديم القبول علي الايجاب و جواز الاقتصار علي السكوت في مقام الاذن و الرضا.

و بالجملة: اهمية النكاح ربما تستدعي التوسعة في اسبابه لئلا يقع الناس في الزنا فتحصل: ان الأظهر عدم التعدي الي سائر العقود.

و أما الجهة الثالثة: فقد افاد المصنف قدس سره:

(1) انها ربما توهن بالنص الوارد في الرد علي العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول و النص المشار إليه هو صحيح العلاء بن سيابة عن مولانا الصادق عليه السلام و فيه: ما اجور هذا الحكم و افسده ان النكاح احري و احري ان يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الوكالة حديث 2 و باب 157 من ابواب مقدمات النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 24

و حاصله أن مقتضي

الاحتياط كون النكاح الواقع أولي بالصحة من البيع من حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره، فدل علي ان صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق اولي (1) خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح، فمقتضي حكم الامام عليه السلام ان صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم صحة النكاح الواقع بطريق اولي، و حينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في مسألة الفضولي الي صحة البيع، لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل، في باب الأولوية و إلا لم يتحقق الأولوية كما لا يخفي، فالاستدلال بصحة النكاح علي صحة البيع مطابق لحكم العامة، من كون النكاح أولي بالبطلان، من جهة أن البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

______________________________

(1) و ذكر المصنف قدس سره ما حاصله ان مقتضي الاحتياط كون النكاح الواقع اولي بالصحة من البيع من حيث الاحتياط، فدل علي ان صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق اولي خلافا للعامة، و عليه فلا يجوز التعدي عما دل علي صحة نكاح الفضولي الي صحة البيع.

اقول: بعد التنبيه علي امرين:

الأول: ان الحكم الواقعي عدم الفرق بين النكاح و غيره في مسألة العزل مع عدم بلوغ الخبر الي الوكيل.

الثاني: ان العامة لم يكونوا معللين الفرق بين النكاح و البيع بالاحتياط، بل انما عللوه بوجه استحساني، حيث انه عليه السلام لما سأل الراوي عما يقول العامة قال: و يقولون المال منه عوض لصاحبه و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

ان الامام عليه السلام لما لم يتمكن من بيان الحكم من دون وجه، و لا من بيان بطلان ما ركنوا إليه، راعي جانب الاحتياط و اجاب بان النكاح بما انه مهم في نظر الشارع

و احري بان يحتاط فيه من غيره من العقود فيتعين فيه الاستناد الي حجة شرعية، و لا يعتمد الي القياس و الاستحسان و ما شابهما من الوجوه العليلة، و قد عقبه عليه السلام بقضاء أمير المؤمنين عليه السلام الذي يكون متبعا عندهم لقوله صلي الله عليه و آله: اقضاكم علي عليه السلام، و عليه فهو لا يدل علي ما ذكر المصنف قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 25

بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو ابقاؤه (1) دون ابطاله، مستدلا بأنه يكون منه الولد مع ان الامر في الفروج كالاموال دائر بين محذورين و لا احتياط في البين، و يمكن ان يكون الوجه في ذلك ان ابطال النكاح في مقام الاشكال و الاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين علي تقدير الصحة واقعا،

فيتزوج المرأة و يحصل الزنا بذات البعل بخلاف ابقائه، فإنه علي تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه الا وطي المرأة الخالية عن المانع، و هذا أهون من وطي ذات البعل.

فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا.

و كيف كان، فمقتضي هذه الصحيحة انه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب ذلك التعدي الي الحكم بصحة بيع الفضولي، نعم لو ورد الحكم بصحة البيع امكن الحكم بصحة النكاح، لأن النكاح اولي بعدم الابطال كما هو نص الرواية، ثمّ ان الرواية و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي (2) الا ان المستفاد منها قاعدة كلية هي ان امضاء العقود المالية يستلزم امضاء النكاح من دون العكس الذي هو مبني الاستدلال في مسألة الفضولي هذا.

______________________________

و بما ذكرناه: ظهر عدم تمامية ما افاده السيد الفقيه قدس سره في المقام في الرد علي المصنف قدس سره،

و حاصله: انه عليه السلام بصدد الرد علي العامة الجاعلين حكمة الحكم الاحتياط،

و انه ليس كذلك و الا كان النكاح اولي بان يحتاط فيه، و ان الاحتياط لو كان مقتضيا للصحة في البيع ففي النكاح بالاولوية.

فانه يرد عليه: ما عرفت من ان العامة لم يجعلوا حكمة الحكم الاحتياط.

(1) قوله بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو ابقائه.

و فيه ان الامام عليه السلام لم يحكم بابقاء النكاح لكونه علي طبق الاحتياط، و انما اعترض علي العامة حيث حكموا بصحة بيع المعزول الجاهل بالعزل و بطلان النكاح.

(2) قوله ثمّ ان الرواية و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي و ذلك من جهة اختصاص موردها بما وقع بعنوان الوكالة و لو باعتقاد العاقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 26

ثمّ انه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها، بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة، مثل موثقة جميل عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل دفع الي رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشتري غير الذي امره، قال: هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرطه و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب فإنها ان ابقيت علي ظاهرها من عدم توقف ملك الربح علي الاجازة، كما نسب الي ظاهر الاصحاب وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص، كما في المسالك و غيره، كان فيها استئناس لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلي غيره (1)

و إن حملناه علي صورة رضاء المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح، كما هو الغالب،

و بمقتضي الجمع بين هذه الأخبار و بين ما دل علي اعتبار رضاء المالك في نقل ماله،

و النهي عن

أكل المال بالباطل اندرجت المعاملة في الفضولي و صحتها في خصوص المورد، و ان احتمل كونها للنص الخاص، الا

______________________________

(1) و حاصل ما افاده المصنف في هذه الاخبار: «1» انه ان قلنا بعدم لزوم الاجازة في صحة المعاملة المزبورة كانت هي مما يستأنس به للحكم في المقام لاشتراكهما في عدم لزوم الاذن السابق، و ان قلنا بلزومها في صحتها كانت دليلا علي جريان الفضولي في العقد السابق و صحته في المورد الخاص. و ان احتمل كونها للنص الخاص الا انها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

و في كلا شقي كلامه نظر:

اما الأول: فلأنه إذا دل دليل علي عدم اعتبار الرضا في مورد خاص كيف يستأنس منه لحكم ما يعتبر فيه ذلك قطعا، و انما الكلام في اعتبار سبقه.

و أما الثاني: فلأنه ان بنينا علي صحة ما صدر بالاجازة كان اللازم كون تمام الربح للمالك، إذ تقسيم الربح انما يكون من آثار المضاربة المفروض بطلانها، و البائع اما ان

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 27

انها لا تخلو عن تأييد للمطلب و من هذا القبيل الاخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم و ان الربح لليتيم (1) فإنها ان حملت علي صورة اجازة الولي، كما هو صريح جماعة تبعا للشهيد كان من افراد المسألة (2) و ان عمل باطلاقها، كما عن جماعة ممن تقدمهم، خرجت عن مسألة الفضولي لكن يستأنس لها بالتقريب المتقدم، و ربما احتمل دخولها في المسألة من حيث ان الحكم بالمضي اجازة الهية لاحقة للمعاملة (3) فتأمل.

______________________________

يستحق اجرة لان عمل المسلم محترم، أو لا يستحق لانه عمل من دون امر.

و الحق ان يقال: ان نصوص الباب

محمولة علي صورة الاشتراط لا التقييد، اي اشتراط المالك علي العامل ان لا يشتري الا الجنس الفلاني.

و عليه فإذا تخلف الشرط و اشتري غير الذي امر به فان خسر فيه كان عليه الضمان لمخالفته للمالك، و لانه لا محالة يرد العقد.

و ان ربح فيه فلا محالة لا يفسخ المالك المضاربة فيكون الربح بينهما. و بهذا يظهر ان النصوص موافقة للقاعدة و اجنبية عن المقام.

و ان ابيت عن كون ذلك مما تقتضيه القاعدة فلا مانع من الالتزام به للنصوص الخاصة الواردة في المقام.

(1) قوله و من هذا القبيل الاخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم.

و ما افاده المصنف قدس سره في وجه ادخال المسألة في الفضولي امران.

(2) الاول: انها تحمل علي صورة اجازة الولي.

(3) الثاني: ان الحكم بالمضي اجازة الهية لاحقة للمعاملة.

و يرد علي الاول: انه ليس في النصوص ما يستفاد منه ارادة معاملة غير الولي، بل ظاهر بعضها و صريح آخر معاملة الولي، مع انه ليس فيها ما يشهد باجازة الولي.

و يرد علي الثاني: ان التاجر ان كان مأذونا من قبل الله تعالي لا تكون معاملته فضولية، و الحق اختصاصها بصورة معاملة الولي، و تكون اجنبية عن مسألة الفضولي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 28

و ربما يؤيد المطلب ايضا برواية ابن اشيم (1) الواردة في العبد المأذون، الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة و يعتقه، أو يحجه عن ابيه، فاشتري اباه و اعتقه، ثمّ تنازع مولي المأذون و مولي الأب و ورثة الدافع، و ادعي كل منهم انه اشتراه بماله،

فقال أبو جعفر عليه السلام يرد المملوك رقا لمولاه، و أي الفريقين اقاموا البينة بعد ذلك علي انه اشتراه بماله كان رقا له، الخبر.

بناء علي انه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد مطالبته المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوي الشراء، بالمال و لا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع.

و مما يؤيد المطلب ايضا صحيحة الحلبي (2) عن الرجل يشتري ثوبا و لم يشترط علي صاحبه شيئا، فكرهه ثمّ رده علي صاحبه فأبي ان يقبله الا بوضيعة،

قال: لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد علي صاحبه الأول ما زاد فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا علي صحة بيع الفضولي لنفسه و يمكن التأييد له

______________________________

(1) قوله و ربما يؤيد المطلب ايضا برواية ابن اشيم الواردة في العبد «1».

ما يتوهم ان يكون مؤيدا للمطلب حكمه عليه السلام بكون العبد لورثة الميت إذا اقاموا البينة، و أما بالنسبة الي مولي العبد فالظاهر انه كان ماذونا من قبله، و أما بالنسبة الي مولي الاب فالمعاملة باطلة بلا كلام، و الظاهر من الرواية كون الورثة راضين بالمعاملة و آذنين اياه فيها، و عليه فتخرج عن محل الكلام.

(2) قوله و مما يؤيد المطلب ايضا صحيحة الحلبي «2» عن رجل يشتري ثوبا.

فان الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره الا علي صحة بيع الفضولي.

و فيه: أنه لا ينطبق عليها إذ الحكم بفساد الاقالة في الفرض المستلزم لكون المعاملة الثانية فضولية لازمه الاستجازة من المشتري الأول لا الحكم برد ما زاد و عدم الفرق بين البيع بالازيد و بالمساوي و بالانقص، و لا يبعد دعوي ان الرواية ظاهرة في كراهة الاقالة بالوضعية كما ذهب إليها ابن الجنيد و استحباب رد ما زاد، فتكون اجنبية عن المقام

______________________________

(1) الوسائل باب 25 من أبواب

بيع الحيوان من كتاب التجارة حديث 1.

(2) الوسائل باب 17 من أبواب احكام العقود من كتاب التجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 29

ايضا بموثقة عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام عن السمسار يشتري بالاجر، فيدفع إليه الورق فيشترط عليه انك تأتي بما تشتري، فما شئت اخذته و ما شئت تركته، فيذهب ليشتري، ثمّ يأتي بالمتاع، فيقول خذ ما رضيت ودع ما كرهت، قال لا بأس (1)

الخبر.

بناء علي الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه ليكون الورق عليه قرضا فيبيع علي صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة و يوفيه دينه، و لا ينافي هذا الاحتمال، فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالاجر، لأن توصيفه بذلك باعتبار اصل حرفته و شغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية، و يحتمل ان يكون لصاحب الورق باذنه مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره، و يحتمل ان يكون فضوليا عن صاحب الورق فيتخير ما يريد و يرد ما يكره و ليس في مورد الرواية ظهور في اذن صاحب الورق السمسار، علي وجه ينافي كونه فضوليا، كما لا يخفي، فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه، و حكم الامام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات، افاد ثبوت الحكم علي جميع الاحتمالات.

و ربما يؤيد المطلب بالاخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد بدون اذن مولاه (2) معللا بأنه لم يعص الله، و انما عصي سيده، و حاصله ان المانع من صحة العقد، إذا كان لا يرجي زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو عصيان الله تعالي. و أما المانع الذي يرجي زواله كعصيان السيد، فبزواله يصح العقد، و رضا

المالك من هذا القبيل،

______________________________

(1) قوله بموثقة «1» عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام عن السمسار بناء علي ان الاشتراء من السمسار يكون فضوليا عن صاحب الورق، فيتخير ما يرد و يرد ما يكره.

و لكن الظاهر من الخبر كون الاشتراء لصاحب الورق مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره.

(2) و أما الاخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد فقد مر الكلام فيها مفصلا فلا نعيد

______________________________

(1) الوسائل باب 20 من أبواب احكام العقود حديث 2 و الراوي عبد الرحمن بن أبي عبد الله لا عبد الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 30

فانه لا يرضي اولا و يرضي ثانيا بخلاف سخط الله عز و جل بفعل فانه يستحيل رضاه.

هذا غاية ما يمكن ان يحتج و يستشهد به للقول بالصحة، و بعضها و ان كان مما يمكن الخدشة فيه، الا ان في بعضها الآخر غني و كفاية.

و احتج للبطلان بالأدلة الأربعة: (1)

اما الكتاب فقوله تعالي: (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد، علي ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لاعن تراض غير مبيح، لأكل مال الغير، و إن لحقها الرضا. و من المعلوم ان الفضولي غير داخل في المستثني، و فيه ان دلالته علي الحصر ممنوعة (2) لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ و صريح المحكي عن جماعة من المفسرين، ضرورة عدم كون التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه. و أما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد، فهو

______________________________

ادلة بطلان بيع الفضولي و الجواب عنها.
اشارة

(1) و قد استدل للبطلان بالادلة الاربعة.

اما الكتاب: فقوله تعالي: [وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ]

(لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» بدعوي انه دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد علي ان غير التجارة و التجارة لاعن تراض غير مبيحة لأكل مال الغير و ان لحقها الرضا، و من المعلوم ان الفضولي غير داخل في المستثني.

و قد اجابوا عن الاستدلال به باجوبة.

الأول: انه لا مفهوم له، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في اول مبحث الاكراه و المعاطاة.

(2) و عرفت انه لا يدل علي الحصر لان الاستثناء منقطع غير مفرع و هو لا يفيد الحصر.

الثاني: ان التجارة التي هي اسم للمسبب لا السبب انما تكون تجارة للمالك

______________________________

(1) النساء: 29

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 31

مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة اخري (1) لكونه واردا مورد الغالب كما فيما نحن فيه و في قوله تعالي:) و ربائبكم اللاتي في حجوركم (مع احتمال ان يكون عن تراض خبرا بعد خبر ليكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها (2) و ان كان غلبة توصيف النكرة تؤيد التقييد فيكون المعني إلا أن يكون سبب الاكل تجارة و يكون عن تراض.

و من المعلوم ان السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي انما نشأ عن التراضي،

مع ان الخطاب لملاك الاموال و التجارة في الفضولي، انما يصير تجارة المالك بعد الاجازة، فتجارته عن تراض.

و قد حكي عن المجمع أن مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم، أن معني التراضي بالتجارة امضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد، و لعله يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبرا بعد خبر.

______________________________

بعد الاجازة، فتكون عن تراض و قد مر في اول مبحث الفضولي تمامية ذلك ايضا.

(1) قوله مع

تسليمه مخصوص بما اذا لم يكن للقيد فائدة اخري.

و يرد عليه انه لو سلم سياق التحديد لم يكن مناص من تسليم الدلالة علي المفهوم و لم يكن مورد لحمل القيد علي الغالب.

(2) الثالث: انه يحتمل ان يكون) عن تراض (خبرا بعد خبر، ليكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها.

و حاصله: انه يحتمل ان يكون اسم كان مقدرا و هو سبب الاكل، و يكون له خبران:

الأول: تجارة، الثاني:

عن تراض. و لكن لا بنحو الاستقلال بل بنحو الاشتراك، كما في قولنا: الرمان حلو حامض فيكون مفاده سببية التجارة و التراضي، و هي متحققة في بيع الفضولي.

و فيه: انه لا يحتمل ذلك مع التعبير بحرف المجاوزة، إذ السبب لو كان هو المجموع لما كان منبعثا عن التراضي و ان كان خصوص التجارة لزم قيدية التجارة بصدورها عن التراضي، و ان كان غيرهما لزم عدم كون السبب هو التجارة و التراضي و هو خلف، مع انه علي فرض قراءة التجارة بالرفع يتعين التقييد، إذ احتمال كونه خبرا و الاسم هو التجارة،

يدفعه ان لازمه تعريف التجارة فالصحيح هو الأولان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 32

و أما السنة فهي اخبار

منها: النبوي المستفيض (1) و هو قوله صلي الله عليه و آله لحكيم بن حزام لاتبع ما ليس عندك، فان عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه علي تسليمه، لعدم تملكه، فيكون مساوقا للنبوي الآخر لا بيع الا فيما يملك، بعد قوله صلي الله عليه و آله لا طلاق الا فيما يملك و لا عتق الا فيما يملك، و لما ورد في توقيع العسكري الي الصفار لا يجوز بيع ما ليس يملك.

و ما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه، كتب في جواب بعض مسائله

أن الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها أو بامره أو رضا منه، و ما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد في ارض بفم النيل اشتراها رجل، و اهل الأرض يقولون هي ارضنا و اهل الاسناف يقولون هي من ارضنا، فقال: لا تشترها الا برضاء اهلها.

______________________________

(1) و أما السنة فهي اخبار،

منها: النبوي المستفيض، و هو قوله صلي الله عليه و آله لحكيم بن حزام: لاتبع ما ليس عندك «1».

لا يخفي ان اقضية النبوي صلي الله عليه و آله المذكورة في كتب العامة مجتمعة عن عبادة بعينها مروية عن طرقنا برواية عقبة متفرقة علي حسب تفرق الابواب، و عليه فهذا النبوي مروي عن طرقنا و عن طرق العامة، فلا سبيل الي الخدشة في سنده هذا بحسب السند.

مع ان هذا المضمون موجود في جملة من الاخبار: كخبر سليمان بن صالح عن مولانا الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله «2» و خبر الحسين بن زيد عنه عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي الله عليه و آله «3».

و أما من حيث الدلالة: فما قيل أو يمكن ان يقال في الجواب عن الاستدلال به- و ما يساوقه من النبوي الآخر: لا بيع الا فيما يملك، «4» و التوقيع: لا يجوز بيع ما ليس يملك «5» - للبطلان امور.

______________________________

(1) راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

(2) الوسائل باب 7 من أبواب احكام العقود من كتاب التجارة حديث 2.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) المستدرك باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 3.

(5) الوسائل باب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4،

ص: 33

و ما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل في رجل اشتري من امراة من آل فلان بعض قطائعهم فكتب إليها كتابا قد قبضت المال و لم تقبضه، فيعطيها المال ام يمنعها، قال: قل يمنعها اشد المنع، فانها باعت ما لم تملكه، و الجواب عن النبوي اولا ان الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للاجماع و النص علي جواز بيع الكلي، و من البيع البيع لنفسه لاعن مالك العين، و حينئذ فإما ان يراد بالبيع مجرد الانشاء،

فيكون دليلا علي عدم جواز بيع الفضولي لنفسه فلا يقع له و لا للمالك بعد اجازته.

و أما ان يراد ما عن التذكرة: من أن يبيع عن نفسه، ثمّ يمضي ليشتريه من مالكه،

قال: لأنه صلي الله عليه و آله ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن ان يبيع الشي ء فيمضي و يشتريه و يسلمه فإن هذا البيع غير جائز، و لا نعلم فيه خلافا للنهي المذكور و للغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها، انتهي.

______________________________

الأول: انها لمعارضتها مع النصوص الكثيرة الدالة علي جواز بيع ما ليس عنده، لاحظ صحيحي عبد الرحمن بن الحجاج عن مولانا الصادق عليه السلام، ففي الأول منهما: عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا قال عليه السلام: ليس به باس،

قلت: انهم يفسدون عندنا، قال عليه السلام: و أي شي ء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا،

يقولون: هذا الي اجل فإذا كان الي غير اجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال عليه السلام: فإذا لم يكن الي اجل كان اجود، ثمّ قال: لا بأس بان يشتري الطعام و ليس هو عند صاحبه حالا و إلي اجل. الحديث، «1» و

قريب منه الآخر «2» تحمل هذه علي التقية لتكذيبه عليه السلام فيهما للعامة القائلين ببطلان بيع ما ليس عنده.

و فيه: ان الجمع بينهما يقتضي تخصيص هذه النصوص ببيع العين الشخصية من جهة اختصاص تلك النصوص ببيع الكلي، أو حملها علي بيع كل ما خرج عن السلطنة و ان كان المبيع كان المبيع كليا كما لو باع الكلي في ذمة الغير.

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود حديث 1.

(2) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 34

و هذا المعني يرجع الي المراد من روايتي خالد و يحيي: الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه، و يكون بطلان البيع بمعني عدم وقوع البيع للبائع، بمجرد انتقاله إليه بالشراء،

فلا ينافي اهليته لتعقب الاجازة من المالك. و بعبارة اخري: نهي المخاطب عن البيع دليل علي عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدل علي الغائه بالنسبة الي المالك حتي لا تنفعه باجازة المالك، في وقوعه له، و هذا المعني اظهر من الاول، و نحن نقول به كما سيجي ء، و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الأدلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا اجاز (1)

______________________________

و لعل الثاني اظهر، و تكذيبه عليه السلام للعامة يمكن ان يكون في تطبيق بيع ما ليس عنده علي بيع الكلي في ذمة نفسه لا في اصل الحديث.

(1) الثاني: ما افاده المصنف قدس سره بقوله: و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع، لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الادلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا اجاز.

و فيه: انه بناء علي ما استظهره المصنف قدس سره من

ان المراد من البيع البيع لنفسه لاعن مالك العين، تكون النسبة عموما من وجه لأخصية النبوي من هذه الجهة، فلا وجه لتقدم تلك.

الثالث: أن الظاهر البدوي من النبوي النهي عن بيع ما ليس حاضرا عنده، سواء أ كان مملوكا له ام لا، قدر علي تسليمه ام لا، كليا ام شخصيا، و حيث انه لا يمكن الالتزام به تعين حمله اما علي النهي عن بيع ما ليس مملوكا له، أو علي النهي عن بيع ما لا يقدر علي تسليمه، و ان لم يكن الثاني اقرب لا كلام في عدم اقربية الأول.

و أما النبوي الآخر و التوقيع، فيحتمل ان يكون يملك فيهما مبنيا للمفعول، فلا ربط لهما بما نحن فيه.

الرابع: ان المنفي البيع لغير المالك، فتختص هذه النصوص بالمسألة الآتية، و هي ما لو باع الغاصب لنفسه، و لا ربط لها بهذه المسألة و هي البيع للمالك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 35

و بما ذكرناه من الجوابين، يظهر الجواب عن دلالة قوله لا بيع إلا في ملك، فإن الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه، و ان النفي راجع الي نفي الصحة في حقه، لا في حق المالك، مع ان العموم لو سلم وجب تخصيصه بما دل علي وقوع البيع للمالك إذا اجاز.

و أما الروايتان: (1) فدلالتهما علي ما حملنا عليه السابقين اوضح، و ليس فيهما ما يدل، و لو بالعموم علي عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا اجاز و أما الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع، فإنما هو في مقابلة عدم رضا اهل الأرض (2) و الضيعة رأسا علي ما يقتضيه السؤال فيهما، و توضيحه ان النهي في مثل المقام و ان كان

يقتضي الفساد، الا انه بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه.

______________________________

الخامس: ان النهي في هذه النصوص لم يتعلق بانشاء البيع، إذ البيع اسم للمنشأ و المسبب لا الإنشاء كما تقدم، مع انه لا يعتبر صدور الانشاء من المالك قطعا، بل المتعلق هو حقيقة البيع، و هي بالاجازة تنتسب الي المالك، فيكون بيع ما عنده.

و بعبارة اخري: ان الروايات علي فرض دلالتها علي عدم صحة بيع الفضولي تدل علي عدم وقوع البيع للفضولي، و لا نظر لها الي وقوعه للمالك إذا اجاز، إذ المنفي فيها وقوع البيع لنفسه، فينتفي هذا، و هو لا يلازم عدم وقوع البيع و لو للمالك، إذ سلب الاخص لا يستلزم سلب الاعم، فإذا كان وقوع البيع للمالك مع اجازته مسكوتا عنه في هذه الاخبار فيرجع فيه الي الادلة المتقدمة الدالة علي الوقوع.

(1) و منها روايتا يحيي و خالد الآتيتان، «1» و يظهر الجواب عنهما مما ذكرناه في النبوي.

و منها صحيح محمد بن مسلم «2» و التوقيع الشريف «3» المذكوران في المتن.

و اجاب عنهما المصنف قدس سره بقوله.

(2) و أما الحصر في صحيحة محمد بن مسلم و التوقيع فانما هو في مقابلة عدم رضا.

اهل الارض.

محصل ما افاده الماتن في الجواب عنهما، توضيحه انه لا يستفاد من الخبرين

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من ابواب احكام العقود.

(2) الوسائل باب 1 من ابواب عقد البيع حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 36

و من المعلوم ان عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه، و لذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا.

و لذا عد في الشرائع من شروط المتعاقدين، اعني شروط الصحة كون العاقد مالكا أو قائما مقامه، و ان ابيت

الا عن ظهور الروايتين في لغوية عقد الفضولي رأسا وجب تخصيصها بما تقدم من ادلة الصحة.

و أما رواية القاسم بن فضل فلا دلالة فيها، إلا علي عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي، لأنه باع ما لا يملك، و هذا حق لا ينافي صحة الفضولي.

______________________________

الا النهي عن الشراء الفاقد للرضا رأسا، و هذا لا يدل علي فساد عقد الفضولي غير الفاقد له بلحاظ الاجازة، و لا يدل علي صحته ايضا، فالنهي فيهما لا يدل الا علي بطلان العقد الفاقد للرضا، بمعني عدم ترتب الاثر المقصود و نحن نقول به. و أما في البيع الملحوق بالرضا فيرجع الي العمومات الدالة علي الصحة.

و بهذا البيان يظهر ان ما افاده في التوضيح ليس جوابا آخر كما افاده السيد الفقيه.

و المحقق النائيني قدس سره قال: ان دلالة خبر الحميري علي صحة الفضولي اظهر، فان مقابلة الرضا بالأمر ظاهرة، في كفاية الاجازة اللاحقة، فان الرضا المقابل للشراء عن المالك أو بامره هو الرضا اللاحق لا المقارن، فانه متحقق حين الأمر.

و فيه: ان يمكن ان يكون المراد من الرضا ما هو ظاهره، و هي الصفة النفسانية غير المبرزة التي عرفت كفايتها في الخروج عن الفضولية فراجع.

فالحق ان يقال: ان مقتضي اطلاق الخبرين النهي عن الاشتراء الا بالرضا، تقدم أو تأخر، فيدلان علي صحة الفضولي لكونه داخلا في المستثني، مع ان المراد بالاشتراء حقيقته، و هو انما يكون اشتراء للمالك بعد الاجازة، فيشمله الخبر ان كان المراد بالرضا فيهما المقارن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 37

و أما توقيع الصفار (1) فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك، بمعني وقوعه للبائع علي جهة الوجوب و اللزوم. و يؤيد تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة بوجوب

البيع فيما يملك، فلا دلالة علي عدم وقوعه لمالكه إذا اجاز. و بالجملة فالانصاف انه لا دلالة في تلك الاخبار باسرها علي عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا اجاز، و لا تعرض فيها الا لنفي وقوعه للعاقد.

الثالث: الاجماع علي البطلان (2)

ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا بأن الصحة مذهب قوم من اصحابنا، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم، و ادعاه ابن زهرة ايضا في الغنية، و ادعي الحلي في باب المضاربة: عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشتري بعين المغصوب.

و الجواب عدم الظن بالاجماع بل الظن بعدمه، بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين، و المفيد، و المرتضي، و الشيخ بنفسه في النهاية، التي هي آخر مصنفاته علي ما قيل، و اتباعهم علي الصحة. و اتباع المتأخرين عليه عدا فخر الدين، و بعض متأخري المتأخرين.

______________________________

(1) قوله و أما توقيع الصفار «1» فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك.

و فيه ان الجواز عبارة عن الصحة- و عدمه عبارة عن الفساد.

فالحق في الجواب مضافا الي ما تقدم.

ان عدم الجواز لم يضف الي العقد من حيث هو بل إليه من حيث انه ممن لا يملك فإذا اضيف الي من يملك بالاجازة لم يكن مصداقا لما حكم عليه بالفساد.

(2) الثالث: الاجماع، و قد ادعاه غير واحد من الاساطين.

و الجواب عنه- مضافا الي معارضته بما ادعي من الاجماع علي الصحة-: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 38

الرابع: ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه (1)

فإن الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف. ففي التوقيع المروي في الاحتجاج: لا يجوز لأحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه. و لا ريب ان بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

و الجواب (2) ان العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرفا فيه

______________________________

(1) الرابع: ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير الا

بإذنه «1».

و قد اجاب المصنف قدس سره عن هذا الوجه بوجوه:

(2) الاول: ان العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه ليس تصرفا فيه.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه و ان فرض كون العقد علة تامة لحصول الآثار عرفا، لم يكن مجرد العقد تصرفا في العين و قبيحا، فلا وجه للتقييد في كلامه،

و مرجعه الي عدم كون التصرف الاعتباري غير المماس بالعين تصرفا عرفا في العين بل هو تصرف في لسان العاقد.

و فيه: انه لو فرضنا كون الانشاء مخرجا للمال عن ملك صاحبه قهرا عليه كان ذلك تصرفا فيه و قبيحا لكونه ظلما، بل من اقبح افراده، نعم مجرد العقد غير المؤثر في حصول النقل و الانتقال عرفا و شرعا لا يعد تصرفا فيه لا خارجا و لا اعتبارا.

ثانيهما: ما افاده السيد الفقيه في تعليقته، و هو: ان الفضولي انما يقصد النقل و الانتقال جدا مطلقا لا هزلا معلقا علي الاجازة، و يصدق التصرف عليه عرفا.

و فيه: ان العقد غير المؤثر عرفا و شرعا و ان قصد به الجد لا يعد تصرفا لا خارجا و لا اعتبارا، اما الأول فواضح، و أما الثاني فلفرض عدم التأثير، و مجرد تأثيره في اعتباره لا يكفي في صدق التصرف عرفا أو شرعا. فما افاده المصنف قدس سره تام.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 39

نعم لو فرض كون العقد علة تامة و لو عرفا لحصول الآثار، كما في بيع المالك أو الغاصب المستقل، كان حكم العقد جوازا و منعا حكم معلوله المترتب عليه، ثمّ لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه مثل

الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره (1) مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الأذن في هذا من المقال أو الحال بناء علي أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي (2) مع أن تحريمه لا يدل علي الفساد (3) مع أنه لو دل لدل علي بطلان البيع بمعني عدم ترتب الأثر عليه و عدم استقلاله في ذلك (4)

و لا ينكره القائل بالصحة خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة، و مما ذكرنا ظهر الجواب عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري بناء علي أن العقد المقرون في هذا القصد قبيح محرم، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد،

و قد يستدل للمنع بوجوه اخر ضعيفة

أقواها أن

______________________________

(1) الثاني: انه لو فرض كونه تصرفا فما استقل العقل بجوازه مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره.

و فيه: ان الجواز في المثالين انما يكون من جهة عدم صدق التصرف عليهما أو السيرة علي الجواز، و الا فمع صدق التصرف لا سبيل الي دعوي استقلال العقل بجواز التصرف.

(2) الثالث: انه قد يفرض الكلام فيما لو علم الاذن في هذا من المقال أو الحال.

و فيه: اولا: ما تقدم من خروجه بذلك عن الفضولية، و ثانيا ان المستدل يمكن ان يكون ملتزما بالصحة في خصوص هذا المورد، و الفساد في سائر الموارد.

(3) الرابع: ان تحريمه لا يدل علي الفساد.

و هذا الجواب ايضا متين، و قد مر في اول الجزء الاول من هذا الشرح تحقيق القول في ذلك.

(4) الخامس: انه لو دل علي الفساد لدل علي بطلان البيع، بمعني عدم ترتب الاثر عليه و عدم استقلاله في ذلك، و القائل بالصحة لا ينكر ذلك.

و فيه: ان البناء علي الفساد سواء كان من جهة كون

السبب تصرفا و مبغوضا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 40

القدرة علي التسليم معتبرة في صحة البيع و الفضولي غير قادر و إن الفضولي غير قاصد حقيقة الي مدلول اللفظ كالمكره، كما صرح في المسالك و يضعف الأول مضافا إلي أن الفضولي قد يكون قادرا علي رضا المالك بأن هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا، بل يكفي تحققه في المالك فحينئذ، يشترط في صحة العقد مع الإجازة قدرة المجيز علي تسليمه و قدرة المشتري علي تسلمه علي ما سيجي ء و يضعف الثاني بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره لا أزيد منه بدليل الاجماع علي صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق فإن دعوي عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع كما تري.

المسألة الثانية: أن يسبقه منع المالك (1)

و المشهور أيضا صحته، و حكي عن فخر الدين إن بعض المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك، و يلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي: ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر. بعد تضعيف السند علي انه ان نكح بعد منع مولاه و كراهته، فإنه يقع باطلا.

و الظاهر انه لا يفرق بين النكاح و غيره، و يظهر من المحقق الثاني حيث حمل فساد بيع الغاصب نظرا الي القرينة الدالة علي عدم الرضا: و هي الغصب، و كيف كان، فهذا القول

______________________________

للشارع فلا سببية له، ام كان من جهة كان المسبب منهيا عنه و مبغوضا، ينافي مع هذا الجواب، إذ لو الغي الشارع سببية عقد الفضولي و كان كالعدم كيف يحكم بالصحة مع اجازة المالك، كما انه إذا الغي الشارع المسبب من جهة مبغوضيته فلا شي ء حتي يجيزه المالك.

فتحصل: ان الحق في الجواب

هو الأول و الثالث.

بيع الفضولي للمالك مع سبق المنع

(1) قوله المسألة الثانية: ان يسبقه منع المالك.

و المشهور ايضا صحته، و عن فخر الدين: ان بعض المجوزين للفضولي اعتبر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 41

لا وجه له ظاهرا عدا تخيل ان المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة المختصة بغير المقام، و إن العقد إذا وقع منهيا عنه، فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد فلا ينفع الإجازة اللاحقة (1) بناء علي أنه لا يعتبر في الرد سوي عدم الرضا الباطني بالعقد، علي ما يقتضيه حكم بعضهم بأنه إذا حلف الموكل علي نفي الاذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد لأن الحلف عليه امارة عدم الرضا، هذا،

______________________________

عدم سبق نهي المالك، و هو الظاهر من المحقق الثاني.

و ملخص القول في المقام: ان صحة بيع الفضولي، اما ان تكون علي القاعدة، أو تكون للاخبار الخاصة.

اما علي الأول: فلا تتوقف الصحة الا علي العقد و استناده الي المالك الموجودين في المقام، و لا يضر النهي السابق، و ذلك لان ما قيل في وجه مضريته امور.

(1) احدها: ان العقد إذا كان منهيا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد، فلا ينفع الاجازة اللاحقة.

و فيه: ان الكراهة النفسانية و ان ابرزت ليست ردا، فانه عبارة عن حل العقد و فسخه، كما ان النهي- الذي هو تسبيب الي اعدام الشي ء بعدم ايجاده- غير الرد.

ثانيها: ان الكراهة المتخللة بين اركان العقد كالايجاب و القبول مانعة عن تحقق المعاهدة و المعاقدة، و حيث ان منها الاجازة فالكراهة المتخللة بينها و بين العقد مانعة عن تحققها، و المفروض في المقام وجودها.

و فيه: ان الكراهة المتخللة لا تمنع عن

ذلك، و لذا بنينا علي صحة عقد المكره إذا لحقه الرضا.

ثالثها: ان المالك إذا نهي عن ايقاع المعاملة علي ماله نهيا عاما شاملا لزمان العقد كان ذلك في قوة ان يقول: لا أرضي ان توقع العقد علي مالي و لو اوقعته كان مردود أو باطلا،

فيكون ذلك انشاء للرد، غاية الأمر الانشاء متقدم علي العقد، و المنشأ متأخر عنه، فلا تنفع الاجازة بعد ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 42

و لكن الاقوي عدم الفرق لعدم انحصار المستند، حينئذ في رواية العروة، و كفاية العمومات مضافا الي ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (1) و جريان فحوي ادلة نكاح العبد بدون اذن مولاه مع ظهور المنع فيها و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد مع ان رواية اجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد (2) حينئذ جريان المؤيدات المتقدمة له،

______________________________

و فيه: اولا: ان النهي ليس الا التسبيب الي عدم ايجاد العقد، و أما انشاء الرد بعد وجوده فليس ذلك مربوطا بالنهي.

و ثانيا: ان ذلك من قبيل ايجاب ما لم يجب، و سيأتي عدم العبرة به.

و ثالثا: ان وجه عدم نافعية الاجازة بعد الرد هو الاجماع و المتيقن منه ما إذا كان انشاؤه بعد العقد.

فتحصل: ان الأظهر هي الصحة علي القول بصحة الفضولي علي القاعدة.

و أما علي الثاني: فالنصوص التي سلمنا دلالتها علي صحة الفضولي انما هي صحيحة محمد بن قيس، «1» و نصوص نكاح العبد المتضمنة للتعلل للصحة بانه لم يعص الله و انما عصي سيده (2).

(1) اما صحيح قيس فقد افاد المصنف قدس سره في وجه شموله للمقام: انه بترك الاستفصال يشمله.

و فيه: ان ظهور قوله في مقام المخاصمة وليدتي باعها ابني بغير اذني في

صورة عدم النهي لا ينكر، و الا كان يقول باعها مع نهيي فهو لا يشمل المقام.

و أما نصوص النكاح: ففي المكاسب.

(2) رواية اجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد.

و فيه: ان عصيان العبد لا يتوقف علي العمل مع النهي عنه، بل بما ان العبد لا بد و ان تكون اعماله من اذن مولاه فإذا فعل بلا اذن منه كان خارجا عن رسم العبودية و يعد

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 43

من بيع مال اليتيم و المغصوب (1) و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح في منعه عما عداه. و أما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما، فلم يدل دليل علي كونه فسخا لا ينفع بعده الاجازة، و ما ذكره في حلف الموكل غير مسلم، و لو سلم فمن جهة ظهور الاقدام علي الحلف (2) علي ما انكره في رد البيع و عدم تسليمه له، و مما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، و ان كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا يقدح في صحته إذا لحقه الاجازة.

المسألة الثالثة: ان يبيع الفضولي لنفسه (3)
اشارة

و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب، و قد يتفق من غيره بزعم ملكية، المبيع كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة

______________________________

عاصيا بذلك، فالمراد من معصية السيد ايجاد العقد بلا اذن منه كما هو صريح الرواية.

و دعوي ان اطلاقها يشمل المقام.

مندفعة بانها انما وردت لبيان ان عصيان السيد من حيث هو لا يمنع عن صحة العقد بالاجازة، و أما ان نهيه هل يمنع عن تلك ام لا فالنصوص ساكتة عنه.

فالأظهر انه علي القول بالصحة في المسألة

السابقة بواسطة الأخبار الخاصة لا سبيل الي البناء عليها في المقام.

(1) قوله من بيع مال اليتيم و المغصوب اما في بيع مال اليتيم فالمنع غير موجود سابقا لو سلم شمول نصوصه لبيع غير الولي- و أما المغصوب فلم ينقل سابقا دليلا يدل علي صحة بيعه.

(2) قوله فمن جهة ظهور الاقدام علي الحلف.

هذا اجتهاد في مقابل نص الفقهاء فانه قده نقل عنهم البناء علي الانفساخ من جهة كون الحلف امارة عدم الرضا.

بيع الفضولي لنفسه

(3) المسألة الثالثة: ان يبيع لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 44

و الاقوي فيه الصحة وفاقا للمشهور (1) للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم،

و فحوي الصحة في النكاح و اكثر ما تقدم من المؤيدات مع ظهور صحيحه ابن قيس المتقدمة، و لا وجه للفرق بينه و بين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك، الا وجوه تظهر من كلمات جماعة بعضها مختص علي بيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة.

منها إطلاق ما تقدم من النبويين: لاتبع ما ليس عندك. و لا بيع إلا في ملك (2)

بناء علي اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه، و الجواب عنها يعرف مما تقدم من أن

______________________________

و كثيرا ما يتفق في غيره كما في البيوع المبنية علي الامارات و الاصول الظاهرية من اليد و اصالة الصحة و نحوهما.

و كيف كان: ففي المسألة اقوال:

(1) احدها: الصحة و هو المشهور و اختاره المصنف.

ثانيها: التفصيل بين الغاصب و غيره، كما عن ابن ادريس.

ثالثها: التفصيل في الغاصب بين علم المشتري و جهله كما عن العلامة و غيره.

ان بنينا علي صحة بيع الفضولي بواسطة الاخبار الخاصة فلا وجه للبناء علي الصحة في المقام، فان عمدة المستند علي هذا صحيح

ابن قيس و نصوص نكاح العبد،

و شي ء منهما لا يشمل المقام.

اما الأول: فلأنه لو كان الابن بائعا للوليدة لنفسه كان التنبيه عليه اولي لأنه ادخل في الانكار.

و أما الثانية: فلأن موردها و ان كان النكاح لنفسه لكن الاجازة فيها لنفسه لا لمولاه،

و أما ان بنينا علي الصحة بواسطة العمومات فهي تقتضي الصحة في المقام ايضا بلا فرق،

و قد ذكروا في وجه الفرق و انه لا يمكن الحكم بالصحة في المقام امورا:

(2) الاول: نصوص بيع ما ليس عنده «1» بناء علي ان موردها بيع الفضولي لنفسه،

و قد مر الجواب عنها.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه و باب 7 من أبواب احكام العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 45

مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبايعه الغير المالك بلا تعرض فيها، لوقوعه و عدمه بالنسبة إلي المالك إذا أجاز.

و منها بناء المسألة علي ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك، و هذا غالبا مفقود في المغصوب. (1) و قد تقدم عن المحقق الكركي ان الغصب قرينة عدم الرضا.

و فيه اولا: ان الكلام في الاعم من بيع الغاصب.

و ثانيا: ان الغصب امارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا، فقد يرضي المالك ببيع الغاصب لتوقع الاجازة و تملك الثمن. فليس في الغصب دلالة علي عدم الرضا باصل البيع، بل الغاصب و غيره من هذه الجهة سواء.

و ثالثا: قد عرفت ان سبق منع المالك غير مؤثر.

و منها ان الفضولي إذا قصد الي بيع مال الغير لنفسه، فلم يقصد حقيقة المعاوضة (2) إذ لا يعقل دخول احد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر.

فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة، فحقيقته يرجع الي اعطاء المبيع واخذ الثمن لنفسه،

و

هذا ليس بيعا.

و الجواب من ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب ان قصد المعاوضة الحقيقية مبني علي جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا (3) و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي

______________________________

(1) الثاني: انه غالبا يكون منع المالك من البيع موجودا في المغصوب.

و يعتبر عدم سبق المنع.

و فيه- مضافا الي ما عرفت من عدم اعتباره- ان المنع غير موجود في غير المغصوب، بل و فيه ايضا إذ الغصب امارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا.

(2) الثالث: أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فهو غير قاصد لحقيقة المعاوضة التي هي عبارة عن دخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، فقصد هذا المعني لا يلائم مع قصد وقوع البيع لنفسه، فما يقصده هذا الفضولي ليس بيعا.

(3) و اجاب عنه المصنف قدس سره بان البائع في هذا المورد يجعل نفسه مالكا حقيقيا، و هذا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 46

هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقية، نظير المجاز الادعائي في الأصول، نعم لو باع لنفسه من دون بناء علي ملكية المثمن و لا اعتقاد له، كان المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للممالك، لعدم تحقق معني المعاوضة و لذا ذكروا أنه لو اشتري بماله لغيره شيئا بطل و لم يقع له و لا لغيره، و المراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه و قد تخيل بعض المحققين أن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام و هو ما لو باع مال غيره لنفسه لأنه عكسه و قد عرفت أن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد لتملك المثمن لأن المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز

______________________________

الجعل و ان

كان لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي هذا الأمر الادعائي حقيقية نظير المجاز الادعائي في الاصول.

و اورد عليه بايرادين:

الاول: ما افاده السيد في التعليقة، و هو: انه لو كان الملاك ذلك لزم البناء علي الصحة فيما إذا احرز هذا البناء، إذ مع عدمه لا وجه له، و لم ينقل التفصيل عن احد.

و فيه: ان المصنف لا يدعي ان المصحح هو التنزيل حال العقد، بل يدعي ان الغاصب يجعل نفسه مالكا عدوانا، و انما يبني بالسرقة و الغصب علي ان الاضافة الملكية منسوبة إليه باعها ام لم يبعها، فإذا باع فهو يبيع ما يراه ملكا له بعد سرقة الاضافة، و أما غير الغاصب فبنائه علي مالكية نفسه واضح.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره: من انه ان ادعي ان الغاصب يقصد المعاملة للمالك الواقعي ثمّ يدعي انه هو هو لاجل تملك العوض فيكون له قصدان: قصد كبروي و هو قصد وقوع المعاملة للمالك الواقعي، و قصد صغروي و هو قصد انه المالك الواقعي.

فيرد عليه: ان الوجدان يكذب ان يكون للغاصب قصد ان، و انما له قصد واحد للمعاملة في حق نفسه كالمالك، و ان ادعي انه يقصد وقوع المعاوضة لنفسه و كان مصححة دعواه الملكية، فيرد عليه: ان ادعائه كونه مالكا لا يصحح القصد الي المعاوضة الحقيقية، فان المعاوضة المبنية علي الادعاء لا تكون حقيقية، و كيف يكون حقيقيا ما اساسه الادعاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 47

و منها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه (1) فإن تعلقت اجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد لان معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته، و ان تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا إمضاء

لنقل الفضولي،

فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشئ.

______________________________

الظاهر ان مراده الثاني، و يمكن ان يدفع هذا الايراد بان المراد بالمعاوضة الحقيقية هو اعتبار البائع نفسه ملكية المشتري للمعوض بازاء ملكيته للثمن، فطرفاها امران اعتباريان، و عليه فلا مانع من ابتناء هذه المعاوضة علي الادعاء و بناء البائع علي كونه مالكا.

و قد اجاب عن الاشكال السيد الفقيه قدس سره: بان حقيقة البيع ليست الا مبادلة مال بمال من غير نظر الي كونه لنفسه أو لغيره، و هذا المعني موجود في بيع الغاصب، و قصد كونه لنفسه خارج عن حقيقته و لا ينافيه ايضا.

و فيه: - مضافا الي تصريحه قدس سره في اول كتاب البيع بان البيع ليس مبادلة بل تمليك و تملك بعوض-: ان حقيقة المبادلة لا تتم الا بلحاظ شي ء آخر، و هو في المقام الملكية،

و قصد المبادلة في الملكية التي هي صفة اضافية قائمة بالمال و صاحبه يستدعي قصد انتقال المال عن ملك مالكه و دخول عوضه في ملك صاحب هذا المال، و هذا ينافي مع قصد وقوع البيع لنفسه.

و الحق ما تقدم في اول هذا الجزء من ان البيع ليس من المعاوضة بالمعني المتقدم كي يرد الاشكال المزبور، بل حقيقته اعطاء شي ء لا مجانا- فراجع ما حققناه- و عليه فلا يرد هذا المحذور.

(1) الرابع ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فان تعلقت اجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد، لان معناها صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته، و ان تعلقت بغير المقصود كانت عقدا مستأنفا فيكون النقل من المنشئ غير مجاز و المجاز غير منشئ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 48

و قد اجاب عن هذا المحقق القمي رحمهم الله

في بعض اجوبة مسائله بأن الاجازة في هذه الصورة مصححة للبيع لا بمعني لحوق الاجازة لنفس العقد، كما في الفضولي المعهود، بل بمعني تبديل رضي الغاصب و بيعه لنفسه برضي المالك و وقوع البيع عنه (1) و قال نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثمّ ملكه، و قد صرح في موضع آخر بأن حاصل الاجازة يرجع الي ان العقد الذي قصد الي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي فيكون عقدا جديدا كما هو احد الاقوال في الاجازة. (2) و فيه أن الإجازة علي هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري، لأن المفروض عدم رضاء المشتري ثانيا بالتبديل المذكور، لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز، فالمشتري انما رضي بذلك الايجاب المغاير لمؤدي الإجازة. فإذا التزم يكون مرجع الإجازة الي تبديل عقد بعقد و بعدم الحاجة إلي قبول المشتري ثانيا فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري و هذا خلاف الإجماع و العقل (3).

______________________________

و اجابوا عنه باجوبة:

منها: ما عن المحقق القمي قدس سره و ما نقل عنه امران.

(1) احدهما: ان مرجع الاجازة في المقام الي تبديل رضا الغاضب بالبيع لنفسه برضا المالك بالبيع لنفسه، و ظاهره التصرف في الايجاب برضا المالك بالبيع لنفسه، و ظاهره التصرف في الايجاب فقط.

و اورد عليه بعدم تطابقه حينئذ لقبول المشتري، لان قبوله انما تعلق بايجاب البائع لا بمضمون الاجازة.

و لكن للتامل في ذلك من جهة عدم الدليل علي اعتبار التطابق في هذه الموارد مجالا واسعا.

(2) ثانيهما: ان مرجع الاجازة في المقام الي التصرف

في طرفي العقد معا، و مفادها:

ان العقد الذي قصد الي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي، فيكون عقدا جديدا.

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بان هذا مخالف للاجماع و العقل. و لم يذكر وجه مخالفته للعقل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 49

و أما القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم و إنما حكي كاشف الرموز عن شيخه و هو المحقق أن الاجازة من مالك المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع و هو قائم مقام إيجاب البائع و ينضم إليه القبول المقدم من المشتري، و هذا لا يجري فيما نحن فيه لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه، فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملك مبيع منه فإذا بني علي كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر فالاكتفاء عنه بمجرد اجازة البائع الراجعة الي تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضاء البائع و انشائه عن رضاء المشتري و انشائه، و هذا ما ذكرنا انه خلاف الاجماع و العقل

______________________________

و ذكروا في وجهه امورا:

الأول: ان تبديل قصد وقوعه لنفسه و رضاه به بقصد وقوعه لغيره مستلزم لانقلاب ما وقع عليه عما وقع، و هو محال.

و فيه: ان المراد ان العقد الواقع المضاف الي الغاصب ملغاة هذه الخصوصية منه،

بمعني انها لا تؤثر، و بالاجازة يضاف الي المالك و يكون بذلك مؤثرا، فلا يلزم الانقلاب.

الثاني: ان المالك لا سلطنة له علي المشتري، فكيف يبدل قبوله.

و فيه: ان عدم سلطنة المالك علي المشتري شرعي لا عقلي، مع ان تبديل قبوله ليس من شئون سلطنته عليه

بل علي ماله، فان المشتري انما ملك ماله للبائع لا مجانا، بل بازاء مال المالك فللمالك من حيث سلطنته علي ماله ان يجيز بدلية ماله لمال المشتري بان يسقط خصوصية البائع في طرفيته لمال المشتري بازاء ماله. فتدبر.

الثالث: ان لازم ما ذكر اتحاد الايجاب و القبول، مع انه لا يعقل ذلك.

و فيه: ان المحقق لا يدعي كون الاجازة عقدا و انما ادعي كونها بمنزلة العقد الجديد،

اي تكون تصرفا في الايجاب و القبول باسقاط الخصوصيتين غير القابلتين للاجازة.

فالانصاف ان ما افاده المحقق القمي قدس سره غير مناف للعقل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 50

فالاولي في الجواب منع مغايرة ما وقع لما اجيز.

و توضيحه ان البائع الفضولي انما قصد تمليك المثمن للمشتري بازاء الثمن. (1)

و أما كون الثمن مالا له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه الي ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمعني المعاوضة و المبادلة و حيث أن البائع يملك المثمن بانيا علي تملكه له و تسلطه عليه، عدوانا أو اعتقادا، لزم من ذلك بنائه علي تملك الثمن و التسلط عليه، و هذا معني قصد بيعه لنفسه، و حيث ان المثمن ملك لمالكه واقعا. فإذا اجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه،

فعلم من ذلك ان قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الايجاب حتي تردد الامر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين، بل مفهوم الايجاب هو تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض إلا باقتضاء المعاوضة لذلك،

و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير (2) فقال للبائع الأصيل تملكت منك أو ملكت «بالتخفيف» هذا الثوب بهذه الدراهم. فإن مفهوم هذا الانشاء هو

تملك الفضولي للثوب، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم علي وجه ينتقل الثوب إليه، فلا بد من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.

______________________________

(1) و منها ما افاده المصنف قدس سره و هو ان ايجاب البائع الغاصب يتضمن امرين:

احدهما تمليك المشتري المال بعوض.

الثاني: دخول العوض في ملكه.

و الثاني خارج عن مضمون الايجاب، نعم مقتضي طبع المعاوضة دخوله في ملك مالك المبيع، و حيث ان المبيع ملك للمجيز واقعا فيدخل العوض في ملكه كذلك في فرض الاجازة، و حيث انه مالك ادعاء و اعتقادا فيكون بانيا علي تملكه العوض، و عليه فلا مانع من تعلق الاجازة بما هو مضمون الايجاب.

(2) ثمّ اورد علي نفسه بانه لا يتم فيما لو كان الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير و قال للبائع تملكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم إذ مفهومه شي ء واحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 51

و بالجملة فنسبة المتكلم الفضولي بتملك المثمن الي نفسه بقوله ملكت أو تملكت كايقاع المتكلم الاصلي التمليك علي المخاطب الفضولي بقوله ملكتك هذا الثوب بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك، و بهذا استشكل العلامة رحمهم الله في التذكرة حيث قال: لو باع الفضولي مع جهل الآخر، فاشكال من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد، و لا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته،

لانه حينئذ انما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعم من كونه اصليا أو نائبا. و لذا يجوز مخاطبته و اسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا و ليس الا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا، فإذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره علي الوجه الأعم عن كونه نائبا أو اصليا.

اما الفضولي فهو اجنبي عن المالك

لا يمكن فيه ذلك الاعتبار، و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الاشكال في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه مع انه لا يخفي مخالفته للفتاوي و اكثر النصوص المتقدمة في المسألة، كما اعترف به اخيرا، و اخري بأن الاجازة انما تتعلق بنفس مبادلة العوضين و ان كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها، و فيه ان حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها في الأشكال أعني قول المشتري الغاصب تملكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم، ليس إلا إنشاء تملكه للمبيع فإجازة هذا الانشاء لا يحصل بها تملك المالك الأصلي له، بل يتوقف علي نقل مستأنف فالأنسب في التفصي أن يقال أن نسبة الملك الي الفضولي العاقد لنفسه في قوله، تملكت منك أو قول غيره له ملكتك ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا (1).

______________________________

و هو تملك الفضولي للثوب، و لا يكون ذلك منحلا الي شيئين كي تتعلق الاجازة باحدهما دون الآخر.

(1) ثمّ تفصي عن الاشكال بان نسبة الملك الي الفضولي ليست بما هو هو، بل بما هو مالك، فحيثية المالكية ماخوذة فيه، و من المعلوم ان كل محمول مترتب علي المتحيث بحيثية في الحقيقة مترتب علي تلك الحيثية، فيكون المنسوب إليه الملك هو المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 52

و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء علي مالكيته للثمن التزمنا بلغويته،

ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بازاء مال غيره، فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون الا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادعائيا، فلو لم يكن احدهما و عقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة، فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه تملكت

منك كذا بكذا، فالمنسوب إليه التملك انما هو المتكلم لا من حيث هو، بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا و حيث ان الثابت للشي ء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن، الا ان الفضولي لما بني علي انه المالك المسلط علي الثمن اسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن الي نفسه، فالاجازة الحاصلة من المالك متعلقة بانشاء الفضولي و هو التملك المسند إلي مالك الثمن و هو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك انتقال الثمن إليه هذا مع انه ربما يلتزم صحة ان يكون الاجازة لعقد الفضولي، موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد و تبعه غير واحد من اجلاء تلامذته، و ذكر بعضهم في ذلك وجهين:

______________________________

و الاجازة تتعلق بهذا المضمون، غاية الأمر ان الفضولي لما بني علي انه المالك اسند ملك العوض الي نفسه.

و فيه اولا: كون هذه الحيثية حيثية تقييدية غير ثابت، بل الظاهر كونها حيثية تعليلية، إذ المالك انما يبيع أو يشتري لنفسه لا للمالك.

و ثانيا: ان الحيثية التقييدية المفروضة هي كونه مالكا ادعاء لا حقيقة، و ايقاع العقد للمالك الادعائي غير قابل للتأثير بالاجازة، و وقوعه للمالك الحقيقي بالاجازة موجب لكون المجاز غير منشأ، و المنشأ غير مجاز.

و الحق في المقام يقتضي ان يقال: ان بيع الفضولي لنفسه علي اقسام:

الأول: ان يكون داعيه من البيع التصرف في الثمن و الا يوقعه لمالكه، و في هذا القسم لا كلام في انه لو اجازه المالك صح و وقع له، و يكون المنشأ مجازا.

الثاني: ان يبيع لنفسه من غير بناء علي مالكيته للمبيع و يقصد خروج المعوض

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 53

احدهما: ان قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك المال له ضمنا حتي انه علي فرض صحه ذلك البيع و الشراء تملكه قبل انتقاله الي غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال اعتق عبدك عني، أو قال بع مالي

عنك أو اشتر لك بمالي كذا، فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء، و نقول في المقام ايضا، إذا اجاز المالك صح البيع و الشراء و صحته تتضمن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء، فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الأذن السابق قاضية بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه و لا مانع منه.

الثاني: أنه لا دليل علي اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه بل يكفي ان يكون مأذونا في بيعه لنفسه، أو الشراء، به فلو قال بع هذا لنفسك أو اشتر لك بهذا، ملك الثمن في الصورة الاولي بانتقال المبيع عن مالكه الي المشتري، و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية، و يتفرع عليه انه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك الي مالكه دون العاقد.

و في كلا الوجهين نظر:

اما الاول: فلأن صحة الاذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما تقدم في بعض فروع المعاطاة مع ان قياس الاجازة علي الاذن قياس مع الفارق،

لأن الأذن

______________________________

عن ملك مالكه و دخول عوضه في ملكه، و هذا القسم علي مسلك المصنف قدس سره و موافقيه من ان البيع هو المعاوضة يكون باطلا و غير قابل للتأثير بالاجازة، و لكن علي المسلك الحق من كون البيع هو

الاعطاء لا مجانا قابل للصحة بالاجازة، فان اجازه علي ما وقع وقع للبائع، و ان اجازه لنفسه صح و يكون قصد وقوعه لنفسه ملغي ولغوا.

الثالث: ان يكون البيع لنفسه بعد البناء علي مالكية نفسه، و هذا القسم هو الذي يكون موردا لكلام المصنف و قد عرفت ما في تصحيحه و وقوعه للمالك مع الاجازة،

و لكن يمكن تصحيح ذلك بوجه آخر و هو: ان انشاء الغاصب علي هذا النحو بالمطابقة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 54

في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع بخلاف الاجازة، فإنها لا يتعلق الا بما وقع سابقا و المفروض انه لم يقع الا مبادلة مال الغير بمال آخر، نعم لما بني هو علي ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه فالاجازة من المالك ان رجعت الي نفس المبادلة افادت دخول البدل في ملك المجيز، و ان رجعت الي المبادلة منضمة الي بناء العاقد علي تملك المال،

فهي و ان افادت دخول البدل في ملك العاقد الا ان مرجع هذا الي اجازة ما بني عليه العاقد من التملك و امضائه له إذ بعد امضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل الا ان من المعلوم عدم الدليل علي تأثير الاجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقه شرعا بل الدليل علي عدمه (1) لان هذا مما لا يؤثر فيه الاذن لان الاذن في التملك لا يؤثر التملك فكيف اجازته.

______________________________

يدل علي تملكه للعوض، و بالدلالة الالتزامية يدل علي المبادلة بالمعني المذكور، اي دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض، فيصح للمالك اجازة هذا المدلول الالتزامي فيقع له، كما له اجازة المدلول المطابقي

فيقع للغاصب.

الرابع: ان يكون البيع لنفسه مع قصده انشاء التملك بنفس انشاء البيع، بمعني انه بانشاء البيع ينشأ امرين مترتبين: احدهما: التملك، ثانيهما: انشاء البيع لنفسه. و بعبارة اخري: ينشأ البيع لنفسه مترتبا عليه، و في هذا القسم لو اجاز المالك التملك يقع البيع لا للمالك كما لو اذن المالك للبيع لنفسه بهذا النحو، و لعل هذا هو مراد كاشف الغطاء قدس سره مما نقله عنه المصنف قدس سره.

و عليه فلا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره.

(1) بان الاجازة لا دليل علي تأثيرها في بناء الغاصب علي الملكية في تحقق متعلقه شرعا، بل الدليل علي عدمه، لان هذا مما لا يؤثر فيه الاذن، إذ الاذن في التملك لا يؤثر التملك فكيف اجازته، لان ايراده مبتن علي ان يكون التملك بالبناء المجرد علي الملكية من دون انشاء للتمليك، و قد عرفت انه يمكن ان يكون مراده التملك بنفس البيع و لحوق الاجازة له لا بأس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 55

و أما الثاني: فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة، و لذا صرح العلامة رحمهم الله في غير موضع من كتبه تارة بأنه لا يتصور، و أخري بأنه لا يعقل ان يشتري الانسان لنفسه بمال غيره شيئا.

بل ادعي بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن

اشتر لنفسك به طعاما، و قد صرح به الشيخ و المحقق و غيرهما.

نعم سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب ان ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما أن الغاصب مسلط علي الثمن، و أن لم يملكه فإذا اشتري به شيئا ملكه و ظاهر هذا امكان ان لا يملك

الثمن و يملك المثمن المشتري «بصيغة المجهول» الا ان يحمل ذلك منهم علي التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا، كما نسبه الفخر رحمه الله إلي الأصحاب، أو آنا ما قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا للشراء. و كيف كان فالأولي في التفصي عن الاشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا، ثمّ ان مما ذكرنا من ان نسبة ملك العوض حقيقة انما هو الي مالك المعوض، لكنه بحسب بناء الطرفين علي مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر اندفاع اشكال آخر (1) في صحة البيع لنفسه مختص بصورة علم المشتري، و هو ان المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا،

______________________________

(1) قوله يظهر اندفاع اشكال آخر في صحة البيع لنفسه في صحة بيع الفضولي لنفسه اشكال آخر، و هو انما يكون من جهتين:

الاولي: ان المشتري العالم بكون البائع غاصبا كيف يملكه الثمن بازاء تمليكه مال الغير الثانية: انه لو سلط المشتري العالم الفضولي علي الثمن ليس له الرجوع علي البائع بالثمن لورد المالك البيع علي ما حكم به الاصحاب، و هذا يكشف عن اختصاص الغاصب بالثمن فلا يكون البيع المزبور قابلا للاجازة لكونه بيعا بلا ثمن، إذ لو كان هذا ثمنه كان اللازم ان يرد الي المشتري برد البيع.

اما الاشكال من الجهة الاولي: فالجواب عنه هو الجواب عن الاشكال: بان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 56

فقد حكم الأصحاب علي ما حكي عنهم، بأن المالك لو رد فليس للمشتري الرجوع علي البائع بالثمن. و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و الا كان ردها موجبا لرجوع كل عوض الي مالكه، و حينئذ فإذا اجاز المالك لم يملك الثمن لسبق اختصاص الغاصب به فيكون البيع بلا ثمن، و

لعل هذا هو الوجه في اشكال العلامة في التذكرة حيث قال بعد الاشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري.

أن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل، انتهي.

أقول: هذا الأشكال بناء علي تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس للمشتري استرداد الثمن مع رد المالك و بقائه، و بعد تسليم ان الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط علي تقديري الرد و الاجازة، لا التسليط المراعي بعدم اجازة البيع: (1) انما يتوجه علي القول بالنقل، حيث ان تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله الي مالك المبيع بالاجازة فلا يبقي مورد للاجازة. و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه (2) اشكال اصلا

______________________________

الغاصب كيف يقصد المعاوضة، الذي مر.

و به يظهر ان ما ذكره المصنف قدس سره من انه بما ذكرناه اندفع هذا الاشكال متين.

و لا يرد عليه ما افاده المحقق الايرواني قدس سره بقوله: لم اعرف وجه ارتباط لما ذكره بهذا الاشكال، كي يحصل به الجواب عنه.

و أما الاشكال من الجهة الثانية: فيمكن الجواب عنه: بان هذا الحكم لم يفت الاصحاب جميعا به. بل في المسألة قولان آخران: احدهما: الضمان مطلقا كما افتوا به جميعا في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد، ثانيهما: الضمان مع بقاء العين.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين آخرين.

(1) احدهما: ان التسليط المذكور انما يكون تسليطا مجانيا في صورة الرد خاصة لا مطلقا.

و فيه: ان هذا يكون تمليكا معلقا، و هو غير نافذ.

(2) ثانيهما: ان هذا الاشكال لو تم فانما هو علي القول بالنقل، و لا يتم علي القول بالكشف،

فانه علي هذا المسلك تكشف الاجازة عن كونه تسليطا علي مال الغير.

و فيه: ان الكشف الذي يمكن الالتزام به هو الكشف الحكمي لا

الحقيقي، فقبل الاجازة لا يكون المال منتقلا عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 57

لان الرد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له علي مال نفسه، و الاجازة كاشفة عن كونه تسليطا له علي ما يملكه غيره بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالاقباض، و لذا لو لم يقبضه الثمن حتي اجاز المالك أو رده لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك، و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك فانتظر.

ثمّ اعلم ان الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره، انما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز و هو الذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه و أما الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع و اجاز سواء باع لنفسه أو المالك فلا دخل له بما نحن فيه، لأن الكلام هنا في وقوع البيع للمالك، و هناك في وقوعه للعاقد إذا ملك. و من هنا يعلم ان ما ذكره في الرياض،

من ان بيع الفضولي لنفسه باطل (1) و نسب الي التذكرة نفي الخلاف فيه في غير محله،

الا ان يريد ما ذكرناه و هو خلاف ظاهر كلامه،

بقي هنا امران
اشارة

______________________________

(1) قوله و من هنا يعلم ان ما ذكره في الرياض من ان بيع الفضولي لنفسه باطل مراده من ضم فتوي المشهور في بيع الفضولي لنفسه بالصحة بعد الاجازة الي نسبة نفي الخلاف في البطلان الي العلامة يستنتج تمامية ما اخترناه من وقوعه للعاقد الفضولي إذا ملك و اجاز- لكنه خلاف ظاهر كلماتهم و كيف كان فهناك مسألتان،

احداهما ان العاقد الفضولي لنفسه إذا صار مالكا و اجاز و هي هذه المسألة.

ثانيتهما إذا باع الفضولي مال

الغير لنفسه فاجازه المالك و الثانية محل الكلام،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 58

الأول: انه لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي، بين كون مال الغير (1) عينا أو دينا في ذمة الغير،

و منه جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير، ثمّ ان تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي. (2) اما باضافة الذمة الي الغير، بأن يقول بعت كرا من طعام في ذمة فلان بكذا، أو بعت هذا بكذا في ذمة فلان، و حكمه انه لو اجاز فلان يقع العقد له و ان رد بطل رأسا.

و أما بقصده العقد له فإنه إذا قصده في العقد تعين كونه صاحب الذمة، لما عرفت من استحالة دخول احد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر، الا علي احتمال ضعيف تقدم عن بعض، فكما ان تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي باضافته الي ذمة شخص خاص، و حينئذ فإن أجاز من قصد

______________________________

لو كان مال الغير في ذمته لا عينا

(1) قوله لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو دينار

بعد ما لا كلام في عدم الفرق في الفضولي بين كون مال الغير عينا أو في ذمة الغير في الجملة وقع الكلام في جهات:

الاولي: فيما به يتشخص ما في الذمة.

(2) المصنف قدس سره افاد ان تشخيصه انما يكون باضافة الذمة الي الغير، و مقتضي اطلاق كلامه كصريح المحقق النائيني قدس سره عدم الفرق بين الاضافة إليه لفظا أو قصدا، أو بقصد العقد له لفظا أو قصدا، و ذكر في وجه كفاية الثاني: ان تعيين من يقع له العقد بعد استحالة دخول احد العوضين في كيس من خرج عنه الآخر يكون تعيينا لمن في ذمته الثمن.

و

لكن يرد عليه انه بما ان الكلي ما لم يضف الي ذمة شخص لا يقبل اعتبار الملكية له عند العقلاء فمجرد قصد من يقع له العقد مع عدم قصد من في ذمته الثمن لا يكفي و لا يغني عن اضافة الكلي إليه، فلا بد من الاضافة المزبورة، فالتشخيص انما يكون بالاضافة خاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 59

مالكيته وقع العقد، و إن رد فمقتضي القاعدة بطلان العقد واقعا، لأن مقتضي رد العقد بقاء كل عوض علي ملك صاحبه، إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الاصلي،

و من وقع له العقد، فلا معني لخروجه عن ملك مالكه و تردده بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج الي اجازة و وقع له الا ان الطرف الآخر لو لم يصدقه علي هذا القصد، و حلف علي نفي العلم (1) حكم له علي الفضولي لوقوع العقد له ظاهرا، كما عن المحقق و فخر الإسلام و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد الثاني.

و قد يظهر من اطلاق بعض الكلمات كالقواعد، و المبسوط وقوع العقد له واقعا، و قد نسب ذلك الي جماعة في بعض فروع المضاربة، و حيث عرفت ان قصد البيع للغير أو اضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي الي ذمة ذلك الغير، كما ان اضافة الكلي إليه

______________________________

(1) الجهة الثانية: انه لم يصدق الطرف الآخر قصد الفضولي البيع أو الشراء لغيره، ففي المسألة اقوال:

الأول: ما عن جمع من الاساطين، و هو الحكم بوقوع العقد للفضولي ظاهرا.

الثاني: الحكم بوقوعه له واقعا.

الثالث: الحكم بعدم الوقوع.

و مجمل القول في المقام: انه تارة يكذب كل منهما الآخر- كما لو ادعي البائع ان المشتري قصد الشراء

لنفسه في ذمته و هو ايضا قصد ذلك، و ادعي المشتري انه قصد الشراء لغيره و البائع ايضا قصد ذلك- و اخري يدعي مدعي الفضولية انه قصد غير ما قصده طرفه و تخيل انه ايضا قاصد لذلك و الاصيل ينكر ذلك و يدعي انه قصد عين ما قصده و هو الشراء مثلا لنفسه.

اما الصورة الاولي: فهي من قبيل التداعي فلا بد من اعمال قواعد ذلك الباب و أما الصورة الثانية: فحيث ان المدعي هو من يدعي الفضولية لمخالفة قوله لظاهر العقد و اصالة الصحة، إذ علي ما يدعيه يكون العقد باطلا، و علي قول طرفه يكون صحيحا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 60

يوجب صرف البيع أو الشراء إليه، و ان لم يقصده أو لم يضفه إليه، ظهر من ذلك التنافي بين اضافة البيع الي غيره و اضافة الكلي الي نفسه أو قصده من غير اضافة،

و كذا بين اضافة البيع الي نفسه و اضافة الكلي الي غيره، فلو جمع بين المتنافيين (1) بأن قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان.

ففي الأول: يحتمل البطلان: (2) لأنه في حكم شراء شي ء للغير بعين ماله،

و يحتمل الغاء احد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو للغير.

و في الثاني: يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير بعد اجازته، لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء علي التملك في ذمة الغير اعتقادا،

و يحتمل الصحة بالغاء قيد ذمة الغير، لأن تقييد الشراء أولا بكونه لنفسه يوجب الغاء ما ينافيه من اضافة الذمة الي الغير، و المسألة تحتاج الي تأمل. ثمّ انه قال في التذكرة: لو اشتري فضوليا،

______________________________

فمقتضي القاعدة هو اقامة البينة و إذا لم

يتمكن منها يحلف المنكر فان حلف برأ و حكم ببطلان العقد، و ان لم يحلف ورد الحلف فان تمكن المدعي من الحلف علي العلم بالقصد و حلف فيحكم له، و ان لم يتمكن من الحلف علي العلم حكم له ايضا. و تمام الكلام في كتاب القضاء.

(1) الجهة الثالثة: لو جمع بين المتنافيين، بان قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان و اجاز من اضيف إليه.

(2) ففي الاول احتمل المصنف قدس سره البطلان، لانه في حكم شراء للغير بعين ماله، و احتمل الغاء احد القيدين.

و جزم المحقق النائيني قدس سره بالصحة و الغاء قيد لفلان، لان وقوع العقد للغير انما يكون لو اضاف إليه و لم يلحقه بما ينافيه. و الا فيقع لنفسه كما هو مقتضي اطلاق العقد،

و جزم السيد قدس سره بالبطلان علي مسلك المصنف قدس سره من كون البيع هو المعاوضة.

و حق القول فيه بنحو يظهر الحق و ما في سائر الاقوال: انه بناء علي. المختار من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 61

فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان و الوقف علي الاجازة، الا ان ابا حنيفة قال: يقع للمشتري لكل حال، و ان كان في الذمة لغيره و اطلق اللفظ قال علماؤنا يقف علي الاجازة فإن اجاز صح و لزمه اداء الثمن، و ان رد نفد عن المباشر (1) و به قال الشافعي في القديم و احمد، و انما يصح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره، و انما وقف علي الاجازة لأنه عقد الشراء له، فإن اجازه لزمه و ان رده لزم من اشتراه، و لا فرق بين ان ينقد من مال

الغير او لا، و قال أبو حنيفة: يقع عن المباشر و هو جديد للشافعي، انتهي.

و ظاهره الاتفاق علي وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا، كما يشعر به تعليله بقوله لانه تصرف في ذمته لا في مال الغير، لكن اشرنا سابقا اجمالا الي ان تطبيق هذا علي القواعد مشكل

______________________________

كون البيع هو الاعطاء لا مجانا، يصح البيع المذكور و يقع للغير و تشتغل ذمة نفسه بالدرهم، نعم تعتبر اجازة ذلك الغير، إذ دخول شي ء في ملكه بلا رضاه مناف لتسلط الناس علي انفسهم.

و أما بناء علي كونه هو المعاوضة- كما اختاره المصنف- رحمه الله و غيره- فيمكن تصحيحه بالنحو الذي صحح البيع لنفسه بمال الغير بدعوي البناء علي مالكيته له فإذا اجاز المالك يقع له، فانه يقال في المقام انه يشتري لغيره بدرهم في ذمة نفسه، بعد البناء علي مالكية لما في ذمته و تسلطه عليه، ففي الحقيقة يشتري لمن هو مسلط علي ما في ذمته و هو نفسه فيصح البيع و يلغي قيد وقوع البيع للغير، و بذلك يظهر ما في كلمات الاساطين، هذا كله في الأول،

و به يظهر الحال في الثاني، إذ علي المختار يقع لنفسه إذا اجاز ذلك الغير البيع علي ما وقع، و ان أجازه لنفسه صح له و يلغي قيد وقوعه لنفسه، و علي مسلك المصنف قدس سره يقع للمجيز بالتقريب المتقدم، و لا وجه لما احتمله من الصحة بالغاء قيد ذمة الغير، فانه يلزم منه وقوع ما لم يقصد كما هو واضح.

الجهة الرابعة: لو جمع بين المتنافيين ورد العقد من اضيف إليه بطل العقد، و عن العلامة قدس سره في التذكرة

(1) و ان كان في الذمة لغيره، و اطلق الي آخر

ما نقله المصنف قدس سره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 62

لانه ان جعل المال في ذمته بالاصالة فيكون ما في مثل هذا. اما البطلان لو عمل بالنية بناء علي انه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير قهرا. اما صحته و وقوعه لنفسه لو الغي النية، بناء علي انصراف المعاملة الي مالك العين قهرا، و ان نوي خلافه. و ان جعل المال في ذمته لا من حيث الاصالة بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا، ففيه مع الاشكال في صحة هذا لو لم يرجع الي الشراء في ذمة الغير ان اللازم من هذا ان الغير إذا رد هذه المعاملة، و هذه النيابة يقع فاسدة من اصلها الا انها تقع للمباشر، نعم إذا عجز المباشر من اثبات ذلك علي البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة: كما مرددة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد و يمكن تنزيل العبارة علي الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.

______________________________

و هذا الكلام حيث انه بظاهره لا ينطبق علي القواعد تصدي القوم لتصحيحه.

و قد ذكر المحقق النائيني قدس سره له توجيهين احدهما: ان يكون مراده شراء العاقد لنفسه مع كون المال في ذمته، و يكون قصده للغير من باب جعل تولية العقد للغير، و حينئذ فان اجاز الغير التولية يكون العقد له و تكون اجازته من قبيل القبول، و ان رد يقع للعاقد.

و فيه: ان ظاهر كلامه انه لو اجاز ينتقل المال من مالكه الي المجيز لا منه الي العاقد و منه الي المجيز.

ثانيهما: ان يكون مراده وقوع البيع للغير في ذمته، و يكون جعل المال في ذمته نظير الضمان عن الغير بناء علي مذهب الجمهور من عدم انتقال الضمان

من ذمة المضمون عنه الي ذمة الضامن فيكون كل منها ضامنا بنحو الطولية، ففي المقام يكون المباشر هو المتعهد للمال و هو الملزم به اولا، و لكن إذا اجاز من قصد العقد له ينصرف عن المباشر إليه، و إذا رد يبقي في ذمته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 63

الثاني: الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من اقسام بيع الفضولي، بين البيع العقدي و المعاطاة (1)

بناء علي افادتها للملك، إذ لا فارق بينها و بين العقد، فإن التقابض بين الفضوليين أو فضولي و اصيل إذا وقع بنية التمليك فاجازه المالك فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الاجازة، فعموم مثل قوله تعالي: احل الله البيع شامل له، و يؤيده رواية عروة البارقي، حيث ان الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة،

______________________________

و فيه: اولا: ان الغير إذا لم يجز لا معني لكون الضامن ملزما و لا لوقوع البيع له.

و ثانيا: يلزم انه لو لم يؤد الغير المال بعد اجازة البيع ان يجب علي العاقد ان يؤديه،

و هو كما تري.

فالصحيح في توجيه كلام العلامة قدس سره ان يقال: ان مراده ان يشتري شيئا بمن من الحنطة مثلا و يلتزم هو بادائه، اما من مال زيد فيكون الشراء له، أو من ماله فيكون الشراء لنفسه، و ينحل هذا الشراء الي شرائين طوليين، فان اجاز الغير يقع له، و ان رد يقع للعاقد.

و مثل هذا التعليق لا يوجب البطلان، لان المتيقن من معقد الاجماع غير هذا المورد الذي ينشأ شراء ان.

الفضولي في المعاطاة

(1) الثاني: قال المصنف قدس سره الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من اقسام البيع الفضولي بين البيع العقدي و المعاطاة.

في المسألة وجوه: و بعضها اقوال ثالثها التفصيل بين القول بالاباحة، فلا يجري الفضولي في المعاطاة و القول بالملك فيجري رابعها التفصيل بين كون

الفضولي علي خلاف القاعدة فلا يجري مطلقا، و كونه علي طبقها فيجري خامسها: التفصيل بين كون المعاطاة علي خلاف القاعدة فلا يجري و بين كونها علي طبقها ما يجري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 64

و توهم الاشكال فيه من حيث ان الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه اثر (1) في غير محله إذ قد لا يحتاج الي اقباض مال الغير: كما لو اشتري الفضولي لغيره في الذمة مع انه قد يقع الاقباض مقرونا برضا المالك (2) بناء علي ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي

______________________________

و حق القول في المقام يقتضي البحث في مقامين:

الأول: بناء علي القول بافادة المعاطاة الملك.

الثاني: بناء علي القول بافادتها الاباحة.

اما الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: بناء علي كون الفضولي علي طبق القاعدة.

الثاني: بناء علي استفادته من النصوص الخاصة.

اما المورد الاول: فان قلنا بان افادة المعاطاة الملك انما تكون علي خلاف لقاعدة يتعين البناء علي عدم جريان الفضولي فيها، إذا المتيقن منه تعاطي المالكين، و ان قلنا بان افادتها الملك انما تكون علي القاعدة فمقتضي العمومات هو البناء علي الجريان.

و قد استدل لعدم الجريان بوجوه:

(1) الاول: ان الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير فلا يترتب عليه اثر.

و فيه: أولا ان النهي النفسي عن المعاملة لا يدل علي فسادها كما حققناه في اول الجزء الاول من هذا الشرح.

و ثانيا: انه قد لا يحتاج الي اقباض مال الغير لما تقدم في مبحث المعاطاة من كفاية العطاء من جانب واحد و الاخذ من الآخر.

و اجاب عنه المصنف بجوابين آخرين:

(2) احدهما: انه قد يقع الاقباض مقرنا برضا المالك.

و فيه: ما تقدم منا- تبعا له قده- من خروج المعاملة بذلك عن الفضولية، اللهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 65

مع ان النهي لا يدل علي الفساد مع انه لو دل لدل علي عدم ترتب الاثر المقصود و هو استقلال الاقباض في السببية فلا ينافي كونه جزء سبب (1) و ربما يستدل علي ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الاباحة أو التمليك و هما من وظائف المالك و لا يتصور صدورها من غيره، و لذا ذكر الشهيد الثاني ان المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول و ذكران قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين، و لا أثر له الا إذ صدر من المالك أو باذنه. و فيه ان اعتبار الاقباض

و القبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها انما هو لحصول انشاء التمليك أو الاباحة، فهو عندهم من الاسباب الفعلية، كما صرح الشهيد في قواعده و المعاطاة عندهم عقد فعلي، و لذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطي، و حينئذ فلا مانع من ان يقصد الفضولي باقباضه المعني القائم بنفسه المقصود من قوله ملكتك

______________________________

الا ان يقال ان جواز التصرف منوط برضا المالك بالتصرف بالقبض و الاقباض، و الرضا المخرج للمعاملة عن الفضولية هو الرضا بانتقال ماله عن ملكه واحدهما غير الآخر

(1) ثانيهما: انه لو دل النهي علي الفساد لدل علي عدم ترتب الاثر المقصود و هو استقلال الاقباض في السببية، فلا ينافي كونه جزء السبب.

و فيه: انه لو دل النهي علي الفساد لزم منه الغاء المنهي عنه في نظر الشارع الاقدس، و كأنه لم يتحقق،

فلا محالة لا يصلح لكونه جزء السبب.

و ان شئت قلت: ان تأثير اعطاء مال الغير و اقباضه انما يكون علي سبيل جزء المؤثر لا العلية التامة، فلو دل النهي علي الفساد لاقتضي الغاء هذا الاثر لاما ليس له في نفسه، فالصحيح هو الوجهان الاولان.

الثاني: ما افاده صاحب المقابيس، و هو: ان المعاطاة منوطة بالتراضي مع قصد التمليك أو الاباحة، و هما من وظائف المالك.

و فيه: اولا: ان هذا الوجه لو تم لاقتضي عدم جريان الفضولي في غيرها ايضا،

و الكلام في المقام بعد جريانه فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 66

و اعتبار مقارنة الرضا من المالك للانشاء الفعلي دون القولي مع اتحاد ادلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حل مال الغير لا يخلو عن تحكم، و ما ذكره الشهيد الثاني لا يجدي فيما نحن فيه لانا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد

الموجود في قوله لعدم الدليل، و لو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي ايضا الا ان يقال ان مقتضي الدليل ذلك خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول.

لكنك قد عرفت ان العقد الفضولي ليس علي خلاف القاعدة.

نعم لو قلنا أن المعاطاة لا يعتبر فيها قبض، و لو اتفق معها بل السبب المستقل هو تراضي المالكين بملكية كل منها لمال صاحبه مطلقا، أو مع وصولهما، أو وصول احدهما، لم يعقل وقوعها من الفضولي.

نعم الواقع منه ايصال المال و المفروض انه لا مدخل له في المعاملة، فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا، و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقة لكن الانصاف ان هذا المعني غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة، و انما قصدهم الي العقد الفعلي،

هذا كله علي القول بالملك. و أما علي القول بالاباحة، فيمكن القول

______________________________

و ثانيا: ان التمليك الانشائي ليس من وظائف المالك خاصة، و الاثر و ان كان مترتبا علي رضا المالك الا ان المفروض في المقام تحققه بالاجارة.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و حاصله: ان الاجازة لا بد و ان تتعلق بامر مستمر باق كي ينتسب بها الي المالك، و هذا في العقد القولي موجود، إذ حاصل المصدر ينفك عن الانشاء القولي و يستمر بعده فيستند بالاجازة الي المالك، و أما في العقد الفعلي- اي الاعطاء- فليس حاصل مصدره امرا مستمرا باقيا، بل هو العطاء، و هو لا ينفك عن الاعطاء، و باجازة المالك لا ينقلب الفعل عما وقع عليه.

و فيه: ما تقدم في مبحث المعاطاة من ان الفعل كالقول مصداق للبيع حقيقة بلا فرق بينهما، و عليه فينفك حاصل المصدر فيه عن المصدر كما في الانشاء القولي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 67

ببطلان الفضولي لان افادة المعاملة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة (1)

فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين مع ان حصول الاباحة قبل الاجازة غير ممكن (2) و الآثار الاخر مثل بيع المال علي القول بجواز مثل هذا التصرف إذا وقعت في غير زمان الاباحة الفعلية لم تؤثر اثرا، فإذا اجاز حدث الاباحة من حين الاجازة، اللهم الا ان يقال بكفاية وقوعها مع الاباحة الواقعية إذا كشف عنها الاجازة، فافهم.

______________________________

و تتعلق الاجازة به. فالأظهر جريان الفضولي فيها.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك صحة الفضولي عموم التعليل في نصوص النكاح فهو يقتضي جريانه في المعاطاة لعموم العلة، و ان كان غيره فهو مختص بغير المعاطاة لعدم الاطلاق له، و ترك الاستفصال في صحيح

«1» محمد بن قيس لا يفيد بعد عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، و قوله عليه السلام بارك الله في صفقة يمينك في رواية البارقي «2» لا ظهور له في وقوع المعاملة معاطاة، فان صفقة اليمين كناية عن البيع من دون رعاية ان يكون الانشاء بصفقة اليمين.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف قدس سره لعدم جريان الفضولي فيها علي القول بالاباحة بوجهين:

احدهما:

(1) ان افادة المعاطاة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة، فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين.

الثاني:

(2) ان حصول الاباحة قبل الاجازة غير ممكن.

و الحق: انه لو قلنا بالاباحة، من باب ان المعاطاة مفيدة للملك: غاية الأمر يشترط فيه التصرف، أو التلف و قبله يحكم بالاباحة الشرعية لدليل خاص، فالفضولي يجري في المعاطاة لما تقدم، نعم لا يحكم بالاباحة ما لم يجز.

و أما لو قلنا بانها مفيدة للاباحة، و تكون الاباحة شرعية، فدليله الأول متين

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 68

القول في الإجازة و الرد
أما الكلام في الإجازة،
اشارة

فيقع تارة في حكمها و شروطها و أخري في المجيز و ثالثة في المجاز.

اما حكمها
اشارة

فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم علي توقفها علي الاجازة (1) في كونها كاشفة بمعني انه يحكم بعد الاجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتي كأن الاجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة، بمعني ترتب آثار العقد من حينها حتي كان العقد وقع حال الاجازة علي قولين: فالأكثر علي الأول و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة

______________________________

و لا يتم الثاني، إذ نسبة الاباحة الي ما قبل الاجازة و ما بعدها علي حد سواء بعد فرض ان المالك قاصد للملك، فحصولها قبلها لا مانع منه.

و أما إذا قلنا بالاباحة المالكية المنشأة بالفعل فيمكن الاستدلال بادلة نفوذ المعاطاة من قبيل) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (لجريان الفضولي فيها لاستناد العقد الي المالك بعد الاجازة القول في الإجازة

اما الكلام في الاجازة فكما في المتن يقع تارة في حكمها و شروطها، و اخري في المجيز و ثالثة في المجاز.

(1) اما حكمها: فالمنسوب الي المشهور هو: القول بالكشف، بل قيل: انه لم ينقل القول بالنقل عن احد الي زمان المحقق آقا جمال قده،

و أما المتأخرون عنه فالمشهور بينهم هو النقل، و عن جماعة: التوقف في المسألة.

ثمّ ان الكشف يتصور له معان:

احدها: الكشف الحقيقي الصرف، و هو الظاهر من جامع المقاصد و الجواهر.

ثانيها: الكشف عن امر مقارن للعقد، و هو اما الرضا التقديري كما عن المحقق الرشتي قدس سره، أو تعقب العقد بالرضا فانه وصف مقارن للعقد كما عن جماعة من الأعلام، و اما امر مجهول عندنا بان يكون الشرط لتاثير العقد امرا واقعيا مقارنا له لا نعرفه الا انه يكون ذلك الأمر ملازما للإجازة الاستقبالية.

ثالثها: الكشف

عن الاثر لكون الإجازة من قبيل الشرط المتأخر، و هو الظاهر من كل من يقول بالشرط المتأخر، و نسب ذلك الي المشهور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 69

بأن العقد سبب تام في الملك (1) لعموم قوله تعالي:) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و تمامه في الفضولي انما يعلم بالاجازة، فإذا اجاز تبين كونه تاما فوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة. بل به مع شي ء آخر و بأن الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه و ليس إلا نقل العوضين من حينه.

______________________________

رابعها: الكشف الانقلابي بان تكون الإجازة المتأخرة موجبة لحدوث التأثير في العقد و جاعلة اياه سببا تاما و هو الذي احتمله المصنف قدس سره في آخر كلامه.

خامسها: الكشف الحكمي بمعني ترتيب آثار الملكية من قبل لا حصول نفس الملكية، و هو المنسوب الي المحقق شريف العلماء استاذ الشيخ قدس سره.

سادسها: الكشف بان تكون الإجازة بوجودها الدهري المجتمع مع شروطها في وعاء الدهر، إذ الطوليات الزمانية عرضيات في عالم الدهر شرطا.

و في المقام قول آخر اختاره المحقق الايرواني قدس سره و الاستاذ الأعظم و نسب الي المحقق الخراساني، و هو النقل في المكية و الكشف في المملوك، بان يكون اعتبار الملكية بعد الإجازة، و المعتبر قبلها، و ستعرف توضيحه. هذه هي الأقوال في المسألة.

و أما الادلة: فقد استدلوا للكشف بوجوه، و كل واحد منها استدل به للقول بنحو من الكشف:

(1) الوجه الاول: ما عن جامع المقاصد و هو: العقد سبب تام، إذ المأخوذ موضوعا لوجوب الوفاء هو العقد، قال الله تعالي:) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و لا يكون شي ء آخر دخيلا فيه و الا لأخذ في الموضوع، غاية الأمر خرج عن هذا العموم العقد الصادر من

غير المالك إذا لم يجزه المالك، فالعقد الذي اجازه المالك يكون باقيا تحت العموم فلا مناص عن الالتزام بتأثيره خاصة من دون توقف علي شي ء آخر.

نعم الكاشف عن ثبوت الموضوع هو الإجازة، إذ ما لم يجز حيث يمكن عدم الإجازة فيحتمل عدم تحقق الموضوع. هذا هو مدرك المعني الأول من الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 70

و عن فخر الدين في الايضاح الاحتجاج لهم بانها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود (1) لان العقد حالها عدم انتهي و يرد علي الوجه الأول أنه ان أريد بكون العقد سببا تاما كونه علة تامة للنقل إذا صدر عن رضاء المالك فهو مسلم الا ان بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب و لا يتبين كونه تاما إذ الاجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا غاية الأمر ان لازم صحة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضاء المقارن، فيكون لها مدخل في تمامية السبب كالرضا المقارن، فلا معني لحصول الأثر قبلها، و منه يظهر فساد تقرير الدليل

______________________________

و فيه: اولا: ما تقدم من ان خطاب) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (متوجه الي المالكين، و مفاده وجوب وفاء كل مالك بعقده، و العقد الصادر من الفضولي انما يكون عقدا للمالك بالإجازة، فالموضوع يتحقق من حين الإجازة.

و ثانيا: انه قد دل الدليل من الإجماع و النص علي اعتبار رضا المالك و دخله في ترتب الأثر، و هو يقيد العموم فتأمل.

(1) الثاني: ما عن فخر الدين في الايضاح، و هو: انه إذا لم تكن الاجازة كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود، إذ العقد حالها عدم، و حيث ان هذا الوجه بظاهره بين الفساد من جهة ان القائل بالنقل يري ان العقد جزء العلة لا تمامها، و

معلوم ان بعض اجزاء العلة كثيرا ما يتقدم علي المعلول زمانا كما في التدريجيات- اي الأجزاء المتدرجة في الوجود- فقد تصدي المحقق النائيني قدس سره لتوجيه و وجهه: بان مراده ان المنشأ لا يتخلف عن الانشاء، و اسم المصدر لا يعقل انفكاكه عن المصدر.

و لكن يرد عليه: ان المنشأ هو الملكية في اعتبار المتبايعين، و الذي يكون محل الكلام هو الملكية في اعتبار الشارع الأقدس.

الثالث: ما عن المحقق الرشتي قدس سره، و هو ان الشرط لتاثير العقد هو الرضا التقديري من المالك، و الإجازة تكشف عنه ككاشفية شاهد الحال. هذا هو مدرك الوجه الأول من المعني الثاني له.

و فيه: اولا: ان الرضا التقديري لا يكفي في تأثير العقد لعدم انتسابه إليه بذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 71

بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط و كلها حاصلة الا رضا المالك، فإذا حصل بالاجازة عمل السبب عمله، فإنه إذا اعترف ان رضا المالك من جملة الشروط،

فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله و دعوي) صاحب الجواهر (ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبب علي السبب كغسل الجمعة يوم الخميس، و اعطاء الفطرة قبل وقته، فضلا عن تقدم المشروط علي الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة، و كغسل العشاءين لصوم اليوم الماضي علي القول به مدفوعة، بأنه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره، و تكثير الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي، فهي كدعوي ان التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما لان النقيض الشرعي غير العقلي فجميع ما ورد مما يوهم ذلك انه لا بد فيه من التزام ان المتأخر

ليس سببا أو شرطا، بل السبب و الشرط الأمر المنتزع من ذلك لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه، بأن يقال ان الشرط تعقب الاجازة و لحوقها بالعقد. و هذا امر مقارن علي تقدير الإجازة لمخالفته الأدلة.

اللهم الا ان يكون مراده بالشرط، ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه علي لحوقه، و هذا مع انه لا يستحق اطلاق الشرط عليه غير صادق علي الرضا،

لأن المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، لأنه لا يحل لغيره بدون طيب النفس، و انه لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير و انقطاع سلطنة المالك، و مما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام) صاحب الفصول (بل التزم به غير واحد من المعاصرين، من أن معني شرطية الاجازة (1)

مع كونها كاشفة شرطية الوصف المنتزع منها و هو كونها لاحقة للعقد في المستقبل،

فالعلة التامة العقد الملحوق بالاجازة و هذه صفة مقارنة للعقد،

______________________________

و ثانيا: ان الإجازة لا تكشف عن ذلك، كيف و الحالات الموجبة لاختلاف المالك من حيث الرضا و الكراهة مختلفة، فيمكن ان لا يكون حين العقد راضيا، و يصير كذلك بعده

(1) الرابع: ما عن صاحب الفضول و اخيه المحقق، و هو انه حيث لا يمكن ان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 72

و ان كان نفس الاجازة متأخرة عنه، و قد التزم بعضهم مما يتفرع علي هذا من أنه إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد، و فيه ما لا يخفي من المخالفة للادلة، و يرد علي الوجه الثاني اولا ان الاجازة و ان كانت رضا بمضمون العقد

______________________________

تكون الإجازة المتأخرة شرطا لامتناع تأخر الشرط الذي هو من اجزاء

العلة التامة التي يمتنع تأخرها عن المعلول، فلا مناص عن الالتزام بان الشرط الوصف الانتزاعي منه كالتعقب. هذا هو مدرك الوجه الثاني من المعني الثاني.

و فيه: اولا: ان لازم الوجه المذكور لو تم ليس هو البناء علي كون الشرط هو الوصف الانتزاعي، بل تحقق المعلول بعد الإجازة كما هو ظاهر الأدلة.

و ثانيا: انه لا يكون العقد بذاته منشئا لانتزاعه، و ان ابيت عن ذلك و قلت بان عنوان التعقب كعنواني السابق و الملحوق ينتزع من نفس العقد- كما انهما ينتزعان منه- لكن لا كلام في ان هذا العنوان مع عنوان لاحقية الإجازة متضائفان، و المتضائفان متكافئان في القوة و الفعلية، فمع عدم فعلية الثاني لعدم تحقق منشئه لا يصير الأول فعليا.

و أما الوجه الثالث من المعني الثاني: فلم ار ما استدل به عليه،

و يرده: انه خلاف ظاهر الأدلة و رجم بالغيب، مع ان ذلك الأمر حيث انه ليس من الأمور المتأصلة: إذ الصادر من الفضولي ليس الا العقد، فلا مناص عن الالتزام بكونه امرا انتزاعيا، و عليه فان كان منشؤه نفس العقد لزم ترتيب آثاره و لو لم تتحقق الإجازة،

و ان كان المنشأ هو الاجازة عاد المحذور المتقدم في سابقه.

الخامس: ما استدل به علي الكشف الانقلابي و هو: كون الإجازة من المالك محدثة للتاثير في العقد و جاعلة اياه سببا تاما.

و حاصله، انه فرق بين الإجازة و غيرها من الشروط كالقبض، فان الإجازة انما تكون انفاذا للعقد السابق، فهي ليست دخيلة في حصول الملكية، بل متممة للعقد الذي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 73

______________________________

هو السبب للملكية نظير انفاذ الحاكم حكم مجتهد آخر، فالعقد الي حين الإجازة لم يكن سببا و بها انقلب و صار سببا تاما،

و لازمه تأثيره في الملك بعد ما لم يكن بنحو الانقلاب.

و فيه: اولا: انه لا يعقل انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و ثانيا: ان الإجازة بهذا المعني لم يدل دليل علي نفوذها شرعا، إذ اعتبار الإجازة في سببية العقد، اما ان يكون لأجل اعتبار استناد العقد الي المالك، أو يكون لأجل اعتبار رضا المالك في نقل ماله عن ملكه، و علي الأول: لا يستند العقد الي المالك الي حين الإجازة لا انها توجب استناد ما وقع من اول وقوعه إليه، بل من حين الإجازة كما تقدم،

فمن حين الإجازة يتم السبب للملكية فكيف يحكم بحصول الملك قبل تمامية السبب، و كذلك الامر علي الثاني: إذ الرضا انما يوجد حين الإجازة لا قبلها، فلا حلية للتصرف قبلها و لا ملك.

السادس: ما استدل به علي الكشف الحكمي، و هو وجهان:

احدهما: ما استدل به علي الانقلاب بضميمة انه حيث لا يعقل الانقلاب فبدلالة الاقتضاء يبني علي ارادة معاملة العقد الملحوق بالإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة، فإذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الي المشتري و ان كان اصل الملك قبل الإجازة للمالك و وقع النماء في ملكه.

و يرد عليه ما تقدم.

ثانيهما: ان الكشف الحكمي سار في اغلب ابواب الفقه كباب الخمس و الزكاة و نحوهما.

و حاصله: ان كل ما يكون موضوعا لحكم بواسطة الأمر المتأخر- بحيث كان الأمر السابق بمنزلة المادة، و ذلك الأمر بمنزلة الصورة- فمقتضي القاعدة ترتيب آثار الموضوع من اول تحققه، لانه ينكشف تحقق الموضوع من الاول الأمر، مثلا عنوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 74

______________________________

فاضل المئونة موضوع لوجوب الخمس، و ذاته يتحقق اول زمان ظهور الربح، و لكن اتصافه بهذا

العنوان انما يكون بعد انقضاء السنة، فبعد انقضاء السنة ينكشف تعلق الخمس من اول السنة. و في المقام العقد انما يكون موضوعا لوجوب الوفاء بواسطة الإجازة المتأخرة، فلا بد من البناء علي ترتيب الآثار مهما امكن.

و فيه: انه إذا كان الأمر المتأخر بمنزلة الصورة فلا بد من الالتزام بالنقل، إذ حقيقة الشي ء انما تكون بصورته.

و أما كون الإجازة شرطا بوجودها الدهري، فهو مندفع بان شرط الزماني لا بد و ان يكون زمانيا، فلم يبق من معاني الكشف الا المعني الثالث، و هو الكشف عن الأثر.

فقد استدل له: بان الإجازة متعلقة بالعقد، و هي رضا بمضمونه، و ليس الا النقل من حينه،

و هذا الوجه قد استدل به للقول الأخير الذي هو برزخ بين النقل و الكشف و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

الأول: في امكان كل من القولين أي المعني الثالث و القول الاخير.

الثاني: في تمامية هذا الوجه.

الثالث: في انه علي فرض التمامية، هل يثبت به الأول، أو الثاني؟ اما الأول: فغاية ما قيل في وجه امتناع الأول: انه يستلزم القول بالشرط المتأخر،

و الشرط لا يتأخر، و الا لزم تأثير المعدوم في الموجود أو عدم التأثير، و الأول محال، و الثاني خلف و الجواب عن ذلك في الاصول، و قد اشبعنا الكلام فيه في زبدة الاصول.

و اجماله: ان الشرط بنفسه ليس دخيلا في المصلحة و الحكم، بل التقيد به دخيل فيهما، و هو بوجوده الخارجي طرف لما يكون دخيلا في الموضوع و هو التقيد به، و التقيد عبارة عن اضافة خاصة حاصلة للشي ء إذا لوحظ مع غيره، و تلك الاضافة تحصل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 75

______________________________

إذا لوحظ مع المتأخر، كما تحصل إذا لوحظ مع

المقارن، و علي التقديرين هو مقارن له،

مثلا في العرفيات الحمامي انما يرضي بالتصرف في الحمام و صرف الماء لمن يعطي الفلوس فيما بعد خروجه، فمن علم من حاله انه يعطيه بعد الخروج- بما انه بالفعل مقيد بهذا و يتصف به- يجوز له التصرف فيه.

و بالجملة: حصول امر اعتباري اضافي من جهة تحقق المتأخر في ظرفه واضح، و دخل العناوين الاعتبارية الاضافية في المصالح و الأحكام في غاية الوضوح، فلا محذور في الشرط المتأخر اصلا.

و أما القول الثاني: و هو كون اعتبار الملكية بعد الإجازة و المعتبر سابقا. توضيحه:

ان اعتبار الملكية و حصول الملكية كما يمكن اجتماعهما بحسب الزمان، كذلك يمكن افتراقهما بان يكون الاعتبار فعلا و المعتبر في زمان لاحق، أو في زمان سابق. إذ الاعتبار خفيف المئونة و يكون نظير التصور و اللحاظ، و يصح تعلقه بامر متأخر أو متقدم إذا كان هناك مصحح له و لم يترتب عليه محذور، و لذا بنينا علي صحة اعتبار ملك المعدوم و الملك للمعدوم، و لا يتوقف الاعتبار الا علي اثر مصحح له، ففي المقام تعتبر الملكية بعد تحقق الإجازة لمن انتقل عنه و بعد الإجازة لمن انتقلت إليه.

فقد قيل في وجه عدم امكانه امور:

الأول انه يلزم كون المال ملكا لمالكين في زمان واحد، و هذا غير معقول.

و فيه: انه حيث يكون زمان الاعتبار متعددا فلا محذور في اجتماع ملكيتين في زمان واحد.

و ان شئت قلت: ان الاعتبار خفيف المئونة، فيمكن اعتبار شي ء واحد لشخصين مع تعدد زمان الاعتبار.

الثاني انه بناء علي مسلك العدلية من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد، اعتبار كون العين لمن انتقلت عنه الي حين الإجازة لا محالة يكون لمصلحة داعية الي ذلك

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 4، ص: 76

الا ان مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتي يتعلق الاجازة و الرضا بذلك النقل المقيد يكونه في ذلك الحال، بل هو نفس النقل (1) مجردا عن ملاحظة وقوعه في زمان، و انما الزمان من ضروريات انشائه، فإن قول العاقد بعت ليس نقلت من هذا الحين و ان كان النقل المنشئ به واقعا في ذلك الحين، فالزمان ظرف للنقل لا قيد له، فكما ان انشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان

______________________________

و معه كيف يمكن اعتبار ملكيتها لمن انتقلت إليه في ذلك الزمان بعد كون المصلحة من الأمور الواقعية.

و فيه: ان الأحكام الوضعية تابعة لمصالح في الاعتبارات لا في المعتبر، فلا يلزم الاجتماع.

الثالث: انه يلزم التعارض بين الآثار، مثلا إذا كان للعين منافع و استوفاها الغير مقتضي الاعتبار الأول كون عوضها لمن انتقلت عنه فيكون ضامنا له، و مقتضي الاعتبار الثاني كونه لمن انتقلت إليه و كونه ضامنا، و هكذا.

و فيه: ان الآثار غير الباقية لا كلام فيها، و الباقية مترتبة علي الاعتبار الثاني و هو الميزان: و في المثال يحكم بكونه ضامنا للثاني فتحصل: ان الأظهر معقوليتهما معا.

و أما المورد الثاني: فمحصل الدليل المشار إليه: ان العاقد الفضولي كغيره من العاقدين يقصد النقل من زمان العقد و ينشأ ذلك، و الإجازة من المالك تتعلق بتمام ما انشأه الفضولي لا بعضه، و دليل صحة بيع الفضولي انما يدل علي صحة عقد الفضولي الذي اجازه المالك و وقوعه، فتكون النتيجة هو الكشف.

و اورد عليه المصنف قدس سره بايرادات:

(1) الأول: ان مضمون العقد ليس هو النقل من حينه بل اصل النقل، و انما يحكم بوقوعه من ذلك الحين فيما إذا كان العاقد

هو المالك من جهة وقوع الانشاء الذي هو العلة في ذلك الحين، و المعلول لا يتخلف عن علته.

و بعبارة اخري: مضمون العقد هو النقل غير المقيد بالزمان، و انما الزمان ظرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 77

يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (1) فكذلك، اجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة، و كما أن الشارع إذا أمضي نفس العقد وقع النقل من زمانه، فكذلك إذا امضي إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة و لأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضي القبول وقوع الملك من زمان الايجاب، مع انه ليس الا رضا بمضمون الايجاب، فلو كان مضمون الايجاب النقل من حينه، و كان القبول رضا بذلك كان معني امضاء الشارع للعقد الحكم بترتب الاثر من حين الايجاب لان الموجب ينقل من حينه و القابل يتقبل ذلك و يرضي به.

و دعوي ان العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه مدفوعة بأن سببيته للملك ليست الا بمعني امضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركبا من نقل في زمان و رضاء، بذلك النقل كان مقتضي العقد الملك بعد الايجاب، و لأجل ما ذكرنا ايضا لا يكون فسخ العقد الا انحلاله من زمانه (2) من زمان العقد، فإن الفسخ نظير الاجازة و الرد لا يتعلق الا بمضمون العقد، و هو النقل من حينه، فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد علي وجه القيدية

______________________________

له لا قيد، و استشهد لذلك بامرين احدهما:

(1) ان القبول حاله حال الإجازة في كونه رضا بمضمون الايجاب، مع انه لم يقل احد بالكشف فيه.

ثانيهما:

(2) ان الفسخ للعقد انما يكون نظير الإجازة متعلقا بمضمون العقد، فلو كان زمان وقوع العقد ماخوذا في العقد

علي وجه القيدية لكان فسخه موجبا للحكم بعدم ترتب الآثار من حين العقد، مع انه لم يقل به احد.

و لكن يرد عليه قده: ان العاقد الملتفت بحسب الطبع إذا لم ينشأ النقل في زمان متأخر لا محالة يكون قاصدا الي النقل من حين العقد، و انما لا يذكره في الانشاء اعتمادا علي ما يقتضيه اطلاق العقد، كيف و لو كان قاصدا لمجرد النقل المهمل من حيث الزمان لم يكن وجه لوقوعه من حين العقد، و مجرد وقوع الانشاء في زمان لا يكفي في وقوع المنشأ من ذلك الحين، فان الانشاء سبب لوقوع مضمونه، و المفروض انه النقل علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 78

لكان رده و حله موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد و السر في جميع ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل الا ظرفا، فجميع ما يتعلق بالعقد من الارضاء و الرد و الفسخ انما يتعلق بنفس المضمون دون المقيد بذلك الزمان.

و الحاصل انه لا إشكال في حصول الاجازة بقول المالك (1) رضيت بكون مالي لزيد بازاء، ماله أو رضيت بانتقال مالي الي زيد و غير ذلك من الالفاظ التي لا تعرض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه، كيف و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها اجازة منها و نحو ذلك.

و من المعلوم ان الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي و بتقرير آخر ان الاجازة من المالك قائمة مقام رضاه، و اذنه المقرون بانشاء الفضولي أو مقام نفس انشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد الا بعد الاجازة، فهي اما شرط أو جزء سبب للملك، بعبارة اخري المؤثر هو العقد المرضي به و المقيد من حيث انه مقيد لا

يوجد الا بعد القيد و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيد المجردة عن القيد،

______________________________

سبيل الإهمال لا من حينه، فيتوقف وقوعه من حينه علي مرجح يقتضيه، مع انه يفرض الكلام فيما إذا انشأ النقل من حين العقد.

و أما ما ذكره من الشاهدين فيرد علي الأول منهما: انه ان قلنا بان القبول انشاء للتملك فالفرق بينه و بين الإجازة واضح، و ان قلنا انه رضا بمضمون الايجاب فلا محذور في الايجاب، الا انه بناء علي اعتبار الموالاة بين الايجاب و القبول قليل الفائدة، اي لا فرق بين وقوعه من حين الايجاب أو من حين القبول غالبا.

و أما الشاهد الثاني فيرد عليه: ان الفسخ هو حل العقد بقاء لا من حين تحقق العقد.

(1) قوله و الحاصل انه لا إشكال في حصول الاجازة بقول المالك رضيت هذا ليس حاصلا لما تقدم بل هو جواب آخر، ه لصحمو:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 79

و ثانيا انا لو سلمنا عدم كون الاجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه علي المشروط و لا جزء سبب، و إنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق و جاعلة له سببا تاما حتي كأنه وقع مؤثرا فيتفرع عليه ان مجرد رضا المالك بنتيجة العقد اعني محض الملكية من غير التفات الي وقوع عقد سابق ليس باجازة لان معني اجازة العقد جعله جائزا نافذا ماضيا لكن نقول لم يدل دليل علي امضاء الشارع لإجازة المالك علي هذا الوجه (1) لأن وجوب الوفاء بالعقد تكليف بتوجه إلي العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد و النذر.

و من المعلوم ان المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته الا بعد الاجازة فلا يجب الوفاء الا بعدها.

و من المعلوم ان الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي

فما لم يجب الوفاء فلا ملك و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود بدعوي أن الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد و قس علي ذلك ما لو كان دليل الملك عموم احل الله البيع فإن الملك ملزوم لحلية التصرف فقبل الاجازة لا يحل التصرف خصوصا إذا علم عدم رضا المالك باطنا أو تردده في الفسخ و الإمضاء.

______________________________

انه لو سلم كون انشاء الفضولي متعلقا بالنقل من حينه، الا ان الإجازة ليست متعرضة لإنشاء الفضولي و انما هي عبارة عن الرضا بالنقل و المبادلة، فتكون مؤثرة في النقل من حينها.

و فيه: ان الرضا بالمبادلة ما لم يكن رضا بما انشأه الفضولي لا يكون كافيا، و انما يبني علي كفاية الكاشف عن الرضا، من قبيل: رضيت بكون مالي لزيد بازاء ماله، من جهة كونه رضا بما انشأه الفضول بالالتزام، و الا لم يكن كافيا.

(1) الايراد الثاني: انه لو سلم كون العقد انشاء للنقل من حينه، و الاجازة متعلقة بهذا، الا انه لا دليل علي صحة هذا العقد المجاز بهذا النحو، فان خطابات الامضاء من قبيل) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» انما تتوجه الي العاقدين، و المالك انما يصير

______________________________

(1) المائدة، آية 2.

(2) البقرة، 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 80

و ثالثا: سلمنا دلالة الدليل علي امضاء الشارع لإجازة المالك علي طبق مفهومها اللغوي و العرفي اعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا بتقريب ان يقال ان معني الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤداه العرفي فإذا صار العقد بالاجازة كانه وقع مؤثرا ماضيا كان مقتضي العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه فيجب شرعا العمل به علي هذا الوجه،

لكن نقول بعد الاغماض عن ان مجرد كون الاجازة بمعني جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب كون مقتضي العقد و مؤداه العرفي ترتب الاثر من حين العقد كما ان كون مفهوم القبول رضاء بمفهوم الايجاب و امضاء له لا يوجب ذلك حتي يكون مقتضي الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الايجاب فتأمل.

إذ هذا المعني علي حقيقة غير معقول لان العقد الموجود علي صفة عدم التأثير (1) يستحيل لحوق صفة التأثير له

______________________________

عاقدا من حين الإجازة، فتلك الخطابات تتوجه إليه من حين الإجازة، فالأحكام التكليفية انما تكون ثابتة من حينها، و قبلها لا يجب الوفاء بالعقد و لا يحل التصرف له، و الملكية انما تكون منتزعة منها فكيف يمكن الحكم بتحققها من قبل الإجازة، و الأمر الانتزاعي لا يتقدم علي منشأ انتزاعه.

و فيه: ان هذا الوجه يصلح ردا للكشف عن الأثر، و لا يصلح جوابا عمن يلتزم بكون اعتبار الملكية انما يكون من حين الإجازة، الا ان المعتبر هو امر من حين العقد، الا علي مسلكه قده من انتزاعية الأحكام الوضعية عن الأحكام التكليفية. و أما بناء علي كونها مجعولات بالاستقلال- كما حققناه في محله- فلا يتم هذا الجواب، فان الحكم التكليفي و ان كان من حين الإجازة، الا انه لا مانع من الالتزام بثبوت الحكم الوضعي بالنحو المتقدم من حين العقد. فتدبر.

(1) الايراد الثالث: انه لو سلم جميع الامور المشار إليها- من كون العقد انشاء للنقل من حينه- و من ان الإجازة انفاذ لذلك- و الادلة تدل علي صحة هذا لعقد المجاز الا انه لعدم معقولية ذلك فانه يستلزم انقلاب العقد عما وقع عليه من عدم التأثير الي التأثير و هو محال- فلا بد من

صرف الدليل عن ظاهره و حمله علي الكشف الحكمي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 81

لاستحالة خروج الشي ء عما وقع عليه، فإذا دل الدليل الشرعي علي امضاء الاجازة علي هذا الوجه الغير المعقول، فلا بد من صرفه بدلالة الاقضاء الي ارادة معاملة العقد بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة،

فإذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الي المشتري و ان كان اصل الملك قبل الاجازة للمالك و وقع النماء في ملكه.

و الحاصل انه يعامل بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه بالنسبة الي ما امكن من الآثار، و هذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات، و سيأتي الثمرة بينه و بين الكشف الحقيقي و لم اعرف من قال بهذا الوجه من الكشف الا الأستاذ شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته و الا فظاهر كلام القائلين بالكشف ان الانتقال في زمان العقد، و لذا عنون العلامة رحمهم الله: في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله و في زمان الانتقال اشكال فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال، و قد تحصل مما ذكرنا ان كاشفية الاجازة علي وجوه ثلاثة، قال بكل منها قائل:

احدها: و هو المشهور الكشف الحقيقي و التزام كون الاجازة فيها شرطا متأخرا.

و لذا اعترضهم جمال المحققين في حاشيته علي الروضة بأن الشرط لا يتأخر.

______________________________

و فيه: ان انقلاب العقد عن كونه غير مؤثر الي صيرورته مؤثرا امر لا بد منه حتي علي القول بالنقل، فان ذلك من لوازم دخل الإجازة في تأثيره، و انما الخلاف في ان اثر هذا العقد المجاز هل هو النقل من حين الإجازة- كما يقول به القائل بالنقل- أو من

حين العقد علي نحو كون الاعتبار لاحقا، و المعتبر سابقا.

فتحصل مما ذكرناه: تمامية هذا الوجه.

و بما ذكرناه ظهر الكلام في المورد الثالث، و انه انما يدل علي الكشف بالمعني الذي اختاره المحقق الخراساني و تبعه جمع من الأساطين، و خلاصة الكلام: ان ادلة الامضاء انما تدل علي إمضاء العقد المجاز بما له من المدلول، و هو ما ذكرناه.

هذا كله فيما تقتضيه القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 82

و الثاني: الكشف الحقيقي و التزام كون الشرط تعقب العقد بالاجازة لا نفس الاجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد.

الثالث: الكشف الحكمي و هو اجراء احكام الكشف بقدر الامكان مع عدم تحقق الملك في الواقع الا بعد الاجازة، و قد تبين من تضاعيف كلماتنا ان الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل، ثمّ بعده الكشف الحكمي. و أما الكشف الحقيقي مع كون نفس الاجازة من الشروط فاتمامه بالقواعد في غاية الاشكال، و لذا استشكل فيه العلامة في القواعد، و لم يرجحه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد بل عن الايضاح اختيار خلافه تبعا للمحكي عن كاشف الرموز و قواه في مجمع البرهان و تبعهم كاشف اللثام في النكاح، هذا بحسب القواعد و العمومات. و أما الاخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف (1) كما صرح به في الدروس. و كذا الاخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور (2)

______________________________

(1) قوله اما الاخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف.

لاحظ صحيح محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال قضي في وليدة باعها ابن سيدها و ابوه غائب فاشتراه رجل فولدت منه غلاما ثمّ قدم

سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال عليه السلام: خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلما اخذ البيع الابن قال ابوه ارسل ابني فقال لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني، فلما رأي ذلك سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «1»

و دلالة هذا الخبر علي الكشف واضحة من جهة الحكم بعدم ضمان قيمة الولد في صورة الاجازة مع انه علي النقل كان اللازم الحكم بالضمان الا ان المصنف.

(2) قال لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور.

و لكن يمكن ان يقال انه بضميمة قاعدة من اتلف ظاهر في الكشف الحقيقي، فانه لو كانت الوليدة الي حين الإجازة باقية علي ملك مالكها كان الحكم بالضمان منافيا لتلك القاعدة، فبعين البرهان الذي ذكره لاستفادة الكشف من خير ابي عبيدة يستفاد

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 83

فيحتمل الكشف الحكمي. نعم صحيحة ابي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي اجاز فمات للزوجة الغير المدركة حتي تدرك و تحلف ظاهر في قول الكشف، إذ لو كان مال الميت قبل اجازة الزوجة باقية علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس علي اموالهم، (1) فإطلاق الحكم بالعزل منضما الي عموم الناس مسلطون علي أموالهم يفيد أن العزل لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثة في الواقع فكأنه احتياط في الأموال، قد غلبه الشارع علي اصالة عدم الاجازة كعزل نصيب الحمل و جعله اكثر ما يحتمل.

______________________________

الكشف الحقيقي من هذا الصحيح، و حيث عرفت ان المعقول من الكشف هو الكشف في المعتبر، و الصحيح قابل للحمل

عليه، فيحمل عليه.

و يشهد له ايضا خبر ابي عبيدة «1» الوارد في تزويج الصغيرين فضولا، الآمر بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي اجاز فمات للزوجة غير المدركة حتي تحلف بعد الادراك، فقد افاد المصنف قدس سره في وجه دلالته علي الكشف.

(1) ان مال الميت لو كان قبل الإجازة باقيا علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالف القاعدة تسلط الناس علي اموالهم، «2» فهو بضميمة قاعدة السلطنة يدل علي الكشف.

و اورد عليه السيد و تبعه المحقق الايرواني قدس سره: بانه لا محيص عن مخالفة احدي القاعدتين، اما قاعدة السلطنة ان قلنا بالنقل، أو عموم دليل الاستصحاب ان قلنا بالكشف، فترجيح احدي القاعدتين علي الأخري بلا مرجح.

و فيه: ان مخالفة عموم دليل الاستصحاب لا محيص عنها علي القولين، إذ لو قلنا بالنقل و انها ترث بعد الإجازة كان العزل منافيا لأصالة عدم الإجازة.

و يمكن ان يذكر وجه آخر لدلالته علي الكشف، و هو: انه لو قلنا بالنقل فإن بنينا علي انتقال المال كلا الورثة و ان الزوجة تتلقي نصيبها من سائر الورثة لزم مخالفة

______________________________

(1) الوسائل، باب 11، من ابواب ميراث الأزواج حديث 1.

(2) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 84

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل (1) فنقول:

______________________________

قاعدة الارث المقتضية لتلقي النصيب من الميت، و ان بنينا علي بقاء مقدار نصيبها علي ملك الميت لزم مخالفة قاعدة ما تركه الميت فلوارثه «1» و هذا بخلاف ما لو بنينا علي الكشف كما هو واضح.

فتحصل: ان القول بالكشف في المعتبر هو الذي تقتضيه القواعد و الأدلة، الخاصة،

فعليه الفتوي.

الثمرة علي القول بالكشف أو النقل

(1) بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل و تنقيح

القول في المقام بالبحث في مقامات:

الأول: في تصرف كل منهما في ما انتقل إليه.

الثاني: في تصرف كل منهما فيما انتقل عنه.

الثالث: في سائر الآثار من النماء و غيره.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موارد.

: (1) في الحكم التكليفي: (2) في الحكم الوضعي: (3) في الآثار الاخر المترتبة علي الملك.

و ليعلم ان الكلام في المقام يقع في تصرف الأصيل، و أما تصرف المالك الذي وقع العقد علي ماله فضولا فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالي.

اما المورد الأول: فعلي القول بالكشف الحقيقي باحتمالاته- من شرطية التعقب،

أو شرطية اللحاظ، أو شرطية الإجازة نفسها بنحو الشرط المتأخر، أو الكشف المحض- يجوز التصرف ان اجاز المالك لفرض وقوعه في ملكه.

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1 ص 406.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 85

اما الثمرة علي الكشف الحقيقي. بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و لحوقها له، فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بانشاء الفضولي إذا علم اجازة المالك فيما بعد. (1)

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي مع كون نفس الاجازة شرطا يظهر في مثل ما إذا وطي المشتري الجارية قبل اجازة مالكها فأجاز، فإن الوطي علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه، (2) و لو

______________________________

(1) و ما افاده المصنف قدس سره من الفرق في جواز التصرف بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و الحكم بجواز التصرف علي الثاني دون الاول، ان اراد شرطيتها علي سبيل الانقلاب فهو حق كما ستعرف، الا انه لا يلائم مع ما افاده بعد سطرين.

(2) من جواز الوطء واقعا علي الكشف

الحقيقي مطلقا كما لا يخفي.

و ان اراد شرطيتها علي نحو الشرط المتأخر فهو غير صحيح، إذ جواز التصرف من آثار الملك، و المفروض حصوله من حين العقد علي هذا المسلك ايضا،

و علي القول بالنقل، و الكشف الانقلابي، و الكشف الذي اخترناه، و الكشف الحكمي لا يجوز لفرض عدم حصول الملك قبل الإجازة، و تحقق الملك بعد الإجازة و لو من حين العقد بنحو الانقلاب أو النحو المعقول لا يوجب انقلاب التصرف الذي وقع غير جائز عن ما وقع عليه هذا في الحكم الواقعي،

و أما في الظاهر فان علم بالإجازة جاز التصرف ظاهرا- علي فرض جوازه واقعا- و ان لم يعلم به لم يجز لأصالة عدم تحقق الإجازة، بناء علي ما هو الحق من جريان الاستصحاب في الامور الاستقبالية.

و أما المورد الثاني: فعلي القول بالكشف بالنحو الذي اخترناه، فبيعه يكون من قبيل من باع شيئا ثمّ ملك، و كذلك ما شابهه، و أما الطلاق فلا ينبغي الأشكال في فساده لعدم علقة الزوجية حينه، و كذلك الكلام علي الكشف بمعني الانقلاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 86

اولدها صارت ام ولد علي الكشف الحقيقي و الحكمي، لان مقتضي جعل العقد الواقع ماضيا ترتب حكم وقوع الوطي في الملك، و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك، و ان حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك و لو نقل المالك أم الولد

______________________________

و أما علي الكشف الحكمي فلا بد من البناء علي نفوذ تصرفاته بعد الإجازة و ان وقعت غير نافذة حين وقوعها، و أما علي سائر وجوه الكشف فلا ريب في نفوذها، كما لا ريب في عدم النفوذ علي القول بالنقل.

و أما المورد الثالث: فلو اولد المشتري

الجارية قبل اجازة مالكها، فعلي القول بالكشف الحقيقي بنحو الكشف المحض، أو الكشف عن مقارنة الشرط، أو الكشف عن الأثر، صارت ام ولد لوقوع الوطء في ملكه،

و علي القول بالنقل لا يتحقق الاستيلاد بلا كلام.

و أما علي الكشف الانقلابي، و الكشف الذي اخترناه فالأظهر عدم تحقق

الاستيلاد، إذ الإجازة علي القولين توجب الملكية حقيقة في الزمان الذي لم يكن الملك موجودا، و هذا لا يوجب انقلاب الوطء- و عليه فلا يتحقق الاستيلاد.

و أما علي الكشف الحكمي فالظاهر هو البناء علي تحقق الاستيلاد، فان الوطء و ان وقع في ملك الغير، الا انه حيث دل الدليل علي ترتيب جميع آثار الملك و من جملتها الآثار المترتبة علي وقوع الوطء في الملك من عدم جواز بيع الام و حرمة الولد، فيجب ترتيبها، و علي هذا فلا وجه لأحتمال عدم تحقق الاستيلاد علي الكشف الحكمي كما في المتن.

و اوضح اشكالا من ذلك البناء علي تحقق الاستيلاد علي الكشف الحقيقي بوجوهه لما عرفت.

و أما المقام الثاني: و هو تصرف كل منهما فيما انتقل عنه،

فالكلام فيه يقع في موردين:

الاول: في تصرف المجيز.

الثاني: في تصرف الأصيل.

و محل الكلام التصرف المخرج عن الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 87

عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل علي الكشف الحقيقي (1) لانكشاف وقوعه في ملك الغير (2) مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد. و بقي صحيحا علي الكشف الحكمي و علي المجيز قيمتها لأنه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه. و مقتضي صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلقه بنقل لازم و ضابط الكشف الحكمي الحكم بعد الاجازة بترتيب آثار ملكية المشتري من حين العقد،

فإن ترتب شي ء من آثار ملكية المالك قبل اجازته كإتلاف النماء، و نقله و لم يناف الاجازة جمع بينه و بين مقتضي الاجازة بالرجوع الي البدل و ان نافي الاجازة كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق فات محلها مع احتمال الرجوع الي البدل و سيجي ء،

______________________________

اما المورد الاول: فمن حيث الحكم التكليفي لا كلام في الجواز علي جميع الأقوال- و ستعرف وجهه- و أما من حيث الحكم الوضعي- فالأقوال فيه اربعة:

الأول: النفوذ مطلقا، اختاره جمع منهم السيد و المحقق النائيني قدس سره.

الثاني: عدم النفوذ علي الكشف مطلقا، ذهب إليه جمع منهم المحقق الايرواني الثالث: النفوذ مع بقاء قابلية عقد الفضولي لأن يجاز فيجمع بينهما بان علي المجيز القيمة.

(1) الرابع: ما في المكاسب، و هو بطلان النقل علي الكشف الحقيقي، و صحته علي الكشف الحكمي مع البناء علي عدم قابليته للإجازة إذا كان التصرف من قبيل اتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق، و بقاء لقابلية و الحكم بصحة الإجازة ان كان بنحو لا ينافيها كإتلاف النماء و نقله.

و قد افاد في وجه بطلان النقل علي الكشف الحقيقي

(2) انه بالاجازة ينكشف وقوع النقل في ملك الغير، و في وجه صحته علي الكشف الحكمي و نفوذ الإجازة مع رجوع المشتري الي المجيز بالقيمة ان لم يكن التصرف بالإتلاف بانه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه، و صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، و في وجه عدم ماضيا من حين وقوعه، و صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، و في وجه عدم صحة الإجازة علي الكشف الحكمي ان كان التصرف بالإتلاف بانه بفوت محل الاجازة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 88

______________________________

و في كلامه قده

مواقع للنظر:

اما ما افاده اولا: فلأن العقد الصادر من الفضولي لا يكون مؤثرا وحده في لزوم التزام المالك بمفاده، فهو بعد في سعة من ذلك، فلو نقله بعقد لازم شمله ادلة ذلك العقد و يجب الوفاء به، و بعده لا يبقي مورد للإجازة لخروجه عن ملكه، و تلك الإجازة الواقعة في غير ملكه لا تصلح ان تؤثر في نقل المال قبل ذلك النقل عن ملكه كي يصير نقلا لمال الغير.

و بالجملة: الإجازة المؤثرة هي ما تكون صادرة ممن بيده زمام المال، فإذا فرض خروجه عن ملكه بعقد لازم قبلها فلا يبقي لها محل، و معه لما اثرت شيئا.

و أما ما افاده ثانيا: فلأنه إذا فرضنا صحة الإجازة كان اللازم ترتيب جميع آثار ملك الاصيل من حين العقد و من جملتها فساد العقد الواقع عليه من المجيز قبل الإجازة،

فالفرق حينئذ بين الكشف الحقيقي و الحكمي في غير محله.

و أما ما افاده ثالثا: فلأنه لم يظهر لنا الفرق بين العتق الذي هو اتلاف للمال شرعا، و بين النقل و اخراجه عن ملكه، حيث حكم في الأول بفوات محل الإجازة دون الثاني.

و بالجملة: فوات محل الإجازة انما يدور مدار الخروج عن الملك المشترك بين الموردين، و خروجه عن المالية غير دخيل في ذلك.

فتحصل: ان الاظهر هو نفوذ النقل مع فوات محل الإجازة، ثمّ عدم النفوذ علي القول بالكشف الحقيقي و الحكمي.

و لا يخفي انه بحسب ما رتبنا المطالب و عناوينها المناسب هو البحث في المورد الثاني و لكن لما قدم المصنف المباحث المربوطة بالمقام الثالث و لذلك تسهيلا للطالب نقدم البحث فيه، و بعده نرجع الي المبحث في المورد الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 89

ثمّ انهم ذكر و

الثمرة بين الكشف و النقل مواضع.

منها النماء فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين، و علي النقل لمن انتقلت عنه (1) و للشهيد الثاني في الروضة عبارة (2) توجيه المراد منها، كما فعله بعض اولي من توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر.

______________________________

و أما المقام الثالث: فمحل الكلام امران:

الأول: النماء.

الثاني: فسخ الأصيل

(1) اما الاول: ففي المكاسب: فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقلت إليه العين، و علي النقل لمن انتقلت عنه.

و لكن: ما افاده يتم علي النقل، لأن النماء تجدد في ملك من انتقلت عنه، و كذا يتم

علي الكشف غير الكشف الانقلابي و الكشف الذي بنينا عليه لتجدده في ملك من انتقلت إليه، و لا يتم علي هذين المسلكين لأن العين باقية علي ملك من انتقلت عنه الي حين الإجازة، فالنماء تجدد في ملكه، و الإجازة توجب انقلاب العقد الموجب لانقلاب الملكية أو اعتبار الملكية السابقة و هذا لا يوجب انقلاب وقوع النماء، لأن اعتبار الملكية وارد علي وقوع النماء لا ان النماء وارد عليه.

(2) قوله و للشهيد الثاني قدس سره في الروضة عبارة هي هذه: و تظهر الفائدة في النماء، فان جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد و الإجازة الحاصل من البيع للمشتري و نماء الثمن المعين للبائع، و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز.

و قد وجه مراده بعض: بان مفروض كلامه الفضولي من الطرفين، و مراده من المالك المجيز هو الجنس.

و وجه آخر حكمه بكون النماءين للمالك المجيز: بان نماء ماله له لتجدده في ملكه، و نماء المال الذي انتقل إليه انما يكون له لأن صاحبه سلطه عليه. و المصنف استحسن التوجيه الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 90

و منها ان فسخ

الاصيل لإنشائه قبل اجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف (1) بمعني انه لو جعلناها ناقلة. كان فسخ الاصيل كفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت كاشفة، فإن العقد تام من طرف الاصيل (2) غاية الامر تسلط الآخر علي فسخه، و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه،

بل قبل تحقق شرط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة، فلا يرد ما اعترضه بعض من منع جواز الابطال علي القول بالنقل (3) معللا بأن ترتب الاثر علي جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من احكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه، و فيه ان عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط

______________________________

(1) و أما الفسخ: فقد يقال: ان فسخ الاصيل قبل الاجازة مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف.

(2) و استدل له: بان الفسخ علي الاول يكون كفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه، و علي الثاني يكون فسخا بعد تمامية العقد من ناحيته.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما نقله المصنف قدس سره عن بعض و تبعه جمع من المحشين، و هو

(3) انه لا دليل علي جواز الرجوع عن الانشاء قبل استكمال اجزاء ما هو مؤثر في حصول النقل، و انما الدليل و هو الإجماع مختص بالرجوع المتخلل بين اجزاء العقد التي هي الايجاب و القبول.

و فيه: انه يمكن ان يستدل له بدليل السلطنة «1» بعد فرض كونه باقيا علي ملكه.

و دعوي انه تصرف في العقد لا المال فلا يشمله دليل السلطنة.

مندفعة بان نتيجة عدم ثبوت هذا الحق له بما انها خروج المال عن ملكه مع عدم

رضاه فهو ينافي السلطنة المطلقة الثابتة للمالك.

و بالجملة: مقتضي عموم دليل السلطنة كما يكون جواز نقله عن ملكه، كذلك يكون جواز رفع اليد عن التزامه ما دام لم يخرج عن ملكه.

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 91

فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب،

فالاولي في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ باطلاقات صحة العقود و لزومها، و لا يخلو عن اشكال. (1)

و منها جواز تصرف الاصيل فيما انتقل عنه بناء علي النقل (2) و ان قلنا بأن فسخه غير مبطل لإنشائه، فلو باع جارية من فضولي جاز له وطأها و أن استولدها صارت ام ولد لانها ملكه

______________________________

و هذا البيان يجري علي القول بالكشف الانقلابي و الكشف المختار كما هو واضح، و لا يجري علي سائر وجوه الكشف.

ثانيهما: ان مقتضي عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود «1» عدم جواز رفع اليد عنه

(1) قال المصنف قدس سره و لا يخلو عن اشكال.

و الظاهر ان منشأ اشكاله ما سيذكره بعد اسطر من عدم تمامية موضوع وجوب الوفاء علي القول بالنقل قبل الإجازة.

فالحق انه علي القول بشمول ادلة لزوم العقد لإنشاء الأصيل ليس له فسخه، و علي القول بعدم الشمول- كما اخترناه- فعلي القول بالنقل و الكشف الانقلابي و الكشف المختار يكون فسخه نافذا لعموم دليل السلطنة، و علي ساير وجوه الكشف لا يكون كذلك لعدم الموضوع لدليل السلطنة و عدم الدليل علي جواز الفسخ و مقتضي الاستصحاب بقاء ما التزم به بعد الفسخ.

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه يقع من جهتين:

الأولي: في ان العقد من قبله هل يكون لازما ام لا؟ الثانية: في حكم تصرفاته علي كل

من القولين.

اما الجهة الاولي: ففيها اقوال:

الأول: اللزوم مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك، ذهب إليه جمع من الأساطين.

(2) الثالث: ما في المكاسب- و هو اللزوم علي القول بالكشف، و عدمه علي القول

______________________________

(1) المائدة، 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 92

و كذا لو زوجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير، فلو حصل الاجازة في المثالين لغت لعدم بقاء المحل قابلا.

و الحاصل أن الفسخ القولي و إن قلنا أنه غير مبطل لإنشاء الأصيل إلا أن له فعل ما ينافي انتقال المال عنه علي وجه يفوت محل الاجازة، فينفسخ العقد بنفسه بذلك و ربما احتمل عدم جواز التصرف علي هذا القول أيضا. لعله لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حق الاصيل و ان لم يجب في الطرف الآخر و هو الذي يظهر من المحقق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث قال: لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرف في العين لامكان الاجازة سيما علي القول بالكشف، انتهي.

و فيه ان الاجازة علي القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا أو شطرا فما لم يتحقق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء علي أحد المتعاقدين لأن المأمور بالوفاء هو العقد المقيد الذي لا يوجد الا بعد القيد و هذا كله علي النقل.

و أما علي القول بالكشف: فلا يجوز التصرف فيه علي ما يستفاد من كلمات جماعة كالعلامة و السيد العميدي و المحقق الثاني و ظاهر غيرهم، و ربما اعترض عليه بعدم المانع له من التصرف، لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له،

______________________________

بالنقل. و ليعلم ان كلامه في هذه المسألة مبتن علي الكشف الانقلابي.

و ملخص ما افاده في مقام الفرق بينهما: انه علي القول

بالنقل: الإجازة دخيلة شرطا أو شطرا في تأثير العقد، و يكون الموضوع لوجوب الوفاء العقد المقيد بالإجازة،

فقبل الإجازة لا يكون موضوع وجوب الوفاء متحققا لعدم تحقق شرطه و قيده.

و أما علي القول بالكشف: فالاجازة و ان كانت مؤثرة في الملكية و تكون سببا لصيرورة العقد سببا تاما للملك بنفسه، الا ان موضوع وجوب الوفاء هو العقد بلا ضم شي ء آخر إليه. و بعبارة اخري: تكون الإجازة علي هذا المسلك دخيلة في حصول الملك، الا انه حيث تكون هي بعنوان الامضاء و الإنفاذ فلا تكون دخيلة في موضوعيته لوجوب الوفاء، و علي هذا بني التفكيك بين الآثار المترتبة علي الملك و وجوب الوفاء بالعقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 93

و لذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا. نعم إذا حصل الاجازة كشفت عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال الي المجيز، فيأخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه، قال: نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف، انتهي. (1)

اقول مقتضي عموم وجوب الوفاء وجوبه علي الاصيل و لزوم العقد و حرمة نقضه من جانبه و وجوب الوفاء عليه ليس مراعي باجازة المالك، بل مقتضي العموم وجوبه حتي مع العلم بعدم اجازة المالك

______________________________

بمعني لزومه عليه و بهذا البيان يظهر اندفاع ما اورده السيد قده و تبعه غيره.

و لكن يرد عليه قده: ان الإجازة حتي علي الانقلاب انما توجب انتساب العقد الي المالك، و قبلها لا يكون هناك التزام من المالك بل من الفضولي، و علي ذلك فبما ان حقيقة العقد ربط احد الالتزامين بالآخر، و من المعلوم ان الأصيل انما يربط التزامه بالتزام المالك لا الفضولي، فقبل الإجازة لا يكون هناك عقد كي يجب الوفاء به

علي الأصيل، و بعبارة اخري: ان الفضولي ان اشتري للمالك، فالبائع الأصيل يربط التزامه بالتزام المالك،

فمع عدم الإجازة و عدم تحقق الالتزام منه لا يكون العقد متحققا، و ان اشتري لنفسه فالبائع و ان ربط التزامه بالتزامه الا انه يربط بما انه مالك، ففي الحقيقة يربط التزامه بالتزام المالك، فما لم يلتزم المالك لا يكون العقد متحققا، و معه لا معني لوجوب الوفاء به.

مع انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا صدق العقد علي التزام كل منهما و ان لم يكن مرتبطا بالآخر، الا ان التزام الأصيل بكون ماله لغيره ليس مطلقا بل يكون علي تقدير خاص و هو التزام طرفه بكون ماله له، فالالتزام فعلي الا ان الملتزم به معلق، و عليه فإذا علم بعدم الإجازة أو شك فيها و اجري استصحاب العدم لا يجب عليه الوفاء بالتزامه.

(1) فما نقله المصنف قدس سره من بعض معاصريه من التفصيل بين صورة العلم بالاجازة و

غيرها هو الصحيح علي هذا المسلك، و لا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 94

و من هنا يظهر انه لا فائدة في اصالة عدم الاجازة لكن ما ذكره البعض المعاصر صحيح علي مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالاجازة لعدم احراز الشرط مع الشك، فلا يجب الوفاء به علي احد من المتعاقدين و أما علي المشهور في معني الكشف من كون نفس الاجازة المتأخرة شرطا لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما، فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد. و قد تحقق، فيجب علي الاصيل الالتزام به و عدم نقضه الي ان ينقض فإن رد المالك فسخ العقد من طرف الاصيل كما ان

اجازته امضاء له من طرف الفضولي.

و الحاصل انه إذا تحقق العقد، فمقتضي العموم علي القول بالكشف المبني علي كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي ء شرطا أو شطرا حرمة نقضه علي الاصيل مطلقا، فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة بمعني عدم اجتماعه مع صحة العقد فهو غير جائز

______________________________

مع انه لو اغمض عن ذلك كله و سلم ما افاده لما كان وجه للفرق بين النقل و الكشف، إذ الإجازة علي النقل حينئذ دخيلة في حصول الملك لا في وجوب الوفاء كما لا يخفي.

و بما ذكرناه ظهر أن ما افاده المحقق النائيني قدس سره من وجوب الوفاء مطلقا- من جهة ان وجوب الوفاء متفرع علي العقد لا الملك، و المفروض في باب الفضولي ان العقد تام و لو لم يكن مؤثرا، و لا ينافي وجوب الالتزام علي شخص عدم وجوبه علي الآخر، فان التزام احدهما غير منوط بالتزام الآخر، لأن مقتضي مقابلة الجمع بالجمع في الآية الشريفة التوزيع، فكل واحد ملتزم بالوفاء بالعقد من طرفه غير تام للإيرادين الأولين اللذين اوردناهما علي الشيخ قدس سره.

فتحصل: ان الأظهر عدم لزوم العقد علي الأصيل،: فله فسخ العقد قبل الإجازة.

ثمّ ان المنسوب الي بعض الأعلام من تلامذة الشيخ قدس سره الايراد عليه:

بان تمسكه بعموم) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 95

و من هنا تبين فساد توهم ان العمل بمقتضي العقد كما يوجب حرمة تصرف الاصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لان مقتضي العقد مبادلة المالين فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه ينافي مقتضي العقد اعني المبادلة توضيح

الفساد ان الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم علي نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطي عنه، و هذا لا يدل الا علي حرمة التصرف في ماله حيث التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل. و أما دخول البدل في ملكه فليس مما التزمه علي نفسه، بل مما جعله لنفسه و مقتضي الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم علي نفسه. و أما قيد كونه بإزاء مال فهو خارج عن الالتزام علي نفسه، و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة فعلا و تركا الي ما يقتضيه الاصل، و هي اصالة عدم الانتقال، و دعوي ان الالتزام المذكور أنما هو علي تقدير الإجازة و دخول البدل في ملكه، فالالتزام معلق علي تقدير لم يعلم تحققه،

فهو كالنذر المعلق علي شرط حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه

______________________________

و يمكن توجيهه بانه لو سلم عموم العقد لالتزام الأصيل، لكن لا يجب الوفاء به لو فرضنا عدم الإجازة الي الابد اجماعا فهو خارج عن العموم فلو شك في الاجازة و عدمها يكون التمسك به تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

فلا يرد عليه ما افاده المحقق الأصفهاني كما يظهر لمن راجعه.

و أما الجهة الثانية: فعلي القول باللزوم لا تكون تصرفاته المخرجة للمال عن ملكه نافذة، لأنه مقتضي لزوم العقد عليه، و أما التصرفات غير المخرجة فحكمها حكم التصرفات المخرجة علي المختار. اما بناء علي المختار من عدم اللزوم عليه.

فعلي القول بالنقل و الكشف الانقلابي. و الكشف الذي اخترناه تكون تصرفاته باجمعها جائزة تكليفا و وضعا لكونها واقعة في ملكه، و المفروض عدم المنع عنها من قبل لزوم العقد، و الاجازة المتأخرة حتي علي

الكشف الصحيح لا توجب وقوعها في غير ملكه لورود الاعتبار عليها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 96

فكما أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا، فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الاجازة لا يعد نقضا، لما التزمه إذ لم يلتزمه في الحقيقة الا معلقا مدفوعة بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالاشكال أن الفرق بينهما أن الالتزام هنا غير معلق علي الإجازة، و إنما التزم بالمبادلة متوقعا للاجازة فيجب عليه الوقاء به و يحرم عليه نقضه الي ان يحصل ما يتوقعه من الاجازة أو ينقض التزامه برد المالك، و لأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الأصيل علي نفسه دون غيرها، قال في القواعد في باب النكاح، و لو تولي الفضولي احد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة، فإن كان زوجا حرمت عليه الخامسة و الاخت و الام و البنت الا إذا فسخت علي اشكال في الأم. و في الطلاق نظر لترتبه علي عقد لازم، فلا يبيح المصاهرة و إن كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ و الطلاق هنا معتبر، انتهي.

و عن كشف اللثام نفي الاشكال.

و قد صرح ايضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الاصيل، و فرعوا عليه تحريم المصاهرة. و أما مثل النظر الي المزوجة فضولا و إلي امها مثلا و غيره مما لا يعد تركه نقضا لما التزم العاقد علي نفسه فهو باق تحت الاصول، لأن ذلك من لوازم علاقة الزوجية الغير الثابتة، بل المنفية بالاصل فحرمة نقض العاقد لما عقد علي نفسه لا يتوقف علي ثبوت نتيجة العقد. اعني علاقة الملك أو الزوجية بل ثبوت النتيجة تابع

لثبوت حرمة النقض من الطرفين.

______________________________

و هذا لا إشكال فيه، فلا يبقي محل للإجازة في التصرفات المخرجة عن الملك.

و أما علي ساير وجوه الكشف، فجواز التصرف واقعا و عدمه يدوران مدار الإجازة و عدمها، إذ علي فرض الإجازة يكشف ذلك عن وقوعها في ملك الغير فلا يكون جائزا تكليفا و وضعا، و علي فرض عدمها يجوز هذا في الحكم الواقعي،

و أما الظاهري فالجواز و عدمه يدوران مدار العلم بالإجازة- و عدمه إذ علي الأول لا يجوز، و علي الثاني يجوز لأصالة عدمها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 97

ثمّ ان بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات اخر لا بأس بذكرها للتنبه بها،

و بما يمكن ان يقال عليها، منها: (1) ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين بموته قبل اجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره، مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل،

______________________________

ثمرات ذكرها بعض متأخري المتأخرين

و قد ذكر بعض متأخري المتأخرين ثمرات اخر لا بأس بذكرها للتنبه بها و بما يمكن ان يقال عليها:

(1) منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتعاملين بموته قبل اجازة الآخر و ما شاكل، فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل، و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف مثلا، و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة- شرائط المعاملة علي اقسام:

الأول: شرائط معروضها المتعاملان كالحياة و الإسلام في بعض الموارد.

الثاني: شرائط معروضها العوضان، كالملكية.

الثالث: شرائط العقد.

فالكلام يقع في مواضع:

الاول: فيما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين أو تجددت بعد العقد قبل الإجازة.

الثاني: فيما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف و نحوه أو تجددت.

الثالث: فيما لو ارتفعت شرائط العقد قبل الإجازة أو تجددت.

اما الموضع الأول: فالكلام فيه يقع

في موردين.

الأول: في الانسلاخ، فقد يقال انه علي الكشف يصح العقد لعدم المانع و العمومات تشمله، و علي النقل لا يصح لامتناع ترتب الاثر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 98

______________________________

و اعترض عليه بايرادين.

الأول: ما افاده صاحب الجواهر من انه علي الكشف ايضا يمكن ان يقال بالبطلان نظرا الي اعتبار استمرار القابلية، و لم يذكر هو في وجه هذا الاعتبار شيئا و لذا رده الشيخ بعدم الدليل عليه.

و قد ذكر السيد في وجهه: ان ادلة صحة عقد الفضولي قاصرة عن الشمول لهذه الصورة.

و لكن ما افاده يتم علي القول بكون صحة الفضولي علي خلاف القاعدة، و لا يتم علي القول بكونها علي القاعدة كما هو المختار، إذ الدليل حينئذ هو العمومات.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه علي النقل ايضا يصح، إذ المال ينتقل الي الوارث علي نحو كان للمورث، فسواء مات الاصيل أو من له الإجازة يبقي العقد علي حاله.

و فيه: انه بناء علي النقل يكون المال لورثة الاصيل، و انتقاله منهم الي المالك المجيز يحتاج الي الدليل، و بقاء التزام المورث الذي هو سبب النقل مما لم يدل عليه دليل. اما علي الكشف فالاجازة تكشف عن النقل في حال حياته و لا محذور فيه.

هذا في الموت، و أما في الكفر فثبوت الثمرة اوضح، فانه إذا فرضنا المبيع مصحفا و المشتري كان مسلما فكفر علي النقل، بما انه يلزم انتقال المصحف الي الكافر لا يصح، و علي الكشف يصير مالكا له حين ما كان مسلما و لا محذور فيه.

المورد الثاني: في تجدد القابلية بعد العقد، و هذا ينحصر مورده بالكفر كما لو كان المشتري للمصحف حين العقد كافرا فاسلم و اجاز مالك المصحف

بيعه، فعلي الكشف لا يصح لعدم قابليته للمالكية له في ذلك الزمان، و علي النقل من جهة الاثر- اي الملكية- لا مانع من صحة العقد، و سيأتي تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف قدس سره للمسألة بنحو الكلية و هي انه هل يعتبر واجدية العقد لجميع شروط الصحة ام لا؟.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 99

و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه الي غير ذلك (1) و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الاجازة بعد انعدامها حال العقد كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الاجازة، و فيما قارن العقد فقد الشروط، ثمّ حصلت و بالعكس، و ربما يعترض علي الأول بامكان دعوي ظهور الادلة في اعتبار استمرار القابلية الي حين الاجازة علي الكشف، فيكشف الاجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا الي حين الاجازة.

و فيه انه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية (2) و لا استمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة الي حينها، كما لو وقعت بيوع متعددة علي ماله، فإنهم صرحوا بأن اجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا،

و كما يشعر بعض اخبار المسألة المتقدمة حيث ان ظاهر بعضها و صريح الاخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الاجازة

______________________________

(1) الموضع الثاني: في ما لو انسلخت قابلية المنقول أو تجددت فالكلام فيه ايضا يقع في موردين:

الأول: في الانسلاخ، فقد يقال: انه علي الكشف يصح، و علي النقل لا يصح، إذ علي الكشف يكون الانتقال في زمان قابل له، و علي النقل في زمان لا يكون قابلا لذلك.

و اورد عليه صاحب الجواهر قدس سره: بانه علي الكشف ايضا يعتبر رضا المالك، و الفرض انتفاء

مالكيته بانتفاء قابلية العين لها.

و اجاب عنه لمصنف قدس سره باجوبة:

(2) الاول انه لا وجه لاستمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة الي حينها كما لو وقعت بيوع متعددة علي ماله، فانهم صرحوا بان اجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا.

و فيه: ان صاحب الجواهر يمكن له ان يدعي بالفرق بين المقام و المثال، إذ في المثال عدم لبقاء التملك للبدل انما يكون للتصرف، و هو يؤكد القابلية، و هذا بخلاف المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 100

مضافا الي فحوي خبر (1) تزويج الصغيرين الذي يصلح ردا لما ذكر في الثمرة الثانية اعني خروج المنقول عن قابلية تعلق انشاء عقد أو اجازة به، لتلف و شبهه،

فإن موت احد الزوجين كتلف احد العوضين في فوات احد ركني العقد، مضافا الي اطلاق رواية عروة (2) حيث لم يستفصل النبي صلي الله عليه و آله عن موت الشاة أو ذبحه و اتلافه. نعم ما ذكره اخيرا من تجدد القابلية بعد العقد حال الاجازة لا يصلح ثمرة للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا علي القولين، و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط. و بالجملة فباب المناقشة و ان كان واسعا الا ان الارجح في النظر ما ذكرناه

______________________________

و لا يخفي ان جواب المصنف قدس سره انما يكون بالنظر الي ايراده من حيث عدم استمرار تملكه للبدل لا بالنظر الي عدم استمرار ملكيته لماله لو لا الإجازة،

فايراد السيد قده عليه بانه في المثال يكون المال باقيا علي ملكه لو لا الإجازة فالقياس مع الفارق، غير مربوط بكلام المصنف قدس سره كما هو واضح. فتدبر فانه دقيق.

(1) الثاني: فحوي خبر تزويج الصغيرين «1»

فان موت احد الزوجين كتلف احد العوضين في فوات احد

ركني العقد.

و فيه: أن المفروض موت الزوج، فليس هناك وطء و لا ولد، بل غاية ما هناك انتقال المال بعنوان الارث، فلا اولوية

(2) الثالث: اطلاق رواية عروة «2»

حيث لم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها و اتلافها.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم تماميته سندا.

و ثانيا: ان عدم الاستفصال يمكن ان يكون لعلمه صلي الله عليه و آله ببقاء الشاة.

بل الحق في الجواب عن الجواهر دفع احتمال اعتبار الاستمرار بالعمومات.

و عن المحقق النائيني قدس سره الايراد علي هذه الثمرة: بانه علي الكشف ايضا بما انه يكون من تلف المبيع قبل القبض و هو من مال بائعه، يكون العقد منفسخا

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب ميراث الأزواج حديث 1.

(2) المستدرك باب 18 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 101

و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات (1) و معرفة مجلس الصرف و السلم و الايمان و النذور المتعلقة بمال البائع أو المشتري و تظهر الثمرة الثمرة أيضا في العقود المترتبة علي الثمن أو المثمن، و سيأتي أن شاء الله تعالي.

______________________________

و فيه: اولا: ان هذه القاعدة انما تخصيص بالبيع، و فيه ايضا يختص بالمبيع، ففي الفضولي في غير البيع، و في البيع إذا كان التالف هو الثمن، لا يجري هذا الكلام.

و ثانيا: انه يمكن فرض القبض بان يكون المشتري عالما برضا المالك بقبض ماله فاقبضه الفضولي فعلي الكشف يكون القبض قبض المالك فلا يكون التلف قبل القبض.

و أما الكلام في تجدد القابلية كما لو صار الخمر خلا فسيأتي عند تعرض المصنف له.

الموضع الثالث: في شرائط العقد: و حيث ان المدار علي ثبوتها حال الانشاء خاصة- بل لا معني

لبقائها بعده- فلا فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

ثمرات ذكرها بعض

(1) قوله و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع:

الأول: في تعلق الخيارات، كما إذا كان المبيع صحيحا حين العقد و صار معيبا حين الإجازة أو انعكس، و كذا إذا اختلف القيمة بحسب الزمانين، و كذا بالنسبة الي خيار المجلس.

و مخلص القول فيه: ان الخيارات علي قسمين احدهما: ما يكون ثابتا بدليل خاص.

ثانيهما: ما يكون ثابتا علي القاعدة و من باب الشرط الضمني.

اما الأول: فلا بد من ملاحظة الدليل، فان كان المأخوذ فيه تحقق النقل و الانتقال كان علي الكشف ثابتا من حين العقد، و علي النقل من حين الإجازة، و ان كان موضوعه

البيع و العقد فحيث انه يتم العقد بالإجازة فلا يكون ثابتا من حين العقد علي القولين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 102

______________________________

و ان كان موضوعه انشاء البيع كان ثابتا من حين العقد علي المسلكين.

و أما الثاني: فالظاهر ثبوت الثمرة، و انه علي الكشف يكون الميزان هو لحاظ العقد، و علي النقل يكون المدار علي زمان الإجازة، و ذلك كما في خيار الغبن، إذ ثبوته انما يكون من باب الشرط الضمني، اي التساوي بين البدلين من حيث القيمة، و لا ريب في ان ما عليه بناء العقلاء انما هو التساوي في زمان حصول النقل و الانتقال لا قبله و لا بعده كما لا يخفي. و تمام الكلام في ذلك في مبحث الخيارات.

الثاني: في حق الشفعة، كما إذا باع الفضولي حصة احد الشريكين، ثمّ باع الشريك الآخر حصته بنفسه، ثمّ بعد ذلك اجاز الشريك بيع الفضولي.

و الحق في المقام ثبوت الثمرة، إذ موضوع هذا

الحق انما هو الشريك، فعلي القول بالكشف يكون هذا الحق ثابتا للأصيل الذي باع حصته، لانه حين البيع كان هو المالك، و علي النقل يكون ثابتا للمشتري من الاصيل، لانه حين النقل مالك و شريك.

الثالث: في احتساب مبدأ الخيار الذي يكون موضوعه النقل و الانتقال كخيار الحيوان، فانه علي النقل يكون مبدأ الاحتساب من حين الإجازة، و علي الكشف يكون المبدأ العقد. و لكن فيه كلاما سيأتي في الخيارات.

الرابع: في معرفة مجلس الصرف و السلم الذي يعتبر ان يكون القبض فيه، فقد يقال انه علي الكشف يكون مجلس البيع حال صدور العقد، و علي النقل يكون حال الإجازة لتمامية البيع حالها دون الأول.

و لكن يمكن ان يقال: ان الميزان هو العقد مطلقا، إذ متعلق هذا الحكم القبض قبل التفرق- اي قبل زوال الاجتماع علي المعاملة- و معلوم ان الاجتماع علي المعاملة انما هو حال العقد كان العاقد ان اصيلين أو فضوليين، أو احدهما فضوليا و الآخر اصيلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 103

و ينبغي التنبيه علي امور:
الأول: ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، ليس في مفهومها اللغوي (1)

و معني الاجازة وضعا أو انصرافا، بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك و ادلة، وجوب الوفاء بالعقود و غيرهما من الأدلة الخارجية، فلو قصد المجيز الامضاء من حين الاجازة علي القول بالكشف أو الامضاء من حين العقد علي القول بالنقل. ففي صحتها وجهان:

______________________________

و علي كل حال تلك الحال هي المناط، قلنا بالنقل أو الكشف، إذ لا ربط للنقل و الانتقال فيه كي يختلف علي المسلكين. و تمام الكلام في محله.

الخامس: في اليمين و النذر، كما لو نذر التصدق بدراهم ان كان مالكا يوم الجمعة لكذا، و ثبوت الثمرة حينئذ واضح لا يحتاج الي بيان،

ثمّ انه تظهر الثمرة في باب الخمس

و الزكاة، كما لو اشتري شيئا عن غير مالكه قبل انتهاء السنة فاجاز مالكه بعده، إذ علي النقل يكون الربح من السنة الثانية، و علي الكشف يكون من الاولي.

أو اشتري زرعا قبل انعقاد الحب فاجاز مالكه بعده، إذ علي النقل تجب الزكاة علي مالكه المجيز، و علي الكشف تجب علي المشتري.

التنبيه الأول من تنبيهات الإجازة

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) قوله الاول: ان الخلاف في كون الاجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي كان النزاع في مفهومها اللغوي بان ادعي جمع ان الإجازة بمعني الإنفاذ و مقتضاه نفوذ العقد من حينه، و ادعي آخرون انها بمعني الرضا بمضمون العقد و مقتضاه حصول النقل من حينها، كان لازم الإجازة علي خلاف مقتضاها بطلان العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 104

______________________________

و عدم صحته، لانه حينئذ لم يقصد معني الإجازة و قصد شيئا آخر.

و ان كان في معني الإجازة اطلاقا أو انصرافا، بان ادعي جمع ان اطلاقها أو انصرافها يقتضي احد الامرين، كان اللازم صحة العقد علي نحو ما قصد، إذ اقتضاء اطلاق الإجازة أو انصرافه شيئا كاقتضاء اطلاق العقد شيئا لا ينافي تقييدها بما ينافي مقتضي ارسالها أو انصرافها.

و ان كان النزاع في حكمها الشرعي، بحسب ملاحظة الأدلة، فان قصد الالتزام بمضمون العقد من حين الإجازة علي القول بالكشف، أو قصد الالتزام به من حين العقد علي القول بالنقل، فهل تصح ام لا؟ لا إشكال في عدم صحتها علي نحو ما قصد، إذ اقتضائها لأحد الأمرين حسب الفرض انما يكون بحسب الجعل الشرعي، و عليه فلا وجه للقول بالصحة علي نحو ما قصد لأن قصد المكلف لا يغير الحكم الشرعي.

انما الكلام في صحتها و عدم افتقار العقد الي

اجازة اخري علي طبق ما اعتقده المجيز من احد القولين،

و ملخص القول فيها انه تارة: يجيز العقد علي ما هو عليه و لكن يعتقد ان الحكم الشرعي هو الكشف، بحيث يكون الداعي و المحرك له هو هذا الاعتقاد و لو لاه لما كان يجيز، و كان في الواقع هو النقل أو بالعكس، لا إشكال في الصحة في هذا الفرض لأنه من باب تخلف الداعي.

و اخري: يجيز بهذا النحو، و هو علي قسمين:

الأول: ان يجيز العقد و يشترط النقل من حين الإجازة علي القول بالكشف، و من حين العقد علي القول بالنقل.

الثاني: ان يجيز العقد هكذا لا انه يجيزه علي ما هو عليه و يشترط ذلك.

اما في الأول: فالصحة و الفساد مبنيان علي ان الشرط الفاسد هل يكون مفسدا ام لا؟ فعلي الأول تبطل، و علي الثاني تصح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 105

الثاني: انه يشترط في الاجازة ان يكون باللفظ الدال عليه علي وجه الصراحة العرفية،

كقوله امضيت و اجزت و انفذت و رضيت و شبه ذلك. و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية و ليس ببعيد، إذا اتكل عليه عرفا. و الظاهر ان الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف كالتصرف في الثمن، و منه اجازة البيع الواقع عليه، كما سيجي ء و كتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا كما صرح به العلامة رحمه الله و ربما يحكي عن بعض اعتبار اللفظ بل نسب الي صريح جماعة. و ظاهر آخرين و في النسبة نظر و استدل عليه بعضهم من انه كالبيع في استقرار الملك و هو يشبه المصادرة و يمكن ان يوجه بان الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع و شبهه يقتضي اعتبار اللفظ.

و من المعلوم ان النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الاجازة، و فيه نظر

بل لو لا شبهة الاجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق، كما يستظهر من كثير من الفتاوي و النصوص. فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من الرضا، فلا يدل عليه فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ الي عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا، و حكي عن آخرين انه إذا انكر الموكل الاذن فيما اوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت، لأن الحلف يدل علي كراهتها، و ذكر بعض انه يكفي في اجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها.

و من المعلوم أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلي إجازتها، بل المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا و ان لم يفد القطع دفعا للحرج عليها و علينا، ثمّ ان الظاهر ان كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا، كأكل الثمن و تمكين الزوجة اكتفي به من جهة الرضا المدلول عليه به لا من جهة سببية الفعل تعبدا. و قد صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح و لم يعبروا بالاجازة. و قد ورد فيمن زوجت نفسها في حال السكر أنها إذا اقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضاء منها و عرفت أيضا استدلالهم علي كون الاجازة كاشفة بأن العقد مستجمع للشرائط عدا رضا المالك، فإذا حصل، عمل السبب التام عمله. و بالجملة فدعوي الاجماع في المسألة دونها خرط القتاد، و حينئذ فالعمومات المتمسك بها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 106

لصحة الفضولي السالمة عن ورود مخصص عليها (1) عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في حل ماله و انتقاله الي الغير و رفع سلطنته عنه اقوي حجة في المقام،

______________________________

و أما

في الثاني: فقد يتوهم الصحة من جهة ان المجاز مضمون العقد لا حكمه،

و المفروض اجازته، و يكون قصد ترتب حكم آخر علي العقد غير ما رتب عليه شرعا لغوا لا أثر له، و يكون نظير ما لو تزوج و قصد عدم الانفاق عليها، فانه تتحقق الزوجية و يترتب عليها وجوب الانفاق،

لكنه فاسد، فان حكم العقد ان كان غير ما هو مضمونه كما في المثال تم ما ذكر،

فان مضمون العقد لا يختلف من ناحية حكمه، فقصد ترتب حكم آخر يكون لغوا، و ان كان من انحاء تعين مضمون العقد كما في المقام لا محالة يكون قصد الخلاف موجبا لعدم تحققه، فالأظهر هو البطلان، فان ما يمكن تحققه لم يقصد و لم ينشأ، و ما انشأ و قصد لا يمكن ان يتحقق.

كفاية الرضا الباطني في الإجازة

الثاني: في انه هل يكفي الرضا الباطني في الإجازة، ام يعتبر الانشاء، ام يعتبر كون الانشاء باللفظ الصريح؟ وجوه و اقوال.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأولي: في انه هل يكفي في الإجازة مجرد الرضا الباطني ام لا.

الثانية: في انه علي فرض عدم الكفاية هل يكفي الانشاء القلبي كما عن المحقق الخراساني قدس سره، ام لا؟ الثالثة: في انه علي فرض عدم كفاية ذلك هل يكفي الفعل ام يعتبر القول.

الرابعة: في انه علي فرض اعتبار القول هل يكفي الكناية ام يعتبر ان يكون علي وجه الصراحة؟ اما الأولي: فقد استدل المصنف قدس سره لكفاية الرضا الباطني بوجوه:

(1) الاول: العمومات المتقدمة المتمسك بها لصحة عقد الفضولي السالمة عن ورود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 107

مضافا الي ما ورد في عدة اخبار، من ان سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده اقرار منه له

عليه، (1) و ما دل علي ان قول المولي لعبده، المتزوج بغير اذنه طلق،

يدل علي الرضا بالنكاح، فيصير اجازة، (2) و علي ان المانع من لزوم نكاح العبد بدون اذن مولاه معصية المولي (3) التي يرتفع بالرضا

______________________________

مخصص عليها عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في ماله و انتقاله الي الغير و رفع سلطنته عنه «1»

و اورد عليه جمع من المحققين: بان العمومات انما تدل علي وجوب وفاء كل مكلف بعقده، و عقد الفضولي لا يكون عقدا للمالك بمجرد رضاه، بل يحتاج الي انشاء الإجازة.

و لكن قد عرفت في اول مبحث الفضولي ان الاستناد المعتبر انما هو الاستناد بمعني انه عقده و بيعه، و هذا المعني كما يتحقق بالإمضاء و الإنفاذ و اظهار الرضا يتحقق بالرضا به فراجع ما ذكرناه.

(1) الثاني: ما ورد في عدة من الاخبار من ان سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده اقرار منه عليه «2»

و الجواب عن ذلك: بان السكوت في امثال المقام امضاء عرفي قد تقدم ما فيه،

نعم، الايراد عليه بان في نكاح العبد خصوصية- حيث ان العقد لنفسه و انما المفقود اذن المولي و رضاه فيكفي مجرد الرضا بخلاف ساير اقسام عقد الفضولي تام.

و بذلك يظهر الجواب عن الوجه الثالث

(2) و هو ما دل علي قول المولي لعبده طلق يدل علي الرضا بالنكاح «3» فيصير اجازة.

و ما دل علي ان المانع من لزوم نكاح العبد معصية السيد «4» التي ترتفع بالرضا.

______________________________

(1) سورة النساء آية 29- الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 1.

(2) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(3) الوسائل- باب 27- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(4) الوسائل- باب 24-

من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 108

و ما دل علي ان التصرف من ذي الخيار رضا منه (1) و غير ذلك. بقي في المقام انه إذا قلنا بعدم اعتبار انشاء الإجازة باللفظ و كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدال عليه، فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا للعقد أو سابقا، فإذا

فرضنا انه علم رضا المالك بقول أو فعل يدل علي رضاه ببيع ماله كفي في اللزوم،

لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق اولي.

و الظاهر ان الاصحاب لا يلتزمون بذلك، فمقتضي ذلك ان لا يصح الاجازة الا بما لو وقع قبل العقد كان اذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضولي، و يؤيد ذلك انه لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرد الكراهة فسخا، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك، لأن الكراهة الحاصلة حينه و بعده و لو آنا ما، يكفي في الفسخ، بل يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا، إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا، و إن كان مجرد الرضا إجازة.

______________________________

(1) الرابع: ما دل علي التصرف من ذي الخيار رضا منه «1».

و فيه: ان ذلك قابل للحمل علي التعبد، أو علي ان هذا الفعل كاشف عن الرضا و اسقاط الحق. و علي كل حال يكون اجنبيا عن المقام، فالعمدة هي العمومات.

و أما الجهة الثانية: فعلي القول بعدم كفاية الرضا الباطني، الأظهر ما عن المحقق الخراساني قدس سره من كفاية الانشاء القلبي، إذ به يحصل الاستناد و الانتساب، و ما دل علي ان الحالات النفسانية غير البارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في باب العقود و الإيقاعات انما هو في المؤثر و هو العقد دون الشروط، و لا

ريب في ان الرضا الباطني شرط كما عرفت.

و أما الجهة الثالثة: فالأظهر كفاية الفعل في الانشاء، إذ لو سلم انه يتوقف الاستناد علي الانشاء و ابرازه، لا دليل علي اعتبار اللفظ فيه.

و دعوي ان الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع يقتضي اعتبار اللفظ،

و الإجازة منها،

مندفعة بانه في تلك النواقل ايضا بنينا علي كفاية الفعل راجع مبحث المعاطاة.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 109

الثالث: من شروط الاجازة ان لا يسبقها الرد (1)

إذ مع الرد، ينفسخ العقد فلا يبقي ما يلحقه الاجازة، و الدليل عليه بعد ظهور الاجماع بل (2) التصريح به في كلام بعض مشايخنا أن الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد (3) و إلا لم يكن مكلفا بالوفاء بالعقد لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين أو من قام مقامهما. و قد تقرر ان من شروط الصيغة ان لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معني المعاهدة،

______________________________

و أما الجهة الرابعة: فلوا غمضنا عن جميع ذلك، فالأظهر كفاية الكناية، و لا يعتبر ان يكون باللفظ الصريح.

و دعوي ان انشاء اللازم و ايجاده في الانشاء القولي ليس ايجادا للملزم عرفا،

و كون الملزم مقصودا و داعيا من ايجاد اللازم لا أثر له، لأن الدواعي لا أثر لها في باب المعاملات- التي استند إليها المحقق النائيني قدس سره في عدم وقوع العقد بالكنايات قد عرفت ما فيها في مبحث خصوصيات الفاظ العقد- فراجع ما ذكرناه هناك.

اعتبار عدم سبق الرد

(1) قوله الثالث: من شروط الاجازة ان لا يسبقها الرد.

و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بوجوه:

(2) الاول: الاجماع.

و فيه: ان الإجماع المنقول- سيما مع معلومية مدرك المجمعين- ليس بحجة.

و ثانيا: انه لا

وجه لدعواه بعد افتاء جمع من الفقهاء ببطلان عقد الفضولي رأسا.

(3) الثاني: ان الاجازة انما تجعل المجيز احد طرفي العقد، و بها يصير مكلفا بوجوب الوفاء بالعقد، فالرد المتخلل بينها و بين العقد الصادر من الأصيل و الفضولي يكون ردا متخللا بين اجزاء العقد، و قد تقرر في محله انه يعتبر ان لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد. و فيه: اولا: ان ما هو المسلم في تلك المسألة انما هو مضرية رد من صدر منه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 110

هذا مع ان مقتضي سلطنة الناس علي اموالهم (1) تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه، فلا يبقي ما يلحقه الاجازة، فتأمل.

______________________________

الالتزام و التعهد قبل تحقق الالتزام من صاحبه، كما لورد الموجب بعد الايجاب قبل قبول القابل. و أما لورد صاحبه ذلك، كما لورد القابل قبل ان يقبل ثمّ قبل فليس الحكم مسلما بينهم، و المقام من قبيل الثاني لا الأول، فان المجيز انما يرد قبل ان يصدر الالتزام منه، و الملتزم انما هو غيره كما هو واضح.

و ثانيا: انه فرق بين الرد المتخلل بين الايجاب و القبول، و الرد المتخلل بين العقد و الإجازة، و بعبارة اخري: ليست الإجازة في جميع الأحكام كالقبول أو الايجاب، و لذا تري ان الفصل الطويل بين الايجاب و القبول يضر، و الفصل بينهما و بين الإجازة لا يضر كما هو واضح.

(1) الثالث: ان مقتضي ما دل علي سلطنة الناس علي اموالهم «1» تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه فلا يبقي ما تلحقه الاجازة و فيه ان العلاقة المتصورة بالاضافة الي المال لا تخلو من الملكية و الحقية و شي ء منهما

لا يكون في المقام، اما الأولي: فواضح، و أما الثانية: فلأن العقد قبل الإجازة لا يوجب كون الأصيل ذي حق، و لذا بنينا علي عدم حرمة بيع الفضولي.

و بالجملة: لا يحدث بواسطة عقد الفضولي ادني مرتبة من الملك و الحق، و عليه فلا وجه للتمسك بقاعدة السلطنة.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من انه و ان لم تحصل العلاقة شرعا لكنها تحصل له عرفا، فالرد يبطل هذه العلقة.

فيه: ان العلقة التي عرفت انها اما الملكية أو الحقية لا تحصل و لو عرفا.

و اجاب السيد الفقيه قده عن هذا الوجه بجوابين آخرين:

احدهما: ان قاعدة السلطنة متعارضة، لان مقتضاها جواز ان يجيز بعد الرد، لأنه مقتضي سلطنته علي ماله

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 111

نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد (1)

اللهم إلا أن يقال: ان الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف (2) بل لا بد من انشاء الفسخ و دعوي ان الفسخ هنا ليس بأولي من الفسخ في العقود اللازمة. و قد صرحوا بحصوله بالفعل، يدفعها ان الفعل الذي يحصل به الفسخ، هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطي و العتق و نحوهما، لا مثل اخذ المبيع.

و بالجملة فالظاهر هنا و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالاجازة الواقعة عقيب الفسخ، فإن سلم ظهور الرواية في خلافه، فليطرح أو يأول.

______________________________

و فيه: انه بعد تسليم تأثير الرد في حل العقد لا يبقي موضوع للإجازة كي توثر فيه.

ثانيهما: انه قد مر من المصنف قدس سره ان قاعدة السلطنة انما تثبت نفوذ التصرفات الثابتة بالشرع كالبيع و الهبة و نحوهما لا جميع ما اراده المالك، إذ ليست مشرعة،

فلا تصلح لاثبات مؤثرية الرد في حل العقد.

و فيه: انه لو سلم حصول العلقة للأصيل بالإضافة الي المال لا إشكال في صلاحية قاعدة السلطنة للدلالة علي جواز رفعها، فان ذلك من مصاديق تسلط الانسان علي رفع مزاحمة الغير، و لا يحتاج الي دليل آخر. فتدبر- فالصحيح ما ذكرناه- فالأظهر صحة الإجازة بعد الرد.

(1) قوله نعم الصحيحة الواردة «1» في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الاجازة و قد تقدم في اول هذا البحث عند ذكر ادلة صحة عقد الفضولي التي منها هذه الصحيحة انه لا ظهور لها في ذلك بل هي تلائم مع عدم الرد فراجع فانه ليس فيها سوي اخذ المبيع، و هو يمكن ان يكون استحصالا للثمن لا لغرض رد البيع- و الظاهر انه الي ذلك نظر المصنف قدس سره حيث قال

(2) اللهم الا ان يقال ان الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 112

الرابع: الإجازة اثر من آثار سلطنة المالك علي ماله (1)
اشارة

فموضوعها المالك،

فقولنا له ان يجيز مثل قولنا له ان يبيع، و الكل راجع الي ان له ان يتصرف، فلو مات المالك لم يورث الاجازة و انما يورث المال الذي عقد عليها الفضولي، فله الاجازة بناء علي ما سيجي ء من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد، فيمن باع مال ابيه فبان ميتا و الفرق بين ارث الاجازة وارث المال يظهر بالتأمل.

______________________________

الإجازة لا تورث

(1) قوله الرابع الاجازة اثر من آثار سلطنة المالك علي ماله يقع الكلام في موردين:

(1-) في اصل المطلب.

(2-) في الفرق بين ارث الإجازة وارث المال.

اما الأول: فما افاده الذي حاصله: ان ثبوت الإجازة للمالك و تأثيرها منه ليس من قبيل الحقوق القابلة للنقل و الاسقاط كحق الخيار، بل هو من قبيل الحكم الشرعي تام،

لأن الإجازة من التصرفات التي ثبت جوازها للمالك، و هو من الأحكام الشرعية، و يترتب علي ذلك انه لا تورث الإجازة لعدم كونها مما تركه الميت. نعم لمن انتقل إليه المال اجازة بيع الفضولي بناء علي جواز المغايرة بين المالك حال العقد و المالك حال الإجازة إلا ان ما ذكره من انها من آثار سلطنة المالك لا يخلو عن مسامحة، فانها من آثار الملك.

و أما السلطنة التي هي عبارة عن القدرة علي التصرفات فهي متقومة بجواز التصرفات لا انه من آثارها.

و أما الثاني: فالفرق بين ارث الإجازة وارث المال يظهر في موارد:

منها: ما إذا كان المبيع مما يحرم منه الزوجة كالعقار علي اشهر القولين، فانه علي القول بارث الإجازة ترثها الزوجة، و علي القول بالعدم لا ترث، و ليس لها الإجازة، و المفروض عدم كونها مالكة للمبيع، فلا حق لها فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 113

الخامس: اجازة البيع ليست اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع (1)

و لو اجزاهما صريحا أو فهم اجازتهما من اجازة البيع مضت الاجازة، لأن مرجع اجازة القبض

______________________________

و منها: انه علي القول بانها مما ترثه الورثة، يأتي فيها النزاع الموجود في حق الخيار الموروث مع تعداد الورثة من انه هل يرث كل من الورثة الإجازة في مقدار ماله من العين، أو يرث كل منهم الإجازة في تمام العين بنحو العام الاستغراقي- بمعني نفوذ اجازة كل واحد منهم- أو

يرث المجموع الإجازة- بمعني انها شي ء واحد يرثه الجميع- فلا بد في الصحة من امضاء الجميع.

و منها: ما لو أوصي بمال معين للفقراء مثلا بنحو يكون ملكا لهم بالموت، ثمّ وقع عقد الفضولي علي هذا المال و مات المالك قبل الإجازة، فعلي القول بارث الإجازة ينتقل هذا الحق، فلهم الإجازة بخلافه علي القول بالعدم. فتأمل.

اجازة البيع ليست اجازة لقبض الثمن

(1) قوله الخامس: اجازة البيع ليست اجازة القبض الثمن و لا لإقباض المبيع.

الكلام في هذا التنبيه يقع في جهات:

الاولي: في قابلية القبض و الإقباض للإجازة و عدمها.

و فيها وجوه و اقوال.

ثالثها: ما في المكاسب، و هو جريان الفضولية في قبض الثمن المعين دون الكلي.

رابعها: عكس ذلك، اختاره السيد قدس سره.

و قد استدل لعدم الجريان مطلقا بوجهين.

الأول: ان حقيقة الإجازة انفاذ الشي ء و لا مورد للنفوذ الا التصرفات المعاملية،

فالأفعال و الأقوال الاخر لا تكون موردا لها و منها القبض و الإقباض.

و فيها: ان حقيقة الإجازة اظهار الرضا بما وقع، و هي توجب انتسابه الي المجيز، و هذا لا فرق فيه بين المعاملات و غيرها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 114

الي إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، و مرجع إجازة الاقباض إلي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع، فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة علي قبض المبيع، لكن ما ذكرنا انما يصح في قبض الثمن المعين. و أما قبض الكلي و تشخصه به فوقوعه من الفضولي علي وجه تصححه الاجازة يحتاج الي دليل معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض و الاقباض، و اتمام الدليل علي ذلك لا يخلو عن صعوبة (1).

______________________________

الثاني: ما نسب الي المحقق الخراساني، و اوضحه المحقق الأصفهاني قدس سره، و هو: ان الإجازة لا بد و

ان تتعلق بما له بقاء و استمرار كالامور الاعتبارية الانتزاعية من اسباب خاصة، و أما الأفعال الخارجية فليس لها بقاء كي تنسب بالإجازة الي المالك، و هي لا تصلح لأن توجب انتسابها في زمانها الي المجيز لعدم معقولية الانتساب مع عدم ما به الانتساب، و صيرورتها منتسبة من حين الإجازة بعد ما لم تكن كذلك يستلزم انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و فيه: ان الإجازة كما عرفت عبارة عن اظهار الرضا بما صدر، و الرضا كما يتعلق بالأمر الاعتباري، كذلك يتعلق بالفعل الخارجي. و كما يتعلق بالأمر المقارن و المتأخر كذلك يتعلق بالامر المتقدم، و هي توجب صيرورة الفعل المتقدم مرضيا به من حين الإجازة، و هذا غير انقلاب الشي ء عما وقع عليه، مع ان المراد بالقبض ليس هو الا كون الشي ء تحت الاستيلاء و السلطنة و هذا امر له بقاء و استمرار.

فظهر بما ذكرناه مدرك القول الثاني.

(1) و استدل المصنف لما اختاره و اوضحه: بان قبض الثمن الشخصي قابل الإجازة من جهة ان مرجع اجازته الي اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، ففي الحقيقة لا يكون القبض عنده قابلا للاجازة، و انما تكون الإجازة و الرضا به رضا باثره، و هو اسقاط الضمان. و كذلك الاقباض، فان مرجع اجازته الي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع، و أما قبض الثمن الكلي و تشخصه به فهو لا يكون قابلا للإجازة،

فانه حيث لم يتعين الكلي في المقبوض بيد الفضولي فليس هناك ضمان المعاوضة علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 115

______________________________

المشتري، بل الثمن باق علي كليته، و المفروض ان القبض من حيث هو غير قابل لتعلق الإجازة به، فلا وجه لجريان الفضولية فيه و تصحيحه بالإجازة.

و فيه: -

مضافا الي ما عرفت من ضعف المبني- يرد علي ما افاد في قبض الثمن الشخصي: ان ضمان المشتري للثمن قبل القبض انما يكون حكما شرعيا ثابتا علي خلاف القاعدة، و هو الحكم بانفساخ المعاملة بالتلف لاحقا ماليا كي يكون قابلا للإسقاط.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من ان ذلك انما يكون من جهة الشرط الضمني إذ كل من البائع و المشتري يشترط علي صاحبه بالارتكاز قبض الثمن أو المثمن و ليس مقصودهم مجرد التبديل، لو تم و ان لزم منه كون ذلك من الحقوق، الا انه لا يتم، فان لازم ذلك ثبوت الخيار لا انفساخ العقد كما هو ظاهر الخبر «1»

و استدل السيد لما ذهب إليه: بان الفضولية انما تجري في التصرفات المعاملية لا في الأفعال الخارجية، و القبض في المعين من الأفعال الخارجية و في الكلي من التصرفات المعاملية، فان ذلك يكون من باب الوفاء، و هو في اللب مبادلة بين الكلي و الفرد المتشخص- و قد عرفت ما فيه- فالأظهر قابليتهما للإجازة.

الجهة الثانية: انه هل يأتي في القبض نزاع الكشف و النقل ام لا؟ وجهان: اظهرهما الثاني، لأن ذلك النزاع في العقد انما يكون من جهة ان وراء العقد شي ء و هو الملكية، و يمكن البناء علي تحققها من الأول، و هذا بخلاف القبض، إذ ليس ورائه شي ء، فالقبض كالعقد نفسه فكما انه يصير عقد المالك من حين الإجازة علي المسلكين كذلك القبض،

فآثار قبض المالك تترتب عليه من حين الإجازة،

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 116

و عن المختلف انه حكي عن الشيخ: انه لو اجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري بالثمن. ثمّ ضعفه بعدم استلزم إجازة

العقد لإجازة القبض، و علي أي حال فلو كان اجازة العقد دون القبض لغوا، كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق، كان اجازة العقد اجازة للقبض صونا للاجازة عن اللغوية (1).

______________________________

فلو تلف بعدها لا يكون من تلف المبيع قبل القبض، فلا يكون البائع ضامنا بخلاف ما لو كان تالفا قبلها، فانه حينئذ لا موضوع للإجازة، إذ بالتلف ينفسخ العقد فلا يكون شي ء باقيا كي تلحقه الإجازة الجهة الثالثة: لو كانت اجازة العقد دون القبض لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق، ففي المكاسب.

(1) كانت اجازت العقد اجازة للقبض صونا للاجازة عن اللغوية.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ما عن جمع من المحشين منهم السيد قدس سره، و هو: ان ذلك- اي الذي ذكره- راجع الي مقام الأثبات، و ثبوت الدلالة علي اجازة القبض، و هذا انما يكون بعد الفراغ عن مقام الثبوت، و قابلية القبض للفضولية و ان يصح بالإجازة، و المصنف قدس سره يري عدم قابليته لها في الكلي.

و فيه: اولا: ان المصنف يلتزم بعدم قابليته لها، و انما لم يقم عنده دليل علي صحة القبض بنفسه بالإجازة، و عليه فالدليل الدال علي صحة عقد بيع الصرف المشروط بالقبض يكفي في صحة مثل هذا القبض بالإجازة، بخلاف القبض الذي لا تكون صحة العقد منوطة به.

و ثانيا: ان عدم قابلية القبض للإجازة اما ان يكون من جهة انه لا يكون من التصرفات المعاملية كما افاده السيد قده، أو يكون من جهة عدم قابلية للانتساب الي المجيز كما عن المحقق الخراساني قدس سره، و شي ء منهما لا مورد له في هذا القبض،

اما الأول: فلأنه دخيل في صحة العقد و في ترتب

الآثار الوضعية و الأمر الاعتباري، فهو من التصرفات المعاملية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 117

و لو قال اجزت العقد دون القبض، ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان (1)

______________________________

و أما الثاني: فلعدم اعتبار الانتساب فيه، إذ الشرط انما هو قبض المتعاملين بالمعاملة الصحيحة، فإذا صحت المعاملة بالإجازة كفي قبض الفضولي في الصحة، و لا يخفي ان مرجع هذا الي عدم الاحتياج الي اجازة القبض، و ان الإجازة محققة لموضوع القبض لا موجبة لصحته و نفوذه.

الايراد الثاني: ان اجازة القبض انما توجب انتساب القبض الي المجيز من حين الإجازة بعد التفرق، و هو لا يكفي في صحة المعاملة، فان الشرط هو القبض قبل التفرق،

و الجواب عنه هو الجواب الثاني عن الايراد الأول.

الايراد الثالث: ما افاده جمع منهم السيد و المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه انما يتم إذا كان المجيز عالما بان البيع بدون القبض باطل، و الا فلا يحمل علي كونه اجازة للقبض.

و فيه: انه إذا كان بصدد اجازة العقد بجميع ما تتوقف صحة العقد عليه كفي في كونه اجازة له، مضافا الي ما عرفت من كفاية اجازة العقد في صحة القبض فراجع.

فتحصل: ان الأظهر الاكتفاء باجازة العقد في مثل هذه العقود المتوقفة صحتها علي القبض.

الجهة الرابعة: لو قال: اجزت العقد دون القبض، ففي المكاسب

(1) ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان:

الحق ان يقال: بناء علي ان العبرة بقبض المتبايعين، و انه لا يلزم انتسابه الي المالكين، يتعين البناء علي الصحة لفرض اجازة العقد و عدم كون قبضه موضوع الاثر كي يلزم اجازته و يضر رده،

و أما بناء علي لزوم اجازة القبض فالظاهر ان اجازة العقد اجازة للقبض للغوية اجازته دونه، ورد القبض

رد للعقد، إذ لا ينفك الشرط عن المشروط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 118

السادس: الاجازة ليست علي الفور

للعمومات، و لصحيحة محمد بن قيس (1) و أكثر المؤيدات المذكورة بعدها و لو لم يجز المالك، و لم يرد حتي لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه علي القول بالكشف، فالاقوي (2)

تداركه بالخيار أو اجبار المالك علي احد الآخرين

______________________________

و عليه فإذا تقدمت الاجازة لغي الرد لكونه ردا بعد الإجازة، و إذا تقدم الرد لم يفد الإجازة بناء علي اعتبار ان لا تكون مسبوقة بالرد، و الا صحت.

الإجازة ليست علي الفور

(1) السادس: هل الاجازة علي الفور فمع التأخير تسقط ام لا؟ فيه وجهان اقواهما الثاني: لإطلاق الأدلة، و صحيح محمد بن قيس المتقدم «1».

و عليه، فلو لم يجز المالك و لا رد،

فهل يتعين اجبار المالك باحد الأمرين- كما اختاره السيد قده- ام يتعين ثبوت الخيار- كما ذهب إليه جمع-

(2) ام يثبت الامران بنحو التخيير- كما اختاره المصنف قدس سره- وجوه؟ و ليعلم ان محل الكلام انما هو فيما إذا لم يجز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه و فيما انتقل إليه، و أما إذا جاز له التصرف فيما انتقل عنه اما لعدم لزوم العقد عليه أو لجوازه،

حتي بناء علي لزوم العقد، لا مورد لشي ء من هذه الوجوه، إذ لا يلزم ضرر عليه من عدم الإجازة و الرد.

و ايضا الظاهر أن محل الكلام ما لو لم يكن الأصيل عالما بكون طرفه فضوليا،

أو كان مطمئنا بانه يجيز المالك أو يرد، و أما إذا كان عالما به و لم يكن مطمئنا بشي ء منهما،

فمن حيث انه مقدم علي الضرر لا يجري شي ء من الوجوه.

و كيف كان: فالأظهر من تلك الوجوه هو الثاني، إذا الإجبار

انما يكون لأحد امرين: اما الامتناع عن الحق من جهة ان السلطان ولي الممتنع، أو للامتناع عن امتثال

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 119

السابع: هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا ام لا وجهان:

(1) الاقوي التفصيل، فلو اوقع العقد علي صفقة فأجاز المالك بيع بعضها، فالاقوي الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز احدهما و ضرر التبعض علي المشتري يجبر بالخيار

______________________________

التكليف اللزومي من جهة لزوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «1»

و لا دليل عليه في غير الموردين.

و من الواضح ان عقد الفضولي لا يوجب حدوث حق للأصيل علي المالك- كما تقدم- و لا وجوب الإجازة أو الرد عليه، فالاجبار لا مورد له، و قاعدة «2» نفي الضرر لا تصلح لإثبات جوازه لكونها نافية للحكم لا مثبتة، فهي توجب نفي لزوم العقد علي الأصيل. فالمتعين هو ثبوت الخيار للأصيل.

اعتبار مطابقة الإجازة للعقد

(1) السابع: هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا ام لا، ام بفصل بين المطابقة من حيث الجزء، و المطابقة من حيث الشرط؟ اقوال.

و تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الأول: في عدم المطابقة من حيث الجزء، بان يكون الشي ء المحذوف أو المضاف جزء.

الثاني: في عدم المطابقة من حيث الشرط، و أما في صورة الاختلاف من حيث المباينة كما لو وقع العقد علي فرس فاجاز في الحمار فلا اشكال في عدم الصحة.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: فيما إذا كان محذوفا،

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الأمر و النهي و ما يناسبهما و غيره من الأبواب.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار- حديث 5- 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 120

______________________________

و ملخص القول فيه: ان المعقود عليه ان

كان مركبا من اجزاء يكون كل جزء منه موضوعا مستقلا بنظر اهل العرف في البيع و الشراء- بنحو لا يرون المعاملة علي المجموع الا معاملة علي كل واحد مستقلا، كما لو عقد علي عشرة جينة فاجاز بيع بعضها- لا ينبغي التأمل في الصحة، لأن المجاز مما عقد عليه، و لا سبيل الي اجراء خيار تبعض الصفقة هنا، لأن مورده ما إذا كان بيع كل جزء مشروطا بانضمام الجزء الآخر ضمنا و ارتكازا كي يوجب التبعض تخلف الشرط، فيثبت خياره لعدم الدليل عليه بالخصوص.

و ان لم يكن كل جزء موضوعا مستقلا، كما إذا وقع العقد علي حيوان خاص فاجاز نصفه،

فعن المحقق النائيني: صحة المجاز، مستدلا بان حكم الإجازة حكم البيع ابتداء،

فكما يجوز للمالك بيع بعض ماله ابتداء، فكذلك يجوز له اجازة بعضه.

و فيه: ان الفرق بين الإجازة و البيع واضح، فان الإجازة انما تحتاج الي عقد واقع و التزام معاملي قبلها بخلاف البيع، و عليه فان كان الالتزام العقدي منحلا الي التزامات عديدة حسب تعدد اجزاء المبيع صح البيع فيما اجيز لكون المجاز معقودا عليه، و الا فلا.

فالميزان هو ذلك.

و به يظهر ان قياس المقام بمسألة التبعيض في باب الخيارات كما عن السيد في غير محله، و لكن الظاهر هو الانحلال في جميع الموارد، غاية الأمر الي التزامات ضمنية لا استقلالية، و عليه فيصح البيع فيما اجيز. نعم يثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة.

المورد الثاني: ما إذا كان الجزء مضافا و الضابطة فيه انه ان انحلت الإجازة الي اجازات متعددة و التزامات عديدة فيكون احد الالتزامين متعلقا بالعقد و الآخر بالزائد،

صح العقد المجاز لكونه عقدا اجيز، و الا فلا، فان المجاز حينئذ غير معقود عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 121

و لو اوقع العقد علي شرط فأجازه المالك مجردا عن الشرط فالاقوي عدم الجواز بناء علي عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط (1) و ان كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء. (2) و لذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط، و لو انعكس الامر بأن عقد الفضولي مجردا عن الشرط و اجاز المالك مشروطا

______________________________

و ما عقد عليه لم تتعلق به الإجازة، و الظاهر هو الانحلال في جميع الموارد الا إذا كانت من قبيل اجازة الحصة الخاصة، كأن يجيز العقد الواقع علي المجموع خاصة بهذا القيد، فانه حينئذ ما تعلقت الإجازة به لا يكون معقودا عليه كما لا يخفي.

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه تارة: في الشرط المحذوف، و اخري: في المضاف.

اما الجهة الأولي: فلا ينبغي الأشكال في الصحة بناء علي ما هو الثابت في محله من ان الشرط انما هو التزام في التزام، لا ان الالتزام العقدي معلق عليه بحيث لا التزام بدونه، فان الإجازة حينئذ تكون متعلقة بالالتزام العقدي،

فما افاده المصنف قدس سره في وجه عدم الصحة

(1) من عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط.

ضعيف لما عرفت من ان الشرط التزام مستقل في ضمن الالتزام العقدي.

(2) و اضعف منه تفصيله قدس سره بين الشرط و الجزء بالالتزام بالتبعيض من حيث الجزء دون الشرط، لما عرفت من ان قبول العقد للتبعيض من حيث الشرط اولي من قبوله التبعيض من حيث الجزء، مضافا الي ان كل جزء شرط لاعتبار وصف الاجتماع فيه.

و هل يثبت الخيار للأصيل ام لا؟ وجهان، و الحق ان يقال: ان الشرط ان كان للمالك علي الأصيل- كما لو اوقع الفضولي العقد مع اشتراط ان يخيط الأصيل ثوب المالك

فاجاز المالك العقد بدون الشرط- فلا خيار له، لأن مرجع ذلك الي اسقاط المالك حقه، و لا إشكال في ذلك، و كذلك ان كان للأصيل علي المالك مع رضا الأصيل بذلك بعد الإجازة، و أما ان كان للأصيل علي المالك و لم يرض الأصيل بذلك، فالظاهر ثبوت خيار تخلف الشرط له، و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 122

ففي صحة الاجازة مع الشرط إذا رضي به الاصيل فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول (1) إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز العقد فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا تقدم علي الايجاب «ليرد الايجاب» عليه أيضا أو بطلانها لأنه إذا لغي الشرط لغي المشروط لكون المجموع التزاما واحدا وجوه أقواها الأخير. (2)

و أما القول في المجيز
اشارة

فاستقصاؤه يتم ببيان امور. (3)

الأول: يشترط في المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف (4) بالبلوغ و العقل

______________________________

(1) و أما الجهة الثانية: فالشرط المضاف لا يجب الوفاء به لكونه من قبيل الشرط الابتدائي، و كون الإجازة بمنزلة الايجاب أو القبول لا يوجب اسراء احكامهما إليها،

مضافا الي ان الشرط المذكور في ضمن احدهما وحده لا يفيد، و أما المشروط فان كانت الإجازة مع الشرط التزاما بالعقد منضما الي الالتزام الشرطي صح، لكون العقد مجازا و ضم اللغو إليها لا يمنع عن تأثيرها في صحة العقد، و ان كانت التزاما واحدا متعلقا بالمشروط لم يصح،

و الظاهر هو الأول، لأن الواقع انما هو العقد المجرد، و المجيز يريد ضم الشرط إليه،

فلا محالة يجيز المالك ذلك الواقع بضم الشرط إليه، فالتقييد انما يكون للإجازة بالشرط،

و حيث ان الشرط- كما تقدم- انما يكون هو الالتزام في ضمن الالتزام، و في المقام يكون هو الالتزام المقرون بالإجازة، فلغويته لا تلازم لغوية الإجازة. فما في المكاسب.

(2) من تقوية البطلان في غير محله.

اعتبار كون المجيز جائز التصرف حال الإجازة

(3) و أما القول في المجيز فاستقصاؤه يتم ببيان امور:

(4) الاول: يشترط في المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف بالبلوغ و العقل و الرشد بلا اشكال، فان الإجازة تصرف معاملي في المال، فإذا كان المجيز غير جائز التصرف لم يجز له ذلك، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، إذ علي الكشف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 123

و الرشد، و لو اجاز المريض بني نفوذها علي نفوذ منجزات المريض (1) و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل

الثاني: هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز، حين (2) العقد

فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة

______________________________

انما يكون الأثر من قبل، و الا فالاجازة هي التي تؤثر في ذلك.

و دعوي انه علي القول بان المؤثر في النقل ليس هو وجود الإجازة،

بل العنوان المنتزع من وجودها المقارن مع العقد كعنوان التعقيب، يشكل اعتبار ما عدا ما يوجب سلب العبارة فيها لعدم كونها تصرفا ماليا حينئذ،

مندفعة بانه علي هذا المسلك ايضا لا يكون التعقيب بمطلق الإجازة شرطا، بل الشرط هو التعقيب بالإجازة المستجمعة لسائر شرائط تأثير العقد، لأنه المتيقن من نفوذ عقد الفضولي الملحوق بالإجازة

(1) قوله: و لو اجاز المريض بني نفوذها علي نفوذ منجزات المريض..

و ربما يورد عليه: بان منجزات المريض مختصة بالتصرفات المعاملية دون شرائط تأثيرها، فلو كان عقد الصرف في حال الصحة، و كان القبض في حال المرض، لا تكون هذه المعاملة من المنجزات، و الإجازة شرط لتأثير عقد الفضولي، فلا يضر وقوعها في حال المرض و لا يوجب دخولها في المنجزات.

و لكن يدفعه ان للإجازة حيثيتين: احداهما: حيثية الرضا. الثانية: حيثية الانتساب الي المالك. و هي من الحيثية الثانية بنفسها تصرف معاملي و موجبة لصيرورة التصرف تصرف المالك، فالحق ان الإجازة في حال المرض من المنجزات لا من قبيل شرائط تأثير العقد.

عدم اشتراط كون العقد له مجيز في الحال

(2) الثاني: اختلفوا في انه هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين

العقد ام لا؟ و ما يحتمل ان يكون محل الكلام بين الأعلام في بادئ النظر امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 124

و لا ينفعه اجازته إذا بلغ أو اجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع ام لا يشترط قولان: اولهما للعلامة في ظاهر القواعد. و استدل له بأن العقد و الحال هذه ممتنعة، فإذا امتنع في زمان امتنع دائما (1)

______________________________

احدها: انه هل يعتبر وجود ذات المجيز حين العقد ام لا يعتبر ذلك و إلي هذا نظر البيضاوي في ايراده علي العلامة قدس سره:

بانه لا يتم علي مذهب الخاصة من وجود الامام عليه السلام في و لكن يمكن دفع ايراده: اولا: بالنقض بانه لا يتم علي مذهبهم ايضا من وجود خليفة المسلمين في كل عصر.

و ثانيا: انه في نكاح الصغار يكون الولي منحصرا بالأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه. هكذا قيل.

ثانيها: انه هل يعتبر ان يكون مجيز فعلي حين العقد بان يكون متمكنا من الإجازة ام لا يعتبر؟ ثالثها: انه هل يعتبر ان يكون المجيز جائز التصرف حين العقد شرعا ام لا يعتبر ذلك؟ فلو فرضنا ان بيع مال الصغير لم تكن فيه مصلحة حين البيع ثمّ حدثت المصلحة فيه بعد هل للولي ان يجيزه من جهة انه و ان لم يكن التصرف جائزا له حين البيع لعدم المصلحة الا انه يجوز له حين الإجازة، ام لا؟ و الظاهر ان محل النزاع هو الأخير دون الأولين،

اما الثاني منهما فلوضوح عدم اعتبار مجيز فعلي، و لذا لو كان المالك نائما أو غائبا لم يتوهم احد من القائلين بصحة الفضولي فساده و عدم جواز الإجازة بعد الحضور و اليقظة.

و أما الأول: فلعدم ملائمته مع ما مثلوا له ببيع مال اليتيم، فمورد النزاع هو الثالث.

و كيف كان: فقد استدل لاعتباره بوجهين:

(1) الاول: ان صحة العقد و الحال هذه ممتنعة، فإذا امتنعت في زمان امتنعت دائما،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 125

______________________________

و قد ذكروا في توضيح هذا الوجه امرين:

احدهما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان بناء هذا علي امرين: احدهما:

القول بالكشف في الإجازة، الثاني: ان العام إذا خصص بخروج فرد منه في زمان لم يرجع إليه في ذلك الفرد فيما عدا ذلك الزمان، فيقال حينئذ ان العقد إذا

لم يكن له من يصح باجازته حال العقد امتنع دخوله تحت خطاب) اوفوا (فإذا امتنع شمول) اوفوا (له في هذه الحال لم يؤثر من مبدأ وقوعه، فإذا لم يؤثر من مبدأ وقوعه لم يؤثر أبدا، لأن الفرد إذا خرج عن العام في زمان خرج عنه رأسا، و لم يرجع إليه ثانيا بعد خروجه عنه اولا.

و فيه: ان الكبري الكلية المشار إليها انما هو فيما إذا خرج فرد عن تحت العام في الأثناء لا فيما إذا خرج عنه من الأول كما في المقام. و تمام الكلام في محله.

الثاني: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و حاصله: ان عقد الفضولي انما يفترق عن العقود الفاسدة بكونه قابلا للتاثير بالإجازة، فلا بد و ان يكون جامعا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير الا الي عدم الإجازة، فإذا لم يمكن الإجازة حال العقد يكون العقد غير واجد لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، لان منها الإمكان من ناحية امكان الإجازة، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحة التأهلية فعلا، و إذا امتنعت الصحة التأهلية في زمان امتنعت دائما، لأن ما به يتفاوت حاله بتفاوت الزمان هي الصحة الفعلية التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية لا الصحة التأهلية.

و فيه: ان المراد من الامتناع ان كان هو الامتناع الذاتي فالصغري ممنوعة، و ان كان المراد الامتناع العرضي أي الامتناع لعدم وجود اجزاء المؤثر فالكبري ممنوعة فان الامتناع حينئذ يدور مدار فقد بعض ما يعتبر فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 126

و بلزوم الضرر علي المشتري (1) لامتناع تصرفه في العين لامكان عدم الاجازة،

و لعدم تحقق المقتضي و لا في الثمن لامكان تحقق الاجازة، فيكون قد خرج عن ملكه و يضعف الأول مضافا

الي ما قيل من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه عادة منع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه دائما سواء قلنا بالنقل ام بالكشف.

و أما الضرر، فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة، هذا كله مضافا الي الاخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا، الشاملة لصورة وجود ولي النكاح و اهماله الاجازة الي بلوغهم و صورة عدم وجود الولي بناء علي عدم ولاية الحاكم علي الصغير في النكاح و انحصار الولي في الأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه، و كيف كان فالاقوي عدم الاشتراط وفاقا للمحكي عن ابن المتوج البحراني و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، بل لم يرجحه غير العلامة رحمهم الله

______________________________

و ان شئت قلت: ان عقد الفضولي الذي تمتنع اجازته حين العقد و يمكن تلك فيما بعد، يكون صحيحا بالصحة التأهلية، لأنه يمكن تأثيره فيما بعد بلحوق الإجازة، و ليس معني الصحة التأهلية الا ذلك.

(1) الوجه الثاني: لزوم الضرر علي المشتري لامتناع تصرفه في العين لإمكان عدم الإجازة،

هذا علي الكشف و لعدم تحقق المقتضي هذا علي النقل، و لا في الثمن لإمكان تحقق الإجازة فيكون قد خرج عن ملكه.

و فيه: - مضافا الي النقض بجميع موارد عقد الفضولي كما تقدم- تقريبه في التنبيه السادس من تنبيهات الإجازة.

و الجواب عنه هو ما ذكرناه في ذلك التنبيه، و هو: تدارك الضرر بعدم لزوم الوفاء علي الأصيل.

فالحق عدم اعتبار هذا الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 127

ثمّ اعلم ان العلامة في القواعد مثل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

و حكي عن بعض العامة و هو البيضاوي علي ما قيل الايراد عليه بانه لا يتم علي مذهب الامامية

من وجود الامامية من وجود الامام) ع (في كل عصر و عن المصنف قدس سره انه اجاب بأن الامام غير متمكن من الوصول إليه و انتصر للمورد بأن نائب الامام و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدل موجود بل للفساق الولاية علي الطفل في مصالحه مع عدم العدول لكن الانتصار في غير محله إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الامام يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد و العدول ايضا، فان اريد وجود ذات المجيز فالاولي منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الامام عليه السلام و ان اريد وجوده مع تمكنه من الاجازة فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول اذا لم يطلعوا علي العقد.

فالاولي ما فعله فخر الدين و المحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان علي خلاف المصلحة فيرجع الكلام ايضا الي اشتراط امكان فعلية الاجازة من المجيز لا وجود ذات من شأنه الاجازة فإنه فرض غير واقع في الأموال.

الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد (1)
اشارة

سواء كان عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أو للمانع و عدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد. و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما و المانع كما لو باع الراهن بدن اذن المرتهن، ثمّ فك الرهن

فالكلام يقع في مسائل:
اشارة

______________________________

عدم اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد

(1) الثالث: هل يشترط في المجيز كون المجيز الفعلي نافذ التصرف حين العقد،

ام لا يعتبر ذلك، ام هناك تفصيل؟ وجوه:

و قبل الشروع في المطلب ينبغي تقديم امور:

الأول: انه بناء علي كون البحث في الأمر السابق في اعتبار وجود المجيز، الفرق بينه و بين هذا واضح، و أما بناء علي كون البحث فيه في انه هل يعتبر وجود مجيز جائز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 128

______________________________

جائز التصرف شرعا حين العقد أم لا، فالفرق بين الأمرين ان البحث هناك كان في اعتبار وجود مجيز جائز التصرف حين العقد و عدمه، و في المقام في انه هل يعتبر كون المجيز الفعلي نافد التصرف حال العقد ام لا.

و بعبارة اخري: انه لو فرضنا اعتبار وجود مجيز جائز التصرف حال العقد، و كان موجودا حينه و لم يجز و كان المجيز الفعلي غيره، كما لو بيع مال الصغير مع وجود المصلحة و اهمل الولي و لم يجز حتي بلغ فاجاز نفسه، فان المجيز الفعلي لا يكون نافذ التصرف حين العقد و ان كان مجيز نافذ التصرف موجودا حينه، هل يكفي ذلك ام لا؟ الثاني: انه ربما يورد علي المصنف قدس سره حيث جعل الصغر و السفه و الجنون من باب عدم المقتضي، مع انها اما موانع، أو أن البلوغ و الرشد و العقل شرائط التأثير، فان المقتضي

للسلطنة علي التصرف في المال اضافته الي المتصرف، أو اذن من له الاضافة فهذه الأمور اجنبية عن المقتضي.

و لكن يمكن دفعه: بان نظره الشريف الي ان عدم نفوذ التصرف تارة: يكون لقصور من ناحية المتصرف، و اخري: يكون من جهة سلطنة الغير ايضا علي المال، و عبر عن الأول بعدم المقتضي، و عن الثاني بوجود المانع، و عليه فيصح ان يقال: ان عدم المقتضي اما لعدم الملك أو لجنون المالك أو سفاهته أو صغره، و به يظهر الفرق بين هذه الأمور و بين حق الرهن المتعلق بالمال.

الثالث: ان السيد قدس سره و غيره اوردوا علي المصنف قدس سره في جعله المسألة الثالثة و هي ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه كذلك من مسائل هذا العنوان، مع انها اجنبية عنه.

و يمكن دفعه: بان المراد من عدم الجواز في العنوان عدم الجواز الفعلي لا عدم الجواز الواقعي، فالمجيز ربما لا يكون جائز التصرف واقعا كما في الأولي و الثانية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 129

الأولي: ان يكون المالك حال العقد هو المالك حال الاجازة

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر (1) و الاقوي صحة الاجازة بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن فإنه لا حاجة الي الاجازة كما صرح به في التذكرة.

______________________________

و اخري لا يكون جائز التصرف فعلا كما في الثالثة.

الرابع: ان المصنف قدس سره جعل المسألة الأولي اعم مما كان عدم الجواز لمانع كالرهن،

أو لعدم المقتضي بالتفسير الثاني من جهة وحدة ملاك البحث، كما انه جعل المسألة الثانية- و هي عدم الملك حال العقد- مسألتين لتعدد الجهة من حيث الإجازة و عدمها.

إذا عرفت هذه الأمور

تعرف ان ما سلكه المصنف قدس سره في عنوان هذا البحث و تشقيقه الشقوق هو الصحيح.

و كيف كان: فالكلام يقع في مسائل:

لو كان المالك حين العقد غير جائز التصرف

(1) المسألة الاولي: ان يكون المالك حال العقد، هو المالك حال الاجازة، لكن

المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر، فهل يصح البيع بالإجازة ام لا؟ و الكلام في هذا المسألة يقع في جهات:

الأولي: في صحة بيع ما هو متعلق حق الغير.

الثانية: في عتقه.

الثالثة: في احتياج صحة البيع الي الإجازة بعد ارتفاع الحجر و عدمه.

الرابعة: في جريان نزاع الكشف و النقل في رافع الحجر و عدمه.

الخامسة: في بيع الصبي و المجنون و السفيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 130

______________________________

اما الجهة الأولي: فقد استدل علي فساد البيع: بان البيع تصرف في ما هو متعلق حق الغير فلا يجوز، و النهي عن المعاملة يدل علي الفساد.

و فيه: ان البيع ليس تصرفا في العين، مع انه لو كان حراما لم يكن وجه لفساده، إذ النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد، و قد تقدم تقريب كلا الجوابين.

و أما الجهة الثانية: فقد ذهب المحقق النائيني قدس سره الي انه ملزم علي العتق، فلا بد اما من لزوم اداء الدين و فك الرهانة علي الراهن، و أما من استسعاء العبد في فكاك رقبته بفك الرهانة.

و استدل له: بان الإجازة انما تؤثر فيما يؤثر الرد فيه، ورد الحر الي الرق غير ممكن،

و بان تأثير العتق من الراهن- حيث انه مالك للعين- لا اشكال فيه، خصوصا مع كون العتق مبنيا علي التغليب.

و يرد علي الأول: ان الرد المقابل للاجازة رد العقد لارد نتيجته، فعدم امكان رد الحر الي الرق غير عدم امكان رد العتق نفسه.

و

بعبارة اخري: إذا كان العتق مراعي بالإجازة، فلو اجازه يتحقق و تترتب عليه الحرية، و لو رده لا يصير حرا كي يلزم منه رجوعه الي الرق.

و يرد علي الوجه الثاني: ان كون العتق منيبا علي التغليب معناه انه لو انعتق مقدار من العبد يتعين عتق الباقي، لا انه لو تعلق العتق المراعي به يكون ملزما عليه. فتدبر.

فالأظهر عدم الفرق بين العتق و البيع في ذلك.

اما الجهة الثالثة: فالأظهر عدم الاحتياج الي الإجازة، إذ الاحتياج إليها انما هو لتحقيق الاستناد المتحقق في المقام بدونها.

و أما الجهة الرابعة: فقد يقال: انه لا يجري نزاع الكشف و النقل في مثل فك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 131

______________________________

الرهانة و اسقاط المرتهن و نحوهما من جهة ان حق المرتهن إذا كان مانعا عن تأثير العقد فحكم الفك و الاسقاط حكم القبض في باب الصرف و السلم، لأن عدم المانع من اجزاء العلة، فملكية المشتري كما تتوقف علي القبض في البابين، كذلك تتوقف ملكية مشتري العين المرهونة علي خروج العين عن كونها مخرجا للدين، فلا تتحقق الملكية قبل ذلك.

و فيه: ان الكشف بالمعني الذي ذكرنا في الإجازة انه غير معقول لا يكون في الفك و الاسقاط لما ذكرناه،

مضافا الي ان لازمه خروج العين عن كونها وثيقة، و أما بالمعني المعقول في الإجازة، فيمكن البناء عليه في المقام ايضا، و الدليل عليه حينئذ هو العمومات بال تقريب المتقدم هناك.

و يؤيد ذلك بل يدل عليه، انه لو باع العين المرهونة غير المالك ثمّ بعد فك الرهن اجاز المالك ذلك العقد، لا شبهة في انه يلتزم بالكشف فيها من يلتزم بالكشف في الإجازة مطلقا.

و أما الجهة الخامسة: فلو باع المالك فاجازه الولي لا كلام، و

لو صار بنفسه جائز التصرف فاجاز يكون من صغريات ما تقدم في الأمر الأول.

و الكلام في المقام انما هو فيما لو باع بنفسه، فان بنينا علي انه مسلوب العبارة لا كلام في البطلان و الا فلو صار كذلك فاجاز صح البيع لكونه عقدا اجازه المالك،

و لا يتوهم في المقام عدم الاحتياج الي الإجازة- كما ذكرناه في بيع المرهون فانه يدفعه ان العقد في حال الانشاء و ان كان مستندا الي المالك تكوينا الا ان الشارع الأقدس الغي هذا الاستناد، فيحتاج الي الإجازة تحقيقا للاستناد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 132

الثانية: ان يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره (1)
اشارة

لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول، و هو: ما لو باع شيئا،

ثمّ ملكه، و هذه تتصور علي صور، لأن غير المالك اما ان يبيع لنفسه أو للمالك، و الملك اما ان ينتقل إليه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالارث ثمّ البائع الذي يشتري الملك، اما ان يجيز العقد الأول و أما ان لا يجيزه، فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له، و المهم هنا التعرض، لبيان ما لو باع لنفسه،

ثمّ اشتراه من المالك و اجاز و ما لو باع و اشتري و لم يجز و يعلم حكم غير هما منهما.

اما المسألة الأولي: فقد اختلفوا فيها (2) فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر: فيما إذا باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه، انه صح البيع و الرهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشيخ صح البيع و الرهن. و فيه اشكال لأن العين مملوكة و إذا ادي العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها الي اجازة مستأنفة، كما لو باع مال غيره، ثمّ اشتراه انتهي.

بل يظهر مما حكاه عن

الشيخ عدم الحاجة الي الاجازة الا ان يقول الشيخ بتعلق الزكاة بالعين كتعلق الدين بالرهن، فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم، و لم يحتج الي اجازة مستأنفة. و بهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في تعليق الارشاد، و هو البطلان

______________________________

من باع شيئا ثمّ ملك

(1) قوله الثانية: يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره.

لكن المعنون في كلمات الأصحاب المسألة الاولي و هي ما لو باع شيئا ثمّ ملكه،

و هذه تتصور علي صور الا ان المهم منها اثنتان.

(2) احداهما: ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه و اجاز، و الاقوال فيها ثلاثة:

الأول: البطلان اختاره صاحب المقابيس قدس سره.

الثاني: الصحة مع الإجازة، اختاره المحقق و الشيخ قدس سره و جمع آخرون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 133

و مال إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه، و الاقوي هو الاول للأصل (1)

و العمومات السليمة عما يرد عليه ما عدا امور لفّقها بعض من قارب عصرنا مما يرجع أكثرها إلي ما ذكر في الايضاح و جامع المقاصد.

الأول: انه قد باع مال الغير لنفسه و قد مر الاشكال فيه، (2) و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك.

و فيه انه قد سبق ان الاقوي صحته (3) و ربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الاجازة لما قصده المتعاقدان (4).

______________________________

الثالث: الصحة بدون التوقف علي الإجازة، نسب ذلك الي المصنف قدس سره، و في النسبة ما لا يخفي، فان منشأها افتاؤه بصحة بيع النصاب في الزكاة ايضا ان اغترم حصة الفقراء، مع انه يمكن ان يكون ذلك من جهة ذهابه قده الي ان تعلق الزكاة بالعين من قبيل حق الرهانة أو الجناية، و يمكن ان

يكون للنص الخاص «1».

(1) و كيف كان: فقد استدل المصنف للصحة- مضافا الي العمومات- بالاصل:

و فيه انه ان اراد بالأصل هو اصالة البراءة، فيرد عليه: ان الأصل في المعاملات هو الفساد.

و ان اراد به اصالة البراءة، فيرد عليه: انه قدس سره بني علي عدم الرجوع إليها عند الشك في جزئية شي ء أو شرطيته للأسباب في باب المعاملات- كما تقدم منه في مقدمة الكتاب- فلا محالة يكون مراده به القاعدة المستفادة من العمومات، و لكن علي المختار لا بأس بالاستدلال به ايضا فمقتضي العمومات و الأصل هي الصحة.

و قد استدل للبطلان بامور:

(2) الاولي: انه قد باع مال الغير لنفسه، و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك من الأجوبة عن ذلك الاشكال.

(3) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بان الاقوي صحته

(4) قال و ربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب ما تحب فيه الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 134

______________________________

مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاوضان.

توضيح المقام: ان عمدة الأشكال في تلك المسألة انما هي امران.

احدهما: انه بناء علي اعتبار دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض، و بالعكس الفضولي البائع مال الغير لنفسه غير قاصد لحقيقة المعاوضة و البيع.

الثاني: مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

اما الاشكال الأول: فلو تم ما ذكروه جوابا عنه في تلك المسألة من ان الفضولي انما يبيع للمالك و يبني علي انه هو المالك، جري ذلك في المقام.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره في المقام من ان مبني هذا الجواب علي ان الغاصب سارق الاضافة و يري نفسه المالك و هذا لا يجري في المقام لأنه لم يسرق الاضافة و لم يغصب المال، و

عليه فليس له قصد المعاوضة، ثمّ قال الا ان يقال ان قصد البيع لنفسه حيث يقع ممن يطمئن بتملك المبيع، فكأنه يري نفسه صاحب المال بالمشارفة فيبيع ما يملكه فعلا بلحاظ ملكه فيما بعد. يرد عليه:

اولا: ان الجواب المذكور لا يختص ببيع الغاصب، بل هو جار في كل من يبيع مال الغير لنفسه، و لا فرق عليه بين ان يملكه فيما بعد و عدمه.

و ثانيا: انه لو لم يكن قاصدا لذلك لم يفد ما افادة اخيرا، فان من يطمئن بانه سيملك لا يري نفسه مالكا بالفعل، فلا يقدر علي قصد المعاوضة الا بالبناء علي المالكية فيرجع الي ما تقدم.

و أما الاشكال الثاني: فأجابوا عنه هناك: بانه بعد فرض كون البائع قاصدا للبيع للمالك، و بانيا علي انه هو المالك، الإجازة من المالك تتعلق بالأول دون الثاني، فلا يلزم مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان، و هذا الجواب لا يجري في المقام، فان البائع انما يبيعه للمالك و حين الإجازة يجيز وقوع العقد لنفسه غير المالك حين العقد، فمن وقع له العقد غير من يجيز المجيز وقوع العقد له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 135

الثاني: انا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضي المالك و القدرة علي التسليم، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز (1) لأنه البائع حقيقة و الفرض هنا عدم اجازته و عدم وقوع البيع عنه، و فيه ان الثابت هو اعتبار رضاء من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد ام لا لأن الداعي علي اعتبار الرضا سلطنة الناس علي اموالهم و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب انفسهم، و قبح التصرف فيها بغير رضاهم. و هذا المعني لا يقتضي ازيد مما

ذكرنا. و أما القدرة علي التسليم فلا نضايق من اعتبارها في المالك حين العقد، و لا يكتفي بحصولها فيمن هو مالك حين الاجازة، و هذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع المذكور لأن الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها

______________________________

فتحصل: ان ما افاده المحقق صاحب المقابيس هو الصحيح علي هذا المسلك،

و لكن ما ذكرناه هناك في وجه التصحيح و دفع هذا الاشكال- من انه لو باع لنفسه مع عدم البناء علي المالكية فاجازه المالك صح و وقع للغاصب، و لو باع لنفسه مع البناء عليها،

فحيث ان انشاءه بالمطابقة يدل علي تملك المعوض، و بالالتزام يدل علي المبادلة المذكورة، فيصح للمالك اجازة هذا المدلول الالتزامي فيقع له، كماله اجازة المدلول المطابقي فيقع للغاصب- يجري في المقام كما لا يخفي. فالأظهر عدم تمامية هذا الوجه.

(1) الثاني: ان بيع الفضولي لا بد و ان يكون واجد الجميع ما يعتبر في صحة البيع سوي الإجازة، بحيث لو لحقته الإجازة صح فعلا، و حيث ان من جملة شرائط صحة البيع التي باجتماعها يصير البيع صحيحا بالصحة التأهلية- و لا ينتظر في ترتب الأثر عليه سوي الإجازة- كون من يراد وقوع البيع له قادرا علي التسليم و امكان الرضا منه- كما في عقد الفضولي في سائر المقامات و المقام ليس كذلك- فان من يراد وقوع البيع له هو الفضولي، و هو حين العقد غير واجد للقدرة المؤثرة في النقل- اي قدرة من بيده امر المال و كذلك رضاه- فهذا البيع الفضولي غير صحيح بالصحة التأهلية، فلا يمكن تصحيحه بالإجازة. هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه. هذا الأمر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 136

الثالث: ان الاجازة حيث صحت كاشفة (1)

علي الاصح مطلقا لعموم الدليل الدال عليه، و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه، و فيه منع كون الاجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد، (2)

حتي فيما لو كان المجيز غير المالك حين العقد، فإن مقدار كشف الاجازة تابع لصحة البيع، فإذا ثبت بمقتضي العمومات ان العقد الذي اوقعه البائع لنفسه عقد صدر من اهل العقد في المحل القابل للعقد عليه، و لا مانع من وقوعه الا عدم رضاء مالكه، فكما ان مالكه الأول إذا رضي يقع البيع له، فكذلك مالكه الثاني

______________________________

و الجواب عنه: ان المراد من اعتبار الرضا في المالك ان كان هو اعتبار رضا من يلتزم بالمعاملة و يصير مخاطبا بخطاب) أَوْفُوا (ففي المقام موجود، فان حال الإجازة هو حال انفاذ المعاملة.

و ان كان المراد منه اعتبار رضا المالك في حال العقد، فيرد عليه: انه غير معتبر قطعا لأنه في اغلب موارد بيع الفضولي لا يكون ذلك موجودا اما للكراهة أو للغفلة أو لغيرهما، و لم يتوهم احد فساد المعاملة من هذه الناحية. و علي اي تقدير لا دليل عليه.

و ان كان المراد منه اعتبار رضا من هو مالك حال العقد، فهو اول الدعوي، و لا دليل عليه.

و أما القدرة علي التسليم فظاهر كلام المصنف قدس سره تسليم اعتبار قدرة المالك حال العقد، و هو ايضا لا دليل عليه، بل الدليل من القاعدة و غيرها انما يقتضي اعتبار قدرة من هو ملتزم بالمعاملة، و تنتسب هي إليه. و حيث ان حال الإجازة حال الالتزام بها و انفاذها، و المفروض وجودها حينها، فلا حالة منتظرة لصحة البيع، و لو سلم اعتبار قدرة المالك حال العقد،

فيرده ما افاده الشيخ قدس سره من: ان الكلام بعد فرض استجماع العقد لجميع الشرائط.

(1) الثالث: ان الاجازة كاشفة في موارد صحتها، و الالتزام به في المقام مستلزم لخروج المال عن ملك بائعه قبل الدخول في ملكه.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره بما حاصله: انا نلتزم في المقام بخروج المال عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 137

إذا رضي يقع البيع له و لا دليل علي اعتبار كون الرضا المتأخر ممن هو مالك حال العقد، و حينئذ فإذا ثبت بالدليل فلا محيص عن القول بأن الاجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في اول ازمنة قابليته، إذ لا يمكن الكشف فيه علي وجه أخر، فلا يلزم من التزام هذا المعني علي الكشف محال عقلي و لا شرعي حتي يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحة. فإن كان لا بد من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة أو في القول بأن الواجب في الكشف عقلا أو شرعا ان يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد. و قد عرفت ان لا كلام في مقتضي الصحة، و لذا لم يصدر من المستدل علي البطلان، و انه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الاجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها، و لا يتوهم ان هذا نظير ما لو خصص المالك الاجازة بزمان متأخر عن العقد، إذ

______________________________

ملك المجيز من اول ازمنة قابليته، لأنه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها، و عليه فإذا صدر العقد و رضي المالك الفعلي به و اجازه يقع البيع له، و لازمه خروج المال عن ملكه من اول ازمنة قابليته للتاثير.

الذي يلوح من صدر كلامه

و يصرح به في آخره: انه قدس سره ظن ان صاحب المقابيس لا كلام له في وجود المقتضي للصحة، و انما كلامه في وجود المانع، فأجاب عنه: بان المانع انما يمنع عن التأثير في الملكية من حين العقد، و لا يمنع عن التأثير في لملكية من بعد حصول الملك للبائع.

و لكن الظاهر من كلامه قدس سره انه لا مقتضي للصحة، و حاصل ما افاده: ان دليل صحة بيع الفضولي و القول بالكشف دليل واحد، و هو ان العقد انما هو نقل من حينه، و الإجازة تتعلق بهذا، و الإمضاء الشرعي متعلق بذلك ايضا، و حينئذ ففي المقام لا يمكن شمول العمومات و ادلة الامضاء للعقد، فلا مقتضي للصحة، و ذلك لأنه ان التزمنا بشمولها له و صيرورته ملكا للمشتري من حين العقد لزم خروج الملك عن ملكه قبل دخوله فيه، و ان التزمنا بشمولها له و الانتقال إليه من بعد صيرورته مالكا لزم الالتزام بالتبعيض في مضمون العقد، مع انه امر واحد و التزام فارد متعلق بنقل المال من حينه الي الابد و لا يتعدد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 138

التخصيص انما يقدح مع القابلية، كما ان تعميم الاجازة لما قبل ملك المجيز بناء علي ما سبق في دليل الكشف من ان معني الاجازة امضاء العقد من حين الوقوع،

أو امضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية تأثيرها، الا من زمان ملك المجيز للمبيع.

الرابع: ان العقد الأول، انما صح و ترتب عليه اثره باجازة الفضولي، و هي متوقفة علي صحة العقد الثاني المتوقفة علي بقاء ملك مالكه الاصلي، فيكون صحة الأول مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك و المشتري معا في

زمان واحد، و

هو محال لتضادهما (1) فوجود الثاني يقتضي عدم الاول و هو موجب

______________________________

بتعدد الزمان كي يقال بتعلق الامضاء ببعضه دون بعض، بل هو امر واحد اما يمضيه الشارع من الأول أو لا يمضيه، فلا يقع الي الأبد. و في باب الصرف و السلم دل الدليل الخاص علي حصول النقل و الانتقال من بعد القبض، و هو في المقام مفقود فعلي هذا المسلك في الكشف لا مناص عن البناء علي البطلان في المقام.

نعم بناء علي ما سلكه المصنف قدس سره من ان العقد لا يكون مفاده سوي التمليك، و الإجازة متعلقة بذلك، و الإمضاء متعلق به ايضا، و لم يؤخذ الزمان فيه ابدا و انما يبني علي الكشف للنصوص الخاصة، صح البناء علي الصحة في المقام للعمومات كما انه بناء علي ما اخترناه في الكشف من الالتزام بالكشف الانقلابي بالنحو المعقول كما تقدم لا يلزم ذلك، إذ المال من حين العقد الي شراء البائع و انتقاله إليه ملك لمالكه الأول، و من ذاك الوقت الي زمان الإجازة ملك للمجيز، و بعد الإجازة يصير ملكية المشتري الاول من حين العقد فالخروج انما يكون من حين الاجازة فلا يلزم الخروج قبل الدخول، و أما الخارج فهو القطعة ما بعد الدخول، لأنه مقتضي شمول العمومات و خطاب) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (.

(1) الرابع ان صحة العقد الأول تتوقف علي صحة الثاني كي يصير المال ملكا للمجيز فيجيز،

و صحة الثاني تستلزم ملكية المالك الأصلي الي حين العقد الثاني، فعلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 139

لعدم الثاني أيضا فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد و هو محال، فإن قلت:

مثل هذا لازم في كل عقد فضولي لأن صحته موقوفة علي الاجازة المتأخرة المتوقفة

علي بقاء ملك المالك و المستلزمة لملك المشتري كذلك فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم اما بطلان عقد الفضولي مطلقا، أو بطلان القول بالكشف فلا اختصاص لهذا الايراد بما نحن فيه.

قلنا: يكفي في الاجازة ملك المالك ظاهرا و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لأنها في الحقيقة رفع اليد و اسقاط للحق، و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني.

اقول: قد عرفت ان القائل بالصحة ملتزم بكون الاثر المترتب علي العقد الأول بعد اجازة العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد لا من حين العقد. و حينئذ فتوقف اجازة العقد الأول علي صحة العقد الثاني مسلم، و توقف صحة العقد الثاني علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي الي زمان العقد مسلم ايضا.

فقوله صحة الأول يستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان ممنوع بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الاصلي، نعم انما يلزم ما ذكره من المحال، إذا ادعي وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك حين العقد،

و لكن هذا امر تقدم دعواه في الوجه الثالث. و قد تقدم منعه، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر، كما لا يخفي، نعم يبقي في المقام (1) الاشكال الوارد في مطلق الفضولي

______________________________

الكشف يلزم اجتماع المالكين- اي المشتري الأول و المالك الأصلي- قبل العقد الثاني و بعد الأول علي مال واحد في زمان واحد، و هو من اجتماع الضدين، و يلزمه اجتماع النقيضين، إذ لازم وجود احد الضدين عدم الآخر. و الجواب عن ذلك بعد الالتزام بالكشف من حين العقد الثاني واضح.

(1) انما الكلام في المقام في الإشكال العام الذي اوردوه علي القول بالكشف) و يذكر ذلك

في المقام لمناسبة غير خفية (و هو: ان صحة الإجازة تتوقف علي كون المجيز،

مالكا، لأن اجازة غير المالك كالعدم، و المفروض انها توجب ملكية المشتري قبلها، فيلزم بعد العقد و قبل الإجازة اجتماع مالكين علي مال واحد، و المصنف قدس سره يسلم الأشكال علي القول بالكشف بنحو الشرط المتأخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 140

علي القول بالكشف و هو كون الملك حال الاجازة للمجيز و المشتري معا،

و هذا اشكال آخر تعرض لاندفاعه اخيرا، غير الاشكال الذي استنتجه من المقدمات المذكورة، و هو لزوم كون الملك للمالك الاصلي و للمشتري. نعم يلزم من ضم هذا الاشكال العام الي ما يلزم في المسألة علي القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد قبل العقد الثاني. لوجوب التزام ملكية المالك الاصلي حتي يصح العقد الثاني، و مالكية المشتري له، لأن الاجازة تكشف عن ذلك و ملكية العاقد له لأن ملك المشتري لا بد ان يكون عن ملكه، و الا لم ينفع اجازته في ملكه من حين العقد لأن إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير الي غيره. ثمّ ان ما اجاب به عن الاشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني، لان الاجازة إذا وقعت فإن كشفت عن ملك المشتري قبلها كشفت عما يبطلها، لأن الاجازة لا تكون الا من المالك الواقعي و المالك الظاهري انما يجدي اجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الاجازة (1) و لذا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع اجازته، لأن المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.

______________________________

الحق ان يقال في الجواب عن ذلك: انه لم يدل دليل علي لزوم اتصال ملك المجيز بزمان

الإجازة بما هي اجازة، بما هي اجازة، بل اللازم اتصال الملك بزمان التصرف الناقل مع كون زمام ذلك بيد المجيز كي يكون النقل عن ملكه باجازته و امضائه، و عليه ففي المقام بما ان زمان التصرف الناقل هو زمان العقد علي الكشف، فالمعتبر اعتبار اتصال ملكيته بذلك الزمان و هو متحقق علي الفرض. هذا علي الكشف بالمعني المشهور.

و أما علي الكشف المختار فالأشكال غير وارد اصلا لفرض اتصال ملكيته بالإجازة كما لا يخفي، مع انه يمكن ان يقال بكفاية كونه ملكا له ان لم يجز، و ان لزم من الإجازة كونه ملكا لغيره، و نظيرها في ذلك الإقرار علي ما في اليد بانه للغير، فانه لو لا الإقرار علي ان ما في يده للغير يكون له و ان كان بالإقرار يكون لغيره، فايراد المصنف علي صاحب المقابيس بقوله.

(1) لمالك الظاهري انما يجدي اجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الإجازة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 141

ثمّ ان ما ذكره في الفرق بين الاجازة و العقد الثاني من كفاية الملك الظاهري في الأول دون الثاني تحكم صرف، خصوصا مع تعليله بأن الاجازة رفع لليد و اسقاط للحق، فليت شعري ان اسقاط الحق كيف يجدي و ينفع مع عدم الحق واقعا، مع ان الاجازة رفع لليد من الملك ايضا بالبديهة، و التحقيق ان الاشكال انما نشأ من الاشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة علي الوجه المشهور، من كونها شرطا متأخرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.

الخامس: ان الاجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الاول (1) و عن كون المال ملك المشتري الأول، فقد وقع العقد الثاني علي ماله، فلا بد من اجازته،

كما لو بيع

المبيع من شخص آخر فاجاز المالك البيع الأول، فلا بد من اجازة المشتري البيع الثاني، حتي يصح و يلزم، فعلي هذا يلزم توقف اجازة كل من الشخصين علي اجازة الآخر و توقف صحة كل من العقدين علي اجازة المشتري الغير الفضولي، و هو من الاعاجيب، بل من المستحيل، لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن و تملك

______________________________

غير وارد إذ الظاهر ان ما ذكرناه مراد صاحب المقابيس من قوله يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا فلا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره:

(1) الخامس: ان الإجازة لما كشف عن صحة العقد الأول لزم منه كون المال حين العقد الثاني ملكا للمشتري الأول، فصحة الثاني، تتوقف علي اجازته، و هي تتوقف علي صحة الأول المتوقفة علي اجازة المشتري الأول فيلزم توقف اجازة كل من الشخصين علي اجازة الآخر، و ايضا يلزم توقف صحة كل من العقدين علي اجازة المشتري غير الفضولي، و هو محال، فان لازمه عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن، و تملك المشتري الأول المبيع بلا عوض، اما عدم تملكه المثمن فلفرض انتقاله عنه بالبيع، و أما عدم تملكه الثمن فلأن العقد الأول ينتقل ثمنه الي المالك الثاني و الثمن في العقد الثاني ينتقل الي المشتري الاول لوقوعه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 142

المشتري الأول المبيع بلا عوض ان اتحد الثمان و دون تمامه ان زاد الأول و مع زيادة ان نقص لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له، و قد كان المبيع له ايضا بما بذله من الثمن و هو ظاهر.

و الجواب عن ذلك ما تقدم في سابقه من ابتنائه علي وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك من حين

العقد و هو ممنوع. (1)

و الحاصل ان منشأ الوجوه الاخيرة شي ء واحد و المحال علي تقديره مسلم بتقريرات مختلفة، قد نبه عليه في الايضاح و جامع المقاصد.

______________________________

في ملكه، فيلزم انتقال المثمن و الثمن في العقد الثاني الي المشتري الأول.

اما كون اللازم الأول محالا فلأن حقيقة البيع هي المعاوضة، و مقتضاها تملك الثمن علي تقدير البيع، و تملك المثمن علي تقدير عدم البيع، فعدم تملك شي ء منهما مستلزم لارتفاع النقيضين.

و أما كون الثاني محالا فلأن مقتضي المعاوضة ان يتملك المشتري بعوض بعينه،

و لا يعقل تحققها و تخلف مقتضاها عنها.

(1) و اجاب المصنف قدس سره عن هذا الإيراد: بانه يرد علي القول بالكشف من حين العقد

و لو التزمنا بالكشف من حين العقد الثاني فلا يلزم محذور اصلا.

و اجاب السيد المحشي قدس سره عن لزوم توقف كل من الاجازتين علي الأخري و صحة العقد الثاني علي اجازة المشتري الأول: بان بيع مال الغير انما يكون موقوفا علي اجازته إذا كان ذلك المال ماله، مع قطع النظر عن هذا البيع، و في المقام انما تحدث الملكية من الأول بشرط هذا البيع و الإجازة، و مثل هذا لا يعقل ان يكون موقوفا علي الإجازة فصحة العقد الثاني، و اجازة المشتري الثاني لا تتوقفان علي اجازة المشتري الأول.

و فيه: ان جميع ما ذكر دليلا علي توقف صحة البيع الواقع علي مال الغير علي اجازته يدل علي توقفها عليها في المقام.

فالحق ان يقال: ان هذا المحذور انما يلزم علي القول بالكشف المشهور، و أما علي الكشف المختار فان بنينا علي الكشف من حين العقد الثاني كما مر فالامر واضح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 143

السادس: ان من المعلوم انه يكفي في اجازة المالك

و فسخه فعل ما هو من لوازمها، و لو باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني، فقد نقل المال عن نفسه و تملك الثمن و هو لا يجامع صحة العقد الاول (1) فإنها تقتضي تملك المالك للثمن الأول و حيث وقع الثاني يكون فسخا له و ان لم يعلم بوقوعه، فلا يجدي الاجازة المتأخرة.

و بالجملة حكم عقد الفضولي قبل الاجازة، كسائر العقود الجائزة بل اولي منها فكما أن التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي.

و الجواب ان فسخ عقد الفضولي هو انشاء رده.

و أما الفعل المنافي لمضيه كتزويج المعقودة (2) فضولا نفسها من آخر، و بيع المالك ماله المبيع فضولا من آخر، فليس فسخا له خصوصا مع عدم التفاته الي وقوع عقد الفضولي

______________________________

و أما ان قلنا بكشفها عن الملكية من حين العقد الأول، فحيث ان العقد الثاني واقع في ملك المالك الأصلي فيصح بلا توقف علي شي ء و ينتقل ثمنه إليه، فإذا اجاز المشتري العقد الأول الذي اوقعه فضولا لزم منه اعتبار الملكية من حين العقد الأول بنحو النقل في الملكية و الكشف في المملوك، و هذا لا يلزم الكشف عن وقوع العقد الثاني في ملك المالك بالفعل، فان هذا الاعتبار وارد علي العقد. فتدبر فانه دقيق.

(1) السادس: ان العقد الأول انما يصح بالإجازة، و من شرائطها عدم مسبوقيتها بالرد،

و العقد الثاني يستلزم الرد، فانه لا يجامع العقد الثاني صحة الأول المقتضية لتملك المالك للثمن الأول، فلا محالة يكون الثاني فسخا للأول و ان لم يعلم بوقوعه، فلا تجدي الإجازة المتأخرة.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره بان الرد و الفسخ تارة: يكون بانشائه قولا لو فعلا،

و اخري: يكون بفعل ما يفوت محل الإجازة.

و الثاني

علي قسمين: احدهما: ما يفوت محلها فيترتب عليه انحلال العقد رأسا.

ثانيهما: ما يفوت محلها بالنسبة الي الفاعل فلا مانع من بقاء العقد بالإضافة الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 144

غاية ما في الباب ان الفعل المنافي لمضي العقد مفوت لمحل الاجازة، فإذا فرض وقوعه صحيحا فات محل الاجازة، و يخرج العقد عن قابلية الاجازة، اما مطلقا،

كما في مثال التزويج أو بالنسبة الي من فات محل الاجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع، فإن محل الاجازة انما فات بالنسبة الي الأول، فللمالك الثاني ان يجيز، نعم لو فسخ المالك الأول نفس العقد بانشاء الفسخ بطل العقد من حينه اجماعا، و لعموم تسلط الناس علي اموالهم بقطع علاقة الغير عنها.

فالحاصل انه ان اريد من كون البيع الثاني فسخا انه ابطال لأثر العقد في الجملة فهو مسلم، و لا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة الي المالك الثاني فيكون له الاجازة، و ان اريد انه إبطال العقد رأسا فهو ممنوع، إذ لا دليل علي كونه كذلك، و تسمية مثل ذلك الفعل ردا في بعض الأحيان من حيث أنه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة الي فاعله بحيث يكون الاجازة منه بعده لغوا، نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا، لم يبعد كونه

كالانشاء بالقول، لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب

______________________________

و في المقام بما انه لم ينشأ الرد كما هو المفروض، و البيع ليس كالعتق موجبا لعدم بقاء المحل رأسا كي ينحل العقد رأسا، بل هو موجب لفوت محلها بالإضافة الي المالك لخروج المال عن ملكه و أما الفضولي الذي اشتراه فمحل الاجازة بالاضافة إليه باق فلا مانع من شمول ادلة النفوذ

له، و لا يقاس ذلك بتصرف ذي الخيار من جهة انه ينحل هناك العقد بمجرد فعل ما ينافيه، فانه هناك لو لم ينحل لم يجز التصرف لعدم كونه ملكه، و هذا بخلاف المقام كما هو واضح.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من: انه إذا كان فعل مفوتا لمحل الإجازة، بالإضافة الي المتصرف كان مفوتا لمحلها بالإضافة الي غيره ايضا، إذ البيع عبارة عن تبديل طرفي الاضافة مع اعتبار تعلق الاضافة بشخص خاص، فمن كان مالكا حين العقد من جهة فوت محل الإجازة بالاضافة إليه ليس له الاجازة و الفضولي الذي اشتري المال لم يكن احد طرفي الاجازة فليس له ذلك ايضا كما ليس له الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 145

إذ المقصود ان مجرد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد، و لذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد علي حاله من قابلية لحوق الاجازة.

و أما الالتزام في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرد الفعل المنافي فلأن صحة التصرف المنافي تتوقف علي فسخ العقد،

و إلا وقع في ملك الغير (1) بخلاف ما نحن فيه، فإن تصرف المالك في ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، لوقوعه في ملكه، فلا يتوقف علي فسخه، غاية الامر انه إذا تصرف فات محل الاجازة.

و من ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله اخيرا.

و بالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة، بل اولي فإن قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث علي المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق فضلا عن دعوي الاولوية و سيجي ء مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد

______________________________

يرد عليه: ان مآل هذا الي انه لا تطابق بين

ما وقع عليه العقد و ما تعلقت به الإجازة، و هذا هو الأشكال الثاني، و الجواب عنه قد تقدم، و الكلام في المقام في هذا المحذور المذكور من حيث هو.

و ما اورده المحقق الايرواني قدس سره عليه بان: البيع لشي ء انشاء لرد كل عقد وقع عليه علي سبيل الإجمال و ان لم يلتفت الي العقد و لم يعلم به، فكل فعل للمنافي فهو انشاء للرد فلا وجه للتفصيل بين انشاء الرد و فعل ما ينافيه.

يمكن دفعه: بان انشاء الرد انما هو كسائر الأنشاءات متقوم بالقصد و بدونه لا يتحقق، فما افاده الشيخ قدس سره متين.

(1) نعم ما ذكره اخيرا في وجه كون الفعل المنافي موجبا لانفساخ العقد في البيع الخياري

يمكن ان يورد عليه: بانه إذا لم يكن الفعل في نفسه مستلزما لإنشاء الرد لم يرد الا بذلك، لأنه، لا محذور في الالتزام بوقوعه في ملك الغير، و اصالة الصحة في الفعل لا تصلح لاثبات تحقق قصد الرد. فتدبر،

مضافا الي انه قد تقدم عدم قدح الرد في تأثير الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 146

) السابع (: الاخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع ما ليس عندك (1) فإن النهي فيها اما لفساد البيع مطلقا بالنسبة الي المخاطب و إلي المالك فيكون دليلا علي

فساد العقد الفضولي، و أما لبيان فساده بالنسبة الي المخاطب خاصة كما استظهرناه سابقا فيكون دالا علي عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقا و لو ملكه فأجاز، بل الظاهر ارادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع، و الا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج الي البيان

______________________________

السابع: النصوص الخاصة، و هي طائفتان:

(1) الأولي: الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي

النبي صلي الله عليه و آله عن بيع ما ليس عندك، و قد تقدم «1» في اوائل بيع الفضولي انها بحسب السند لا كلام فيها.

و تقريب دلالتها: انها تدل علي فساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة الي المالك و المخاطب، أو بالنسبة الي خصوص المخاطب. و باطلاقها تدل علي عدم وقوع البيع للبائع و لو صار مالكا و اجاز.

بل الظاهر منها ارادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع و الا فعدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج الي البيان.

و اجاب عنها المصنف قدس سره: بعد نقل الروايات الخاصة بانها تدل علي عدم ترتب الأثر المقصود من البيع علي هذا البيع، و هذا لا ينافي ترتب الأثر عليه إذا لحقه الإجازة.

و فيه: ان مقتضي اطلاقها عدم ترتب الأثر عليه و ان اجاز و اجابوا عنها باجوبة اخر احسنها جوابان- و قد تقدما- احدهما: ان الظاهر البدوي من النبوي النهي عن بيع ما ليس حاضرا عنده، سواء كان مملوكا له ام لا، قدر علي تسليمه ام لا، كليا ام شخصيا و حيث انه لا يمكن الالتزام به تعين حمله اما علي النهي عن بيع ما ليس مملوكا له. أو علي النهي عن بيع ما لا يقدر علي تسليمه، و ان لم يكن الثاني اقرب لا كلام في عدم اقربية الأول.

______________________________

(1) راجع ص 33.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 147

الي البيان، و خصوص رواية يحيي بن الحجاج المصححة إليه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها اربحك كذا و كذا، قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه قبل ان تستوجبها أو تشتريها.

و رواية خالد بن الحجاج

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني و يقول:

اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك؟ قلت:

بلي، قال: لا بأس به، انما يحلل الكلام و يحرم، الكلام بناء علي ان المراد بالكلام عقد البيع فيحلل نفيا و يحرم اثباتا، كما فهمه في الوافي، أو يحلل إذا وقع بعد الاشتراء و يحرم إذا وقع قبله أو ان الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان بعنوان العقد الملزم. و يحلل إذا كان علي وجه المساومة و المراضاة.

و صحيحة ابن مسلم قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو نسية، فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

و صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل امر رجلا ليشتري له متاعا فيشتريه منه، قال لا بأس بذلك، انما البيع بعد ما يشتريه.

و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام يجيئوني الرجل فيطلب مني بيع الحرير و ليس عندي شي ء، فيقاولني و أقاوله في الربح و الاجل،

حتي يجتمع علي شي ء، ثمّ اذهب لاشتري الحرير فادعوه إليه، فقال: أ رأيت ان وجد مبيعا هو أحب إليه مما عندك أ تستطيع أن تصرف إليه عنه و تدعه، قلت نعم قال: لا بأس و غيرها من الروايات

______________________________

الطائفة الثانية النصوص الخاصة، كصحيح يحيي بن الحجاج «1» خبر خالد بن الحجاج «2» صحيح محمد بن مسلم «3» و صحيح منصور «4» و صحيح معاوية «5» المذكورة جميعا في الكتاب

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من ابواب العقود حديث 8.

(2) نفس المصدر ح

6.

(3) المصدر ح 7.

(4) نفس المصدر حديث 13.

(5) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 148

و لا يخفي ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها و من حيث التعليل في بعضها الآخر، في عدم صحة البيع قبل الاشتراء، و انه يشترط في البيع الثاني تملك البائع له و استقلاله، فيه، و لا يكون قد سبق منه و من المشتري الزام و التزام سابق لذلك المال و الجواب عن العمومات انها انما تدل علي عدم ترتب الاثر المقصود من البيع و هو النقل و الانتقال المنجز علي بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتب الأثر علي هذا البيع لا من طرف البائع بأن يتصرف في الثمن و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع، و منه يظهر الجواب عن الاخبار (1) فإنها لا تدل خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام و لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها الا علي ان الممنوع منه هو الالزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء، فكذا بعده من دون حاجة الي اجازة و هي المسألة الآتية اعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة الي الاجازة و سيأتي ان الاقوي فيها البطلان،

و ما قيل من ان تسليم البائع للمبيع، بعد اشترائه من المشتري الأول مفروض في مورد الروايات و هي اجازة فعلية مدفوع بأن التسليم إذا وقع باعتقاد البيع السابق و كونه من مقتضيات لزوم العقد و انه مما لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه إذا امتنع فهذا لا يعد إجازة و لا يترتب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي، لأن المعتبر في الإجازة قولا و فعلا ما يكون عن سلطنة و

استقلال، لأن ما يدل علي اعتبار طيب النفس في صيرورة

______________________________

(1) و المصنف قدس سره اجاب عنها اولا بما حاصلة: انها تدل علي المنع عن الإلزام

و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع قبل الاشتراء، فكذا بعده من دون حاجة الي الإجازة،

و هذا لا ينافي الصحة مع الإجازة. ثمّ رجع عن ذلك و التزم بدلالتها علي الفساد من جهة ان عدم ترتب الأثر المقصود علي عقد الا مع انضمام بعض الأمور اللاحقة كالقبض و الإجازة لا يقتضي النهي عنه بقول مطلق، بل لا بد من النهي عنه مقيدا بتجرده عن ذلك القيد. فاطلاق النهي يقتضي الفساد حتي مع الإجازة.

و الحق في المقام ان يقال: ان الصحاح الثلاثة الأخيرة ظاهرة في ارادة بيع الكلي،

و تدل علي انه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ثمّ اشتراء بعض افراده و تسليمه الي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 149

مال الغير حلالا لغيره يدل علي عدم كفاية ذلك، نعم يمكن ان يقال: ان مقتضي تعليل نفي البأس في رواية خالد المتقدمة، بأن المشتري إن شاء أخذ و ان شاء ترك ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه علي الاصيل. و هذا محقق فيما نحن فيه بناء علي ما تقدم، من انه ليس للأصيل في عقد الفضولي المعاملة قبل اجازة المالك اورده لكن الطاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم إرادة اللزوم من الطرفين.

و الحاصل ان دلالة الروايات عموما و خصوصا علي النهي عن البيع قبل الملك مما لا مساغ لإنكاره، و دلالة النهي علي الفساد أيضا مما لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة، إلا أنا نقول أن المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار في مقابل الصحة

التي هي امضاء الشارع، لما يقصد عرفا من انشاء البيع مثلا لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي ء قبل تملكه، علي الوجه الذي يقصده اهل المعاملة، كأن يترتب عليه بعد البيع النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع في الثمن و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من مالكه و تسليمه، و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله علي تسليمه، ففساد البيع بمعني عدم ترتب جميع ذلك عليه و هو لا ينافي قابلية العقد للحقوق الإجازة من مالكه حين العقد

______________________________

المشتري الأول، و قد اتفق النص و الفتوي خلافا للعامة علي جواز ذلك، فيتعين حملها علي التقية- كما يظهر من بعض النصوص المجوزة- أو الكراهة.

و ما ذكره بعض الاساطين و امضاه المصنف في آخر هذا الفرع من الحكم في موردها و ان كان يحمل علي التقية الا ان ذلك لا ينافي الأخذ بمقتضي عموم مفهوم التعليل و هو يقتضي البطلان في بيع الشخصي.

يرد عليه: ان عموم التعليل لا يقبل التبعيض بان يحمل علي التقية أو الكراهة في بعض موارده و هو الكلي، و الأخذ بظاهره في مورده الآخر، لا سيما و ان مورد وروده الكلي، إذ بقائه في غير مورد الأخبار و القائه في موردها بعيد جدا. فهذه النصوص ساقطة.

و أما خبر خالد بن الحجاج: فقد مر الكلام فيه في مبحث المعاطاة و عرفت انه قاصر سندا و دلالة.

اما الأول: فلدوران الراوي بين ابن بختج و ابن الحجاج و الأول مجهول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 150

أو ممن يملكه بعد العقد و لا يجب علي القول بدلالة النهي علي الفساد،

وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر اصلا، كما يستفاد من وجه دلالة النهي علي الفساد فإن حاصله دعوي

دلالة النهي علي إرشاد المخاطب و بيان ان مقصوده من الفعل. المنهي عنه و هو الملك و السلطنة من الطرفين لا يترتب عليه، فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين لا أنه لغو من جميع الجهات، فافهم.

اللهم الا أن يقال: أن ترتب جميع مقاصد المتعاقدين علي عقد بمجرد إنشائه، مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع، مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة، كالقبض في الهبة و نحوها، و الاجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقول مطلق، إذ معني صحة المعاملة شرعا ان يترتب عليها المدلول المقصود من انشائه و لو مع شرط لاحق، و عدم بناء المتعاملين علي مراعاة ذلك الشرط،

لا يوجب النهي عنه الا مقيد بتجرده عن لحوق ذلك الشرط فقصدهم ترتب

الملك المنجز علي البيع قبل التملك بحيث يسلمون الثمن و يطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد. فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك

______________________________

و أما الثاني: فلأن الظاهر منه ثبوت البأس في صورة الزام المواعد بقبول السلعة، و وجهه عدم تحقق البيع في مفروض السؤال و يكون قوله عليه السلام انما يحلل الكلام و يحرم الكلام بيانا لذلك، لأن المراد بالكلام الالتزام البيعي، و المراد بالمحللية و المحرمية المنسوبة إليه محللية الايجاب للمبيع علي المشتري و الثمن علي البائع، و محرمية المبيع علي البائع و الثمن علي المشتري. و تمام الكلام في محله.

و أما صحيح يحيي: فالظاهر منه عدم لزوم البيع قبل الاشتراء. توضيح ذلك ان ايجاب البيع عبارة عن اقرار و اثباته علي الوجه الذي لا يبقي مجال لحله و فسخه من الطرفين بنحو يكون الاشتراء مقدمة للوفاء لا لتتميم المعاملة- قبل استيجابها اي جعل البيع لازما علي نفسه- أو الاشتراء- اي التملك

المجامع مع الخيار- و النهي عنه ارشاد الي عدم تحققه، فيدل علي عدم لزوم البيع قبل ان يملك. و هذا مما لا كلام فيه.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي الفساد لا يدل عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 151

الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع، و عدم ترتب اثر الانشاء المقصود منه عليه مطلقا حتي مع الاجازة. و أما صحته بالنسبة الي المالك إذا اجاز، فلأن النهي راجع الي وقوع البيع المذكور للبائع، فلا تعرض فيه لحال المالك إذا اجاز،

فيرجع فيه الي مسألة الفضولي. نعم قد (1) يخدش فيها ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها في بيع الكلي، و انه لا يجوز بيع الكلي في الذمة، ثمّ اشتراء بعض افراده و تسليمه الي المشتري الأول، و المذهب جواز ذلك و ان نسب الخلاف فيه الي بعض العبائر، فيقوي في النفس انها و ما ورد في سياقها في بيع الشخصي أيضا كروايتي يحيي و خالد المتقدمتين أريد بها الكراهة، أو وردت في مقام التقية، لأن المنع عن بيع الكلي حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع مذهب جماعة من العامة، كما صرح به في بعض الاخبار مستندين في ذلك الي النهي عن بيع ما ليس عندك. لكن الاعتماد علي هذا التوهين في رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع الشخصي و عموم مفهوم التعليل في الاخبار الواردة في بيع الكلي خلاف الانصاف إذ غاية الامر حمل الحكم في مورد تلك الاخبار و هو بيع الكلي قبل التلك علي التقية، و هو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا فتدبر.

______________________________

(1) قوله نعم قد يخدش فيها ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها في بيع

الكلي هذا استدراك عما ذكره بقوله فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك الروايات.

و الفرض انه ربما يخدش في تلك الروايات و حاصلها ان دلالتها علي المنع متوقف علي امور- شمولها لبيع الشخصي و دلالتها علي التحريم و الارشاد الي الفساد و ظهورها في كونها في مقام بيان الحكم الواقعي.

و حيث ان اكثر الروايات واردة في بيع الكلي و انه لا يجوز بيع الكلي في ذمته ثمّ اشتراء بعض

افراده و تسليمه الي المشتري فهي لا تشمل ما هو موضوع البحث.

و خبرا يحيي و خالد و ان كانا في بيع الشخصي لما فيهما من اشتر لي هذا الثوب،

من جهة وحدة سياقهما مع الروايات الخاصة الآخر يحملان علي التقية أو الكراهة،

و تقدم ما هو الحق عندنا فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 152

فالاقوي العمل بالروايات و الفتوي بالمنع عن البيع المذكور، و مما يؤيد المنع مضافا الي ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوي الاتفاق رواية الحسن بن زياد (1) الطائي الواردة في نكاح العبد بغير اذن مولاه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

اني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي، ثمّ اعتقني بعد فأجدد النكاح؟ فقال: علموا انك تزوجت؟ قلت: نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا، قال:

ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك، الخبر.

فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق علي ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج الي الاستفصال عن ان المولي سكت ام لا،

للزوم العقد علي كل تقدير.

______________________________

(1) قوله و مما يؤيد المنع مضافا الي … رواية الحسن «1» بن زياد

الطائي الوارد في نكاح العبد هذا الخبر من حيث السند لا كلام لنا فيه فانه و ان كان الحسن مجهول الحال،

الا ان الراوي عنه ابان الذي هو من اصحاب الاجماع و أما من حيث الدلالة فقد افيد في وجهها انها صريحة في ان علة البقاء هو اقرار المولي المستفاد من سكوته فلو كان الانعتاق وحده أو مع الاجازة بعده مسوغا للبقاء لم يكن هناك حاجة الي الاستفصال المذكور للزوم العقد علي كل تقدير و فيه اولا ان في اعمال العبد خصوصية ليست في غيره، و هي عدم استقلاله في التصرف و اندكاك سلطانه في سلطان مولاه- و لذا لو باع مال غيره توقف صحته علي اجازة مولاه أو اذنه، فعدم الصحة في المقام بمجرد الانعتاق أو مع الاجازة لا يلازم عدم الصحة في البيع و ثانيا انه يمكن ان يكون نظره عليه السلام و غرضه تصحيح الزواج من الاول لأعمية نفعه و اتمية فائدته- أو يقال ان المعلول يستند الي اسبق العلل فاستفصل عن وجود علة سابقة.

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 153

ثمّ ان الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات، (1) و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشتري المشتري غير مترقب لإجازة المالك و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا، و هذا هو الذي ذكره العلامة رحمهم الله في التذكرة، نافيا للخلاف في فساده، قال: لا يجوز ان يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلمها. و به قال الشافعي و أحمد، و لا نعلم فيه خلافا لقول النبي عليه السلام لاتبع ما ليس عندك و لاشتمالها علي الغرر،

فإن صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها، و لا قادر علي تسليمها، اما لو اشتري موصوفا في الذمة سواء كان حالا أو مؤجلا فإنه جائز اجماعا، انتهي.

و حكي عن المختلف ايضا الاجماع علي المنع ايضا، و استدلاله بالغرر و عدم القدرة علي التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة مجيز، بل وقع علي وجه يلزم علي البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه، فحينئذ لو تبايعا علي ان يكون العقد موقوفا علي الاجازة، فاتفقت الاجازة من المالك أو من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الاخبار و لا في معقد الاتفاق و لو تبايعا علي ان يكون اللزوم موقوفا علي تملك البائع دون اجازته، فظاهر عبارة الدروس انه من البيع المنهي عنه في الاخبار المذكورة حيث قال: و كذا لو باع ملك غيره، ثمّ انتقل إليه فاجاز و لو اراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده، و قد نهي عنه، انتهي.

لكن الانصاف ظهورها في الصورة الاولي و هي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل

______________________________

صور بيع من باع شيئا ثمّ ملكه

(1) قال المصنف ان الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات

و تنقيح القول في المقام: ان البائع ربما يبيع لنفسه، و ربما لمالكه، و ثالثة يبيع للاجنبي.

اما الصورة الأولي: فتارة: يبيع منجزا بحيث يري نفسه ملزما في ذلك فيشتري المبيع من مالكه مقدمة للوفاء بعقده. و اخري: يبيع علي ان يكون العقد موقفا علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 154

و الانتقال و عدم الوقوف علي شي ء (1) و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك حيث علل المنع بالغرر و عدم القدرة علي التسليم، و اصرح منه كلامه المحكي عن المختلف

في فصل النقد و النسية و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلي البائع فاجازه. فالظاهر ايضا الصحة لخروجه عن مورد الاخبار.

نعم قد يشكل فيه من حيث أن الإجازة لا متعلق لها، لأن العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصلي، و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه، و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة، و هي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه فتأمل

______________________________

الإجازة، و ثالثة يبيع علي ان يكون اللزوم موقوفا علي التملك.

(1) و المصنف ادعي: ان المتيقن من النصوص هو الفرض الأول، و ان الأخيرين باقيان تحت العمومات المقتضية للصحة. و استظهر من تعليل العلامة قدس سره للفساد بالغرر و عدم القدرة علي التسليم: ان ما هو مفتي به عند الأصحاب هو هذا الفرض.

و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره، بما حاصله يرجع الي امرين احدهما: ان الأخبار مطلقة، و المراد من التعليق ان كان هو التعليق البنائي فقد تقدم ان البناء القلبي لا يؤثر في الصحة و الفساد في باب المعاملات، و ان كان هو التعليق في المنشأ فقد اجمعوا علي بطلانه.

ثانيهما: انه ليس لتعليق اللزوم علي التملك معني محصل في المقام، لأنه عبارة عن جعل الخيار، و هو انما يكون مقابلا للالتزام العقدي من المالك، و ليس العقد منسوبا الي البائع في المقام. و الاسم المصدري غير الحاصل لا معني لجعل الخيار فيه.

و لكن ظاهر المصنف قدس سره اختيار الشق الأول و ادعائه ان مقتضي العمومات هي الصحة مع الإجازة في جميع الفروض، غاية الأمر في الفرض الأول، و هو البيع المنجز، و الملزم عرفا ورد النهي عنه بالخصوص، و حيث انه ارشاد

الي الفساد فيدل علي فساده.

و وجه استظهاره: ان متعلق النهي في بعضها مواجبة البيع و اقراره المساوق لكونه منجزا، و قوله عليه السلام: انما البيع بعد ما يملكه في بعضها الآخر، ظاهر في ذلك فان البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 155

______________________________

ظاهر في التمليك بالحمل الشائع المساوق للمنجز، إذ مع الملكية لا تمليك بالفعل لاتحاد الوجود و الإيجاد و بهذا يندفع كلا الايرادين: اما الأول: فواضح، و أما الثاني: فلأن المراد باللزوم المعلق علي التمليك ليس هو لزوم العقد شرعا، بل لزومه عرفا.

و له قده اختيار الشق الثاني. و دعوي الإجماع علي مبطلية التعليق، مندفعة بانها تم في غير القيود التي تكون صحة العقد متوقفة عليها. فراجع ما ذكرناه.

و اورد المحقق الايرواني قدس سره علي ما استظهره من تعليل العلامة قدس سره: بان الشراء مترقبا أو غير مترقب لا أثر له في رفع الغرر و حصوله و لا في القدرة و عدمها، فان توطين النفس علي رفع اليد عن البيع عند عدم الاجازة كتوطين النفس علي الالتزام بالمبيع المجهول علي أي وجه كان في عدم رفعه للغرر.

و فيه: ان البيع مترقبا للاجازة لوجب القطع بعدم الانتقال عن ملكه ما لم يدخل بدله في ملكه، بخلاف ما إذا كان البيع منجزا فلا غرر في الأول، كما ان البائع بعد تملكه يكون شرعا قادرا علي تسليمه.

فتحصل: ان ما ذكره المصنف قدس سره تام، و ان كان ما افاده من الفساد في الفرض الأول حتي مع الإجازة بعد التملك غير تام كما تقدم.

و أما الصورة الثانية: قد ذهب المصنف قدس سره الي انها غير مشمولة لنصوص المنع، و هو كذلك ثمّ اورد علي الحكم بالصحة فيها من جهة ان

الإجازة لا متعلق لها لأن العقد كان انشاء للبيع عن المالك الأصلي، و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه.

فأجاب عنه: بانه يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الأشكال في عكس المسألة: بان يكون البيع للمالك بما انه مالك بنحو تكون الحيثية تقييدية لا تعليلية.

و لكنه يمكن ان يورد عليه: بانه في عكس المسألة علي مبني المصنف قدس سره- من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 156

و لو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا عليه عدوانا، فإن اجاز المالك فلا كلام في الصحة بناء علي المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك، و ان ملكه الثالث و اجازه أو ملكه البائع فأجازه فالظاهر انه داخل في المسألة السابقة.

______________________________

ان حقيقة البيع هي المعاوضة- لا يتصور بيع الغاصب لنفسه الا بايقاع البيع للمالك بما انه مالك و ادعاء انه المالك فلذا التزموا بذلك و أما في المسألة فيمكن قصد كل من شخص المالك و ذاته و عنوان المالك و كل منهما يجتمع مع قصد المبادلة فوقوع البيع للمالك بعد الشراء و اجازته يتوقف علي اثبات كون البيع لعنوان المالك، و حيث لا سبيل إليه فلا وجه للحكم بالصحة.

و أما بناء علي ما ذكرناه من ان البيع ليس معاوضة بل حقيقته الاعطاء لا مجانا،

فيمكن تصحيح هذه المعاملة للمالك الأول باجازة المالك الثاني، و تصحيحها للثاني بالتقريب الذي ذكرناه في عكسها. فراجع.

(1) و أما الصورة الثالثة: ففيها فرضان الاول: ان يكون ذلك الغير موكلا اياه في هذا البيع أو تحت ولايته.

الثاني: ان يكون اجنبيا عنه.

اما الفرض الأول: فالظاهر اتحاده مع الصورة الأولي من حيث الحكم و المدرك، إذ البيع للنفس ثمّ الاشتراء اعم من البيع بالمباشرة أو التسبيب- هكذا

قيل و لكن الانصاف ان دعوي اختصاص نصوص المنع بالأولي و عدم شمولها لهذا المورد قريبة جدا، فحكم الفرضين واحد و هو انه لو باع بانيا علي مالكيته علي تقدير كون البيع معاوضة حقيقة أو بدونه- علي تقدير عدمه- فان اجاز المالك صح للمالك علي الأول، و لذلك الغير علي الثاني.

و ان ملكه الثالث فاجاز صح له، و ان ملكه البائع فاجازه صح له علي التقدير الأول، و للبائع علي الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 157

ثمّ انه قد ظهر مما ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الاخري و هي ما لو لم يجز البائع بعد تملكه، فإن الظاهر بطلان البيع الأول (1) لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقينا، (2) مضافا إلي قاعدة تسلط الناس علي أموالهم، و عدم صيرورتها حلالا من دون طيب النفس (3) فإن المفروض ان البائع بعد ما صار مالكا لم يطب نفسه بكون ماله للمشتري الأول، و التزامه قبل تملكه بكون هذا المال المعين للمشتري ليس التزاما الا بكون مال غيره له.

______________________________

حكم ما إذا لم يجز البائع بعد تملكه

الثانية: ما لو لم يجز المالك علي تقدير تملكه قال المصنف

(1) الظاهر بطلان البيع الاول.

(2) و قد استدل له: بالاخبار المتقدمة بدعوي شمولها لهذه المسألة يقينا «1»

(3) إذ المفروض ان المالك بعد ما صار مالكا لم يرض بكون ماله للمشتري الاول،

و التزامه القبلي لم يكن الا التزاما يكون مال غيره له.

و لكن يرد عليه: ان ما ذكره من شمول الأخبار لهذه المسألة يقينا، من غير ان يفصل بين كون البيع منجزا ام معلقا علي تملك البائع أو اجازته، ينافي ما ذكره قبل اسطر من دعوي اختصاصها بالفرض الأول، اللهم الا ان يقال: ان مفروض كلامه في المقام هو البيع منجزا.

الصحيح

ان يستدل له: بانه مع عدم الإجازة لا دليل علي صحته، لأن العمومات مختصة بالبيع المستند الي المالك، و في المقام لا يكون مستندا إليه، إذ المراد من الاستناد الي المالك ليس قيام الانشاء به،

بل المراد اضافة البيع الي المالك بما هو مالك، و هذا العقد قبل التملك لم يكن مضافا إليه لعدم التملك، و بعده لا يستند إليه لعدم الإجازة.

______________________________

(1) النساء آية 30- الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 158

اللهم الا أن يقال ان مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط علي كل عاقد و شارط هو اللزوم علي البائع بمجرد انتقال إليه (1) و ان كان قبل ذلك اجنبيا لا حكم لوفائه و نقضه، و لعله لأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الايضاح: بناء علي صحة الفضولي صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف علي الاجازة قيل: و يلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك. و قد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكية في المعتبر، لكن يضعفه ان البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك، فيستصحب (2) و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلي حكم العام فتأمل. مضافا إلي معارضة العموم المذكور.

______________________________

و بعبارة اخري: الاضافة الي المالك امر قصدي لا قهري، فكيف يلتزم بها بمجرد التملك.

(1) و قد استدل لعدم الحاجة الي الاجازة: بما دل علي وجوب الوفاء بالعقود «1».

بتقريب: ان العقد صادر من هذا الشخص، و المانع عن لزوم الوفاء به قبل التملك هو كون المبيع مال الغير، إذ لا معني للوفاء بالالتزام بمال الغير، و بعد زوال المانع و صيرورته ملكا له لا مانع من توجه الأمر بالوفاء

إليه.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(2) احدهما: ان دليل الوفاء قبل الملك لم يكن شاملا له، فيستصحب بعده، و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع الي حكم العام.

و فيه: ان عدم شمول العام له بالتقريب الذي ذكرناه لم يكن من جهة خروج بعض الأفراد في بعض الأزمان، بل كان من جهة عدم تمامية موضوع العام في نفسه، إذ لا وفاء للالتزام بمال الغير.

فالبائع قبل التملك غير داخل في موضوع العام، فيكون نظير من لم يكن مشمولا لدليل وجوب اكرام العالم لعدم كونه عالما، ثمّ صار كذلك،

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 159

بعموم سلطنة الناس علي اموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا عن طيب النفس (1) و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون اذن مولاه، و ان عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولي الذي هو بمنزلة الاجازة، ثمّ لو سلم عدم التوقف علي الاجازة، فانما هو فيما إذ باع الفضولي لنفسه. اما لو باع فضولا للمالك أو لثالث ثمّ ملك هو

______________________________

فهل يتوهم فيه كونه موردا لاستصحاب عدم وجوب الاكرام،

مع انه لو سلم كونه مشمولا لدليل العام في نفسه و خروجه بدليل مخصص بما انه يكون خارجا عنه من الأول لا من الوسط لا يكون موردا الاستصحاب حكم الخاص،

مضافا الي ذلك كله ما حققناه في محله من كون المرجع عموم العام في جميع الموارد لا استصحاب حكم الخاص. و تمام الكلام في محله.

(1) الثاني: معارضة العموم المذكور بعموم ما دل علي «1» سلطنة الناس علي اموالهم،

و «2» عدم حلها لغيرهم الا عن طيب النفس.

و قد يورد عليه: بان هذا يتم لو

قلنا بدخوله في ملكه و خروجه عن ملكه من دون رضاه،

و أما إذا قلنا بدخوله في ملك المشتري الأول بمجرد اشتراء البائع- من جهة ان البيع الأول مقتض لدخول المال في ملك المشتري و كونه ملكا للغير مانعا، فإذا زال المانع اثر المقتضي اثره- فلا يدخل في ملكه بخروجه عن ملك مالك الاصلي.

فالصحيح ان يجاب عنه: بان العقد قبل التملك غير مستند الي المالك الفعلي، و بعده لا إجازة منه كي يستند إليه، و مع عدم الاستناد لا يكون مشمولا للعمومات.

فالأظهر عدم الصحة ما لم يجز.

______________________________

(1) البحار ج 1- ص 154 الطبع القديم- و ج ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل- باب 3- من باب ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 160

فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة الي البائع اشكل، (1) و لو باع وكالة عن المالك، فبان انعزاله بموت الموكل فلا اشكال في عدم وقوع البيع له بدون الاجازة و لا معها، نعم يقع للوارث مع اجازته.

المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف، فبان كونه جائز التصرف،
اشارة

و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه اما عدم الولاية، فانكشف كونه وليا. و أما ان يبيع لنفسه فالصور أربع:

الاولي: ان يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع، فلا ينبغي الاشكال في اللزوم حتي علي القول ببطلان الفضولي، (2)

______________________________

(1) قوله فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشرط بالنسبة الي البائع اشكل.

وجه الاشكلية عدم الاضافة إليه من جهة عدم قصد البيع لنفسه.

و فيه انه لا يتم مسلكه قده من كون البائع لغير المالك انما يبيع لعنوان المالك فانه إذا باع لهذا العنوان ثمّ انطبق عليه ذلك العنوان كان بعينه من باع لنفسه ثمّ ملك.

لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف

المسألة الثالثة: ما لو باع معتقدا

لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف، و عدم

جواز التصرف المنكشف خلافه اما لعدم الولاية أو لعدم الملك، و علي كل منهما اما ان يبيع عن المالك أو عن نفسه، فالصور اربع:

الأولي:

ان يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا،

(2) و اختار المصنف قدس سره في هذه الصورة صحة البيع و عدم توقفها علي الاجازة و تبعه غيره.

و الوجه في ذلك ان المفروض كونه وليا فلا يكون فضوليا، و سائر الشرائط من قبيل المصلحة موجودة، فالعقد صادر من اهله واقع في محله فتشمله ادلة النفوذ و ان لم يكن البائع عالما به.

و دعوي ان العلم بالولاية جزء الموضوع،

مندفعة بكون ذلك خلاف ظاهر الادلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 161

لكن الظاهر من المحكي عن القاضي: انه إذا اذن السيد لعبده (1) في التجارة، فباع و اشتري و هو لا يعلم باذن سيده، و لا علم به احد لم يكن مأذونا في التجارة و لا يجوز شي ء مما فعله، فإن علم بعد ذلك و اشتري و باع جازما فعله بعد الاذن و لم يجز ما فعله قبل ذلك، فإن أمر السيد قوما ان يبايعوا العبد و العبد لا يعلم باذنه له كان بيعه و شراؤه منهم جائزا، و جري ذلك مجري الاذن. الظاهر فإن اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز، انتهي.

و عن المختلف الايراد عليه بانه لو اذن المولي و لا يعلم العبد، ثمّ باع العبد،

صح لأنه صادف الاذن و لا يؤثر فيه اعلام المولي بعض المعاملين، انتهي و هو حسن.

______________________________

من جهة ان الأحكام تدور مدار موضوعتها واقعا، و اناطتها بالعلم تحتاج الي دليل مفقود.

(1) قوله لكن الظاهر من المحكي عن القاضي انه إذا اذن السيد العبد يحتمل ان يكون، نظر

القاضي قدس سره الي ان حقيقة الاذن الذي هو الاعلام و اظهار الرضا و الرخصة انما تكون إذا كان بحضرته من يظهر له، و الا فلا يعقل الاظهار و الاراءة فمع عدم اطلاع الغير لا يكون اذن، و عليه فما ذكر من خصوص المعاملين في كلامه من باب المثال و يشهد له قوله في ذيل كلامه فان اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز و علي هذا فلا مورد لإيراد المختلف عليه كما لا يخفي نعم يرد عليه ما ذكرناه في اوائل عقد الفضولي من كفاية الرضا و طيب النفس الواقعي في الخروج عن الفضولية.

و اورد السيد قده علي ما اختاره المصنف: بان العقد و ان صدر عمن كان نافذ التصرف الا ان المفروض عدم علمه بذلك، فلعله لو كان عالما بانه ولي ما كان راضيا بهذا البيع الخاص، و مجرد موافقته للمصلحة لا يوجب لزومه علي الولي، إذ يمكن ان يكون هناك فرد آخر من البيع مثله في الصلاح، فيكون الاختيار في التعيين إليه، فلا فرق بين هذه الصورة و بين ما لو بان كونه مالكا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 162

الثانية: ان يبيع لنفسه و انكشف كونه وليا. (1)

فالظاهر ايضا صحة العقد لما عرفت من ان قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع و لا يقدح. و في توقفه علي اجازته للمولي عليه وجه، لأن قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع علي الوجه المأذون (2) فتأمل.

______________________________

و بالجملة يعتبر القصد الي النقل و الرضا بعنوان انه مال المولي عليه، و المفروض عدمه في الفرض.

و فيه: ان الدليل «1» انما دل علي نفوذ تصرفات الولي في مال المولي عليه بما فيه صلاحه، و

لم يدل دليل علي لزوم قصد عنوان المولي عليه بهذا العنوان، و القطع بعدم رضاه بالمعاملة لو التفت الي الولاية لا يضر إذا كان راضيا بالفعل- فضلا عن احتماله- فإنه من قبيل تخلف الداعي.

فالأظهر هي الصحة و عدم التوقف علي الإجازة.

لو باع لنفسه و انكشف كونه وليا

(1) الصورة الثانية: ان يبيع لنفسه و ينكشف كونه وليا و ملخص القول فيها: انه بناء علي ما افاده المصنف قدس سره في بيع الغاصب لنفسه من انه انما يبيع للمالك بما هو مالك تحقيقا للمعاوضة لا بد من البناء علي الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، اما الصحة فلأن البيع واقع للمالك، و أما عدم الوقوف علي الإجازة فلصدوره عن رضا من له الولاية علي مثل هذا البيع فلا حاجة الي الإجازة.

(2) و ما ذكره قدس سره في وجه الاحتجاج إليها من عدم الوقوع علي الوجه المأذون فيه،

يرد عليه: ان غرضه ان كان عدم كونه مأذونا فيه تكليفا فيرده: ما تقدم من عدم كون بيع الفضولي لنفسه أو لغيره حراما. و ان كان غرضه عدم كونه مأذونا فيه وصفا،

فيرده: ان المفروض كونه وليا، و لعله الي هذا اشار بقوله فتأمل و أما بناء علي ما ذكرناه من الالتزام بها في الموضوعات الشخصية

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب عقد البيع و شروطه- و باب 88- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 163

الثالثة: أن يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكا (1) و قد مثله الأكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته، فبان ميتا. و المشهور الصحة بل ربما استفيد من كلام العلامة في القواعد و الإرشاد في باب الهبة الاجماع، و لم نعثر علي مخالف صريح الا ان الشهيد رحمهم الله

ذكر في قواعده انه لو قيل بالبطلان أمكن و قد سبقه في احتمال ذلك العلامة و ولده في النهاية و الايضاح، لأنه انما قصد نقل المال عن الاب لا عنه (2) و لانه و ان كان منجزا في الصورة الا أنه معلق و التقدير ان مات مورثي فقد بعتك فلانه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاد ان المبيع لغيره، انتهي.

______________________________

لأن الفرد الخارجي غير قابل للتعدد، فتقييده ممتنع، فالأب إذا كان هو الذي بيع عنه فهو ملحوظ بخصوصته، و توصيفه بانه المالك حيثية تعليلية، و الحيثية لا أثر لها لاتّحاد المنشأ و المجاز.

لو باع عن المالك فانكشف كونه مالكا

(1) الصورة الثالثة: ان يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكا.

و الكلام فيها يقع في جهتين:

الأولي: في انه هل يصح ام لا؟ الثانية: في انه علي فرض الصحة هل يتوقف علي الإجازة ام لا؟ اما الجهة الأولي: فعن العلامة و ولده و الشهيد و غيرهم: القول بالبطلان فيما لو باع مال ابيه بظن حياته فبان ميتا و استدل له بامرين:

(2) الاول: ما توضيحه: ان البيع للاب بظن حياته بحسب الطبع انما يكون بيعا للأب، و حيثية الملكية تكون تعليلية لا تقييدية، فمن قصد البيع له لم يكن مالكا ليقع له و لو باجازته. و بهذا البيان يظهران ما اورده المصنف قدس سره عليه: بقوله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 164

اقول: أما قصد نقل الملك عن الاب فلا يقدح في وقوعه لأنه، انما قصد نقل الملك عن الأب من حيث أنه مالك باعتقاده ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك (1)

لكن أخطأ في اعتقاده ان المالك ابوه

______________________________

(1) ففي الحقيقة انما قصد النقل عن المالك.

و بعبارة اخري ان بيعه عن الاب انما يكون عنه من حيث انه

مالك باعتقاده،

ففي الحقيقة انما قصد البيع عن المالك كما ذكروه فيما لو باع ملك غيره باعتقاد انه ملكه،

غير وارد.

ثمّ ان المحقق النائيني قدس سره اورد علي المصنف قدس سره: بان الحيثية لا يمكن الالتزام بها في الموضوعات الشخصية، لأن الفرد الخارجي غير قابل للتعدد، فتقييده ممتنع، فالأب إذا كان هو الذي بيع عنه فهو ملحوظ بخصوصيته، و توصيفه بانه المالك حيثية تعليلية،

و الحيثية التعليلية لا أثر لها لاتّحاد المنشأ و المجاز.

و فيه: ان الأفعال الخارجية المتعلقة بالموضوعات الشخصية علي قسمين:

الأول: الأفعال الحقيقية غير المتقومة بالقصد كالأكل.

الثاني: الأفعال الاعتبارية المتقومة به كالبيع و الائتمام.

و القسم الأول يتم فيه ما ذكره من جهة ان تلك الأفعال لا تتعلق بالعناوين، مثلا الضرب لا يتعلق بالعنوان فهو اما ان يقع و أما لا، و لا يعقل وقوعه علي تقدير دون تقدير و لا يتم في القسم الثاني لأن الأفعال التي تكون من هذا القبيل تتعلق بالعناوين الكلية.

ففي المقام يتصور وقوع البيع عن الأب علي وجهين.

الأول: وقوعه عن المالك، بحيث تكون الحيثية تقييدية.

الثاني: وقوعه عنه بنحو تكون الحيثية تعليلية.

فما افاده المصنف قدس سره لا يرد عليه ذلك، فالصحيح ان يورد عليه بما ذكرناه.

نعم هذا الايراد وارد عليه علي مسلكه قدس سره، حيث انه في كتاب الصلاة في مبحث الجماعة في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 165

و قد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة اي ما لو باع ملك غيره باعتقاد انه ملكه، نعم من ابطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده هنا لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه، و لذا نقول نحن كما سيجي ء باشتراط الاجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب

النفس حال العقد، و أما ما ذكر من انه في معني التعليق ففيه مع مخالفته لمقتضي الدليل الأول كما لا يخفي (1) منع كونه في معني التعليق، لأنه إذا فرض انه يبيع مال ابيه لنفسه كما هو ظاهر هذا الدليل، فهو انما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع الغاصب مبني علي دعوي السلطنة و الاستقلال علي المال، لا علي تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالارث عن مورثه، لأن ذلك لا يجامع مع ظن الحياة اللهم الا ان يراد ان القصد الحقيقي الي النقل معلق علي تملك الناقل و بدونه، فالقصد صوري علي ما تقدم من المسالك من ان الفضولي و المكره قاصدان الي اللفظ دون مدلوله، لكن فيه حينئذ أن هذا القصد الصوري كاف، و لذا قلنا بصحة عقد الفضولي و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره اخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد معللا بعلمه بكون المبيع لغيره.

______________________________

مسألة من اقتدي بشخص فبان غيره ذهب الي هذا المبني، و نحن اوردنا عليه بعين هذا الايراد- راجع الجزء السادس من فقه الصادق الثاني: انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا ان البيع يكون عن المالك بما هو مالك بحيث يعم نفسه، فحيث انه يعتقد انطباقه علي ابيه فقصد الاطلاق في حكم التعليق، اي عن والدي أو عني ان مات هو، و حيث انه يعتقد كونه حيا فقصد الاطلاق في عقده يعد عبثا و منافيا للقصد الجدي في المعاملة.

(1) و بهذا البيان ظهر اندفاع ما ذكره المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره و غيره، من: ان هذا الدليل لا يجتمع مع الدليل الأول من جهة ان اساس الأول وقوع البيع عن

الأب، و اساس هذا وقوعه عن نفسه.

و الحق في الجواب عن هذا الوجه: ان هذا النحو من التعليق- اي المعنوي منه- لا يضر بصحة العقد، كما ان عدم القصد الجدي بهذه الكيفية غير مضر- كما تقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 166

و كيف كان فلا ينبغي الاشكال في صحة العقد الا أن ظاهر المحكي من غير واحد لزوم العقد و عدم الحاجة إلي إجازة مستأنفة، لأن المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه، و لأن قصده إلي نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرد القصد الي نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه و ان لم يشعر به فهو اولي من الاذن في ذلك فضلا عن اجازته، و الا توجه عدم وقوع العقد له، لكن الاقوي وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة، لا لما ذكره في جامع المقاصد: من انه لم يقصد الي البيع الناقل للملك (1) الآن بل مع اجازة المالك لاندفاعه بما ذكره بقوله الا ان يقال: ان قصده الي اصل البيع كاف

______________________________

في اول مسألة بيع الفضولي- فالصحيح هو الوجه الأول.

فالمتحصل: انه ان كان البيع عن المالك- اي عن الأب بما انه مالك بحيث يكون المقصود هو المالك بحيث يعم نفسه- صح البيع، و ان كان عن الأب كما هو كذلك بحسب الطبع، فالبيع باطل لا يمكن تصحيحه.

و أما الجهة الثانية: فالمحكي عن غير واحد: لزوم العقد و عدم الحاجة الي اجازة مستأنفة و عن المحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة.

و قد استدل للتوقف علي الإجازة بوجهين:

(1) الاول ما عن جامع المقاصد من: انه لم يقصد الي البيع الناقل للملك الآن بل مع اجازة المالك.

و توضيحه: ان

العاقل الملتفت الي كون المال للغير و انه لا ينتقل عن ملكه قهرا لا محالة يكون قصده للنقل مقيدا بالإجازة، و حيث ان العقود تابعة للقصود فلا بد و ان تقع الإجازة حتي يقع النقل علي الوجه المقصود.

و فيه: اولا: ان محل الكلام هو قصد البيع عن المالك لاعن شخص الغير و الا بطل البيع كما تقدم، و عليه، و ان سلم كون النقل موقوفا علي الإجازة، الا انه من جهة انطباق عنوان المالك علي نفسه واقعا يقع النقل عنه بقصده فلا حاجة الي اجازته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 167

و توضيحه ان انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد اجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد، حتي يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه، و انما هو من الاحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقف علي الامور المتأخرة و عدمه، مع ان عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف (1) بل قصد النقل بعد الاجازة ربما يحتمل قدحه،

فالدليل علي اشتراط تعقب الاجازة في اللزوم و هو عموم تسلط الناس علي اموالهم و عدم حلها لغيرهم الا بطيب انفسهم،

و حرمة اكل المال الا بالتجارة عن تراض.

______________________________

و بعبارة اخري: بما انه يبيع عن المالك عن قصد إليه، و المفروض انه هو المالك،

فلا حاجة الي الإجازة.

و لعله إليه يرجع ما ذكره المحقق الثاني بقوله: الا ان يقال ان قصده الي اصل البيع كاف.

و ثانيا: ان حقيقة البيع و هي النقل في نظر الناقل لا النقل في نظر الشارع،

فالالتفات الي انه لا ينتقل عن ملك الغير ماله قهرا غير مناف لقصد النقل الذي به قوام البيع.

و بالجملة: الانتقال شرعا من آثار البيع، و لا يلزم قصده حتي يقال

انه يكون موقوفا علي الاجازة.

و إلي هذا نظر الشيخ قدس سره فيما ذكره في مقام الجواب.

و أما ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) مع ان عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف،

الذي حاصله: ان عدم امكان قصد النقل فعلا يناسب القول بالنقل، فان الانتقال انما يكون من حين الإجازة، بخلاف القول بالكشف فان الانتقال فعلي، فيمكن قصده حال النقل،

فيرد عليه: ان المدعي هو وقوف النقل علي الإجازة لا تأخره عنها، و هذا لا فرق فيه بين القول بالنقل و الكشف، فانه علي الكشف ايضا يكون النقل موقوفا علي الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 168

و بالجملة فاكثر أدلة اشتراط الاجازة في الفضولي جارية هنا. (1) و أما ما ذكرناه من ان قصد نقل ملك نفسه ان حصل اغني عن الاجازة و الا فسد العقد،

ففيه انه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد الي نقل المال المعين و قصد كونه ماله «مال نفسه» أو مال غيره مع خطئه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع. و لذا بنينا علي صحة العقد بقصد مال نفسه، مع كونه مالا لغيره.

و أما أدلة اعتبار التراضي و طيب النفس، فهي دالة علي اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان انه ماله (2) لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في الواقع، فإن حكم طيب النفس و الرضا لا يترتب علي ذلك، فلو اذن في التصرف في مال معتقد انه لغيره و المأذون يعلم انه له لم يجز له التصرف بذلك الاذن و لو فرضنا انه اعتق عبدا عن غيره فبان انه له لم ينعتق. و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره، فبانت

زوجته، لأن القصد المقارن إلي طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما، فلا تنفع الاجازة و لو غره الغاصب. فقال: هذا عبدي اعتقه عنك فاعتقه عن نفسه فبان كونه له، فالأقوي أيضا عدم النفوذ وفاقا للمحكي عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد مع حكمه بصحة البيع هنا، و وقوفه علي الاجازة،

لأن العتق لا يقبل الوقوف فإذا لم يحصل القصد الي فك ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة بخلاف البيع. فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق و صحة البيع مع الاجازة كما يتوهم.

______________________________

(1) الوجه الثاني: ما افاده المصنف قدس سره و هو: ان اكثر ادلة اشتراط الاجازة في بيع الفضولي جارية هنا، و مراده بها ادلة اعتبار التراضي و طيب النفس «1» كما يصرح به بعد ذلك بقوله.

(2) و أما ادلة اعتبار التراضي و طيب النفس فهي دالة علي اعتبار رضا المالك و تقريب ما افاده: انها تدل علي اعتبار رضا المالك في التصرف في ماله بما هو ماله

لا ذات ما هو ماله، و لذا لو قدم الي غيره طعاما بتخيل انه لغيره لم يجز له التصرف فيه لو علم بانه له، و في المقام بما ان البائع انما رضي بنقل مال معين اتفق كونه ملكا له في الواقع، و لم يرض بنقله بما هو ماله، فيحتاج الي الاجازة لذلك

______________________________

(1) النساء آية 30- الوسائل باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 169

نعم ينبغي ايراد التناقض علي من حكم هناك بعدم النفوذ و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة الي الاجازة، فإن القصد الي انشاء يتعلق بمعين، هو مال المنشئ في الواقع، من غير علمه به ان كان يكفي

في طيب النفس و الرضا المعتبر في جميع إنشاءات الناس المتعلق بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق و ان اعتبر في طيب النفس المتعلق باخراج الاموال عن الملك العلم بكونه مالا له، و لم يكف مجرد مصادفة الواقع وجب الحكم بعدم لزوم البيع،

فالحق ان القصد الي الانشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعني قابليته للتأثير، و لا يحتاج الي العلم بكونه مالا له لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج عن ماله بمجرد الانشاء، ثمّ ان كان ذلك الانشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الاجازة، كما في العقود و الا وقع الانشاء باطلا كما في الايقاعات.

______________________________

و فيه: انه ان كان البيع عن شخص من يتخيل كونه مالكا لزم بطلان البيع و عدم امكان تصحيحه و لو بالإجازة،

و ان كان عن المالك بنحو يعم نفسه فالرضا بنقل ماله بعنوان انه ماله موجود، فاما يكون باطلا أو يكون لازما غير متوقف علي الاجازة و بعبارة اخري: انه لا ريب في كونه راضيا ببيع مال نفسه،

فان كان البيع بيعا عن الأب بشخصه بطل البيع لعدم المورد للإجازة و ان كان بيعا عن المالك الواقعي و ان كان منطبقا علي نفسه، و معه لا حاجة الي الاجازة لصدور العقد عنه مباشرة و عن الرضا، و هو اولي من اذنه و اجازته.

و لعله الي هذا يرجع ما استدل به لعدم الاحتياج الي الإجازة بما نقله المصنف في ما قبل اسطر بقوله:

و لأن قصده الي نقل مال نفسه ان حصل هنا بمجرد القصد …

فلا يرد عليه ما ذكره المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 170

ثمّ انه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الاجازة ان هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا

من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث الحدوث لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا و تبعه بعض من عاصرناه: معللا بقاعدة نفي الضرر (1)

إذ فيه أن الخيار فرع الانتقال. و قد تقدم توقفه علي طيب النفس، و ما ذكراه من الضرر المترتب علي لزوم البيع ليس لأمر راجع الي العوض و المعوض،

و انما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه، (2) إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين ان يجهل اصل الانتقال، كما يتفق في الفضولي أو يعلمه و يجهل تعلقه بماله.

و من المعلوم ان هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي علي الاجازة،

إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوي هذا الضرر (3)

______________________________

(1) و قد يقال: ان هذا الحق للمالك من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث البقاء لا من باب الإجازة، فيكون متزلزلا من حيث الحدوث معللا بقاعدة نفي الضرر «1».

و اجاب عن ذلك المصنف قدس سره بما حاصله يرجع الي امرين.

(2) احدهما: انه لا يصح الرجوع الي قاعدة نفي الضرر التي هي من الادلة الثانوية بعد كون اعتبار الرضا و طيب النفس مما تقتضيه الأدلة الأولية.

و بعبارة اخري: ان مقتضي الأدلة الأولية توقف الانتقال علي الرضا، فمع فقده لا يتحقق الانتقال، و مع عدمه كيف يحكم بثبوت الخيار الذي هو فرع الانتقال.

(3) الثاني: ان الضرر المترتب علي المعاملة تارة يكون ضررا ماليا كما في موارد خياري العيب و الغبن،

و اخري يكون ضررا سلطانيا، اي يكون موجبا للنقص في سلطانه علي ماله،

و في الأول يتدارك الضرر بالخيار، و أما في الثاني فالتحفظ عليه انما يكون بالتحفظ علي سلطانه، فهذا الضرر يوجب رفع الصحة لا اللزوم.

______________________________

(1) الوسائل

باب 17 من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 171

ثمّ ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي (1) بل يجي ء علي القول بالبطلان، الا ان يستند في بطلانه بما تقدم من قبح التصرف في مال الغير، فيتجه عنده حينئذ البطلان.

______________________________

و بهذا البيان يظهر ان ما اورده المحقق النائيني قدس سره علي المصنف بان الصحة ليست امرا مجعولا حتي ترتفع بها بل هي منتزعة من تحقق الشرائط، فلو دل دليل علي اعتبار قيد في ناحية الأسباب أو المسببات فنفس هذا الدليل كاف لإثبات هذا القيد، و الا فلا يمكن اثبات قيد بقاعدة الضرر و نحوها لأنها حاكمة علي الأحكام الثابتة، و لا يمكن اثبات حكم بها لو لا جعله لزم منه الضرر،

في غير محله، فان دليل نفي الضرر يرفع امضاء الشارع للعقد الذي يلزم منه هذا الضرر و لا محذور في ذلك.

(1) قوله ثمّ ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة الفضولي.

محصل ما ذكره: ان الأدلة الأربعة التي اقاموها علي بطلان بيع الفضولي من الكتاب «1» و السنة و الإجماع و العقل، غير الأخير منها لا تشمل هذا العقد لأنه صدر ممن بيده امر المال. نعم لو قلنا بفساد عقد الفضولي من باب حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير، يتجه البطلان في المقام.

و اورد عليه المحقق النائيني: بان حكم العقل بقبح التصرف فيما هو مال الغير واقعا بمناط واقعي، و حكمه بقبح التصرف فيما علم انه مال الغير طريقي، فالحكم الشرعي المستكشف من الأول من باب الملازمة حكم واقعي، و الحكم الشرعي المستفاد من الثاني طريقي فإذا انكشف مخالفة الاعتقاد للواقع لا يكون الا تجريا.

و

فيه: ان مورد استثناء المصنف قدس سره هو حكم العقل بقبح التصرف، و قال: انه لو- كان المدرك هو هذا الحكم من العقل اتجه الحكم بالفساد هنا فان موضوع حكم العقل بالقبح ليس هو الواقع، بل ما اعتقد انه مال الغير، و كون الحكم المستفاد من هذا الحكم في بعض الموارد واقعيا و في آخر طريقيا اجنبي عن ما هو محل استثنائه

______________________________

(1) النساء: 29- الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 172

الرابعة: ان يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له (1) و الاقوي هنا ايضا الصحة و لو علي القول ببطلان الفضولي و الوقوف علي الاجازة بمثل ما مر في الثالثة و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة (2) و لذا قوي اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة.

______________________________

لو باع لنفسه فانكشف انه له

(1) الصورة الرابعة: ان يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له فتارة:

يبني علي انه ماله كان في اعتبار العقلاء ايضا كذلك كما في ثمن الخمر، ام لم يكن كما في المال المكسوب من القمار،

و اخري: لا يبني علي ذلك بل يبيع بان يخرج المثمن عن ملك ذلك الغير و يدخل ثمنه في ملكه.

اما في الصورة الأولي:

فالأظهر الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، فانه باعه عن الرضا بعنوان انه ماله،

فالعقد تام من حيث الأركان حتي الرضا بالانتقال بعنوان انه ماله.

فما افاده المصنف قدس سره بقوله.

(2) و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة متين بل هو وجه وجيه.

و أما في الصورة الثانية:

فدعوي اعتبار الاجازة بناء علي اعتبار رضا البائع بانتقال ماله بعنوان انه ماله في البيع،

في محلها، لأنه انما رضي بانتقال ما يعتقد انه مال

الغير و لم يرض بانتقال ماله بهذا العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 173

و أما القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان امور:
الأول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك، (1)

فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء و لا احراز سائر الشروط بالنسبة

______________________________

القول في المجاز

و أما القول في المجاز: فتمام الكلام فيه ببيان امور:

(1) قوله الاول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك.

الشروط المعتبرة في انشاء العقد لا كلام فيها و أما غيرها من الشروط من شرائط المتعاقدين و العوضين، فهي علي اقسام:

الأول: ما يعتبر حال العقد، ككون العاقد ممن يصح منه المعاقدة و المعاهدة، اما عقلا ككونه حيا، أو شرعا ككونه عاقلا.

الثاني: ما يعتبر فيمن زمام امر العقد بيده كان هو المالك أو ولي التصرف كالقدرة علي التسليم، فان دليل اعتبارها انما يدل علي ذلك، و لذا لو كان مجري الصيغة غير قادر علي التسليم و كان البيع للصبي غير القادر و لكن كان وليه قادرا صح البيع.

الثالث: ما يعتبر في المالك، ككون المالك للمصحف مسلما.

اما القسم الأول: فهو يعتبر وجوده حين الإجازة و لا يخفي وجهه و أما القسم الثاني ملا يعتبر بل يعتبر وجوده حين الاجازة حتي علي الكشف، فانه انما يكون في الملكية لا في انتساب العقد الي المجيز- و هو يعتبر وجوده حين يعتبر صيرورة العقد عقد من بيده زمام العقد و هو انما يكون من حين الاجازة و أما القسم الثالث فعلي القول بالكشف وجوده حين من العقد لانه اول زمان حصول الملكية و علي القول بالنقل لا يعتبر ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 174

الي الاصيل فقط علي الكشف للزومه عليه (1) بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت (2)

و لو علي القول بالنقل عليها، و ذلك لأن العقد اما تمام السبب أو جزئه

(3) و علي أي حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده، و لهذا لا يجوز الايجاب في حال جهل القابل بالعوضين بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا، لأن الاجازة علي القول بالنقل اشبه بالشرط، و لو سلم كونها جزءا فهو جزء للمؤثر لا للعقد، فيكون جميع ما دل من النص و الاجماع علي اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في انشاء النقل و الانتقال بالعقد،

______________________________

(1) قوله للزومه عليه: علة للمنفي

(2) قوله لتوقف تأثيره: كذلك

(3) و استدل المصنف قده لاعتبار الشروط فيه بما محصله: ان العقد الانشائي اما تمام السبب أو جزءه، و علي كل تقدير ما ثبت اعتباره في العقد يعتبر فيه لنفس دليل الاعتبار بل ما دل دليله علي اعتباره في العقد التام دون جزئه يعتبر فيه ايضا،

لأن الإجازة ليست جزء العقد بل هي شرط تأثيره، و تمام العقد انما هو ما وقع بين الفضولي و الأصيل، و لو سلم كونها جزء فانما هي جزء السبب المملك لا جزء البيع الانشائي، و ظاهر الأدلة اعتبار ذلك في البيع الانشائي لا السبب الملك.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ما تقدم عند بيان ما هو الحق عندنا-: ان غاية ما يثبت بذلك، اعتبار العلم بالعوضين حين العقد،

اما انه هل يعتبر كون المجري للصيغة كذلك ام يعتبر كون المجيز كذلك فلا يثبت بذلك، فلا بد من الرجوع في ذلك الي وجه آخر،

و الظاهر هو الأول، فان المجيز انما ينفذ العقد الواقع الصحيح و ينسبه الي نفسه،

فلا بد و ان يكون العقد مع قطع النظر عن ذلك صحيحا، و من جملة ما يعتبر في الصحة العلم بالعوضين.

و بهذا يظهر الفرق بين الأذن و الإجازة، فان

العقد في الأول من حين تحققه يستند

الي الأذن، فيكفي كونه عالما بالعوضين، بخلاف صورة الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 175

نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الاثر الشرعي علي العقد من غير ظهور في اعتباره في اصل الانشاء (1) امكن القول بكفاية وجوده حين الاجازة.

و لعل من هذا القبيل القدرة علي التسليم، و اسلام مشتري المصحف و العبد المسلم،

ثمّ هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة ام لا؟ (2) لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطها حتي علي القول بالنقل، نعم علي القول بكونها بيعا مستأنفا يقوي الاشتراط. و أما شروط العوضين،

فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل، و أما شروط العوضين، فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل، و أما بناء الكشف فوجهان و اعتبارها عليه ايضا غير بعيد.

______________________________

(1) قوله نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الاثر الشرعي مراده بذلك ما دل اعتبار شرط في المالك- و عليه- فيرد عليه ما تقدم من انه لا بد من التفصيل بين القول بالنقل أو الكشف فراجع.

(2) قوله هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة ام لا يقع الكلام في موردين:

الأول: في انه هل يعتبر وجود الشرائط حين الإجازة ام لا؟ و الحق ان شروط العقد لا معني لاعتبارها حين الإجازة الا علي القول بانها بيع مستانف- اي ايجاب متأخر- أو قبول و أما غيرها من الشروط فما كان منها معتبرا فيمن بيده زمام العقد يعتبر وجوده حينها، لأنه حين الإجازة يستند العقد الي المجيز و يصير العقد عقده،

و ما كان منها معتبرا في حال العقد لا يعتبر وجوده حين الإجازة.

و ما كان منها معتبرا في المالك

يفصل بين القول بالكشف و النقل. و علي الأول لا يعتبر و علي الثاني يعتبر كما تقدم.

المورد الثاني في انه هل يعتبر استمرار وجود الشرائط من حين العقد الي حين الإجازة، ام لا؟ الأظهر عدم الاعتبار، و يظهر وجهه مما قدمناه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 176

الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل (1)

من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة كالأذن

السابق، فيجوز تعلقه بغير المعين إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل و من أن الاجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد، لأن المعاهدة الحقيقية إنما تحصل من المالكين بعد الإجازة، فيشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل (2).

______________________________

يعتبر كون المجاز معلوما تفصيلا

(1) قوله الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الاول: في انه هل يعتبر العلم التفصيلي بالمجاز من حيث العوضين و نوع العقد من البيع و الهبة و غيرهما ام لا يعتبر ذلك؟ الثاني: في انه هل يعتبر العلم بوقوع العقد ام يكفي احتمال وقوعه؟ اما المقام الأول: فقد استدل لاعتبار العلم بوجوه:

(2) الاول ما في المتن، و هو: ان الاجازة احد ركني العقد، إذ المعاهدة الحقيقة انما تحصل من المالكين بعد الإجازة، فتشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل.

و فيه: ان دليل اعتبار العلم بالعوضين و نوع العقد لو دل علي اعتباره في البيع و العقد و قلنا ان ظاهره اعتبار ذلك في البيع و العقد الانشائي- الذي هو السبب للمعاقدة الحقيقية- فلا وجه لاعتباره في الإجازة، لأن مجرد الشباهة بالقبول لا يوجب الالحاق في الحكم، و الا

فالإذن السابق ايضا كذلك، مع انه لا يعتبر فيه ذلك.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الاجازة لا معني لتعلقها بالعقد علي نحو الاطلاق لوقوع عقد الفضولي علي شي ء خاص، و هو لو كان مجهولا عند المجيز فلا تشملها الأدلة الدالة علي نفوذ الإجازة، بل حكمها حكم تعلق الوكالة. بالامر المبهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 177

______________________________

التي لا اعتبار بها عند العقلاء.

و فيه: اولا: انه يمكن الاطلاق في الإجازة، بمعني تعلقها بما وقع اياما كان، و ليس ذلك من قبيل الأمر المبهم الذي لا واقع له.

و ثانيا: انه لو سلم عدم كون تعلقها بالعقد علي نحو الاطلاق غاية الأمر كونها من قبيل اجازة المجهول، و هي كالأذن في المجهول لا إشكال فيها.

و بالجملة: ان الأذن في المبهم لعدم كون المبهم مما له واقع لا يصح، و كذلك اجازته،

و أما الاذن في المجهول فالأظهر عدم المحذور فيه، و كذلك الإجازة المتعلقة به.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره ايضا، و هو: ان الاجازة مع عدم العلم بالمجاز تندرج في عموم نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر.

و فيه: اولا: ان الغرر المنفي مختص بالبيع «1».

و ثانيا: انه علي فرض العموم لا إشكال في عدم كون التوكيل و الاذن مشمولين للمنفي، إذ لا ريب في عدم وجوب ذكر جميع الخصوصيات و التعيين من جميع الجهات فيهما، و كذلك الاجازة.

الرابع: ان البيع انما ينتسب الي المجيز من حين الإجازة، ففي الحقيقة هي تكون معاملة و بيعا، فيعتبر ان لا تكون غررية.

و فيه: ان المنفي هو البيع الغرري، و هو ظاهر في الانشائي منه كما تقدم،

فالأظهر انه لا يعتبر العلم بالمجاز.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من

ابواب آداب التجارة حديث 3- و المستدرك باب 31 من ابواب آداب التجارة حديث- 1 و سنن بيهقي ج 5 ص 338- و سنن الترمذي ج 3- ص 532- و اخرجه مسلم- و ابو داود- في كتاب البيوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 178

و من هنا يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد و لا يكفي مجرد احتماله فيجيزه علي تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه، لأن الاجازة و ان لم تكن من العقود حتي يشملها معاقد اجماعهم علي عدم جواز التعليق فيها الا انها في معناها (1) و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق لا يكون الا في حق العاقد فتأمل.

الثالث: المجاز اما العقد الواقع علي نفس مال الغير و أما العقد الواقع علي عوضه، (2)
اشارة

و علي كل منهما اما ان يكون المجاز اول عقد وقع علي المال أو عوضه أو آخره أو عقدا بين سابق و لاحق واقعين علي مورده أو بدله، أو بالاختلاف

______________________________

و أما المقام الثاني: فقد استدل لاعتبار العلم بوجهين:

(1) الاول: ما في المكاسب و هو: ان الاجازة، و ان لم تكن من العقود واحد ركني العقد،

الا انها في معناها فالتعليق مبطل لها.

و فيه: ان مدرك مبطلية التعليق هو الإجماع، و المتيقن منه التعليق في البيع الانشائي، و لا يشمل البيع الحقيقي و ما في معني البيع:

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان بها يتحقق الاستناد، و هي من الايقاعات، و الإيقاع لا يقبل التعليق.

و فيه: ان الايقاع كالعقد قابل للتعليق بان يكون المعلق هو المنشأ لا الإنشاء، و لا دليل علي بطلانه به، مع انه لو سلم ذلك فانما هو في التعليق علي غير القيود التي يتوقف عليها، و الا فلا دليل علي البطلان، و المقام من هذا القبيل لتوقف الإجازة علي

صدور العقد. فالأظهر عدم اعتبار العلم به، فيكفي مجرد احتماله، فيجيزه علي تقدير وقوعه.

حكم العقود المترتبة

(2) قوله الثالث: المجاز اما العقد الواقع علي نفس مال الغير، و أما العقد الواقع علي عوضه الأصحاب حكموا بان اجازة العقد الواقع علي مال الغير توجب صحته و صحة ما بعده من العقود، و اجازة العقد الواقع علي بدله توجب صحته و صحة ما قبله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 179

و يجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثمّ باعه المشتري بكتاب، ثمّ باعه الثالث بدينار و باع البائع الفرس بدرهم، و باع الثالث الدينار بجارية، و باع بائع الفرس الدرهم برغيف، ثمّ بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل

______________________________

و محل كلامهم انما هو العقود الطولية من حيث الترتب الانتقالي لا الزماني، فلو باع العين شخص واحد من متعدد فضولا كانت العقود عرضية من حيث الصحة لا طولية و خارجة عما هو محل الكلام، و تعاقبها اما ان يكون بوقوعها من اشخاص متعددة و أما بتعاقبها علي اثمان عديدة.

و المراد من العوض في كلماتهم- علي ما صرح به المصنف قدس سره- هو الثمن الكلي. و بعبارة اخري: ان محل البحث هي صورة ترامي الأثمان لا ورود العقود علي العوض الشخصي.

و العقود المتعددة اما واقعة علي مال الغير أو علي عوضه، بان يكون العوض في كل عقد معوضا في الآخر، و علي كل تقدير ربما يكون العاقد هو المشتري في كل طبقة أو غيره، و لا كلام في ان للمالك اجازة اي منها شاء،

انما الكلام في انه إذا اجاز عقدا هل يوجب ذلك صحة غيره ام لا.؟ و تنقيح القول فيه: ان المجاز اما اول عقد واقع علي مال المالك،

أو آخر عقد واقع عليه،

أو وسط واقع بين سابق و لاحق واقعين علي مورد عقد الوسط و المراد من المورد اعم من الثمن و المثمن في العقد الوسط، و ايضا المراد من الوقوع علي المورد اعم من كون المورد في ذلك العقد ثمنا أو مثمنا أو واردين علي بدل مورده، أو كون السابق واردا علي مورده و اللاحق واردا علي بدل مورده، أو بالعكس. فهذه ست صور للعقود الواردة علي المعوض و أما الواقعة علي العوض فهي ايضا كذلك، لأن المجاز اما ان يكون اول عقد واقع عليه، أو آخر عقد، أو وسط بين سابق و لاحق واردين علي مورده، أو بدل مورده، أو يكون السابق علي المورد و اللاحق علي بدله، أو بالعكس فمجموع الصور اثنتا عشرة، ست للفرض الأول، و ست للفرض الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 180

و قد جميع المصنف الجميع في المثال. و جامعية هذا المثال لجميع الصور تظهر من التصوير التالي، تأمل تعرف.

______________________________

) صور العقود الواقعة علي المعوض () صور العقود الواقعة علي العوض (بيع العبد بفرس بيع الفرس بدرهم بيع الفرس بدرهم بيع العبد بفرس بيع العبد بكتاب بيع الدرهم برغيف بيع الدرهم بحمار بيع العبد بدينار بيع الدينار بجارية بيع الرغيف بعسل 1- اول عقد واقع علي المعوض: بيع 1- اول عقد واقع علي العبد بفرس العوض: بيع الفرس بدرهم.

2- آخر عقد واقع عليه: بيع العبد بدينار 2- آخر عقد واقع عليه: بيع الرغيف بعسل.

3- الوسط الواقع عليه- الواقع بين 3- الوسط الواقع بين واقعين علي الواقعين علي مورده-: بيع العبد بكتاب مورده بيع الدرهم برغيف الواقع بين بيع الواقع بين بيعه بفرس و بيعه بدينار. الفرس بدرهم،

و بيع الدرهم بحمار.

4- الوسط الواقع بين واقعين علي 4- الوسط الواقع بين سابق واقع بدل مورده، بيع العبد بكتاب، الواقع بين علي بدل مورده، و لاحق واقع علي بيع الفرس الذي هو بدل للعبد في العقد مورده بيع الدرهم برغيف الواقع بين بيع الأول بدرهم، و بين بيع الدينار الذي هو العبد بفرس، و بيع الدرهم بحمار.

البدل للعبد في العقد الآخر بجارية.

6- 5- و بذلك ظهر الواقع بين 5- الوسط الواقع بين واقعين علي المختلفين. بدل مورده، بيع الدرهم بحمار الواقع بين بيع العبد بفرس، و بيع الرغيف بعسل.

6- الوسط الواقع بين سابق واقع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 181

______________________________

علي مورده و هو بيع الدرهم برغيف،

و لا حق واقع علي بدل مورده و هو بيع الرغيف بعسل، و هو ايضا بيع الدرهم بحمار.

هذا كله في تطبيق المثال الذي ذكره المصنف علي جميع الصور.

ثمّ يقع الكلام في بيان حكم العقود المترتبة، فالضابط: ان الإجازة كما توجب صحة المجاز، توجب صحة ما قبله مما يتوقف عليه و ما بعده مما يكون من احكامه. و بعبارة اخري: توجب صحة ما يكون في سلسلة علله و معلوله.

توضيح ذلك بنحو يظهر حكم جميع الصور، يقتضي البحث في مواضع:

الأول: في العقود الواقعة علي شخص مال المالك و ما سبقه و لحقه من العقود الواقعة علي العوض، و بيان انه لو اجاز المالك العقد الواقع علي ماله اي عقد يصح بهذه الإجازة، و مثال الجامع لذلك: بيع العبد بفرس، ثمّ بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع العبد بكتاب،

ثمّ بيع الكتاب بالحنطة، ثمّ بيع العبد بدينار، ثمّ بيع الدينار بجارية.

الثاني: في العقود الواقعة علي الثمن الشخصي، و هو الثمن الواقع عوضا في البيع الأول،

و هو الفرس و ما سبقه و لحقه من العقود الواقعة علي عوضه، و مثال ذلك: بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع الدرهم بعسل، ثمّ بيع الفرس بحمار، ثمّ بيع الحمار بجارية، ثمّ بيع الفرس بالدار، ثمّ بيع الدار بالكتاب.

الثالث: في العقود الواقعة علي الثمن الكلي و ما سبقه و لحقه من العقود، و مثال ذلك: بيع العبد بفرس، ثمّ بيع صاحب الفرس العبد بكتاب، ثمّ بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع صاحب الدرهم الفرس بدينار، ثمّ بيع الدرهم برغيف، ثمّ بيع صاحب الرغيف الدرهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 182

اما اجازة العقد الواقع علي مال المالك اعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده (1) اعني العبد بالدينار بناء علي الكشف. و أما بناء علي النقل فيبني علي ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه و هي فسخ بالنسبة الي ما قبله مما ورد علي مورده أعني بيع العبد بالفرس بالنسبة الي المجيز.

اما بالنسبة الي من ملك بالاجازة و هو المشتري بالكتاب، فقابلته للاجازة مبنية علي مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد، هذا حال العقود السابقة و اللاحقة علي مورده أعني مال المجيز

______________________________

بحمار، ثمّ بيع الرغيف بعسل.

و في هذه المواضع تارة: يجيز المالك اول العقود، و اخري: آخرها، و ثالثة: الوسط منها. فإذا بينا حكم اجازة الوسط و تبين حكمه و ما سبقه و لحقه يظهر حكم اجازة العقد الأول و الآخر.

فاقول مستعينا بالله تعالي: انه في الموضع الأول قال المصنف

(1) فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده توضيحه انه لو اجاز العقد الوسط منها و هو بيع العبد بكتاب، يكون ذلك فسخا بالنسبة الي ما

قبله سواء أ كان واقعا علي نفس مال المالك و هو بيع العبد بفرس، أو واقعا علي عوضه في ذلك العقد و هو بيع الفرس بدرهم، بمعني انه يفوت بذلك محل الإجازة بالنسبة الي المالك للخروج عن تحت سلطنته و عدم توقف صحة المجاز عليهما.

نعم لمن انتقل إليه العبد اجازة بيع العبد بفرس، بناء عدم اعتبار كون المجيز حال العقد مالكا علي القول بالنقل، و مطلقا بناء علي القول بالكشف، و له اجازة بيع الفرس بدرهم بعد ذلك لانتقال الفرس إليه، و لو اجاز أو لا بيع الفرس يلزم بيع العبد بلزومه لتوقفه عليه، و لو لم يجز من انتقل إليه المال بيعه و لا بيع عوضه، فلمالك الفرس حينئذ اجازة بيعه بدرهم.

و أما بالقياس الي ما بعده من العقود سواء كان واقعا علي نفس هذا المال- و هو بيع العبد بدينار- أو عوضه في العقد اللاحق- و هو بيع الدينار بجارية- فعلي القول

بالكشف تلزم تلك العقود بهذه الإجازة لوقوعها في ملك مالكها، و أما بناء علي القول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 183

و أما العقود الواقعة علي عوض مال المجيز (1) فالسابقة علي هذا العقد و هو بيع الفرس بالدرهم، يتوقف لزومها علي اجازة المالك الاصلي للعوض و هو الفرس و اللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد. و أما اجازة العقد الواقع علي العوض أعني بيع الدرهم برغيف، فهي ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء وقعت علي نفس مال المالك اعني بيع العبد بالفرس، أو علي عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم، و للعقود اللاحقة له إذا وقعت علي المعوض و هو بيع الدرهم بالحمار. اما الواقعة علي هذا البدل المجاز اعني

بيع الرغيف بالعسل، فحكمها حكم العقود الواقعة علي المعوض ابتداء.

______________________________

بالنقل فيبتني علي المسألة المتقدمة- و هي عدم اشتراط الملكية حين العقد- و أما الواقع علي عوض هذا المجاز- و هو بيع الكتاب بحنطة- فلا يلزم بلزوم هذا العقد، لأن لزوم هذا يصير سببا لدخول الكتاب في ملكه، فله اجازة العقد الواقع علي كتابه.

فالقول بان العقود اللاحقة تلزم بلزوم هذا العقد باطلاقه غير تام.

(1) و أما الموضوع الثاني: فالحكم فيه هو الحكم في الموضع الاول، الا في مورد واحد.

توضيح ذلك: انه إذا تعلقت الإجازة بالعقد الوسط- و هو بيع الفرس بحمار- فبالنسبة الي العقود السابقة الواقعة علي نفس الثمن- و هو بيع الفرس بدرهم- و علي بدله- و هو بيع الدرهم بالعسل- يكون فسخا بالتقريب المتقدم.

و أما العقود اللاحقة الواقعة علي نفس الثمن- و هو بيع الفرس بالدار- و علي عوضه في العقد اللاحق- و هو بيع الدار بكتاب- فتصح بصحة هذا العقد علي القول بالكشف، أو علي القول بعدم اشتراط الملكية بناء علي النقل.

و أما ما وقع علي عوضه في المجاز- و هو بيع الحمار بجارية- فلا يصح باجازة ذلك لما تقدم.

هذا فيما يشترك فيه الموضعان،

و أما ما يختص به هذا الموضع، و هو ان الإجازة في هذا توجب صحة ما تقدمه الواقع علي نفس مال المالك اولا و هو بيع العبد بفرس، و الا لم يصر الفرس ملكا له حتي يجيز العقد الواقع عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 184

و ملخص ما ذكرناه انه لو ترتبت عقود متعددة علي مال المجيز، فإن وقعت من اشخاص متعددة كان اجازة وسط منها فسخا لما قبله، و اجازة لما بعده، علي الكشف،

و إن وقعت من شخص واحد انعكس

الأمر، و لعل هذا هو المراد من المحكي عن الايضاح و الدروس في حكم ترتب العقود: من انه إذا اجاز عقدا علي المبيع صح و ما بعده، و في الثمن ينعكس، فإن العقود المترتبة علي المبيع لا يكون إلا من أشخاص متعددة.

______________________________

فطهر انه لا وجه للقول بانها توجب فسخ العقود اللاحقة.

و أما الموضع الثالث: فلو اجاز العقد الوسط- و هو بيع الدرهم برغيف فبالنسبة الي ما بعده من العقود يفصل بين ما وقع علي ما انتقل عنه، و ما وقع علي ما انتقل إليه، فالبيع الواقع علي ما انتقل إليه- و هو بيع الرغيف بعسل- لا يصح بهذه الإجازة، لأنها اوجبت دخول المعوض في ملكه، فله اجازة العقد الواقع عليه ايضا، و أما الواقع علي ما انتقل عنه- و هو بيع الدرهم بحمار- فيلزم بلزوم هذا العقد علي القول بالكشف، أو عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد علي القول بالنقل.

و أما بالنسبة الي ما قبله من العقود فهي توجب صحة جميعها، اعم من الواقع علي المعوض، أو الثمن الكلي، أو الشخصي علي القول بالكشف، أو عدم اشتراط الملكية علي النقل.

اما الأول: فلأنه إذا صح بيع العبد بفرس فصاحب الفرس باع ماله بكتاب فيصح.

و أما الثاني: فلأن صحة العقد المجاز تتوقف علي صيرورة المبيع ملكا له، إذ لو لم يصر الدرهم ملكا له كيف يجيز بيعه برغيف، و صحة بيع الفرس بدرهم ايضا تتوقف علي صحة بيع العبد بفرس.

و أما الثالث: فلأنه إذا صح بيع الفرس بدرهم كما عرفت، فصاحب الدرهم صار مالكا للفرس فبيعه الفرس بدينار كان في ملكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 185

و أما العقود المترتبة علي الثمن فليس مرادهما أن يعقد علي الثمن

الشخصي مرارا، لأن حكم ذلك حكم العقود المترتبة علي المبيع علي ما سمعت سابقا من قولنا. أما الواقعة علي هذا البدل المجاز الي آخره بل مراد هما ترامي الاثمان في العقود المتعددة كما صرح بذلك المحقق و الشهيد الثانيان.

و قد علم من ذلك ان مرادنا بما ذكرنا في المقسم من العقد المجاز علي عوض مال الغير ليس العوض الشخصي الاول له، بل العوض و لو بواسطة

______________________________

و من جميع ما ذكرناه ظهر حكم جميع الفروض حتي المختلفة، مثل ما لو فرض وقوع العقد علي الثمن الشخصي مرات، ثمّ العقد علي الثمن الكلي أو العكس، أو غير ذلك من الفروض.

كما انه ظهر ما في اطلاق كلام الشهيد قده من:

ان العقود الواقعة علي المبيع لو اجاز المالك الوسط منها صح و ما بعده، و في الثمن ينعكس الأمر.

كما انه ظهر ما في اطلاق كلام المصنف قدس سره من:

انه لو وقعت العقود من اشخاص متعددة كانت اجازة الوسط فسخا لما قبله، و اجازة لما بعده، و ان وقعت من شخص واحد انعكس الأمر.

إذ يرد عليه: انه لو فرضنا العقود المترتبة علي المبيع من شخص واحد، مع ذلك تكون اجازة الوسط فسخا لما قبله كما عرفت، و كذلك لو فرضنا ترتب العقود في الثمن الكلي من اشخاص متعددة تكون اجازة لما قبله.

فالاولي في بيان الضابط ما ذكرناه فافهم و اغتنم.

حكم تتابع العقود في صورة علم المشتري بالغصب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 186

ثمّ ان هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب، (1) اشار إليه العلامة رحمهم الله في القواعد، و اوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه، فقال الأول: فيما حكي عنه: ان وجه الاشكال ان المشتري مع العلم يكون

مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن، و لذا لو تلف لم يكن له الرجوع و لو بقي، ففيه الوجهان: فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه و من أن الثمن عوض عن العين المملوكة، و لم يمنع من نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك، فإذا جاز جري مجري الصادر عنه،

انتهي.

و قال في محكي الحواشي: ان المشتري مع علمه بالغصب يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن، فلا يدخل في ملك رب العين، فحينئذ إذا اشتري به البائع متاعا

______________________________

(1) قوله ثمّ ان هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري.

اصل الاشكال اشار إليه العلامة في القواعد و بعده الشهيد في حواشيه، و عن الايضاح وجه آخر سقف عليه.

و حيث ان منشأ الأشكال هو فتوي الأصحاب بانه إذا تلف الثمن عند البائع الغاصب لا يجوز للمشتري مع علمه بالغصب الرجوع إليه و مطالبته بالمثل أو القيمة.

فينبغي البحث في مقامين:

الأول: في المنشأ.

الثاني: فيما نشأ عنه.

اما المقام الأول: ففيه مسائل:

الأولي: في ان التسليم إليه مملك له اياه أو مبيح للتصرفات، ام لا؟ فقد استدل للأول بوجهين:

الأول، ان الأصحاب حكموا بانه إذا رجع المالك الي المشتري بالمبيع ليس له الرجوع الي البائع باسترداد الثمن، و لو لا كونه ملكا له كان ذلك منافيا لتسلط الناس علي أموالهم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 187

فقد اشتراه لنفسه و اتلفه عند الدفع الي البائع فيتحقق ملكيته للمبيع، فلا يتصور نفوذ الاجازة هنا لصيرورته ملكا للبائع و ان امكن اجازة المبيع مع احتمال عدم نفوذها ايضا، لأن ما دفعه الي الغاصب كالمأذون له في اتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا يؤثر الاجازة في جعله ثمنا، فصار

الاشكال في صحة البيع و في التتبع، ثمّ قال انه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع، لاستحالة كون المبيع بلا ثمن، فإذا قيل: ان الاشكال في صحة العقد كان صحيحا ايضا، انتهي.

و اقتصر في جامع المقاصد علي ما ذكره الشهيد اخيرا في وجه سراية هذا الاشكال الي صحة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب،

______________________________

و فيه: مضافا الي عدم تسالم الأصحاب علي ذلك، بل هناك قولان آخر ان: احدهما:

الضمان مطلقا، ثانيها: الضمان مع بقاء العين- ان الاسباب المملكة مضبوطة و ليس التسليط بعنوان العوضية منها، و أما اباحة التصرفات فلا بد و ان تكون اما بفعل المالك أو بحكم الشارع، و شي ء منهما ليس في المقام.

الثاني: انهم حكموا بعدم الضمان في صورة الإتلاف، فلو لم يكن ملكا له كان ضامنا، لأن اتلاف مال الغير موجب للضمان.

و فيه- مضافا الي ما تقدم- ان عدم الضمان لازم اعم للملك و لما اذن مالكه في الإتلاف.

الثانية: في انه هل يجوز الرجوع في ما دفع مع بقائه ام لا؟ الأظهر هو الأول، اما بناء علي ما عرفت في المسألة الأولي فواضح، و أما بناء علي القول الآخر فكذلك بناء علي كون التسليط مبيحا للتصرفات، و أما علي القول بكونه مملكا فلأنه لو سلم ذلك كان هبة و يجوز الرجوع في الموهوب مع بقائه.

المسألة الثالثة: في انه هل يجوز الرجوع الي البدل إذا اتلفه الغاصب، ام لا؟ قد استدل للثاني بوجوه:

الأول: الإجماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 188

______________________________

و فيه: - مضافا الي عدم ثبوته كما تقدم- انه لم يثبت كونه اجماعا تعبديا.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الضمان اما معاوضي أو يدي، و شي ء

منهما لا مورد له في المقام، اما الأول: فلعلمه بانه ليس المثمن له، و أما الثاني: فلعلم المشتري بكونه غاصبا و لازمه التسليط المجاني فيكون من صغريات قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و فيه: انه انما يدفعه عوضا عن المبيع لا مجانا، فيكون من صغريات ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

الثالث: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره و هو: ان اقباضا الثمن اياه ليس اقباضا و فائيا، إذ لازم نفوذ المعاملة باجازة المالك اقباضه للمالك، فهذا الاقباض الخارجي تسليط منه للغاصب علي ماله برضاه و اختياره، فوضع يده عليه باذن المالك، و كذا تصرفاته فلا يكون ضامنا باتلافه الثمن.

و فيه ان الاقباض ان كان بعنوان انه مالك أو ليوصله الي مالكه لا يكون اذنا له في التصرف و الإتلاف مطلقا، فالأظهر جواز الرجوع إليه في صورة الإتلاف.

و بما ذكرناه ظهر الحكم فيما نشأ من هذا المنشأ.

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه انما هو علي فرض التنزل و تسليم المنشأ، و ملخص القول فيه بعد التنبيه علي امر و هو: ان مورد الأشكال انما هو الثمن الشخصي لا الكلي، إذ غاية ما يلزم علي الثاني صيرورة ما يأخذه ملكا للغاصب، و لكن الثمن يكون باقيا.

انه وقع الأشكال من جهات:

الأولي: من جهة البيع الأول الواقع علي مال المالك.

و تقريب الأشكال من هذه الجهة وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 189

______________________________

الاول ان المشتري العالم بغاصبية البائع يكون مرجع اشترائه منه الي هبة و تملك للمبيع مجانا، أو الي هبة و استنقاذ للمبيع لعدم امكان قصد المعاوضة الحقيقية، و لازم ذلك عدم صحة البيع الأول.

و الجواب عنه: ما ذكرناه مفصلا في بيع الغاصب لنفسه.

الثاني: ان المشتري مع العلم بالغصبية

إذا اقبض الثمن اياه يكون ذلك مملكا و تسليطا مجانيا، فيبقي المبيع بلا ثمن.

و فيه: - مضافا الي ما عرفت من فساد المبني- انه لو تم فانما يتم علي القول بالنقل و لا يتم علي القول بالكشف، إذ عليه يكون التسليط تسليطا علي مال الغير و هو لا يكون ممكنا، مع انه لا يتم لأنه لو سلم كونه تسليطا مجانيا فحيث انه علي خلاف القاعدة فيقتصر علي المتيقن و هو كونه مملكا في فرض عدم الإجازة.

الثانية: من جهة تتابع العقود.

و حاصله: ان ما دفعه الي الغاصب كالمأذون له في اتلافه، فإذا اجاز ذلك فباع الثمن الغاصب أو اشتري به شيئا فقد خرج عن ملك مالكه و دخل بدله في ملك الغاصب علي ما يقضيه الأذن في التصرفات حتي الناقلة، اما بدخوله في ملكه قبل التصرف الناقل و خروج عن ملكه، أو بخروج الثمن عن ملك المشتري و دخول بدله في ملك الغاصب علي اختلاف المسكين في حقيقة البيع فالبيع الثاني و كذا ما بعده. من البيوع ليس للمالك اجازته، لأنه لا معني لإجازة العقد الوارد علي ما ملكه عاقده،

و لازم ذلك عدم جواز اجازة العقد الأول في صورة التتابع، لأنه يكون البيع بقاء بلا ثمن و بعبارة اخري يكون من قبيل تلف الثمن قبل الاجازة وتروه الاشكالات الثلاثة التي اوردناها علي الأشكال من الجهة الأولي.

الثالثة: من جهة اجازة غير العقد الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 190

و المحكي عن الايضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري علي كون الإجازة ناقلة، فيكون منشأ الاشكال في الجواز و العدم:

الاشكال في الكشف و النقل، قال في محكي الايضاح إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبع العقود

و رعاية مصلحته و الربح في سلسلتي الثمن و المثمن و أما إذا كان عالما بالغصب، فعلي قول الاصحاب من ان المشتري إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع علي الغاصب، بالثمن مع وجود عينه، فيكون قد ملك الغاصب مجانا، لأنه بالتسليم الي الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الاصحاب و المالك قبل الاجازة لم يملك الثمن لأن الحق ان الاجازة شرط أو سبب، فلو لم يكن للغاصب فيكون الملك بغير مالك و هو محال.

فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن علي سبب ملك المالك له اي الاجازة،

فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك ابطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن و ربحه له و ليس للمالك أخذه، لأنه ملك الغاصب، و علي القول بأن اجازة المالك كاشفة، فإذا اجاز العقد كان له، و يحتمل ان يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن، فإن له اجازة البيع واخذ الثمن و حقه مقدم علي حق الغاصب،

لان الغاصب يؤخذ بأخس احواله و اشقها عليه و المالك مأخوذ باجود الاحوال.

ثمّ قال: و الاصح عندي مع وجود عين الثمن للمشتري العالم اخذه و مع التلف ليس له الرجوع به، انتهي كلامه رحمهم الله.

و ظاهر كلامه أنه لا وقع للأشكال علي تقدير الكشف و هذا هو المتجه إذ حينئذ يندفع بما استشكله القطب و الشهيد بأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن علي تقدير الكشف تسليط علي ما ملكه الغير بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالاقباض، فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل مقتضاه و إذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا من المشتري علي ماله، فليس له ان يسترده بناء علي ما نقل من الاصحاب. نعم علي القول بالنقل يقع الاشكال في

جواز اجازة العقد الواقع علي الثمن، لأن اجازة مالك المبيع له موقوفة علي تملكه للثمن، لأنه قبلها اجنبي عنه،

و المفروض ان تملكه الثمن موقوف علي الاجازة علي القول بالنقل، و كذا الاشكال في اجازة العقد الواقع علي المبيع بعد قبض. البائع الثمن أو بعد اتلافه اياه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 191

علي الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري علي الثمن بصورة التلف و عدمه، لأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله الي مالك المبيع بالاجازة، فلا يبقي مورد للاجازة، و ما ذكره في الايضاح من احتمال تقديم حق المجيز، لأنه اسبق، و انه اولي من الغاصب المأخوذ بأشق الاحوال، فلم يعلم له وجه بناء علي النقل، لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز و التسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب، فكيف يكون حق المجيز اسبق.

نعم، يمكن ان يقال: ان حكم الاصحاب بعدم استرداد الثمن، لعله لأجل التسليط المراعي بعدم اجازة مالك المبيع، لا لأن نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب علي تقديري الرد و الاجازة، و حيث ان حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة علي عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع علي عقد فاسد،

وجب الاقتصار فيه علي المتقين و هو التسليط علي تقدير عدم الاجازة فافهم.

______________________________

و حاصله علي ما ذكره المصنف قدس سره في ذيل شرح عبارة الايضاح: ان اجازة المالك البيع الثاني الواقع علي عوض ماله و تأثيرها في صحة ذلك العقد من الفضولي تتوقف علي ان يكون المبيع ملكا له، و الا فاجازته اياه اجازة الأجنبي، و كون ذلك المبيع ملكا له يتوقف علي اجازته المستلزمة لإجازة العقد الاول الموجبة لدخول المبيع في ملكه و هذا دور واضح.

و فيه: اولا: ان هذا ليس اشكالا

مختصا بصورة علم المشتري بالغصب.

و ثانيا: انه لا يختص تتابع العقود بما إذا جاز الجميع باجازة واحدة، فله ان يجيز مترتبا.

و ثانيا: انه يختص تتابع العقود بما إذا اجاز الجميع باجازة واحدة، فله ان يجز مترتبا.

و ثالثا: انه لو اجاز العقد الثاني تنحل اجازته الي اجازتين: احداهما: متعلقة بالعقد الثاني مطابقة، و الاخري: متعلقة بالأول التزاما، و هما متحققتان فعلا ومؤثرتان بالترتيب. فاجازة العقد الثاني توجب اولا دخول الثمن في ملك المجيز ثمّ خروجه عن ملكه و دخوله في ملك المشتري في العقد الثاني، و لا محذور في ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 192

مسألة في أحكام الرد: (1)
اشارة

لا يتحقق لرد قولا إلا بقوله فسخت و رددت و شبه ذلك مما هو صريح في الرد لأصالة بقاء اللزوم من طرف الاصيل (2) و قابليته من طرف المجيز، و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما، كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك و الوجه في ذلك ان تصرفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الاجازة لفرض خروجه عن ملكه

______________________________

احكام الرد

(1) قوله مسأله: في احكام الرد و الكلام فيها يقع في موضعين:

الأول: في الرد الموجب لحل العقد.

الثاني، في تصرفات المالك قبل الإجازة.

اما الموضع الأول: فبعد ما عرفت من تأثير الإجازة بعد الرد، و ان الرد لا يوجب حل العقد و ليس مفاده الا عدم الامضاء، لا مورد للبحث عن تحققه باي شي ء و أما علي المسلك الآخر فلا ينبغي التوقف في عدم تحققه بالبناء القلبي من غير ان يظهر لكونه من الانشائيات، كما لا توقف في تحققه بالقول في الجملة و بالفعل الذي يكون مصداقا للرد، انما الكلام في انه هل يتحقق

باللفظ غير الصريح ام لا

(2) و قد اختار المصنف قدس سره عدم التحقق لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليته من طرف المجيز.

مدرك عدم تأثير الإجازة بعد الرد، ان كان هو الإجماع- و حيث انه دليل لبي لا إطلاق له- فيتعين الاقتصار علي المتيقن و هو عدم تأثير الإجازة بعد الرد بالقول الصريح،

و أما لو كان المدرك قاعدة السلطنة- فبناء علي كونها ناظرة الي الأسباب- كان المتعين البناء علي تحققه بكل لفظ دال عليه صريحا كان ام لم يكن كذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 193

______________________________

و أما الموضع الثاني: فالكلام فيه يقع في مقامين:

الأول: في التصرفات المخرجة عن الملك.

الثاني: في غير المخرجة.

اما الأول: فعلي النقل لا كلام في انها توجب فوت محل الإجازة بالنسبة الي المالك، فان المال باق علي ملكه، و تصرف المالك فيما له نافذ شرعا، فيسقط العقد عن قابلية التأثير بالنسبة الي المتصرف، و كذلك علي الكشف الانقلابي و الحكمي.

و أما علي الكشف الحقيقي بنحو الشرط المتأخر،

فقد يتوهم ان الإجازة تكشف عن ملكية الغير من حين العقد، فيكون التصرف المخرج واقعا علي ملك الغير،

و اوضحه المحقق الأصفهاني قدس سره: بان صحة العقدين معا مستحيلة فلا بد من رفع اليد عن احد البيعين، و حيث انه تؤثر الإجازة في الملكية من حين العقد فلا يعقل اعتبار اتصال الملكية

بزمان الإجازة، فلا محالة تكون الملكية الي حال العقد كافية في تأثير الإجازة،

و عليه فالاجازة في المقام صالحة للتاثير و يترتب عليه عدم نفوذ العقد الثاني لوقوعه في ملك الغير،

و هذا بخلاف العقد الثاني فانه غير صالح للتاثير، فان تأثيره دوري لتوقفه علي بقاء المال علي ملك مالكه حال البيع و هو متوقف علي عدم صحة

العقد المجاز و هو متوقف علي عدم كون المال ملكا له، مع انه لا مخرج له عن ملكه الا العقد الثاني فيدور.

و لكن يرد عليه: انه يعتبر في تأثير الإجازة- حتي علي الكشف- كون زمام امر البيع بيد المجيز، و انه إذا لم يجز يكون المال ملكا له. و هذا مع وقوع العقد الثاني مفقود،

فانه بعد وقوعه و خروج المال عن ملكه ليس زمام امر المال بيده حتي يجيز،

فالتصرفات المخرجة عن الملك اعم من الناقلة، و المتلفة توجب تفويت محل الإجازة بالإضافة الي المتصرف مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 194

و أما التصرف الغير المخرج عن الملك، كاستيلاد الجارية، و اجارة الدابة و تزويج الامة (1) فهو و ان لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الاجازة عليه، الا انه مخرج له عن قابلية وقوع الاجازة من زمان العقد، لأن صحة الاجازة علي هذا النحو توجب وقوعها باطلة، و إذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع الاجازة.

و الحاصل ان وقوع هذه الامور صحيحة مناقض لوقوع الاجازة لأصل العقد، فإذا وقع احد المتنافيين صحيحا، فلا بد من امتناع وقوع الآخر، أو ابطال صاحبه أو ايقاعه علي غير وجهه، و حيث لا سبيل الي الأخيرين تعين الأول. (2)

و بالجملة كلما يكون باطلا علي تقدير لحوق الاجازة المؤثرة من حين العقد، فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الاجازة، لامتناع اجتماع المتنافيين، نعم لو انتفع المالك بها قبل الاجازة بالسكني و اللبس كان عليه اجره المثل إذا اجاز،

فتأمل.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في التصرف المخرج للملك عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد. و بعبارة اخري: التصرف المنافي لملك المشتري من حين العقد.

الثاني: في التصرف غير المخرج.

(1) اما

الأول: فقد مثل له المصنف قدس سره: باستيلاد الجارية، و اجازة الدابة، و تزويج الأمة. و زاد بعضهم: جعل حق للغير في المال كالرهن.

اما استيلاد الجارية: فالحق انه مانع عن تأثير الإجازة، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، اما علي الأول: فواضح، فان الانتقال انما يكون في حال كونها ام ولد، و اما علي الثاني: فلأنه و ان كان زمان الملكية من حين العقد و قبل الاستيلاد الا ان البيع انما يصير بيعه من حين الإجازة، و ان كان اثره من قبل فيشمله ما دل علي عدم جواز بيع الأمة المستولدة.

و أما اجارة الدابة: فالأقوال فيها ثلاثة:

(2) الأول: ما في المكاسب و هو: صحة الإجارة و بطلان البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 195

و منه يعلم انه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع علي وقوع العقد و وقوعها بدونه لأن التنافي بينهما واقعي و دعوي انه لا دليل علي اشتراط قابلية التأثير من حين العقد في الاجازة، و لذا صحح جماعة كما تقدم اجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا، ثمّ ملكه مدفوعة باجماع اهل الكشف علي كون اجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه نعم لو قلنا بان الاجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع الي كون المؤثر التام هو العقد الملحوق بالإجازة، كانت التصرفات مبنية علي الظاهر،

و بالاجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي و تصح الاجازة.

______________________________

الثاني: صحتهما معا و الرجوع الي البدل، بالإضافة الي المنفعة المستوفاة بالاجارة الثالث: وقوعهما صحيحا مع ثبوت الخيار للمشتري.

و الحق في المقام ان يقال: انه بناء علي القول بالنقل يتعين اختيار الثالث، اما صحة الإجارة فلوقوعها من المالك الفعلي و أما صحة البيع فلان مورده العين و هي

لم تخرج عن ملك المجيز فاجازته اجازة صادرة من اهلها واقعة في محلها.

و أما ثبوت الخيار مع بقاء مدة الإجارة و جهل المشتري، فلأنه لم يرد اتلاف علي ملكه، و انما انتقل إليه الملك مسلوب المنفعة، و لازم ذلك ثبوت الخيار.

و أما بناء علي الكشف الانقلابي، فلا بد من اختيار الثاني، اما صحة البيع و الإجارة فلما تقدم، و أما الرجوع الي البدل فلأنه إذا انقلب العين و صارت ملكا للمشتري بالإجازة انقلبت المنافع ايضا، و حيث ان المالك اتلفها من حين الإجارة بعقد صحيح لزم الرجوع الي البدل.

و أما علي الكشف الحقيقي، فالمتعين صحة البيع و بطلان الإجازة، اما صحة البيع فلأن الإجازة صادرة من اهلها و أما بطلان الإجارة فلكشف الإجازة عن وقوع الإجارة علي مال الغير.

فتحصل: ان القول الأول لا دليل عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 196

بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري (1) من حين العقد،

كتعريض المبيع و البيع الفاسد، و هذا أيضا علي قسمين، لأنه اما ان يقع حال التفات المالك الي وقوع العقد من الفضولي علي ماله، و أما ان يقع في حال عدم الالتفات.

اما الاول: فهو رد فعلي للعقد، (2) و الدليل علي الحاقه بالرد القولي مضافا

______________________________

و أما تزويج الأمة: فعلي الكشف الحقيقي باطل الا إذا اجاز مالكها، لأنه تزويج لأمة الغير المستكشف ذلك من الإجازة، و أما علي النقل فالاجازة تكون كبيعها بعد التزويج. و به يظهر حكمها علي الكشف الانقلابي.

و أما مسألة الرهن: فعلي القول بالنقل يكون الرهن صحيحا و ليس للمالك اجازة البيع كما هو ظاهر و كذلك علي القول بالكشف الانقلابي، و أما علي الكشف الحقيقي فيمكن البناء علي تأثير الإجازة و انكشاف

بطلان الرهن لكونه رهنا لمال الغير. فتأمل.

حكم التصرفات غير المنافية لملك المشتري

(1) قوله بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في انه هل يكون فعل مصداقا للرد كي يصح انشاء الرد به ام لا؟ و قد ذهب المحقق النائيني قدس سره الي الثاني.

و فيه: ان تحريك الرأس بعد سؤال السائل انه هل ترد البيع فعل يكون ردا بالحمل الشائع، و كذلك الكتابة، فهما مصداقان للرد الفعلي.

الثانية: في ان الأفعال غير المنافية لملك المشتري هل يتحقق بها الرد ام لا؟ و تلك الأفعال علي قسمين:

الأول: ما يقع حال التفات المالك الي وقوع العقد من الفضولي علي ماله.

الثاني: ما يقع في حال عدم الالتفات

(2) اما القسم الأول: فقد ذهب المصنف قدس سره الي تحقيق الرد به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 197

الي الصدق الرد عليه (1) فيعمه ما دل ان للمالك الرد مثل ما وقع في نكاح العبد و الامة بغير إذن مولاه (2) و ما ورد في من زوجته أمه و هو غائب (3)

من قوله عليه السلام إن شاء قبل و إن شاء ترك إلا أن يقال ان الاطلاق مسوق لبيان أن له الترك، فلا تعرض فيه لكيفيته ان المانع من صحة الاجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي (4) و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفي العقد،

مضافا الي فحوي الاجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي و البيع و العتق (5) فان الوجه في حصول الفسخ هي دلالتها علي قصد فسخ البيع،

و الا فتوقفهما علي الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، بل يوجب بطلانها لعدم حصول الملك المتوقف علي الفسخ قبلها حتي تصادف الملك،

و كيف كان فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع اثر العقد الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع اثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتاثير بطريق اولي.

______________________________

(1) و استدل به بصدق الرد عليه، فيشمله ما دل علي ان للمالك الرد، مثل ما ورد

(2) في نكاح العبد و الأمة بغير اذن مولاه كموثق زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن مملوك تزويج بغير اذن سيده فقال: ذاك الي سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما «1» و نحوه غيره.

(3) و ما ورد فيمن زوجته امه و هو غائب كخبر محمد بن مسلم عن مولانا الباقر عليه السلام عن رجل زوجته امه هو غائب قال عليه السلام: النكاح جائز ان شاء المتزوج قبل و ان شاء ترك، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه «2».

(4) و بان المانع عن صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي، و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفي العقد.

(5) و بفحوي الإجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل، فان الوجه في تحقق الفسخ هو دلالته علي قصد فسخ البيع، فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع اثر العقد

______________________________

(1) الوسائل- باب 24- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 198

و أما الثاني: و هو ما يقع في حال عدم الالتفات، فالظاهر عدم تحقق الفسخ به لعدم دلالته علي انشاء الرد و المفروض عدم منافاته ايضا للاجازة اللاحقة، و لا يكفي مجرد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف علي القصد و الالتفات الي وقوع المردود، نظير

انكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا و لو مع عدم الالتفات الي وقوع الطلاق علي ما يقتضيه اطلاق كلامهم، نعم لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هناك بطريق اولي كما عرفت، لكن لم يثبت ذلك هناك/ فالمسألة محل اشكال

______________________________

الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع اثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق اولي.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن غاية ما تدل عليه هذه الأدلة انما هو عدم صحة العقد مع الترك و التفريق، و لا تدل علي حصول الرد الموجب لحل العقد المانع عن تأثير الإجازة بعده الذي هو محل الكلام.

مع انه لو سلم دلالتها علي ان له الرد يرد عليه ما ذكره قدس سره بقوله: الا ان يقال ان الاطلاق مسوق … الخ. و حاصله: انه لا إطلاق لها من جهة ما يتحقق به الرد، و لعله يختص بالقول.

و أما الثاني فلعدم تسليم خروج المجيز بمجرد الرد عن كونه احد الطرفين بنحو لا تؤثر اجازته في انتساب العقد إليه و صيرورته طرفا للعقد.

و أما الثالث: فلأنه يمكن ان يكون نظر المجمعين أو بعضهم في هذا الحكم الي توقف التصرفات المفروضة علي الملك لا دلالتها علي الفسخ، و هذا و ان كان خلاف التحقيق كما نبه قدس سره عليه الا ان مجرد احتمال كون نظر هم الي ذلك يمنع عن التمسك به في الأصل، فضلا عن الفرع.

مع: ان الأولوية ممنوعة، إذ الدفع و ان كان اهون من الرفع الا ان الرد في المقام دفع من حيث عدم الالتزام بالعقد لا من حيث قطع سلطنة المالك، فمن تلك الجهة بما ان فسخ ذي الخيار ارجاع للسلطنة و الرد في المقام اعدام لها لا مورد للتشبث

بالاولوية.

هذا كله مضافا الي ان تلك الأفعال المفروضة في حال الالتفات لا تلازم انشاء الرد بها بل تلائم مع عدم الرد، مثلا التعريض للبيع يمكن ان يكون للتحري عن مشتر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 199

بل الاشكال في كفاية سابقه ايضا فإن بعض المعاصرين يظهر منهم دعوي الاتفاق علي اعتبار اللفظ في الفسخ كالاجازة، و لذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بايقاع الفاسد علي متعلقها جاهلا بفساده و قرره في الايضاح و جامع المقاصد علي الاشكال.

و الحاصل أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي و في حكمه تفويت محل الإجازة بحيث لا يصح وقوعها علي وجه يؤثر من حين العقد. و أما الرد الفعلي و هو الفعل المنشأ به مفهوم الرد فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به. و أما مجرد ايقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد لعدم الالتفات الي وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للاصل

______________________________

يدفع اكثر مما دفعه المشتري الأول، فان حصل دفع إليه و الا اجاز بيع الفضولي، و عليه فلا تكون كاشفة عن انشاء الرد.

فالحق ان يقال: ان منشأ عدم تأثير الإجازة بعد الرد ان كان هو الإجماع فالمتيقن منه غير الرد الفعلي، بل ادعي الإجماع علي اعتبار اللفظ في الرد، فالاجازة بعده تؤثر و ان كان مدركه دليل السلطنة «1» و قلنا ان له اطلاقا من حيث الأسباب و احرزنا من الخارج انشاء الرد بهذه الأفعال، كان الرد المانع عن تأثير الإجازة متحققا بالأفعال المفروضة، و الا فلا.

فالظاهر انه لا يتحقق به الرد، لأنه من الانشائيات المتقومة بالقصد المفقود مع عدم الالتفات.

و ما افتوا به من ان انكار الطلاق رجوع فانما هو للنص الخاص.

«2» مع انه يمكن تطبيقه علي القاعدة بان يقال ان الزوجية بعد الطلاق الي انقضاء العدة ثابتة، و التشبث بها رجوع، و انكار الطلاق تشبث بها.

و علي كل تقدير لا يكون مربوطا بالمقام.

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل باب 14 من ابواب اقسام الطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 200

و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي أوضح. (1) و أما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار فهو منحصر باللفظ أو الرد الفعلي.

و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطي و العتق و البيع فالظاهر أن الفسخ بها من باب تحقق القصد قبلها (2) لا لمنافاتها لبقاء العقد لأن مقتضي المنافاة بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه و تمام الكلام في محله،

ثمّ ان الرد انما يثمر في عدم صحة الاجازة بعده. و أما انتزاع المال من المشتري لو اقبضه الفضولي فلا يتوقف علي الرد بل يكفي فيه عدم الاجازة،

و الظاهر ان الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة علي ارادته منه لا مطلق الأخذ لأنه أعم، و لذا ذكروا ان الرجوع في الهبة لا يتحقق به.

______________________________

(1) قوله و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي اوضح و الوجه في أوضحيته ان مناط صحة تصرف الوكيل اذن المالك و رضاه فلو انكشف عدم رضاه بالتصرف لم يجز التصرف و ان لم ينشأ،

و أما الوصية- فهي جزء السبب و جزئه الآخر موت الموصي فلو ارتفع الرضا في الاثناء لم يؤثر لحوق الجزء الآخر من جهة عدم تحقق شرط انعقاد العقد لا من تحقق الرد.

(2) قوله و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطئ و العتق و البيع

فالظاهر ان الفسخ بها لما افاد ان الفسخ في العقود الجائزة بالذات غير الوكالة و الوصاية منحصر باللفظ أو الرد الفعلي و لا يحصل بالتصرف غير المجامع لصحتها اراد رفع توهم انه كيف يحصل الفسخ بالوطء و العتق و البيع، في مثل الفضولي.

و حاصل الدفع ان الفسخ فيه انما يكون من جهة تحقق الرد الفعلي به و كونه من مصاديقه

حكم رجوع المالك الي المشتري لو لم يجز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 201

[مسائل متفرقة]
مسألة: لو لم يجز المالك، فان كان المبيع في يده فهو، و إلا فله انتزاعه ممن وجده في يده مع بقائه (1)
اشارة

و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد (2) و مع التلف يرجع إلي من تلف عنده (3) بقيمة يوم التلف، أو بأعلي القيم من زمان وقع في يده، و لو كان قبل ذلك في ضمان آخر و لو فرض زيادة القيمة عنده ثمّ نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه، كما صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة، هذا كله حكم المالك مع المشتري. و أما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن و أخري فيما يغرمه للمالك زائدا علي الثمن.

فههنا مسألتان:
اشارة

______________________________

(1) مسألة لو لم يجز المالك، فان كان المال في يده فهو، و الا فتارة: تكون العين باقية، و اخري: تكون تالفة فان كانت باقية: ينتزعها ممن وجدها في يده و له الرجوع الي غيره ممن دخلت تحت يده

(2) و أما حكم منافعها فقد تقدم في البيع الفاسد.

(3) و ان كانت تالفة: فله الرجوع الي كل من دخل المال تحت يده، و قرار الضمان انما يكون علي من تلفت تحت يده، فان رجع الي الفضولي يأتي فيه المباني الخمسة المتقدمة: قيمة يوم الغصب، أو يوم التلف، أو يوم الدفع، أو اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الدفع، أو اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم التلف.

و ان رجع الي المشتري لا يبقي مورد لأحتمال الرجوع إليه بقيمة يوم الغصب أو اعلي القيم منه لو كانت القيمة يوم الغصب ازيد من سائر الأيام لأن العين يوم زيادة قيمتها لم تكن تحت يد المشتري كي يكون ضامنا لتلك القيمة.

و بما ذكرناه يظهر حكم الزيادة العينية.

حكم رجوع المشتري الي الغاصب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 202

الاولي: انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا (1)

سواء كان باقيا أو تالفا و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا، لأن اعترافه مبني علي ظاهر يده.

نعم لو اعترف به علي وجه يعلم عدم استناده إلي اليد، كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة، لم يرجع بشي ء. و لو لم يعلم استناد الاعتراف إلي اليد أو الي غيره ففي الاخذ بظاهر الحال من استناده الي اليد أو بظاهر لفظ الإقرار من دلالته علي الواقع

______________________________

هذا كله حكم المالك مع المشتري، و أما حكم المشتري مع الفضولي سواء كان باقيا أو تالفا، فالكلام فيه تارة: في الثمن، و اخري: فيما يغرمه

زائدا علي الثمن.

فالكلام في مسألتين:

الأولي: في حكم المشتري مع الفضولي في الثمن و الكلام فيها في موردين:

الأول: فيما إذا كان جاهلا بكونه فضوليا.

الثاني: فيما إذا كان عالما به.

اما في المورد الأول: ففي المتن

(1) يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا و الحق انه تارة ينكشف عند المشتري كذب البائع و انه فضولي، و اخري: ينكشف كذب الآخر و يعلم انه مالك، و ثالثة: لا ينكشف شي ء منهما.

لا إشكال في جواز الرجوع في الصورة الاولي، و عدم جوازه في الصورة الثانية، و اما في الصورة الثالثة فان اقام المالك البينة لكونه ملكا له يجوز الرجوع إليه لأنه يصير البيع باطلا بحكم الشارع.

و بعبارة اخري: تكون البينة حجة في مثبتاتها فيثبت بها كون البيع بيعا لمال الغير و عدم كون البائع مالكا و كونه فضوليا، و يترتب عليه جواز الرجوع. و كذلك لو أقر البائع بذلك.

و أما ان كان اخذ المالك المبيع مستندا الي الحلف المردود من البائع فغاية ما يثبت به اخذ المبيع و لا يثبت به كون البيع واقعا علي مال الغير. و بعبارة اخري: لا يكون الحلف طريقا شرعيا الي كون المال ملكا للمدعي، و عليه فلا وجه لرجوعه الي البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 203

وجهان، و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استرده (1) وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا، و مجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد (2) لتسليط كل من المتبايعين صاحبه علي ماله، و لان الحكم بصحة البيع الفاسد المالك هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن، فإن تملكه

البائع قبله يلزم فوات محل الإجازة، لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة، فتأمل. (3)

و هل يجوز للبائع التصرف فيه؟ وجهان: بل قولان اقواهما العدم. لأنه اكل مال بالباطل. هذا كله إذا كان باقيا.

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فان كان الثمن باقيا استرده- لما تقدم من عدم صيرورة ما دفع الي الفضولي و الغاصب بعنوان العوضية ملكا له- و علي فرض الملكية فغايته كونه هبة و يجوز الرجوع في الموهوب.

و قد ذكر المصنف قدس سره وجهين آخرين لجواز الاسترداد

(2) احدهما: انه لو كان التسليط مملكا لزم البناء عليه في التسليط الواقع عقيب البيع الفاسد، و لا يقولون به.

و فيه: انه يمكن الفرق بين البابين، فان الدفع في البيع الفاسد انما يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة فلا يكون مملكا، و في المقام ليس كذلك فانه ليس بعنوان الوفاء، فان الوفاء بالمعاملة يقتضي الدفع الي المالك لا إلي الفضولي.

(3) ثانيهما: انه لو كان التسليط مملكا لزم عدم صحة الاجازة من مالك المبيع حتي علي النقل كما تقدم، مع انه لم يشك احد في الصحة.

و فيه: انه يمكن الجواب عنه بما ذكره هو قده من، انه يمكن ان يكون الدفع تمليكا علي تقدير عدم الاجازة،

و ان كان الثمن تالفا فالمعروف انه لا يجوز الرجوع، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه.

و قد استدل لجواز الرجوع و للضمان بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 204

و أما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري. بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه، و وجهه كما صرح به بعضهم كالحلي و العلامة و غيرهما و يظهر من آخر أيضا انه سلطه علي ماله بلا عوض.

(1)

توضيح ذلك: أن الضمان أما لعموم علي اليد ما اخذت، و أما لقاعدة الأقدام علي الضمان الذي استدل به الشيخ و غيره علي الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه، و الاول

______________________________

(1) احدها: ما استند إليه المصنف قدس سره و هو: ان اطلاق فولهم ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان، نظرا الي ان البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك.

و فيه: اولا: ان هذه ليست قاعدة مستقلة تعبدية في قبال سائر مقتضيات الضمان،

بل مدركها عموم علي اليد «1» فلا بد من ملاحظة تلك القاعدة و المصنف قدس سره حيث منع من دلالة اليد علي الضمان في المقام فلا مورد لتامله، و ميله الي الضمان بل افتائه به مستندا إليها.

و ثانيا: ان هذه القاعدة غاية ما تدل عليه هو الضمان،

و أما ان الضامن هو الغاصب البائع أو المالك فلا تدل عليه ان لم تدل علي ان الضامن هو المالك لا المجري للصيغة و العلم بعدم ضمانه في المقام من جهة التخصص أو التخصيص نظرا الي عدم كون العقد عقد المالك في المقام لا يوجب صرف الضمان الي البائع الغاصب.

و ثالثا: ان الفساد لا يصدق علي عقد الفضولي بل هو صحيح فاقد لشرط قابل للحوقه

(2) ثانيها: قاعدة الاقدام، و قد تقدم في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد انها و غيرها من القواعد التي عددوها من مقتضيات الضمان لا تكون كذلك، و انحصار موجب الضمان باليد و الاتلاف، و هما في المقام يقتضيان الضمان.

______________________________

(1) المبسوط كتاب الغصب- المستدرك باب- 1- من ابواب كتاب الوديعة حديث 12 سنن بيهقي ج 6 ص 90- كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 205

و الاول مخصص بفحوي ما دل

علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه، كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة (1) فإن الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان،

فالتسليط علي التصرف فيه و اتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق اولي، و دعوي انه انما سلطة في مقابل العوض لا مجانا (2) حتي يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم علي الضمان فيها، مندفعة بأنه انما سلطة في مقابل ملك غيره (3) فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه، فهو يشبه الهبة لفساده و البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها، و من ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان، و هو الاقدام علي الضمان هنا، لأن البائع لم يقدم علي ضمان الثمن الا بما علم المشتري انه ليس ملكا له، فإن قلت تسلطه علي الثمن بإزاء مال الغير لبنائه و لو لا عدوانا علي كونه ملكا له و لو لا هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة (4) كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه فهو إنما سلطه علي وجه يضمنه بماله إلا أن كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للثمن و تعاقدا معرضين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة علي اموال الناس بين السراق

______________________________

(1) و قد اورد المصنف علي الاستدلال باليد في المقام: بانها و ان كانت تقتضي الضمان الا ان فحوي ما دل «1» علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه- كما في الوديعة- أو الانتفاع به- كما في العارية- أو استيفاء المنفعة منه- كما في العين

المستأجرة عدمه إذ الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان فالتسليط علي التصرف فيه و اتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق اولي.

(2) ثمّ اورد علي نفسه: بان التسليط انما يكون في مقابل العوض

(3) و اجاب عنه: بانه سلطه بازاء مال غيره، فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه

(4) ثمّ اورد علي نفسه بما حاصله: انه انما سلطه بازاء مال الغير بعد البناء و لو عدوانا علي كونه ملكا له، و عليه بنينا تحقق مفهوم المعاوضة، فهو يسلطه علي وجه يضمنه بماله، الا ان كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع، بل بني المشتري علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام الوديعة- و باب 1- من ابواب احكام العارية و غيرهما من الابواب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 206

و الظلمة، بل بني المشتري علي كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط ليس مجانا و تضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي، الا ان كون المثمن مالا له ادعائي، فهو كما لو ظهر الثمن المعين ملكا للغير، فإن المشتري يرجع الي البائع بالثمن مع التلف اتفاقا. مع انه انما ضمنه الثمن بازاء هذا الشي ء الذي هو مال الغير،

فكما ان التضمين هنا حقيقي، و كون المثمن مالا له اعتقادي، لا يقدح في التضمين. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه علي ملك المثمن عدوانا، لا يقدح في التضمين. بماله، قلت: الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته عليه،

و إذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا، فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك، و ما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد: علي كون المثمن ملكا للبائع الغاصب، مع كونه مال الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك

و التملك منهما ادعاء، مع عدم كون البائع اهلا لذلك في الواقع و الا فأصل المعاوضة حقيقي بين المالكين و الضمان و التضمين الحقيقي بالنسبة اليهما. و لذا ينتقل الثمن الي مالك المبيع و يدخل في ضمانه بمجرد الاجازة (1).

______________________________

كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط انما يكون في مقابل ماله حقيقة، الا ان كون المثمن مالا له ادعائي

(1) و اجاب عنه: بما توضيحه ان المعاملة و التضمين ليست ابتداء بين الشخصين،

فتكون حقيقة المعاملة تضمين كل منهما للآخر بماله الواقعي، و يكون تعلقها بالمالين اعتبارا ثانويا، بل تكون المعاملة ابتداء بين المالين، فيجعل احد المالين بازاء الآخر و ضمانه به، و لازم ذلك ضمان المالك الواقعي، و الغاصب انما طبق عنوان الملك الواقعي علي نفسه ادعاء، و لذلك رأي نفسه هو الضامن في المعاملة، و حيث انه ليس بمالك فلا يكون ضامنا.

يرد عليه قده امور:

الأول: ان لازم ما ذكره قدس سره- من كون التسليط مجانيا- هو جواز تصرفه تكليفا، و قد صرح قده قبل ذلك باسطر بعدم جوازه حيث قال: و هل يجوز للبائع التصرف فيه؟

وجهان بل قولان: اقواهما العدم، لأنه اكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 207

و الحاصل انه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع علي الثمن، و أما رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ مع انه انما ضمنه بمال الغير، فلعدم طيب نفسه علي تصرف البائع فيه من دون ضمان، و ان كان ما ضمنه به غير ملك له، و لا يتحقق به التضمين، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكا له، و صيرورته مباحا له بتسليطه عليه و هذا مفقود فيما نحن فيه، لأن

طيب النفس بالتصرف و الاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل.

______________________________

الثاني: ان ما ذكره لو تم فانما هو في التلف، و لا يتم في صورة الإتلاف، إذ الحكم الثابت في الأصل انما هو في صورة التلف لا الإتلاف.

الثالث: ان ما افاده يتم في التضمين المعاملي، و أما في الضمان الثابت باليد المختص بما إذا كان وضع اليد علي المال لا بإذن من المالك في التصرف فيه مجانا و بلا عوض، فلا يتم، فان من تحت يده المال هو الغاصب، و التسليط الخارجي لا يكون مجانيا بل انما يكون جريا علي المعاوضة الواقعة بينهما، فما يدفع الي الغاصب انما يدفع إليه بعنوان كونه مال المدفوع إليه لا بعنوان كونه مال الدافع كما هو كذلك في موارد الاستئمان،

فالفرق بين المقامين واضح.

و الايراد: بان التسليط الخارجي بما انه من الأفعال الخارجية المتعلقة بالموضوعات الخاصة ليس قابلا للتقييد بالعنوان المذكور، فمن ضرب شخصا باعتقاد انه عدوله فانكشف كونه صديقه وقع الضرب علي الصديق لا العدو، ففي المقام التسليط و ان كان بعنوان انه مال المدفوع إليه الا انه حيث يكون في الواقع للدافع فهو تسليط لمال الدافع.

يجاب عنه: بان المؤثر في رفع الضمان ليس هو التسليط الخارجي بما هو كذلك،

بل بما انه مبرز للأذن في التصرف فيه و اتلافه الذي هو من المعاني الايقاعية المتعلقة بالصور الذهنية، و تلك المعاني قابلة للتقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 208

و مما ذكرنا يظهر ايضا فساد ما ذكرناه بالبيع مع علم المشتري بالفساد حيث انه ضمن البائع بما يعلم انه لا يضمن الثمن به، و كذا البائع مع علمه بالفساد صمن المشتري بما يعلم ان المشتري لا يضمن به، فكأنه لم يضمنه بشي ء

وجه الفساد ان التضمين الحقيقي حاصل هنا، لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر ان فساد العقد مانع عن مضي هذا الضمان، و التضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص، صار اصل اقدام الشخص علي الضمان الحقيقي، أو قاعدة اثبات اليد علي مال من دون تسليط مجاني أو استئمان عن مالكه موجبا لضمانه، علي الخلاف في مدرك الضمان من فاسد ما يضمن بصحيحه و شي ء منهما غير موجود فيما نحن فيه، كما اوضحناه بما لا مزيد عليه

______________________________

فان قيل انه لا يمكن الالتزام بضمان الغاصب بعد فرض كون الضمان المعاوضي مع المالك، إذ لازمه جعل ضمانين لمال واحد.

اجبنا عنه: بانه لا محذور فيه بعد فرض كونهما طوليين.

فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه: إنه لا مخصص لقاعدة اليد و الإتلاف،

فالأظهر هو الضمان- كما اختاره بعض الأساطين و مال إليه جمع من المحققين- و حرمة التصرف فيه، و ان حكم ذلك حكم المقبوض بالبيع الفاسد.

هذا كله في صورة الرد،

و أما في صورة اجازة العقد فلا كلام مع عدم قبض الثمن.

و أما في صورة القبض: فقد يكون الثمن كليا، و قد يكون شخصيا. و علي التقديرين تارة: يكون المقبوض باقيا، و اخري: يكون تالفا.

فان كان الثمن كليا و كان المقبوض باقيا، فان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم قابليته للإجازة ليس للمالك- اي مالك المبيع- الا الرجوع الي المشتري، لأن المقبوض لا مساس له به، و ان اجاز الاقباض و بنينا علي تأثير الإجازة فيه فله الرجوع الي البائع دون المشتري، لأن ذمة المشتري برئت من الضمان، و ماله دخل تحت يد البائع فيراجعه، و لا فرق في هذه الصورة بين

القول بالنقل أو الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 209

و حاصله ان دفع المال الي الغاصب ليس الا كدفعه الي ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع، و تسليطه علي اتلافه في ان رد المالك لا يوجب الرجوع الي هذا الثالث.

نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك (1) كالخمر و الخنزير و الحر،

قوي اطراد ما ذكرنا فيه، من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال،

كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد.

هذا و لكن اطلاق قولهم ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه، نظرا الي ان البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك، الا ان يفسر بما ابطلناه سابقا من ان كل عقد يضمن علي فرض صحته يضمن علي فرض فساده، و لا ريب ان العقد فيما نحن فيه و في مثل المبيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم بالفساد، لكنك عرفت ضعف هذا المعني فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية

______________________________

و ان كان الثمن كليا و كان المقبوض تالفا، فان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم تأثيرها فيه فله الرجوع الي المشتري خاصة كما تقدم، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، و ان اجاز الاقباض و بنينا علي تأثيرها فيه فعلي القول بان اجازة الاقباض كاشفة عن كون الاقباض من الأول كان اقباضا للمالك، كما ان اجازة العقد كاشفة، للمالك الرجوع الي البائع في صورة الإتلاف دون التلف، إذ ليس علي الأمين شي ء الا مع فرض الإتلاف.

و علي القول بان اجازته ناقلة- اما للبناء علي النقل مطلقا أو في خصوص، اجازة

الاقباض و شبهها- لا اثر لهذه الإجازة لعدم بقاء المقبوض حتي تصح اجازته، فلا بد و ان يرجع الي المشتري خاصة.

(1) قوله نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك و فيه ان عدم تمول العوض في نظر، الشارع، بل العقلاء، لا يوجب كون التسليط مجانيا بل هو انما يكون بازاء ما بني المتعاقدان علي، انه مال فالتسليط يكون بعوض لا مجانا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 210

فإن معناه ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه، فيختص موردها بما إذا كان للعقد فرد ان فعليان لا الفرد الواحد لمفروض تارة صحيحا و اخري فاسدا. نعم يمكن تطبيق المعني المختار فيما نحن فيه و شبهه بان: لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح، بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان صحيح و فاسد. فيقال ان ما نحن فيه، و البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة، تمليك بلا عوض من مال الآخر. و الفرد الصحيح من هذه المعاملة و هي الهبة الغير المعوضة لا ضمان فيها ففاسدها كذلك فتأمل.

و بالجملة فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض، و لذا لم يصرح احد بعدم الضمان في: بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. (1) نعم ذكر الشهيد رحمهم الله و غيره عدم الضمان في الاجارة بلا اجرة.

______________________________

(1) قوله و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة اورد عليه المحقق النائيني قدس سره بان الرشوة ليست من قبيل الثمن و ليس

مقصود الراشي شراء الدين و لا مقصود المرتشي بيعه فلا يلازم عدم الضمان في و مسألة البيع بلا ثمن عدمه في باب الرشوة بل الاقوي ان جهة الضمان فيه هي جهة الضمان في باب الربا،

فالشارع كما لم يبح للمالك هذا النحو من السلطنة باعطاء الزيادة في المتجانسين لم يبح له الرشوة علي الحكم فعلي هذا لو تلفت عند المرتشي فحيث ان يده يد عدوان يجب عليه المثل أو القيمة و فيه: ان الشارع لم يبح الرشوة بهذا المعني و أما الدفع الخارجي و لو في ذلك المقام لو كان تسليط مجانيا فلم يدل دليل علي عدم ترتب اثره، و بعبارة اخري حكم الشارع بحرمة الرشوة كحكمه بفساد البيع و حرمة التصرف في المقبوض بذلك فكما ان ذلك لا ينافي حكمه بعدم الضمان في المورد الثاني لاجل التسليط المجاني كذلك لا ينافي حكمه في الرشوة، فالحق ان حكم المأخوذ رشوة إذا كان بازاء الحكم لا ما إذا كان الداعي للاعطاء هو الحكم، حكم المقبوض في المقام، و في باب البيع الفاسد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 211

و يؤيد ما ذكرنا ما دل من الأخبار علي كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا و ان امكن الذب عنه، بأن المراد التشبيه في التحريم فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت.

ثمّ ان مقتضي ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه، بل باع عن المالك و دفع المشتري الثمن إليه،

لكونه واسطة في ايصاله الي المالك، فتلف في يده. إذ لم يسلطه عليه و لا إذن له في التصرف فيه فضلا عن اتلافه، و لعل كلماتهم و معاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع

لنفسه. و ان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضولية، و كذا يقوي الرجوع لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشتري، بل اخذه بناء علي العقد الواقع بينهما، فإنه لم يحصل هنا من المشتري تسليط الا بالعقد، و التسليط العقدي مع فساده غير مؤثر في دفع الضمان

______________________________

و ان كان الثمن شخصيا و باقيا و اجاز الاقباض و بنينا علي تأثيرها، له الرجوع الي البائع خاصة- من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف- و ان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم تأثيرها، فله الرجوع الي كل منهما- اي البائع و المشتري علي المسلكين- اما رجوعه الي البائع فلكون ماله تحت يده، و أما رجوعه الي المشتري فللزوم التسليم عليه.

و ان كان الثمن شخصيا و تالفا، فبناء علي النقل مطلقا أو في خصوص اجازة الاقباض لا يبقي مورد لإجازة الاقباض فينفسخ العقد، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال صاحبه. فتأمل.

و أما بناء علي القول بالكشف حتي في الإجازة و اجاز الاقباض، فليس للمال الرجوع الي البائع و لا إلي المشتري. اما عدم الرجوع الي الأول فلأنه امين، و أما عدم رجوعه الي الثاني فلتسلمه الثمن. نعم في فرض الإتلاف يرجع الي البائع.

فتحصل: انه في بعض الفروض يرجع الي أي منهما شاء و في بعضها لا يرجع اليهما و في بعضها يرجع الي المشتري فقط، و في بعضها الي البائع، و في بعضها يبطل العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 212

و يكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم باباحة تصرف البائع الغاصب فيه، مع اتفاقهم ظاهرا علي عدم تأثير العقد الفاسد في الاباحة، و كذا يقوي

الضمان لو اشترط علي البائع الرجوع بالثمن لو اخذ العين صاحبها و لو كان الثمن كليا فدفع إليه المشتري بعض افراده، فالظاهر عدم الرجوع لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا.

المسألة الثانية: ان المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (1)
اشارة

فإما أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة علي الثمن إذا رجع المالك بها علي المشتري، كأن كان القيمة المأخوذة منه عشرين و الثمن عشرة، و أما أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار، و وطئ الجارية، و اللبن، و الصوف، و الثمرة،

و أما ان يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع، كالنفقة و ما صرفه في العمارة، و ما تلف منه أو ضاع من الغرس و الحفر أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرا و نحو ذلك، أو نقص من الصفات و الاجزاء ثمّ المشتري ان كان عالما فلا رجوع في شي ء من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه، و ان كان جاهلا.

______________________________

الغرامة التي غرمها المشتري

(1) قوله المسألة الثانية ان المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن و هو اما في مقابل العين أو في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار، أو ما يصرف في اصلاح ملكه، أو لدفع النوائب عنه. و عليه فهو علي اقسام:

الأول: ما يكون في مقابل العين، كزيادة القيمة علي الثمن الذي اشتري به إذا رجع بها المالك علي المشتري، كما لو اشتري المبيع بعشرة واخذ منه المالك عشرين بعد تلف العين في يده.

الثاني: قيمة المنافع المستوفاة.

الثالث: ما يغرمه في مقابل المنافع غير المستوفاة.

الرابع: ما يغرمه من جهة حفر أو نفقة أو قيمة ولد و نحو ذلك.

و محل الكلام في المقام ليس الا رجوع المشتري الي البائع بعد رجوع المالك إليه،

و أما رجوع المالك الي المشتري فهو مفروغ عنه

في هذا البحث، كما ان محل الكلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 213

______________________________

صورة الرد دون الإجازة.

و الكلام تارة يقع في صورة العلم بالفضولية، و اخري: في صورة الجهل بها.

اما في الأولي: فالظاهر انه: لا خلاف بينهم في عدم رجوع المشتري إلي البائع لعدم الدليل عليه و قد يقال: انه يستثني من ذلك مورد ان:

الأول: ما إذا ادعي البائع الأذن من المالك.

الثاني: ما إذا التزم بالخروج عن عهدة الغرامات إذا لم يجز المالك.

اما في المورد الأول: فمجرد دعوي الاذن لا يوجب الاستناد إليه كي تصح دعوي الغرور.

و أما في المورد الثاني: فان كان الالتزام علي الوجه الشرعي فهو الموجب للرجوع،

و الا فلا موجب له.

و أما في الصورة الثانية: فقبل بيان حكم الأقسام لا بد من بيان القواعد التي استندوا إليها في الحكم في المقام:

منها قاعدة نفي الضرر: «1» حيث ان الحكم بعدم رجوع المشتري الي البائع ضرر عليه، فتنفيه القاعدة.

و فيه: اولا: ما حقق في محله من ان قاعدة نفي الضرر نافية للأحكام و لا تصلح لإثبات الحكم فلا يمكن اثبات الضمان بها.

و ثانيا: ان الحكم بضمان البائع ضرر عليه، فيتعارض الضرران،

فالأظهر انه لا مورد لها في المقام.

و منها قاعدة التسبيب: اي قوة السبب علي المباشر و استدلوا لها: بالإجماع

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 4 و 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 214

______________________________

المحكي عن الايضاح علي تقديم السبب علي المباشر إذا كان اقوي،

و بقاعدة الإتلاف «1».

و فيه: ان المتيقن من معقد الإجماع و ما يستفاد من القاعدة انما هو فيما إذا لم يتوسط بين فعل الفاعل و الأثر المترتب عليه فعل فاعل مختار.

توضيح ذلك: ان السبب علي اقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا كان الفعل مستندا الي

السبب دون المباشر، و يكون المباشر غير مختار، و لم يصدر عنه الفعل باختياره.

و في هذا القسم يتم ما ذكر، و الدليلان يدلان علي الضمان علي السبب.

وعد المحقق النائيني قدس سره من هذا القسم حكم الحاكم بشهادة شهود الزور و فعل المكره باكراه الجائر،

نظرا الي ان الفعل لا يستند الي المباشر شرعا لكونه واجبا عليه.

و فيه: ان الوجوب الشرعي لا يوجب رفع الضمان، أ لا تري انه لو اضطر الي اكل مال الغير و وجب عليه ذلك حفظا للنفس لا يحكم عليه بعدم الضمان، بل هو ضامن، ففي مسألة المكره للمالك الرجوع الي المكره بالفتح.

نعم في مسألة حكم الحاكم ليس له الرجوع إليه للنصوص الخاصة. الدالة علي انه لا ضمان علي الحاكم كمرسل جميل عن احدهما عليها السلام قال) ع (في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي علي الرجل ضمنوا ما شهدوا به و غرموا الخبر «2» و نحوه غيره.

الثاني: ما إذا كان السبب محدثا للداعي للمباشر من دون ان يستند الفعل الي السبب، و الوجهان لا يدلان عليه.

الثالث: ما إذا كان الفعل مستندا الي المباشر، و الضمان المترتب عليه مستندا

______________________________

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.

(2) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 215

______________________________

الي سبب، كمن قدم الي غيره طعاما ليأكله مجانا فتبين عدم كون الطعام له. و في هذا القسم و ان كان المتجه الضمان،

و لكن لا لما تقدم من الاجماع و قاعدة الإتلاف، فانه بعد فرض استناد الفعل الي المباشر لا يكون السبب متلفا و لا يكون الإجماع عليه تعبديا، بل لقواعد اخر.

فاتضح ان قاعدة التسبيب من حيث هي لا موضوعية لها.

و منها قاعدة الغرور: و

استندوا فيها الي امور:

احدها: الإجماع.

ثانيها: قاعدة نفي الضرر «1» نسب ذلك الي الرياض.

ثالثها: قاعدة الإتلاف من باب قوة السبب علي المباشر.

رابعها: قاعدة الإتلاف، بالإضافة الي الخسارة الواردة علي المغرور.

و شي ء من هذه الوجوه لا يتم اما الثلاثة الأولي: فلما تقدم و أما الأخير: فلأن خسارة المالك مستندة الي حكم الشارع بالضمان من جهة الإتلاف الاختياري للمشتري غير المستند الي البائع كما تقدم.

فالصحيح ان يستدل لها بوجهين آخرين:

احدهما: النبوي المعروف: المغرور يرجع علي من غره «2» المعمول به بين الفريقين.

ثانيهما: استنباطها من النصوص الخاصة الواردة في الموارد الجزئية، مع اشتمال بعضها علي التعليل:

كخبر رفاعة قضي أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليها و هي برصاء، ان لها

______________________________

(1) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار.

(2) رواه المحقق الثاني في حاشية الارشاد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 216

______________________________

ان لها المهر بما استحل من فرجها، و ان المهر علي الذي زوجها، و انما صار المهر عليه لأنه دلسها «1»

و في خبر اسماعيل بن جابر في الرجل أعجبته امرأة فاتي اباها فزوجه غيرها فولدت منه ثمّ علم انها غير ابنته و انها امة، قال عليه السلام: ترد الوليدة علي مواليها، و الولد للرجل، و علي الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه) و نحوهما غيرهما.

و هي و ان وردت في النكاح، الا انه لما فيها من عموم العلة تتعدي عن النكاح الي غيره،، فالحق ثبوت هذه القاعدة.

نعم تختص بناء علي ذلك بما إذا كان الغار عالما،

و أما إذا كان جاهلا فلا تكون هذه القاعدة ثابتة، و ذلك لأن الغرور ليس بمعني الجهل، لأنه بهذا المعني لازم لا يكون له اسم الفاعل، و المفعول بل هو

بمعني الخدعة و التدليس، و لا إشكال في ان البائع أو غيره الموجب للخسارة إذا كان جاهلا لا يكون مدلسا و لا يكون فعله خدعة، فلا يشمله النبوي و لا النصوص الخاصة.

و بما ذكرناه ظهر عدم تمامية ما افاده السيد الفقيه بقوله: و لا فرق علي الظاهر بين كون الغار عالما أو جاهلا و ما يحتمل أو يقال من عدم صدق الغرور مع الجهل كما تري.

ربما يستدل لهذه القاعدة: بالنصوص الواردة في شاهد الزور الدالة علي انه يرجع إليه إذا رجع من شهادته،

كصحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام في شاهد الزور قال عليه السلام ان كان الشي ء قائما بعينه رد علي صاحبه و ان لم يكن قائما بعينه ضمن بقدر ما اتلف ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل «2» و لكنه فاسد، و ذلك لوجهين:

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب العيوب و التدليس من كتاب النكاح حديث.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب العيوب و التدليس من كتاب النكاح حديث 1

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 217

فاما الثالث فالمعروف من مذهب الاصحاب كما في الرياض و عن الكفاية رجوع المشتري الجاهل بها علي البائع، بل في كلام بعض تبعا للمحكي عن فخر الاسلام في شرح الارشاد دعوي الاجماع علي الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع. و في التحرير انه يرجع قولا واحدا.

و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرر للمشتري و موقع إياه في خطرات الضمان و متلف عليه ما يغرمه، فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع من

شهادته، و لقاعدة نفي الضرر (1) مضافا الي ظاهر رواية جميل أو فحواها (2) عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها،

ثمّ يجئ مستحق الجارية، قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه، فإن حرية ولد المشتري اما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا؟ و علي التقديرين يثبت المطلوب

______________________________

الأول: انها تدل علي الرجوع ابتداء الي شاهد الزور، لا انه يرجع الي الحاكم و هو الي الشاهد، فلا ربط لها بهذه القاعدة.

الثاني: ان في ذلك الباب خصوصية، و هي ان المباشر- و هو الحاكم- يجب عليه الحكم علي طبق الشهادة، و مع احتمال دخلها لا سبيل الي دعوي التعدي و الغاء الخصوصية.

إذا عرفت هذا فاعلم: ان المعروف بين الأصحاب رجوع المشتري الي البائع في الغرامة التي لم يحصل له في مقابلها نفع، و عن غير واحد دعوي الإجماع عليه،

(1) و استدل له: بالاجماع، و بقاعدة نفي الضرر. و قد مر ما فيهما.

(2) فالصحيح ان يستدل له: بقاعدة الغرور،

و بصحيح جميل عن الامام الصادق المذكور في المتن «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 218

مع ان توصيف قيمة الولد بأنها اخذت منه نوع اشعار لعلية الحكم، فيطرد في سائر ما اخذت منه.

و أما السكوت عن رجوع المشتري الي البائع في بعض الاخبار، فهو لعدم كونه مسوقا لذلك كرواية زرارة في رجل اشتري من سوق المسلمين جارية، فخرج بها الي ارضه فولدت منه اولادا، ثمّ اتاها من يزعم انها له و اقام علي ذلك البينة،

قال يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية و يعوضه من

قيمة ما اصاب من لبنها و خدمتها.

و رواية زريق قال: كنت عند ابي عبد الله عليه السلام يوما، إذ دخل عليه رجلان،

فقال، احدهما انه كان علي مال لرجل من بني عمار، و له بذلك ذكر حق، و شهود.

فأخذ المال و لم استرجع عنها الذكر بالحق و لاكتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة بذلك، و ذلك لأني وثقت به، و قلت له: مزق الذكر الحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقه، و عقيب هذا طالبني بالمال وراثه و حاكموني و اخرجوا

بذلك ذكر الحق و اقاموا العدول، فشهدوا عند الحاكم فاخذت بالمال، و كان المال كثيرا، فتواريت عن الحاكم فباع علي قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال،

و هذا رجل من اخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي، ثمّ ان ورثة الميت اقروا ان اباهم قد قبض المال و قد سألوه أن يرد علي معيشتي و يعطونه الثمن في أنجم معلومة، فقال اني أحب ان أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذا، فقال الرجل: يعني المشتري كيف أصنع جعلت فداك؟ قال تصنع: ان ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة إلي صاحبها و تخرج يدك عنها، قال: فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا، قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت، فإن للزارع اما قيمة الزرع، و أما يصبر عليك إلي وقت حصاد، الزرع فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له ورد عليك القيمة و كان الزرع له قلت: جعلت فداك فإن كان هذا

قد أحدث فيها بناء أو غرسا؟ قال له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه «نفسه» يقلعه و يأخذه، قلت: أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء، فقال: يرد ذلك إلي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها علي صاحبها ورد البناء و الغرس و كل محدث الي ما كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 219

أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الأرض «أن يرد عليه» كلما خرج منه إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب كل ذلك مردود إليه، انتهي.

و فيه مع انا نمنع ورودها الا في مقام حكم المشتري مع المالك ان السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل، مع ان رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع الي البائع، مع ان البائع في قضية زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجه إليه غرم، لأن الحاكم من قبل الشارع ليس غارا من جهة حكمه علي طبق البينة المأمور بالعمل بها، و ان كان قضائه باطلا كما هو الظاهر

______________________________

إذ حرية الولد اما ان تعد نفعا عائدا الي الأب او لا، و علي التقديرين يثبت المطلوب، اما علي الأول: فبالفحوي، إذ لو ضمن الغار في صورة عود النفع الي المغرور فبالأولي في صورة عدمه، و أما علي الثاني فواضح.

و عن صاحب الحدائق: عدم الرجوع إليه.

و استدل له، بخبري زرارة «1» و زريق «2» المذكورين في المتن الساكتين عن حكم

رجوع المشتري الي البائع، مع كونهما في مقام البيان، فان ذلك آية عدم الرجوع.

و فيه: اولا: ان خبر زرارة ساكت عن الرجوع في ما غرمه

في مقابل المنافع المستوفاة، فلا مساس له بمسألتنا،

و ذيل خبر زريق متضمن لرجوع المشتري في الغرامة التي غرمها في اصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها الي المالك،

فهو يدل علي خلاف المقصود.

و ثانيا: ان السكوت في مقام البيان يكون دليلا لا مطلقه،

و في المقام الخبران في مقام بيان حكم المشتري مع المالك لا في مقام البيان من جميع الجهات حتي من جهة رجوع المشتري الي البائع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 2.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 220

فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف (1) و تصرفه في امور المسلمين، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

و أما الثاني: و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع و النماء،

(2) ففي الرجوع بها خلاف اقواها الرجوع، وفاقا للمحكي عن المبسوط و المحقق و العلامة- في التجارة- و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم.

و عن التنقيح ان عليه الفتوي، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم

مال الغير الي غيره الجاهل، فاكله، و يؤيده قاعدة نفي الضرر (3) فإن تغريم من اقدم علي اتلاف شي ء من دون عوض مغرورا من آخر بأن له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه الي من غره في ذلك ضرر عظيم، و مجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر، و كيف كان فصدق الضرر و اضرار الغار به مما لا يخفي خصوصا في بعض الموارد، فما في الرياض من أنه لا دليل علي قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام لوصول العوض

إلي المشتري لا يخلو عن شي ء، مضافا إلي ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور، بل هي مبنية علي قوة السبب علي المباشر لكنه لا يخلو من نظر، لأنه إنما يدعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة و الإجماع بصورة الضرر.

______________________________

و ثالثا: ان السكوت في مقام البيان غايته الظهور في عدم الرجوع، و هو لا يصلح لأن يقاوم صحيح جميل الصريح في الرجوع.

و رابعا: انه لو سلم التعارض يتعين تقديم الصحيح لوجوه لا تخفي.

(1) قوله فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف و فيه ان مجرد علم

المشتري بكون القاضي من المخالفين، لا يوجب العلم بالفساد بعد احتمال كون المعيشة له نفسه، فلا دليل علي كون المشتري عالما بالفساد.

(2) و أما الغرامة التي غرمها في مقابل المنافع الواصلة إليه، ففيها قولان قد استدل المصنف قدس سره و غيره للرجوع بوجوه:

(3) منها: قاعدة لا ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 221

و أما قوة السبب علي المباشر ليست بنفسها دليلا علي رجوع المغرور (1)

إلا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه، كما في المكره، و كما في الريح العاصف الموجب للاحراق، و الشمس الموجبة لإذابة الدهن و اراقتها، و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع الي المباشر اصلا، كما نسب الي ظاهر الاصحاب في المكره لكون المباشر بمنزلة الآلة. و أما في غير ذلك، فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج الي دليل مفقود، فلا بد من الرجوع بالآخرة الي قاعدة الضرر أو الاجماع المدعي في الايضاح علي تقديم السبب إذا كان اقوي، أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة، أو كون الغار سببا في تغريم المغرور، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته و لا ريب

في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه، أما الأخير فواضح. (2)

و أما الأول: فقد عرفته. و أما الإجماع و الأخبار فهما و ان لم يردا في خصوص المسألة، إلا ان تحققها في نظائر المسألة كاف، فإن رجوع اكل طعام الغير إلي من غره بدعوي تملكه و إباحته له مورد الإجماع ظاهرا، و رجوع المحكوم عليه إلي شاهدي الزور مورد الاخبار

______________________________

و فيه: - مضافا الي ما تقدم- ان الغرامة المقابلة للنفع الواصل إليه لا تكون ضررا.

و بعبارة اخري: ان الضرر هو النقص المالي أو البدني أو العرضي، و النقص المالي الذي يقوم مقامه ما يسد مسده ليس بنقص مالي عند العرف. ففي المقام بما ان الغرامة انما تكون في مقابل ما وصل إليه من النفع لا تعد ضررا.

(1) و منها: قاعدة التسبيب، و قد مر عدم كونها قاعدة مستقلة الا إذا كان السبب بحيث يستند التلف إليه عرفا، و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع الي المباشر اصلا.

(2) و منها: النصوص الواردة في شاهد الزور، و قد مر انها اجنبية عن المقام.

فالاولي: ان يستدل له: بقاعدة الغرور، فان الميزان فيها هو التغرير سواء استوفي المغرور نفعا كاكله الطعام أو لم يستوف اصلا و بصحيح جميل المتقدم بناء علي ان مورده الغرامة التي تكون بازاء المنفعة كما تقدم، اما لأن الحرية نفع عائد الي الاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 222

و لا يوجد فرق بينهما و بين ما نحن فيه أصلا، و قد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبري إلي منع الصغري.

فإن الانصاف ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع في

باب الاتلاف و ان كان غير منقح. الا ان المتقين منه ما كان اتلاف المغرور لمال الغير و اثبات يده عليه لا بعنوان انه مال الغير، بل قصده الي اتلافه مال نفسه أو مال من اباح له الاتلاف فيكون غير قاصد لاتلاف، مال الغير فيشبه المكره في عدم القصد،

هذا كله مضافا الي ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة، بناء علي ان حرية الولد منفعة راجعة الي المشتري،

و هو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء علي تفسير المسالك، و فيه تأمل.

______________________________

أو لان الولد نفسه منفعة له و ان لم تكن منفعة مالية و قاعدة الغرور و ان اختصت بصورة علم البائع، الا ان مقتضي اطلاق الصحيح عدم الفرق بين صورة العلم و الجهل.

و بما ذكرناه ظهر حكم ما يغرمه في مقابل المنافع غير المستوفاة.

و أما الغرامة التي يغرمها في مقابل العين، فبالنسبة الي المقدار الذي جعل ثمنا إذا لم يكن دفع الثمن الي الفضولي لا يرجع الي البائع لان هذه الغرامة لم تنشأ من تغرير البائع، لأنه لو فرض صدق البائع في دعواه لكانت هذه الغرامة ثابته.

و ما ذكره السيد الفقيه قده في وجه الرجوع فقوله: انه لم يقدم علي هذه الغرامة و انما اقدم علي دفع الثمن، و المفروض عدم امضاء الشارع له.

يرد عليه: الرد الي المالك أو البائع لا يوجب الفرق في عدم صدق الغرور بعد التزامه بكون هذا المقدار من المال يكون عوضا عن المال التالف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 223

ثمّ ان مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة علي الثمن الحاصلة وقت العقد، كما لو باع ما

يسوي عشرين بعشرة فتلف،

فاخذ منه المالك عشرين (1) فإنه لا يرجع بعشرة الثمن، و الا لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغره في ذلك، لأنه لو فرض صدق البائع في دعواه فحصل الغرور فوجب الرجوع (2) و مما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في دعوي الملكية لم يزل غرامة المشتري للثمن بازاء المبيع التالف، فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع. و أما العشرة الزائدة، فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في وجه عدم الرجوع من ان المشتري انما اقدم علي ضمان العين و كون تلفه منه، كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه و مع الاقدام لا غرور (3) و إذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح الاندفاع ان الاقدام انما كان علي ضمانه بالثمن، الا ان الشارع جعل القبض علي هذا النحو من الاقدام، مع فساد العقد و عدم امضاء الشارع له سببا لضمان المبيع بقيمته (4) الواقعية

______________________________

(1) و أما في المقدار الزائد- كما لو باع ما يسوي عشرين بعشرة فتلف فاخذ منه المالك عشرين- فقد ذهب المصنف قدس سره- تبعا لغيره من الأساطين

(2) الي ان يرجع الي البائع في المقدار الزائد، لقاعدة الغرور.

(3) و اورد عليه: بان الأقدام و الغرور لا يجتمعان، و لذا لا يرجع علي البائع بالمسمي، و عليه فإذا بنينا علي ان مقتضي اقدام المشتري ضمانه بتمام القيمة الواقعية للمالك- كما هو المدرك للضمان في كل عقد فاسد يضمن بصحيحه- لا وجه للرجوع الي البائع حيث لا تغرير، و ان قيل انه لا يكون مقدما علي الضمان بتمام القيمة لما كان وجه لضمانها للمالك.

و بعبارة اخري: ان كان مقدما علي الضمان بالقيمة الواقعية لا

مورد لقاعدة الغرور،

و الا فلا وجه لأصل الضمان.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(4) الأول: ان الإقدام انما يكون علي المسمي و لا إقدام علي غيره، فبالنسبة الي ما لا إقدام عليه تكون قاعدة الغرور جارية بلا مانع، و لكن الأقدام علي المسمي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 224

فالمانع من تحقق الغرور، و هو الاقدام لم يكن الا في مقابل الثمن (1) و الضمان، المسبب عن هذا الاقدام، لما كان لاجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا علي الغار، فغرامة العشرة الزائدة و ان كانت مسببة عن الاقدام الا انها ليست مقدما، عليها هذا كله مع ان التحقيق علي ما تقدم سابقا ان سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا علي وجه الائتمان و ان ليس الاقدام علي الضمان علة له مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان، و ان استدل به الشيخ و اكثر من تأخر عنه، و قد ذكرنا في محله، توجيه ذلك بما يرجع الي الاستدلال باليد فراجع.

و كيف كان فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه اولي منه فيما حصل في مقابلته نفع (2) هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد، و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه اولي (3)

______________________________

سبب شرعا لضمان تمام القيمة، فضمان التمام ليس مقدما عليه لينا في الغرور، بل اثر الأقدام علي المسمي ضمان تمام القيمة. و تبعه في هذا الجواب غيره من الأساطين.

و فيه: انه إذا كان مدرك الضمان هو الأقدام- كما هو مبني الأشكال- لا وجه للقول بالضمان بالنسبة الي تمام القيمة مع كون الأقدام علي المسمي الا إذا ورد دليل علي ان الأقدام علي شي ء سبب لضمان

شي ء آخر، و المفروض عدمه، فعلي هذا المبني لا مدفع لهذا الايراد.

(1) الثاني: و هو احق، و هو منع المبني، لأن مدرك الضمان في المقام و غيره المقبوض بالعقد الفاسد انما هي اليد، و هي تقتضي الضمان بتمام القيمة. و الغرور يوجب رجوع المغرور الي الغار في المقدار الذي غرر فيه، فبالنسبة الي المقدار الزائد و ان كان مقتضي اليد هو الضمان للمالك الا ان مقتضي قاعدة الغرور هو الرجوع فيها الي البائع

(2) قوله فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه اولي منه.

هذا إذا كان المدرك قاعدة نفي الضرر، و الا فموضوع الغرور حاصل فيهما

(3) قوله و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه اولي وجه الاولوية ان هناك كان يحتمل ان الاقدام علي الضمان بالمسمي اقدام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 225

هذا كله فيما يغرمه المشتري بازاء نفس العين التالفة. اما ما يغرمه بازاء اجزائه التالفة، فالظاهر ان حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد علي ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله علي ما اخترناه، و يجي ء علي القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه. و أما ما يغرمه بازاء اوصافه (1) فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن، كما عدا وصف الصحة من الاوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري، فرجع المالك عليه بالتفاوت. فالظاهر رجوع المشتري علي البائع لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك

______________________________

علي الضمان بالقيمة الواقعية، و هذا المعين غير محتمل في المقام لان ما يتجدد له من القيمة لا يحتمل كونه مقدما علي ضمانه و مما ذكرناه ظهر انه انما يرجع إليه في صورة علم البائع،

و أما في صورة جهله فلا يرجع إليه

لعدم صدق الغرور.

(1) قوله و أما ما يغرمه بازاء اوصافه فان كان مما لا يسقط عليه الثمن فقد فصل المصنف قدس سره بين وصف الصحة و غيره من الأوصاف، و التزم بعدم الرجوع في وصف الصحة- نظرا الي مقابلته بجزء من الثمن- و الرجوع في غيره من الأوصاف، كما لو كان عبد كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك.

و تمام الكلام بالبحث في مقامين:

الأول: في الفرق بين وصف الصحة و غيره من الأوصاف.

الثاني: في انه هل يرجع الي البائع فيما يغرمه بازاء الأوصاف، ام لا؟ اما المقام الأول: فالأظهر عدم الفرق بينهما، و ان شيئا منها لا يقسط عليه الثمن، و ان كان يصير موجبا لزيادة قيمة الموصوف. و لا فرق في ذلك بين وصف الصحة و غيره.

و الشاهد عليه ثبوت الخيار في تخلف الوصف،

و ثبوت الأرش في خيار العيب، لا يدل علي مقابلته بالثمن، و الا لزم ان يرد البائع جزء من الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 226

ثمّ ان ما ذكرنا كله من رجوع المشتري علي البائع بما يغرمه انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. اما لو كان فاسدا من جهة اخري فلا رجوع علي البائع (1) لأن الغرامة لم تجئ من تغرير البائع في دعوي الملكية، و انما جاءت من جهة فساد البيع فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغرور له هو البائع علي تقدير الصدق و المالك علي تقدير كذبه، فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به علي تقديري صدق البائع و كذبه.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالأظهر- خلافا للسيد

الفقيه قدس سره و غيره- عدم الرجوع لعدم تغرير البائع اياه و قد اقدم المشتري علي ان الخسارة المتوجهة إليه من ناحية الوصف تكون عليه، و هذا يمنع عن صدق الغرور. نعم الأوصاف التي توجد فيما بعد و تتلف- حيث انه لم يقدم علي ضمانها- له الرجوع فيها إليه.

(1) قوله و أما لو كان فاسدا من جهة اخري فلا رجوع علي البائع و قد استدل المحقق النائيني قدس سره لاختصاص قاعدة الغرور بالعقد الذي يكون قابلا للصحة باجازة المالك، بان العقد الفاسد من جهة اخري الضمان الحاصل فيه لا يكون مستندا الي التغرير، فان الفساد من جهة اخري هو اسبق العلل، فلا يكون البائع غير المالك هو منشأ الفساد، و لا المجموع بالتشريك، لأن العقد الفاسد من جهة كون البائع غير مالك بمنزلة وجود المانع، و الفاسد من جهة اخري بمنزلة فقد المقتضي، فلا محالة يستند الفساد الي عدم المقتضي لا إلي وجود المانع.

و فيه: ان سبب الضمان- بعد عدم العقد الصحيح- هي اليد، سواء أ كان عدم الصحة لاختلال شرط من شروط العقد، أو كان لاختلال سائر الشروط. و التغرير سبب للرجوع لا للضمان، فلا يكون التغرير و سبب الضمان مقتضي هما متحدا حتي يشتركا في التأثير أو يكون التأثير للأسبق منهما.

فالاولي: ان يستدل له فيما إذا كان المشتري عالما بالفساد من ناحية اخري:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 227

ثمّ انه قد ظهر مما ذكرنا. ان كل ما يرجع المشتري به علي البائع إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به علي المشتري إذا رجع عليه، لأن المفروض قرار الضمان علي البائع. (1) و أما ما لا يرجع المشتري به علي البائع كمساوي الثمن من القيمة،

فيرجع

البائع به علي المشتري إذا غرمه للمالك و الوجه في ذلك حصول التلف في يده.

فان قلت: ان كلا من البائع و المشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية، التي هي سبب للضمان و حصول التلف في يد المشتري، و لا دليل علي كونه سببا لرجوع البائع عليه،

______________________________

بان التغرير المساوق للتدليس و التخديع متقوم صدقه بجهل المغرور بالضمان، فمع علمه بذلك و انه يكون ضامنا علي كل حال كان البائع مالكا ام لا، لا يصدق هذا العنوان، فلا وجه للرجوع.

تعاقب الأيدي

(1) قوله لان المفروض قرار الضمان علي البائع

إذا باع الغاصب ما غصبه، ثمّ باعه المشتري بشخص ثالث و تلف المال في يد المشتري الثاني، لا خلاف في انه للمالك مع رد البيع الأول الرجوع الي كل من الغاصب و المشتريين، مع ان الشي ء الواحد ليس له الا بدل واحد فكيف يحكم بضمان كل من الثلاثة.

و تنقيح القول في المسألة انما هو بالبحث في مقامين.

الأول: حكم المالك بالإضافة الي كل واحد منهم.

الثاني: حكم كل واحد منهم بالإضافة الي الآخر.

اما المقام الأول: فقد اورد علي ضمان كل من دخل المال تحت يده.

بما حاصله: انه ان اعتبر شي ء واحد في الذمم يلزم استقرار الواحد في محال متعددة، و ان التزم بتعدد ما في الذمم يلزم ان يكون لشي ء واحد ابدال متعددة، مع ان الشي ء الواحد ليس له الا بدل واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 228

نعم لو اتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق. (1) قلت: توضيح ذلك يحتاج إلي الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف.

و صيرورته في عهدة كل منهما، مع ان الشي ء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة. و

ان الموصول في قوله علي اليد ما اخذت شي ء واحد، كيف يكون علي كل واحدة من الايادي المتعددة.

______________________________

و الحق في الجواب: عن هذه الشبهة ان يقال: ان الكلام.

تارة في الحكم الوضعي.

و اخري في الحكم التكليفي.

اما من حيث الحكم الوضعي:

فان قلنا بان معني ضمان العين كونها في عهدة الضامن- كما قويناه- لا محذور في تعدد الضامن، فان الشي ء الواحد في المحال المتعددة اعتبارا ككونه في الأذهان المتعددة بتعدد صوره لا محذور فيه، و العهدة ليست الا محلا اعتباريا، و حيث انه واحد فلا محالة يسقط عن جميع الذمم باداء واحد منهم.

و ان قلنا: بان ضمان العين انما هو ثبوت بدلها في الذمة، فان قلنا بان في ذمة كل واحد حصة من الطبيعي غير ما في دمة الآخر لزم ثبوت ابدال عديدة لشي ء واحد.

و أما ان قلنا بان الطبيعي بنفسه في ذمة كل واحد من دون ان يصير حصة.

أو قلنا بان حصة منه في ذمة كل واحد من جهة انه وجود اعتباري لا محذور في الالتزام بشي ء من ذلك، فلا يلزم هذا المحذور ايضا.

و أما من حيث الحكم التكليفي: فالكلام فيه هو الكلام في الوجوب الكفائي لأنه احد مصاديق ذلك، و قد حققنا في الاصول امكانه، فلا محذور اصلا.

(1) قوله نعم لو اتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق.

و فيه ان الضمان في صورة التلف ايضا كذلك- فان من تلفت العين تحت يده كان يتمكن من ردها الي صاحبها فبامساكه المبيع استقر الضمان علي السابق.

مع ان سببية شخص لضمان آخر لا يوجب ضمانه إذ السببية بهذا المعني ليست احد موجبات الضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 229

فنقول معني كون العين المأخوذة علي اليد كون عهدتها و

دركها بعد التلف عليه، فإذا فرض ايدي متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي (1)

لكن ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعددة، معناه لزوم خروج كل منها عن العهدة عند تلفه، و حيث أن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلط المالك علي مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه،

فهو يملك ما في ذمة كل منهم علي البدل، بمعني إنه إذا استوفي أحدها سقط الباقي، لخروج الباقي عن كونها تداركا. لأن المتدارك لا يتدارك و الوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي ان مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل و لا بدله فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شي ء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

و يتحقق مما ذكرنا ان المالك انما يملك البدل علي سبيل البدلية و يستحيل اتصاف شي ء منها بالبدلية بعد صيرورة احدها بدلا عن التالف واصلا الي المالك،

______________________________

(1) و أما ما افاده المصنف قدس سره في الجواب عن هذه الشبهة بما حاصله: ان الذمم المتعددة تشتغل بواحد علي البدل نظير الواجب الكفائي في العبادات.

فيرد عليه: انه في الواجب الكفائي لا يكون الوجوب متوجها الي احد الأفراد علي البدل، فان ذلك غير معقول.

بل الوجه المعقول هناك توجه التكليف الي الجميع، لكن مشروطا بعدم اتيان الآخرين.

و هذا لا يمكن الالتزام به في المقام، فانه اما ان يلتزم بتقييد اشتغال كل ذمة بعدم اشتغال الاخري، أو يلتزم بتقييد اشتغالها بعدم المطالبة من الآخر، أو يلتزم بتقييده بعدم اداء الآخر.

و لازم الأول انتفاء الاشتغال رأسا لو كان الشرط عدم الآخر مقارنا له، و

ثبوت الاشتغالين معا لو كان الشرط عدم الآخر بالعدم السابق، و هما كما تري.

و لازم الثاني ثبوت الاشتغالين و بدلين عند عدم مطالبتهما.

و لازم الثالث استحقاق المالك لأبدال متعددة لو ادي الجميع ما في ذممهم كما يحصل الامتثال بفعل الجميع لو اتفق الجميع علي الامتثال في الواجب الكفائي، مع ان المالك لا يستحق في شي ء من الحالات الا بدلا واحدا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 230

و يمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال علي طريقة الجمهور، حيث انه ضم ذمة الي ذمة اخري و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا كما في الايضاح (1) و ضمان الاعيان المضمونة علي (2) ما استقر به في التذكرة و قواه في الايضاح و ضمان الاثنين لواحد (3) كما اختاره ابن حمزة.

و قد حكي فخر الدين و الشهيد عن العلامة في دروسه انه نفي المنع من ضمان الاثنين علي وجه الاستقلال، قال: و نظيره في العبادات الواجب الكفائي و في الاموال الغاصب من الغاصب، هذا حال المالك بالنسبة الي ذوي الايدي.

______________________________

(1) قوله و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا.

يعني ضمان شخص ثالث عن البائع للمشتري عهدة الثمن إذا خرج المبيع مستحقا للغير- أو ضمانه عن المشتري للبائع عهدة المبيع إذا خرج الثمن مستحقا للغير.

و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره و تبعه غيره بان هذا ليس نظيرا للمقام- إذ مع بقاء المضمون و عدم الامتناع ليس المكلف بالرد و الضامن الا المضمون عنه، و مع التلف أو الامتناع لا تشتغل الا ذمة الضامن.

و فيه انه في صورة البقاء للمشتري الرجوع الي الضامن، كما له الرجوع الي المضمون عنه ليتحصل ماله و يعطيه بمقتضي دليل

ثبوت الضمان و تحققه- كما انه- في صورة التلف له الرجوع الي المضمون عنه لحصول التلف تحت يده.

و بعبارة اخري بمقتضي «1» علي اليد- و في خصوص باب الدين نلتزم بانه لا يرجع الي المضمون عنه للادلة الخاصة الآتية في محلها غير الشاملة للمقام.

(2) قوله و ضمان الاعيان المضمونة الكلام في ضمان الاعيان المضمونة كما لو ضمن عن المستعير في العارية المضمونة أو ضمن في مورد الغصب أو المقبوض بالعقد الفاسد- هو الكلام في ضمان عهدة العوضين اشكالا و جوابا.

(3) قوله و ضمان الاثنين لواحد اورد عليه المحقق النائيني قدس سره بانه لا يصح ضمان الاثنين عن الواحد بنحو الاستقلال لعدم معقوليته و لكن حيث عرفت امكان ذلك ثبوتا- فلا محذور في الالتزام به بعد شمول ادلة صحة الضمان له.

______________________________

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4 نقلا عن عوالي اللآلئ و تفسير الرازي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 231

و أما حال بعضهم بالنسبة الي بعض (1) فلا ريب في ان اللاحق إذا رجع إليه لا يرجع الي السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان.

كما لا ريب في ان السابق إذا رجع عليه و كان غارا للاحقه لم يرجع إليه، إذ لا معني لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له، فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له، فنقول ان الوجه في رجوعه هو ان السابق اشتغلت ذمته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل (2) فهذا الضمان يرجع إلي ضمان واحد من البدل و المبدل علي سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل، و إلا خرج بدله عن كونه

بدلا فما يدفعه الثاني، فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول، فإنه تدارك نفس العين معينا إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد، فإن اداه الي المالك سقط تدارك الأول له، و لا يجوز دفعه الي الاول قبل دفع الأول إلي المالك، لأنه من باب الغرامة و التدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول، فحال الاول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في انه لا يستحق الدفع إليه الا بعد الاداء.

______________________________

(1) قوله و أما حال بعضهم بالنسبة الي بعض.

المقام الثاني: في حكم كل واحد منهم بالإضافة الي الآخر.

و محصل الأشكال في المقام: ان الأصحاب حكموا في صورة توارد الأيدي: انه لو تلفت العين يكون قرار الضمان علي من تلفت العين في يده، و لو رجع المالك الي السابق يرجع هو الي اللاحق، و لا يرجع اللاحق الي السابق الا إذا كان هناك غرور، فان المغرور يرجع الي من غره، مع اشتراكهما في سبب الضمان و وحدة نسبة علي اليد اليهما.

و اجابوا عن ذلك باجوبة:

(2) الاول: ما افاده المصنف قدس سره.

و حاصله: ان السابق بمجرد وضع يده يصير ضامنا، بحيث يكون بدل العين علي

تقدير التلف علي ذي اليد، فتصير العين بذلك مضمونة بالقوة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 232

و الحاصل ان من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين علي البدل من المالك و من سبقه في اليد و يشتغل ذمته اما بتدارك العين و أما بتدارك ما تداركها،

و هذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين علي البدل، كما كان في الايدي المتعاقبة اشتغال ذمة اشخاص علي البدل بشي ء واحد لشخص واحد،

و ربما يقال (1) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه

______________________________

و متحيثة بهذه الحيثية، فيد اللاحق واردة علي عين لها بدل، فضمانها ضمان عين لها بدل،

و مرجع ذلك الي ضمان العين و بدلها علي سبيل البدل، إذ لو كان الضمان لخصوص العين خرج البدل عن كونه بدلا.

و بهذا التقريب تندفع جملة من الاشكالات التي اوردها بعض المحشين.

منها: انه ما الوجه في ضمان البدل و لم يدل دليل عليه، إذ قد عرفت ان ضمانه مقتضي البدلية.

و منها: ان لازمه جواز رجوع السابق الي اللاحق قبل دفع البدل، إذ البدل طولي لا عرضي.

و لكن ترد عليه امور:

الأول: ان الضمان عبارة عن كون العين في العهدة حتي بعد التلف- كما تقدم تحقيقه، فلا يكون لها بدل.

الثاني: ان الانتقال الي البدل علي القول به ليس قبل التلف، بل من حينه، و في ذلك الحين تشتغل جميع الذمم بالبدل في عرض واحد بلا سبق و لحوق.

الثالث: ان لازم ما ذكره انه لو دفع العين من اللاحق الي السابق بعد اخذه منه و تلفت عنده له الرجوع الي اللاحق، إذ اللاحق اشتغلت ذمته بما له بدل، و بعد عود المال الي السابق لا يصير ضامنا لشي ء لضمانه قبله.

(1) قوله ربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده.

القائل هو صاحب الجواهر، و عبارته منقولة في المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 233

ان ذمة من تلف في يده لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل (1) و ان جاز له الزام غيره باعتبار الغصب باداء ما اشتغل ذمته به، فيملك حينئذ من ادي بادائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية، قال:

و بذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده و بين غيره الذي خطابه بالاداء شرعي لا ذمي،

إذ لا دليل علي شغل ذمم متعددة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه و لا يرجع هو، انتهي.

و انت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره بأن خطابه ذمي، و خطاب غيره شرعي، مع كون دلالة علي اليد ما اخذت بالنسية اليهما علي السواء،

______________________________

(1) الثاني: ما عن صاحب الجواهر قدس سره و هو: ان من تلف العين تحت يده ذمته مشغولة للمالك بالبدل و ان جاز له الزام غيره باعتبار الغصب باداء ما اشتغلت ذمته به،

فيملك حينئذ من ادي بادائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة القهرية الشرعية.

و فيه: ان هذا يبتني علي ما اختاره من عدم معقولية اشتغال ذمتين بمال واحد،

و قد عرفت ضعف المبني.

الثالث: ما عن السيد الفقيه قدس سره، و هو ان العين التالفة تكون باقية علي ملك مالكها،

و لذا يصح الصلح عليها و احتسابها خمسا أو زكاة، و ما يدفعه السابق الي المالك يكون عوضا عنها، و مقتضي العوضية خروج العين التالفة عن ملك مالكها و صيرورتها ملكا للدافع، فيكون هو مثل المالك في جواز الرجوع الي اللاحقين.

ثمّ اورد علي نفسه: بان لازم ذلك جواز رجوع اللاحق الي السابق ايضا، لأن المفروض ان قام مقام المالك.

و اجاب عنه: بان الوجه في عدم جواز رجوعه إليه انه السبب في ضمان السابق،

بمعني استقرار العوض في ذمته.

و فيه: ما تقدم من ان السببية بهذا المعني ليست احد موجبات الضمان، و عليه فلا فرق بين السابق و اللاحق، مع ان ما يدفعه الدافع الي المالك انما يكون غرامة و بدلا عن ماله، من

جهة ان مالية العين تلفت، فمقتضي التغريم ان يحفظ ماليتها بدفع مال،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 234

و المفروض انه لا خطاب بالنسية اليهما غيره، مع انه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالاداء (1) و الخطاب الذمي، مع انه لا يكاد يعرف خلاف من احد في كون كل من ذوي الايدي مشغول الذمة بالمال فعلا ما لم يسقط باداء احدهم أو ابرأ المالك نظير الاشتغال بغيره من الديون في اجباره علي الدفع أو الدفع عنه من ماله، و تقديمه علي الوصايا و الضرب فيه مع الغرماء و مصالحة المالك عنه مع آخر الي غير ذلك

______________________________

و لا يكون بدل ملك عن ملك.

و بعبارة اخري: لا يكون بدلا عن العين في الملكية كي يتوقف علي تبديل اضافة الملكية من الطرفين.

الرابع: ما استند إليه جماعة منهم المحقق الخراساني قدس سره علي اختلاف بينهم في التعبير، و حاصله: انه في باب التغريمات المتبع هو الطريقة العرفية الممضاة شرعا، و من المعلوم لمن راجع العرف و العقلاء انهم يفرقون بين دخول العين في العهدة ابتداء و دخولها في العهدة بعد ما كانت داخلة في عهدة اخري، و يرون انه علي الأول اداء بدل العين، و علي الثاني اداء بدل العين للمالك، و بدل ما يؤديه السابق له علي البدل.

فمقتضي الأول الخروج عن عهدة العين، و مقتضي الثاني الخروج عن عهدة العين،

و عن عهدة عهدتها.

الظاهر هذا أحسن ما يمكن ان يقال في وجه جواز الرجوع. نعم لا بد من تقييده بما إذا لم تكن يد اللاحق مجانية و غير معاوضية، و الا فليس بناء من العقلاء علي الرجوع، مثلا لو غصب زيد من عمرو شيئا فوهبه لبكر ثمّ

تلف تحت يده، لو رجع المالك الي الغاصب ليس له الرجوع الي بكر، و هو واضح.

(1) قوله مع انه لا يكاد يفهم الفرق بينما ذكره من الخطاب بالاداء و الخطاب الذمي.

هذا الايراد مبني علي مسلك المصنف قدس سره من انتزاعية الاحكام الوضعية عن الاحكام التكليفية و أما علي المسلك الآخر فالفرق بينهما واضح.

اللهم الا ان يقال ان نظره الشريف الي عدم الفرق بينهما من هذه الجهة ليصح رجوع من وجه إليه الخطاب التكليفي الي من وجه إليه الخطاب الوضعي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 235

من احكام ما في الذمة، مع ان تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري و لا قهري، بل المتجه علي ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد اداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك، مع ان اللازم مما ذكره ان لا يرجع الغارم بمن لحقه في اليد العادية الا الي من تلف في يده، مع ان الظاهر خلافه، فإنه يجوز له ان يرجع الي كل واحد ممن بعده.

نعم لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع الي احد لواحقه الي ان يستقر علي من تلف في يده، هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري.

و قد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين، و أنه يرجع المالك بها علي من في يده أو من جرت يده عليها، فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده غرم للمالك بدل الحيلولة (1) و للمالك استردادها، فيرد بدل الحيلولة و لا يرتفع سلطنة المالك علي مطالبة الأول بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني (2) لان عهدتها

علي الاول فيجب عليه تحصيلها، و ان بذل ما بذل، نعم ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه. (3)

______________________________

و لا يصح رجوع صاحبه إليه و مقتضي القاعدة عدم جواز رجوع كل منهما الي الآخر.

(1) قوله غرم للمالك بدل الحيلولة و للمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة.

قد تقدم الكلام في بدل الحيلولة في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد فراجع ما حققناه.

(2) قوله و لا يرتفع سلطنة المالك علي مطالبة الاول بمجرد تمكنه من الاسترداد.

و الوجه فيه ان كل واحد ممن وضع يده علي المال يكون ضامنا و يجب عليه ادائه الي صاحبه و تمكن المالك من الاسترداد من الثاني لا يسقط وجوب الرد عن الاول.

(3) قوله نعم ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه.

الحق هو التفصيل بين ما إذا لزم من مباشرة غير المالك التصرف في المال- و بين ما إذا لم يلزم منها ذلك- فللمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه في الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 236

و لو لم يقدر علي استردادها الا المالك و طلب من الأول عوضا عن الاسترداد (1) فهل يجب عليه بذل العوض أو ينزل منزلة التعذر فيغرم بدل الحيلولة، أو يفرق بين الاجرة المتعارفة للاسترداد و بين الزائد عليها مما يعد اجحافا علي الغاصب الأول وجوه هذا كله مع عدم تغير العين. و أما إذا تغيرت،

فيجي ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها و ان كان كثير مما ذكرنا ايضا مما لا يناسب ذكره الا في باب الغصب، الا ان الاهتمام بها دعاني الي ذكرها في هذا المقام بأدني مناسبة اغتناما للفرصة وفقنا الله لما يرضيه عنا من العلم و العمل انه غفار الزلل.

مسالة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه،

فعلي القول ببطلان الفضولي.

فالظاهر ان حكمه حكم بيع

ما يقبل الملك مع ما لا يقبله و الحكم فيه الصحة لظهور الاجماع، بل دعواه

______________________________

دون الثاني- فانه في الاول للمالك ان يمنع من التصرف في ماله- و لا سبيل الي ان يقال ان وجوب رد مال الغير أهم من حرمة التصرف فيه فيقدم عليها- فان ذلك فيما إذا كان ذلك مقدمة منحصرة، لا في مثل المقام الذي يمكن الرد بغير التصرف.

و في الثاني لا وجه لإلزامه الغاصب بالرد بطريق مخصوص، بل هو مختار في ذلك.

(1) قوله و لو لم يقدر علي استردادها الا المالك … وجوه.

الحق ان الأوجه، هو الاخير فانه إذا كانت الاجرة هي المتعارفة للاسترداد، نفس دليل وجوب الرد يكفي في الدلالة علي وجوب بذل الاجرة لكونه مقدمة للرد الواجب.

و أما إذا كانت زائدة عن ما تعارف اخذه للاسترداد، فلا يجب البذل لعموم لا ضرر و تمام الكلام في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد.

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 237

بل دعواه عن غير واحد مضافا الي صحيحة الصفار المتقدمة في ادلة بطلان الفضولي من قوله عليه السلام: لا يجوز بيع ما لا يملك، و قد وجب الشراء فيما يملك و لما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي، كالشيخ و ابن زهرة و الحلي و غيرهم. نعم لو لا النص و الاجماع امكن الخدشة فيه بما سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك.

و أما علي القول بصحة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة (1) بل و كذا مع الرد فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك، غاية الامر ثبوت الخيار حينئذ للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا، كما عن التذكرة.

و سيجي ء في اقسام الخيار

بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع لكن عن الغنية الجزم بعدمه و يؤيده صحيحة الصفار.

______________________________

(1) قوله و ما علي القول بصحة الفضولي فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة.

ما افاده المصنف من انه لا ريب في الصحة علي القول بالصحة في بيع الفضولي و الحكم بظهور الصحة علي القول ببطلانه.

قابل للمناقشة: فان جميع ما ذكر وجها للبطلان تجري علي القول بصحة بيع الفضولي، نعم- علي القول بصحته و كون الاجازة كاشفة بنحو الشرط المتأخر، و تحققها لا يجري شي ء من تلك الوجوه كما ستعرف.

و كيف كان: فيشهد للصحة في المملوك علي جميع التقادير- مضافا الي الإجماع-: صحيح الصفار عن ابي محمد العسكري عليه السلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

بل العمومات الدالة علي صحة العقود كالآية الشريفة «2» تدل علي الصحة فيه.

و قد ذكروا في وجه عدم الشمول امورا:

منها: ان البيع امر واحد بسيط، فاما ان يكون هذا الواحد مشمولا للعمومات فلازمه الصحة في جميع اجزاء المبيع، أو لا يكون مشمولا لها فلازمه البطلان في الجميع. و علي التقديرين لا وجه للتفكيك بين الأجزاء صحة و فسادا، و حيث انه لا يمكن

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 238

و ربما حمل كلام الشيخ علي ما إذا ادعي البائع الجهل أو الاذن و كلام الغنية علي العالم، ثمّ ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الاجازة مانع شرعي كلزوم ربا و بيع آبق من دون ضميمة. و سيجي ء الكلام في محلها، ثمّ ان

البيع المذكور صحيح بالنسبة إلي المملوك بحصته من الثمن، و موقوف في غيره بحصته،

______________________________

الالتزام بالأول و الا لزم خروج المال عن ملك مالكه بلا رضاه، فيتعين البناء علي البطلان في الجميع.

و فيه: ان البيع- اي الإنشاء- و ان كان واحدا، الا ان ما تضمنه من التمليك يكون متعددا حقيقة لتعدد الملكية بتعدد المملوك، فإذا تعددت الملكية يتعدد التمليك لا محالة،

لأن الايجاد و الوجود متحدان حقيقة، و أحد التمليكين يكون مشمولا للعمومات، و هو ما تعلق بماله دون الآخر، فيصح هو دون صاحبه.

و ان شئت قلت: ان الانشاء واحد صورة و منحل الي انشاءات متعددة حسب ما للمنشأ من الأفراد.

و مما يشهد للانحلال: - مضافا الي ظهوره علي ما عرفت: انه لو انضم الي ما يصح بيعه بعض ما نهي الشارع عن بيعه و باعهما بانشاء واحد لم يتوهم احد صحة هذا البيع مستندا الي ان دليل النهي لا يشمل مثل هذا البيع لعدم كونه متعلقا به استقلالا، فان المتعلق المجموع من حيث المجموع، مع ان لازم هذا الوجه ذلك.

و منها: ان البائع لم يرض بانتقال ماله منفردا، فانه رضي بانتقاله منضما الي مال غيره، و قد خصصت العمومات بما دل علي اعتبار الرضا في صحة البيع.

و فيه: ان البائع قد رضي بانتقال ماله و انتقال مال غيره، فكل منهما متعلق للرضا،

فانتقال ماله يكون عن رضا، و غاية ما هناك عدم انتقال مال غيره برضاه لا انتقال ماله بلا رضاه، مع انه اخص من المدعي، إذ ربما يكون راضيا بانتقاله منفردا ايضا.

و منها: انه يلزم من الصحة عدم تبعية العقد للقصد، إذ ما قصد هو المجموع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 239

و طريق معرفة حصة كل منهما

(1) من الثمن في غير المثلي ان يقوم كل منهما منفردا، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين (2) مثاله كما عن السرائر ما إذا كان ثمنها ثلث دنانير و قيل أن قيمة المملوك قيراط و قيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن. و ما ذكرنا من الطريق هو المصرح به في الارشاد حيث قال: و يقسط المسمي علي القيمتين.

و لعله ايضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من انهما يقومان جميعا، ثمّ يقوم احدهما. و لذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الارشاد حيث قال:

طريق تقسيط المسمي علي القيمتين الخ. لكن الانصاف ان هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها علي عبارة الارشاد التي اخترناها في طريق التقسيط و استظهرناه من السرائر إذ لو كان المراد من تقويمهما، معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج الي قولهم ثمّ يقوم احدهما، ثمّ تنسب قيمته إذ ليس هنا الا امران تقويم كل منهما أو نسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

______________________________

و ما وقع غيره.

قد ظهر جوابه مما ذكرناه في سابقه، فان البائع قاصد لانتقال ماله في ضمن قصده انتقال المجموع.

و منها: ان الثمن الواقع بازاء الجزء المملوك مجهول، فلا تصح المعاملة الواقعة عليه.

و فيه: ان المتيقن من دليل اعتبار العلم بالعوضين اعتبار العلم بما يجعل عوضا أو معوضا في الانشاء لا اعتبار العلم بما ينفذ فيه البيع شرعا.

(1) و أما طريق معرفة حصة كل منهما، فلا اشكال فيما لو عين حصة كل منهما.

كما لو لاحظ البائع و المشتري وقوع حصة معينة من الثمن بازاء كل جزء من المثمن.

انما الكلام فيما لو لم يلاحظا ذلك و اوقعا

العقد علي المجموع، من ناحية معرفة الحصة و التقسيط. و لهم في ذلك مسالك.

(2) الاول ما اختاره المصنف قدس سره وفاقا لغيره، و هو: انه يقوم كل واحد منهما منفردا فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 240

فالظاهر ارادة قيمتهما مجتمعين ثمّ تقويم احدهما بنفسه، ثمّ ملاحظة نسبة قيمة احدهما الي قيمة المجموع. (1) و من هنا انكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك، إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة (2) كما في مصراعي باب و زوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم أحدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة، فإنه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين الي العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة، فيبقي للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد، مع انه لم يستحق من الثمن الا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر اعني در همين و نصفا.

______________________________

فإذا كان الثمن عشرة و كانت قيمة مال نفسه اربعة و قيمة مال غيره اثنتين، يرجع المشتري بثلث الثمن. إذ نسبة قيمة مال غيره الي مجموع القيمتين هي ذلك. و سيمر عليك ما يرد عليه.

(1) الثاني: ما عن المشهور، و هو: انه يقوم مجموع الماليين ثمّ يقوم مال غيره ثمّ تنسب قيمته الي قيمة المجموع فيؤخذ بتلك النسبة، فإذا كانت قيمة مصراعي الباب عشرة و كانت قيمة أحدهما اثنتين يرجع المشتري بخمس الثمن.

و لكن يرد عليه ما افاده المصنف بقوله.

(2) إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي الباب و زوج خف

إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم احدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة، فان لازم هذا القول رجوع المشتري بخمس الثمن فيبقي للبائع اربعة في مقابل مصراع واحد، مع انه لم يجعل في المعاملة في مقابله الا نصف الثمن.

و يرد علي الاول: هذا المحذور بعينه في صور الاختلاف، فانه في مثال الجارية و ابنتها إذا باعهما بعشرة و كانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستة و في حال الانضمام اربعة و قيمة ابنتها بالعكس، فإذا كانت البنت لغير البائع لازم ما اختاره الشيخ قدس سره رجوع المشتري الي البائع بخمسين من الثمن، مع انه انما جعل من الثمن بازائها ثلاثة اخماس.

فالمتعين هو القول الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 241

و الحاصل ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الاجازة، و يصح في نصيب المالك بحصة كان يأخذها مع اجازة المالك الجزء الآخر هذا و لكن الظاهر ان كلام الجماعة اما محمول علي الغالب، من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع، أو مرادهم من تقويمهما كل منهما منفردا، و يراد من تقويم احدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين، و الا ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج الي النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها، و ان كان ضعيفا بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة احدهما المنفرد و بين قيمة المجموع، بل ينتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة

______________________________

و هو الذي اختاره جمع من الأساطين، و هو.

انه يقوم كل واحد منفردا، لكن بملاحظة حال الانضمام، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

و ذلك يظهر ببيان امور:

الأول: ان الهيئة الاجتماعية ربما لا

تكون موجبة لازدياد القيمة و لا لنقصانها،

و ربما تكون موجبة لأحدهما. و علي الثاني تارة: تكون موجبة للازدياد من الطرفين بالسوية كما في مصراعي الباب، و اخري: تكون موجبة له بالاختلاف كما لو كان قيمة احدهما مع الانضمام خمسة و لا معه اربعة، و كان قيمة الآخر معه ستة و لا معه ثلاثة.

و ثالثة: تكون موجبة للنقصان من الطرفين بالسوية. و رابعة: تكون موجبة له بالاختلاف.

و خامسة: تكون موجبة للزيادة في احدهما و النقيصة في الآخر، كما لو باع جارية مع ابنتها الصغيرة و فرضنا ان قيمة الام تنقص في صورة ضم ابنتها إليها من جهة قيامها بتربيتها، و قيمة الصغيرة تزيد بذلك.

الثاني: ان كل جزء انما قوبل بجزء من الثمن في حال الانضمام لا مطلقا.

الثالث: ان الأوصاف لا تقابل بالمال، و تخلفها يوجب الخيار لارد جزء من الثمن.

و بهذه الأمور يظهر أن الأظهر هو الثالث،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 242

بحيث يكون قيمة احدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو ازيد، فإن هذا فرض ممكن، كما صرح به في رهن جامع المقاصد و غيره، فإن الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن، كما لو باع جارية مع امها قيمتهما مجتمعتين عشرة و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية، فإن نسبة إحداهما المنفردة إلي مجموع القيمتين (1) نسبة الشي ء إلي مماثله فرجع بكل الثمانية،

و كان من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا أو كان عنده غير ممكن، فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا و نسبة قيمة أحدهما إلي مجموع القيمتين.

فإن قلت ان المشتري إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر، و هذا الوصف

لم يبق له مع رد مالك أحدهما، فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع علي ماله منفردا فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين الي العشرة و هو درهم واحد. فالزيادة ظلم علي المشتري و ان كان ما أو همه عبارة الشرائع و شبهها من اخذ البائع اربعة و المشتري واحدا اشد ظلما، كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة فاللازم ان يقسط الثمن علي قيمة كل من الملكين منفردا و علي هيئته الاجتماعية و يعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا و يبقي للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا و قيمة هيأته الاجتماعية.

قلت: فوات وصف الانضمام كسائر الاوصاف الموجبة لزيادة القيمة، ليس مضمونا في باب المعاوضات، و ان كان مضمونا في باب العدوان، غاية الامر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة، و لا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع و ملك غيره متعددين في الوجود، كعبد و جارية أو متحدا كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره، فإنه لا يوزع الثمن علي قيمة المجموع اثلاثا لأن الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان لكونه اقل رغبة منه، بل يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين و يؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة، هذا كله في القيمي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 243

اما المبيع المثلي فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن (1) علي نفس المبيع فيقابل كل من حصتي البائع و الاجنبي بما يخصه و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي (2) من ملاحظة قيمتي الحصتين و تقسيط الثمن علي المجموع فافهم.

مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار،

فإن علم انه اراد نصفه، أو نصف الغير عمل به، و الا فإن علم انه

لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ، ففيه احتمالان: حمله علي نصفه المملوك له، و حمله علي النصف المشارع بينه و بين الأجنبي (3)

______________________________

(1) قوله اما البيع المثلي فان كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس البيع ما افاده المصنف قدس سره يتم علي ما اخترناه في طريق تقسيط الثمن و لا يتم علي مسلكه فانه قد يتفاوت الحصتان، كما لو كانت حصة احدهما تسعة امنان و حصة الآخر منا واحدا-، و يكون الاختلاف في القيمة في صورتي الانضمام و الانفراد في الحصة الاولي قليلا و في الثانية ازيد كمالا يخفي.

(2) قوله و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي اورد عليه المحقق

النائيني قدس سره بانه يمكن ان يكون المثلي مفروزا و يكون مع ذلك كل من النصيبين من كومة واحدة و صبرة خاصة فيجب ان يقابل كل من الحصتين بما يخصه من الثمن فيكون كالمثلي المشاع لا كالقيمي.

و فيه انه كما يتصور ذلك يتصور الاختلاف فلا بد من بيان ما يفيد في جميع الصور و هو ما افاده المصنف قدس سره.

بيع نصف الدار

بقي الكلام هنا في مسالتين:

(3) احداهما: ما لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار و قبل الشروع في البحث فيها لا بد من تقديم مقدمتين:

الأولي: في بيان الكسر المشاع و ان الشركة الحاصلة في المبيع علي اي كيفية،

و العمدة فيه مسلكان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 244

______________________________

احدهما: ما هو المنسوب الي المشهور، و هو: ان معني الشركة علي الاشاعة ان كل جزء يفرض في الجسم فكل واحد من الشريكين المساويين مالك لنصف هذا الجزء.

ثانيهما: ان كل واحد منهما مالك لتمام المملوك، و انما الملكية

تكون ضعيفة و ناقصة، فالأخوان الوارثان لأبيهما هما معا بالإضافة الي المال كأبيهما، و طرف اضافة الملكية هما مجتمعا، و كل منهما مالك لجميع المال، و لكن بالملكية الناقصة لا التامة.

و قد استدل للأول: بان المشهور بين المتكلمين و بعض الحكماء قبل الإسلام و ان كان ان مادة الجسم المطلق هي الأجزاء التي لا تقبل القسمة لا خارجا و لا ذهنا و يسمي كل جزء من هذه الأجزاء بالجوهر الفرد و الجزء الذي لا يتجزأ.

و لكن بطلان هذه المقالة- كبطلان مقالة النظام، حيث ذهب الي ان الجسم مؤلف من اجزاء غير متناهية- في عصرنا من اوضح البديهيات، لأن كل ما يشار إليه بالإشارة الحسية لا بد ان يكون ما يحاذي منه جهة الفوق غير ما يحاذي منه يحاذي منه جهة التحت، و كذا باقي الجهات، فلا محيص من ان يكون منقسما و ان لم يكن لنا آلة لتقسيمه.

مضافا الي ما برهنوا عليه من لزوم تفكك الرحي و نفي الدائرة. و عليه فكل جزء يفرض في الجسم كل واحد من الشريكين مالك لنصف ذلك الجزء.

و فيه: ان هذا البرهان لو تم لاقتضي امكان ذلك لا كون ما في الخارج كذلك،

و الأرجح في النظر هو الثاني، و ذلك لأنه مضافا الي انه المناسب للفهم و الوجدان و يلائم مع الطبع يشهد له وجهان:

احدهما: انه لا إشكال في ان الشي ء الخارجي الذي يكون ملكا و مالا لو قسم ربما يصل الي حد يسقط عن المالية و الملكية لو نصف، فعلي هذا لو خلف الميت شيئا له المالية و كان ورثته متعددين لو قسم ذلك بحسب تعددهم لا يكون كل جزء منه ملكا يلزم البناء علي عدم كونه ملكا

لأحد، و هو كما تري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 245

______________________________

الثاني: ان المملوك المشترك ربما يكون من الأعراض و الأفعال و الأعمال غير القابلة للقسمة لبساطتها كالصلاة و رفع الحجر من الأرض و نحو ذلك، و لا معني للالتزام بالملكية بالمعني الأول في هذه الموارد، فلا مناص عن البناء علي ما اخترناه، و هذه آية قطعية عليه.

و اضف الي ذلك كله عدم معقولية المعني الأول، فان كل ما في الخارج يكون معينا، و لا معني لوجود شي ء في الخارج غير معين في الواقع، و حيث ان الكسر المشاع بذلك المعني غير معين فلا يمكن الالتزام به.

فتحصل مما ذكرناه: ان معني الملكية المشاعة هو مالكية الشركاء، كل منهم لجميع المال بالملكية الضعيفة، و نظيره في التكوينيات رفع جماعة حجرا واحدا، حيث ان الرفع يستند الي مجموعهم. فعلي هذا معني بيع نصف الدار بيعه بتمامه باعطاء الملكية الناقصة و هذه مسامحة في التعبير، و شاع ذلك.

الثانية: في تعيين محل النزاع و البحث.

لا خلاف و لا إشكال فيما لو علم بانه اراد من النصف شيئا معينا من نصفه المختص به، أو نصف غيره، أو المشاع في الحصتين.

و انما الكلام في موردين:

الأول: ما لو علم انه قصد شيئا معينا و كان ذلك مشتبها و غير معلوم عندنا.

الثاني: ما لو علم بانه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ.

و ظاهر الشيخ اختصاص النزاع بالمورد الثاني.

و صريح السيد قدس سره اختصاصه بالمورد الأول.

و ذهب المحقق النائيني قدس سره الي التعميم.

لا ينبغي التوقف في كون الأول مورد النزاع، و لم يذكر وجه لعدم النزاع فيه، و أما ما ذكر في وجه عدم جريان النزاع في المورد الثاني.

و حاصله: ان الظهورات

انما تكون لتشخيص المرادات و المفروض انه لم يقصد المتكلم خصوصية ملكه أو ملك غيره، و انما قصد مفهوم النصف الذي مقتضاه ليس الا الاشاعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 246

و منشأ الاحتمالين. اما تعارض ظاهر النصف اعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين (1) مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف الي نصفه المختص (2) و ان لم يكن له هذا الظهور في غير المقام، و لذا يحمل الاقرار علي الاشاعة، كما سيجي ء، أو مع ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه (3) لأن مال الغير لا بد فيه اما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه، و أما من بنائه علي تملكه للمال عدوانا، كما في بيع الغاصب، و الكل خلاف المفروض هنا، و مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين قول البائع بعت غانما مع كون الاسم مشتركا بين عبده و عبد غيره، حيث ادعي فخر الدين الإجماع علي انصرافه الي عبده، فقاس عليه ما نحن فيه، إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير، فبقي ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع و انصراف لفظ المبيع في مقام التصرف الي مال المتصرف سليمين عن المعارض،

______________________________

فيرد عليه ان المراد من انه لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ ليس خلو الكلام عن المراد الجدي، بل المراد انه انما قصد مفهوم هذا اللفظ و تعلقت ارادته الجدية به هكذا، اي بما يقتضيه ظهور هذا الكلام و لو بلحاظ المقام مع خلوه عن الإرادة التفصيلية.

و علي هذا فيقع الكلام في موردين:

الأول: فيما إذا لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ.

الثاني: فيما إذا قصد معينا غير معلوم لنا. و حيث ان المدرك و كذلك

المختار في الموردين واحد فلا حاجة الي البحث في كل من الموردين مستقلا.

(1) و كيف كان: فقد ذكر في وجه ظهور الكلام في النصف المشاع بينه و بين الأجنبي: ان النصف ظاهر في الحصة المشاعة في مجموع الحصتين.

و اورد عليه المصنف قدس سره بان هذا الظهور يعارض مع ظهورين آخرين:

(2) احدها: ظهور مقام التصرف في ارادة حصته المختصة لانشاء البيع.

(3) ثانيهما: ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه لأن بيع مال الغير يتوقف علي نية الغير أو كونه له أو البناء عليه عدوانا، و الكل خلاف المفروض، و هو قده من جهة هذا التعارض توقف في المسألة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 247

فيفسر بهما اجمال لفظ المبيع، ثمّ انه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه في هل هو كالأجنبي؟ وجهان مبنيان علي ان المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ المبيع الي مال البائع في مقام التصرف أو ظهور التمليك في الاصالة الاقوي هو الأول لأن ظهور التمليك في الاصالة من باب الاطلاق و ظهور النصف في المشاع و ان كان كذلك ايضا الا ان ظهور المقيد وارد علي ظهور المطلق و ما ذكره الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي الي مدلول اللفظ و ان كان مرجعه الي ظهور وارد علي ظهور المقيد، الا انه مختص بالفضولي، لأن القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الولي، فالأقوي فيهما الاشتراك في المبيع تحكيما لظاهر النصف، الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع. (1)

و أما ملاحظة حقي المالكين و ارادة الاشاعة في الكل من حيث انه مجموعهما فغير معلومة، بل معلوم العدم بالفرض.

و من المعلوم ان النصف المشاع بالمعني المذكور،

يصدق علي نصفه المختص فقد ملك كليا يملك مصداقه، فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره فإن الظاهر وقوعه لنفسه، لأنه عقد علي ما يملكه، فصرفه إلي الغير من دون صارف لا وجه له،

______________________________

و فيه: انه لم سلم ظهور النصف في المشاع بين الحصتين و لم نلتزم بما افاده المصنف قدس سره في اثناء كلامه من انه ظاهر في نفس المشاع لا في المشاع بين الحصتين، قال.

(1) الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع لا.

ريب في انه ظهور اطلاقي ناش عن انتفاء ما يوجب التعيين، فظهور مقام التصرف في ارادة حصته المختصة يمنع عن انعقاده.

فالأظهر الحمل علي نصفه المختص.

اللهم الا ان يقال كل منهما يصلح للمنع عن انعقاد الآخر فلولا الوجه الاول كان المتعين التوقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 248

و لعله لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم، لو انه اصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق (1) استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي لا نصف الباقي و قيمة نصف الموهوب. و ان ذكروا ذلك احتمالا، و ليس الا من جهة صدق النصف علي الباقي، فيدخل في قوله تعالي: فنصف ما فرضتم.

و ان كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم بأنه: لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات، بل لا تغاير بينهما الا بالاعتبار، فلا وجه لاعتبار القيمة، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة، مع كونها قيمية.

لكن الظاهر انهم لم يريدوا هذا الوجه، و أنهم

عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام،

______________________________

(1) قوله ذكر جماعة انه لو اصدق المرأة عينا فوهبت نصفها استحق الزوج النصف الباقي.

ان بنينا علي ان المرأة تملك بالعقد نصف المهر و بالدخول تملك نصفه الآخر تكون هذه المسألة بعينها مسألتنا لان محل البحث في المقام لا يكون خصوص البيع فالوجه في حكمهم استحقاق الزوج بالطلاق النصف الباقي هو ما ذكرناه.

و أما ان قلنا بانها تملك تمام المهر و بالطلاق قبل الدخول يرجع نصفه الي الزوج، فهي- اجنبية عن المقام.

فان المرأة حين ما وهبت النصف كانت مالكة لجميع المال و الطلاق ليس انشاء لرد النصف كي يجري فيه هذا النزاع فتدبر.

اللهم الا ان يقال ان ما ذكره المصنف قدس سره الذي اشار إليه هنا هو عدم التنافي بين ظهور النصف في الاشاعة و حمله علي نصفه المختص من باب انه من ملك كليا ملك مصداقه.

فما ذكروه في صداق المرأة نظيرا للمقام من هذه الجهة فان حكم الشارع الاقدس برد نصف المهر في قوة تمليك الزوجة نصفه للزوج.

فيكون من باب انه من ملك كليا ملك مصداقه إذ المرأة مالكة لمصداق النصف فيكون نظيرا للمقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 249

و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح (1) من انه: إذا اقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالارث، فصالحه المقر له علي ذلك النصف، كان النصف مشاعا في نصيبهما فإن اجاز شريكه نفذ في المجموع و الا نفذ في الربع، فإن مقتضي ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف المقر له، لأنه إن أوقع الصلح علي نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه

قبل الاقرار مع غير المقر أو معه، و ان اوقعه علي مطلق النصف المشاع انصرف ايضا الي حصته، فلا وجه لاشتراكه بينه و بين شريكه، و لذا اختار سيد مشايخنا قدس الله اسرارهم اختصاصه بالمقر له، و فصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح علي نصفه أو مطلق النصف و بين ما إذا وقع علي النصف الذي اقر به ذو اليد، فاختار مذهب المشهور في الثالث، لأن الإقرار منزل علي الاشاعة، و حكم بالاختصاص في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول و انصرافا في الثاني الي النصف المختص، و اعترضه في مجمع الفائدة: بأن هذا ليس تفصيلا بل مورد كلام المشهور هو الثالث، لفرضهم المصالحة علي ذلك النصف المقر به. و تمام الكلام في محله و علي كل حال، فلا اشكال في ان لفظ النصف المقر به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه الي نصفه يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه، و لهذا افتوا ظاهرا علي انه لو اقر احد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما علي نصف العين، بأن ثلث العين لفلان،

حمل علي الثلث المشاع في النصيبين، فلو كذبه الشريك الآخر دفع المقر الي المقر له نصف ما في يده، لأن المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف، لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته الي المقر و المقر له علي حد سواء، فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع الاستحقاق و دعوي ان مقتضي الاشاعة تنزيل المقر به علي ما في يد كل منهما

______________________________

(1) قوله و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح.

و

قد اورد عليه بان الاصحاب في مسألة، هبة المرأة نصف صداقها حملوا النصف علي النصف الباقي، و في باب الصلح ذكروا انه إذا اقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالارث فصالحه المقر له ذلك النصف مشاعا في نصيبهما.

فما ذكره المصنف قدس سره ان كان حمل النصف علي النصف المختص لم يكن ما ذكروه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 250

فيكون في يد المقر سدس و في يد المنكر سدس كما لو صرح بذلك و قال ان له في يد كل منهما سدسا و اقراره بالنسبة الي ما في يد الغير غير مسموع فلا يجب الا ان يدفع إليه ثلث ما في يده و هو السدس المقر به، و قد تلف السدس الآخر بزعم المقر علي المقر له بتكذيب المنكر مدفوعة، بأن ما في يد الغير ليس عين ماله،

فيكون كما لو اقر شخص بنصف كل من داره و دار غيره و هو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر و حصة المقر و حصة المقر له بزعم المقر، الا انه لما لم يجبر المكذب علي دفع شي ء مما في يده، فقد تلف سدس مشاع يوزع علي المقر و المقر له فلا معني لحسابه علي المقر له وحده، الا علي احتمال ضعيف، و هو تعلق الغصب بالمشاع و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك، فيتمحض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه و ما يأخذه الشريك لنفسه، لكنه احتمال مضعف في محله و ان قال به أو مال إليه بعض علي ما حكي، للحرج أو السيرة. نعم يمكن ان يقال بأن التلف في هذا المقام حاصل باذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر،

و الشارع انما اذن له

في اخذ ما يأخذه علي انه من مال المقر له، فالشارع انما حسب السدس في يد المنكر علي المقر له، فلا يحسب منه علي المقر شي ء، و ليس هذا كأخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا بدون اذن الشارع حتي يحسب علي كلا الشريكين.

______________________________

في المسألة الاولي منافيا له، و ان كان حمله علي النصف المشاع لم يكن ما ذكروه في المسألة الثانية منافيا له.

و ما ذكره المصنف قدس سره في المقام امران- احدهما- ظهور النصف في نفسه في المشاع- ثانيهما- ظهور التصرف و انشاء البيع في ارادة النصف المختص، و في باب هبة المرأة نصف صداقها علي فرض كونها مالكة لجميع المهر لا معارض لظهور النصف في المشاع فحكمهم بالحمل علي النصف المختص ينافي هذا الظهور، و في باب الصلح حيث ان المقر له يوقع الصلح و ينشئه علي النصف فحمله علي النصف المشاع ينافي الظهور الثاني إذ الصلح انما يكون كالبيع من هذه الجهة كما لا يخفي، و بالجملة ما ذكره قدس سره في المقام امران، و ما ذكروه في احد الفرعين ينافي احدهما، و ما ذكره في الآخر في الثاني،

هذا ما يرجع الي شرح العبارة- و أما تنقيح القول في المسألتين و بيان وجه عدم التنافي بين ما ذكروه هنا و ما ذكروه فيهما فموكول الي محل آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 251

و الحاصل ان اخذ الجزء كان بأذن الشارع، و انما اذن له علي ان يكون من مال المقر له، و لعله لذا ذكر الاكثر بل نسبه في الايضاح الي الاصحاب في مسألة الاقرار بالنسب، ان احد الاخوين إذا اقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده و هو الثلث، و لا

يدفع إليه نصف ما في يده نظرا الي انه اقر بتساويهما في مال المورث، فكل ما حصل كان لهما و كلما توي كان كذلك هذا، و لكن لا يخفي ضعف هذا الاحتمال من جهة ان الشارع الزم بمقتضي الإقرار معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي اقر به.

و من المعلوم ان مقتضي الواقع لو فرض العلم بصدق المقر: هو كان ما في يده علي حسب اقراره بالمناصفة. و أما المنكر عالما فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه الا ما قابل حصته عما في يدهما و الزائد حق لهما عليه.

و أما مسألة الإقرار بالنسب فالمشهور و ان صاروا إلي ما ذكره، و حكاه الكليني عن الفضل بن شاذان علي وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة، حتي قوي في المسالك الحمل علي الاشاعة و تبعه سبطه و سيد الرياض في شرحي النافع. و الظاهر ان مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل اصحاب الحديث، كالفضل و الكليني بل و غيرهما، فروي الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا عن ابي البختري و وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام قال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل مات و ترك ورثة، فاقر احد الورثة بدين علي ابيه انه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله. و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك علي الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما قدر ما ورثا،

و كذلك إن أقر أحد الورثة بأخ أو أخت فإنما يلزمه ذلك في حصته.

و بالإسناد قال: قال علي عليه السلام من أقر لاخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان فكذلك، إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم، و عن قرب الأسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد و تمام الكلام في محله من كتاب الإقرار و الميراث إنشاء الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 252

مسألة: لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله كالخمر و الخنزير صفقة بثمن واحد (1)

صح في المملوك عندنا، كما في جامع المقاصد و اجماعا كما في الغنية، و يدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة، و دعوي انصرافه الي صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة، بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة، بل اللزوم في العقود عدا ما يقال من ان التراضي و التعاقد انما وقع علي المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا، فالحكم بالامضاء في البعض مع عدم كونه مقصودا الا في ضمن المركب يحتاج الي دليل آخر غير ما دل علي حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض، و لذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه، و قد نبه عليه في جامع المقاصد في باب فساد الشرط و ذكر ان الفرق بين فساد الشرط، و الجزء عسرا، و تمام الكلام في باب الشروط و يكفي هنا الفرق بالنص و الاجماع، نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري لما ذكره في المسالك، وفاقا للمحكي في التذكرة عن الشافعي من جهة إفضائه إلي الجهل بثمن المبيع قال في التذكرة بعد ذلك، و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان، فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه، انتهي

______________________________

بيع ما يقبل التملك و ما لا يقبله

(1) الثانية لو باع ما يقبل التملك و ما

لا يقبله كالخمر صفقة بثمن واحد: فلا خلاف

في صحة البيع في المملوك، و عن غير واحد: دعوي الإجماع عليها.

و يشهد- مضافا الي ذلك.

و إلي العمومات التي عرفت في مسألة بيع الملك و غير الملك تقريب دلالتها علي الصحة في أمثال المقام.

و ان ما ذكر في وجه عدم شمولها لها تارة لعدم المقتضي و اخري لعدم المانع غير تام، فراجع ما حققناه.

اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة المتضمنة انه لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانها باطلاقها تشمل ما إذا كان بعض القرية وقفا عاما غير مملوك لأحد

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 253

و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد الي نقله عرفا،

و ان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له، فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل «البيع»

حقيقة فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع و حكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع، مع انه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن الي المملوك لا البطلان (1) لأن المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم علي ضمان المملوك وحده بالثمن، كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه حيث قال: ان هذا الحكم مقيد بجهل المشتري بعين المبيع و الا لكان البذل بازاء المملوك ضرورة ان القصد الي الممتنع كلا قصد انتهي.

لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور،، حيث حكموا بالتقسيط و ان كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن الي

البائع،

لأنه سلطه عليه مجانا، فإن مقتضي ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك،

اما لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. اما لبقاء ذلك القسط له مجانا (2) كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك، الا انك قد عرفت ان الحكم هناك لا يكاد ينطبق علي القواعد، ثمّ ان طريق تقسيط الثمن علي المملوك و غيره يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير، من ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا و نسبة قيمة المملوك الي مجموع القيمتين،

______________________________

(1) قوله مع انه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن الي المملوك.

و فيه ان وقوع مجموع الثمن بازاء الشي ء لا واقع له سوي الجعل المعاملي و المفروض انه جعل فيه بازاء المملوك بعض الثمن.

(2) قوله و أما لبقاء ذلك القسط له مجانا.

و فيه اولا ما تقدم في محله من عدم تمامية ذلك في بيع مال الغير من العالم.

و ثانيا انه لو تم فيه لا يتم في المقام فان المجانية هناك لم تكن من ناحية المعاملة بل كانت من ناحية التسليط المجاني غير المفروض في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 254

لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك (1) و قد ذكروا ان الحر يفرض عبدا بصفاته و يقوم، و الخمر و الخنزير يقومان بقيمتها عند من يراهما مالا، و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين علي ذلك لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفار، و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انها شاة،

و الخمر بعنوان انها خل، فبان الخلاف، بل حزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل و الشاة.

______________________________

(1) قوله لكن الكلام هنا في طريق معرفة غير المملوك.

طريق تقسيط

الثمن علي المملوك و غيره يعرف مما تقدم في مسألة ما لو باع ماله مع مال الغير من انه يقوم كل واحد منفردا، لكن بملاحظة حال الانضمام فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

لكن الأشكال هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك لفرض انه لا قيمة له.

لا اشكال فيما إذا باع غير المملوك بعنوانه كما لو ضم الخمر الي الخل فباعهما بصفقة واحدة، فانه يعرف قيمة الخمر بالرجوع الي من يراها ملكا و مالا، انما الأشكال فيما إذا باعه بعنوان ما يملك، كما لو باع شاة و خنزيرا بعنوان انهما شاتان.

و الأظهر انه يقوم قيمة المملوك- اي الشاة- لأن بذل المال انما يكون بازاء الصورة النوعية و الا فالأجسام من حيث هي لا مالية لها و لا يبذل بازائها المال. و المراد بها الصورة النوعية العرفية، ففي المقام بذل جزء من الثمن بازاء الشاة دون الخنزير فلا بد من لحاظ ذلك في مقام التقويم.

هذا إذا كان غير المملوك مالا عرفا، و أما ان لم يكن مالا فقد اختار السيد الفقيه بطلان البيع في هذه الصورة من جهة انه لا يمكن تعيين ما بازاء غير المملوك لأنه لا قيمة له، و لا يمكن البناء علي الصحة بالنسبة الي المملوك في تمام الثمن لأنه جعل بازاء غير المملوك في المعاملة بعضه فيتعين البناء علي البطلان.

و فيه: انه يتم في صورة الجهل فانه يجعل بازاء ما لا يملك جزء من الثمن، و لا يتم في صورة العلم من جهة انه في تلك الصورة لا يجعل بازائه شي ء من الثمن و يكون ذلك نظير ضميمة الأوساخ، فلا محالة يصح البيع في تمام الثمن.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 255

مسألة: يجوز للأب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء (1)
اشارة

و يدل عليه قبل الاجماع الاخبار المستفيضة (2) المصرحة في موارد كثيرة، و فحوي سلطنتهما علي بضع البنت في باب النكاح. (3)

______________________________

ولاية الأب و الجد

(1) مسألة: يجوز للاب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء بلا خلاف.

و في الجواهر: دعوي الإجماع بقسميه عليه، و في غير واحد من الكتب: دعوي ذلك.

(2) و استدل له المصنف قده: بالاخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة.

(3) و بفحوي سلطنتها علي بضع البنت في باب النكاح «1».

و فيه: ان النصوص المستفيضة المشار إليها طوائف:

الأولي: ما تضمنت الأخذ من مال الولد «2».

الثانية: ما وردت في تقويم الأب جارية ولده الصغار ثمّ يصنع بها ما شاء «3».

الثالثة: ما وردت في جواز اتجار الوصي بمال الطفل إذا كان قد اوصي ابوه بذلك «4».

و لا يصح الاستدلال بشي ء منها.

اما الأولي: فلأنها واردة في تصرف الأب لنفسه استقلالا لا تصرفه لابنه، مع انها واردة في الولد مطلقا صغيرا كان ام كبيرا، بل مورد اكثرها البالغ، و في بعضها التقييد بصورة الحاجة و الاضطرار، و في بعضها المنع عن الأخذ إذا كان الولد ينفق عليه باحسن النفقة،

مع انها مختصة بالأب غير متعرضة للجد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

(2) الوسائل- باب 78 و 79- من ابواب ما يكتسب به.

(3) الوسائل- باب 78 و 79- من ابواب ما يكتسب به.

(4) الوسائل- باب 92- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 256

______________________________

و أما الثانية: فلأنه من الممكن اختصاص ذلك بالجارية من جهة ان الشارع الأقدس قد وسع في اسباب حلية الوطء بما لم يوسع في سائر المعاملات كما تقدم في مبحث الفضولي.

مع ان فيها ما

ورد في الكبير كصحيح ابن محبوب الوارد في تقويم جارية البنت التي قد اهداها إليها ابوها حين زوجها.

مع انها من جملة ادلة جواز تصرفاته الراجعة الي نفسه و سبيلها سبيل تلك الأدلة.

و أما الثالثة: فعدم دلالتها علي الولاية في حال الحياة واضح.

و أما الفحوي فقد تقدم في مبحث الفضولي المناقشة في فحوي نفوذ النكاح بالإضافة الي سائر المعاملات. فراجع.

و لكن مع ذلك اصل الحكم مما لا ينبغي التوقف فيه.

لبناء العقلاء عليه و عدم ردع الشارع عنه.

و اجماع الامة عليه.

و جملة كثيرة من النصوص الدال بعضها كنصوص الاتجار بماله الوارد في باب الزكاة «1» و المؤيد غيره كالنصوص المتقدمة.

بقي الكلام في الجملة المذكورة في جملة من الأخبار) انت و مالك لأبيك «2» لا اشكال في عدم كون اللام للملك لعدم مملوكية رقبة الولد لأحد.

و ما له المفروض كونه ملكا له لا يعقل كونه ملكا لأبيه.

و كذا لا ينبغي التوقف في عدم كونها للاختصاص بعنوان كونه و ما له تحت ولايته لأنها وردت في الكبير ايضا، و لا كلام في عدم ولايته علي ولده الكبير.

بل الأمر يدور بين امرين:

الأول: ان تكون اللام للاختصاص بنحو السلطنة علي الانتفاع به و بما له، فسبيلها حينئذ سبيل النصوص المتقدمة الدالة علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 257

و المشهور عدم اعتبار العدالة (1) للأصل (2) و الاطلاقات، و فحوي الاجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق في التزويج، خلافا للمحكي عن الوسيلة و الايضاح فاعتبراها فيهما

______________________________

الثاني: ان تكون لإفادة كون الولد موهوبا تكوينا للأب و انتسابه إليه بكونه ولده.

و يؤيد الثاني المكاتبة الواردة عن

الإمام الرضا (عليه السلام) حيث قال: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قوله عز و جل … الخ «1» و عليه فهي حكمة التشريع.

و بعبارة اخري: انها علة التحليل في مقام الثبوت لا الإثبات، و تدل علي ان منشأ جعل تلك الآثار ذلك.

و لا تكون هي متكفلة لحكم جعلي فلا يتمسك باطلاقها.

انما الكلام يقع في جهات:

اعتبار العدالة

الأولي: في انه هل يعتبر في ولاية الأب و الجد العدالة- كما عن الوسيلة و الايضاح.

(1) ام لا يعتبر- كما هو المشهور بين الاصحاب؟- وجهان قد استدل لعدم الاعتبار بوجوده:

(2) الاول: الاصل، تمسك به المصنف قده في مقابل الاطلاق، و عليه فليس المراد به القاعدة المستفادة منه.

بل المراد به الأصل العملي.

و لذا اورد عليه جمع ممن تأخر عنه منهم المحقق النائيني قدس سره: بان الأصل بالعكس،

لأن نفوذ تصرف شخص في مال غيره يتوقف علي الدليل، و مع عدمه الأصل يقتضي عدم نفوذه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 258

مستدلا في الاخير بأنها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه، و لا يصرف عن ماله (1)

و يستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق امينا يقبل اقراراته و اخباراته عن غيره، مع نص القرآن علي خلافه، انتهي.

و لعله اراد بنص القرآن آية الركون الي الظالم التي اشار إليها في جامع المقاصد. (2) و في دلالة الآية نظر، و أضعف منها ما ذكره في الايضاح من الاستحالة إذ المحذور يندفع

______________________________

و لكن الظاهر ان مراده بالأصل هو استصحاب عدم الردع بعد ثبوت عدم اعتبارها عند العقلاء و عدم ثبوت ردع من الشارع الأقدس، و

عليه فلا ايراد عليه.

الثاني: الاطلاقات، تمسك بها الشيخ قدس سره و تبعه غيره و لا بأس به ان كان هناك اطلاق، و قد تقدم الكلام فيه.

الثالث: الإجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق علي التزويج.

و هو كما تري.

و قد استدل لاعتبار العدالة بوجهين:

(1) الاول: انها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه و لا يعرب عن حاله و يستحيل من حكمة الصانع جعل الفاسق امينا يقبل اقراراته و اخباراته عن غيره.

و فيه: اولا: ان المنافي للحكمة جعل من لا يبالي بالخيانة وليا، فإذا فرضنا تحديد الولاية بالتصرفات التي لا مفسدة فيها- لا سيما إذا كان مامونا من هذه الجهة خصوصا بملاحظة شفقة الابوة و رأفته- لم يكن فسقه مانعا عن جعله وليا.

و ثانيا: ما ذكره المصنف قدس سره فيما بعد بقوله:

بان الحاكم متي ظهر عنده اختلاف حال أبو الطفل اي رؤية آثار ضيق المعاش عليه أو اختلاف حاله في ثروته منعه من التصرف في ماله …

(2) الثاني: نص القرآن.

و قد استظهر المصنف قدس سره ان المراد به آية الركون الي الظالم «1»

______________________________

(1) هود، 114.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 259

كما في جامع المقاصد بأن الحاكم متي ظهر عنده بقرائن الاحوال اختلاف حال أبو الطفل عزله و منعه من التصرف في ماله و إثبات اليد عليه و إن لم يظهر خلافه،

فولايته ثابتة و ان لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد و تتبع سلوكه و شواهد احواله، انتهي.

______________________________

، و استظهر بعض مشايخنا ان المراد به آية النبأ «1».

تقريب الاستدلال بالاولي احد وجهين.

احدهما: ان جعله تعالي الفاسق امينا و وليّا ركون منه الي الظالم، مع انه نهي عنه.

ثانيهما: ان المعاملة مع الأب بعنوان انه ولي الطفل ركون إليه، و هو

منهي عنه.

و في كليهما نظر:

اما الأول: فمضافا الي انه استدلال بفحوي الآية لا بنصها من جهة ان الناهي عن شي ء كيف يفعله.

انه غير تام، إذ مجرد جعله امينا و وليّا كجعل شخص وكيلا ليس ركونا إليه.

مع ان الملاك غير معلوم، و لعله لركون العبد مفسدة ليست في ركون المولي.

و أما الثاني: فلأن المعاملة مع الأب بعنوان ان الله تعالي جعله امينا و وليّا ليست ركونا من العبد إليه، فانها كالمعاملة معه بما انه مالك أو وكيل.

هذا كله مضافا الي ان الظالم اخص من الفاسق.

اضف الي ذلك ما قيل من ورودها في سلاطين الجور و ان المراد بالركون الدعاء لهم بالبقاء.

و أما الآية الثانية: فيرد علي الاستدلال بها: ان قبول اخبار الفاسق و اقراره حينئذ انما يكون من جهة كونه وليا حيث انه من ملك شيئا ملك الإقرار به، و لا ينافي مع عدم قبوله منه عن غيره من حيث هو، و الآية متضمنة للثاني.

مع ان عدم قبول اخباره و اقراره لا ينافي ثبوت الولاية.

مضافا الي ان قبول اخباره و اقراره بعد ثبوت الولاية بما انه بلسان انه و ماله لأبيه غير قبول اخباره عن غيره، بل هو في حكم قبول اقراره علي نفسه.

فالأظهر عدم اعتبار العدالة.

______________________________

(1) الحجرات، 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 260

و هل يشترط في تصرفه المصلحة؟ أو يكفي عدم المفسدة، ام لا يعتبر شي ء (1) وجوه، يشهد للاخير اطلاق ما دل علي ان مال الولد للوالد (2) كما في رواية سعد بن يسار و انه و ماله لأبيه، كما في النبوي المشهور و صحيحة ابن مسلم

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء، و ما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا

عليه السلام من ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد في قوله تعالي: يهب لمن يشاء اناثا و يهب لمن يشاء الذكور و يؤيده اخبار جواز تقويم جارية الابن علي نفسه، لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الاب (3) كما يشهد له قوله عليه السلام في رواية الحسين ابن ابي العلا، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له قول رسول الله صلي الله عليه و آله للرجل الذي اتاه فقدم اباه

______________________________

اعتبار المصلحة في التصرف

(1) الجهة الثانية: هل يشترط في تصرفهما المصلحة أو يكفي عدم المفسدة ام لا يعتبر شي ء وجوه.

و الكلام فيها في موردين:

الأول: في اعتبار عدم المفسدة.

الثاني: في اعتبار المصلحة.

اما المورد الأول: فعن غير واحد: دعوي الإجماع علي اعتباره.

(2) و استدل لعدم الاعتبار باطلاق النبوي و غيره من النصوص.

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بانه لا بد من تقييده بما يقيد من الاخبار جواز تصرف الأب في مال الابن بصورة الحاجة كخبر الحسين بن ابي العلا «1».

أو بان لا يكون فيه سرف كصحيح ابن مسلم «2».

أو كونه مما لا بد منه معللا بان الله لا يحب الفساد كصحيح الثمالي «3».

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 8.

(2) نفس المصدر، ح 1.

(3) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 261

فقال له انت و مالك لأبيك. فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي الله عليه و آله فقال يا رسول الله صلي الله عليه و آله هذا ابي ظلمني ميراثي من أمي فاخبره الاب انه قد انفقه عليه

و علي نفسه،

فقال النبي صلي الله عليه و آله انت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول الله صلي الله عليه و آله يحبس الاب للابن؟! و نحوها صحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول الله صلي الله عليه و آله انت و مالك لأبيك، ثمّ قال: لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه، مما لا بد منه ان الله لا يحب الفساد، فإن الاستشهاد بالآية يدل علي ارادة الحرمة من عدم الحب دون الكراهة، و انه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل. هذا كله مضافا الي عموم قوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن (1) فإن اطلاقه يشمل الجد و يتم في الاب بعدم الفصل، و مضافا الي ظهور الاجماع علي اعتبار عدم المفسدة، بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع تبعا لشيخه في شرح القواعد علي اناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة، و ليس ببعيد فقد صرح به في محكي المبسوط حيث قال: و من يلي امر الصغير و المجنون خمسة: الأب، و الجد للاب، و وصي الاب و الجد للاب، و وصي الاب، و الحاكم و من يأمره، ثمّ قال: و كل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم الا علي وجه الاحتياط و الحظ للصغير لانهم انما نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه علي وجه لاحظ فيه كان باطلا، لأنه خلاف ما نصب له، انتهي.

و قال الحلي في السرائر لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا بما يكون فيه صلاح المال، و يعود نفعه إلي الطفل دون المتصرف فيه، و هذا الذي يقتضيه أصول المذهب انتهي.

______________________________

(1)

و بالاية:) و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1» بتقريب انها تشمل الجد و يتم في الأب بعدم الفصل.

و بالإجماع.

اما الأخبار فهي تدل علي جواز اخذ الأب لنفسه مع الحاجة، و هذا غير مربوط بتصرفه فيه بعنوان الولاية الذي هو محل الكلام في المقام.

______________________________

(1) الانعام، 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 262

و قد صرح بذلك ايضا المحقق و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء، و استظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين، و قد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد ان قطب الدين قدس سره نقل عن العلامة رحمه الله انه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الاتلاف بالاقتراض؟ لأنا قائلون بجواز اقتراض ماله، و هو يستلزم جواز اتلافه، قال: و توقف زاعما، انه لا يقدر علي مخالفة الاصحاب.

______________________________

و أما الآية الشريفة: ففي شمولها للجد تأمل، لأن من له الجد لا يصدق عليه اليتيم،

فتأمل، مع ان عدم الفصل غير ثابت.

و أما الإجماع: فليس تعبديا يكشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات المحقق النائيني قدس سره، فانه بعد الايراد علي الشيخ قدس سره قال:

في جعلها الشفقة و المحبة، و عليه فكما يجوز تصرفه مع الضرر في ماله يجوز تصرفه في مال المولي عليه، ثمّ قال: الا ان ينعقد اجماع علي خلافه أو يتمسك بالآية الشريفة.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه منع الاطلاق كما تقدم.

ه لصحمو: ان جملة انت و مالك لأبيك ليست في مقام جعل الحكم و الولاية و انما

هي في مقام بيان حكمة التشريع.

و أما ما رتب عليه فجواز الانتفاع بماله اجنبي عن المقام و مقيد بصورة الحاجة و بغير سرف، و بما إذا لم ينفق عليه باحسن نفقة.

و جواز الاقتراض. مضافا الي كونه غير مربوط بالمقام لا مفسدة فيه.

و جواز بيعه من نفسه مقيد بقيمة عادلة، و جواز نكاح الأب و الجد للبنت مثلا قد عرفت ما فيه. مضافا الي انه قيد في بعض النصوص بعدم كونه مضارا فلا اطلاق للنصوص من هذه الجهة، فالمرجع اصالة عدم الولاية، و هي تقتضي اعتبار عدم المفسدة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 263

هذا و لكن الاقوي كفاية عدم المفسدة (1) وفاقا لغير واحد من الاساطين الذين عاصرناهم لمنع دلالة الروايات علي اكثر من النهي عن الفساد، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد علي الولد و ماله. و أما الآية الشريفة، فلو سلم دلالتها فهي مخصصة بما دل علي ولاية الجد و سلطنته الظاهرة في ان له ان يتصرف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له، فإن ما دل علي ولاية الجد في النكاح معللا بأن البنت و اباها للجد و اباها

______________________________

و أما المورد الثاني: فالمشهور بين الأصحاب اعتبار وجود المصلحة.

(1) و اختار المصنف وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرهم عدم اعتباره و تبعهم جمع من المحققين.

و قد استدل لاعتباره بوجوه:

احدها: الآية الشريفة:) و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1» بدعوي ان الأحسن ما فيه المصلحة، و هي تشمل الجد، و يتم في الأب بعدم القول بالفصل.

و فيه: اولا: ان صدق اليتيم علي الطفل الذي لا أب له و له جد غير مسلم.

و ثانيا: ان المراد باحسن الحسن

دون التفضيل- كما سيأتي- و الفعل الذي لا مفسدة فيه حسن.

و رابعا: ان عدم الفصل غير محرز.

ثانيها: الأصل، فانه بعد ما ليس في ادلة الولاية ماله اطلاق لا بد من الاقتصار فيها علي المتيقن و هو الولاية علي التصرف الذي فيه المصلحة، و الرجوع في غير ذلك الي اصالة عدم ثبوت الولاية أو عدم نفوذ التصرف.

و فيه ان هذا الوجه حسن ان لم يكن بناء العقلاء علي ثبوت الولاية علي التصرف الذي لا مفسدة فيه.

و الظاهر وجوده، و حيث انه لم يردع عنه الشارع أو لم يثبت الردع و مقتضي الاستصحاب عدمه، فيبني علي عدم اعتباره، و لا مورد للأصل حينئذ.

______________________________

(1) الانعام: 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 264

و قوله صلي الله عليه و آله: انت و مالك لابيك، خصوصا مع استشهاد الامام عليه السلام به في مضي نكاح الجد بدون اذن الاب، ردا علي من انكر ذلك و حكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الامراء و غير ذلك، يدل علي ذلك، مع انه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد دون الأب، و دعوي عدم القول بالفصل ممنوعة.

فقد حكي عن بعض متأخري المتأخرين القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر، ثمّ لا خلاف ظاهرا كما ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الاب في الحكم (1) و يدل عليه ما دل علي ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه (2) و ما دل علي ان الولد و والده لجده.

______________________________

ثالثها: الإجماع.

و فيه: انه ليس اجماعا تعبديا فلا يعتمد عليه.

و قد استدل لعدم الاعتبار بالمطلقات- و قد عرفت ما فيها.

و بما ورد «1» في نكاح الجد الظاهر في

سلطنته علي ذلك مع عدم المصلحة، وجه ظهوره فيه التعليل بان البنت و اباها للجد- و قد تقدم ما فيه ايضا- فالصحيح ما ذكرناه.

مشاركة الجد للأب

(1) الجهة الثالثة: لا خلاف ظاهرا كما ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الاب.

و قد استدل له بوجهين:

(2) الاول: ما في المكاسب و هو ما دل علي ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لابيه.

و فيه: ما تقدم من عدم دلالة هذه الجملة علي الولاية.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان رواية النكاح شاملة للجد العالي.

و فيه: ان روايات النكاح كلها مختصة بالأب الا ما ورد في مزاحمة الأب للجد،

و اكثر تلك النصوص صريحة أو ظاهرة في الجد الأدني. نعم بعضها «2» بعنوان الأب و الجد،

و هو ايضا يمكن دعوي انصرافه الي الأدني أو عدم الاطلاق للأعلي بملاحظة

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 265

و لو فقد الاب و بقي الجد فهل ابوه وجده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص هو بالولاية (1) قولان من ظاهر ان الولد و والده لجده، و هو المحكي عن ظاهر جماعة. و من ان مقتضي قوله تعالي: (2) و اولو الارحام بعضهم اولي ببعض كون القريب اولي بقريبه من البعيد، فنفي ولاية البعيد، و خرج منه الجد مع الاب، و بقي الباقي و ليس المراد من لفظ الاولي التفصيل مع الاشتراك في المبدأ، بل هو نظير قولك هو احق بالأمر من فلان و نحوه، و هذا محكي عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية، و للمسألة مواضع اخر تأتي انشاء الله.

______________________________

الاخبار الاولي، و

حيث ان بناء العقلاء غير محرز علي ولايته فولاية غير الجد الأدني لا تخلو عن تأمل.

الجهة الرابعة: و لو فقد الأب و بقي الجد، ففيه موردان للبحث:

الأول: ان ولاية الجد هل تكون مشروطة بحياة الأب ام لا؟ المنسوب الي المشهور بين القدماء هو الأول، و إلي المشهور بين المتأخرين هو الثاني.

و استدل للأول: بخبر الفضل بن عبد الملك عن مولانا الصادق عليه السلام:

ان الجد إذا زوج ابنة ابنه و كان ابوها حيا و كان الجد مرضيا جاز. «1» حيث ان مفهومه عدم الجواز مع عدم حياة ابيها.

و فيه: انه من قبيل مفهوم الوصف، و لا نقول به، و لعل فائدة ذكر الوصف الرد علي العامة القائلين باشتراط ولاية الجد بموت الأب.

و ما في الجواهر من كونها من مفهوم الشرط، ضعيف، إذ الشرط فيه مسوق لبيان تحقق الموضوع كما لا يخفي.

(1) الثاني: انه مع فقد الاب هل الولاية مختصة بالجد الادني ام تكون ثابتة لابيه ايضا؟ قولان.

(2) استدل للاول في المكاسب: بآية) اولوا الارحام بعضهم اولي ببعض «2»

بتقريب: انها تدل علي ان القريب اولي بقريبه من البعيد، فنفت ولاية البعيد و خرج منها الجد مع الأب و بقي الباقي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد حديث 4.

(2) الأنفال آية 75.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 266

[من جملة أولياء التصرف الحاكم]
اشارة

مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله:

الحاكم (1) و المراد منه، الفقيه الجامع لشرائط الفتوي. و قد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر اكثر حضار مجلس المذاكرة فنقول: مستعينا بالله

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:
احدها: الافتاء فيما يحتاج إليها العامي في عمله،

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات الاستنباطية، من حيث ترتب حكم فرعي عليها، و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه، الا ممن لا يري جواز التقليد للعامي.

و تفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلي مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني: الحكومة

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات و غيرها في الجملة،

و هذا المنصب ايضا ثابت له بلا خلاف فتوي و نصا. و تفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم، و المحكوم به، و المحكوم عليه، موكول الي كتاب القضاء.

الثالث: ولاية التصرف في الاموال و الأنفس،
اشارة

و هو المقصود بالتفصيل هنا فنقول الولاية تتصور علي وجهين:

______________________________

و فيه: اولا: ان هذه الآية مختصة بباب الإرث.

و ثانيا: انها تدل علي اولوية بعض الأرحام من بعض و لا تدل علي تعيين البعض الاولي، و لعله البعض البعيد، بل احتمال كونه اولي ارجح من جهة التعليلات في النصوص.

و استدل للثاني: باطلاق الأدلة، و بالاستصحاب.

و يرد علي الأول: ما تقدم من عدم الدليل علي ولاية الجد الأعلي.

و علي الثاني: ما تكرر منا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.

ولاية النبي صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام

(1) مسألة: من جملة اولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 267

الأول: استقلال الولي بالتصرف مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه أو غير منوط به، و مرجع هذا الي كون نظره سببا في جواز تصرفه.

الثاني: عدم استقلال غيره بالتصرف، و كون تصرف الغير منوطا باذنه و ان لم يكن هو مستقلا بالتصرف، و مرجع هذا الي كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره، و بين موارد الوجهين عموم من وجه، ثمّ اذنه المعتبر في تصرف الغير، اما ان يكون علي وجه الاستنابة كوكيل الحاكم، و أما ان يكون علي وجه التفويض و التولية، كمتولي الاوقاف من قبل الحاكم، و أما ان يكون علي وجه الرضا، كإذن الحاكم لغيره في الصلاة علي ميت لا ولي له. (1)

إذا عرفت هذا

فنقول مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من الأمور المذكورة، خرجنا عن هذا الاصل في خصوص النبي و الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين بالأدلة الأربعة: قال الله تعالي: النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ* و أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ* و إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ الآية الي غير ذلك.

و قال النبي صلي الله عليه و آله كما في رواية ايوب بن عطية: انا اولي بكل مؤمن من نفسه،

و قال في يوم غدير خم: الست اولي بكم من انفسكم قالوا: بلي قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

______________________________

هذه المسألة انما سيقت لبيان مقدار ولاية الفقيه الجامع للشرائط، و انما يذكر قبله مقدار ولاية النبي صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام، من جهة ان بعضهم ذهب الي ان مقتضي عموم ادلة نيابة الفقيه ثبوت الولاية له بالمقدار الثابت للمعصوم عليه السلام، فلا بد أولا من تعيين مقدار تلك الولاية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 268

______________________________

ثبوت الولاية التكوينية للمعصومين عليهم السلام

للولاية معان:

1- الولاية التكوينية.

2- وجوب الإطاعة و قبول قول الولي في الأحكام الشرعية.

3- الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الأمة.

4- الولاية الشرعية، اي ولاية التصرف في الأموال و الأنفس.

5- وجوب الإطاعة في الأوامر الشخصية العرفية.

و الظاهر ثبوت الولاية بجميع معانيها للنبي و الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين.

فتنقيح القول بالبحث في موارد:

الأول: في الولاية التكوينية- اي ولاء التصرف التكويني- و المراد بها: كون زمام امر العالم بايديهم، و لهم السلطنة التامة علي جميع الأمور بالتصرف

فيها كيف ما شاءوا اعداما و ايجادا، و كون عالم الطبيعة منقادا لهم لا بنحو الاستقلال بل في طول قدرة الله تعالي و سلطنته و اختياره.

بمعني ان الله تعالي اقدرهم و ملكهم كما اقدرنا علي الأفعال الاختيارية، و كل زمان سلب عنهم القدرة بل لم يفضها عليهم انعدمت قدرتهم و سلطنتهم.

و من هذا الباب معجزات الأنبياء و الأولياء، و قد دل الكتاب الكريم علي ثبوت ذلك لأشخاص.

قال الله تعالي: و قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك «1».

و قال عز من قائل: فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب و الشياطين كل بناء و غواص و آخرين مقرنين في الأصفاد «2»

______________________________

(1) النمل، 40.

(2) ص، 38.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 269

______________________________

و قال سبحانه: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتيٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ وَ مٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) «1».

الي غير ذلك من الآيات المتضمنة لثبوت ولاء التصرف لأشخاص.

و إذا ثبت ذلك لهؤلاء فثبوته للرسول الأعظم و خليفته الذي عنده علم الكتاب بنص «2» القرآن لا يحتاج الي بيان.

و عليه فالروايات المتواترة المتضمنة للمعجزات و الكرامات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام.

كالتصرف الولائي في النقش و صيرورته اسدا مفترسا و ما شاكل- انما نلتزم بها و نعتقد من غير التزام بالتأويل.

كيف و نري انهم عليهم السلام بعد موتهم تصدر عنهم كرامات من ابراء المريض الذي عجز الأطباء عن ابرائه، وحل معضلات الأمور و ما شاكل، و ليس ذلك الا لما ذكرناه.

و يمكن ان تكون الآية الكريمة:) النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم «3» ناظرة

الي ثبوت هذا المعني من الولاية ايضا للنبي صلي الله عليه و آله.

و بالجملة: ثبوت الولاية بهذا المعني للنبي صلي الله عليه و آله و الائمة المعصومين عليهم السلام الذين يثبت لهم جميع ما يثبت للنبي صلي الله عليه و آله للروايات الكثيرة المتواترة- مما لا ينبغي التوقف فيه.

و أما شبهة استلزام ذلك للشرك.

فهي تندفع بانا لا ندعي ثبوت ذلك لهم بالاستقلال، بل ان الله تبارك و تعالي ملكهم و اقدرهم كما ملكنا و اقدرنا علي الأفعال

______________________________

(1) آل عمران، 49.

(2) الرعد، 43.

(3) الاعراف، 187.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 270

______________________________

الاختيارية.

و به يظهر انه لا ينافيه قوله تعالي: (قُلْ لٰا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لٰا ضَرًّا «1» فان المراد عدم الملكية بالاستقلال. و لتفصيل الكلام في المقام محل آخر.

الثاني: في وجوب اطاعتهم و قبول قولهم في الأحكام الشرعية و الوظائف المجعولة الإلهية، و ان قولهم و كذا فعلهم حجة.

لا شبهة في ثبوت الولاية بهذا المعني لهم، قال الله تعالي: (مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) «2».

و قال سبحانه: (لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّٰهَ كَثِيراً) «3».

و قال عز و جل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) «4» الي غير ذلك من الآيات الدالة علي ان قول رسول الله صلي الله عليه و آله و كذا عمله حجة.

و قد دل الحديث الشريف الذي هو متواتر بين الفريقين و لا شك في صدوره عنه صلي الله عليه و آله:

اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي اهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فلا تقدموهما

فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، و لا تعلموهم فانهم اعلم منكم.

علي ثبوت هذا المقام للأئمة المعصومين عليهم السلام، اضف الي ذلك ما دل علي ثبوت ما للنبي صلي الله عليه و آله من المناصب للأئمة الهداة عليهم السلام.

ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة للحجة عليه السلام

الثالث: في ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الامة للنبي صلي الله عليه و آله و الأئمة صلوات الله عليهم.

______________________________

(1) الاعراف، 181.

(2) الحشر، 7.

(3) الاحزاب، 21.

(4) آل عمران، 31.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 271

______________________________

لا ينبغي الشك و الكلام في ثبوت هذا المنصب لهم، و انه فوض إليهم من قبل الله تعالي، فهو منصب الهي لا من قبل الناس، و الشاهد لثبوته لهم امور:

احدها: الآيات الكريمة.

قال الله تعالي: (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ) «1» فان الآية الكريمة تدل علي ثبوت منصب الزعامة و الرئاسة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله لطائفة خاصة من المؤمنين، فإذا انضم الي ذلك ما اتفق عليه المفسرون من نزول الآية في شان أمير المؤمنين عليه السلام، و ما دل علي ثبوت منصب كل امام لأمام بعده- كخبر المعلي الآتي- يثبت هذا المنصب للأئمة الهداة عليهم السلام.

و قال سبحانه: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) «2» فان الآية الشريفة تدل علي لزوم العمل بكل حكم و امر صادر من الله تعالي و رسوله و اولي الأمر،

و مقتضي اطلاقها ذلك حتي في ما يرجع الي شئون الامة و ادارة المملكة الاسلامية،

و ليس معني الحكومة من قبل الله تعالي الا ذلك.

بل في بعض النصوص صرح الامام عليه السلام بان الإطاعة المأمور بها في الآية اريد بها

الإطاعة في الأوامر الصادرة عن المعصومين عليهم السلام فيما يرجع الي ادارة شئون الأمة لاحظ.

خبر عيسي بن السري قلت لأبي عبد الله عليه السلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا انا اخذت بها زكي عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده، فقال عليه السلام: شهادة ان لا إله الله و ان محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، و الإقرار بما جاء به من عند الله و حق في الأموال من الزكاة،

و الولاية التي امر الله بها ولاية آل محمد- الي ان قال- قال الله عز و جل: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان علي ثمّ صار من بعده حسن ثمّ من بعده حسين ثمّ من بعده علي بن الحسين ثمّ من بعده محمد بن علي، ثمّ هكذا يكون الأمر، ان الأرض لا تصلح الا بامام «3»

______________________________

(1) المائدة، 55.

(2) النساء، 59.

(3) اصول الكافي، ج 2، ص 21، حديث 9، باب دعائم الاسلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 272

______________________________

و صحيح بريد العجلي عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل: (فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (جعل منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة،

فكيف يقرون في آل ابراهيم و ينكرونه في آل محمد صلي الله عليه و آله، قال: قلت: (وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (قال: الملك العظيم ان جعل فيهم ائمة من اطاعهم اطاع الله و من عصاهم عصي الله فهو الملك العظيم «1».

الملك بالضم هو المملكة، فجعل الأئمة من جهة الأمر باطاعتهم و جعلها قرين اطاعة الله تعالي صاحب الملك العظيم عبارة اخري عن الحكومة المطلقة كما هو واضح.

و أما اولوا الأمر

فقد اتفقت النصوص منها ما تقدم ان المراد بهم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

ثانيها: الروايات منها الاخبار الدالة علي ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله و اولو الأمر، لاحظ خبر عبد الرحمن: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: نحن ولاة امر الله «2»

و خبر الحسين بن ابي العلاء الآتي «3» و غيرهما.

و الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الامور العامة.

و منها: ما عن «4» سيد الشهداء صلوات الله عليه: فلعمري ما الإمام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه علي ذات الله.

و منها: خبر «5» المعلي بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله- عز و جل

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1- ص 206 حديث 5.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 192.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 187.

(4) ارشاد المفيد طبع النجف، ص 204.

(5) الوسائل- باب 1- من ابواب صفات القاضي حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 273

______________________________

(إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ) (الخ: عدل الإمام ان يدفع ما عنده الي الإمام الذي بعده، و امرت الأئمة ان يحكموا بالعدل و امر الناس ان يتبعوهم.

و خبر «1» سليمان بن خالد عنه عليه السلام: اتقوا الحكومة، فان الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي. و قريب منهما غيرهما.

و منها: النصوص المتقدمة في ذيل الآية الثانية.

و منها: بعض الأخبار الواردة في صفات الأئمة:

كخبر «2» عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام- في حديث طويل-:

ان الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين، ان الإمامة اس الإسلام النامي و فرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و

الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و امضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف، و نحوه غيره.

و ظهور ذلك في ان الحكومة للإمام عليه السلام واضح، بل هو كالصريح في ذلك.

و نظير ذلك ما عن العلل بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في علل حاجة الناس الي الامام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل:

و منها انا لا نجد فرقة من الفرق و ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم في امر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به الي غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة علي ذلك بالسنة مختلفة.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من ابواب صفات القاضي حديث 3.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 200.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 274

______________________________

ثالثها: الارتكاز الثابت ببناء العقلاء، حيث جري بناؤهم في كل امر راجع الي المعاد و المعاش علي رجوع الجاهل الي العالم من جهة كونه اهل الخبرة و الاطلاع، و لم يردع الشارع الأقدس عن ذلك، و حيث ان الامام عليه السلام اعلم الناس و افضلهم و ابصر بالأمور- سواء أ كان الأمر مربوطا بالمعاش أو المعاد- فيتعين جعله المرجع و الحاكم،

و متابعته حتي في الامور الراجعة الي ادارة شئون الامة.

رابعها: حكم العقل، إذ لم نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين و الدنيا.

و من الممتنع في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه

و لا قوام لهم الا به.

و عليه فاما يعين الأبصر بالأمور السياسية و تنظيم البلاد أو غيره، و الثاني باطل قطعا لاستلزامه ترجيح المرجوح، و هو قبيح و من الحكيم محال، فيتعين الأول.

و بهذا البيان يظهر قطعيا ان الله تعالي عين الامام عليه السلام لذلك.

خامسها: ان جملة من الأحكام الشرعية جزائية، و قضائية، و سياسية، و اجتماعية.

كالقصاص، و الحدود، و القضاء، و قبول الجزية، و الجهاد و … و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الا بيد الحاكم علي الامة.

و قد صرح في جملة من الأخبار انها لأمام المسلمين «1».

و لذلك نري ان النبي صلي الله عليه و آله حينما ساعدته الظروف اسس حكومة اسلامية عادلة.

و كذلك الامام علي بن ابي طالب عليه السلام اسس الحكومة و حارب مع من خالفه في ذلك.

______________________________

(1) المستدرك باب 5 من ابواب صلاة الجمعة و آدابها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 275

______________________________

ولاية التصرف في الأموال و الأنفس

الرابع: في ولايتهم صلوات الله عليهم بالولاية التشريعية، بمعني نفوذ كل تصرف منهم في اموال الناس و انفسهم.

و بعبارة اخري: في الولاية الظاهرية التي هي من المجعولات الشرعية المترتب عليها جواز التصرف.

فقد استدل لثبوتها لهم بوجوه:

منها: الآية الشريفة: (النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) «1» و ما كان مساقه مساقها.

و اورد علي الاستدلال بها.

تارة: بانها مختصة بصورة التزاحم للانصراف و لأن الولاية لا تقبل الشدة و الضعف، فلا بد و ان يكون التفضيل مجازيا، و المراد ثبوت الولاية عند التزاحم للنبي صلي الله عليه و آله و و انتفائها عن غيره.

و اخري: بانه انما تكون الآية في مقام بيان عدم اختصاص رئاسته صلي الله عليه و آله بالرئاسة الروحانية، بل تعم الرئاسة الدنيوية و الحكومة، فلا تدل اولويته بكل شخص

من نفسه.

و لكن يرد الأول: ان الانصراف ممنوع، و الولاية قابلة للشدة و الضعف كما هو ظاهرها.

و يرد الثاني: - مضافا الي كونه خلاف الظاهر- انه ينافيه النبوي: انا اولي بكل مؤمن من نفسه «2».

______________________________

(1) سورة الأحزاب آية 6.

(2) اصول الكافي، ج 1- ص 406، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 276

______________________________

فالحق ان يقال: إنها تدل علي ثبوت ولاية و سلطنة علي الناس اقوي و اشد من ولاية الشخص علي نفسه، و من الضروري ان ولاية الشخص علي نفسه انما هي في التصرف السببي من الطرق و الأسباب الشرعية، كبيع ماله، و تزويج المرأة و تطليق زوجته.

و أما التصرف بلا سبب أو بسبب غير شرعي فليس له الولاية عليه حتي تثبت تلك بنحو اشد للنبي صلي الله عليه و آله.

مثلا ليس له ان يعطي الانتفاع بزوجة لغيره فلا يكون ذلك ثابتا له صلي الله عليه و آله، و كذلك الأحكام المحضة كالإرث.

و بالجملة: الآية الشريفة ليست في مقام التشريع للأحكام بل هي في مقام بيان تشريع الولاية، و تدل علي انها ثابتة له فيما للشخص علي نفسه من الولاية لا في ازيد من ذلك.

و يؤيد ما ذكرناه من عدم ثبوت الولاية لهم ازيد مما للشخص علي نفسه، بل يشهد له:

ما في ذيل حديث طويل مروي عن كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي، فقال له) اي للكاظم عليه السلام (: قد بقي مسألة تخبرني بها و لا تضجر، فقال له: سل، فقال: خبروني انكم تقولون ان جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا،

و انكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله الينا فليس بمسلم، فقال له موسي عليه السلام:

كذب

الذين زعموا اننا نقول ذلك، و إذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم،

و نحن نشتري عبيد أو جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم، و نشتري المملوك و نقول له يا بني، و للجارية يا بنتي، و نقعدهم يأكلون معنا تقربا الي الله سبحانه، فلو انهم عبيدنا و جوارينا ما صح البيع و الشراء.

و قد قال النبي صلي الله عليه و آله لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة و ما ملكت ايمانكم، يعني صلوا و اكرموا مماليككم و جواريكم، و نحن نعتقهم، و هذا الذي سمعته غلط من قائله و دعوي باطلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 277

______________________________

و لكن نحن ندعي ان ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، و هؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم علي ذلك، و نحن ندعي ذلك لقول النبي صلي الله عليه و آله يوم غدير خم: من كنت مولاه … الخ «1» فانه يدل علي ما ذكرناه.

قال بعض الأكابر بعد استظهار ذلك من الأدلة:

لكن الظاهر ان سيرة النبي صلي الله عليه و آله و الأئمة صلوات الله عليهم لم تكن كذلك، بل كانوا يعاملون مع الناس معاملة بعض الناس مع بعض، و هو الظاهر من ملاحظة التواريخ و الأخبار، فلاحظ كلام امير المؤمنين في نهج البلاغة في جواب اخيه عقيل و مراجعته الي الأمير صلوات الله عليه. انتهي.

و منها: النصوص الدالة علي ان الدنيا و ما فيها لهم عليهم السلام، و ان لهم التصرف فيها كيف شاءوا، لاحظ.

مكاتبة ابن الريان الي الامام العسكري عليه السلام قال: كتبت إليه: روي لنا: ان ليس لرسول الله صلي الله عليه و آله من الدنيا الا الخمس.

فجاء

الجواب: ان الدنيا و ما عليها لرسول الله صلي الله عليه و آله «2».

و مرسل احمد بن محمد بن عبد الله: الدنيا و ما فيها لله تبارك و تعالي و لرسوله و لنا،

فمن غلب علي شي ء منها فليتق الله. الحديث «3».

و خبر ابي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قلت له: اما علي الامام زكاة؟ فقال: احلت يا ابا محمد، اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام عليه السلام يضعها حيث يشاء و يدفعها الي من يشاء «4» و نحوها غيرها.

______________________________

(1) كتاب النجوم للسيد بن طاوس.

(2) اصول الكافي، ج 1- ص 409 حديث 6 باب ان الأرض كلها للامام.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 408 حديث 2.

(4) اصول الكافي، ج 1، ص 409، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 278

______________________________

فان الظاهر من هذه الأخبار ثبوت السلطنة الثابتة لله تعالي علي الناس و اموالهم من غير جعل جاعل للرسول صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام بالجعل غير المنافي مع ملكية الناس، و هذه عبارة اخري عن الاولوية بالتصرف فيها منهم.

و منها: الإجماع.

و الظاهر ثبوته، لكن مستند المجمعين معلوم.

و منها: غير ذلك.

و لظهور عدم دلالة ما ذكروه اغمضنا عن التعرض له، و فيما ذكرناه كفاية.

وجوب اطاعة المعصوم عليه السلام

الخامس: في وجوب الإطاعة.

يمكن ان يستدل للزوم اطاعتهم في اوامرهم الشخصية العرفية الراجعة مصلحتها إليهم.

بوجهين:

احدهما: الآيات و النصوص المتواترة الدالة علي افتراض طاعتهم، و ان معصيتهم كمعصية الله تعالي.

كقوله سبحانه:) اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم «1».

و قوله تعالي) فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم «2».

______________________________

(1) النساء آية 59.

(2) النور آية 64.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 279

و الاخبار في افتراض

طاعتهم (1) و كون معصيتهم كمعصية الله كثيرة، يكفي في ذلك. منها مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة ابي خديجة، و التوقيع الآتي حيث علل فيها حكومة الفقيه و تسلطه علي الناس بأني قد جعلته كذلك و انه حجتي عليكم. و أما الاجماع فغير خفي.

______________________________

و قوله عز و جل: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ وَ مَنْ تَوَلّٰي فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) «1».

و صحيح زرارة عن ابي جعفر عليه السلام: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالي الطاعة للإمامة بعد معرفته عليه السلام ثمّ قال ان الله تبارك و تعالي يقول من يطع الرسول فقد اطاع الله و من تولي فما ارسلناك عليهم حفيظا «2».

و خبر الحسين بن ابي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام قولنا في الأوصياء ان طاعتهم مفترضة، فقال: نعم هم الذين قال الله تعالي: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) و هم الذين قال الله عز و جل: (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) «3».

و خبر معمر بن خلاد قال سأل رحل فارسي ابا الحسن عليه السلام فقال طاعتك مفترضة فقال عليه السلام نعم قال مثل طاعة علي بن ابي طالب عليه السلام فقال نعم «4».

الي غير ذلك من الأخبار المتواترة.

(1) منها ما اشار إليه في المتن و سيأتي الكلام في تلك الاخبار.

إذ اختصاص هذه باجمعها بالأوامر الشرعية خلاف ظواهرها من جهة ان الإطاعة فيها اطاعة بالذات لأمره تعالي، و اطاعة بالعرض للوسائط، و الإطاعة التي تكون بالذات اطاعة لهم هي اطاعتهم في الأوامر الشخصية، و معلوم ان ظاهر الآيات و الروايات ارادة الثانية.

______________________________

(1) النساء آية

83.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 185 باب فرض طاعة الأئمة حديث 1.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 185 حديث 7.

(4) اصول الكافي، ج 1، ص 187، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 280

و أما العقل القطعي فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم اولياء النعم (1) و غير المستقل حكمه بأن الابوة إذا اقتضت وجوب طاعة الاب علي الابن في الجملة (2) كانت الامامة مقتضية لوجوب طاعة الامام علي الرعية بطريق اولي، لأن الحق هنا اعظم بمراتب، فتأمل.

و المقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من ان وجوب طاعة الامام مختص بالاوامر الشرعية، و انه لا دليل علي وجوب طاعته في اوامره العرفية، أو سلطنته علي الاموال و الأنفس.

و بالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة، بعد التتبع و التأمل، ان للإمام سلطنة مطلقة علي الرعية من قبل الله تعالي، و ان تصرفهم نافذ علي الرعية، ماض مطلقا،

هذا كله في ولايتهم بالمعني الأول.

______________________________

(1) الوجه الثاني: انهم صلوات الله عليهم مجاري الفيوضات، و اولياء النعم باجمعها من المال و الولد و الأعضاء و غيرها، فهم المنعمون بالواسطة، و قد استقل العقل بوجوب شكر المنعم، و معلوم ان صرف النعمة في سبيل اطاعة المنعم شكر، و تركه كفران،

فيحسن الأول عقلا و يقبح الثاني كذلك، و بالملازمة يستكشف الوجوب.

(2) قوله و غير المستقل حكمه بان الابوة إذا اقتضت وجوب طاعة الاب علي الابن … بطريق اولي.

تقريب الاولوية ان الاب من جهة كونه مقدمة اعدادية لتكوين الابن واجب الاطاعة عليه- فالنبي صلي الله عليه و آله الذي هو واسطة التكوين و مجري الفيض اولي بذلك.

و لكن يمكن ان يقال انه لم يثبت كون مناط وجوب الاطاعة و علته

ذلك، و عليه فلا وجه لدعوي الاولوية.

و لعله الي هذا اشار بقوله فتأمل.

اشتراط تصرف الغير باذنهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 281

و أما بالمعني الثاني: اعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم (1) فهو و ان كان مخالفا للأصل، الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم و عدم جواز الاستقلال لغيرهم، بالنسبة الي المصالح المطلوبة للشارع، الغير المأخوذة علي شخص معين من الرعية، كالحدود و التعزيرات و التصرف في اموال القاصرين و الزام الناس بالخروج عن الحقوق و نحو ذلك، و يكفي في ذلك ما دل علي انهم اولوا الأمر و ولاته، فإن الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع علي شخص خاص، و كذا ما دل علي وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة الي رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم و انا حجة الله. فإنه دل علي ان الامام هو المرجع الأصلي.

و ما عن العلل بسنده إلي الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام في علل حجة الناس الي الامام عليه السلام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل: و منها انا لا نجد فرقة من الفرق، و لا ملّة من الملل، بقوا و عاشوا إلا بقيم و رئيس، لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما «مما»

يعلم أنه لا بد لهم منه، و لا قوام له إلا به، هذا مضافا إلي ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و الحكومات، و انها إمام المسلمين.

______________________________

(1) و هل يستقل غيرهم عليهم السلام في التصرف، ام يكون تصرف الغير منوطا باذنهم؟ وجهان:

و تفصيل القول في المقام:

ان لا كلام و لا خلاف في ثبوت الولاية بهذا المعني، اي اشتراط تصرف الغير باذنهم في جملة من الموارد الخاصة التي دل الدليل علي ذلك،

كالحدود، و التعزيرات، و الحكومات، و الجهاد، و غيرها.

كما لا كلام في ثبوتها لهم في الأمور التي ثبت انها وظيفة الرئيس.

لما دل من النصوص علي ان لهم الرئاسة كخبر الفضل «1» المذكور في المتن و غيره،

و انهم ولاة الأمر و اولي الأمر.

كما لا ينبغي التوقف في عدم ثبوتها لهم بالإضافة الي الوظائف الشخصية لكل فرد من افراد الرعية من العبادات و المعاملات.

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1، ص 200.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 282

و في الصلاة علي الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد و غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع، و كيف كان فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الامور العامة بدون اذنهم و رضاهم، لكن لا عموم يقتضي اصالة توقف كل تصرف علي الاذن. نعم الامور التي يرجع فيها كل قوم الي رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضي كونهم أولي الأمر و ولاته، و المرجع الاصلي في الحوادث الواقعة و المرجع في غير ذلك من موارد الشك الي اطلاقات ادلة تلك التصرفات ان وجدت علي الجواز أو المنع، و الا فالي الاصول العملية (1) لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاص مع التمكن منه، لم يجز إجراء الأصول، لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع الي الحجة، و انما تنفع مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض.

و بالجملة فلا يهمنا التعرض لذلك انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين:

______________________________

(1) انما الكلام فيما إذا جهل الامر و

لم يحرز ان التصرف من اي الاقسام، فان احتمل كونه من وظيفة الامام خاصة فتارة: لا يحرز كون الفعل مطلوبا للشارع علي كل تقدير، و اخري: يحرز ذلك.

فعلي الأول: تجري اصالة البراءة عنه بالإضافة الي الرعية.

و علي الثاني: حيث ان توجه التكليف الي المكلفين بنحو الواجب الكفائي بالتفصيل الذي سيمر عليك معلوم، فلا مورد للأصل.

و ان احرز ان التكليف ليس مختصا بالمعصوم عليه السلام و انه متوجه الي المكلفين بنحو الواجب الكفائي أو العيني و لكن احتمل دخل اذنه عليه السلام فيه كان المرجع اطلاق دليل المنع،

أو دليل الجواز لو كان و الا فمع التمكن من الرجوع إليه عليه السلام لا بد من ذلك، و لا مجال للرجوع الي الأصل لأنه لا يرجع إليه مع التمكن من الفحص.

و ان لم يتمكن من ذلك فان احتمل كون اذنه من قبيل شرط الوجوب تجري اصالة البراءة مع عدم تحقق الاذن، و ان احتمل كونه من قبيل شرط الواجب دخل في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 283

فنقول: اما الولاية علي الوجه الأول اعني (1) استقلاله في التصرف، فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء، مثل: ان العلماء ورثة الانبياء، و ان الانبياء لم يورثوا ديناراً و لا درهما، و لكن اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشي ء منه اخذ بحظ وافر، و ان العلماء امناء الرسل، و قوله عليه السلام:

مجاري الامور بيد العلماء بالله، الأمناء علي حلاله و حرامه، و قوله صلي الله عليه و آله علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل، و في المرسلة المروية في الفقه الرضوي ان منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني

اسرائيل، و قوله عليه السلام في نهج البلاغة اولي الناس بالانبياء اعلمهم بما جاءوا به: ان اولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه الآية.

و قوله صلي الله عليه و آله ثلاثا: اللهم ارحم خلفائي قيل: و من خلفائك يا رسول الله؟ قال:

الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي، و قوله عليه السلام: في مقبولة ابن حنظلة قد جعلته عليكم حاكما، و في مشهورة ابن خديجة جعلته عليكم قاضيا، و قوله عجل الله فرجه: هم حجتي عليكم و انا حجة الله الي غير ذلك مما يظفر به المتتبع.

لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الاحكام الشرعية لا كونهم كالنبي و الأئمة صلوات الله عليهم في كونهم أولي الناس في اموالهم،

______________________________

ولاية الحاكم الشرعي

(1) قوله اما الولاية علي الوجه الاول اعني استقلاله في التصرف.

إذا عرفت ما ذكرناه فلا بد من التعرض لمقدار ولاية الفقيه.

و ملخص القول في المقام: انه لا شبهة و لا ريب في ان منصب القضاوة- من فصل الخصومة و الامور التي يرجع فيها في العرف الي القاضي كأخذ الحق من المماطل،

و حبسه، و بيع ماله، و التصرف في مال القصر، و نصب القيم و ما شاكل- ثابت للفقيه الجامع للشرائط، و تشهد به مشهورة ابي خديجة المروية في الكافي و التهذيب و الفقيه و غيرها باسانيد مختلفة و متون متفاوتة في غير الجملة التي هي مورد للاستشهاد قال:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 284

______________________________

بعثني أبو عبد الله عليه السلام الي اصحابنا فقال: قل لهم: اياكم إذا وقعت بينكم خصومة- الي ان قال- اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فاني قد جعلته عليكم قاضيا. الحديث «1».

و

ظاهر الخبر جعل الفقيه قاضيا كالقضاة المنصوبين من قبل ائمة الجور، و من المعلوم ان من كان يجعل له منصب القضاوة لم تكن وظيفته مختصة بفصل الخصومة بل كان يرجع إليه سائر ما اشرنا إليه، بل في زماننا ايضا القضاة يتصدون لما ذكر فيثبت هذا المقام للفقيه.

و به يظهر اندفاع ما قيل من اختصاصها بفصل الخصومة، و لا يستفاد منها ازيد من ذلك.

مع انه لو كان الخبر مسوقا لبيان ذلك لكان قوله: اجعلوا بينكم … الخ كافيا و لم يكن حاجة الي ضم هذه الجملة. فالظاهر ان هذه الجملة من قبيل الكبري الكلية التي من مصاديقها المورد.

و اورد عليها بضعف السند لوجهين:

احدهما: ان في طريقها المعلي بن محمد.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني، و هو: ان لأبي خديجة حالة اعوجاج عن طريق الحق، و هي زمان متابعته للخطابية، و حالتي استقامة، و ما قبل الاعوجاج و بعده، و لم يعلم انه رواها في اي الحالات.

و لكن يمكن دفع الأول: بان الخبر مروي بطرق مختلفة، منها ما في الفقيه عن احمد ابن عائد عن ابي خديجة، و طريقه إليه هو: ابوه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد ابن عيسي عن الحسن بن علي الوشاء، و هؤلاء كلهم ثقات، كما ان احد طريقي الشيخ في التهذيب إليه قوي.

مع ان المعلي من مشايخ الإجازة علي ما افاده المحقق المجلسي قدس سره، و هو يكفي في قبول رواياته.

و يدفع الثاني: ما حقق في محله من ان سالم بن مكرم ابا خديجة ثقة.

______________________________

(1) التهذيب ج 6 ص 303، حديث 53 و ج 6 ص 219، حديث 8- و الكافي ج 2، ص 358، و الفقيه ج 3- ص

2

و الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 285

______________________________

و لا كلام ايضا في ثبوت منصب الفتوي له، و ان للعوام ان يقلدوه و تدل عليه الآيات و الروايات و بناء العقلاء علي رجوع الجاهل الي العالم، علي ما فصلنا القول في ذلك في كتاب الاجتهاد و التقليد.

تشكيل الحكومة من وظائف المجتهد

انما الكلام في انه هل يكون المجتهد هو الحاكم المطلق و منفذ الحكم و وظيفته

تشكيل الحكومة اما بنفسه أو بنصب شخص من قبله، ام لا؟ المعروف بين الأصحاب هو الأول، بل في عوائد النراقي: دعوي الإجماع عليه،

قال: حيث نص به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات.

و هو الحق الذي لا ريب فيه، لأن من جملة احكام الإسلام، بل و المهم منها احكاما جزائية، و قضائية، و سياسية، و اجتماعية كالقصاص، و الديات، و الحدود، و الجهاد،

و الصلح، و القضاء، و قبول الجزية و … و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الا بيد الحاكم علي الأمة.

و بعبارة اخري: ان الأحكام التي اتي بها نبي الإسلام صلي الله عليه و آله انما هي قوانين كلية،

و بديهي ان القانون ان لم يكن له مجر لا يفيد و يكون لغوا، فيعلم من ذلك ان النبي صلي الله عليه و آله الذي جاء بتلك القوانين و حينما ساعدته الظروف شكل الحكومة بنفسه، و كذلك وصية أمير المؤمنين عليه السلام عين شخصا لإجراء تلك الأحكام.

و ليس في هذا الزمان غير المجتهد الذي قال صلي الله عليه و آله في حقه: انه خليفتي و وارثي.

و قال الامام عليه السلام: هو الحجة عليكم الي غير ذلك من التعابير التي ستمر عليك.

مع انه لا يكون ثمة احد اعرف

بمباني الإسلام منه، فهو المتعين لأن يكون قائما بالحكومة و علي رأسها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 286

______________________________

و ان شئت قلت: انه لا ريب في ان وظيفة المجتهد في هذا العصر اجراء احكام الإسلام، و حفظ امن البلاد الاسلامية، و التحرز من مكايد الاستعمار، و حفظ استقلال البلاد الاسلامية، و الدفاع عن حريم الإسلام و القرآن، و قطع يد من تسول له نفسه العبث في بلاد المسلمين، و حفظ المسلمين من يد الأجانب و من عبثهم في عقول المسلمين،

و عقد الذمة و العهود، و اجراء الحدود، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هل يمكن شي ء من ذلك الا من قبل الدولة و الحكومة القوية العادلة.

قال الله تعالي: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة «1» هل يمكن ذلك الا من قبل الحاكم.

و قد تقدم خبر الفضل عن الإمام الرضا عليه السلام المتضمن: انا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به. فان هذا البرهان العقلي جار في زمان الغيبة ايضا.

و تشهد بثبوت هذا المقام للمجتهد جملة من الأخبار:

منها: مقبولة «2» عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله عليه السلام: ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد، و الراد علينا الراد علي الله و

هو علي حد الشرك بالله.

حيث انه يستفاد منها جعل المجتهد حاكما كسائر الحكام المنصوبين في زمان النبي صلي الله عليه و آله و الصحابة، و من المعلوم ان الحاكم المنصوب في تلك الأزمنة كان يرجع إليه في جميع الأمور العامة التي يرجع فيها كل قوم الي رئيسهم، فالمجتهد قد جعل حاكما مطلقا

______________________________

(1) الأنفال، 63.

(2) الكافي ج 1- ص 67 حديث 10- التهذيب ج 6، ص 301، حديث 52- الفقيه ج 3، ص 5- الاحتجاج، ص 194- الفروع ج 7، ص 412- الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 1.)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 287

______________________________

بهذا المعني. و بعبارة اخري الحاكم هو المنفذ الحكم.

و اورد عليها.

تارة بضعف السند لأنه لم ينص علي ابن حنظلة بتوثيق.

و اخري: بان الظاهر من الحاكم هو القاضي لأن مورد السؤال و التحاكم هو الترافع الي القاضي، و قوله: فإذا حكم بحكمنا اي قضي، فهي تدل علي جعل منصب القضاوة له.

و لكن يرد الأول: ان الأظهر وثاقة الرجل لتوثيق الشهيد الثاني اياه، قال: انا حققنا توثيقه من محل آخر، و لورود روايتين دالتين «1» عليها، و لغير ذلك من الشواهد، مع ان الأصحاب تلقوها بالقبول و لذلك سميت بالمقبولة.

و يرد الثاني: ان المسلم عند الأصحاب: ان خصوص المورد لا يخصص عموم الوارد.

مع انه لو كان المراد ما ذكر لكان يكفي قوله: ينظر ان من كان … الخ و لم يكن حاجة الي هذه الجملة، سيما مع تصدرها بحرف التعليل الذي يكون صالحا لكون الجملة بيانا لكبري كلية من مصاديقها المورد.

و منها: ما رواه الصدوق باربعة طرق عن الامام علي عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اللهم ارحم خلفائي-

ثلاثا- قيل: يا رسول الله و من خلفائك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي- و زاد في بعض الروايات: فيعلمونها الناس من بعدي- «2».

و حيث انه عند دوران الأمر بين الزيادة و النقيصة الأصل البناء علي وجود ما نقص.

______________________________

(1) رواهما العلامة المامقاني في رجاله احداهما عن التهذيب- و الاخري عن الكافي.

(2) عيون الأخبار ج 2، ص 37، حديث 94- معاني الأخبار، ص 374. الفقيه ج 4، ص 303، حديث 53- الوسائل- باب 8- من ابواب صفات القاضي حديث 53- و باب 11- منها حديث 7.)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 288

______________________________

فالظاهر ان متن الحديث مع هذه الزيادة، و ظهوره حينئذ في ارادة الفقهاء من الرواة في غاية الوضوح.

و بعبارة اخري: المراد من راوي الحديث و السنة هو من يعلم الناس احكام الإسلام لا مجرد لقلقة اللسان، و هذا يلازم مع الفقاهة.

فيدل الخبر علي ان الفقيه خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله، و الخليفة بقول مطلق من يقوم مقام من استخلفه في كل ما هو له.

و ان شئت قلت: ان كون الرئاسة و الحكومة حق خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و منصبه المفوض إليه كان من الأمور الواضحة المسلمة عند الجميع.

و لذلك كان كل من ملوك بني امية و سلاطين بني العباس، بل و من قبلهم من رؤساء الحكومة الاسلامية، مدعيا لخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله لتصدي ذلك المقام. و علي ذلك فتعيين رسول الله صلي الله عليه و آله العلماء خلفائه يكون دالا بالملازمة البينة علي جعلهم حكاما نافذي الحكم و رؤساء للحكومة الاسلامية.

و مما يؤيد ما ذكرناه من ظهور جعل شخص خليفة في جعله نافذ

الحكم و رئيسا:

الآية الكريمة:

) يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ «1» فان كون الحكومة مترتبة علي جعله خليفة مفروغ عنه في الآية، و انما امر فيها بالحكم و عدم اتباع الهوي.

و منها: التوقيع الشريف المروي في كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة للصدوق،

و كتاب الغيبة للشيخ، و الاحتجاج للطبرسي في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب: و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله «2».

______________________________

(1) سورة ص آية 26.

(2) اكمال الدين و اتمام النعمة طبع الكمباني، ص 266، ح 4 باب التوقيع- كتاب الغيبة، ص 198- الاحتجاج طبع النجف،

ص 163- الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 289

______________________________

بتقريب: ان المراد بالحوادث- من جهة كونها جمعا محلي باللام- كل حادثة يرجع فيها الرعية الي رئيسهم، من غير فرق بين كونها من السياسيات أو الشرعيات، و من غير فرق بين ان تكون مرتبطة بشخص خاص أو بالمجتمع، فتشمل ما كان من قبيل اخراج الأجانب النفط و سائر المعادن، و عقد الذمة مع الدول الاخر، و ما لو توجه الخطر من جانب الأجانب الي الدولة الاسلامية، و ما شاكل، فيدل علي ان راوي الحديث، المجعول حجة علي الأمة، و هو الفقيه الجامع للشرائط، مرجع في جميع تلك، و ليس معني الحكومة و كون الشخص حاكما و نافذ الحكم الا ذلك.

و احتمال ارادة حوادث خاصة- نظرا الي ان اللام للعهد، و اشارة الي الحوادث المسئول عنها التي ليست بايدينا-.

يندفع بان توصيف الحوادث بالواقعة يدفع ذلك.

و قد يقال: انه تضمن الرجوع في الحوادث الي الفقيه، و لا يدل علي وكول نفس الحادثة

إليه ليباشره بنفسه أو بمن ينصبه كما ادعاه الشيخ قدس سره، و الظاهر من ذلك الرجوع في حكمها إليه لا إيكالها إليه.

و لكن يندفع ذلك: بان الرجوع في كل حادثة الي الفقيه، و كسب الوظيفة منه،

و لزوم العمل بكل ما يعينه و لو كان هو الدفاع عن المملكة الاسلامية و حفظ حدودها و ما شاكل، عبارة اخري عن كونه حاكما مطلقا، و يناسب هذا المعني التعليل بانه حجة من قبل من هو حجة من قبل الله المسلط علي العالم و ما فيه.

و منها: ما روي عن الامام الحسين بن علي عليهما السلام: مجاري الأمور و الأحكام علي ايدي العلماء بالله، و الأمناء علي حلاله، فانتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، و لو صبرتم علي الأذي و تحملتم المئونة في ذات الله كانت امور الله عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 290

______________________________

و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم امور الله في ايديهم … الخ «1».

و تقريب الاستدلال به:

ان المراد بالعلماء في الخبر غير الأئمة بقرينة سائر الجملات المتضمنة لتفرقهم عن الحق و اختلافهم في السنة.

و ان المخاطب فيه هو العلماء الساكتون غير الأمرين بالمعروف و غير العاملين بالوظيفة، و غير ذلك من القرائن.

و يدل الحديث علي ان مجاري الامور علي ايديهم، و لا معني لمجاري الامور في مقابل مجاري الأحكام سوي الامور المربوطة بالحكومة الاسلامية.

و يؤكد ذلك ما في ذيله من قوله و استسلمتم امور الله في ايديهم فان ما استسلموه هو الحكومة و ما يرتبط بها.

و ايضا تضمن الخبر ان العلماء غصب حقهم، و من

المعلوم ان المغصوب ليس غير الحكومة.

و علي الجملة: من تدبر في الخبر صدر أو ذيلا يظهر له ان مراد الإمام الشهيد صلوات الله عليه: ان العلماء هم الحكام، و ان تشكيل الحكومة من وظائفهم، و قد غصب الظلمة هذه المنزلة من جهة ترك العلماء العمل بوظائفهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و عدم المصانعة عند الظلمة، و ما شاكل و الله العالم.

و منها: خبر علي بن ابي حمزة عن ابي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، و بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، و ابواب السماء التي كان يصعد فيها باعماله، و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها. (2)

______________________________

(1) تحف العقول، ص 237.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 291

______________________________

و تقريب الاستدلال به:

انه يدل علي ان حصن الإسلام و حافظه هو الفقيه، و حيث ان احكام الإسلام لا تنحصر بالعبادات، بل منها احكام اجتماعية و سياسية و قضائية و جزائية، و لا يمكن حفظ تلك الأحكام، و كون الفقيه حصنا يدافع عنها الا من قبل حكومة قوية صالحة.

و لذلك تري ان الاستعمار الأروبي علم من اول وهلة ان استعماره لا يتم ما دام القرآن هو الكتاب السماوي الذي يتبعه المسلمون و يجرون احكامه و قوانينه و يتبعون ارشاداته و تعاليمه.

و بهذا صرح) كلادستون (رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، و من ذلك الوقت اتجه وجهة اخري، فاخذ يسعي بشتي الطرق و الوسائل لتضعيف الإسلام.

و كان من جملة مصائده و حبائله نغمة التفكيك بين الدين و السياسة، و صارت تلك من اخطر الوسائل في ايديهم، و سببا لما نري

الآن من حال الإسلام و المسلمين و البلاد الاسلامية.

و بالجملة احكام الإسلام من الجهاد و المهادنة و عقد الذمة، و العهود و اجراء الحدود و القصاص و قبول الجزية، و ما شاكل، لا يمكن حفظها الا مع كون الحكومة بيد الفقيه أو من ينصبه الفقيه.

لذلك، فجعل الفقيه حصنا للاسلام لا يكون الا بجعله حاكما مطلقا منفذ الحكم.

و منها: خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله و ما دخولهم في الدنيا؟ قال صلي الله عليه و آله: اتباع السلطان،

فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم «1».

و تقريب الاستدلال به:

ان الأمين من فوض عليه حفظ ما فوض إليه، و قد فوض الي الفقهاء الأحكام الشرعية.

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1- ص 46 باب المستاكل بعلمه حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 292

______________________________

و قد مر في الخبر السابق ان حفظ الأحكام الشرعية لا يمكن الا من قبل حكومة اسلامية قوية، و قوله: ما لم يدخلوا … الخ يمكن ان يكون اشارة الي ان الإهمال في تشكيل الحكومة و صيرورة المتبوع تابعا و المخدوم خادما خيانة يخرج بذلك عن كونه امينا.

و منها: ما رواه في الكافي، و امالي الصدوق، و في اول المعالم باسانيد عديدة متصلة عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الي الجنة، و ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به، و انه يستغفر لطالب العلم من في السماء- الي ان قال-.

و ان العلماء ورثة الأنبياء، ان الانبياء لم يورثوا

ديناراً و لا درهما و لكن ورثوا العلم، فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر «1».

و تقريب الاستدلال به: انه يدل علي ان العالم وارث الأنبياء في العلم، و المراد به الأحكام و الحقائق و القوانين التي جاءوا بها، فكما انهم موظفون بنشرها و اجرائها كي ينتفع بها الناس.

فكذلك العالم موظف بذلك، و قد مر أن اجراء الأحكام الشرعية باجمعها لا يمكن الا بيد الحاكم المطلق.

و دعوي ان المراد بالعلماء هم الأئمة.

غريبة، يدفعها صدر الخبر الوارد في ثواب طلب العلم.

مع انه بهذا المضمون روايات صريحة في ارادة غير الأئمة الهداة صلوات الله عليهم.

مثل ما في البحار: و قال امير المؤمنين صلوات الله عليه لولده محمد: تفقه في الدين، فان الفقهاء ورثة الأنبياء «2».

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1، ص 34 باب ثواب العالم و المتعلم.

(2) ج 1- ص 216 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 293

______________________________

و في المقام روايات اخر قريبة المضمون مع ما تقدم، تظهر كيفية الاستدلال بها مما تقدم، فلا وجه لتطويل الكلام بذكر كل واحدة منها.

العالم المختلف ابواب الحكام آفة الدين

و قد تضمنت الأخبار ذم العلماء الذين يختلفون ابواب الحكام و لا يحترزون عن مخالطتهم، لاحظ.

خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله و ما دخولهم في الدنيا؟ قال صلي الله عليه و آله: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم «1».

و النبوي: العلماء امناء الرسل علي عباد الله عز و جل ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم و اعتزلوهم «2».

و النبوي: شرار العلماء الذين يأتون الأمراء، و خيار الأمراء الذين يأتون

العلماء «3».

و الخبر قال عليه السلام: العلماء احباء الله ما امروا بالمعرف و نهوا عن المنكر و لم يميلوا في الدنيا و لم يختلفوا ابواب السلاطين، فإذا رأيتهم مالوا الي الدنيا و اختلفوا ابواب السلاطين فلا تحملوا عنهم العلم، و لا تصلوا خلفهم، و لا تعودوا مرضاهم، و لا تشيعوا جنائزهم،

فانهم آفة الدين، و فساد الإسلام، يفسدون الدين كما يفسد الخل العسل «4».

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1- ص 46 باب المستاكل بعلمه.

(2) المحجة البيضاء ج 1- ص 144.

(3) المحجة البيضاء، ج 1، ص 144- و اخرجه ابن عبد البر في العلم بلفظ آخر علي نقل و بلفظه نقله الشهيد في المنية.

(4) خراجية الفاضل القطيفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 294

______________________________

و الظاهر ان منشأ هذه التشديدات العظيمة و السر فيها وجهان:

احدهما: ان العالم جعل متبوعا و حاكما و مخدوما، فإذا صار تابعا و خادما و محكوما كان ذلك انعكاسا علي ام الرأس، و مثله هو الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رءوسهم عند ربهم.

الثاني: ان السلطان و الملك قد غصب حق المجتهد و تصدي للحكومة، فاختلاف بابه تقرير لظلمه و تعديه فلا يجوز.

و بذلك يظهر الوجه لما في روايات كثيرة من ذم السلاطين و النهي عن اختلاف ابوابهم و الأمر بالهرب منهم.

و في المقام مطالب هامة يعجبني التعرض لها و للأخبار الواردة عن ائمة الدين فيها،

و لكن الظروف لا تساعد، و إلي الله المشتكي.

فالمتحصل مما ذكرناه: انه لا ينبغي التوقف في ان تشكيل الحكومة وظيفة المجتهد الجامع للشرائط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 295

______________________________

مزاحمة احد المجتهدين لآخر

بقي الكلام في انه هل يجوز لآحاد المجتهدين مزاحمة الآخرين ام لا؟ و تنقيح القول في ذلك:

انه تارة: يتصدي احدهم للرئاسة و

الحكومة.

و اخري: لم يستقر له الأمر و يريد التصدي لها.

اما في الصورة الأولي: فلا اشكال في عدم جواز المزاحمة ان كان المتصدي اهلا لذلك، إذ مضافا الي ان المزاحمة موجبة لتضعيف الحكومة الاسلامية- و هو بديهي الحرمة-.

يشهد لعدم جوازها قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة المتقدمة: فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد، و الراد علينا الراد علي الله، و هو علي حد الشرك بالله «1».

فان تصدي المجتهد حينئذ كتصدي الامام عليه السلام فمزاحمة الثاني اياه كمزاحمته للإمام و هي مستلزمة للرد عليه و هو رد علي الامام فلا يجوز.

اضف الي ذلك انه يلزم اختلال نظام مصالح المسلمين العامة، و هو غير جائز قطعا.

مع ان الأدلة انما تدل علي جعل هذا المنصب للمجتهد مع عدم المتصدي له، ففي فرض التصدي لا دليل علي ثبوته لأحد.

و إلي هذا نظر المحقق النائيني قدس سره، حيث قال: ان الفقيه ولي من لا ولي له، فإذا تحقق الولي فلا ولاية لآخر كما هو مفاد المشهورة السلطان ولي من لا ولي له.

كما ان الظاهر الي هذا نظر من قال ان دليل الولاية.

ان لم يكن لفظيا فالمتيقن منه انما هو ثبوت الولاية مع عدم تصدي احد،

و الا فيرجع الي الأصل و هو يقتضي عدم الولاية

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 296

______________________________

و ان كان لفظيا، فاطلاقه غير مسوق للبيان من هذه الجهة، فعند الشك لا بد من الرجوع الي الأصل المتقدم.

و أما في الصورة الثانية: فان قلنا باعتبار الأعلمية- كما يشهد به.

ما رواه في البحار عن كتاب الاختصاص قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله:

من تعلم علما ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس الي نفسه يقول انا رئيسكم فليتبوأ مقعده من النار، ان الرئاسة لا تصلح الا لأهلها، فمن دعي الناس الي نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة «1».

فلا اشكال في عدم جواز المزاحمة.

و الا فالأظهر جواز المزاحمة، بمعني ترتيب المقدمات، و التوسل بكل امر جائز في نفسه للوصول الي ذلك المقام السامي، بل لو كان يري نفسه احق و ابصر بالأمور و انه لو تصدي لذلك كان يخدم الإسلام و المسلمين احسن مما لو تصدي الآخر يجب عليه ذلك، و الله العالم.

عدم اولوية الفقيه بالتصرف في الأموال و الأنفس

فالمتحصل مما اسلفناه: ثبوت منصب الفتوي و القضاوة و ما يتبع هذا المنصب، و الحكومة المطلقة للفقيه، و عليه فكل امر يرجع فيه كل قوم الي رئيسهم يرجع المسلمون فيه الي الفقيه، كما انه المرجع في كل امر يكون بيد القضاة كما مر.

و أما غير تلك من ما ثبت للإمام عليه السلام من اولويته بالتصرف في الأموال و الأنفس، و لزوم اطاعته في اوامره الشخصية العرفية، و ولايته التكوينية، فالظاهر عدم ثبوت

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 11 من الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 297

فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف، فلا دليل علي وجوب الدفع إليه شرعا (1) نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه الي الفقيه مطلقا، أو بعد المطالبة و افتي بذلك الفقيه وجب اتباعه ان كان ممن يتعين تقليده ابتداء أو بعد الاختيار، فيخرج عن محل الكلام. هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار وجب حملها علي ارادة الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته صلي الله

عليه و آله من حيث كونه رسولا مبلغا، و الا لزم تخصيص اكثر افراد العام لعدم سلطنة الفقيه علي اموال الناس و انفسهم، الا في موارد قليلة بالنسبة الي موارد عدم سلطنته.

و بالجملة فإقامة الدليل علي وجوب طاعة الفقيه، كالامام الا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

______________________________

شي ء منها للفقيه بما هو فقيه لاختصاص ادلتها بالإمام عليه السلام

(1) قوله فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف فلا دليل علي وجوب الدفع إليه و قد التزم هو قده في كتاب الزكاة بوجوب الدفع إليه ان طالب.

و استدل له: بان منعه رد عليه و الراد عليه راد علي الله تعالي كما في مقبولة ابن حنظلة «1».

و بقوله عليه السلام في التوقيع الشريف: اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله «2».

و لكن قد مر ان الخبرين انما يدلان علي ان الحكومة و القضاوة للفقيه و لا يدلان علي ثبوت شي ء آخر كوجوب الإطاعة، و حيث إن ذلك ليس شأنا من شئون احد المنصبين.

و بعبارة اخري: ليس مما يرجع فيه العرف الي الرئيس أو القاضي، فلا وجه لوجوب الرد إليه، و ما في المقبولة انما هو كون عدم قبول ما حكم به بحكمهم ردا علي الامام لا ان مطلق الرد رد عليه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي- حديث 1.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي- حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 298

بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني اعني: توقف تصرف الغير علي اذنه (1) فيما كان متوقفا علي اذن الامام عليه السلام و حيث ان موارد التوقف علي اذن الامام غير مضبوط، فلا بد من ذكر ما

يكون كالضابط لها.

فنقول كل معروف علم من الشارع ارادة وجوده في الخارج ان علم كونه وظيفة شخص خاص، كنظر الاب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص، كالافتاء و القضاء، أو كل من يقدر علي القيام به، كالامر بالمعروف، فلا اشكال في شي ء من ذلك. و ان لم يعلم ذلك و احتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع فيه إليه.

ثمّ ان علم الفقيه من الأدلة جواز توليه، لعدم اناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاص تولاه مباشرة أو استنابة، ان كان ممن يري الاستنابة فيه، و إلا عطله، فإن كونه معروفا لا ينافي اناطته بنظر الامام عليه السلام و الحرمان عنه، عند فقده كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل الله فرجه. و مرجع هذا الي الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده، من موجد خاص.

اما وجوب الرجوع الي الفقيه في الامور المذكورة فيدل عليه مضافا الي ما يستفاد من جعله حاكما كما، في مقبولة ابن حنظلة. الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي صلي الله عليه و آله.

______________________________

نعم إذا فرضنا صيرورة المجتهد حاكما و سلطانا فطلب الزكاة أو الخمس لصرفها في المصالح العامة و الفقراء وجب الدفع إليه لان ذلك من حيثيات الحكومة و شئونها و لذا كان داب النبي صلي الله عليه و آله و الوصي عليه السلام في زمان حكومتهما مطالبة الزكاة و الاخذ من المانعين جبرا، و بما حققناه يظهر الضابط فيما للفقيه تصديه و ما ليس له ذلك فتدبر حتي لا يشتبه عليك الامر.

ضابط التصرفات المتوقف جوازها علي اذن الفقيه

(1) قوله بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني اعني توقف تصرف الغير علي اذنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 299

و

الصحابة، في الزام الناس بارجاع الامور المذكورة إليه و الانتهاء فيها الي نظره، بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما، وجوب الرجوع في الامور العامة المطلوبة للسلطان إليه، و إلي ما تقدم من قوله عليه السلام: مجاري الامور بيد العلماء بالله الامناء علي حلاله و حرامه التوقيع المروي في اكمال الدين، و كتاب الغنية.

و احتجاج الطبرسي، الوارد في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب التي ذكر اني سألت العمري رضي الله عنه ان يوصل الي الصاحب) عجل الله فرجه (كتابا فيه تلك المسائل التي قد اشكلت علي، فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة و السلام في اجوبتها.

و فيها: و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، و انا حجة الله. فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بد من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا الي الرئيس مثل النظر في اموال القاصرين لغيبة، أو موت، أو صغر، أو سفه. و أما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه:

منها: ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه، ليباشر امرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع في حكمها إليه.

______________________________

و ملخص القول في المقام: ان ما ثبت كونه معروفا إذا علم كونه وظيفة شخص خاص، كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص كالقضاوة، أو علم عدم اشتراطه بنظر شخص آخر كالأمر بالمعروف، فلا كلام.

و ان احتمل ان يكون في وجوده أو وجوبه منوطا بنظر شخص خاص، فان كان لدليل ذلك المعروف عموم أو اطلاق من هذه الجهة تنفي الاناطة به حتي و ان ثبت كونه منوطا بنظر شخص، الامام عليه السلام في زمان حضوره، إذ المتيقن من دليل القيد هو دخل نظر الامام في

زمان الحضور، فمع عدم التمكن من الاستئذان منه يكون الاطلاق هو المحكم،

و لا وجه للتمسك بعموم ادلة النيابة لعدم الدليل علي نيابة الفقيه فيما ثبت للامام عليه السلام بما هو امام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 300

و منها التعليل بكونهم حجتي عليكم و انا حجة الله، فإنه انما يناسب الامور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر، فكان هذا منصب ولاة الامام من قبل نفسه، لا انه واجب من قبل الله سبحانه علي الفقيه بعد غيبة الامام، و الا كان المناسب ان يقول انهم حجج الله عليكم، كما وصفهم في مقام آخر: بأنهم امناء الله علي الحلال و الحرام.

و منها ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية الي العلماء الذي هو من بديهيات الإسلام من السلف الي الخلف، مما لم يكن يخفي علي مثل اسحاق بن يعقوب، حتي يكتبه في عداد مسائل اشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة الي رأي و نظره. فإنه يحتمل ان يكون الامام عليه السلام قد وكله في غيبته الي شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان.

و الحاصل أن الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه و لا بالمنازعات

______________________________

نعم ما ثبت له بعنوان انه قاض أو حاكم و رئيس يثبت للفقيه لما مر من ثبوت هذين المنصبين للفقيه.

و عليه فكل امر مطلوب يرجع فيه كل قوم الي رئيسهم يرجع فيه الي الفقيه، و لعله يكون من هذا الباب الجهاد مع الكفار، و قد مر الكلام فيه في كتاب الجهاد.

و ان لم يكن لدليل معروفيته اطلاق أو عموم، فان لم يحرز اصل المطلوبية في زمان الغيبة من جهة احتمال دخل نظر الامام عليه السلام فيها، فان ثبت كون

دخل نظره بما انه رئيس و حاكم يحكم بانه مطلوب مع اذن الفقيه، و انه لا بد فيه من الرجوع إليه لما مر من عموم دليل ولايته بهذا المعني، و ان احتمل دخل نظر شخص الامام عليه السلام فيه سقطت مطلوبيته، كان ذلك من قبيل المعاملات أو العبادات للأصل.

و ان احرز ارادة وجوده في الخارج و علم وجوبه كفاية مع تعذر الاستئذان بان يكون اعتبار اذنه ساقطا عند التعذر، لا كلام في ان للفقيه التصدي له، لأنه اما يعتبر اذنه أو هو كغيره ممن يجب عليه كفاية، و أما غير الفقيه فان كان التصرف تصرفا معامليا فالأصل عدم نفوذه الا باذن الفقيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 301

ثمّ ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل احد مثل قوله عليه السلام: كل معروف صدقة. و قوله عليه السلام: عون الضعيف من افضل الصدقة، و امثال ذلك. و ان كانت عموما من وجه (1) الا ان الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها (2)

______________________________

و ان كان غير معاملي فان استلزم ذلك التصرف في مال الغير أو نفسه لم يجز لعموم ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير أو نفسه «1».

و الا كما في الصلاة علي الميت جاز التصدي له بدون اذنه بناء علي جريان البراءة عند الدوران بين الأقل و الأكثر كما لا يخفي.

(1) قوله ثمّ ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في اذن الشارع … و ان كانت عموما من وجه.

مادة الافتراق من جانب التوقيع الامور المختصة بالفقيه كالافتاء و القضاء و الحكومة، و من جانب دليل كل معروف صدقة الافعال المطلوبة غير المعتبر

فيها اذن احد،

و مادة الاجتماع التصرف في مال القصر و ما شاكل

(2) تقريب الحكومة ان التوقيع يدل علي ان الحوادث الواقعة معروفيتها تتوقف علي اذن الفقيه و يرد عليه ان التوقيع اخص من تلك النصوص إذ لا حادثة مهمة يرجع فيها الي الفقيه الا و هو معروف و لا عكس مع ان التوقيع يكون واردا عليها فانه يدل علي دخالة اذن الفقيه في معروفية الحوادث الواقعة.

اضف الي ذلك ما مر من عدم العموم لتلك النصوص كي تدل علي عدم اعتبار اذن الفقيه فراجع.

و بذلك يظهر عدم تمامية ما افاده المصنف قدس سره من اطلاق عدم المشروعية كما ظهر ما في اطلاق المحقق الخراساني من الجواز في غير المعاملات.

فان قيل بناء علي ما ذكر من انه لو كان عموم أو اطلاق لدليل ذلك المعروف

______________________________

(1) الوسائل باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1 و باب 1- من ابواب القصاص في النفس حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 302

و كونها بمنزلة المفسر الدال علي وجوب الرجوع الي الامام عليه السلام أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر في قوله تعالي: أولي الأمر و علي تسليم التنزل عن ذلك.

فالمرجع بعد تعارض العمومين الي اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي ولي الأمر هذا.

لكن المسألة لا تخلو عن اشكال و ان كان الحكم به مشهوريا و علي اي تقدير فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان علي الناس القيام بها كفاية. و أما

ما يشك في مشروعيته، كالحدود لغير الامام، و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجد، و ولاية المعاملة علي مال الغائب بالعقد عليه، و فسخ العقد الخياري عنه، و غير ذلك، فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها للفقيه، بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر.

نعم الولاية علي هذه و غيرها ثابتة للإمام عليه السلام بالأدلة المتقدمة المختصة به،

مثل آية اولي بالناس من انفسهم، و قد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه عليه السلام في هذا النحو من الولاية علي الناس ليقتصر في الخروج عنه علي ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

______________________________

لم يكن اذن الفقيه معتبرا لا بد من البناء علي عدم اعتبار اذن الفقيه في شي ء من الموارد لعموم ما دل علي ان كل معروف صدقة «1» من النصوص توجه عليه ان تلك النصوص من جهة اخذ مشروعية الفعل في موضوعها- لأن المعروف هو ما عرفه الشارع و رغب إليه و حث عليه- لا سبيل الي التمسك بها، لأنه مع احتمال اعتبار اذنه لم يحرز كونه معروفا بدون اذن الفقيه، فلا يتمسك به.

فالأظهر هو اعتبار اذن الفقيه في التصرفات المعاملية و ما استلزم التصرف في مال الغير أو نفسه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 41 من ابواب الصدقة من كتاب الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 303

و بالجملة فها هنا مقامان:

احدهما: وجوب ايكال المعروف المأذون فيه إليه ليقع خصوصياته عن نظره و رأيه كتجهيز الميت الذي لا ولي له، فإنه يجب ان يقع خصوصياته من تعيين الغاسل، و المغسل، و تعيين شي ء من تركته للكفن، و تعيين المدفن عن رأي الفقيه.

الثاني: مشروعية تصرف خاص في نفس أو مال أو عرض، و الثابت بالتوقيع و شبهه هو

الأول دون الثاني و ان كان الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية و عدمها ايضا من وظيفته، الا ان المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة علي المشروعية، نعم لو ثبت ادلة النيابة عموما تم ما ذكر، ثمّ انه قد اشتهر في الألسن، و تداول في بعض الكتب رواية أن السلطان ولي من لا ولي له. (1) و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا يحتاج الي أدلة عموم النيابة، و قد عرفت ما يصلح ان يكون دليلا عليه، و انه لا يخلو عن وهن في دلالته مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بأن المعروف بين الاصحاب كون الفقهاء نواب الامام، و يظهر من المحقق الثاني ايضا في رسالته الموسومة) بقاطع اللجاج في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال من المخالفين (، كما يكون ذلك للإمام عليه السلام إذا ظهر عليه السلام للشك في عموم النيابة و هو في محله.

______________________________

(1) قوله اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية «1»: ان السلطان ولي من لا ولي له.

اختلفت كلمات القوم في المراد من السلطان.

فعن جماعة: ان المراد به الامام عليه السلام، و هو الظاهر من صدر عبارة المصنف في المقام.

و عن آخرين كالعلامة في التذكرة و غيره: ان المراد به ما يعم الفقيه المأمون القائم بشرائط الاقتداء و الحكم، و هو الظاهر من عبارة المصنف قدس سره الأخيرة.

و الأظهر هو الثاني، فان السلطان من له السلطنة علي غيره، و الإمام عليه السلام

______________________________

(1) التذكرة ج 2 ص 592- رواه أبو داود في محكي سننه ج 1 ص 481- و ابن ماجة تحت رقم 1879- و احمد في مسنده ج

6 ص 47- و في عوائد النراقي عائدة 54 انه مروي في كتب الخاصة و العامة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 304

ثمّ ان قوله من لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له، بل المراد عدم الملكة. يعني انه ولي من من شأنه، بحسب شخصه، أو صنفه، أو نوعه،

أو جنسه فيشمل الصغير الذي مات ابوه و المجنون بعد البلوغ، و الغائب، و الممتنع،

و المريض، و المغمي عليه، و الميت الذي لا ولي له، و قاطبة المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة. و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة، و نحو ذلك. لكن يستفاد من ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور: و هو الأذن في فعل كل مصلحة لهم، فيثبت به مشروعية ما لم يثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم، فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف، المذكورين (1) نعم ليس له فعل شي ء لا يعود مصلحته إليهم، و ان كان ظاهر الولي يوهم ذلك، إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد بمن لا ولي له من شأنه ان يكون له ولي، يراد به كونه ممن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه، لا بمعني أنه ينبغي أن يكون عليه ولي، له عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه.

و الحاصل ان الولي المنفي: هو الولي للشخص لا عليه، فيكون المراد بالولي المثبت ذلك ايضا، فمحصله: ان الله جعل الولي الذي يحتاج إليه الشخص، و ينبغي ان يكون له هو السلطان، فافهم.

______________________________

و ان كان مصداقه الكامل الا ان للفقيه ايضا السلطنة علي غيره، و هو الحاكم المنفذ الحكم كما مر، فمقتضي اطلاق الخبر هو جعل الولاية له ايضا.

(1) و تقريب الاستدلال بالخبر: انه يدل علي

ثبوت الولاية علي من لا ولي له، و من شانه ان يكون له ولي لمن له السلطنة، و لازم جعل الولاية هو جواز كل تصرف متعلق به أو بماله كان جائزا له لو كان مالكا لأمره فيجوز للحاكم الشرعي ان يزوج المجنون الذي لا ولي له، و ان يزوج المجنونة.

فان قيل: انه ضعيف السند للإرسال.

اجبنا عنه بان صاحب الجواهر قدس سره في كتاب النكاح قال: ان هذه القاعدة استغنت عن الجابر في خصوص المورد نحو غيرها من القواعد. و الظاهر انه كذلك، فان الفقهاء في باب النكاح يصرحون بان احد الأولياء السلطان، و الظاهر ان هذا التعبير منهم من باب تبعية هذا النص، فلا اشكال في الخبر سندا و دلالة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 305

مسألة في ولاية عدول المؤمنين (1)
اشارة

اعلم: ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه هو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع، إذا كان الفقيه متعذر الوصول، فالظاهر جواز توليه لآحاد المؤمنين، لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع، غير مضاف الي شخص، و اعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط بفرض التعذر، و كونه شرطا مطلقا له، لا شرطا اختياريا، مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط لكونه من المعروف الذي امر باقامته في الشريعة. نعم لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الامام عليه السلام، صح الرجوع الي اصالة عدم المشروعية، كبعض مراتب النهي عن المنكر، حيث ان اطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حد الجرح.

______________________________

ولاية عدول المؤمنين

(1) مسألة: في ولاية عدول المؤمنين.

و ملخص القول في المقام: ان المعروف الذي ثبت كونه من وظائف الفقيه و قد مر ضابطه- لا محالة يكون التكليف به ساقطا عند عدم التمكن منه، الا إذا علمنا من الخارج

بقاء التكليف به، فيجوز حينئذ تصدي غيره.

و أما ما لم يثبت فيه ذلك، فان كان لدليله عموم أو اطلاق يقتضي جواز تصدي كل احد فلا كلام.

و الا فان كان احتمال دخل نظر الفقيه و اذنه من قبيل شرط الوجوب يكون التكليف به ساقطا مع تعذر الاستئذان منه لأصالة البراءة. و ان كان من قبيل شرط الواجب، فان كان ذلك تصرفا معامليا أو كان مستلزما للتصرف في مال الغير أو نفسه، لم يجز لما تقدم.

و الا جاز و لم يسقط التكليف به لجريان الأصل عند الشك في الأقل و الأكثر.

و ثبوت مطلوبية الفعل بعد تعذر الاستئذان انما يكون باحد طرق:

احدها: استفادة ذلك من النصوص و لو مع ملاحظة المناطات و مناسبة الحكم و الموضوع، كما في دفن الميت.

ثانيها: ان يكون لدليل ذلك المعروف اطلاق، و لا يكون الدليل المقيد له بنظر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 306

قال الشهيد رحمه الله في قواعده: يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية التصرفات الحكمية «يعني ذات مصلحة» علي الاصح، كدفع ضرورة اليتيم لعموم: و تعاونوا علي البر و التقوي.

و قوله عليه السلام: و الله تعالي في عون العبد ما كان في عون اخيه.

و قوله: كل معروف صدقة. (1) و هل يجوز اخذ الزكوات و الاخماس من الممتنع و تفريقها في اربابها؟ و كذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي فيه وجهان:

وجه الجواز: ما ذكرنا، و لأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال و هي مطلوبة لله تعالي، و قال بعض متأخري العامة ان القيام بهذه المصالح اهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها، و يصرفونها الي غير مستحقها، فان توقع امام يصرف ذلك في

وجهه حفظ المتمكن تلك الاموال الي حين تمكنه من صرفها إليه، و ان يئس من ذلك، كما في هذا الزمان تعين صرفه علي الفور في مصارفه لما في ابقائه من التغرير و حرمان مستحقيه من تعجيل اخذه مع مسيس حاجتهم إليه، و لو ظفر باموال مغصوبة حفظها لأربابها حتي يصل إليهم، و مع اليأس يتصدق بها عنهم، و عند العامة تصرف في المصارف العامة، انتهي.

______________________________

الفقيه مطلقا، فانه حينئذ يقتصر في تقييده علي المقدار المتيقن و هو التمكن من الاستيذان.

ثالثها: استقلال العقل بذلك كما في حفظ مال اليتيم من التلف.

رابعها: ان يدل دليل بالخصوص علي ذلك، كما سيأتي في بيع مال اليتيم.

خامسها: جريان السيرة العقلائية بضميمة عدم ردع الشارع عنها، كما إذا مرض اليتيم و توقفت نجاته من الهلاكة علي التصرف في ماله.

و قد ذكر له طرق اخر.

(1) منها: ما نسب الي الشهيد قدس سره و هو التمسك بدليل كل معروف صدقة «1» و شبهه، و قد مر أنه لعدم احراز الموضوع- و هو كون الفعل معروفا من كل احد- لا موقع للتمسك

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من ابواب الصدقة من كتاب الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 307

و الظاهر ان قوله: فإن توقع الي آخره من كلام الشهيد رحمه الله و لقد اجاد فيما أفاد إلا أنه لم يبين وجه عدم الجواز، لعل وجهه أن مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام أو نائبه. كما في قطع الدعاوي، و اقامة الحدود، و كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجد. فإن كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلي شخص خاص.

نعم لو فرض المعروف علي وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا، كحفظ اليتيم من

الهلاك الذي يعلم رجحانه علي مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه، صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة (1) أو فرض علي وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل احد الا انه خرج ما لو تمكن من الحاكم حيث دلت الأدلة علي وجوب ارجاع الامور إليه، و هذا كتجهيز الميت (2) و الا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل علي عدم ولاية احد علي مال احد أو نفسه. و لهذا لا يلزم عقد الفضولي علي المعقود له بمجرد كونه معروفا و مصلحة، و لا يفهم من ادلة المعروف ولاية للفضولي علي المعقود عليه، لأن المعروف هو التصرف في المال، أو النفس علي الوجه المأذون فيه من المالك، أو العقل، أو الشارع، من غير جهة نفس أدلة المعروف.

و بالجملة تصرف غير الحاكم يحتاج الي نص عقلي أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي فافهم

______________________________

(1) و منها: ما افاده المصنف قدس سره و هو: ما إذا كان الفعل مقدمة لما هو حسن عقلا، كما لو توقفت نجاة اليتيم من الهلاكة علي التصرف في ماله، بدعوي انه يعلم رجحان حفظ اليتيم من الهلاكة علي التصرف في مال الغير بغير اذنه.

و فيه: ان الكبري الكلية تامة، الا انه في المثال من جهة امكان الصرف من مال نفسه أو من بيت المال لا يتم ما افيد فيه،

و الكبري داخلة تحت الطريق الثالث الذي ذكرناه.

(2) كما ان ما افاده في تجهيز الميت متين و هو داخل في الطريق الاول من الطرق التي ذكرناها لمعروفية مطلوبية الفعل،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 308

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولي المصلحة عند فقد الحاكم،

كما هو ظاهر اكثر

الفتاوي حيث يعبرون بعدول المؤمنين، و هو مقتضي الاصل (1)

______________________________

ثمّ ان المصنف في ذيل المسألة الآتية ذكر ان من جملة الأدلة المطلقة لمعروفية الفعل قوله عليه السلام: عون الضعيف من افضل الصدقة المتقدم تعالي: و قوله (وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «1»

و فيه: اما الأول: فقد عرفت انه لا إطلاق له من هذه الجهة. و حاصله: انه من الواضح ان كل ما يكون عونا لا يكون صدقة، حتي ما كان عونا بفعل محرم، فالمراد هو العون بما يكون جائزا شرعا، فلا بد من احراز جوازه عند فقد الفقيه بدليل آخر.

و أما الآية الشريفة: فان كان الخطاب فيها متوجها الي الاولياء كما ان قوله تعالي:

(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) خطاب إليهم فهي اجنبية عن المقام، و ان كان متوجها الي عامة المكلفين فالاستدلال بها في نفسها لا مانع منه، فانها حينئذ بمفهوم الاستثناء تدل علي جواز التصرف المقرون بمصلحة الصغير مطلقا، الا ان من التزم بدلالة التوقيع و غيره علي عموم ولاية الفقيه و انها تدل علي اعتبار اذن الفقيه في امثال ذلك ليس له التمسك بعمومها، فانه بعد تقيد اطلاقها باطلاق تلك الأدلة لا يبقي محل للتمسك بها عند تعذر الاستئذان من الفقيه كما لا يخفي.

اشتراط العدالة

(1) قال المصنف بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن … و هو مقتضي الاصل لا يخفي انه قده في ولاية الأب و الجد التزم بان مقتضي الأصل عدم اعتبار العدالة، و هنا التزم بان الأصل يقتضي اعتبارها، و يمكن ان يؤيد ما ذكرناه هناك من ارادته من الأصل بذلك، و الا فالبابان من واد واحد كما هو واضح.

______________________________

(1) الانعام: 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 309

و

يمكن ان يستدل عليه ببعض الاخبار ايضا، ففي صحيحة محمد بن اسماعيل رجل مات من اصحابنا بغير وصية، فرفع امره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد،

القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما اراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه وصية، و كان قيامه بهذا بأمر القاضي، لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له: يموت الرجل من اصحابنا و لا يوصي الي احد و يخلف الجواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري في ذلك. قال: إذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس (1)

______________________________

و كيف كان: فمحصل القول في المقام: ان الكلام في اعتبار العدالة ربما يقع في جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة الي نفسه، و ربما يقع بالنسبة الي ما يتعلق من فعله بفعل الغير بان يكون فعله منضما الي فعل غيره، كالإيجاب المنضم الي القبول من الغير موضوعا للأثر.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني فيما تقتضيه النصوص الخاصة الواردة في بيع مال اليتيم.

اما المورد الأول: فان كان ثبوت معروفية ذلك الفعل باطلاق دليل أو عموم فمقتضي ذلك عدم اعتبار العدالة، كما انه كذلك إذا كان باستقلال العقل بحسنه مع استقلاله بعدم الفرق بين العادل و الفاسق،

و أما ان كان ذلك باستقلال العقل بحسنه مع عدم استقلاله بعدم اعتبار العدالة، أو كان باستكشافه من المناطات و نحوها مع احتمال الاختصاص بالعدول لزم البناء علي اعتبارها، لأن ثبوت مطلوبيته للعدول معلوم، و لغيرهم مشكوك فيه،

و الأصل عدمه، مع ان مقتضي الأصل عدم النفوذ إذا كان التصرف تصرفا معامليا، و عدم الجواز إذا كان تصرفا في مال الغير أو نفسه، بالإضافة الي غير العدول.

(1) اما المورد الثاني: فمن النصوص صحيح ابن «1» بزيع: المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من ابواب عقد البيع حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 310

______________________________

و الكلام في هذا الخبر يقع في جهات:

الأولي: في انه هل يدل علي ثبوت الولاية علي الصغار الذين لا ولي لهم ام لا؟ الثانية: في انه هل يدل علي اعتبار العدالة ام لا؟ الثالثة: في انه هل يوجب تقييد اطلاق غيره من الأدلة لو كان ام لا؟ اما الجهة الأولي: فقد يقال كما عن المحقق الايراني قدس سره احتماله انه متضمن اللاذن الشخصي من الامام عليه السلام لا لإعطاء الحكم، و حيث ان مفاده ليس اعطاء المنصب بل التوكيل فلا ينفع بالنسبة الي اعصار سائر الأئمة عليهم السلام.

و فيه: ان هذا مخالف للظاهر من وجوه:

منها: ان ظاهر السؤال هو السؤال عن الحكم الشرعي، فالجواب يكون ظاهرا في بيان ذلك.

و منها: ان ظاهره نفي البأس عن الأعمال التي اتي بها عبد الحميد قبل الرجوع الي الامام عليه السلام.

و منها: التعبير بمثلك و مثل عبد الحميد، إذ لو كان في مقام بيان الأذن الشخصي لم يكن يعبر هكذا.

و بالجملة ظهور الخبر سؤالا و جوابا في بيان اعطاء الحكم لا ينبغي انكاره.

و أما الجهة الثانية:

فالوجوه المحتملة للمماثلة اربعة:

الأول: المماثلة في التشيع.

الثاني: المماثلة في الوثاقة، و ملاحظة مصلحة اليتيم.

الثالث: المماثلة في العدالة.

الرابع: المماثلة في الفقاهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 311

بناء علي ان المراد من المماثلة. اما المماثلة في التشيع، أو في الوثاقة، و ملاحظة مصلحة

اليتيم، و ان لم يكن شيعيا، أو في الفقاهة بأن يكون من نواب الامام عموما في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة.

و الاحتمال الثالث مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس، مع عدم الفقيه و لو مع تعذره. (1) و هذا بخلاف الاحتمالات الأخر، فإن البأس ثابت للفاسق أو الخائن، أو المخالف.

و ان تعذر غير هم فتعين احدها الدائر بينها، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها و هو العدل، لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الامانة و ملاحظة مصلحة اليتيم، فيكون مفسرا للاحتمال الثاني، في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة.

______________________________

(1) و قد افاد المصنف قدس سره- و تبعه المحقق النائيني قدس سره- ان الاحتمال الرابع الذي ذكرناه الثالث في المتن مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس مع عدم الفقيه، و لو مع تعذره.

و فيه: انه لم يفرض في الخبر لابدية البيع، فلا مانع من الالتزام بعدم الجواز مع تعذر الفقيه، مع ان هذا بعينه يرد علي ارادة المماثلة في العدالة، فانه باطلاقه حينئذ يدل علي ثبوت البأس مع تعذر العادل. مضافا الي ان مورده منطوقا و مفهوما صورة التمكن من امثال محمد بن اسماعيل و عبد الحميد.

فالحق ان يقال: ان احتمال ارادة المماثلة في الفقاهة يدفعه: ان الظاهر كون المراد بعبد الحميد هو ابن سالم العطار، لأن الكليني و ان روي الرواية و اطلق عبد الحميد، و لكن الشيخ في محكي التهذيب رواها و قيده بابن سالم، و احتمال اشتباه الشيخ أو انه انما يكون التقييد من جهة اجتهاده بعيد غايته.

و ما افاده المحقق البهبهاني قدس سره من ان ابن سالم لم يكن في عصر الجواد عليه السلام و الخبر مروي عنه،

يرد عليه:

ان ابن بزيع ينقل القضية الواقعة لعبد الحميد ثمّ يسأل حكم المسألة كلية، و لا يلازم ذلك كون عبد الحميد في زمانه عليه السلام و حيث انه ليس صاحب اصل أو كتاب، فلا يستفاد فقاهته، بل هو غير فقيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 312

ففي صحيحة علي بن رئاب رجل مات و بيني و بينه قرابة و ترك اولادا صغار أو مماليك غلمانا و جواري، و لم يوص، فما تري فيمن يشتري منهم الجارية يتخذها أم ولد؟ و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال ان كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم بأمرهم، الناظر فيما يصلحهم و ليس لهم أن يرجعوا فيما فعله القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم (1)

______________________________

و يدفع احتمال ارادة المماثلة في العدالة، فرض تصرف عبد الحميد في المبيع بمجرد نصب القاضي له كما يظهر من توقفه في بيع الجواري لأنهن فروج، مع ان الرجاليين وثقوه، و الوثاقة اعم من العدالة.

و يدفع احتمال ارادة الماثلة في التشيع انه لو كان المراد تلك كان المناسب ان يقال: إذا كان من اصحابنا، أو من اصحابك، أو من يعرف امرنا فلا باس، فالمتعين ارادة المماثلة في الوثاقة و الأمانة، فيستفاد من ذلك ثبوت الولاية للأمين و ان لم يكن عادلا و أما الجهة الثالثة: فبناء علي ما افاده المصنف قدس سره يكون الخبر مجملا، و ان البناء علي اعتبار العدالة انما يكون من جهة الأخذ بالمتيقن، و عليه فلا وجه للأخذ به في مقابل اطلاق دليل أو عموم، بل هو يكون

مبينا لإجمال هذا كما هو الشأن في كل مورد كان احد الدليلين مجملا و الآخر مبينا.

(1) و منها: صحيح «1» علي بن رئاب عن الامام الكاظم عليه السلام المذكور في المتن و لكن: هذا الصحيح اجنبي عن المقام، لأن الظاهر من القيم، الشرعي، اما بنصب الميت فيكون المراد من لم يوص عدم الوصية بالثلث، أو بنصب من بيده الأمر.

و ان شئت قلت: ان الخبر وارد في مقام بيان جواز الاشتراء من القيم في مقابل الاشتراء من الصغار، و ليس في مقام بيان من به تقوم القيمومة.

______________________________

(1) الوسائل باب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 313

و موثقة زرعة عن سماعة في رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقر كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك، قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس (1) بناء علي ان المراد من يوثق به و يطمئن بفعله عرفا، و ان لم يكن فيه ملكة العدالة.

لكن في صحيحة اسماعيل بن سعد ما يدل علي اشتراط تحقق عنوان العدالة (2) قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير ان يتولي القاضي بيع ذلك؟ فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه الخليفة. أ يطيب الشراء منه ام لا؟ قال عليه السلام: إذ كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك هذا و الذي ينبغي ان يقال انك قد عرفت ان ولاية غير

الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدل علي رجحان التصدي لذلك المعروف، أو يكون هناك دليل خاص علي الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا، فقد يشمل الفاسق و قد لا يشمل.

______________________________

(1) و منها موثق زرعة عن سماعة «1» المذكور في المتن و هذا و ان كان يدل علي الاكتفاء بالوثاقة، الا انه مختص بالقسمة.

و منها صحيح اسماعيل بن سعد «2» عن الامام الرضا عليه السلام الذي ذكر في المتن

(2) و قد استظهر منه المصنف قدس سره اعتبار العدالة.

و اورد عليه: بان الظاهر من القاضي الذي تراضوا به هو القاضي الشرعي الذي له الولاية علي مال الصغير مطلقا، و ان لم ينضم إليه العدل اجماعا.

و بان غاية مفاده ثبوت الولاية للعادل، و هذا لا ينافي ثبوتها لمطلق الأمين، فلا مقيد لإطلاق صحيح ابن بزيع،

و بانه انما يدل علي اعتبار العدالة بالنسبة الي المشتري، و الكلام انما هو في وظيفة المتصدي للبيع نفسه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب احكام الوصايا حديث 2.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 314

و أما ما ورد فيه العموم، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة الي نفسه، و انه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة ام لا؟ و قد يكون بالنسبة الي ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه علي وجه المصلحة، كالشراء منه مثلا.

اما الأول: فالظاهر جوازه، و ان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة لعموم أدلة فعل ذلك المعروف، و لو مثل قوله عليه السلام: عون الضعيف من أفضل الصدقة و عموم قوله تعالي: و لا

تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن و نحو ذلك. و صحيحة محمد بن اسماعيل السابقة، قد عرفت انها محمولة علي صحيحة علي بن رئاب المتقدمة، بل و موثقة زرعة و غير ذلك مما سيأتي، و لو ترتب حكم الغير علي الفعل الصحيح منه، كما إذا صلي فاسق علي ميت لا ولي له. فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شك في صحته،

______________________________

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن السؤال انما هو عن البيع من دون تصدي القاضي، و مع تصديه فالجواب يكون عاما للموردين.

و أما الثاني: فلأن الظاهر كون قوله: عدل … الخ عطفا علي قوله رضا الورثة، و عليه فهو بمفهوم الشرط يدل علي عدم الولاية لغير العادل، و يوجب تقييد اطلاق صحيح ابن بزيع.

و أما الثالث: فلأنه بناء علي ما ستعرف من كون العدالة معتبرة بنفسها لا بما انها طريق الي ملاحظة صلاح اليتيم، يكون جعلها شرطا للشراء مستلزما لجعلها شرطا للبيع،

و الا فجعل جواز البيع للفاسق من غير ان يجوز لأحد الشراء منه لغو،

فالأظهر ان الجمع بين النصوص يقتضي البناء علي ثبوت ولاية التصرف علي مال اليتيم لعدول المؤمنين و الظاهر منها اعتبار العدالة لا من باب الأمارية علي كون التصرف تصرفا بالأحسن كما ذهب إليه المصنف قدس سره- بل من باب دخلها بنفسها، إذ الظاهر من اخذ كل عنوان في الموضوع دخله في الحكم بنفسه لا من باب الأمارية الي شي ء آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 315

و لو شك في حدوث الفعل منه و اخبر به ففي قبوله اشكال (1)

و أما الثاني: فالظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه و ان ادعي كون البيع مصلحة. بل يجب

اخذ المال من يده، و يدل عليه بعد صحيحة اسماعيل ابن سعد المتقدمة، بل و موثقة زرعة بناء علي ارادة العدالة من الوثاقة ان عموم ادلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرد تصرف الفاسق، فإن وجوب اصلاح مال اليتيم و مراعاة غبطته، لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق، و لا يجدي هنا حمل فعل المسلم علي الصحيح، كما في مثال الصلاة المتقدم، لان الواجب هناك هي صلاة صحيحة. و قد علم صدور اصل الصلاة من الفاسق، و إذا شك في صحتها احرزت باصالة الصحة.

______________________________

و بما ذكرناه ظهر الحال في المقام الثاني فلا نعيد.

و مقتضي اطلاق النصوص ثبوت الولاية للعدول مع التمكن من الفقيه،

فما افاده المحقق الأردبيلي قدس سره من كون ولاية العدول علي مال اليتيم في عرض ولاية الفقيه، متين اللهم الا ان يقال: ان مقتضي اطلاق هذه النصوص و ان كان ذلك، الا انه من جهة كونها من مناصب القضاة، و قد جعل الشارع الفقيه قاضيا و حاكما، فمع وجوده لا بد من تصديه لذلك. فتدبر فان المسألة تحتاج الي تأمل زائد.

فروع بقي في المقام فروع:

(1) الاول: انه بناء علي جواز تصرف الفاسق لو اخبر بالفعل الحسن المطلوب،

هل يقبل اخباره ام لا؟ وجهان.

و الحق ان يقال: انه بناء علي كون جواز تصرفه من باب الولاية يقبل اخباره لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به و دعوي معارضته مع عموم ما دل علي عدم حجية خبر الفاسق،

مندفعة بانه لا تعارض بينهما، إذ لا تنافي بين عدم قبول اخباره من حيث انه خبر الفاسق و قبوله من حيث انه مالك للتصرف، و لذا تري انه يقبل اخبار ذي اليد،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص:

316

و أما الحكم فيما فيه فلم يحمل علي التصرف الصحيح، و انما حمل علي موضوع هو اصلاح المال و مراعاة الحال، و الشك في اصل تحقق ذلك (1)

فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

و ان شئت قلت: ان شراء مال اليتيم لا بد ان يكون مصلحة له، و لا يجوز ذلك باصالة صحة البيع من البائع (2) كما لو شك المشتري في بلوغ البائع، فتأمل.

______________________________

و ان قلنا انه من باب التكليف الصرف لا يقبل لعدم جريان القاعدة فيه،

فالمرجع عموم ما دل علي عدم حجية خبر الفاسق.

الثاني: انه بناء علي جواز البيع للفاسق، إذا تصدي الفاسق للبيع و اوجب و شك من يريد القبول في انه هل يكون الايجاب تصرفا علي وجه احسن ام لا، فهل تجري اصالة الصحة في الايجاب و يحرز بها صحة الايجاب و القبول، ام لا؟ وجهان.

قد استدل المصنف قدس سره للثاني بوجهين:

(1) احدهما: ان الحكم لم يحمل علي التصرف الصحيح، و انما حمل علي

موضوع و هو اصلاح المال و مراعاة الحال، و هذا عنوان لموضوع الأثر، و حيث انه قد ثبت في محله انه يعتبر في جريان اصالة الصحة في موضوع الأثر احراز تحقق الموضوع و عنوانه، و كون الشك متمحضا في الوصف، و الا فمع الشك في الموصوف لا تجري اصالة الصحة، ففي المقام لا تجري اصالة الصحة في الايجاب.

(2) الثاني: ان اصالة الصحة في الايجاب لا تثبت الا صحة الايجاب التأهلية، و لا يحرز بها تحقق المصلحة، و حيث ان القابل ايضا متصرف في مال الصغير، و لا بد و ان يكون تصرفه علي وجه احسن، و لا يحرز ذلك باصالة الصحة في الايجاب، فاصالة الصحة

الجارية في الايجاب لا تفيد في الحكم بترتب النقل.

و لكنه يرد علي الوجه الاول: ان هذا الشرط كسائر الشرائط انما يكون شرط صحة التصرف، و عنوان التصرف الذي هو موضوع الاثر عنوان المعاملة من البيع و غيره، و من شرائط صحته و امضاء الشارع له كونه صلاحا لليتيم.

و بعبارة اخري: ان الموصوف بالصحة و الفساد نفس التصرف المعاملي، غاية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 317

نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير، لم يلزم الفسخ مع المشتري واخذ الثمن من الفاسق (1) لأن مال اليتيم الذي يجب اصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم انه الثمن أو المثمن. و اصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول فتدبر،

______________________________

الأمر ان هذا التصرف يمتاز عن سائر التصرفات بكونه مشروطا بشرط زائد، و هو كونه صلاحا لليتيم، و ما كان واجدا لهذا الشرط يصح، و ما كان فاسدا لا يصح، و مجرد جعله عنوانا و كيفية للتصرف لا يجعله من العناوين التي باختلافها يختلف الموضوع بنظر العرف و يكون من قبيل الأعمال الخارجية التي قصد بها البيع أو شي ء آخر، و عليه فمع احراز اصل التصرف و الشك في صحته و فساده تجري اصالة الصحة، و يحرز بها الصحة.

و يرد علي الوجه الثاني: إن الذي لا بد و ان يكون صلاحا لليتيم هو الايجاب و البيع، فانه متضمن لإعطاء ماله بعوض، و أما القبول فهو اخذ للمال الذي هو عوض عن ماله، و هذه حيثية راجعة الي المشتري لا إلي اليتيم، فلا يعتبر فيه احراز كون المعاملة صلاحا لليتيم، و لعل هذا هو السر فيما ادعاه بعض من ان اهل العرف يفهمون من جعل شخص وليا في البيع

جواز الشراء منه مع عدم الفحص عن كونه صلاحا ام لا.

مع انه يمكن ان يقال: ان الدليل انما دل علي اعتبار كون التصرف علي وجه احسن، و هو انما يكون بالبيع، و أما الشراء فهو مطاوعة و قبول للبيع لا انه بنفسه تصرف،

فلا يعتبر فيه هذا الشرط.

فالأظهر جريان اصالة الصحة في الايجاب و ترتب الأثر عليه مع ضم القبول إليه.

(1) الثالث: ما ذكره بقوله: نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري واخذ الثمن …

ما افاده قدس سره و ان كان متينا- اي تجري اصالة الصحة في فعل البائع و المشتري و يترتب عليها الأثر- الا ان الوجه الأول الذي ذكره في الفرع المتقدم يجري في هذا الفرع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 318

ثمّ انه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر انه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي (1) لا علي وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا عن كونه علي وجه النصب من الامام فمجرد وضع العدل يده علي مال يتيم لا يوجب منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه و لو نقله بعقد جائز، فوجد الآخر المصلحة في استرداده جاز الفسخ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله للصغير أو مطلق وليه من غير تخصيص بالعاقد لو اراد بيعه من شخص و عرضه، لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة و ان كان في يد الأول.

و بالجملة فالظاهر ان حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الاب و الجد،

من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر.

______________________________

و لازمه عدم جريانها، و لازم ذلك جريان استصحاب بقاء المثمن علي ملك الصغير،

و يحرز به كون

مال اليتيم الذي يجب اصلاحه و حفظه من التلف هو المثمن لا الثمن.

مزاحمة الولي

(1) قوله حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر انه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي و المقصود من سوق هذا الكلام بيان حكم مزاحمة غير المتصدي للمتصدي،

و قد حكم المصنف قدس سره بجوازها، و استند في ذلك الي ان ما ثبت له انما يكون علي وجه التكليف لا علي وجه النصب من الامام عليه السلام و لكنه يرد عليه امران:

الأول: ان الظاهر كونه من قبيل النصب حيث قال عليه السلام: ان كان ولي يقوم بامرهم باع عليهم و نظر لهم … الخ «1» مع ان ثبوت نفوذ التصرفات المعاملية لغير المالك، مع عدم كونها بعنوان الوكالة يستلزم كونه وليا و مالكا للتصرف، و الا لما كانت جائزة، و لا معني لمجرد جعل التكليف في هذا المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب 15 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 319

و أما حكام الشرع، فهل هم كذلك (1) فلو عين فقيه من يصلي علي الميت الذي لا ولي له، أو من يلي امواله، أو وضع اليد علي مال يتيم، فهل يجوز للآخر مزاحمته ام لا؟ الذي ينبغي ان يقال: انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلي مثل التوقيع المتقدم جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم. لأن المخاطب بوجوب ارجاع الامور الي الحكام هو العوام. فالنهي عن المزاحمة يختص بهم. و أما الحكام فكل منهم حجة من الامام عليه السلام فلا يجب علي واحد منهم ارجاع الامر الحادث الي آخر، فيجوز له مباشرته، و ان كان الآخر دخل فيه و وضع يده عليه، فحال كل منهم حال كل من الاب و الجد، في ان النافذ تصرف

السابق و لا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك و بنائه علي ما يغاير تصرف الآخر.

كما يجوز لأحد الحاكمين تصدي المرافعة قبل حكم الآخر، و ان حضر المترافعان عنده و احضر الشهود و بني علي الحكم. و أما لو استندنا في ذلك علي عمومات النيابة و ان فعل الفقيه كفعل الامام و نظره كنظره الذي لا يجوز التعدي عنه، لا من حيث ثبوت الولاية له علي الأنفس و الأموال حتي يقال أنه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل علي النيابة في ذلك. بل من حيث وجوب ارجاع الامور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلي الفقيه، بكونه حجة منه عليه السلام علي الناس، فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في امر و وضع يده عليه، و بني فيه بحسب نظره علي تصرف و ان لم يفعل نفس ذلك التصرف لأن دخوله فيه،

كدخول الامام. فدخول الثاني فيه و بنائه علي تصرف آخر، مزاحمة له فهو كمزاحمة الامام عليه السلام فأدلة النيابة عن الامام عليه السلام لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الامام عليه السلام

______________________________

الثاني: انه علي فرض كون ذلك من قبيل النصب من الامام كما هو كذلك تجوز مزاحمته إذا كان النصب بعنوان يعم كليهما و لا يختص بخصوص المتصدي، فان التصدي لا يوجب تعين المتصدي و انحصار المنصوب به الا إذا دل دليل آخر علي ذلك، و هو مفقود

(1) و به يظهر ما فيما افاده في حكام الشرع فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 320

فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام و بين الاب و الجد. لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة، و بين كون كل واحد منهم نائبا، و ربما

يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء المتعددين في ان بناء واحد منهم علي امر مأذون فيه. لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بني عليه الأول، و يندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من احدهم كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير و ان بني عليه الأول و دخل فيه. اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد، بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الامر كدخوله، و فرضنا ايضا عدم دلالة دليل وكالتهم علي الاذن في مخالفة نفس الموكل و التعدي عما بني هو عليه مباشرة، أو استنابة، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و لا نقيصة، والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة، فتأمل.

هذا كله مضافا إلي لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلي الحكام، سيما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة، و كيف كان، فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل الزام قولي أو فعلي يجب الرجوع فيه الي الحاكم، فإذا قبض مال اليتيم من شخص، او عين شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره، لأن نظره كنظر الامام. و أما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم،

فيها إذا لم يعرض عنها بل بني علي الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم ثمّ انه هل يشترط في ولاية غير الاب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم ام لا،

ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين: و لكن ظاهر كثير من كلماتهم انه لا يصح الا مع المصلحة، بل في

مفتاح الكرامة: انه اجماعي و ان الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.

و عن شيخه في شرح القواعد: انه ظاهر الأصحاب، و قد عرفت تصريح الشيخ و الحلي بذلك حتي في الأب و الجد، و يدل عليه بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لأحد علي احد عموم قوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 321

و حيث ان توضيح معني الآية علي ما ينبغي لم اجده في كلام احد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (1).

______________________________

توضيح الآية الشريفة

المشهور بين الأصحاب: ان تصرف غير الأب و الجد في مال الصغير مشروط بوجود المصلحة، و عن مفتاح الكرامة: انه اجماعي، و الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.

و استدل له بقوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1»

(1) و حيث يترتب علي توضيح الآية الشريفة فوائد مهمة فلا بد من ذلك.

و الكلام فيه يقع في جهات:

الأولي: ان حرمة القرب الي مال اليتيم الا بالتي هي احسن محدودة في الآية الشريفة بقوله تعالي حتي يبلغ اشده كما في سورتي الأنعام و الاسراء،

فحينئذ قد يقال: ان الغاية ان كانت قيدا للموضوع أو المتعلق- و ان كان لا يترتب محذور من جهة انه لا مفهوم للآية الشريفة- الا انه خلاف الظاهر، فان الظاهر كونها قيدا و غاية للحكم، و عليه فتدل الآية بمفهوم الغاية علي ان القرب المحرم انما هو إلي زمان البلوغ، و بعده لا يكون محرما، مع انه محرم قطعا.

و اجيب عنه بجوابين:

الأول: انها غاية للمستثني فقط، فمعناها: ان جواز التصرف علي وجه احسن محدود

بالبلوغ، و به ينقطع الجواز و يدور امر التصرف مدار اذن صاحب المال.

الثاني: انها غاية للمستثني منه، أو هو مع المستثني، الا ان المستثني منه حرمة التصرف مطلقا و لو مع رضا اليتيم، و هذا الحكم محدود بالبلوغ، فانه بعد البلوغ يجوز التصرف مع رضاه

______________________________

(1) الانعام آية 152- الاسراء آية 35.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 322

فنقول ان القرب في الآية يحتمل معاني اربعة (1)

الأول: مطلق التقليب و التحريك حتي من مكان الي آخر، فلا يشمل مثل ابقائه علي حال أو عند احد. (2)

الثاني: وضع اليد عليه بعد ان كان بعيدا عنه و مجتنبا. فالمعني تجتنبوا عنه و لا تقربوه الا إذا كان القرب احسن، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع (3)

الثالث: ما يعد تصرفا عرفاً، كالاقتراض، و البيع، و الاجارة، و ما اشبه ذلك،

فلا يدل علي تحريم ابقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه احسن منه الا بتنقيح المناط (4).

______________________________

و كلاهما خلاف الظاهر.

اما الأول: فلأن الظاهر كونه غاية للحكم الذي تضمنه الآية الشريفة.

و أما الثاني: فلأن المذكور انما هو الحكم المطلق لا إطلاق الحكم.

فالحق ان يقال: انه لا مفهوم لها من جهة كون القيد مسوقا لبيان تحقق الموضوع،

فان الموضوع هو اليتيم، و هو يتبدل بالبلوغ.

الجهة الثانية: في بيان المراد من القرب المنهي عنه.

الظاهر من القرب في نفسه هو ما يقابل البعد، و لكن الظاهر منه في الآية الشريفة التصرف في مال اليتيم، و حيث ان التصرف في مال اليتيم ربما يكون خارجيا مثل اكله و شربه و نحوهما، و ربما يكون اعتباريا كبيعه و شرائه و نحوهما.

فقد وقع الخلاف في المراد من الآية

(1) و محتملاته التي ذكرها المصنف قدس سره اربعة:

(2) الاول: ان يراد

مطلق التقليب و التحرك

(3) الثاني ارادة اقرب ما يكون الي مصداق القرب، اي اول تصرف فيه كمسه و وضع اليد عليه.

(4) الثالث ان يراد به التصرف الاعتباري كالبيع و الاجارة و ما شاكل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 323

الرابع: مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم اعم من الفعل و الترك (1)

و المعني: لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا الا ما كان أحسن من غيره، فيدل علي حرمة الابقاء في الفرض المذكور لأن ابقائه قرب له بما ليس احسن.

______________________________

(1) الرابع: ان يراد به ما يعم ذلك و الترك.

و بعبارة اخري: مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم اعم من الفعل و الترك،

و هناك احتمال خامس اظهر من الجميع،

و هو: ارادة ما يعم التصرفات الخارجية و الاعتبارية، إذ سائر الاحتمالات ما بين ما يستلزم التخصيص بلا وجه، و التعميم الذي لا يساعده عرف و لا لغة.

و مجرد كون المتعلق هو مال اليتيم و قرب المال بما هو مال عبارة عن التصرف الاعتباري المتعلق به، لا يصلح معينا للاحتمال الرابع الذي اختاره المصنف قدس سره.

و أما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان الظاهر ان القرب كناية عن اكل مال اليتيم و الاستقلال بالتصرف فيه لا التصرف لأجل اليتيم، فتكون الآية اجنبية عن المقام.

فبعيد جدا لا يلائم مع استثناء الا بالتي هي احسن.

الجهة الثالثة: في بيان المراد من النهي المتعلق بالقرب.

فان كان المراد بالقرب هو التصرف الاعتباري المتعلق بمال اليتيم كان النهي ظاهرا في الإرشاد الي الفساد،

و ان كان المراد هو التصرف الخارجي المتعلق به من وضع اليد عليه و امساكه و اكله و شربه كان ظاهرا في الحرمة المولوية.

و حيث عرفت ان المراد هو الجامع بينهما،

فان حملناه علي المولوية لما دلت الآية علي فساد المعاملة، لأن النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد، مع ان بناء الأصحاب رضي الله عنهم علي التمسك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 324

______________________________

بالآية الشريفة علي فساد المعاملة علي مال اليتيم ما لم يكن علي وجه احسن، و ان حملناه علي الإرشاد لزم تخصيص المتعلق بخصوص التصرفات الاعتبارية، و هو مما لا وجه له.

وحل هذه العويصة انما يكون باحد نحوين:

الأول: حمل النهي علي ما يعم المولوي و الإرشادي، و لا مانع من ذلك، فان الاختلاف بينهما انما يكون في الدواعي و الأغراض، و لا اختلاف بينهما ذاتا نظير الوجوب و الاستحباب، و لذا بنينا علي جواز الأمر الواحد بشيئين مع كون احدهما واجبا و الآخر مستحبا.

و بالجملة: قد حقق في محله انه لا مانع من حمل النهي عن العام علي ارادة المولوية في بعض افراده و الإرشادية في بعضها الآخر.

الثاني: حمل النهي علي خصوص المولوي، و النهي عن المعاملة نفسيا و ان لم يدل علي الفساد الا انه يوجب فسق من اتي بمتعلقه، و بصيرورته فاسقا يخرج عن الولاية لما تقدم من اعتبار العدالة في المتصدي لأمر اليتيم، و مع خروجه عنها لا يكون تصرفه نافذا كما هو واضح.

الجهة الرابعة: في بيان وجه تأنيث الموصول مع انه لو قدر ما هو من جنس المستثني لزم تذكيرها، فان القرب مذكر،

و الذي ينبغي ان يقال انه من جهة جعل المستثني مجرورا بحرف جر لا بد من جعل المستثني منه مقدرا و مجرورا بحرف جر، مثل: بحيثية أو كيفية، و عليه فيلائم تأنيث الموصول.

الجهة الخامسة: في بيان محتملات الأحسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 325

و أما لفظ الاحسن في الآية (1)

فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل، و يحتمل ان يراد به الحسن و علي الأول فيحتمل التصرف الأحسن من تركه، كما يظهر من بعض، و يحتمل أن يراد به ظاهره و هو الاحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات. و علي الثاني فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة و يحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه علي ما قيل من ان احد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثمّ ان الظاهر من احتمالات القرب هو الثالث و من احتمالات: الأحسن هو الاحتمال الثاني اعني التفضيل المطلق (2) و حينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم.

______________________________

(1) و قد ذكر المصنف ان محتملاته اربعة، فان المراد به اما: التفضيل، أو الحسن.

و علي الأول: فاما ان يراد التصرف الأحسن من الترك، أو الأحسن مطلقا من الترك و من التصرفات الاخر.

و علي الثاني: فاما ان يراد به ما فيه المصلحة، أو مالا مفسدة فيه و هناك احتمال خامس و هو: ارادة التفضيل منه، و ان يراد به من التصرفات الاخر.

و لازم الأول جواز البيع إذا كان احسن من تركه و ان كان الايجار احسن منه،

و لازم الثاني عدم جوازه ما لم يكن احسن من تركه و من التصرفات الاخر،

و لازم الثالث جواز كل تصرف فيه مصلحة و ان كان تركه اصلح أو سائر التصرفات كذلك،

و لازم الرابع جواز التصرف إذا لم يكن فيه مفسدة و ان كان في غيره من التصرفات مصلحة اكيدة،

و لازم الخامس جواز البيع إذا كان اصلح من الايجار و ان كان تركه اصلح.

(2) و قد استظهر المصنف قدس سره الاحتمال الثاني، و الوجه فيه: ان الظاهر

من الاحسن ارادة التفضيل، و ان حذف المتعلق و ترك ذكر المفضل عليه يفيد العموم.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان استعماله في غير التفضيل كثير، و يؤيد عدم ارادة التفضيل منه في الآية عدم ذكر كلمة من و عدم اضافته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 326

ثمّ فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا فاراد الولي جعلها دينارا، فلا يجوز لأن هذا التصرف ليس اصلح من تركه و ان كان يجوز لنا من اول الأمر بيع المال بالدينار لفرض عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا. اما لو جعلنا الحسن بمعني ما لا مفسدة فيه فيجوز، و كذا لو جعلنا القرب بالمعني الرابع، لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم علي حاله، كما هو الاحتمال الرابع، فيجوز التصرف المذكور، إذ بعد كون الاحسن هو جعل مال اليتيم نقدا، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا، لأن القدر المشترك احسن من غيره، واحد الفردين فيه لا مزية لاحدهما علي الآخر فيخير، فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كل من ابقاء الدراهم علي حاله و جعلها دينارا قربا و القدر المشترك احسن من غيره، فأحد الفردين لا مزية فيه علي الآخر فهو مخير بينهما.

______________________________

و فيه: ان استعماله في غير التفضيل كثيرا مع القرينة لا ينافي ظهوره فيه إذا ذكر بلا قرينة، و عدم ذكر كلمة من أو الاضافة انما يوجب ظهوره في العموم، و لا ينافي ذلك.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه ان اريد منه الأحسن من جميع ما عداه لزم عدم الأقدام علي شي ء من التصرفات عند مساواتها أو مساواة عدة منها

في مقدار المصلحة، فان كل واحد من تلك الأفراد المساوية ليس احسن من جميع ما عداه،

و ان اريد منه الأحسن في الجملة و لو من بعض ما عداه لزم جواز تصرف يكون هو احسن من ما دونه و ان كان هناك تصرف آخر احسن منه.

و فيه: ان المراد به هو الأحسن مطلقا، الا انه في الفرض نقول بان الجامع بين الأفراد المتساوية في مقدار من المصلحة يكون احسن من غيره، فيجوز، و لازمه التخيير بين الأفراد.

الثالث: انه لو فرضنا ان الترك و سائر التصرفات لا حسن فيها اصلا، و هذا الفعل كالبيع فيه مصلحة اكيدة، لزم عدم جوازه، فانه لا يصدق الأحسن لعدم المبدأ في غيره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 327

و الحاصل أنه كل ما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء، لكون القدر المشترك بينهما أحسن و عدم مزية لأحد الفردين تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول من احدهما بعد فعله الي الآخر، إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة الي حال اليتيم، و ان كان فيه نفع يعود الي المتصرف، لكن الانصاف ان المعني الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة الي المعني الثالث. و ان كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام ان لا

يختاروا في امر مال اليتيم، الا ما كان احسن من غيره (1)

______________________________

لتكون الزيادة صادقة في البيع، مع انه جائز قطعا.

و فيه، اولا: انه لا محذور في الالتزام بعدم شمول المستثني له، و انما يلتزم بالجواز بالاولوية، إذ لو جاز البيع مع وجود المصلحة في غيره فجوازه مع عدمها يكون اولي.

و ثانيا: انه يحمل الأحسن علي التفضيل المجازي، اي ما يترجح علي غيره في نظر

العقلاء سواء كان لأجل ان مصلحته آكد من مصلحة غيره، أو من جهة ان فيه المصلحة و في غيره المفسدة.

و قد ظهر مما ذكرناه امران:

(1) الاول: تمامية ما افاده المصنف قدس سره من ارادة الاحسن مطلقا.

الثاني: عدم تمامية ما افاده من انه لو فرضنا بيع المال اليتيم بعشرة دراهم و فرضنا انه لا يتفاوت الحال في ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا لا يجوز ذلك، فان هذا التصرف ليس اصلح من تركه.

وجه عدم تماميته: ان الجامع بينه و بين الابقاء يكون اصلح من غيره، فيجوز و يتخير بين الفردين. فالأظهر جواز التبديل.

هذا بحسب ما يستفاد من الآية، فقد عرفت انه يستفاد منها اعتبار المصلحة،

و أما بحسب الروايات، فقد ذكر المصنف قدس سره روايتين و ادعي دلالتهما علي كفاية عدم المفسدة و عدم اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 328

نعم ربما يظهر من بعض الروايات، ان مناط حرمة التصرف هو الضرر لا ان مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد الله عليه السلام: انا لندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معهم خادم لهم، فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم،

و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا، و فيه من طعامهم، فما تري في ذلك،

قال: ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، و ان كان فيه ضرر فلا، بناء علي ان المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل الي الأيتام ما يوازي ذلك (1)

فلا تنافي علي ذلك بين الصدر و الذيل علي ما زعمه بعض المعاصرين من ان

الصدر دال علي اناطة الحرمة بالضرر، فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع و لا مضر. و هذا منه مبني علي ان المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بازاء مال اليتيم إليه، بمعني ان يكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بازائه، و هكذا و انت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتي يحصل التنافي.

______________________________

احداهما حسنة «1» الكاهلي عن الامام الصادق عليه السلام المذكورة في المتن

(1) تقريب الاستدلال بها: ان المراد بالمنفعة ما يوازي عوض ما يتصرفون فيه من مال اليتيم عند دخولهم من جهة ان ما لوحظت المنفعة بالإضافة إليه هو الدخول في بيت الأيتام و القعود علي بساطهم، فما يتعقبه من العوض زيادة بالإضافة الي ذلك فتصدق عليها المنفعة، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل الي الأيتام ما يوازي ذلك فلا تنافي بين صدر الخبر و الذيل، و يكون المستفاد منه الجواز مع عدم المفسدة، و ان لم تكن مصلحة.

و فيه: ان المراد بالنفع ان كان مطلق الزيادة- بالإضافة الي ما ذكر و ان كانت

______________________________

(1) الوسائل- باب 71- من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 329

و في رواية ابن المغيرة قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة، فربما اهدي لها الشي ء فاكل منه، اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي، فأقول: يا رب هذا بهذا، قال: لا بأس فإن ترك الاستفصال من مساواة العوض و زيادته يدل علي عدم اعتبار الزيادة (1) الا ان يحمل علي الغالب من كون التصرف في الطعام المهدي إليها و اعطاء العوض بعد ذلك اصلح إذ

الظاهر ان الطعام المهدي إليها هو المطبوخ و شبهه.

______________________________

اقل مما يوازيه- لزم جواز الدخول مع اعطاء اقل مما يوازيه، و هذا لا يجوز قطعا،

و ان كان المراد بالاضافة الي مالية اموالهم خرجت صورة مساواة النفع و الضرر عن منطوق الخبر، و تعارضت فيها الشرطيتان كما عن بعض معاصري المصنف قدس سره.

و الحق ان يقال: ان في مورد الخبر خصوصية ليس فيها حد الوسط بين النفع و الضرر، فانه بالتصرف في الدار و البساط و الخادم و الطعام المخلوط بطعام صاحبه لا يلزم خسارة مالية علي الأيتام، فكل ما اعطي بازاء ذلك ان كان يوازي ذلك يعد نفعا لهم،

و ان اعطي اقل من ذلك كان ضررا- فتدبر- و لو اغمض عن ذلك و سلم التعارض بين مفهوم الشرطيتين يحكم بالتساقط

و الرجوع الي الآية الشريفة الدالة علي عدم الجواز إذا لم يكن في التصرف مصلحة و نفع عائد الي الأيتام.

ثانيتهما: رواية «1» علي بن المغيرة: المذكورة في المتن

(1) تقريب الاستدلال بها: ان المراد بالمنفعة ما يوازي عوض ما يتصرفون فيه من اعتبار الزيادة، و لا ريب في ان منصرف الرواية صورة عدم النقص فلا يرد عليه الايراد: بان مقتضي ترك الاستفصال جواز اعطاء الأنقص.

و لكن ترد عليه امور:

الأول: ان من يأكل من طعام الغير و يريد اعطاء عوضه و بنائه علي عدم اعطاء الأقل لا محالة يعطي مقدارا ازيد، و فرض التساوي نادر جدا ملحق بالمعدوم.

الثاني: ان الظاهر كون اليتيمة تحت اختياره و امرها بيده، و حينئذ يكون عدم

______________________________

(1) الوسائل باب 71 من ابواب ما يكتب به حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 330

و هل يجب مراعاة الاصلح ام لا؟ وجهان: قال الشهيد قدس سره في القواعد:

هل يجب علي الولي مراعاة المصلحة في مال للمولي عليه أو يكفي نفي المفسدة يحتمل الأول، لانه منصوب لها (1) و لأصالة بقاء الملك علي حاله (2) و لأن النقل و الانتقال لا بد لهما من غاية، و العدميات لا تكاد تقع غاية (3)

______________________________

التصرف في طعامها ابقاء لما لها و تصرفا وجوديا، فالجامع بينه و بين التصرف بازاء ما يبذل ما يساويه ذو مصلحة، فيكون جائزا، و يتخير بين الفردين.

الثالث: ان الظاهر كون الطعام مطبوخا، فلا محالة اكل مقدار منه و اعطاء عوضه المساوي معه في القيمة يكون اصلح بحال اليتيمة.

فتحصل: ان الأظهر اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، من غير فرق بين التصرفات الخارجية و المعاملية.

و الشهيد قده استدل لاعتبار المصلحة بوجوه اخر:

(1) الاول: انه منصوب لها.

و فيه: ان هذا اول الكلام، و لعله منصوب وليا لحفظ ماله، فيتخير بين تبديل ماله بما يماثله، و ابقائه علي حاله.

(2) الثاني: اصالة بقاء الملك علي حاله.

و فيه: انه لا يرجع إليها مع عموم دليل الولاية.

(3) الثالث: ان العدميات لا تكاد تقع غاية.

و فيه: ان العدميات و ان لم تقع غاية، بل الغاية لا بد و ان تكون امرا وجوديا، الا ان اعتبار كونها امرا وجوديا راجعا الي المولي عليه مما لم يدل عليه دليل، مع الاغماض عما ذكرناه، فلو فرضنا انه لا مفسدة في بيع مال اليتيم، و كانت هناك مصلحة راجعة الي نفس المتصدي للبيع جاز بمقتضي عموم ادلة الولاية، لو لا الآية الشريفة.

و بالجملة: الكلام في المقام انما هو في ان البيع الذي لا مفسدة فيه إذا كان بداع عقلائي هل يكون نافذا ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 331

و علي هذا هل

يتحري الاصلح ام يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان (1) نعم لمثل ما قلنا لا لأن ذلك لا يتناهي، و علي كل تقدير لو ظهر في الحال الاصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الاصلح، و يترتب علي ذلك اخذ الولي بالشفعة للمولي عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة، و تزويج المجنون حيث لا مفسدة و غير ذلك، انتهي.

الظاهر ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا غير لازم، لعدم الدليل عليه فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده و كان الاتجار به اصلح منه لم «لا» يجب الا إذا قلنا بالمعني الرابع من معاني القرب في الآية بأن يراد لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الأفعال أو التروك الا ان يكون احسن من غيره.

و قد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعني، بل الظاهر التصرفات الوجودية فهي المنهي عن جميعها لا ما كان احسن من غيره و من الترك فلا يشمل ما إذا كان فعل احسن من الترك، نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة. و أما إذا كان في الترك مفسدة.

______________________________

(1) و هل يتحري الاصلح ام يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان.

ظاهر الآية الشريفة اعتبار تحري الأصلح، غاية الأمر بالنسبة الي التصرفات المتعارفة، و أما لو خرج الأصلح عن ذلك و اوجب تحريه الأصلح الحرج، أو كان خلاف المتعارف، فلا يجب.

و بهذا يندفع ما ذكره الشهيد قدس سره في وجه عدم لزوم تحري الأصلح من ان ذلك لا يتناهي.

بقي في المقام شي ء لم ار من تعرض له، و هو: ان نظر الولي في الحسن هل له موضوعية ام هو طريق الي الحسن الواقعي و ثمرة ذلك انه لو باع الولي و كان

في ذلك مصلحة بنظره ثمّ تبين عدم المصلحة فعلي الأول يصح البيع و علي الثاني لا يصح.

و الأظهر هو الأول، و ذلك لوجوه:

الأول: السيرة القطعية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 332

و دار الامر بين افعال بعضها أصلح من بعض فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا كما إذا اشتري في موضع بعشرة. و في موضع آخر قريب منه بعشرين فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال و لو ارتكبه عاقل عد سفيها ليس فيه ملكة إصلاح المال، و هذا هو الذي أراده الشهيد بقوله: و لو ظهر في الحال انتهي.

نعم قد لا يعد العدول من السفاهة كما لو كان بيعه مصلحة و كان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ان ينقله إليه و العلم بعدم الخسارة، فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة لكن ظاهر الآية وجوبه.

______________________________

الثاني: لزوم اختلال النظام من عدم الصحة في الفرض، مثلا لو باع مال اليتيم و بعد ثلاث سنين ظهر عدم المصلحة، و من الواضح ان الحكم بالفساد في هذا المورد و شبهه يستلزم الحرج و اختلال النظام.

الثالث: ان دلالة الآية الشريفة- التي هي المقيدة لإطلاق ادلة الولاية علي ان التصرف غير الأحسن إذا كان معامليا باطل- انما تكون من جهة دلالة النهي علي الحرمة،

و ان ارتكابه حينئذ موجب للفسق و مخرج له عن الولاية، و من الواضح انه إذا كان البيع بنظر الولي صلاحا لا يكون هو موجبا للفسق، و ان لم يكن في الواقع كذلك.

نقل العبد المسلم الي الكافر

قوله مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما بما ان هذا البحث لا موضوع له في هذا الزمان فالصفح

عن التعرض له اولي.

نقل المصحف الي الكافر

قوله المشهور عدم جواز نقل المصحف الي الكافر و قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الثاني من هذا الشرح في الخاتمة فلا وجه للاعادة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 333

القول في شرائط العوضين: (1)

[مسألة من شروط العوضين المالية]
اشارة

يشترط في كل منهما كونه متمولا، (2) لأن البيع لغة مبادلة مال بمال، و قد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع لأن الأول: ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها و نفي الفائدة عنها.

و الثاني: ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير، ثمّ قسموا عدم الانتفاع الي ما يستند الي خسة الشي ء، كالحشرات، و إلي ما يستند الي قلته كحبة حنطة، و ذكروا انه ليس مالا و ان كان يصدق عليه الملك. و لذا يحرم غصبه اجماعا. و عن التذكرة: انه لو تلف لم يضمن اصلا، و اعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل.

______________________________

بيان حقيقة المال و الملك

(1) المقصد الرابع: في شرائط العوضين.

و قد ذكرنا بعضها في الباب الأول، و كيف كان فيشترط في كل منهما امور اخر.

(2) الاول و الثاني: كونه مالا، و ملكا.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في مقامين:

الأول: في بيان حقيقة المال، و الملك.

الثاني: في وجه اعتبارهما.

اما الأول: فالمال يكون علي نحوين:

احدهما: ما كانت ماليته ذاتية، و هو كل ما فيه منفعة عائدة الي الانسان، و يحتاج إليه بحسب فطرته من المأكول و المشروب و الملبوس و ما شاكل الموجبة لحدوث رغبة الناس فيه و ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة، و يبذلون بازائه شيئا مما يرغبون فيه من النقود و غيرها من جهة توقف الوصول إليه الي اعمال عمل، ففي الحقيقة يعتبر في صدق المال علي شي ء امران:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 334

______________________________

احدهما: كونه موضوعا لغرض، سواء كان ذلك دفع الضرورات الأولية كالأقوات،

أو العرضية كالأدوية، أو لتحصيل اللذة كالفواكه و بعض الأشربة.

ثانيهما: توقف الوصول إليه الي اعمال عمل، و لأجل ذلك

تختلف مالية الأموال من جهة اختلاف مقدار الحاجة و العمل الذي يحتاج إليه في الوصول الي ذلك الشي ء.

مثلا الغرض المترتب علي الماء ازيد بمراتب من ما يترتب علي بعض الأدوية النادرة الوجود، و لكن المال علي الشاطئ لا مالية له، و ذلك الدواء له مالية معتد بها. و السر في ذلك: فقد الأمر الثاني في الأول، و لذا كلما ازداد بعدا عن الشط ازدادت ماليته.

ثانيهما: ما كانت ماليته اعتبارية و جعلية كالنقود، و هو علي قسمين:

الأول: ما كان الاعتبار فيه عاما يشترك فيه جميع افراد البشر بدافع من الشعور بالحاجة الاجتماعية، و هي توقف حفظ نظام النوع علي التبادل بين الأموال و عدم امكان التبادل بين الأموال التي ماليتها ذاتية كالأحجار الكريمة من الذهب و الفضة و غيرهما.

و بالجملة: القسم الأول ما بني العقلاء علي اعتبار المالية له.

الثاني: ما كان الاعتبار فيه خاصا، و هو ايضا علي قسمين،

إذ قد يكون شي ء خاص تعتبر له المالية من جانب دولة ما بالنظر الي ما بنت عليه تلك الدولة من ترتيب اثر خاص عليه كطوابع البريد، فان كل طابع له مالية في مملكة خاصة دون الممالك الاخر، و ماليته انما تكون بلحاظ ما بنت عليه تلك الدولة من ترتيب اثر خاص عليه و هو ايصال المكتوب الي اي محل شاء المرسل مقابل الصاق الطابع المعين به،

و قد يكون الاعتبار فيه ليقوم مقام القسم الأول كالدينار العراقي و الأسكناس، و هذا القسم الأخير لا يعتبرونه العقلاء مالا بمجرد اعتبار المعتبر أيا من كان، بل لا بد و ان يكون له غطاء، و يعبر عنه بغطاء العملة، و التغطية علي وجوه،

ثمّ ان حرمة المنافع كعدمها مسقطة للمال عن المالية.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 4، ص: 335

______________________________

و أما الملكية فلها اربع مراتب:

الأولي: الملكية الحقيقية، و هي عبارة عن السلطنة بنحو يكون زمام امر المملوك بيد المالك حدوثا و بقاء، و هي مخصوصة بالله تعالي.

الثانية: الملكية الذاتية، و المراد بالذاتي ما لا يحتاج تحققه الي امر خارجي، لا الذاتي في باب البرهان و لا الذاتي في باب الكليات الخمس،

و هي عبارة عن الاضافة الحاصلة بين الشخص و نفسه و عمله و ذمته، إذ الانسان مالك لعمله و لنفسه و لذمته بالملكية الذاتية،

و الشاهد به الضرورة و الوجدان و السيرة العقلائية، و هذه المرتبة دون مرتبة الواجدية الحقيقية المختصة بالله تعالي.

الثالثة: الملكية المقولية، و هي عبارة عن الهيئة الحاصلة من احاطة جسم بجسم آخر، كالهيئة الحاصلة من التعمم و التقمص و ما شاكل.

الرابعة: الملكية الاعتبارية، و هي التي يعتبرها العقلاء أو الشارع لشخص خاص من جهة المصلحة الداعية الي ذلك.

و هذه المرتبة من الملكية قد تكون اولية، و قد تكون اضافة ثانوية.

و الأولية قد تكون اصلية كالإضافة الحاصلة بالعمل أو بالحيازة أو بهما معا، و قد تكون تبعية و هي ما تكون بين المالك و نتاج امواله،

و الإضافة الثانوية و المراد بها ما قابل الأولية، و ان طرأت علي الأموال مرارا عديدة، و هي قد تكون قهرية كالإضافة الحاصلة بسبب الأرث، و قد تكون اختيارية كالإضافة الحاصلة من المعاملات.

و لتفصيل الكلام محل آخر.

و محل الكلام في المقام هو اعتبار الملكية الذاتية، أو الاعتبارية.

و أما النسبة بين المال و الملك فهي العموم من وجه، إذ الحبة من الحنطة ملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 336

و الأولي ان يقال ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا، فلا اشكال و لا خلاف في عدم

جواز وقوعه احد العوضين إذ لا بيع الا في ملك (1) و ما لم يتحقق فيه ذلك فان كان اكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا (2) فالظاهر فساد المقابلة و ما لم يتحقق فيه ذلك، فان ثبت دليل من نص أو إجماع علي عدم جواز بيعه فهو

______________________________

و ليست بمال، و المباحات الأصلية قبل حيازتها اموال و ليست بملك لأحد، و قد يجتمعان و هو كثير.

بيان الدليل علي اعتبار المالية و الملكية في العوضين

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه في موردين:

الأول: في الدليل علي اعتبار المالية.

الثاني: في الدليل علي اعتبار الملكية.

(1) اما المورد الأول: فقد افاد المصنف قدس سره ان ما تحقق فيه عدم المالية عرفا يشهد لعدم جواز وقوعه احد العوضين ما دل علي انه لا بيع الا في ملك «1». و ما لم يتحقق فيه ذلك فان كان اكل المال في مقابله اكلا للمال بالباطل فلا يجوز، و ما لم يتحقق فيه ذلك فان دل دليل خاص علي عدم جواز بيعه فهو و الا فمقتضي العمومات جواز جعله احد العوضين.

في كلامه قده مواقع للنظر:

الأول: في استدلاله علي فساد البيع فيما تحقق فيه عدم المالية بما دل علي انه لا بيع الا في ملك، إذ عرفت ان النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، فعدم المالية ليس مستلزما لعدم الملكية كي يستدل بما تضمن اعتبار الملك علي اعتبار المال.

(2) الثاني: استدلاله للفساد فيما إذا لم يتحقق المالية و لا عدمها بما دل علي عدم جواز اكل المال بالباطل فان صدق اكل المال الباطل ان كان لاجل عدم المالية فهو طريق إليه لا شي ء في مقابله، مع ان المفروض الشك في صدق المالية، فلا محالة يشك في صدق اكل المال بالباطل.

______________________________

(1)

راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 الوسائل باب 7 من أبواب احكام العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 337

و إلا فلا يخفي وجوب الرجوع الي عمومات صحة البيع و التجارة (1) و خصوص قوله عليه السلام في المروي عن تحف العقول: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فكل ذلك حلال بيعه الي آخر الرواية. و قد تقدمت في اول الكتاب.

______________________________

و ان كان لا لأجل ذلك فلا وجه لعده من شئون ما لم يعلم انه مال.

(1) الثالث: في استدلاله بالعمومات، بعد فرض عدم تحقق انه ليس بمال، و عدم احراز صدق اكل المال بالباطل، و عدم دليل خاص علي عدم جواز البيع، علي الصحة فانه إذا توقف صدق البيع الذي هو عنده مبادلة مال بمال علي احراز كون العوضين من الاموال، فمع الشك في ذلك يشك في صدق الموضوع، و معه لا يبقي مورد للتمسك بالعموم فالحق ان يقال: ان اعتبار المالية في العوضين انما يكون من جهة عدم صدق عناوين المعاملات بدونها، حيث ان البيع مثلا عبارة عن الاعطاء لا مجانا، فإذا كان العوض مما لا مالية له فاعطاء المعوض اعطاء مجانا و هكذا عنوان التجارة و العقد، و هذا هو الميزان.

ثمّ انها هنا فروعا:

منها: انه إذا كان للشي ء منفعة نادرة هل يجوز بيعه ام لا؟ و منها: انه إذا كان للشي ء منفعة محللة نادرة و منفعته الظاهرة محرمة هل يجوز بيعه ام لا؟ و قد تقدم الكلام في هذه الفروع في الجزء الاول من الشرح و أما المورد الثاني: فقد استدل لاعتبار الملكية بوجوه:

الأول: النصوص الدالة علي عدم جواز بيع ما ليس عنده «1» و قد مر في مبحث

بيع الفضولي ان تلك النصوص معارضة بما تضمن الجواز «2»

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 338

ثمّ انهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس كالماء،

و الكلاء، و السموك، و الوحوش، قبل اصطيادها، بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل (1)

______________________________

و بلحاظ التعارض تحمل علي ارادة بيع ما لا يكون له السلطنة عليه،

مضافا الي امكان حملها علي ارادة بيع ما لا يقدر علي تسليمه. فراجع.

الثاني: النصوص الواضحة الدلالة ذكر هذا الوجه في الجواهر.

و فيه: انه ان اريد بها نصوص بيع ما ليس عنده فيرد عليه ما تقدم، و ان اريد بها غيرها فعليه التوضيح و البيان.

الثالث: ان بذل المال بازاء ما لا يكون مملوكا سفهي، و اكل للمال بالباطل.

و فيه: انه إذا فرضنا تسلطه علي التصرف فيه مع عدم كونه مملوكا- كالكلي في الذمة- لا يكون البيع سفهيا و لا أكلا للمال بالباطل.

الرابع: الإجماع.

و فيه: انه لعدم كونه تعبديا لا يعتمد عليه.

و قد يقال: بعدم اعتبار الملكية نظرا الي انه يجوز بيع الكلي في الذمة، مع انه ليس مملوكا للبائع.

و فيه: ما مر من انه مملوك بالملكية الذاتية.

و الحق ان يقال: انه لا يجوز بيع المباحات و لا مال الغير لعدم سلطانه علي المبيع و عدم كون البائع مالكا لأمرهما.

اما في الثاني: فواضح

(1) و أما في المباحات: فلأن المباحات الأصلية متساوية النسبة الي البائع و المشتري، و ليست هي كالكلي ليتعهد به في ذمته، و لا كالعين الشخصية المضافة إليه بالإضافة الملكية لتكون له السلطنة عليه، فعدم جواز البيع فيها انما هو لأجل عدم تسلطه علي المبيع و عدم كونه مالكا لأمره، لا لعدم ملكية

الرقبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 339

و احترزوا به ايضا عن الأرض المفتوحة عنوة، و وجه الاحتراز انها غير مملوكة لملاكها (1) علي نحو سائر الأملاك، بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض و إن قل. و لذا لا يورث بل و لا من قبيل الوقف الخاص علي معينين لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا، و لا كالوقف علي غير معينين كالعلماء و المؤمنين، و لا من قبيل تملك الفقراء للزكاة، و السادة للخمس، بمعني كونهم مصارف له لعدم تملكهم لمنافعها بالقبض، لأن مصرفه منحصر في مصالح المسلمين. فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم، فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل عليه الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملاك، ثمّ ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعي عليه الاجماع و دل عليه النص كمرسلة حماد الطويلة و غيرها و حيث جري في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين فلا بأس بالاشارة اجمالا الي جميع

اقسام الارضين و احكامها.
اشارة

______________________________

(1) الكلام في الأرض المفتوحة عنوة هل هي ملك للمسلمين، ام ليست كذلك سيأتي عند تعرض المصنف له و لكن بناء علي كونها ملكا لهم لا يكفي مجرد التقييد بالملك في خروجها، بل لا بد من اضافة خصوصية الي الملكية كي يصح الاحتراز بواسطة تلك الخصوصية.

ثمّ علي القول بانها ملك يقع الكلام في تطبيق ملكيتها علي سائر انحاء الملكية لا إشكال في انها ليست ملكا طلقا لجميع المسلمين، و الا لزم الانتقال بالإرث،

مع ان القوم غير ملتزمين بذلك، و لزم عدم تسلط غير الملاك علي التصرف فيها كما هو مقتضي الناس مسلطون علي اموالهم، «1» مع ان امرها بيد ولي الأمر و لا لنوع المسلمين، فانه و ان

لم يرد عليه المحذوران المتقدمان- إذ لا تعين للميت حتي يرثه وارثه و لا تعين للمالك فلا محالة تكون الولاية لولي الأمر القابض علي هذه الأرض. الا انه يرد عليه: ان لازمه جواز اعطاء ولي الأمر عين هذه الأرض لأحد من المسلمين من دون مصلحة، و لا وقفا لهم، و الا لزم عدم جواز بيعها الا في موارد مخصوصة منصوصة لا لما يراه ولي الأمر من المصلحة،

بل هي ملك لنوع المسلمين، و جعل امرها عينا و منفعة الي ولي الأمر مع رعاية مصلحة النوع.

______________________________

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 340

فنقول و من الله الاستعانة:

الأرض اما موات، و أما عامرة، و كل منهما اما ان تكون كذلك اصلية، أو عرض لها ذلك،

فالأقسام اربعة لا خامس لها.
الأول: ما يكون مواتا بالأصالة

بأن لم تكن مسبوقة بعمارة، و لا إشكال و لا خلاف منا في كونها للإمام عليه السلام، (1) و الاجماع عليه محكي عن الخلاف، و الغنية، و جامع المقاصد،. المسالك، و ظاهر جماعة اخري، و النصوص بذلك مستفيضة، بل قيل انها متواترة (2).

______________________________

اقسام الارضين و احكامها

(1) قوله و لا إشكال و لا خلاف منا في كونها للامام عليه السلام تنقيح القول في المقام بالبحث في جهات الاولي: في انها للامام عليه السلام ام لا الثانية: في انها تملك بالاحياء ام لا الثالثة: في اعتبار اذنه عليه السلام في التملك بالاحياء الرابعة: في ان التملك بالاحياء هل يختص بالشيعة أو يشمل كل مسلم ام يعم الكافر الخامسة: في ان الارض هل يملكها المحيي مجانا أو يجب اداء خراجها الي الامام و قيل بيان هذه الجهات لا بد و ان يعلم ان الموات هي

الارض المعطلة التي لا ينتفع بها لذلك اما لانقطاع الماء عنها أو لغير ذلك.

اما الجهة الاولي فلا اشكال نصا و فتوي في انها للامام عليه السلام

(2) و لكن ما ذكره المصنف قدس سره من ان النصوص بذلك مستفيضة بل قيل انها متواترة- غير تام- فان بعض تلك النصوص يتضمن كون الارض الخربة للامام عليه السلام او من الانفال الثابت كونها له عليه السلام كمصحح «1» حفص و موثق «2» سماعة و غيرهما و بعضها يتضمن ان الارض الخربة التي باد اهلها له أو منها كخبر ابي بصير «3»

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال من كتاب الخمس حديث 1.

(2) نفس المصدر ح 8

(3) نفس المصدر حديث 28.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 341

و هي من الانفال. نعم ابيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض (1) و عليه يحمل ما في النبوي موتان الأرض لله و رسوله صلي الله عليه و آله، ثمّ هي لكم مني أيها المسلمون، و نحوه الآخر عادي الأرض لله و لرسوله ثمّ هي لكم مني و ربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلي الامام عليه السلام كما في صحيحة الكابلي قال وجدنا في كتاب علي) ان الأرض لله يورثها من يشاء و العاقبة للمتقين (قال: انا و اهل بيتي الذين اورثنا الله الارض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا، فمن احيي من الأرض من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي، و له ما اكل منها الخبر.

______________________________

و بعضها يتضمن ان الارض التي لا رب لها أو الارض الميتة التي لا رب لها له كمرسل «1» حماد و غيره و بعضها يدل علي ان الارض كلها له كصحيح

«2» الكابلي المذكور في المتين و بعضها يتضمن ان موتان الارض للرسول صلي الله عليه و آله كالنبويين «3» المذكورين في المتين اما نصوص الارض التي لا رب لها فمطلقها و مقيدها مسوقة لبيان ان مالا مالك له له عليه السلام لا لخصوصية في الموات من الارض- و أما ما دل علي ان الارض كلها للامام عليه السلام فلا بد من حمله علي ارادة الملكية غير الاعتبارية كما لا يخفي و أما النبويان فغير مرويين من طريقنا.

(1) و أما الجهة الثانية فلا خلاف في انها تملك بالاحياء و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل حكي اجماع المسلمين عليه و يشهد له جملة من النصوص

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال من كتاب الخمس حديث 4.

(2) نفس المصدر ح 2.

(3) المبسوط كتاب احياء الموات- التذكرة ج 2 ص 400

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 342

و مصححة عمر بن يزيد انه سال رجل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها اهلها فعمرها و اجري انهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا،

فقال أبو عبد الله عليه السلام كان امير المؤمنين عليه السلام يقول: من احيي ارضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه به إلي الامام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان يؤخذ منه الخبر.

و يمكن حملها علي بيان الاستحقاق و وجوب ايصال الطسق إذا طلبه الامام عليه السلام

______________________________

كقول الامام الصادق في الحسن كالصحيح قال رسول الله صلي الله عليه و آله من احيي ارضا مواتا فهي له «1»

و قوله عليه السلام في خبر السكوني قال رسول الله صلي الله عليه و آله

من غرس شجرا أو حفر واديا- الي ان قال أو أحيي ارضا ميتة فهي له قضاء من الله و رسوله «2»

و قول سيدنا ابي جعفر عليه السلام في الصحيح قال رسول الله صلي الله عليه و آله من أحيا ارضا مواتا فهي له «3» و نحوها غيرها.

و أما الجهة الثالثة فعن جماعة منهم الشيخ في الخلاف و المحقق الثاني في جامع المقاصد و غير هما في غير هما دعوي الاجماع علي اعتبار الاذن،

و هناك وجهان آخران بل قولان احدهما عدم اعتباره الثاني التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة فيعتبر الاذن في الاول دون الثاني.

مقتضي قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه- اعتباره.

و قد استدل لعدم الاعتبار بانه يكفي في الجواز اذن مالك الملوك في ذلك و ان لم يأذن مالكها كما في التملك بالالتقاط و حق المارة و فيه ان استكشاف اذن مالك الملوك ان كان من النصوص المتضمنة لسببية الاحياء للملك، فيرد عليه، ان تلك النصوص كأدلة ساير الاسباب، فكما انها لا تعارض ما دل علي اناطتها باذن المالك كذلك هذه و ان كان من غيرها فعليه البيان.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من احياء الموات حديث 5.

(2) الوسائل باب 2 من ابواب احياء حديث 1.

(3) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 343

لكن الأئمة عليهم السلام بعد امير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم و اسقطوا ذلك عنهم (1) كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك: كلما كان في ايدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون يحل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في ايديهم، و يترك الأرض في ايديهم. و

أما ما كان في ايدي سواهم. فان كسبهم في الأرض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا، و يأخذ الأرض من ايديهم و يخرجهم عنها صغرة. الخبر

______________________________

و استدل للقول الثالث بامتناع الاستيذان منه عليه السلام في زمان الغيبة و لم يدل دليل علي نيابة الفقيه عنه في هذه الامور مع مشروعية الاحياء مطلقا و فيه انه يتوقف علي عدم ثبوت صدور الاذن منهم عليهم السلام و سيأتي الكلام فيه،

فالاظهر اعتبار اذنه.

و القائلون باعتبار الاذن- يدعون صدوره منه عليه السلام و استندوا في ذلك الي وجوه الاول النبويان المذكور ان في المتن و المتقدم اليهما الاشارة، حيث ان في احدهما- ثمّ هي لكم مني، و في الآخر ثمّ هي لكم مني ايها المسلمون، و مقتضاهما و ان كان هو التمليك و لو مع عدم الاحياء الا انه جمعا بينهما و بين ما دل علي سببية الاحياء نلتزم بملكية المحيي خاصة و فيه ما تقدم من انهما غير مرويين عن طرقنا الثاني نفس قولهم عليهم السلام، من احيي ارضا مواتا فهي له: فانه و ان تضمن الاذن التشريعي في الاحياء الا ان صدور ذلك من المالك يقتضي كونه اذنا مالكيا نظير من قال من دخل داري فله كذا فانه متضمن للاذن المالكي كتضمنه لسببية الدخول للجزاء و كذلك في المقام و فيه ان الاذن المالكي لا بد و ان يصدر من المالك فهذه النصوص المتضمنة لهذه الجملة تفيد بالنسبة الي ازمنة الائمة الذين قبل امام زماننا عليه السلام و حيث ان هذه الجملة لم تصدر منه عليه السلام و هو المالك فلا يفيد ذلك كما لا يخفي

(1) الثالث اخبار «1» التحليل سميا مثل خبر «2» مسمع بن عبد الملك

المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الانفال.

(2) نفس المصدر 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 344

نعم ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات احد بغير اذن الامام عليه طسقها، و يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة علي حال الحضور، و إلا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الامام في الأراضي في حال الغيبة، بل الاخبار متفقة علي انها لمن احياها، و سيأتي حكاية اجماع المسلمين علي صيرورتها ملكا بالاحياء.

______________________________

فانه يستفاد منها حلية التصرف- فبضمها الي ما يضمن سببية الاحياء للملك- يستنتج اذنهم عليهم السلام في التملك بالاحياء و هذا اوجه متوقف علي عدم اختصاص التحليل بخصوص المناكح و المساكن و المتاجر و شمولها للاراضي- و قد اثبتنا ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق الرابع ما افاده المحقق كاشف الغطاء و هو دلالة شاهد الحال علي رضا هم بالاحياء و طيب نفسهم بعمارة الارض- و لا بأس به ايضا فتحصل ان الاظهر ثبوت رضا هم عليهم السلام بالاحياء.

و أما الجهة الرابعة- فعن التذكرة الاجماع علي اعتبار الاسلام في الملك بالاحياء و نحوه ما عن جامع المقاصد- و عن صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و ظاهر المهذب و النافع و اللمعة و تبعهم جمع من اساطين متأخري المتأخرين عدم الفرق في ذلك بين المسلم و الكافر و ان الكافر ايضا يملك بالاحياء يشهد للثاني- مضافا الي اطلاق جملة من نصوص الباب صحيح محمد بن مسلم سألته عن الشراء من ارض اليهود و النصاري فقال ليس به بأس الي أن قال ايما قوم احيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم احق بها و هي لهم «1» و نحوه صحيح «2» الفضلاء و

خبر «3» زرارة و استدل للاختصاص بالمسلم بالنبويين المتقدمين المتضمنين للتمليك بالمسلمين و بصحيح الكابلي المتقدم من احيي ارضا من المسلمين فليعمرها.

______________________________

(1) الوسائل باب من ابواب الموات حديث 1.

(2) الوسائل باب 1 من ابواب احياء الموات حديث 5.

(3) الوسائل باب من ابواب احياء الموات حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 345

______________________________

و لكن النبويين ضعيفان- و الصحيح لا مفهوم له كي يدل علي عدم تملك غير المسلمين بالاحياء فيعارض مع النصوص المتقدمة فالاظهر عدم الاختصاص بالمسلم و لكن بعد ما عرفت من اعتبار الاذن، و ان ثبوت اذنهم عليهم السلام انما يكون- باخبار التحليل المختصة بالشيعة، و دلالة شاهد الحال، ففي زمان الغيبة الالتزام بملكية الارض لغير الشيعة بالاحياء يتوقف علي احراز رضاه عليه السلام بذلك و الا فلا يكون الاحياء مملكا و في صحيح «1» عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك المتقدم ما كان في ايدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض- و هذا صريح في عدم الاذن لغير الشيعة فالاظهر هو الاختصاص بهم.

و أما الجهة الخامسة- فظاهر فتاوي القوم ان الملك بلا عوض و عن فوائد الشرائع احتمال العوض و ظاهر قولهم عليهم السلام من احيي ارضا مواتا فهي له- هو حصول الملك مجانا- و مقتضي صحيحي الكابلي، و عمر بن يزيد المتقدمين هو ايجاب الخراج المنافي لكونها ملكا- و مقتضي نصوص التحليل سقوط الخراج و الجمع بين هذه الطوائف، بحمل نصوص الخراج علي زمان الحضور، كما في المتن احتماله، يأباه صريح نصوص التحليل، كما ان حمل نصوص الخراج علي بيان الاستحقاق، كما اختاره المصنف، ينافيه ظهورها في الفعلية فالحق ان يقال ان نصوص الخراج، لا

بد من تأويلها اورد علمها الي اهلها،

لمعارضتها مع نصوص التملك بالأحياء و عدم عمل الاصحاب بها، مضافا الي ما ذكرناه في الاراضي الخراجية في الجزء الثاني من هذا الشرح من عدم كون هذه الارض منها، و بالجملة لا إشكال في سقوط الخراج اما لعدم تشريعه أو للتحليل،

فنصوص الاحياء لا معارض لها.

الارض العامرة

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الانفال حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 346

الثاني: ما كانت عامرة بالاصالة

اي لا من معمر، (1) و الظاهر انه ايضا للإمام عليه السلام (2) و عن التذكرة الاجماع عليه، و في غيرها نفي الخلاف عنه، لموثقة ابان بن عثمان

______________________________

(1) قوله الثاني ما كانت عامرة بالاصالة أي لا من معمر و المراد بالعامرة ما ينتفع بها علي ما هي عليه في الحال كما إذا كانت بحيث يكثر عليها وقوع الامطار أو نحو ذلك- و الكلام فيها يقع في مقامين الاول انه هل تكون هذه الارض للامام عليه السلام و من الانفال ام تكون من المباحات الاصلية الثاني علي فرض كونها للامام هل تملك بالحيازة ام لا.

(2) اما المقام الاول فقد استظهر المصنف قدس سره من قول الاصحاب و كل ارض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للامام- الذي حكي عن مفتاح الكرامة انه طفحت به عباراتهم و عن التذكرة الاجماع عليه- و في الجواهر لا خلاف اجده فيه- انها للامام و لكن صاحب الجواهر قدس سره في كتاب الخمس استظهر من الاصحاب عدمه و انها من المباحات الاصلية و كذلك المصنف قدس سره في ذلك الكتاب.

و كيف كان فقد استدل لكونها من الانفال و للامام بوجوه.

الاول ما ذكره المحقق النائيني قدس سره- قال- و لما روي علي ما في المتن ان كل

ارض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للامام عليه السلام و فيه اولا ان المصنف لا يدعي انه رواية بل يدعي كونه تعبير الفقهاء و قد صرح صاحب الجواهر قدس سره بعدم كونه نصا و ثانيا انه لا يمكن الالتزام بعمومه فان مقتضاه كون جميع اراضي الكفار للامام مع انه خلاف النص و الاجماع و ثالثا انه لو سلم كونه رواية و عاما- يتعين تخصيصه بما سيأتي.

الثاني- ما افاده المحقق الايرواني قدس سره قال و هو صريح عد الآجام الذي هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 347

عن اسحاق بن عمار المحكي عن تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام حيث عد من الانفال كل ارض لا رب لها (1) و نحوها المحكي عن تفسير العياشي، عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام (2) و لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الاخبار حيث جعل فيها من الانفال كل ارض ميتة لا رب لها، بناء علي ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز، لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، لأن الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا، (3) و هل يملك هذه بالحيازة وجهان من كونه مال الامام عليه السلام و من عدم منافاته للتملك بالحيازة كما يملك الاموات بالاحياء، مع كونه مال الامام عليه السلام.

______________________________

قسم من المحياة بالاصالة من الانفال و فيه اولا ان الآجام من الموات فان الاستيجام مانع عن الإنتفاع بالارض و قد صرح بذلك الفقهاء و ثانيا ان كون خصوص هذا القسم للامام لدليل خاص اعم من كون ساير الاقسام له عليهم السلام.

الثالث ما تضمن «1» ان الارض كلها للامام- و قد تقدم انه لا بد من توجيه هذه النصوص بحملها علي

الملكية الحقيقية غير المنافية لكونها من المباحات أو لغيرهم عليهم السلام

(1) الرابع مصحح «2» اسحاق بن عمار المذكور في المتن حيث عد فيه من الانفال التي للامام كل ارض لا رب لها الشاملة للعامرة

(2) و نحوه «3» خبر ابي بصير المروي عن تفسير العياشي و فيه ان اطلاق هذين الخبرين، يقيد بما في مرسل حماد حيث عد من جملة الانفال الارض الميتة التي لا رب لها، إذ تقييد الارض بالميتة في مقام الحصر و التحديد،

يدل بالمفهوم علي ان الارض غير الميتة ليست للامام

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بان الظاهر ورود الوصف مورد الغالب في الارض التي لا مالك لها، كونها مواتا و فيه اولا ان الميتة لم تؤخذ قيدا للا رب لها و انما اخذت قيدا للارض فلا يكون القيد غالبيا،

و ثانيا انه لا وجه لحمل القيد علي الغالب و ثالثا انه لو تم ما افاده المصنف قدس سره يمكن حمل الاطلاقات علي الغالب بعين ما ذكره

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1 ص 407 المطبع الحديث.

(2) الوسائل باب من ابواب الانفال حديث 2.

(3) نفس المصدر 4- 28 نفس المصدر ح 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 348

فدخل في عموم النبوي: من سبق الي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به (1).

______________________________

إذ كما يقال ان ذكر القيد يكون للغلبة كذلك يقال ان اهماله مع اعتباره لمكان الغلبة فلا اطلاق يعم العامرة،

فالاظهر انها من المباحات الاصلية و أما المقام الثاني- فعلي المختار من كونها من المباحات، لا كلام في انها تملك بالحيازة كما لا يخفي و أما علي القول بانها للامام عليه السلام، فقد استدل المصنف قدس سره علي تملكها بالحيازة

(1) بعموم النبوي من سبق الي

ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به «1»

و فيه اولا انه مختص بما إذا لم يكن ذلك الشي ء ملكا لأحد و متعلقا لحق الغير بالسبق أو غيره، و لذا لا شبهة في عدم دلالته علي جواز السبق الي املاك الناس- فلا شمل المقام بعد فرض كون الارض للامام عليه السلام و بالجملة ملك الامام كملك غيره من الناس فكما انه لا يجوز السبق في املاك ساير الناس فذلك في ملكه عليه السلام و ثانيا ان الاحقية اعم من الملكية و دعوي انه روي من غير طريقنا ما ظاهره الملكية و هو من سبق الي ما لم يسبق إليه مسلم فهو له «2»

مندفعة بعدم ثبوت صحة سنده و أما ما اورده المحقق الخراساني و المحقق النائيني عليه، بانه مسوق لبيان احقية السابق، لا لبيان جواز السبق الي ما لم يسبقه إليه احد فيره انه بصدد بيان سببية السبق للاحقية و مقتضي اطلاقه جواز السبق الي كل ما لم يسبقه إليه احد.

فالاولي الاستدلال له بنصوص التحليل الظاهرة في الملكية كما حققناه في الجزء السابع من فقه الصادق لكنها مختصة بالشيعة كما مر.

______________________________

(1) المبسوط اول كتاب احياء الموات- المستدرك باب 1 من ابواب احياء الموات حديث 4.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 142.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 349

الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت

و هو ملك للمحيي، (1) فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء باجماع الأمة كما عن المهذب، و بإجماع المسلمين

كما عن التنقيح، و عليه عامة فقهاء الامصار كما عن التذكرة،

______________________________

و يمكن القول بتملكها بالاحياء لخبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه

إليه احد أو احيي ارضا ميتة فهي له قضاء من الله و رسوله «1»

فان ظاهره بقرينة جعل الغرس و الحفر قبال الاحياء انهما يوجبان الملكية بانفسهما و بضميمة الغاء الخصوصية يثبت الحكم في ساير افراد الاحياء و لمضمر محمد بن مسلم قال سألته عن الشراء من ارض اليهود و انصاري قال عليه السلام لهم- «2»

و في خبر آخر له عن الامام الباقر عليه السلام ايما قوم احيوا شيئا من الارض أو عمروها فهم احق بها «3»

و المضمر قرينة علي ان المراد من الاحقية في الخبر الثاني هو الاستحقاق الملكي.

الارض العامرة بعد الموت

(1) قوله الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت و هو ملك للمحيي ان كانت العمارة بسبب سماوي- كانت الارض ملكا للامام عليه السلام للاستصحاب بل للادلة فانها دالة علي عدم خروج الملك عن ملك مالكه بلا سبب- و ان كان بالاحياء- فان كان ذلك بغير اذنه عليه السلام فحكمه ما تقدم

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب احياء الموات حديث 1.

(2) الوسائل- 1- من ابواب احياء الموات حديث 1.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب احياء الموات حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 350

لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بانه يملك التصرف لا نفس الرقبة (1) فلا بد من الملاحظة

______________________________

و ان كان باذنه فالمشهور بين الاصحاب انها ملك للمحيي بل عن غير واحد دعوي الاجماع عليه و عن التنقيح اجماع المسلمين عليه

(1) و في المتن و يبالي من المبسوط كلام يشعر بانه يملك التصرف لا نفس الرقبة هذه عبارة المبسوط إذا تحجر ارضا و باعها لم يصح بيعها و في الناس متن قال يصح و هو شاذ و أما عندنا فلا يصح بيعه لانه لا

يملك رقبة الارض بالاحياء و انما يملك بالتصرف بشرط ان يؤدي الي الامام عليه السلام ما يلزمه عليها و مرارة من الاحياء التحجير، و الشاهد عليه امور احدها تصريحه بانه يملك بالتصرف،

ثانيها قوله فاما عندنا فلا يصح بيعه مع ان المشهور بين الاصحاب جواز بيعه و دلت النصوص «1» عليه،

ثالثها تصريحه بالاحياء في غير موضع من كتبه و انما حكم بعدم الملك بالتحجير من جهة التحجير عنده ليس من مصاديق الاحياء قال في المبسوط بعد الحكم بان التحجير يوجب الاحقية دون الملك- و التحجير ان يؤثر فيها اثرا لم يبلغ به حد الاحياء مثل ان ينصب فيها المزور أو يحوط عليها حائطا و ما اشبه ذلك من آثار الاحياء، فانه يكون احق بها من غيره انتهي.

و كيف كان فيشهد للملك نصوص «2» الاحياء- و النصوص «3» المتضمنة لجواز الشراء من المحيي معللة له بانها بالاحياء صارت له- و ظاهر صحيحي «4» الكابلي و عمر بن «5» يزيد المتضمنين لوجوب الخراج عليه و دفعه الي الامام عدم الملك لكن تقدم انه يتعين طرحهما أو التصرف فيهما بنحو لا ينافي الملك- فراجع،

فالاظهر انها ملك للمحيي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات و باب 21- من ابواب عقد البيع.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات.

(3) كتاب 21- من ابواب عقد البيع.

(4) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 2.

(5) الوسائل- باب 4- من ابواب الانفال حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 351

الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة،

فان كانت العمارة اصلية فهي مال الامام عليه السلام (1) و ان كانت العمارة من معمر (2) ففي بقائها علي ملك معمرها أو خروجها عنه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا

خلاف (3) معروف في كتاب احياء الموات، منشؤه اختلاف الاخبار

______________________________

الموات بعد العمارة

(1) قوله الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة ان كانت العمارة سماوية كانت العمارة اصلية أو عرضية فهي للامام عليه السلام اما إذا كانت عرضية فلان الارض المفروضة كانت مواتا في الاصل و ملكا له عليه السلام و هي باقية علي ما هي عليه و أما ان كانت العمارة اصلية فلما دل علي ان الارض الميتة للامام الشاملة للميتة بالاصالة و بالعرض و ما دل من النصوص الصحيحة- علي ان الارض الخربة أو الخربة التي لا رب لها له عليه السلام فان الخربة ظاهرة في الخربة العرضية.

(2) و ان كانت العمارة من معمر- فالكلام فيه يقع في مقامين الاول في انه هل تخرج الارض بالموت عن ملك المحيي كما عن العلامة في التذكرة و الشهيد الثاني في المسالك- ام لا تخرج كما هو المشهور بين الاصحاب

(3) الثاني في انه علي فرض عدم الخروج هل يملكها لو احياها آخر كما عن العلامة في التذكرة و الشهيد الثاني في الروضة بل عن جامع المقاصد انه المشهور، بين الاصحاب- ام لا يملكها كما عن جماعة من القدماء و المتأخرين- ام يفصل بين ما إذا كان الخراب مستندا الي اهمال المالك و ترك المزاولة لها- و بين ما إذا لم يكن مستندا الي ذلك فيملكها علي الاول دون الثاني كما اخترناه في الجزء الثالث عشر من فقه الصادق.

اما المقام الاول فقد استدل لخروجها عن ملكه بوجوه الاول: ان الارض اصلها مباح فإذا تركها الاول حتي عادت الي ما كانت عليه صارت مباحة الثاني ان السبب في صيرورتها ملكا هو الاحياء فإذا زال السبب زال المسبب

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 352

ثمّ القسم الثالث اما ان تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم لا يزول الا بناقل أو بطرو الخراب علي احد القولين، و ان كان من الكفار فكذلك، ان كان في دار الإسلام و قلنا بعدم اعتبار الاسلام و ان اعتبرنا الإسلام كان باقيا علي ملك الامام عليه السلام، و ان كان في دار الكفر يزول بما يزول به ملك المسلم و بالاغتنام كسائر اموالهم.

______________________________

الثالث اطلاق ما دل علي ان الارض الميتة- أو الخربة- للامام عليه السلام و في الجميع نظر اما الاول فلان كون اصلها مباحا لا يوجب صيرورتها مباحة بعد ما دخلت في ملك المحيي و خروجها عن ملكه مع الدلالة الدليل علي ان خروج المال عن ملك مالكه لا بد و ان يكون بسبب و أما الثاني فلان المستفاد من الادلة كون ذات الارض مملوكة بسبب الاحياء و انه كسائر الاسباب المملكة يكون سببا لحدوث الملكية- لا ان الارض المعنوية بعنوان المحياة مملوكة- و لا انه سبب للملكية حدوثا و بقاء و أما الثالث فلانه يتعين تقييد اطلاق تلك النصوص بما في النصوص الاخر من التقييد بالارض التي لا رب لها.

و يشهد لبقائها علي ملك مالكها- مضافا الي ان المستفاد من الادلة ان زوال الملك لا بد و ان يكون بناقل- الاستصحاب

و اورد عليه تارة- بالشك في بقاء الموضوع فان موضوع الملكية ان كان هو ذات الارض فهو باق قطعا- و ان كان هو عنوان المحياة فهو مرتفع قطعا، و اخري- بان الشك في المقام من قبيل الشك في المقتضي للشك في ان الاحياء، هل هو سبب للملكية حتي بعد عروض الموت، ام لا

و يمكن دفع الاول بما تقدم من ظهور الادلة في، ان الموضوع هو ذات الارض،

و ان الاحياء بمنزلة الشرط في القضية و دفع الثاني: بان المختار حجية الاستصحاب مطلقا، حتي في موارد الشك في المقتضي، مع ان هذا ليس من الشك في المقتضي الذي بني المصنف قدس سره علي عدم حجية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 353

______________________________

الاستصحاب فيه فان مورده ما لو شك في اقتضاء المستصحب للبقاء في عمود الزمان، و تمام الكلام في محله،

فالاظهر بقائها علي ملك المحيي الاول.

و أما المقام الثاني فالكلام فيه يقع في موردين الاول فيما تقتضيه العمومات الثاني فيما تقتضيه النصوص الخاصة اما المورد الاول فقد استدل لتملك المحيي الثاني- بعموم من احيي ارضا ميتة فهي له «1»

و فيه انه قد تقدم ان هذا ليس متضمنا لإذن مالك الملوك كي لا يحتاج الي اذن مالكه و انما التزمنا بذلك في ملك الامام من جهة اخبار التحليل أو شاهد الحال أو غير ذلك من الوجوه المتقدمة غير الجاري شي ء منها في المقام و عليه فمقتضي ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه و رضاه عدم جواز الاحياء في المقام و القياس بالالتقاط بعد ورود النص الخاص فيه مع الفارق.

و أما النصوص الخاصة فهي علي طوائف الاولي ما ظاهره البقاء علي ملك المحيي الاول كصحيح سليمان بن خالد عن الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال عليه السلام الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها قال عليه السلام فليؤد إليه حقه «2» إذا المراد بالحق اما الارض أو اجرتها و علي التقديرين

يدل علي ذلك و نحوه صحيح «3» الحلبي الثانية ما ظاهره- صيرورتها ملكا للمحيي الثاني من دون شي ء عليه كصحيح معاوية بن وهب عن مولانا الصادق عليه السلام ايما رجل اتي خربة بائرة فاستخرجها

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 3.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب احياء الموات حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 354

ثمّ ما ملكه الكافر من الأرض أما أن يسلم عليه طوعا فيبقي علي ملكه كسائر أملاكه، و أما أن لا يسلم عليه طوعا، فان (1) بقي يده عليه كافرا فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده

______________________________

و كري انهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فان كانت ارضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخرجها ثمّ جاء بعد يطلبها فان الارض لله و لمن عمرها «1» فان ظاهره ان الارض لمن يقوم بعمارتها لا لمن تركها فاخربها- الثالثة ما تضمن احقية الثاني بها و وجوب الخراج عليه كصحيح الكابلي المتقدم فان تركها و اخربها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي الحديث «2»

و الطائفة الاخيرة تقدم تعين طرحها، و أما الاوليتان، فحيث ان الثانية مختصة بصورة الاهمال، فتخصص الاولي بها- فتكون النتيجة التفصيل الذي اخترناه.

و يؤيد ذلك ما ورد في الارض التي اسلم اهلها طوعا فان الارض و ان كانت ملكا لهم الا انهم إذا اهملوها حتي خربت لولي المسلمين ان يقبلها من غيرهم ليقوم بعمارتها و يأخذ وجه الاجارة و يدفع بمقدار حق الارض الي مالكها و يصرف الباقي في الامور العامة «3»

ثمّ ان ذكر ساير ما

قيل في وجه الجمع بين النصوص و الجواب عنها موكولان الي محل آخر.

الارض المفتوحة عنوة
اشارة

(1) قوله و أما ان لا يسلم اهلها طوعا لا يخفي انه قده بعد ما بين اقسام الارضين و احكامها اراد ان يبين حكم الارض المفتوحة عنوة و الكلام فيها يقع في جهات.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 2.

(3) الوسائل- باب 72- من ابواب جهاد العدو و ما يناسبه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 355

و ان ارتفعت يده عنها: فإما ان يكون بانجلاء المالك عنها و تخليتها للمسلمين، أو بموت اهلها و عدم الوارث فيصير ملكا للإمام عليه السلام و يكون من الانفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. و ان رفعت يده عنها قهرا و عنوة

فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة، كالنخل و الاشجار و البنيان للمسلمين كافة اجماعا (1) علي ما حكاه غير واحد كالخلاف- و التذكرة و غيرهما

______________________________

الاولي في ان هذه الارض، و ان كانت مبينة من حيث المفهوم، إذ هي عبارة عن الارض التي فتحت بالخيل و الركاب قهرا و رفعت يد الكفار عنها بغلبة المسلمين، الا انها مجهولة مصداقا و قد تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح في مسألة الاراضي الخراجية بيان ما يثبت ذلك.

الثانية في اعتبار اذن الامام عليه السلام في القتال في ترتب حكم الارض المفتوحة عنوة و قد تقدم في ذلك المبحث ان الاظهر عدم اعتباره.

الثالثة في اعتبار كونها محياة حال الفتح- و قد تقدم في تلك المسألة اعتبار ذلك و عليه فارض الغري ليست منها.

الرابعة في ان التصرف في الارض الخراجية في زمان الغيبة يحتاج الي اذن من

له الاذن ام لا- و قد تقدم في تلك المسألة تنقيح القول في ذلك مفصلا فراجع.

الخامسة في ان خراج هذه الارض هل حلل للشيعة في زمان الغيبة ام لا- و قد عرفت عدم تحليله السادسة في بيان ان الخمس هل هو ثابت فيها ام لا و قد تقدم ثبوته

(1) السابعة في بيان كيفية استحقاق المسلمين و انه هل بعنوان ملك الرقبة أو بنحو آخر- و المشهور بين الاصحاب هو الاول- و عن جماعة منهم الشهيد الثاني قدس سره في جملة من كتبه و المحقق الاردبيلي ان الرقبية غير مملوكة بل معدة لمصالح المسلمين و هم مصرف لحاصلها و الاول اظهر- لانه ظاهر النصوص الآتية- لمكان اللام و اضافة الارض الي المسلمين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 356

و النصوص به مستفيضة. ففي رواية ابي بردة المسئول فيها عن بيع ارض الخراج قال عليه السلام من يبيعها؟ هي ارض المسلمين، قلت: يبيعها الذي في يده، قال:

يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثمّ قال لا بأس أن يشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه، و لعله يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه (1)

______________________________

و استدل للقول الثاني بوجوه الاول قوله عليه السلام في مرسل «1» حماد الطويل فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها الخ- بتقريب انه يدل علي ان الارض محبوسة متروكة و هذا يلازم فك الملك و فيه ان المحبوسية و المتروكية لا تنافي مع الملك بل تجامعه فلا ينافي المرسل ساير النصوص الظاهرة من جهة اللام و الاضافة في الاختصاص المطلق المساوق للملك الثاني انه لو كانت الرقبة ملكا للمسلمين لما جاز تقبيلها من احدهم إذ اجارة الارض ممن يملك جزء منها غير جائزة

و فيه انه قد تقدم في اول الدخول في بيان اقسام الاراضي و احكامها- بيان كيفية ملكيتها لهم- و انها تكون ملكا للنوع لا للأفراد، و عليه فالفرد لما هو غير مالك كي لا يجوز الاجارة منه و به يظهر الاشكال في الوجه الثالث، و هو انه لو كانت الرقبة ملكا لهم لجاز ان ينقل بعضهم حصته الي بعض مع انه لا يجوز فان المالك هو النوع لا الشخص.

الثامنة في جواز بيع الارض المفتوحة عنوة و عدمه- و قد اختلفت كلمات القوم في المقام و قد نقل المصنف قدس سره في المتن تلك الاقوال و الوجوه- و حيث ان منشأ الاختلاف هي النصوص فالأولي صرف عنان الكلام الي بيان ما يستفاد منها-

(1) منها خبر «2» ابي بردة بن رجا المذكور في المتن و ابو بردة و ان لم يوثق الا ان الراوي عنه هو صفوان بن يحيي الذي هو من اصحاب الاجماع فلا وجه للمناقشة فيه من حيث السند.

______________________________

(1) الوسائل- باب 41- من ابواب جهاد العدو حديث 2.

(2) الوسائل باب 71 من ابواب جهاد العدو حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 357

و في مرسلة حماد الطويلة ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و ما غلبوا «و لاما غلبوا كذا في الوسائل» عليه إلا ما حوي العسكر، إلي أن قال و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف، أو الثلث، و الثلثين، علي قدر ما يكون له صالحا و لا يضربهم. فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء

أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، إلي أن قال: فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و اكرتها، فيدفع عليهم انصبائهم علي قدر ما صالحهم عليه،

______________________________

و أما فقه الحديث فملخصه ان الظاهر من قوله و من يبيع ذلك الاستفهام التوبيخي،

و قوله هي ارض المسلمين بمنزلة العلة للمنع و لكن الراوي فهم منه الاستفهام الحقيقي فقال بيعها الذي هي في يده، و قوله عليه السلام و يصنع بخراج المسلمين ما ذا يوهم ان المانع من البيع كون الارض خراجية، و علي أي تقدير فقد استدرك الامام عليه السلام عما افاده من عدم جواز البيع، فقال لا بأس ان يشتري حقه منها و ظاهره ايضا عدم بيع الارض بل بيع حقه منها و بيع الحق، يحتمل بيع حق الاولوية و الاختصاص، و يحتمل ارادة بيع الآثار التي احدثها البائع، و علي أي تقدير لا دلالة فيه علي جواز بيع الارض و لو تبعا للآثار و لكن الاظهر هو الثاني: لما سيأتي من عدم دليل علي ثبوت حق الاولوية: و لعدم صحة نسبة الاشتراء إليها بناء علي اعتبار كون المبيع من الاعيان: و لقوله حقه منها: إذ لو كان المراد حق الاولوية كان الصحيح ان يقول حقه فيها فتدبر و قوله عليه السلام لعله يكون اقوي الخ يعني اقوي علي الارض و عمارتها و توفير حاصلها و املي و اقدر علي دفع خراج المسلمين فهذه الرواية تدل علي عدم جواز بيع الارض المفتوحة عنوة و لو بتبع بيع الآثار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 358

و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق. أعوانه علي دين الله و في

مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير الخبر. (1)

و في صحيحة الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته، قال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن دخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد، فقلنا: أ نشتريه من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، الا ان تشتريها منهم علي ان تصيرها للمسلمين، فان شاء ولي الامر أن يأخذها أخذها، قلت: فان اخذها منه،

قال: يرد عليه رأس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل، (2)

______________________________

(1) و منها مرسل حماد الطويل المنجبر بتلقي الاصحاب اياه بالقبول المذكور في المتن و الارضون التي اخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها «1» و هذا ايضا يدل علي المنع إذ المراد من الموقوفة المتروكة، اما ان يكون المحررة المحبوسة علي المسلمين من باب فك الملك- أو المملوكة المحبوسة عليهم و علي التقديرين يدل علي المنع لانه مقتضي محبوسية الارض.

(2) و منها صحيح الحلبي «2» المذكور في المتن قوله لا يصلح ظاهر في المنع عن البيع، و أما الاستثناء فيتعين حمله علي ارادة الاشتراء الصوري من جهة قوله قبله هي لجميع المسلمين،

و قوله ان يصيرها للمسلمين أي تعود الارض الي المسلمين و يصرف حاصلها في مصالحهم،

و قوله فإذا شاء ولي الامر الخ ظاهر في عدم صيرورتها ملكا له و ان لولي الامر ابقاء الارض تحت يده و له اخذها منه،

و أما قوله فيرد عليه رأس ماله- فهو اما ان يكون تفضلا من ولي الامر من جهة

استنقاذه الارض من يد الدهاقين، أو يكون من جهة كونه بازاء ما كان للدهاقين من الآثار

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من ابواب جهاد العدو حديث 2.

(2) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 359

و رواية ابن شريح سألت ابا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه، قال: انما ارض الخراج للمسلمين فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل عليه خراجها. فقال: لا بأس الا ان يستحيا من عيب ذلك (1)

و رواية اسماعيل بن الفضل الهاشمي ففيها و سألته عن رجل اشتري ارضا من ارض الخراج فبني بها أو لم يبن غير ان اناسا من اهل الذمة نزلوها هل له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوا جزية رءوسهم؟ قال يشارطهم فما اخذ بعد الشرط فهو حلال و في خبر ابي الربيع لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له دفة فانما هي في ء للمسلمين (2) الي غير ذلك. و ظاهره كما تري عدم جواز بيعها حتي تبعا للآثار المملوكة فيها علي أن تكون جزء من المبيع فيدخل في ملك المشتري علي وجه كان للبائع اعني مجرد الاولوية و عدم جواز مزاحمته، إذا كان التصرف و احداث تلك الآثار- باذن الامام أو اجازته و لو لعموم الشيعة

______________________________

المملوكة- أو بازاء حق الاختصاص، و قوله عليه السلام و له ما اكل من غلتها- ظاهر في ان المنافع كالعين تكون للمسلمين، و لكن حيث انه عمل فيها فله ما اكل منها.

(1) و منها خبر «1» محمد بن شريح عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن و هذا الخبر لا يعتمد عليه من جهة ان من رجال سنده

علي بن الحارث و هو مجهول و أما من حيث الدلالة فصدره ظاهر في المنع لقوله فكرهه معللا بان ارض الخراج للمسلمين- و ذيله ظاهر في الجواز مع الالتزام بخراجها- فلا بد من التصرف اما في الصدر بحمل قوله عليه السلام ارض الخراج للمسلمين علي ارادة ان خراجها لهم و رقبتها لمن عمرها- أو بالتصرف في الذيل بحمل شرائها علي ارادة شراء آثارها من العمارة المفروضة- و لو لم يكن الثاني اظهر- من جهة قوله الا ان يستحيا من عيب ذلك فان عدم كون الارض ملكا ربما يكون عيبا- فلا اقل من تساوي الاحتمالين فيحكم بالاجمال.

(2) و منها خبر «2» اسماعيل بن الفضل الهاشمي المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع حديث 9.

(2) نفس المصدر حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 360

كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو باذن الحاكم الشرعي بناء علي عموم ولايته لأمور المسلمين و نيابته عن الامام. لكن ظاهر عبارة المبسوط اطلاق المنع عن التصرف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة، و لا يصح ان يبني دورا و منازل و مساجد و سقايات و غير ذلك من انواع التصرف الذي يتبع الملك، و متي فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا و هو علي حكم الاصل، و يمكن حمل كلامه علي صورة عدم الاذن من الامام عليه السلام حال حضوره، و يحتمل ارادة التصرف بالبناء علي وجه الحيازة و التملك و قال في الدروس لا يجوز التصرف فيها المفتوحة عنوة الا باذن الامام سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما،

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك و اطلق في المبسوط ان التصرف فها

لا ينفذ، و قال ابن إدريس انما نبيع و توقف تحجيرنا و بنائنا و تصرفنا لا نفس الارض انتهي.

______________________________

و قد استدل به كل من القائلين بالمنع- و الجواز اما القائل بالجواز فقد استدل، بجملتين منه الاولي صدره الظاهر في تقريره عليه السلام شراء ارض الخراج الثانية حكمه عليه السلام بان اجرة البيوت لهم بعد الشرط فلو لم يكن الارض لهم لم تكن الاجرة لهم فان قيل انه علي فرض ملكية الارض ما ذا وجه السؤال عن كون المنفعة لهم توجه عليه ان وجه السؤال احتمال كون منفعة الارض كخراجها للمسلمين فجوابه عليه السلام ينطبق عليه و انه ليست المنافع كالخراج بل هي تابعة لملكية الرقبة و لكن يرد علي الثانية ان السؤال ليس عن كون الاجرة له أو للمسلمين بل انما هو عن اخذ الاجرة- و الظاهر ان منشأ هذا السؤال ان الذمي إذا ادي الجزية هل هو كالمسلم يستحق النزول علي اهل الاراضي الخراجية ام لا فأجاب عليه السلام بان له اخذ اجرة النزول بعد الشرط و القرار و أما الاولي فحيث انها ليست في مقام البيان من جهة جواز الاشتراء فقابلة للحمل علي ارادة الشراء علي الوجه السائغ و هو شراء الآثار و العمارة- فهذا الخبر لا يدل علي الجواز بل يدل علي المنع من جهة فرض كون الارض خراجية بعد الشراء فانه يسأل عن استحقاق اهل الذمة للنزول علي اهل الخراج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 361

و قد ينسب الي الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور فيجوز التصرف في الأول و لو بالبيع و الوقف لا في الثاني الا باذن الامام عليه السلام. و كذا الي جامع المقاصد، و في النسبة نظر

بل الظاهر موافقتهما لفتوي جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة باحداث الآثار و جواز نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار، و المعني انها مملوكة ما دام الآثار موجودة. قال في شرح قول المحقق و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها، انتهي.

ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الارض مستقلة، اما فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز علي الأقوي قال: فإذا باعها بائع مع شي ء من هذه الآثار دخل في المبيع علي سبيل التبع و كذا الوقف و غيره و يستمر كذلك ما دام شي ء من الآثار باقيا، فإذا ذهبت اجمع انقطع حق المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها، هكذا ذكره جمع و عليه العمل، انتهي.

______________________________

لو سلم دلالته علي الجواز فالنسبة بينه و بين نصوص المنع المتقدم بعضها و الآتي آخر عموم مطلق- فانه اعم من المفتوحة عنوة و غيرها من ارض الخراج فيقيد اطلاقه بها و الايراد علي الخبر بضعف السند- من جهة ان الكليني و الشيخ يرويان الحديث عن الحسن بن محمد بن سماعة و هو يروي عن غير واحد- و هم مجهولون في غير محله فان الحسن هذا ذكروا في حقه انه نقي الفقه حسن الاعتقاد و الظاهر من ذلك انه لا يروي الا عن المقبولين لا سيما إذا روي عن غير واحد فالحديث معتبر سندا.

له و منها خبر ابي الربيع الشامي عن ابي عبد الله عليه السلام لا تشتر من ارض السواد شيئا الامن كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين «1»

و ابو الربيع، و الراوي عنه خالد بن جرير- و ان لم يوثقا،

الا ان الراوي عن خالد هو الحسن بن محبوب الذي هو من اصحاب الاجماع فالخبر صحيح سندا، و يدل علي المنع عن بيع الارض المفتوحة عنوة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 362

نعم ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة حيث قال: ان قال قائل ان ما ذكر تموه انما دل علي اباحة التصرف في هذه الأرضين، و لا يدل علي صحة تملكها بالشراء و البيع و مع عدم صحتها لا يصح ما يتفرع عليها، قلنا انا قد قسمنا الأرضين علي ثلاثة اقسام ارض اسلم اهلها عليها فهي ملك لهم يتصرفون فيها، و ارض يؤخذ عنوة أو يصالح اهلها عليها فقد ابحنا شراءها و بيعها، و البيع لأن لنا في ذلك قسما لأنها اراضي المسلمين. و هذا القسم ايضا يصح الشراء و البيع فيه علي هذا الوجه. و أما الانفال و ما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء و انما ابيح لنا التصرف فيها حسب. ثمّ استدل علي اراضي الخراج برواية ابي بردة السابقة الدالة علي جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض و دليله قرينة علي توجيه كلامه، و كيف كان، فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار، مما لا دليل عليه ان أرادوا الانتقال.

نعم المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي ء من الآثار موجودا (1) فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرف معه حتي يثبت حق الاختصاص.

______________________________

و الاستثناء انما يكون من جهة ان الارض المفتوحة عنوة ان ابقيت في يد من كانت له ذمة تكون ملكا لأربابها فيجوز بيعها، و هذا يدل

علي ان بعض قطعات ارض السواد هكذا.

و ربما يستدل علي جواز البيع بجملة من النصوص «1» و اكثرها واردة في ارض الجزية و ارض من له ذمة و هي ملك لأربابها- و لو فرض كون موردها أو بعضها الارض المفتوحة عنوة فللنصوص المتقدمة تحمل علي ارادة البيع بالنحو المتقدم و هو بيع الآثار و العمارة أو تطرح فالاظهر عدم جواز بيعها لا مستقلا و لا تبعا للآثار.

التاسعة- في ان من عمر الارض هل له حق الاختصاص و الاولوية بها ام لا-

(1) صرح المصنف قدس سره بالاول و الحق ان يقال ان المراد به ان كان عدم جواز مزاحمة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 363

فنقول اما في زمان الحضور و التمكن من الاستئذان، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف علي اذن الامام، لأنه ولي المسلمين، فله نقلها عينا و منفعة، و من الظاهر ان كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول علي صورة عدم اذن الامام عليه السلام مع حضوره. و أما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف الا فيما اعطاه السلطان الذي حل قبول الخراج و المقاسمة منه، أو جوازه مطلقا، نظرا الي عموم ما دل علي تحليل مطلق الأرض للشيعة، لا خصوص الموات التي هي مال الامام عليه السلام، و ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الارض، فيجوز التصرف في عينها مجانا أو عدم جوازه الا باذن الحاكم الذي هو نائب الإمام، أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الارض فيجوز له التصرف فيها لما يطهر من قوله عليه السلام

______________________________

الغير لمن بيده الارض، فهو ثابت- فانه إذا اذن من له الاذن في تقبلها تكون

هي كسائر الاعيان المستأجرة فكما انه لا يجوز لأحد مزاحمة المستاجر- كذلك لا يجوز هنا مزاحمة المتقبل، و ان كان المراد به ثبوت حق اعتباري في العين قابل للنقل و الانتقال فهو مما لا دليل علي ثبوته إذ تقبل الارض كاستيجارها يوجب وجوب تسليم العين مقدمة للانتفاع بها و لا يدل علي ثبوت حق و امر اعتباري فيها.

العاشرة المنصوص عليه «1» كون ارض العراق التي يعبر عنها بارض السواد-) من جهة ان الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الارض و التفاف شجرها سموها السواد لذلك (مفتوحة عنوة و انها في ء للمسلمين، و لكن جرت السيرة العملية القطعية علي المعاملة معها معاملة الاملاك الشخصية و يمكن دفع هذه الشبهة بانه قد ثبت كون كثير من تلك الاراضي لأربابها لا للمسلمين منها الموات حال الفتح فانها ملك الامام عليه السلام و يملكها من احياها و الظاهر ان المشاهد المشرفة و جملة من البلاد المستحدثة من هذا القبيل- و علي هذا فلا حاجة الي الاستدلال علي جواز بيع ما يعمل من التربة الحسينية بالسيرة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 364

للمخاطب في بعض اخبار حل الخراج و ان لك نصيبا في بيت المال. و بين غيره الذي يجب عليه حق الأرض. و لذا افتي غير واحد علي ما حكي بأنه لا يجوز حبس الخراج و سرقته «عن» علي السلطان الجائر و الامتناع عنه، و استثني بعضهم ما إذا دفع الي نائب الامام عليه السلام أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح و بنين الباقية علي عمارتها من حين الفتح، فيجوز احياء الأول لعموم ادلة الأحياء، و خصوص رواية

سليمان بن خالد و نحوها وجوه أو فقها بالقواعد، الاحتمال الثالث، ثمّ الرابع، ثمّ الخامس، و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة (1) كاوراق الاشجار و اثمارها و اخشاب الابنية و السقوف الواقعة و الطين المأخوذ من سطح الأرض، و الجص، و الحجارة و نحو ذلك، فان مقتضي القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين.

______________________________

بتوهم ان بها يقيد اطلاق نصوص المنع و منها الخمس من تلك الاراضي فانه يملكها المستحق للخمس فينتقل الي غيره بالمعاملة أو الارث و منها الاراضي التي ابقيت في يد اهل الذمة فانها ملك لأربابها و عليهم الجزية و قد تقدم في خبر ابي الربيع وجود هذه الارض في ارض العراق و علي هذا فان ثبت كون ارض بالخصوص من المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح لم يجز بيعها و ما لم يثبت فيه ذلك جاز لانحلال العلم الاجمالي لعدم كون جميع اطرافه محل الابتلاء لا سيما و ان الاراضي الخراجية التي يضرب عليها الخراج من اراضي المزارع كثيرة الي الآن و امرها بيد السلطان.

ما ينفصل من المفتوحة عنوة

(1) قوله و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة محصل الكلام- ان ما

ينفصل من المفتوحة عنوة- ان صار موجود ابعد الفتح كالشجر و الزراعة المتحققين بعد الفتح و كان ذلك بعد التقبل و الاجارة، لا كلام في انه ملك للمستأجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 365

و لذا صرح جماعة كالعلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم علي ما حكي عنهم بتقييد جواز رهن ابنية الأرض المفتوحة عنوة، بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض. نعم: الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين، لأنه مما ينقل و حينئذ فمقتضي

القاعدة عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع امكان ان يقال: لا مدخل لسلطان الجور، لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض لا أجزائها، الا ان يكون الاخذ علي وجه الانتفاع لا التملك فيجوز، و يحتمل كون ذلك بحكم المباحات لعموم من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به. (1) و يؤيده بل يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف علي بيع الامور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني و ما عمل من التربة الحسينية و يقوي هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض.

______________________________

و المتقبل و ما كان قبله فهو ملك للمسلمين بتبع الارض، و ان كان موجودا حال الفتح- أو وجد بعد و كان تابعا للارض، فهو علي اقسام احدها ما يكون مقوما للارض كأجزاء الدار ثانيها ما يعد من منافعها و ان كان من الاعيان كالشجر النابت فيها ثالثها ما يكون منفصلا عن الارض حين الفتح رابعها ما يكون مدفونا فيها اما القسم الاول- فهو ملك للمسلمين بنفس ملكية الارض و بعد الانفصال. لا دليل علي خروجه عن ملكهم غاية الامر حيث لا ينتفع به مع اجارته يباع و يصرف ثمنه فيما يصرف فيه عوض الارض-

(1) و احتمال- كونه من المباحات لعموم من سبق المتقدم كما في المتن لا أري وجها له بعد اختصاص الحديث بما لا يكون مملوكا لأحد و أما القسم الثاني- فهو ايضا لكونه منافع الارض تابع لها و ملك للمسلمين و حكمه ما تقدم و أما القسم الثالث- فهو من المنقول الموجود حال الفتح فيكون لخصوص المقاتلين و أما القسم الرابع- فلا تأمل في

عدم كونه تابعا للارض و ملكا للمسلمين- لكونه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 366

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]
اشارة

و اعلم انه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا (1) و فرّعوا عليه عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني و لا الرهن الا باذن المرتهن أو اجازته، و لا أم الولد الا في المواضع المستثناة، و المراد بالطلق تمام السلطنة علي الملك (2) بحيث يكون للمالك ان يفعل بملكه ما شاء و يكون مطلق العنان في ذلك. لكن هذا المعني في الحقيقة راجع الي كون الملك مما يستقل المالك بنقله، و يكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون اذن

______________________________

من المنقول الموجود حال الفتح و في شمول ما دل علي ان المنقول لخصوص المقاتلين.

له وجهان- و ان لم يكن شاملا له فهو من المباحات- و قيام السيرة علي تملك جميع الاقسام بالحيازة- غير ثابت و الله تعالي اعلم.

اعتبار كون ملك كل من العوضين طلقا

(1) و قد ذكر العلامة قدس سره و المحقق و جمع ممن تأخر عنها في شروط العوضين بعد الملكية: كونه طلقا، و ابدله في محكي القواعد بكونه تاما. و فرعوا علي ذلك عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني، و لا الرهن الا باذن المرتهن أو اجازته.

و تنقيح القول بالبحث في المراد من الطلقية ثمّ في مسألة بيع الوقف و بيع الرهن.

(2) اما الاول فالمراد من الطلقية ان لا يكون في المبيع مانع عن التصرف، لانها من الاطلاق توضيح ذلك ان عدم السلطنة علي التصرف في الشي ء ربما يكون لخلل في المتصرف، اما لعدم المقتضي كما إذا لم يكن ملكا له، أو لمانع كما إذا كان المالك

محجورا عن التصرف لفلس و نحوه، و ربما يكون لخلل في ما يتصرف فيه و ذلك ايضا قد يكون لعدم المقتضي كما إذا لم يكن مالا، و قد يكون للمانع كما إذا كان وقفا أو رهنا. و عدم ملك التصرف من الناحية الأولي لرجوعه الي المتصرف ذكر في شروط المتعاقدين، و عدم الملك من الناحية الثانية لرجوعه الي المتصرف فيه ذكر في شروط العوضين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 367

ذي الحق لمرجعه الي ان من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا (1) و هذا لا محصل له، فالظاهر ان هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أم الولد، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة و غيرها، مما ثبت منعه عن تصرف المالك كالنذر و الخيار و نحوهما، و هذا العنوان منتزع (2) من انتفاء تلك الحقوق فمعني الطلق ان يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه الاحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في الفرعية و الاصالة بالعكس، ثمّ ان اكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق إلا الثلاثة المذكورة، ثمّ عنونوا حق الجاني و اختلفوا في حكم بيعه، و ظاهر ان الحقوق المانعة اكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، و قد انهاها بعض من عاصرناه الي ازيد من عشرين، فذكر بعد الاربعة المذكورة في عبارة الأكثر النذر المتعلق بالعين قبل البيع، و الخيار المتعلق به، و الارتداد، و الحلف علي عدم بيعه، و

تعيين الهدي

______________________________

فملكية الشي ء ربما تكون محفوفة بالوقفية أو الرهنية أو غيرهما من الموانع، و ربما تكون مطلقة، و قد انعقد هذا البحث لاعتبار كونها مطلقة و غير محفوفة بشي ء من الموانع و من الواضح ان هذا المعني غير كون البائع مستقلا بنقله و نقله ماضيا فيه.

فلا يرد عليهم ما اورده المصنف قدس سره عليهم: بان مرجع هذا الشرط

(1) الي ان من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا.

و هل يكون هذا شرطا خاصا واحدا معتبرا في البيع و يترتب عليه، عدم جواز بيع الوقف و الرهن و نحوهما،

ام هو عنوان انتزاعي مما هو مانع لا انه بنفسه مانع فيتفرع هذا العنوان علي مانعية تلك الخصوصيات تفرع الأمر الانتزاعي علي منشأ انتزاعه؟ وجهان.

(2) مختار المصنف قدس سره هو الثاني،

و عن المحقق الخراساني قدس سره: اختيار الأول و استدل له: بان المبرهن في محله ان الواحد لا يصدر الا عن الواحد، فإذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 368

للذبح، و اشتراط عتق العبد في عقد لازم، و الكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة الي ما لم يتحرر منه حيث، ان المولي ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل الاداء، و التدبير المعلق علي موت غير المولي بناء علي جواز ذلك، فإذا مات المولي و لم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه،

و تعلق حق الموصي له بالموصي به بعد موت الموصي و قبل قبوله، بناء علي منع الوارث من التصرف قبله. و تعلق حق الشفعة بالمال، فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة ابطالها، و تغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشتري امة حبلي فوطئها

فأتت بالولد بناء علي عدم جواز بيعها و كونه مملوكا ولد من حر شريك في امه حال الوطي، فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه الا بتقويمه واخذ قيمته و تعارض السبب المملك و المزيل للملك، كما لو قهر حربي اباه و الغنيمة قبل القسمة بناء علي حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك و غير ذلك مما سيقف عليه المتتبع، لكنا نقتصر علي ما اقتصر عليه الاصحاب من ذكر الوقف، ثمّ ام الولد، ثمّ الرهن، ثمّ الجناية انشاء الله تعالي

______________________________

الاثر واحدا كشف ذلك عن وحدة المؤثر، فان كان المؤثر بحسب الصورة متعددا لا بد من البناء علي ان المؤثر هو الجامع بينها، ففي المقام لا بد من البناء علي ان المؤثر هو الجامع بين الأعدام الخاصة و ان المانع هو الجامع بين تلك الموانع.

و فيه: ان هذا البرهان لو تم و كان جاريا في الأحكام الشرعية- من جهة انه و ان لم يكن فيها تأثير و تأثر، و ان مقتضي الجعل ارادة الجاعل، الا انه بلحاظ المصالح و الملاكات يجري فيها هذا البرهان، فان المولي الحكيم إذا لم يكن شي ء دخيلا في الملاك لما كان آخذا اياه في الموضوع فانما هو في خصوص المقتضي الذي يترشح منه المقتضي، و لا يتم في الشرائط الدخيلة في فعلية الأثر من المؤثر و الموانع، و لذا لم يتوهم احد رجوع شرائط الصلاة الي شرط واحد،

فلا بد من تعيين احد الوجهين من الرجوع الي الأدلة اللفظية، و هي تتضمن مانعية كل عنوان خاص و اشتراط عدمه، و ليس في الأدلة ما يتضمن اعتبار كون الملك طلقا،

و عليه فالأظهر هو الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4،

ص: 369

مسالة لا يجوز بيع الوقف
اشارة

اجماعا محققا في الجملة و محكيا (1)

______________________________

بيع الوقف

(1) مسألة: لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة و محكيا.

حق القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في اقتضاء حقيقة الوقف بذاتها أو بلازمها لعدم جواز البيع.

الثاني: في الأدلة الخاصة.

اما المورد الأول: فالوقف لغة: هو ايقاف الشي ء و حبسه المساوق للسكون في قبال الجريان في التقلبيات و ليس له في الاصطلاح معني آخر، بل ذكروا في حقيقته انه تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة.

و في النبوي: انه حبس الأصل و سبل الثمرة «1»

و المراد من التحبيس: اما الممنوعية عن التصرفات كما عن كاشف الغطاء و صاحب الجواهر،

أو قصر الملك علي شخص أو جهة مثلا بحيث لا يتعداهما، و علي التقديرين يثبت المطلوب،

اما علي الأول: فلتضاد جواز المعاوضات مع الممنوعية من التصرف، و مقتضاه بطلان الوقف بنفس جواز التصرف و به يظهر وجه ما افاده صاحب الجواهر قدس سره من: ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه،

بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه جواز بيعه. انتهي.

و أما علي الثاني: فلأن حقيقة الملك لا تختلف في الوقف و غيره، فحيثية عدم التعدي عن موضوعه راجعة الي عدم نفوذ التصرف فيه شرعا بالانتقال من موضوعه.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لعدم جواز بيع الوقف بوجوه:

______________________________

(1) المستدرك باب من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 370

لعموم قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها. (1)

و رواية ابي علي بن راشد، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام قلت جعلت فداك: اني اشتريت أرضا إلي جنب ضيعتي، فلما عمرتها خبرت انها وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و

لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الي ما اوقفت عليه، قلت: لا اعرف لها ربا قال تصدق بغلتها (2)

______________________________

(1) الاول: عموم قوله عليه السلام الوقوف يكون علي حسب ما يوقفها اهلها.

ففي مكاتبة الصفار الي ابي محمد الحسن بن علي عليهم السلام في الوقف و ما روي فيه عن آبائه عليهما السلام فوقع عليه السلام: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله تعالي «1».

و في اخري: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها ان شاء الله. و قد استدل به المصنف قدس سره.

و فيه: ان الظاهر منه ارادة لزوم العمل بالوقف علي الكيفية التي قررها الواقف من القيود و الشروط في الموقوف عليه و العين الموقوفة و صرف المنافع، و ليس المراد به ان الوقوف يجب ابقائها، و عليه فان كان عدم البيع مأخوذا في حقيقة الوقف فلا وجه للاقتصار علي هذا الخبر بل كان الاولي ان يتمسك اولا بالعمومات الأولية من قبيل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيره و ان لم يكن ماخوذا فيها كما هو مسلك المصنف قدس سره علي ما يصرح به في الصورة الأولي من صور جواز بيع الوقف. فهذا الخبر لا يدل علي ترتبه علي الوقف.

(2) الثاني: خبر ابي علي بن راشد المذكور في المتن.

و هذا الخبر مروي في الكافي و الفقيه، و هو في الأول مجهول، و في الثاني صحيح،

فلا خدشة فيه سندا. و أما من حيث الدلالة فقد يقال: انه يدل- بقرينة ذيله- علي عدم جواز الشراء من غير الموقوف عليه، و هذا مما لا كلام فيه، انما الكلام في الشراء من الموقوف عليه.

و لكن يرد عليه: ان الظاهر من الصدر كون وجه المنع كونه وقفا لا صدور البيع

من غير اهله، مع ان ترك الاستفصال في الصدر في مقام الجواب كاف في اطلاق المنع

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 371

و ما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام و غيره من الأئمة) صلوات الله عليهم اجمعين (مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام في صورة وقف امير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن ابي طالب عليه السلام و هو حيّ سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب، حتي يرثها الله الذي يرث السماوات. و الأرض و اسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش و عاش عقبه، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين الخبر (1) فان الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة لا لشخصها،

______________________________

إذ السؤال لم يكن مقيدا في الصدر و انما قيده بعد جوابه عليه السلام، فجوابه مطلق فهذا الخبر من ادلة عدم جواز بيع الوقف.

(1) الثالث: ما روي «1» في صدقات أمير المؤمنين عليه السلام المذكور في المتن.

بدعوي ان الظاهر من الوصف كونه صفة لنوع الصدفة لا لشخصها.

الذي يظهر من كلمات المصنف قدس سره و غيره ابتذر الاستدلال به علي ذلك، و ان الأمر يدور بين كون الوصف صفة لنوع الصدقة أو لشخصها.

و حق القول في المقام ان يقال: انها ليست صفة لنوع الصدقة، لأنها عبارة عن التمليك المتقرب به الي الله تعالي، و لها نوعان:

احدهما: ما هو قسيم للوقف و هو يمتاز عن الوقف بفصل عدمي و هو عدم كونه بحيث لا يباع و لا يوهب.

ثانيهما: الوقف، و هو ما يكون

متفصلا بكونه بحيث لا يباع و لا يوهب و عليه فالصدقة بمنزلة الجنس و بالفصلين تصير وقفا و بالآخر صدقة خاصة فقوله عليه السلام لا تباع و لا توهب ليس وصفا لنوع الصدقة قطعا. اللهم الا ان يقال: ان مرادهم من صفة نوع الصدقة كونه وصفا للنوع من الصدقة، فلا يرد عليهم هذا الايراد.

ثمّ ان مرادهم من كونه وصفا للنوع اعم من كونه فصلا مقوما للنوع و كونه

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 372

و يبعد كونها شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص (1) مع ان سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم، خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم

______________________________

لازما للوقف.

فلا يرد علي المصنف قدس سره التهافت في كلماته، حيث استظهر في المقام كونه صفة لنوع الصدقة، و يصرح فيما بعد بعد كون المنع من الانتقال مأخوذا في حقيقة الوقف كما لا يخفي.

(1) و المراد من كونه وصفا للشخص كونه وصفا له بنحو الاشتراط، إذ لو لم يكن ذلك فصلا أو لازما للنوع يمتنع كونه مقوما للشخص بما انه فرد لهذا النوع، و ليست هذه الحيثية من مشخصات الفرد فيتعين جعله مشخصا بنحو الاشتراط و الالتزام، فالأمر يدور بين كونه وصفا للنوع و كونه وصفا للشخص بنحو الاشتراط.

و الأظهر هو الأول، و ذلك لوجوه:

الأول: ان الظاهر من قوله عليه السلام لا تباع كونه بنفسه وصفا للصدقة لا التزاما و جعلا.

الثاني: انه لو كان شرطا و التزاما في ضمن التزام كان المتعين عدم ذكره الا بعد تحقق الالتزام الأول بما له من الأركان التي منها الموقوف عليه، سيما و ان الالتزام يكون علي الموقوف عليه، فلا

معني لذكره قبل ذكره.

الثالث: ان الظاهر من صورة الوقف انه في مقام انشاء الوقف كتبيا مطابقا للانشاء اللفظي الذي انشأه في الخارج، و إذا لم يكن عدم جواز البيع من لوازم الوقف و كان شرطا خارجيا لما صح الانشاء لما عرفت من ان الصدقة بمنزلة الجنس للوقف.

الرابع: انه لو كان شرطا كان يصدر الوصف بكلمة علي أو نحو ذلك فيكون وصفا للنوع و لكن لا يدل علي انحصار حقيقة الوقف في هذا النوع الخاص، فلعل له نوعين احدهما: المتقوم بهذه الحيثية، ثانيهما: غير المتقوم بها. فمع فرض كونه وصفا للنوع لا يدل علي المطلوب، اللهم الا ان يضم عدم الفصل بين أقسام الوقف، و لا بأس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 373

مع انه لو جاز البيع في بعض الاحيان كان اشتراط عدمه علي الاطلاق فاسدا، بل مفسدا (1) لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد، كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طرو الحاجة أو صيرورته مما لا ينتفع به اصلا الا ان يقال ان هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه الي البيع لا لعذر (2) مع ان هذا التقييد مما لا بد منه (3) علي تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا، مع احتمال علم الامام بعدم طرو هذه الامور المبيحة (4) و حينئذ يصح ان يستغني بذلك عن التقييد علي تقدير كون الصفة شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع، فان العلم بعدم طرو مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد اطلاق الوصف في النوع، كما لا يخفي.

______________________________

(1) و ذكر المصنف من مرجحات كونه وصفا للنوع ما حاصله: انه لو كان شرطا

كان اطلاقه مخالفا للمشروع للجواز في بعض الأحيان فكان فاسدا بل مفسدا، و الظاهر ان الفرق بين الجواز الثابت في موارد الاستثناء، و الجواز الذي يكون في مطلق الوقف علي القول به- حيث انه لم يستشكل في الشرط من الناحية الثانية و استشكل فيه من الناحية الأولي- ان الجواز في موارد الاستثناء يكون عن اقتضاء للجواز بخلاف الجواز في مطلق الوقف، فانه يكون عن عدم ما يقتضي للمنع، فشرط خلاف الأول مخالف للمشروع دون شرط خلاف الثاني فتأمل.

و كيف كان فدفعه بوجهين

(2) احدهما انصراف البيع بوجهين

(3) ثانيهما لزوم هذا التقييد سواء كان الوصف للنوع أو شرطا خارجيا- و يرد عليه: ان الشرط ان كان عدم جواز البيع كان مخالفا للمشروع علي جميع التقادير، و ان كان عدم الفعل لم يكن مخالفا له، فان شرط عدم فعل ما هو جائز ليس مخالفا للكتاب و السنة.

(4) و ربما يذكر من مرجحات كونه شرطا خارجيا ما محصله: انه لو كان شرطا.

يمكن حفظ اطلاقه من جهة علمه عليه السلام بعدم طرو المسوغات المنافية للاشتراط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 374

فظهر ان التمسك باطلاق المنع علي البيع علي كون الوصف داخلا في اصل الوقف، كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر، و ان كان الانصاف مما ذكرنا من ظهور سياق الاوصاف في كونها اوصافا للنوع، و مما ذكرنا ظهر ان المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة: (1) حق الواقف حيث جعلها بمقتضي صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها، و حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فان الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر فيه التقرب، و يكون لله تعالي عمله و عليه

عوضه، و قد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقي الباقي و قد يرتفع كلها و سيجي ء التفصيل.

______________________________

و لو كان صفة للنوع لم تجد هذه الجهة، إذ علمه عليه السلام بان شخص هذه الصدقة لا يطرأ عليه المسوغ لا يجوز توصيف الطبيعي بوصف يختص بهذا الشخص.

(1) ذكر المصنف قدس سره تبعا لبعض الاساطين: ان المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة:

حق الواقف، حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق، و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات.

فلا بد لنا من تحقيق حال الموانع الثلاثة فنقول:

اما كونه متعلقا لحق الواقف، فتقريبه: ان الواقف بجعل العين وقفا يجعلها صدقة جارية ينتفع انتفاعا اخرويا بانتفاع الموقوف عليهم، و البيع يوجب انقطاع تلك المثوبات لانقطاع الانتفاعات.

و فيه: ان مجرد انتفاع الواقف اخرويا بعد خروج الملك عن ملكه لا يصلح مانعا عن البيع، فان هذا لا يوجب حدوث حق اعتباري في العين مانع عن بيعها، و تفويت الغرض ليس كتفويت الحق مانعا عن البيع،

مع ان متعلق البيع نفس العين، و المثوبات انما تكون بازاء الانتفاعات، فلا مانع من بيع العين و بقاء حق الموقوف عليهم في استيفاء المنافع الموجب لانتفاع الواقف متعلقا بها. فتأمل.

لا يقال: ان المراد ان هذا غرض معاملي للواقف حيث انه انشأ الوقف بابقاء العين و تسبيل المنفعة و قد أمضي الشارع هذا المعني بقوله: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 375

ثمّ ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف الي ان يباع. فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه فمعني جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها الي بدل أو لا إليه،

فإن مدلول صيغة الوقف و ان اخذ فيه الدوام و المنع عن المعاوضة عليه، الا انه قد يعرض

ما يجوز مخالفة هذا الانشاء، كما ان مقتضي العقد الجائز كالهبة تمليك المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه، فتأمل.

الا انه ذكر بعض في هذا المقام. ان الذي يقوي في النظر بعد إمعانه ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه، ثمّ ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه، و قد سبقه الي ذلك بعض الاساطين في شرحه علي القواعد.

______________________________

فانه يرد بان المانع عن البيع علي هذا هو حقيقة الوقف لمنافاتها مع جواز البيع لا حق الواقف.

و أما كون العين موردا لحق الله سبحانه،

فتقريبه: ان الوقف صدقة في سبيله تعالي و هي له، و بهذا الاعتبار متعلقة لحقه بالخصوص كالخمس.

و فيه: ان غاية ما هناك تقرب الواقف بالعمل، و اعطائه تعالي الثواب جزاء للصدقة الجارية، و هما متحققان في جميع العبادات، و لا يوجبان صيرورة العين متعلقة لحق مقابل للحكم.

و أما كون العين موردا لحق البطون اللاحقة فتقريبه: ان الواقف جعل الوقف ملكا لهم بعد وجودهم، فلهم قبل ذلك حق متعلق بالعين، و هو يمنع عن البيع.

و فيه: ان ما يثبت للبطون اللاحقة لا محالة يكون بإنشاء الواقف، و من الواضح انه انما انشأ الملكية خاصة، فليس هناك امر آخر اعتباري يعبر عنه بالحق يمنع عن البيع و أما الملكية فحيث انها تثبت لهم بعد وجودهم، فقبله لا تكون العين موردا للملكية لهم، فلا مانع من البيع من هذه لا جهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 376

حيث استدل علي المنع عن بيع الوقف بعد النص و الاجماع، بل الضرورة: بأن

البيع و اضرابه ينافي حقيقية الوقف لأخذ الدوام فيه، و ان نفي المعاوضات مأخوذة فيه ابتداء. (1)

و فيه انه ان اريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره و هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها و عن بدلها حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع، فهذا لا محصل له فضلا عن ان يحتاج الي نظر، فضلا عن امعانه، و ان اريد به انتفاء اصل الوقف كما هو ظاهر من كلامه، حيث يجعل المنع من البيع من مقومات مفهوم الوقف. ففيه مع كونه خلاف الاجماع إذ لم يقل احد ممن اجاز بيع الوقف في بعض الموارد (2) ببطلان الوقف

______________________________

نعم يمكن ان يذكر وجه آخر للمنع، و هو: ان البطن الموجود انما يملك العين بالملكية المحدودة لا المرسلة، فان تلك كانت للواقف، و قد قسمها علي البطون، فكل بطن يملك العين في مدة محدودة، و البيع هو التمليك مرسلا مطلقا، فالمالك بالملكية المحدودة ليس له البيع.

(1) و قد وقع النزاع بين صاحب الجواهر قدس سره و شيخه، و بين المصنف قدس سره

(1) فقد ذهب الاولان الي ان الوقف يبطل بنفس جواز البيع،

(2) و خالفهما المصنف قدس سره و ذهب الي بقائه ما لم يتحقق البيع، و به يبطل.

و قد يقال: انه لا ثمرة لهذا النزاع، فانه قبل طروء المسوغ لا يجوز البيع و بعده يصح،

و لكن إذا طرأ المسوغ و لم يبع ثمّ ارتفع السبب المجوز علي القول بارتفاع صفة الوقفية لا مورد لتوهم ارتفاع الجواز، فان الوقف لا يعود بارتفاعه و أما علي القول ببقائها يمكن القول بارتفاع الجواز لدورانه مدار السبب المسوغ اللهم الا ان يقال: ان دليل عدم

جواز بيع الوقف حيث لا عموم ازماني له فبعد خروج قطعة من الزمان عنه يكون المحكم بعد تلك استصحاب الجواز لا إطلاق دليل المنع، فلا تكون هذه ثمرة فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 377

و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه الي ملك الواقف ان المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه، بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك.

و لذا يطلق عليه الصدقة و يجوز ايجابه بلفظ تصدقت، الا ان المالك له بطون متلاحقة، فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا علي جميع الملاك في ابدال ما لهم بمال آخر، و إذا جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود علي القول بجوازه فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم، فإذا لم يبيعوا لم يبطل. و لذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع، أو لم يتفق البيع كان الوقف علي حاله. و لذا صرح في جامع المقاصد، بعد جواز رهن الوقف و ان بلغ حدا يجوز بيعه معللا باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند ارادة بيعه في دين المرتهن.

إذا عرفت ان مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا: (1)

______________________________

فان هذا لا يتم علي ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

و كيف كان: فقد عرفت ان ما اختاره صاحب الجواهر اقوي.

الوقف قد يكون تمليكا و قد يكون فكا

(1) إذا عرفت ان مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم: ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا.

و لا يخفي ان استفادة الاتفاق من الأصحاب و لو في مورد خاص مشكل لاختلاف كلماتهم في اصل الخروج عن المنع و في موارده،

و كلماتهم لا تخلو من الأشكال و التشويش، و قد بذل جمع- منهم المصنف قدس سره- جهدهم في استقصائها، شكر الله مساعيهم و انما اكتفي بنقل كلمات المصنف من دون اظهار النظر في شي ء منها و اليك نص ما افاده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 378

احدها: عدم الخروج عنه اصلا و هو الظاهر من كلام الحلي حيث قال في السرائر بعد نقل كلام المفيد قدس سره و الذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه و تقبيضه لا يجوز الرجوع فيه و لا تغييره عن وجوهه و سبله و لا بيعه سواء كان بيعه ادر «أعود» عليهم ام لا، و سواء خرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا ام لا، قال الشهيد رحمه الله بعد نقل اقوال المجوزين و ابن ادريس سد الباب و هو نادر مع قوته، و قد ادعي في السرائر عدم الخلاف في المؤبد قال: ان الخلاف الذي حكيناه بين اصحابنا انما هو إذا كان الوقف علي قوم، و من بعد هم علي غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه الي غيره الي ان يرث الله الأرض، لم يجز بيعه علي وجه بغير خلاف بين أصحابنا،

انتهي.

و فيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور اقوال كثير من المجوزين في المؤبد. و حكي المنع مطلقا عن الاسكافي و فخر الإسلام ايضا، الا في آلات لموقوف و اجزاءه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع، قال الاسكافي علي ما حكي عنه في المختلف ان الموقوف رقيقا أو غيره لو بلغ حاله الي زوال ما سبله من منفعته،

فلا بأس ببيعه و ابدال مكانه بثمنه ان امكن أو صرفه

فيما كان يصرف إليه منفعته،

اورد ثمنه علي منافع ما بقي من اصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح، انتهي.

و قال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده قدس سره و لو خلق حصير المسجد و خرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق، فالاقرب جواز بيعه، قال بعد احتمال المنع بعموم النص في المنع: و الاصح عندي جواز بيعه و صرف ثمنه في المماثل ان امكن و الا ففي غيره، انتهي.

و نسبة المنع اليهما علي الاطلاق لا بد ان يبني علي خروج مثل هذا عن محل الخلاف و سيظهر هذا من عبارة الحبلي و الكافي ايضا فلاحظ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 379

الثاني: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد، و هو المحكي عن القاضي حيث قال في المحكي المهذب: إذا كان الشي ء وقفا علي قوم و من بعدهم إلي غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غير ذلك إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها، لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه فان كان وقفا علي قوم مخصومين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم حسب ما قدمناه، و حصل الخوف من هلاكه أو فساده، أو كان باربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدي إلي فساده،

فإنه حينئذ يجوز بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم علي حسب استحقاقهم، فان لم يحصل شي ء من ذلك لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه، و لا يجوز هبة الوقف و لا الصدقة به ايضا، و حكي عن المختلف و جماعة نسبة التفصيل

إلي الحلبي. لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده بل ربما استظهر منه المنع علي الاطلاق فراجع.

و حكي التفصيل المذكور عن الصدوق و المحكي عن الفقيه انه قال: بعد رواية علي بن مهزيار الآتية ان هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم و لو كان عليهم و علي اولادهم ما تناسلوا و من بعد علي فقراء المسلمين الي ان يرث الله تعالي الأرض و من عليها، لم يجز بيعه ابدا. ثمّ ان جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي كما لا يخفي.

ثمّ ان هؤلاء ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع الي ورثه الموقوف عليه فللقول، بجواز بيعه وجه، اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه الي الواقف أو ورثته، فلا وجه للحكم بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم. و قد حكي القول بهذين عن القاضي إلا أن يوجه بأنه لا يقول ببقائه علي ملك الواقف حتي يكون حبسا بل هو وقف حقيقي و تمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم، و حينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول مع تعلق سائر حق البطون في الوقف المؤبد. لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكي عنه القول المتقدم حيث انه يقول ببقاء الوقف مطلقا علي ملك الواقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 380

الثالث: الخروج عن عموم المنع و الحكم بالجواز في المؤبد في الجملة و أما المنقطع فلم ينصوا عليه و ان ظهر من بعضهم التعميم و من بعضهم التخصيص بناء علي قوله برجوع المنقطع الي ورثة الواقف كالشيخ و سلار قدس سره، و من حكم برجوعه بعد

انقراض الموقوف عليه إلي وجوه البر كالسيد ابي المكارم بن زهرة فلازمه جعله كالمؤبد و كيف كان فالمناسب اولا نقل عبائر هؤلاء. فنقول قال المفيد في المقنعة: الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها الا ان يحدث الموقوف ادر «اعود» عليهم و انفع لهم من تركه علي حاله و إذا اخرج الواقف الوقف عن يده الي من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شي ء منه و لا تغيير شرائطه و لا نقله عن وجوهه و سبله متي اشترط الواقف في الوقف انه متي احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه جاز له فعل ذلك و ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيروا شيئا من شروطه الا ان يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه. كذلك ان حصلت لهم ضرورة الي ثمنه، كان لهم حله و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرنا من الاسباب و الضرورات انتهي كلامه رحمه الله.

و قد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة مواضع و ضم صورة جواز الرجوع و جواز تغير الشرط الي المواضع الثلاثة المذكورة، بعد وصول الموقوف الي الموقوف عليهم و وفات الواقف فلاحظ و تأمل.

ثمّ ان العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان بحدث الي قوله انفع لهم من تركه علي حاله متأول، و لعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد، و قال في الانتصار علي ما حكي عنه،

و مما انفردت الامامية به القول بأن الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا، جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و ان ارباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة الي ثمنه جاز لهم بيعه و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 381

ثمّ احتج باتفاق الامامية ثمّ ذكر خلاف ابن الجنيد و رده بكونه مسبوقا و ملحوقا بالاجماع، و انه انما عول في ذلك علي ظنون له و حسبان اخبار شاذة لا يلتفت الي مثلها انتهي.

ثمّ قال: و أما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي او دعت اربابه الضرورة الي ثمنه لشدة فقرهم فالاحوط ما ذكرناه من جواز بيعه، لأنه انما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه، و لم يبق منفعة فيه الا من الوجه الذي ذكرناه، انتهي.

و قال في المبسوط و انما يملك الموقوف عليه بيعه علي وجه عندنا، و هو انه إذا خيف علي الوقف الخراب، أو كان باربابه حاجة شديدة و لا يقدرون علي القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك لا يجوز بيعه انتهي.

ثمّ احتج علي ذلك بالاخبار، و قال سلار فيما حكي عنه: و لا يخلو الحال في الوقف و الموقوف عليهم من أن يبقي و يبقوا علي الحال التي وقف فيها، أو يتغير الحال فان لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف، و لا هبته و لا تغيير شي ء من احواله، و ان تغير الحال في الوقف حتي لا ينتفع به علي اي وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو انفع لهم انتهي.

و قال

في الغنية علي ما حكي عنه: و يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه أو كانت باربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة الي بيعه بدليل اجماع الطائفة و لأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم يبق له منفعة الا علي الوجه الذي ذكرنا جاز، انتهي.

و قال في الوسيلة و لا يجوز بيعه يعني الوقف الا بأحد شرطين: الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه، شديدة لا يمكنه معها القيام به، انتهي.

و قال الراوندي في فقه القرآن علي ما حكي عنه: و انما يملك بيعه علي وجه عندنا و هو إذا خيف علي الوقف الخراب أو كان باربابه حاجة شديدة.

و قال في الجامع علي ما حكي عنه: فإن خيف خرابه أو كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 382

و عن النزهة: لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه، أو يؤدي المنازعة فيه بين اربابه الي ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، و يكون بيع الوقف اصلح لهم، انتهي.

و قال في الشرائع و لا يصح بيع الوقف ما لم يؤدي بقاؤه إلي خرابه، لخلف بين أربابه و يكون البيع أعود.

و قال في كتاب الوقف: و لو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه، و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه، بل كان البيع انفع لهم قيل:

يجوز بيعه و الوجه المنع، انتهي.

و مثل عبارة الشرائع في كتابي البيع و الوقف عبارة القواعد في الكتابين. و قال في التحرير لا يجوز بيع الوقف بحال و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة

عن الوقف، و لم يجز بيعها و لو وقع خلف بين ارباب الوقف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه علي ما رواه أصحابنا، ثمّ ذكر كلام ابن ادريس و فتواه علي المنع مطلقا، و تنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز علي المنقطع، و نفيه الخلاف علي المنع في المؤبد، ثمّ قال: و لو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلية، كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكن من عمارتها و يشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها،

انتهي.

و قال في بيع التحرير، و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، و لو ادي بقاؤه إلي خرابه جاز، و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين اربابه مع بقائه علي الوقف انتهي.

و عن بيع الارشاد، لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب أو يؤدي الي الخلف بين اربابه علي رأي، و عنه في باب الوقف: لا يصح بيع الوقف الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف و يخشي به الخراب، و قال في التذكرة في كتاب الوقف علي ما حكي عنه: و الوجه ان يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين اربابه يحصل باعتبارها فساد، انتهي.

و قال في كتاب البيع، لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد، نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 383

و قال في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف و إذا كان البيع اعود مع الحاجة، و قال في الدروس لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه أو

خلف أربابه المؤدي إلي فساده. و قال في اللمعة: لو أدي بقاؤه إلي خرابه لخلف أربابه فالمشهور الجواز، انتهي.

و قال في تلخيص الخلاف علي ما حكي عنه: ان لأصحابنا في بيع الوقف اقوالا متعددة اشهرها جوازه إذا وقع بين اربابه خلف و فتنة و خشي خرابه و لا يمكن سد الفتنة بدون بيعه و هو قول الشيخين.

و اختاره نجم الدين و العلامة، انتهي.

و قال في التنقيح علي ما حكي عنه إذا آل الي الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به اصلا جاز بيعه.

و عن تعليق الارشاد يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الانفس، و عن ايضاح النافع انه جوز بيعه إذا اختلف اربابه اختلافا يخاف معه القتال. و نهب الاموال و لم يندفع الا بالبيع، قال: فلو امكن زواله و لو بحاكم الجور، لم يجز. و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه، انتهي.

و مثله الكلام المحكي عن تعليقه علي الشرائع.

و قال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد الي موافقة الأكثر:

ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:

احدها: إذا خرب و اضمحل بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا اندرست و جذوعه إذا انكسرت.

ثانيها: إذا حصل خلف بين اربابه يخاف منه تلف الأموال و مستنده صحيحة علي بن مهزيار و يشتري بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان، و يتولي ذلك الناظر الخاص ان كان و إلا فالحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 384

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلة و غيرها، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام انتهي كلامه رفع مقامه.

و قال في الروضة: و

الاقوي في المسألة ما دل عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه إذا وقع بين اربابه خلف شديد،

علله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس. و ظاهره ان خوف ادائه اليهما و الي احدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك، قال و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه و ان احتاج إليه ارباب الوقف و لم يكفهم غلته أو كان بيعه اعود أو غير ذلك مما قيل لعدم دليل صالح عليه، انتهي.

و نحوه ما عن الكفاية، هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية، و الظاهر ان المراد بتأدية بقاء الوقف الي خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف لا التأدية علي وجه القطع، فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها و خشيتها في بعضها الآخر، و لذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا و اخري بذلك، كما اتفق للفاضلين و الشهيد و نسب بعضهم عنوان الخوف الي الأكثر،

كالعلامة في التذكرة و إلي الأشهر كما عن ايضاح النافع، و آخر عنوان التأدية الي الأكثر، كجامع المقاصد، أو إلي المشهور كاللمعة، فظهر من ذلك ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلي خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن، المتيقن عن

فتوي المشهور ما كان من أجل اختلاف اربابه، اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم كالنص كون الاختلاف من باب المقدمة و أن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب

______________________________

و ان شئت الاطلاع علي نظرات الفقهاء العظام فانظر الي ما جمعه المصنف قدس سره فانه رحمه الله قد استقصي الكلام في ذلك بنحو لم يبق مورد له دخل في كيفية الاستنباط الا و قد اشار إليه.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 385

إذا عرفت ما ذكرنا

فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد و اخري في المنقطع.
[الوقف المؤبد]
اشارة

اما الأول فالذي ينبغي ان يقال فيه ان الوقف علي قسمين:

احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم فيملكون منفعته فلهم استئجاره و أخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.

و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير، (1) كما في المساجد و المدارس و الربط بناء علي القول بعدم دخولها في ملك المسلمين،

كما هو مذهب جماعة فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه احد بغير حق فالظاهر انه ليس عليه اجرة المثل.

______________________________

و الكلام يقع تارة: في الوقف المؤبد، و اخري: في المنقطع.

(1) اما الاول: ففي المكاسب: ان الوقف علي قسمين: احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد، بل يكون فك ملك نظير التحرير …

تنقيح القول في المقام: ان الكلام يقع اولا: في انه هل يخرج الملك عن ملك الواقف ام لا؟ ثمّ في انه علي فرض الخروج هل يدخل في ملك الموقوف عليه خاصا أو عاما اولا،

ام يفصل بين العام و الخاص؟ اما الموضع الأول: فقد استدل لعدم الخروج الذي ذهب إليه أبو الصلاح: بقوله صلي الله عليه و آله: حبس الأصل و سبل الثمرة «1». و بقول الفقهاء: انه تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة. بتقريب: ان الظاهر من الحبس ابقائه علي حاله و ملك مالكه.

و فيه ان الظاهر من الحبس بقرينة تسبيل المنفعة، الحبس علي الموقوف عليه كما ان التسبيل له لا التحبس علي الواقف.

و قد استدل للخروج عن ملكه بوجوه بينة الفساد و الصحيح ان يستدل له: بان الملكية من الاعتبارات، و الاعتبار لا بد و ان يكون بلحاظ الآثار، فالاعتبار الذي لا

يترتب عليه اثر لغو لا يصدر من العقلاء و الشارع

______________________________

(1) المستدرك باب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 386

______________________________

و حيث ان اعتبار كون المال ملكا للواقف مع كونه ممنوعا من التصرفات و رجوع منافعه الي الموقوف عليه لغو و بلا اثر، فلا يصدر من العقلاء و الشارع، فلا محالة بالوقف يخرج عن ملكه.

و يمكن ان يستدل له بما اشتمل من النصوص «1» علي كيفية الوقوف و صدقات المعصومين عليهما السلام من قولهم بتا بتلا اي منقطعا عن الواقف و مبانا عنه، لأن البت و البتل بمعني القطع.

و أما الموضع الثاني:

فعن الأكثر- بل المشهور-: انتقاله الي الموقوف عليه، و نقل الحلي عن بعضهم:

اختيار انتقاله الي الله تعالي، و عن المبسوط: نسبته الي قوم، و عن الشهيد الثاني في المسالك، و العلامة في القواعد: التفصيل بين العام و الخاص.

و قد استدل لصيرورته ملكا للموقوف عليه بوجوه:

الأول: ان المتلف للعين الموقوفة يكون ضامنا للموقوف عليه، فلو لم يكن ملكا له لما كان وجه للضمان.

و فيه: انه يكفي في الحكم بالضمان اضافتها إليه و لو بكونها محبوسة عليه لينتفع بها، فيكون البدل كالمبدل موردا و مصرفا لانتفاعه به.

الثاني: ان فائدة الملك- و هي استحقاق النماءات و المنافع- تكون له، فيكشف ذلك عن ملك العين.

و فيه ان ملكية المنافع و النماءات ان لم يتعلق بها انشاء مستقل كانت تابعة لملكية العين، و أما إذا تعلق الانشاء بها مستقلا- كما في باب الإجارة- فلا تكشف عن ملكية العين،

و المقام من هذا القبيل، فان الوقف تسبيل المنافع بالاستقلال.

الثالث: ان الوقف من اركانه الموقوف عليه، اما خاصا أو عاما، و لو كان مجرد

______________________________

(1) الوسائل باب 6 و

10- من ابواب الوقوف و الصدقات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 387

______________________________

فك الملك لما احتاج إليه.

و فيه: ان الاحتياج إليه انما هو من جهة كونه مالكا للمنافع أو الانتفاع لا من حيث كونه فكا للملك.

الرابع: ان الوقف لو كان فكا لا تمليكا لما احتاج الي القبول كالعتق، مع انه يتوقف عليه.

و فيه: ان الاحتياج الي القبول انما هو من جهة كون الموقوف موردا و مصرفا للنماءات و الانتفاعات.

و استدل للقول بانتقاله الي الله تعالي: بان الوقف ازالة الملك عن المالك علي وجه القربة، فيكون منتقلا الي الله تعالي، و هو كما تري.

و استدل للقول الثالث: في الخاص بما تقدم، و في العام و الجهات بتساوي نسبة كل واحد من المستحقين، و استحالة ملك كل واحد أو واحد معين أو غير معين للاجماع،

و استحالة الترجيح و لا المجموع من حيث هو مجموع لاختصاص الحاضر به، فيتعين ان يكون لله.

و فيه: اولا: انه لا مانع من الالتزام بانه مال لا مالك له.

و ثانيا: انه يمكن الالتزام بكون المالك هو الكلي كما في الخمس و الزكاة.

و الحق ان يقال: ان الوقف علي اقسام:

احدها: ما يملك الموقوف عليه منفعة العين الموقوفة، فيجوز له نقلها باجارتها و نحوها كالأوقاف الخاصة أو ما يشبهها من الأوقاف العامة كالبستان الموقوف علي الطلاب.

ثانيها: ما يملك الموقوف عليه الانتفاع بها و لا يملك المنفعة، كان ملك الانتفاع بانشاء الواقف كالمدارس و الخانات، أو بحكم من الشارع كالمسجد، فانه لم يقصد به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 388

و الظاهر ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول.

و أما الثاني: فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. (1)

و بالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا

غير طلق لا فيما لم يكن ملكا،

و حينئذ فلو خرب المسجد، و خربت القرية، و انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد، لم يجز بيعه

______________________________

الا جعله مسجدا، و قد حكم الشارع بجواز الصلاة فيه من دون ان يجعله الواقف وقفا علي المصلين.

ثالثها: ما لا يترتب عليه ملك المنفعة و لا الانتفاع، كما في المعلقات الموقوفة علي الروضات و المشاهد المقدسة.

اما في الأخيرين: فالأظهر عدم الملك، فانه من عدم ملكية المنفعة يستكشف عدم ملكية العين، إذ لو كانت العين ملكا كانت المنفعة ايضا ملكا.

و أما في الأول: فيمكن القول بكون العين للموقوف عليه، للتعبير عن ذلك في النصوص بالصدقة التي هي الاعطاء مجانا بقصد القربة، سيما و في بعضها مثل ما تضمن «1»

صدقة الإمام الكاظم عليه السلام نسبتها الي جميع حقه من الأرض الموقوفة، فانه لا ينبغي التوقف في استفادة الملك من ذلك كما لا يخفي.

بيع الوقف مع عدم كونه ملكا

إذا عرفت ان للوقف قسمين: احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، و ثانيهما: ما لا يكون ملكا لهم بل هو فك و تحرير، فاعلم: انه يقع الكلام في مقامين:

الأول: في بيع ما لا يكون ملكا في الموارد التي لو كانت ملكا كان يجوز بيعها.

الثاني: في ما يكون ملكا لهم.

(1) اما المقام الاول: فقد قال المصنف قدس سره و أما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 389

و صرف ثمنه في احداث مسجد آخر أو تعميره.

و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك، بل لعدم

اصل الملك برجوعها الي الله و دخولها في مشاعره انه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يؤجر للزراعة و نحوها، مع المحافظة علي الآداب اللازمة لها ان كان مسجدا مثلا، و احكام السجلات لئلا يغلب اليد،

فيقضي بالملك و تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب و الأحوج و الافضل احتياطا، و مع التعارض فالمدار علي الراجح، و ان تعذر صرف الي غير المماثل، كذلك فإن تعذر صرف في مصالح المسلمين. و أما غير الأرض من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها، فإن بقيت علي حالها و امكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي اعدت له كانت علي حالها،

و الا جعلت في المماثل، و الا ففي غيره، و الا ففي المصالح علي نحو ما مر.

______________________________

الكلام في هذا المقام يقع في موارد:

احدها: في حكم الأوقاف العامة غير المسجد كالخانات و المدارس و نحوها.

ثانيها: في حكم المسجد.

ثالثها: في اجزاء المسجد.

رابعها: في ثوب الكعبة.

اما المورد الأول: فان قلنا بانه يعتبر في البيع كون العوضين مملوكين للمتعاقدين قبل البيع، لم يصح بيعها بوجه لعدم الملك، و لا إجارتها لعدم ملك المنفعة علي الفرض. فما عن بعضهم من جواز الإجارة حتي في مثل المسجد إذا خرب لا ينطبق علي هذا المبني،

و أما علي المختار من عدم اعتبار ذلك و انه يكفي كونه مالكا للبيع و مسلطا علي التمليك- كما في بيع الكلي في الذمة و اجارة الحر نفسه- فلا اشكال في جواز البيع، إذ كما يقال في الوقف الخاص: ان العين بشخصها محبوسة ما دام الي ذلك سبيل و الا فهي محبوسة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 390

و ان تعذر الانتفاع بها باقية علي حالها

بالوجه المقصود منها، أو ما قام مقامه اشبهت الملك بعد اعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع الي حكم الاباحة و العود ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم و العود الي المالك، و مع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك. و يحتمل بقاؤه علي الوقف و يباع احترازا عن التلف و الضرر و لزوم الحرج و تصرف مرتبا علي النحو السابق، و هذا هو الاقوي،

كما صرح به بعضهم، انتهي.

و فيه ان اجارة الأرض و بيع الآلات حسن لو ثبت دليل علي كونه ملكا للمسلمين (1) و لو علي نحو الأرض المفتوح عنوة، لكنه غير ثابت و المتيقن خروجه عن ملك مالكه. و أما دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل، نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الاباحة، و لا يتعلق عليهم اجرة،

______________________________

بماليتها دون شخصها فتتبدل بعين اخري تجعل مكانها كذلك يقال في الوقف العام ان العين محبوسة بشخصها ما دام يمكن الانتفاع بها، و الا فهي محبوسة بماليتها و مطلقة من جهة شخصيتها بلا تفاوت بينهما اصلا.

و بما ذكرناه يظهر حال الإجارة، و انها تصح، بل هي اولي بذلك من البيع، فان فيها الحفظ علي محبوسية العين بما لها من الشخصية.

(1) كما انه ظهر حكم حصير المسجد، فانه كسائر الاوقاف العامة، و لا يتوقف جواز بيعه علي كونه ملكا للمسلمين كما افاده المصنف قدس سره.

كما انه ظهر حكم الأوقاف العامة التي ليست لأجل انتفاع المسلمين بل لغرض آخر كالتزيين، فانها و ان لم تكن مملوكة لأحد لعدم الدليل الا انه يجوز بيعها في موارد جواز البيع لو كانت مملوكة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 391

ثمّ انه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من

الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة وهبته (1) مثل رواية مروان بن عبدا لملك، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام:

عن رجل اشتري من كسوة الكعبة ما قضي ببعضه حاجته و بقي بعضه في يده هل يصلح ان يبيع ما اراد؟ قال: يبيع ما اراد و يهب ما لم يرد و ينتفع به و يطلب بركته،

قلت: أ يكفن به الميت؟ قال: لا، قيل: و في رواية اخري يجوز استعماله و بيع نفسه،

و كذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

اللهم الا ان يقال ان ثوب الكعبة و حصير المسجد ليسا من قبيل المسجد، بل هما مبذولان للبيت و المسجد فيكون كسائر اموالهما. و معلوم ان وقفية اموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأول، و ليس من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العام التصرف فيه بالبيع. نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد، فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيز الانتفاع، بل كان جديدا غير مستعمل و بين ما يكون من الأموال وقفا علي المسجد، كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد، و الثوب الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه،

الا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

______________________________

و أما المورد الثاني: فملخص القول فيه: ان للمسجد- مع قطع النظر عن كونه من الأوقاف العامة و يجوز انتفاع المسلمين به في الصلاة و غيرها- حيثية اخري، و هي حيثية المسجدية و احكام خاصة من حرمة تنجيسه و وجوب ازالة النجاسة عنه و نحوهما، و هذه الحيثية- اي حيثية كون الأرض

بيت الله- قائمة بشخص هذه الأرض لا بما لها من المالية، و هذه الحيثية تمنع عن بيعه.

و أما اجارته فبما انه لا تنافي هذه الحيثية، و من حيث انه وقف عام ايضا لا مانع لفرض كون المورد من موارد الجواز، فلا محذور فيها.

و بذلك ظهر تمامية ما افاده كاشف الغطاء قدس سره.

(1) قوله ما ورد في بيع ثوب الكعبة «1» سيأتي البحث فيه في المورد الرابع

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب مقدمات الطواف كتاب الحج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 392

ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا علي المسلمين، و لكن يضعه في المسجد، لأنه احد وجوه انتفاعهم كالماء المسبل الموضوع في المسجد فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به في غيره و لو مع حاجته لكن يبقي الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه.

و ان كان الظاهر في الأول الاختصاص و اوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه.

و في الثاني: العموم فيجوز التوضي منه و ان لم يرد الصلاة في المسجد،

و الحاصل ان الحصر و شبهها الموضوعة في المساجد و شبهها يتصور فيها اقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين، و ليست من قبيل نفس المسجد و اضرابه فتعرض الاصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا. نعم ما ذكرنا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان مع ان المحكي عن العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني جواز بيعه، و ان اختلفوا في تقييد الحكم و اطلاقه، كما سيجي ء الا ان نلتزم بالفرق بين

ارض المسجد. فإن وقفها و جعلها مسجدا فك ملك، بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالاخشاب و الاحجار فإنها تصير ملكا للمسلمين، فتأمل.

و كيف كان فالحكم في ارض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو ابقاؤها مع التصرف في منافعها، كما تقدم عن بعض الاساطين أو بدونه. و أما اجزاؤه كجزوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينه

______________________________

و أما المورد الثالث: فالظاهر ان حالها حال المسجد، فانها من اجزائه، و تجمعها و العرصة صيغة واحدة، و بناء الأصحاب علي ترتب احكام المسجد عليها من حرمة التنجيس و وجوب ازالة النجاسة و غيرهما ما لم يصرح بعدم دخولها في المسجد، و عليه فلا يجوز بيعها بوجه. فان امكن الانتفاع بها في ذلك المسجد، و الا ينتفع بها في مسجد آخر، و ان لم يمكن صرفت في سائر مصالح المسلمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 393

يجب صرف عينه فيه، لان مقتضي وجوب ابقاء الوقوف و اجرائها علي حسب ما يوقفها اهلها وجوب ابقائه جزءا للمسجد، لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال، و ان لم يكن مصلحة في رده جزءا للمسجد، فبناء علي ما تقدم من ان الوقف في المسجد و اضرابه فك ملك لم يجز بيعه لفرض عدم الملك، و حينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلي مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك، كإحراقه لآجر المسجد و نحو ذلك،

كما عن الروضة و الا صرف في مسجد آخر، كما في الدروس، و الا صرف في سائر مصالح المسلمين، قيل: بل لكل احد حيازته و تملكه. و فيه نظر، و قد الحق بالمساجد

المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة علي الطريقة

المعروفة، و الكتب الموقوفة علي المشتغلين و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها، و الاشجار الموقوفة لانتفاع المارة و البواري الموضوعة لصلاة المصلين و غير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين و نحوهم من غير المحصورين، لا لتحصيل المنافع بالاجارة

______________________________

و ما عن كاشف الغطاء من ان لكل احد حيازتها و تملكها- من جهة ان للموقوف عليهم الانتفاع بها و منها التملك بالحيازة.

ضعيف لما عرفت من عدم قابلية المسجد لذلك.

كما ان ما عن جماعة من الفرق بين عرصة المسجد و بنيانه، في غير محله.

و أما المورد الرابع: فقد دلت النصوص «1» علي جواز بيع ثوب الكعبة علي النحو المرسوم من البيع بعد سنة، و لا يهمّنا البحث في تطبيقها علي القواعد.

و ما افاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان عنوانه ليس عنوان الوقف بل هو مبذول كسوة للكعبة علي النهج المتعارف الذي يباع بعد مدة معينة ثمّ يصرف ثمنه في الخدمة،

فالعين باقية علي ملك مالكها و قد اذن في التصرف كذلك.

غير تام، فان لازمه عدم جواز البيع لو رجع صاحبه عن اذنه أو مات و انتقل الي وراثه و لم يرضوا به أو كان فيهم صغير.

______________________________

(1) الوسائل باب 26- من ابواب مقدمات الطواف كتاب الحج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 394

و نحوها و صرفها في مصارفها، كما في الحمامات و الدكاكين و نحوها، لأن جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالاصل اللازم ابقاؤها علي الاباحة، كالطرق العامة و الأسواق.

و هذا كله حسن علي تقدير كون الوقف فيها فك ملك لا تمليكا. و لو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف، ففي

الضمان وجهان (1) من عموم علي اليد، فيجب صرف قيمته في بدله، و من ان ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه (2)

و المفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا، و ان الظاهر عن التأدية في حديث اليد الايصال الي المالك، فيختص باملاك الناس (3) و الأول احوط و قواه بعض إذا عرفت جميع ما ذكرنا.

______________________________

و ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره من: أنه ليس حبسا مؤبدا مع وضوح ان المرسوم في ثوب الكعبة تجديده في كل عام، بل لا قصد لمعطيه الا تزيين الكعبة مدة ثمّ يكون لقيم البيت و سدنته أو لعامة المسلمين، اقرب الي الصواب.

(1) قوله و لو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف ففي الضمان وجهان.

قد استدل لعدم شمول علي اليد «1» له بوجوه.

(2) الاول: ما في المتن و هو: ان ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه، و المفروض عدم المطالبة باجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم.

و فيه: ان هذه الملازمة لم يدل عليها دليل، بل لا ملازمة، فان المنافع الفائتة تحت اليد علي قول مشهور غير مضمونة، مع ان العين التالفة تحت اليد مضمونة.

(3) الثاني: ما في المتن ايضا و هو: ان الظاهر من التأدية الايصال الي المالك،

فيختص باملاك الناس.

و فيه: ان الظاهر منها التأدية الي اهله كان هو مالكا أو موردا للانتفاع به.

الثالث: ان الضمان انما هو بمعني اشتغال الذمة بالبدل، فلا بد و ان يفرض شخص مالكا ليكون هو من له الذمة، و مع عدمه لا معني لاشتغال الذمة.

______________________________

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 395

فاعلم ان الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور:
[الصورة] الأولي: ان يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (1)
اشارة

كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير

الخلق، و الاقوي جواز بيعه وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم،

______________________________

و فيه: اولا: معني الضمان كون العين في العهدة و اثرها وجوب رد العين، و مع تلفها رد بدلها، و القائم مقامها ملكا أو موردا للانتفاع.

و ثانيا: انه لا مانع من اعتبار كون الكلي في ذمة الذي هو مورد لملك الانتفاع،

و التقوم بمن له الذمة يكفي فيه هذا المقدار. فالأظهر هو الضمان بالإتلاف أو التلف.

صور بيع الوقف- الصورة الأولي

و قد اتفقت كلماتهم علي جواز بيع الوقف في موارد، فلا بد من البحث فيها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في صور المسألة.

(1) الاولي: ان يخرب الوقف في موارد، فلا بد من البحث فيها.

و قد استدل المصنف قدس سره لجواز البيع في هذه الصورة بطريقين:

الأول: ان المقتضي موجود و المانع مفقود.

الثاني: الاستدلال و اقامة الدليل علي الجواز.

اما الأول: فبتقريب: ان المقتضي للجواز و هو الملك موجود، فيعمه المقتضي في مقام الأثبات و هو ادلة نفوذ البيع و المانع مفقود- بالتفصيل الذي سيمر عليك- فلا بد من البناء علي الجواز.

و اورد عليه: بان الوقف بذاته مناف لجواز البيع فلا يعقل ارتفاع المانع الا ببطلان الوقفية، و هو خلاف الفرض، إذ المفروض جواز بيع الوقف و تبديله و سراية الوقفية الي بدله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 396

لعدم جريان ادلة المنع. اما الاجماع فواضح (1) و أما قوله لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه الي غير هذه الحالة. (2) و أما قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها، فلا يدل علي المنع هنا، لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في انشاء الوقف (3) و ليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف،

و ان ذكر في

متن العقد للاتفاق علي أنه لا فرق بين ذكره فيه و تركه. و قد تقدم ذلك و تضعيف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه، و لو سلم ان المأخوذ في الوقف ابقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين و المفروض تعذره هنا. (4)

______________________________

و لكن يدفعه: ان المصنف قدس سره لا يسلم المبني، مع انه علي هذا المبني ايضا يمكن ان يقال بعدم المنافاة كما سيمر عليك.

و قد ذكر في وجه عدم جريان ادلة المنع: ان ادلة المنع ثلاثة: الإجماع، و قوله عليه السلام:

لا يجوز شراء الوقف «1». و قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها ان شاء الله «2».

و شي ء منها لا يجري في المقام.

(1) اما الاجماع فواضح.

(2) و أما الثاني: فلانصرافه الي غير هذه الحالة.

(3) و أما الثالث: فلانه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في انشاء الوقف و ليس عدم البيع منها.

(4) مع انه لو سلم اخذ ابقاء العين في الوقف فحيث ان الوقف تحبيس العين و تسبيل الثمرة، فهو يختص بصورة امكان الانتفاع، فكما انه في اول الأمر مع عدم وجود الثمرة لا يتحقق الوقف، كذلك يتوقف بقائه علي استدامة ذلك، فبنفاد الثمرة يبطل الوقف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

(2) الوسائل- باب 2- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 397

______________________________

و لكن: يرد علي ما ذكره من الانصراف: ان الانصراف الناشئ عن قلة وجود الفرد لا يصلح لتقييد الاطلاق، مع ان كل عين موقوفة مآلها الي الخراب بحسب العادة، فليست حالة الخراب قليلة بالإضافة الي حالة العمارة.

و أما الايراد

عليه: بان مورده الأرض الخربة لقوله: فلما عمرتها … الخ فكيف يدعي الانصراف؟ فيمكن الجواب عنه: بان المدار علي عدم امكان الانتفاع لا علي صدق الخراب،

و ارض الزراعة انما لا يمكن الانتفاع بها بانقطاع الماء عنها و نحوه لا بعدم كونها مشغولة بالزراعة.

و يرد علي الوجه الأول الذي ذكره في قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب … الخ: ان هذا ينافي استدلاله قده بهذا الخبر علي عدم جواز البيع.

مضافا الي فساد ذلك لما عرفت من ان عدم جواز البيع ليس حكما شرعيا محضا مترتبا علي الوقوف، بل عدم البيع ماخوذ في حقيقته.

و يرد علي الوجه الثاني: ان الوقف عبارة عن تحبيس العين دائما، و تسبيل مالها من المنفعة كائنة ما كانت لا تسبيلها دائما.

و قد يقال في وجه عدم مانعية الوقف عن البيع كما عن المحقق النائيني قدس سره: بان قوام الوقف بامرين: بقاء العين الموقوفة، و كونها ذات منفعة، لأنه عبارة عن حبس العين و تسبيل الثمرة، و إذا خرب الوقف بنحو لا ينتفع به لا محالة تتبدل الصورة النوعية للعين الموقوفة الي صورة نوعية اخري عرفا. مثلا: النخلة الموقوفة إذا قلعت تعد عرفا مباينة للنخلة، و بالتبدل- اي تبدل الصورة النوعية التي تعلق الوقف بها- يبطل الوقف و يبقي ذات الجسم فيباع.

و بعبارة اخري: الوقف متعلق بعناوين خاصة كعنوان الشجر و الحمام و البستان و امثال ذلك، و مع الخراب لا تبقي هذه العناوين و لا تصدق اساميها، و الوقف يدور

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 398

______________________________

مدار صدق الاسم.

و فيه: ان الوقف كسائر المعاملات من البيع و الهبة، فكما انه يتعلق بالعناوين الخاصة، كذلك المعاملات تتعلق بها، فكما ان تبدل الصورة النوعية لا يوجب

زوال الملكية كذلك لا يوجب تبدل الوقف الذي هو تمليك خاص.

و بالجملة تبدل الصورة النوعية لا يؤثر في الملكية، فلا وجه لبطلان الوقف من هذه الجهة.

و ان شئت قلت: ان الوقف يتعلق بالموجود الخارجي بما له من الحالات، و لذا لو تبدلت صورته النوعية الي صورة نوعية اخري ينتفع بها لا إشكال في عدم جواز بيع الوقف مع ان لازم هذا الوجه و الوجه الثاني الذي افاده الشيخ قدس سره هو بطلان الوقف و عود العين الموقوفة الي الواقف أو ورثته، أو بقائها ملكا طلقا للموقوف عليه الموجود، أو كونها من المباحات الأصلية التي تملك بالحيازة لا جواز بيع الوقف و سراية الوقفية الي بدلها و عوضها.

فالصحيح في وجه عدم المنع ان يقال: ان حقيقة الوقف لما كانت تحبيس العين و تسبيل المنفعة، كان الواقف بحسب ارتكازه حينما يوقف ما لا ينتفع به بشخصه الي الأبد قاصدا لأن تكون العين الموقوفة محبوسة بشخصها ما دام الي الانتفاع بها سبيل، و بما لها من المالية إذا لم يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها.

و عليه فإذا سقطت العين الموقوفة عن قابلية الانتفاع كان لازم الوقوف علي حسب ما يوقفها تبديلها بما يماثلها في المالية، لأن ذلك في نظر العقلاء من انحاء حفظ المال بما هو مال.

و بالجملة: تسليط الموقوف عليهم علي الانتفاع الي الأبد يوجب التوسعة في الموقوف، و حبسه انما يكون بما ذكرناه، فالتبديل ليس ازالة للحبس بل هو حفظ للمال بما هو مال عند العقلاء الذي هو غرض الواقف المعاملي. فتدبر فيما ذكرناه فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 399

و الحاصل ان جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه، فهو ملك للبطون

يجوز لهم البيع إذا اجتمع اذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، و هو الحاكم أو المتولي.

و الحاصل ان الأمر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه و بين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الكل (1) و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليه،

______________________________

و بهذا البيان يظهر الوجه في دعوي انصراف لا يجوز شراء الوقف عن مثل الفرض،

فالأظهر جواز البيع في هذه الصورة.

و أما الطريق الثاني: فقد استدل للجواز.

(1) بان الامر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف، و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الجميع.

و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليهم. و الثاني مناف لحق سائر البطون، مع انه يستلزم جواز بيع البطن الأول، إذ لا فرق بين اتلافه و نقله.

و الثالث هو المطلوب.

و لكن يرد علي ما افاده في الشق الأول و هو ان تعطيله حتي يتلف مناف لحقوق الله تعالي و الواقف و الموقوف عليه امران:

الأول: ما تقدم من انه لا أصل لهذه الحقوق و هي غير ثابتة، و ليس هناك الا التعبد بعدم البيع أو اخذه في مفهومه.

الثاني: انه لو سلم هذه الحقوق فهي متعلقة بالعين الموقوفة و تتوقف علي ثبوت المنفعة فيها، و الا فلا حق للموقوف عليه باعتبار الانتفاع دنيويا، و لا للواقف اخرويا مترتبا علي الدنيوي، و لا لله تعالي لعدم المصرف للملك، فلا حق كي يجب تبديل العين رعاية لذلك الحق. اللهم الا ان تكون الحقوق قائمة بالأعم من العين و المالية لكن ذلك اول البحث.

و أما مسألة كون الابقاء تضييعا فيرده:

ان كون مثل هذا التضييع حراما غير مسلم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 400

و به يندفع استصحاب المنع مضافا الي كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و هو انتفاع جميع البطون بعينه، و قد ارتفع قطعا، فلا يبقي ما كان في ضمنه. (1) و أما الثاني فمع منا فاته لحق ساير البطون يستلزم جواز بيع البطن الاول إذ لا فرق بين اتلافه و نقله و الثالث هو المطلوب.

______________________________

مع انه لو سلم فلا اشكال في ان حرمة التضييع مقيدة بما إذا لم يكن ذلك بتجويز من الشارع فمع فرض عموم دليل المنع عن بيع الوقف يكون هذا التضييع بحكم الشارع نظير اتلاف آلات اللهو، فلا وجه لحرمته.

و يرد علي ما افاده في الشق الثاني- مضافا الي ما مر.

ان جواز الإتلاف لا يستلزم جواز البيع، فان جواز الإتلاف يكفي فيه الملكية الفعلية، و جواز البيع لا يكفي فيه تلك، بل يتوقف علي كونها ملكية مرسلة غير محدودة،

و سيأتي ان ملكية البطن الموجود ليست كذلك.

و أما استصحاب المنع فرده المصنف قدس سره.

(1) بان المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و قد ارتفع يقينا فلا يبقي ما كان في ضمنه.

و فيه: انه ان اراد بذلك انه من قبيل القسم الثالث من اقسام الاستصحاب الكلي.

فيرد عليه: ان انتفاع البطون بالعين مع لزوم ابقائها و المنع عن نقلها من قبيل اللازم و الملزوم، أو المتلازمين لا من قبيل الكلي و الفرد.

و ارتفاع الملزوم أو الملازم لا يقتضي ارتفاع اللازم أو الملازم الآخر لامكان قيامه بملزوم آخر.

و ان اراد به ارتفاع الموضوع.

فيرد عليه: ان العين المنتفع بها متحدة بنظر العرف مع العين التي لا ينتفع بها،

و الانتفاع من

الحيثيات التعليلية لا التقييدية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 401

نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي الي آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم (1) بتبديله بما يبقي لهم فينتهي ملكه إلي من أدرك آخر أزمنة بقائه، فتأمل.

و كيف كان فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص البطن الموجود في اتلافه، و مما ذكرنا يظهر ان الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود (2) وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك كالاسكافي و العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني، و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك، فإن المبيع إذا كان ملكا للموجودين بالفعل، و للمعدومين بالقوة، كان الثمن كذلك (3) فإن الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها، فكما أن الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف. فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضي تمليك الواقف و عدم تعقل الملك للمعدوم انما هو في الملك الفعلي لا الثاني، و دعوي ان الملك الثاني ليس شيئا محققا موجودا

______________________________

فالصحيح في وجه المنع من الاستصحاب الوجه الأول بضميمة ما ذكرناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

(1) قوله نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي … فلا وجه لمراعاتهم.

و فيه ما تقدم من ان تسبيل المنفعة موسع لدائرة الحبس و يوجب كون الحبس متعلقا بالعين بما لها من الخصوصية الشخصية ما دام الي الانتفاع بها كذلك سبيل- و بها بعنوان انها مال إذا لم يمكن ذلك فراجع.

حكم الثمن علي تقدير البيع

و تمام الكلام ببيان امور.

الاول في حكم الثمن علي تقدير البيع قال.

(2) و مما ذكرناه يظهر ان الثمن علي

تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود.

و قد استدل المصنف قدس سره لعدم الاختصاص بوجهين:

(3) احدهما: ان البدلية تقتضي ذلك، لان المبيع ملك للموجودين بالفعل، و ملك للمعدومين بالقوة، و شأنا بمقتضي تمليك الواقف، فكذلك الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 402

يكذبها إنشاء الواقف له كإنشائه لملك الموجود فلو جاز ان تخرج العين الموقوفة الي ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم علي نهج دخول المعوض، جاز ان تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود (1) و إليه اشار الشهيد قدس سره في الفرع الآتي حيث قال: انه يعني الثمن صار مملوكا علي حد الملك الأول، إذ يستحيل ان يملك لا علي حده خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة.

______________________________

و دعوي انه لا تحقق للملك الشأني.

يكذبها انشاء الواقف له كانشائه لملك الموجود، و عليه فحيث ان المعوض يخرج عن ملك جميع الطبقات فلا بد و ان يدخل العوض في ملك الجميع.

و فيه: ان الملكية امر اعتباري، و هي اما متحققة أو لا. و ليست الملكية الشأنية سنخا من الملكية الاعتبارية، بل ليس معني ذلك سوي القابلية لأن يصير ملكا، و انشاء الواقف انما يكون سببا لحصول الملكية للطبقة اللاحقة حين وجودها بلا حالة منتظرة كما في الوجوب المعلق علي امر متأخر. فكون الانشاء موجودا لا يلازم كون المنشأ كذلك.

و بالجملة: المتحقق بالنسبة الي البطن اللاحق ليس الا القابلية لا الملكية الاعتبارية، و عليه فحقيقة المعاوضة لا تقتضي الاشتراك، و مجرد القابلية لا يكون من الحقوق التي تكون متعلقة بالمبيع ليسري الي بدله بالبيع.

(1) الثاني: ان ملكية كل بطن للعين الموقوفة ليست ملكية مرسلة غير محدودة بزمان أو زماني، بل هي بحسب انشاء الواقف محدودة ببقاء ذلك البطن

و حياته.

و بعبارة اخري: الواقف انما انشأ ملكية كل طبقة بانبساط ماله من الملكية المرسلة علي جميع الطبقات، فلكل طبقة ملكية محدودة بحياتها، و عليه فإذا اعطي البطن الموجود ماله من الملكية لم يكن ذلك بيعا.

مع ان لازمه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق الي البطن اللاحق فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا، و ان اعطي الملكية المرسلة المنبسطة فبالنسبة الي مقدار ملكية البطون اللاحقة اما بالولاية أو باذن المتولي أو اذن الحاكم الشرعي فلا محالة يدخل الثمن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 403

و اختاره المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول. و لعل وجهه ان الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة، فإذا فرض جواز بيعه انتقل الثمن الي من هو مالك له فعلا و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن و لا دليل عليه، و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظيا يقتضي البدلية و التنزيل، بل هو بدل له في الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك. و فيه ان ما ينقل الي المشتري ان كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق الي البطن اللاحق،

فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا و ان كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا يزول الا بالناقل، فهو لا يكون الا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له فالثمن لهم علي نحو المثمن. و مما ذكرنا تعرف ان اشتراك البطون في الثمن اولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول، حيث انه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف (1) فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن،

فإنه

يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم علي وجه المعاوضية الحقيقية

______________________________

في ملك الجميع علي النحو الذي كان المثمن ملكا لهم.

مع انه: ان كان جواز البيع من جهة ما ذكرناه من انه ابقاء الوقف و حفظ الموقوف بما هو مال، أو من جهة ما ذكره المصنف اخيرا و هي رعاية الحقوق، فلا اشكال في عدم الاختصاص كما لا يخفي.

(1) قوله حيث انه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف.

دية العبد المقتول ان جعل بعنوان البدلية لم يعقل الفرق بينها و بين المقام فان جاعل البدل كان هو الله تعالي أو العبد لا يصلح فارقا.

و ان كان لا بعنوان البدلية بل بالتعبد المحض كان الفرق واضحا.

و به يظهران مجرد كون البدلية شرعية لا يوجب الاولوية كما ان تأخر صيرورته بدلا لا يصلح لذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 404

فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض، و من هنا اتضح ايضا ان هذا اولي بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا، لأن حق الرهنية متعلق بالعين من حيث انه ملك لمالكه الأول (1) فجاز ان يرتفع الي بدل بارتفاع ملكية المالك الأول، بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه ليس قائما بالعين من حيث انه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن الموجود منشأ بانشائه مقارن له بحسب الجعل متأخر عنه في الوجود.

و قد تبين مما ذكرنا ان الثمن حكمه حكم الوقف، في كونه ملكا لجميع البطون علي ترتيبهم، فإن كان مما يمكن ان يبقي و ينتفع منه البطون علي نحو المبدل. و كانت مصلحة البطون في بقائه ابقي، و إلا ابدل مكانه ما هو اصلح. و من هنا ظهر عدم الحاجة الي

صيغة الوقف في البدل (2) بل نفس البدلية تقضي كونه كالمبدل، و لذا علله الشهيد رحمه الله في غاية المراد بقوله لأنه صار مملوكا علي حد الملك الأول، إذ يستحيل ان يملك لا علي حده.

ثمّ ان هذا العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم، أو لوليهم ان ينظر فيه

و يتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالابدال بعين اخري أصلح لهم،

______________________________

(1) قوله لان حق الرهنية متعلق بالعين من حيث انه ملك لمالكه الاول.

محصله- ان حق الرهنية متعلق بما هو ملك للراهن و متفرع عليه فلا محالة يزول بزوال الملك و حدوثه بحدوث ملك البدل يحتاج الي دليل- و هذا بخلاف ملك الطبقات اللاحقة فانه لا يكون متفرعا علي ملك الطبقة الموجودة ليزول بزواله بل يكون ملك الجميع في عرض واحد في مقام الانشاء فإذا زالت جميعها بالبيع كان بدلها للجميع.

حكم بدل العين الموقوفة

(2) الثاني: انه قد ظهر مما ذكرناه: انه لا حاجة الي صيغة الوقف في البدل.

و قد يقال: ان الوقف إذا كان عين تمليك الطبقات علي التدريج و كان عدم جواز البيع من آثار هذا التمليك الخاص فتتحقق الوقفية بمجرد المبادلة بلا احتياج الي اجراء صيغة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 405

بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق و ليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا لعذر (1) لأن ذلك كان حكما من احكام الوقف الابتدائي و بدل الوقف انما هو بدل له في كونه ملكا للبطون فلا يترتب عليه جميع احكام الوقف الابتدائي و مما ذكرنا ايضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف. (2) كما هو ظاهر التذكرة و الارشاد و جامع المقاصد و المقتصر و مجمع الفائدة، بل قد لا يجوز إذا كان

غيره اصلح، لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم خلافا للعلامة و ولده و الشهيد و جماعة فاوجبوا المماثلة مع الامكان، لكون المثل اقرب الي مقصود الواقف. (3) و فيه مع عدم انضباط غرض الواقف إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع فدار الأمر بين ان يشتري بثمنه بستانا في موضع لا يصل

______________________________

الوقف، و أما ان كان الوقف هو حبس العين فما يحصل بالبيع هو تمليك الطبقات تدريجا من دون حصول عنوان الحبس، فلا بد من انشائه بالصيغة. و لكن هذا لو تم فانما هو بناء علي كون دليل الجواز هو وجود المقتضي و عدم المانع.

و أما بناء علي ما اخترناه في وجه الجواز من كونه ابقاء للوقف و حفظا للموقوف بما هو مال، فعدم الاحتياج الي اجراء الصيغة واضح.

(1) الثالث: الظاهران البدل ليس مثل الاصل ممنوعا عن بيعه، و الوجه في ذلك ما تقدم من ان الخصوصية الشخصية للعين الموقوفة سقطت عن الوقفية بواسطة تعذر الانتفاع و حدوث الخراب، فما بقي علي الوقفية هو المالية. و خصوصية الثمن لا تكون وقفا كما كانت كذلك في المثمن حسب انشاء الواقف، فيجوز تبديله و بيعه ما لم يضر بالمالية.

(2) الرابع: انه قد ظهر ايضاً مما ذكرناه: عدم وجوب شراء المماثل للوقف، و لكن قد استدل لوجوب شرائه بوجوه.

(3) الاول: ان المثل اقرب الي مقصود الواقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 406

إليهم إلا قيمة الثمرة، و بين ان يشتري ملكا آخر يصل إليهم اجرة

منفعته. فإن الأول: و ان كان مماثلا الا انه ليس اقرب الي غرض الواقف انه لا دليل علي وجوب ملاحظة الاقرب الي مقصوده، انما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في انشاء الوقف ليجري الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها.

فالحاصل ان الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه الا مدلول كلام الواقف، و إذا بيع و انتقل الثمن الي الموقوف عليهم (1) لم يلاحظ فيه الا مصلحتهم،

هذا قال العلامة في محكي التذكرة: كل مورد جوزنا بيع الوقف فإنه يباع و يصرف الثمن الي جهة الوقف، فان امكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به، كان اولي، و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه،

______________________________

و فيه: اولا: ان غرض الواقف لا ضابط له.

و ثانيا: انه لا دليل علي لزوم مراعاة غرض الواقف ما لم يكن ذلك غرضا عقديا و مصبا للعقد.

الثاني: انه لا إطلاق للأدلة المجوزة، و المتيقن منها هو البيع بالمماثل أو الشراء بالمماثل.

و فيه: ان مدرك الجواز لم يكن دليل خاص كي يجري فيه ذلك، بل كان عدم شمول دليل المنع، فلا وجه لهذه الدعوي.

الثالث: و هو الصحيح، ه لصحمو: ان الواقف حينما وقف العين التي لها مالية،

و خصوصيات نوعية، و خصوصيات شخصية، قد حبس الجميع ما دام الي الانتفاع بها سبيل، و الا فالجهتان الأوليتان محبوستان، و عليه فلا بد من رعاية الخصوصيات النوعية.

اللهم الا ان يقال: ان المعلوم من حال الواقف لحاظ مالية العين و الخصوصيات الشخصية،

اما لحاظ الخصوصيات النوعية و تعلق انشاء الوقف بها فغير معلوم، و الأصل عدمه،

و الأحوط الأول.

(1) و علي اي تقدير: يجوز بيعه بالنقود و شراء المماثل أو غيره بها، و قد فرضه المصنف قدس سره في المقام، و

الوجه فيه تعارف البيع بالنقود و تعسر بيعه بالمماثل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 407

و الا صرف الثمن الي الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء، لأن فيه جمعا بين التوصل الي غرض الواقف من نفع الموقوف عليه علي الدوام و بين النص الدال علي عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد فإذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص و امكن بحسب النوع وجب، لأنه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الاول الذي وقع العقد عليه و مراعاة الخصوصية الكلية يفضي الي فوات الغرض بأجمعه، و لأن قصر الثمن علي البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع انهم يستحقون من الوقف، كما يستحق البطن الأول و تعذر وجودهم حال الوقف لا يخرجهم عن الاستحقاق.

قال بعض علمائنا و الشافعية: ان الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف الثمن علي الموقوف عليهم ملكا علي رأي انتهي.

و لا يخفي عليك مواقع الرد و القبول في كلامه رحمه الله (1) ثمّ ان المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون (2) و يحتمل ان يكون هذا الي الناظر ان كان (3) لانه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة الي الوقف، الا ان يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلي التصرف في نفس العين.

و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف و يحتمل بقائه، لتعلق حقه بالعين الموقوفة فيتعلق ببدلها،

______________________________

(1) قوله و لا يخفي عليك موارد الرد و القبول في كلامه.

موقع القبول حكمه بالبيع و شراء عين اخري مكانه.

موقع الرد حكمه بوجوب شراء المماثل- كما تقدم.

و حكمه بصرف الموقوف عليهم للثمن مع تعذر شراء عين اخري- فانه يجب التأمين و الصبر الي ان يتيسر الشراء كما سيجي ء.

من له ولاية البيع

(2)

الخامس: ما افاده بقوله ثمّ ان المتولي للبيع هو البطن الوجود بضميمة الحاكم

القيم.

و في المقام قولان آخران:

(3) احدهما: ان يكون ذلك الي الناظر ان كان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 408

ثمّ انه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين (1)

فلا يجوز دفعه إلي البطن الموجود، لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون، و حينئذ فتوضع عند امين حتي يتمكن من شراء ما ينتفع به و لو مع الخيار الي مدة و لو طلب ذلك البطن الموجود، فلا يبعد وجوب اجابته و لا يعطل الثمن حتي يوجد ما يشتري به من غير خيار.

______________________________

ثانيهما: عدم الاحتياج الي الضميمة.

و استدل للأخير: بان الموقوف عليهم الموجودين هم المالكون، فلا يحتاج بيعهم الي ضم شخص آخر.

و فيه: ان ملكيتهم محدودة، و اعطاء الملكية المرسلة اعطاء لما ليس لهم.

و استدل للقول الأول: بان الحاكم ولي المعدومين، اما من باب كون الحاكم ولي القاصر، أو لكونه ولي الممتنع، الشامل للممتنع عن اختيار أو اضطرار.

و بان ذلك احد الأمور الحسبية.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن المعدوم في المقام لا يكون من القاصر و لا الممتنع، لأن السالبة هنا بانتفاء الموضوع.

و أما الثاني: فلتوقفه علي لزوم البيع و عدم ثبوت هذا الحق للناظر.

و الأول غير ثابت، و الثاني فاسد كما ستعرف.

فالأظهر هو القول الثاني، إذ لا وجه لتوهم عدم ثبوت هذا الحق له سوي ما افاده المصنف قدس سره، و حاصله: ان الناظر له التصرف في نفس العين، و لا دليل علي نظارته علي البدل. و لكن يدفعه: ان بيع الوقف يكون حفظا للوقف بعنوان انه مال، فيكون ذلك من اهم الأمور الملحوظة للواقف. فالأظهر

كون ذلك علي الناظر لو كان. نعم مع عدمه تصل النوبة الي الحاكم الشرعي.

(1) السادس: إذا بيعت العين الموقوفة بما لا ينتفع به كالنقدين و لم يمكن شراء ما ينتفع به، فهل يدفع الثمن الي البطن الموجود لا بأن يكون له خاصة فانه لا يجوز قطعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 409

نعم لو رضي الموجود بالاتجار به و كانت المصلحة في التجارة، جاز مع المصلحة الي ان يوجد البدل و الربح تابع للأصل (1) و لا يملكه الموجودون لانه جزء من المبيع و ليس كالنماء الحقيقي،

______________________________

بعد اشتراك جميع الطبقات فيه، بل ليكون تحت يده حتي يوجد ما ينتفع به، ام يوضع عند امين، ام عند الناظر لو كان؟ وجوه.

قد استدل لعدم جواز الدفع الي الموجود: بانه مال مشترك بينه و بين سائر البطون فلا يجوز جعله تحت سلطنته، و انما كان يدفع العين إليه لسلطنته علي الانتفاع بها فعلا بلا مزاحم، و كذلك بدلها الذي ينتفع به. و أما البدل الذي لا ينتفع به فلا سلطنة له علي الانتفاع به كي تكون له السلطنة علي البدل فيدفع إليه لذلك.

و فيه: ان الثمن و ان كان لا ينتفع به الا انه ملك للبطن الموجود و ليس كالملك المشترك عرضا، بل الاشتراك طولي، فهو في هذه الحال ملك للبطن الموجود خاصة،

و لازم ذلك سلطنته علي امساكه.

و لو تنزلنا عن ذلك فالمتعين دفعه الي الناظر لأنه المنصوب لذلك، و الا فيوضع عند امين.

و إذا لم يمكن شراء شي ء ينتفع به بدون الخيار، و امكن شراء ما ينتفع به مع الخيار،

هل يجوز ذلك ام لا؟ ربما يقال بالثاني نظرا الي ان البدل وقف و الوقف عبارة عن تحبيس العين، و

هذا ينافي مع الخيار، إذ الحبس الي ان يفسخ حبس موقت لا دائمي.

و لكن يدفعه: ان وقف البدل- كما تقدم- غير وقف الأصل، فان وقف البدل انما هو حبسه بما انه مال و لا دخل لخصوصياته الشخصية في الوقف، و لذا بنينا علي جواز التبديل اختيارا، و الخيار لا ينافي حبسه بما هو مال، إذ غايته الفسخ و التبديل بعين اخري، و عليه فيجوز ذلك، و لو طلب البطن الموجود ذلك وجب حفظا لحق الانتفاع به.

(1) و لو رضي البطن الموجود في الاتجار، و كان ذلك صلاحا لجميع البطون، جاز الاتجار به و يكون الربح مشتركا بين البطون، لأن مجموع ما اشتري بالثمن و بيع بالثمن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 410

ثمّ لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض الخراب لكله أو بعضه (1) فيباع البعض المخروب، و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعته جاز مع رضا الكل لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه علي ظن المصلحة، و منه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم علي نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم و لو خرب بعض الوقف، و خرج عن الانتفاع و بقي بعضه محتاجا الي عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن المخروب الي عمارة الباقي، و ان لم يرض البطن الموجود وجهان آتيان فيما إذا احتاج اصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة الي صرف منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود، إذا لم يشترط الواقف اخراج مئونة الوقف عن

منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم و هنا فروع اخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

______________________________

وقع بازاء ما هو بدل الوقف، فلا محالة يشترك فيه الجميع، و ليس الربح من المنافع كي يختص به البطن الموجود، بل هو زيادة حصلت بالتجارة و وقعت بازاء المالية التي كانت وقفا، فإلي اي مرتبة وصلت المالية تكون باقية علي الوقفية.

(1) السابع الظاهر عدم الفرق في جواز البيع بين خراب الجميع أو البعض، كما لا ينبغي الأشكال في جواز صرف الثمن في الباقي، أو وقف آخر عليهم.

انما الكلام فيما إذا كان انتفاع البطون اللاحقة بالباقي محتاجا الي ذلك، و لم يرض البطن الموجود به، هل يجوز الصرف ام لا؟ و قد يقال بالجواز نظرا الي تعارض الضررين.

و لكن الحق عدم الجواز، لأن الضرر في نفسه متوجه الي البطون اللاحقة، و لا يجب علي البطن الموجود تحمل الضرر لدفعه عنهم.

فالأظهر عدم الجواز. نعم لو قامت القرينة علي شرط الواقف ذلك تعين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 411

الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به

بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه (1) كدار انهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به، فإن كان ثمنه علي تقدير البيع لا يعطي به إلا ما كان منفعته كمنفعة العرصة فلا ينبغي فلا ينبغي الاشكال في عدم الجواز و ان كان يعطي بثمنه ما يكون منفعته اكثر من منفعة العرصة، بل يساوي منفعة الدار، ففي جواز البيع وجهان من عدم دليل علي الجواز مع قيام المقتضي للمنع و هو ظاهر المشهور حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه حيث لا يجدي نفعا.

و قد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف و لم يجز

بيعها.

اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور علي النفع المعتد به بحسب حال العين. فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت عرصة، تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي، كمجمع الزبائل و نحوه، يصدق عليه انه لا يجدي نفعا، و كذا القرية الموقوفة، فإن خرابها بغور انهارها و هلاك اهلها، و لا تكون تسلب منافع أراضيها رأسا، و يشهد لهذا ما تقدم عن التحرير من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية، مع انها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية.

______________________________

الصورة الثانية

(1) الصورة الثانية: ان يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه كدار انهدمت و صارت عرصة تؤجر باجرة غير معتد بها.

و الكلام فيها يقع في موارد:

الأول: ما إذا خرب الوقف بحيث سقط عن الانتفاع عرفا و كان ماله من المنفعة قليلة جدا بحيث تلحق بالمعدوم.

الثاني: ما إذا خرب بحيث سقط عن المنفعة المعتد بها و لو تكن المنفعة بالغة هذه المرتبة من القلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 412

فالظاهر دخول الصورة المذكورة في اطلاق كلام كل من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا، و يشمله الاجماع المدعي في الانتصار و الغنية، لكن الخروج بذلك عن عموم ادلة وجوب العمل بمقتضي وقف الواقف الذي هو حبس العين و عموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف مشكل.

و يؤيد المنع حكم اكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة،

بناء علي جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف، و جعلها جسرا و نحو ذلك.

بل ظاهر المختلف حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلي رحمه الله لفظيا، حيث نزل تجويز الشيخ

علي صورة عدم امكان الانتفاع به في منفعة أخري، الاتفاق علي المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا، كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا. نعم لو كان قليلا في الغاية، بحيث يلحق بالمعدوم، امكن الحكم بالجواز لانصراف قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف الي غير هذه الحالة. و كذا حبس العين و تسبيل المنفعة إنما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتد بها موجودة، و إلا فمجرد حبس العين و امساكه و لو من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الاولي.

______________________________

الثالث: في وقف العنوان.

اما المورد الأول: فالظاهر جواز البيع لجريان جميع ما ذكر في الصورة الأولي من انصراف ادلة المنع و غيره من الوجوه في هذا المورد، لا سيما ما ذكرناه من ان البيع ابقاء الوقف و حفظ الموقوف بما هو مال.

و أما المورد الثاني: فقد يستظهر من القائلين بالجواز في الصورة الأولي الجواز في هذا المورد بحمل قولهم لا يجدي نفعا علي ارادة عدم النفع المعتد به.

كما انه قد يستظهر المنع بحمله علي ارادة عدم النفع بالمرة.

و كيف كان: فالمتبع هو الدليل.

و غاية ما قيل في وجه الجواز ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و حاصله: ان غرض الواقف من الوقف امران: حفظ خصوصية العين الموقوفة، و حفظ خصوصية الانتفاع،

و حيث ان الغاية المقصودة الانتفاع الخاص، و حبس العين بما هي مقصود بالتبع و لا يكاد يزاحم المقصود بالتبع ما هو المقصود بالأصالة فلا محالة يقدم الأول فيجوز البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 413

ثمّ ان الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر غير الخراب، لجريان ما ذكرنا فيه. ثمّ انك قد عرفت فيما

سبق انه ذكر بعض ان جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه. ثمّ وجه بطلان الوقف في الصورة الاولي بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء و الاستدامة، و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها (1) و فيه ما عرفت سابقا من ان بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد، مع انه لا دليل عليه، مضافا الي انه لا دليل علي اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإن الشرط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنه قد يخرج المبيع عن المالية و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري، مع ان جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم الي الجواز كما تقدم. ثمّ ذكر انه قد يقال بالبطلان ايضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية. فخربت حتي خرجت عن قابلية ذلك، فإنه و ان لم تبطل منفعتها اصلا لامكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس من عنوان الوقف و احتمال بقاء العرصة علي الوقف، باعتبار انها جزء من الوقف و هي باقية و خراب غيرها و ان اقتضي بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها يدفعه ان العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا.

______________________________

و اشتراء ما ينتفع به بمثل تلك المنفعة الخاصة.

و فيه: ان غرض الواقف العقدي انما هو تسبيل المنفعة لا مرتبة خاصة من الانتفاع،

فمع بقاء المنفعة و امكان الانتفاع لا وجه لجواز التبديل كما لا يخفي.

فالأظهر عدم الجواز في هذا المورد.

(1) و أما المورد الثالث: فقد اختار صاحب الجواهر قدس سره صحته و بطلان الوقف بانعدام

العنوان، و خالفه المصنف قدس سره.

لا إشكال في ان وقف العنوان من حيث هو لا يصح لعدم وجود الثمرة المسبلة له،

و لا اظن ذهاب احد الي جوازه، و الظاهر ان نظر صاحب الجواهر قدس سره الي انه يمكن وقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 414

فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه، و لو فرض إرادة وقفها ليكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها، لعدم ذهاب عنوان الوقف.

و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية (1) من انه لو اوصي بدار فانهدمت قبل موت الموصي، بطلت الوصية لانتفاء موضوعها.

نعم لو لم يكن الدارية و البستانية و نحو ذلك مثلا عنوانا للوقف، و ان قارنت وقفه بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت علي حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير احواله، ثمّ ذكر ان في عود الوقف الي ملك الواقف أو وارثه، بعد البطلان أو الموقوف عليه وجهين: اقول يرد علي ذلك ما قد يقال بعد الاجماع علي ان انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل و لا جواز البيع و ان اختلفوا فيه عند الخراب أو خوفه، لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفي

______________________________

العين الخاصة ما دامت معنونة بعنوان البستانية مثلا.

و الكلام في ذلك تارة: في مقام الثبوت، و اخري: في مقام الأثبات.

اما في مقام الثبوت: فلا اري فيه محذورا، فان الملكية قابلة للتحديد من حيث الزمان أو الزماني، بان تعتبر ملكية الشي ء ما دام معنونا بالبستانية.

و يمكن تأييده بملكية الخل ما دام خلا و إذا انقلب خمرا خرجت عن الملكية،

و بملكية الأرض المحياة علي القول بدوران الملكية مدار الحياة، و كذلك الأمر في الحبس ملكا، و مقتضي

عمومات الوقف و المعاملات صحة مثل هذا الوقف فيكون كالوقف المنقطع الآخر.

و دعوي انه يدل علي بطلانه ما دل علي اعتبار التأبيد في الوقف.

مندفعة بانه لا دليل عليه سوي الإجماع، و هو مختص بالتابيد من حيث الزمان.

و تمام الكلام في محله.

و أما في مقام الأثبات: فلا يبعد ظهور جعل الوقف متعلقا بالعنوان في كونه للإشارة الي المعنون، و ان تمام الموضوع هو المعنون، فلو قصد وقف العنوان بالنحو المعقول لا بد من ذكره و التصريح به.

(1) قوله و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية.

لا يخفي انه في باب الوصية فرق الاصحاب فيما لو اوصي بدار فانهدمت- بين ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 415

انه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لانه ان اريد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله:

وقفت هذا البستان فلا شك انه ليس الا كقوله بعت هذا البستان أو وهبته. فإن التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان. فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي و ان لم يكن في ضمن عنوان البستان، و ليس التمليك من قبيل الاحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات، و ان اريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم (1) و لا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة علي عنوانه. و أما تأييد ما ذكر بالوصية فالمناسب ان يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها و خروج البستان عن ملك الموصي بموته، و قبول الموصي له، فهل يرضي احد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة. نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات اخر. (2)

ثمّ ما ذكروه من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد اطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف علي عدم عوده إليه ابدا.

______________________________

ما لو كان الانهدام قبل موت الموصي- و بين ما إذا كان بعد موته- و بنوا علي بطلان الوصية في الاول دون الثاني.

و قد أيد صاحب الجواهر قدس سره ما ذكره في المقام بما ذكروه في الانهدام قبل الموت وجه التأييد واضح حيث ان الوصية إذا لم تكن متعلقة بالعنوان و دائرة مداره لما كان وجه للبطلان.

و المصنف قدس سره اورد عليه بالنقض بما ذكروه في المسألة الثانية و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و ان اريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم.

و فيه ان صاحب الجواهر يدعي ان المراد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان و ظاهر ذلك دخالة العنوان في موضوعيته للوقف.

و لا يقاس ذلك به ببعت هذا البستان إذ البيع لا يحدد من حيث الزمان أو الزماني و هذا بخلاف الوقف و قد تقدم الكلام في ذلك مستوفي فلا نعيد.

(2) قوله يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات اخر.

لم يذكروا وجها للبطلان فيما إذا كان الانهدام بغير اختيار سوي انعدام العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 416

الصورة الثالثة: أن تخرب بحيث يقل منفعته لكن لا إلي حد يلحق بالمعدوم (1)

و الاقوي هنا المنع و هو الظاهر من الاكثر في مسألة النخلة المنقلعة،

حيث جوز الشيخ في محكي الخلاف بيعها محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها، الا علي هذا الوجه، لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل و لا يرجي عوده و منعه الحلي قائلا و لا يجوز بيعها بل ينتفع بها بغير البيع مستندا الي وجوب ابقاء الوقف علي حاله مع امكان

الانتفاع و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لامكان التسقيف بها و نحوه و حكي موافقته عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و اكثر المتأخرين، و حكي في الايضاح عن والده قدس سره ان النزاع بين الشيخ و الحلي لفظي و استحسنه لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها و الحلي فرض وجود منفعة و منع لذلك بيعها و قيل: يمكن بناء نزاعهما علي رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ، و لا يخلو عن تأمل.

و كيف كان فالأقوي هنا المنع و أولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب (2) فلا يجوز بذلك البيع، الا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان اعود و سيجي ء تفصيله.

______________________________

الصورة الثالثة

(1) الصورة الثالثة: ان يخرب بحيث تقل و هي تنحل الي صورتين:

احداهما: ان تقل المنفعة التي لاحظها الواقف مع بقاء مقدار معتد به منها. كان الملحوظ جميع المنافع أو نوع خاص منها.

ثانيتهما: ان تزول المنفعة التي لاحظها الواقف بالمرة مع وجود غيرها.

اما في الصورة الأولي: فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز لأدلة المنع عن بيع الوقف.

و المصنف ذكر هذه الصورة في ذيل كلامه قال.

(2) و اولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب.

و أما في الصورة الثانية: فالأظهر انه بناء علي خروج العين عن الحبسية بانتفاء منفعته بالمرة، تخرج عنها في هذه الصورة، إذ المنفعة المقصودة تكون منتفية بالمرة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 417

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه. (1)

و ظاهر المراد منه أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه، و قد نسب جواز البيع هنا الي المفيد. و قد تقدم عبارته فراجع،

و زيادة

النفع قد تلاحظ بالنسبة الي البطن الموجود. و قد تلاحظ بالنسبة الي جميع البطون، إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه، و الاقوي المنع مطلقا. وفاقا للأكثر بل الكل بناء علي ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد علي ذلك و علي تقديره، فقد تقدم عن التحرير ان كلام المفيد متأول، و كيف كان فلا اشكال في المنع لوجود مقتضي المنع و هو وجوب العمل علي طبق انشاء الواقف،

______________________________

و حيث ان المنفعة الاخري ليست متعلقة للوقف و غرض الواقف فتخرج العين عن الوقفية بقول مطلق و يكون حكم هذا الوقف حينئذ حكم الوقف المنقطع الآخر.

و علي ذلك فيمكن بناء نزاع المصنف قدس سره و الحلي قده في مسألة النخلة المنقلعة علي ذلك، و يكون نظر المصنف قدس سره في افتائه بالجواز الي الصورة الثانية، و نظر الحلي قدس سره الي الصورة، الاولي، و يكون النزاع بينهما لفظيا.

الصورة الرابعة

(1) الصورة الرابعة: ان يكون بيع الوقف انفع و اعود للموقوف عليه.

لم ينقل القول بجواز البيع في هذه الصورة عن احد سوي المفيد، و لم يرض العلامة قدس سره باسناده إليه، و عليه فلا قائل به.

و كيف كان: فالعمدة في المقام خبران:

احدهما: خبر «1» جعفر بن حنان عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن ثانيهما التوقيع الشريف «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 8.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 418

و قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف و غير ذلك و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب، عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان. قال: سألت ابا عبد

الله عليه السلام عن رجل وقف غلة له علي قرابته من ابيه، و قرابته من امه و اوصي لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي علي قرابته و قرابته من امه، فقال جائز للذي اوصي له بذلك قلت: أ رأيت ان لم تخرج من غلة تلك الأرض التي اوقفها الا خمسمائة درهم فقال: أ ليس في وصيته أن يعطي الذي أوصي له من الغلة ثلاثمائة درهم، و يقسم الباقي علي قرابته من ابيه و أمه. قلت: نعم قال: ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتي يوفي الموصي له ثلاثمائة درهم. ثمّ لهم ما يبقي ذلك، قلت: أ رأيت ان مات الذي اوصي له، قال: ان مات كانت له ثلاثمائة درهم لو رثته يتوارثونها ما بقي احد منهم، فإن انقطع ورثته و لم يبق منهم احد كانت ثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد الي ما يخرج من الوقف،

ثمّ يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة. قلت: فللورثة من قرابة الميت ان يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلة. قال: نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا و الخبر المروي عن الاحتجاج ان الحميري كتب إلي صاحب الزمان جعلني الله فداه. أنه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور ان الوقف إذا كان علي قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علي بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز ان يشتري عن بعضهم و ان لم يجتمعوا كلهم علي البيع ام لا يجوز؟ إلا أن يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الذي

لا يجوز بيعه فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه و إذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و متفرقين. إن شاء الله.

دلت علي جواز البيع، أما في خصوص ما ذكره الراوي و هو كون البيع أصلح.

و أما مطلقا بناء علي عموم الجواب، لكنه مقيد بالاصلح، لمفهوم رواية جعفر كما انه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر علي صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره بما في بيع كل واحد بقرينة رواية الاحتجاج، و يؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصة ضيعة الامام عليه السلام من الوقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 419

و الجواب: اما عن رواية جعفر، فبأنها انما تدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم (1) لا لمجرد كون البيع انفع. فالجواز مشروط بالامرين كما تقدم عن ظاهر النزهة و سيجي ء الكلام في هذا القول بل يمكن ان يقال ان المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع (2) الذي يلاحظه الفاعل، ليكون منشئا لإرادته، فليس مراد الامام عليه السلام بيان اعتبار ذلك تعبدا، بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل،

يعني إذا كان الامر علي ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز،

______________________________

اما خبر جعفر فاورد عليه بايرادات.

الأول: ضعف السند لجهالة جعفر.

و فيه: ان من رجال السند الحسن بن محبوب الذي هو من اصحاب الإجماع.

الثاني: انه جمع فيه بين الوقف و الوصية، فان الوقف ان كان مقدما بطلت الوصية،

و ان كانت الوصية مقدمة كان الوقف فسخا لها، و ان كانا متقارنين بانشاء واحد، فمضافا الي عدم معقوليته، لزم بطلان الوصية لتوقف نفوذها علي الموت دون الوقف، فيتم سبب الوقف فلا يبقي

موقع لنفوذ الوصية.

و فيه: انه يمكن فرض صدور الوصية بعنوان الشرط علي الموقوف عليهم في ضمن عقد الوقف علي ان يعطوا المقدار المعين للموصي له، فإذا مات الموصي له عادت جميع المنافع الي الموقوف عليهم كما هو المفروض في الخبر.

(1) الثالث: ما في المتن، و هو: انه يدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم لا لمجرد كون البيع انفع، فالجواز مشروط بالأمرين.

و فيه: ان هذا الجواب يكفي الزاما للخصم، و الا فيمكن الالتزام باعتبار الحاجة،

اي الحاجة الي نفع زائد ليفي بمئونته، و هذه غير الحاجة الشديدة المعدودة من المسوغات بنفسها.

(2) الرابع: ما ذكره المصنف قدس سره ايضا، و هو: ان المراد بالخير يحتمل ان يكون هو الخير الذي بلحاظه يكون الفعل اختياريا، و هو طلب خير الفعل لما فيه من الداعي الموافق لغرضه، و الجواز في هذا الفرض مما لم يقل به احد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 420

كما يقال: إذا اردت البيع و رأيته اصلح من تركه فبع. و هذا مما لا يقول به احد،

و يحتمل ايضا ان يراد من الخير هو خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل. (1)

و عن المختلف و جماعة: الجواب عنه بعدم ظهوره في المؤبد لاقتصاره علي ذكر الاعقاب (2) و فيه نظر، لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل علي الاختصاص، إذ يصح ان يقال في الوقف المؤبد انه وقف علي الأولاد مثلا،

و حينئذ فعلي الامام عليه السلام ان يستفصل إذا كان بين المؤبد و غيره فرق في الحكم فافهم. و كيف كان ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الأشكال علي جواز البيع بمجرد الانفعية اشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة.

و مما

ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري (3) ثمّ لو قلنا في هذه الصورة بالجواز

______________________________

و فيه: ان السائل سأل عن البيع الاختياري الموافق لغرضه، و ليس هذا امرا مبهما كي يحتاج الي تكراره في الجواب.

(1) الخامس: ما ذكره المصنف قدس سره ايضا، و هو: انه يحتمل ارادة الخيرية بلحاظ ما فرضه السائل من رفع الحاجة. و قد تقدم الكلام في ذلك.

(2) السادس: ما عن المختلف و جماعة، و هو ظهور في الوقف المنقطع، و محل الكلام الوقف المؤبد لاقتصاره علي ذكر الاعقاب.

و فيه: ان مقتضي اطلاقه علي هذا هو جواز البيع في الطبقات المتوسطة قبل الانقراض، و من الواضح عدم الفرق بينه و بين المؤبد حينئذ، إذ الفرق انما يصلح في الطبقة الأخيرة أو بعد انقراضهم كما لا يخفي.

فالحق في الجواب عنه هو: اعراض الأصحاب و عدم افتائهم بمضمونه.

(3) و أما الخبر الثاني: فالكلام فيه تارة: في ما ارسله عن الامام الصادق عليه السلام،

و اخري: فيما اجاب عليه السلام به اخيرا.

اما الأول: فهو يدل علي جواز البيع إذا كان اصلح، و هو المدعي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 421

كان الثمن للبطن الأول البائع يتصرف فيه علي ما شاء و منه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد (1) فإن مقتضي كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك، كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع فيكون تجويز البيع في هذه الصورة و التصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حق اللاحقين آنا ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب، لئلا يقع البيع علي المال المشترك فيستحيل كون بدله مختصا.

______________________________

و اورد عليه بجملة من الايرادات الواردة علي الخبر الأول، و قد تقدم

ما فيها.

و قد يقال: انه يقيد اطلاقه بمفهوم الخبر الأول من حيث التقييد بالحاجة، فيكون اخص من المدعي.

و فيه- مضافا الي ما تقدم- انه لا مفهوم لكلام الامام عليه السلام كي يقيد به اطلاق هذا الخبر، إذ الشرط انما ذكر في السؤال لا الجواب.

فالحق في الجواب عنه: انه معرض عنه عند الأصحاب.

و أما الثاني: فيرد عليه- مضافا الي ذلك- انه في مقام البيان من حيث الاجتماع و التفرق لا في مقام بيان جواز بيع الوقف من حيث هو كي يتمسك باطلاقه.

(1) ما ذكره من مخالفة الروايتين للقواعد اشكال آخر غير ما تقدم.

و حاصله: ان ظاهره بيع الوقف و صرف ثمنه كيف شاء، و هذا ايضا مما لا يمكن الالتزام به، إذ كون المبدل مشتركا و البدل مختصا غير معقول.

و فيه: ان الظاهر منه- كما تقدم- بيع الوقف إذا كان الثمن ازيد نفعا. فراجع.

و عن المحقق النائيني الجواب عنه بوجه آخر، و هو: انه يدل علي جواز بيع الوقف مطلقا، فالنسبة بينه و بين ادلة المنع هي التباين، و إذا خصصت ادلة المنع بصورة الخراب انقلبت النسبة بينهما الي عموم مطلق فيخصص اطلاقه بها.

و فيه: انا لا نقول بانقلاب النسبة في شي ء من الموارد، فإذا كانت النسبة هي التباين تعين طرحه لوجوه لا تخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 422

الصورة الخامسة: ان يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة (1)

و قد تقدم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة بل عن الانتصار و الغنية: الاجماع عليه،

و يدل عليه رواية جعفر المتقدمة (2) و يرده ان ظاهر الرواية انه يكفي في البيع عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم كما لا يخفي. و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين

اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة و بينها و بين مطلق الفقر عموم من وجه (3) إذ قد يكون فقيرا و لا يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه، و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر علي مئونة

______________________________

الصورة الخامسة

(1) الصورة الخامسة: ان تلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة.

فقد ذهب جماعة الي جواز البيع في هذه الصورة، و عن الانتصار و الغنية دعوي الإجماع عليه.

و استدل له: بالإجماع.

و بان الضرورات تبيح المحظورات.

(2) و بخبر جعفر «1» المتقدم الدال علي جواز البيع مع الحاجة، بعد تقييد الحاجة بالشديدة للاجماع علي عدم كفاية ما دونها من المرتبة.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن مصطلحهم في الإجماع غير مصطلح المتأخرين فلا يركن إليه.

و أما الثاني: فلانه يوجب الضرورة رفع الحرمة لا الحكم الوضعي.

و أما الثالث: فلما مر من ان الظاهر منه الحاجة الي البيع للتبديل بما هو انفع من حيث وفاء النفع بمئونته لا الحاجة الي البيع لصرف الثمن في رفع الحاجة التي هي محل الكلام.

(3) و اجاب المصنف قدس سره عنه بجواب آخر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 423

سنته. فالرواية بظاهرها غير معمول بها، مع انه قد يقال ان ظاهر الجواب جواز البيع بمجرد رضا الكل و كون البيع انفع، و لو لم يكن حاجة. و كيف كان، فلا يبقي للجواز عند الضرورة الشديدة الا الاجماعان المعتضدان بفتوي جماعة و في الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع، و عن قاعدة وجوب كون الثمن علي تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود، مع وهنه بمصير جمهور المتأخرين،

و جماعة من القدماء

الي الخلاف، بل معارضته بالاجماع المدعي في السرائر،

اشكال.

الصورة السادسة: ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (1)

أو إذا كان فيه مصلحة البطن الموجود، أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة علي حسب ما يشترط فقد اختلف كلمات العلامة و من تأخر عنه في ذلك، فقال في الارشاد: و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز انتهي.

______________________________

و حاصله ان: ظاهر الخبر كفاية عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم في جواز البيع، و هذا اقل مراتب الفقر الشرعي، و النسبة بينه و بين الحاجة الشديدة هي العموم من وجه، إذ قد يكون فقيرا لا مئونة له و لا حاجة شديدة الي البيع لتتميم مئونته من مال الفقراء، و قد تكون له حاجة شديدة و له مئونة سنة، و قد يتفقان.

و يمكن دفعه: بان الحاجة الي تتميم المئونة بالبيع ان كانت مسوغة للبيع كانت الحاجة الشديدة اولي بذلك. فتأمل.

و كيف كان: فالأظهر المنع لعموم الأدلة.

الصورة السادسة

(1) الصورة السادسة: ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 424

و في القواعد و لو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج و شبهه و شراء غيره بثمنه أو عند خرابه و عطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه. ففي صحة الشرط اشكال و مع البطلان ففي ابطال الوقف نظر، انتهي.

و ذكر في الايضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال: فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولي و في وجه المنع ان الوقف للتأبيد و البيع ينافيه،

قال و الأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال، انتهي.

و قال الشهيد في الدروس و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة

بينهم فأولي بالجواز، انتهي.

و يظهر منه ان للشرط تأثيرا و انه يحتمل المنع من دون الشرط و التجويز معه، و عن المحقق الكركي انه قال: التحقيق ان كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف بجواز اشتراط البيع في الوقف، إذا بلغ تلك الحالة لأنه شرط مؤكد، و ليس بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف، لانه مقيد واقعا بعدم حصول احد اسباب البيع، و الا فلا للمنافاة فلا يصح حينئذ حبسا. لأن اشتراط شراء شي ء بثمنه يكون وقفا مناف لذلك لاقتضائه الخروج من المالك فلا يكون وقفا و لا حبسا، انتهي. اقول يمكن ان يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها- و المؤمنون عند شروطهم (1)

______________________________

في المسألة اقوال:

نفوذ الشرط و جواز البيع: ذهب إليه العلامة في محكي الإرشاد و توقف فيه في محكي القواعد.

عدم نفوذ الشرط مع افساده للوقف و عدمه: ذهب إليه جماعة.

التفصيل بين شرط البيع عند عروض المسوغ له فيجوز و بين غيره فلا: ذهب إليه في محكي جامع المقاصد.

(1) مقتضي عموم دليل الوقف، و نفوذ الشرط- صحة الوقف و الشرط.

و لكن تنقيح القول في المقام بالبحث.

في موضعين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يقتضيه النص الخاص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 425

بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف. (1) فلعله مناف لإطلاقه، و لذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته، فإن التحقيق كما عرفت سابقا ان جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه- فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.

اما الأول: فقد يقال بفساد الشرط لوجهين:

______________________________

الأول: انه مخالف لمقتضي العقد اما من جهة ان الوقف بمعني الحبس و الممنوعية من التصرفات فينافيه شرط البيع، أو من جهة ان

الوقف للتابيد و الوقف الي مدة باطل و التأبيد مناف لجواز البيع.

و المصنف قدس سره تصدي للجواب عن ذلك حيث قال.

(1) بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف الثاني: انه مخالف للسنة لما دل من النصوص «1» علي عدم جواز بيع الوقف.

و الحق انه ان كان الشرط بيعه عند تحقق شي ء من المسوغات فلا اشكال فيه اصلا، إذ الجواز حاصل و الشرط مؤكد له. و ان كان بيعه لا عند تحقق شي ء من المسوغات، فاما ان يكون الشرط مطلقا، و أما ان يكون معلقا علي تقدير خاص، و علي التقديرين اما ان يكون الشرط البيع مع كون الثمن وقفا، و أما ان يكون البيع مع عدم كون الثمن وقفا.

فان كان الشرط مطلقا مع عدم كون الثمن وقفا لا ينبغي التوقف في فساد الشرط لكونه منافيا لمقتضي العقد- بناء علي ما عرفت من اخذ عدم البيع في مفهومه- و مخالفا للسنة لما دل علي عدم جواز بيع الوقف من السنة.

و ان كان مطلقا مع كون العوض وقفا فالأظهر صحته لأول ذلك الي وقف الشي ء بما انه مال، اي يكون الوقف الجامع بين المال و بدله، فيكون الشرط منافيا لمقتضي اطلاق الوقف لا أصله.

و ان كان معلقا فان كان الشرط بيعه و جعل ثمنه وقفا صح، فانه يؤول الي وقف العين بما انها مال مع خصوصية الي زمان حصول ذلك التقدير، و بعده تكون وقفا بما انها مال، فهذا ايضا مناف لمقتضي اطلاق العقد لا أصله،

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 426

ثمّ انه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه

للبطن الموجود و اكل ثمنه. و أما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف، فمعني كونه حبسا كونه محبوسا من ان يتصرف فيه بعض طبقات الملاك علي نحو الملك المطلق. و أما حبس شخص الوقف فهو لازم لإطلاقه و تجرده عن مسوغات الابدال شرعية كانت كخوف الخراب أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد فتأمل.

ثمّ انه روي صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في كيفية وقف ماله في عين ينبع (1) و فيه فان اراد يعني الحسن عليه السلام ان يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين فليفعل ان شاء لا حرج عليه فيه، و ان شاء جعله شروي الملك و ان ولد علي و مواليهم و اموالهم الي الحسن بن علي، و ان كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء، و لا حرج عليه فيه، فإن باع فانه يقسم ثمنها ثلاثة اثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب و ثلثا في آل أبي طالب و أنه يضعه فيهم حيث يراه الله.

______________________________

و ادلة المنع عن بيع الوقف لا تشمل البيع بعد الشرط كي يكون الشرط منافيا للسنة.

و ان كان معلقا و كان الشرط بيعه و صرف ثمنه اي عدم كونه وقفا.

فان قلنا بان عدم البيع ماخوذ في حقيقة الوقف صح ذلك، فانه يرجع الي انه وقف ما لم يتحقق التقدير الخاص الذي علق عليه جواز البيع، و إذا تحقق فلا وقف، و مقتضي اطلاق ادلة الوقف و نفوذ المعاملات صحة مثل هذا الوقف.

و دعوي: انه مناف للتابيد المعتبر في الوقف.

مندفعة بعدم الدليل علي

اعتباره، و انه يصح الوقف مع عدمه، لا سيما إذا كان مرددا بين الانقطاع و عدمه.

و ان قلنا بانه من احكامه لا من مقوماته. فالأظهر عدم الصحة الا مع انشاء الوقف الي زمان حصول ذلك التقدير، فان عدم جواز بيع الوقف و لزومه ليس من الحقوق بل من الأحكام، فالشرط مناف للسنة.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات المصنف قدس سره.

(1) و أما الثاني اي ما يقتضيه النص الخاص و هو الصحيح الحاكي لوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 427

ثمّ قال: و إن حدث في الحسن أو في الحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي الي ان قال: فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم. و انه يشترط علي الذي يجعله إليه ان يترك هذا المال علي اصوله، و ينفق الثمرة حيث امره من سبيل الله و وجهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب، و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه، و لا يوهب و لا يورث. الرواية و ظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون و صرف ثمنه فيما ينتفعون به (1) و السند صحيح

______________________________

أمير المؤمنين عليه السلام ما له بينبع: المذكور في المتن «1».

(1) و هذا ايضا يدل علي الجواز، و مورد الاستدلال به قوله عليه السلام: فان اراد ان يبيع نصيبا من المال … الخ.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: انه يدل علي جواز بيع الوقف عند الحاجة، فيخرج عن محل الكلام.

و فيه: انه ظاهر في كونه في مقام اعطاء السلطنة للموقوف عليه في ضمن الوقف علي البيع، و هذا هو الاشتراط.

الثاني: انه محمول علي الوصية نظرا الي ما في صدره

من قوله عليه السلام: هذا ما اوصي به و قضي في ماله عبد الله علي، و قوله في آخره: و لا يحل- الي قوله- ان يغير شيئا مما اوصيت به.

و فيه: انه ينافيه قوله عليه السلام: الذي كتبت من اموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا انا أو ميتا. و لا تكون الوصية بتلة واجبة في حياته، بل الوقف كذلك، و اطلاق الوصية علي جميع ما يدبره الانسان من شئون ماله بنحو الايصاء به لمن يقوم بعده بالأمر شائع،

و اختصاص الوصية بالمعهودة انما هو في لسان الفقهاء خاصة.

الثالث: انه قابل للحمل علي ارادة قضاء الدين من حاصل الوقف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 428

و التأويل مشكل و العمل به اشكل (1)

______________________________

و فيه: انه مناف لقوله ان يبيع، و لقوله جعله شروي الملك اي ملكا نفيسا لنفسه.

الرابع: ان مورده الوقف العام، و لا إشكال في عدم جواز البيع فيه. و قد تقدم الجواب عنه، و انه لا فرق بين الوقف العام و الخاص.

(1) قوله و التأويل مشكل و العمل به اشكل و لكن الانصاف ان الخبر لا إشكال فيه دلالة، كما لا إشكال فيه سندا، فيدل علي جواز البيع مع الشرط، إذ قد عرفت انه مقتضي القاعدة.

و ربما يستدل للجواز بجملة اخري من الرواية، و هي قوله عليه السلام فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء لا حرج عليه.

و لكن يمكن الايراد عليه: بعدم ثبوت كون مورده وقفا.

و ذلك لوجهين:

الأول: قوله و ان كان دار الحسن بن علي غير دار الصدقة اي غير الصدقات العامة،

و هذا كما يمكن حمله علي ما إذا كانت من الأوقاف الخاصة علي الذرية،

يمكن حمله علي دارا لصدقة التي فوض امرها إليه و جعل له سكناها ما دامت الحاجة و بعده بعنوان الوصية يفعل ما امره به.

اللهم الا ان يقال: ان المراد بهذه الجملة انه ان كان دار الحسن التي هي مسكنه غير دار الصدقة و لم يكن له حاجة الي دار الصدقة و رأي المصلحة في بيعها فليبعها ان شاء و يصرف ثمنها في المصارف المذكورة.

الثاني: ان تلك الدار لم تكن داخلة فيما وقفه في اول هذا الخبر، فان الموقوف هو ماله بينبع و ما حولها و بوادي القري و بديمة و باذينة، و كل تلكم ليست الا المزارع و ليست الدار داخلة فيها و لكن في الجملة الأولي كفاية.

الصورة السابعة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 429

الصورة السابعة: ان يؤدي بقاؤه الي خرابه علما أو ظنا و هو (1)

المعبر عنه بخوف الخراب في كثير من العبائر المتقدمة و الاداء الي الخراب قد يكون للخلف بين اربابه و قد يكون لا له، و الخراب المعلوم و المخوف قد يكون علي حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتداً به، و قد يكون علي وجه نقص المنفعة. و أما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر، كانتفاعه السابق أو ازيد فلا يجوز بيعه الا علي ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من ان تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه، و قد عرفت ضعفه، و قد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلي الخراب، و لو لغير الاختلاف، و من أخري تقييدهم به.

الصورة الثامنة: ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال و النفس، و ان لم يعلم أو يظن بذلك، فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

الصورة

التاسعة: ان يؤدي الاختلاف بينهم الي ضرر عظيم من غير تقييد بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة: ان يلزم فساد يستباح منه الأنفس، و الأقوي الجواز مع تأدية البقاء الي الخراب علي وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره، و المنع في غيره من جميع الصور اما الجواز في الأول. فلما مر من الدليل علي جواز بيع ما سقط عن الانتفاع،

______________________________

(1) الصورة السابعة: ان يؤدي بقاؤه الي خرابه علما أو ظنا.

و قد ذهب جماعة منهم المانعون عن بيع الوقف مطلقا، و المفيد و الديلمي و الفاضلان في اكثر كتبهما، و الشهيدان في غير الدروس، و المحقق الكركي و غيرهم: الي المنع، و عن الشيخ في النهاية، و ابن سعيد في كتابيه، و الطوسي و العلوي و العلامة في بيع التحرير، و الشهيد في الدروس و غيرهم: اختيار الجواز، و اختاره المصنف قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 430

فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه، فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه فدار الأمر بين انقطاع شخصه و نوعه و بين انقطاع شخصه لا نوعه كان الثاني أولي، فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.

و أما الأدلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الاجماع، و انصراف النصوص الي غير هذه الصورة. و أما الموقوف عليهم فالمفروض اذن الموجود منهم و قيام الناظر العام و الخاص مقام غير الموجود. (1) نعم قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع الي زمان وجدان البدل أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة الي الباقي،

______________________________

و قد استدل للجواز بوجوه.

(1) ما افاده المصنف قدس سره و قصوده دفع الموانع عن

التمسك بعمومات نفوذ البيع و حاصله: ان المانع عن التمسك بها في الوقف امور:

احدها: حق الواقف.

ثانيها: حق الموقوف عليه.

ثالثها: الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

و شي ء منها لا يصلح للمنع في المقام.

اما الأول: فلأن غرض الواقف المتعلق بالانتفاع بشخص العين فائت لا محالة لأوله الي الخراب، و غرضه المتعلق بالانتفاع به بما انه مال يتوقف علي البيع، فالبيع ليس منافيا لغرضه.

و أما الثاني: فلأن المفروض ان انتفاع الموقوف عليهم لا يفوت لانتفاعهم بالبدل،

و الانتفاع بشخص العين غير ممكن، و أما حقهم في تصدي البيع فالمفروض انه يباع باذن البطن الموجود و اولياء البطون اللاحقة.

و أما الثالث: فلانصراف الأدلة عن صورة اول العين الي الخراب المخرج اياها عن حد الانتفاع.

و فيه: ان هذا يتم في صورة الخراب، و أما قبله فغرض الواقف المتعلق بالانتفاع بشخص العين ممكن، و حق الموقوف عليهم في الانتفاع به كذلك، و الأدلة غير منصرفة،

فالأظهر عدم ارتفاع الموانع عن التمسك بالعمومات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 431

و مما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلي آخر أزمنة إمكان البقاء مع عدم فوات الاستبدال فيه، و مع فوته ففي تقديم البيع إشكال، و لو دار الأمر بين بيعه و الأبدال به، و بين صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حق البطن الذي يفوته المنفعة أو حق الواقف و سائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الواقف وجهان، لا يخلو اولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف اصلاح الوقف من منفعته مقدما علي الموقوف عليه. و قد يستدل علي الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح، من ان بقاء الوقف علي حاله، و الحال هذه اضاعة و اتلاف للمال، و هو منهي عنه،

شرعا فيكون البيع جائزا.

(1) و لعله اراد الجواز بالمعني الأعم فلا يرد عليه انه يدل علي وجوب البيع، و فيه ان المحرم هو اضاعة المال المسلط عليه، لا ترك المال الذي لا سلطان عليه الي ان يخرب بنفسه و الا لزم وجوب تعمير الاوقاف المشرفة علي الخراب بغير البيع مهما امكن مقدما علي البيع أو إذا لم يمكن البيع.

و الحاصل ان ضعف هذا الدليل بظاهره واضح، و يتضح فساده علي القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير، و يتلوه في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذب و غاية المرام، من ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه. و قد تعذرت،

فيجوز اخراجه عن حده، تحصيلا للغرض منه، و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض (2) كما انه لو تعطلت الهدي ذبح في الحال و ان اختص بموضع،

فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المتعذر

______________________________

(1) الثاني ما عن التنقيح و هو: ان ابقاء الوقف علي حاله، و الحال هذه اضاعة و اتلاف للمال و هو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا.

و فيه: ما تقدم من ان التضييع المحرم هو ما لم يكن بامر من الشارع، و حيث ان ابقاء الوقف يكون بامر منه فلا يشمله دليل حرمة التضييع.

(2) الثالث ما عن: المختلف و التذكرة و المذهب و غيرها، و هو: ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه، و قد تعذرت فيجوز اخراجه عن حده تحصيلا للغرض منه،

و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض.

و فيه: ان هذا لو تم فانما هو في آخر ازمنة بقائه الذي خرجت العين فيه عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 432

و فيه ان الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لانه الذي دل عليه

صيغة الوقف، و المفروض تعذره، فيسقط و قيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص، لكونه اقرب الي مقصود الواقف فرع الدليل علي وجوب اعتبار ما هو الاقرب الي غرض الواقف بعد تعذر اصل الغرض، فالاولي منع جريان ادلة المنع من خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و جعل ذلك مؤيدا.

و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها، فلعموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك، فإن ترك الاستفصال فيه عن علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف علي بعض الوجوه المجوزة و عدمه الموجب لحمل فعل البائع علي الصحة، يدل علي ان الوقف ما دام له غلة لا يجوز بيعه، و كذا قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها انشاء الله،

و ما دل علي انه يترك حتي يرثها وارث السموات و الأرض، هذا كله مضافا الي الاستصحاب في جميع هذه الصور، و عدم الدليل الوارد عليه، عدا المكاتبة المشهورة (1) التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصور فيها

______________________________

حيز الانتفاع، و أما قبله فالغرض. من الوقف الاستيفاء من شخص العين و هو ممكن فلا يجوز.

الرابع: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه إذا احتمل احتمالا عقلائيا تأديته الي الخراب علي نحو لو كان فعلا خرابا لجاز بيعه، جاز بيعه لأن حكم الاحتمال حكم الخراب، و لكن من حيث كونه طريقا، لأنه بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنه صار خرابا فعلا.

و فيه: ان هذا لو تمّ فانما هو في احتمال الخراب الفعلي لا في احتمال تأديته الي الخراب، لأن هذا الاحتمال ليس طريقا الي الخراب بالفعل كما هو

واضح.

(1) الخامس: ما كتبه عليه السلام في جواب ابن مهزيار «1» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 433

و هي مكاتبة ابن مهزيار. قال كتبت الي ابي جعفر الثاني عليه السلام: ان فلانا ابتاع ضيعة فاوقفها، و جعل لك في الوقف الخمس و يسألك عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو تقويمها علي نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقوفة، فكتب إلي اعلم فلانا اني امره ببيع حصتي من الضيعة، و ايصال ثمن ذلك الي ان ذلك رأيي انشاء الله تعالي، أو يقومها علي نفسه ان كان ذلك اوفق له، قال: فكتب «فكتبت» إليه ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافا شديدا، و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته فكتب بخطه و أعلمه أن رأي أن كان قد علم الاختلاف بين ارباب الوقف ان بيع الوقف امثل فليبع فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس (1) الخبر.

حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة،

بناء علي ان قوله فانه الي آخره تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، و ان المراد بالمال هو الوقف، فان ضم النفوس انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف، لا ان المناط في الحكم هو اجتماع الامرين كما لا يخفي، فيكون حاصل التعليل انه كل ما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

______________________________

(1) بتقريب: ان قوله عليه السلام: فانه … الخ تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، و ان

المراد من المال الوقف، فان ضم النفوس انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف، إذ علي ذلك يصير المتحصل من الرواية: انه كلما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

و فيه: ان كون المراد من المال العين الموقوفة مما لم يشهد به شاهد، بل بقرينة ضم النفوس الي الأموال يصير ظاهرا في المال الآخر، إذ الاختلاف يوجب صرف المال في الغلبة علي الخصم و ادائه الي المقاتلة الموجبة لإتلاف النفوس، و هذا بخلاف تلف الوقف الذي هو اجنبي عن تلف النفس.

فالأظهر عدم جواز بيع الوقف ان خيف اوله الي الخراب، لا سيما إذا كان الخراب المترقب بعد مدة طويلة. نعم يجوز البيع في آخر ازمنة بقائه، إذ لا منفعة حينئذ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 434

و فيه ان المقصود جواز بيعه إذا ادي بقائه الي الخراب علما أو ظنا، لا مجرد كونه ربما يؤدي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح علي ما هو الظاهر من لفظ ربما، كما لا يخفي علي المتتبع لموارد استعمالاته، و لا أظن احدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال اداء بقائه الي الخراب، لأن كلمات من عبر بهذا العنوان كما عرفت بين قولهم أدي بقائه إلي خرابه، و بين قولهم يخشي أو يخاف خرابه،

و الخوف عند المشهور، كما يعلم من سائر موارد اطلاقاتهم مثل قولهم يجب الافطار و التيمم مع خوف الضرر، و يحرم السفر مع خوف الهلاك، لا يتحقق الا بعد قيام امارة الخوف، هذا، مع ان مناط الجواز علي ما ذكر تلف الوقف رأسا. و هو القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، فلا يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف، مع انه لا وجه بناء علي

عموم التعليل للاقتصار علي خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف.

______________________________

الصورة الثامنة

الصورة الثامنة: ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال.

فكلمات القوم في هذه الصورة متشتتة، فلا يصغي الي نقل شهرة في الباب.

فالمهم صرف عنان الكلام الي الحجج و الأدلة.

و قد استدل للمنع في المكاسب: بعموم ادلة المنع عن بيع الوقف «1» و بالاستصحاب.

صرح في بيان الحكم في الصورة السابعة ان عموم الادلة، و الاستصحاب دليلان للمنع في الصور اللاحقة.

ما ذكره قدس سره من عموم الأدلة متين في نفسه.

و أما الاستصحاب فغاية ما يمكن ان يقال في تقريبه: ان عموم دليل نفوذ البيع خصص بما دل علي عدم جواز بيع الوقف، و هو و ان اختص بما قبل وقوع الاختلاف المزبور و لم يكن له عموم شامل له، الا انه من جهة كون دليل نفوذ البيع و الوفاء بالعقد مما لا عموم ازماني له، بل هو متضمن لبيان حكم واحد مستمر لكل فرد من افراد البيع و العقد، و مع الشك في ان الخارج هو في زمان أو دائما يجري الاستصحاب، و لا يكون مورد التمسك بالعموم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 435

و أما تقريب الاستدلال بالمكاتبة علي جواز البيع في الصورة الثامنة و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما اوجب تلف الأموال و النفوس، فهو ان الحكم بالجواز معلق علي الاختلاف، الا ان قوله فإنه ربما الخ مقيد بالاختلاف الخاص،

و هو الذي لا يؤمن معه من التلف لأن العلة يقيد المعلول كما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض، و فيه أن اللازم علي هذا تعميم الجواز في كل مورد

لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس و إن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم،

فيجوز بيع الوقف لاصلاح كل فتنة، و ان لم يكن لها دخل في الوقف (1) اللهم الا ان يدعي سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقي حتي يتعدي الي جميع موارده، لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن، ممنوع و هو الذي فهمه

الشهيد رحمه الله في الروضة، كما تقدم كلامه، لكن الحكم علي هذا الوجه مخالف للمشهور فلا يبقي حينئذ وثوق بالرواية، بحيث يرفع اليد بها عن العمومات و القواعد،

______________________________

و فيه: - مضافا الي عدم تمامية المبني كما حققناه في الأصول- انه لا يكون منطبقا علي المقام من جهة انه ليس هناك فرد واحد يكون خارجا عن تحت عموم دليل نفوذ البيع في زمان و يشك بعده في خروجه، بل البيع قبل عروض العارض المشكوك الحال فرد مقدر الوجود، و البيع بعد العروض فرد مقدر آخر. و عليه فمع عدم شمول دليل المخصص يتعين الرجوع الي عموم دليل النفوذ للشك في التخصيص الزائد، بل لو لم يكن هناك عموم لما كان مورد لإجراء الاستصحاب.

و استدل للجواز: بمكاتبة ابن مهزيار المتقدمة في الصورة السابقة:

(1) و اورد عليه المصنف قدس سره بما حاصله ان فقوله عليه السلام: فانه ربما جاء في الاختلاف … الخ اما ان يكون تعليلا لجواز البيع عند الاختلاف، أو يكون حكمة له. و علي الأول:

يتعين البناء علي جواز بيع الوقف إذا لزم تلف المال و النفس، و لو لا لدخل فيه، لأن العلة كما تخصص تعمم. و علي الثاني: يتعين البناء علي جواز البيع مع الاختلاف مطلقا، و شي ء منهما لا يمكن الالتزام به لعدم افتاء

المشهور به.

و فيه: انه يحمل علي التعليل كما هو ظاهره، و لكن العلة هي لزوم تلف المال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 436

مع ما فيها من ضعف الدلالة كما سيجي ء إليه الاشارة. و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال علي الصورة التاسعة و رده. (1)

______________________________

و النفس من ترك البيع و ابقاء الوقف علي حاله، فان الظاهر منها ان علية ما ذكر من جهة ان الوقف صدقة جارية يتقرب بها الي الله تعالي، و هذا لا يلائم مع تلف المال و النفس، و لا مانع من الالتزام بالتعميم علي هذا، اي الالتزام بجواز البيع في كل مورد لزم من بقائه تلف المال و النفس.

و دعوي انها معرض عنها و لم يعمل بها الأصحاب، قد تقدم ما فيها، فالمكاتبة تدل علي الجواز في هذه الصورة هذا مع قطع النظر عن الاشكالات المشتركة بين جميع الصور التي سيتعرض لها المصنف قدس سره، و ستعرف عدم ورود شي ء منها.

فالأظهر هو جواز البيع فيها.

و ربما يستدل له بحديث «1» لا ضرر الحاكم علي الأدلة الواقعية.

و فيه: ان الموقوف عليهم باختيارهم يتلفون المال و النفس، و في مثل ذلك لا يوجب الحديث رفع التكليف الواقعي.

و به يظهر ما في الاستدلال له بدليل وجوب حفظ النفس فيما إذا لزم من ترك البيع تلف النفس.

الصورة التاسعة

الصورة التاسعة: ان يؤدي الاختلاف بينهم الي ضرر عظيم.

(1) و قد استدل للمنع عن البيع في هذه الصورة بعموم الأدلة.

و الاستصحاب.

و قد تقدم ان الاستدلال بالعموم متين.

و لكن الاستدلال بالاستصحاب في غير محله.

و قد استدل للجواز بوجهين:

الأول: لا ضرر. و قد تقدم ما فيه.

الثاني: مكاتبة ابن مهزيار المتقدمة، بدعوي انه يستفاد منها ان ذكر تلف النفس و المال انما يكون من باب المثال لمطلق الضرر العظيم، و

الاحتياط سبيل النجاة

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 437

و أما تقريب الاستدلال علي الصورة العاشرة، فهو ان ضم تلف النفس إلي تلف الأموال، مع ان خوف تلف الانفس يتبعه خوف تلف المال غالبا، يدل علي اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة الي حيث يخاف منه تلف النفس (1) و لا يكفي بلوغها الي ما دون ذلك، بحيث يخاف منه تلف المال فقط. و فيه ان اللازم علي هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة (2) مع ان ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس. و المقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة: هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.

و الحاصل ان جميع الفتاوي المتقدمة في جواز بيع الوقف، الراجعة الي اعتبار اداء بقاء الوقف علما أو ظنا أو احتمالا الي مطلق الفساد أو فساد خاص،

______________________________

الصورة العاشرة

الصورة العاشرة: ان يلزم فساد تستباح منه الأنفس.

و قد استدل للمنع بما تقدم، و للجواز بما ذكرناه آنفا.

(1) و تقريب الاستدلال بالمكاتبة: ان ذكر تلف الأموال و ضمه الي تلف النفوس انما هو من جهة التلازم الغالبي، إذ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف الأموال لا لخصوصية فيه، بل المدار علي خوف تلف النفوس خاصة.

(2) و اورد عليه المصنف قدس سره بما تقدم من: ان مقتضي عموم جواز البيع لدفع كل فتنة مؤدية الي ذلك، و قد عرفت الجواب عنه.

فالحق في الايراد عليه- مضافا الي منع التلازم الغالبي.

ان حمل القيد علي ذلك خلاف الظاهر، فان الظاهر كون كل قيد ماخوذ في لسان الدليل للاحتراز.

مع ان لازم التمسك بالمكاتبة البناء علي كفاية خوف الأداء الي استباحة

الأنفس لا اعتبار الاستباحة الواقعية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 438

أو فساد خاص، أو اعتبار الاختلاف مطلقا، أو اختلاف خاص، مستندة الي ما فهم اربابها من المكاتبة المذكورة و الاظهر في مدلولها هو اناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس، لا مطلق الاختلاف، لأن الذيل مقيد،

و لا خصوص المؤدي علما أو ظنا، لأن موارد استعمال لفظة ربما اعم من ذلك، و لا مطلق ما يؤدي الي المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل في التعليل، بحيث يتعدي عن مورد النص، و ان كان فيه اشارة الي التعليل و علي ما ذكرنا فالمكاتبة غير مفتي بها عند المشهور (1) لأن الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه الي الخراب الغير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الاموال و الانفس، فيكون النسبة بين فتوي المشهور و مضمون الرواية عموما من وجه.

لكن الانصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية، و قصور مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة، لأن اختلاف فتاوي المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز، من قوله عليه السلام: ان كان قد علم الاختلاف المنضم الي قوله: فإنه ربما جاء في الاختلاف. و أما دلالة المكاتبة علي كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام، فهي علي تقدير قصورها منجبرة بالشهرة، فيندفع بها ما يدعي من قصور دلالتها من جهات مثل عدم ظهورها في المؤبد، لعدم ذكر البطن اللاحق (2) و ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم

______________________________

و ربما اورد علي الاستدلال بالمكاتبة في هذه الصور بايرادات:

(1) الاول اعراض الاصحاب عنها و قد عرفت ان الأصحاب عملوا بها، و انما الخلاف بينهم في موضوع الجواز من جهة اختلافهم في فهم المراد منها.

(2)

الثاني: ان الظاهر من عدم ذكر الاعقاب فيه كون الوقف منقطعا لا مؤبدا الذي هو محل البحث.

و فيه: ان عدم ذكر الأعقاب انما هو من جهة عدم الاحتياج إليه، فلو لم ندع ان اطلاق الوقف ظاهر في المؤبد، لا كلام في ان مقتضي ترك الاستفصال البناء علي عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 439

و عدم تمام الوقف، كما عن الايضاح (1) و أوضحه الفاضل المحدث المجلسي،

و جزم به المحدث البحراني، و مال إليه في الرياض. قال الأول في بعض حواشيه علي بعض كتب الاخبار أنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر علي ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم و لم يدفعها إليهم. و حاصل السؤال ان الواقف يعلم انه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف، و يشتد لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر، فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم؟ أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد و يدفع إليهم ثمنها، أيهما أفضل. انتهي موضع الحاجة و الإنصاف أنه توجيه حسن لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضي ترك الاستفصال في الجواب، كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد علي ذكر بعض البطون فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبد.

و الحاصل ان المحتاج إلي الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبد، لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه،

أو غير ذلك، مما تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين. نعم يحتاج إلي الاعتضاد بالشهرة من جهة اخري،

______________________________

الفرق في

ذلك بين المؤبد و المنقطع.

(1) الثالث: ما عن الايضاح، و هو ظهورها في عدم اقباض الموقوف عليهم و عدم تمام الوقف، و عن المحدث المجلسي و البحراني: الجزم به، و احتمله سيد العروة، فهي تدل علي جواز البيع ما لم يتحقق الوقف، و محل الكلام هو بيع الوقف.

و فيه: اولا: ان الظاهر من الوقف و الموقوف عليهم و غيرهما من التعبيرات فيها تحقق الوقف الصحيح.

و ثانيا: انه لو تنزلنا عن ظهورها في ذلك يكفي في الحكم عدم الاستفصال بين تحقق الوقف و القبض و عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 440

و هي أن مقتضي القاعدة، كما عرفت لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون، و ظاهر الرواية تقريره للسائل في تقسيم ثمن الوقف علي الموجودين (1) فلا بد أما من رفع اليد عن مقتضي المعاوضة إلا بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم. و أما من حمل السؤال علي الوقف المنقطع اعني الحبس الذي لا إشكال في بقائه علي ملك الواقف، أو علي الوقف الغير التام لعدم القبض أو لعدم تحقق صيغة الوقف و ان تحقق التوطين عليه و تسميته وقفا بهذا الاعتبار.

و يؤيده تصدي الواقف بنفسه للبيع الا ان يحمل علي كونه ناظرا، أو يقال انه اجنبي استأذن الامام عليه السلام في بيعه عليهم حسبة، بل يمكن ان يكون قد فهم الامام عليه السلام من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها، مع ان المركوز في الاذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله ان مورد السؤال هو الوقف الباقي علي ملك الواقف لانقطاعه أو لعدم تمامه.

و يؤيده ان ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس

من الوقف للإمام عليه السلام هو هذا النحو ايضا، الا ان يصلح هذا الخلل و امثاله بفهم الاصحاب الوقف المؤبد التام، و يقال انه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف، و موجبا لتكلف الالتزام لسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند ارادة البيع،

أو نمنع تقرير الامام عليه السلام للسائل في قسمة الثمن الي الموجودين.

______________________________

(1) الرابع: ان الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين، مع انه مناف لحق البطون و لقول المجوزين لأنهم يقولون بجواز البيع و شراء عوض الوقف بثمنه.

و فيه: اولا: ان عدم عمل الأصحاب بهذه الجملة لا يوجب سقوط سائر الجملات عن الحجية.

و ثانيا: ان الالتزام بذلك في خصوص مورد الوقف الذي لا يرتفع الاختلاف الا بتقسيم الثمن من جهة انه جاء من جهة الاشتراك في الوقف، لا أري فيه محذورا.

و ثالثا: ان المحكي عن الأكثر العمل بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 441

و يبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع، و قد عرفت الاظهر منها لكن في النفس شي ء من الجزم بظهوره، فلو اقتصر علي المتيقن من بين المحتملات و هو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا الي تلف خصوص مال الوقف و نفوس الموقوف عليهم كان اولي. و الفرق بين هذا و القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، ان المناط في ذلك القسم العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا و المناط هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و ان لم يتلف الوقف،

فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف و ليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتي يتحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا ما هو الغالب

في تلف الضيعة التي هي مورد الرواية فإن تلفها غالبا بسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها. ثمّ ان الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكي عن الأكثر:

ان الثمن في هذا البيع للبطن الموجود. الا ان ظاهر كلام جماعة بل صريح بعضهم كجامع المقاصد: هو انه يشتري بثمنه ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان. و هذا منه قدس سره مبني علي وجه ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن علي الموجودين، أو علي منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضي قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل لكن، الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر، فتعين الأول و هو منع التقرير لكنه خلاف مقتضي التأمل في الرواية.

______________________________

الخامس: انه لو جاز بيع الوقف فانما يجوز للموقوف عليهم لا للأجنبي، و المكاتبة تدل علي جوازه للأجنبي كما لا يخفي.

و فيه: انه يمكن ان يكون ذلك من جهة كونه ناظرا، أو انه استأذن من الامام عليه السلام في ذلك لكونه من الأمور الحسبية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 442

و أما الوقف المنقطع، و هو ما إذا وقف علي من ينقرض (1) بناء علي صحته،

كما هو المعروف (2)

______________________________

الوقف المنقطع

(1) هذا كله في الدائم، و أما الوقف المنقطع، و هو ما إذا وقف علي من ينقرض.

فالكلام فيه يقع في جهات:

الأولي: في صحة الوقف المنقطع.

الوقف المنقطع علي قسمين:

الأول: ما يجعل وقفا موقتا كما لو قال وقفت هذا عشر سنين و هذا لا خلاف بينهم في بطلانه كما عن ظاهر جامع المقاصد و المسالك، بل عن الغنية و المختلف و السرائر و الجواهر: دعوي الإجماع عليه،

و كفي به مدركا.

(2) الثاني: ما يجعل علي من ينقرض غالبا، و الاظهر صحته وقفا كما هو المشهور بين الأصحاب، لأن الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها.

و دعوي: اخذ التأبيد في مفهوم الوقف.

كما تري، لأن حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة- كان ذلك دائميا ام موقتا.

و الإجماع علي اعتبار التأبيد في الوقف و ان كان لا ينكر الا ان مراد المجمعين عدم توقيته مدة لا كونه دائميا. و بعبارة اخري: المراد به عدم الاقتران بمدة، و أما ارتفاع الوقف بانتفاء الموقوف عليه كارتفاعه بانتفاء العين الموقوفة فلا ينافي الدوام.

و يشهد لصحته صحيح الصفار: كتبت الي ابي محمد عليه السلام اسأله من الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روي ان الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود علي الورثة، و إذا كان موقتا فهو صحيح ممضي، قال قوم: ان الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف علي فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الي ان يرث الله الارض و من عليها و قال آخرون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 443

فأما ان نقول ببقائه علي ملك الواقف. و أما ان نقول بانتقاله الي الموقوف عليهم،

و علي الثاني فإما ان يملكوه ملكا مستقرا، بحيث ينتقل منهم الي ورثتهم عند انقراضهم. و أما ان يقال بعوده الي ملك الواقف. و أما ان يقال بصيرورته في سبيل الله (1)

______________________________

هذا موقت إذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الي ان يرث الله تعالي الأرض و من عليها، و الذي هو غير موقت ان يقول هذا وقف و لم يذكر احدا، فما الذي يصح من ذلك و ما الذي

يبطل؟ فوقع عليه السلام: الوقوف بحسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله «1».

فانه يدل علي صحة الوقف الموقت بكلا تفسيريه.

(1) الجهة الثانية: في انه بعد الانقراض يرجع الوقف الي الواقف و ورثته أو الي ورثة الموقوف عليه أو يصرف في وجوه البر، وجوه.

اقواها الأول، لأن خروج الوقف عن ملكه لو قلنا به انما يكون خروجا ما داميا، اي ما دامت حياة الموقوف عليه، فلا محالة يرجع الي مالكه بموته، فانه لم يخرج عن ملكه الا الي اجل.

و دعوي ان مقتضي اطلاق ادلة الأرث انتقاله الي ورثة الموقوف عليه.

مندفعة بانها انما تدل علي الأرث فيما هو للميت لاما ليس له بعد موته، و مقيد ملكيته بحياته، فانه ليس مما تركه الميت. و تمام الكلام في محله.

هذا علي القول بخروجه عن ملك الواقف، و الا فهو ملك له من الأول و بموته ينتقل الي ورثته.

و لعل الأظهر ذلك، لأن ما ذكرناه في وجه خروجه عن ملك الواقف في المؤبد- من ان اعتبار الملكية له لغو، و من اطلاق الصدقة عليه لا سيما بما في بعض النصوص من التقييد بالبتلة.

لا يجري في المقام. اما الأول: فواضح، و أما الثاني: فلعدم اطلاقها مع هذا القيد علي الوقف المنقطع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 444

فعلي الأول: لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك، و في جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به (1) و لذا منع الاصحاب كما في الايضاح علي ما حكي عنهم بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء لجهالة مدة العدة، مع عدم كثرة التفاوت.

نعم المحكي عن جماعة كالمحقق و الشهيدين في المسالك و الدروس و غيرهم: صحة البيع في السكني الموقتة بعمر أحدهما بل ربما يظهر من محكي التنقيح: الاجماع عليه،

______________________________

الجهة الثالثة: في جواز بيعه و عدمه.

الظاهر انه ان قلنا بانتقال الوقف الي الموقوف عليه لا ينبغي التوقف في عدم جواز بيعه لعموم ما دل علي عدم جواز بيع الوقف «1» الشامل للمؤبد و المنقطع.

و من الغريب عدم ذكر المصنف قدس سره هذه الجهة مع هذا البسط و الاطناب.

نعم لو قلنا ببقائه علي ملك الواقف لا يبعد دعوي عدم شمول الأدلة المانعة عن البيع له، اما دليل الوقوف فلظهوره في ان المنع عن البيع الذي انشأه الواقف انما هو من خصوصيات انشائه ملكية الموقوف عليهم- اي يملكهم بالملكية الراكدة غير المتعدية عنهم- فلو لم يقع اصل الملك كيف تقع خصوصياته، و أما غيره فللانصراف الي ما لو كان البيع منافيا للوقف.

و علي القول بعدم شمول الأدلة المانعة له يقع الكلام فيما تقتضيه القواعد.

فالحق ان بيع الواقف حينئذ يتصور علي وجوه:

احدها: ان يبيع العين الموقوفة من الأجنبي مع عدم انتقال منافعه إليه، و حيث ان المقتضي للصحة و هو الملك موجود، فلا بد من البحث في المانع، و هو ليس الجهل بمقدار المنفعة التي يستحقها الموقوف عليه للجهل بامد انقضائها- فان الجهل بنفسه و ان كان من الموانع لصحة البيع الا انه الجهل بالمبيع و المنافع ليست داخلة فيه و ان اوجبت زيادة المالية- بل المانع هو الغرر، و قد وجهه المصنف قدس سره.

(1) بقوله بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به.

و اورد عليه المحقق الأصفهاني قدس سره: بانه إذا كان المبيع معلوما ذاتا و وصفا و

تسليما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 445

و لعله اما لمنع الغرر و أما للنص و هو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن نعيم، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكني لرجل في زمان حياته و لعقبه من بعده، قال: هي له و لعقبه من بعده كما شرط، قلت:

فإن احتاج الي بيعها «يبيعها» قال: نعم، قلت: فينقض البيع السكني، قال: لا ينقض البيع السكني، كذلك سمعت ابي يقول: قال أبو جعفر لا ينقض البيع الاجارة و لا السكني و لكن يبيعه علي ان الذي يشتريه لا يملك ما اشتريه حتي ينقضي السكني علي ما شرط الخبر. (1)

و مع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة و ولده و المحقق الثاني، و لو باعه من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف فالظاهر جوازه، لعدم الغرر، و يحتمل العدم لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشتري لا يوجب معرفة المبيع. و كذلك لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه. نعم لو انتقل الي الواقف،

ثمّ باع صح جزما.

______________________________

و كان المجهول وقت التسليم لا يكون ذلك غرريا، و علي فرض التنزل و تسليم صدقه عليه لا دليل علي مبطليته لأن العمدة في مانعيته الإجماع، و هو غير ثابت في المقام.

و فيه: ان الجهل بوقت التسليم و الجهل بمقدار المنفعة موجبان لصدق الغرر.

اما الثاني: فلأن الثمن انما يدفع بازاء العين بلحاظ المنافع، فالجهل بمقدارها موجب للغرر.

و أما الأول: فلأنه كما يصدق الغرر مع الجهل باصل التسليم، كذلك يصدق مع الجهل بوقته.

و دعوي ان

عمدة دليل مانعية الغرر الإجماع غير الشامل للمقام.

مندفعة بان عمدة دليله النبوي «1» المنجبر بالعمل الشامل للمقام.

فالأظهر بحسب القاعدة البطلان.

(1) و أما مصحح الحسن بن نعيم المذكور في المتن الدال علي جواز بيع المالك داره التي جعل سكناها لرجل و لعقبه من بعده، «2» فهو يخصص دليل الغرر، و عليه فان

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

(2) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام السكني و الحبس حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 446

و أما مجرد رضا الموقوف عليهم فلا يجوز البيع من الأجنبي (1) لأن المنفعة مال لهم، فلا ينتقل إلي المشتري بلا عوض، اللهم إلا ان يكون علي وجه الأسقاط لو صححناه منهم أو يكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزعا عليهما، و لا بد ان يكون ذلك علي وجه الصلح، لأن غيره لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما خصوصا مع جهالة المنفعة، و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح من انه لو اتفق الواقف و الموقوف عليه علي البيع في المنقطع جاز، سواء اراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في مسألة السكني، حيث اجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة، كما في السكني علي قول صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال فتأمل.

و تمام الكلام في هذه المسائل في باب السكني و الحبس انشاء الله تعالي و علي الثاني فلا يجوز البيع للواقف لعدم الملك و لا

للموقوف عليه، لاعتبار الواقف بقائه في يدهم إلي انقراضهم. و علي الثالث فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين، كما لا يجوز أيضا للواقف الغير المالك فعلا و ان أجاز الموقوف عليه، إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال

______________________________

امكن القاء الخصوصية يتعدي من مورده الي الوقف المنقطع و يحكم بجواز بيعه و الا فلا.

(1) بقي الكلام في اجازة الموقوف عليه، و ان رضاه ببيع الواقف هل يوجب صحته ام لا؟ و المقصود من ذلك ان تكون عينه و جميع منافعه منتقلة الي المشتري، فلا يلزم الغرر. و الأظهر عدم كفايته، فان المنفعة لا تنتقل الي المشتري لا بلا عوض و لا معه الا بالصلح.

اما عدم انتقالها بلا عوض فلأن الناقل اما هو الهبة أو الأسقاط أو الإبراء، و لا مورد لشي ء منها في المقام، اما الهبة: فلاعتبار تعلقها بالعين، و أما الأسقاط: فلأنه يتعلق بالحق و المنفعة ملك، و أما الإبراء: فلأنه يتعلق بالملك الذمي كالدين و المنفعة ملك خارجي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 447

بناء علي ان الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة لعدم تسلطه علي النقل فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع.

ثمّ أنه قد أورد علي القاضي قدس سره حيث جوز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع، مع قوله ببقاء الوقف المنقطع علي ملك الواقف، و يمكن دفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة، و هو ملك الموقوف عليهم، ثمّ عوده إلي الواقف، إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع، و يتضح ذلك

في مراجعة مسألة في كتاب الوقف. و علي الرابع فالظاهر ان حكمه حكم الواقف المؤبد كما صرح به المحقق الثاني ما حكي عنه،

______________________________

و أما عدم انتقالها بالعوض.

فلأن ناقلها اما الإجارة أو البيع علي قول، و يعتبر في كل منهما عدم الغرر، و في المقام كل من المعاملتين- اي المعاملة التي يوقعها الواقف- اصالة، و التي يوقعها عن الموقوف عليه غررية، و ان كان لا غرر بعد تمامية العقدين فيتعين ان يكون ذلك بعنوان الصلح، و لا بأس به.

الا انه يصح صلح الواقف ماله من العين المجردة عن مقدار من المنفعة من دون حاجة الي اجازة الموقوف عليه.

ثانيها: ان يبيع العين الموقوفة من الموقوف عليهم، و قد افاد المحقق الأصفهاني قدس سره:

انه لا ينبغي النزاع في صحتها بيعا حيث لا غرر و لا جهالة.

و فيه: ان المشتري بعد البيع و ان كان يعلم بماله من العين و المنافع الا ان الميزان في الصحة و الفساد كون البيع بنفسه غرريا و عدمه، و هذا البيع بنفسه غرري، و العلم بعد تحققه بماله لا يوجب عدم صدق الغرر.

أ لا تري انه لو صالح احد الشريكين الذي له مقدار من العين غير المعين شخصا فباعه بعد ذلك الشريك الآخر حصته لا إشكال في صدق الغرر و بطلان البيع، مع ان المشتري بعد البيع يعلم بما انتقل إليه و ان العين بتمامها له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 448

لانه حقيقة وقف مؤبد كما لو صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص. (1) ثمّ ان ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع، فإنما هو بالنسبة إلي البطن الذي لا بطن بعده يتلقي الملك من الواقف. و أما حكم بيع بعض

البطون مع وجود من بعدهم. فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم. و أما علي تقدير القول بملكهم فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا و في الجواز في الصورة التي جوزنا بالاشتراك دليل المنع و الجواز و يتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد البيع.

______________________________

ثالثها: ما إذا انتقلت منفعة العين الموقوفة الي غير الموقوف عليهم ثمّ بيع العين منه،

فان حكم هذه الصورة حكم الصورة المتقدمة.

رابعها: ما إذا انتقلت المنفعة الي الواقف فباع العين، لا إشكال في الصحة لوجود المقتضي و عدم المانع.

هذا كله بناء علي بقائه علي ملك الواقف، و أما لو قلنا بانتقاله الي الموقوف عليه،

فلا يجوز البيع لا للواقف و لا للموقوف عليه و ذلك لوجهين:

الأول: الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

الثاني: ان الواقف لا يجوز له البيع لعدم الملك، و الموقوف عليه لا يجوز له ذلك من جهة ان ملكيته محدودة ليست مرسلة، فان باع و نقل الملكية المرسلة نقل ما ليس له،

و ان نقل الملكية المحدودة بطل من جهة ان البيع هو نقل الملكية المرسلة.

و لا فرق فيما ذكرناه بين عود الملك الي الواقف أو انتقاله الي ورثة الموقوف عليه أو صيرورته في سبيل الله تعالي.

(1) قوله قده: لانه حقيقة وقف مؤبد … الخ و فيه: ان صيرورة الوقف في سبيل الله ان كانت بانشاء الواقف كان مقتضاه حبس العين و صرف منافعها في سبيل الله تعالي، و ان كانت من جهة انقضاء امد ملك الموقوف عليه لا مانع من صرفها بنفسها في سبيل الله تعالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 449

مسألة: و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا (1)
اشارة

فإن الظاهر بل المقطوع به الاتفاق

علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون،

و حكي عن الخلاف اجماع الفرقة و اخبارهم علي ذلك.

و قد حكي الإجماع عن غيره أيضا، و عن المختلف في باب تزويج الأمة المرهونة انه ارسل عن النبي صلي الله عليه و آله: ان الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف (2).

______________________________

بيع العين المرهونة

(1) قوله من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا.

في بيع العين المرهونة اقوال:

الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، اختاره بعض المحققين من المتأخرين.

الصحة مع الوقوف علي الإجازة، أو سقوط حقه، باسقاطه، أو بالفك، ذهب إليه الشيخ، و ابن حمزة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم.

البطلان، و هو الظاهر من عبائر جماعة من القدماء و غيرهم، و صرح به صاحب المقابيس قدس سره.

و الكلام يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يصح بيع الراهن مستقلا ام لا.

الثاني: في انه علي فرض عدم الصحة كذلك هل يبطل رأسا ام يمكن تصحيحه بالإجازة أو سقوط حق المرتهن بالإسقاط أو الفك.

اما المقام الأول: فقد استدل لعدم الصحة:

بالإجماع علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.

(2) و بالمرسل عن النبي صلي الله عليه و آله الراهن و المرتهن ممنوعان عن التصرف في الرهن «1» المنجبر ضعفه بالعمل.

و بقاعدة السلطنة «2». إذا لبيع ينافي سلطنة المرتهن علي حقه.

______________________________

(1) المستدرك- باب 17- من ابواب كتاب الرهن حديث 6.

(2) البحار 2- ص 272 الطبع الحديث- و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 450

و انما الكلام في ان بيع الراهن هل يقع باطلا من اصله؟ أو يقع موقوفا علي الاجازة؟ أو سقوط حقه باسقاطه أو بالفك، فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم الأول، الا ان صريح الشيخ في النهاية، و

ابن حمزة في الوسيلة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم: هو كونه موقوفا، و هو الاقوي للعمومات السليمة عن المخصص (1) لان معقد الاجماع و الاخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال كما يشهد به عطف المرتهن علي الراهن مع ما ثبت في محله

______________________________

و في الجميع نظر.

اما الأول: فلأن هذا الإجماع ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام، بل منشؤه منافاة البيع لحق المرتهن.

و بعبارة اخري: معقد الإجماع هو عدم استقلال المالك في التصرفات المنافية لحق المرتهن، و من صرح بالبيع فانما هو من جهة انه رأي منافاته لحق المرتهن، و عليه فحيث ان البيع ليس منافيا لحقيقة الرهن و لحق المرتهن. إذ لا يعتبر في العين المرهونة ان تكون ملكا للراهن، و قد اتفقوا علي جواز استعارة عين للرهن، فإذا جاز ذلك ابتداء جاز بالاولي بيع العين المرهونة، فتنتقل العين المرهونة الي المشتري، و يكون حق الرهانة باقيا متعلقا بها. نعم مع جهل المشتري بالحال يثبت له الخيار.

و أما الثاني: فلأن التصرف فيه لا يعم التصرف الاعتباري كالبيع كما حقق في مبحث الفضولي.

مع انه علي فرض الشمول ان النهي عنه متعلق بعنوان جامع بين التصرف الاعتباري و الخارجي، و لا يكون ظاهرا في الإرشاد، بل هو ظاهر في المبغوضية و الحرمة النفسية. و قد مر في اول الجزء الاول عدم دلالة النهي عن المعاملة علي الفساد.

و أما الثالث: فلما عرفت آنفا من ان البيع ليس منافيا لسلطنة المرتهن علي حقه،

فالأظهر هي الصحة و النفوذ و عدم الوقوف علي الإجازة، أو سقوط حق المرتهن.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف قدس سره للصحة مع الإجازة بوجوه:

(1) الاول العمومات السليمة عن المخصص، فان

معقد الاجماع و الاخبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 451

من وقوع تصرف المرتهن موقوفا لا باطلا، و علي تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين علي خلافه. هذا كله مضافا علي ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالاجازة، معللا بأنه لم يعص الله. و إنما عصي سيده (1) إذ المستفاد منه ان كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع، و حصول الرضا، و ليس ذلك كمعصية الله اصالة في ايقاع العقد التي لا يمكن ان يلحقها رضي الله تعالي.

______________________________

الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال.

و اورد عليه المحقق الايرواني: بان بيع الراهن خارج عن العمومات بالقطع،

و المتيقن و ان كان خروج ما قبل الإجازة من المرتهن الا انه لا مجال للتمسك بها بعدها لعدم عموم ازماني فيها، بل عمومها افرادي فقط بازاء كل عقد ايجاب واحد للوفاء لا إيجابات متعددة، حتي إذا خرج الفرد في زمان صح التمسك بها في زمان آخر.

و فيه: ان خروج فرد في زمان ان كان لأجل مانع و كان ذلك المانع مقرونا بالعقد و من حين تحققه فارتفع ذلك المانع لا مانع من شمول الدليل له بعد ارتفاع المانع،

و الكبري التي اشار إليها لو تمت انما هي فيما إذا كان خروج الفرد في الأثناء كما حقق في محله.

فالانصاف انه بناء علي كون حق الرهانة من الحقوق القابلة للارتفاع باذن من له الحق كما هو الحق، و لذا يجوز بيع الرهن باذن المرتهن إذا اجاز المرتهن و ارتفع المانع عن تأثير العقد و صحته.

صح بمقتضي العمومات.

(1) الثاني: ان المستفاد من تعليل صحة نكاح العبد بالاجازة بانه لم يعص الله و انما

عصي سيده «1». ان كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع و حصول الرضا.

و اورد عليه: بان الحقوق مختلفة، فبعضها قابل للارتفاع باذن من له الحق، و بعضها

______________________________

(1) الوسائل- باب 24 من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 452

هذا كله مضافا الي فحوي ادلة صحة الفضولي (1) لكن الظاهر من التذكرة، ان كل من ابطل عقد الفضولي ابطل العقد هنا. و فيه نظر لأن من استند في البطلان في الفضولي الي مثل قوله صلي الله عليه و آله: لا بيع الا في ملك. لا يلزمه البطلان هنا، بل الاظهر ما سيجي ء عن ايضاح النافع من ان الظاهر وقوف هذا العقد. و ان قلنا ببطلان الفضولي، و قد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان،

متمسكا بظاهر الاجماعات و الاخبار (2) المحكية علي المنع و النهي،

______________________________

لا يقبل ذلك كحق الاستيلاد و الوقف و نحوهما.

و كون الرهن من قبيل الأول غير ثابت، و مع عدم احرازه لا سبيل الي الاستدلال بعموم العلة.

و فيه: ان المستفاد من ما دل علي كفاية اذن المرتهن و ان به يجوز البيع كونه من قبيل الأول.

(1) الثالث: فحوي ادلة «1» صحة الفضولي.

اورد عليه المحقق الايرواني قدس سره: بان من المحتمل كون هذا الحق من قبيل حق ام الولد موجبا لفساد البيع، فلا اولوية، بل و لا المساواة.

و فيه: انه قد عرفت عدم كونه من قبيل حق ام الولد و كونه من الحقوق القابلة للارتفاع، و عليه فالاولوية واضحة، فان في بيع مال الغير جهتين مانعتين عن الصحة و اللزوم: احداهما: فقدان رضا المالك. و ثانيتهما: عدم استناد البيع

الي المالك. و في المقام ينحصر المنع بالجهة الأولي فلا محالة يكون اولي.

و قد استدل صاحب المقابيس قدس سره لما ذهب إليه من البطلان بما يرجع محصله الي وجوه:

(2) منها: ان المستفاد من ظاهر الاجماعات و الاخبار المحكية تعلق النهي بالمعاملة لأمر داخل راجع الي احد العوضين لاستحقاق المرتهن اياه لا لأمر خارج كما في البيع وقت النداء، و النهي في المعاملات إذا كان كذلك يقتضي الفساد.

______________________________

(1) راجع مبحث الفضولي من هذا الكتاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 453

قال: و هو موجب للبطلان و ان كان لحق الغير إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد، لا لأمر خارج منه و هو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاه في بيع الوقف و أم الولد و غيرهما مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير، ثمّ اورد علي نفسه بقوله:

فإن قلت فعلي هذا يلزم بطلان عقد الفضولي (1) و عقد المرتهن مع ان كثيرا من الاصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن في المنع كما دلت عليه الرواية فيلزم بطلان عقد الجميع أو صحته فالفرق تحكم.

قلنا ان التصرف المنهي عنه ان كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم و لا يحل له الاجازة المتعقبة و ان كان عقدا أو ايقاعا فإن وقع بطريق الاستقلال لا علي وجه النيابة عن المالك. فالظاهر انه كذلك، كما سبق في الفضولي، و الا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما، و قد لا يكون كذلك.

و كذا الصادر عن المرتهن ان وقع بطريق الاستقلال المستند الي البناء علي ظلم الراهن و غصب حقه، أو الي زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه، و ان كان بقصد النيابة عن الراهن في

مجرد اجراء الصيغة فلا يزيد عن عقد الفضولي،

فلا يتعلق به نهي اصلا (2)

______________________________

(1) ثمّ اورد علي نفسه: بانه علي هذا يلزم البناء علي بطلان بيع الفضولي

(2) و اجاب عنه: بان الفضولي ان باع علي وجه الاستقلال بطل لذلك، و ان باع علي وجه النيابة عن المالك- حيث انه لا يعد تصرفا عرفا- فلا يكون منهيا عنه، فلا يكون باطلا، و لا يعقل في المقام النيابة و البيع الاستقلالي تصرف عرفا.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم دلالة الأدلة المشار إليها علي حرمة البيع.

و ثانيا: ان النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد.

و ثالثا: ان ما ذكره من القسمين يتصور في بيع الراهن، فانه يمكن ان يبيع رجاء لإجازة المرتهن و لا ينوي الاستقلال.

و رابعا: انه قد عرفت صحة بيع الفضولي و ان كان علي وجه الاستقلال لو تعقبه الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 454

و أما المالك فلما حجر علي ماله برهنه، و كان عقده لا يقع الا مستندا الي ملكه و انحصار المالكية فيه، و لا معني لقصده النيابة فهو منهي عنه، لكونه تصرفا مطلقا و منافيا للحجر الثابت عليه، فيخصص العمومات بما ذكر، و مجرد الملك لا يقضي بالصحة، إذ الظاهر بمقتضي التأمل ان الملك المسوغ للبيع هو ملك الاصل مع ملك التصرف فيه، و لذا لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا للمنع عن التصرف، ثمّ قال و بالجملة فالذي يظهر بالتتبع في الأدلة ان العقود ما لم تنته الي المالك، فيمكن وقوعها علي اجازته.

و أما إذا انتهت الي اذن المالك أو اجازته أو صدرت منه و كان تصرفه علي وجه الاصالة فلا تقع علي وجهين، بل تكون

فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان وضع العقد علي اللزوم. (1) و أما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح من قوله: لم يعص الله و انما عصي سيده الخ. فهو جار فيمن لم يكن مالكا، كما ان العبد لا يملك امر نفسه. و أما المالك المحجور عليه فهو عاص لله بتصرفه (2) و لا يقال انه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا. و انما منع الله من تفويت حقه بالتصرف،

و ما ذكرناه جار في كل مالك متمول لأمر نفسه إذا حجر علي ماله لعارض كالفلس و غيره، فيحكم بفساد الجميع

______________________________

(1) و منها: ان البيع ان صدر عن غير المالك، وقوعه موقوفا علي الاجازة،

فان له بقاء، و بالإجازة يستند الي المالك فتشمله العمومات. و ان صدر عن المالك فلا مورد لتوقفه علي اجازة شخص آخر، فاما ان يصح، أو يبطل و لا ثالث. و حيث انه لا يمكن الالتزام بالصحة لكونه منافيا لحق الرهانة، فلا بد من البناء علي البطلان.

و فيه: انه حيث يكون للعقد بقاء، فإذا صدر عن المالك و لم يؤثر لاقترانه بالمانع،

فان ارتفع المانع يؤثر اثره.

(2) و منها: ان التعليل الوارد في نكاح العبد بغير اذن سيده من قوله عليه السلام: انه لم يعص الله و انما عصي سيده. «1» يدل علي الفساد في المقام، فانه يدل علي ان عصيان الله عالي موجب للفساد، و عصيان غيره لا يوجب البطلان لإمكان ارتفاعه كما في نكاح

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 455

و ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة (1)

فالقول بالبطلان هنا كما اختاره اساطين الفقهاء هو الاقوي، انتهي

كلامه رفع مقامه.

و يرد عليه بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير علي وجه الاستقلال،

و بيعه علي وجه النيابة، و منع اقتضاء مطلق النهي لا لأمر خارج للفساد:

اولا: أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن، فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن،

______________________________

العبد و بيع غير المالك، و في المقام من جهة كونه محجورا عليه يكون عاصيا لله تعالي بتصرفه، و لا يقال انه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا و انما منع الله من تفويت حقه بالتصرف، فيكون بيعه فاسدا.

و فيه: ان المراد من العصيان فيه ليس هو العصيان التكليفي، و الا عصيان السيد عصيان لله تعالي لأنه امر باطاعته و نهي عن مخالفته، بل المراد به العصيان الوضعي،

فيكون مفاد التعليل انه كلما كان عدم الصحة لرعاية حق الغير القابل للإسقاط يمكن تصحيح المعاملة باسقاطه.

و في المقام حيث ان عدم الصحة انما يكون لرعاية حق المرتهن فيمكن تصحيحه باجازته أو سقوط حقه، فالأظهر هي الصحة في هذا المقام ايضا.

(1) قوله ربما يتّجه الصّحّة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة.

لا يخفي ان صاحب المقابيس قدس سره، لما حكم ببطلان بيع المالك المحجور.

توجه الي اشكال، و هو ان لازم ذلك بطلان بيع السفيه مع انهم حكموا بصحته لو اجازه الولي.

و اجاب عن ذلك بانه يتجه الصحة فيه من جهة ان المنع عن بيعه ليس رعاية لحق الغير بل رعاية لمصلحة نفسه.

و بهذا يظهران عبارة الكتاب غلط، و الصحيح هكذا- و ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة نفسه كالسفه.

و أما قول فالقول بالبطلان هنا، فهو راجع الي ما قبل ربما.

و فيه: انه لو كان منشأ البطلان الوجه الثاني الذي نقلناه

عنه، و هو ان بيع المالك لا يتصور فيه الوقوف علي الاجازة، بل اما ان يقع باطلا أو صحيحا، اتجه البناء علي البطلان في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 456

و لا ينوي الاستقلال. و قد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا، و لا حرمة في شي ء من ذلك.

و ثانيا: ان المتيقن من الاجماع و الاخبار علي منع الراهن كونه علي نحو منع المرتهن، علي ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع و الاخبار، اعني قولهم الراهن و المرتهن ممنوعان.

و معلوم ان المنع في المرتهن انما هو علي وجه لا ينافي وقوعه موقوفا.

و حاصله يرجع الي منع العقد علي الرهن و الوفاء بمقتضاه علي سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك، و اثبات المنع ازيد من ذلك يحتاج الي دليل، و مع عدمه يرجع الي العمومات. و أما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلي الفرق بينهما، فلم أتحقق الفرق بينهما بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير، فإن منع الله جل ذكره من تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي و نكاح العبد، و بيع الراهن. و أما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أم الولد. ففيه ان الحكم فيهما تعبد و لذا لا يؤثر الاذن السابق في صحة البيع،

فقياس الرهن عليه في غير محله.

و بالجملة فالمستفاد من طريقة الاصحاب، بل الاخبار: ان المنع من المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي اذنه السابق لا يقتضي الابطال رأسا، بل انما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الاثر عليه مستقلا من دون

مراجعة ذي الحق، و يندرج في ذلك الفضولي و عقد الراهن و المفلس و المريض و عقد الزوج لبنت اخت زوجته أو اخيها و للأمة علي الحرة و غير ذلك. فإن النهي في جميع ذلك انما يقتضي الفساد، بمعني عدم ترتب الاثر المقصود من العقد عرفا، و هو صيرورته سببا مستقلا لآثاره، من دون مدخلية رضاء غير المتعاقدين.

و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع (1) هنا بناء علي ما سيجي ء من ان ظاهر هم كون الاجازة هنا كاشفة، حيث انه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشتري رهنا للبائع.

______________________________

و هاهنا اشكالان آخران علي القول بالصحة موقوفا علي الإجازة توهم اختصاصهما بالمقام دون سائر اقسام الفضولي:

احدهما: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله.

(1) و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 457

و بعبارة اخري الرهن و البيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد اعني ما قبل الاجازة. و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا، ثمّ ملكه (1) من انه علي تقدير صحة البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع، و يدفعه ان القائل يلتزم بكشف الاجازة عن عدم الرهن في الواقع، و الا لجري ذلك في عقد الفضولي ايضا، لأن فرض كون المجيز ملكا للمبيع نافذ الاجازة يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الاجازة. و أما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه، فلا يلزم في مسألة اجازة المرتهن. نعم يلزم في مسألة افتكاك الرهن و سيجي ء التنبيه عليه انشاء الله تعالي.

______________________________

و حاصله: انه بناء علي الكشف يلزم ان يكون مال غير الراهن وثيقة للدين من غير رضا صاحبه، إذ الاجازة تكشف عن ملك المشتري

للعين المرهونة من حين البيع فلا بد اما من البناء علي بطلان البيع أو بطلان الرهانة.

و فيه: ان القائل بالكشف يلتزم ببطلان الرهانة من حين صدور البيع و لا يلزم محذور، مع ان هذا الايراد مشترك الورود، فانه في المقام ان لزم اجتماع ملك الغير مع الرهن لزم اجتماع مالكين علي شي ء واحد في سائر اقسام الفضولي.

ثانيهما: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه.

و حاصله: ان المقام يدخل في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه، غاية الفرق انه في تلك المسألة يصير البائع الفضولي مالكا للمبيع، و في المقام يصير مالكا للبيع.

و فيه: انه علي الكشف نلتزم بكشف الإجازة عن حصول الملكية من حين العقد.

بيان فائدة اجازة المرتهن

و تمام الكلام في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأولي: قد يقال: ان اجازة المرتهن لا شأن لها في المقام الامن جهة دلالتها علي سقوط حق المرتهن، إذ الإجازة في عقد الفضولي انما تؤثر في استناد العقد الي المالك،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 458

ثمّ ان الكلام في كون الاجازة من المرتهن كاشفة و ناقلة، هو الكلام في مسألة الفضولي (1).

ه لصحمو ان مقتضي القاعدة النقل، الا ان الظاهر من بعض الاخبار هو الكشف و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوي (2) لأن إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي و هي هنا من قبيل رفع المانع

______________________________

و بها يصير مخاطبا ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و المرتهن لا يمكن توجه هذا الخطاب إليه فلا اثر لإجازته.

و لكنه يمكن دفعه: بان المرتهن و ان لم يكن مالكا للعين الا ان له حقا متعلقا بها،

فله سلطنة عليها من جهة كونها موضوعة حقه، و عليه فله اعمال هذه السلطنة

في موضوع حقه بان يجيز العقد و يمضيه و ان يرد العقد و يحله، و عدم توجه خطاب أَوْفُوا إليه لا يصلح مانعا عن كون اجازته مؤثرة في العقد و موجبة لتمامية اركانه و مشمولا لأدلة الصحة و النفوذ.

هذا بناء علي القول بالصحة موقوفا علي الإجازة، و أما علي المختار من الصحة بدونها فاجازته لا شأن لها.

(1) الجهة الثانية: في ان اجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة فعلي المختار من صحة عقد الراهن و عدم منافاة البيع لحق الرهانة لا يبقي مجال لهذا النزاع، و لا يترتب علي اجازته شي ء سوي انها بالملازمة تكشف عن اسقاط حقه،

و لا معني لكشف الإجازة عن الأسقاط من حين العقد.

و أما بناء علي توقف الصحة علي الإجازة، فعلي القول بالكشف علي القاعدة نلتزم به في المقام بعين ذلك المناط لا بالأولوية إذ كما يقال في اجازة المالك انها امضاء للعقد من حين حصوله و تكون رضا بمضمونه و هو النقل من حينه.

كذلك يقال في اجازة المرتهن، فانه من جهة تعلق حقه بالعين و ثبوت هذه السلطنة له له الرضا بالعقد و امضائه من حين حدوثه.

و أما ان التزمنا في الفضولي بالكشف علي خلاف القاعدة فلا يمكن البناء علي الكشف في المقام، إذ لا وجه للتعدي.

(2) سوي ما ذكره المصنف قدس سره من الاولوية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 459

و من اجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن (1) مع ان الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة و الاعتذار عن ذلك ببناء العتق علي التغليب، كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني علي العبد المرهون، مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق، مع ان

العلامة قدس سره في تلك المسألة قد جوز العفو مراعي بفك الرهن، هذا إذا رضي المرتهن بالبيع و اجازه. اما إذا اسقط حق الرهن، ففي كون الاسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو ابراء الدين. ثمّ انه لا إشكال في انه لا ينفع الرد بعد الاجازة و هو واضح،

و هل ينفع الاجازة بعد الرد (2) وجهان، من ان الرد في معني عدم رفع اليد عن حقه فله اسقاطه بعد ذلك و ليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معني احد المتعاقدين.

______________________________

بتقريب: ان اجازة المالك اشبه بجزء المقتضي، و هي هنا من قبيل رفع المانع، فإذا كانت اجازة المالك كاشفة كانت اجازة المرتهن اولي بذلك.

و هو غير تام لما ذكرناه مرارا من ان باب العقود غير باب الأسباب الحقيقية و التأثير و التأثر، و انه لا يصح تطبيق اجزاء العلة من المقتضي و الشرط و عدم المانع علي اجزاء العقد و تسميتها باسمائها، فكما ان اجازة المالك دخيلة في الصحة من جهة كونه مالكا للمبيع، كذلك اجازة المرتهن دخيلة فيها من جهة كونه متعلقا لحقه.

مع انه لو سلم كون اجازة المالك جزء المقتضي و اجازة المرتهن من قبيل رفع المانع، لا وجه لأسراء الحكم الثابت للمقتضي لعدم المانع، لأن مناطات الأحكام غير معلومة، فلعل المناط مختص به.

(1) و أما ما ذكره المصنف قدس سره مؤيدا لما ذكره من تجويز الفقهاء عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن مع ان الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة.

فيرد عليه: ان عدم وقوع الايقاعات مراعاة انما قلنا به للإجماع، و حيث انه ليس في ايقاع المالك فلا وجه للبناء علي عدم الوقوع، فهذا ليس تأييدا لما

ذكره.

(2) الجهة الثالثة: في انه هل تنفع الإجازة بعد الرد ام لا؟ الظاهر بناء علي عدم توقف الصحة علي الإجازة- حيث انه لا معني لرده سوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 460

و قد تقرر ان رد احد العاقدين مبطل لانشاء العاقد الآخر بخلافه هنا، فإن المرتهن اجنبي له حق في العين و من ان الايجاب المؤثر انما يتحقق برضا المالك و المرتهن فرضاء كل منهما جزء مقوم للايجاب المؤثر فكما ان رد المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم. كذلك رد المرتهن و هذا هو الأظهر من قواعدهم ثمّ ان الظاهر ان فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة (1) لسقوط حق المرتهن بذلك كما صرح به في التذكرة.

و حكي عن فخر الإسلام و الشهيد في الحواشي و هو الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد بل مطلق السقوط الحاصل بالاسقاط أو الابراء أو بغيرهما نظرا الي ان الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن و سقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه و الفرق بين الاجازة و الفك ان مقتضي ثبوت الحق له هو صحة امضائه للبيع الواقع في زمان حقه، و ان لزم من الاجازة سقوط حقه فيسقط حقه بلزوم البيع.

______________________________

عدم اسقاط حقه- فله الإجازة بعد ذلك و اسقاط حقه. و أما بناء علي توقفها علي الإجازة فان قلنا بان الرد يكون حلا للعقد لم تنفع الإجازة و الا كفت في المقام، و ان لم تكف في الفضولي، فان مدرك عدم كفايتها حينئذ الإجماع، و حيث انه ليس في المقام اجماع،

فالأظهر كفايتها.

و أما ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من: ان الرد انما يؤثر في المقام في

مورد فعلية حق المرتهن، و هو ما إذا حل اجل الدين، و أما لو لم يحل فلا يؤثر، فله الإجازة بعد ذلك.

فيرد عليه: ان حق الرهانة انما يكون ثابتا من الأول و لا ربط له بحلول الدين، و هو موجب لتاثير رده.

حكم عقد الراهن لو سقط حق المرتهن

(1) الجهة الرابعة: إذا عقد الراهن علي المرهون ثمّ سقط حق المرتهن اما بالإسقاط، أو بابراء الدين، أو بادائه. فعلي القول بان حق المرتهن متعلق بالعين لا بالعقد و لا ينافي مع البيع، فمن حيث الصحة لا كلام، و لكن بما انه قد عرفت انه لو كان المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 461

و بالجملة فالاجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير اجازة المالك بخلاف الأسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء فإنه ليس فيه دلالة علي مضيّ العقد حال وقوعه فهو اشبه شي ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما، ثمّ تملكهما (1) و قد تقدم الاشكال فيه عن جماعة مضافا الي استصحاب عدم اللزوم الحاكم علي عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي ان هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص و ليس ذلك محل التمسك بالعام، إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتي يقال ان المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط فيبقي ما بعد السقوط داخلا في العام، و يؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون اذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق الاجازة و لو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح. هذا و لكن الانصاف ضعف الاحتمال المذكور من جهة ان عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس الا لمزاحمة

حق المرتهن المتقدم علي حق المالك بتسليط المالك فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي. و انما هو من جهة المانع فإذا زال اثر المقتضي (2) و مرجع ما ذكرنا الي ان ادلة سببية البيع المستفادة من نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الناس مسلطون علي اموالهم و نحو ذلك عامة

______________________________

جاهلا يثبت له الخيار لو سقط حق الرهانة قبل اعمال خياره.

يقع الكلام في انه هل يسقط خياره ام لا- و سيأتي الكلام في ذلك في خيار العيب في مسألة ما لو زال العيب قبل اعمال الخيار و أما علي القول بالمنافاة و انه لا يصح العقد بدون اجازة المرتهن، فهل يصح البيع لسقوط حقه ام لا؟ وجهان.

قد استدل للبطلان و عدم الصحة بوجوه:

(1) الأول: ان المرتهن كان شريكا في سلطان الراهن و لم يكن الراهن مالكا للبيع مستقلا، فإذا سقط حقه و صار الراهن مالكا للبيع يدخل في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه فعلي القول بالبطلان في تلك المسألة يتعين البناء علي البطلان في المقام.

(2) و اجاب عن ذلك المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره بما حاصله: انه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 462

و خروج زمان الرهن يعلم انه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو اسبق فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم بمناط المستصحب و ارتفاعه (1) فالمقام من باب وجوب العمل بالعام لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم.

و أما قياس ما نحن فيه علي نكاح العبد بدون اذن سيده فهو قياس مع الفارق لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون اذن سيده قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي

النكاح إذ لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا

______________________________

مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه يكون البيع صادرا من غير المالك، فلا مقتضي للصحة، و بعد صيرورته مالكا لم يصدر عنه عقد فيحكم بالفساد. و أما في المقام فليس عدم الأثر لقصور في المقتضي و انما هو من جهة المانع، فإذا زال اثر المقتضي.

و فيه: ما تقدم من ان تطبيق اجزاء العلة من المقتضي و الشرط و عدم المانع علي اجزاء العقد و ما يعتبر فيه لا مورد له لعدم كون باب العقود باب المؤثرات و الآثار، فلا يصح ان يقال الملكية مقتضية، و حق الرهانة مانع، بل كل ما اخذ في العقد يكون اعتباره علي حد سواء، كيف و قد صرح هو قده فيما سبق بان الملكية شرط.

فالحق تمامية هذا الوجه، فيكون المقام علي هذا المسلك نظير من باع شيئا ثمّ ملكه.

الثاني: ان العقد قبل سقوط حق المرتهن لم يكن مشمولا لأدلة الصحة و اللزوم،

و بعده يشك في بقاء حكم الخاص فيجري الاستصحاب، و لا مورد للتمسك بعموم العام لعدم عموم زماني له.

(1) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بانه من جهة العلم بمناط المستصحب و ان الخارج انما يكون من جهة حق الرهانة، فبعد سقوطه لا وجه لإجراء الاستصحاب، و يكون المقام من باب وجوب العمل بالعام.

و فيه: انه قده صرح في الأصول بان العام المخصص في زمان إذا لم يكن له عموم ازماني لا يتمسك به بعد مضي الزمان المتيقن و ان لم يجر الاستصحاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 463

و لأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره، ثمّ انعتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف هذا، و

لكن مقتضي ما ذكرنا كون سقوط حق الرهانة بالفك أو الأسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا و مؤثرا من حينه لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه (1) خصوصا بناء علي الاستدلال علي الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا من ان مقتضي مفهوم الاجازة امضاء العقد من حينه. فإن هذا غير متحقق في افتكاك الرهن فهو نظير بيع الفضولي، ثمّ تملكه للمبيع حيث انه لا يسع القائل بصحته الا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين العقد و الا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الاجازة للتأثير من حين العقد هذا، و لكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف. و قد تقدم عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني علي المرهون ان الفك يكشف

______________________________

فالحق في الجواب ان يقال: ان المقام حيث يكون التخصيص من الأول، تعين الرجوع في غير مورد التخصيص الي عموم العام و ان لم يكن له عموم زماني.

الثالث: ان ظاهر بعض النصوص «1» ان نكاح العبد لا يصح بدون اذن سيده و ان اعتق، و يكون المقام نظير ذلك.

و فيه: ان عدم نفوذ تصرف العبد ليس لأجل كونه تصرفا في مملوك المولي خاصة بل المتصرف ايضا مملوك، و لذا لو كان موضوع التصرف غير مال المولي توقف علي اجازته ايضا.

فالصحيح الاستدلال له بالوجه الأول.

(1) الجهة الخامسة: في ان سقوط حق الرهانة هل يجري فيه نزاع الكشف و النقل ام لا.

الظاهر انه لا بد من البناء علي النقل في المقام، و ان قلنا

بالكشف في الإجازة فان الإجازة امضاء و انفاذ للعقد الذي هو النقل من حينه.

و أما سقوط الحق فهو رفع للمانع، فالعقد من حين السقوط يكون مشمولا لدليل الصحة، فلا وجه للقول بحصول الملكية من الأول.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 464

عن صحته و يدل علي الكشف ايضا ما استدلوا به علي الكشف في الفضولي من ان العقد سبب تام إلي آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد. ثمّ ان لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي لزوم العقد قبل اجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الاصيل فلا يجوز له فسخه بل و لا إبطاله بالاذن للمرتهن في البيع.

نعم يمكن ان يقال بوجوب فكه من مال آخر إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني الا بذلك (1) فالوفاء بمقتضي الرهن غير مناف للوفاء بالبيع و يمكن ان يقال انه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه. و أما رفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب و لذا لا يجب علي من باع مال الغير لنفسه ان يشتريه من مالكه و يدفعه إليه بناء علي لزوم العقد بذلك (2) و كيف كان فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك، و ان لزم من ذلك ابطال بيع الراهن لتقدم حق المرتهن أو يجبر الحاكم الراهن علي فكه من مال آخر جمعا بين حقي المشتري و المرتهن اللازمين علي الراهن البائع وجهان و مع انحصار المال في المبيع فلا اشكال في تقديم حق المرتهن

______________________________

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره في وجه امكان البناء علي الكشف علي القول بالكشف في الإجازة من ان السقوط يكشف عن كون

العقد سببا تاما فيؤثر من الأول.

غير سديد، فان هذا المعني من الكشف لا دليل عليه، و انما التزمنا بالكشف في الإجازة لما اشرنا إليه غير الشامل للمقام.

(1) الجهة السادسة: بناء علي توقف صحة عقد الراهن علي الإجازة أو سقوط حق الرهانة لو اوجد العقد الراهن هل يجب عليه فك الرهن من مال آخر- إذ لا يتم لوفاء بالعقد الثاني الا بذلك.

ام لا يجب، فانه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه و أما رفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب؟ وجهان.

(2) اختار المصنف قدس سره الثاني: و قاس المقام بمن باع شيئا ليس له، فانه لم يلزم احد بوجوب شرائه من مالكه و دفعه الي المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 465

______________________________

و لكن الأظهر لزوم الفك، و ذلك لأنه يجب عليه اداء الدين، و هو انما يكون ببيع العين المرهونة و اداء الدين منها أو ادائه من مال آخر و فك الرهن بذلك، فحيث انه باعها و يجب عليه الوفاء به فليس له بيعها بشخص آخر، فيتعين الأداء من مال آخر وفاء بالعقد.

و بهذا يظهر الفرق بين المقام و بيع الفضولي، نعم لو باع الراهن قبل حلول اجل الدين لا يجب عليه الفك قبله لما ذكره ره. فالأظهر هو التفصيل، فتدبر حتي لا تبادر بالأشكال.

تم الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة و يتلوه في الطبع الجزء الخامس انشاء الله تعالي و الحمد لله اولا و آخرا.

الجزء الخامس

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة و علي آله العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية

الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد،

فهذا هو الجزء الخامس من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه و المرجو من الله تعالي التوفيق لنشر بقية المجلدات فانه ولي التوفيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 5

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة القول في شرائط العوضين]

مسألة: الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم، (1)
اشارة

فإن الظاهر الاجماع علي اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد و في التذكرة انه اجماع. و في المبسوط الاجماع علي عدم جواز بيع السمك في الماء و لا الطير في الهواء.

و عن الغنية انه انما اعتبرنا في المعقود عليه ان يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء و الطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف

______________________________

اعتبار القدر علي التسليم.

(1) قوله الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم و قبل الشروع في اقامة الدليل علي اعتبار هذا الشرط ينبغي تقديم امور:

الأول: ان ذكر هذا الشرط في شروط العوضين، مع ان القدرة قائمة بالمتعاقدين،

و هذا يناسب جعلها من شروط المتعاقدين لعله من جهة ان عدم القدرة علي التسليم بحسب الغالب يكون من جهة قصور في العين كالطير الطائر و العبد الآبق و نحوهما، بل ربما يقال انه إذا كان عدم القدرة علي التسليم من ناحية قصور العاقد- كما لو تعاوضا علي عين معينة و هما في السجن و لا يرجي اطلاقهما منه- لا يكون ذلك مانعا عن صحة البيع.

و أما ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في وجه ذلك من ان القدرة مناط مالية المال، فمع عدمها لا يكون مالا عند العقلاء فيرد عليه: ما ستعرف من ان العجز لا يوجب سلب المالية.

الثاني: ان محل الكلام هو العجز عن التسليم من حين تحقق العقد، فلو كان حين حدوثه قادرا علي

التسليم و طرأ العجز يدخل ذلك في طرو العيب الموجب لثبوت الخيار.

و بهذا ظهر الفرق بين تعذر التسليم الذي هو مانع عن صحة البيع، و تعذره الموجب للخيار.

و لعل هناك فرقا آخر، و هو انه إذا كان البائع غير قادر و لكن كان المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 6

و استدل في التذكرة علي ذلك بأنه نهي النبي (صلي الله عليه و آله) عن بيع الغرر (1) و هذا غرر و النهي هنا يوجب الفساد اجماعا علي الظاهر المصرح به في موضع من الايضاح و اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة يجبر ارساله اما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير

______________________________

قادرا علي التسلم، يثبت الخيار.

و ان كان هو ايضا غير قادر بطل العقد. و سيأتي الكلام في ذلك فانتظر.

و من هنا ظهر الأمر الثالث، و هو ان محل الكلام عجز البائع و المشتري عن ذلك،

و أما إذا كان المشتري قادرا علي التسلم فهو خارج عن المقام. و سيأتي حكمه.

إذا عرفت هذه الأمور.

فاعلم: انه قد تكرر من الفقهاء دعوي الإجماع علي اعتبار هذا الشرط، بل يظهر من الانتصار ان عليه اجماع العامة و لم يذكر الخلاف عن احد سوي الفاضل القطيفي.

و قد استدل لاعتباره بوجوه.

(1) الأول: النبوي المشهور بين الفريقين- بل قيل انه اجمع عليه المخالف و المؤلف-:

نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر «1».

و تنقيح القول في هذا الحديث الشريف يقتضي البحث في جهات:

الأولي: في سنده. و الظاهر انه من اقضية النبي صلي الله عليه و آله المروية من طرق اهل السنة برواية عبادة بن صامت مجتمعة، و هي بعينها مروية من طرقنا برواية عقبة متفرقة علي حسب تفرق الابواب.

و

علي اي تقدير مع اعتماد الأصحاب عليه و تلقيهم اياه بالقبول و افتائهم مستندا إليه لا يبقي مجال الاشكال في سنده.

الجهة الثانية: في معني الغرر و تطبيقه علي بيع ما لا يقدر علي تسليمه. و قد ذكروا

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3- و المستدرك باب 31 من ابواب آداب التجارة حديث 1-

الدعائم ج 2- ص 19 سنن بيهقي ج 5 ص 338- و سنن الترمذي ج 3 ص 532- و اخرجه مسلم في صحيحه ج 5 ص 3

- و ابو داود في كتاب البيوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 7

من الفقهاء و اهل اللغة حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء مع ان معني الغرر علي ما ذكره اكثر اهل اللغة صادق عليه و المروي عن امير المؤمنين عليه السلام انه عمل ما لا يؤمن معه من الضرر.

و في الصحاح الغرة الغفلة و الغار الغافل و اغره اي اتاه علي غرة منه و اغتر بالشي ء اي خدع به و الغرر الخطر و نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر و هو مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء إلي ان قال: و التغرير حمل النفس علي الغرر، انتهي.

و عن القاموس: ما ملخصه غره غرا و غرورا وغرة بالكسر فهو مغرور و غرير كامير خدعه و أطمعه في الباطل إلي ان قال غرر بنفسه تغريرا أو تغره أي عرضها للهلكة و الاسم الغرر محركة إلي ان قال: و الغار الغافل، و اغتر غفل و الاسم الغرة بالكسر، انتهي.

و عن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر بالغفلة انه نهي عن بيع الغرر و هو ما

كان له ظاهر يغر المشتري و باطن مجهول، و قال الازهري: بيع الغرر ما كان علي غير عهدة و لا ثقة و يدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول و قد تكرر في الحديث و منه حديث مطرف ان لي نفسا واحدة و اني لأكره ان اغربها اي احملها علي غير ثقة و به سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل الانسان علي محابه و وراء ذلك ما يسوؤه، انتهي.

______________________________

في تفسير الغرر امورا: الغفلة، و الخديعة، و الخطر، و عمل ما لا يؤمن معه من الضرر، و ما كان علي غير عهدة و ثقة، و ما له ظاهر محبوب و باطن مكروه. و قد افاد بعض المحققين: ان هذه التفاسير ليست كلها بيانا للمعني الحقيقي، بل بعضها بيان مفهومه، و بعضها الآخر بيان لازمه الدائمي، و بعضها بيان لازمه الغالبي، و بعضها بيان لمورده.

و معناه الحقيقي: ما يساوق الخديعة، و لازمه الدائمي هو الغفلة، و لازمه الغالبي هو الخطر و الوقوع في الضرر، و المنخدع لا يكون علي عهدة و ثقة، و مورده ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه.

و الحق ان يقال: ان لمادة الغرر معان ثلاثة لا جامع بينها اصلا علي ما يظهر من كتب اللغة.

لأن ما يكون بمعني الغفلة انما هو المعني المشتقي اللازم و هو غر يغر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 8

و قد حكي ايضا عن الاساس و المصباح و المغرب و الجمل و المجمع تفسير الغرر بالخطر ممثلا له في الثلاثة الاخيرة ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء. و في التذكرة ان اهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين و مراده من التفسير التوضيح بالمثال و

ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير كما يظهر بالتأمل.

و بالجملة فالكل متفقون علي اخذ الجهالة في معني الغرر سواء تعلق الجهل بأصل وجوده ام بحصوله في يد من انتقل إليه ام بصفاته كما أو كيفا. و ربما يقال ان المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه و عدمه ضرورة حصوله في بيع كل غائب خصوصا إذا كان في بحر و نحوه، بل هو اوضح شي ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما.

و الحاصل ان من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة إلي التسلم و عدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر و فيه ان الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري اعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقييد كلام اهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين و احتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات هذا مضافا إلي استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي

______________________________

بكسر الغين، و مصدره الغرة بالكسر، و اسم فاعله الغار بمعني الغافل، و لا يكون له اسم مفعول لكونه لازما.

و ما يكون بمعني الخدعة انما يكون متعديا و هو غر يغر بضم الغين و اسم مفعوله المغرور، و غرير صفة مشبهة، و اسم مفعول هذا الباب يلازم مع اسم فاعل ذلك الباب،

فالمغرور، يلازم مع كونه غافلا، و مصدره غرور، و المستعمل في القرآن الكريم انما هو المعني الثاني، و لا جامع بين البابين.

و أما لفظ الغرر فلم يستعمل في شي ء منهما، و انما

هو بمعني الخطر، و لا يكون معناه حدثيا اشتقاقيا، بل هو جامد كما صرح بذلك في الأساس و المصباح و المغرب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 9

المذكور علي اعتبار القدرة علي التسليم كما يظهر من الانتصار حيث قال: فيما حكي عنه و مما انفردت به الامامية القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة و لا يشتري وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري و خالف باقي الفقهاء في ذلك و ذهبوا إلي انه لا يجوز بيع الآبق علي كل حال إلي ان قال: و يعول مخالفونا في منع بيعه علي انه بيع غرر و ان نبينا صلي الله عليه و آله نهي عن بيع الغرر إلي ان قال: و هذا ليس بصحيح لأن هذا البيع يخرجه عن ان يكون غررا انضمام غيره إليه، انتهي.

و هو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي علي اشتراط القدرة علي التسليم. و الظاهر اتفاق اصحابنا ايضا علي الاستدلال به كما يظهر للمتتبع و سيجي ء في عبارة الشهيد التصريح به، و كيف كان، فالدعوي المذكورة مما لا يساعدها اللغة و لا العرف و لا كلمات اهل الشرع و ما ابعد ما بينه و بين ما عن قواعد الشهيد رحمه الله

______________________________

و الجمل و المجمع و القاموس، و قد فهم العلماء قدس الله اسرارهم منه ذلك، و لذا افاد المحقق المشار إليه انه انما يحمل الغرر في الخبر علي الخطر لفهم العامة و الخاصة لاتفاقهم ظاهرا علي ذلك كما يتضح بالمراجعة الي استدلالات الفريقين في ابواب المعاملات.

و بالجملة: الغرر بحسب تصريح اللغويين و فهم اهل العرف و العلماء انما هو بمعني الخطر.

فان قبل انه إذا كان جامدا فكيف يقال: غرر يغرر تغريرا.

اجبنا عنه:

بان بعض الجوامد بواسطة بعض ابواب المزيد فيها يصير مشتقا كالماء المشمس و التحجير و غيرهما.

و المقام من هذا القبيل، فمعني غرر بنفسه اوقعه في الخطر.

و ما عن القاموس من تفسير غرر بنفسه عرضها للهلاكة، انما هو من جهة ان خطر النفس هو الهلاكة، و ما فيه من ان الاسم الغرر مراده منه ان اللفظ الأصلي هو معني اسمي غير قابل الاشتقاق و هو الغرر، و ما عن الامام علي (عليه السلام) من تفسير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 10

حيث قال: الغرر ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه قاله بعضهم و منه قوله تعالي:

(متاع الغرور) و شرعا هو جهل الحصول (1) و مجهول الصفة فليس غررا و بينهما عموم و خصوص من وجه لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل أو وصف الآن و وجود الجهل بدون الغرر في المكيل و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر.

و قد يتوغّل في الجهالة كحجر لا يدري اذهب ام فضة ام نحاس ام صخر و يوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود و تارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود و بالجنس

كحب لا يدري ما هو و سلعة من سلع مختلفة و بالنوع كعبد من عبيد و بالقدر ككيل لا يعرف قدره و البيع الي مبلغ السهم و بالعين كثوب من ثوبين مختلفين و بالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الاصحاب. و لو اشترط ان يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا و الغرر قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين

و هو ممتنع اجماعا و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلته كأس الجدار و قطن الجبة و هو معفو عنه اجماعا و نحوه اشتراط الحمل و قد يكون مرددا بينهما و هو محل الخلاف كالجزاف في مال الاجارة

______________________________

الغرر بعمل لا يؤمن معه من الضرر، غير ثابت، و لم يحرز صدوره عنه، و لو سلم الصدور لا بد من تأويله لعدم كون الغرر بمعني العمل علي اي تقدير.

و قد يقال: ان بيع ما لا يقدر علي تسليمه لا يكون غرريا بعد كون المبيع معلوما ذاتا و وصفا، و انما يكون الغرر و الخطر من ناحية الآثار الخارجية، اي التسليم و التسلم.

و فيه: ان الملكية المجردة لا يترتب عليها شي ء و لا يبذلون العقلاء بازائها شيئا،

فالبيع عليها غرري، و ما ابعد ما بين هذه الدعوي. و ما ادعاه الشهيد قدس سره.

(1) من اختصاص الغرر بمجهول الحصول، و ان كان هو ايضا لا يخلو عن محذور،

و يؤيد ما ذكرناه تمثيل اهل الفن للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء، و عن ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه و آله: لا تشتر السمك في الماء فانه غرر. فلا ينبغي التوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 11

و المضاربة و الثمرة قبل بدو الصلاح و الآبق بغير ضميمة، انتهي.

و في بعض كلامه تأمل ككلامه الآخر في شرح الارشاد حيث ذكر في مسألة تعين الاثمان بالتعيين الشخصي عندنا قالوا يعني المخالفين من العامة تعينها غرر فيكون منهيا عنه. اما الصغري فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع.

و أما الكبري فظاهرة الي ان قال قلنا: انا نمنع الصغري لأن الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف بحيث لو تركه و بخّ

عليه و ما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه،

انتهي.

فإن مقتضاه انه لو اشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا لأن العقلاء يقدمون علي الضرر القليل رجاء للنفع الكثير. و كذا لو اشتري المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس بناء علي المعروف من تحقق الغرر

بالجهل بالصفة. و كذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالاولي ان هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية الي التنازع في المعاملات و ليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء أو المتسفهة

______________________________

في صدق الغرر و الخطر علي بيع ما لا يقدر علي تسليمه.

الجهة الثالثة: في بيان مفاد النهي.

الظاهر ان النهي عن المعاملة كما عرفت في اول الجزء الاول من هذا الشرح ظاهر في كونه ارشادا الي الفساد، فإذا ظاهر ذلك هو فساد البيع الغرري.

الجهة الرابعة: انه قد يقال: بان المانع عن الصحة ان كان هو الغرر فهو يمكن دعوي ارتفاعه بوجوه:

احدها: انه لو اشترط الخيار برد العوض مع عدم وصول المعوض إليه لا يكون هناك غرر.

و فيه: ان نفوذ الشرط مشروط بكونه في ضمن العقد الصحيح، فلا يعقل تصحيح العقد به.

ثانيها: انه مع تعذر تسليم المبيع له خيار التعذر، فله الفسخ و استرجاع الثمن.

و فيه: ان الخيار انما يثبت في العقد الصحيح، فكيف يصحح العقد به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 12

ثمّ انه قد حكي عن الصدوق في معاني الاخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة بكونها غررا مع انه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة بناء علي ما

فسر به من انه قول احدهما لصاحبه انبذ الي الثوب أو انبذه اليك فقد وجب البيع، و بيع الحصاة بأن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، و لعله كان علي وجه خاص يكون فيه خطر و الله العالم.

______________________________

ثالثها: انه بالفحص اما ان يحصل في يده، أو يصير مأيوسا من ذلك، فيكون بمنزلة التلف الموجب لانفساخ العقد الموجب لرجوع الثمن الي صاحبه، فهو مامون العاقبة من الخطر، لأنه اما ان يصل إليه المبيع أو بدله.

و قد ظهر الجواب عن ذلك مما تقدم، إذ الحكم بالانفساخ فرع صحة العقد.

رابعها: انه مع امتناع تسليم المبيع للمشتري الامتناع من تسليم الثمن فلا غرر و فيه: ان الامتناع من تسليم الثمن بعد فرض كونه ملكا للبائع لا يوجب تدارك ما ذهب من ملكه.

هذا كله مع ان الغرر باعتبار الغرض المعاملي لا ينجبر بالفسخ و لا بالانفساخ.

فالحق دلالة النبوي علي الفساد، الا انه مختص بصورة عدم احراز امتناع التسليم،

لأن الخطر انما يطلق فيما إذا احتمل الحصول و لو ضعيفا.

و لكن في هذا الفرد يثبت الحكم بالاولوية القطعية.

الثاني: ان بذل المال بازاء ما لا يمكن تسليمه سفهي، فلا تشمله ادلة نفوذ المعاملات فانها مسوقة لبيان انفاذ المعاملات العقلائية.

و فيه: اولا: ان بذل المال القليل بازاء مال كثير يرجي حصوله ليس سفهيا بل ربما يعد عدم البذل سفهيا.

و ثانيا: ان ادلة نفوذ المعاملات تدل علي نفوذ كل معاملة، و الدليل انما دل علي عدم نفوذ معاملة السفيه و لم يدل دليل علي عدم نفوذ المعاملة السفهائية.

الثالث: ان المعاملة علي ما لا يقدر علي تسليمه: اكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 13

و كيف كان فلا اشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة علي

التسليم بالنبوي المذكور الا انه اخص من المدعي لان ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه ليس في بيعه خطر لأن الخطر انما يطلق في مقام يحتمل السلامة و لو ضعيفا لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال علي بطلانه بلزوم السفاهة و كون اكل الثمن في مقابله اكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا (1) و ان كان ملكا فيصح عتقه و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه الا انه لا ينافي سلب صفة التمول عنه عرفا. و لذا يجب علي غاصبه رد تمام قيمته الي المالك (2) فيملكه مع بقاء العين علي ملكه علي ما هو ظاهر المشهور.

______________________________

و فيه: ان المراد بالأكل بالباطل بقرينة المقابلة بتجارة عن تراض التملك بالأسباب الباطلة كالقمار و نحوه، و الا فغاية ما هناك كون اعطاء المال مجانيا و بلا عوض، و ليس هذا من قبيل اكل المال بالباطل.

(1) الرابع: ان ما لا يقدر علي تسليمه لا يعد مالا عرفا فلا يصح بيعه.

و فيه: اولا: ان المال انما هو من العناوين المنطبقة علي الأشياء بانفسها مع قطع النظر عن الأشخاص، و هو ينتزع من كون ذلك الشي ء موضوعا لغرض موجب لحدوث رغبة الناس فيه، و هي صفة تنتزع من نفس المال و ان لم يكن هناك مالك.

و ثانيا: انه لو سلم ذلك فانما هو فيما لا يحتمل التمكن من التسليم كما لا يخفي.

(2) و قد استشهد المصنف لسلب صفة التمول عنه: بانه يجب علي غاصبه قبلا ان يدفع تمام القيمة بصيرورته كذلك من باب بدل الحيلولة.

و فيه: ان لزوم اداء تمام القيمة انما يكون من جهة الحيلولة بين المالك و تمام المالية

بالحيلولة بينه و بين العين لا من جهة التلف، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك في مبحث بدل الحيلولة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 14

ثمّ انه ربما يستدل علي هذا الشرط بوجوه أخر منها ما اشتهر عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله: لاتبع ما ليس عندك، (1) بناء علي أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب و السلف إجماعا فهي كناية لاعن مجرد الملك لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام و لاعن مجرد السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من

الخاصة و العامة بها علي عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثمّ شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه و لو من نفسه فإن السلطنة و القدرة علي التسليم حاصلة هنا مع انه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين ان يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد حتي كأنه عنده و ان كان غائبا (2) و علي اي حال فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله علي النهي المقتضي لفساده بمعني عدم وقوعه لبائعه لو اراد ذلك و كيف كان فتوجيه الاستدلال بالخبر علي ما نحن فيه ممكن. و أما الايراد عليه بدعوي ان المراد به الاشارة الي ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشي ء الغير المملوك ثمّ تحصيله

______________________________

(1) الخامس: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله: منها ما اشتهر عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله: لاتبع ما ليس عندك …

لا يخفي ان اقضية النبي صلي الله عليه و آله المذكورة في كتب العامة مجتمعة عن عبادة ابن الصامت بعينها

مروية من طرق الخاصة برواية عقبة بن خالد متفرقة علي حسب تفرق الأبواب.

و عليه فهذا النبوي «1» مروي من طرقنا و من طرق العامة،

فلا وجه للمناقشة في سنده.

(2) و أما من حيث الدلالة، فمحصل ما افاده المصنف قدس سره: ان محتملات قوله عليه السلام عندك اربعة:

احدها: الحضور الذي هو معناه الحقيقي.

ثانيها: الملك.

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود، و باب 2 من ابواب عقد البيع و سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 15

بشرائه و نحوه و دفعه الي المشتري، فمدفوع بعدم الشاهد علي اختصاصه بهذا المورد و ليس في الاخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد.

نعم يمكن ان يقال ان غاية ما يدل عليه هذا النبوي بل النبوي الأول ايضا فساد البيع بمعني عدم كونه علة تامة لترتب الاثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعي بانتفاء صفة الغرر و تحقق كونه عنده و لو ابيت الا عن ظهور النبويين في الفساد بمعني لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر و بين إخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع، و بيع العبد الجاني عمدا و بيع المحجور لرق أو سفه أو فلس

______________________________

ثالثها: السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه.

رابعها: السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد.

و من البين ان الأول ليس بمراد قطعا لجواز بيع الغائب اجماعا.

و الثاني خلاف الظاهر، فان بيع المملوك بيع ماله لا بيع ما عنده، فبيع غير المملوك بيع ما ليس له، لا بيع ما ليس عنده.

و الثالث يدفعه استدلال الفقهاء بهذا النبوي علي عدم

جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير.

فيتعين الرابع، فيدل علي فساد بيع ما لا يكون مالكا له، و ما لا يقدر علي تسليمه،

فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله علي النهي المقتضي لفساده بمعني عدم وقوعه لبائعه لو اراد ذلك.

و فيه: ان ارادة القدرة علي التسليم خاصة من التصرفات الخارجية المماسة للعين،

اما وحدها أو مع الملكية خلاف الظاهر، بل اما ان يراد مطلق التصرفات الخارجية أو لا يكون ذلك بالخصوص بمراد، و حيث انه لا يعتبر السلطنة الخارجية المماسة للعين قطعا، فلا يكون ذلك بمراد لا مستقلا و لا ضمنا، بل الظاهر منه ارادة السلطنة الاعتبارية علي التصرفات التسبيبية المعاملية، فيكون اجنبيا عن المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 16

فان البائع في هذه الموارد عاجز شرعا من التسليم و لا رجحان لهذه التخصيصات. فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه «مراعي بالتمكن منه» في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.

و قد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضال و المجحود من غير اباق مراعي بإمكان التسليم و احتمله في التذكرة لكن الإنصاف ان الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم علي فساد بيع الغرر بمعني عدم تأثيره رأسا كما عرفت من الإيضاح.

و منها ان لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين الي صاحبه (1) فيجب ان يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع

______________________________

(1) السادس: ما ذكره المصنف قدس سره، و حاصله: ان لازم العقد وجود التسليم،

و هو مشروط بالقدرة، فمع عدمها لا لزوم للتسليم فيلزم عدم نفوذ العقد، و الا لزم انفكاك اللازم عن الملزوم.

و فيه: انه ان اريد بذلك ان لزوم التسليم من مقتضيات الملك الذي هو

مدلول العقد فهو مسلم لوجوب رد المال الي صاحبه، الا ان هذا اللازم ليس لازما لا ينفك، بل هو فرع التمكن منه، و مع عدم التمكن يكون ملكا له لا يجب تسليمه لعدم القدرة.

و ان اريد به انه من مقتضيات اطلاق العقد نفسه، فيرد عليه: ان العقد عبارة عن تمليك العين مثلا لا هو مع اعتبار امر آخر أو تكليف آخر.

و ان اريد به ان الملكية تكون مقيدة بما يتمكن من تسليمه، فيرد عليه: ان التعليق في العقد موجب للبطلان.

و ان اريد به ان لزوم التسليم من احكام العقد من جهة ان التسليم مصداق للوفاء بالعقد الذي وجوبه من احكام العقد، فيرد عليه:

اولا: ان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» علي ما حققناه في محله يكون ارشادا الي لزوم العقد،

و علي فرض كونه تكليفيا يكون مفاده لزوم العمل بمفاد العقد بعدم فسخه، فعلي كل تقدير لا ربط له بالتسليم.

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 17

و يضعف بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة و ان اريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز بعد العقد. (1) و قد يعترض باصالة عدم تقيد الوجوب، ثمّ يدفع بمعارضته باصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط (2) و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح، (3) فافهم

______________________________

و ثانيا: ان التكليف بالوفاء قد تعلق بالعقد الصحيح، فعدم لزوم الوفاء لعدم القدرة لا يكشف عن عدم الصحة.

(1) و اجاب المصنف عنه: بانه يضعف بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم … متعنا الملازمة مراده: انه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا فعليا بحيث انه ان لم يكن قادرا عليه ينكشف عدم

وجود الملزوم، نمنع الملازمة، اي لا دليل علي ان ذلك من لوازم العقد.

و ان كان المراد ان لازمه مطلق الوجوب الملائم مع الوجوب المشروط، فاللازم متحقق في الفرض، و كذلك الملزوم.

قال المصنف: و قد يعترض باصالة عدم تقيد الوجوب، ثمّ يدفع بمعارضته باصالة عدم تقيد البيع.

(2) المعترض، و دافعه، صاحب الجواهر قدس سره.

و حاصل الاعتراض بما ذكره المصنف من الجواب: ان مقتضي اصالة عدم تقيد الوجوب كون اللازم الوجوب المطلق، فمع عدمه ينكشف عدم تحقق الملزوم.

و محصل الدفع: انه معارض باصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، فان اطلاق ادلة نفوذ البيع يكشف عن عدم اعتبار القدرة في النفوذ، فالحجة علي الاشتراط تعارض الحجة علي عدمه.

(3) و أما ما ذكره المصنف قدس سره من النظر الواضح في الاعتراض و المعارضة، فلعل وجه النظر في الاعتراض انه ان اريد باصالة عدم تقيد الوجوب الأصل العملي- اي اصالة عدم وجوب المقيد-- فيرد عليه: انه معارض باصالة عدم وجوب المطلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 18

و منها ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه و لا يتم الا بالتسليم (1) و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع علي التسليم بل منع عدم كون الغرض منه إلا الانتفاع «بعد التسليم لا الانتفاع» المطلق.

و منها ان بذل الثمن علي غير المقدور سفه فيكون ممنوعا و أكله اكلا بالباطل.

و فيه ان بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم.

______________________________

و ان اريد به الاصل اللفظي، اي اطلاق دليل الوجوب- فهو مقيد بالقدرة عقلا.

و وجه النظر في الدفع: ان اطلاق دليل المقيد لو سلم لا ريب في حكومته علي اصالة عدم

تقيد البيع كما لا يخفي.

(1) السابع: ما ذكره المصنف بقوله: و منها ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه، و لا يتم الا بالتسليم …

و فيه: اولا: ان تخلف الأغراض و الدواعي لا يوجب فساد المعاملة و بطلانها.

و ثانيا: ان الغرض من المعاملة ليس هو الانتفاع المطلق، بل الانتفاع علي فرض التسليم.

و ثالثا: نمنع توقف مطلق الانتفاعات حتي التصرفات الاعتبارية علي التسليم.

فتحصل مما ذكرناه: ان دليل اعتبار هذا القيد هو النبوي المشهور:

نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بين الغرر.

هل القدرة شرط أو العجز مانع

و ينبغي التنبيه علي امور:

الأول: هل القدرة علي التسليم شرط كما في التكاليف، ام يكون العجز عنه مانعا؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 19

ثمّ ان ظاهر معاقد الاجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا كما (1) هو كذلك في التكاليف و قد اكد الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط (2) و مع ذلك كله فقد استظهر بعض من تلك العبارة ان العجز مانع لا ان القدرة شرط قال: و يظهر الثمرة في موضع الشك، ثمّ ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة و جعله دليلا علي ان القدر المتفق عليه ما إذا تحقق العجز و فيه ما عرفت من ان صريح معاقد الإجماعات خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة ان العجز امر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا ان يقدر.

فكيف يكون مانعا من (3) ان المانع هو الامر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم، ثمّ لو سلم صحة اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في

صورة الشك الموضوعي أو الحكمي و لا في غيرهما فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز مع سبق القدرة فالاصل بقاؤها اولا معه فالأصل عدمها اعني العجز سواء جعل

______________________________

و ملخص القول: ان الكلام في هذا التنبيه يقع في مواضع.

احدها: فيما هو مقتضي كلمات الأصحاب.

ثانيها: في معقولية مانعية العجز و عدمها.

ثالثها: فيما يقتضيه الدليل.

رابعها: في ترتب الثمرة علي هذا النزاع.

(1) اما الأول: فظاهر كلمات القوم حيث قالوا: و من شرائط العوضين القدرة علي التسليم كون القدرة شرطا.

و مورد نزاع المصنف قدس سره و صاحب الجواهر كلام الغنية، و ذيله الذي نقله المصنف قدس سره.

(2) و هو صريح في شرطية القدرة، اللهم الا ان يكون ذلك من كلام المصنف قدس سره.

(3) و أما الثاني فقد ذهب المصنف قدس سره الي عدم معقولية مانعية العجز، من جهة ان العجز امر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شانه ان يقدر، و المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 20

القدرة شرطا أو العجز مانعا و إذا شككنا في ان الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في ان المراد بالعجز ما يعم التعسر كما حكي أم خصوص التعذر فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا. (1)

و الحاصل ان التردد بين شرطية الشي ء و مانعية مقابله انما يصح و يثمر في الضدين مثل الفسق و العدالة لا فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و الجهل و أما اختلاف الاصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس لشك المالك في القدرة و العجز و مبنيا علي كون القدرة شرطا أو العجز مانعا كما

يظهر من ادلتهم علي الصحة و الفساد بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها

______________________________

و فيه: ان المانع في باب العلة و المعلول غير المانع في باب العقود و الإيقاعات كما تقدم، فان المراد به في هذا الباب ما قيد صحة العقد بعدمه، أو حكم بفساد العقد معه،

و حيث ان هذا ممكن فمانعية العجز معقولة.

و أما الموضع الثالث: فالأظهر ان المستفاد من الأدلة مانعية العجز، و ذلك لأن ضم ادلة نفوذ البيع. بقوله صلوات الله عليه: نهي النبي عن بيع الغرر يقتضي ان يكون موضوع النفوذ البيع الذي ليس بغرري- اي لا يكون متصفا به- لا ان الموضوع هو البيع المتصف بما يضاد الغرر كما هو واضح.

(1) و أما الموضع الرابع: ففي المتن ان اللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا و لكن يمكن ان يقال بظهور الثمرة فيما إذا شك في القدرة، فانه علي القول بشرطية القدرة لا بد من احرازها في الحكم بصحة البيع، و أما علي القول بمانعية العجز فيحكم بالصحة، و ان لم يحرز ذلك.

لوجهين: الأول: اصالة عدم المانع: الثاني: قاعدة المقتضي و المانع من جهة ان العقد مقتض و العجز مانع، فإذا شك في المانع مع احراز المقتضي يبني علي تحقق المقتضي بالفتح.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن الشبهة اما موضوعية، أو حكمية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 21

ثمّ ان العبرة في الشرط المذكور انما هو في زمان استحقاق التسليم (1) فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق و لو حين العقد

______________________________

فان كانت موضوعية فان كانت الحالة السابقة القدرة يبني عليها، و ان كانت هي العجز يبني

عليه، و مع عدم احراز الحالة السابقة أو توارد الحالتين لا يجري الأصل الموضوعي و انما يرجع الي اصالة الفساد، من غير من فرق بين المسلكين.

و ان كانت حكمية، كما لو شك في ان الخارج هو العجز المستمر أو العجز في الجملة، أو شك في ان المراد بالعجز ما يشمل التعسر، يرجع الي عمومات الصحة اقتصارا في المخصص علي المتيقن منه.

و بالجملة: بعد كون العجز و القدرة من قبيل العدم و الملكة لا من قبيل السلب و الإيجاب، لا يبقي فرق بين مانعية الأول و شرطية الثانية كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلعدم حجيتها اولا و عدم جريانها في الأحكام الشرعية ثانيا لعدم تمييز المقتضي عن المانع و الشرط. هذا كله مضافا الي ان المدرك لاعتبار هذا القيد بما انه النبوي فلا يتصور الشك الموضوعي لتقوم الغرر بالجهل.

المانع هو العجز في زمان الاستحقاق

(1) الثاني: هل العبرة في القدرة علي التسليم هي القدرة في زمان استحقاق التسليم، ام في زمان البيع؟ وجهان.

الظاهر انه لا إشكال كما لا خلاف في ان العبرة في الشرط المذكور انما هو في زمان الاستحقاق من غير فرق بين كون المستند وجوب التسليم، أو نهي النبي عن بيع الغرر، أو لزوم السفاهة مع عدمه، أو عدم الانتفاع، او لا تبع ما ليس عندك.

إذ لا وجوب للتسليم قبل الاستحقاق.

و المعاملة التي يقدر البائع فيها علي تسليم المبيع حال استحقاق المشتري لذلك ليست بغررية فعلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 22

و يتفرع علي ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري، (1)

و فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما إذا اشتري من ينعتق عليه فإنه ينعتق بمجرد الشراء و لا سبيل لأحد عليه، (2) و فيما إذا

لم يستحق التسليم بمجرد العقد اما لاشتراط تأخيره مدة و أما لتزلزل العقد كما إذا اشتري فضولا فإنه لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك (3) فلا يعتبر القدرة علي التسليم قبلها

______________________________

و الاقدام علي بيع ما يتمكن من تحصيله في حال الاستحقاق ليس اقداما سفهيا،

و لا يترقب الانتفاع من المبيع الا بعد استحقاقه.

و المراد من عدم بيع ما ليس عنده علي فرض دلالته علي هذا الشرط بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع و بحسب المتفاهم العرفي عدم الالتزام بما لا يقدر عليه، و من كان قادرا حين الاستحقاق غير قادر حين البيع لا يكون ملزما علي نفسه بما لا يقدر عليه.

فما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره من انه لو كان المدرك النهي عن بيع ما ليس عنده لا بد من القدرة حال ورود البيع عليه، غير تام، فهذه الكلية لا كلام فيها.

انما الكلام في الفروع التي فرعها المصنف قدس سره علي تلك:

(1) احدها: عدم اعتبارها اصلا إذا كانت العين في يد المشتري.

و فيه: ان عدم اعتبارها في هذا المورد ليس من متفرعات عدم اعتبار القدرة حال البيع، بل لو كانت العبرة بالقدرة حال البيع لم تكن معتبرة في الفرض، لأن التسليم طريق الي وصول المال بيد المشتري، فمع تحقق الوصول لا يعقل استحقاق التسليم.

(2) ثانيها: ما إذا اشتري من ينعتق عليه.

و فيه: ان عدم اعتبارها في المورد انما يكون من جهة عدم دخوله في ملكه أو خروجه عنه بعد دخوله آنا ما، لا من جهة عدم اعتبار القدرة حين البيع.

(3) ثالثها: ما إذا اشتري فضولا فانه لا يستحق التسلم الا بعد اجازة المالك.

و فيه: ان المعتبر هو قدرة من له العقد لا مجري الصيغة، و حيث

ان العقد انما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 23

لكن يشكل علي الكشف من حيث انه لازم (1) من طرف الاصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر علي تحصيله.

نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين و مثله بيع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فكه، (2) بل و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم (3) لان تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف علي تحققه فلا يلزم غرر و لو تعذر التسليم بعد العقد رجع الي تعذر الشرط. و من المعلوم ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله

______________________________

يستند الي من له العقد- و هو المالك من حين الإجازة لا قبلها- فلو كانت العبرة بالقدرة حال البيع لما كانت معتبرة في بيع الفضولي حال البيع لعدم تحقق بيع المالك قبل الاجازة.

(1) و ربما يشكل علي الكشف من حيث انه لازم من طرف الأصيل.

و الظاهر ان منشأ الإشكال انه علي القول بالكشف إذا كان احد الطرفين اصيلا، بما ان تمام الموضوع لوجوب الوفاء و المؤثر في الملكية هو العقد، فهو من حين البيع الي ما قبل الإجازة محروم عن التصرف في ما انتقل عنه، و ما انتقل إليه. اما في الأول فلخروجه عن ملكه، و أما في الثاني فلأنه لا يجب علي مالكه التسليم فلا يقدر هو علي تحصيله، فيلزم من ذلك الغرر.

و فيه: ان منشأ الإشكال ان كان حرمانه عن التصرف فيما انتقل إليه فهو يتحقق في الفضولي من الجانبين، و ان كان حرمانه عن التصرف فيما انتقل عنه، فهو لا دخل له بالقدرة علي التسليم و التسلم، كما

لا دخل له بالغرر.

(2) رابعها: بيع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فكه.

هذا التفريع حسن من جهة ان المشتري لا يستحق التسليم قبل اجازة المرتهن علي القول بتوقف نفوذه عليها، فلا تعتبر قدرته قبل الإجازة و انما العبرة بالقدرة بعدها،

و ان كان العقد منتسبا الي المالك من حين حدوثه.

(3) خامسها: ما لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 24

فإن الشروط المتأخرة لا يجب احرازها حال العقد و لا العلم بتحققها فيما بعد.

و الحاصل ان تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من احكامه لا من شروط تأثيره و السر فيه ان التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور.

و بعبارة اخري الاعتبار بالقدرة علي التسليم بعد تمام الناقل و لهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده و المفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الاخير من الناقل و هو القبض حاصل في يد المشتري فالقبض مثل الاجازة بناء علي النقل و اولي منها بناء علي الكشف. و كذلك الكلام في عقد الرهن فإن اشتراط القدرة علي التسليم فيه بناء علي اشتراط القبض انما هو من حيث اشتراط القبض فلا يجب احرازه حين الرهن و لا العلم بتحققه بعده فلو رهن ما يتعذر تسليمه. ثمّ اتفق حصوله في يد المرتهن اثر العقد اثره و سيجي ء الكلام في باب الرهن. اللهم الا ان يقال ان المنفي في النبوي هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا. فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم إذا وقع علي عوض مجهول قبل القبض أو غير مقدور غرر عرفا لأن اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي فيصدق الغرر و الخطر

عرفا، و ان لم يتحقق شرعا إذ قبل التسليم لا انتقال و بعده لا خطر لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا. (1)

______________________________

محصل ما افاده في هذا الفرع: انه في بيع السلم بما ان القبض جزء السبب الناقل.

فقبل تسليم المشتري الثمن لا يكون السبب متحققا، فالعجز عن التسليم لا يقدح في الصحة، فلو اتفق حصوله صح البيع.

و بعبارة اخري: قبل ان يقبض الثمن لا يستحق البائع التسليم لأنه جزء المملك،

و بعده التسليم متحقق.

(1) و اورد عليه: بانه قبل القبض البيع العرفي موجود، و البائع بنظرهم يستحق التسليم، فالعجز عنه موجب لكون البيع غرريا عندهم فيشمله نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، فان الموضوع فيه البيع الغرري العرفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 25

و من هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لاعن المالك ما لا يقدر علي تسليمه. اللهم الا ان يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع علي كون اثر المعاملة شرعا علي وجه لا يلزم منه خطر، فإن العرف إذا اطلعوا علي انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر اصلا، و هكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة، (1) فتأمل.

ثمّ ان الخلاف في اصل المسألة لم يظهر الا من الفاضل القطيفي (2) المعاصر

للمحقق الثاني.

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بان اهل العرف بعد اطلاعهم علي عدم ترتب الأثر شرعا قبل القبض لا يرونه غرريا في الفرض.

و يمكن الجواب بوجه آخر، و هو: ان دليل اعتبار القبض يكون حاكما علي دليل مانعية الغرر، و يدل علي انه لا غرر في الفرض.

و أما ما افاده المحقق الإيرواني في الجواب عن ذلك: بان ظاهر النبوي ان البيع

الذي لو لا الغرر كان صحيحا مؤثرا هو الذي نهي النبي صلي الله عليه و آله عنه إذا كان غرريا،

و البيع في الفرض قبل القبض لا يكون صحيحا، فالغرر فيه لا يكون مانعا.

فيرد عليه: ان دليل كل مانع انما يكون متكفلا لبيان مانعية ذلك الشي ء خاصة، و لا نظر له الي سائر الموانع و الشرائط، و لذا لو فرض اقتران العمل بمانعين لا سبيل الي دعوي عدم مانعية شي ء منهما، مع ان مقتضي البرهان المزبور ذلك، فان دليل كل منهما مقيد علي الفرض بعدم اقتران العمل بمانع آخر، و المفروض اقترانه به. فالحق ما ذكرناه.

(2) التنبيه الثالث: قال ان الخلاف في اصل المسألة لم يظهر الا عن الفاضل القطيفي:

و لكن الظاهر من كلامه انه لا ينكر اعتبار القدرة علي التسليم في الجملة، غاية الأمر انه يلتزم باعتبار امر في خصوص مورد الجهل و عدم الرضا.

و عليه فلا تنافي بين كلمات المصنف قدس سره حيث نفي الخلاف في اول المسألة، و هنا نقل الخلاف عن الفاضل القطيفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 26

حيث حكي عنه انه قال في ايضاح النافع ان القدرة علي التسليم من مصالح المشتري فقط لا انها شرط في اصل صحة البيع فلو قدر علي التسلم صح البيع و ان لم يكن البائع قادرا عليه بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز و ينتقل إليه و لا يرجع علي البائع لعدم القدرة إذا كان البيع علي ذلك مع العلم فيصح بيع المغصوب و نحوه (1)

نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه ان يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع،

لأنه في معني اكل مال بالباطل و ربما احتمل امكان المصالحة

عليه.

و من هنا يعلم ان قوله يعني المحقق في النافع لو باع الآبق منفردا لم يصح انما هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا و لو اراد غير ذلك فهو غير مسلم انتهي.

و فيه ما عرفت من الاجماع و لزوم الغرر الغير المندفع بعلم المشتري لأن الشارع نهي عن الاقدام عليه الا ان يجعل الغرر هنا بمعني الخديعة (2) فيبطل في موضع تحققه و هو عند جهل المشتري و فيه ما فيه.

______________________________

(1) و الظاهر ان المصنف قدس سره فهم من كلام الفاضل القطيفي انه يلتزم باشتراط الصحة بامر لا يجامع العلم و الرضا كعنوان الخدعة.

و بعبارة اخري انه يعتبر في صحة المعاملة القدرة علي التسليم ما لم يعلم المشتري عدم قدرة البائع علي التسليم، و الا فلو علم بذلك و رضي به فلا يعتبر القدرة علي التسليم.

(2) و لذا اورد عليه بان الغرر انما هو في النبوي بمعني الخطر لا الخدعة و لكن يحتمل ان يكون مراده ان القدرة انما تعتبر من ناحية حق تسلم المبيع للمشتري، فإذا علم بعدم القدرة و اقدم علي المعاملة راضيا بها فقد اسقط حقه.

و الجواب عنه: ان الشارع اعتبر القدرة و كون ذلك من قبيل الحق القابل للاسقاط،

غير ثابت، و الأصل يقتضي عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 27

ثمّ ان الظاهر كما اعترف به بعض الاساطين ان القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاشتراط الا بالتبع و انما المقصد الاصلي هو التسلم (1) و من هنا لو كان المشتري قادرا دون البائع كفي في الصحة كما عن الاسكافي و العلامة و كاشف الرموز و الشهيدين و المحقق الثاني و عن ظاهر الانتصار

ان صحة بيع الآبق علي من يقدر علي تسلمه مما انفردت به الامامية و هو المتجه لأن ظاهر معاقد الاجماع بضميمة التتبع في كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر و غيره مختص بغير ذلك و منه يعلم ايضا انه لو لم يقدر احدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله في يد احدهما عند استحقاق المشتري للتسليم كما لو اعتاد الطائر العود صح (2) وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم.

نعم عن نهاية الاحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال علي التسليم و ان عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث، و فيه ان العادة باعثة كالعقل

______________________________

(1) الرابع: الظاهر ان القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاشتراط الا بالتبع و انما المقصد الأصلي هو التسلم كما صرح به العلامة و غيره، و ذلك لأن المستند لاعتبار هذا القيد إن كان نهي النبي عن الغرر، أو لزوم السفاهة مع عدمه، أو كونه اكلا للمال بالباطل فواضح: إذ لا غرر و لا سفاهة و لا أكل للمال بالباطل مع تمكن المشتري من التسلم.

و ان كان لاتبع ما ليس عندك فالوجه فيه: ان الظاهر بقرينة المناسبة بين الحكم و الموضوع كون القدرة علي التسليم انما تعتبر من جهة الطريقة الي وصول المال الي صاحبه، و لا موضوعية لها، نعم إذا كان التسلم متوقفا علي بذل المال، للمشتري الرجوع الي البائع فيه، لأن ذلك وظيفته.

(2) قوله لو لم يقدر احدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله …

مرجع الضمير هو ما استدل به علي كفاية القدرة علي التسليم و هو عدم لزوم الغرر و عدم شمول غيره من الادلة الدالة علي المنع لتلك الصورة- فان مقتضاها كفاية الوثوق بحصوله في

يد احدهما، لا- كون المناط قدرة المشتري علي التسلم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 28

مع ان الكلام علي تقدير الوثوق و لو لم يقدرا علي التحصيل و تعذر عليهما الا بعد مدة مقدرة عادة، و كانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو ازيد. (1) ففي بطلان البيع لظاهر الاجماعات المحكية و لثبوت الغرر أو صحته، لأن ظاهر معقد الاجماع التعذر رأسا. و لذا حكم مدعيه بالصحة هنا، و الغرر منفي مع العلم بوجوب الصبر عليه الي انقضاء مدة، كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة وجهان بل قولان، تردد فيهما في الشرائع، ثمّ قوي الصحة و تبعه في محكي السرائر و المسالك و الكفاية و غيرها.

نعم للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة، و لو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة كالعبد المنفذ الي هند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها،

ففي الصحة اشكال من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع،

______________________________

فلا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره بان مسألة كفاية الوثوق بالحصول اجنبية عن المسألة السابقة فكيف يعلم منها هذه.

(1) التنبيه الخامس: و لو لم يقدر علي التحصيل و تعذر عليهما الا بعد مدة فان كان التعذر ابديا بطل البيع لما تقدم، و ان كان في مدة يتسامح فيها صح.

و ان كان في مدة لا يتسامح فيها كسنة أو ازيد.

فان كان مدرك اعتبار هذا الشرط النبوي: نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر.

فالأظهر هي الصحة لما تقدم من انه في صورة العلم بالعجز لا يصدق الغرر، و انما التزمنا بالبطلان في صورة العلم بالعجز

الي الأبد للاولوية غير الجارية في الفرض.

كما انه لا تكون هذه المعاملة سفهية و لا أكلا للمال بالباطل.

و ان كان المدرك النبوي: لاتبع ما ليس عندك. تعين البناء علي البطلان من جهة عدم القدرة الا مع شرط تأخير التسليم الي ذلك الزمان، فانه حينئذ يكون قادرا حين الاستحقاق، و قد مر كفاية ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 29

ثمّ ان الشرط هي المقدرة المعلومة للمتبايعين، (1) لان الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية.

و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع و تجددها بعد ذلك صح،

و لو لم يتجدد بطل. و المعتبر هو الوثوق، فلا يكفي مطلق الظن و لا يعتبر اليقين.

______________________________

و بذلك ظهر أن المصنف قدس سره يتعين عليه البناء علي البطلان، لأنه قده سلم دلالة هذا النبوي علي اعتبار هذا الأمر، كما انه ظهر أن الأظهر هي الصحة علي المختار.

و ان كان زمان التعذر غير معلوم بطل البيع للغرر.

(1) السادس: هل الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين، أو القدرة الواقعية.

ملخص القول في المقام: انه لا إشكال في البطلان إذا لم يكن قادرا واقعا و كانا عالمين بذلك، كما لا إشكال في الصحة إذا كانا عالمين بالقدرة و كان قادرا واقعا.

انما الكلام فيما إذا كانا عالمين بالقدرة و لم يكن كذلك، أو كانا جاهلين بها و كانت متحققة.

فلو كان الدليل لاعتبار هذا الشرط نهي النبي عن بيع الغرر تعين البناء علي الصحة في الصورة الأولي، و البطلان في الثانية، من جهة ان الغرر قوامه بالجهل. ففي الأولي لم يقدم البائع علي المعاملة الخطرية بخلاف الثانية.

و ان كان المدرك لاتبع ما ليس عندك انعكس الأمر كما لا يخفي، و حيث انهما معا عند المصنف قدس

سره مدرك ذلك تعين عليه البناء علي البطلان في الصورتين.

فما افاده من البطلان في الصورة الثانية لو تبين العجز، تام و لا يرد عليه ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، نعم ما ذكره من الصحة في تلك الصورة لو تجددت القدرة لا يتم، إذ المعاملة بعد وقوعها باطلة لا تصح بالتجدد.

و دعوي ان مدرك البطلان في تلك الصورة لاتبع ما ليس عندك و هو انما يدل علي عدم الصحة ما دام ليس عنده، فلو تجددت و صار مما عنده لا وجه للبطلان.

مندفعة بان المصنف و ان احتمل ذلك، لكنه لم يبن عليه كما يظهر من الفروع التي رتبها علي ان القدرة المعتبرة هي القدرة حال الاستحقاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 30

ثمّ لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لاما إذا وكيلا في مجرد العقد، (1) فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه. و أما لو كان وكيلا في البيع و لوازمه، بحيث يعد الموكل اجنبيا عن هذه المعاملة، فلا اشكال في كفاية قدرته،

و هل يكفي قدرة الموكل الظاهر. نعم (2) مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك، و ربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي المالك برجوع المشتري عليه (3)

______________________________

حكم ما لو كان الوكيل عاجزا و الموكل قادرا

(1) التنبيه السابع: قال المصنف: ثمّ لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لاما إذا كان وكيلا.

لو كان المالك هو العاقد بالمباشرة لا إشكال في اعتبار قدرة نفسه.

و لو كان العاقد غيره.

فان كان وكيلا في اجراء الصيغة خاصة فلا اشكال في ان العبرة بقدرة الموكل و لا اعتبار بقدرته، لأنه ليس ملزما بالتسليم، و يكون كالأجنبي، نعم

لو علم بقدرته و اعمال قدرته يكتفي بها لا من حيث انها قدرة من يعتبر قدرته بل من حيث الوثوق بحصول المال في يد المشتري الذي عرفت كفايته.

و أما لو كان وكيلا مفوضا في البيع و لوازمه، فلا اشكال في الاكتفاء بقدرة الوكيل من جهة انه ملزم بالتسليم و مأمور بالوفاء بالعقد، و المناط في رفع الغرر قدرة من هو ملزم بالتسليم و مأمور بالوفاء بالعقد.

انما الكلام في ما لو كان عاجزا و كان الموكل قادرا، فيه اقوال:

(2) الأول: ما عن المصنف قس سره و تبعه غيره، و هو الاكتفاء بذلك.

الثاني: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و هو: عدم كفاية قدرته من حيث انها قدرة من ينسب إليه العقد.

(3) الثالث: ما اختاره العلامة الطباطبائي صاحب المصابيح، و هو: الكفاية مع رضا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 31

و فرع علي ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي (1) لان التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الاجازة و قدرة المالك انما تؤثر لو بني العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع، لأن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور و هو غير متحقق في الفضولي و البناء علي القدرة الواقعية باطل، إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية إلي ان قال، و الحاصل ان القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها ان وجدت لم تنفع.

______________________________

المشتري بالرجوع الي الموكل، و رضا الموكل برجوع المشتري إليه.

و الأظهر هو الأول، لأن المناط هو ما يرتفع به الغرر، و هو يرتفع بقدرة من هو ملزم بالتسليم، و في الفرض كل من المالك و الوكيل ملزم به، فيكفي قدرة كل منهما في رفع الغرر.

و استدل للثاني:

بان الوكيل الذي يستند إليه العقد ليس بقادر، و الموكل انما يجب عليه الوفاء بالعقد الصحيح المنسوب إليه، فلا بد من استجماع البيع الصادر من الوكيل،

و حيث فرضنا انه غير قادر فيبطل البيع.

و فيه: ان كلا منهما مكلف بالوفاء بالعقد الصحيح، و هذا مما لا كلام فيه، و العقد الصادر من الوكيل إذا كان الموكل قادرا علي التسليم صحيح لعدم الغرر و ارتفاعه بقدرته.

و بعبارة اخري: مع قطع النظر عن نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، هذه المعاملة صحيحة و مستندة الي كل منهما، فكل منهما موظف بالوفاء بها، و لا يلزم منه الغرر لقدرة الموكل علي التسليم.

و استدل للثالث: بان الموكل و ان كان اجنبيا عن البيع- و لذا لا يكفي قدرته فقط- لكنه مع التراضي و التزام الموكل لا غرر في البيع و ان كان الوكيل عاجزا.

(1) و فرع علي ذلك بطلان بيع الفضولي، فان قدرة العاقد لا تكفي لعدم الوكالة و لا تراضي و لا التزام بين المشتري و المالك كي تكفي قدرته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 32

ثمّ قال: لا يقال انه قد يحصل الوثوق للفضولي بارضاء المالك، و انه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد، (1) لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الاذن للبيع، غاية الامر حصوله بالفحوي و شاهد الحال، (2) و هما من انواع الاذن، فلا تكون فضوليا و لا يتوقف صحته علي الاجازة و لو سلمنا بقائه علي الصفة، فمعلوم ان القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم علي هذا الفرض، (3) و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثمّ في تفريع الفضولي ثمّ في الاعتراض

الذي ذكره ثمّ في الجواب عنه اولا و ثانيا تأمل، بل نظر (4) فتدبر..

______________________________

(1) ثمّ اورد علي هذا التفريع: بانه ربما يحصل للفضولي الوثوق بارضاء المالك فتتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد للقدرة علي الإجازة المحققة لقدرته علي التسليم، و القدرة علي السبب قدرة علي المسبب.

و اجاب عنه بوجهين:

(2) الأول: انه تخرج المعاملة بذلك عن الفضولية لمصاحبة الإذن البيع، غاية الأمر حصوله بالفحوي و شاهد الحال..

(3) الثاني: ان صحة بيع الفضولي في هذه الصورة خاصة لم يلتزم بها احد..

(4) و المصنف قدس سره بعد نقله ذلك قال: و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثمّ في تفريع الفضولي ثمّ في الاعتراض الذي ذكره ثمّ في الجواب عنه اولا و ثانيا تأمل بل نظر.

اما وجه النظر في المبني، فهو ما عرفت من ان الموكل ليس اجنبيا عن العقد و ملزم بالتسليم، و العلم بقدرته يكفي في ارتفاع الغرر، و الا فمجرد التراضي لا يوجب رفع الغرر.

و أما وجه النظر في تفريع الفضولي، فهو: ان الفضولي اجنبي عن العقد، و لا يكون العقد تاما و منتسبا الي مالكه الا بعد الإجازة، و لذا بنينا علي كفاية القدرة حال الإجازة،

و عدم اعتبار القدرة حال البيع.

و أما وجه النظر في الاعتراض، فهو: ان قدرة العاقد لا اعتبار بها لعدم كونه مخاطبا بلزوم التسليم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 33

مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا علي المشهور بين علمائنا كما في التذكرة،

بل (1) إجماعا كما عن الخلاف و الغنية و الرياض، و بلا خلاف كما عن كشف الرموز لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف و مع احتماله بيع غرر منفي اجماعا نصا و فتوي،

خلافا لما حكاه في التذكرة

عن بعض علمائنا، و لعله الاسكافي حيث ان المحكي عنه انه لا يجوز ان يشتري الآبق وحده، الا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع انتهي.

و قد تقدم عن الفاضل القطيفي في ايضاح النافع منع اشتراط القدرة علي التسليم.

و قد عرفت ضعفه لكن يمكن ان يقال بالصحة في خصوص الآبق لحصول الانتفاع به بالعتق، خصوصا مع تقييد الاسكافي بصورة ضمان البائع، فإنه يندفع به الغرر عرفا، لكن سيأتي ما فيه، فالعمدة الانتفاع بعتقه، و له وجه لو لا النص الآتي و الاجماعات المتقدمة، مع ان قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر،

و كما لا يجوز جعله مثمنا

______________________________

و أما وجه النظر في الجواب الأول، فهو: عدم خروج المعاملة عن الفضولية بالوثوق بارضاء المالك مع عدم كونه راضيا بالفعل.

و أما وجه النظر في الجواب الثاني: فلم يظهر لي، لأن القائلين بصحة بيع الفضولي لم يقتصروا علي هذه الصورة.

عدم الحاق الصلح بالبيع

(1) التنبيه الثامن: و حيث عرفت اشتراط القدرة علي التسليم في صحة البيع فاعلم: انه لا يجوز بيع الآبق منفردا ان كان انه لو ضم إليه غيره صح بلا خلاف فيهما.

و لا يهمنا البحث في ذلك لعدم الموضوع، و انما نتعرض لخصوص هذه المسألة لما في ذيل هذه من المسائل التي تعرض لها المصنف قدس سره، و سائر الأساطين، و ان لم تكن مربوطة ببيع الآبق بل هي من تذييلات و فروع المسألة المتقدمة.

و هي مسائل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 34

لا يجوز جعله منفردا ثمنا لاشتراكهما في الأدلة. (1) و قد تردد في اللمعة في جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا، و ان قرب اخيرا المنع منفردا، و لعل الوجه الاستناد في المنع عن جعله

مثمنا الي النص و الاجماع الممكن دعوي اختصاصهما بالمثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق، و يؤيده حكمه بجواز بيع الضال و المجحود مع خفاء الفرق بينهما و بين الآبق في عدم القدرة علي التسليم،

و نظير ذلك ما في التذكرة حيث ادعي اولا الاجماع علي اشتراط القدرة علي التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر.

ثمّ قال و المشهور بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفردا، الي ان قال: و قال بعض علمائنا بالجواز و حكاه عن بعض العامة ايضا، ثمّ ذكر الضال و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا أو اشتراطه الضميمة، فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر،

و التوجيه يحتاج إلي تأمل..

______________________________

(1) الاولي: انه يختص اعتبار القدرة علي التسليم بالمثمن، بل هو يعتبر في الثمن ايضا لاشتراك الأدلة بينهما، فكما انه من عدم احراز القدرة علي تسليم المثمن يلزم الغرر،

كذلك يلزم الغرر من عدم احراز القدرة علي تسليم الثمن.

الثانية: في الحاق سائر المعاملات بالبيع.

و الكلام تارة: في غير الصلح.

و اخري: فيه.

اما في غير الصلح: فالأظهر اعتبارها لوجهين:

احدهما: ان المستفاد من نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر بمناسبة الحكم و الموضوع ان الموجب للبطلان هو الغرر من حيث انه غرر بلا خصوصية للبيع.

ثانيهما: ما ارسل عن النبي صلي الله عليه و آله انه نهي عن الغرر، «1» المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب لاستدلالهم في جميع المعاوضات كالإجارة و المزارعة و المساقاة و الجعالة و غيرها، بل في غير المعاوضات كالوكالة بذلك.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 466- مسألة بيع الطير في الهواء- و نحوه عن الشهيد- و سبقهما الشيخ في الخلاف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 35

و كيف كان

فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه. فيعتبر فيه القدرة علي التسليم (1) وجهان، بل قولان من عمومات الصلح و ما علم من التوسع فيه لجهالة المصالح عنه إذا تعذر أو تعسر معرفته. بل مطلقا (2) و اختصاص الغرر المنفي بالبيع،

و من ان الدائر علي ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع حتي انهم يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات، كالاجارة و المزارعة و المساقاة و الجعالة. بل قد يرسل في كلماتهم عن النبي صلي الله عليه و آله انه نهي عن الغرر.

و قد رجح بعض الاساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن علي المسامحة من الصلح، و ظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر علي تسليمه علي القول بعدم اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه..

______________________________

(1) و أما في الصلح: فالأظهر عدم اعتبارها و ذلك لوجهين:

الأول: ان دليل الغرر انما يكون حاكما علي ادلة المعاملات التي لها صنفان غرري و غير غرري..

(2) و أما الصلح الذي ليس له صنفان- بل هو بطبعه مبني علي المسامحة و المسالمة و التجاوز من جهة ان الغرض فيه ليس متقوما بالمبادلة و المقابلة- فلا يكون دليل الغرر حاكما عليه، بل هو حاكم علي دليل الغرر.

الثاني: صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام): انه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي، فقال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت انفسهما «1»

فانه يدل علي عدم مانعية الجهالة المحققة للغرر، و هو و ان لم يصرح فيه بارادة

الصلح من تلك المعاهدة، الا انه محمول عليه بقرينة فهم الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل،- باب 5- من ابواب احكام الصلح حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 36

و أما الضال و المجحود و المغصوب و نحوها مما لا يقدر علي تسليمه فالأقوي فيها عدم الجواز (1) وفاقا لجماعة للغرر المنفي المعتضد بالاجماع المدعي علي اشتراط القدرة علي التسليم، الا ان يوهن بتردد مدعيه، كالعلامة في التذكرة في صحة بيع الضال منفردا و يمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضمونا علي البائع.

و أما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به، فهو ضرر قد اقدم عليه، و جهالته غير مضرة مع امكان العلم بتلك المدة، (2) كضالة يعلم انها لو لم توجد بعد ثلاثة ايام فلن توجد بعد ذلك و كذا في المغصوب و المنهوب.

و الحاصل انه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي لانفساخ البيع من اصله، و فرض عدم تسلط البائع علي مطالبته بالثمن، لعدم تسليم المثمن، فإنه لا خطر حينئذ في البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها هذا

______________________________

بيع الضال و المجحود و المغصوب

(1) الثالثة: ان مقتضي نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، عدم جواز بيع الضال و المجحود و المغصوب كما افتي به جماعة. و بعبارة اخري: مقتضاه عدم الفرق بين المتعذر بنفسه، و ما تعذر بواسطة الغير و عن جماعة: الجواز،

و استدل له بوجوه:

احدها: انه بالفحص عنه اما ان يحصل في يده أو ييأس منه. فان حصل، و الا فهو في حكم التلف الموجب لانفساخ العقد من اصله الموجب لرجوع الثمن الي صاحبه، فهذا البيع مامون العاقبة من الخطر..

(2) و أما فوات المنفعة

مدة رجاء الظفر به فهو ضرر قد اقدم عليه، و جهالته غير مضرة خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها.

و فيه: اولا: انه مع عدم الحصول لا يحرز اليأس دائما، بل ربما يرجي حصوله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 37

و لكن يدفع جميع ما ذكر ان المنفي في حديث الغرر كما تقدم، هو ما كان غررا في نفسه عرفا، مع قطع النظر عن الاحكام الشرعية الثابتة للبيع، و لذا قوينا فيما سلف جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم.

و من المعلوم ان بيع الضال و شبهه، ليس محكوما عليه في العرف بكونه في ضمان البائع، بل يحكمون بعد ملاحظة اقدام المشتري علي شرائه بكون تلفه منه،

فالانفساخ بالتلف حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غررا عرفا و مما ذكر يظهر انه لا يجدي في رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعي بالتسليم،

فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به و الا تخير بين الفسخ و الامضاء، كما استقر به في اللمعة، (1) فإن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي فرض فيه العجز عن تسلم المبيع،

______________________________

و ثانيا: ان كون ذلك بمنزلة التلف الموجب لانفساخ العقد غير ثابت.

و ثالثا: ان الحكم بالانفساخ مرتب علي العقد الصحيح، فلا يمكن تصحيح العقد به.

و رابعا: ان الخطر من حيث الغرض المعاملي علي حاله لا يرتفع بالانفساخ.

(1) ثانيها: انه مع تعذر تسليمه له خيار التعذر، فالصحة تكون مراعاة بالتسليم،

فان تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به فيها و الا تخير بين الفسخ و الإمضاء فلا غرر.

و فيه: اولا: ان الخيار مرتب علي العقد الصحيح، فلا يعقل تصحيح العقد به.

و ثانيا: ان الغرر

من ناحية الغرض المعاملي لا يرتفع بذلك.

ثالثها ان له الامتناع من تسليم الثمن مع امتناع البائع من تسليم المبيع فلا خطر و فيه مضافا الي ما تقدم- ان الامتناع من تسليم الثمن مع عدم كونه مالكا له لا يوجب تدارك ما ذهب من ملكه- فالاظهر هو فساد بيعه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 38

فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع المبطل له، لكن قد مرت المناقشة في ذلك بمنع اطلاق الغرر علي مثل هذا بعد اطلاعهم علي الحكم الشرعي اللاحق للمبيع من ضمانه قبل القبض و من عدم التسلط علي مطالبته الثمن، فافهم.

و لو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد، فباعه علي ان يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده الي ثلاثة ايام، امكن جوازه لعدم الغرر حينئذ عرفا، (1) و لذا لا يعد بيع العين الغير المرئية الموصوفة بالصفات المعينة من بيع الغرر، لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه فيه الموجب للتسلط علي الرد، و لعله لهذا اختار في محكي المختلف تبعا للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع، فإن الظاهر منه اشتراط ضمانه، و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه، و ان كان قد يرد علي هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان، فتأمل.

______________________________

(1) رابعها: ان له شرط الخيال برد الثمن أو مثله إذا لم يحصل المبيع في يده الي ثلاثة ايام.

و فيه: اولا: ان نفوذ الشرط منوط بوقوعه في العقد الصحيح، فلا يصحح العقد به.

و ثانيا: ان الغرر الناشئ من حيث الغرض المعاملي لا يرتفع بذلك.

الرابعة المشهور بين الاصحاب انه كما لا يجوز بيع غير المقدور منفردا لا يجوز بيعه منضما بغيره و عن ظاهر الانتصار جوازه.

و يشهد للاول ان

بيع المجموع من مقدور التسليم و غيره في صفقة واحدة غرري،

و ما عن الانتصار من ارتفاع الغرر بذلك ضعيف.

و اضعف منه الاستدلال بالنص الوارد في بيع العبد الآبق الدال علي جوازه مع الضميمة إذ المناط غير محرز و التعدي يحتاج الي دليل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 39

مسألة: المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا، (1)

فلو باع بحكم احدهما بطل (2) اجماعا كما عن المختلف و التذكرة، و اتفاقا كما عن الروضة و حاشية الفقيه للسلطان، و في السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري ابطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن. فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين، و الأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين.

و يؤيده التعليل (3) في رواية حماد بن ميسرة عن جعفر عن ابيه عليه السلام انه كره ان يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم.

______________________________

اعتبار العلم بقدر الثمن

(1) قوله المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا لم يخالف في هذه الكلية احد و قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع و الاتفاق عليها.

(2) و صاحب الحدائق خالف الاصحاب في خصوص ما إذا باع بحكم المشتري للنص.

و الاسكافي خالفهم في ما إذا باع بسعر ما باع:

و المدرك لها حديث نفي الغرر المتقدم و في المتن.

(3) و يؤيده التعليل في رواية حماد «1»

و في مرآة العقول ان الخبر يحتمل وجهين، احدهما ان يكون المراد عدم معلومية نسبة الدرهم الي الدينار وقت البيع و ان كان آئلا الي المعلومية و ثانيهما، ان يكون المراد جهالتهما بسبب اختلاف الدراهم أو باختلاف الدنانير و عدم معلوميتها عند البيع أو عند وجوب اداء الثمن و لعل هذا اظهر يعني الوجه الثاني.

ثمّ نقل عن المسالك انه يجب تقييد الخبر بجهالة

نسبة الدرهم من الدينار بان جعله مما يتجدد من النقل حالا أو مؤجلا أو من الحاضر مع عدم علمها بالنسبة فلو علماها صح و في رواية السكوني «2» اشارة الي ان العلة هي الجهالة، و فيها فلعل الدينار يصير بدرهم

______________________________

(1) الوسائل باب 23 من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 40

لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة، قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام فقلت له: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه، ثمّ بعثت إليه بالف درهم فقلت له: هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها، فأبي ان يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالف درهم، فقال: اري ان تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها اكثر مما بعثتها إليه كان عليك ان ترد ما نقص من القيمة، و ان كان قيمتها اقل مما بعثت إليه فهو له قال: قلت له أ رأيت ان اصبت بها عيبا بعد ان مسستها، قال:

ليس عليك ان تردها عليه و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب، لكن التأويل فيها متعين (1) لمنافاة ظاهرها لصحة البيع، و فساده فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن معني لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص.

نعم هي محتاجة الي ازيد من هذا التأويل بناء علي القول بالفساد بأن يراد من قوله باعنيها بحكمي قطع المساومة علي ان اقومها علي نفسي بقيمتها العادلة في نظري حيث ان رفاعة كان نخاسا يبيع و يشتري الرقيق فقومها رفاعة علي نفسه بألف درهم. اما معاطاة و أما مع انشاء الايجاب وكالة و

القبول اصالة، فلما مسها و بعث الدراهم لم يقبلها المالك لظهور غبن له في البيع و ان رفاعة مخطئ في القيمة، أو لثبوت خيار الحيوان للبائع علي القول به

______________________________

و قد استدل صاحب الحدائق رد لما ذهب إليه بصحيح «1» رفاعة النخاس المذكور في المتن.

(1) و اورد عليه المصنف قدس سره: بان التأويل فيه متعين لمنافاة ظاهره لصحة البيع و فساده، إذ لو كان البيع صحيحا لزم تعين المسمي دون القيمة الواقعية، فلما ذا امر (عليه السلام) بتقويم الجارية بقيمة عادلة؟ و ان كان فاسدا فلما ذا حكم بتعين ما بعث إليه ان كانت القيمة الواقعية اقل؟ و لهذا التزم بانه يحمل علي ارادة التوكيل في التقويم و البيع بعده بما يتعين في نظره لا بالقيمة الواقعية، و الأمر برد ما نقص انما هو من جهة خيار الغبن، فكما انه إذا عين الموكل القيمة فظهر الغبن له الخيار كذلك إذا عينها الوكيل، و انما عين ذلك من جهة انه حيث لا حاجة للموكل في الجارية و الوكيل محتاج إليها

______________________________

(1) الوسائل- باب 18- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 41

و قوله ان كان قيمتها اكثر فعليك ان ترد ما نقص اما ان يراد به لزوم ذلك عليه من باب ارضاء المالك إذا اراد امساك الجارية. حيث ان المالك لا حاجة له في الجارية،

فيسقط خياره ببذل التفاوت. و أما ان يحمل علي حصول الحبل بعد المس فصارت ام ولد، و تعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع، و قد يحمل علي صورة تلف الجارية و ينافيه قوله فيما بعد فليس عليك ان تردها، الي آخره.

و كيف كان، فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري و

انصراف الثمن الي القيمة السوقية لهذه الرواية، كما حكي عن ظاهر الحدائق ضعيف، و اضعف منه ما عن الاسكافي من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت، و يكون للمشتري الخيار و يرده ان البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار.

و أما بيع خيار الرؤية فذكر الاوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر كما تقدم، عند حكاية قول الاسكافي في مسألة القدرة علي التسليم.

______________________________

فيسقط خياره ببذل التفاوت أو يحمل علي حصول الحبل بعد المس فصارت ام ولد.

و اجيب عن ذلك بجوابين:

احدهما: ما افاده المحقق الإيرواني قدس سره، و هو: ان ما ذكره يتم لو كان المراد من البيع بحكم المشتري في الرواية البيع بتعيينه المطلق، اما إذا كان المراد تعيينه لقيمة المثل و يكون تعيينه طريقيا محضا لا موضوعيا فيكون المراد من البيع بحكمه هو البيع بقيمة المثل من غير دخل لحكمه علي وجه الموضوعية، فلا حاجة الي التأويل، بل تنطبق الرواية علي القاعدة.

و فيه: - مضافا الي انها لا تنطبق علي القاعدة إذ مقتضي القاعدة هو الفساد مع عدم العلم بقيمة المثل للغرر: ان ما افاده يستلزم استرجاع الزائد ان كانت قيمتها اقل مما بعثه إليه، فهذا لا يلائم مع حكمه بعدم الرجوع الي الزائد.

ثانيهما: انه يحمل علي ارادة تعيينه بحكمه و ان تعيينه يكون موضوعيا، و لكن يشترط ان لا يكون اقل من قيمة المثل، و عليه فلو كانت القيمة السوقية اقل كان ما بعثه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 42

مسألة: العلم بقدر المثمن كالثمن شرط (1)
اشارة

باجماع علمائنا كما عن التذكرة،

و عن الغنية العقد علي المجهول باطل، بلا خلاف.

و عن الخلاف ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و ان شوهد اجماعا.

و في السرائر

ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف و الأصل في ذلك ما تقدم من النبوي المشهور (2) و في خصوص الكيل و الوزن خصوص الأخبار المعتبرة (3)

منها صحيحة الحلبي في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثمّ ان صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال لا يصلح إلا بكيل. قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام و في رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة و الإيراد علي دلالة الصحيحة

______________________________

إليه له و لو كانت ازيد لا بد من رد الزائد لاشتراطه و فيه: انه خلاف الظاهر جدا و ان تم ما افاده المصنف قدس سره و لم نورد عليه: بان متعلق الوكالة ان كان هو البيع بقيمة المثل خاصة كان البيع بغيرها فضوليا و ان كان عاما لغيرها لم يكن وجه لثبوت خيار الغبن- و ايضا لا وجه لسقوط الخيار بمجرد بذل التفاوت.

و الا فيرد الصحيح الي اهله و علي أي تقدير لا يمكن الاستدلال به علي الصحة.

عدم صحة بيع ما يكال أو يوزن جزافا

(1) لا خلاف و لا إشكال في انه اشترط في المبيع ان يكون معلوما فلا يجوز بيع المكيل و الموزون و المعدود الا مع معرفة المقدار باحدها فلا يباع المكيل و الموزون و المعدود جزافا و لو كان مشاهدا كالصبرة، و لا بمكيال مجهول كقصعة حاضرة و لا العدد المجهول كمل ء اليد و نحوها بلا خلاف، و عن غير واحد: دعوي الإجماع عليه.

(2) و يشهد له حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن

بيع الغرر «1»

(3) و جملة من النصوص: منها صحيح الحلبي «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

(2) باب 4 من ابواب عقد البيع حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 43

بالاجمال (1) و باشتمالها علي خلاف المشهور من عدم تصديق البائع (2) غير وجيه لأن الظاهر من قوله سميت فيه كيلا انه يذكر فيه الكيل فهي كناية عن كونه مكيلا في العادة. اللهم إلا ان يقال: ان توصيف الطعام بكونه كذلك الظاهر في التنويع مع انه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن إلا في مثل الزرع قائما، يبعد إرادة هذا المعني، فتأمل.

و أما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول علي شرائه سواء زاد أو نقص خصوصا إذا لم يطمئن بتصديقه لا شرائه علي انه القدر المعين الذي اخبر به البائع،

فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف، قال في التذكرة: لو اخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل صح عندنا.

و قال في التحرير لو اعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد أو نقص لم يجز.

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

(1) الأول: ان قوله (عليه السلام): و ما كان من طعام سميت فيه كيلا … الخ مجمل،

إذ لو كان المراد به ما بيع بكيل فما معني لا يصح مجازقة؟ و ان كان المراد به ما من شانه ان يباع بكيل- اي يقال انه مكيل و يكون الخطاب الي الراوي بما هو من اهل العرف و العادة- فلازمه تنويع الطعام، مع انه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن.

و فيه: انه يمكن اختيار الشق الثاني واخذ القيد توضيحيا، أو بان يقال ان من الطعام ما هو مكيل و منه ما هو موزون و

لو في بعض البلدان، فيكون مفاد قوله (عليه السلام) ذلك، ان ما يكون من الطعام مكيلا انما اعتبر فيه الكيل من جهة انه لا يصلح بيعه مجازفة،

و لازم ذلك جواز بيعه بالوزن.

(2) الثاني: ان الخبر مخالف لفتوي المشهور، فانهم افتوا بتصديق البائع في اخباره بان كيل المبيع كذا، و هذا الصحيح يدل علي انه لا يعتمد عليه.

و فيه: انه في تلك المسألة انما يلتزمون بالصحة إذا وقع البيع علي ما اخبر به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 44

و أما نسبة الكراهة الي هذا البيع فليس فيه ظهور في معني المصطلح يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح في الفساد. (1)

و في الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة، قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن بغير كيل و لا وزن، فقال: اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن تشتري منه مرابحة، فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله أو لم تزنه إذا اخذه المشتري الأول بكيل أو وزن، و قلت له عند البيع إنّي أربحك كذا و كذا (2)

و دلالتها أوضح من الاولي.

______________________________

بعنوان ان كيله ما اخبر به و انه لو نقص يأخذ الزائد و لو زاد يرده، لا بيعه بما اخبر به سواء زاد أو نقص كما هو ظاهر الخبر، مع انه في تلك المسألة يعتبرون كون البائع مؤتمنا.

الثالث: ما ذكره جماعة منهم المحقق الإيرواني قدس سره، و هو: ان المراد من قوله: و ما كان من الطعام سميت … الخ ان البيع إذا انعقد بعنوان الكيل كما إذا بيع منا من الحنطة- يعتبر الكيل في مقام التسليم صونا عن التعقب بالنزاع و المشاجرة- فهو اجنبي عن

المقام.

و فيه: ان هذا خلاف الظاهر، فانه يتوقف علي تقدير كلمة قبضه أو تسليمه بعد قوله فانه لا يصلح كما لا يخفي، و هو خلاف الظاهر.

(1) الرابع: ان قوله (عليه السلام) هذا مما يكره من بيع الطعام ظاهر في عدم الفساد.

و فيه: ان الكراهة في النصوص غير ظاهرة في الكراهة المصطلحة، بل ظاهرها المنع،

مع انه لو سلم الإجمال و عدم ظهورها في ذلك بكون المرجع قوله عليه السلام لا يصلح مجازفة، بل المحكي عن الفقيه فلا يصح مجازفة.

فالأظهر دلالة الصحيح علي اعتبار الكيل في المكيل.

(2) و منها: موثق سماعة: «1» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 45

و رواية ابان عن محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله قال: لا بأس، قلت: أ يجوز ان ابيعه كما اشتريت بغير كيل، قال: اما انت فلا تبعه حتي تكيله دلت علي عدم جواز البيع بغير كيل إلا، إذا أخبره البائع فصدقه (1) و فحوي مفهوم رواية أبي العطارد و فيها قلت: فأخرج الكر و الكرين فيقول الرجل اعطنيه بكيلك فقال: إذ ائتمنك فلا بأس به، و مرسلة ابن بكير عن رجل سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل، فقال: أما ان يأخذ كله بتصديقه، و أما ان يكيله كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه ارشادي محمول علي انه ان صدقه فلا حاجة الي كلفة كيل البعض و الا فلا يجزي كيل البعض، و يحتمل الرواية الحمل علي استيفاء المبيع بعد الاشتراء، و

كيف كان. ففي مجموع ما ذكر من الاخبار و ما لم يذكر مما فيه ايماء الي المطلب، من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل و تقرير الامام كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده و غيرها، مع ما ذكر من الشهرة المحققة

______________________________

وارد عليه المحقق الأصفهاني قدس سره: بان مورد الاستدلال.

ان كان هي الشرطية الأولي و هي قوله: فلا بأس ان اشتريته … الخ فمن الواضح ان نفي البأس عن اشترائه بلا كيل و لا وزن لا مفهوم له الا بلحاظ موضوع الشرطية و هو طعام قد كيل أو وزن، و هو من مفهوم الوصف.

و ان كان هي الشرطية الثانية و هي قوله: إذا اخذه المشتري الأول … الخ فمن البين انه تقرير لصدر الخبر حيث قال تاتي رجلا في طعام قد كيل و وزن و الشرطية إذا كانت لتحقيق الموضوع أو لتقريره لا مفهوم لها، فلا مفهوم في القضية الا مفهوم الوصف.

و فيه: انه يدل علي المفهوم من جهة وروده في مقام التحديد كما يظهر من ملاحظة السؤال و الجواب.

(1) و منها خبر «1» محمد بن حمران، و فحوي خبر «2» ابي العطارد، و مرسل «3» ابن بكير، المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من ابواب عقد البيع حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 46

و الاتفاقات المنقولة كفاية في المسألة، ثمّ ان ظاهر اطلاق جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي (1) و ان كان حكمته سد باب المسامحة المفضية الي الوقوع في الغرر، كما ان حكمة الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند اهمال ذلك الشرط،

فحينئذ فيعتبر التقدير بالكيل و الوزن و ان لم يكن في شخص المقام غرر، كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو غيره (2) المتساوي له في القيمة فانه لا يتصور هنا غرر اصلا مع الجهل بمقدار كل من العوضين، و يحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار علي المورد الغالب، و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا علي التقدير فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفي

______________________________

و منها: غير ذلك من النصوص.

و لا يخفي ان ظاهر هذه النصوص اعتبار الكيل و الوزن في المكيل و الموزون، سواء ألزم من تركهما الغرر ام لا؟ كما ان مقتضي حديث نفي الغرر مانعية الغرر الشخصي، سواء أ كان العوض مما يكال أو يوزن ام لا، فالنسبة بينهما عموم من وجه، و حيث انهما مثبتان لا تنافي بينهما فيتعين العمل بالدليلين و البناء علي اعتبار الكيل و الوزن في المكيل و الموزون،

مع عدم كون البيع غرريا.

(1) قوله ظاهر اطلاق جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخص لا إشكال في ان الغرر في حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر شخصي و ما لم يصر الغرر فعليا لا يترتب عليه حكمه كما في ساير العناوين المأخوذة موضوعا.

و أما في اخبار الكيل و الوزن فلم يؤخذ عنوان الغرر كي يصح ما ذكره المصنف قدس سره من ابتناء الصحة و الفساد في الفروع التي ذكرها علي كون الحكم منوطا بالغرر الشخصي أو النوعي فما ذكره قدس سره من المبني لا أصل له.

(2) قوله كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه يدل علي

فساد البيع في الفرض مضافا الي ادلة اعتبار الكيل حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر فانه و ان لم يلزم الغرر من حيث المالية الا انه يلزم من حيث الغرض المعاملي: إذ الاغراض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 47

كما في الفرض المزبور، و كما إذا كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع، و كما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وزن الميزان لمثله كما لو دفع فلسا و اراد به رهنا لحاجة. فان الميزان لم يوضع لمثله فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين (1) و لا منافاة بين كون الشي ء من جنس المكيل و الموزون، و عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد كما نبه عليه في القواعد و شرحها و حاشيتها، و مما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة،

فإنها و إن كانت من الموزون و لذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها الا انها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في ان معرفة مقدار ماليتها لا يتوقف علي وزنها، فهي كالقليل و الكثير من الموزون الذي لا يدخله الوزن. و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان، و كذا الدرهم و الدينار الخالصان،

فإنهما و ان كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا اجماعا الا ان ذلك لا ينافي جواز جعلهما عوضا من دون معرفة بوزنهما لعدم غرر في ذلك اصلا

______________________________

المعاملية و المقاصد العقلائية كما تختلف باختلاف الاجناس ذاتا أو وصفا كذلك تختلف باختلاف الحدود و المقادير من حيث الاحتياج الي مقدار خاص بلا نظر الي القيمة السوقية.

(1) و علي

ما ذكرناه فان لم يكن المبيع مكيلا أو موزونا- لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد-، أو كان مكيلا و موزونا و لكن كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع، أو كان الشي ء في اصله كذلك و لكن كان ماليته بالعرض تابعة لاعتبار من بيده زمام الأمر بلا دخل للمقدار فيها كالمسكوكات- غير ما هو من الذهب و الفضة و الأوراق المطبوعة- صح البيع بلا كيل و لا وزن ان لم يلزم الغرر الشخصي كما هو المفروض.

اما في الأول: فلعدم شمول ادلة الكيل و الوزن له و انصرافها عنه.

و أما في الثاني: فلأن الكيل و الوزن انما اعتبرا من جهة الطريقية الي معرفة المقادير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 48

لعدم غرر في ذلك اصلا.

و يؤيد ذلك جريان سيرة الناس علي المعاملة بهما من دون معرفة اغلبهم بوزنهما.

نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانهما عن وزنهما المقرر في وضعهما من حيث تفاوت قيمتهما بذلك. فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب. و من هنا لا يجوز اعطاء الناقص منهما لكونه غشا و خيانة. و بهذا يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود و شبهها، حيث أن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه و إلي ما ذكرنا من الفرق. اشير في صحيحة ابن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشتري الشي ء بالدراهم فاعطي الناقص الحبة و الحبتين، قال: لا حتي تبينه، ثمّ قال: الا ان تكون هذه الدراهم إلا و ضاحية التي تكون عندنا عددا. (1)

و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله مدار الغرر الشخصي قريب في الغاية إلا ان الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في

موارد كثيرة.

______________________________

و الحدود لا لخصوصية فيهما بالخصوص، كما يشهد له- مضافا الي مناسبة الحكم و الموضوع- ما دل علي الاعتماد علي اخبار البائع بالكيل أو الوزن، و قوله عليه السلام في ذيل الصحيح المتقدم فانه لا يصلح مجازفة الدال علي ان المانع هو البيع جزافا. فإذا كان الحدس موجبا للاطمئنان كفي.

و أما في الثالث: فلعدم كونه مكيلا و لا موزونا.

هذا كله في المكيل و الموزون.

(1) قوله و إلي ما ذكرنا من الفرق اشير في صحيحة ابن عبد الرحمن «1» رواها في المتن و يمكن ان يكون وجه الفرق ان الدراهم الوضاحية هي الدراهم الصحيحة فلا تكون هي ناقصة بما لا يتسامح فيه فلا بأس باعطائها من دون التبيين.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 49

ثمّ ان الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر، (1) و يشير إليه بل يدل عليه تقرير الامام في الرواية الآتية، المتضمنة لتجويز الكيل في المعدود المتعذر عده، (2) و يظهر من المحكي عن المحقق الاردبيلي المناقشة في ذلك، بل الميل الي منعه، و جواز بيع المعدود مشاهدة، و يرده رواية الجوز الآتية، و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها باعدادها، كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب وعد العلامة البطيخ و الباذنجان في المعدودات حيث قال في شروط السلم من القواعد: و لا يكفي في السلم و صحته العد من المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ و الباذنجان و الرمان، و انما اكتفي بعدها في البيع للمعاينة، انتهي.

و قد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ و الرمان إذا كان رطبا،

لعدم الوزن و ثبوته مع الجفاف، بل يظهر منه كون القثاء و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة،

و كل ذلك محل تأمل لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن.

فالظاهر ان تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد كما في الجوز و البيض.

______________________________

(1) و أما المعدود فالمشهور بين الأصحاب لزوم معرفة العدد كما مر، و عن مجمع البرهان: انه لا دليل علي عدم جواز بيع المعدود الا عدا و ان الأصل و العمومات و حصول التراضي- الذي هو العمدة في الدليل- دليل قوي، فاثبات خلافه مشكل.

(2) و لكن الذي يظهر من صحيح الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام عن الجواز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ثمّ يعد ما فيه ثمّ يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال.

عليه السلام): لا بأس به «1»

من جهة ظهوره في اعتقاد السائل، لزوم العد، و تقريره (عليه السلام) ذلك- هو لزوم العد، و به تقيد اطلاقات الأدلة.

بيع المكيل بالوزن، و العكس

و استقصاء الكلام في المقام انما يكون ببيان امور:

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 50

مسألة: [التقدير بغير ما يتعارف التقدير به]
اشارة

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل و الموزون و المعدود بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشخصي، فلا اشكال في جواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك (1) بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا. لكن تقدم ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدي الي التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في اكثر المعاملات زيادة علي التراضي الفعلي حال

المعاملة، و حينئذ فيقع الكلام و الاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه.

فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدمه، علي أقوال ثالثها جواز المكيل وزنا دون العكس، لأن الوزن أصل الكيل و اضبط، و إنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا، فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا، حيث قال و لو أسلم في المكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن الصادق عليه السلام،

و كأنه أشار بها إلي رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (صلوات الله عليهم) قال لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن.

و لا يخفي قصور الرواية سندا بوهب و دلالة بأن الظاهر منها جواز أسلاف الموزون في المكيل و بالعكس، لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن و بالعكس، و يعضده ذكر

______________________________

(1) الأول: في تقدير كل من المقدرات بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك.

و الكلام فيه في موردين:

(1) في بيع المكيل وزنا و بالعكس، و قد اختلفوا فيه علي اقوال.

ثالثها: التفصيل بين بيع المكيل بالوزن فيصح، و بين بيع الموزون بالكيل فلا يصح.

رابعها: التفصيل بين جعل كل من التقديرين طريقا الي التقدير المعتبر في المبيع في نفسه فيصح، و بين ملاحظته مستقلا فلا يصح.

فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في تقدير كل منهما بغير ما تعارف تقديره به من حيث جعله طريقا الي ما تعارف فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 51

الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن، فالذي ينبغي ان يقال ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر، من حيث جعله دليلا علي التقدير المعتبر فيه، بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون

و بالعكس، و تارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف. أما الأول فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة، و قد يكون مما لا يتسامح فيه. (1) اما الأول، فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه، لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه، غاية ما في الباب ان يجعل التقدير الآخر طريقا إليه.

و يؤيده رواية عبد الملك بن عمر و قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشتري مائة راوية من زيت فاعرض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثمّ اخذ سائره علي قدر ذلك قال: لا بأس، استدل بها في التذكرة علي جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه (2) بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي إليه

______________________________

الثاني: في تقديره به مستقلا.

(1) اما الأول: فقسمه المصنف قدس سره الي قسمين، إذ ربما يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة، و ربما يكون مما لا يتسامح فيه.

إذا كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة فالأظهر هي الصحة لما عرفت من ان اعتبار التقدير الخاص انما هو لمعرفة حد المبيع و مقداره، و التقدير بما هو طريق الي ذلك- مع كون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه ينتج ذلك و يخرج البيع عن كونه جزافيا- فيصح.

و يشهد له: - مضافا الي ذلك- صحيح الحلبي المتقدم بالتقريب الذي قدمناه و خبر «1» عبد الملك بن عمرو: المذكور في المتن.

(2) و ما عن التذكرة من حمل الخبر علي صورة التعذر،

ليس من جهة هذا الخبر نفسه، فان اتزان مائة راوية زيت ليس بمتعذر، بل من جهة صحيح الحلبي الوارد في الجوز المختص بصورة عدم الاستطاعة.

و لكن يرد عليه: انه لا مفهوم له كي

يقيد اطلاق هذا الخبر به.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 52

و اردفه بقوله و لأنه يحصل المطلوب و هو العلم، و استدلاله الثاني يدل علي عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر و التقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في مورد السؤال و هو تعذر وزن مائة راوية من الزيت. و لا يخفي ان هذه العلة لو سلمت علي وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال، انما يجب الاقتصار علي موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير، و قد عرفت ان هذا في الحقيقة تقدير، و ليس بجزاف. نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجي ء.

و أما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه، (1) فالظاهر ايضا الجواز مع البناء علي ذلك المقدر المستكشف من التقدير، إذا كان ذلك التقدير امارة علي ذلك المقدار، لأن ذلك ايضا خارج عن الجزاف، فيكون نظير اخبار البائع بالكيل،

و يتخير المشتري لو نقص و ما تقدم من صحيحة الحلبي في اول الباب من المنع عن شراء احد العدلين بكيل احدهما قد عرفت توجيهه هناك، هذا كله مع جعل التقدير الغير المتعارف امارة علي المتعارف.

______________________________

(1) و أما إذا كان التفاوت المحتمل مما لا يتسامح فيه عادة فحكمه يظهر مما سنذكره في المقام الثاني.

و تصحيحه بالبناء علي ذلك التقدير مخدوش، إذ البناء عليه الراجع الي شرط الخيار لو نقص لا يصحح العقد، لأن ذلك لا يخرجه عن الجزافية، و لذا لا يصح البيع بالمشاهدة مبنيا علي مقدار معين مما تعارف فيه.

و دعوي اطلاق الخبر.

ممنوعة، فان الظاهر و لا أقل من المحتمل كون ما بقي من مائة راوية

متحد الوزن مع ما وزن كما يظهر لمن تدبر فيه.

و أما المقام الثاني: فالمشهور بين الأصحاب علي ما نسب إليهم في محكي الرياض:

جواز بيع المكيل وزنا، و عدم جواز بيع الموزون كيلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 53

و أما كفاية احد التقديرين عن الآخر اصالة من غير ملاحظة التقدير المتعارف، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا علي المشهور، كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة، المنهي عنه في الاخبار و معقد الاجماعات لان الوزن اضبط من الكيل و مقدار مالية المكيلات معلوم به اصالة من دون ارجاع الي الكيل و المحكي المؤيد بالتتبع ان الوزن اصل للكيل و ان العدول الي الكيل من باب الرخصة. (1) و هذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات و يشهد لأصالة الوزن ان المكاييل المتعارفة في الاماكن المتفرقة علي اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكائيل عليه.

و أما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ففيه اشكال،

بل لا يبعد عدم الجواز.

و قد عرفت عن السرائر ان ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف، فإن هذه مجازفة صرفة

______________________________

(1) و استدل له المصنف قدس سره: بان الوزن اصل للكيل، و ان العدول الي الكيل من باب الرخصة، و عليه فبيع المكيل بالوزن ليس بيعا جزافيا بخلاف العكس.

و فيه: لا إشكال في ان الأصل للكيل هو الوزن، إذ الأغراض المعاملية العقلائية تختلف باختلاف مقادير الأشياء من حيث الخفة و الثقل، و لهذه الحيثية مراتب معينة يعبر عنها بالمثاقيل و ما دونها و ما فوقها، و ليس الكيل طريقا الي معرفة ذلك في نفسه فلا محالة يقدر الكيل

من حيث انه يسع مقدارا من الوزن، الا انه بعد تعارف الكيل في شي ء و عدم معرفة وزنه غالبا لا محالة لا يعرف مقدار تموله بالوزن، بل يكون ذلك ايضا بيعا جزافيا.

و ربما يستدل للجواز في الموردين بخبر وهب عن مولانا الصادق عليه السلام عن ابيه عن الإمام علي عليه السلام: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 54

إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه وعاء منضبط، فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد، فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة، فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه الي كفاية المشاهدة.

ثمّ انه قد علم مما ذكرنا انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر، (1) كالحقة و الرطل و الوزنة باصطلاح اهل العراق، الذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الاعاجم فانه غير جائز، لأن مجرد ذكر احد هذه العنوانات عليه و جعله في الميزان و وضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة. هذا كله في المكيل و الموزون.

______________________________

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لوهب.

و ثانيا: انه يدل علي انه يجوز ان يكون ثمن المكيل موزونا و بالعكس، و لا يدل علي جواز كل من الكيل و الوزن في مورد الآخر.

فالأظهر هو عدم الجواز مطلقا.

(1) و لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند احد المتبايعين دون الآخر.

يمكن الاستدلال لصحتها:

- مضافا الي سيرة المتدينين من المسافرين علي الشراء بوزن البلد الذي يحضرونه أو بكيله

مع جهلهم بالمقدار- بان الغرر لا يلزم- بعد فرض علم المشتري بان الكيل أو الوزن المشتري به متعارف في البلد- و نصوص اعتبار الكيل و الوزن تدل علي لزوم ان يكون البيع باحدهما.

و أما معلومية مقدار ما يوزن تفصيلا فلا تدل عليه، بل اغلب الناس لا يعلمون مقدار الكيل و الوزن المتعارفين في بلدهم.

و بعبارة اخري: ان تلك النصوص تدل علي المنع عن البيع جزافا و بالتخمين بلا وزن و لا كيل، و لا تدل علي ازيد من ذلك.

و لكن ثبوت السيرة المتصلة الي زمان المعصوم عليه السلام محل تأمل، و الظاهر صدق الغرر مع الجهل بالمقدار من حيث ذلك و ان لم يصدق من حيث المالية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 55

و أما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه فالكلام فيه كما عرفت في اخويه، (1) و ربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعده، فيكال بالمكيال ثمّ يعد ما فيه. ثمّ يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به.

فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة، و لم يردعه الامام عليه السلام بالتنبيه علي ان ذلك غير مختص بصورة الاضطرار، لكن التقرير غير واضح، فلا ينهض الرواية لتخصيص العمومات و لذا قوي في الروضة الجواز مطلقا.

و أما كفاية الكيل فيه اصالة فهو مشكل لأنه، لا يخرج عن المجازفة، و الكيل لا يزيد علي المشاهدة.

و أما الوزن، فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم انه لا يكفي العد في المعدودات، و ان جاز بيعها معجلا بالعد، بل لا بد من الوزن، انه لا

خلاف في انه اضبط و انه يغني عن العد، فقولهم في شروط العوضين انه لا بد من العد في المعدودات محمول علي اقل مراتب التقدير

______________________________

و النصوص انما هي في صدد بيان اعتبار العلم بمقدار المبيع لا مجرد الكيل و الوزن من حيث هما.

فالأظهر بطلان تلك المعاملة.

و أما صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام: لا يصلح للرجل ان يبيع بصاع غير صاع المصر «1».

فالظاهر منه المنع عن البيع بغير صاع المصر بتدليس انه صاع المصر، فلا يدل علي جواز البيع بصاع المصر و ان لم يعلم مقداره.

(1) المورد الثاني:

في بيع المعدود بالكيل أو الوزن.

لا كلام في انه إذا كان الكيل أو الوزن طريقا الي العدد يجوز ذلك كما تقدم، و صحيح الحلبي المذكور «2» في المتن المختص بصورة تعذر العد لا مفهوم له كي يدل علي عدم جوازه مع الإمكان، و تقريره عليه السلام لما في ذهن السائل من عدم الجواز مع الإمكان غير ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 2.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب عقد البيع حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 56

لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم و يكفي الوزن عن العد، فإنه يوهم كونه الاصل في الضبط، الا ان يريدوا هنا الاصالة و الفرعية بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة، فافهم.

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا (1) فقد قيل ان الموجود في كلام الاصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع،

و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا، و الا فلا.

و عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق نسبته

الي الاصحاب، و ربما منع ذلك

______________________________

و أما إذا لم يكن ذلك بعنوان الطريقية فقد اختار المصنف قدس سره كفاية الوزن فيه،

و الظاهر ان وجهها اصالة الوزن في التقدير مطلقا حتي في المعدود.

و فيه: ان اصالة الوزن لو سلمت لا تفيد بعد فرض كون مناط المالية في شي ء العدد،

فانه يلزم من بيعه بالوزن الغرر. فالأظهر عدم الكفاية.

المناط في المكيل و الموزون

(1) الثاني: في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا.

و قبل الشروع في بيان المختار و دليله، ينبغي تقدير امور:

الأول: ان مورد البحث هو انه هل المدار علي ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النبي صلي الله عليه و آله لا علي كيل عصره و وزنه، فانه لم يقل بذلك احد، و لا يكون ذلك رافعا للغرر.

و بعبارة اخري: مورد الكلام تعيين ما هو مكيل أو موزون لا تعيين الكيل و الوزن،

إذ لا كلام في ان المكيل يكال بالمكيل المتعارف في كل عصر، و الموزون يوزن بالميزان المتعارف في كل زمان. فما في عبارة المبسوط المنقولة في المكاسب و المكيال مكيال اهل المدينة و الميزان ميزان اهل مكة لا بد من تأويله، لا سيما و قد نفي الخلاف عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 57

بعض المعاصرين قائلا ان دعوي الاجماع علي كون المدار هنا علي زمانه صلي الله عليه و آله علي الوجه المذكور غريبة (1) فاني لم اجد ذلك في كلام احد من الاساطين، فضلا عن ان يكون اجماعا، نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة الي حكم الربا لا انه كذلك بالنظر الي الجهالة و الغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلي الله عليه و آله في رفع شي ء من ذلك و اثباته، انتهي.

اقول ما ذكره دام

ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط العوضين و إنما ذكروه في باب الربا حق، إلا أن المدار وجودا و عدما في الربا علي اشتراط الكيل و الوزن في صحة بيع جنس ذلك الشي ء.

و اكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط و المعيار فيه هنا يعني في شروط العوضين الا ان الاكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا و في ذلك الباب.

و أما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا و عدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو حلاف الواقع

______________________________

الثاني: ان النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل و الموزون، فان مفهومهما اللغوي واضح، و لا حقيقة شرعية لهما قطعا، و لا تكون مكيلية شي ء أو موزونيته من الأمور الواقعية، و يكون نظر العرف و الشرع طريقا إليها حتي يكون الشارع مصوبا للعرف تارة و مخطئا لهم اخري، بل هما امران جعليان رتب الشارع علي هذا الأمر الجعلي البنائي الذي بني العرف عليه حكما، و حيث ان الجعل و البناء يختلف باختلاف الأعصار و الأمصار،

فلذا وقع النزاع في انه هل المعيار عصر خاص و مصر مخصوص، ام الميزان صدق عنوان كون الشي ء مكيلا أو موزون؟

الثالث: المحكي: عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق: ان الأصحاب افتوا بان المراد بالمكيل و الموزون ما ثبت فيهما الكيل و الوزن في زمانه صلي الله عليه و آله، و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما.

(1) و اورد عليهما صاحب الجواهر قدس سره: باني لم اجد ذلك في كلام احد من الأساطين، فضلا عن ان يكون اجماعا نعم، قد ذكروا ذلك بالنسبة الي الربا.

و المصنف قدس سره ذكر طرقا ثلاثة لاستفادة ان الفقهاء

افتوا بذلك:

58/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 58

أما أولا: فلشهادة تتبع كلمات الاصحاب بخلافه، (1) قال في المبسوط في باب الربا: إذا كانت عادة الحجاز علي عهده صلي الله عليه و آله في شي ء الكيل لم يجز الا كيلا في سائر البلاد و ما كانت فيه وزنا لم يجز الا وزنا في سائر البلاد و المكيال مكيال اهل المدينة و الميزان ميزان اهل مكة هذا كله بلا خلاف، فإن كان مما لا تعرف عادة في عهده صلي الله عليه و آله حمل علي عادة البلد الذي فيه ذلك الشي ء فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا، و ما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا، انتهي.

و لا يخفي عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع لا لخصوص مبايعة المتماثلين و نحوه كلام العلامة في التذكرة.

و أما ثانيا: فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا. و في باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شي ء واحد، (2) اعني المكيل و الموزون قد حمل عليه حكمان، احدهما عدم صحة بيعه جزافا، و الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا، و يزيده وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.

______________________________

(1) الأول: ان التتبع في كلمات الأصحاب يشهد بذلك. و ذكر منها عبارة المبسوط.

و فيه: أن ما افاده في المبسوط الصريح في ذلك خيرة التذكرة و نهاية الأحكام و المختلف و حواشي الشهيد و غيرها، و هو المنقول عن القاضي كما عن مفتاح الكرامة،

و لكن القدماء من الأصحاب لم يصر حوا بذلك.

(2) الثاني: ان المقطوع به بعد التتبع ان الموضوع في هذه المسألة و في مسألة الربا

واحد و هو المكيل و الموزون، و قد حمل عليه حكمان:

احدهما: عدم جواز بيعه متفاضلا.

ثانيهما: عدم جواز بيعه مجازفة. فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.

و فيه: ان ما ذكروه ان كان ضابطة لتعيين المفهوم، أو كان ضابطة لتعيين المصداق مع كونه ظاهرا في ضبط ما هو مصداق الموضوع في المقامين، كما إذا ذكروا المسألتين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 59

و أما ثالثا: فلأنه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ان من شرط الربا كون الكيل و الوزن شرطا في صحة (1) بيعه قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل و الوزن في الربا تفريعا علي ذلك انه لا ربا في الماء إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن و قال في الدروس و لا يجري الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا. ثمّ قال و كذا الحجارة و التراب و الحطب و لا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لأن الوزن غير شرط في صحته، انتهي.

و هذا المضمون سهل الاصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا و شرح القواعد و حاشيتها للمحقق الثاني و الشهيد عند قول العلامة و المراد بالمكيل و الموزون هنا جنسه و ان لم يدخلاه لقلته كالحبة و الحبتين من الحنطة أو لكثرته كالزبرة و لازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل و الوزن في صحة بيعه انه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو موزونا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا و إلا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه.

و

بالجملة فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس و اشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفي علي المتتبع في كتب الاصحاب و حينئذ فنقول: كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلي الله عليه و آله فهو ربوي في زماننا (2) و لا يجوز بيعه جزافا، فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا و ان لم يلزم غرر للاجماع.

______________________________

بنحو الاتصال و في ذيلهما ذكروا ذلك تم ما افاده.

و لكن بما ان ما ذكروه انما يكون في مقام ضبط ما هو المصداق في ذيل مسألة الربا خاصة و لا إطلاق له يشمل هذه المسألة، فلا يجدي ذلك في المقام بعد كون ظاهر الدليل ان الموضوع فيها كل ما صدق عليه هذا المفهوم لا خصوص مصداق خاص منه.

الثالث: ما هو مركب من امرين:

(1) احدهما: انه يشترط عند الأصحاب في الربا ان يكون الكيل و الوزن شرطا في صحة بيعه.

(2) ثانيهما: اتفاقهم علي ان العبرة في المكيل و الموزون الجاري فيه الربا علي ما هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 60

______________________________

و لما عرفت من ان اعتبار الكيل و الوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور، لرفع التنازع و اعتبار الانضباط في المسلم فيه، لأن في تركه مظنة التنازع و التغابن و نحو ذلك.

و الظاهر كما عرفت من غير واحد ان المسألة اتفاقية، و أما ما علم انه كان يباع جزافا في زمانه صلي اللّٰه عليه و آله فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا.

و الظاهر انه اجماعي، كما يشهد به دعوي بعضهم الاجماع علي ان مثل هذا ليس بربوي و الشهرة

محققة علي ذلك نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من اطلاق النهي عن بيع المكيل أو الموزون جزافا.

الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه السلام أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو احدهما و ان لم يتعارف في غيره، و كذلك قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة. الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب و في عرفه، و ان لم يكن كذلك في عرف الشارع.

اللهم الا ان يقال: انه لم يعلم ان ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام و اصحابهم كذلك في عهد الشارع الأقدس. فانه يستنتج منهما اعتبار الكيل و الوزن في ما كان مكيلا و موزونا في عهده.

و ان شئت قلت: بهيئة الشكل الأول ما كان مكيلا أو موزونا في عهده يجري فيه الربا، و ما يجري فيه الربا يشترط ان يباع بالكيل أو الوزن، و نتيجتهما ان كل ما كان مكيلا أو موزونا في عهده يشترط ان يباع بالكيل أو الوزن.

و فيه: ان الأمر الأول- و هو الكبري في القياس- ان اريد به ان من شرط جريان الربا كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه و لو في زمانه صلي الله عليه و آله خاصة فهو حق، الا انه لا يفيد للمستدل. و ان اريد به انه من شرطه كون ذلك شرطا في صحته الي الأبد، و ما دام يجري فيه الربا فهو اول الكلام و غير ثابت.

فالإنصاف ان دعوي الإجماع، بل الشهرة في المقام في غير محلها.

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم: ان الكلام يقع في موردين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 61

كان غير مقدر في زمان الشارع،

حتي يتحقق المنافاة، و الاصل في ذلك ان مفهوم المكيل و الموزون في الأخبار لا يراد بهما كل ما فرض صيرورته كذلك، حتي يعم ما علم كونه غير مقدر في زمان الشارع، بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم، و هذه الافراد لا يعلم عدم كونها مكيلة و لا موزونة في زمن النبي صلي الله عليه و آله لكن يرد علي ذلك مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال و يوزن، (1) انه لا دليل حينئذ علي اعتبار الكيل في ما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان، مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر، إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل و الموزون، بل لا بد من كونه احد المصاديق الفعلية في زمان صدور الاخبار و لا دليل ايضا علي الحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان.

و الحاصل ان الاستدلال باخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن علي ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه و آله، ثمّ بما اتفق عليه البلاد، ثمّ بما تعارف في كل بلدة بالنسبة الي نفسه في غاية الاشكال فالاولي تنزيل الاخبار علي ما تعارف تقديره عند المتبايعين

______________________________

الأول: في بيان ما يستفاد من الأدلة.

الثاني: في ما استدل به علي ما هو المنسوب الي المشهور.

اما المورد الأول: فالمستفاد منها: ان المدار في اعتبار الكيل و الوزن علي ما هو مكيل أو موزون في زمان البيع و بلده، فما كان مكيلا أو موزونا في زمان البيع و بلده اعتبر في صحة بيعه ذلك، و ما لم يكن كذلك و ان كان في زمان الشارع مكيلا أو

موزونا لا يعتبر في صحته ذلك، لأن دليل اعتبار هذا الأمر حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر «1».

و النصوص الخاصة المتقدمة.

اما الحديث فدلالته علي ما ذكرناه واضحة، فان من المعلوم عدم دخل المدخلية لزمانه صلي الله عليه و آله في رفع الغرر و اثباته.

(1) و أما النصوص فالمأخوذ فيها المكيل و الموزون من دون التقييد بزمان خاص و بلد

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 62

و ثبات ما ينافي ذلك من الاحكام المشهورة بالاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة، و كذا الاشكال لو علم التقدير في زمن الشارع و لم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع (1) و لكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان. بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية و لكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه، انتهي.

و ذكر المحقق الثاني ايضا: ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله، فالمعتبر هو العرف

______________________________

مخصوص، و مقتضي اطلاقه دوران الحكم مدار فعلية هذا الموضوع عند ايقاع المعاملة من حيث زمانها و مكانها.

و بعبارة اخري: قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا لا يصلح مجازفة من القضايا الحقيقية المتضمنة لإنشاء الحكم فيها علي الموضوعات المقدر وجودها، فكل ما صدق عليه هذا العنوان يشمله هذا الحكم، من غير فرق بين

الأزمنة و الأمكنة.

و أما المورد الثاني: فالمنسوب الي المشهور دعويان:

الأولي: ان العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه و آله.

الثانية: ان ما لم يثبت كونه مكيلا أو موزونا في عهده العبرة فيه بما اتفق عليه البلدان.

و قد استدل للأولي بالاجماع و بان المراد من المكيل و الموزون المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم.

(1) و بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 63

السابق، و لا أثر للتغير الطارئ للاستصحاب و لظاهر قوله صلي الله عليه و آله حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة. و أما في الأقارير و الايمان و نحوها فالظاهر الحوالة علي عرف ذلك العصر الواقع فيه شي ء عنها حملا له علي ما يفهمه الموقع، انتهي.

اقول ليس الكلام في مفهوم المكيل و الموزون، بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم، فإن المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا فلا يباع جزافا أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا. اما ان يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف، و علي اي تقدير، فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد، فلا بد لبيان حكم غير المراد من دليل خارجي و ارادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها و خصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقه، لامع عدمه غير صحيحة كما لا يخفي.

و لعل المقدس الاردبيلي اراد ما ذكرنا حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع و العرف العام و العرف الخاص، معللا باحتمال ارادة الكيل و الوزن المتعارف عرفا عاما

أو في اكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة الي كل بلد، بلد كما قيل في المأكول و الملبوس في السجدة من الامر الوارد بهما لو سلم، و الظاهر هو الاخير،

انتهي.

و قد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الالفاظ الواردة في الاخبار حملها علي

______________________________

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما تقدم. و ما عن المبسوط من نفي الخلاف عنه، لا يدل علي الإجماع، إذ عدم الخلاف في اصطلاح القدماء محمول علي امر آخر غير الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم، مع انه لو ثبت ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

و أما الثاني: فلأن الظاهر من هذه القضية كسائر القضايا الشرعية كونها قضية حقيقية لا خارجية، أ لا تري انه لم يتوهم احد اختصاص ما دل علي حرمة تنجيس المسجد بالمساجد الموجودة في عهد الشارع. و بالجملة: ما ذكرناه واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 64

عرفهم صلوات الله عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم عليه في الازمنة المتأخرة، و ما لم يعلم، فهو بناء علي قواعدهم يرجع الي العرف العام الي آخر ما ذكره من التفصيل، ثمّ قال: و يمكن ان يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإن الظاهر ان المرجع في كونه مكيلا الي تسميته عرفا مكيلا، و يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام انتهي.

اقول: قد عرفت ان الكلام هنا ليس في معني اللفظ، لان مفهوم الكيل معلوم لغة، و انما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم، (1) ثمّ لو فرض كون الكلام في معني اللفظ، كان اللازم حمله علي العرف العام

إذا لم يكن عرف شرعي لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ علي المعني العرفي، بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعني الشرعي، و مع العجز يحكم بإجمال اللفظ، كما هو واضح، هذا كله مع ان الاخبار انما وصلت الينا من الأئمة (صلوات الله و سلامه عليهم) فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع. و أما ما استشهد به للرجوع الي العرف العام من قوله عليه السلام ما سميت فيه كيلا الخ

______________________________

و أما الثالث: فلما عرفت من ان النزاع في المقام ليس في المفهوم، فانه مبين معلوم و لا حقيقة شرعية له.

(1) و انما الكلام في انه هل العبرة بمصداق خاص من هذا المفهوم، ام الميزان كلما صدق عليه ذلك، مع ان النصوص انما وصلت الينا من الأئمة عليهم السلام لا منه صلي الله عليه و آله، فلو كان الميزان عرف المتكلم كان اللازم اعتبار كيل زمانهم و وزنه كما لا يخفي.

و استدل للثانية:

بالإجماع و بان الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية.

و بمضمر علي بن ابراهيم الطويل: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن الا الي العامة و لا يؤخذ فيه الخاصة، فان كان قوم يأكلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم، لأن اصل اللحم ان يوزن، واصل الجوز ان يعد «1».

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الربا حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 65

فيحتمل ان يراد عرف المخاطب فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين. نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص لمقطوعة ابن هاشم الآتية، فتأمل و أبعد شي ء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد: من ان الحقيقة

العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهي.

و بالجملة، فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل، لكن الظاهر ان كلها متفق عليها. نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو انه يغلب جانب التحريم، كما عليه جماعة من اصحابنا، لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير، ثمّ انه يشكل الأمر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع، لكن لم يعلم ان تقديره بالكيل أو بالوزن ففيه وجوه أقواها و أحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر، و أشكل من ذلك ما لو علم كون الشي ء غير مكيل في زمن الشارع أو في العرف العام، مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص و لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي الغرر لاحتمال كون ذلك الشي ء من المتبدلات في زمن الشارع أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته. و قد بلغ عند قوم في العزة إلي حيث لا يتسامح فيها،

فالأقوي وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العد.

و بالجملة فالاولي جعل المدار فيما لا إجماع فيه علي وجوب التقدير بما بني الامر في مقام استعلام مالية الشي ء علي ذلك التقدير، فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العدد، بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان و البطيخ، فإنه لا يجاب إلا بالوزن، و إذا سئل عن مقدار الحنطة و الشعير، فربما يجاب بالكيل و ربما يجاب بالوزن لكن الجواب

بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن، إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن و قد تقدم ان الوزن اصل في الكيل و ما ذكرنا هو المراد بالمكيل و الموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل و الوزن عند البيع و بدخول الربا فيهما، و أما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير باحد الثلاثة كالماء و التبن و الخضريات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 66

فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلف البلاد في التقدير و العدم، فلا اشكال في التقدير في بلد التقدير. و أما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشي ء عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت المشاهدة، و ان كان لعدم مبالاتهم بالغرر و اقدامهم عليه حرصا مع الاعتداد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة، فلا اعتبار بعادتهم، بل يجب مخالفتها. فإن النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر و المجازفات، كبيع الملاقيح و المضامين و الملامسة و المنابذة و الحصاة علي بعض تفاسيرها و ثمر الشجر قبل الوجود و غير ذلك لم يرد الا ردا علي من تعارف عندهم الاقدام علي الغرر و البناء علي المجازفات الموجب لفتح ابواب المنازعات و إلي بعض ما ذكرنا اشار ما عن علي بن ابراهيم، عن ابيه،

عن رجاله ذكره في حديث طويل، قال: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن الا الي العامة،

و لا يؤخذ فيه الخاصة، فإن كان قوم يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم،

لأن اصل اللحم ان يوزن واصل الجوز ان يعد، و علي ما ذكرنا،

______________________________

و أما الثاني: فلما عرفت من ان النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل و الموزون كي يتم فيه ذلك، بل

في انه هل لمصداق خاص منه خصوصية ام لا.

و أما الثالث: فلعدم حجيته لعدم اتصال الخبر الي المعصوم، و عدم حجية قول التابعي من حيث هو.

مع ان المراد بالعامة ليس جميع الناس و الا لما كان يوجد- سيما في عصر الخبر- شي ء يحرز اتفاق الناس عليه، بل المراد منه ان بناء المتعاقدين لا يكفي، بل يعتبر بناء قوم كأهل بلد عليه، فهو ينطبق علي ما ذكرناه.

مضافا الي انه لو اغمض عن ذلك و سلم كونه دالا علي ما ذهب إليه المشهور يقع التعارض بينه و بين صحيح الحلبي الدال علي ان الميزان هو ما يسمي كيلا عند المتعاقدين بما هما من افراد البلد، و المحل و الترجيح معه كما لا يخفي.

و بناء علي ما اخترناه تسقط جملة من الفروع التي ذكرها المصنف قدس سره، و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 67

فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع (1) لا ببلد العقد و لا ببلد المتعاقدين، و في شرح القواعد لبعض الاساطين، ثمّ الرجوع الي العادة مع اتفاقها اتفاقي، و لو اختلف فلكل بلد حكمه كما هو المشهور، و هل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين الأقوي، الأول و لو تعاقدا في الصحراء (2) رجعا إلي حكم بلدهما، و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم أو ذو الاعتبار علي ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه و المشتري في ثمنه أو يبني علي الأقراع مع الاختلاف، و ما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير و لعله الأقوي، و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان و الأولي التخلص بإيقاع المعاملة علي وجه لا يفسدها الجهالة من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة و نحوها، و

لو حصل الاختلاف في البلد الواحد علي وجه التساوي فالأقوي التخيير، و مع الاختصاص بجمع قليل اشكال، انتهي.

______________________________

نعم يبقي منها فرعان:

الاول: لو فرضنا كون المبيع في بلد، و العقد في بلد آخر، و المتعاقدين اهل بلد ثالث،

و كان ذلك الشي ء في احد البلاد مقدرا بغير ما يقدر به في البلاد الاخر.

(1) فهل العبرة ببلد فيه وجود المبيع كما اختاره المصنف قدس سره ام ببلد العقد.

ام ببلد المتعاقدين؟ وجوه:

اظهرها الثالث، فانه الظاهر من صحيح الحلبي ما سميت فيه كيلا فانه موجه الي البائع.

(2) الثاني: انه لو وقعت المعاملة في الصحراء و كان البلاد مختلفة في التقدير و لم يكن الصحراء ملحقة باحدها، فان كان المتعاقدان اهل بلد لحقهما حكمه كما تقدم، و الا فلا يعتبر في بيعهما الكيل و الوزن لعمومات الصحة بعد عدم شمول دليل الكيل و الوزن لهذا المورد كما هو واضح. نعم يعتبر رعاية عدم الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 68

مسألة: لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه (1)

علي المشهور،

و عبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه، و يدل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة،

و ما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول علي صورة ايقاع المعاملة غير مبنية علي المقدار المخبر به، و ان كان الاخبار داعيا إليها، فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر.

و قد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك.

______________________________

اخبار البائع بقدر المبيع

(1) الثالث: لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور و ظاهر التذكرة الاتفاق عليه.

الظاهر ان الغرر و ان كان يرتفع بايقاع المعاملة مبنية علي المقدار المخبر به، الا انه قد عرفت انه يعتبر الكيل و الوزن و ان لم يلزم الغرر من عدمهما، و معلوم ان بذلك لا يتحقق هذا القيد،

فعلي هذا يتعين الرجوع الي النصوص الخاصة.

و هي علي طوائف:

الأولي: ما دل علي الاعتماد عليه مطلقا: كخبر محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و اخذناه بكيله، فقال: لا بأس «1» و نحوه غيره.

الثانية: ما دل علي عدم الاعتماد عليه: كصحيح الحلبي المتقدم «2».

الثالثة: ما دل علي الاعتماد عليه في صورة الائتمان خاصة: كخبر ابي العطارد عن مولانا الصادق عليه السلام: إذا ائتمنك فلا باس «3». و نحوه غيره.

و الجمع بينها- لو سلم كون المقام مشمولا لصحيح الحلبي، و لم نقل باختصاصه بما إذا كان الأخبار عن حدس لاعن حس كما هو ظاهره- يقتضي تقييد اطلاق الطائفة الأولي بمفهوم الثالثة، و تقييد اطلاق الثانية بمنطوقها، و بذلك يرتفع التعارض

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 2.

(3) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 69

ثمّ ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار، (1) كما يشهد به الروايات المتقدمة، فلو لم يفد ظنا فإشكال من بقاء الجهالة الموجبة للغرر و من عدم تقييدهم الاخبار بإفادة الظن و لا المخبر بالعدالة، و الاقوي بناء علي اعتبار التقدير و ان لم يلزم الغرر الفعلي هو الاعتبار. نعم لو دار الحكم مدار الغرر، كما في صحة المعاملة ايقاعها مبنية علي المقدار المخبر به و ان كان مجهولا و يندفع الغرر ببناء المتعاملين علي ذلك المقدار، فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة علي اوصاف مذكورة في العقد، فيقول بعتك هذه الصبرة علي انها كذا و كذا

صاعا، و علي كل تقدير الحكم فيه بالصحة، فلو تبين الخلاف، (2) فاما ان يكون بالنقيصة

______________________________

و بما ذكرناه يظهر ما في كلام المحقق النائيني من حمل صحيح الحلبي علي الكراهة، كما انه يظهر اعتبار كون المخبر مؤتمنا، و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره.

(1) حيث قال: ثمّ ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار.

(2) و علي القول بالصحة فلو عامل و تبين الخلاف، فتارة: يكون بالنقيصة،

و اخري: يكون بالزيادة فالكلام يقع في مقامين:

اما المقام الاول، فالاقوال و الوجوه فيه خمسة الأول: البطلان.

الثاني: الصحة لزوما.

الثالث: الصحة مع ثبوت خيار الغبن.

الرابع: الصحة مع ثبوت خيار الشرط.

الخامس: الصحة مع ثبوت خيار تبعض الصفقة.

و تنقيح القول بالبحث في موارد:

الأول: في انه هل يصح ام يكون باطلا؟

الثاني: في انه علي فرض الصحة هل يكون علي وجه اللزوم أو الجواز؟

الثالث: في انه علي فرض الجواز هل الثابت خيار تخلف الشرط، أو خيار تبعض الصفقة، أو خيار الغبن؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 70

و أما ان يكون بالزيادة، فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ و بين الإمضاء، بل في جامع المقاصد احتمال البطلان، كما لو باعه ثوبا علي انه كتان فبان قطنا، ثمّ رده بكون ذلك من غير الجنس و هذا منه و إنما الفائت الوصف لكن يمكن ان يقال مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية (1) لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما في أصل الحقيقة بخلاف الجزء و الكل فتأمل.

فإن المتعين الصحة و الخيار، ثمّ انه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة و للمشتري مع النقيصة بقوله تخير المغبون، فربما تخيل بعض تبعا لبعض ان هذا ليس من

خيار فوات الوصف أو الجزء، معللا بأن خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد، و يدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة: بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص. و في باب الصرف من القواعد: بأنه لو تبين المبيع علي خلاف ما اخبر البائع تخير المشتري بين الفسخ و الإمضاء بحصة معينة من الثمن، و تصريح

______________________________

اما المورد الأول: فقد استدل للبطلان في المتن.

(1) بمغاير الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية فما وقع عليه العقد لا وجود له. افرض خمسة امنان إذا تبين ان الموجود اربعة امنان،

و ماله وجود لم يقع عليه العقد، فلا بد من البناء علي البطلان.

و فيه: ان العناوين علي قسمين:

احدهما: ما هو مناط مالية الاشياء، و هي الصورة النوعية من غير فرق بين العقلية و العرفية، كعنوان الذهب، و العبد، و ما شابههما.

ثانيهما: ما ليس مناط المالية، و انما يبذل الثمن بازاء المعنون كالكم الخاص و الحد المخصوص، فان الثمن لا يبذل بازاء هذا العنوان بما هو كعنوان المن، بل يبذل بازاء المعنون،

اي الاجزاء الخارجية المعنونة بهذا العنوان، و ما ذكر يتم في القسم الأول، و هو اجنبي عن المقام و لا يتم في القسم الثاني، فانه ينحل العقد الي العقد علي كل جزء جزء، فالمقدار الموجود لا مانع من تأثير العقد فيه، و المقصود ليس شيئا كي يؤثر العقد في تمليكه. و هذا بخلاف القسم الاول، فانه لا ينحل العقد فيه الي العقد علي ذات الموجود و العقد علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 71

جامع المقاصد في المسألة الاخيرة بابتنائها علي المسألة المعروفة و هي ما لو باع متساوي الاجزاء علي انه مقدار معين فبان

اقل، و من المعلوم ان الخيار في تلك المسألة اما لفوات الوصف، و أما لفوات الجزء علي الخلاف الآتي. و أما التعبير بالمغبون فليشمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة، (1) نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع و المشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف، حيث قال: تخير المغبون منهما و أما ما ذكره من ان الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ففيه ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ككتابة العبد و خياطته. و أما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو العد فهذا لا يحتاج الي ذكره في متن العقد، فإن هذا اولي من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في العقد، فإن معرفة وجود ملاحظة الصحة

______________________________

عنوانه، فان المادة المشتركة لا مالية لها و لا يبذل المال بازائها. فالاظهر هي الصحة.

و أما المورد الثاني: فالأظهر هو الجواز، لأن التراضي لم يقع بالمبيع علي كل تقدير و الا بطل البيع للغرر و الجهالة و سيجي ء في المورد الثالث زيادة توضيح لذلك.

و أما المورد الثالث: فقد ظهر مما ذكرناه في المورد الأول وجه ثبوت خيار تبعض الصفقة.

و أما ثبوت خيار الغبن فلا وجه له، لأن ذلك انما يثبت فيما إذا بيع بازيد من القيمة السوقية، و في المقام ربما يكون بانقص منها كما لا يخفي، لا في موارد تخلف المبيع جزءا أو وصفا.

فما في القواعد علي المحكي في المتن قبل اسطر من ثبوت خيار الغبن، ان كان تسامحا في العبارة.

(1) كما في المتن قال

و أما التعبير بالغبن فليشتمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة فلا كلام، و الا فهو، غير تام.

و أما ثبوت خيار تخلف الشرط فانما هو فيما إذا وقع البيع مثلا علي شي ء و اشترط صريحا أو ضمنا في ضمنه شي ء آخر، بحيث لم يقع شي ء من الثمن بازاء الشرط و ان كان موجبا لازدياد قيمة المبيع، و المقام ليس من هذا القبيل، فان كل جزء من المبيع وقع بازائه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 72

ليست من مصححات العقد بخلاف معرفة وجود المقدار المعين، و كيف كان فلا اشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف، و انما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع أو وصف من اوصافه، فلذلك اختلف في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن، أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الاجزاء الي المعدوم. (1)

و تمام الكلام في موضع تعرض الاصحاب للمسألة، ثمّ ان في حكم اخبار البائع بالكيل و الوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا الي مقدار المبيع و اوقع العقد بناء عليه، كما إذا جعلنا الكيل في المعدود و الموزون طريقا الي عده أو وزنه.

______________________________

جزء من الثمن، و عليه فيسترد مقدار من الثمن وقع بازاء الجزء المفقود، و له الخيار بين الإمضاء و الفسخ بعد ذلك.

(1) و الفرق بين هذه الأقسام من الخيار انه لو كان الثابت خيار تبعض الصفقة يرد جزء من الثمن ثمّ يتخير بين الفسخ و الإمضاء،

و لو كان هو خيار الشرط لا يرد شي ء،

و لو كان خيار الغبن يتخير بينهما ما لم يبذل البائع التفاوت، و الا فلا خيار له.

و أما المقام الثاني: فمن

التزم بالبطلان في المقام الأول لا بد له من الالتزام به في المقام،

و لكن عرفت فساده فما عن المبسوط من البطلان ضعيف، و لا وجه لخيار الغبن كما تقدم،

و لا لخيار التبعض لعدمه، و لا لخيار الشرط لما تقدم.

و دعوي ان العقد يؤثر في ملكية ذات المبيع و شرط وصف خاص مباين للموجود لا يوجب الا الخيار بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن، و نتيجة ذلك الصحة، و كون الزيادة للمشتري و ثبوت الخيار للبائع بين الامضاء بتمام الثمن، و الفسخ كما التزم به المصنف قدس سره في باب الشروط،

مندفعة بان شرط المقدار غير سائر الشروط كما تقدم، فالعقد لا يؤثر الا في المتقدر، و الزائد باق علي ملك البائع، و لذلك يثبت خيار تخلف الشرط للمشتري من جهة حصول الشركة بينه و بين البائع، في ما اشتراه، و الشركة نقص بناء المتعاملين علي عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 73

مسألة: قال في الشرائع يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

و ان لم يمسحا (1) و لو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك و تعذر ادراكه بالمشاهدة،

انتهي.

و في التذكرة لو باع مختلف الاجزاء مع المشاهدة صح كالثوب و الدار و الغنم اجماعا.

و صرح في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم و ان لم يعلم عددها.

أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد (2) لثبوت الغرر غالبا مع جهل اذرع الثوب و عدد قطيع الغنم و الاعتماد في عددها علي ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة.

و بالجملة فإذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم قلة و كثرة يعلم بالعدد، فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها و بين الجهل بالمقدار في المكيل و الموزون و المعدود. و كذا الحكم في عدد الأذرع و الطاقات في الكرابيس و

الجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب. نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس، لكن الاعتماد علي هذه من حيث كونه طريقا الي عدد الاذرع، نظير اخبار البائع، و ليس هذا معني كفاية المشاهدة و تظهر الثمرة في ثبوت الخيار، إذ علي تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة الي ما حصل التخمين به من المشاهدة، الا إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا و عرضا.

______________________________

بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

(1) الرابع: قال في الشرائع: يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة و ان لم يمسحا.

و قد صرح غير واحد بصحة بيع مختلفة الأجزاء كالثوب و الدار و الغنم مع المشاهدة، و ادعوا ان عليها الإجماع.

و اورد عليهم جمع منهم المصنف قدس سره: قال بانه.

(2) يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد لثبوت الغرر.

و ظاهر بعض الموردين و صريح آخرين الحكم بالجواز مع عدم لزوم الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 74

و بالجملة فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل اناطة الحكم به و لو لم يكن غرر، كما استظهرناه في المكيل و الموزون، فافهم.

مسألة: بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء (1)
اشارة

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين و شبه ذلك يتصور علي وجوه:

الأول: أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة (2)

مقدرا بذلك العنوان فيريد بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة اصوع عشرها، و من عبد من العبدين نصفهما

______________________________

و لكن الأظهر عدم الصحة في جملة من تلك الموارد و لو لم يلزم الغرر، و هي الموارد التي يباع الشي ء بالعد و الذرع.

اما في الأول: فلما تقدم من دلالة الدليل علي اعتبار العد في المعدود،

و أما في الثاني: فلأن العد بالذرع ايضا داخل في حقيقة العد، و لا فرق بين ان يقال جوزة و جوزتان و ان يقال ذرع و ذرعان، و مجرد كون الأول من قبيل الكم المنفصل،

و الثاني من قبيل الكم المتصل لا يصلح فارقا.

نعم ما ذكروه يتم فيما يباع لا بالعد و لا بالذرع، فانه يصح البيع ان لم يلزم الغرر، كما في العباء فان كل طاقة منه لها قيمة و هي مناط ماليته كانت اربعة اذرع أو ازيد أو انقص

بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء

(1) الخامس في بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها.

و الوجوه المتصورة ثلاثة.

(2) الاول ان يكون المراد بالصاع الكسر الواقعي المشاع من الجملة مقدرا بالصاع، فلو كانت الصبرة عشرة اصوع كان المبيع عشرها، فيكون الصاع ملحوظا مرآة الي الكسر المشاع المساوي للصاع.

و قد اوضحنا حقيقة الاشاعة في اول مسألة بيع نصف الدار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 75

و لا اشكال في صحة ذلك، و لا في كون المبيع مشاعا في الجملة، و لا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة و عدمه، و لابين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه، لأن الكسر مقدر بالصاع

فلا يعتبر العلم بنسبته الي المجموع هذا، (1) و لكن قال في التذكرة و الأقرب انه لو قصد الاشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل،

بخلاف الذراع من الأرض، انتهي. (2)

و لو يعلم وجه الفرق الا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة. (3)

______________________________

(1) لا اشكال في صحة البيع المذكور من غير فرق بين المثال و بين بيع عبد من عبدين، و من غير فرق بين اختلاف العبدين و الأصوع في القيمة و عدمه، و من غير فرق بين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه لتقدر الكسر بالصاع، و العلم بنسبته الي المجموع لا يكون معتبرا.

(2) و عن العلامة قدس سره: الإشكال في صحة بيع عبد من عبدين أو شاة من شاتين لو قصد الإشاعة.

و غاية ما قيل في توجيهه امران:

(3) الأول: منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة، و الحال انه كما يعتبر في الإنشائيات كون الإنشاء بما هو ظاهر أو صريح في ما قصد من المعاملة، يعتبر ذكر متعلق القصد بلفظ ظاهر فيه.

و بهذا يظهر ان ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من الجواب عن هذا الوجه بانه ليس الكلام في مقام الإثبات كي يدعي عدم الظهور و انصراف المطلق الي بعض افراده بل في مقام الثبوت، غير تام.

و كيف كان: فيرد عليه: انه لا دليل علي اعتبار ذكر متعلق القصد فضلا عن اعتبار ذكره بلفظ ظاهر فيه، و عليه فمع العلم بارادة الكسر المشاع لا يضر عدم ظهور اللفظ فيه.

الثاني: ان العبدين أو الشاتين بما انه لا وحدة لهما حقيقة، فوحدتهما تصحيحا لبيع جزء مشاع منهما انما تكون بالاعتبار، و حيث انه لا إنشاء له غير

انشاء البيع، فيلزم تكفل انشاء واحد لأمرين: تنزيل الشيئين منزلة الشي ء الواحد، و بيع الكسر المشاع في المجموع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 76

الثاني: ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه

من الافراد المتصورة في المجموع، (1) نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد، و هذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة و لا إشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة، (2)

كالعبدين المختلفين لانه غرر.

لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما. و أما مع اتفاقهما في القيمة، كما في الصيعان المتفرقة، فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع، (3) بل في الرياض نسبته الي الاصحاب.

و عن المحقق الاردبيلي قدس سره ايضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين احد طرفيه الي الاصحاب، و استدل علي المنع بعضهم بالجهالة التي تبطل معها البيع اجماعا، (4) و آخر بأن الابهام في البيع مبطل له (5) لا من حيث الجهالة، و يؤيده انه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع احد العبدين المشاهدين المتساويين بأنه لو تلف احدهما فباع الباقي و لم يدر ايّهما هو صح، خلافا لبعض العامة. (6)

______________________________

و فيه: ان اعتبار الوحدة لا يحتاج الي الإنشاء كي يلزم ذلك.

فالأظهر هي الصحة في هذا المثال ايضا.

(1) الثاني من الوجوه المتصورة: ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الأفراد المتصورة في المجموع، و هو علي قسمين:

احدهما: ما يكون له واقع معين و يكون مرددا عند المتبايعين.

ثانيهما: ما لا يكون معينا و لو في الواقع.

(2) اما في القسم الأول: فان كانت المصاديق مختلفة في القيمة بطل البيع للغرر.

(3) و ان كانت متفقة فيها فالمشهور بين الاصحاب هو البطلان و عن سيد الرياض نسبته الي الاصحاب و

عن غير واحد دعوي الاجماع عليه.

و قد استدل للبطلان في المتن بوجوه.

(4) الاول بالجهالة التي يبطل معها البيع اجماعا.

(5) الثاني بالابهام في البيع الذي هو مبطل له لا من حيث الجهالة.

(6) و ايده المصنف بما نقله في المتن من حكم العلامة بصحة البيع في مورد الابهام مع عدم الجهالة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 77

و ثالث (1) بلزوم الغرر و رابع (2) بأن الملك صفة وجودية محتاجة الي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج و أحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامه به لانه امر انتزاعي من امرين معينين و يضعف الأول بمنع المقدمتين لأن الواحد علي سبيل البدل غير مجهول إذ لا تعين له في الواقع حتي يجهل، و المنع عن بيع المجهول و لو لم يلزم غرر غير مسلم.

نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين، ففي السرائر بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف علي جواز بيع عبد من عبدين قال:

ان ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الامة بأسرها، مناف لأصول مذهب اصحابنا و فتاويهم و تصانيفهم، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف انتهي، و عن الخلاف في باب السلم: أنه لو قال اشتري منك أحد هذين العبدين أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء، دليلنا انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح و لأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين و لأنه لا دليل علي صحة ذلك في الشرع، و قد ذكرنا هذه المسألة في البيوع.

و قلنا ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين.

فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية و لم يقس غيرهما عليهما، انتهي.

و عبارته المحكية في باب البيوع هي: انه روي

اصحابنا انه إذا اشتري عبدا من عبدين علي ان للمشتري ان يختار أيهما شاء انه جائز، و لم يرووا في الثوبين شيئا،

ثمّ قال: دليلنا إجماع الفرقة. و قوله صلي الله عليه و آله المؤمنون عند شروطهم و سيأتي ايضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي موجب النهي عنه الفساد اجماعا و ظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة، و كون مثلها قادحة اتفاقا، مع فرض عدم نص، بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته، لإجماع الأمة. و مما ذكرنا من منع كبري الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع، اعني كون الابهام مبطلا.

______________________________

(1) الثالث لزوم الغرر.

(2) الرابع ان الملك صفة وجودية محتاجة الي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج واحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامها به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 78

و أما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة، و لذا يجوز الاسلاف في الكلي من هذه الافراد، مع ان الانضباط في السلم اكد. و ايضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة و لا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا، و لذا رد في الايضاح حمل الصاع من الصبرة علي الكلي برجوعه الي عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد اجماعا و أما الرابع فبمنع احتياج صفة الملك إلي موجود خارجي فإن الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري و لا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف و الشرع أو احدهما في موارده و ليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة و السواد. (1)

و لذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين

بل احد الشخصين و نحوهما فالانصاف كما اعترف به جماعة اولهم المحقق الاردبيلي عدم دليل معتبر علي المنع،

قال في شرح الارشاد علي ما حكي عنه بعد ان حكي عن الاصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين، قال: و فيه تأمل، إذ لم يقم دليل علي اعتبار هذا المقدار من العلم، فانهما إذا تراضيا علي ذراع من هذا الكرباس من أي طرف اراد المشتري أو من اي جانب كان من الأرض. فما المانع بعد العلم بذلك، انتهي.

______________________________

و في الجميع نظر.

اما الاول: فلان الجهالة غير الموجبة للغرر لا دليل علي مبطليتها، و الاجماع عليها ان كان ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

و أما الثاني: فلعدم الدليل علي مبطليته بما هو ابهام و أما الثالث: فلما تقدم.

و أما الرابع: فلما افاده المصنف قدس سره.

(1) من ان الملكية امر اعتباري و ليست صفة وجودية متأصلة كالسواد و أما في القسم الثاني، فالاظهر هو البطلان لا للوجوه الاربعة المتقدمة،

بل لان المردد من حيث هو لا ماهية له و لا تحقق و هو صرف مفهوم لا مطابق له،

و الملكية و ان كانت امرا اعتباريا، الا انها هوية تعلقية و متقومة بطرفها، و يستحيل ان تتحقق في افق الاعتبار مع عدم الطرف المقوم لها، فهي لا يعقل تعلقها بالمردد.

و بعبارة اخري: انه لا مطابق له في الخارج فلا ينطبق علي ما في الخارج، فلا يصح اعتبار كونه مملوكا لعدم الأثر، فبيع المردد بهذا المعني باطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 79

فالدليل هو الاجماع لو ثبت، و قد عرفت من غير واحد نسبته الي الاصحاب قال بعض الاساطين في شرحه علي القواعد، بعد حكم

المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب و الأرض الراجع الي بيع الكسر المشاع، قال: و ان قصدا معينا من عين أو كليا لا علي وجه الاشاعة بطل، لحصول الغرر بالابهام في الأول، و كونه بيع المعدوم و باختلاف الاغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر، و للإجماع المنقول فيه الي ان قال: و الظاهر بعد امعان النظر و نهاية التتبع ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي و بالعكس، و ارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في اصل الماهية و لعل الدائرة في الشرع اضيق و ان كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين، (1) و فهم الأصحاب مقدم لأنهم أدري بمذاق الشارع و اعلم، انتهي.

و لقد اجاد حيث التجأ الي فهم الاصحاب فيما يخالف العمومات. فرع علي المشهور، من المنع لو اتفقا علي انهما أرادا غير شائع لم يصح البيع لاتفاقهما علي بطلانه، (2)

______________________________

(1) قوله و ان كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين تقريب كون النسبة عموما من وجه انه إذا اتحدت القيم في المحتملات لا يكون هناك غرر عرفي و يكون الغرر شرعيا، و قد يكون الغرر العرفي موجودا و لا غرر شرعي كما في بيع الآبق مع الضميمة- و قد يجتمعان و هو كثير و حيث ان مورد اذن الشارع في البيع مع صدق الغرر العرفي قليل فلذا قال لعل الدائرة في الشرع اضيق.

(2) قوله لو اتفقا علي انهما اراد غير شايع لم يصح البيع لاتفاقهما علي بطلانه لا يخفي انه بعد ان ذكر صورتين من بيع متساوية الاجزاء و نسب الي المشهور، المنع في احداهما و الجواز في الاخري قال لو اتفقا علي انهما اراد

اغير شايع، و مراده اتفقا علي انهما لم يريدا الكسر المشاع و حيث ان ارادة الكلي في المعين مفروض عدمها فيتمحض في ارادة الفرد المنتشر فلذا افتي بعدم صحة البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 80

و لو اختلفا فادعي المشتري الإشاعة فيصح البيع، (1) و قال البائع أردت معينا ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا باصالة الصحة و أصالة عدم التعيين، انتهي.

و هذا حسن لو لم يتسالما علي صيغة ظاهرة في احد المعنيين اما معه فالمتبع هو الظاهر و اصالة الصحة لا تصرف الظواهر. و أما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها (2)

و ذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الاشاعة كان حمل الفعل علي الصحة قرينة صارفة و فيه نظر. (3)

______________________________

(1) قوله و لو اختلفا فادعي المشتري الاشاعة فيصح البيع أي انهما ارادا الاشاعة لا خصوص المشتري و الا فيبطل العقد لعدم التطابق بين الايجاب و القبول.

و كيف كان ففي مورد الاختلاف مقتضي اصالة الصحة البناء علي صحة العقد ما لم يكن هناك لفظ ظاهر في ارادة الفرد المنتشر و الا فلعدم صلاحية اصالة الصحة التي هي من الاصول التعبدية لمعارضة الظهور الذي هو من الامارات يبني علي البطلان فما افاده المصنف قدس سره من تقييد الحكم بالصحة عملا باصالة الصحة بصورة عدم الظهور في المعين هو الصحيح و اظن ان العلامة قدس سره لا يدعي الحكم بالصحة في هذه الصورة.

(2) قوله و أما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها و الوجه فيه ان التعيين انما يكون في مقابل الاشاعة و قصد احدهما يضاد قصد الآخر فمع العلم بقصد احدهما- اصالة عدم التعيين تعارض اصالة عدم الاشاعة- نعم- لو كان التعيين

عبارة عن الاشاعة متخصصة بمعين- كان قصد الاشاعة متيقنا و قصد التعيين مشكوكا فيه و كان يجري اصالة عدم التعيين فتأمل.

(3) قوله قدس سره و فيه نظر الظاهر ان وجه النظر ما تقدم من ان اصالة الصحة من الاصول التعبدية فلا تصلح لمقاومة الظهور الذي هو من الامارات- أو انه و ان كانت هي من الامارات الا ان طريقيتها و اماريتها انما تكون في ظرف عدم الظهور فتدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 81

الثالث: من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة. (1)

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان و قال بعتك أحدها ان المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين، فيكون بيعه مشتملا علي الغرر. و في هذا الوجه امر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به و مثله ما لو قسم الارباع و باع ربعا منها من غير تعيين و لو باع ربعا قبل القسمة صح و تنزل علي واحد منها مشاعا لأنه حينئذ امر كلي.

فإن قلت المبيع في الاولي ايضا امر كلي قلنا: ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلي و بحسب الواقع جزئي غير معين و لا معلوم و المقتضي لهذا المعني هو تفريق الصيعان و جعل كل واحد منها برأسه فصار اطلاق احدها منزلا علي شخص غير معلوم فصار كبيع إحدي الشياة و أحد العبيد، و لو قال بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة، انتهي.

______________________________

(1) الثالث من الوجوه المتصورة: ان يكون المبيع هو الكلي في المعين و الكلام فيه يقع في جهتين.

الأولي:

في تصويره.

الثانية: في حكمه.

اما الأولي: فليس المراد به الكلي الذمي المقيد بالوفاء من الصبرة المعينة بحيث ينحل العقد عليه الي العقد علي الكلي الذمي و اشتراط وفائه و ادائه من الصبرة الخاصة،

فان لازم ذلك انه لو تلفت الصبرة يكون المبيع باقيا مع ثبوت الخيار لتعذر الشرط،

مع ان الحكم في الكلي في المعين انه لو تلفت الصبرة يكون ذلك في حكم تلف المبيع و موجبا لانفساخ العقد.

مع ان لازمه جواز نقل الصبرة باجمعها الي الغير، و لا يلتزمون به في الكلي في المعين.

و ايضا لازمه جواز اداء المبيع من غير الصبرة، غاية الامر ثبت خيار تخلف الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 82

و حاصله ان البيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الافراد المتصورة في تلك الجملة. (1)

و في الإيضاح ان الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة و بين الفرد المنشر، ثمّ الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعني، كما هو صريح جماعة منهم: الشيخ و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم. بل الظاهر عدم الخلاف فيه و ان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة علي الكلي أو الاشاعة، لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي، و ان منشأ القول بالتنزيل علي الاشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعني، و الكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة، قال في الايضاح في ترجيح التنزيل علي الإشاعة: انه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين، فلا يكون معلوم العين و هو الغرر الذي يدل النهي عنه علي الفساد اجماعا، و لأن احدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح و لا بعينه هو المبهم و ابهام

المبيع مبطل،

انتهي.

______________________________

للمشتري، و لا يلتزمون به في المقام.

كما انه ليس المراد به الكلي الموجود خارجا في الصبرة، فان وجود الكلي بوجود افراده، فمع تعدد الافراد اما ان يقع العقد علي احدها المعين، أو غير المعين، أو علي جميع الوجودات، و لا رابع ليكون هو الكلي في المعين، و صرف الوجود بمعني ما لا يشذ عنه وجود لا يعقل انطباقه علي الوجودات المحدودة، و بمعني الناقض للعدم ليس له مصداق حقيقة، فان كل وجود بديل عدم نفسه،

بل المراد به هو الكلي المقيد بالصبرة الخارجية.

و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره حيث قال.

(1) فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الافراد المتصورة في تلك الجملة توضيح ذلك: ان الكلي كما يمكن تقييده بكلي آخر، و يكون القيد و المقيد كليا ثالثا اضيق من الأولين كالحنطة المقيدة بان تكون من محل مخصوص و بلد خاص، فيكون المجموع كليا ينحصر افراده في الموجود الخارجي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 83

و تبعه بعض المعاصرين مستندا تارة الي ما في الايضاح من لزوم الابهام و الغرر، (1) و اخري الي عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا علي وجه الاشاعة. (2)

و ثالثة: باتفاقهم علي تنزيل الارطال المستثناة من بيع الثمرة علي الاشاعة. (3) و يرد الاول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر، فكيف نسلم في الكلي و الثاني بأنه معهود في الوصية و الاصداق، مع انه لم يفهم مراده من المعهودية في مورد، فإن انواع الملك بل كل جنس لا يعهد تحقق احدها في مورد الآخر الا ان يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي المشترك بين افراد موجودة، فيكفي في رده النقض

بالوصية و شبهها. هذا كله مضافا الي صحيحة الاطنان الآتية فإن موردها اما بيع الفرد المنتشر و أما بيع الكلي في الخارج.

و أما الثالث: فسيأتي الكلام فيه انشاء الله تعالي.

______________________________

و أما الثانية: فقد استدل لفساد البيع في هذه الصورة.

(1) بلزوم الغرر و بالجهالة،

(2) و بانه لم يعهد ملك الكلي في غير الذمة.

(3) و باتفاقهم علي تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة علي الإشاعة.

و لكن يمكن دفع الجميع،

اما الأول: فلعدم لزومه مع تساوي الأفراد من حيث القيمة.

و أما الثاني: فلما تقدم من عدم مانعية الجهل من حيث هو، مع انه لا جهالة هناك،

فان المبيع كلي و معلوم.

و أما الثالث: فلأن عدم المعهودية ممنوع، كيف و هو معهود في الوصية و الإصداق، مع ان عدم المعهودية لا يصلح دليلا للمنع.

و أما الرابع: فلأن حمل الكلام علي معني لظهوره فيه أو للتعبد لا يستدعي بطلان غيره لو صرح بارادته.

و بعبارة اخري: انه يدل علي الحمل علي الإشاعة إذا لم يحرز المراد، و محل الكلام ما لو احرز ان المراد هو الكلي في المعين، فالأظهر صحته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 84

مسألة: لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجود الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع أو علي الوجه الثالث و هو الكلي (1)
اشارة

بناء علي المشهور من صحته وجهان: بل قولان حكي، ثانيهما عن الشيخ و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة. و استدل له في جامع المقاصد بأنه السابق الي الفهم و برواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل اشتري عن رجل عشرة آلاف طن من أنبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة، و الانبار فيه ثلاثون الف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت

______________________________

إذا باع صاعا من صبرة

(1) السادس: لو باع صاعا

من صبرة، فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجوه الثلاثة، اعني الكسر المشاع، أو الوجه الثالث- اي الكلي في المعين- بناء علي صحته وجهان.

و لا يخفي انه لا فرق في هذه المسألة بين ما لو كان هناك قصد معين و اريد تعيينه بظاهر اللفظ، و بين ما لو لم يكن قاصدا الا لمفهوم هذا اللفظ.

ثمّ انه و ان كانت الوجوه المتصورة من بيع بعض من متساوية الأجزاء اربعة، الا انه حيث تكون النكرة و الفرد المنتشر ماخوذة فيهما خصوصية من الخصوصيات زيادة علي وجود الطبيعي فتحتاج ارادة احدهما الي قرينة و دال آخر، و مع فقد ذلك لا محالة يدور الأمر بين ارادة الكسر المشاع، أو الكلي في المعين.

اللهم الا ان يقال: ان المصنف قدس سره يدعي ان مقتضي الوضع هو الفرد المنتشر، لكن ستعرف عدم تماميته،

و أما بناء علي مسلك الشيخ قدس سره فلعل وجه حصره الوجوه في الوجهين ما ذكره من ان احتمال ارادة المنتشر يدفع باصالة الصحة.

و كيف كان: فالكلام يقع اولا فيما يقتضيه النص الخاص ثمّ فيما يستفاد من اللفظ بحسب الظهور و أما النص و هو صحيح بريد «1» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 85

فاعطاه المشتري من ثمنه الف درهم و وكل من يقبضه، فاصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن، فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احرقت من مال البائع، و يمكن دفع الأول بأن مقتضي الوضع في قوله صاعا من صبرة هو الفرد المنتشر الذي عرفت سابقا أن

المشهور، بل الإجماع علي بطلانه و مقتضي المعني العرفي هو المقدار المقدر بصاع، و ظاهره حينئذ الاشاعة لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه. و أما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر كما اعترف به في الرياض، لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور، معاملة الكلي، فيجعلون الخيار في التعيين الي البائع و هذه امارة فهمهم الكلي (1)

و أما الرواية فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر، فلا بأس بحملها علي الكلي لأجل القرينة الخارجية، و تدل علي عدم الاشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع، و كونه مالا للمشتري، فالقول الثاني لا يخلو من قوة، بل لم نظفر بمن جزم بالأول و ان حكاه في الايضاح قولا ثمّ انه يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا امور:

______________________________

فهو يشهد بالحمل علي الكلي في المعين، فانه لو كان المبيع كسرا مشاعا كان الباقي مشتركا بين البائع و المشتري، غاية الأمر كان ينفسخ البيع بالنسبة الي المقدار التالف،

فالحكم بكون الباقي للمشتري خاصة آية الحمل علي الكلي في المعين.

لا يقال: انه يلائم مع الفرد المنتشر ايضا.

فانه يقال: انه بعد ما عرفت من بطلان بيع الفرد المنتشر و عدم امكان تصحيحه و لو بالتعبد، يتعين حمل الخبر علي الكلي في المعين.

(1) و أما الثاني فالمشهور بين الاصحاب الحمل علي الكلي في المعين توضيح المقام: ان الصاع كسائر الفاظ اسماء الأجناس موضوع لطبيعي المعني، و هو المقدار الخاص مع قطع النظر عن جميع الخصوصيات، و تنوينه اما ان يكون تنوينا للتمكن و مجرد انحفاظ المادة في ضمن حركة اعرابية، أو يكون للتنكير. و علي الأول لا يزيد علي الطبيعي شي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 86

احدها: كون التخيير في

تعيينه بيد البائع، (1) لأن المفروض ان المشتري لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص، فلا يستحق علي البائع خصوصية،

فإذا طالب بخصوصية زائدة علي الطبيعة فقد طالب بما ليس حقا له، و هذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية علي من عليه الكلي، و لذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا اوصي الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده و نحو ذلك

______________________________

و الثاني و ان كان يتوهم ظهوره في الفرد المنتشر كما في المكاسب حيث ادعي المصنف قدس سره ظهوره في ارادة الفرد المنتشر، إذ لا وجه له سوي ذلك- الا انه يمكن ان يقال:

ان المراد به مجرد عدم التعيين لا النكرة المصطلحة.

و أما كلمة من فهي للتبعيض، فمفاد هذه الجملة ارادة صاع من الحنطة غير المتعين من جهة الا من جهة كونه بعضا من الصبرة الموجودة في الخارج، فظاهرها هو الكلي المتقيد بالموجود الخارجي المشتمل علي افراد خارجية، و قد عرفت ان هذا هو الكلي في المعين.

و بعبارة اخري: ان ظاهرها ارادة صاع من الحنطة الذي هو بعض من مجموع هذه الصبرة الموجودة في الخارج، و هذا هو الكلي في المعين، إذ الكسر المشاع بعض من الجميع لا المجموع.

مضافا الي ان ارادة الكسر المشاع تخالف الظاهر من وجه آخر و هو اخذ الصاع مرآة و طريقا و معرفا للعشر أو الثمن أو نحو ذلك. و هذا بخلاف حمله علي الكلي في المعين،

فانه يكون الصاع بنفسه و عنوانه مبيعا.

هذا كله بناء علي مسلك المشهور في الكسر المشاع، و أما بناء علي ان الكسر المشاع عبارة عن ملكية تمام المال بالملكية الناقصة- كما

عرفت في مسألة بيع نصف الدار- فحمل العبارة المذكورة علي الكلي في المعين في غاية الوضوح كما لا يخفي.

ثمرات كون المبيع كليا في المعين أو مشاعا

و يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا امور:

(1) احدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع كما هو المشهور بين الأصحاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 87

إلا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضوع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشتري (1) و لم يعلم له وجه مصحح فيا ليته قاس ذلك علي طلب الطبيعة حيث ان الطالب لما ملك الطبيعة علي المأمور و استحقها منه، لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون اخري، و كذلك مسألة التمليك كما لا يخفي، و أما علي الاشاعة فلا اختيار لاحدهما لحصول الشركة، فيحتاج القسمة الي التراضي.

و منها انه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه، (2) لأن كل فرد من افراد الطبيعة و ان كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه الا انه يتوقف علي تعيين مالك المجموع و اقباضه، فكلما تلف قبل اقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري فعلا فينحصر في الموجود

______________________________

(1) و خالف القوم المحقق القمي قدس سره، و ذهب الي ان التخيير في تعيينه بيد المشتري.

و الظاهر ان منشأ مخالفته للقوم قياسه تمليك الكلي في المعين بالأمر بالطبيعة و المشتري بالمأمور، فكما ان هناك يكون التخيير في تعيين الفرد بيد المأمور، كذلك التخيير فيه في المقام انما يكون بيد المشتري.

و فيه: ان الآمر بامره يصير مالكا لفرد من الطبيعي علي المأمور، و في المقام يصير المشتري مالكا علي البائع، فكان الحري قياس المشتري في المقام بالآمر هناك، فكما انه ليس اختيار الفرد هناك بيد الآمر، كذلك هنا ليس

بيد المشتري.

و بالجملة: إذا كان البائع مملكا للكلي في المعين يصير المشتري مالكا للطبيعي دون الخصوصيات، فليس له حق في الخصوصيات ليعين بعضا منها لنفسه، فلا محالة يكون الخيار بيد البائع. و هذا بخلافه علي الإشاعة، فان المال يكون مشتركا بينهما، فليس لأحدهما التعيين الا مع رضا الآخر.

(2) و منها: انه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه و الوجه في ذلك: انه مع بقاء مصداق واحد للكلي لا يكون الكلي تالفا، بل هو موجود، و حيث انه لا تعدد لمصداقه لا محالة يكون حق المشتري منحصرا فيه، و يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 88

و هذا بخلاف المشاع فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة الي اختيار و اقباض، فكلما يتلف من المال فقد تلف من المشتري جزء بنسبة حصته.

و منها أنه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر.

فالظاهر انه إذا بقي صاع واحد كان للأول، (1) لأن الكلي المبيع ثانيا، انما هو سار في مال البائع، و هو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض (2) و هذا بخلاف ما لو قلنا بالاشاعة،

______________________________

نظير ما لو امر بطبيعة و انحصر مصداقها في فرد واحد، فانه يتعين كونه مأمورا به.

و هذا بخلافه علي الإشاعة، فان كل ما تلف يكون مشتركا بينهما، و كذلك الباقي.

و منها: انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا ففي المتن.

(1) انه إذا بقي صاع

واحد كان للاول.

و قد ذكروا في وجه تعين الصاع الباقي للمشتري الأول و بكون المبيع بالنسبة الي الثاني من قبيل ما تلف قبل قبضه امرين:

(2) الأول: ما افاده المصنف قدس سره. و حاصله: ان البائع بعد ما باع صاعا من الصبرة- التي هي عشرة اصوع- يكون مالكا لتسعة اصوع، فالمبيع الثاني يكون ساريا فيما يملكه البائع، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي ساريا فيه، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض.

و فيه: ان تسعة اصوع للمالك بعد البيع الأول لا تميز لها واقعا كي يكون سريان الصاع المبيع ثانيا فيها. و بعبارة اخري: كل من المبيعين يكون كليا قابلا للانطباق علي كل فرد من افراد الصبرة، و ما دام لم يتلف ما عدا الصاع الواحد يكون كل منهما علي حد سواء في التطبيق علي كل فرد منها، و لا امتياز لأحدهما علي الآخر، فبعد التلف ايضا تكون هذه النسبة باقية. و ان شئت قلت: ان الأولية انما تكون في المبيع و هو الكلي لا في التطبيق علي الفرد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 89

ثمّ اعلم ان المبيع انما يبقي كليا ما لم يقبض. و أما إذا قبض (1) فإن قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري، (2) و ان قبض في ضمن الباقي بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء و الباقي امانة حصلت الشركة لحصول ماله في يده و عدم توقفه علي تعيين و اقباض، حتي يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا و ينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف علي البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما (3)

______________________________

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو:

انه إذا لم يبق الا مقدار حق أحد المشتريين فحيث ان المشتري الأول سابق علي الثاني في المعاملة، فهو سابق في صرف الطبيعي الي نفسه، و جره الي ملكه و جعله منطبقا علي الصاع الباقي و يزاحم الآخر في صرف الوجود من الطبيعي.

و فيه: انه إذا كان هناك تزاحم في بادئ الأمر كان ما ذكر متينا- كما لو فرضنا انه لم يكن له الا صاع من الصبرة- و أما إذا لم يكن التزاحم الا بقاء فمن حين حدوث التزاحم لا أولوية لأحدهما علي الآخر، إذ التقدم يكون في الحدوث، و في ذلك الحين لم يكن تزاحم،

و عليه فالأظهر انه لا ترجيح لأحدهما علي الآخر، فالباقي بما ان نسبته اليهما علي حد سواء فيحكم بان لكل منهما نصفا منه، و بالنسبة الي النصف الآخر يكون من قبيل تلف المبيع قبل القبض.

(1) ثمّ المبيع انما يبقي كليا ما لم يقبض: و أما ان قبض فلإقباضه صور اربع الأولي: ان يعين الكلي في فرد و يقبضه المشتري.

الثانية: ان يقبضه المجموع بعد تعيين الكلي المبيع في الكسر المشاع.

الثالثة: ان يقبضه المجموع، بان يكون كل واحد منها وفاء و الكليات الاخر امانة.

الرابعة: ان يقبضه المجموع بعنوان الأمانة حتي يعين حصة الكلي فيما بعد.

(2) لا اشكال و لا كلام في الصورة الأولي، فانه لو تلف المقبوض يحسب علي المشتري.

(3) كما لا إشكال في انه يحسب التالف عليهما في الصورة الثانية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 90

و الحاصل ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا أو بعضا ملكا فعليا للمشتري، و الملك الفعلي له حينئذ هو الكلي الساري فالتّالف المعيّن غير قابل لكون جزئه محسوبا علي المشتري، لأن تملكه لمعين موقوف

علي اختيار البائع و اقباضه فيحسب علي البائع بخلاف التالف بعد الاقباض، فإن تملك المشتري لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الاقباض، فنسبة كل جزء معين من الجملة الي كل من البائع و المشتري علي حد سواء. نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع علي وجه الايفاء بل علي وجه التوكيل في التعيين أو علي وجه الامانة، حتي يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض، (1) هذا كله مما لا إشكال فيه، و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات، و استثني منها ارطالا معلومة، انه لو خاست الثمرة سقط من المستثني بحسابه. (2)

و ظاهر ذلك تنزيل الارطال المستثناة علي الاشاعة، و لذا قال في الدروس:

______________________________

و بعبارة اخري: لا ينبغي التوقف في حكم الصورة الثانية، و انه يحسب التالف عليهما بالنسبة، لأن التعيين بيد البائع، من غير فرق بين ان يكون بنحو الإفراز أو الإشاعة.

(1) و أما الصورة الثالثة: فان تلف المجموع يكون من التلف بعد القبض، و أما ان تلف البعض فلا وجه لحساب التالف عليهما، فان المبيع بعد القبض علي كليته من دون ان يكون متعينا في فرد بنحو الإفراز أو الإشاعة، فإذا كان الباقي بمقدار المبيع فلا يكون المبيع الكلي تالفا لقابلية تطبيقه علي هذا الفرد.

و أما الصورة الرابعة: فبالنسبة الي التعيين حكمها حكم الصورة السابقة.

و أما بالنسبة الي الإقباض الذي اثره انه لو تلف المجموع يكون من التلف بعد القبض، فالظاهر ايضا اتحاد حكمها مع الصورة السابقة، إذ لا يعقل ان يكون مال الشخص امانة عنده، فلا محالة يكون اقباضا.

الفرق بين الاستثناء و البيع

(2) قوله و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات … سقط من

المستثني بحسابه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 91

ان في هذا الحكم دلالة علي تنزيل الصاع من الصبرة علي الاشاعة، و حينئذ يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين حيث ان مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق علي تنزيلها علي الإشاعة، و المشهور هنا التنزيل علي الكلي و هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة، و فيه ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده الي مسألة الاستثناء أو بيان الفارق و خروجها عن القاعدة، و ان اقتصر علي مورده لم يتعد الي غير مورده حتي في البيع، الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي و بين مسألة الاستثناء.

و بالجملة فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء علي التعدي عن مورده الشخصي و اضعف من ذلك الفرق بقيام الاجماع علي الاشاعة في مسألة الاستثناء لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها الي توقيف بالخصوص و اضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء و مسألة الزكاة و غيرهما مما يحمل الكلي فيها علي الاشاعة و بين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع و ايجابه علي البائع فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلي المشتري إذ هو شبه الكلي في الذمة

______________________________

محصل الإشكال: ان الأصحاب في مسألة استثناء الأرطال افتوا بانه لو تلفت الثمرة سقط من المستثني بحسابه، و لازم ذلك الحمل علي الإشاعة، و حينئذ يقع الإشكال في الفرق بين المسألتين،

حيث ان ظاهرهم في مسألة الأرطال الحمل علي الاشاعة، و في المقام الحمل علي الكلي في المعين،

و ايضا فان لهم في مسألة الأرطال فتويين لا تلائمان مع الإشاعة:

احداهما: انه لو تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي.

ثانيتهما: استقلال المشتري في التصرف.

و قد ذكروا في مقام الفرق وجوها،

و قد ذكر المصنف قدس سره جملة منها مع ما يرد عليها فلا حاجة الي الإعادة و التوضيح و منها: ما افاده المصنف قدس سره في آخر كلامه، و حاصله: ان المستثني كما يكون كليا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 92

و فيه مع ان إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة و الاستثناء ان ايجاب القبض علي البائع يتوقف علي بقائه إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف و الحكم بالبقاء يتوقف علي نفي الاشاعة، فنفي الاشاعة بوجوب الاقباض لا يخلو عن مصادرة، كما لا يخفي. و أما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له اصلا في الفرق و مثله في الضعف لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع منها و ان بقي قدره، فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء، فإن التلف فيه بعد القبض و المستثني بيد المشتري امانة علي الاشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما.

و لهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البائع هناك، انتهي.

و فيه مع ما عرفت من ان التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة، فكيف يثبت به، انه ان أريد من كون التلف

______________________________

كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل الي المشتري كليا، بمعني انه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع، فكل منهما مالك للكلي، و نسبة الموجود الي كل منهما علي حد سواء، فتخصيص احدهما به ترجيح بلا مرجح، فتكون نسبة التالف اليهما علي حد سواء فيحسب عليهما.

و أما في البيع، فان المبيع و ان كان كليا الا ان مال البائع لم يلاحظ بعنوان كلي.

و

فيه: اولا: ان الخصوصيات اما ان تكون باقية علي ملك البائع في مسألة الاستثناء،

أو تكون داخلة في ملك المشتري. فعلي الأول: حكم المشتري في المقام حكمه في تلك المسألة فلا وجه لحساب التالف عليه و علي الثاني كان حكم المشتري هناك حكم البائع في المقام فلا وجه لحساب التالف علي البائع.

و ثانيا: ان ظاهر بيع المجموع الا مقدارا منها بيع الموجود الخارجي لا الكلي.

و ثالثا: انه لا يرتفع بذلك اشكال استقلال المشتري في التصرف، كما لا يرتفع به اشكال انه لو تلف بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 93

في مسألة الاستثناء بعد القبض انه بعد قبض المشتري، ففيه انه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشتري و لا كلام فيه و لا إشكال و انما الاشكال في الفرق بين المشتري في مسألة الصاع و البائع في مسألة الاستثناء حيث ان كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه فكيف يحسب نقص التالف علي احدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلي و ان آريد من كون التلف بعد القبض ان الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك فإذا دفع الكل الي المشتري فقد دفع مالا مشتركا فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة الي المشتري، فالاشتراك كان قبل القبض، ففيه ان الأشكال بحاله إذ يبقي سؤال الفرق بين قوله: بعتك صاعا من هذه الصبرة و بين قوله بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها، و ما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول؟

مع كون مقتضي الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه،

إلا بعد إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء، فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك هذا مع انه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد

______________________________

و منها: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان المبيع في بيع الصاع كلي و لا يملك المشتري من الخصوصيات شيئا، فما دام يكون صاع من الصبرة موجودا لا وجه لحساب التالف عليه، و المبيع في مسألة الاستثناء ايضا و ان كان كليا الا ان البائع يملك الكلي مع الخصوصية، فاحتساب التالف علي المشتري لا وجه له، بل يحسب عليهما، و مقتضي استحقاقه الكلي ان يستحق الباقي لو اتلف المشتري مقدارا من الثمرة، لأن حقه لم يكن مشاعا في مال المشتري حتي يستحق القيمة، و علي هذا يرتفع اشكال جواز تصرف المشتري في الثمرة بلا رضا من البائع، لأنه لم يكن شريكا معه بعنوان الإشاعة.

و فيه: ان البائع ان كان مالكا لجميع الخصوصيات كان المشتري كالمشتري في مسألة شراء الصاع لا وجه لحساب التالف عليه، و ان ملك بعض الخصوصيات بنحو الإشاعة عاد سؤال الفرق، و ان ملك بعضها بنحو الفرد المنتشر بطل البيع كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 94

العقد بالاشتراك و عدم جواز تصرف المشتري الا باذن البائع كما يشعر به فتوي جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني بانه لو فرط المشتري وجب اداء المستثني من الباقي و يمكن ان يقال ان بناء المشهور في مسألة استثناء الارطال ان كان علي عدم الاشاعة قبل التلف و اختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوي جماعة منهم بانه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي

و يؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الارطال المعلومة من الثمرة علي استقلال المشتري في التصرف و عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء،

فالمسألتان مشتركتان في التنزيل علي الكلي و لا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل علي الكل و هو حساب التالف عليهما، و لا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق الا دعوي ان المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع، و ان كان بنائهم علي الاشاعة من اول الأمر امكن ان يكون الوجه في ذلك ان المستثني كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك

______________________________

و منها: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره و حاصله: ان ظهور الصاع في بيع الصاع من الصبرة في الكلي في المعين لا مزاحم له، و ظهوره فيه في مسألة الاستثناء مزاحم مع ظهور الاستثناء في كونه متصلا لا منقطعا، و هو اقوي فلا محالة يكون المستثني جزئيا اخرج من الجزئيات،

و حيث ان الجزئي المفروز اما مجهول أو مردد، و الأول باطل و الثاني محال،

فلا بد من حمله علي الجزئي بجزئية منشأ انتزاعه و هو الكسر المشاع.

و فيه: - مضافا الي انه بهذا لا يرتفع اشكال استقلال المشتري في التصرف، و انه لو تلف المجموع بتفريط من المشتري كان حصة البائع في الباقي- ان استثناء الكلي من المجموع ليس استثناء منقطعا بل يكون متصلا: لأن الاستثناء المتصل هو ما لو اخرج شي ء لو لم يكن استثناء كان داخلا في المستثني منه، و في المقام كذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 95

يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل إلي المشتري بالبيع كليا، بمعني انه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع فمعني بعتك هذه الصبرة الا صاعا منها

بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع، فهو كلي كنفس الصاع فكل منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود مشترك بينهما لأن نسبة كل جزء منه الي كل منهما علي نهج سواء، فتخصيص احدهما به ترجيح من غير مرجح، و كذا التالف نسبته إليهما علي السواء فيحسب عليهما، و هذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا، فإن مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة، إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتي يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع.

فإن قلت: ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا في الخارج فيكون كليا كنفس الصاع، قلت: نعم، و لكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتي يبقي ما بقي ذلك العنوان ليكون الباقي بعد تلف البعض مصداقا لهذا العنوان و عنوان الصاع علي نهج سواء ليلزم من تخصيصه باحدهما الترجيح من غير مرجح فيجي ء الاشتراك، فإذا لم

______________________________

فالحق ان يقال: ان المستثني في مسألة الأرطال ايضا كلي، و لذا يكون المشتري مستقلا في التصرف، و لكن حيث انه لا إشكال عند العرف في انه لو تلف المجموع الا مقدار المستثني ليس ذلك للبائع خاصة، يستكشف من ذلك ان المستثني هو الكلي ذو مراتب،

و يكون الاستثناء في قوة استثنائات عديدة متنازلة شيئا فشيئا، فمجموع الأرطال تكون مستثناة مع بقاء مجموع الثمرة، و شي ء منها نسبته الي الباقي نسبة المجموع الي المجموع مع تلف شي ء منه، و عدم الاستثناء مع تلف الجميع.

و بعبارة اخري: ان المستثني هو الكلي المتقدر بالكسر المشاع كعنوان العشر مثلا،

فكلما تلف يحسب عليهما لا محالة، و مع ذلك يستقل المشتري بالتصرف، و لا يلزم من ذلك غرر، فان المستثني

متعين و هو عشر المجموع مثلا. و أما وجه انه لو تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي، فالظاهر انه يكون هو الشرط الضمني لبناء المتعاملين علي ذلك كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 96

فإذا لم يبق الا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له و لا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع فتأمل.

هذا ما خطر عاجلا بالبال، و قد اوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر الي نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفي الله عن الزلل في المعاثر، قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: ان اقسام بيع الصبرة عشرة (1) لأنها اما يكون معلومة المقدار أو مجهولة، فإن كانت معلومة صح بيعها اجمع و بيع جزء منها معلوم مشاع، و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه و بيعها كل قفيز بكذا (2) لا بيع كل قفيز منها بكذا، (3)

______________________________

اقسام بيع الصبرة

(1) قال في محكي الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: ان اقسام بيع الصبرة عشرة.

(2) لا يخفي انه إذا كانت الصبرة معلومة المقدار صح بيعها في اربعة اقسام:

احدها: بيع جميع الصبرة.

ثانيها: بيع جزء معلوم منها كالعشر.

ثالثها: بيع صاع أو صيعان منها مع العلم باشتمالها علي هذا المقدار.

رابعها: بيع الصبرة جميعها كل صاع منها بكذا.

إذ المثمن في هذه الأقسام كالثمن معلوم،

و بطل في القسم الخامس،

(3) و هو بيع كل صاع منها بكذا،

لأن المبيع حينئذ غير معلوم فيكون البيع غرريا لصلاحية انطباق كل صاع بكذا علي الواحد و الزيادة.

و عن المحقق النائيني قدس سره: انه يظهر مما افاده الشيخ في بعض كتبه من صحة الإجارة لو قال المؤجر: آجرتك الدار كل شهر بكذا في الشهر الأول، لتضمن

هذا القول اجارة هذا الشهر يقينا صحة البيع في المقام بالنسبة الي صاع واحد.

و فيه: - مضافا الي فساد المبني كما نبه هو عليه من جهة ان تردد متعلق العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 97

و المجهولة كلها باطلة (1) الا الثالث و هو بيع مقدار معلوم يشتمل الصبرة عليه و لو لم يعلم باشتمالها عليه (2) فظاهر القواعد و المحكي عن حواشي الشهيد و غيرها عدم الصحة و استحسنه في الروضة، ثمّ قال: و لو قيل بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان متجها و المحكي عن ظاهر الدروس و اللمعة: الصحة قال فيها، و ان نقصت تخير بين اخذ الموجود منها بحصة من الثمن و بين الفسخ لتبعض الصفقة و ربما يحكي عن المبسوط و الخلاف خلافه و لا يخلو عن قوة، و ان كان في تعيينه نظر، لا لتدارك الضرر «الغرر» بالخيار لما عرفت غير مرة من ان الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد، بل لمنع الغرر و ان قيل عدم العلم بالوجود من اعظم افراد الغرر، قلنا: نعم، إذا بني العقد علي جعل الثمن في مقابل الموجود.

و أما إذا بني علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع الغير معلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا و ربما يحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه.

______________________________

بين الأقل و الأكثر يقتضي الجهل به- انه لو تم لما امكن البناء علي الصحة في المقام،

إذ في الأصل يدعي ان اجارة الشهر الأول متيقنة، و ذلك الشهر ممتاز عما عداه.

و أما في الفرع فلا يمكن ان يقال ان بيع الصاع الواحد متيقن، فانه ان اريد به الواحد

الشخصي فهو لتردده بين الأفراد لا يصح كما تقدم، و ان اريد به الكلي في المعين فهو غير متيقن، إذ لو اخذ المشتري تمام الصبرة لم يقع العوض في مقابل الكلي في المعين، بل وقع بازاء الأشخاص الخارجية. فالأظهر هو البطلان في هذا القسم.

(1) و أما اقسام بيع الصبرة المجهولة المقدار فلا كلام في بطلان بيع ثلاثة اقسام منها،

و هي: بيع جميع الصبرة، و بيع جزء معين منها كالعشر، و بيع كل صاع منها بكذا.

كما لا إشكال في صحة بيع مقدار معين منها كالصاع مع العلم باشتمالها عليه، انما الكلام وقع في موردين:

(2) الأول: في حكم القسم الأخير مع عدم العلم باشتمال الصبرة عليه.

الثاني: في حكم بيع جميعها كل صاع منها بكذا، الذي حكمنا فيه بالصحة في المعلومة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 98

و فيه ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا، و لكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة الا مع العلم بالاشتمال أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال.

و أما الرابع مع الجهالة و هو بيعها كل قفيز بكذا، فالمحكي عن جماعة المنع و عن ظاهر اطلاق المحكي من عبارتي المبسوط و الخلاف انه لو قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع، قال في الخلاف لأنه لا مانع منه و الاصل جوازه. (1)

و ظاهر اطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال، و عن الكفاية نفي البعد عنه إذ المبيع معلوم بالمشاهدة و الثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزاتها، (2) قال: و له نظائر ذكر جملة منها في التذكرة و فيه نظر.

______________________________

اما المورد الأول: فعن القواعد و

التذكرة و حواشي الشهيد و الروضة و غيرها:

البطلان، و عن ظاهر الدروس و اللمعة: الصحة. و الأظهر هو الأول للغرر.

و غاية ما قيل في وجه الصحة و منع الغرر: ان بناء العقد علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع، فكل جزء من ذلك يقابل بجزء من الثمن، فما كان من المبيع موجودا يصح البيع بالإضافة إليه، و ما لم يكن موجودا بطل بالقياس إليه و ثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة.

و فيه: انه لو سلم ارتفاع الغرر بذلك، لما كان مجديا بعد اعتبار معلومية كيل المبيع أو وزنه ان كان مكيلا أو موزونا، مع ان ارتفاع الغرر غير ثابت، فانه و ان ارتفع من حيث المالية الا انه لا يرتفع من حيث الغرض المعاملي.

و بعبارة اخري: الجهل بوجود المبيع غرر عرفا كما لا يخفي، فالأظهر هو الفساد.

(1) و أما المورد الثاني: فالمشهور علي ما نسب إليهم البطلان، و عن الشيخ في الخلاف: انه لا مانع منه و الأصل جوازه، و عن الكفاية: انه غير بعيد.

(2) و استدل للصحة: بان المبيع معلوم بالمشاهدة، و الثمن مما يمكن ان يعرف بان يكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزاتها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 99

مسألة: إذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها، (1)
اشارة

فإن اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة الي غيرها المجهول عند المتبايعين، فلا يصح البيع الا بذكر صفات تصحح بيع الغائب، لأن الرؤية القديمة غير نافعة و ان اقتضت العادة بقائها عليها، فلا إشكال في الصحة و لا خلاف أيضا إلا من بعض الشافعية و ان احتمل الامران جاز الاعتماد علي أصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد،. (2)

______________________________

و فيه: ان المعلومية بالمشاهدة لا تكفي فيما يعتبر في صحة بيعه الكيل أو الوزن، مع انه

يلزم الغرر، فالأظهر هو البطلان.

كفاية مشاهدة العين سابقا

(1) و فيما يكفي المشاهدة لصحة العقد لو شاهد عينا في زمان سابق علي العقد: فلا اشكال في صحة العقد مع قضاء العادة ببقائها علي ما هي عليه،

كما لا إشكال في الفساد مع قضاء العادة تغيرها عن صفاتها السابقة الي غيرها المجهول عند المتبايعين للزوم الغرر،

انما الكلام في موردين:

الأول: في انه لو اقتضت العادة التغير هل يمكن تصحيح العقد باخبار البائع أو الاشتراط في ضمن العقد ام لا؟

الثاني: في حكم ما لو احتمل الأمران.

اما الأول: فالظاهر صحة البيع مع اخبار البائع إذا كان مؤتمنا، أو اشتراط تلك الصفات في ضمن العقد. اما مع اخبار البائع فللنصوص «1» الواردة في اخبار البائع بالكيل أو الوزن المتقدمة بناء علي الغاء خصوصية موردها و التعدي الي سائر الخصوصيات التي يكون الجهل بها موجبا للغرر، و أما مع الاشتراط فلارتفاع الغرر به.

و أما المورد الثاني: فقد افاد المصنف قدس سره: انه.

(2) جاز الاعتماد علي اصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد فيكون نظير اخبار البائع بالكيل أو الوزن، لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 100

فيكون نظير أخبار البائع بالكيل و الوزن، لأن الاصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها و لو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليها لحصول امارة علي خلافه فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول، و هو ما اقتضي العادة تغيره لم يجز البيع و إلا جاز مع ذكر تلك الصفات لا بدونه، لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول

إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا، لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة،

______________________________

و فيه: ان الغرر لا يرتفع بالأصل. و ان شئت قلت: انه انما يجري الاستصحاب فيما كان الأثر مترتبا علي المتيقن و أما بالنسبة الي اثر العلم فلا يكون الاستصحاب مفيدا بالإضافة إليه: فان الاستصحاب ان جري و حكم ببقاء الحالة السابقة مع تحقق الشرائط من اليقين السابق و الشك اللاحق و ثبوت الأثر للمتيقن تترتب عليه آثار العلم التي تكون مترتبة عليه من حيث انه موجب للجري العملي علي طبق الحالة السابقة دون غيرها و أما إذا لم يكن هناك اثر للمتيقن فلا يجري كي يقوم مقام القطع في تلك الآثار.

و في المقام ان ارتفاع الغرر بما انه من آثار العلم فلا يترتب علي الاستصحاب مضافا الي انه من آثار العلم بما هو طريق لا بما انه مقتض للجري العملي و عليه فلا يفيد الاستصحاب في المقام.

و لكن مع ذلك يمكن تصحيح العقد: بان ايقاع المعاملة علي العين المرئية سابقا يكون له ظهور عرفي في اشتراط وجود تلك الصفات و ليست هي من قبيل الأوصاف التي لا دخل لها في العقد كي لا يكفي مجرد البناء بل هي من قبيل الأوصاف التي تقع المعاملة مبنية عليها التي هي بمنزلة الأوصاف المذكورة: و لا إشكال في ارتفاع الغرر بذلك.

اللهم الا ان يقال ان ارتفاع الغرر من حيث المالية بذلك و ان كان لا إشكال فيه كما في سائر موارد الاشتراط.

الا ان الغرر من حيث الغرض المعاملي لا يرتفع به. فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 101

و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمة، فانكشف التغير تخير المغبون

(1)

و هو البائع، ان تغير الي صفات زادت في ماليته و المشتري ان نقصت عن تلك الصفات لقاعدة الضرر، و لأن الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة (2)

فهي من قبيل تخلف الشرط، كما اشار إليه في نهاية الاحكام و المسالك بقولهما:

الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط، انتهي.

و توهم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها، فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد مدفوع، بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد صيرورتها مأخوذة فيه حتي لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد و الصفات المرئية سابقا حيث ان البيع لا يصح الا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد اولي من دخول الشرط المذكور علي وجه الشرطية، و لذا لو لم يبن البيع عليها و لم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا

______________________________

(1) قوله و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمه فانكشف التغير تخير المغبون و تفصيل القول: ان صور البيع بالرؤية القديمة ثلاث:

الأولي: العلم العادي ببقاء تلك الصفات.

الثانية: اخبار البائع بها.

الثالثة: ايقاع المعاملة مبنيا عليها.

اما في الصورة الأولي و الثانية فالأظهر صحة العقد و لزومه اما الصحة: فلما تقدم و أما لزومه: فلأنه لا موجب للخيار لا خيار الغبن: لأن ذلك الخيار مورده زيادة القيمة السوقية أو نقصها، و لا خيار الرؤية لما سيأتي من اختصاصه بما إذا اشترط الوصف، و لا خيار الشرط لعدمه، و لا غير ذلك، و هو واضح.

(2) و أما في الصورة الثالثة: فالأظهر ثبوت خيار الشرط لما تقدم من ان الصفات المبني عليها العقد في حكم الصفات

المشروطة كما افاده المصنف قدس سره.

و ما عن العلامة في نهاية الأحكام من احتمال البطلان، يمكن ان يكون مدركه احد امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 102

فالذكر اللفظي انما يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد و احتمل في نهاية الاحكام البطلان، و لعله لأن المضي علي البيع و عدم نقضه عند تبين الخلاف ان كان وفاء بالعقد وجب فلا خيار، و إن لم يكن وفاء لم يدل دليل علي جوازه، و بعبارة اخر العقد إذا وقع علي الشي ء الموصوف انتفي متعلقه بانتفاء صفته،

و إلا فلا وجه للخيار (1) مع اصالة اللزوم، و يضعفه ان الاوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع. اما ببناء العقد عليها و أما بذكرها في متن العقد لا يعد، من مقومات للعقد، كما انها ليست من مقومات المبيع، ففواتها فوات حق للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه، و تمام الكلام في باب الخيار انشاء الله تعالي

______________________________

(1) الاول: ما افاده المصنف قدس سره من ان العقد إذا وقع علي الشي ء الموصوف انتفي متعلقه بانتفاء صفته، و الا فلا وجه للخيار.

الثاني: ان المعتبر في صحة العقد عدم كونه بنفسه غرريا، و الاشتراط لا يرفع غررية البيع.

الثالث: ان الشرط الذي لم يذكر في العقد لا عبرة به.

و الجميع كما تري اما الأول: فللنقض بجميع الشروط، و للحل، فان الشرط التزام في ضمن التزام.

و سيأتي توضيح ذلك في محله.

و أما الثاني: فلأن الشرط يوجب رفع الغرر عن البيع و عدم كونه غرريا.

و أما الثالث: فلأن الشرط غير المذكور في العقد علي قسمين:

الأول: ما يقع العقد مبنيا عليه و يكون له ظهور عرفي فيه.

الثاني: ما

لا يكون كذلك و ما ذكر يتم في الثاني من جهة انه في باب العقود و الإيقاعات لا عبرة بالبناءات القلبية ما لم تبرز،

و لا يتم في الأول، إذ لا يعتبر فيها غير الإبراز شي ء آخر من كون الإبراز بالدلالة المطابقية لا الالتزامية.

فالأظهر هي الصحة و الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 103

فرعان الأول: لو اختلفا في التغيير فادعاه المشتري، (1) ففي المبسوط و التذكرة في الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك تقديم قول المشتري، لأن يده علي الثمن، كما في الدروس و هو راجع إلي ما في المبسوط و السرائر من ان المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن و لا ينتزع منع الا باقراره أو ببينة تقوم عليه، انتهي (2)

______________________________

حكم ما لو اختلفا في التغير

فرعان:

(1) قوله الأول: لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري فعن المبسوط و التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد و المسالك و غيرها تقديم قول المشتري، و استدلوا له باصول ستمر عليك،

و قبل بيانها لا بد و ان يعلم ان مورد الكلام في هذا الفرع ما لو اتفقا علي الصفات الموجودة حال العقد و كان الاختلاف في انها هي الصفات المرئية أو ان الصفات المرئية كانت غيرها، لاما لو اتفقا علي الصفات المرئية و كان الاختلاف في انها كانت باقية الي حين العقد ام لا: فانه في هذه الصورة يجري استصحاب بقائها علي ما كانت عليه و هو حاكم علي جميع الأصول المفروضة.

و ايضا الغرض من الأصول التي تمسكوا بها تشخيص المدعي عن المنكر، و أما انه علي فرض كون المشتري منكرا يثبت له الخيار فهو انما يكون بموازين باب القضاء من اليمين و البينة.

فايراد المحقق الخراساني قدس سره علي القوم منهم المصنف بان

الخيار لا يثبت بالأصل لترتبه علي عنوان الضرر غير الثابت به، في غير محله.

إذا عرفت هذين الأمرين.

فاعلم: ان الأساطين القائلين بتقديم قول المشتري استندوا الي وجوه:

(2) الأول: ان المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن، و لا ينتزع منه الا باقراره أو ببينة تقوم عليه، و ليس المراد بذلك استصحاب بقاء علقة المشتري بالثمن بناء علي ان الخيار من مراتب العلقة الملكية التي كانت قبل البيع، إذ المبني فاسد لأن الملكية من سنخ الوجود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 104

و تبعه العلامة ايضا في صورة الاختلاف في اوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية حيث تمسك باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقرّبه أو يثبت بالبينة و لأن البائع يدعي علمه بالمبيع علي هذا الوصف الموجود و الرضا به و الاصل عدمه كما في التذكرة و لأن الاصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد، و يمكن ان يضعف الأول بأن يد المشتري علي الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد امانة غاية الأمر انه يدعي سلطنته علي الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد الا ان يقال ان وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع علي الثمن (1) بناء علي ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة و لم ينسب خلاف إلا إلي بعض الشافعية من عدم وجوب تسليم الثمن، و المثمن في مدة الخيار و ان تسلم الآخر، و حينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع علي اخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجي ء.

______________________________

و ليست ذا مراتب،

بل المراد به ظهور اليد في كون المشتري مسلطا علي الثمن بالتصرف فيه و

لو بالفسخ، فحينئذ ان كان الثمن بيده فلا كلام و الا فيستصحب بقاء سلطنته المطلقة علي الثمن.

و فيه: ان يد المشتري علي الثمن بعد المعاملة يد امانية و ليست امارة تسلطه عليه،

و ادعاء المشتري تسلطه علي الفسخ لا يفيد كما لا يخفي.

(1) و المصنف قدس سره بعد هذا الجواب قال: الا ان يقال ان وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع.

و حاصله: انه بناء علي ما ذكره العلامة قدس سره في التذكرة من ان البائع لا يكون مسلطا علي تسلم الثمن في زمان الخيار كما ان المشتري لا يكون مسلطا علي تسلم المثمن في ذلك الزمان يصير البائع مدعيا و المشتري منكرا لموافقة قوله للأصل من وجه آخر و هو انه مع الشك في ثبوت الخيار يشك في حدوث سلطنة كل من البائع و المشتري و الاصل عدمها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 105

______________________________

فمقتضي الأصل عدم تسلط البائع علي تسلم الثمن من المشتري، فإذا صار المشتري منكرا ثبت له الخيار بمقتضي قوانين باب القضاء ثمّ قال: انه لا مدفع لهذا الأصل الا اصالة عدم سبب الخيار.

و الحق في الجواب عن هذا الوجه ما افاده المصنف قدس سره في مبحث الخيارات بقوله:

اني لا أجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه.

و لا ينافيه ما افاده في مبحث خيار المجلس بما حاصله: انه لو قلنا بوجوب التقابض في عقد الصرف و السلم، فثمرة الخيار واضحة و هي عدم وجوب التقابض.

كما توهمه المحقق النائيني قدس سره،

فان الظاهر ان مراده انه لو ثبت الخيار حيث ان له الفسخ لو فسخ لما وجب التقابض، و هذه ثمرة الخيار لا انه لا يجب التقابض مع عدم الفسخ.

و

أما تفصيل المحقق المذكور بين الخيارات الزمانية و غيرها، و انه يتم ما افاده العلامة ره في القسم الأول دون الثاني من جهة ان حقيقة الخيار في القسم الأول عبارة عن كون امر العقد بيد ذي الخيار، فجميع آثاره تحت تصرفه و منها التسليم و التسلم، و أما في القسم الثاني فحقيقته عبارة عن ثبوت حق الاسترداد ما لم يصل الي ذي الخيار عوضه، فالخيار ابتداء لا يرجع الي العقد بل ثانيا، فقبل الفسخ لم يرد تخصيص علي ادلة سلطنة الناس علي اموالهم، فيجب علي المشتري تسليم الثمن و ان جاز له استرداده بعده فغير تام، فان حقيقة الخيار في القسمين واحدة و هي ملك فسخ العقد و اقراره، و لا يؤثر هذا الا من حين وقوعه فيرفع اثر البيع لا انه يكشف عن عدم صحة البيع من الأول،

و لذا يجب التسليم في القسمين ما لم يتحقق الفسخ.

الوجه الثاني: ان البائع يدعي علم المشتري بهذا الوصف الموجود و الرضا به،

و المشتري ينكره، و الأصل مع المشتري. ذكره العلامة في محكي التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 106

و الثاني: مع معارضته باصالة عدم علم المشتري بالمبيع علي وصف آخر (1)

حتي يكون حقا له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفي غيره بالاصل الذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم يجز اصالة عدم علمه بهذا الوصف. (2)

و الثالث: بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا، و لذا يجوز له امضاء العقد و ثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت فعليه الاثبات و المرجع أصالة لزوم العقد

و لأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البائع هذا

______________________________

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(1) احدهما: ان المشتري يدعي علمه بالوصف الآخر الذي يدعيه الذي هو منشأ ثبوت الخيار لتخلف الوصف، و الأصل عدمه، فالبائع يكون منكرا و المشتري مدعيا.

(2) ثانيهما: ان الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا، فإذا انتفي غيره بالأصل الذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم تجر اصالة عدم علمه بهذا الوصف.

و في كل من الاستدلال و جوابي المصنف قدس سره نظر،

اما الأول: فلأن اصالة عدم علم المشتري بالوصف الموجود لا تثبت وقوع البيع علي الموصوف بالوصف الآخر الا علي القول بالأصل المثبت.

و به يظهر ما في الجواب الأول الذي ذكره المصنف قدس سره، إذ لا يثبت بالأصل المزبور وقوع البيع علي الموصوف بهذا الوصف الموجود.

و أما الثاني: فلأن حكومة الأصل السببي علي المسببي انما تكون فيما إذا كانت السببية شرعية لا في مثل المقام مما تكون السببية عقلية.

الوجه الثالث: ان الأصل عدم وصول حق المشتري إليه كما عن جامع المقاصد.

و فيه: ان حقه من العين واصل إليه قطعا، و من الوصف المفقود غير ثابت،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 107

و يمكن بناء المسألة علي ان بناء المتبايعين حين العقد علي الاوصاف (1)

الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية و المسالك، و لهذا لا يحصل من فقدها الا خيار لمن اشترطت له، و لا يلزم بطلان العقد أو انها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي ء المقيد، و لذا لا يجوز الغائها في المعقود

عليه، كما يجوز الغاء غيرها من الشروط، فعلي الأول يرجع النزاع في التغير و عدمه الي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع و عدمه، و الاصل مع البائع،

و بعبارة اخري النزاع في ان العقد وقع علي الشي ء الملحوظ فيه الوصف المفقود ام لا لكن الانصاف ان هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار لكنه ليس شيئا مستقلا حتي يدفع عند الشك بالاصل، بل المراد به ايقاع العقد علي العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف و ليس هنا عقد علي العين و التزام بكونه متصفا بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد،

فحينئذ يرجع النزاع الي وقوع العقد علي ما ينطبق علي الشي ء الموجود حتي يلزم الوفاء و عدمه و الاصل عدمه و دعوي معارضته باصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع الا بعد اثبات وقوع العقد علي العين الغير المقيدة باصالة عدم وقوع العقد علي المقيدة و هو غير جائز، كما حقق في الاصول. و علي الثاني يرجع النزاع الي رجوع العقد و التراضي علي الشي ء المطلق

______________________________

و استصحاب بقاء كلي الحق من قبيل الاستصحاب في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، و لا نقول به، فهذه الوجوه لا تتم، و لذلك. قال المصنف.

(1) و يمكن بناء المسألة علي ان بناء المتبايعين حين العقد علي الأوصاف الملحوظة … فهي كشروط مضمرة.

و حاصله: انه ان كان الوصف من قيود المبيع و كان الالتزام التزاما وحدانيا متعلقا بعنوان المتصف بالصفات، كان الأصل مع المشتري لرجوع النزاع الي وقوع العقد علي الشي ء المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود، و عدمه و

الأصل مع المشتري، و ان كان في قوة اشتراطها، علي ان يكون هناك التزامان، كان الأصل مع البائع لرجوع النزاع في التغير و عدمه الي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع، و عدمه و الأصل مع البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 108

بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود و عدمه، و الأصل مع المشتري،

و دعوي معارضته باصالة عدم وقوع العقد علي الشي ء الموصوف بالصفة المفقودة (1) مدفوعة، بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، حتي يلزم علي المشتري الوفاء به، فالزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف علي ثبوت تعلق العقد

بهذا، و هو غير ثابت و الاصل عدمه، و قد تقرر في الاصول ان نفي احد الضدين بالاصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب عليه حكمه، و بما ذكرنا يظهر فساد التمسك باصالة اللزوم، حيث أن المبيع ملك المشتري و الثمن ملك البائع اتفاقا و انما اختلافهما في تسلط المشتري علي الفسخ فينفي ما تقدم من قاعدة اللزوم. توضيح الفساد ان الشك في اللزوم و عدمه من حيث الشك في متعلق العقد، فإنا نقول: الاصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتي يثبت اللزوم و هو وارد علي اصالة اللزوم.

و الحاصل ان هنا امرين احدهما عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود واخذه فيه، و هذا الاصل ينفع في عدم الخيار لكنه غير جار لعدم الحالة السابقة.

______________________________

و لكن ما هو محل البحث من قبيل القسم الثاني، و ذلك لوجهين:

الأول: ان تقييد المبيع و تضييقه يختص بالكلي، فانه قابل لذلك، و لا يكون الشخصي كذلك، و تعليق البيع علي الوصف موجب للبطلان، فلا محالة يكون من قبيل الالتزام به في ضمن العقد.

الثاني: ان البيع بالرؤية القديمة

انما صححناه بالاشتراط، فراجع ما ذكرناه، و عليه فالأصل مع البائع.

و ربما يقال في تقريب ان الأصل مع البائع وجوه اخر:

(1) منها: اصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة بالوصف المفقود ليثبت الجواز:

و فيه: انه ان اريد بها ما هو مفاد ليس التامة، فهي لا تفيد، فان عدم وقوع العقد المتصف بالوصف المفقود لا أثر له الا ان يثبت به وقوعه علي المتصف بالوصف الموجود أو المطلق غير المقيد بشي ء من الوصفين، و ان اريد به ما هو مفاد ليس الناقصة فلا حالة سابقة له

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 109

و الثاني: عدم وقوع العقد علي الموصوف بذلك الوصف المفقود، و هذا جار غير نافع نظير الشك في كون الماء «الخاص» المخلوق دفعة كرا من أصله، (1) فإن أصالة عدم كريته نافعة غير جار و اصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة، في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور فافهم و اغتنم.

و بما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد (2) الحاكمة علي الاصول العملية المتقدمة، مثل ما دل علي حرمة أكل المال الا ان تكون تجارة عن تراض، و عموم و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، و عموم الناس مسلطون علي أموالهم، بناء علي انها تدل علي عدم تسلط المشتري علي استرداد الثمن من البائع، لأن المفروض صيرورته ملكا، إذ لا يخفي عليك ان هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لا يدفع عوضه الذي وقع المعاوضة عليه إلي المشتري، فإذا شك في ذلك، فالأصل عدم دفع العوض، و هذا هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، فإن عدم وصول حقه إليه يثبت

موضوع خيار تخلف الوصف. فإن قلت: لا دليل علي كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور، بل نقول:

______________________________

(1) و المصنف قدس سره نظر المقام بالشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من اصله،

بدعوي ان اصالة عدم كريته نافعة غير جارية، و اصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور.

و فيه: انه في الماء الخلوق دفعة من جهة ان آثار القلة آثار للماء غير المتصف بعنوان الكرية يمكن اجراء عدم الكرية الأزلي كما ذكرناه في الجزء الأول من فقه الصادق مفصلا،

و أما في المقام فلا يمكن ذلك من جهة ان موضوع اللزوم هو العقد الواقع علي المتصف بالوصف الموجود أو المطلق لا علي العقد غير الواقع علي المتصف بالوصف المفقود، فلا تنفع اصالة العدم الأزلي في المقام بخلافه في المثال.

(2) و منها: العمومات المقتضية للزوم العقد الحاكمة علي الأصول العلمية المتقدمة، مثل ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 110

قد خرج من تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه و بين ما لم ينطبق علي المدفوع. فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة (1) قلت السبب في الخيار و سلطنة المشتري علي فسخ العقد و عدم وجوب الوفاء به عليه هو عدم كون العين الخارجة منطبقة علي ما وقع العقد عليه.

و بعبارة اخري هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه الي المشتري، لا وقوع العقد علي ما يطابق العين الخارجية، كما ان السبب في لزوم العقد مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها الي ملك المشتري

و الاصل موافق للأول و مخالف للثاني، مثلا إذا وقع العقد علي العين علي انها سمينة فبانت مهزولة،

فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه، و هو السمين، لا وقوع العقد علي السمين، فإن ذلك لا يقتضي الجواز و انما المقتضي للجواز عدم انطباق العين الخارجية علي متعلق العقد.

و من المعلوم ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك، فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشتري إليه.

______________________________

دل علي حرمة اكل المال الا ان تكون تجارة عن تراض، «1» و عموم لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه، «2» و عموم الناس مسلطون علي اموالهم «3».

و فيه: ان هذه العمومات قد خصصت بادلة الخيارات، فمع الشك في الخيار تكون الشبهة مصداقية، و لا يرجع فيها الي العمومات.

(1) و منها: ان موضوع الخيار المعاوضة الواقعة علي مال لا ينطبق علي المدفوع،

فإذا شك في تلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة.

و فيه: ان موضوع الخيار هو عدم كون العين الخارجية منطبقة علي ما وقع العقد عليه

______________________________

(1) النساء آية 29.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي- و المستدرك ج 1 ص 222 و الاحتجاج ص 267.

(3) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 111

و كذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود حتي يجب الوفاء بما الزم. نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من اصالة بقاء يد المشتري علي الثمن، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم، بل يناسب اصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد، كما يظهر من المختلف في باب السبق و الرماية، و سيأتي تحقيق الحال في باب الخيار، و أما دعوي ورود اصالة عدم

تغير المبيع علي الاصول المذكورة، (1) لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع، فهي مدفوعة مضافا الي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة، (2) فاختلف في زمان المشاهدة كما إذا علم بكونها سمينة و انها صارت مهزولة، و لا يعلم انها في زمان المشاهدة كانت باقية علي السمن أو لا. فحينئذ مقتضي الاصل تأخر الهزال عن المشاهدة،

فالاصل تأخر التغير لا عدمه الموجب للزوم العقد ان مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلي عدم كونها حين المشاهدة سمينة.

و من المعلوم ان هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد، نظير اصالة عدم وقوع العقد علي السمين. نعم لو ثبت بذلك الاصل هزالها عند المشاهدة، و تعلق العقد بالمهزول ثبت لزوم العقد، و لكن الأصول العدمية في مجاريها لا يثبت وجود أضدادها، هذا كله

______________________________

و بعبارة اخري: عدم دفع البائع العنوان الذي وقع العقد عليه الي المشتري،

و الأصل موافق له، مع انه لو سلم ما ذكر لما كان يثبت به للزوم.

و منها: اصالة اللزوم. و فيه: ان الشك في الجواز و اللزوم مسبب عن الشك في وقوع العقد علي المتصف بالوصف الموجود و عدمه، فإذا جري الأصل في السبب لا يبقي شك في اللزوم كي يرجع الي اصالته.

(1) و منها: ان اصالة عدم تغير المبيع واردة علي الأصول المذكورة، لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع.

و فيه مضافا الي ما افاده المصنف بقوله.

(2) مضافا الي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 112

مع دعوي المشتري النقص الموجب للخيار، و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع، (1) فمقتضي ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع،

لأن الأصل عدم وقوع العقد علي هذا الموجود حتي يجب عليه الوفاء به. و ظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا و لم يعلم وجهه.

______________________________

انه ان اريد بذلك استصحاب عدم التغير من حيث انه بنفسه حادث من الحوادث،

فهو لا يفيد لعدم كونه موضوع الأثر.

و ان اريد به استصحاب المعنون ففيه: اولا: انه من الاستصحاب القهقري، لأنه يراد اثبات كون الصفة الموجودة كذلك حين العقد.

و ثانيا: ان استصحاب كون هذه الصفة موجودة لا يكفي، فان موضوع الأثر وقوع العقد علي المتصف بهذا الوصف الموجود لا وجود الصفة حين العقد.

فتحصل مما ذكرناه: انه ان كانت الأوصاف من قبيل الشرط و الالتزام في الالتزام كان الأصل مع البائع، و الا فمع المشتري.

(1) و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع.

فبناء علي ما اخترناه من ان اوصاف المبيع في البيع بالرؤية القيمة مع الشك فيها،

انما تكون كالشروط الخارجية من قبيل الالتزام في الالتزام، و عليه بنينا في المسألة المتقدمة ان الأصل مع البائع، لا بد من البناء في المقام علي ان الأصل مع المشتري، لأن البائع يدعي ان الشرط غير هذا الوصف الموجود، و المشتري ينكره، و الأصل عدمه.

و أما بناء علي كونها من قيود المبيع يكون الأصل مع البائع بعكس المسألة السابقة،

فان المشتري يدعي وقوع البيع علي هذا المتصف بالوصف الموجود، و البائع ينكره،

و الأصل معه.

و بذلك ظهران ما بني عليه الشهيد قدس سره من ان الأصل مع المشتري في المسألتين لا ينطبق علي القواعد.

و أما ما افاده المحقق النائيني قدس سره في توجيه ما افاده الشهيد قدس سره: بان الغالب يقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 113

الثاني: لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف

المشاهد و اختلفا في تقدم التغير (1) علي البيع ليثبت الخيار، و تأخره عنه علي وجه لا يوجب الخيار تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع و التغير علي صاحبه، و حيث ان مرجع الاصلين الي اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا و اصالة بقاء السمن و عدم وجود الهزال حال البيع.

و الظاهر انه لا يترتب علي شي ء منهما الحكم بالجواز و اللزوم، لأن اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه و انتقاله الي المشتري و اصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين، كما ان اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه،

______________________________

البائع علي البيع كائنا ما كان و لا ينظر الي الوصف الزائد علي ما رآه المشتري سابقا.

فغير تام، إذ كما تختلف رغبات المشتري في مقام الاشتراء كذلك تختلف رغبات البائع سيما في الأوصاف الموجبة لاختلاف القيمة وجودا و عدما كما هو واضح.

لو اختلفا في تقدم البيع علي التغير و تأخره عنه

(1) الفرع الثاني: ما لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف المشاهد و اختلفا في تقدم التغير.

و الكلام في هذا الفرع يقع في موضعين:

الأول: فيما إذا صارت قيمته بعد التغير اقل و كان المدعي للخيار هو المشتري.

الثاني: فيما إذا صارت قيمته ازيد و كان المدعي للخيار هو البائع.

اما الموضع الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

احدهما: بناء علي ان تلف الوصف بعد البيع و قبل القبض يوجب الخيار.

ثانيهما: بناء علي عدم كونه موجبا للخيار.

و قبل الشروع في بيان الحق لا بد من تقديم مقدمة،

و هي: انه ربما يكون متعلق الحكم هو الفعل المتعلق بالموصوف المتصف بوصف حال وجود الوصف، و ربما يكون متعلقه هو الفعل المتعلق بالوصف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 114

فالمرجع الي اصالة عدم وصول حق

المشتري إليه، (1) كما في المسألة السابقة، إلا ان الفرق بينهما هو ان الشك في وصول الحق هناك ناشئ عن الشك في نفس الحق، و هنا ناشئ عن الشك في وصول الحق المعلوم. و بعبارة اخري الشك هنا في وصول الحق، و هناك في حقه الواصل، و مقتضي الاصل في المقامين عدم اللزوم، و من ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع، بأن اتفقا علي مشاهدته مهزولا، و وقوع العقد علي المشاهد و حصل السمن

______________________________

مثال الأول: ما لو وجب اكرام زيد العالم.

و مثال الثاني: موارد ضمان الأوصاف، فانه مترتب علي الاستيلاء علي الوصف نفسه.

و في القسم الأول إذا كان الوصف متيقنا سابقا و مشكوكا فيه لاحقا يجري فيه الاستصحاب و يترتب حكمه بضم الوجدان الي الأصل، فلو كان زيد عالما و شك في بقاء علمه يستصحب ذلك و يكون اكرامه متعلقا للوجوب.

و في القسم الثاني لا يكفي استصحاب بقاء الصفة، لأنه لا يثبت به كون الفعل متعلقا به، فلو كان الغنم سمينا سابقا و شك في سمنه حال الغصب لا يكفي استصحاب بقاء السمن في الحكم بضمان هذا الوصف المترتب علي غصب الوصف ايضا و تمام الكلام في ذلك موكول الي محل آخر إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم:

انه في المورد الأول: يكون الأصل مع المشتري لأصالة عدم وصول حقه إليه،

و اصالة عدم التغير و بقاء الوصف الي زمان القبض لا يثبت قبض الصفة الذي هو موضوع اللزوم فلا تجري، و كذا لا تجري اصالة عدم القبض الي ما بعد التغير، فانها ايضا لا تثبت وقوع القبض علي فاقد الوصف الذي هو موضوع الخيار، فهذان الأصلان لا يجريان. و أما اصالة اللزوم فهي

محكومة لاستصحاب عدم وصول حق المشتري إليه.

(1) و في المورد الثاني افاد المصنف قدس سره: ان الأصل مع المشتري و هو اصالة عدم وصول حقه إليه، و هو غير تام، لأنه علي الفرض القطع بعدم وصول حقه إليه لا يكون موجبا للخيار لعدم كون تلف الوصف قبل القبض موجبا للخيار، فكيف باستصحابه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 115

و اختلفا في تقدمه علي البيع ليثبت الخيار للبائع فافهم و تدبر. (1)

فإن المقام لا يخلو عن اشكال و اشتباه، و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية، و اختلفا في تقدم التلف علي البيع و تأخره، (2) فالأصل بقاء ملك المشتري علي الثمن لأصالة عدم تأثير البيع،. و قد يتوهم جريان اصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه و هو وجود المبيع.

و فيه ان صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الاثر شرعا، فإذا فرضنا انه عقد علي شي ء معدوم في الواقع، فلا تأثير له عقلا في تمليك العين، لأن تمليك المعدوم لا علي قصد تمليكه عند الوجود

______________________________

بل في المورد الثاني: يكون الأصل- و هو اصالة اللزوم و اصالة عدم التغير و بقاء الوصف الي حين البيع الجارية و المفيدة في المقام من جهة ان الأثر و هو اللزوم انما يترتب علي وقوع البيع علي الموصوف في حال وجود تلك الصفة- مع البائع.

و ما عن بعض من: ان الأصل الثاني معارض مع اصالة عدم وقوع البيع الي زمان التغير.

يرده: انه لا أثر لهذا الأصل، لأن الخيار انما يترتب علي وقوع البيع علي الفاقد لذلك الوصف.

(1) و أما الموضع الثاني: و هو ما لو ادعي البائع الخيار، بان كانت العين في حال المشاهدة

فاقدة الوصف و البيع وقع عليها مع عدم الوصف و صارت بعد ذلك واجدة له،

و ادعي البائع تقدم وجود الصفة علي البيع و القبض، و المشتري يدعي التأخر فظاهر كلام المصنف ان الأصل مع البائع، و صريح كلام المحقق النائيني قدس سره ذلك.

و لكن الحق ان الأصل مع المشتري، إذ مضافا الي اصالة اللزوم تجري اصالة عدم التغير و عدم وجود الوصف الي حين البيع، و لا تعارضها اصالة عدم البيع الي زمان التغير،

إذ لا يثبت بها وقوع البيع في حال وجود الوصف.

(2) قوله و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما تكفي في قبضه التخلية و لم يعلم وجه تعرضه لهذا الفرع في المقام و علي كل حال لا تجري الاصول الموضوعية في شي ء من الطرفين في المقام، من غير فرق بين الجهل بالتاريخ و العلم به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 116

و لا علي قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول، و مجرد انشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجعل بالحال، فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم (1) لأن التمليك الحقيقي غير متحقق و الصوري، و ان تحقق لكنه ليس بفاسد، إذ اللغو فاسد عرفا اي قبيح إذا صدر عن علم بالحال.

و بالجملة: الفاسد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع، فافهم.

هذا فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقدم بيع الراهن علي رجوع المرتهن عن اذنه في البيع و تأخيره عنه،

______________________________

للمثبتية فان استصحاب بقاء العين الي حين البيع لا يترتب عليه الاثر ما لم يحرز به تحقق البيع الذي هو تمليك

مال بعوض كما ان استصحاب عدم البيع الي ما بعد التلف لا يثبت كون البيع واقعا علي المعدوم فلا محالة يشك في تحقق البيع و عدمه و بالنتيجة يشك في انتقال الثمن عن المشتري و عدمه و الاصل يقتضي عدم الانتقال و بقاء ملك المشتري علي الثمن.

(1) و قد يتوهم انه تجري اصالة الصحة في البيع لانه لو كان المبيع معدوما يكون البيع فاسدا و بلا اثر و لو كان موجودا يكون صحيحا و اصالة الصحة تقضي بالصحة و هي حاكمة علي اصالة بقاء ملك المشتري علي الثمن و لكنه فاسد من جهة اختصاص دليل اصالة الصحة بما إذا شك في الصحة و الفساد بعد احراز اصل العمل الموصوف بالصحة لا لأنه لا يعقل الشك في الوصف الا مع احراز الموصوف بل لان دليل التعبد انما يتكفل التعبد بالوصف دون التعبد بالموصوف و اثباته فلا تعبد بالوصف الا مع احراز الموصوف و في المقام بما انه يشك في اصل وجود البيع الذي هو المقسم للصحيح و الفاسد لانه إذا كان المبيع معدوما لم يكن ما وقع بيعا و لو عرفا فلا يكون مجري لأصالة الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 117

حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن لان (1) الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسدا لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه، نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الإنشاء الحقيقي عرفا و لو فيما إذا باع بلا ثمن (2) أو باع ما هو غير مملوك،

كالخمر و الخنزير و كالتالف شرعا كالغريق و المسروق أو معدوم قصد تملكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة كما لو باع ما اتلفه زيد

علي عمرو (3) أو صالحه اياه بقصد حصول اثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة و الفساد، فإذا حكم بفساد شي ء من ذلك، ثمّ شك في ان العقد الخارجي منه ام من الصحيح حمل علي الصحيح.

______________________________

(1) قوله حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن المتمسك هو صاحب الجواهر قدس سره و قد حققنا في رسالة القواعد الثلاث انه لا تجري اصالة الصحة فيه من جهة ان الرجوع إذا وقع بعد البيع لا يترتب عليه شي ء لعدم كونه قابلا للتاثير و من شرائط جريانها قابلية التأثير عقلا.

(2) قوله و لو فيما إذا باع بلا ثمن أو باع ما هو غير مملوك البيع بلا ثمن كالبيع بلا مبيع بعد فرض تقوم البيع بالعوضين فلو شك فيه لا تجري اصالة الصحة لعين ما تقدم.

(3) قوله كما لو باع ما اتلفه زيد علي عمرو أو صالحه اياه ان قلنا ان حقيقة الضمان كون التالف بشخصه في العهدة الي حين الاداء- صح البيع المذكور لاعتبار بقاء المبيع.

و ان قلنا ان حقيقته انتقال المثل أو القيمة الي الذمة كان بيعه بعد التلف بيعا لما لا وجود له و قد مر عدم جريان الاصل لو شك في ذلك.

لزوم الاختبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 118

مسألة: لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك، (1)

كما في كل وصف يكون كذلك إذ لا فرق في توقف رفع الغرر علي العلم بين هذه الأوصاف و بين تقدير العوضين بالكيل و الوزن و العد، و يغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الاوصاف دون ما لا ينضبط كمقدار الطعم و الرائحة و اللون و كيفياتها، فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شي ء من جنسه، ثمّ الشراء علي ذلك النحو من الوصف مثل ان

يكون الاعمي قد رأي قبل العمي لؤلؤة فبيع منه لؤلؤة أخري علي ذلك الوصف.

______________________________

مسائل.

(1) الأولي: لا بد و ان يختبر الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك كما في كل وصف يكون كذلك بلا خلاف: لدفع الغرر،

و تفصيل القول في هذه المسألة: انه تارة تختلف قيمة الشي ء باختلاف اوصافه الثلاثة، و اخري لا تختلف.

و علي الأول: قد يكون واجد الوصف صحيحا و فاقده فاسدا، و قد يكونان معا من مراتب الصحيح.

اما في القسم الأول: فلا ينبغي التوقف في بطلان البيع مع الجهل بالوصف من دون توصيف و اشتراط و لو ضمني للغرر، من غير فرق بين كون الفاقد فاسدا أو مما لا مالية له المترقبة من ذلك الشي ء، و بين كونه معيبا.

و هناك قول آخر، و هو: القول بصحة البيع اعتمادا علي اصالة السلامة.

و فيه: انه لا دليل عليها لا من بناء العقلاء و لا من الشرع،

اما الأول: فلأنهم في اموراتهم لا يبنون علي السلامة ما لم يطمئنوا بها.

و ما اعترف به المصنف قدس سره من بنائهم عليها في ما إذا كان الشك في طروء المفسد.

غير سديد، لأنهم في ذلك المورد ايضا لا يبنون عليها مع عدم الاطمئنان و ما يري من ايقاع المعاملة علي الشي ء من دون اطمئنان بسلامته انما يكون من جهة الشرط الضمني. و سيأتي الكلام فيه.

و أما الثاني: فلأن ما يتوهم كونه دليلا عليها ليس الا الاستصحاب، و هو لا يجري في المقام، لأن الأثر مترتب علي الإحراز دون المتيقن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 119

و كذا الكلام في الطعم و الرائحة لمن كان مسلوب الذائقة و الشامة. نعم لو لم يرد من اختبار الاوصاف الا استعلام صحته و

فساده جاز شرائها بوصف الصحة،

كما في الدبس و الدهن مثلا، فإن المقصود من طعمها ملاحظة عدم فسادهما، بخلاف بعض انواع الفواكه و الروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها و رائحتها، و لا يقصد من اختبار اوصافها ملاحظة صحتها و فسادها و اطلاق كلمات الاصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته (1) بالوصف محمول علي ما إذا اريد الاوصاف التي لها مدخل في الصحة لا الزائدة علي الصحة التي يختلف بها القيمة، بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان جواز شرائها من دون اختبار و لا وصف بناء علي اصالة الصحة، و كيف كان فقد قوي في السرائر عدم الجواز اخيرا بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعي عليه الإجماع في الغنية. قال يمكن أن يقال ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف، لأنه غير غائب، فيباع مع خيار الرؤية بالوصف. فإذن لا بد من شمه و ذوقه لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلي الوصف و هذا أقوي، انتهي.

______________________________

(1) قوله و اطلاق كلمات الاصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته بالوصف الكلمات بانفسها مقصورة علي صورة التمكن من التوصيف و لا تشمل ما لا يمكن فيه ذلك لعدم الانضباط لانه من البديهي ان المراد بالتوصيف تعيين الصفات للمشتري لا مجرد ذكرها كما هو واضح.

كما لا ينبغي التوقف في صحة البيع مع العلم بالوصف بالاختبار أو غيره، أو اخبار البائع به ان كان مؤتمنا، أو اشتراط وجوده و لو بالشرط الضمني لارتفاع الغرر بجميع ذلك.

اما بالأول: فواضح.

و أما بالثاني: فلما دل علي حجية خبر الواحد في الموضوعات «1» و ما دل علي كفاية اخبار البائع بالكيل أو الوزن

ان كان مؤتمنا «2» بعد الغاء خصوصية المورد.

______________________________

(1) الحجرات آية 6.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 120

و يضعفه ان المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر و الغائب تحكما، بل الاقوي جواز بيعه من غير اختبار و لا وصف بناء علي اصالة الصحة وفاقا للفاضلين، و من تأخر عنهما، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه، فذكره في الحقيقة يرجع إلي ذكر وصف الصحة.

و من المعلوم انه غير معتبر في البيع اجماعا، بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب. و أما رواية محمد بن العيص عن الرجل يشتري ما يذاق أ يذوقه قبل ان يشتري؟ قال: نعم، فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري، فالسؤال فيها عن جواز الذوق لاعن وجوبه، ثمّ انه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة الي المفيد و القاضي و سلار و ابي الصلاح و ابن حمزة، (1) قال في المقنعة

______________________________

و أما بالثالث: فان كان الشرط صريحا واضح، و ان كان ضمنيا- اي كان القيد من القيود التي بناء المتعاملين عليها- فلما تقدم اجمالا، و سيأتي تفصيله من انه بحكم ذكر الشرط و ليس من قبيل البناء القلبي المجرد كي يقال انه لا عبرة به في باب العقود و الإيقاعات.

و خبر محمد بن العيص «1» المذكور في المتن لا يدل علي لزوم الاختبار فانه سؤالا و جوابا في مقام بيان جواز الذوق لا وجوبه.

و أما في القسم الثاني: فما ذكرناه في هذا القسم يجري فيه طابق النعل بالنعل، و الفرق بينهما انه لا مجال في هذا القسم لاحتمال الاستناد الي

اصالة السلامة.

و أما في القسم الثالث: فالأظهر صحة البيع مع الجهل بالوصف و ان لم يشترط وجوده لعدم لزوم الغرر.

(1) ثمّ انه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة الي المفيد.

ظاهر كلمات هؤلاء كصريح الحلي تعين الاختبار و عدم كفاية التوصيف كما ان مقتضي اطلاق كلام الجميع عدم الفرق بين وصف الصحة و سائر الاوصاف التي تنضبط بالتوصيف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 25- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 121

كل شي ء من المطعومات و المشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له كالادهان المختبرة بالشم و صنوف الطيب و الحلوات المذوقة، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار، فإن ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا و المتبايعان فيها بالخيار، (1) فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس انتهي.

و عن القاضي انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر فإن بيع من غير اختبار كان المشتري مخيرا في رده له علي البائع، و المحكي عن سلار و ابي الصلاح و ابن حمزة اطلاق القول بعد صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار من غير تعرض لخيار المتبايعين كالمفيد أو للمشتري كالقاضي. ثمّ المحكي عن المفيد و سلار ان ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة.

و عن النهاية و الكافي ان بيعه جائز علي شرط الصحة أو البراءة من العيوب. (2)

و عن القاضي لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب. قال في محكي المختلف بعد ذكر عبارة القاضي: ان هذه العبارة توهم اشتراط احد القيدين.

اما الصحة أو البراءة من العيوب و ليس بجيد، بل الاولي انعقاد البيع سواء شرط احدهما أو خلي عنهما أو شرط العيب.

و الظاهر انه انما صار

الي الايهام من عبارة الشيخين حيث قالا: انه جاز علي شرط الصحة أو بشرط الصحة، و مقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو علي شرط الصحة جائز لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة، انتهي.

______________________________

(1) قوله و المتبايعان فيه بالخيار و المراد بالخيار هنا هو الخيار في احداث بيع جديد و ان لهم ذلك لا الخيار المصطلح- و ذلك للتصريح قبله ببطلان البيع من دون اختبار و كذلك بعده- و لنسبة الخيار الي المتبايعين و لو كان المراد هو الخيار المصطلح كان المنسوب إليه احدهما لا كليهما.

(2) قوله الا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب المراد بالبراءة من العيوب براءة المبيع منها فيكون عطف تفسير لشرط الصحة لا براءة البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 122

اقول: و لعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار: بقوله جاز شرط الصحة لكن الانصاف: ان الظاهر من عبارتي المقنعة و النهاية و نحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد، كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها الي آخرها.

و عبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ. و ظاهر الكل كما تري اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده، كما تقدم من الحلي فلا يكفي ذكر الاوصاف فضلا عن الاستغناء عنها باصالة السلامة، و يدل عليه ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة: اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار و ان فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه، فينبغي ان يكون كلا مهم في الأمور التي لا تنضبط (1) خصوصية طعمها و ريحها بالوصف.

و الظاهر ان ذلك في غير الاوصاف التي يدور عليها السلامة من

العيب، الا ان تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار (2) كالشاهد علي ان المراد بالاوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة، كما ان مقابله و هو ما يفسد الشي ء باختباره كالبيض و البطيخ كذلك غالبا، و يؤيده حكم القاضي بخيار المشتري.

______________________________

عن عهدة العيوب فان هذا الشرط لا يعقل صيرورته موجبا لصحة البيع لو كان باطلا بدونه للجهالة و الغرر لانه لا يرفعهما لو لم يؤكد.

(1) قوله فينبغي ان يكون كلامهم في الامور التي لا تنضبط حاصله انه من افتاء القوم بكفاية التوصيف فيما يفسده الاختبار يستكشف انه يكفي في رفع الغرر و حيث انه لا يمكن البناء علي كفايته في رفع الغرر في مورد دون آخر فيعلم من ذلك ان ما افتوا به من عدم كفاية التوصيف فيما لا يفسده الاختبار انما هو فيما لا يمكن فيه التوصيف الا بعد الاختبار و هو ما إذا كانت الصحة ذات مراتب و لا يمكن تعيين مرتبة منها الا بعد سبق الاختبار.

(2) قوله الا ان تخصيصهم الحكم لما لا يفسده الاختبار … مناط السلامة حاصل ذلك انه من مقابلة ما لا يفسد بالاختبار بما يفسد به- يعلم ان الفساد المنفي تارة و المثبت اخري واحد و هو ما يقابل الصحة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 123

و كيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالاوصاف، فلا خلاف معهم منا و لا من الاصحاب، و ان كان مذهبهم موافقا للحلي (1) بناء علي ارادة الاوصاف التي بها قوام السلامة من العيب، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية و ان كان مذهبهم عدم كفاية البناء علي اصالة السلامة عن الاختبار و الوصف و ان كان ذكر الوصف

كافيا عن الاختبار، فقد عرفت ان الظاهر من حالهم و حال غيرهم عدم التزام ذكر الاوصاف الراجعة الي السلامة من العيوب في بيع الاعيان الشخصية.

و يمكن ان يقال بعد منع جريان اصالة السلامة في الاعيان لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد، (2) مع ان الكلام في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف اعم، و لا من الشرع لعدم الدليل عليه ان السلامة من العيب الخاص متي ما كانت مقصودة (3) علي جهة الركنية للمال، كالحلاوة في الدبس و الرائحة في الجلاب و الحموضة في الخل و غير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية، فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات و حيث فرض عدم اعتبار اصالة السلامة.

______________________________

و فيه ان ما يفسده الاختبار كما يفسد باختبار وصف صحته يفسد باختبار مراتب صحته فلا شهادة في هذا التخصيص علي القصر بوصف السلامة.

(1) قوله و ان كان مذهبهم موافقا للحلي قد عرفت ان الاظهر ذلك فراجع.

(2) قوله الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد قد عرفت انه لا بناء من العقلاء حتي في هذا المورد.

(3) قوله ان السلامة من العيب الخاص متي ما كانت مقصودة محصل هذا التفصيل ان السلامة ان كان فواتها موجبا لفوات معظم المالية و كانت هي مقصودة علي وجه الركنية لزم احرازها حين البيع و يبطل بدونه و لا يصح الاعتماد علي اصالة السلامة- و ان لم تكن كذلك أي لم تكن مقومة للمالية فلا تكون متعلقة للغرض النوعي المعاملي من العقلاء- لم يجب احرازها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 124

فلا بد من الاختبار أو الوصف

أو الاعتقاد بوجودها، لأمارة عرفية مغنية عن الاختبار و الوصف و متي ما كانت مقصودة لا علي هذا الوجه لم تجب احرازها.

نعم لما كان الاطلاق منصرفا الي الصحيح (1) جاء الخيار عند تبين العيب، فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الاطلاق الي النقد لا النسية و انصراف اطلاق الملك في المبيع الي غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في احراز الصحة و البناء عليها علي اصالة السلامة.

و بعبارة اخري، الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر، ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض، و مثل هذا لا يعتبر احراز السلامة عنه، و قد يستلزمه ككون الجارية خنثي، و كون الدابة لا يستطيع المشي أو الركوب و الحمل عليه، و هذه مما يعتبر احراز السلامة عنها، و حيث فرض عدم احرازها بالاصل، فلا بد من الاختبار أو الوصف، هذا و يؤيد ما ذكرنا من التفصيل ان بعضهم كالمحقق في النافع و العلامة في القواعد عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه، هذا، و لكن الانصاف ان مطلق العيب (2) إذا التفت إليه المشتري و شك فيه فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة عنه. اما بالاختبار و أما بالوصف و أما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف. اما لاجل الانصراف. و أما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب اصلا، فلا بد اما من كفاية الاطلاق في الكل للأصل و الانصراف.

و أما من عدم كفايته في الكل نظرا الي انه لا يندفع به الغرر الا إذا حصل منه الوثوق، حتي انه لو شك في ان هذا العبد صحيح أو انه اجذم لم يجز البناء علي اصالة

______________________________

(1) قوله نعم

لما كان الاطلاق منصرفا الي الصحيح هذا دفع اعتراض مقدّر هو انه ما الوجه لثبوت الخيار علي هذا التفصيل فانه في الصورة الاولي يبطل البيع و في الثانية يصح و لكن لا موجب له.

و حاصل الجواب ان وجه ثبوت الخيار في الصورة الثانية ليس من حيث الاعتماد علي اصالة السلامة بل لاقتضاء اطلاق العقد- أي الشرط الضمني بالتقريب المتقدم ذلك.

(2) قوله و لكن الانصاف ان مطلق العيب … احراز السلامة عنه هذا هو الصحيح علي ما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 125

السلامة إذا لم يفد الوثوق، بل لا بد من الاختبار أو وصف كونه غير اجذم،

و هذا و ان كان لا يخلو عن وجه الا انه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب و عدمها.

مسألة: يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار (1) اجماعا

علي الظاهر و الاقوي عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد، و كفاية الاعتماد علي اصالة السلامة (2) كما فيما لا يفسده الاختبار، خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة

______________________________

ثمّ انه في القسم الأول لو تبين فقد الوصف، فان كان الفاقد مما لا مالية له بطل البيع،

لأنه حينئذ بنظر العرف الفاقد غير الواجد حقيقة، فما وقع عليه العقد لا واقع له، و ما له واقع لم يقع عليه العقد.

و بعبارة اخري: مع عدم المالية للمبيع لا يصدق عنوان البيع، و ان كان الفاقد معيبا و له مالية ايضا صح البيع و ثبت خيار العيب.

و أما في القسم الثاني، فان كان البيع مع اشتراط وجود الوصف و لو ضمنا ثبت خيار تخلف الشرط، و ان كان مع الاختبار أو اخبار البائع لم يثبت الخيار،

لا خيار تخلف الشرط لعدمه، و لا خيار الغبن لأن مورده زيادة القيمة السوقية أو نقصها، و لا خيار العيب لعدم كونه معيبا.

حكم شراء ما يفسده الاختبار

(1) قوله يجوز ابتياع ما يفسده الاختيار من دون اختيار محصل الكلام في المقام: ان الاوصاف التي تختلف المالية باختلافها علي قسمين:

الأول: ما يوجب فقده كون الفاقد غير صحيح.

الثاني: ما لا يوجب فقده ذلك بل يكون الواجد و الفاقد من مراتب الصحيح.

اما في الأول: فيجوز البيع مع التوصيف أو الاشتراط و لو بنحو الشرط الضمني كما تقدم فيما لا يفسده الاختبار، و لا يصح البيع بدون ذلك للزوم الغرر.

(2) و أما الاعتماد علي اصالة السلامة فقد عرفت في المسألة المتقدمة ما فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 126

أو البراءة من العيوب (1) أو خصوص احدهما. و قد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة و النهاية الظاهرتين في ذلك و ارجاعهما الي ما اراده من قوله في القواعد جاز بيعه بشرط الصحة من انه مع الصحة يمضي البيع و لا معها يتخير المشتري و عرفت ان هذا التأويل مخالف للظاهر حتي ان قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة.

و لذا قال في جامع المقاصد: و كما يجوز بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا،

______________________________

(1) و أما ما عن جماعة من الاكتفاء بالبراءة من العيوب،

فان كان المراد بها ما تقدم و هو براءة المبيع من العيوب.

فهو متين، الا انه يرجع الي اشتراط الصحة،

و ان كان المراد بها براءة البائع عن عهدة العيوب.

فيرد عليه: ان ذلك يوجب الغرر المبطل للبيع، و لا وجه للقول بصحة البيع معه.

و أما في القسم الثاني: فان كان الوصف مما يمكن ضبطه و توصيفه اعتبر ذلك دفعا

للغرر.

و الا جاز بيعه و ان لم يكن الوصف محرزا بلا اختبار للإجماع علي عدم لزومه.

و الوجه في ذلك: اما انه لا يلزم الغرر من جهة ان لهذه الأمور عند العرف مالية معينة، و ان كان لو انكشف كونها واجدة للوصف تصير ماليتها ازيد الا انه ما لم ينكشف ذلك يكون لها مقدار معين من المالية،

أو لأنه علي فرض لزوم الغرر السيرة القطعية المستمرة توجب تخصيص دليل الغرر «1».

و الظاهر ان نظر صاحب الجواهر قدس سره المدعي للسيرة علي بيع ما يفسده الاختبار بمجرد المشاهدة الي هذا القسم،

و أما في القسم الأول فقد عرفت انه يمكن ان تكون السيرة من جهة البناء علي السلامة بنحو الشرط الضمني.

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 127

و كيف كان، فإذا تبين فساد البيع، (1) فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر و نحوه، فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة و الجوز تخير بين الرد و الارش، و لو فرض بلوغ الفساد الي حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا كالجوز الأجوف الذي لا يصلح الا للاحراق، فيحتمل قويا بطلان البيع ان لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع لوقوعه علي ما ليس بمتمول، و ان كان تبين الفساد بعد الكسر ففي الأول تبين الارش خاصة لمكان التصرف، و يظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه علي قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد، و المراد بالارش تفاوت ما بين صحيحه و فاسده الغير المكسور، لان الكسر نقص حصل في يد المشتري، و منه يعلم ثبوت الارش ايضا و لو لم يكن لمكسوره قيمة، لأن العبرة في التمول بالفاسد

الغير المكسور، و لا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول، و يبطل البيع في الثاني

______________________________

(1) قوله و كيف كان فإذا تبين فساد البيع و محصل الكلام في المقام: انه ان كان تبين الفساد قبل التصرف بالكسر و نحوه،

فربما يكون للفاسد مقدار من المالية، و لكنه اقل من مقدار الصحيح. و ربما لا تكون له المالية.

فان كان له مقدار من المالية، فان كان الفاسد بنظر العرف غير الصحيح كالجوز الأجوف الذي لا يصلح الا للإحراق، لا إشكال في فساد البيع، فان ما وقع عليه العقد غير موجود، و الموجود لم يقع عليه العقد.

و بعبارة اخري: ما قصد لا واقع له، و ما له واقع لم يقصد، و ان كان ذلك معيب الصحيح صح البيع و ثبت خيار العيب، و ان لم تكن له مالية بطل البيع لتقومه بتبديل المال.

و أما ان كان التبين بعد التصرف بالكسر و نحوه، فان كان للفاسد مالية و كان مع الصحيح بنظر العرف واحدا لا وجه لبطلان البيع، و يسقط خياره للتصرف، فيتعين عليه اخذ الارش. و لو كان التصرف الكسري بالمقدار اللازم في الاختبار، فهل يكون ذلك مانعا عن الرد او لا؟ وجهان،

لا يبعد اظهرية الثاني، فان البيع بشرط الصحة يتضمن شرط تقبل الرد بظهور العيب بالمقدار من الكسر المتوقف عليه الاختبار، و ليس المقام كسائر موارد خيار العيب الساقط فيها الخيار بالتصرف. و ان كان بنظر العرف مباينا للصحيح بطل البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 128

اعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط و السرائر.

و ظاهر من تأخر عنهما و ظاهرهم بطلان البيع من رأس، كما صرح به الشيخ و الحلي و العلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه علي ما لا

قيمة له كالحشرات و هو صريح جملة ممن تأخر عنهم و ظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس، فإن ظاهره انفساخ البيع من حيث تبين الفساد لا من اصله، (1) و جعل الثاني احتمالا و نسبه الي ظاهر الجماعة، و لم يعلم وجه ما اختاره. و لذا نسب في الروضة خلافه الي الوضوح و هو كذلك فإن الفاسد الواقعي ان لم يكن من الاموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا لأن اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي

______________________________

و ان لم تكن للفاسد مالية، فالكلام فيه في مواضع:

الأول: ان المبيع الفاسد الذي لا مالية لمكسوره كالبيض هل له مالية قبل الكسر من جهة ان العقلاء يبذلون بازائه المال رجاء للسلامة و ليس المال الا ما يبذل بازائه المال، ام ليس له مالية نظرا الي ان المالية تنتزع من كون الشي ء موضوعا لأثر يميل العقلاء إليه و يكون موردا لرغبتهم؟ وجهان اقواهما الثاني، و عليه فيكون البيع في الفرض باطلا من اصله من جهة انكشاف عدم المالية.

الثاني: انه علي تقدير المالية قبل الكسر.

(1) هل ينفسخ البيع من حين الكسر و تبين الفساد- كما عن الشهيد قدس سره نظرا الي ان الخروج عن المالية بالكسر حيث انه لأمر سابق علي العقد فيكون مضمونا علي البائع ام لا ينفسخ من جهة ان الخروج عن المالية ليس لأمر سابق و هو فساده فانه اوجب نقصا في المالية، ثمّ بالكسر ذهب المقدار الباقي فعلا، وجهان: اقواهما الثاني.

فان قلت: انه يمكن تصحيح كلام الشهيد قدس سره بان يقال: انه بالكسر يظهر العيب،

فحين الكسر يكون خيار العيب ثابتا قطعا، و في ذلك الحين يتلف المبيع فيكون تالفا في زمان الخيار، فتشمله قاعدة التلف في زمن الخيار

ممن لا خيار له «1».

قلت: اولا: ان الكسر اتلاف لا تلف، و القاعدة مختصة بالتلف.

و ثانيا انها مختصة بالخيارات الزمانية بانفسها، و خيار العيب ليس زمانيا بذاته

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 129

و ان كان من الأموال الواقعية، فإن لم يكن بينه و بين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا ارش و لارد (1) بل كان البيع لازما و قد تلف المبيع بعد قبضه و ان كان بينه و بين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين

الصحيح و الفاسد من الثمن لا جميع الثمن.

اللهم الا ان يقال انه مال واقعي الي حين تبين الفساد، فإذا سقط عن المالية لأمر سابق علي العقد و هو فساده واقعا كان في ضمان البائع، فينفسخ البيع حينئذ بل يمكن ان يقال بعدم الانفساخ فيجوز له الامضاء، فيكون المكسور ملكا له و ان خرج عن المالية بالكسر و حيث ان خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا علي البائع، (2) و تدارك هذا العيب اعني فوات المالية، لا يكون الا بدفع تمام الثمن،

لكن سيجي ء ما فيه من مخالفة القواعد و الفتاوي. و فيه وضوح كون ماليته عرفا و شرعا من حيث الظاهر.

______________________________

الثالث: انه علي تقدير المالية قبل الكسر و عدم انفساخ البيع، هل يسترجع ما يوازي تمام الثمن، ام يسترجع تفاوت ما بين الصحيح و المعيب؟ وجهان:

اقواهما الثاني، فان الموجب للأرش هو العيب الموجود حال البيع دون الحادث بعده.

و دعوي ان الحادث في زمان الخيار ايضا موجب له،

مندفعة بان الحادث بالإتلاف ليس موجبا له كما هو واضح.

(1) قوله لم يكن هنا رد و الارش عدم ثبوت الارش

واضح لعدم التفاوت بين القيمتين و أما عدم ثبوت الرد فغير ظاهر فانه إذا اشتراه بشرط الصحة ثبت خيار تخلف الشرط.

(2) قوله و حيث ان خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا ليس مراده بذلك ضمان المعاوضة كي يرد عليه بان لازمه انفساخ البيع و المفروض عدمه بل مراده ضمان الغرامة نظرا الي منشأ هذا العيب الحادث هو العيب السابق فالصحيح ان يورد عليه بان الكسر الموجب لنقص مقدار من المالية المشترك بين الصحيح و المعيب ليس منشؤه العيب السابق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 130

و أما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من اول الامر مع انه لو كان ما لا واقعا فالعيب حادث في ملك المشتري، فإن العلم مخرج له عن المالية لا كاشف فليس هذا عيبا مجهولا و لو سلم فهو كالارمد يعمي بعد الاشتراء، و المريض يموت مع ان فوات المالية يعد تلفا لا عيبا، ثمّ ان فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشتري الثمن الي حين تبين الفساد، و عن الدروس و اللمعة انها تظهر في مئونة نقله (1) عن الموضع الذي اشتراه فيه إلي موضع اختباره، فعلي الأول علي البائع و علي الثاني علي المشتري لوقوعه في ملكه، و في جامع المقاصد الذي يقتضيه النظر انه ليس له رجوع علي البائع بها لانتفاء المقتضي و تبعه الشهيد الثاني قال لانه نقله بغير امره فلا يتجه الرجوع عليه بها و كون المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرم انما يتجه مع الغرور و هو منفي هنا لاشتراكهما في الجهل، انتهي.

و اعترض عليه بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار، و هنا قول ثالث نفي عنه

البعد بعض الاساطين، و هو كونه علي البائع علي التقديرين و هو بعيد علي تقدير الفسخ من حين تبين الفساد، هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء الي موضع الكسر.

______________________________

(1) قوله و عن الدروس و اللمعة انها تظهر في مئونة نقله الاقوال و الوجوه في المسألة ثلاثة الاول: ان المئونة علي البائع مطلقا الثاني: انها علي المشتري كذلك الثالث: التفصيل بين القول بالانفساخ من حين التبين فعلي المشتري و بين القول

بانكشاف الفساد من الاول فعلي البائع و الاظهر انها علي المشتري مطلقا الا مع صدق التغرير فانه يرجع المشتري حينئذ

الي البائع لقاعدة الغرور- أو كون النقل بامره- اما رجوعه الي البائع في الموردين فواضح و أما عدم رجوعه في غيرهما فلعدم الموجب له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 131

و أما مئونة نقله من موضع الكسر، لو وجب تفريغه منه (1) لمطالبة مالكه،

أو لكونه مسجدا أو مشهدا، فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة:

فالظاهر انه علي البائع علي التقديرين، لأنه بعد الفسخ ملكه، و أما لو لم يكن قابلا للتملك فلا يبعد مؤاخذة المشتري به و في رجوعه علي البائع ما تقدم في مئونة نقله الي موضع الكسر، ثمّ ان المحكي في الدروس عن الشيخ و اتباعه انه لو تبرأ البائع من العيب (2) فيما لا قيمة لمكسوره صح، قال: و يشكل انه اكل مال بالباطل،

و تبعه الشهيد و المحقق الثانيان

______________________________

(1) قوله و أما مئونة نقله من موضع الكسر تارة يكون لزوم النقل لحق البائع من جهة ان المكسور ماله و متعلق حقه- و اخري- يكون لحق الله تعالي كما إذا كان في المسجد و كان بقائه فيه موجبا لهتكه اما في الاول

فمئونة الرد علي المشتري الا إذا كانت المئونة زائدة عما يقتضيه طبعا رد المال: فانه إذا كانت المئونة بمقدار ما يقتضيه طبعا رد المال لا محالة يكون دليل وجوب الرد اخص من حديث لا ضرر فيخصص به- و ان كانت زائدة عليه كان مقتضي حديث «1» لا ضرر عدم وجوب البذل عليه و أما في الثاني فمئونة النقل كأصل وجوبه تكون علي عامة المسلمين و صيرورة المشتري سببا لتوجيه التكليف لا توجب اختصاص التكليف به كما حققناه مفصلا في الجزء الاول من فقه الصادق في مبحث تنجيس المسجد.

(2) قوله لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح الظاهر ان مراد الشيخ و اتباعه انه مع الفراغ عن صحة البيع بالاطمينان بالصحة و السلامة من الاختبار أو التوصيف أو غيرهما إذا تبرأ من العيوب ثمّ تبين الفساد بالكسر صح و ليس مراده تصحيح البيع بالتبري حتي يورد عليه بان ذلك موجب للزوم الغرر المبطل- أو يوجه بان المراد اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب.

و علي ما ذكرناه فايراد الدروس عليهم بانه اكل للمال بالباطل انما يكون من جهة انكشاف عدم المالية له قبل الكسر أي حين البيع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 5- 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 132

و قد تصدي بعض لتوجيه صحة اشتراء البراءة (1) بما حاصله منع بطلان البيع و ان استحق المشتري مجموع الثمن من باب الارش المستوعب، فإن الارش غرامة اوجبها الشارع بسبب العيب، لا انه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن، و لذا يسقط بالاسقاط و لا يتعين علي البائع الاعطاء من نفس الثمن ليسقط بالتبري و ليس هذا كاشتراط

عدم المبيع في عقد البيع إذ المثمن يتحقق علي حسب معاملة العقلاء، و لم يعلم اعتبار ازيد من ذلك في صحة البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما علي بذل ماله علي هذا النحو.

نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالارش المستوعب، و لعله لذا لم يعبروا بالبطلان و ان ذكر المحقق و غيره الرجوع بالثمن، و فهم منه جماعة بطلان البيع، لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية و ان لم يكن له قيمة و هو اعم من بطلان البيع، انتهي محصله و فيه مواقع للنظر فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع، كالشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و العلامة في التذكرة، معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له، و بين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن الظاهر في البطلان، فإن الرجوع بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان، و يكفي في ذلك ما تقدم من الدروس من ان ظاهر الجماعة البطلان، من اول الأمر، و اختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد،

فعلم ان لا قول بالصحة مع الأرش،

______________________________

(1) قوله و قد تصدي بعض لتوجيه صحة اشتراء البراءة المتصدي للتوجيه هو صاحب الجواهر قدس سره و يرد عليه.

انه ان اراد بذلك عدم اعتبار المالية الواقعية و انه يكفي المالية الظاهرية في صحة البيع- ففيه- ان البيع إذا كان هو تبديل المالين فمع عدم المالية الواقعية يتعين البناء علي الفساد الواقعي و ان اراد ان ما لا قيمة لمكسوره يكون ما لا واقعا قبل الكسر- ففيه- ما تقدم في اوائل هذه المسألة.

و ان اراد كفاية الملكية في صحة البيع و لا يعتبر المالية- ففيه- ما تقدم في الجزء الاول من

هذا الشرح في مسألة بيع ما لا منفعة له و عرفت انه لا تصدق عناوين المعاملات مع عدم المالية.

و ان اراد انه من حيث كونه محكوما بالارش المستوعب فهو ذو مالية علي أي تقدير- ففيه- ان الارش لا يوجب صيرورة المبيع مالا.

133/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 133

بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث انه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد علي ما لا قيمة له، و حكاية ذلك عن بعض الشافعية قال، و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل لأن الرد ثبت علي سبيل استدراك الظلامة، (1) و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع و يظهر فائدة الخلاف في ان القشور الباقية بمن يختص، حتي يجب عليه تطهير الموضع عنها، انتهي.

هذا مع انه لا مجال للتأمل في البطلان بناء علي ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا و عرفا حكم ظاهري، و تموّل العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي، و لذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا (2) و غير ذلك إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما، ثمّ ان الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم. (3) فلعله اراد الملكية مضافا الي ان الارش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال، لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب. نعم ذكر العلامة في التذكرة و التحرير و القواعد ان المشتري للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن أو طلب

الارش، فإن استوعب الجناية القيمة كان الارش جميع الثمن ايضا

______________________________

(1) قوله علي سبيل استدراك الظلامة الظلامة هي ما للمظلوم عند الظالم و استدراكها تداركها اما باسترجاع عين ما يكون

عنده أو باداء ما يماثله.

(2) قوله و لذا لم يتامل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا الفرق بين المقام و بين بيع الحر و الخمر بعد اشتراكهما في عدم المالية: ان الحر و الخمر ليسا ملكين بخلاف المبيع في المقام.

(3) قوله ثمّ ان الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم يمكن الجمع بينهما ان كان المراد عدم الخروج عن المالية قبل الكسر كما تقدم- نعم لا يمكن الجمع بينهما ان لوحظا في حال واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 134

و قد تصدي جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد فراجع، و كيف كان فلا اجد وجها لما ذكره، و اضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ و اتباعه بصحة البيع و اشتراط البائع علي المشتري البراءة من العيوب، و زعم ان معني اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب، فيكون مرادفا لاشتراط الصحة، و انت خبير بفساد ذلك، بعد ملاحظة عبارة الشيخ و الاتباع. فإن كلامهم ظاهر أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب لا المشتري. نعم لم اجد في كلام الشيخين و المحكي عن غيرهما تعرضا لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره، ثمّ انه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب (1) الغير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر، فإن بيع ما لا يعلم صحته، و فساده لا

يجوز الا بناء علي اصالة الصحة، و اشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب و عدمها، و قد صرح العلامة و جماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة، و سيجي ء توضيحه في باب الخيارات انشاء الله.

مسألة: المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأرة (2)

و الفأر بالهمزة قيل جميع فأرة كتمر و تمرة.

و عن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا و مستند الحكم العمومات (3) الغير المزاحمة بما يصلح

______________________________

(1) قوله ثمّ انه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب. بلزوم الغرر لا إشكال فيه إذا كان الاشتراط بعد كون البيع صحيحا غير غرري لعدم الجهل به و الاطلاع علي حاله بالاختبار و نحوه- و كان الغرض منه دفع الالتزام بالعيب إذا ظهر الخطاء- نعم- يصح هذا الاشكال لو كان الاشتراط مع الجهل بالمبيع لدفع الغرر فانه يوجبه و لا يرفعه.

بيع المسك في الفأرة

(2) قوله المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأرة.

(3) مقتضي العمومات و السيرة جواز بيع ذلك 135/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 135

للتخصيص عدا توهم النجاسة (1) المندفع في باب النجاسات بالنص و الاجماع (2) أو توهم جهالته بناء علي ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر و يندفع بما تقدم من بناء العرف علي الاصل في نفي الفساد (3)

و بناء الاصحاب علي عدم التزام الاختبار في الاوصاف التي تدور معها الصحة لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد. و أما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الذي لا يعلم الا بالاختبار فلا رافع له. نعم قد روي في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه لكن لم يعلم ارادة ما

في الفأرة، و كيف كان. فإذا فرض انه ليس له اوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في القيمة، فالاحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بابرة، ثمّ اخراجه و شمه

______________________________

و استدل لعدم الجواز بوجهين:

(1) احدهما: أنه دم و لا يجوز بيع النجس.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بانه ليس بنجس للنص «1» و الإجماع.

و يمكن ان يجاب عنه- مضافا الي ذلك بوجهين-:

احدهما: عدم كونه نجسا اما للاستحالة- فتدبر- أو لان المادة من اصلها ليست مادة دم بل هي جرم خاص.

ثانيهما: انه لا دليل علي بطلان بيع الدم الذي ينتفع به منفعة محللة معتد بها، كما تقدم تفصيل القول في ذلك في الجزء الاول من هذا الشرح.

الثاني: انه مجهول و لا يجوز بيع المجهول كما تقدم.

و فيه: انه تارة يحتمل الفساد، و اخري لا يحتمل ذلك، و يكون الفاقد لوصف محتمل من مراتب الصحيح اما في الصورة الاولي فقد افاد المصنف قدس سره.

(3) ان بناء العرف علي اصالة الصحة في نفي الفساد- و قد تقدم ما في ذلك في المسألة السابقة و الحق انه مع اخبار البائع بالسلامة ان كان مؤتمنا أو اشتراط الصحة و لو

______________________________

(1) الوسائل- باب 43- من ابواب لباس المصلي- و باب 95 و 97- من ابواب آداب الحمام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 136

ثمّ لو شمه و لم يرض به فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه، و لو بكونه جزءا اخيرا لسبب النقص بأن فتق قبله بإدخال الخيط و الابرة مرارا وجه، مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم، (1) فالاولي ان يباشر البائع ذلك فيشم المشتري الخيط، ثمّ ان الظاهر من

العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف (2) و هو كذلك، و صرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة و هو حسن، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر و الصغر.

______________________________

بالشرط الضمني يصح البيع لارتفاع الغرر.

اما بالاول فلما «1» دل علي حجية خبر الواحد في الموضوعات و ما دل «2» علي كفاية اخبار البائع بالكيل أو الوزن ان كان مؤتمنا بعد الغاء خصوصية المورد.

و أما بالثاني فلما تقدم في المسألة السابقة- و بدون ذلك لا يكون البيع صحيحا للغرر و أما في الصورة الثانية فان لم تختلف القيمة باختلاف الاوصاف صح البيع بلا كلام لعدم الغرر و ان كان يختلف به القيمة فيصح مع اخبار البائع أو الاشتراط و لو ضمنا و بدونه يحتمل الوجهان وجه البطلان لزوم الغرر وجه الصحة سيرة المتشرعة من التجار و غيرهم علي البيع بدون الاختبار و الاحوط ان يختبر بفتقهما بادخال خيط فيها بابرة ثمّ اخراجه و شمه.

(1) قوله وجه مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم و فيه انه يمكن القول بعدم الضمان و ان قلنا بالضمان في تلك المسألة: فان المشتري ان اختبر مع اذن البائع كان ظاهر ذلك هو المجانية و عدم ضمان النقص و هذا بخلاف المقبوض بالسوم.

(2) قوله عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف.

الاشكال في بيع اللؤلؤ انما يكون من جهتين- الاولي- من جهة الجهل بالوجود- الثانية- من جهة الجهل بالصفة و انما يصح البيع مع التعارف إذا ارتفع الجهل من الجهتين للتعارف- و الا فلا يصح-

______________________________

(1) الحجرات: 6.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 137

مسألة: لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه، (1)

لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه

عن الجهالة، فيكون المجموع مجهولا، إذ لا نعني بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا، و يتفرع علي ذلك انه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكا لجهالته و ان ضم إليه القصب أو غيره، و لا اللبن في الضرع و لو ضم إليه ما يحلب منه أو غيره علي المشهور، كما في الروضة و عن الحدائق: و خص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما الي المعلوم، و جوزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم، و هو المحكي عن المختلف و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و المقتصر،

و استحسنه المحقق و الشهيد الثانيان. و لعل المانعين لا يريدون الا ذلك، نظرا الي ان جهالة التابع لا يوجب الغرر، و لا صدق اسم المجهول علي المبيع عرفا، حتي يندرج في اطلاق ما دل من الاجماع علي عدم جواز بيع المجهول. فإن اكثر المعلومات بعض اجزائها مجهول، خلافا للشيخ في النهاية، و ابن حمزة في الوسيلة، و المحكي عن الاسكافي و القاضي، بل في مفتاح الكرامة ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع في مسألة السمك، و اختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المحدث العاملي و المحدث الكاشاني.

و حكي عن ظاهر غاية المراد و صريح حواشيه علي القواعد

______________________________

بيع المجهول منضما الي المعلوم

(1) قوله لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه الأقوال في المسألة- اي في بيع المجهول مع الضميمة- ثلاثة:

احدها: الجواز مطلقا، ذهب إليه السيد في محكي الانتصار.

الثاني: ما هو المشهور بين الأصحاب و هو عدم الجواز كذلك.

الثالث: ما عن المختلف و شرح الارشاد

و غيرهما، و هو التفصيل بين ما إذا كان المجهول تابعا للمعلوم فيصح البيع، و بين ما إذا لم يكن كذلك فيبطل.

و الحق يقتضي البحث في موضعين:

الأول: فيما تقتضيه النصوص الخاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 138

و حجتهم علي ذلك الاخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك و اللبن و غيرهما.

ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها كوجود سهل فيها سهل، (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب اخرج شيئا من سمك فباع «فيباع» و ما في الأجمة.

و رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كان فيها قصب، و المراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة. (2) و رواية ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب انما هي ماء، قال يصيد كفا من سمك تقول اشتري منك هذا السمك، و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا.

______________________________

الثاني فيما تقتضيه القواعد اما الموضع الاول فملخص القول فيه، ان بعض النصوص يدل علي انه يصح بيع مجهول الصفة مع الضميمة، كمرسل البزنطي «1» المذكور في المتن.

(1) قوله التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل اما كون ارسالها سهلا فلان المرسل هو البزنطي الذي لا يرسل الا عن ثقة و من اصحاب الاجماع و أما كون وجود سهل سهلا، فلان الاظهر عند جماعة الاعتماد علي رواياته منهم الوحيد و نحوه خبر ابي بصير «2» المذكور في المتن، فانهما ظاهر ان في صحة بيع المجهول من حيث المقدار بضمه الي المعلوم ينحو الجزئية،

و في المتن ان رواية «3» معاوية بن عمار المذكورة فيه من هذا القبيل قال.

(2) و المراد

شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة و فيه ان ظاهر الخبر شراء رقبة الارض مع ما فيها من القصب لا شراء السمك فهو اجنبي عن المقام و جملة من تلك النصوص تدل علي صحة بيع مجهول الحصول مع الضميمة

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 139

و موثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه، قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع، قال: لا، الا ان يحلب لك في سكرجة، (1) فيقول: اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي، فإن لم يكن في الضرع شي ء كان ما في السكرجة، و عليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل، قال: نعم حتي تنقطع أو شي ء منها، بناء علي ان المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه، (2) أو بيع شي ء منه محلوب في الخارج، و ما بقي في الضرع بعد حلب شي ء منه. و في الصحيح الي ابن محبوب عن ابي ابراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل اشتري من رجل اصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما، قال: لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف

______________________________

كموثق سماعة «1» المذكور في المتن، فتأمل فانه قابل للحمل علي الجهل بالوجود.

(1) قوله يحلب لك في سكرجة- السكرجة معرب سكره و هي بالفارسية وعاء متخذ من الطين يحلب فيه اللبن و صحيح

العيص «2» المذكور في المتن.

(2) قوله بناء علي ان المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه و فيه ان المراد بالانقطاع ان كان هو النفاد- فلا تعرض فيه لاعتبار الضميمة إذ المراد حينئذ من قوله أو شي ء منه بيع بعض اللبن- و ان كان المراد به الانفصال من الضرع- و ان كان حينئذ المراد من قوله أو شي ء منه انفصال بعض اللبن و بيعه منضما الي ما في الضرع الا ان الجزء السابق و هو بيع جميعه مع الانفصال بيع المجهول و لم يعتبر فيه الضميمة فما هو ظاهر المتن من حمل الانقطاع علي النفاد- و حمل أو شي ء منه علي حلب شي ء من اللبن و ضمه الي ما في الضرع- تفكيك بين الجملتين و حمل لهما علي معنيين لا تقابل بينهما اصلا.

و بعضها يدل علي ان بيع مجهول الوجود يصح مع الضميمة كصحيح الكرخي «3»

المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب عقد البيع حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) الوسائل- باب 10- من ابواب عقد البيع حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 140

و موثقة اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابي عبد الله عليه السلام في الرجل، يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري، لعله لا يكون شي ء من هذا ابدا أو يكون، أ يشتريه و في اي زمان يشتريه و يتقبل به، قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا. انه قد ادرك فاشتره و تقبل به. و ظاهر الاخيرين كموثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع، لا من حيث

جهالته، فإن ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن و الكيل. و كذا المعلوم الحصول من الاشياء المذكورة في رواية الهاشمي، مع ان المشهور، كما عن الحدائق المنع عن بيع الأصواف علي ظهور الغنم، بل عن الخلاف عليه الاجماع، و القائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون الي الاصواف، فتبين ان الرواية لم يقل أحد بظاهرها، (1) و مثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلي المجهول، روايتا أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون. و لذا جعلوه من الربويات، و لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة،

لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه. و أما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها علي بيع السمك الا بقرينة روايتي ابي بصير و البزنطي التين عرفت حالهما، فتأمل

______________________________

حيث ان المفروض فيه الجهل بالوجود و نحوه موثق «1» اسماعيل المذكور في المتن.

(1) و اورد عليها: المصنف قدس سره: بانها متضمنة لجواز بيع المجهول مع ضمه الي مجهول آخر، إذ الأصواف علي ظهر مائة نعجة في رواية الكرخي مجهولة بنفسها و لا يصح بيعها منفردة، و المستخرج و المتصيد من السمك اللذان تضمنهما مرسل البزنطي و خبر ابي بصير غير معينين، و ما في الاسكرجة من اللبن غير معلوم الوزن، و علي هذا فلم يفت احد بمضمونها فلا بد من رد علمها الي اهلها.

و فيه: ان اطلاقات النصوص واردة في مقام بيان شي ء آخر و هو تصحيح بيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع حديث 4.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 5، ص: 141

ثمّ علي تقدير الدلالة ان اريد انتزاع قاعدة منها و هي جواز ضم المجهول الي المعلوم و ان كان المعلوم غير مقصود، الا حيلة لجواز نقل المجهول، فلا دلالة فيها علي ذلك، و لم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة، بل المعلوم من بعضهم بل كلهم خلافه فإنا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شي ء معلوم إليه، كما يشهد به تتبع كلماتهم، و ان اريد الاقتصار علي مورد النصوص و هو بيع سمك الآجام و لبن الضرع و ما في البطون مع الاصواف فالامر سهل علي تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل، من عدم جواز بيع المجهول مطلقا.

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم، و اصله من العلامة قال في القواعد في باب شرط العوضين: كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و ان انضم الي معلوم.

و يجوز مع الانضمام الي معلوم إذا كان تابعا، انتهي.

و ارتضي هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه الا ان مرادهم من المقصود و التابع غير واضح و الذي يظهر من مواضع من القواعد و التذكرة: ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع، (1) و بالمقصود ما كان جزء، قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع:

______________________________

المجهول لا تصحيح بيع الضميمة، فلا مورد للتمسك باطلاقها من هذه الجهة.

و بعبارة اخري: ان النصوص انما سيقت لبيان انه يمكن تصحيح بيع المجهول بالضميمة و ليست في مقام بيان ما يعتبر في الضميمة، فلا يصح التمسك باطلاقها من تلك الجهة.

فالحق انها تدل علي صحة بيع المجهول بالضميمة، و لكن لا تختص تلك بصورة

كون المجهول تابعا، و تكون مختصة بموارد خاصة و ليست لها اطلاق أو عموم يتمسك به للتعدي عنها.

و أما الموضع الاول: فان لم يكن المجهول تابعا لا كلام في البطلان للغرر.

و أما التابع فله معان:

(1) احدها: ما عن العلامة في القواعد و التذكرة، و هو: ان التابع ما اخذ شرطا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 142

لو شرط ان الأمة حامل و الدابة كذلك صح، اما لو باع الدابة و حملها و الجارية و حملها، بطل لأن كلما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود و يصح تابعا، انتهي.

و في باب ما يندرج في المبيع قال: السادس العبد، و لا يتناول ماله الذي ملكه مولاه الا ان يستثنيه المشتري ان قلنا ان العبد يملك فينتقل الي المشتري مع العبد،

و كان جعله للمشتري ابقاء له علي العبد، فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا. اما إذا احلنا تملكه و باعه و ما معه صار جزء من المبيع، فيعتبر فيه شرائط البيع، انتهي.

و بمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا و بين جعله جزء صرح في التذكرة في فروع مسألة تمليك العبد و عدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار و أخشاب السقوف.

و قال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين: لو باع الحمل مع امه جاز إجماعا.

و في موضع من باب الشرط في العقد: لو قال بعتك هذه الدابة و حملها لم يصح عندنا، لما تقدم من ان الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء و لا جزء.

و قال ايضا: و لو باع الحامل و يشترط للمشتري الحمل، صح لأنه تابع كأساس الحيطان و ان لم يصح ضمه في البيع مع الام للفرق بين الجزء و التابع.

و

قال في موضع آخر: لو قال بعتك هذه الشياة و ما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا، و قال في موضع آخر لو باع دجاجة ذات بيضة و شرطها صح، و ان جعلها جزء من المبيع لم يصح

______________________________

في المبيع في مقابل ما جعل جزء منه، و عليه فعلي القول بالتفصيل لا فرق في الصحة في صورة الاشتراط بين ان يكون الشرط اصلا في الغرض أو تابعا، كما لا فرق في البطلان علي الجزئية بين الصورتين.

و اورد علي ذلك المحقق الثاني: بان هذا الفرق ليس بشي ء لأن العبارة لا أثر لها.

و رده المحقق النائيني قدس سره: بان الجزء يقسط عليه الثمن، فإذا كان مجهولا يفسد البيع،

و هذا بخلاف الشرط، فان الثمن يقع بازاء المشروط، و هو معلوم.

و فيه: تارة يكون الالتزام البيعي اجنبيا عن الالتزام الشرطي، و انما اخذ الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 143

و هذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول علي وجه الجزئية من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول. و قد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض، قال: و ما قد يوجد في بعض الكلام من ان المجهول ان جعل جزء من المبيع لا يصح و ان اشترط صح، و نحو ذلك،

فليس بشي ء لأن العبارة لا أثر لها و المشروط محسوب من جملة المبيع، و لأنه لو باع الحمل و الأم صح البيع، و لا يتوقف علي بيعها، و اشتراطه انتهي.

و هو الظاهر من الشهيدين في اللمعة و الروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع، و قد صرح الشيخ في مسألة اشتراط مال

العبد اعتبار العلم بمقدار المال، و عن الشهيد: لو اشتراه و ماله صح، و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا ان قلنا انه يملك، و ان احلنا ملكه اشترط. قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع، فالاقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع، انتهي.

و اختاره جامع المقاصد، ثمّ التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا، كالحمل مع الام، و اللبن مع الشاة، و البيض مع الدجاج، و مال العبد معه و الباغ في الدار، و القصر في البستان، و نحو ذلك (1) مما نسب البيع عرفا الي المتبوع لا إليهما معا و ان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الاحيان، بل بالتابع خاصة، كما قد يتفق في حمل بعض افراد الخيل.

______________________________

ظرفا للثاني خاصة من جهة انه لا عبرة بالالتزام الابتدائي، كما لو كان الالتزام البيعي لزيد، و الشرطي لعمرو و اخري يكونان مرتبطين.

اما في الصورة الأولي: فيتم ما افاده المحقق النائيني قدس سره،

و لا يتم في الثانية، فان المبيع و ان كان معلوما الا انه من جهة تفاوت مالية المبيع بالعرض بوجود الشرط و عدمه لا محالة يلزم الغرر فيبطل لذلك.

(1) ثانيهما: ما يظهر من الشهيدين و المحقق الثاني، و هو: ان التابع هو ما يعد في العرف من التوابع، كمفتاح الدار و حمل الام و البيض الذي في جوف الدجاجة، و نحو تلكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 144

و هذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات، كما تقدم عن الدروس و جامع المقاصد، من صحة بيع الام و حملها، لأن الحمل تابع. قال في جامع المقاصد في شرح قوله

المتقدم في القواعد: و يجوز مع الانضمام الي معلوم إذا كان تابعا ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة اخري، الا ان يقال التبعية انما تتحقق مع الأم، لأنه حينئذ بمنزلة بعض اجزائها و مثله زخرفة جدران البيت، انتهي.

و في التمثيل نظر، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام، إلا ان يريد مثال الاجزاء لامثال التابع، لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد، وفاقا للشيخ رحمه الله مع ان مال العبد تابع عرفي، كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد و اشتراط ماله، و يحتمل ان يكون مرادهم التابع بحسب قصد المتبايعين،

و هو ما يكون المقصود بالبيع غيره، و ان لم يكن تابعا عرفيا، كمن اشتري قصب الآجام و كان فيها قليل من السمك، أو اشتري سمك الآجام و كان فيها قليل من القصب، و هذا ايضا قد يكون كذلك بحسب النوع، و قد يكون كذلك بحسب الشخص، كمن اراد السمك القليل لأجل حاجة، لكن لم يتهيأ له شراؤه الا في ضمن قصبة الاجمة، و الاول هو الظاهر من مواضع من المختلف منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه، (1) حيث حمل رواية سماعة المتقدمة علي ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن و يصير اصلا، و الذي في الضرع تابعا.

______________________________

و علي هذا ايضا لا نظر الي الغرض الشخصي أو النوعي.

و الأظهر في التابع بهذا المعني هو التفصيل بين ما لو جعل التابع جزء للمبيع، و بين ما لو اخذ شرطا. و في الأول جهالته موجبة للغرر، و في الثاني لا توجب ذلك. و الشاهد علي هذا التفصيل هو اهل العرف، فانهم

يفرقون في صدق الغرر بين الموردين.

ثمّ ان التابع بهذا المعني قسمان:

الأول: ما لا يدخل في ملك المشتري لو لم يصرح في العقد. الثاني: ما يكون بناء العرف و العقلاء علي تبعيته في الملكية للمبيع ما لم يصرح بخلافه. فتدبر حتي لا يختلط الموردان.

(1) ثالثها: ما يظهر من العلامة في المختلف، و هو: ان المراد بالتابع ما يكون تابعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 145

و قال في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة و المعتمد ان نقول ان كان الحمل تابعا صح البيع، كما لو باعه الام و حملها، أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن،

و ضم الحمل فهذا لا بأس به و إلا كان باطلا. و أما الاحتمال الثاني أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين، فلم نجد عليه شاهدا إلا ثبوت الغرر علي تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول و انتفائه علي تقدير تعلقه بالمعلوم، و يمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه، كما لا يخفي و ربما احتمل بعض. بل استظهر ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا و المجهول تابعا، كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم، بمعني الأقدام منهما و لو لتصحيح البيع علي ان المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو و ان سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع (1) قال و لا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلي الغرض ما فيه الغرر، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض، بإيقاع العقد علي شي ء معين معلوم لا نزاع فيه، و جعل ذلك من التوابع و اللواحق، لما عقد عليه البيع، فلا يقدح حصوله و عدم حصوله كما أومأ إليه في ضميمة الآبق و ضميمة الثمر علي

الشجر، و ضميمة ما في الضروع و ما في الآجام، انتهي.

و لا يخفي أنه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل، إلا أن يريد بالتابع جعل المجهول شرطا، و المعلوم مشروطا، فيريد ما تقدم عن القواعد و التذكرة، و لا أظن إرادة ذلك من كلامه

______________________________

بالنسبة الي الغرض من المعاملة، سواء أ كان غرضا نوعيا أو شخصيا، مثل ما لو اراد شراء السرج و كان مالكه لا يبيعه بدون الفرس فاشتراهما معا، فان الفرس تابع بهذا المعني، و الظاهر ان جهالة التابع بهذا المعني مضرة و موجبة للغرر.

(1) رابعها: ما يظهر من المحقق القمي و صاحب الجواهر، و هو: ان التابع ما هو كذلك في الجعل و التباني و ان كان هو المقصود بالأصالة و انما يجعل تبعا تخلصا عن الغرر، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض بايقاع العقد علي شي ء معين معلوم لا نزاع فيه و يجعل ذلك من اللواحق.

و الظاهر عدم كفاية ذلك، و الا لزم تجويز بيع كل مجهول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 146

بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في المورد المتفرقة، و الأوفق بالقواعد ان يقال: أما الشرط و الجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة، و أما قصد المتبايعين بحسب الشخص. فالظاهر انه غير مؤثر في الغرر وجودا و عدما، لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية، بل و كذلك قصدهما بحسب النوع علي الوجه الذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع و للمجهول و اما التابع العرفي فالمجهول منه و ان خرج عن الغرر عرفا، الا ان المجعول

منه جزء داخل ظاهرا في معقد الاجماع علي اشتراط العلم بالمبيع المتوقف علي العلم بالمجموع. نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا (1) خرج عن بيع الغرر و عن معقد الاجماع علي اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه، هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين. و أما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع، و ان لم ينضم إليه حين العقد، و لم يخطر ببال المتبايعين. فالظاهر عدم الخلاف و الاشكال في عدم اعتبار العلم به، الا إذا استلزم غررا في نفس المبيع، إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع لا الساري من المجهول الي المعلوم، فافهم.

______________________________

و ان شئت قلت ان الجهالة توجب غررية المعاملة، و مجرد البناء علي كونه تابعا لا يوجب رفع الغرر.

(1) قوله نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا خرج عن بيع الغرر محصله اعتبار التبعية في مقام الوجود و في مقام الجعل و الانشاء باخذه شرطا لا جزء و قد مر ان هذا هو الاظهر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 147

مسألة: يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة (1)

علي المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة. بل عن فخر الإسلام التصريح بدعوي الاجماع قال: فيما حكي عنه: نص الاصحاب علي انه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة، فقد استثني من المبيع امر مجهول و استثناء المجهول مبطل للبيع، الا في هذه الصورة، فإنه لا يبطل اجماعا، انتهي.

و الظاهر ان اطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع و لو من اول الامر،

بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع الي هذا ايضا، ثمّ ان الاقوال في تفصيل المسألة ستة: (2)

الأول: جواز الاندار بشرطين: كون المندر متعارف الاندار عند التجار و عدم العلم بزيادة ما يندره، و هو للنهاية

و الوسيلة و عن غيرهما.

الثاني: عطف النقيصة علي الزيادة في اعتبار عدم العلم بها و هو للتحرير.

الثالث: اعتبار العادة مطلقا و لو علم الزيادة أو النقيصة و مع عدم العادة فيما يحتملهما و هو لظاهر اللمعة و صريح الروضة.

الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة و النقيصة، فيجوز مطلقا، و ما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي.

الخامس: عطف العلم بالنقيصة علي الزيادة. و هو للمحقق الثاني ناسبا له الي كل من لم يذكر النقيصة.

السادس: اناطة الحكم بالغرر.

______________________________

الاندار للظروف

(1) قوله: يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة هذا هو المشهور بين الاصحاب و عن فخر الاسلام دعوي الاجماع عليه.

(2) و أما الاقوال التي نقله المصنف فهو كما افاده اقوال في تفصيل المسألة و الفرق بين هذه المسألة و المسألة الآتية واضح حيث ان محل البحث في تلك المسألة بيع المظروف مع ظرفه و محل البحث في المقام بيع المظروف بدون ظرفه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 148

ثمّ ان صورة المسألة ان يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم انه عشرة ارطال، فإذا اريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض و قلنا بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا علي ما هو مفروض المسألة و معقد الاجماع المتقدم، (1) فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا. و حينئذ فلا يحتاج الي الاندار لأن الثمن و الثمن معلومان بالفرض، (2) و اخري يباع علي وجه التسعير بأن يقول:

بعتكه كل رطل بدرهم، (3) فيجي ء مسألة الاندار للحاجة الي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم.

و يمكن ان يحرر المسألة علي وجه آخر و هو انه بعد ما علم وزن الظرف و المظروف، و قلنا بعدم لزوم

العلم بوزن المظروف منفردا، فاندار اي مقدر للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم، و هل هو منوط بالمعتاد بين التجار، و التراضي أو بغير ذلك.

______________________________

(1) قوله علي ما هو مفروض المسألة و معقد الاجماع المتقدم و الظاهر كما سيأتي ان مورد فتوي المشهور هو الاندار بعد البيع لتعيين ما يستحقه البائع لا الاندار حين البيع و لا يتوقف ذلك علي القول بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا كما عرفت فهذا ليس مفروض المسألة و لا معقد الاجماع.

و كيف كان فالكلام في المقام يقع في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يستفاد من النصوص.

اما المقام الأول: فملخص القول فيه: ان بيع المظروف يتصور علي وجوه:

(2) احدها: ان يوزن المظروف مع ظرفه فيباع المظروف جملة بكذا و في هذه الصورة لا يحتاج الي الاندار، و قد حكم المصنف رحمه الله بصحة بيعه بناء علي كفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا.

و لكن بناء علي هذا و ان كان يتم ما افاده الا ان الكلام في المبني، إذ الدليل دل علي اعتبار العلم بوزن المبيع، و في المقام وزنه غير معلوم، و معلومية وزنه منضما الي شي ء آخر لا تكفي. فالأظهر هو البطلان.

(3) ثانيهما ان يوزن المظروف مع ظرفه ثمّ يباع المظروف علي وجه التسعير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 149

فالكلام في تعيين المقدار المندر، لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف (1)

بعد قيام الاجماع علي عدم لزوم العلم بوزنه، بالتقدير، أو بأخبار البائع، و إلي هذا الوجه ينظر بعض الاساطين حيث اناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر،

و اعترض علي ما في القواعد و مثلها من اعتبار التراضي في

جواز اندار ما يعلم زيادته، بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا، و تبعه في ذلك بعض أتباعه،

و يمكن ان يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من البيع علي جواز الاندار، إذ علي الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا علي جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول، لا علي جواز اندار مقدار معين، إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن (2) فتأمل:

و كيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين فان جماعة منهم كما عرفت من الفاضلين و غيرهما خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة، فلو كان الاندار لاحراز وزن المبيع و تصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا، إذ لا معني لإيقاع العقد علي وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض، و قد صرح المحقق و الشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن الاندار من دون التراضي تضييع لمال احدهما، و لا يخفي انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء فرض زائدا أو ناقصا، هذا مع انه إذا فرض

______________________________

بان يقول: بعتكه كل رطل بدرهم و الكلام في هذه الصورة يقع في جهتين:

(1) الأولي: في انه هل يعتبر الاندار قبل العقد لتصحيح البيع ام لا.

(2) الثانية: في الاندار للحاجة الي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم اما الأولي: فقد تقدم الكلام فيها في مسألة بيع صاع من صبرة، و عرفت ان الاظهر هو البطلان إذا كان وزنه بتمامه غير معلوم.

و أما الثانية: فالأظهر هو الاكتفاء بما تراضيا عليه لو بنينا علي صحة البيع و ان الاندار في هذا المقام لا يضر، فلو عين مقدارا

للظرف و تراضيا عليه مع احتمال الزيادة و النقيصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 150

كون استقرار العادة علي اندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة، (1)

فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا، بل يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع، مثلا لو كان المجموع عشرة ارطال، و كان المعتاد اسقاط رطل للظرف، فإذا تراضيا علي ان يندر للظرف رطلان فكأنه شرط للمشتري ان لا يحسب عليه رطلا و لو تراضيا علي اندار نصف رطل، فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة ارطال و نصف ثمنا للتسعة،

فلا معني للاعتراض علي من قال باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته بأن التراضي لا يدفع غررا، و لا يصحح عقدا، و كيف كان. فالظاهر هو الوجه الأول، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول، كما عنون المسألة بذلك في اللمعة، بل نسبه في الحدائق إليهم لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد و التواطي علي إيقاع العقد علي الباقي بعد الإندار.

و ذكر المحقق الاردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة، ان المراد انه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه، ثمّ يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا، بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد و لا أنقص، بل و ان تفاوت لا يكون إلا بشي ء يسير متساهل به عادة، ثمّ دفع ثمن الباقي مع الظرف الي البائع، انتهي.

______________________________

لا اشكال فيه، إذ البيع علي الفرض تام الأجزاء و الشرائط، و التراضي انما يكون في مرحلة تسليم حق البائع، و في هذا المقام كما له ان يبرئ المشتري

عن الثمن بتمامه أو بعضه،

كذلك له التراضي علي مقدار معين و ابرائه عن الزيادة لو كان، و للمشتري ايضا ان يرضي بان يأخذ البائع اكثر مما يستحقه.

(1) قوله استقرار العادة علي اندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة هذا دفع لما اورده بعض الاساطين علي من اكتفي بالتراضي في اندار ما يعلم زيادته بان التراضي لا يدفع غرر أو حاصله انه لو فرض استقرار العادة علي اندار مقدار معين فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المبيع غير قادح في صحة البيع و لا يكون ذلك من الغرر في شي ء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 151

فظاهره الوجه الاول الذي ذكرنا حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف، و جعل الاندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه.

و في الحدائق في مقام الرد علي من الحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها، قال: ان الاندار حق للمشتري، لأنه قد اشتري مثلا مائة من من السمن في هذه الظروف، فالواجب قيمة المائة المذكورة و له اسقاط ما يقابل الظروف من هذا الوزن، انتهي.

و هذا الكلام و ان كان مؤيدا لما استقر بناه في تحرير المسألة، الا ان جعل الاندار حقا للمشتري و التمثيل بما ذكر لا يخلو عن نظر، فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في هذه الظروف، لأن التعبير بهذا من العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من،

فإن باعه بثمن معين فلا حاجة الي الاندار و لا حق للمشتري و ان اشتراه علي وجه التسعير بقوله: كل من بكذا، فالاندار، انما

يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع علي المشتري من الثمن، فكيف يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدث.

و قد علم مما ذكرنا ان الإندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن، انما هو لتعيين حق البائع و ليس حقا للمشتري.

______________________________

ثالثها: ان يوزن الظرف و المظروف ثمّ يندر مقدارا للظرف فيبيع المظروف بعد ذلك،

كما لو وزن المجموع و كان عشرة ارطال ثمّ اندر رطلين للظرف فباع المظروف الذي هو ثمانية ارطال تخمينا بعد الأندار بمبلغ معين. و في هذه الصورة إذا كان وزن الظرف من جهة الاعتياد معلوما و اطمأن بان وزنه بالمقدار الذي اندر صح البيع للاطمئنان بوزن المبيع، فلا جهالة و لا غرر، و الا بطل البيع للجهالة و الغرر. و التراضي لا يصحح البيع الغرري، كما ان

معلومية وزن المجموع لا تكفي كما تقدم.

رابعها: ان يبيع مقدارا من المظروف الذي يعلم باشتماله عليه، ثمّ في مقام التسليم يوزن المظروف مع ظرفه ثمّ يندر مقدارا للظرف و يسلمه الي المشتري. و في هذه الصورة يصح البيع، إذ لا غرر و لا جهالة. و أما في مرحلة الوفاء فحكمها حكم الصورة الأولي- فراجع- هذا ما تقتضيه القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 152

و أما الأخبار (1) فمنها موثقة حنان، قال: سمعت معمر الزيات قال لأبي عبد الله عليه السلام انا نشتري الزيت في زقاقة، فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق، فقال له ان كان يزيد و ينقص فلا بأس، و ان كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه (2) قيل: و ظاهره عدم اعتبار التراضي.

أقول المفروض في السؤال هو التراضي، (3) لأن الحاسب هو البائع أو وكيله و هما مختاران و المحسوب له هو المشتري

و التحقيق ان مورد السؤال صحة الأندار مع إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف، أو مع ردها الي البائع من دون وزن لها، فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه، فلا اطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي و يؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة، فإن المنهي عنه ليس ارتكابه بغير تراض، فافهم.

______________________________

فالمتحصل منها: ان للاندار صورتين:

احداهما: الأندار بعد البيع و في مقام الوفاء.

ثانيتهما: الأندار في ضمن المعاملة.

و في الصورة الأولي: الاندار لا يضر بصحة المعاملة ان كانت صحيحة في نفسها.

ثمّ هو ان كان بما هو المعتاد الذي عليه بناء العرف و العقلاء لا يعتبر فيه التراضي،

و الا اعتبر فيه ذلك.

و في الصورة الثانية: ان كان بالمتعارف صح البيع، و الا بطل حتي مع التراضي.

(1) و أما بحسب الأخبار: فما ورد من النصوص في المقام ثلاثة.

(2) الاول موثق حنان «1» عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

(3) قوله المفروض في السؤال هو التراضي لان الحاسب هو البائع أو وكيله كون الحاسب هو البائع لا يكون شاهد التراضي فانه ربما لا يرضي المشتري به و علي أي حال فقد مر ظهور الخبر في اعتبار التراضي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 153

فحينئذ لا يعارضها ما دل علي صحة ذلك مع التراضي، مثل رواية علي بن ابي حمزة قال سمعت معمر الزيات يسأل ابا عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك نطرح ظروف السمن و الزيت كل ظرف كذا و كذا رطلا، فربما زاد و ربما نقص، قال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس، (1) فإن الشرط

فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك و عدم المانع منه شرعا فيشبه التراضي العلة التامة الغير المتوقفة علي شي ء،

و نحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الاسناد عن اخيه موسي عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق، فيقول: ادفع الناسية رطلا أو اكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية و الجوالق فلا بأس، إذا تراضيا، (2) ثمّ ان قوله ان كان يزيد و ينقص في الرواية الاولي يحتمل ان يراد به الزيادة و النقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة بمعني زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه، أو بمعني انه يزيد في بعض الزقاق و ينقص في بعض آخر، و ان يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر (3) في نوع هذه المعاملة، بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض اخري النقيصة.

و هذا هو الذي فهمه في النهاية، حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة و ينقص أخري، و نحوه في الوسيلة و يشهد للاحتمال الاول رجوع ضمير يزيد و ينقص الي مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق، و للثاني عطف النقيصة علي الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما، و للثالث ما ورد في بعض الروايات (4) من انه ربما يشتري الطعام من اهل السفينة ثمّ يكيله فيزيد.

قال عليه السلام: و ربما نقص، قلت: و ربما نقص، قال: فإذا نقص ردوا عليكم، قلت: لا، قال: لا بأس.

______________________________

(1) الثاني خبر علي بن حمزة «1» المذكور في المتن.

(2) الثالث خبر علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام المذكور

في المتن «2».

(3) قوله و ان يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر.

سيأتي ان هذا الاحتمال هو المتعين، و خبر علي بن ابي حمزة صريح في ذلك.

(4) و أما الرواية التي استشهد بها لتعيين ارادة هذا الاحتمال فهي اجنبية عن مسألة الاندار.

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 3- 1

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 154

فيكون معني الرواية انه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة و ناقصا اخري، فلا بأس بما يحسب، و ان بلغ ما بلغ، و ان زاد دائما فلا يجوز الا بهبة أو ابراء من الثمن أو مع التراضي، بناء علي عدم توقف الشق الأول عليه، و وقوع المحاسبة من السمسار بمقتضي العادة من غير اطلاق صاحب الزيت، و كيف كان فالذي يقوي في النظر هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة و النقيصة، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع ازيد مما يعطيه المشتري من الثمن، (1) لكن العمل بالاصل لا يوجب ذهاب حق احدهما عند انكشاف الحال.

______________________________

(1) قوله لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع ازيد اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله بانه بمفاد ليس التامة و ان كان صحيحا الا انه لا أثر له و بمفاد ليس الناقصة ليست له حالة سابقة و اجراء العدم المحمولي لترتيب آثار العدم النعتي مثبت يرد عليهما ان اصالة عدم زيادة المبيع عليه لا تجري للعلم بعدم زيادة المبيع علي ما في الظرف من غير فرق بين الاندار حين البيع و الاندار بعده لان المفروض كون المبيع ما في الظرف و يرد علي المحقق النائيني رحمه

الله- ان اصالة عدم استحقاق البائع ازيد مما يعطيه المشتري تجري لا لإثبات كون ما يعطيه تمام ما يستحقه كي يقال انه مثبت بل لبراءة ذمته.

و تمام الكلام في هذه الروايات بالبحث في جهات الأولي: في سندها.

فالأولان موثقان، و أما الثالث فليس في طريقه من لم يوثق الا عبد الله بن الحسن. ثمّ ان الغالب علي الظن كون الأولين حاكيين عن قضية واحدة، إذ من المستبعد سؤال الزيات عن ابي عبد الله عليه السلام مسألة واحدة مرتين. و الله العالم.

الثانية: في ان موردها هو الاندار بعد البيع أو الأندار في ضمن المعاملة.

ظاهر قوله في موثق حنان فيحسب لنا النقصان ترتب حساب النقصان علي الاشتراء، فهو من الاندار بعد المعاملة لتسليم حق المشتري إليه و ان ابيت عن ذلك فلا اقل من احتماله في مقابل احتمال كون الفاء تفسيرية و بيانا لكيفية الاشتراء، فلا يمكن استفادة حكم مخالف للقاعدة منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 155

و أما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فإن كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها، لعله مراد من لم يقيد بالعلم و مع الجهل بها أو عدمها، فلا يجوز الا مع التراضي، لسقوط حق من له الحق، سواء تواطئا علي ذلك في متن العقد بأن قال: بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم علي ان يسقط لكل ظرف كذا،

فهو هبة له، أو تراضيا عليه بعده باسقاط من الذمة أو هبة للعين.

هذا كله مع قطع النظر عن النصوص. و أما مع ملاحظتها، فالمعول عليه رواية حنان (1) المتقدمة

______________________________

و أما خبر علي بن ابي حمزة فان كان متحدا مع خبر حنان فلا كلام، و الا فيمكن ان يقال

انه مهمل من هذه الجهة.

و أما خبر علي بن جعفر فظاهر صدره من جهة ترتب فيقول … الخ علي اشتراء المتاع كون الاندار بعد البيع، و ما في ذيله أ يحل ذلك البيع قابل للحمل علي ارادة حلية البيع بلازمه من حيث ان الاندار من توابع البيع المتعلق بما له ظرف و عليه فهذا الخبر ايضا ظاهر في الاندار بعد البيع، و قد مر أن جواز الاندار بعد البيع مما تقتضيه القواعد، فإذا ما تقتضيه القواعد و تدل عليه النصوص هو جواز الاندار بعد البيع الذي هو المتعارف من الاندار،

و الظاهر ان ما هو المشهور بين الأصحاب ايضا ذلك.

الثالثة: في القيود المعتبرة فيه.

ظاهر موثق حنان في بادئ النظر اعتبار احتمال الزيادة و النقصان، و ظاهر الأخيرين اعتبار التراضي.

و قد يقال في الجمع بين النصوص كما عن صاحب الجواهر رحمه الله: بانه يحمل الموثق علي صورة العادة المقتضية للاندار بذلك المقدار، و لذا لم يعتبر فيه التراضي، و يحمل الخبرين الأخيرين علي ما إذا لم تكن هناك عادة، و لذا اعتبر فيهما التراضي.

و فيه: انه جمع تبرعي لا شاهد له.

(1) و قد يقال كما في المكاسب: ان المعول عليه رواية حنان و الظاهر انه لضعف سند الاخيرين أو ضعف سند الاخير و اتحاد الاول منهما مع الموثقة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 156

الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا، (1) و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله، و كان الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية،

فعبر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب و حيث ان ظاهر الرواية

جواز الاندار واقعا، بمعني عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة و النقيصة علمنا بها كذلك،

فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به، فإن ذلك يحتاج الي هبة جديدة و لا يكفي اقباضها من حيث كونها حقا للمشتري، هذا كله مع تعارف اندار ذلك المقدار و عدم العلم بالزيادة. و أما مع عدم القيدين، فمع الشك في الزيادة و النقيصة و عدم العادة يجوز الأندار، لكن مراعي بعدم انكشاف أحد الامرين و معها يجوز بناء علي انصراف العقد إليها، لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد، لأن هذا ليس من افراد المطلق حتي ينصرف بكون العادة صارفة له.

______________________________

(1) و هي ظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا، و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله.

ما افاده رحمه الله من ان المعول عليه خصوص الموثق متين.

و أما ما افاده من ان ظاهره كون حساب المقدار الخاص متعارفا،

فيرد عليه: ان ظاهره كصريح خبر علي بن ابي حمزة احتمال الزيادة و النقصان، و هذا لو لم يختص بصورة عدم التعارف لا يكون مختصا بصورة التعارف كما لا يخفي.

و الحق ان يقال: ان الزيات حيث لم يكن سائلا عن معاملة شخصية بل كان سؤاله عن حكم ما هو شغله فلا محالة يكون المراد من قوله عليه السلام ان كان يزيد أو ينقص الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض آخر النقيصة الذي هو الاحتمال

الثالث في المتاجر فلا محالة يصير ذلك سببا لاحتمال الزيادة و النقيصة في كل معاملة شخصية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 157

ثمّ الظاهر ان الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن و الزيت، بل يعم كل ظرف كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله و عبارة النهاية و الوسيلة و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني رحمه الله، و يؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الاسناد لكن لا يبعد ان يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشي ء فيه و عدم تفريغه منه كقوارير الجلاب و العطريات لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء، و يحتمل العموم و هو ضعيف. نعم يقوي تعدية الحكم الي كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه كالشمع في الحلي المصنوعة من الذهب و الفضة، و كذا المظروف الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من الدبس في الزقاق.

و أما تعدية الحكم الي كل ما ضم الي المبيع مما لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.

مسالة: يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه، (1)

و ان لم يعلم الا بوزن المجموع علي المشهور، بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة، إلا ما أرسله في الروضة،

و نسب في التذكرة الي بعض العامة استنادا الي ان وزن ما يباع وزنا غير معلوم،

و الظرف لا يباع وزنا، بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد و اختلاف قيمتهما، فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا، و الذي يقتضيه النظر اما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه، فالقطع بالجواز منضما إذ لم يحصل من الانضمام مانع و لا ارتفع شرط.

______________________________

فمراده عليه السلام انه ان كان يحتمل الزيادة و النقيصة

لا محالة يتراضيان. اما ان كان يحتمل خصوص الزيادة فقد لا يرضي المشتري ففيه بأس.

فالمتحصل منه: اعتبار التراضي لا غير، فيتحد مفاده مع الأخيرين.

فتحصل: انه لا يستفاد من النصوص غير ما يستفاد من القواعد.

بيع المظروف مع ظرفه

(1) قوله يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم يعلم الا بوزن المجموع تارة يكون كل من الظرف و المظروف مما يجوز بيعه منفردا إذا وزن المجموع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 158

و أما في غيره من احد المنضمين اللذين لا يكفي في بيعه منفردا، معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي، (1) كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و ألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال. فإن الاقدام علي هذا البيع اقدام علي ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء. (2) و أما مع انتفاء الغرر الشخصي و انحصار المانع في النص الدال علي لزوم الاعتبار بالكيل و الوزن و الاجماع المنعقد علي بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل و الموزون، فالقطع بالجواز، لأن النص و الاجماع انما دل علي لزوم اعتبار المبيع لا كل

جزء منه و لو كان احد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشي بالشمع و عدم جواز بيع الشمع كذلك،

فإن فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته و إلا فلا،

______________________________

و اخري يكون كل منهما مما لا يجوز بيعه منفردا إذا وزن المجموع و ثالثة يكون احدهما يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر.

اما في الصورة الاولي فلا ينبغي التوقف في جواز بيعهما منضما إذا لمقتضي لصحة بيع المجموع

موجود، و شرطه و هو العلم بوزن المبيع و مقدار الثمن متحقق، و المانع و هو الغرر مفقود.

و أما في الصورة الثانية فان كان قيمة كل منهما مساوية لقيمة الآخر فلا ريب في الجواز لعدم اعتبار العلم بوزن كل جزء من المبيع بل المعتبر العلم بوزن المجموع، و الغرر غير لازم و ان كانت القيمتان مختلفتين كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و الف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال.

(1) فقد اختار المصنف رحمه الله بطلان البيع في الفرض معللا.

(2) بان الاقدام علي هذا البيع اقدام علي ما فيه خطر يستحق لاجله اللوم من العقلاء و لكن الاظهر هي الصحة- و ذلك يظهر بعد بيان مقدمتين الاولي: ان الغرر المبطل انما يكون متقوما بالجهل بالوجود أو بالمقدار أو بالصفة و أما الجهل بالقيمة فقط فلا يكون موجبا للغرر و لذا لو علم بوجود المبيع و وصفه و مقداره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 159

ثمّ ان بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور: (1)

احداها: ان يبيعه من ظرفه بعشرة مثلا (2)، فيقسط الثمن علي قيمتي كل من المظروف و الظرف لو احتيج الي التقسيط، فإذا قيل قيمة الظرف درهم و قيمة المظروف تسعة كان للظرف عشر الثمن.

الثانية: ان يبيعه مع ظرفه بكذا علي ان كل رطل من المظروف بكذا، (3)

فيحتاج الي اندار مقدار للظرف و يكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك و هذا في معني بيع كل منهما منفردا

______________________________

و لم يعلم قيمته لا يكون بيعه غرريا بل لو بيع الشي ء باضعاف قيمته مع العلم لا يكون غرر و ان كان يلام المشتري علي ذلك البيع الثانية: ان الغرر المدعي

في المقام انما يكون من جهة الجهل بالقيمة و لذا لو كانت قيمة كل منهما مساوية لقيمة الآخر لم يكن توقف في الصحة- و علي هذا- فالبيع في الفرض ليس غرريا و يكون صحيحا و لكن الانصاف هو البطلان في الفرضين من جهة الجهل بوصف المبيع فانه كما يلزم الغرر لو اشتري المردد بين الذهب و الرصاص و لو بقيمة الرصاص يلزم لو اشتري شيئا مركبا من المجموع مع الجهل بمقدار كل منهما.

و أما في الصورة الثالثة فان كان ما لا يجوز بيعه منفردا تبعا صح البيع و الا بطل علي القول بالبطلان في الصورة الثانية كما لا يخفي.

(1) قوله ثمّ ان بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور.

بيان الصور و احكامها انما هو لاجل الاحتياج الي استرجاع جزء من الثمن لو ظهر الظرف مستحقا للغير.

و كيف كان ففي المقام صور.

(2) احداها ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا و في هذه الصورة لا ينظر الي نسبة الوزن بل يسترجع بحسب نسبة القيمة فلو كان وزن الظرف نصف وزن المجموع و لكن كانت قيمته العشر يحسب الثمن اعشار الا بالمناصفة.

(3) الثانية: ان يبيعه مع ظرفه بكذا علي ان كل رطل من المظروف بكذا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 160

الثالثة: ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي ان يكون التسعير للظرف و المظروف، (1) و طريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك ان يوزن الظرف منفردا و ينسب إلي الجملة، و يؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، و تبعه علي هذا غير واحد و مقتضاه انه لو كان الظرف رطلين و المجموع عشرة اخذ له خمس الثمن،

و الوجه في ذلك ملاحظة الظرف و المظروف شيئا واحدا،

حتي انه يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه من المظروف. فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف، (2) لأنه إذا باع كل رطل من الظرف و المظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم علي الرطل و المظروف بحسب قيمة مثلهما. فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه مساويا لقيمة اربعة الاخماس التي هي مقدار المظروف الموجود، فكيف يقسط الثمن عليه اخماسا.

______________________________

و في هذه الصورة يندر مقدار للظرف ثمّ يسترجع من الثمن ما فضل من حساب كل رطل بكذا في المظروف بلا احتياج الي النظر الي نسبة الوزن أو نسبة القيمة.

(1) الثالثة ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي ان يكون التسعير للظرف و المظروف و لهذه الصورة فرضان احدهما ان يلاحظ ارطال المظروف و ارطال الظرف فيبيع جميع ارطالهما كل رطل بدرهم و في هذا الفرض يسترجع من الثمن بنسبة الوزن ثانيهما: ان يلاحظ كل رطل ملفق من الظرف و المظروف بكذا و في هذا الفرض يسترجع من الثمن بنسبة القيمة كما في الصورة الاولي.

(2) قوله فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف الاول اشارة الي الفرض الاول، و الثاني الي الثاني فتدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 161

[تنبيهات البيع]

مسألة: [المعروف استحباب التفقه في مسائل التجارات]
اشارة

المعروف بين الاصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده و يسلم من الربا. (1)

و عن إيضاح النافع انه قد يجب، و هو ظاهر عبارة الحدائق ايضا و كلام المفيد رحمه الله في المقنعة ايضا لا يأبي الوجوب لأنه بعد ذكر قوله تعالي:

(لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ).

و قوله تعالي: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال فندب الي الانفاق من طيب الاكتساب، و نهي عن طلب الخبيث للمعيشة و الانفاق، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب و الحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال، و لا كان علي ثقة في تفقه من طيب الاكتساب.

و قال تعالي: ايضا: (ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) فينبغي ان يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما احل الله و حرم من المتاجر و الاكتساب، و جاءت الرواية عن امير المؤمنين عليه السلام انه كان يقول من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثمّ ارتطم ثمّ قال: قال الصادق عليه السلام من اراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه ثمّ اتجر تورط في الشبهات، انتهي.

______________________________

التفقه في مسائل التجارات

(1) يشهد لوجوب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات، ما يدل علي وجوب التعلم في الاحكام الشرعية و هي طائفتان الاولي: ما تضمن الامر بالتفقه و الحث و الترغيب علي فعله و الذم علي تركه كآية النفر «1» و النصوص الكثيرة «2» الثانية: ما تضمن مؤاخذة الجاهل بفعل المعصية لترك التعلم لاحظ ما عن الامالي عن الامام الصادق عليه السلام عن قوله تعالي فلله الحجة البالغة

______________________________

(1) التوبة: 122

(2) اصول الكافي ج 1 ص 30 باب فرض العلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 162

اقول: ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب الا ان تعبيره بلفظ ينبغي

ربما يدعي ظهوره في الاستحباب، الا ان الانصاف ان ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة، فإن معرفة الحلال و الحرام واجبة علي كل احد بالنظر الي ما يبتلي به من الامور، و ليس معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا دفعة،

بل عند الالتفات الي احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله، أو عند ارادة الاقدام علي افعال يعلم بوجود الحرام بينها، فإنه معاقب علي ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم،

و ان لم يلتفت عند فعله الي احتمال تحريمه، فإن التفاته السابق و علمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها من الافعال من الحرام كاف في حسن العقاب، و الا لم يعاقب اكثر الجهال علي اكثر المحرمات، لانهم يفعلونها و هم غير ملتفتين الي احتمال حرمتها عند الارتكاب.

______________________________

فقال ان الله تعالي يقول للعبد يوم القيامة عبدي أ كنت عالما فان قال نعم قال له أ فلا عملت بما علمت، و ان كان جاهلا قال له أ فلا تعلمت حتي تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1»

و اورد عليها المحقق العراقي باختصاصها بالتعلم الموجب للعلم بالواقع، و المطلوب اعم من ذلك و بانها ظاهرة في الارشاد الي حكم العقل بلزوم الفحص لاجل استقرار الجهل الموجب لعذره و يرد الاول ان الامارات قائمة مقام العلم و يرد الثاني انها ظاهرة في الارشاد الي حكمه بلزوم الفحص عما جعله الشارع،

و هذا ينفي كون وجوبه نفسيا، و بعبارة اخري ان الخبر المذكور ظاهر في كونه في مقام افهام العبد بما يقال له هلا تعلمت و لو لم يكن وجوبه ارشاديا و كان نفسيا كان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب التعلم، و بالجملة لا

كلام في الواجبات المطلقة انما الكلام في وجوب التعلم إذا كان الواجب مشروطا بشرط غير حاصل، من جهة انه في ظرف امكان التعلم لم يثبت وجوب الواجب كي يجب تعلمه مقدمة له، و في ظرف حصول الشرط لا قدرة له علي الامتثال

______________________________

(1) تفسير الصافي ج 2 ص 169- ذيل آيه 149 الانعام و نحوه في تفسير البرهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 163

و لذا اجمعنا علي ان الكفار يعاقبون علي الفروع، و قد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الاخبار، ثمّ لو قلنا بعدم العقاب علي فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من غير شعور، كما هو ظاهر جماعة، تبعا للاردبيلي رحمه الله: من عدم العقاب علي الحرام المجهول حرمته عن تقصير لقبح خطاب الغافل، فيقبح عقابه، لكن وجوب تحصيل العلم و ازالة الجهل واجب علي هذا القول، كما اعترفوا به.

______________________________

و تنقيح القول في ذلك و فيما هو مورد بحث المصنف في المقام بالبحث في موارد الاول: في ان التعلم هل هو واجب نفسي تهيئ كما اختاره المحقق الاردبيلي و تلميذه الفقيه صاحب المدارك ام يكون وجوبه وجوبا مقدميا بملاك وجوب المقدمات المفوتة لكونه من متممات الخطاب بذي المقدمة كما اختاره المصنف و نسب الي المشهور ام يكون وجوبه ارشاديا ام يكون وجوبه طريقيا من قبيل وجوب الاحتياط في موارد لزومه كما اختاره المحقق النائيني الثاني: في انه هل يكون وجوب التعلم في باب المعاملات شرعيا كما اختاره المصنف في المتن ام لا فرق بين المعاملات و غيرها كما هو الحق.

الثالث إذا لم يمكن الجمع بين تعلم المسائل الواجب و كسب المعيشة إذا كان واجبا ايهما يقدم اما المورد الاول فقد اشرنا الي

ان فيه مسالك اربعه احدها ان وجوبه نفسي تهيئ، و لازمه استحقاق العقاب علي ترك التعلم و ان لم يؤد الي مخالفة الواقع ثانيها ان وجوبه مقدمي و لازمه استحقاق العقاب علي ترك التعلم المؤدي الي مخالفة الواقع كما هو ظاهر المصنف ثالثها ان وجوبه طريقي من قبيل وجوب الاحتياط، و لازمه استحقاق العقاب علي مخالفة الواقع رابعها: ان وجوبه ارشادي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 164

و الحاصل ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا علي فعل الحرام، و لا علي ترك التعلم، الا إذا كان حين الفعل ملتفتا الي احتمال تحريمه لا يوجد له وجه، بعد ثبوت ادلة التحريم و وجوب طلب العلم علي كل مسلم، و عدم تقبيح عقاب من التفت الي وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا علي ارتكاب الحرام في هذا الاثناء، و ان لم يلتفت حين ارادة ذلك الحرام.

ثمّ ان المقام يزيد علي غيره، بأن الاصل في المعاملات الفساد، فالمكلف إذا اراد التجارة و بني علي التصرف فيما يحصل في يده من اموال الناس علي وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام علي كل تصرف منها بمقتضي اصالة عدم انتقاله إليه الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة، و يمكن ان يكون في قوله عليه السلام: التاجر فاجر، و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق اشارة الي هذا المعني بناء علي ان الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق و أخذ الحق، فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي، لنهي الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه بناء علي أصالة عدم انتقاله إليه، و في غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا

يقع في الحرام.

______________________________

و قد استدل المحقق الخراساني لوجوبه قبل حصول شرط الوجوب بقوله، من باب استقلال العقل بتنجيز الاحكام علي الانام بمجرد قيام احتمالها الا مع الفحص و الياس عن الظفر بالدليل علي التكليف فيستقل بعده بالبراءة انتهي.

و فيه: ان الاحتمال لا يزيد علي العلم من حيث المنجزية للحكم، فكما ان العلم بالتكليف المشروط قبل حصول شرطه موجب للتنجيز عند حصول الشرط مع بقائه علي شرائط فعليته و تنجزه عند حصول الشرط فلذا لا عقاب علي مخالفته مع عروض الغفلة عند حصول شرطه، و لا يجب ابقاء الالتفات العلمي و التحفظ علي عدم النسيان كذلك الاحتمال انما يوجب التنجز في وقته مع بقائه علي صفة الالتفات الي حين تنجز التكليف و لا يجب بقائه بالتحفظ علي عدم الغفلة المانعة عن الفحص عنه.

و أما الشيخ الانصاري رحمه الله فقد استدل لما اختاره بما دل علي وجوب المقدمات التي يترتب علي تركها عدم القدرة علي الواجب في ظرفه، و سيأتي الكلام عليه عند بيان المختار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 165

و كيف كان فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر، بل الاولي وجوبه عليه عقلا و شرعا، و ان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط، و يمكن توجيه كلامهم بارادة التفقه الكامل ليطلع علي مسائل الربا الدقيقة و المعاملات الفاسدة كذلك. و يطلع علي موارد الشبهة و المعاملات الغير الواضحة الصحة،

فيجتنب عنها في العمل فإن القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوي، لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات، و يشهد للغاية الاولي قوله عليه السلام في مقام تعليل وجوب التفقه: ان الربا اخفي من دبيب النملة علي الصفا، و للغاية الثانية قول الصادق عليه السلام في

الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثمّ اتجر تورط في الشبهات، لكن ظاهر صدره الوجوب فلاحظ.

______________________________

و أما المحقق النائيني رحمه الله فقد استدل لما اختاره بعد الاعتراض علي الشيخ الاعظم رحمه الله، بان التعلم ليس من المقدمات العقلية التي لها دخل في القدرة، لان الجهل بالحكم لا يوجب سلب القدرة و من هنا كانت الاحكام مشتركة بين العالم و الجاهل.

بما حاصله ان العقل يستقل بان لكل من المولي و العبد وظيفة، فوظيفة المولي اظهار مراداته و تبليغها بالطرق المتعارفة التي يمكن للعبد الوصول إليها ان لم يحدث هناك مانع فوظيفته ارسال الرسل و انزال الكتب و تشريع الاحكام.

و بعد ذلك تصل النوبة الي وظيفة العبد، و انه علي العبد الفحص عن مرادات المولي و احكامه، و حينئذ يستقل العقل باستحقاق العبد للعقاب عند ترك وظيفته، كما يستقل بقبح العقاب عند ترك المولي وظيفته، و لو لا استقلال العقل بذلك لانسد طريق وجوب النظر الي معجزة من يدعي النبوة، و للزم افحام الانبياء، إذ لو لم يجب علي العبد النظر الي معجزة مدعي النبوة لما كان للنبي ان يحتج علي العبد بعدم تصديقه له، إذ للعبد ان يقول لم اعلم بانك نبي، و بالجملة كما يستقل العقل بلزوم النظر الي معجزة من يدعي النبوة كذلك يستقل بوجوب تعلم احكام الشريعة، و المناط في الجميع واحد و هو استقلال العقل بان ذلك من وظيفة العبد.

و من هنا لا يختص وجوب التعلم بالبالغ كما لا يختص وجوب النظر في معجزة النبي به، بل يجب ذلك قبل البلوغ ان كان مميزا ليكون اول بلوغه مؤمنا مصدقا بالنبوة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 166

______________________________

و الا لزم عدم وجوب الايمان عليه اول البلوغ،

و يجب تعلم الصبي احكام العبادة الواجبة عليه اول البلوغ إذا لم يتمكن منه في وقته لو ترك التعلم قبل البلوغ.

و في كلامه موقعان للنظر يظهر ببيان ما هو الحق في المقام.

و تفصيله، ان ترك التعلم قبل وقت الواجب أو شرطه يكون علي اقسام.

احدها: ما لو تمكن المكلف مع تركه من تعلم الواجب بعد ذلك، و الامتثال العلمي التفصيلي، كما لو ترك تعلم مسائل الحج قبل زمان وجوبه مع كونه متمكنا من تعلم احكامه تدريجا من الوقت الذي يحرم فيه الي آخر اعمال الحج، و من الضروري انه لا وجه للقول بوجوب التعلم قبل دخول الوقت حينئذ علي القول بعدم كون وجوبه نفسيا، نعم بعد دخول الوقت لا يجوز له تركه مع عدم امكان الامتثال الاجمالي.

و يلحق بهذا القسم الثاني، و هو ما لو فرض انه لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من الامتثال العلمي التفصيلي، الا انه كان متمكنا من الامتثال العلمي الاجمالي، كما لو دار امر الواجب بين المتباينين كالقصر و الاتمام و كان بحيث لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من تمييز الواجب عن غيره بعده، و لكنه كان متمكنا من الاحتياط، و كما لو لم يعلم بمقدار النفقة الواجبة عليه علي فرض الازدواج و لم يتمكن من معرفة ذلك بعده، و لكنه كان متمكنا من الاحتياط، بناء علي ما هو الحق من ان الامتثال الاجمالي انما هو في عرض الامتثال العلمي التفصيلي، فانه حينئذ لا وجه لوجوب التعلم قبل الازدواج.

و أما من حيث الامتثال في غير موارد دوران الامر بين المتباينين كما في المورد الثاني فقد يقال انه حيث يكون شاكا في التكليف فتجري البراءة عنه و ان تمكن

من الاحتياط فلا يجب عليه شي ء.

لكنه توهم فاسد إذ بعد حصول الشرط بما انه يحتمل التكليف، و لا محالة يحتمل العقاب علي مخالفته، و العقل مستقل بوجوب دفع الضرر الاخروي المحتمل. بمعني انه لو كان واجبا و لم يأت به أو كان حراما ففعل، و عاقبه المولي، يكون عقابه في محله فلا بد له من الاحتياط.

فان قيل انه ما المانع من جريان البراءة عن ذلك التكليف المحتمل، و يرفع احتمال العقاب بها، فيرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 167

______________________________

اجبنا عنه بان عدم جريان البراءة العقلية انما هو من جهة ان موضوعها عدم البيان،

و حيث ان بيان المولي، ليس بايصال التكليف الي العبيد باي نحو امكن، بل انما هو بجعل القانون، و وضعه في معرض الوصول، بحيث لو تفحصوا عنه لو صلوا إليه، فلا موضوع لها في المورد، و من لم يتفحص عنه مع التمكن منه قبل حصول الشرط لا يجري في حقه هذه القاعدة، فان شئت فاختبر ذلك من حال الموالي و العبيد العرفية فانه إذا ارسل المولي مكتوبا الي العبد، و عين فيه تكاليفه في الشهر القادم، و وصل المكتوب الي العبد و لكنه لم ينظر إليه حتي يعرف وظائفه، مستندا الي انه لا تجب المقدمة قبل وجوب ذيها، و بعد تحقق الشرط لم يتمكن من المراجعة إليه و تمكن من الاحتياط، و مع ذلك لم يحتط و ترك واجباته،

فهل يتوهم احد بانه ليس للمولي ان يعاقبه علي ذلك لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و الظاهر ان هذا من الوضوح بمكان.

و أما عدم جريان البراءة الشرعية: فلما حققناه في مبحث البراءة و الاشتغال من انها لا تجري في الشبهات

قبل الفحص مطلقا.

ثالثها: ان المكلف لو ترك التعلم قبل الوقت فكما لا يتمكن من الامتثال العلمي التفصيلي، كذلك لا يتمكن من الامتثال الاجمالي بعد الوقت، و يكون متمكنا من الاتيان بذات الواجب أي الامتثال الاحتمالي، كما إذا فرض ان الوقت ضيق لا يتمكن المكلف الا باتيان احدي الصلاتين، الجمعة أو الظهر، و القصر أو الاتمام، و في هذا القسم يجب التعلم لانه يحتمل ترك الواجب في ظرفه لو ترك التعلم قبل حصول الشرط و يكون احتمال ذلك مستندا الي ترك التعلم فيجب التعلم، لا للمقدمية.

و لا لما افاده الشيخ الاعظم رحمه الله، من ما دل علي وجوب المقدمة التي لو تركت قبل الوقت لما تمكن من امتثال الواجب في ظرفه كالسير الي الحج.

بل من باب وجوب دفع الضرر المحتمل حيث انه لاحتمال ترتب ترك الواجب علي ترك التعلم يحتمل العقاب علي المخالفة و لا مؤمن منه فيحكم العقل بوجوب الدفع، و هو لا يمكن الا بالتعلم قبل الوقت.

رابعها: ما لو كان ترك التعلم قبل الوقت موجبا لترك الواجب في ظرفه، اما للغفلة عن التكليف، أو لعدم التمكن من امتثاله، و الاول كثيرا ما يتفق في المعاملات فانه إذا لم يتعلم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 168

______________________________

احكام المعاملات و لم يميز الصحيحة عن الفاسدة فاوقع المعاملة فاسدة في الخارج و تحقق الانتقال في نظره فلا محالة يتصرف فيما يراه منتقلا إليه غافلا عن حرمته، و الثاني كثيرا ما يتفق في العبادات كالصلاة حيث انها مركبة من عدة اجزاء و شرائط، و معلوم ان تعلمها يحتاج الي مدة من الزمن لا سيما لمن لا يحسن اللغة العربية.

و في هذا القسم يجب التعلم قبل الوقت، لما افاده الشيخ الاعظم

رحمه الله و هو الملاك الذي لاجله يبني علي وجوب المقدمة، الموجب تركها فوت الواجب في ظرفه.

و بذلك يظهر ان ايراد المحقق النائيني، في غير محله.

كما ان ما افاده من ان وجوب التعلم ثابت حتي فيما قبل البلوغ بالتقريب المتقدم.

يرده ما دل علي رفع القلم عن الصبي، فانه يشهد بعدم الوجوب، و لم يظهر وجه اختصاص هذا الحكم الطريقي بعدم شمول دليل الرفع له، سوي ما قيل.

من ان وجوب التعلم عقلي، و حديث الرفع لا يصلح لرفعه.

و هو مردود بانه بعد ورود التعبد من الشارع بانه لا شي ء علي الصبي من ناحية مخالفة الاحكام الشرعية لا يحكم العقل بوجوب التعلم، فان شئت قلت، انه يرتفع موضوع الحكم العقلي بتعبد الشارع، فلا يلزم من ذلك التخصيص في الحكم العقلي، كي يقال انه ممتنع.

و قد حكم الشيخ الاعظم رحمه الله في رسالته العملية بفسق تارك تعلم مسائل الشك و السهو فيما يبتلي به عامة المكلفين.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله، بان ذلك يبتني علي احد امور. 1- اختيار مذهب المحقق الاردبيلي من كون وجوب التعلم نفسيا موجبا للعقاب. 2- كون التجري موجبا للفسق و ان لم يوجب العقاب. 3- الفرق بين مسائل الشك و السهو و بين غيرها، من جهة قضاء العادة باستلزام ترك التعلم فيما يكثر الابتلاء به، لمخالفة الواقع، و الاول لم يلتزم هو قدس سره به، و أما الثاني فالالتزام به بعيد، و أما الثالث فالالتزام به ابعد بعد فرض كون الوجوب طريقيا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 169

______________________________

و يمكن ان يقال انه علي القول بان العدالة هي الملكة الباعثة للاتيان بالواجبات و ترك المحرمات يتم ما افاده الشيخ لكشف التجري عن عدم وجود

الملكة في النفس و ان لم يكن الفعل حراما.

وجوب التعلم عند الشك في الابتلاء

هذا كله فيما لو علم المكلف بالابتلاء، أو اطمأن به.

و أما لو شك في ذلك فهل يجب التعلم كما هو المشهور بين الاصحاب، ام لا.

قد استدل للاول بما استدل به لوجوب التعلم مع العلم بالابتلاء.

و لكن قد يقال انه يمكن اجراء استصحاب عدم الابتلاء بالاضافة الي الزمان المستقبل، لليقين بعدم الابتلاء فعلا، و الشك في الابتلاء فيما بعد، فيستصحب عدم الابتلاء،

بناء علي ما هو الحق من جريان الاستصحاب في الامور الاستقبالية.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله بان الاستصحاب انما يجري فيما إذا كان المستصحب اثرا شرعيا، أو موضوعا ذا اثر شرعي، و الا كما في المقام، حيث ان الاثر، و هو استقلال العقل بوجوب التعلم انما هو مترتب علي مجرد احتمال الابتلاء، لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل،

لا علي واقعه، فلا يجري الاستصحاب.

و بعبارة اخري، ان الاثر في كل مورد كان مترتبا علي نفس الشك و الاحتمال دون الواقع، متي شك فيه فالموضوع محرز بالوجدان، و معه لا مورد للتعبد بالواقع اصلا فانه لغو،

و ما نحن فيه كذلك، لان الموضوع هو احتمال الابتلاء، و هو محرز بالوجدان، و أما الابتلاء الواقعي فلا اثر له كي يجري الاستصحاب فيه.

و فيه: انه و ان كان التعبد بما هو محرز بالوجدان لغوا صرفا، و من اراد انحاء تحصيل الحاصل، و التخصيص في الحكم العقلي لا ريب في امتناعه، و لكن التعبد بما يوجب رفع موضوع حكم العقل، لا محذور فيه، و بعبارة اخري ان الحكم العقلي قابل للتخصص و الخروج الموضوعي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 170

و قد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد، و لا يخلو عن

وجه في مقام التوجيه، ثمّ ان التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا، الجامعة بين اكل المال بالباطل و ارتكاب الموبقة الكذائية، لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد. بل يكفي فيه التقليد الصحيح، فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا، و أدلة تحصيل المعاش، نعم ربما اورد في هذا المقام و ان كان خارجا عنه التعارض بين ادلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات، و انواع المعاملات المتوقف علي الاجتهاد، و بين أدلة طلب الاكتساب و الاشتغال في تحصيل المال لأجل الإنفاق علي من ينبغي ان ينفق عليه، و ترك إلقاء كله علي الناس الموجب لاستحقاق اللعن، فإن الأخبار من الطرفين كثيرة يكفي في طلب الاكتساب ما ورد من: أنه أوحي الله تعالي الي داود (علي نبينا و آله و عليه السلام): يا داود إنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا. فبكي عليه السلام أربعين صباحا ثمّ الان الله تعالي له الحديد، و كان يعمل كل يوم درعا و يبيعه بألف درهم،

فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها و استغني عن بيت المال، الحديث.

______________________________

و ما نحن فيه من هذا القبيل: فان موضوع حكم العقل هو الضرر المحتمل، و المطلوب بالاستصحاب ليس هو اثبات وجوب الدفع، بل المثبت بالاستصحاب عدم العقاب،

و الضرر، و به يرتفع موضوع وجوب الدفع.

و علي الجملة كما انه يصح رفع موضوع قبح العقاب بلا بيان باستصحاب الوجوب،

كذلك يصح رفع موضوع وجوب دفع الضرر المحتمل بالاستصحاب المذكور و لا محذور في ذلك.

و لكن يمكن الاستدلال لوجوب الدفع، و عدم جريان الاصل المذكور بوجهين.

1- العلم الاجمالي بجملة من الاحكام الشرعية

في ظرفها و هذا العلم الاجمالي مانع عن اجراء الاصل المذكور في كل ما هو من اطراف العلم الاجمالي.

2- اطلاق ما دل علي وجوب التعلم: إذ لو اختص ذلك بموارد العلم أو الاطمينان بالابتلاء لم يبق تحت تلك الادلة الا موارد نادرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 171

[الاخبار الواردة في الحث علي التعلم]

و ما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لآخرته، أو آخرته لدنياه، و إن العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال. و أما الأخبار في طلب العلم و فضله فهي أكثر من ان يذكر و أوضح من ان يحتاج إلي الذكر، و ذكر في

الحدائق: ان الجمع بينهما بأحد وجهين أحدهما و هو الأظهر بين علمائنا تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم و يقال: بوجوب ذلك علي غير طالب العلم المستقل تحصيله و استفادته و تعليمه و افادته، قال و بهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة (بمنية المريد في آداب المفيد و المستفيد) حيث قال في جملة شرائط العلم: و ان يتوكل علي الله و يفوض امره إليه و لا يعتمد علي الأسباب فيتوكل عليها، فيكون وبالا عليه، و لا علي احد من خلق الله تعالي بل يلقي مقاليد امره إلي الله تعالي فيظهر له من نفحات قدسه و لحظات انسه ما به يحصل مطلوبه و يصلح به مراده. و قد ورد في الحديث عن النبي صلي الله عليه و آله ان الله تعالي قد تكلف «تكفل» لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره، بمعني ان غيره محتاج إلي السعي علي الرزق حتي يحصل له، و طالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب و كفاه مئونة الرزق ان

احسن النية، و أخلص القربة، و عندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا

يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالي و جمل ما اشتغلت بالعلم و هو مبادي عشر الثلاثين و تسعمائة الي يومنا هذا و هو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث و خمسين و تسعمائة.

و بالجملة ليس الخبر كالعيان، و روي شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناده الي الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم، و قد نفدت نفقتي في بعض الاسفار، فقال لي بعض اصحابي: من تؤمل لما قد نزل بك؟

فقلت: فلانا، فقال إذا و الله لا تسعف بحاجتك و لا تبلغ املك و لا تنجح طلبتك،

قلت: و ما علمك رحمك الله قال: ان ابا عبد الله حدثني انه قرأ في بعض كتبه ان الله تبارك و تعالي يقول و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاع مكاني علي عرشي لاقطعن امل كل مؤمل غيري باليأس و لأكسونه ثوب المذلة عند الناس و لأنحينّه من قربي و لأبعدنه من و صلي أ يؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع باب غيري و بيدي مفاتيح الابواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي املني لنوائبه فقطعته دونها، و من ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 172

جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي، و ملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، و امرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا، بقولي أ لم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي انه لا يملك كشفها احد غيري الا من بعد

اذني، فما لي اراه لاهيا عني اعطيته بجودي ما لم يسألني، ثمّ انتزعته منه فلم يسألني رده و سأل غيري، أ فتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة؟ ثمّ اسأل فلا اجيب سائلي أ بخيل انا فيبخلني عندي أو ليس الجود و الكرم لي، أو ليس العفو و الرحمة بيدي؟ أو ليس انا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أ فلا يستحا المؤملون ان يؤملوا غيري؟ فلو ان اهل سماواتي و اهل ارضي أملوا جميعا، ثمّ اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، و كيف ينقص ملك انا قيمه، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، و يا بؤساً لمن عصاني و لم يراقبني، انتهي الحديث الشريف و انتهي كلام شيخنا الشهيد رحمه الله.

قال في الحدائق و يدل علي ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلي أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت امير المؤمنين عليه السلام يقول: ايها الناس ان كمال الدين طلب العلم و العمل به، الا و ان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال،

ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه لكم، و سيفي لكم، و العلم مخزون عند اهله، و قد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه، الخبر.

قال: و يؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله يقول الله عز و جل و عزتي و جلالي و كبريائي و نوري.

و عظمتي و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السموات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر فتأتيه الدنيا

و هي راغمة. الحديث. انتهي كلامه و انت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد رحمه الله و ما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين ادلة الطرفين لأن ما ذكر من التوكل علي الله و عدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب، و لذا كان امير المؤمنين (صلوات الله عليه و علي أخيه و زوجته و ولديه و ذريته) جامعا بين أعلي مراتب التوكل، و اشد مشاق الاكتساب:

و هو الاستقاء لحائط اليهودي، و ليس الشهيد ايضا في مقام ان طلب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 173

العلم افضل من التكسب، و ان كان افضل، بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الاسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين. و الحاصلة من الموقوفات للمدارس و اهل العلم؟ و الموجودة الحاصلة غالبا للعلماء و المشتغلين من معاشرة السلطان و اتباعه و المراودة مع التجار و الاغنياء و العلماء الذين لا ينتفع منهم الا بما في ايديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم و الاخماس و شبه ذلك، كما كان متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.

و بالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله من اوله الي آخره، و ما اضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور اعني تخصيص ادلة طلب الحلال بغير طالب العلم. ثمّ انه لا إشكال في ان كل من طلب العلم و طلب الرزق ينقسم الي الاحكام الاربعة أو الخمسة. و لا ريب ان المستحب من احدهما لا يزاحم الواجب و لا الواجب الكفائي

الواجب العيني، و لا إشكال ايضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم علي غيره، و كذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به،

و قد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.

بقي الكلام في المستحب من الامرين عند فرض عدم امكان الجمع بينهما.

و لا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة علي الامرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم الا شي ء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة، و يترتب علي اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها تكفل احوال المشتغلين من ماله أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه، علي وجه الصلة أو الصدقة الواجبة و المستحبة فيحصل بذلك ثواب الصدقة و ثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة علي تحصيل العلم، و رب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا إشكال في ان اشتغاله بالعلم و الأكل من وجوه الصدقات أرجح و ما ذكر من حديث داود (علي نبينا و آله و عليه السلام) فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي ء من وظائف النبوة و الرئاسة العلمية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 174

و بالجملة فطلب كل من العلم و الرزق إذا لوحظ المستحب منها من حيث النفع العائد الي نفس الطالب كان طلب العلم ارجح، و إذا لوحظ من جهة النفع الواصل الي الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل، فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير الي الحج المستحب أو الي مشاهد الأئمة عليهم السلام، أو مع السعي في قضاء

حوائج الاخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال الي غير ذلك، مما لا يحصي.

______________________________

و أما المورد الثاني، فافاد المصنف ان وجوب التعلم في غير باب المعاملات يكون عقليا محضا و قد تقدم ما يمكن ان يستدل له و نقده و أما في باب المعاملات فهو شرعي: لنهي الشارع عن التصرف مع الجهل بصحة المعاملة: لأصالة عدم الانتقال و فيه اولا ان الاصل في العبادات ايضا هو الاحتياط لاختصاص ادلة البراءة بالشبهات قبل الفحص و ان قيل: ان اصالة الاحتياط لا تجري مع الغفلة اجبنا عنه بان اصالة عدم الانتقال ايضا توجب تنجز الواقع و عدم جواز التصرف في الاموال المكتسبة و لا تدل علي وجوب معرفة احكام المعاملات و أما الثالث فمحصل القول فيه انه إذا لم يمكن الجمع بين تعلم المسائل الواجب و كسب المعيشة إذا كان واجبا- فايهما يقدم و لقد اطال المصنف رحمه الله تبعا للحدائق الكلام في المقام و الحق انهما من قبيل الواجبين المتزاحمين فلا بد من ملاحظة الخصوصيات و الموارد و الفوائد المترتبة علي كل منهما و ترجيح الاهم من كل منهما علي الآخر و ليس ذلك تحت ضابط واحد فالمتعين ملاحظة كل مورد ثمّ الحكم بالتقديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 175

مسألة: لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية، (1)

و اختلفوا في حرمته و كراهته، فعن التقي و القاضي و الحلي و العلامة في المنتهي الحرمة، و هو المحكي عن ظاهر الدروس و حواشي المحقق الثاني و عن الشيخ و ابن زهرة، لا يجوز.

و اول في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة، و هي اي الكراهة مذهب الاكثر، بل عن ايضاح النافع ان الشيخ ادعي الاجماع علي عدم التحريم.

و عن نهاية الاحكام تلقي الركبان مكروه عند

اكثر علمائنا و ليس حراما اجماعا و مستند التحريم ظواهر الاخبار. (2)

منها ما عن منهال القصاب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا تلق، فإن رسول الله صلي الله عليه و آله نهي عن التلقي قلت: و ما حدا لتلقي قال عليه السلام ما دون غدوة أو روحة قلت و كم الغدوة و الروحة، قال: اربعة فراسخ، قال ابن ابي عمير، و ما فوق ذلك فليس بتلق

______________________________

حرمة تلقي الركبان

(1) قوله لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية تنقيح القول في المسألة بالبحث في مقامين الأول: في اصل الحكم الثاني: في الخصوصيات المعتبرة فيه اما الاول ففيه قولان بعد الاتفاق ظاهر اعلي المرجوحية فعن التقي و الفاضل و الحلي و العلامة و غيرهم الحرمة- و عن الاكثر الكراهة.

(2) و مستند الحكم جملة من النصوص «1» الظاهرة في التحريم المذكور في المتن جملة منها و اورد علي الاستدلال بها للحرمة- بوجوه احدها ضعف السند- بدعوي- ان جميع تلك النصوص سبعة خمسة منها تنتهي اسنادها الي منهال القصاب و هو مجهول و واحد منها رواية عمر بن شمر الضعيف عن عروة ابن عبد الله المجهول- و السابع مرسل و فيه ان في طريقين من روايات منهال من هو من اصحاب الاجماع فان في طريق

______________________________

(1) الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 176

و في خبر عروة لا يتلقي احدكم تجارة خارجا من المصر، و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض.

و في رواية اخري لا تلق و لا تشتر ما يتلقي و لا تأكل منه.

و ظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون اكلا بالباطل، و لم يقل به

إلا الإسكافي.

و عن ظاهر المنتهي الاتفاق علي خلافه، فيكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الاصحاب (1) فيقصر عن افادة الحرمة و الفساد، نعم لا بأس بحملها علي الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل مما يشتري من الملتقي، و لا بأس به حسما لمادة التلقي، و مما ذكرنا يعلم ان النهي في سائر الاخبار ايضا محمول علي الكراهة،

لموافقته للاصل (2) مع ضعف الخبر

______________________________

احدهما ابن ابي عمير و في طريق الآخر ابن محبوب فلا مورد للمناقشة فيها من حيث السند.

(1) ثانيها اعراض المشهور عنها و فيه اولا: ان جماعة افتوا بالحرمة و ثانيا ان الاعراض الموهن هو الاعراض عن الخبر سند الا دلالة و الاصحاب عملوا بهذه النصوص فانهم حكموا بالمرجوحية و افتائهم بالكراهة لا يكون حجة علينا

(2) ثالثها: موافقة القول بالكراهة للاصل و مخالفة القول بالحرمة له و فيه: ان الاصل لا يقاوم الدليل و مع وجوده يرتفع موضوع الاصل بالورود أو الحكومة مع ان القول بالكراهة ايضا مخالف للاصل، و عدم الحرمة و ان كان موافقا له الا انه لا يثبت به الكراهة رابعها: كون الروايات موافقة للعامة و فيه: ان مخالفة العامة من مرجحات احدي الحجتين علي الاخري بعد فقد جملة من المرجحات لا من مميزات الحجة عن اللاحجة و بالجملة: موافقة العامة من حيث هي ليست من الموهنات خامسها: ان النهي و ان كان ظاهرا في نفسه في الحرمة الا ان النهي عن التلقي من جهة وقوعه في سياق النهي عن اكل المتلقي بقوله لا تأكل منه و قوله لا تأكل من لحم ما تلتقي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 177

و مخالفته للمشهور. ثمّ ان حد التلقي أربعة فراسخ، (1) كما في كلام بعض.

و

الظاهر ان مرادهم خروج الحد عن المحدود، (2) لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا كان اربعة فراسخ. و قد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه.

و روي ان حد التلقي روحة فإذا بلغ إلي أربعة فراسخ فهو جلب، فإن الجمع بين صدرها و ذيلها لا يكون الا بارادة خروج الحد عن المحدود، كما ان ما في الرواية السابقة ان حده ما دون غدوة أو روحة محمول علي دخول الحد في المحدود، لكن قال في المنتهي حد علمائنا التلقي بأربعة فراسخ، فكر فكرهوا الي ذلك الحد، فإن زاد علي ذلك كان تجارة و جلبا و هو ظاهر لأنه بمضيه و رجوعه يكون مسافرا،

و يجب عليه القصر فيكون سفرا حقيقيا، إلي ان قال و لا يعرف بين علمائنا خلافا فيه انتهي.

______________________________

الذي لم يرد منه الحرمة يقينا لعدم فساد المعاملة يحمل علي الكراهة و اجيب عنه بان الحرمة كما يمكن ان تكون منبعثة عن فساد المعاملة باعتبار ان اكل مال الغير بلا سبب شرعي حرام كذلك يمكن ان تكون منبعثة عن مصلحة في نفس ترك الاكل و حسم مادة التلقي المحرم.

بل الظاهر ان الاكل حرام من حيث انه اكل لما تلقي لا من حيث انه مال الغير و فيه: ان الظاهر منه كون النهي عنه من جهة كونه مال الغير فمع صرفه عن ظاهره لا وجه لحمله علي ما ذكر فتأمل و الاولي في الجواب ان يقال ان النواهي المتعددة الواقعة في سياق واحد لو حمل احدها علي الكراهة للدليل علي عدم حرمة متعلقه لا وجه لحمل غيره عليها بناء علي ما حققناه في محله من ان الحرمة و الكراهة خارجتان عن حريم الموضوع له و المستعمل فيه و انما تنتزعان من

الترخيص في فعل ما تعلق النهي به و عدمه فتحصل ان الاظهر هو القول بالحرمة.

و أما المقام الثاني فالكلام فيه يقع في جهات الاولي في حد التلقي.

(1) لا كلام في ان حده اربعة فراسخ، انما الكلام في دخول الحد في المحدود و خروجه عنه.

(2) قال المصنف و الظاهر ان مرادهم خروج الحد عن المحدود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 178

و التعليل بحصول السفر الحقيقي يدل علي مسامحة في التعبير، و لعل الوجه في التحديد بالاربعة ان الوصول الي الأربعة بلا زيادة و نقيصة نادر، فلا يصلح ان يكون ضابطا لرفع الكراهة إذ لا يقال انه وصل الي الاربعة الا إذا تجاوز عنها و لو يسيرا.

فالظاهر انه لا إشكال في اصل الحكم و ان وقع اختلاف في التعبير في النصوص و الفتاوي ثمّ انه لا إشكال في اعتبار القصد، (1) إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي، فلو تلقي الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم. و كذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي فلا يكره لغرض آخر و لو اتفقت المعاملة.

______________________________

مقتضي- خبر ابن ابي عمير- قلت و ما حد التلقي قال ما دون غدوة أو روحة قلت و كم الغدوة و الروحة قال اربعة فراسخ «1» هو الثاني و مقتضي خبر ابن محبوب قال قلت له ما حد التلقي قال روحة «2» في بادئ النظر هو الاول و لكن بما ان للحد معنيين- احدهما- ما ينتهي به الشي ء- و الآخر- ما ينتهي عنده الشي ء- فالحد في الخبر الاول يحمل علي المعني الاول فان الحد بذلك المعني داخل في المحدود- و هو في الخبر الثاني يحمل علي المعني الثاني فانه بذلك المعني خارج عنه- فالجمع

بين الخبرين يقتضي البناء علي الخروج- و الذي يسهل الخطب ان الوصول الي الاربعة بلا زيادة و لا نقيصة نادر جدا- الثانية: في اعتبار القصد و عدمه.

(1) قال المصنف ثمّ انه لا إشكال في اعتبار القصد و استدل رحمه الله لاعتباره بعدم صدق عنوان التلقي بدونه و اورد عليه المحقق الايرواني رحمة الله بان عنوان التلقي ليس منهيا عنه بالنهي النفسي فانه ليس بمرجوح قطعا بل المرجوح السبق الي الاشتراء ممن قصد البلد بمتاعه

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من ابواب التجارة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 179

قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد (1)

و فيه انه مبني علي عدم اختصاص القيد بالحكم الاخير، فيحتمل ان يكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي، أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ادخاره عن اعين الناس و بيعه تدريجا، بخلاف ما إذا اتي الركب و طرحوا امتعتهم في الخانات و الاسواق، فإن له اثرا بينا في امتلاء اعين الناس خصوصا الفقراء وقت الغلاء إذا اتي بالطعام، و كيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة، ثمّ انه لا فرق بين اخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما. نعم لا بأس باستيهابهم و لو باهداء شي ء إليهم

______________________________

و عليه فنفس هذه المعاملة مرجوحة و لو لم يتلق اصلا و فيه: ان التلقي للاشتراء بنفسه منهي عنه و الظاهر مرجوحيته ايضا كيف و قد جمع في النصوص بين النهي عنه و النهي عن الاشتراء و الحق ان يقال ان المنهي عنه هو التلقي للاشتراء فإذا لم يكن من قصده التلقي اصلا أو كان

و لم يكن للاشتراء لا يكون ذلك مرجوحا و أما الاشتراء فحيث ان الظاهر من الخبر مرجوحية الاشتراء إذا كان مع التلقي المرجوح لا مطلقا- فلا يكون مرجوحا إذا لم يكن التلقي عن قصد فالاظهر اعتباره الثالثة: في اعتبار جهل الركب بسعر البلد.

(1) قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد.

هذا التعليل وقع في خبرين احدهما: خبر عروة عن الامام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله لا يتلقي احدكم تجارة خارجا عن المصر و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض «1»

ثانيهما: ما عن الشيخ بسنده عن جابر عن رسول الله صلي الله عليه و آله لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض «2»

______________________________

(1) اورد صاحب الوسائل صدره في الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة حديث- و ذيله في- باب 37- منها

حديث 1.

(2) الوسائل- باب 37- من ابواب آداب التجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 180

و لو تلقاهم لمعاملات اخر غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية، (1) نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام: المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض. قوي سراية الحكم الي بيع شي ء منهم و ايجارهم المساكن و الخانات، كما انه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل، كما يدل عليه النبوي العامي: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه و اشتري منه فإذا اتي السوق فهو بالخيار قوي سراية الحكم الي كل معاملة يوجب غبنهم كالبيع و الشراء منهم متلقيا، و شبه ذلك، لكن الاظهر هو الاول

______________________________

و قد استدل العلامة رحمه الله به و استنده الي غير واحد علي

اعتبار الجهل و يرد عليه ان الظاهر و لا أقل من المحتمل كونه علة لحكم بيع الحضري للبدوي و المناسب ايضا ذلك فانه إذا لم يصر الحاضر وكيلا للبادي في البيع يشتريه المشتري باقل فيرتزق منه فتدبر مع ان كونه من قبيل العلة المعممة و المخصصة غير ثابت- فالاظهر هو التعميم- لإطلاق الروايات و عدم معلومية علة الحكم و لعلها شي ء موجود في فرض العلم.

الرابعة: في انه هل يختص الحكم بالتلقي للاشتراء ام يعم التلقي للبيع منهم أو لمعاملات اخر غير شراء متاعهم ففي المتن.

(1) و لو تلقاهم لمعاملات اخر … فظاهر الروايات عدم المرجوحية وجه الظهور مع اطلاق قوله عليه السلام في خبر منهال القصاب عن ابي عبد الله عليه السلام لا تلق فان رسول الله صلي الله عليه و آله نهي عن التلقي «1» هو ورودا لإطلاق مورد الغالب المتعارف و هو التلقي للاشتراء كما هو مفاد ساير النصوص و به يظهر حال قوله صلي الله عليه و آله لا يتلقي احدكم تجارة خارجا عن المصر «2» مع ان الصدوق رواه هكذا و لا يتلقي احدكم طعاما- و هو ظاهر في التلقي لاشتراء الطعام.

______________________________

(1) الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 181

و كيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار. (1) و قد يحكي عن الحلي ثبوت الخيار و ان لم يكن غبن، و لعله لإطلاق النبوي المتقدم (2) المحمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة، و اختلفوا في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي علي قولين سيجي ء ذكر الاقوي منهما في مسألة

خيار الغبن انشاء الله.

مسألة: يحرم النجش علي المشهور

كما في الحدائق، (3) بل عن المنتهي و جامع المقاصد: انه محرم اجماعا لرواية ابن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الواشمة و المؤتشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد صلي الله عليه و آله.

و في النبوي المحكي عن معاني الاخبار لا تناجشوا و لا تدابروا قال: و معناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة، و هو لا يريد شرائها ليسمع غيره فيزيد بزيادته و الناجش خائن، و التدابر الهجران انتهي كلام الصدوق. و الظاهر ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له.

______________________________

(1) الخامسة: إذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار كما هو المشهور بين الاصحاب و عن الحلي ثبوت الخيار و ان لم يكن غبن و في المتن.

(2) و لعله لإطلاق النبوي المتقدم و لكنه كما افاده محمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة و تمام الكلام فيه في خيار الغبن.

(3) قوله مسالة يحرم النجش علي المشهور كما في الحدائق و قد تقدم الكلام فيه حكما و موضوعا في آخر المكاسب المحرمة في الجزء الثاني من هذا الشرح مفصلا فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 182

مسألة: إذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل، يكون المدفوع إليه منهم (1)

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية علي ذلك المال من دون الدافع، كمال الامام أو رد المظالم المدفوع الي الحاكم، فله صور:

احداها: ان يظهر قرينة علي عدم جواز رضاه بالاخذ منه كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده، و لا إشكال في عدم الجواز لحرمة التصرف في مال الناس علي غير الوجه المأذون فيه. (2)

الثانية: ان يظهر قرينة حالية أو مقالية علي جواز اخذه منه

مقدارا مساويا لما يدفع إلي غيره أو انقص أو أزيد، و لا إشكال في الجواز حينئذ (3) إلا انه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع، الي الأصناف المختلفة، كان عين للمجتهدين مقدارا، و للمشتغلين مقدارا، و اعتقده الدافع بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه (4)

______________________________

كيفية صرف المال المدفوع للصرف في قبيل

(1) قوله إذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم لا يخفي انه تارة يدفع المال إليه من جهة كونه ولي الامر كدفع سهم الامام عليه السلام الي الحاكم الشرعي بما انه نائب الامام عليه السلام و اخري يدفع إليه ليكون وكيلا عن الدافع في صرفه في قبيل لا كلام في جواز اخذ المدفوع إليه من ذلك المال في الصورة الاولي و انما الكلام في الصورة الثانية.

و في تلك الصورة- فروض.

(2) احدها: ان يظهر قرينة علي عدم رضاه بالاخذ منه لا إشكال في عدم جواز الاخذ في هذا الفرض.

(3) ثانيها: ان يظهر قرينة علي جواز اخذه منه لا إشكال في جواز الاخذ حينئذ.

(4) انما الاشكال: فيما إذا اختلف مقدار المدفوع الي الاصناف المختلفة كان عين للمجتهدين مقدار أو لغيرهم مقدارا اقل منه و اعتقد انه من المجتهدين، و الدافع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 183

و التحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية (1) كأن يقول ادفع إلي كل مشتغل كذا، و إلي كل مجتهد كذا و خذ انت ما يخصك. و ان كان علي وجه الداعي بأن كان عنوان الصنف داعيا إلي تعيين ذلك المقدار، كان المتبع اعتقاد الدافع لأن الداعي إنما يتفرع علي الاعتقاد لا الواقع.

الثالثة: ان لا يقوم قرينة علي احد الامرين،

و يطلق المتكلم (2) و قد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات واحد منهم، فالمحكي عن وكالة المبسوط، و زكاة السرائر،

و مكاسب النافع، و كشف الرموز، و المختلف، و التذكرة، و جامع المقاصد: تحريم الأخذ مطلقا.

و عن النهاية و مكاسب السرائر و الشرائع، و التحرير، و الارشاد، و المسالك و الكفاية: انه يجوز له الاخذ منه ان اطلق من دون زيادة علي غيره. و نسبه في الدروس الي الأكثر. و في الحدائق إلي المشهور و في المسالك هكذا شرط كل من سوغ له الأخذ.

و عن نهاية الاحكام و التنقيح و المهذب البارع و المقنعة: الاقتصار علي نقل القولين، و عن المهذب البارع: حكاية التفصيل بالجواز ان كان الصيغة بلفظ ضعه فيهم، أو ما ادي معناه، و المنع ان كانت بلفظ: ادفعه، و عن التنقيح عن بعض الفضلاء:

انه ان قال هو للفقراء جاز

______________________________

يعتقد عدم كونه منهم ففي المتن ما حاصله.

(1) انه ان كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية يراعي معتقد المدفوع إليه و ان كان ذلك العنوان داعيا الي تعيين ذلك المقدار كان المتبع اعتقاد الدافع و فيه ان العنوان في الافعال الخارجية المتعلقة بالاشخاص كالاقتداء و البيع و الرضا

و نحو تلكم يكون داعيا و لا معني لكونه موضوعا و الرضا و ان كان يتعلق بالعنوان الكلي الا انه من حيث كونه مرآة و طريقا الي الافراد و عليه فلا محالة يكون المناط اعتقاد الدافع فانه إذا عين مقدارا للمجتهدين و كان يعتقد عدم كون المدفوع إليه مجتهدا لا يكون راضيا باخذه ذلك المقدار.

(2) ثالثها: ان لا يقوم قرينة علي احد الامرين و قد اختلفت فيه كلماتهم لاحظ المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 184

و ان قال اعطه

للفقراء، فإن علم فقره لم يجز إذ لو اراده لخصه، و ان لم يعلم جاز احتج القائل بالتحريم مضافا الي ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم، (1) المؤيد بما قالوه فيمن وكلته امرأة ان يزوجها من شخص فزوجها من نفسه أو وكله في شراء شي ء فاعطاه من عنده بصحيحة ابن الحجاج المسندة في التحرير الي مولانا الصادق عليه السلام و ان اضمرت في غيره، قال: سألته عن رجل اعطاه رجلا مالا ليصرفه في محاويج أو في مساكين، و هو يحتاج أ يأخذ منه لنفسه؟ و لا يعلمه هو، قال: لا يأخذ شيئا حتي يأذن له صاحبه و احتج المجوزون بأن العنوان المدفوع إليه شامل له و الفرض الدفع الي هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير و اللفظ و ان سلم عدم شموله له لغة الا ان المنساق عرفا صرفه الي كل من اتصف بهذا العنوان. فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز. نعم لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة. و كان الداعي علي الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور، و الرواية معارضة بروايات أخر،

______________________________

فالمهم صرف عنان الكلام الي بيان المدرك و الكلام فيه يقع في موردين الاول: فيما يقتضيه القواعد و الاظهر انه الجواز مطلقا: فان ظاهر تعليق كل حكم علي موضوع ثبوته لجميع افراده فلو علق رضاه علي المجتهد كان مقتضاه جواز تصرف كل مجتهد بما هو مجتهد لا سيما مع احراز عدم خصوصية فرد في نظره فإذا كان المدفوع إليه يري نفسه مجتهدا جاز له التصرف.

(1) و أما ظهور الدفع في مغايرة الدافع و المدفوع إليه و الواضع و الموضوع فيه فلو سلم و اغمض عن اختصاصه ببعض الموارد

فهو لا يقاوم الظهور المشار إليه و علي ذلك فيجوز له التصرف فيه.

الثاني فيما يقتضيه النصوص الخاصة- و هي- طائفتان الاولي ما يدل علي عدم الجواز كمصحح «1» ابن الحجاج المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 84- من ابواب ما يكتب به حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 185

مثل ما عن الكافي الصحيح عن سعد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطي الزكاة يقسمه في اصحابه أ يأخذ منه شيئا؟ قال: نعم.

و عن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم في رجل اعطي مالا يفرقه ممن يحل له، أ يأخذ شيئا لنفسه؟ و ان لم يسم له قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره، و صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن يحل له الصدقة، قال: لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، و لا يجوز له ان يأخذ إذا امره ان يضعه في مواضع مسماة الا باذنه.

و الذي ينبغي ان يقال: اما من حيث دلالة اللفظ الدال علي الاذن في الدفع و الصرف فإن المتبع الظهور العرفي و ان كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره كما ان الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم علي الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن، ثمّ ان التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد.

______________________________

الثانية: ما يدل علي الجواز.

كصحيح سعد بن يسار، «1» و حسن الحسين بن عثمان، «2» و صحيح ابن الحجاج «3»

المذكورة في المتن لاحظها و الجمع بينهما انما يكون باحد انحاء.

(1) اختصاص النصوص المجوزة بالمال الذي كون من

الحقوق الشرعية اما اختصاص الاول فواضح، و أما الثاني فلقوله يفرقه فيمن يحل له، و أما الثالث فلقوله و هو ممن يحل له الصدقة، و خبر المنع مختص بمال يكون للدافع.

(2) ان خبر المنع من جهة التعبير بالنكرة ظاهر في ارادة اشخاص معينين فلا يعارض الاخبار المجوزة.

(3) الجمع بحمل خبر المنع علي الكراهة و من المعلوم ان الاخير يتوقف علي عدم تمامية الاولين و عدم امكان الجمع بنحو آخر و الاظهر هو الثاني فإذا لا تدل الاخبار علي ما ينافي القواعد

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب المستحقين للزكاة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 186

فالاولي حمل الأخبار المجوزة (1) علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر، و حمل الصحيحة المانعة «السابقة» علي ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور فأمرها بالدفع الي مساكين علي وجه يكون المسكنة داعيا الي الدفع لا موضوعا، و لما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع علي الرضا بوصول شي ء من المال إليه، ثمّ علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع الي ظاهر اللفظ، (2) لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي و لو لم يكن للفظ ظهور، فالواجب بعد التكافؤ الرجوع الي المنع (3) إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع.

مسألة: احتكار الطعام

و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته. (4)

______________________________

فالاقوي هو الجواز مطلقا.

(1) قوله فالاولي حمل الاخبار المجوزة علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان

و فيه انه جمع تبرعي لا شاهد له.

(2) قوله ثمّ علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع الي ظاهر اللفظ و فيه انه علي تقدير المعارضة يتعين الجمع بحمل خبر المنع علي الكراهة لنصوصية الاخبار المجوزة في الجواز.

(3) قوله فالواجب بعد التكافؤ الرجوع الي المنع و فيه ان الواجب حينئذ الرجوع الي الاخبار العلاجية.

حرمة الاحتكار

(4) قوله مسألة احتكار الطعام و هو … لا خلاف في مرجوحيته في المسألة قولان، بناء علي ما هو الظاهر من ان مورد كلمات الفقهاء هو عدم وجود باذل الكفاية و أما بناء علي ان مورد كلماتهم هو الاعم ففي المسألة اقوال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 187

و قد اختلف في حرمته فعن المبسوط و المقنعة و الحلبي في كتاب المكاسب و الشرائع و المختلف الكراهة و عن كتب الصدوق و الاستبصار و السرائر و القاضي و التذكرة و التحرير و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و الروضة التحريم، و عن التنقيح و الميسية تقويته و هو الأقوي بشرط عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم الحناط (1) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما عملك؟ قلت: حناط و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست، قال: فما يقول من قبلك فيه قلت: يقولون يحتكر قال: يبيعه احد غيرك قلت: ما ابيع أنا من ألف جزء جزء قال: لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حذام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلي الله عليه و آله فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر، فإن الظاهر منه ان علة عدم البأس وجود الباذل فلولاه حرم.

و صحيحة الحلبي عن

ابي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الحكرة فقال انما الحكرة ان يشتري طعاما و ليس في المصر طعام غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعاما غيره فلا بأس، ان تلتمس بسلعتك الفضل و زاد في الصحيحة المحكية عن الكافي و التهذيب قال و سألته عن الزيت، قال ان كان عند غيرك فلا بأس بامساكه، و عن امير المؤمنين عليه السلام

______________________________

الاول: ما هو الاشهر و هو كراهة الاحتكار الثاني: ما ذهب إليه جمع من الفقهاء و هو التحريم الثالث: ما ذهب إليه المصنف رحمه الله و هو التحريم مع عدم باذل الكفاية و الكراهة معه و كيف كان فقد استدل للحرمة مضافا الي وجوه اعتبارية.

بكثير من النصوص «1» و هي و ان كان بعضها ضعيف السند- و بعضها قاصر الدلالة من جهة تضمنه اللعن علي المحتكر الذي هو بمعني الابعاد الملائم مع الكراهة- أو وروده في مقام بيان موضوع الاحتكار المحكوم بالحرمة أو الكراهة الا ان: جملة منها صحيحة السند- ظاهرة الدلالة عليها.

(1) كصحيح «2» الحناط عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 27 و 28- من ابواب آداب التجارة.

(2) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 188

في نهج البلاغة في كتابه الي مالك الاشتر فامنع من الاحتكار فإن رسول الله منع منه (1) و ليكن البيع بيعا سمحا في موازين عدل لا يجحف بالفريقين البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به و عاقب في غير اسراف.

و صحيحة الحلبي قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك؟ قال: ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس

به، و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر و ترك الناس ليس لهم طعام، فإن الكراهة في كلامهم عليهم السلام و ان كان يستعمل في المكروه و الحرام (2) إلا ان في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل علي كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي إرادة التحريم (3) و حمله علي تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفي و ان شئت قلت: ان المراد بالبأس في الشرطية الأولي التحريم لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها، و يؤيد التحريم ما عن المجالس بسنده عن ابي مريم الانصاري

______________________________

(1) و ما «1» في نهج البلاغة في كتابه عليه السلام الي مالك الاشتر فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلي الله عليه و آله منع منه- و نحوهما غيرهما- و يؤيدها النصوص الاخر.

(2) و لا يعارضها صحيح «2» الحلبي المذكور في المتن فان الكراهة في اصطلاحهم عليهم السلام اعم من الكراهة المصطلحة و عليه فهو ايضا بمفهوم الشرط يدل علي التحريم فانه يدل علي ثبوت الباس مع عدم كثرة الطعام و هو ظاهر في التحريم و بما ذكرناه ظهر مدرك القول بالكراهة و ضعفه.

(3) و قد استدل المصنف رحمه الله لما اختاره بان جملة من النصوص متضمنة للنهي عن الاحتكار و ظاهر ذلك مرجوحيته مطلقا و ظاهر صحيح الحناط و صحيح الحلبي حرمته في صورة عدم باذل الكفاية اما الاول فلان الظاهر منه ان علة عدم الباس وجود الباذل فلولاه حرم و أما الثاني: فلانه قيد الحكم فيه بصورة عدم باذل غيره و هذا بواسطة ما دل علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث

13.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 189

عن ابي جعفر عليه السلام قال قال: رسول الله صلي الله عليه و آله أيما رجل اشتري طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين، ثمّ باعه و تصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع. و في السند بعض بني فضال، و الظاهر ان الرواية مأخوذة من كتبهم التي (1)

قال العسكري عليه السلام عند سؤاله عنها خذوا بما رووا و ذروا ما رأو ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، و قد ذكرنا ان هذا الحديث أولي بالدلالة علي عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادعاه الكشي علي تصحيح ما يصح عن جماعة و يؤيده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام من أنه أرسل عن النبي صلي الله عليه و آله عن جبرائيل قال: أطلعت علي النار فرأيت في جهنم واديا فقلت يا مالك لمن هذا؟ قال لثلاثة: المحتكر، و المدمنين للخمر، و القوادين.

و مما يؤيد التحريم ما دل علي وجوب البيع عليه، فإن الزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الإلزام علي ترك المكروه خلاف الظاهر و خلاف قاعدة سلطنة الناس علي اموالهم.

______________________________

كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي ارادة التحريم و فيه: ان الخبرين يقيدان جميع نصوص الاحتكار المتضمنة للنهي عنه سواء حمل النهي فيها علي الكراهة أو الحرمة فمورد الحكم صورة عدم وجود باذل غيره و الا فلا يكون الاحتكار مكروها و بذلك يظهر ما في قوله و ان شئت قلت الخ.

(1) قوله و الظاهر ان الرواية «1» ماخوذة من كتبهم التي- ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم قد ذكر المصنف

رحمه الله هذا الكلام في كتاب الصلاة و عليه بني حجية ما في كتبهم و ان كان المروي عنه ضعيفا أو مجهولا و يرد عليه ان ذلك النص «2» سؤالا و جوابا مسوق لبيان ان فساد عقائد و آراء بني فضال لا يمنع عن الاخذ برواياتهم فغاية ما يدل عليه حجية قولهم و رواياتهم و انها كالروايات المروية عنهم في حال استقامتهم بلا نظر فيه الي حجية الروايات من غير تلك الجهة

______________________________

(1) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث 6.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 190

ثمّ ان كشف الابهام عن اطراف المسألة يتم ببيان امور:

الأول: في مورد الاحتكار، (1) فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة و بعض الأخبار المتقدمة: اختصاصه بالطعام و في رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و عن الفقيه: زيادة الزيت، و قد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة أيضا دخول الزيت أيضا.

و في المحكي عن قرب الاسناد برواية ابي البختري عن علي عليه السلام قال: ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن.

و عن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الحكرة في ستة اقسام الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزيت، و الزبيب و السمن، ثمّ ان ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا، و عن كشف الرموز و ظاهر السرائر دعوي الاتفاق عليه.

و عن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه، و أما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الاخبار

و لذا اختاره الصدوق و العلامة في التحرير حيث ذكر ان به رواية حسنة و الشهيدان و المحقق الثاني و عن ايضاح النافع ان عليه الفتوي.

و أما الملح فقد الحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الاحكام و الدروس (2) و المسالك و لعله لفحوي التعليل الوارد في بعض الأخبار: من حاجة الناس

______________________________

و أما اصحاب الاجماع فقد دل الدليل علي الاستغناء برواياتهم عن ملاحظة من قبلهم في السند.

(1) قوله الاول في مورد الاحتكار الظاهر ان ثبوته في الغلات الاربع و السمن لا خلاف فيه بل عن جماعة الاجماع عليه و تشهد به النصوص «1» منها الروايات الثلاث في المتن و فيها الزيت و لا إشكال في شي ء من ذلك انما الكلام في الملح ففي المتن.

(2) و أما الملح فقد الحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الاحكام و الدروس

______________________________

(1) الوسائل- باب 27- من ابواب آداب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 191

الثاني روي السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام ان الحكرة في الخصب اربعون يوما، و في الغلاء و الشدة ثلاثة ايام، فما زاد علي الاربعين في الخصب، فصاحبه ملعون و ما زاد في العسرة علي ثلاثة ايام فملعون. (1)

و يؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة، و حكي عن الشيخ و محكي القاضي و الوسيلة العمل بها، و عن الدروس ان الأظهر تحريمه مع حاجة الناس و مظنتها الزيادة علي ثلاثة أيام في الغلاء و أربعين في الرخص للرواية، انتهي.

و أما تحديده بحاجة الناس فهو حسن، كما عن المقنعة و غيرها، و يظهر من الأخبار المتقدمة.

و أما ما ذكره من حمل رواية السكوني عن بيان مظنة الحاجة فهو جيد، (2)

و

منه يظهر عدم دلالتها علي التحديد بالعددين تعبدا.

______________________________

قال في محكي المبسوط يثبت الاحتكار في الملح و لم نقف علي حديث دال عليه و لعله نظر في ذلك الي دعوي الحاجة إليه و اساس الضرورة الي تناوله فصار كالطعام انتهي و لكن مقتضي الحصر في خبر «1» غياث عدم ثبوت هذا الحكم في الملح و العلة المستنبطة المشار إليها لا تصلح لاثبات الحكم الشرعي بها: لعدم كونها منصوصة بعنوان العلة للحكم كي تعمم و لذا لم يفت احد بثبوته في غير ذلك من ما يحتاج إليه الناس فالاظهر عدم الالحاق.

(1) الثاني: روي «2» السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام ان الحكرة في الخصب الي آخر الخبر ظاهر الخبر تحديد الحكرة في الرخص باربعين يوما و في الغلاء بثلاثة ايام و عمل به الشيخ و القاضي و صاحب الوسيلة و الايراد عليه تارة بضعف السند، و اخري.

(2) بانه محمول علي بيان مظنة الحاجة كما عن الدروس و استحسنه المصنف رحمه الله في غير محله اما الاول فلما تقدم في هذا الشرح مرارا من اعتبار خبر السكوني و أما الثاني فلان ذلك خلاف الظاهر لا شاهد له فالاظهر تمامية هذا التحديد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 27- من ابواب آداب التجارة حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 192

الثالث: مقتضي ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في بادئ النظر حصر الاحتكار في شراء الطعام، لكن الاقوي التعميم بقرينة تفريع قوله: فإن كان في المصر طعام و يؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام اهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع و الحصاد و الاحراز، الا ان يراد جمعه في ملكه، و يؤيد

التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بأن يترك الناس ليس لهم طعام، و عليه فلا فرق بين ان يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوبا له، أو كان قد اشتراه لحاجة، فانقضت الحاجة و بقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحبسه متربصا للغلاء.

الرابع: اقسام حبس الطعام كثيرة لان الشخص اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر، أو حصل له من دون تحصيل له، و الجس اما ان يراد منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في انفسهم أو يريد به الغلاء و هو اضرارهم من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله و ان حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به اهل البلد، كما قد يتفق ورود عسكر و زوار في البلاد و توقفهم يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا يضر بأكثر اهل البلد، و قد يريد بالحبس لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخرا هذا كله مع حصول الغلاء بجسه. و قد يجس انتظارا لأيام الغلاء من دون حصول الغلاء بجسه بل لقلة الطعام آخر السنة أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام، ثمّ حبسه لانتظار أيام الغلاء قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال. و قد يكون لحب اعانة المضطرين و لو بالبيع عليهم و الإرفاق بهم، ثمّ حاجة الناس قد يكون لأكلهم و قد يكون للبذر أو علف الدواب أو الاسترباح بالثمن و عليك في استخراج احكام هذه الأقسام (1) و تميز المباح و المكروه و المستحب من الحرام.

______________________________

(1) قوله و عليك في استخراج احكام هذه الاقسام الاحتكار المحرم هو الاحتكار مع حاجة الناس و المباح هو الاحتكار لامع حاجتهم و الواجب هو الاحتكار

لإعانة المضطرين في ايام الغلاء و المستحب هو الاحتكار لإعانة الزوار و أما المكروه فلم نجد له مثالا.

ثمّ ان الاحتكار بما هو احتكار لا يكون واجبا و لا مستحبا و اتصافه بهما انما يكون من جهة انطباق عناوين اخر عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 193

الخامس: الظاهر عدم الخلاف كما قيل في اجبار المحتكر علي البيع، حتي علي القول بالكراهة، بل عن المهذب البارع الاجماع عليه، و عن التنقيح كما في الحدائق عدم الخلاف فيه، و هو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب.

و لذا ذكرنا ان ظاهر ادلة الاجبار تدل علي التحريم، لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم لا يسعر عليه اجماعا، كما عن السرائر، و زاد وجود الاخبار المتواترة. و عن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم.

و عن جماعة منهم العلامة و ولده و الشهيد: انه يسعر عليه ان اجحف بالثمن،

لنفي الضرر، (1) و عن الميسي و الشهيد الثاني: انه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهي عن التسعير و الجبر بنفي الاضرار.

خاتمة و من أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه.

ففي مرسلة ابن فضال عن رجل عن ابي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، و ليكن انزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بد للمؤمن منه، ان الذين اعطوا المال، ثمّ لم يشكروا لا مال لهم.

و في صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله في حجة الوداع الا ان روح الامين نفث في روعي: انه لن يموت نفس حتي يستكمل

رزقها فاتقوا الله و اجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بشي ء من معصية الله، فإن الله تبارك و تعالي قسم الأرزاق في خلقه حلالا، و لم يقسمها حراما،

______________________________

(1) قوله انه يسعر عليه ان اجحف بالثمن لنفي الضرر قالوا و لانه لولاه لانتفت فائدة الجبر إذ بدونه يمتنع المالك من البيع الا باضعاف ثمنه فلو سوغناه انتفت الحكمة في الزامه بالبيع.

و هو جيد: الا انه لا يدل علي التسعير لملائمته مع ما عن الميسي و الشهيد الثاني انه يؤمر بالنزول من دون تسعير- و الله العالم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 194

فمن اتقي الله و صبر اتاه الله برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قصر به من رزق الحلال و حوسب عليه يوم القيامة.

و عن ابي عبد الله عليه السلام انه كان امير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا ان الله عز و جل لم يجعل للعبد و ان اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت مكايدته ان يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، و لم يحل بين العبد في ضعفه و قلة حيلته ان يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم.

أيها الناس انه لن يزداد امرء نقيرا لحذفه و لم ينقص امرء نقيرا لحمقه، فالعالم بهذا العامل به اعظم الناس راحة في منفعته، و العالم بهذا التارك له اعظم الناس شغلا في مضرته، و رب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه و رب مغرور في الناس مصنوع له فأبق ايها الساعي من سعيك، و ابصر من عجلتك، و انتبه من سنة غفلتك،

و تفكر فيما جاء عن الله عز و

جل علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله.

و في رواية عبد الله بن سليمان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان الله عز و جل وسع في ارزاق الحمقي ليعتبر العقلاء، يعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة.

و في مرفوعة سهل بن زياد انه قال قال امير المؤمنين عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم قلت: جعلت فداك اقبل علي العبادة و ترك التجارة، فقال: ويحه اما علم ان تارك الطلب لا تستجاب له دعوته، إن قوما من اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله لما نزل قوله تعالي: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب) اغلقوا الابواب و اقبلوا علي العبادة و قالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله فأرسل إليهم،

فقال لهم: ما دعاكم الي ما صنعتم؟ فقالوا يا رسول الله صلي الله عليه و آله تكفل الله تعالي لنا بأرزاقنا فاقبلنا علي العبادة. فقال صلي الله عليه و آله انه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب. و قد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه، و لا من ترك دنياه لآخرته. و تقدم أيضا حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام و علي جميع انبيائه الصلاة و السلام بعد الحمد لله الملك العلام علي ما انعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة و كتابة كلمات اوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص و العام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 195

الخيارات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 197

القول في الخيار و اقسامه و أحكامه:

مقدمتان

الاولي: الخيار [في معني الخيار]

اسم مصدر من الاختيار غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ

العقد (1) علي ما فسره به في موضع من الإيضاح فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة. و في عقد الفضولي و ملك الوارث رد العقد علي ما زاد علي الثلث، و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد علي بنت الاخ و الاخت و ملك الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد إذا اعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.

و لعل التعبير بالملك

______________________________

معني الخيار اصطلاحا

قبل بيان الخيار و اقسامه و احكامه لا بد من تقديم مقدمتين:

احداهما: في معني الخيار.

الخيار علي ما في كتب اللغة اسم مصدر من تخير مثل الطيرة اسم تطير، و هو مرادف للاختيار.

و أما في الاصطلاح فقد ذكروا له معنيين:

(1) أحدهما: ما عن موضع من الايضاح و جماعة من المتأخرين و اختاره المصنف ره، و هو: ملك فسخ العقد.

ثانيهما: ما عرفه المحققون من القدماء، و هو: ملك اقرار العقد و ازالته.

و قبل بيان ما هو الحق عندنا ينبغي تقديم مقدمة.

و هي: ان الجواز و اللزوم الثابتين في العقود علي قسمين:

الأول: ما لا يقبل الاسقاط و الانتقال الي الغير، كلزوم النكاح و لذا لا يصح جعل خيار الفسخ فيه و لا يقبل الاقالة، و جواز الهبة: فانه غير قابل للاسقاط و الانتقال- و يعبر عنهما باللزوم و الجواز الحكميين.

الثاني: ما يقبل ذلك كلزوم البيع و جوازه، و يعبر عنهما باللزوم و الجواز الحقيين،

و عن هذا الجواز يعبر بالخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 198

للتنبيه علي ان الخيار من الحقوق لا من الاحكام (1) فيخرج ما كان من قبيل الإجازة و الرد لعقد الفضولي و التسلط علي فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من الاحكام الشرعية لا من الحقوق. و لذا لا تورّث و لا تسقط بالاسقاط.

و قد يعرف بأنه ملك اقرار العقد و ازالته و يمكن الخدشة فيه بأنه ان اريد من اقرار العقد ابقائه علي حاله بترك الفسخ، (2) فذكره مستدرك لأن القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه إذ القدرة لا يتعلق باحد الطرفين و ان اريد منه الزام العقد و جعله غير قابل لان يفسخ. ففيه ان مرجعه الي اسقاط حق الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار

______________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: انه يرد علي التعريف الأول: ان الملك المستعمل في المقام لا يراد به الملكية المصطلحة المضافة الي الاعيان، بل المراد به الملك بمعناه اللغوي، و هو السلطنة، و هو بهذا المعني كما يصدق علي القسم الثاني من الجواز يصدق علي القسم الأول، بل يشمل ملك حل النكاح بالطلاق.

و ما افاده المصنف رحمه الله بان التعبير بالملك.

(1) للتنبيه علي ان الخيار من الحقوق لا من الاحكام، فيخرج ما كان من قبيل الاجازة ان اراد به الملكية المصطلحة من جهة ان الحق مرتبة ضعيفة من الملك،

فيرد عليه: ما ذكرناه في اوائل الجزء الثالث عند بيان حقيقة الحق،

و ان اراد به الاستيلاء الخاص دون مطلق الاستيلاء- و هو ما كان نفس الاستيلاء تحت الاختيار بحيث يمكن للشخص سلب الاستيلاء و عزل نفسه عن السلطنة عزلا ابتدائيا- فيرد عليه: انه لا يعتبر في الملك إلا دخول المملوك تحت السلطان لا دخول السلطنة ايضا تحت السلطان.

و أما التعريف الثاني: فاورد عليه المصنف رحمه الله بايرادين: احدهما:

(2) انه ان اريد باقرار العقد ابقائه علي حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لان القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه، و ان اريد به الزام العقد كان مرجعه إلي اسقاط حق الخيار فلا يؤخذ

في تعريف نفس الخيار.

و فيه: ان المتعين هو الثاني، و ليس مرجعه إلي ما ذكر، بل حقيقته تثبيت العقد الذي هو امر وجودي، و لازمه سقوط الخيار.

و ان شئت قلت: ان مرجعه الي اسقاط حق ازالة العقد لا إسقاط الخيار، فالخيار مركب من سلطنتين: السلطنة علي ازالة العقد، و السلطنة علي رفع هذه السلطنة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 199

مع ان ظاهر الالزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فإن لكل منهما الزامه من طرفه لا مطلقا. ثمّ ان ما ذكرناه من معني الخيار هو المتبادر منه عرفا عند الاطلاق في كلمات المتأخرين و إلا فاطلاقه في الاخبار و كلمات الاصحاب علي سلطنة الاجازة و الرد لعقد الفضولي و سلطنة الرجوع في الهبة و غيرهما من افراد السلطنة شائع.

الثانية: ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه ان الاصل في البيع اللزوم، (1)
اشارة

قال في التذكرة: الاصل في البيع اللزوم، لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك،

و الاصل الاستصحاب، و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و إنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه، انتهي.

اقول المستفاد من كلمات جماعة: ان الاصل هنا قابل لإرادة معان:

______________________________

ثانيهما: ان ظاهر الالزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك.

و فيه: ان الذي بيد ذي الخيار الالزام من طرفه لا من الطرفين، و انما يكون لازما من الطرف الآخر من جهة عدم الخيار له، و هذا الظهور في الفسخ ايضا ممنوع، فانه ازالة من جانبه، و لكن حيث لا يعقل انحلال العقد من طرف واحد يلتزم بانحلاله من الطرفين لا ان معني الفسخ ذلك كي يلتزم به في الاجازة بقرينة المقابلة.

فظهر ان ما عرفه القدماء متين لا يرد عليه شي ء.

الاصل في البيع اللزوم

(1) الثانية: ذكر غير

واحد تبعا للعلامة في كتبه: ان الاصل في البيع اللزوم، قال في محكي التذكرة: الاصل في البيع اللزوم، لان الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك، و الاصل الاستصحاب، و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و انما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه. انتهي.

و قد تقدم البحث و الكلام في المقصود الاصلي من هذه المقدمة في اول كتاب البيع في مسألة المعاطاة، و انما تعرضنا هنا لها لجهتين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 200

الاول: الراجح: احتمله في جامع المقاصد مستندا في تصحيحه الي الغلبة. (1)

و فيه ان اراد غلبة الافراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس، أو الحيوان أو الشرط، و ان أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة مع انه لا يناسب ما في القواعد من قوله: و انما يخرج من الاصل لامرين ثبوت خيار أو ظهور عيب.

الثاني: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشك في بعض الافراد، أو بعض الاحوال، و هذا حسن، لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الاصل.

الثالث: الاستصحاب و مرجعه إلي أصالة عدم ارتفاع اثر العقد بمجرد فسخ احدهما و هذا حسن.

الرابع: المعني اللغوي بمعني (2) ان وضع البيع و بنائه عرفا و شرعا علي اللزوم و صيرورة المالك الأول كالاجنبي، و انما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لاحدهما أو لهما يسقط بالاسقاط، و بغيره، و ليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب، بمعني كونه حكما شرعيا له اصلا و بالذات، بحيث لا يقبل الاسقاط.

______________________________

الاولي: للتعرض لمحتملات الاصل الواقع في كلمات الفقهاء.

الثانية: للتسهيل علي الطالب.

و كيف كان: فالاصل المزبور قابل لإرادة معان:

(1) الأول: الراجح المستند الي

الغلبة: ذكره في جامع المقاصد و فيه: انه ممنوع صغري و كبري،

اما الاولي: فلأن أغلب افراد البيع تنعقد جائزة من جهة خيار المجلس و غيره،

و اراد غلبة الازمان لا تنفع، فانها توجب الالحاق لو شك في لزوم فرد في زمان خاص،

لا فيما إذا شك في لزوم فرد في جميع الازمنة.

و أما الثانية: فلعدم الاساس لما اشتهر من ان الظن يلحق الشي ء بالاعم الاغلب.

(2) الثاني: المعني اللغوي، و هو ما يبني عليه الشي ء، بمعني ان وضع البيع و بنائه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 201

من هنا ظهر ان ثبوت خيار المجلس في اول ازمنة انعقاد البيع، لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا علي اللزوم، لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في اول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط، كان منافيا لبنائه علي اللزوم. فالاصل هنا، كما قيل نظير قولهم: ان الاصل في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون اكثر الاجسام علي غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي و مما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث انكر هذا الاصل لأجل خيار المجلس، الا ان يريد ان الاصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم، و سيأتي ما فيه.

بقي الكلام في معني قول العلامة في القواعد و التذكرة انه لا يخرج من هذا الاصل (1) الا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب. فإن ظاهره ان ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار، مع انه من اسباب الخيار و توجيهه بعطف الخاص علي العام، كما في جامع المقاصد (2) غير ظاهر، إذ لم يعطف العيب علي اسباب الخيار بل عطف علي نفسه و هو مباين له

لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله و انما يخرج عن الاصل بأمرين:

______________________________

عرفا و شرعا علي اللزوم.

و احسن توجيه لذلك ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان بناء العرف علي اللزوم،

فإذا ورد دليل الامضاء كفي.

و فيه انه لا ريب في ان بناء العرف علي اللزوم في موارد و عدمه في موارد اخر كما في المعيب و المغبون و شبههما، و عليه فإذا شك في مورد انه من قبيل الاول أو الثاني لا وجه للتمسك بعموم بناء العرف، إذ لا عموم له.

و ان قيل: انه يتمسك بعموم ادلة الامضاء.

يجاب عنه بانه تمسك حينئذ بالقاعدة المستفادة من العمومات و سيأتي الكلام فيها.

(1) قوله بقي الكلام في معني فول العلامة … انه لا يخرج من هذا الاصل الا بامرين و قد ذكر في توجيه قول العلامة وجوه.

(2) منها ان عطف ظهور العيب علي ثبوت الخيار من قبيل عطف الخاص علي العام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 202

احدهما: ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في احد العوضين بل للتروي خاصة.

و الثاني: ظهور عيب في احد العوضين، انتهي.

و حاصل التوجيه علي هذا ان الخروج عن اللزوم لا يكون الا بتزلزل العقد لاجل الخيار، و المراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في احد العوضين و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص

احد العوضين لكنه مع عدم تماميته تكلف في عبارة القواعد مع انه في التذكرة ذكر في الأمر الاول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد اسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب، و تكلم فيه كثيرا و مقتضي التوجيه ان يتكلم في الأمر الأول

فيما عدا خيار العيب و يمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار (1) فإن نفس ثبوت الارش بمقتضي العيب، و ان لم يثبت خيار الفسخ موجب لاسترداد جزء من الثمن، فالعقد بالنسبة الي جزء من الثمن متزلزل قابل لابقائه في ملك البائع و اخراجه عنه، و يكفي في تزلزل العقد ملك اخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه، و ان شئت قلت: ان مرجع ذلك الي ملك فسخ العقد الواقع علي مجموع العوضين من حيث المجموع، و نقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين في مقابل الآخر، لكنه مبني علي كون الارش جزءا حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.

و قد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الارش كونه جزءا من الثمن، بل له ابداله، لأن الأرش غرامة، و حينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد، (2)

______________________________

و فيه ان المعطوف عليه ليس مطلق السبب- كما ان المعطوف ليس خيارا خاصا- بل المعطوف عليه مطلق الخيار و المعطوف سبب من اسبابه فلا يتم ذلك.

(1) و منها ما افاده العلامة رحمه الله، و حاصله ان العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار فان ثبوت الارش بمقتضي العيب موجب لاسترداد جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه فالعقد بالاضافة الي جزء من الثمن متزلزل و ان لم يثبت الخيار.

(2) و اورد المصنف عليه بانه ليس الارش جزءا حقيقيا من الثمن بل هو غرامة فلا يوجب ثبوته تزلزل العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 203

ثمّ ان الاصل بالمعني الرابع انما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص البيع، لأن الخيار حق

خارجي يحتاج ثبوته الي الدليل. اما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الاصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ الي الشك في الحكم الشرعي. و أما الاصل بالمعني الاول فقد عرفت عدم تماميته. و أما بمعني الاستصحاب فيجري في البيع و غيره إذا شك في لزومه و جوازه. و أما بمعني القاعدة فيجري في البيع و غيره، لأن اكثر العمومات الدالة علي هذا المطلب يعم غير البيع. و قد اشرنا في مسألة المعاطاة إليها و نذكرها هنا تسهيلا علي الطالب.

فمنها قوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) دل علي وجوب الوفاء بكل عقد،

و المراد بالعقد مطلق العهد، كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي بن ابراهيم،

______________________________

و الظاهر ان نظره قده الي ان العقد يقتضي اللزوم و كون احد العوضين فقط عوضا عن الآخر و المخرج عن الامر الاول هو الخيار و عن الثاني ظهور العيب فانه يوجب اخذ الارش مع المبيع.

و منها غير ذلك مما ذكره العلامة، مع ما يرد عليه و غيره

القاعدة المستفادة من العمومات

الثالث: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشك.

(1) فمنها: قوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1».

و تقريب الاستدلال به: انه دل علي وجوب الوفاء بكل عقد، و المراد بالعقد مطلق العهد أو ما يسمي عقدا عرفا، و معني وجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه، فإذا دل العقد علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه، فاخذه منه بغير رضاه نقض لذلك، فهو حرام، فإذا حرم جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد- و من جملة ذلك التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاه- كان هذا لازما مساويا للزوم العقد.

______________________________

(1)

المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 204

أو ما يسمي عقدا لغة و عرفا، و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية، نظير الوفاء بالنذر، فإذا دل العقد مثلا علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك، من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له،

فأخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك، نقض لمقتضي «لمضمون» ذلك العهد فهو حرام.

فإذا حرم باطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد، و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه، كان هذا لازما مساويا للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرد فسخ احدهما، فيستدل بالحكم التكليفي علي الحكم الوضعي اعني فساد الفسخ من احدهما بغير رضا الآخر، و هو معني اللزوم، بل قد حقق في الاصول ان لا معني للحكم الوضعي الا ما انتزع من الحكم التكليفي، و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان الوفاء انما يتعلق بالعهد و الالتزام، و هو انما يتعلق بامر اختياري مثل النذر، و لا يتعلق بما هو خارج عن تحت الاختيار كالملكية الي الأبد، فلا معني لوجوب الوفاء بمقتضي العقد.

و بعبارة اخري: ان وجوب الوفاء بشي ء فرع كونه تحت الاختيار و الملكية و بقائها الي الابد خارجة عن تحت اختيار المكلف، فلا يتعلق بها وجوب الوفاء، و هذه آية اختصاص الآية الشريفة بباب النذر و شبهه.

و فيه: ان الوفاء بمعني التمام أو ما يقاربه، و عليه فان كان العقد متعلقا بالفعل كان الوفاء به ايجاده، و ان كان متعلقا بالنتيجة كالعقد علي الملكية كان الوفاء به اتمامه و عدم رفع اليد عنه بحله و نقضه.

الثاني: ما عن المحقق الخراساني رحمه

الله، و هو: ان موضوع وجوب الوفاء هو العقد و بقائه بعد الفسخ مشكوك فيه، فالتمسك بعموم الآية من باب التمسك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه.

و فيه: انه لا كلام في بقاء العقد ما لم يفسخ، و عليه فالأمر بالوفاء ان كان ارشادا كان مدلول الآية المطابقي لزوم العقد و عدم تأثير الفسخ، و ان كان مولويا نفسيا كان عدم الفسخ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 205

(القائل هو العلامة في المختلف) من ان معني وجوب الوفاء بالعقد، العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز، فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم. (1)

توضيح الضعف ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للعقد، و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه، مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعني اعني وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه، يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد،

مساويا للزوم و اضعف من ذلك ما نشاء من عدم التفطن لوجه دلالة الآية علي اللزوم، مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور، و هو ان المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي و وضعي. و قد عرفت ان ليس المستفاد منها الا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا و من ذلك

______________________________

ايضا مامورا به، فلو حرم الفسخ لم يكن مؤثرا اجماعا.

مع ان حرمة الفسخ لو ثبتت فانما هي بمناط عدم ثبوت هذا الحق له، فيكون من قبيل حرمة الظلم، و من عدم الحق يستكشف عدم تأثيره.

(1) الثالث: ما عن العلامة في المختلف، و هو: ان معني وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم أو جواز، فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم.

و فيه: ان العقد الجائز لا يجب الوفاء به لجواز فسخه و حله، فمن الوجوب يستكشف كونه

لازما.

مع ان الجواز و اللزوم من احكام العقد لا من منشآت المتعاقدين، و لذا لو اوقعا العقد اللازم غير قاصدين للزوم بل للجواز اتصف العقد به.

الرابع: ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان العقد بمعني العهد، و هو يشمل التكاليف الالهية و العهد الذي بين الخالق و المخلوق كالنذر و ما يكون بين المخلوقين بعضهم مع بعض،

و حينئذ يدور الأمر بين حمل الأمر علي الوجوب فيكون خروج العقود الجائزة و المستحبات من باب التخصيص، و حمله علي القدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب فيسقط الاستدلال، و حيث انه يبعد خروج المستحبات علي كثرتها فيتعين الثاني:

و فيه: اولا: ستعرف عدم كون العقد بمعني العهد.

و ثانيا: ان الالتزام بالتخصيص لا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 206

و من ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالي: (احل الله البيع علي) اللزوم (1) فإن حلية البيع التي لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتب عليه التي منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثر،

______________________________

و ثالثا: ان الوجوب و الاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له و المستعمل فيه،

و انما ينتزعان من الترخيص في الترك و عدمه، و عليه فعدم اللزوم في بعض الموارد للترخيص في الترك لا يوجب الالتزام بالتخصيص و لا بعدم اللزوم في الموارد التي لم يرد فيها ذلك.

فتحصل: ان شيئا من هذه الايرادات لا يتم.

و لكن يرد عليه امور:

الأول: ان العقد غير العهد، إذ العهد هو الجعل و القرار، و العقد هو ربط شي ء بشي ء،

و هو في اصطلاح الفقهاء في قبال الايقاع، فالعقد انما يطلق علي البيع باعتبار ارتباط اعتبار كل

من المتعاقدين بالآخر.

الثاني: ان الوفاء عبارة عن التمام، فالايفاء هو الاتمام و الانهاء.

الثالث: ان الأمر به ارشاد الي اللزوم، و لا يكون حكما تكليفيا، و ان كان علي هذا ايضا تدل الآية علي اللزوم، و قد تقدم تفصيل القول في كل واحد من هذه الامور في مبحث المعاطاة في الجزء الثالث و علي ما ذكرناه دلالة الآية علي اللزوم اظهر.

(1) و منها: قوله تعالي (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» و قد ذكر المصنف رحمه الله في وجه دلالة الآية الشريفة علي اللزوم: ان الحلية المستندة الي البيع ظاهرة في التكليفية لا سيما بواسطة مقابلة ذلك بحرم الله الربا، و حيث انه لاموهم لحرمة البيع- لا بما هو فعل و لا بما هو تسبيب للملك- فلا بد من تقدير التصرفات، و من حلية التصرفات يستكشف صحة البيع، اما من جهة انها تدل علي حلية التصرفات المترتبة علي البيع- و مرجع ذلك الي حلية الاكل من هذا السبب- و لازم ذلك عرفا ثبوت الملكية و أما من جهة ان حلية التصرفات

______________________________

(1) سورة البقرة آية 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 207

______________________________

المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطء و نحوهما من آثار الملك، فإذا دلت الآية علي جوازها دلت بالملازمة العقلية علي الملكية، أو من جهة الملازمة العرفية بين حلية التصرفات و نفوذ البيع.

و مقتضي اطلاق الآية حلية التصرفات بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضا الآخر،

و هذا يستلزم عدم تأثير الفسخ و كونه لغوا، و هو لازم اللزوم.

و هو قدس سره بعد اسطر اورد علي هذا الوجه: بان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة باطلاق الآية، فلا يمكن التمسك في رفعه بالاطلاق.

و في كلامه مواقع للنظر:

الاول: ما افاده

من: ان المراد بالحلية الحلية التكليفية، فانه يرد عليه: ان الظاهر: منها من جهة استنادها الي البيع هي الوضعية منها، و هكذا في الحرمة المنسوبة الي الربا، و عليه فتدل الآية الشريفة علي صحة البيع و نفوذه بالمطابقة بلا نظر لها الي اللزوم.

الثاني: ما افاده من تقدير التصرفات، فانه يرد عليه: انه لا وجه لذلك سوي توهم انه لا موجب لحرمة البيع بما هو عمل من الاعمال، فيتعين التقدير، و هذا عليل، فان البيع من حيث انه يتوصل به الي التصرفات قابل لان يكون حلالا و حراما، و عليه فلا وجه للتقدير، و علي هذا فيستكشف من حلية البيع بهذا المعني نفوذه و صحته، إذ لو لا نفوذه لم يكن وجه للترخيص فيه.

الثالث: ما اورده علي نفسه، فانه يرد عليه: انه لو قدر التصرفات و كان مقتضي اطلاق الآية حلية التصرفات بعد الفسخ لم يكن الشك في تأثير الفسخ مانعا عن ذلك، فان التمسك بالاطلاق انما يكون لدفع مثل هذا الشك.

و المحقق النائيني رحمه الله وجه ايراد المصنف رحمه الله: بان القيود الراجعة الي الموضوع يمكن ان يكون الحكم بالنسبة إليها مطلقا أو مقيدا، و أما حالات نفس الحكم فلا يمكن ان يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 208

و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم بإطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض، (1) فإنه يدل علي ان التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتي بعد فسخ احدهما من دون رضاء الآخر، فدلالة الآيات الثلاث علي أصالة اللزوم علي نهج واحد لكن يمكن ان يقال: انه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة باطلاق الآيتين الاخيرتين، لم يمكن التمسك في رفعه الا بالاستصحاب

و لا ينفع الاطلاق. (2)

______________________________

الحكم بالنسبة إليها مطلقا و لا مقيدا، فضلا عن ان يكون مطلقا أو مقيدا، بالاضافة الي رافعه، إذ المحكوم ليس ناظرا الي نفسه، فضلا عن ان يكون مطلقا بالنسبة الي حاكمه،

و في المقام الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لأصل الحلية، و لا إطلاق لها بالنسبة الي رافعها.

و فيه: اولا: ان المصنف رحمه الله صرح بالاطلاق.

و ثانيا: ان الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لمنشإ الحلية و هو البيع و العقد لا للحكم نفسه، و اطلاق الحكم بالنسبة الي رافع منشئه كسائر حالاته امر ممكن.

و ثالثا: ان هذا الوجه يجري في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بان يقال: ان الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لوجوب الوفاء، فلا يمكن ان يكون ما دل عليه مطلقا بالنسبة الي رافعه.

و قد ظهر مما ذكرناه دلالة الآية الشريفة علي نفوذ البيع و صحته دون لزومه.

(1) قال المصنف رحمه الله: و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم باطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض «1»

تقريب الاستدلال به: ان الاكل الذي رخصه الشارع عنوان للتصرفات المترتبة علي المعاملة لا لنفسها- لما تقدم- فمن جوازه يستكشف نفوذ المعاملة، و من اطلاقه- لما بعد الفسخ- يستكشف اللزوم.

(2) ثمّ اورد عليه بما اورده علي سابقه.

و فيه: اولا: ان الاكل في صدر الآية كناية عن التملك، فكذلك في المستثني، فالمرخص فيه هو التملك.

و ثانيا: ان الايراد غير تام كما تقدم.

______________________________

(1) سورة النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 209

و منها قوله تعالي: (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) (1) دل علي حرمة الاكل بكل وجه يسمي باطلا عرفا، و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل،

فإن اكل المارة من ثمرة الاشجار التي تمر بها

باطل لو لا اذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه، و كذلك الأخذ بالشفعة و الخيار، فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار و الشفعة، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإن اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه باطل عرفا، (2) نعم لو دل الشارع علي جوازه، كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين

______________________________

و المصنف قد استدل بالآية الشريفة علي اللزوم بطريق آخر ذكره في المعاطاة، و قد تعرضنا له هناك و بينا عدم تماميته فراجع.

(1) و منها: قوله تعالي (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) «1» تقريب الاستدلال به علي اللزوم وجهان:

(2) الأول: ان الأكل المنهي عنه كناية عن التصرف المعاملي، و هو التملك، فيدل علي النهي عن التملك بالباطل، و منه اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه.

و فيه: اولا: ان المراد بالباطل اما هو الباطل العرفي أو الشرعي أو الفاسد الخالي عن الأثر الذي لا يختلف معناه عرفا و شرعا، و انما الاختلاف بينهما في المصداق،

اما علي الأول- الذي هو اساس الاستدلال-: فحيث ان اذن المالك الحقيقي موجب للخروج عن كونه باطلا و في المقام، يحتمل الاذن في الفسخ، فلا محالة يشك في صدق الباطل عليه، و معه لا يبقي مورد للتمسك باطلاق الحكم.

و أما علي الاخيرين فالشك في صدق الموضوع اظهر.

و ثانيا: انه يحتمل اختصاص الآية بالمعاوضات من جهة التعبير باموالكم بينكم الظاهر في اعطاء مال واخذ مال، و الرجوع ليس منها، فانه رد للملك و يستتبع ذلك رجوع العوض لا انه تملك بعوض.

و ثالثا: ان الفسخ حل للعقد فلا تشمله الآية لعدم كونه سببا

للاكل بل هو رافع

______________________________

(1) سورة النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 210

و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلي الله عليه و آله: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه (1)

______________________________

للسبب المملك و بعده يكون الملك بالسبب الأول.

الوجه الثاني: ان الاكل المنهي عنه كناية عن التصرفات، فتدل الآية علي عدم جواز التصرفات بعد السبب الباطل و منه الرجوع و الفسخ.

و يرد عليه ما اوردناه علي الوجه الأول.

(1) و منها: قوله صلي الله عليه و آله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه «1»

و تقريب الاستدلال به من وجهين:

الاول: ان الخبر يدل علي عدم حلية مال الغير بغير رضاه، و حيث انه لا معني لحرمة المال، و تقدير تصرف دون آخر ترجيح بلا مرجح، فتقدر جميع التصرفات و منها الفسخ و من حرمته يستكشف عدم تأثيره و فيه اولا ان الحرمة حيث استندت الي المال تكون ظاهرة في ارادة حرمة التصرفات الخارجية المتعلقة به، و لا تشمل التصرف الاعتباري.

و ثانيا: ان حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما تقدم في اول الجزء الثالث من هذا الشرح.

الثاني: انه يدل علي حرمة التصرفات في مال الغير بغير رضاه، و مقتضي اطلاقه حرمتها حتي بعد الفسخ، و لازم ذلك عدم تأثير الفسخ.

و فيه: انه حيث يحتمل تأثير الفسخ فيحتمل عدم كونه مال الغير بعد الفسخ، و معه لا مورد للتمسك باطلاق الحكم.

______________________________

(1) هذا المضمون في كثير من الأخبار راجع الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي- و المستدرك ج 9 ص 212

و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 211

و منها قوله: الناس مسلطون علي أموالهم، فإن مقتضي السلطنة التي امضاها الشارع: ان لا يجوز اخذه من

يده و تملكه عليه من دون رضاه، (1) و لذا استدل المحقق في الشرائع علي عدم جواز رجوع المقرض فيما اقرضه بأن فائدة الملك التسلط، و نحوه العلامة في بعض كتبه.

و الحاصل ان جواز العقد الراجع الي تسلط الفاسخ علي تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره واخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم.

و منها قوله صلي الله عليه و آله: المؤمنون عند شروطهم. (2) و قد استدل به علي اللزوم غير واحد منهم المحقق الاردبيلي قدس سره بناء علي ان الشرط مطلق الالزام و الالتزام و لو ابتداء من غير ربط بعقد آخر، فإن العقد علي هذا شرط فيجب الوقوف عنده و يحرم التعدي عنه

______________________________

(1) و منها: قوله عليه السلام: الناس مسلطون علي اموالهم «1».

هذه الرواية و ان كانت ضعيفة السند الا ان ضعفها مجبور بالعمل،

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ثبوت السلطنة التامة للمالكين علي اموالهم،

و من مقتضيات السلطنة التامة رفع مزاحمة الاجانب و منهم المالك الاول، و لازمه عدم تأثير فسخه.

و بعبارة اخري: خروج المال عن ملكه بغير رضاه مناف للسلطنة.

و اورد عليه بايرادات-: و قد ذكرناها مع اجوبتها في مبحث المعاطاة.

و الحق في الجواب عنه: انها تدل علي ثبوت السلطنة ما دام كونه مالا له و لا تدل علي تسلطه علي ابقاء الموضوع و كون بقائه تحت اختياره كي تكون ازالته منافية للسلطنة الثابتة له فتدبر- و تمام الكلام في ذلك المبحث كما ان التقريب الآخر لدلالتها علي ذلك مع جوابه مذكوران هناك فراجع.

(2) و منها: قوله صلي الله عليه و آله المؤمنين عند شروطهم «2».

و تقريب الاستدلال به: ان الشرط هو مطلق الالزام، و الالتزام و لو ابتداء

من غير ربط

______________________________

(1) البحار ج 1- ص 154 الطبع القديم- و ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و فيها المسلمون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 212

فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر عرفا هو الالزام التابع، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتي في مثله قوله عليه السلام في دعاء التوبة: و لك يا رب شرطي ان لا أعود في مكروهك و عهدي ان اهجر جميع معاصيك، و

قوله عليه السلام في اول دعاء الندبة: بعد ان شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا

كما لا يخفي علي من تأملها مع ان كلام بعض اهل اللغة يساعد علي ما ادعيناه من الاختصاص. ففي القاموس:

الشرط الزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه و منها الاخبار المستفيضة في أن

البيعين بالخيار ما لم يفترقا

، (1) و انه

إذا افترقا

وجب البيع

، و انه

لا خيار لهما بعد الرضا

. فهذه جملة من العمومات الدالة علي لزوم البيع عموما أو خصوصا.

______________________________

بعقد آخر، و عليه فالعقد شرط يجب الوقوف عنده، و يحرم التعدي عنه، فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

و لكن تمامية الاستدلال به تتوقف علي امرين: صدق الشرط علي المعاملات كالبيع،

و دلالته علي اللزوم.

اما الأول: فمضافا الي ما سيأتي في مبحث الشروط من عدم صدقه علي الالتزامات المعاملية: انه يعتبر في صدقه كون الالتزام في ضمن التزام، و هو لا يصدق علي الالتزام الابتدائي. و بعبارة اخري: الشرط هو الالتزام التابع كما يظهر لمن راجع موارد استعماله، و لذا قال في محكي القاموس: الشرط الزام الشي ء أو التزامه في البيع و نحوه و أما

الثاني: فالاظهر انه انشاء حكم تكليفي لا وضعي، إذ مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه، و هذا ليس صفة في الشرط كي يكون ذلك ارشادا الي صحته أو لزومه،

بل هو صفة في المؤمن فلا محالة يكون ظاهرا في كونه امرا بالوفاء بالشرط تكليفا، و عليه فيجري فيه ما ذكرناه في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

(1) و منها: الاخبار المستفيضة في ان

البيعين بالخيار «1» ما لم يفترقا

و انه إذا افترقا وجب البيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 213

و قد عرفت ان ذلك مقتضي الاستصحاب (1) ايضا، و ربما يقال ان مقتضي الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع، و هذا الاستصحاب حاكم علي الاستصحاب (2) المتقدم المقتضي للزوم. و رد بأنه ان اريد بقاء علاقة الملك أو علاقة يتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك، و ان أريد بها سلطنة اعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك (3) و انما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل، فإذا فقد الدليل فالاصل عدمها

______________________________

و اورد علي هذا الوجه:

بان هذه النصوص تدل علي اللزوم الحيثي لا اللزوم من جميع الجهات، و لذا لا تنافي ثبوت خيار الحيوان و الشرط و نحوهما.

و بانها في مقام جعل الخيار لا جعل اللزوم، فلا وجه للتمسك باطلاقها من هذه الجهة.

و لكن يرد علي الاول: انه خلاف اطلاق النصوص.

و علي الثاني: انها في مقام بيان الجواز قبل التفرق و اللزوم بعده، و لذا في بعض تلك النصوص

قال عليه السلام بعد ذلك: فإذا افترقا فلا خيار لهما.

الاستدلال للزوم بالاستصحاب

(1) و ربما يستدل علي اللزوم بالاستصحاب.

بتقريب: ان

مقتضي الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، و قد اشبعنا الكلام في هذا الاستصحاب و ما يمكن، ان يورد عليه في مبحث المعاطاة، و انما نذكر في المقام الاشكال الذي لم يذكره المصنف رحمه الله هناك و ذكره في المقام، و هو.

(2) ان هذا الاصل محكوم باستصحاب بقاء علقة المالك الأول.

و استصحاب بقاء حق الفسخ الثابت في زمان ثبوت خيار المجلس.

(3) و اجاب المصنف رحمه الله عن الأول: بانه ان اريد بقاء علاقة الملك أو علاقة تتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك، و ان اريد بها سلطنة اعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 214

و ان أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع، فإنها تستصحب عند الشك،

فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار، كما يقال الاصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف، ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس (1)

______________________________

توضيح ما افاده:

انه ربما يتوهم ان الملكية و ان كانت امرا اعتباريا الا انها ليست بسيطة، بل هي ذات مراتب، فإذا انتقلت العين عن الشخص بنحو ليس له ارجاعها الي ملكه الا بعقد جديد فقد انقطعت العلاقة بالمرة، و إذا انتقلت بنحو له ارجاعها الي ملكه متي ما شاء فقد بقيت مرتبة منها.

فلو شك في الجواز و اللزوم يشك في ان علقة المالك الاول هل انقطعت بالمرة ام بقيت مرتبة ضعيفة منها فيستصحب بقائها بعد كون قوة العلاقة و ضعفها من مراتب شي ء واحد،

فإذا جري هذا الاصل لا يبقي شك في بقاء الملك كي يستصحب، فان الشك في بقائه بعد الرجوع مسبب عن الشك في ثبوت

هذا الحق و عدمه.

و ربما يتوهم ان للشخص سلطنة علي ماله و سلطنة علي تسليط الغير عليه حدوثا و بقاء و بالبيع زالت السلطنة عليه، و كذلك السلطنة علي تسليط الغير حدوثا. اما السلطنة علي تسليط الغير بقاء فهي مشكوكة الارتفاع فيستصحب بقائها، و نتيجة ذلك جواز رفع سلطنة الغير بالفسخ.

و كلاهما فاسدان:

اما الأول: فلأن الملكية التي هي امر اعتباري و من سنخ الوجود بسيطة و ليست ذلت مراتب و هي قد زالت بالبيع و لم يبق منها شي ء.

مع انه لو سلم كونها ذات مراتب- حيث ان ما يبقي بعد العقد الجائز مباين مع الملكية، و لذا تري ان خيار المجلس بنظر العرف مغاير مع الملكية- فلا يجري الاستصحاب.

و أما الثاني: فلأن السلطنة علي رد الملك سلطنة جديدة ان ثبتت، فانها تثبت في ظرف عدم الملك فكيف تكون من آثار الملك و اجاب المصنف عن الاصل الثاني بوجوه.

(1) الاول ان الدليل اخص من المدعي لعدم جريانه في غير البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 215

بل مطلقا بناء علي ان الواجب هنا الرجوع في زمان الشك الي عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) لا الاستصحاب انه لا يجدي بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق، (2) فيبقي ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم، فتأمل.

______________________________

(1) الثاني: ان الواجب هنا الرجوع في زمان الشك الي عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1»

لا الاستصحاب.

و أورد عليه: بان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث لا عموم زماني له فلا يكون هو المرجع في زمان الشك، بل المرجع استصحاب حكم الخاص علي ما اسسه في الاصول.

و يمكن دفعه بان ذلك يتم في ما إذا كان خروج الفرد في الاثناء لا من الاول كما في المقام، و الا فالمرجع عموم العام و

تمام الكلام في محله.

(2) الثالث: انه لا يجدي بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق.

و اورد عليه: بان الكلام انما هو مع قطع النظر عن الادلة الاجتهادية،

مع ان هذه الاخبار كما توجب عدم جريان هذا الاصل توجب عدم جريان الاصل المحكوم ايضا.

و فيه: ان ما يثبت بهذه النصوص هو زوال ذلك الحق الثابت في المجلس، و أما زوال الحق الآخر المشكوك الحدوث فهي لا تدل عليه،

و حيث انه يحتمل ذلك فان قلنا بان الخيار واحد و ان تعددت اسبابه يجري استصحاب بقاء الخيار الشخصي الثابت سابقا،

و ان قلنا بتعدده بتعدد اسبابه فيمكن اجراء استصحاب الكلي الجامع بينهما، فانه و ان كان من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي الا انه حيث يحتمل حدوث فرد آخر مقارنا لحدوث المتيقن يجري استصحاب الكلي علي مسلك المصنف رحمه الله.

و لكن المختار عدم جريان الاستصحاب فيه حتي في هذا الفرض فلا يجري الاصل المزبور في المقام.

فتحصل: ان الاستصحاب ايضا من ادلة اللزوم.

______________________________

(1) سورة المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 216

ثمّ أنه يظهر من المختلف في مسألة ان المسابقة لازمة أو جائزة، ان الأصل عدم اللزوم، (1) و لم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2)

و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الاصل، نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه، مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا «تسليما (3)» ليكون الاصل بقاء ذلك الاثر و عدم زواله بدون رضا الطرفين، ثمّ ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم انما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم، و يجري ايضا فيما إذا شك في عقد خارجي انه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز، بناء علي

ان المرجع في الفرد المردد بين عنواني العام، و المخصص الي العموم. و أما بناء علي خلاف ذلك، فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم الي الاصل، بمعني استصحاب الأثر و عدم زواله بمجرد فسخ احد المتعاقدين، الا ان يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز

______________________________

(1) و قد افاد العلامة في مسألة المسابقة عند الشك في انها جائزة أو لازمة انها غير لازمة لأصالة عدم اللزوم،

(2) و رده من تأخر عنه بعموم آية الوفاء بالعقد «1» و المصنف رحمه الله استحسن الاصل المزبور في بعض الابواب قال.

(3) نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا و اورد عليه المحقق الايرواني، مضافا الي ان غاية ما ذكره بطلان استصحاب بقاء الاثر بعد الفسخ الذي هو معني اصالة اللزوم لا صحة اصالة الجواز.

بانه بناء علي جريان الاستصحاب التعليقي يجري الاستصحاب في المقام: فانه يجري استصحاب بقاء استحقاق العوض لو سبق الثابت قبل الفسخ و يحكم بانه يستحق العوض لو سبق بعد الفسخ ثمّ ناقش قده فيه: بان المختار عدم جريان الاستصحاب التعليقي.

و فيه: ان هذا الاستصحاب يجري و ان بنينا علي عدم جريان الاستصحاب التعليقي من جهة ان الاستصحاب التعليقي المصطلح انما هو فيما لو تحقق احد جزئي موضوع الحكم كالعصير العنبي ثمّ حين ما تحقق الجزء الآخر شك في الحكم من جهة الشك في بقاء الجزء الاول لاحتمال التبدل، و في المقام ليس كذلك، بل المتيقن هو انشاء تمليك علي تقدير السبق

______________________________

(1) سورة المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 217

كما إذا شك في ان الواقع هبة أو صدقة. فإن الأصل عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة الجائزة، (1) لكن الاستصحاب المذكور

انما ينفع في اثبات صفة اللزوم.

و أما تعيين العقد اللازم حتي يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا اريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا، بل يرجع في اثر كل عقد الي ما يقتضيه الاصل بالنسبة إليه، فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض، حكم بالبراءة (2) التي هي

من آثار الهبة

______________________________

و المشكوك فيه بقاء هذا الاثر و ارتفاعه عن موضوعه، فيجري الاصل فيه، و نظير المقام ما لو شك في وجوب الحج علي المستطيع.

و بالجملة: ما نحن فيه من قبيل الشك في بقاء التكليف المنشأ علي الموضوع المقدر وجوده فيجري الاصل، و هذا غير الاستصحاب التعليقي المصطلح الذي ليس الشك فيه في بقاء الجعل.

و لا يخفي ان ما ذكرناه من دلالة العمومات علي اصالة اللزوم انما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم.

و أما إذا كان الشك في عقد خارجي انه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز فلا مورد للتمسك بالعمومات فيتعين حينئذ الرجوع الي الاستصحاب، الا ان يكون هناك اصل حاكم ففي المتن.

(1) كما إذا شك في ان الواقع هبة أو صدقة فان الاصل حينئذ عدم قصد القربة فيحكم بالهبة الجائزة.

و لكن يتم ذلك بناء علي كون الهبة و الصدقة حقيقة واحدة و الفرق بينهما انما هو من قبيل الفرق بين الماهية بشرط لا و الماهية بشرط شي ء، فالتمليك المجاني المجرد عن قصد القربة هبة، و التمليك المجاني الذي قصد به القربة صدقة، إذ عليه تكون اصالة عدم قصد القربة نافية للزوم المترتب علي الصدقة.

و أما بناء علي ما مال إليه في الجواهر من كونهما حقيقتين متباينتين فلا اصل لهذا الاصل و تمام الكلام في محله.

(2) قوله فإذا شك في اشتغال

الذمة بالعوض حكم بالبراءة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 218

و إذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان، لعموم علي اليد ان كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة، (1) و ان كان المستند دخوله في ضمان العين (2) أو قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها كان الاصل البراءة أيضا.

القول في اقسام الخيار

اشارة

و هي كثيرة الا ان اكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة، (3) و قد انهاها بعضهم الي ازيد من ذلك، حتي ان المذكور في اللمعة مجتمعا اربعة عشر، مع عدم ذكره لبعضها، و نحن نقتفي أثر المقتصر علي السبعة كالمحقق و العلامة قدس سره، لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا، إذ ليس له احكام مغاير لسائر انواع الخيار، فنقول و بالله التوفيق

______________________________

الا ان يحصل العلم الاجمالي بالمخالفة القطعية من جريان اصالة اللزوم و اصالة البراءة معا كما لو شك في ان الواقع هبة أو بيع فان مقتضي اصالة اللزوم عدم رجوع العين الي مالكها الاول بعد الفسخ و مقتضي اصالة البراءة عدم استحقاقه العوض مع انه يعلم اجمالا اما باستحقاقه العوض أو رجوع ماله إليه بالفسخ فلا يجري شي ء من الاصلين.

(1) قوله لعموم علي اليد «1» ان كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة التمسك به في المقام مبني علي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لانه قد خرج عنه ما إذا كانت اليد بعنوان تسليط المالك مجانا- و حيث ان المختار عدم جوازه فلا يجوز التمسك به في المقام اللهم الا ان يقال ان الخارج عن العموم ليس هو التسليط المجاني بهذا العنوان بل بعنوان اسقاط المالك احترام ماله- و

عليه- فاحترام المال معلوم و سقوطه مشكوك فيه و الاصل عدمه.

(2) قوله و ان كان المستند دخوله في ضمان العين و قد تقدم في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ان الاقدام علي الضمان ليس دليلا مستقلا للضمان.

(3) قوله و هي كثيرة الا ان اكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة و الحق في بيان الجامع لها ان الخيار تارة يكون بجعل الشارع ابتداء و مطلقا

______________________________

(1) المستدرك- باب 1- من كتاب الوديعة، كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 219

الاول في خيار المجلس:
اشارة

فالمراد بالمجلس، مطلق مكان المتبايعين حين البيع، (1) و إنما عبر بفرده الغالب و إضافة الخيار إليه لاختصاصه به و ارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق،

______________________________

كخيار المجلس و الحيوان، و اخري: يكون بجعل من المتعاملين مثل شرط الخيار،

و ثالثة: يكون وسطا بينهما بان يلتزم المتبايعان في ضمن العقد وجود شرط أو وصف،

أو عدمه، أو عمل خارجي و تبين خلافه، فانه يثبت لمن له الالتزام الخيار حينئذ، و الكلام يقع اولا فيما يكون بجعل شرعي ابتداء.

خيار المجلس

(1) قال المصنف رحمه الله فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين.

و لكن: ليس في ادلة هذا الخيار لفظ المجلس و لامكان المتبايعين،

بل في النصوص جعل هذا الخيار مغيا بالافتراق، و يستظهر من ذلك اعتبار الاجتماع العرفي في جانب المغيا،

فلو لم يكن بينهما اجتماع حال البيع لم يكن هناك خيار،

كما لو أوقعا العقد بواسطة التلفون مع كون كل منهما في بلد غير بلد الآخر.

نعم حيث يكون المراد الاجتماع بالابدان فيكون المراد الاجتماع من حيث المكان،

و حيث ان الغالب من مكان الاجتماع كونه محلا للجلوس فلذا عبر بخيار المجلس،

و علي هذا فكما لا يعتبر المجلس لا يعتبر مكان البيع، بل لو

افترقا عن مكان البيع مع بقاء اجتماع المتبايعين و عدم تفرق احدهما عن صاحبه كان الخيار باقيا،

فهذا الخيار خيار الاجتماع في المجلس و اضافته الي الاجتماع اضافة المسبب الي سببه،

و يعبر عن سببه بمحل سببه من باب تنزيل المحل منزلة المحال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 220

و لا خلاف بين الامامية في ثبوت هذا الخيار، (1) و النصوص به مستفيضة،

و الموثق الحاكي لقول علي عليه السلام إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب مطروح أو مؤول و لا فرق بين اقسام البيع و انواع المبيع، نعم سيجي ء استثناء بعض اشخاص المبيع كالمنعتق علي المشتري، و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل.

______________________________

(1) و في الجواهر: اجماعا منا بقسميه، و النصوص المستفيضة شاهدة به، لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: البيعان بالخيار حتي يفترقا: الحديث «1» و نحوه صحيح زرارة عنه عليه السلام «2».

و صحيح الفضيل عنه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟

قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «3». و نحوها غيرها.

و أما موثق غياث عن جعفر عن ابيه عن الامام علي عليهم السلام: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا «4» فربما يحمل علي التقية.

و اورد عليه: بان الخبر علوي، و موجب التقية حدث في عصر الامامين الصادقين عليهما السلام و دفع بان الحاكي لهذه الرواية حيث انه الامام الصادق عليه السلام فيمكن التقية في مقام الحكاية و الرواية عن الامير عليه السلام.

و فيه: ان التقية في مقام الحكاية بمعني نقل جملة عن شخص مع

عدم صدورها منه و كونه كذبا غير معهود،

و لعل احسن الوجوه ما افاده بعضهم من ان المراد من الصفق علي المبيع هو الصفق بعنوان الالتزام بالمبيع لا الصفق المحقق للبيع، كيف و موضوعه المبيع، فيكون البيع محققا قبله.

انتهي

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 2.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

(4) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 221

[مسائل في خيار المجلس]
مسألة: لا اشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا اصيلين،
اشارة

و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة. (1) و هل يثبت لهما مطلقا خلاف، قال في التذكرة: لو اشتري الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين مع حضورهما في المجلس، و الا فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه، لأن ملكه اقوي من ملك الوارث. و للشافعية قولان:

احدهما: انه يتعلق بالموكل، و الآخر انه يتعلق بالوكيل، انتهي.

اقول: و الاولي ان يقال ان الوكيل ان كان وكيلا في مجرد اجراء العقد، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما وفاقا لجماعة، منهم المحقق و الشهيد الثانيان، لأن المتبادر من النص غيرهما و ان عممناه لبعض افراد الوكيل، و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه

______________________________

و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل.

ثبوت الخيار للوكيل

(1) الاولي: لا خلاف و لا إشكال في ثبوت هذا الخيار للمتبايعين إذا كانا اصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة، الا ما عن المحقق الثاني في جامع المقاصد من انكار ثبوته للوكيل بقول مطلق.

و كيف كان: فيقع الكلام في مقامين:

الاول: في ثبوت الخيار للوكيل.

الثاني: في ثبوته للموكل.

اما المقام الاول فتوضيحه: ان الوكيل قد يكون وكيلا في اجراء الصيغة خاصة، و قد يكون وكيلا مستقلا في ايجاد المعاملة فقط، و قد يكون وكيلا مستقلا في امر المعاملة ايجادا و فسخا- علي كلام في معقوليته سيجي ء- و قد يكون وكيلا مفوضا إليه امر المعاملة وجودا و عدما ان شاء باع و ان شاء لم يبع.

اما القسم الاول: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار له في قبال ما قيل من صدق البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 222

بحكم الغلبة الي خصوص العاقد المالك، مضافا الي ان مفاد ادلة

الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه،

علي ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج، (1)

أ لا تري انه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو اعتاقه لنذر، فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه، لأدلة الخيار بزعم اثباتها للخيار المستلزم لجواز رده علي البائع و عدم وجوب عتقه

______________________________

عليه فتشمله ادلة الخيار بوجوه.

(1) احدها: ما افاده المصنف رحمه الله و تفرد به و هو: ان مفاد ادلة الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج.

و فيه: ان الخيار اما ان يكون سلطنة علي حل العقد، أو علي تراد العوضين، و علي التقديرين ليس هو سلطنة علي خصوص الاسترداد بعد ثبوت السلطنة علي الرد.

اما علي الاول: فواضح،

و أما علي الثاني: فلأنه لا موجب للالتزام بكونه سلطنة علي الاسترداد خاصة سوي ان المالك و الوكيل المفوض، لهما السلطنة علي الرد بالاقالة و نحوها، فلا معني لجعل الخيار لهما الا السلطنة علي الاسترداد.

و حيث انه لا يعقل السلطنة علي الاسترداد دون الرد فلا محالة يكون الخيار مجعولا لمن له سلطنة علي الرد،

و هو توهم فاسد:

لان الرد بما انه له مصاديق و ما يكون ثابتا للمالك بعضها، فجعل الخيار بمعني السلطنة علي الرد و الاسترداد بلا اعتبار رضا الآخر لا يلزم منه اللغوية، و عليه فالخيار هو السلطنة علي تراد العينين لا علي جلب ما ذهب خاصة.

ثمّ ان المحقق النائيني رحمه

الله وجه كلام المصنف رحمه الله بما سنذكره في الوجه السابع. فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 223

هذا مضافا الي ملاحظة بعض اخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان (1) الذي لا يرضي الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة، فان المقام و ان لم يكن من تعارض المطلق و المقيد الا ان سياق الجميع يشهد باتحاد المراد من لفظ المتبايعين مع ان ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور (2) مضافا الي ادلة سائر الخيارات. (3) فان القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.

و الظاهر عدم دخوله في اطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة، فان الظاهر من قوله: اشتري الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد ايقاع الصيغة.

و من جميع

______________________________

(1) ثانيها: ما افاده المصنف رحمه الله تبعا لغيره، و هو: ان بعض «1» اخبار هذا الخيار قد قرن فيه بينه و بين خيار الحيوان الذي لا يلتزم الفقيه بثبوته للوكيل في اجراء الصيغة،

و ظاهر ذلك من جهة وحدة السياق كون موضوع الخيارين واحدا.

و فيه: ان الموجب لاختصاص خيار الحيوان بغير الوكيل ما في بعض «2» رواياته من جعل الخيار لخصوص صاحب الحيوان لا اختصاص الموضوع به.

(2) ثالثها: ما في المكاسب ايضا، و هو: ان ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور.

و فيه: ان الحكمة غير معلومة، مع ان الحكم لا يدور مدارها.

(3) رابعها: ما في المتن ايضا، قال: مضافا الي ادلة سائر الخيارات، فان القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.

و فيه: ان بعض تلك الخيارات مختص بالمالك لاختصاص دليله به كخيار الغبن لو قلنا ان مدركه حديث لا ضرر، و بعضها تابع لجعل المتبايعين و لو كان

هو الاجنبي كشرط الخيار، و بعضها كخيار العيب يجري فيه ما هو الجاري في المقام.

خامسها: ما في المكاسب في اواخر المبحث، و هو: ان ثبوت الخيار للوكيل يضاد مع سلطنة الموكل علي ماله، لان بالفسخ يخرج المال عن ملكه قهرا عليه، فادلة الخيار علي فرض شمولها له تعارض دليل سلطنة المالك، و يقدم دليل السلطنة، و ان كانت النسبة

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 224

______________________________

عموما من وجه لحكم العقل و بناء العقلاء، و لا أقل من التساقط فيرجع الي استصحاب بقاء الملك بعد فسخه.

و فيه: ان النسبة بين دليل الخيار و دليل السلطنة عموم مطلق، لان خيار كل من المتعاملين ينافي سلطنة الآخر علي ما انتقل إليه.

سادسها: ما افاده بعض المحققين رحمه الله، و هو: ان بعض، «1» نصوص الباب تضمن ثبوت هذا الخيار للتاجر، و عدم شموله لمجري الصيغة واضح،

و به يقيد اطلاق سائر النصوص.

و فيه: انه بما انهما مثبتان لا وجه للحمل.

سابعها: ان دليل الخيار مخصص لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «2» فكل من يجب عليه الوفاء بالعقد مختار في الفسخ بدليل الخيار، و الذي من شانه الوفاء هو المتصرف في المال.

و الوكيل في اجراء الصيغة، حيث انه لا يملك التصرف في المال المنتقل إليه لا وفاء له، فلا يكون ذلك واجبا عليه، و لا معني لاستثنائه عن هذا الحكم في موارد خاصة. و بهذا وجه المحقق النائيني رحمه الله كلام المصنف رحمه الله الذي هو الوجه الاول الذي ذكرناه.

و فيه: ان الوفاء بمعني التمام، فالمأمور به في الآية الشريفة- كما تقدم في اول هذا الجزء و في مبحث المعاطاة- هو الاتمام و الانهاء،

و انهاء العقد و اتمامه انما هو بعدم نقضه و حله،

و ليس المأمور به ترتيب الآثار عملا كي يقال انها لا تشمل الوكيل المذكور، و عليه فهي شاملة له ايضا، و بدليل الخيار يخصص بالنسبة إليه.

فالحق في وجه عدم ثبوت الخيار له ان يقال: ان دليل الخيار منصرف عنه.

توضيحه: ان البائع- و كذا البيع- له اطلاقان: احدهما: هو المنشي و الموجد للبيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 6.

(2) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 225

و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق، و اضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ (1) بزعم ان الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد اجرائه للعقد، فلا يبطل بمنع الموكل، و علي المختار فهل يثبت للموكلين، فيه اشكال من ان الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان، فلا يعم الموكلين (2) و ذكروا انه لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله، و من ان الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين، و نسبة الفعل اليهما شائعة. و لذا لا يتبادر من قوله: باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة و عدم الحنث بمجرد التوكيل في

اجراء الصيغة

______________________________

الثاني: من كان حصول البيع باختياره و استقلاله و سلطانه، و لو كان غير مباشر له،

فيقال: فلان باع داره و عقاره، و ان كان البيع صادرا عن وكيله و المنصرف إليه، لفظ البائع عند الاطلاق هو الثاني، و عليه فهو لا يشمل الوكيل الموقع للصيغة.

و يؤيد ذلك، بل يدل عليه ما في بعض نصوص الباب من تعليل اللزوم بالافتراق بكون ذلك رضا منه، «1» فانه يستكشف من ذلك ان الخيار انما يكون ثابتا لمن يكون

رضاه معتبرا في المعاملة، و الوكيل المجري للصيغة لا يكون رضاه معتبرا فيها و لا ربط له بالمعاملة كي يكون تصرفه دالا علي رضاه، و لعله الي هذا نظر المصنف رحمه الله في ما ذكره من الوجه الذي ذكرناه اولا. فراجع و تدبر.

(1) قوله و اضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ.

لم يظهر لي و لا لغيري وجه الاضعفية إذ علي فرض القول بشمول دليل الخيار للوكيل، لا فرق فيه بين منع الموكل و عدمه.

ثبوت الخيار للموكل

و أما المقام الثاني: و هو ثبوت الخيار للموكل، فالكلام فيه يقع في موردين:

الاول: في اصل ثبوت الخيار للموكل.

الثاني: في الامور المتفرعة علي ثبوته له.

اما الاول: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار له بوجوه:

(2) منها: ان الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان، فلا يعم الموكلين، و ذكروا انه

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 226

______________________________

لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله.

و فيه: ما تقدم من ان البيع بالاطلاق الثاني من الاطلاقين المتقدمين الذي هو المنصرف إليه عند اطلاقه- و هو من كان حصول البيع باختياره و استقلاله- يشمل الموكل دون الوكيل الا في مورد واحد.

مع انه لو سلم ان المراد به العاقد بما ان العقد كما ينسب الي الوكيل بالمباشرة ينسب الي الموكل بالتسبيب، لا سيما إذا كان الوكيل وكيلا في اجراء الصيغة خاصة، يعم بيع الموكل ايضا.

و أما مسالة النذر فان نذران لا يباشر البيع لم يحنث يبيع وكيله و ان نذر ان لا ينقل ماله حنث.

و ان نذر ان لا يبيع بما له من المفهوم، فان باع وكيله المفوض الذي تكون وكالته قبل النذر لم يحنث من جهة انه

لم يصدر البيع عن اختياره و لم ينذر ان يعزل وكيله، و ان وكل غيره بعد النذر حنث سيما إذا كان ملتفتا إليه حين البيع. و تمام الكلام في محله.

و منها: انه لو سلم صحة انتساب البيع الي المباشر و السبب الا انه في الاستعمال الواحد لا بد ان يراد احدهما، فقوله عليه السلام البيعان لا بد ان يراد به الوكيلان أو الموكلان،

و حيث إن المفروض ثبوته للوكيل المفوض فلا يشمل الموكل.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم شموله للوكيل الا إذا كان وكيلا في البيع و عدمه.

و ثانيا: ان المستعمل فيه علي فرض الشمول لهما ليس هما معا بما هما معنيان، بل المستعمل فيه هو الجامع بينهما، و عليه فلا محذور من ارادتهما معا منه.

و منها: انه مع فرض تأثير فسخ الوكيل كيف يمكن الالتزام بتأثير فسخ الموكل، مع ان الحق الواحد لا يعقل قيامه باكثر من واحد.

و فيه: انه علي فرض شمول النص لهما لا يكون الثابت لهما خيارا واحدا بل خيارين،

فانه كسائر القضايا الحقيقية ينحل الي احكام عديدة بحسب ما لموضوعه من الافراد،

فالاظهر ثبوت الخيار للموكل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 227

ممنوع، فالاقوي ثبوته لهما و لكن مع حضورهما في مجلس العقد (1) و المراد به مجلسهما المضاف عرفا الي العقد، فلو جلس هذا في مكان و ذاك في مكان آخر فاطلعا علي عقد الوكيلين، فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما، الا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد، بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين.

______________________________

توقف خيار الموكل علي حضوره مجلس العقد

(1) ثمّ ان ثبوت الخيار للموكل هل يتوقف علي حضوره مجلس العقد كما بني عليه المصنف رحمه الله،

أو لا يتوقف

عليه،

ام يفصل بين الوكيل في اجراء الصيغة فقط أو في خصوص معاملة خاصة بحيث تنتهي وكالته بالعقد فلا يكفي اجتماع الوكيلين بل يعتبر حضور الموكلين مجلس العقد و الا فلا خيار لهما، و بين الوكيل المفوض المستقل فيكفي اجتماع الوكيلين و لا يعتبر حضور الموكلين كما ذهب إليه المحقق النائيني رحمه الله وجوه:

و الحق في المقام ان يقال: ان موضوع هذا الخيار قوامه بامرين:

احدهما: صدق البيع ثانيهما: كون البائع و المشتري مجتمعين لما عرفت من ان هذا الخيار حيث يكون مغيا بالافتراق فيعلم انه خيار الاجتماع، و حيث ان الافتراق المجعول غاية يراد به الافتراق بدنا،

يكون المراد به الاجتماع بدنا و في المكان، و يعتبر فيه كون الاجتماع للبيع، فلو اجتمعا في مكان لا للبيع بل لغرض آخر و كانا غافلين عنه غير ملتفتين إليه لا يثبت لهما الخيار.

و عليه فإذا حضر الموكلان مجلس العقد متوجهين إليه أو اجتمعا في مجلس للبيع و وكلا شخصين آخرين اجتمعا في محل آخر للبيع أو لم يجتمعا و اوقعا العقد غير مجتمعين كما إذا كانا في محلين متباعدين و اوقعا العقد بواسطة التلفون- ثبت لهما الخيار.

و استدل للثاني بوجهين:

الاول: ما في محكي الجواهر احتماله، و هو: ان نصوص الباب مختصة بالوكيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 228

______________________________

و لا تشمل الموكل لتبادر العاقد من البيع، و انما نلتزم بثبوته للموكل من جهة ان هذا الحق الثابت متعلق بالمال فيتبعه في النقل و الانتقال، و ما تضمنه النصوص يكون مغيا بالافتراق، و أما ما ثبت من الخارج فلا وجه لتقييده به، بل حيث ان الحق الثابت بعقد الوكيل يكون مغيا به فيدور بقاء حق الوكيلين و ثبوت حق الموكل و بقائه

مدار عدم تفرق الوكيلين فقط.

و فيه: ما تقدم من ان ثبوت الحق للموكل ليس الا من جهة صدق البيع عليه، و عليه فيعتبر فيه ايضا الاجتماع، و الا فلا وجه لثبوته له لان الخيار متعلق بالعقد لا بالمال، مع انه لو كان متعلقا به لما كان وجه لثبوته للوكيل بعد فرض كون ثبوته له من جهة صدق البيع عليه.

و دعوي ان الموكل كما انه بعقده يستفيد بازاء ماله ملكا و حقا فكذا بتوكيله يستفيد ما كان له مباشرة،

مندفعة بان الموكل انما يستفيد بازاء ماله ملكا من جهة كون المال له و البيع له، و هذا موجود في بيع وكيله، و أما استفادته الحق فانما تكون لاجل بائعيته و عاقديته، و هذا العنوان مفقود في فرض التوكيل علي الفرض، فلا وجه لثبوته له.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان المجلس لا عنوان له في الخيار، و لا أنيط به الخيار، و انما العبرة و مدار الخيار علي هيئة المتبايعين من النسبة و البعد حينما صارا متبايعين، فيحدث الخيار قائما بهذه الهيئة و يستمر ما استمرت الهيئة و يزول بزوال الهيئة بالافتراق، فإذا تعاقد الوكيلان و كان الموكلان حينئذ علي نسبة خاصة من البعد يثبت لهما الخيار متقوما بهذه الهيئة، دائما بدوامها و منقطعا بانقطاعها.

و فيه: ما تقدم من انه من جعل هذا الخيار مغيا بالافتراق يعلم اعتبار الاجتماع في ثبوته و انه لا خيار مع عدم الاجتماع، إذ لا تفرق الا بعد الاجتماع. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 229

هذا كله ان كان وكيلا في مجرد ايقاع العقد. و ان كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال

الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض و اولياء القاصرين. (1)

فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص، (2) و دعوي تبادر المالكين ممنوعة خصوصا إذا استندت الي الغلبة، فإن معاملة الوكلاء و الاولياء لا تحصي،

______________________________

ثبوت الخيار للوكيل المستقل

و أما القسم الثاني: و هو الوكيل في ايجاد المعاملة مستقلا فقط، فعمدة الوجوه التي ذكرناها لعدم ثبوت الخيار للوكيل في القسم الاول جارية في هذا القسم كما هو واضح،

فالاظهر عدم ثبوت الخيار له.

(1) و أما القسم الثالث: فقد اختار المصنف رحمه الله ثبوته له.

و الكلام فيه في مواضع:

الاول: في ان عموم الوكالة لما يشمل فسخ المعاوضة صحيح ام لا؟

و الحق عدم صحته، فانه ان اريد به الفسخ من قبل الموكل اعمالا لحقه، فهذا لا ربط له بثبوت الخيار للوكيل، و ان اريد به الفسخ بخيار نفسه فهو باطل، إذ لا معني للوكالة فيما هو وظيفته و مستقل فيه، مع ان ثبوت الخيار متوقف علي الوكالة فيه المتوقفة علي ثبوت الخيار،

و هذا دور واضح، و علي هذا فلا فرق بين هذا القسم و سابقه.

الثاني: انه علي فرض صحة ذلك، و الفرق بينه و بين سابقه ما ذكره رحمه الله في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل من منافاته لدليل (الناس مسلطون علي اموالهم) يجري في هذا القسم،

و عليه فقوله:

(2) فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص، لا وجه له.

الثالث: ان ما اخترناه في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل في القسمين الاولين يجري في هذا القسم، فان البائع بالاطلاق الثاني الذي هو المنصرف إليه من لفظه عند الاطلاق،

و هو من كان حصول البيع باختياره و سلطانه و استقلاله لا يشمل هذا الوكيل ايضا.

و أما القسم الرابع: و هو الوكيل المفوض

إليه امر المعاملة ان شاء اوجدها و ان شاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 230

و هل يثبت للموكلين ايضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال، (1)

من تبادر المتعاقدين من النص. و قد تقدم عدم حنث الحالف علي ترك البيع ببيع وكيله و من ان المستفاد من ادلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا ارفاقا له (2) و ان ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه (3) الا ان يدعي مدخلية المباشرة للعقد، فلا يثبت لغير المباشر.

و لكن الوجه الاخير لا يخلو عن قوة

______________________________

لم يوجدها، فالظاهر ثبوت الخيار له لصدق البائع و لو بالاطلاق الثاني عليه كما هو واضح.

(1) قوله و هل يثبت للموكلين ايضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال و المصنف رحمه الله استدل لثبوت الخيار للموكل فيما إذا صدر البيع من الوكيل المطلق في قبال دعوي عدم شمول البيع للموكل بوجهين آخرين:

(2) احدهما: ان المستفاد من الادلة كون الخيار حقا لصاحب المال ارفاقا.

(3) ثانيهما: ان ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه.

و فيهما نظر:

اما الاول: فلأنه لو سلم كون حكمة جعل الخيار الارفاق بالمالك، ان مفاد الادلة حينئذ ان الخيار مهما ثبت يكون للارفاق لا ان كل من يناسبه الارفاق يكون الخيار ثابتا له.

و أما الثاني: فلأن ثبوت الخيار للوكيل ليس بعنوان كونه وكيلا و نائبا كي يقال انه يستلزم ثبوته للمنوب عنه، بل بعنوان كونه بيعا غير الصادق هذا العنوان علي الفرض علي الموكل، فالصحيح في وجه ثبوت الخيار للموكل صدق عنوان البيع عليه و هل يعتبر حضور الموكل مجلس العقد في ثبوت الخيار لو كان

الوكيل وكيلا مفوضا كما هو صريح المتن ام لا يعتبر ذلك كما افاده المحقق النائيني وجهان،

قد استدل المحقق النائيني لما اختاره بانه إذا كانت الوكالة منتهية ببيع الوكيل كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 231

و حينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لاشخاص كثيرة من طرف واحد أو من الطرفين فكل من سبق من اهل الطرف الواحد الي اعماله نفذ و سقط خيار الباقين (1) بلزوم العقد أو بانفساخه، و ليس المقام من تقديم الفاسخ علي المجيز، فان تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين و هذا فرض من جانب واحد،

______________________________

اجتماع الوكيلين كاجتماع الاجنبيين، و المفروض عدم اجتماع الموكلين، و حيث انه يعتبر في ثبوت هذا الخيار الاجتماع فلا يكون ثابتا لهما.

و أما إذا كانت الوكالة باقية بعد البيع و كان الوكيل وكيلا مفوضا مستقلا، كان اجتماع الوكيلين اجتماعا للموكلين، لانهما بدنان تنزيليان للموكلين فيثبت لهما الخيار و ان لم يكونا ببدنهما الحقيقيين مجتمعين.

و فيه: ان الاجتماع كسائر الافعال التي يكون قيامها بفاعلها علي نحو الحلول كالفرح و السواد و نحوهما لا يستند الي شخصين طولا، احدهما: المباشر، و الآخر السبب، فكما لا يقال لسبب وجود الفرح في زيد انه فرح، و لا لسبب وجود السواد في جسم انه اسود،

بخلاف الافعال التي يكون قيامها بفاعله علي نحو الايجاد و الاصدار كالتكلم و التوفي و البيع و نحوها، فانها تستند الي المباشر و السبب، و لذا ورد تارة (الله يتوفي الانفس حين موتها) «1» و اخري (قل يتوفاكم ملك الموت) «2»

فكذلك لا يقال للموكل السبب لاجتماع الوكيلين انه مجتمع مع غيره، بل هو مجمع لاحدهما مع الآخر.

و بالجملة: الاجتماع من الافعال التي لا تنسب الي غير المباشر، فالصحيح

ما ذكرناه.

و أما المورد الثاني فالكلام فيه في فروع

تقدم الفسخ علي الاجازة

(1) الاول انه لو ثبت الخيار للموكل و الوكيل ففسخ احدهما و اجاز الآخر هل

______________________________

(1) سورة الزمر: 42.

(2) سورة السجدة: 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 232

______________________________

يقدم الفاسخ علي المجيز- كما في مورد ثبوت الخيار للبائع و المشتري- ام يكون اعمال السابق خياره نافذا و يسقط الخيار عن الباقي كما اختاره المصنف رحمه الله؟ وجهان.

و غاية ما يمكن ان يقال في وجه ما ذهب إليه المصنف رحمه الله امران.

احدهما: ان تقدم الفاسخ علي المجيز انما هو في فرض ثبوت الخيار لكل من الشخصين اللذين لهما الخيار كما في مورد الخيار من الجانبين.

و فيما نحن فيه يكون الثابت خيارا واحدا قائما بطبيعة البائع و طبيعة المشتري المنطبقة في كل جانب علي المتعدد، فإذا سبق واحد من افراد الطبيعة الي الاعمال فسخا أو امضاء سقط خيار البقية لانه يصدق ان الطبيعة فسخت أو ابرمت لفسخ واحد منهما أو اجازته.

ثانيهما: انه و ان كان الثابت للموكل و الوكيل خيارين الا ان الموكل إذا اعمل خياره باجازة أو فسخ يكون ذلك فسخا عمليا للوكالة.

و معه لا مورد لاعمال الوكيل خياره لانه سقط بالعزل، و إذا اعمل الوكيل خياره كان ذلك اعمالا للموكل خياره، لان فعل الوكيل فعل للموكل و ان لم يقصد الوكالة و النيابة بل و ان قصد عدمها، كما لو باع الوكيل دار موكله بعنوان الفضولية، و عليه فلا يبقي مورد لاعمال الموكل خياره.

و في كلا الوجهين نظر:

اما الاول: فلأن قوله عليه السلام «1» البيعان بالخيار كسائر القضايا الشرعية يكون من قبيل القضية الحقيقية المنحلة الي قضايا عديدة حسب ما للموضوع من الافراد الخارجية،

يثبت به لكل فرد من افراد

الموضوع حكم واحد غير ما هو الثابت لغيره من الافراد،

و عليه فكل من الموكل و الوكيل له خيار غير ما يكون للآخر.

و أما الثاني: فلأن الخيار الثابت للوكيل ليس ثابتا له بعنوان الوكالة بل بعنوان انه بائع، فاعماله خياره ليس اعمالا للموكل، مع ان فعل الموكل يكون عزلا للوكيل إذا كان

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 233

ثمّ علي المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل، فيكفي بقاء اصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الاخير، (1)

و ان لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد و بعده، بل كان وكيلا في التصرف علي وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا.

و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الاطلاق الي غير ذلك، بل لما ذكرنا في القسم الاول من ان اطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين علي ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض لاثبات هذا التمكن عند الشك فيه، و لا لتخصيص ما دل علي سلطنة الموكل علي ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده الي مالكه الاصلي. و في ثبوته للموكلين ما تقدم

______________________________

منافيا مع بقاء الوكالة، و أما في مثل المقام فلا.

فالاظهر ان المقام من موارد تقديم الفاسخ علي المجيز.

بيان حقيقة تفرق الموكلين

(1) الثاني: هل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد، أو عن مجلس العقد، أو بتفرق المتعاقدين، أو بتفرق الجميع وجوه، قوي المصنف رحمه الله الاخير.

و اورد عليه السيد في الحاشية: بان الظاهر ان الحكم

معلق علي صدق التفرق لا علي صدق عدم التفرق، و المفروض صدقه، و ان كان يصدق عدم التفرق ايضا مع بقاء اصيل أو وكيل، فيكفي في سقوط الخيار تفرق احد الشخصين الوكيل أو الموكل.

تحقيق القول في المقام: ان المستفاد من النصوص «1» كون شرط الخيار عدم التفرق،

و غاية ثبوته التفرق- و هما نقيضان لا يرتفعان و لا يجتمعان- و عليه فان كان الخيار ثابتا لجنس البائع و المشتري بلا نظر الي الافراد كان الخيار ثابتا ما لم يفترق الجميع عن الجميع و ان تفرق البعض عن البعض، لانه لا يصدق افتراق الجنس و ان صدق افتراق

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 234

و الاقوي اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه، ثمّ هل للموكل بناء علي ثبوت الخيار له تفويض الأمر الي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري الاقوي العدم، (1) لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده، نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو التزاما،

______________________________

بعض المصاديق فما افاده المصنف رحمه الله متين.

الا انه يرد عليه- مضافا الي ما تقدم من منافاة المبني لظاهر القضية-: ان لازم ذلك الالتزام بثبوت الخيار للموكلين و ان لم يجتمعا لصدق اجتماع الجنسين مع اجتماع الوكيلين.

و ان قلنا بان الخيار ثابت للافراد لا للجنس كما هو الحق، فاما ان يكون مجلس الموكلين غير مجلس الوكيلين، أو يكون مجلس الجميع واحدا.

فان كان المجلس متعددا يكون سقوط خيار كل من الصنفين تابعا لتفرقه، فلو تفرق الوكيلان سقط خيارهما دون خيار الموكلين، و لو انعكس الامر انعكس.

و ان كان مجلس الجميع واحدا،

و كان اجتماعهم للمعاملة اجتماعا واحدا، لا محالة يكون لكل بائع مشتريان، و لكل مشتر بائعان، إذ مجموع الموكل و الوكيل بائع، كما ان مجموع الوكيل و الموكل مشتر، و حينئذ لو تفرق الموكل و الوكيل سقط الخيار، و ان تفرق الموكل من طرف أو هو مع الوكيل من الطرف الآخر سقط خيار المتفرق و بقي خيار من لم يتفرق، لانه يصدق عدم تفرق البائع عن المشتري، و بهذا يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

و ان هذا وجه رابع لم يذكره المصنف رحمه الله.

تفويض الامر الي الوكيل

(1) الثالث: بناء علي ثبوت الخيار للموكل هل له تفويض الامر الي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري؟

قوي المصنف رحمه الله العدم، لان المتيقن من الدليل ثبوته للعاقد عند العقد لا لحوقه له بعده.

و قد اورد عليه جل المحشين: بان ما ذكره المصنف رحمه الله علة للعدم غير مرتبط بدعواه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 235

______________________________

إذ لا يراد اثبات الخيار للوكيل بادلته كي يقال ان متيقن الادلة ثبوت الخيار فيما ثبت من حال العقد، و انما يراد اثبات الخيار له بنقل من الموكل، و خيار الموكل، ثابت من حين العقد.

و تحقيق الكلام يستدعي البحث في مقامين.

الاول: في صحة نقل الخيار الي الوكيل و عدمها.

الثاني: في بيان مراد المصنف رحمه الله.

اما المقام الاول: فالاظهر صحة النقل، لا بمعني التوكيل في الفسخ و الامضاء، فان ذلك مما لا كلام في صحته، و لا بمعني جعل حقه الثابت له شرعا لغيره ابتداء، إذ هذا مما لا كلام في عدم صحته، إذ ليس امر الجعل بيده.

بل بمعني نقل حقه إليه بناقل، لانه بعد القطع بانه قابل للاسقاط كما يأتي تفصيله.

مقتضي عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» جواز

نقله و نفوذ العقد الواقع عليه.

و قد استدل المحقق الاصفهاني رحمه الله لعدم جواز نقله: بان حق خيار المجلس حيث انه مغيا بالافتراق فثبوته مع عدم لحاظ الغاية مناف لفرض كونه مغيا، و ثبوته الي افتراق المنقول إليه عن طرفه بلا وجه، لان افتراق المنقول إليه ليس مقابلا للاجتماع علي المعاملة المستفاد من الغاية، و ثبوته للمنقول إليه الي حصول الافتراق من الناقل خلاف ظاهر النص، لان ظاهره استمرار الخيار الي افتراق ذي الحق عن طرفه، و الناقل ليس له حق حتي يمتد الخيار الي زمان افتراقه.

و فيه: انا نختار الشق الاخير، و ما ذكره يرده: ان الافتراق قيد للموضوع، و هو مركب من امرين: كونه بيعا، و مجتمعا مع طرفه، و المنقول انما هو الحكم الثابت لهذا الموضوع بلا تصرف فيه، فما دام بقاء هذا الموضوع يكون الخيار المنقول ثابتا للمنقول إليه

______________________________

(1) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 236

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و ان جعلنا الاجازة كاشفة (1)

لا لعدم صدق المتبايعين، لأن البيع النقل و لا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بان البيع النقل العرفي و هو موجود هنا.

نعم ربما كان ظاهر الاخبار حصول الملك شرعا بالبيع و هذا المعني منتف في الفضولي قبل الاجازة، و يندفع ايضا بأن مقتضي ذلك عدم الخيار في الصرف و السلم قبل القبض، مع ان هذا المعني لا يصح علي مذهب الشيخ القائل بتوقف الملك علي انقضاء الخيار

______________________________

فإذا ارتفع الموضوع بارتفاع احد جزئيه سقط الخيار عن المنقول إليه.

و أما المقام الثاني: فالظاهر ان مراد المصنف رحمه الله ليس نقل الخيار الي الوكيل،

و لا يكون هذا مورد كلامه، بل محل كلامه اثبات خيار آخر

للوكيل غير خيار الموكل فيما إذا فوض الموكل امر المال إليه بعد العقد.

توضيح ذلك: انه ذكر المصنف رحمه الله سابقا: انه يعتبر في ثبوت الخيار امران: الاول:

صدق البيع، الثاني: تسلطه علي ما انتقل إليه، و في هذه المسألة فرض المصنف ما لو كان وكيلا تنتهي وكالته بالعقد فلا خيار له في نفسه،

و انما الكلام في انه إذا فوض الموكل امر المال بعد البيع إليه قبل التفرق، هل يثبت له الخيار نظرا الي تحقق كلا القيدين، ام لا؟

و قد اختار عدمه من جهة ان ظاهر الادلة أو متيقنها ثبوت الخيار من حين العقد،

و هذا الوكيل حين العقد لم يكن مسلطا علي ما انتقل إليه، فلم يكن الخيار ثابتا له، فبعد ما صار مسلطا عليه لا يثبت له الخيار.

و علي هذا فما افاده متين و لا يرد عليه ايراد المحشين.

و الشاهد علي ان مراده ذلك- مضافا الي ظهور كلامه فيه- ان مسألة نقل الخيار بحث عام غير مربوط بالوكالة و الوكيل و الاجنبي فيه سواء، و لا وجه لجعله في ذيل هذه المسألة.

ثبوت الخيار للفضولي

(1) المسألة الثانية: إذا كان العاقدان فضوليين فهل يثبت الخيار لهما أو للمالكين؟

و حق القول في المسألة بالبحث في مقامين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 237

فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوي ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين، (1) نعم في ثبوته للمالكين بعد الاجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجه، و اعتبار مجلس الاجازة علي القول بالنقل له وجه (2) خصوصا علي القول بان الاجازة عقد مستأنف، علي ما تقدم توضيحه في مسألة عقد الفضولي و يكفي حينئذ الانشاء اصالة من احدهما، و الاجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا،

______________________________

الاول: في ثبوت الخيار

للفضوليين و عدمه.

الثاني: في ثبوته للمالكين مع الاجازة.

اما الاول: فتقريب ثبوته- بعد صدق البيع علي الفضولي-: ان الخيار ملك حل العقد لا ملك استرجاع العين، و موضوعه العقد الاعم من المؤثر الفعلي و الاقتضائي- كما يشهد لكلا الامرين ثبوت الخيار في الصرف و السلم قبل القبض- و علي ذلك فمقتضي اطلاق الادلة ثبوت الخيار لهما.

(1) و استدل المصنف رحمه الله عليه لعدم ثبوته: بفحوي ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين غير المستقلين.

و فيه: ان بعض ما ذكره وجها لعدم ثبوته لهما، و هو ان المتبادر من النص غيره لا يجري في المقام علي اعترافه بصدق المتبايعين عليهما، و بعضه كعدم تسلط العاقد علي ما انتقل إليه بعينه يجري فيه، فلا وجه لدعوي الاولوية، و لكن حيث عرفت ان الوجه في عدم ثبوت الخيار للوكيل عدم صدق البيع عليه، فعلي فرض تسليم صدقه علي الفضولي يتعين البناء علي ثبوت الخيار له.

و أما المقام الثاني: فالأقوال فيه اربعة:

(2) احدهما: ما مال الهي المصنف رحمه الله، و هو ثبوت الخيار للمالكين مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الاجازة علي القول بالنقل.

ثانيها: ما اختاره المحقق الاصفهاني، و هو عدم ثبوت الخيار لهما مطلقا.

ثالثها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو الثبوت لو اجازا في مجلس العقد، و عدم الثبوت لو اجازا في مجلس آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 238

______________________________

رابعها: الثبوت مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الاجازة مطلقا، اي حتي علي القول بالكشف.

و استدل لعدم الثبوت مطلقا: بان موضوع الخيار هو البيع، و هو لا يصدق الا علي من صدر عنه البيع- اما بالمباشرة أو بالتسبيب- و مجرد الاجازة لا يصحح الانتساب المذكور،

و ليست الاجازة محققة للقيام باحد

الوجهين و ان صار البيع بيعه بالاجازة، الا انه ليس بائعه، و لا يقال انه باعه.

و فيه: انه ان قلنا بان حقيقة الانشاء هي الايجاد تم ما افاده، و أما بناء علي ما اخترناه و ذكرناه في اوائل الجزء الثالث من هذا الشرح- من ان الانشاء عبارة عن ابراز امر نفساني من اعتبار و نحوه- فلا يتم، إذ المجيز حينما يجيز تعتبر ملكية طرفه لما له في مقابل ملكية ماله له، و يبرز ذلك بالاجازة، فهو حين الاجازة يصير بائعا حقيقة.

و استدل المحقق النائيني رحمه الله لما ذهب إليه من عدم الثبوت إذا لم يحضرا مجلس العقد:

بانه يحتمل دخل خصوصية الاجتماع حال العقد، و لا دافع لهذا الاحتمال، و اطلاق البيعان بالخيار ليس بصدد البيان من هذه الجهة.

و فيه: ان البيعان بالخيار يثبت الخيار لكل من صدق عليه البيع و كان مجتمعا حين صدق هذا العنوان عليه مع طرفه، و احتمال دخل الخصوصية المشار إليها يدفع بالاطلاق،

و دعوي عدم كونه بصدد البيان من هذه الجهة كما تري.

فالحق ثبوت الخيار لهما في صورة الاجتماع مع المجيز الآخر، اما في مجلس العقد أو مجلس آخر حين الاجازة،

و ما ذكره المصنف رحمه الله من الاختصاص بالقول بالنقل لا وجه له، فانه لا فرق بين القولين سوي حصول الملكية من حين العقد علي القول بالكشف و هذا غير دخيل في الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 239

نعم يحتمل في اصل المسألة ان يكون الاجازة من المجيز التزاما بالعقد، (1) فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت،

فتأمل.

و لا فرق في الفضوليين بين الغاصب و غيره، فلو تبايع غاصبان، ثمّ تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة، (2) بخلاف ما

لو رد الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

مسألة: لو كان العاقد واحدا

لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة (3) علي وجه يثبت له الخيار مع التعدد، بان كان وليا أو وكيلا مستقلا في التصرف. فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الميسي و الصيمري و غيرهم، ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين، لأنه بائع و مشتر، فله ما لكل. منهما

______________________________

و لذا يثبت الخيار في بيع الصرف و السلم مع عدم حصول الملك قبل القبض فالاظهر هو القول الرابع.

(1) قوله نعم يحتمل في اصل المسألة ان يكون الاجازة من المجير التزاما بالعقد لكنه احتمال ضعيف فان الاجازة و ان كانت بلفظ التزمت تكون التزاما بالمعاملة- و هذه بخلاف اجازة من له الخيار فانها التزام باللزوم بمعني انها اما تكون ابراما للعقد أو اسقاطا لحقه الخياري- و لعله- الي هذا اشار بالامر بالتأمل.

(2) قوله فلو تبايع غاصبان ثمّ تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة ملخص القول في المقام انه علي القول بثبوت الخيار للفضوليين كما تقدم لا سيما في الفضولي المستولي علي العين- ينحل العقد بذلك و يسقط عن قابلية لحوق الاجازة- و علي القول بعدم الثبوت لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة.

إذا كان العاقد واحدا

(3) المسألة الثالثة: لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة، فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و المصنف و الشهيدين و المحقق الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 240

كسائر احكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين، و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام

العنوانين لشخص واحد، مندفع باستقرار سائر احكام المتبايعين، و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني علي الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم و استقر به فخر الدين، و مال إليه المحقق الاردبيلي و الفاضل الخراساني و المحدث البحراني و استظهره بعض الافاضل ممن عاصرناهم. و لا يخلو عن قوة بالنظر الي ظاهر النص، لأن الموضوع فيه صورة التعدد (1) و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد، و لولاها لأمكن استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشتري كسائر احكامها

______________________________

و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لانه بائع و مشتر، فله ما لكل منهما، و لكن قد ذكر في وجه عدم ثبوت الخيار له من ناحيتين:

الاولي: من ناحية تثنية موضوع الخيار.

الثانية: من ناحية الغاية و هي الافتراق.

(1) اما من الناحية الاولي: فتقريبه ان الموضوع هو البيعان، و هذا اللفظ ظاهر في التعدد و لا يشمل ما إذا كان البائع و المشتري واحدا.

و فيه: ان التثنية في المقام باعتبار العنوان، اي البائع و المشتري لا الأفراد، و العنوان في المقام متعدد.

و بعبارة اخري: هذه قضية حقيقية و متضمنة لثبوت الخيار علي كل فرد صدق عليه عنوان البائع أو المشتري و العاقد في المقام يكون مجمع العنوانين فيثبت له الخيار.

و أما من الناحية الثانية: فتقريبه من وجوه:

منها: ما عن المحقق الخراساني رحمه الله من ان الافتراق المجعول غاية، و مقابله الذي هو قيد للموضوع من قبيل العدم و الملكة و الشخص الواحد غير قابل لعروض الافتراق عليه،

فيكون خارجا عن مورد الحكم.

و فيه: ان الافتراق ليس عبارة عن عدم الاجتماع كي يكون هو و ما يقابله من قبيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 241

إذ

لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا، و قوله لكل من البائع و المشتري،

إلا ان التقييد بقوله حتي يفترقا، ظاهر في اختصاص الحكم بصورة امكان فرض الغاية، و لا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد. (1)

و منه يظهر سقوط القول بان كلمة، حتي تدخل علي الممكن و المستحيل، الا ان يدعي ان التفرق غاية مختصة بصورة التعدد، لا مخصصة للحكم بها. و بالجملة فحكم المشهور بالنظر الي ظاهر اللفظ، مشكل نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الأشكال فيه و الاولي التوقف، تبعا للتحرير و جامع المقاصد، ثمّ لو قلنا بالخيار.

فالظاهر بقائه الي ان يسقط بأحد المسقطات غير التفرق. (2)

______________________________

العدم و الملكة، بل الافتراق و عدمه من قبيل السلب و الايجاب، لا يعقل ارتفاعهما.

و لعله الي ما افاده المحقق الخراساني رحمه الله نظر المحقق النائيني رحمه الله، حيث قال: ان قوله عليه السلام ما لم يفترقا قيد للموضوع، فيختص الخيار بمورد يمكن فيه الافتراق و الاجتماع.

(1) و منها: ان الغاية لا بد و ان تكون امرا ممكنا، و الا لا معني لجعلها غاية، و حيث ان التفرق في شخص واحد غير معقول، و ظاهر النص كون الغاية غاية في كل مورد يثبت الخيار، فيختص الخيار بمورد تعدد البائع و المشتري المعقول فيه التفرق.

و فيه: ان عدم صحة جعل امر غير معقول غاية انما يكون من جهة اللغوية، و عليه فإذا امكن تحقق الغاية في مورد و لم يمكن في مورد آخر صح جعل الحكم بنحو الاطلاق و جعل ذلك الشي ء غاية، كما ان الامر كذلك في شرائط الموضوع و قيوده. لاحظ الاستطاعة المجعولة قيدا لوجوب الحج.

و منها: ان الغاية قيد للحكم، فالحكم هو الخيار المقيد

بما قبل الافتراق، اي الخيار الملحوق بالافتراق، فإذا لم يمكن الافتراق لم يكن الخيار ثابتا.

و فيه: ان الغاية ما ينتهي عنده الحكم لا انها مقيدة للحكم فالاظهر ثبوت الخيار له من الجانبين.

(2) و قد ظهر مما ذكرناه انه: لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه الي ان يسقط باحد المسقطات غير التفرق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 242

مسألة: قد يستثني بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار. (1)
اشارة

منها من ينعتق علي أحد المتبايعين و المشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا، بل عن ظاهر المسالك انه محل وفاق، و احتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع، و الكلام فيه مبني علي قول المشهور من عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار، و الا فلا اشكال في ثبوت الخيار و الظاهر انه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة الي نفس العين، لأن مقتضي الادلة الانعتاق بمجرد الملك و الفسخ بالخيار من حينه لا من اصله، و لا دليل علي زواله بالفسخ مع قيام الدليل علي زوال الحرية بعد تحققها الا علي احتمال ضعفه في التحرير

______________________________

و في حاشية السيد: يمكن ان يقال يبقي الي مقدار طول مجلس نوع المتعاقدين، بمعني مقدار اطول المجالس أو اوسطها.

و فيه: ان الافتراق لم يجعل غاية من جهة كونه طريقا الي مقدار من الزمان كي يجري فيه ذلك، بل الظاهر من النص دخله فيه من حيث هو.

فالاظهر بقائه الي ان يسقط باحد المسقطات.

استثناء من ينعتق علي احد المتبايعين

(1) المسألة الرابعة: قد يستثني بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار منها من ينعتق علي احد المتبايعين.

و الوجوه بل الاقوال في هذا المورد ثلاثة:

احدها: الثبوت مطلقا.

ثانيها: ما هو المشهور بين الاصحاب، و هو العدم كذلك.

ثالثها: ما احتمله في محكي الدروس، و هو التفصيل بين البائع و المشتري

و الثبوت للاول.

و الكلام في المقام مبني علي عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار، و الا فلا اشكال في ثبوت الخيار، كما انه ينبغي نفي الاشكال عن عدم الثبوت بناء علي عدم دخول من ينعتق علي شخص في ملكه، إذ المعاملة حينئذ اما ان تكون استنقاذا محضا كاشتراء المسلم الاسير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 243

فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني علي تزلزل العتق. و أما الخيار بالنسبة إلي اخذ القيمة فقد يقال مقتضي الجمع بين ادلة الخيار و دليل عدم عود الحر الي الرقية، فيفرض المعتق كالتالف

______________________________

من الكافر، أو و ان كانت معاملة عقلائية متضمنة للتمليك، الا ان الشارع الاقدس لم يمضها و حكم بعدم انتقاله الي المشتري و صيرورته منعتقا، أو ان البيع في الفرض ليس تمليكا بل الاعطاء بعوض الذي هو حقيقة البيع اثره في مثل هذا البيع الانعتاق، ففي الحقيقة يكون المال بازاء الانعتاق.

و علي جميع التقادير لا وجه لثبوت الخيار،

اما علي الاول: فلأنه لا يصدق علي المتعاقدين البيعان.

و أما علي الثاني: فلأن الخيار حكم شرعي ثابت للبيع الصحيح، و هذا البيع علي الفرض ليس كذلك.

و أما علي الثالث: فلأن الالتزام المزبور غير قابل للفسخ للاجماع علي عدم رجوع الحر عبدا.

انما الكلام فيما لو بنينا علي عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار و انتقال من ينعتق الي من ينعتق عليه ثمّ انعتاقه و الكلام فيه يقع في جهتين.

الاولي: في وجود ما يقتضي الخيار، بمعني شمول ادلة الخيار له.

الثانية: في انه علي فرض الشمول في نفسه هل هناك ما يمنع عن ثبوته ام لا؟

اما الاولي: فقد استدل المحقق الايرواني رحمه الله لعدم المقتضي: بان المستفاد من دليل الخيار تقوم حق الخيار

بقيام العوضين، اما بتعلق الحق به ابتداء، و ان كان الحق قائما بالعقد لكن ذلك لغرض استرجاع العوضين فلا يكون حيث لا يكون العوضان قائمين.

و فيه: ان حق الخيار متعلق بالعقد، و المراد من كون الغرض استرجاع العوضين ان كان هو غرض من له الخيار، فيرد عليه أنّ ذلك ليس قيدا للخيار، و ان كان غرض الشارع، فيرد عليه: انه غير ثابت. فالحق ثبوت المقتضي له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 244

فلمن انتقل إليه ان يدفع القيمة و يسترد الثمن و ما في التذكرة من انه وطن نفسه علي الغبن المالي، (1) و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه ممنوع لأن التوطين علي شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا علي الغبن من حيث المعاملة، و كذا لمن انتقل عنه ان يدفع الثمن و يأخذ القيمة، و ما في التذكرة من تغليب جانب العتق انما يجدي مانعا عن دفع العين، لكن الانصاف انه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه، لان شرائه اتلاف له في الحقيقة، و اخراج له عن المالية، و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف (2) بل بأدني تصرف، فعدم ثبوته به اولي و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه، لان بيعه ممن ينعتق عليه اقدام علي اتلافه

______________________________

و أما الثانية: فقد استدل لوجود المانع عن ثبوته بوجوه:

(1) الاول: ما عن العلامة و هو: انه لا خيار لمن انتقل إليه لانه وطن نفسه علي الغبن المالي، و المقصود من الخيار ان ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه، و لا لمن انتقل عنه لتغليب جانب العتق.

و فيه: ان المشتري وطن نفسه علي انعتاق من يشتريه بازاء قيمته الواقعية، لا علي الغبن

من حيث المعاملة، و تغليب جانب العتق انما يقتضي عدم رجوع الحر عبدا. و لا كلام في ذلك، و انما محل الكلام الرجوع الي قيمته.

الثاني: ان ثبوت الخيار أو سقوطه انما هو بعد تحقق القبض من المشتري، ثمّ دعوي الرجوع الي القيمة لثبوت الخيار و امتناع تعلقه بالعين أو سقوطه، و عليه فحيث ان البيع اتلاف للمبيع و موجب لخروجه عن المالية، فلا يتحقق القبض، فلا مورد لثبوت الخيار أو سقوطه.

و فيه: ان القبض المعتبر في البيع المترتبة عليه الآثار ليس هو القبض الخارجي، بل عبارة عن رفع اليد عنه و جعله تحت سلطانه و يده، و عليه فنفس انعتاقه عليه اقباض،

و لو لا ذلك لا بد و ان يكون التلف من مال البائع و لا يستحق شيئا من الثمن و القيمة. و هذا مما لم يقل به احد.

(2) الثالث: ما افاده المصنف رحمه الله: بان البائع و المشتري قد تواطئا علي اخراجه عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 245

و اخراجه عن المالية.

و الحاصل انا إذا قلنا ان الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا تحقيقي فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاة علي اخراجه عن المالية، و سلكه في سلك ما لا يتمول لكنه حسن مع علمهما، فتأمل.

و قد يقال ان ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني علي ان الخيار و الانعتاق، هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما، أو الأول بالأول و الثاني بالثاني، أو العكس (1) فعلي الاولين و الاخير يقوي القول بالعدم لأنصية أخبار العتق و كون القيمة بدل العين

______________________________

المالية الذي هو بمنزلة اتلافه. و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف بل بادني تصرف،

فعدم ثبوته به اولي.

و فيه: ان سقوط الخيار بالتصرف و الاتلاف

ليس من الامور البرهانية حتي يكون ما ذكر وجها له جاريا في المقام، بل انما هو من جهة ما في نصوص «1» خيار الحيوان من التعليل بكون ذلك رضا منه بالبيع، فلا بد من الاقتصار علي التصرفات الكاشفة نوعا عن الرضا بالبيع. و هذا يختص بما إذا كان التصرف واردا علي ملكه، و لا يجري في التصرف قبله أو حينه كما لا يخفي.

و ان شئت قلت: ان الاولوية ممنوعة، فان سقوط الخيار باتلاف المشتري ماله الذي له فيه الخيار لا يقتضي عدم ثبوته له باتلافه مال الغير، فان العبد انما يخرج عن المالية بقبول المشتري العقد الواقع عليه، مع ان البيع ليس اتلافا للمبيع بل انما يكون البيع اقداما علي ايجاد الملكية، و الانعتاق حكم شرعي مترتب عليه قهرا. فالاظهر ثبوت الخيار.

(1) القائل هو صاحب المقابيس و حاصل ما افاده: انه ان قلنا بان الخيار و الانعتاق معلولان للبيع في عرض واحد، أو معلولان للملك المعلول له، أو ان الخيار معلول للملك و الانعتاق معلول للبيع، يقوي القول بعدم ثبوت الخيار،

اما علي الاخير فلسبق الانعتاق علي الخيار.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 246

فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه علي الاخير و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين (1) و دفعا للمنافاة من البين، و عملا بالنصين (2) و بالاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين، و تنزيلا للفسخ منزلة الارش (3) مع ظهور عيب في احدهما، و للعتق بمنزلة تلف العين، و لانهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع الي القيمة فيما إذا باع بشرط العتق، فظهر كونه ممن ينعتق علي المشتري أو تعيب بما

يوجب ذلك. و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام، و علي الثالث يتجه الثاني لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق، ثمّ قال: و حيث كان المختار في الخيار انه بمجرد العقد و في العتق انه بعد الملك.

______________________________

و أما علي الاولين فلا نصية اخبار العتق. و لا يتوهم امكان الجمع بالرجوع الي القيمة، لانها بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل. ثمّ احتمل قريبا ثبوت الخيار،

و ذكر في وجهه وجوها:

(1) احدها: انه جمع بين الحقين.

(2) ثانيها: ان التعارض بين النصين انما يكون بالنسبة الي نفس العين، و أما بالنسبة الي القيمة فلا منافاة اصلا، بل هو عمل بالنصين، و مقتضي ذلك الرجوع الي القيمة للاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن الثمن و عن قيمة المبيع.

(3) ثالثها: تنزيل الفسخ منزلة الارش، فكما ان الانعتاق لا يوجب سقوط حق المشتري من الارش إذا ظهر المبيع معيبا، فكذا لا يوجب سقوط حق البائع بالنسبة الي القيمة لعدم التنافي بينهما.

و أما لو قلنا بان الخيار معلول للبيع و الانعتاق معلول للملك المعلول له، فيقوي القول بثبوت الخيار لسبق تعلق حق الخيار. ثمّ اختار هو قده الاخير.

و في كلامه مواقع للنظر:

الاول: ما ذكره من انصية اخبار العتق، في وجه السقوط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 247

و دل ظاهر الاخبار و كلام الاصحاب علي ان احكام العقود و الايقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار و غيره، بل قد صرحوا بان الخيار يثبت بعد العقد، و انه علة و المعلول لا يتخلف عن علته، كما ان الانعتاق لا يتخلف عن الملك، فالاقرب هو الاخير، كما هو ظاهر المختلف و

التحرير،

و مال إليه الشهيدان لم يثبت الاجماع علي خلافه، و يؤيده اطلاق الاكثر و دعوي ابن زهرة الاجماع علي ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء،

انتهي كلامه رفع مقامه.

اقول ان قلنا انه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج الملك عن ملك من انتقل إليه (1) الي ملك من انتقل عنه نظرا الي ان خروج احد العوضين عن ملك احدهما

______________________________

فانه يرد عليه: ان الانصية لا تنافي ثبوت الخيار بالنسبة إلي القيمة، و ما ذكره من امتناع استحقاقها من دون المبدل لا يرجع الي محصل، إذ المفروض حصول المبدل- و هو العين- في ملكه، و التلف عليه. مع ان تعارض اخبار الانعتاق «1» و اخبار الخيار «2» ليس من باب تعارض الدليلين، بل من باب تزاحم الحقين، فانصية احدهما غير مفيدة.

الثاني: ما ذكره من الاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين.

فانه يرد عليه: انه علي فرض الفسخ بالخيار لا تزول يد البائع عنهما، إذ مع الفسخ يأخذ القيمة.

الثالث: ما ذكره من تنزيل الفسخ منزلة الارش.

فانه يرد عليه: ان عدم مانعية الانعتاق من اخذ الارش انما هو من جهة عدم منافاة دليل الارش لدليل الانعتاق، بخلاف المقام كما لا يخفي.

(1) قوله ان قلنا انه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج الملك عن ملك من انتقل إليه.

مبني الشرطيتين ان الخيار حق حل العقد حقيقة أو رفع اثره- و علي الاول- بما ان عقد المعاوضة مقتض لخروج كل من العوضين عن محل يدخل فيه الآخر فيكون حله مقتضيا لخروج المعوض عن ملك المشتري الي ملك البائع، كذلك العكس فلا محالة يكون الفاسخ متلقيا للملك من المفسوخ عليه- و أما علي الثاني-

فلا يقتضي ذلك بل حيث

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب كتاب العتق.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 248

يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا، لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه، (1) و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه، لان يخرج من ملك المشتري الي ملك البائع و لو تقديرا، إذ ملكية المشتري لمن ينعتق عليه ليس علي وجه يترتب عليه سوي الانعتاق، و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري الي ملك البائع، ثمّ انعتاقه مضمونا علي المشتري، كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار، ثمّ فسخ البائع.

و الحاصل ان الفاسخ يتلقي الملك من المفسوخ عليه و هذا غير حاصل فيما نحن فيه.

و ان قلنا ان الفسخ لا يقتضي ازيد من رد العين، ان كان موجودا و بدله ان كان تالفا أو كالتالف، و لا يعتبر في صورة التلف امكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه، بل يكفي ان يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف، كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ و الرجوع الي القيمة فيما تقدم

______________________________

ان اثر العقد بقاء مضمونية العين بمطلق البدل فرفعه انما هو بضمان قيمته.

(1) قوله لم يكن وجه للخيار في ما نحن فيه غاية ما يمكن ان يقال في وجه ذلك ان رجوع العين الي المشتري حتي يتلقي الفاسخ منه اما تحقيقي أو تقديري و الاول مستلزم لعود الحر رقا و هو ممتنع شرعا- و الثاني لا يجدي فان الملكية الفرضية التقديرية للانعتاق لا أثر

لها سوي الانعتاق و لكن يمكن رد الاول: بان عود المبيع حقيقة ان كان بعوده بشخصه جاء المحذور المذكور و ان كان عوده بماليته المتحفظة تارة بعينه و اخري ببدله الذي لا بد للقائل بثبوت الخيار مع تلف العين من الالتزام بذلك فلا يكون واردا كما لا يخفي.

و يمكن رد الثاني بان المقدر بعد الفسخ علي فرض الخيار ليس هو الملكية التي اثرها الانعتاق بل الملكية التي اثرها رجوع البائع في قيمته الي المشتري و هذا لا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 249

في مسألة البيع بشرط العتق، ثمّ ظهور المبيع منعتقا علي المشتري و حكمهم برجوع الفاسخ الي القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم امكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف الي الفاسخ كان الاوفق بعمومات الخيار القول به هنا، و الرجوع الي القيمة، الا مع اقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه، (1) فالاقوي العدم لانهما قد تواطئا علي اخراجه عن المالية الذي هو بمنزلة اتلافه.

و بالجملة فان الخيار حق في العين و انما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء، فإذا كان نقل العين ابطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق في العين حتي يتعلق ببدله.

و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع باتلاف المبيع و نقله الي من ينعتق عليه كالاتلاف له من حيث المالية، فدفع الخيار به اولي و اهون من رفعه فتأمل.

______________________________

(1) قوله الا مع اقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه.

اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بانه يمكن ان يقال بسقوط الخيار حتي في مورد الجهل لان انشاء البيع إذا

كان سببا للاتلاف فالجهل به لا يقتضي عدم تأثير السبب كما في كل ما كان من قبيل الاسباب و المسببات و فيه: انه في ساير الموارد انما نلتزم بعدم مانعية الجهل و ثبوت الحكم في ذلك المورد من جهة اطلاق الادلة.

و في المقام الدليل يختص بصورة العلم لان الدليل ينحصر في النصوص الواردة في خيار الحيوان المتضمنة لمسقطية الاتلاف للخيار و هي لا سيما من جهة ما فيها من التعليل بانه رضا منه، تختص بصورة العلم.

المسلم المشتري من الكافر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 250

و منها العبد المسلم المشتري من الكافر (1) بناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا، فانه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لاحدهما. اما بالنسبة الي العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و تمليكه اياه. و أما بالنسبة الي القيمة، فلما تقدم من ان الفسخ يتوقف علي رجوع العين الي مالكه الأصلي و لو تقديرا، لتكون مضمونة له بقيمته علي من انتقل إليه و رجوع المسلم الي الكافر غير جائز، (2) و هذا هو المحكي عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال انه يباع و لا يثبت له خيار المجلس و لا الشرط،

و يمكن ان يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط، و ان ثبت للمشتري، فيوافق مقتضي كلام فخر الدين في الايضاح، من أن البيع بالنسبة الي الكافر استنقاذ،

و بالنسبة الي المشتري كالبيع بناء منه علي عدم تملك السيد الكافر له لان الملك سبيل، و انما له حق استيفاء ثمنه منه.

لكن الانصاف انه علي هذا التقدير لا دليل علي ثبوت الخيار للمشتري ايضا، لان الظاهر من قوله: البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين، مع انه لا معني لتحقق العقد البيعي

من طرف واحد، فان شروط البيع ان كانت موجودة تحقق من الطرفين و الا لم يتحقق اصلا

______________________________

(1) و منها: العبد المسلم المشتري من الكافر.

و الاقوال و الوجوه في المسألة اربعة:

احدها: عدم ثبوت الخيار مطلقا.

ثانيها: الثبوت مطلقا و رجوع العبد نفسه.

ثالثها: الثبوت مطلقا، و تقدير ملك الكافر للمسلم بعد الفسخ بمقدار ما يستحق به البدل. اختاره المصنف رحمه الله.

رابعها: التفصيل بين البائع و المشتري، و ثبوت الخيار للثاني دون الاول، و ثبوت الخيار للمشتري اما بارجاع العبد نفسه أو قيمته.

(2) و قد استدل للاول: بان الكافر لا يملك المسلم، و بمجرد الاسلام يخرج عن ملكه، و انما كان له حق في قيمة من تملكه كارث الزوجة من العقار، فتكون المعاملة عليه حينئذ بتملك المسلم اياه بقيمته، و استيفاء الكافر لثمن العبد عليه، فليست هي بيعا، فلا تشملها ادلة الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 251

كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من من ينعتق عليه،

و الاقوي في المسألة وفاقا لظاهر الاكثر و صريح كثير ثبوت الخيار في المقام، و ان تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة، و ما ذكرنا من ان الرجوع بالقيمة مبني علي امكان تقدير الملك في ملك المالك الاصلي، لو اغمضنا عن منعه كما تقدم في المسألة السابقة غير قادح هنا، لان تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم، (1) و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه، و قد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين

______________________________

و فيه: انه لا دليل علي خروج العبد بمجرد الاسلام عن ملك مالكه. و آية نفي السبيل «1» لا تدل علي ذلك، لان الملكية التي يكون

صاحبها محجورا عن التصرف في المملوك لا تعد سبيلا، مع ان ما دل علي انه يجبر علي البيع «2» يدل علي بقاء الملكية.

و استدل للثاني: بما عن العلامة في القواعد، و هو خروج الملك القهري كالارث عما دل علي ان الكافر لا يملك المسلم، و الملك العائد بحل العقد قهري لا تملك ابتدائي بالاختيار.

و فيه: ان ذلك يتم بالنسبة الي فسخ المشتري دون فسخ البائع، فان التملك حينئذ باختياره. و به يظهر مدرك القول الرابع.

(1) و استدل للثالث: بان ثبوت الملكية للكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم.

و فيه: ان الملكية الحقيقية في ذلك المقدار من الزمان و ان لم تكن سبيلا، الا انها في الزمان الطويل مع محجوريته عن التصرف و لزوم البيع عليه ايضا لا تعد سبيلا.

فتحصل: ان الاظهر هو القول الرابع بعد البناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا علي ما هو المفروض في عنوان المسألة.

______________________________

(1) سورة النساء آية 141.

(2) الوسائل- باب 73- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 252

و منها شراء العبد نفسه بناء علي جوازه، (1) فان الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة الي القيمة لعدم شمول ادلة الخيار، له (2) و اختاره في التذكرة، و فيها ايضا انه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال، (3) و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار، (4) فلا يندفع الاشكال بما في جامع المقاصد من ان الخيار لا يسقط بالتلف بانه لا يسقط به إذا ثبت قبله، فتأمل.

______________________________

شراء العبد نفسه

(1) قوله و منها: شراء العبد نفسه بناء علي جوازه مفروض المسألة: شراء العبد نفسه من مولاه لنفسه، و

ذلك اما بالشراء بمال في ذمته،

أو بمال شخصي خارجي، مع عدم كون ماله لمولاه أو بمال غيره، بناء علي ما هو الحق من جواز شراء شي ء لشخص بمال آخر كما تقدم تحقيقه.

و قد ذهب المصنف رحمه الله الي عدم ثبوت الخيار و لو بالنسبة الي القيمة.

(2) قال: لعدم شمول ادلة الخيار له.

و فيه ان وجه عدم الشمول ان كان عدم عود الحر رقا.

فيرد عليه: ان ما ذكره في وجه عود القيمة في بيع من ينعتق عليه يجري في المقام.

و ان كان هو ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله من ان ملك الشخص لنفسه ليس الا عين الحرية فكان بيع العبد لنفسه عبارة اخري عن العتق، و من المعلوم عدم جريان الخيار في العتق.

فيرد عليه: ان بيع العبد لنفسه بيع حقيقة، و اثره الانعتاق علي ما تقدم تحقيقه في اول مبحث البيع عند بيان حقيقته، فلا محذور في ثبوت الخيار فيه.

(3) قوله و فيها: أيضا: انه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال.

و المحقق الثاني وجه الاشكال: بان كون المبيع تالفا شيئا فشيئا مانع عن اعمال الخيار فيه. ثمّ اورد عليه: بان الخيار لا يسقط بالتلف.

(4) و المصنف رحمه الله وجه الاشكال: باحتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد في تعلق الخيار بها توضيحه: ان التلف ربما يكون متأخرا عن ثبوت الخيار، و ربما يكون مقارنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 253

مسألة: لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوي البيع (1)

عند علمائنا،

كما في التذكرة، و عن تعليق الارشاد و غيرهما و عن الغنية: الاجماع عليه، و صرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك ايضا، بل عن الخلاف الاجماع علي عدم دخوله في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة الا

انه في المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار و التي لا يدخلها قال: و أما الوكالة و الوديعة،

و العارية و القراض و الجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع، انتهي. (2)

و مراده خيار المجلس و الشرط، و حكي نحوه عن القاضي و لم يعلم معني الخيار في هذه العقود، بل جزم في التذكرة بأنه لا معني للخيار فيها لان الخيار فيها لان الخيار فيها ابدا. و احتمل في الدروس ان يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار،

و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب، إذ لا معني لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود

______________________________

للخيار المترتب علي العقد، و ما ذكروه من انه لا يسقط الخيار بالتلف يكون المراد به التلف المتأخر لا التلف المقارن كما في المقام.

و فيه: انه لا دليل علي اعتبار عدم التلف في ثبوت الخيار.

و المحقق النائيني رحمه الله وجه الاشكال: بان مورد خيار المجلس هو البيع الذي لم يكن بناء المتعاقدين علي الاعراض عن العوضين، و مع علمهما بان المال بمجرد البيع يخرج عن المالية اما شرعا أو عادة كما في المثال، فقد أقدما علي ذهاب مالهما.

و فيه: ان البيع ليس اقداما علي ذهاب المال، بل هو يذهب باعا ام لا، و البيع انما يكون اقداما علي الملكية، و المتلف انما هو شدة، الحر. فالاظهر ثبوت الخيار فيه.

اختصاص خيار المجلس بالبيع

(1) المسألة الخامسة: و لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوي البيع عند علمائنا كما عن التذكرة.

(2) قوله الا انه في المبسوط بعد ذكر جمله من العقود … فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع يمكن ان يكون نظر

الشيخ رحمه الله مما افاده في المبسوط الي ما ذكرناه من عدم المانع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 254

علي انقضاء الخيار، لان اثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف، فهو الذي يمكن توقفه علي انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره اثر البيع متوقفا عليه، لكن الانصاف ان تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم ارادته هذا المعني، فانه صرح في مواضع قبل هذا الكلام و بعده باختصاص خيار المجلس بالبيع،

و الذي يخطر بالبال ان مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع (1) فتنفسخ بفسخه في المجلس، و هذا المعني و ان كان بعيدا في نفسه الا ان ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه الي الذهن. و قد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن و الضمان. و صرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود لانها جائزة (2) فيجوز الفسخ في كل وقت، و هو محتمل كلام الشيخ، فتأمل، و كيف كان فلا اشكال في اصل هذه المسألة.

______________________________

في ثبوته- و الجمع بين كلامه هذا و ما ذكره في غير موضع من عدم ثبوت خيار المجلس فيها انه و ان لم يكن مانع عن ثبوته الا انه لا مقتضي له و الله العالم.

(1) قوله مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع.

و فيه ان الخيار حينئذ ثابت في البيع لا في ذلك.

(2) قوله بدخول الخيارين في هذه العقود لانها جائزة.

بعني ان ذلك الخيار بما انه ثابت في المجلس، فيصح ان يقال ان خيار المجلس ثابت.

و هو كما تري احسن التوجيهات ما ذكرناه و كيف كان فالكلام في هذه المسألة يقع في مقامين.

الاول:

في العقود اللازمة.

الثاني: في العقود الجائزة.

اما الاول: فالاظهر عدم ثبوت الخيار فيها لعدم المقتضي له، فان الادلة مختصة بالبيع، و المناط غير معلوم كي يتعدي عنه الي غيره. و لا يقاس ذلك بالاحكام الثابتة للبيع علي القاعدة كخيار العيب، فان نفس ما يدل علي ثبوته في البيع- و هو الاشتراط الضمني الذي بناء كل عاقد عليه- يدل علي ثبوته في غيره. و هذا بخلاف هذا الخيار، فان جعله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 255

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، (1)

لان ظاهر النص كون البيع علة تامة (2) و مقتضاه كظاهر الفتاوي شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض، و لا إشكال فيه

______________________________

تعبد صرف فلا يتعدي منه الي غيره.

و أما المقام الثاني: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار في العقود الجائزة- مضافا الي عدم المقتضي-: بوجود المانع، و تقريبه من وجهين:

أحدهما: عدم المعقولية، بدعوي ان الخيار ذاتي لها، فما معني جعل الخيار.

و فيه: انه بعد شمول دليل الخيار لها يكون الخيار ثابتا من جهتين: ذاتية و عرضية،

كالخيارات المتعددة العرضية.

و ان شئت قلت: ان الخيار الذاتي ايضا يكون بجعل من الشارع، فكلاهما مجعولان،

و لا اولوية لأحدهما علي الآخر كي يلتزم بثبوته دونه.

ثانيهما: لزوم اللغوية من جعله.

و فيه: ان للخيار آثار و فوائد، و مع عدم اولوية احدهما علي الآخر لا معني لكون خيار المجلس لغوا دون الجواز: مع انه علي القول بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار في زمان الخيار، عدم اللغوية واضح، فان ذلك اثر الخيار الحقي خاصة فالوجه في عدم ثبوته فيها عدم المقتضي ايضا.

و لا يخفي ان محل هذه المسألة بعد المسألة السابعة قدمت اشتباها.

مبدأ خيار المجلس

(1) المسألة السادسة: لا خلاف و لا إشكال في ان مبدأ هذا الخيار من حين

العقد.

(2) إذ ظاهر الأخبار ان البيع علة تامة.

و هل يشمل الحكم للصرف و السلم قبل القبض؟

فيه اشكال من جهتين:

الاولي: في انه هل يجب التقابض في المجلس ام لا؟

الثانية: في جريان الخيار فيهما علي كل من القولين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 256

لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف و السلم وجوبا تكليفيا اما للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة. (1) و أما لوجوب الوفاء بالعقد (2) و ان لم يكن بنفسه مملكا، لان ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض.

اما لو قلنا بعدم وجوب التقابض و جواز تركه الي التفرق المبطل للعقد

______________________________

اما الجهة الاولي: فقد استدل لوجوب التقابض بوجوه:

(1) الاول: ما عن العلامة قده، و هو التحفظ علي عدم صيرورة المعاملة ربوية.

و توضيحه: انه إذا كان العوضان من جنس واحد و حصل القبض من جانب واحد قبل الافتراق تصير المعاملة كالنسيئة مع المساواة ذا مدة و اجل، فتكون به ربوية، لأن للأجل قسطا من الثمن.

و فيه: انه مع عدم اشتراط التأخير لا تكون ربوية، و مجرد الشباهة بالربا لا يوجب البطلان، مع ان هذا الوجه لو تم لدل علي وجوب القبض شرطا لا وجوبه مولويا.

مع انه لو تم لدل علي وجوب القبض بعد قبض احدهما حقه.

(2) الثاني: ما افاده المصنف رحمه الله، و هو آية وجوب الوفاء بالعقد «1».

بدعوي ان للعقد بنفسه آثارا مع قطع النظر عن مملكيته، و يجب ترتيبها و لو قبل حصول الملكية، و منها الاقباض في المقام.

و فيه: انه ان قلنا: بان معني الآية الشريفة هو لزوم ابقاء العقد علي حاله و اتمامه بعدم فسخه و حله كما قويناه، فعدم دلالة الآية حينئذ علي وجوب التقابض واضح، بل

تكون حينئذ ارشادا الي اللزوم.

و ان قلنا: بان معناها هو ترتيب آثار العقد كما عن المصنف رحمه الله، فمعناها هو ترتيب الآثار التي التزما به، و من المعلوم ان ما التزما به هو اقباض كل منهما علي فرض اقباض الآخر لا مطلقا، فلا تدل علي لزوم التقابض، و لا ينتقض بلزوم اقباض كل منهما في سائر البيوع، فان فيها انما يجب الاقباض من جهة تأثير البيع في الملكية و يجب رد المال الي صاحبه، و هذا بخلاف باب الصرف.

______________________________

(1) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 257

ففي اثر الخيار خفاء، لان المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين علي ملكه و عدم حق لاحدهما في مال الآخر، و يمكن ان يكون اثر الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد، لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير قال في التذكرة: لو تقابضا في عقد الصرف، ثمّ اجازا في المجلس لزم العقد، و ان أجازا قبل التقابض.

فكذلك و عليهما التقابض، فان تفرقا قبله انفسخ العقد، ثمّ ان تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما، فان انفرد احدهما بالمفارقة عصي، انتهي.

______________________________

و أما ما اورده السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني عليه: بان بيع الصرف لا أثر له الا بعد التقابض فلا يجب الوفاء به الا بعده.

فيرد عليه: ان للعقد مرحلة، و لتأثيره في الملك مرحلة اخري، و لكل منهما آثار، فإذا كان التقابض من آثار العقد يجب ترتيبه علي هذا العقد، و ان لم يحصل الملك.

الثالث: النصوص «1» المتضمنة للأمر بالتقابض و النهي عن البيع الا يدا بيد.

و فيه: ان تلك الأوامر و النواهي تكون ارشادا الي

شرطية التقابض لصحة العقد و تأثيره في الملك لا مولوية لما حقق في محله من ظهور الأوامر و النواهي في المعاملات في الارشاد. فالأظهر عدم لزوم التقابض.

و أما الجهة الثانية: فالكلام فيها من ناحيتين:

احداهما: من ناحية الأثر.

الثانية: من ناحية المقتضي.

اما من الناحية الاولي: فثبوت الأثر للخيار علي القول بوجوب التقابض واضح، فان اثره حينئذ ان له فسخ العقد و اسقاط وجوب التقابض باعدام موضوعه.

لا يقال: انه علي القول بوجوب التقابض كيف يجري الخيار الذي لازمه عدم وجوبه.

فانه يجاب بان الخيار معناه السلطنة علي حل العقد، و لا ينافي ذلك وجوب التقابض علي فرض بقاء العقد. و نظير هذا التكليف في الشرع كثير، لاحظ ما لو وهب امته للغير

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب الصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 258

و في الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا اولا فان التزما به قبل القبض وجب التقابض، فلو هرب احدهما عصي و انفسخ العقد، و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لان للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه، انتهي.

و صرح الشيخ ايضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض،

و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين علي القول بثبوت الخيار لهما من زمان اجازتهما علي القول بالنقل، و كذا علي الكشف (1) مع احتمال كونه من زمان العقد.

______________________________

فانه مع جواز الرجوع يحرم عليه وطئها مع عدم الرجوع، و وجب القصر ما دام مسافرا مع ان له ان يقصد الاقامة أو يصير حاضرا.

و أما علي القول بعدم وجوب التقابض، قال المصنف ففي اثر الخيار خفاء …

و فيه انه لا خفاء فيه، فان السلطنة

علي حل العقد و الغائه عن قابلية التأثير علي فرض التقابض غير السلطنة علي حله بالتفرق.

و أما من الناحية الثانية: فيمكن ان يقال بقصور ادلة خيار المجلس عن الشمول له من جهة ان ذيل النصوص الدالة علي ثبوت خيار المجلس يدل علي لزوم البيع بالافتراق،

فيصلح ذلك قرينة علي صدرها، و يكون الخيار ثابتا في بيع لو حصل افتراق البيعين يصير لازما، و أما بيع الصرف الذي يبطل بالافتراق قبل التقابض فلا يكون مشمولا لها.

هذا بناء علي عدم دخول التقابض في البيع شرعا، و الا فعدم ثبوت الخيار في غاية الوضوح لحكومة ما دل علي ذلك علي ادلة الخيار.

(1) قوله من زمان اجازتهما علي القول بالنقل و كذا علي الكشف.

و ذلك لان مبدأ الخيار انما هو من حين صدق عنوان البيع و هذا العنوان انما يصدق من حين الاجازة فيثبت الخيار من ذلك الحين من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 259

القول في مسقطات الخيار
اشارة

و هي اربعة علي ما ذكرها في التذكرة: اشتراط سقوطه في ضمن العقد،

و اسقاطه بعد العقد، و التفرق، و التصرف، (1) فيقع الكلام في مسائل:

مسألة: لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد
اشارة

و عن الغنية الاجماع عليه، (2) و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم

______________________________

سقوط الخيار باشتراط سقوطه

(1) السابعة: ذكر العلامة في التذكرة و من تأخر عنه: ان هذا الخيار يسقط باربعة اشياء: اشتراط سقوطه، اسقاطه بعد العقد، التصرف، التفرق.

فالكلام في مواضع:

(2) الأول: لا خلاف ظاهرا في سقوطه باشتراط سقوطه في ضمن العقد، و عن الغنية: الاجماع عليه، و عموم ادلة نفوذ الشرط «1» شاهد به.

و انما الخلاف هنا فيما افاده العلامة في التبصرة بقوله: (أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده) بعد معلومية ان مراده من بعد العقد ليس بعد تمامية العقد، بل بعد الشروع فيه.

و مورد الخلاف الاشتراط قبل العقد، فعن الشيخ في الخلاف: سقوط الخيار به، و عن المختلف بعد نقل ذلك عنه و عندي في ذلك نظر لأن الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه. انتهي.

و اظن ان مراده في التبصرة هو ما ذكره اخيرا في المختلف.

و كيف كان: فشرط سقوط الخيار في قبال شرط عدم الفسخ، و شرط اسقاط الخيار اللذان- هما من قبيل شرط الفعل- يتصور علي وجهين احدهما: شرط سقوطه، بحيث يرجع الي اسقاط الخيار.

ثانيهما: شرط عدم كون العقد خياريا، و الاشكالات الآتية عمدتها تخص بالثاني،

و بعضها يختص بالأول، و بعضها يشترك بينهما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة و غيرهما من الأبواب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 260

و قد

يتخيل معارضته بعموم ادلة الخيار، (1) و يرجح علي تلك الادلة بالمرجحات (2) و هو ضعيف، لان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود، (3)

و موافقة عمل الاصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم ادلة الشروط، كما يظهر من كتبهم

______________________________

و كيف كان: فيقع الكلام في مقامين:

الأول: في شمول ادلة الشروط لهذا الشرط و عدمه.

الثاني: في انه هل يعارض ادلة الخيار لأدلة الشروط علي فرض شمولها به ام لا.

و تبعا للمصنف نقدم البحث في المقام الثاني علي البحث في المقام الاول.

(1) المقام الثاني: قد يتوهم انه يعارض ادلة الشروط مع ادلة الخيار، و النسبة بينهما عموم من وجه، فلا وجه لتقديم الأولي.

و لكنه فاسد، فان كل مشروط لا محالة يكون محكوما بحكم قبل ان يقع في حيز الشرط، فحينئذ اما ان يوافق حكمه مع الشرط كما لو شرط فعل واجب أو مستحب، و أما ان يخالفه، لا سبيل الي تخصيص ادلة الشروط بالقسم الأول كما هو واضح.

و حيث ان نسبة دليل الشرط مع كل واحد من ادلة تلك الأحكام عموم من وجه،

فيدور الأمر بين تقديم جميعها علي دليل الشرط، و تقديمه علي جميعها، و تقديمه علي بعضها و الأخير مستلزم للترجيح بلا مرجح، و الأول مستلزم لإلغاء دليل الشرط.

فيتعين الثاني.

(2) و قد يقال انه يرجح علي تلك الادلة بالمرجحات.

(3) و اجاب عنه المصنف رحمه الله بان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود.

و فيه انه بناء علي المذهب الحق انه في موارد التعارض بالعموم من وجه يرجع الي ادلة الترجيح و اول المرجحات الشهرة الفتوائية.

و عليه ففي المقام يتعين ترجيح ادلة الشروط: للاشهرية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 261

و نحوه في الضعف التمسك بعموم

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به، (1) إذ فيه ان ادلة الخيار اخص،

فيخصص بها العموم (2) بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة، لانها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع (3)

فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا، بل التأمل في دليل الشرط يقضي

______________________________

(1) و قد يتوهم التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به.

(2) و اجاب عنه المصنف: بان ادلة الخيار اخص، فيخصص به العموم.

و في حاشية السيد تقريب الاستدلال بآية وجوب الوفاء بتقريب آخر، و حاصله:

انحلال العقد المشروط الي عقدين: بيع و شرط، و اخصية دليل الخيار انما ينفع بالنسبة الي حيثية البيعية لا بالنسبة الي حيثية الشرطية، فيكون عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة الي عقد الشرط حاكما علي دليل الخيار نظير ما لو صالح علي سقوط الخيار في ضمن عقد البيع،

فان عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة الي الصلح مقدم علي ادلة الخيار.

و فيه: ان الشرط حيث انه مرتبط بالبيع لا محالة يكون دليل الخيار باطلاقه شاملا للبيع المجرد و البيع المشروط به، و هذا بخلاف الصلح، فانه عقد مستقل ليس من شئون البيع المحكوم بالخيار بدليله، فلا يشمل دليل الخيار باطلاقه البيع المجرد عنه و المقيد به، فدليل الخيار لا يعارض دليل نفوذ الصلح بخلاف دليل لزوم الشروط. و عليه فحيث ان دليل الخيار اخص فيقدم عليه.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه عن معارضة ادلة الخيار مع ادلة الشروط.

(3) بعدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة لانها مسوفة لبيان ثبوت الخيار باصل الشرع.

محصل ما افاده في المقام

جوابان احدهما: ان الخيار لم يلاحظ في موضوعه الا ذات البيع من حيث هو فلا ينافي ان يثبت له حكم آخر بعنوان عرضي،

الثاني: ان موضوع الخيار البيع المجرد عن الشرط و معه فهو موضوع آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 262

بان المقصود منه رفع اليد عن الاحكام الاصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه ادلة تلك الاحكام فحاله حال ادلة وجوب الوفاء بالنذر و العهد في عدم مزاحمتها بادلة احكام الافعال المنذورة، لو لا النذر.

و يشهد لما ذكرنا من حكومة ادلة الشرط و عدم معارضتها للأحكام الاصلية حتي يحتاج الي المرجح استشهاد الامام في كثير من الاخبار بهذا العموم علي مخالفة كثير من الاحكام الاصلية، (1) منها صحيحة مالك بن عطية قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل كان له اب مملوك و كان تحت ابيه جارية مكاتبة قد ادت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد، هل لك ان اعينك في مكاتبتك حتي تؤدي ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار بعد ذلك علي ابي إذا انت ملكت نفسك؟ قالت نعم، فاعطاها في مكاتبتها علي ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال عليه السلام لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم، و الرواية محمولة بقرينة الاجماع علي عدم لزوم الشروط الابتدائية علي صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم (2) أو المصالحة علي اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال، و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط علي نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل علي حكومتها عليها لا معارضتها المحوجة الي التماس المرجح.

______________________________

و له حكم واحد بالذات من دون تفاوت بالذاتية و العرضية.

(1) ثمّ ان المصنف استشهد بصحيح مالك

بن عطية «1» المذكور في المتن علي ان ادلة الخيار كسائر ادلة الاحكام الاولية لا تصلح للمقاومة مع ادلة الشروط بل هي حاكمة علي جميعها و تبين المراد منها، و تدل علي ان المورد مشمول لأدلة الشروط.

و اورد عليه: بان مورد الصحيح الشرط الابتدائي، و هو غير نافذ بالاجماع.

(2) و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بانه مطلق قابل لأن يقيد بصورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم أو المصالحة علي اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 263

نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه (1):

______________________________

و في حاشية السيد: الانصاف ان هذه الرواية دليل علي شمول ادلة الشروط للشروط البدوية، و انها ايضا واجبة الوفاء، و الاجماع علي الخلاف ممنوع.

و فيه: ان مورد الرواية الشرط في ضمن عقد الهبة، لاحظ قوله فاعطاها في مكاتبتها علي ان لا يكون لها الخيار.

و لم يظهر لي منشأ اشتباه القوم و تخيلهم كون مورده الشرط الابتدائي.

و الايراد عليه بان الهبة جائزة و الشرط في ضمن العقد الجائز غير لازم الوفاء سيأتي الجواب عنه.

و أما ما احتمله المصنف، من احتمال حمل الصحيح علي المصالحة علي اسقاط الخيار فهو يوجب خروجه عن محل الكلام و اجنبيته عنه من جهتين.

احداهما: من جهة ان المصالحة خارجة عن عنوان الشرط.

ثانيتهما: من جهة انها مصالحة علي الاسقاط دون السقوط.

و كلاهما خلاف الظاهر.

اما الاول: فلاستدلال الامام عليه السلام علي نفوذه بدليل الشرط.

و أما الثاني: فلان صريحه شرط عدم الخيار لا إسقاطه و قد تقدم ان مورده الشرط في ضمن عقد الهبة فراجع.

(1) اما المقام الأول: فقد اشكل علي التمسك بدليل الشروط في المقام من

وجوه:

احدها: ان مفاد المستفيض (المؤمنون- أو المسلمون- عند شروطهم) «1» لزوم العمل بالشروط، فلا بد و ان يكون الشرط فعلا اختياريا للمشروط عليه، و اختياريا له، فلا يشمل الشروط الخارجة عن تحت اختياره و قدرته، و منها شرط عدم الخيار.

و فيه ان هذا يتم في نفسه، الا ان صحيح «2» مالك المتقدم آنفا المذكور في المتن يدل علي صحة شرط عدم الخيار، و ان المستفيض يشمله، و هو يصلح قرينة علي ارادة نفوذ

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة و غيرهما من الابواب.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 264

الأول: ان الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما، لان الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه علي اصل العقد، (1) بل هو كالوعد فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

______________________________

كل شرط يكون مربوطا بالمشروط عليه.

(1) ثانيها: ان الشرط في ضمن العقد الجائز لا يجب الوفاء به، لأنه لا يزيد حكمه علي حكم الأصل، بل هو كالوعد، فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي اعتبار كون العقد المشروط فيه لازما، بل مقتضي عموم دليل وجوب الوفاء به لزومه حتي في العقود الجائزة.

و دعوي انه لا يزيد حكمه علي حكم اصل العقد.

ان اريد بها انه تابع و التابع لا يزيد حكمه علي حكم المتبوع.

فيردها: انه ليس بتابع بهذا المعني، بل هو مستقل في الاعتبار و الدليل.

و ان اريد بها انه ينافي جواز العقد الذي لازمه جواز اعدامه و حله مع وجوب الوفاء بالشرط.

فيردها:

ان الجواز و للزوم لا يردان علي محل واحد كي يتنافيان، بل الجواز انما هو متعلق بما هو كالموضوع للزوم، و مقتضاهما معا انه يجوز حل العقد، و لكن علي فرض عدم الحل يجب الوفاء بالشرط، و كم له نظير في الفقه، فالحاضر يجب عليه الصوم و لكن له ان يسافر فلا يصوم، و هكذا غيره.

و ثانيا: انه لو تم البرهان المذكور كان لازمه اعتبار ان لا يبقي العقد جائزا مع لزوم شرطه لا لزوم العقد قبل لزوم العقد، فلا يكون هناك محذور من هذه الناحية.

و أما ما ذكره المحقق الاصفهاني رحمه الله زائدا علي ذلك: بان لزوم الشرط حسب الفرض و ان توقف علي لزوم العقد، الا ان لزوم العقد لا يتوقف علي لزوم الشرط بل يتوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 265

الثاني: ان هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد علي ما هو ظاهر قوله: البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. (1)

الثالث: ما استدل به بعض الشافعية علي عدم جواز اشتراط السقوط من ان اسقاطه الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، لان الخيار لا يحدث الا بعد البيع فاسقاطه فيه كإسقاطه قبله، هذا، و لكن شي ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال.

اما الأول: فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لانها كالوعد و الواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها علي الجواز، لان الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان، لان الشرط تابع و كالتقييد للعقد المشروط به. اما إذا كان نفس مؤدي الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام اصل العقد، فلزومه

الثابت بمقتضي عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد، فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع في اللزوم و الجواز.

و أما الثاني: فلان الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلي و نفسه، (2)

______________________________

علي صحته، لأن مجرد صحته يكفي في سقوط الخيار.

فيرد عليه: ان دليل صحة الشرط و لزومه واحد، فمع عدم شمول دليل اللزوم لا سبيل الي الحكم بالصحة. فالصحيح ما تقدم.

(1) ثالثها: ان هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد، و المراد من مقتضي العقد في المقام- علي ما ذكره المصنف رحمه الله: ما يشمل لازمه كالحكم الشرعي.

و عليه فلا يرد علي المصنف رحمه الله بالتهافت بين كلماته، حيث جعل الاشكال اولا في منافاته لمقتضي العقد، و اخيرا في منافاته لحكمه الشرعي كما في الحاشية.

و اجاب المصنف رحمه الله عن هذا الاشكال بوجهين:

(2) الأول: ان المتبادر من اطلاق دليل الخيار صورة الخلو عن اشتراط سقوطه،

و غاية ما يمكن ان يقال في توجيهه: ان الخيار حيث انه من باب الارفاق بالمالك كي يتروي في امر المعاملة، فدليله ينصرف الي صورة عدم الالتزام بالمعاملة و اشتراط عدم الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 266

فلا ينافي سقوطه بالشرط، و بعبارة اخري المقتضي للخيار العقد بشرط لا،

لا طبيعة العقد من حيث هي، حتي لا يوجد بدونه و قوله: البيعان بالخيار و ان كان له ظهور في العلية التامة، الا ان المتبادر من اطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط، مع ان مقتضي الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لاتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا، (1) نعم يبقي الكلام في دفع توهم انه لو بني علي الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة لم يبق شرط

مخالف للكتاب و السنة. بل و لا لمقتضي العقد و محل ذلك و ان كان في باب الشروط الا ان مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه، انا حيث علمنا بالنص و الاجماع ان الخيار حق مالي قابل للاسقاط و الارث، لم يكن سقوطه منافيا للمشروع «للمشروط» فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي، كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر.

______________________________

و فيه: ان هذا الانصراف بدوي لا يصلح لتقييد الاطلاق.

(1) الثاني: ان مقتضي الجمع بين دليل الخيار و دليل الشرط كون العقد مقتضيا لاتمام العلة.

و فيه: بعد اصلاحه بان المراد من كون العقد تارة علة تامة و اخري مقتضيا، هو: ان تمام الموضوع تارة نفس العقد، و اخري العقد المجرد عن الشرط، مثلا انه علي فرض شمول اطلاق دليل الخيار لصورة الاشتراط و منافاة الشرط له، يكون دليل الخيار مقدما لتقييد دليل الشرط بالشرط غير المخالف للكتاب و السنة.

و الحق ان يقال: - بعد عدم كون هذا الشرط منافيا لمقتضي العقد بمعناه الأخص و هو المنافي لحقيقة العقد كالبيع بشرط ان لا يملك، و المنافي لما يتقوم به العقد كالبيع بشرط ان لا يكون له عوض.

ان هذا الشرط ليس مخالفا للكتاب و السنة، فان الخيار من الحقوق القابلة للاسقاط و النقل، فله ان يسقطه بعد تحققه، و من اول آن ثبوته بان يمنع عن ثبوته، فشرط عدم الخيار بهذا المعني أو سقوطه ليس مخالفا للشرع لفرض جوازه و ان له ذلك. و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 267

و أما عن الثالث بما عرفت من ان المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط و اقدام

المتبايعين علي عدم الخيار، ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا إثبات المانع، (1) و يمكن ان يستأنس لدفع الاشكال من هذا الوجه الثالث و من سابقه، بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة.

ثمّ ان هذا الشرط يتصور علي وجوه:

احدها: ان يشترط عدم الخيار و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط (2) فيقول: بعت بشرط ان لا يثبت خيار المجلس، كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة لان المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

______________________________

رابعها: ان اسقاط الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، فان الخيار لا يحدث الا بعد العقد، فاسقاطه في ضمن العقد كإسقاطه قبله.

(1) و اجاب المصنف رحمه الله عنه: بانه مع شرط الخيار لا تشمل ادلته ذلك العقد، ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا إثبات المانع. و قد عرفت الجواب عن ذلك.

و الحق ان يقال: اولا: ان هذا الوجه مختص بشرط السقوط و لا يجري في شرط عدم الخيار، بمعني اشتراط عدم ثبوته.

و ثانيا: ان شرط سقوطه عند حصوله لا مانع منه سوي التعليق الذي لا دليل علي المنع عنه سوي الاجماع المختص بغير الشرط، كيف و قد ادعي الاجماع علي سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه في ضمن العقد.

فتحصل: ان شرط سقوط الخيار بكلا معنييه لا مانع عنه، و تشمله ادلة الشروط.

ثمّ ان هذا الشرط يتصور علي وجوه:

(2) احدها: ان يشترط عدم الخيار، قال المصنف: و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط فيقول بعت بشرط ان لا يثبت خيار المجلس كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة، لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 268

الثاني: ان يشترط عدم الفسخ فيقول:

بعت بشرط ان لا أفسخ في المجلس، (1) فيرجع الي التزام ترك حقه، فلو خالف الشرط و فسخ، فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ، لان وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب اجباره عليه و عدم سلطنته علي تركه، كما لو باع منذور التصدق به علي ما ذهب إليه غير واحد، فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة في حقه، و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ علي ما قاله بعضهم من ان بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة لا فاسد،

______________________________

الثاني: ان يشترط سقوطه في فرض ثبوته و هذان القسمان من قبيل شرط النتيجة بخلاف القسمين الآخرين اللذين هما من قبيل شرط الفعل.

اشتراط عدم الفسخ

(1) الثالث: ان يشترط عدم الفسخ، فيقول بعث بشرط ان لا أفسخ و الكلام في هذا الوجه يقع في جهات:

الاولي: انه لو فسخ و عصي هل يؤثر هذا الفسخ في حل العقد ام لا؟

و قد ذكر في وجه عدم التأثير في قبال عموم دليل الخيار المقتضي للانحلال وجوه:

احدها: ما اشار إليه المصنف رحمه الله في ابتداء كلامه و اوضحه المحقق النائيني رحمه الله، و هو:

انه يشترط في نفوذ كل تصرف معاملي السلطنة عليه، و مع تعين عدم الفسخ عليه بمقتضي عموم دليل الشرط لا سلطنة له علي الفسخ، لأن الالزام بعدم الفسخ موجب لسلب القدرة عليه شرعا فلا يكون مؤثرا.

و فيه: ان المعتبر في نفوذ التصرف السلطنة الوضعية لا التكليفية، و مقتضي عموم دليل الشرط سلب السلطنة التكليفية، دون الوضعية. و قد تقدم توضيح ذلك في اول الجزء الاول من هذا الشرح فراجع.

ثانيها: ان الشرط يوجب حدوث حق للمشروط له في خيار المشروط عليه، و لذا يجوز اجباره

عليه، فهو ممنوع عن اعمال خياره لكونه متعلق حق الغير كما في بيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 269

و حينئذ فلا فائدة في هذا غير الاثم علي مخالفته إذ ما يترتب علي مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له علي الفسخ لو خولف الشرط غير مرتب هنا، و الاحتمال الأول اوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال علي وجوب ترتب آثار الشرط، و هو عدم الفسخ في جميع الاحوال حتي بعد الفسخ، (1)

فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد علي كون فسخ احدهما منفردا لغوا، لا يرفع وجوب الوفاء.

______________________________

منذور التصدق.

و فيه: ان غاية ما يدل عليه دليل الشرط لزوم العمل به، و أما حدوث حق اعتباري للمشروط له فلم يدل عليه دليل، و جواز الاجبار مشترك بين التكليف و الحق.

ثالثها: ان دليل الخيار بالدلالة المطابقية يدل علي الترخيص التكليفي في الفسخ،

و من ذلك يستفاد الخيار، و ان المعاملة تنحل بفسخ من رخص له الفسخ، فإذا دل دليل الشرط علي رفع ذلك الترخيص و حرمة الفسخ ارتفع الخيار ايضا، لأن المدلول الالتزامي يتبع المدلول المطابقي في الحجية كتبعيتها لها في الوجود.

و فيه: ان المدلول المطابقي لدليل الخيار هو الوضع لا التكليف المحض.

(1) رابعها: ما ذكره المصنف رحمه الله اخيرا، و هو: ان مقتضي عموم دليل الشرط ترتيب آثار الشرط و هو عدم الفسخ حتي بعد الفسخ، و لازم ذلك وقوع الفسخ لغوا.

و فيه: ان مفاد دليل الشرط ليس ترتيب آثار المشروط، و لذا لو اشترط بيع شي ء لا يحكم بترتيب آثار البيع بدونه، بل مفاده نفوذ الشرط و صحته أو لزوم العمل به.

فتحصل مما ذكرناه: ان شرط

عدم الفسخ لا يوجب عدم تأثير الفسخ.

الثانية: في صحة هذا الشرط و شمول العموم له.

و قد يقال بعدم صحته من جهة المحذور الثاني من المحاذير المتقدمة، و هو كونه شرطا في ضمن عقد جائز.

و الجواب عنه: ما تقدم من ان الشرط في ضمن العقد الجائز لازم الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 270

الثالث: ان يشترط اسقاط الخيار، (1) و مقتضي ظاهره وجوب الاسقاط بعد العقد (2) فلو اخل به و فسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان و الاقوي عدم التأثير،

______________________________

نعم لا يندفع ذلك بما اجاب به الشيخ رحمه الله من لزوم العقد بلزوم الشرط بناء علي القول بتأثير الفسخ كما لا يخفي.

الثالثة: في اثر هذا الشرط علي القول بتأثير الفسخ.

الظاهر انه لا أثر له سوي الاثم علي مخالفته، و ما يترتب علي مخالفة الشرط في سائر الموارد من تسلط المشروط له علي الفسخ عند مخالفة الشرط لا يترتب هنا كما لا يخفي.

(1) الرابع: ان يشترط اسقاط الخيار.

و الكلام في جواز هذا الشرط هو الكلام في جواز شرط عدم الفسخ، كما ان الكلام في تأثير الفسخ هو الكلام في تأثيره في الوجه المتقدم كما سنشير إليه.

و في المقام خصوصيات لا بد من الاشارة إليها:

احداها: هل يجب الاسقاط، ام لا؟ فيه وجهان، قال المصنف:

(2) ان مقتضي ظاهره وجوب الاسقاط بعد العقد.

و علق عليه السيد الفقيه بقوله: يعني ان ظاهر الاشتراط الاسقاط بعد العقد بلا فصل، و الا فمطلق الاسقاط بعد العقد مقتضي صريحه.

و لكن يمكن ان يكون نظر المصنف رحمه الله الي احد الوجهين:

اما الي انه بعد فرض اتحاد الاسقاط و السقوط حقيقة و اختلافهما اعتبارا لو اشترط الاسقاط يمكن حمله علي ارادة السقوط، فيسقط بعد البيع

و يمكن ان يكون مراده الفعل،

و الظاهر ارادة الثاني.

أو الي انكار هذا الظاهر، و انه لا يحتاج الي الاسقاط، بل يسقط الخيار بنفس هذا الشرط، و لم يكن للفسخ بعده اثر كما يختاره.

ثانيتها: علي فرض وجوب الاسقاط، لو اخل به، ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان، إذ مع لزوم الاسقاط لا سلطنة للمشروط عليه علي ضده، و هو اعمال الخيار بفسخ العقد و كذا دليل الشرط علي فرض دلالته علي لزوم ترتيب آثار الشرط يشمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 271

و هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد و ان لم يفسخ (1) وجهان من عدم حصول الشرط و من ان المقصود منه ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف الا إذا فسخ، (2) و الاولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار، لعدم تخلف الشرط و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار لانه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد (3) و يكون بقاء المشترط علي سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له.

______________________________

اطلاقه بعد انشاء الفسخ فيكشف عن عدم تأثيره، و كذا الوجهان الآخران كما هو واضح، و قد عرفت فساد الجميع، فالأظهر تأثير فسخه.

(1) هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد و ان لم يفسخ؟ فيه اقوال:

الأول: ان له ذلك مطلقا.

الثاني: عدم ثبوته له مطلقا.

الثالث: ما اختاره المصنف رحمه الله، و هو التفصيل بين القول بتأثير الفسخ و عدمه،

و اختيار أن له ذلك علي الأول دون الثاني.

و الأظهر هو الأول لما دل علي ثبوت الخيار للمشروط له إذا تخلف المشترط و لم يعمل بالشرط في سائر الموارد، فانه يجري في المقام طابق النعل بالنعل.

(2) و استدل للثاني: بان

المقصود منه ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف الا إذا فسخ،

و بعده لا موضوع له.

(3) و المصنف رحمه الله قال: و الاولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط، و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار، لأنه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد.

و الظاهر ان مراده من عدم تخلف الشرط عدم تخلفه من حيث الغاية و النتيجة المرادة.

و يرد عليه: - مضافا الي ان الغرض قد يكون سقوط الحق لا خروج العقد عن التزلزل- ان الموجب للخيار تخلف الشرط بعنوانه لا من حيث تخلف الغاية المقصودة.

فالأظهر ثبوته مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 272

و قد يموت ذو الخيار و ينتقل الي وارثه. بقي الكلام في ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره في متن العقد، (1) فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل علي وجوب الوفاء به، و صدق الشرط علي غير المذكور في العقد غير ثابت، لان المتبادر عرفا هو الالتزام المرتبط بمطلب آخر. (2) و قد تقدم عن القاموس انه الالزام و الالتزام في البيع و نحوه.

و عن الشيخ و القاضي تأثير الشرط المتقدم قال في محكي الخلاف لو شرطا قبل العقد ان لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط و لزم العقد بنفس الايجاب و القبول، ثمّ نقل الخلاف عن بعض اصحاب الشافعي ثمّ قال: دليلنا انه لا مانع من هذا الشرط و الاصل جوازه و عموم الاخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع،

انتهي.

______________________________

الشرط غير المذكور في متن العقد

(1) قوله بقي الكلام في ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره في متن العقد بناء علي جواز الشرط كما هو المفروض في المقام، و ستعرف في محله تفصيل

القول فيه.

لا كلام في نفوذ الشرط المذكور في متن العقد و لو بأن يذكره قبل العقد و يشير إليه في العقد بان يقول مثلا: بعت علي ما ذكر.

كما لا كلام معتد به في عدم نفوذ الشرط غير المذكور في العقد و لم ينشأ العقد مبنيا عليه بان يكون حين العقد غافلا عنه.

انما الكلام فيما لو ذكر الشرط قبل العقد و وقع العقد مبنيا عليه.

فظاهر جماعة نفوذه.

و صريح آخرين عدمه.

و استدل لعدم العبرة به بوجوه:

(2) الأول: ما في المكاسب، و حاصله: ان الشرط هو الالزام أو الالتزام المرتبط بمطلب آخر، و عليه فالشرط المذكور سابقا لا يجب الوفاء به، لأنه اما وعد بالتزام أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، و هو و ان كان باقيا الي حين العقد الا انه لا يرتبط بالالتزام العقدي الا بجعل المتكلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 273

و نحوه المحكي عن جواهر القاضي و قال في المختلف علي ما حكي عنه بعد ذلك و عندي في ذلك نظر، فان الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه، انتهي.

اقول التبايع «التباني» علي ذلك الشرط ان كان بالاشارة إليه في العقد بأن يقول مثلا: بعت علي ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد و ان كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الانشاء، فهذا هو ظاهر كلام الشيخ. نعم يحتمل ان يريد الصورة الاولي و اراد بقوله قبل العقد قبل تمامه، و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط و يؤيده ايضا بل يعينه ان بعض اصحاب الشافعي انما يخالف في صحة هذا الاشتراط في

متن العقد و قد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في متن العقد، و استدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد، فلا يصح اسقاطه قبل تمامه.

______________________________

و فيه: ان الالتزام الشرطي و البيعي كليهما من مقولة المعني لا اللفظ، و اللفظ مبرز لهما، و عليه فإذا كان الالتزام الشرطي باقيا الي حين العقد و اوقع العقد مبنيا عليه- اي قيد التزامه البيعي بالالتزام الشرطي بالنحو الصحيح الذي سيمر عليك في باب الشروط، الذي به يخرج العقد عن التعليق- صدق علي ذلك الالتزام الضمني الشرط حتي علي القول بانه التزام مربوط بمطلب آخر، فيشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان القصود و الدواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ علي طبقها، فمجرد وقوع العقد مبنيا علي شرط مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثر.

ثمّ تفطن لاشكال، و هو: انه لا إشكال في الاكتفاء بالقصد في الشروط التي جرت العادة و العرف علي الالتزام بها في العقد، كوصف الصحة، و تسليم المبيع و ما شابههما.

فأجاب عنه: بانه في تلك الشروط انشاء العقد انشاء لها لأنها من لوازم الفاظ العقود، فكما انه ينشأ بها معانيها المطابقية فكذا مداليلها الالتزامية، و هذا بخلاف الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 274

و الحاصل ان ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف و التذكرة و استدلال الشيخ علي الجواز و بعض الشافعية علي المنع، يكاد يوجب القطع بعدم ارادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد و كيف كان. فالاقوي ان الشرط الغير المذكور في متن العقد، غير مؤثر لانه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق، لان المتحقق في السابق. اما وعد

بالتزام، أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، و العقد اللاحق و ان وقع مبنيا عليه لا يلزمه لانه الزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد الا بجعل المتكلم، و الا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين و قيودهما حتي يقدر شرطا منويا،

فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة، فان من باع داره في حال بنائه في الواقع علي عدم الخيار له، لم يحصل له في ضمن بيعه ان شاء التزام بعدم الخيار و لم يقيد انشاءه بشي ء بخلاف قوله: بعتك علي ان لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما علي نفسي و بانيا علي ان لا خيار لي فان انشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بانشائه

______________________________

الخاص للعاقد الخاص، فانه ليس من المداليل الالتزامية، فليس هو المنشأ في العقد الا مع ارتباط العقد به صريحا أو اشارة.

و فيه: انه في باب العقود و الايقاعات يعتبر وجود اللفظ أو مبرز آخر بلا كلام، و أما في باب الشروط فلا دليل علي اعتباره، و لعل الاكتفاء بالقصد و الالتزام النفساني في الشروط التي جرت العادة علي الالتزام بها في العقد اقوي شاهد علي ذلك إذ ليس ذلك الالتزام من لوازم الالتزام البيعي كي يكون اللفظ المبرز للالتزام البيعي مبرزا له بالالتزام.

و لو بني علي كفاية ذلك لا بد من البناء علي كفاية بناء المتعاقدين ايضا، فان بناء غيرهما من اهل العرف غير دخيل في الدلالة بهذا المعني.

الثالث: النصوص الواردة في النكاح الدالة علي انه لا عبرة بالشرط قبل العقد: منها:

موثق ابن بكير عن مولانا الصادق عليه السلام: إذا اشترطت علي المرأة شروط المتعة فرضيت به و اوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح فان اجازته فقد

جاز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 275

التزام عدم الخيار فحاصل الشرط الزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالاول و تمام الكلام في باب الشروط انشاء الله تعالي.

______________________________

و ان لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح «1».

و منها: موثق محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة متعة: انهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و انما الشرط بعد النكاح «2».

و منها: موثق ابن بكير عن الامام الصادق عليه السلام: ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز «3».

و فيه: اولا: ان هذه النصوص مختصة بشروط المتعة، و تدل علي انه إذا لم تذكر في ضمن العقد تنقلب دائما.

اما الأولان فواضح.

و أما الأخير فلقوله هدمه النكاح فان شروط المتعة يهدمها النكاح بدون الشرط.

و أما سائر الشروط فغاية الأمر عدم وجوب العمل بها لا هدمها و جعلها كالعدم.

و ثانيا: انه لا وجه للتعدي عن باب النكاح الي سائر الموارد و الأبواب.

و ثالثا: انها قابلة للحمل علي ما كان من الشروط سابقا و لم يكن مضمرا حال العقد علي وجه يكون مبنيا عليه، إذ لا يصدق كون الشرط قبل النكاح خاصة بعد فرض قصده في اثنائه.

فتحصل: ان الأظهر نفوذه و وجوب العمل به.

المنذور عتقه

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة من كتاب النكاح حديث 1.

(2) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة حديث 4.

(3) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 276

فرع ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد، و هو ما إذا نذر المولي ان يعتق عبده إذا باعه بأن قال

لله: علي ان اعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر، (1)

فيجب الوفاء به و لا يتم برفع الخيار و علي قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق انتهي.

اقول هذا مبني علي ان النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له. (2) و قد مر ان الاقوي في الشرط ايضا كونه كذلك.

______________________________

(1) ذكر العلامة في محكي التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد، و هو ما إذا نذر المولي ان يعتق عبده إذا باعه، قال: لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر.

و تصوير النذر المزبور بنحو يجب الوفاء به و يكون صحيحا: ان ينذر التملك ثمّ العتق،

إذ لو نذر العتق و هو ملك المشتري بطل النذر، و لو نذر العتق بعد التملك علي ان يكون التملك شرطا للنذر لم يجب التملك و الوفاء بالنذر.

و حينئذ تارة لا يمكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا.

و اخري يمكن ذلك فالكلام يقع في موردين:

الأول: إذا لم يمكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا.

لا اشكال في صحة البيع اشترط عدم الخيار ام لا، بناء علي ان الشرط الفاسد لا يفسد البيع و أما شرط عدم الخيار فهل يكون باطلا و فاسدا ام لا؟ وجهان.

قد استدل المصنف رحمه الله للأول:

(2) بان النذر المتعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له.

و فيه: اولا: ان غاية ما يقتضيه ذلك حرمة الشرط لا فساده لما تقدم من عدم دلالة الحرمة علي الفساد، الا ان يضم إليه ما سنذكره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 277

______________________________

و ثانيا: ان وجوب

الوفاء بالنذر انما يكون بعد البيع، فما لم يتم البيع لا وجوب من ناحية النذر كي يوجب عدم تسلط البائع علي هذا الشرط.

و الحق ان يقال: ان هذا الشرط من قبيل المقدمات المفوتة الموجبة لفوت الغرض و عدم القدرة علي امتثال التكليف في ظرفه- و قد حققنا في الاصول حرمتها- فيصير الشرط حراما، فلا يكون نافذا من جهة انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة، و الشرط المخالف سواء كان المشروط مخالفا أو الشرط نفسه لا يكون نافذا علي ما سيجي ء في باب الشروط.

و دعوي ان الشرط المخالف بنفسه لا من جهة مخالفة المشروط انما لا يكون نافذا إذا كان الشرط مخالفا للشرع، و في المقام الشرط لا يكون مخالفا بنفسه و انما يكون المحرم اسقاط الخيار.

مندفعة بان الشرط بنفسه اسقاط، فيكون حراما و مخالفا للشرع.

المورد الثاني: ما إذا امكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا، فقد افاد السيد الفقيه رحمه الله: انه يصح الشرط و لا مانع عنه.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بان الاقالة أو الشراء ليس تحت قدرة الناذر، لأن تحقق هذه العناوين يتوقف علي ارادة شخص آخر، و قد لا يريدها، و ما هو تحت قدرته اعمال الفسخ، فيجب علي الناذر اعماله، و مقتضاه عدم صحة شرط سقوط الخيار.

و فيه: ان حرمة شرط سقوط الخيار انما تكون لأجل كونه تفويتا للغرض، فلو فرضنا العلم بعدم الفوت- و لو بفعل غير اختياري- لا يكون هذا الفعل مفوتا، فلا يكون حراما، فيكون صحيحا و نافذا.

فالأظهر ما افاده السيد رحمه الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 278

مسألة: و من المسقطات اسقاط هذا الخيار بعد العقد (1)
اشارة

بل هذا هو المسقط الحقيقي و لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالاسقاط، و

يدل عليه بعد الاجماع، فحوي ما سيجي ء من النص الدال علي سقوط الخيار بالتصرف، معللا بأنه رضاء بالبيع، (2)

مضافا الي القاعدة المسلمة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه، (3) و لعله لفحوي تسلط الناس علي اموالهم فهم اولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالاموال،

______________________________

الاسقاط بعد العقد

(1) الثاني: من المسقطات: اسقاط هذا الخيار بعد العقد.

و استدل لسقوطه بالاسقاط بوجوه:

الأول: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

(2) الوجه الثاني: فحوي ما سيجي ء من النص «1» الدال علي سقوط الخيار بالتصرف، معللا بانه رضا بالبيع، استدل بها المصنف رحمه الله.

و اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله: بان النص بعموم التعليل يدل علي حكم المقام بلا حاجة الي الفحوي، بل و مع منع الفحوي.

و لكن تقريب الفحوي علي مسلك المصنف رحمه الله- الملتزم بان لزوم العقد بالرضا و اقراره انما يكون من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار: انه إذا دل الدليل علي مسقطية الرضا و كونه موجبا للزوم من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار، فنفس الاسقاط اولي بان يكون مسقطا للخيار.

فلا يرد عليه ما اورده المحقق المذكور.

(3) الثالث: القاعدة المسلمة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه لفحوي تسلط الناس علي اموالهم «2» فهم اولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالأموال.

و اورد عليه بوجوه:

احدها: ان دليل السلطنة ضعيف السند.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) البحار ج 1 ص 156 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 279

______________________________

و فيه: انه لاعتماد الأصحاب عليه و تمسكهم به يكون معتبرا.

ثانيهما: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان علقة الحق اضعف من علقة المال،

و السلطنة في القوي لا تقتضي السلطنة في الضعيف بل الأمر بالعكس، فلو

ثبتت السلطنة في الحق اقتضي فحواها السلطنة في المال.

و فيه: انه علي فرض تسليم دلالة هذا الدليل علي سلطنة الانسان علي اعدام الملك،

و الاعراض عنه يتم هذه الاولوية، إذ السلطنة علي اعدام القوي و اذهابه توجب بالاولوية السلطنة علي اعدام الضعيف.

و ان شئت قلت: ان السلطنة في الشي ء غير السلطنة علي الشي ء، و الاولوية في الثانية بخلاف الاولوية في الاولي.

ثالثها: ان دليل السلطنة لا يدل علي ان للمالك الاعراض عن ماله و سلب الملكية عن نفسه لما تقدم في الجزء الثالث من هذا الشرح في مبحث المعاطاة من انه كسائر الأدلة انما يدل علي ثبوت الحكم علي فرض وجود الموضوع، و لا نظر له الي بقاء الموضوع و ارتفاعه، و موضوع السلطنة المال المضاف باضافة الملكية، فلا يدل علي ان له الاعراض عنها.

و بعبارة اخري: انه يدل علي ان له السلطنة علي التصرفات في المال، و لا يدل علي ان له السلطنة علي السلطنة باعدامها و الاعراض عنها، و عليه فلا يدل بالفحوي علي ان له اسقاط الحق و اعدامه.

لا يقال: انه حيث لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل الا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط كما عن المصنف فلو دل هذا الدليل علي ثبوت السلطنة علي الحقوق بالاولوية دل علي ان له الاسقاط.

فانه يقال: ان هذا يتم لو كان ذلك- اي ثبوت السلطنة علي الحقوق- مفاد دليل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 280

و لا معني لتسلطهم علي مثل هذا لحقوق الغير القابلة للنقل، (1) الا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط، و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام الابتدائي. ثمّ ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه

بإحدي الدلالات العرفية (2) للفحوي المتقدمة (3) و فحوي ما دل علي كفاية بعض الافعال في اجازة عقد الفضولي. (4)

______________________________

خاص لا فيما إذا كان مستفادا من الدليل العام، فان الالتزام بعدم السلطنة في مثل هذه الحقوق رأسا لعدم المعني لها لا يترتب عليه محذور.

(1) قوله لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق … الا نفوذ تصرفهم فيها فقد أورد عليه السيد بانه علي فرض كونه قابلا للنقل ايضا يمكن الاستدلال بان يراد الأعم من النقل و الاسقاط.

و قد عرفت في ذيل الايراد الثالث علي الوجه الثاني: انه يمكن توجيه كلام المصنف ره بنحو لا يرد عليه هذا الايراد، و ان كان غير تام علي اي تقدير. فراجع.

(2) قوله ثمّ ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه باحدي الدلالات.

و قد استدل له بوجوه:

(3) الأول: فحوي ما دل علي سقوط الخيار بالتصرف، فانه إذا كان الفعل الكاشف عن الرضا بالبيع و الالتزام به مسقطا للخيار فاللفظ الدال علي ذلك اولي بان يكون مسقطا لأقوائية اللفظ من الفعل.

و هذا هو مراد المصنف رحمه الله من قوله للفحوي المتقدمة.

فلا يرد عليه ما عن المحقق الخراساني رحمه الله من: ان دليل السلطنة لا يتكفل نفوذ السبب بل يتكفل مشروعية المسبب: فانه يتوقف علي ارادة الفحوي الثانية لا الأولي.

(4) الثاني فحوي ما دل علي كفاية بعض الأفعال في اجازة عقد الفضولي.

و فيه: انا لم نجد ما يدل علي دلك سوي طائفتين من النصوص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 281

و صدق الاسقاط النافذ بمقتضي ما تقدم من التسلط علي اسقاط الحقوق و علي هذا فلو قال احدهما: اسقطت الخيار من الطرفين، فرضي الآخر سقط خيار الراضي (1)

ايضا، لكون رضاه باسقاط الآخر خياره

اسقاطا ايضا.

______________________________

احداهما: في العبد يزوج نفسه بغير اذن مولاه، المتضمنة: ان سكوت المولي بعد العلم اقرار منه «1».

ثانيتهما: في المرأة تزوج نفسها في حال السكر، المتضمنة: انها لو اقامت معه بعد الافاقة يكون التزويج نافذا «2».

و موردهما ما يكون العقد تاما من جميع الجهات سوي عدم احراز رضا من يعتبر رضاه بالعقد، و من المعلوم ان الرضا القلبي يكفي باي شي ء احرز، و هذا بخلاف الموارد التي يكون العقد فيها ناقصا من جهة اخري و تتوقف تماميته من تلك الناحية علي الانشاء كبيع الفضولي، حيث انه ناقص من جهتين: من ناحية الرضا، و من ناحية عدم كونه مستندا الي المالك، و هو من الجهة الثانية يحتاج الي الانشاء، و لهذا لا يكفي في الاجازة الرضا القلبي، بل لا بد من الانشاء.

و المقام من هذه الموارد، اي يتوقف علي الانشاء و لا يكفي مجرد الرضا القلبي بسقوط الخيار، فهذا الوجه غير تام.

الثالث: ان مقتضي اطلاق الدليل كفاية كل ما يصدق عليه الاسقاط و فرع المصنف علي ذلك و قال.

(1) و علي هذا فلو قال احدهما اسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر سقط خيار الراضي لعل وجه التفريع علي ما سبق انه بناء علي كفاية كل ما يدل علي الاسقاط في سقوط الحق لو انشأ احدهما السقوط من الطرفين و رضي الآخر كفي ذلك في سقوط الخيار لتحقق الانشاء و الرضا.

و لكن يرد عليه ان انشاء احدهما السقوط من طرف الآخر لا يكفي بل لا بد من استناده إليه و علي فرض جريان الفضولي في الايقاع لا بد من اعتبار الاجازة تحقيقا للاستناد و الرضا بالاسقاط ليس انشاء للسقوط و اسقاطا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح

العبيد و الاماء.

(2) الوسائل- باب 14- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 282

مسألة: لو قال احدهما لصاحبه: اختر، (1) فإن اختار المأمور الفسخ فلا اشكال في انفساخ العقد، و ان اختار الامضاء ففي سقوط خيار الامر ايضا مطلقا كما عن ظاهر الأكثر بل عن الخلاف، الإجماع عليه، أو بشرط إرادته تمليك الخيار لصاحبه، و إلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة، أو مع قيد ارادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك، اقوال و لو سكت فخيار الساكت باق اجماعا، و وجهه واضح. و أما خيار الامر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم ارادة تمليك الخيار، كما هو ظاهر التذكرة، أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ، اقوال و الاولي ان يقال: ان كلمة اختر

______________________________

لو قال احدهما لصاحبه اختر

(1) مسألة: لو قال احدهما لصاحبه اختر فان اختار الفسخ فلا اشكال في انفساخ العقد، و ان اختار الامضاء ففي سقوط خيار الأمر ايضا اقوال:

احدها: السقوط مطلقا. نسب ذلك الي جمع من الأساطين فيما لو اختار الامضاء،

و أما لو سكت فلم اظفر بمن يقول بالسقوط و ان نسب الي الشيخ رحمه الله، و لكن الثابت خلافه.

ثانيها: السقوط إذا قصد التمليك.

ثالثها: السقوط إذا قصد التمليك أو التفويض.

رابعها: السقوط إذا قصد التمليك و اسقط الآخر.

خامسها: عدم السقوط.

و لا يخفي ان عنوان هذه المسألة انما يكون تبعا للنص: روي نافع عن ابن عمر: ان النبي صلي الله عليه و آله قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول احدهما لصاحبه اختر. «1» من جهة ان الأصحاب لم يفهموا منه التعبد المحض فالتجئوا الي تطبيقه علي القواعد، و حيث انه نبوي و لم يصل الينا بطريق معتبر،

و اعتماد الأصحاب عليه غير ثابت،

فهو لا يصلح لأن يعتمد عليه في الحكم، فلا بد من ملاحظة القواعد.

______________________________

(1) الخلاف كتاب البيوع مبحث خيار المجلس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 283

بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب احد طرفي العقد من الفسخ و الامضاء،

و ليس فيه دلالة علي ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الامر أو استكشاف الحال نعم الظاهر عرفا من حال الامر ان داعيه استكشاف حال المخاطب (1) و كأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب امر الشي ء، كما يظهر من باب الطلاق فإن تم دلالته حينئذ علي اسقاط الامر خياره بذلك و الا فلا مزيل لخياره،

______________________________

و ملخص القول فيه: انه لا خلاف في معني كلمة اختر مادة و هيئة، و لكن بعد عدم ارادة طلب الاختيار حقيقة يحتمل فيها معان:

احدها: ان يكون انشاء الطلب بها بقصد اسقاط حقه و الاعراض عنه.

ثانيها: ان يكون لغرض نقل خياره الي صاحبه و تمليكه اياه.

ثالثها: ان يكون بقصد تفويض اعمال خياره بفسخ أو امضاء الي صاحبه.

(1) رابعها: ان يكون بغرض استعلام حال المخاطب.

و علي جميع هذه المحتملات لو اختار الآخر الفسخ لا إشكال في الانفساخ، كما انه لو سكت لا كلام في عدم سقوط خياره، و لو اجاز لا كلام في سقوط خياره.

انما الكلام فيما لو اختار الامضاء أو سكت في انه هل يسقط خيار الأمر ام لا.

اما علي الاول: فيسقط خياره بمجرد الامر.

و أما علي الثاني: فان قبل صاحبه التمليك سقط و الا فلا.

لا يقال: انه قد تقدم عن المصنف رحمه الله و غيره: ان هذا الخيار لا يقبل النقل، فكيف يحكم بسقوط خياره.

فانه يجاب اولا: قد مر أنه قابل له.

و ثانيا: ان من يقول بعدم

قابليته للنقل انما يلتزم به في النقل الي الأجنبي من جهة انه خيار المجتمعين و يكون مغيا بافتراقهما، فلا يمكن نقله الي غير من هو طرف المعاملة.

و أما في النقل الي من هو طرف المعاملة فلا يلتزم به لعدم جريان هذا الوجه فيه.

و أما علي الثالث: فان سكت يبقي خياره، و ان اختار الامضاء من الطرفين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 284

و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض اخبار خيار المجلس، انهما بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول احدهما لصاحبه اختر. (1)

ثمّ انه لا إشكال في ان اسقاط احدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر،

و منه يظهر انه لو اجاز احدهما و فسخ الآخر، انفسخ العقد لأنه مقتضي ثبوت الخيار، فكان العقد بعد اجازة احدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز، كما لو جعل الخيار من اول الأمر لاحدهما و هذا ليس تعارضا بين الاجازة و الفسخ و ترجيحا له عليها.

نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين (2) كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف احد المتعاقدين أو من طرفهما لمتعدد كالاصيل و الوكيل فأجاز احدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة، كما لو باع عبدا بجارية، ثمّ اعتقهما جميعا، حيث ان اعتاق العبد فسخ، و إعتاق الجارية، اجازة،

أو اختلف الورثة في الفسخ و الإجازة تحقق التعارض. و ظاهر العلامة في جميع هذه الصور، تقديم الفسخ، و لم يظهر له وجه تام و سيجي ء الاشارة الي ذلك في موضعه.

______________________________

سقط، إذ خيار الموكل لا يسقط ما لم يجز الوكيل من طرفه.

و أما علي الرابع: فلا يسقط خياره اصلا حتي بعد الاجازة.

و لا يبعد دعوي ظهوره

في الأول أو الثاني، و علي فرض عدم الظهور في شي ء منها مقتضي الاستصحاب بقاء الخيار حتي بعد الامضاء.

(1) قوله و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض … اختر من المقطوع به عدم كون هذه الكلمة الصادرة من احدهما غاية لخيار كل منهما و عليه فلا بد من حمل ذلك علي انها غاية لمجموع الخيارين لا لكل واحد منهما.

(2) قوله نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين.

و ضابط ذلك ان يكون الخيار ثابتا للطبيعة المنطبقة علي كل منهما كما في خيار الورثة علي احتمال- أو يكون اجازة احدهما اجازة للآخر و مستندة إليه ايضا كما في الخيار الثابت للوكيل و الاصيل- فان اجازة الوكيل اجازة للموكل و مستندة إليه اللهم الا ان يقال ان فسخ الاصيل مقارنا لإجازة الوكيل يكون عزلا و عليه فيؤثر الفسخ اثره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 285

مسألة: من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين (1)
اشارة

و لا اشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع، (2) و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك (3) مثل قوله، فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا و معني حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد، افتراقهما بالنسبة الي الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الاضافي و لو بمسماه ارتفع الخيار

______________________________

من المسقطات افتراق المتبايعين

(1) الثالث: من جملة مسقطات الخيار: افتراق المتبايعين.

لا كلام في مسقطية الافتراق- بمعني انتهاء امد الخيار به.

انما الكلام وقع في موارد ثلاثة:

الأول: في ان مسقطية الافتراق هل تكون من جهة كاشفيته عن الرضا بلزوم العقد،

أو أنه بنفسه مسقط و غاية للخيار.

الثاني: في تعيين اقل ما يحصل به الافتراق.

الثالث: في انه هل يلزم حركة كل منهما

الي جانب ام يكفي حركة احدهما؟

(2) اما المورد الأول: فالحق انه بنفسه غاية له، إذ لا طريقية و لا كاشفية للتفرق عن الرضا، و الشاهد به ملاحظة حال سائر اقسام الخيار، فهل يتوهم احد كاشفية التفرق عن الرضا فيها، مع ان مقتضي اطلاق النصوص «1» عدم اعتبار شي ء في ذلك غير عنوان التفرق.

و استدل لاعتبار كشفه عن الرضا و ان مسقطيته بهذا الاعتبار بوجهين:

احدهما: قوله عليه السلام في صحيح جميل فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما. «2» و إليه اشار المصنف بقوله.

(3) و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار. 2- نفس المصدر.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 286

فلا يعتبر الخطوة، (1) و لذا حكي عن جماعة: التعبير بأدني الانتقال. و الظاهر ان ذكره في بعض العبارات لبيان اقل الافراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف اقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني علي الغالب في الخارج أو في التمثيل لاقل الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفي مجرد افتراقهما و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الاصحاب. و عن صريح آخر التأمل، و كفاية الخطوة لانصراف الاطلاق الي ازيد منها فيستصحب الخيار، و يؤيده قوله في بعض الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطأ ليجب البيع حين افترقنا، و فيه منع الانصراف و دلالة الرواية.

______________________________

ثانيهما: ان الطريقة العقلائية جارية علي انهم إذا اجتمعوا علي انفاذ معاملة لا يفترقون الا بعد التزامهم بها، فالمطلقات محمولة علي الغالب، فلا دليل علي انتهاء امد الخيار في غير مورد الرضا.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلما عرفت من منع الكاشفية، نعم كاشفيته عن الرضا بالبيع لا تنكر، مع ان المطلق

لا يحمل علي الغالب.

و أما الثاني: فلأنه حيث لم يذكر متعلق الرضا في الخبر فيمكن ان يكون المراد الرضا باصل المعاملة اما بان يكون المراد انهما أو جدا البيع عن الرضا، أو انهما رضيا بالبيع بمعني عدم الاكراه و الفسخ قبل التفرق، و يمكن ان يكون المراد الرضا بالتفرق في مقابل صدوره عن كره، و يمكن ان يكون المراد الرضا بلزوم العقد.

و لو لم ندع ظهوره في الأول فلا اقل من الاجمال، و حيث ان الاستدلال يتوقف علي ارادة الثالث فهو لا يتم لعدم ثبوتها.

الغريب ان المصنف رحمه الله في المقام بني علي عدم اعتبار هذا الظهور، و في المسألة الآتية يصرح باعتباره استنادا الي الصحيح.

و أما المورد الثاني: فالأقوال فيه ثلاثة:

(1) احدها: كفاية مجرد الافتراق و لو كان اقل من خطوة. ذهب إليه المصنف رحمه الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 287

ثمّ اعلم ان الافتراق علي ما عرفت من معناه يحصل بحركة احدهما و بقاء الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما، (1) فالحركة من احدهما لا يسمي افتراقا حتي يحصل عدم المصاحبة من الآخر، فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن، و لو تحرك كل منهما، كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر، و كيف كان فلا يعتبر في الافتراق المسقط، حركة كل منهما الي غير جانب الآخر، كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام عليه السلام ارضا و انه عليه السلام قال:

______________________________

ثانيها: اعتبار الخطوة و كفايتها.

ثالثها: عدم كفايتها ايضا، و ان المدار علي صدق الافتراق عرفا.

و الأظهر هو الأخير لوجهين:

الأول: ان الافتراق المجعول غاية في مقابل الاجتماع البدني الصادق علي ما إذا كان الفصل

بينهما خطوة أو اقل أو اكثر من المفاهيم العرفية الذي لا يشك احد في عدم صدقه بمجرد التباعد بخطوة أو خطوتين.

الثاني: قوله عليه السلام في جملة من النصوص: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع. «1» تقريب الاستدلال به: تعليقه عليه السلام وجوب البيع علي المشي خطي، و لا ريب في ظهوره في عدم كفاية الأقل، و ليس مورد الاستدلال به فعله عليه السلام كي يقال انه لا يدل علي اعتبارها.

و استدل: للأول: بان الموضوع هو الافتراق الصادق علي الأقل من الخطوة.

و فيه: ان الافتراق غير التباعد، و الثاني يصدق بادني فصل بخلاف الأول.

و أما المورد الثالث: فمحل الكلام ليس صدق التفرق مع عدم تأثير من المتفرقين، بل هذا يبحث فيه في المسألة الآتية، و المفروض في المقام صدقه بدونه.

(1) بل هو كفاية حركة احدهما مع سكون الآخر. و الأظهر ذلك، لأن الهيئة الاجتماعية الحاصلة للمتبايعين محققة لصدق الاجتماع، و ان كلا منهما مجتمع مع الآخر،

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 288

فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا (1) فاثبت افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط.

مسألة: المعروف انه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه

إذا منع من التخاير أيضا (2) سواء بلغ حد سلب الاختيار ام لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند الي الفاعل المختار، (3) مضافا الي حديث: رفع ما استكرهوا عليه (4) و قد تقدم في مسألة

______________________________

و عدم تلك محقق لعنوان الافتراق- اي افتراق كل منهما عن صاحبه- و عليه فلو تحرك احدهما و سكن الآخر تنعدم الهيئة الاجتماعية، فلا محالة يصدق الافتراق. و اضف الي ذلك اثبات الامام عليه السلام افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط حين قال:

(1) فمشيت

خطي ليجب البيع حين افترقنا.

الافتراق عن اكراه

(2) قوله المعروف: انه لا اعتبار بالافتراق عن اكراه إذا منع من التخاير.

و قد استدل لذلك بوجوه:

(3) الأول: تبادر الاختيار من الفعل المسند الي الفاعل المختار.

و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بان المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار.

و الحق ان يقال: انه لا يتبادر الاختياري في مقابل الاضطراري ايضا، لأن هيئات الأفعال موضوعة نوعيا، مثلا هيئة فعل وضعت لإفادة النسبة التحققية في ضمن اي مادة كانت. و قد تكون المادة اختيارية، و لا سبيل الي غير الاختيارية فيها كباع و طلق، و قد تكون بالعكس كمات و وجد و غيرهما. و قد يجوز الأمر ان فيها و الهيئة في جميع ذلك تستعمل في معني واحد و لها وضع واحد. و بذلك يستكشف عدم دخل الاختيار في معناها اصلا.

(4) الثاني: حديث رفع ما استكرهوا عليه «1» بدعوي انه يدل علي ان الافتراق

______________________________

(1) الوسائل- باب 56- من ابواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 289

اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم: الرفع للحكم الوضعي المحمول علي المكلف فلا يختص برفع التكليف، هذا. و لكن يمكن منع التبادر فإن المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لم يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد علي تركه، فإن التبادر ممنوع، فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل، مع ان المعروف بين الاصحاب ان الافتراق و لو اضطرارا مسقط للخيار، إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الامضاء، مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار

______________________________

عن كره لا يترتب عليه الأثر

و وجوده كالعدم و قد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه شمول الحديث للحكم الوضعي.

و قد اورد علي الاستدلال به بوجوه:

احدها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله و السيد في الحاشية، و هو: انه من التزام القائل باعتبار الاختيار في مقابل الاكراه بسقوط الخيار مع النسيان و الغفلة يستكشف ان ذات الافتراق من حيث هو جعل من المسقطات لا بما هو فعل صادر عن اختيار، و حديث الرفع انما يجري فيما كان الفعل منوطا بالقصد كالعقود.

و فيه: ان النقض بالنسيان و الغفلة يمكن ان يجاب عنه بما اجبنا به عن ايراد المصنف و هو ثالث الوجوه و سيأتي.

و أما ما افاده من اختصاص الحديث بالأفعال القصدية.

فيرد عليه ما حققناه في محله من منع التخصيص بعد اطلاق الدليل.

ثانيها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه من كون مورد بعض المرفوعات منحصرا في متعلق التكليف كالحسد يستكشف اختصاص الحديث بمتعلقات التكاليف، و لا يعم الموضوعات لعدم الجامع بين المتعلق و الموضوع، و لذا لو تحقق الاقامة عن كره لا يرفع حكمها بالحديث، و التفرق من قبيل الموضوع لا المتعلق فلا يشمله الحديث.

و فيه: ان الحديث يدل علي رفع كل ما هو في عالم التشريع عن ذلك العالم إذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 290

قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور، لأنه إذا كان متمكنا من الامضاء و الفسخ فلم يفعل، حتي وقع التفرق كان ذلك دليلا علي الرضا و الامضاء، انتهي.

و في جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار انتهي.

و منه يظهر انه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف بدخول المكره و المضطر إذا

تمكنا من التخاير.

و الحاصل ان فتوي الأصحاب هي ان التفرق عن إكراه عليه و علي ترك التخاير غير مسقط للخيار، (1) و انه لو حصل احدهما باختياره سقط خياره، و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الادلة بالتفرق الاختياري، و لا بأن مقتضي حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق، لأن المفروض ان التفرق الاضطراري ايضا مسقط

______________________________

عن كره، من غير فرق بين الموضوع و المتعلق، و لذا لو شرب الخمر عن اكراه يجوز الاقتداء به و ان ورد لا تصل خلف شارب الخمر. و قد صرح بذلك هو قده في حديث الرفع.

و أما مسألة الاقامة فالجواب عنها: ان الاقامة ليست موضوع وجوب التمام، بل الموضوع هو العلم بها، و هو لا يكون اكراهيا، و ما هو اكراهي ليس متعلق التكليف و لا موضوعه.

(1) ثالثها: ما افاده المصنف رحمه الله: بانه لو كان الحديث مدرك هذا الحكم كان اللازم البناء علي عدم مسقطية التفرق الاكراهي مع عدم المنع من التخاير، و لم يلتزموا بذلك،

فيستكشف منه انه لا يكون الحديث مدركا له.

و فيه: انه ان كان اجماع تعبدي علي السقوط كان هو المقيد للاطلاق، و به ترفع اليد عما يقتضيه الحديث، و الا يلتزم المستدل بعدم السقوط في هذا الفرض أيضا.

رابعها: - و هو الصحيح- و هو: ان لسان الحديث هو رفع الحكم لا وضعه، و لذا لو تعلق الاكراه بعدم التزويج لا يحكم بتحقق الزوجية، و التفرق ليس موضوع الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 291

مع وقوعه في حال التمكن من التخاير، فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي و إلي ان المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء بالعقد (1) سواء وقع

اختيارا أو اضطرارا بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما، (2) دل علي ان الشرط في السقوط الافتراق و الرضا منهما، و لا ريب ان الرضا المعتبر ليس الا المتصل بالتفرق (3) بحيث يكون التفرق عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر اجماعا، أو يقال ان قوله بعد الرضا اشارة الي اناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما، فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد (4) و اعراضهما عن الفسخ

______________________________

بل هو سبب لارتفاع ما هو الموضوع للخيار. و أما اللزوم فهو يثبت بادلته و موضوعه العقد.

و بالجملة: موضوع الخيار اجتماع المتبايعين، و الافتراق سبب لانعدامه، و هو ليس موضوعا لحكم، فلا يصح ان يقال ان التفرق الاكراهي كلا تفرق، فكان الاجتماع باق.

فالأظهر عدم صحة الاستدلال به.

(1) الثالث: ان المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد. استدل به المصنف رحمه الله.

و فيه: ما تقدم في المسألة المتقدمة من منع كاشفيته عن الرضا، فلا وجه لهذه الدعوي اصلا.

(2) الرابع: قوله عليه السلام في صحيح الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «1».

و ذكر المصنف رحمه الله في تقريب الاستدلال به وجهين:

(3) الأول: انه يدل علي ان الافتراق المجعول غاية هو الذي ينبعث عن الرضا بالعقد،

بمعني انه بعد الفراغ عن امر العقد و الرضا به يفترقان.

(4) الثاني: ان الافتراق من حيث كاشفيته عن الرضا بالعقد جعل غاية، و علي التقديرين الافتراق الاكراهي غير مشمول له، لأنه غير منبعث عن الرضا و لا كاشف

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 292

و علي كل تقدير. فيدل علي ان المتفرقين و لو اضطرارا،

إذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما، فهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة

______________________________

عنه و الفرق بين الوجهين هو الفرق بين مقام الثبوت و الاثبات.

و فيه: اولا: ما عرفت من تطرق احتمالات في الرضا الموجود في الحديث.

و ثانيا: انه لو سلم ان المراد بالرضا هو الرضا بلزوم العقد و الالتزام به.

انما نلتزم بالتقييد إذا كان لسان الخبر هكذا، فلا خيار لهما ان افترقا بعد الرضا منهما.

و أما مفاد ما في الخبر فهو كون الافتراق التزاما عمليا، و يكون قوله بعد الرضا بيانا للافتراق.

و بعبارة اخري: مفاد ما في الخبر انه لا خيار بعد الافتراق لكونه رضا بالعقد.

الخامس: ان تشريع الخيار انما هو للارفاق بالمتبايعين، و هذا لا يلائم مع سقوطه بالافتراق الاكراهي.

و فيه: اولا: ان ذلك حكمة لا يدور الحكم مدارها.

و ثانيا: ان اصل ثبوت الخيار انما هو للارفاق، و هذا لا يلازم مع كون غاية الخيار ايضا ملائمة له.

السادس: الاجماع المحكي عن غير واحد.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

فالأظهر سقوط الخيار بالافتراق الاكراهي ايضا.

هذا إذا كان الاكراه علي التفرق مع المنع من التخاير، و أما مع عدم المنع منه فالأمر اوضح.

لو اكره احدهما علي التفرق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 293

مسألة: لو اكره احدهما علي التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس (1)

فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خيار احدهما، لأنهما مكرهان علي الافتراق و ترك التخاير، فدخل في المسألة السابقة و ان لم يمنع من المصاحبة.

ففيه أقوال و توضيح ذلك، ان افتراقهما المستند الي اختيارهما كما عرفت، يحصل بحركة احدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك، و ان الاكراه علي التفرق لا يسقط حكمه

ما لم ينضم معه الاكراه علي ترك التخاير، فحينئذ نقول تحقق الاكراه المسقط في احدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه احدهما علي التفرق و ترك التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير، و اخري بالعكس بإبقاء احدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير، و ذهاب الآخر اختيارا، و محل الكلام هو الاول و سيتضح به حكم الثاني و الاقوال فيه اربعة:

سقوط خيارهما، كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد (قدس الله اسرارهم).

و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين و محتمل الارشاد.

و سقوطه في حق المختار خاصة. و فصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس،

فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسقوط عنهما

______________________________

(1) قوله و لو اكره احدهما علي التفرق و منع عن التخاير، و بقي الآخر في المجلس.

بناء علي ما اخترناه في المسألة السابقة من سقوط الخيارين بالتفرق الكرهي لا مجال لهذا البحث،

بل يكون الخياران ساقطين بالاولوية. نعم لو قلنا فيها بمقالة المشهور كان لهذا البحث مجال.

و مورد البحث في المقام: ان التفرق إذا كان عن اكراه احدهما هل يوجب سقوط الخيار ام لا؟ و أما الجهات الاخر فهي لا يبحث عنها في المقام.

و بعبارة اخري: البحث في المقام متمحض في مانعية اكراه احدهما عن السقوط و عدمها، و عليه فلا وجه للنزاع في ان التفرق هل يحصل بحركة احدهما و سكون الآخر ام لا؟ و قد تقدم حصوله بذلك كما تقدم عدم دخل الاختيار في ذلك.

و هكذا لا وجه لجعل النزاع في المقام و مبني الأقوال فيه بقاء الاكوان و عدمه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 294

و مبني

الاقوال علي ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف علي حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار احدهما؟ و علي الاول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد علي مجموع اختيارهما فعلي الأول يسقط خيار المختار خاصة، كما عن الخلاف و جواهر القاضي، و علي الثاني يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين. و علي الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار احدهما أو يكفي كونه تركا اختياريا، كالبقاء في مجلس العقد مختارا،

فعلي الاول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد و ذهابه علي الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد.

و اعلم ان ظاهر الايضاح ان قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما و ان محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا و الا سقط خيارهما اتفاقا، حيث قال في شرح قول والده: لو حمل احدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره علي اشكال. و أما الثابت فان منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خياره و إلا فالاقرب سقوطه، فيسقط خيار الأول، انتهي.

______________________________

و افتقار الباقي الي المؤثر و عدمه، إذ لو قلنا ببقاء الأكوان و عدم احتياج الباقي الي المؤثر فغاية ما يلزم منه ان بقاء الساكن ليس بفعله، و قد مر ان الافتراق يحصل و لو مع عدم تأثير من المتفرقين.

و تنقيح القول في المقام انما هو بالبحث في مقامين:

الأول: في ان مقتضي الأدلة المتقدمة في المسألة السابقة ما ذا.

الثاني: في ما تقتضيه الروايات الحاكية لفعله

عليه السلام.

اما المقام الأول: فمقتضي كون المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد، و مقتضي الاجماع سقوط الخيارين في المقام،

و مقتضي حديث الرفع «1» ثبوتهما معا،

______________________________

(1) الوسائل- باب 56- من ابواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 295

قال ان هذا مبني علي بقاء الاكوان و عدمه و افتقار الباقي الي المؤثر و عدمه و ان الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلي عدم البقاء أو افتقار الباقي الي المؤثر يسقط، لأنه فعل المفارقة، و علي القول ببقائها و استغناء الباقي عن المؤثر و ثبوتية الافتراق لم يسقط خياره، لأنه لم يفعل شيئا.

و ان قلنا: بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل فكذلك.

و ان قلنا انه يعلل سقط ايضا و الاقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة، انتهي.

و هذا الكلام و ان نوقش فيه بمنع بناء الاحكام علي هذه التدقيقات الا انه علي كل حال صريح في ان الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره، و ظاهره كظاهر عبارة القواعد ان سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي القول المحكي عن الخلاف و الجواهر، لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا القول، قال: لو اكرها، أو احدهما علي التفرق بالابدان علي وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا، بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك و نحوه المحكي عن القاضي، فإنه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر علي قوله: بطل خيارهما، فتأمل

______________________________

و مقتضي صحيح الفضيل «1» هو التفصيل بين المكره و غيره و سقوط خيار غير المكره خاصة.

اما التبادر فلأن المتيقن اعتبار رضا احدهما، و ليس المتبادر خصوص ما كان عن رضاهما.

و أما الاجماع فلعدم وجوده في المقام.

و أما حديث

الرفع فلأن غاية ما قيل في توجيه دلالته علي التفصيل انه يدل علي ارتفاع حكم ما تعلق الاكراه به خاصة دون غيره.

و دعوي انه لو شمل الحديث تفرق المكره و حكم عليه بكون افتراقه كلا افتراق كان لازمه بقاء اجتماع صاحبه معه، و مع بقاء الهيئة الاجتماعية شرعا يكون خيار كليهما باقيا شرعا.

مندفعة اولا: بان لسان الحديث ليس تنزيل الموجود منزلة المعدوم، لأنه حينئذ وضع لا رفع، بل لسانه رفع الحكم بلا نظر الي بقاء الموضوع و عدمه كما حقق في الاصول.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 296

بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها و فيه تأمل، و كيف كان فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما فإن التفرق و ان لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين و لا من أحدهما الا ان المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق، فرضاء احدهما في المقام و هو الماكث لا دليل علي كفايته في سقوط خيارهما، و لا في سقوط خيار خصوص التراضي، إذ الغاية غاية للخيارين فإن تحققت سقطا و الا ثبتا، و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة باناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء احدهما، (1) و لكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوع،

بل المتيقن اعتبار رضا احدهما.

______________________________

و ثانيا: ان مقتضي كون افتراق المكره كلا افتراق كونه مجتمعا مع صاحبه تعبدا لا كون صاحبه مجتمعا معه، و عدم الانفكاك بينهما واقعا لا يلازم عدم الانفكاك بينهما تنزيلا و تعبدا.

و لكن الأرجح في النظر انه يقتضي ثبوت الخيارين

معا، لأن الغاية للخيارين امر واحد من جهة ان الافتراق من المعاني المتضايفة كالاجتماع، و لا يعقل افتراق احدهما عن صاحبه من دون ان يفترق صاحبه عنه، و عليه فجعل الغاية متعددة لغو فلا محالة تكون الغاية واحدة.

لا يقال: انه مع لحوق خصوصية الاكراه يكون قابلا للانفكاك فيصح جعل الغاية متعددة.

فانه يقال: ان الاكراه لا يكون قيد الافتراق واقعا كالرضا، بل خصوصية عدم الاكراه انما تعتبر بحديث الرفع الحاكم علي الأدلة الواقعية، فليس في عرض الواقع ما يثبت القيدية، و عليه فحديث الرفع انما يرفع حكم الافتراق المجعول غاية و هو سقوط الخيارين معا، و لازم ذلك ثبوتهما معا. فتدبر فانه دقيق.

و أما صحيح الفضيل، فقد افاد المصنف رحمه الله و تبعه المحقق النائيني رحمه الله:

(1) بان الظاهر منه تقييد السقوط بالرضا منهما المنتفي بانتفاء رضا احدهما أو كليهما، فيبقي الخيار حتي بالنسبة الي المختار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 297

و ظاهر الصحيحة و ان كان اعتبار ذلك إلا انه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الامام عليه السلام و انه قال: فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الامام عليه السلام، (1)

و دعوي انصرافه الي صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة.

و ظاهر الصحيحة و ان كان اخص (2) إلا ان ظهور الرواية في عدم مدخلية شي ء آخر زائدا علي مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات، مثل ما إذا مات احدهما و فارق الآخر اختيارا. فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين.

و قد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بانه قد تحقق الافتراق، فسقط الخياران، مع ان المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه، و كذا لو فارق احدهما في حال نوم الآخر، أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين.

______________________________

و فيه: ان مقتضي مقابلة التثنية بالتثنية كمقابلة الجمع بالجمع هو التوزيع، و ان خيار كل من البائع و المشتري يكون مغيا برضاه، و لازم ذلك هو التفصيل بين المكره و غيره.

فتحصل: أنه لو كان المدرك في المسألة هو التبادر أو الاجماع كان الحكم في هذه المسألة سقوط الخيارين، و لو كان هو صحيح الفضيل كان هو التفصيل بين المكره و غيره،

و لو كان هو حديث الرفع كان الحكم في المقام ثبوت الخيارين.

(1) و أما المقام الثاني فقد استدل المصنف رحمه الله لسقوط الخيارين في المقام بالرواية المتقدمة الحاكية لفعله عليه السلام و انه قال: فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا. فانها تدل علي ان مجرد مشيه سبب لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الامام عليه السلام.

و فيه: انها متضمنة لقضية شخصية، و لعل تجريده في مقام الاستناد من جهة حصول الشرط و هو الرضا منه أو منهما.

(2) قال المصنف قدس سره: و ظاهر الصحيحة و ان كان اخص الا ان ظهور الرواية في عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 298

و ظاهر المبني المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا من الطرفين. و إنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا، بل ظاهر القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع علي

سقوط خيار الماكث من غير إشارة الي وجود خلاف في هذا التفريع و هو الذي ينبغي، لأن الغاية إن حصلت سقط الخياران و إلا بقيا، فتأمل:

و عبارة الخلاف المتقدمة و ان كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار الا انها ليست بتلك الظهور لاحتمال ارادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر، فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية، مع ان شمول عبارته لبعض الصور التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه، كما لا يخفي علي المتأمل،

و حملها علي ما ذكرنا من إرادة المتمكن، لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولي من تخصيصها ببعض الصور. و لعل نظر الشيخ و القاضي إلي ان الافتراق المستند إلي اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما، فالمستند الي اختيار احدهما مسقط لخياره خاصة و هو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص. ثمّ انه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة

______________________________

مدخلية شي ء آخر زائدا علي مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات انتهي.

و الذي اظنه ان هذا الكلام منه قده مبني علي ما ذكره في الاصول في مبحث التعادل و الترجيح من ان الخاص إذا كان ظني الدلالة لا يقدم علي العام مطلقا، بل لا بد من ملاحظة اقوي الظهورين: فانه في المقام دلالة الصحيح علي عدم سقوط الخيارين بدون رضاهما ليست قطعية بل ظنية و من باب الظهور فلا بد من ملاحظة اقوي الظهورين منه و من ظهور

الرواية، و حيث ان ظهور الرواية اقوي من جهة التزام مقتضاها في كثير من المقامات حسب ما ذكره

المصنف رحمه الله، فيكون هو مقدما علي ظهور الصحيح.

و عليه فما اورده المحقق الايرواني رحمه الله عليه بعد بيان مراده بغير ذلك في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 299

و هي ما إذا اكره احدهما علي البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا، فإن مقتضي ما تقدم من الايضاح من مبني الخلاف في سقوط الخيارين هنا، و مقتضي ما ذكرنا من مبني الاقوال جريان الخلاف هنا ايضا و كيف كان،

فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا أقوي كما لا يخفي.

مسألة: لو زال الاكراه، (1)

فالمحكي عن الشيخ و جماعة، امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال. (2) و لعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الاكراه كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق (3) و فيه ان الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الامر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الاكراه، و لم يجعل مجلس زوال الاكراه

______________________________

لو زال الاكراه

(1) و لو زال الاكراه و هو لم يرد، ففيه اقوال:

(2) الأول ما عن الشيخ و جماعة، و هو: انه يمتد الخيار بامتداد مجلس الزوال.

الثاني: ما عن التذكرة، و هو: انه ينقطع خياره ببقائه سائرا، قال: و ليس عليه الانقلاب الي مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر ان طال الزمان، و ان لم يطل ففيه احتمال عند الجويني. انتهي.

الثالث ما عن جمع منهم السيد في الحاشية و هو: بقاء الخيار الي ان يحصل احد المسقطات الاخر.

(3) و قد استدل للأول: بان الافتراق الحاصل عن كره كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق الي ان يحصل الافتراق.

و فيه: ما تقدم من ان حديث الرفع لا ينفي الموضوع، و انما يتضمن رفع الحكم خاصة.

و استدل للثالث بوجهين:

احدهما: ان

النص ساكت عن غاية هذا الخيار، فيرجع الي استصحاب الخيار.

و فيه: - مضافا الي ما حققناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 300

بمنزلة مجلس العقد. و الحاصل ان الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد،

فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد اما من القول بالفور كما عن التذكرة،

و لعله، لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين، و أما من القول بالتراخي إلي ان يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الادلة.

______________________________

- انه لو سلم ذلك لا سبيل له في المقام مع وجود عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» فانه و ان لم يكن له عموم ازماني الا ان المخصص بما انه من الابتداء لا من الوسط يكون هو المرجع دون الاستصحاب.

ثانيهما: ما افاده السيد رحمه الله و هو: ان النص يدل علي ذلك، فانه جعل المسقط الافتراق الاختياري و المفروض عدم تحققه و عدم بقاء شأنية التحقق له ايضا، لأن المفروض حصول الافتراق حسا، فيكون كما لم يكن الافتراق في الأصل. هذا إذا قلنا بان الافتراق منصرف الي الاختياري، و ان قلنا بذلك من جهة حديث الرفع فكذلك لأن مقتضاه ان الافتراق الاكراهي لا أثر له في الاسقاط، و المفروض عدم مسقط آخر فلا بد من بقاء الخيار.

و فيه: اولا: ان ذلك لو تم فانما هو علي القول بان الغاية هي حدوث الافتراق، اما لو قلنا بانها مطلق الافتراق حدوثا كان أو بقاء فيمكن ان يقال: ان الغاية و ان كانت حدوثا عن اكراه و عن غير رضا الا انها بقاء تكون لاعن اكراه، و مع تحقق الغاية بتحقق شرطها أو زوال

مانعها يرتفع المغيا و هو الخيار. و عليه فلا يكون الخيار باقيا لا فورا و لا بنحو التراخي.

و ثانيا: انه لو سلم كون الغاية هي حدوث الافتراق، فالغاية و ان كانت ممتنعة التحقق الا ان بقاء الخيار يتوقف علي ثبوت الاطلاق لدليله، و يمكن منعه من هذه الحيثية- اي حيثية امتناع تحقق غايته و امكانه- فتأمل.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث و ما يمكن ان يرد عليه.

______________________________

(1) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 301

مسألة: و من مسقطات هذا الخيار التصرف (1)

علي وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط، ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس و في الصرف، و العلامة في التذكرة، و نسب الي جميع من تأخر عنه، بل ربما يدعي اطباقهم عليه و حكي عن الخلاف و الجواهر و الكافي و السرائر و لعله لدلالة التعليل في بعض اخبار خيار الحيوان (2)

______________________________

مسقطية التصرف

(1) الرابع: من ما ذكر من مسقطات هذا الخيار: التصرف،

و لا بد اولا من بيان الموضوع، ثمّ حكمه.

الظاهر ان مرادهم منه هو تصرف البائع في الثمن، و المشتري في المبيع،

و أما العكس فلو دل علي شي ء فهو الفسخ لا لزوم العقد،

و ايضا المراد مسقطية تصرف كل منهما لخصوص خياره دون صاحبه.

و كيف كان فقد استدل لمسقطيته بوجوه:

الأول: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان التصرف اجازة فعلية، فمسقطيته تكون علي القاعدة.

و فيه: انه قده صرح في غير مورد بانه يعتبر في الانشاء ان يكون ما ينشأ به مصداقا للعنوان المقصود انشاؤه، فكل تصرف ليس مصداقا للاجازة لا يصح الانشاء به، نعم التصرف الذي يكون كذلك. و بعبارة اخري يكون مبرزا عرفا يصح انشاء الاجازة به.

(2) الثاني: ما في المتن، و هو عموم العلة المذكورة

في خيار الحيوان، و هي قوله عليه السلام: «1» فذلك رضا منه فلا شرط له.

بتقريب: انه يدل علي ان التصرف كاشف نوعي عن الرضا بالعقد، و الشارع الأقدس امضي هذه الكاشفية، و من المعلوم انه لا اختصاص للكاشفية بخيار الحيوان.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 302

و هو الوجه ايضا في اتفاقهم علي سقوط خيار الشرط و الا فلم يرد فيه نص بالخصوص، بل سقوط خيار المشتري بتصرفه، مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة حيث قال: فإن احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة ايام فذلك رضا منه فلا شرط (1) فان المنفي يشمل شرط المجلس و الحيوان، فتأمل.

و تفصيل التصرف المسقط سيجي ء انشاء الله تعالي.

______________________________

و فيه: انه سيجي ء ان محتملات هذه الجملة متعددة و اظهرها انه عليه السلام بصدد التعبد بكون تلك الأفعال التزاما و اجازة، و عليه فلا سبيل الي التمسك بعموم العلة: فانه انما تكون العلة معممة فيما إذا كانت علة عرفا و يفهم العرف عليته، و لا تكون تعبدية و الا فيدور الحكم مدار مقدار التعبد، و حيث ان النص مختص بخيار الحيوان، فلا وجه للتعدي.

(1) الثالث: ما في المتن، ايضا، و هو: ان سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس الرواية المعللة حيث قال: فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل ثلاثة ايام فذلك رضا منه فلا شرط فان الشرط يشمل شرط المجلس.

و فيه: ان الشرط المنفي خصوص خيار الحيوان، إذ الشرط الذي يسقط بذلك قبل ثلاثة ايام خصوص ذلك.

و أما خيار المجلس فلا فرق فيه بين قبل الثلاثة و بعدها و لعله لذلك امر بالتأمل.

فالحق عدم مسقطية التصرف من حيث هو،

نعم الأفعال التي

تكون مبرزة لذلك و قصد بها السقوط تكون مسقطة لكونها اسقاطا، لا لمسقطية التصرف، هذا تمام الكلام في خيار المجلس.

خيار الحيوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 303

و الثاني: خيار الحيوان، (1)
اشارة

لا خلاف بين الامامية في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري، و ظاهر النص و الفتوي، العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق ودود القز و لا يبعد اختصاصه بالحيوان، المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الاناء و شبه ذلك خارج،

لأنه لا يباع من حيث انه حيوان، بل من حيث انه لحم و (2) يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف علي الموت

______________________________

(1) الثاني: خيار الحيوان الذي هو في الجملة اجماعي بل ضروري عند علماء المذهب كذا في الجواهر، و النصوص الشاهدة به مستفيضة ان لم تكن متواترة،

و استقصاء القول في المقام بالبحث في امور:

احدها: هل يثبت الخيار في بيع كل حيوان حتي مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق ودود القز، و حتي الحيوان المشرف علي الموت، ام يختص بما يقصد حياته، فلا يشمل المقصود لحمه، ام يختص بما يقصد لحمه و حياته معا؟ وجوه.

الظاهر من النص و الفتوي العموم لكل ذي حياة،

و قد وقع الكلام في الحيوان الذي بكون المقصود لحمه لا حياته لعدم بقاء حياته بالاصالة كالسمك المخرج من الماء، أو لعارض كالصيد المشرف علي الموت، ظاهر الفتوي ثبوت الخيار فيه، و عن جماعة من متأخري المتأخرين عدم ثبوته فيه.

(2) و المصنف رحمه الله نفي البعد عن عدم ثبوت هذا الخيار في القسم الاول و استشكل في القسم الثاني و استدل للاول بالنص و فيه: ان الظاهر من اخذ كل عنوان في الموضوع

دخله فيه من حيث هو لا كونه اشارة و معرفا للمصاديق الخارجية، و عليه فبما ان المأخوذ في موضوع هذا الخيار بيع الحيوان، فيكون الخيار ثابتا فيما يباع بما انه حيوان- اي ذو نفس و أما ما يباع لا بهذا العنوان بل بما هو لحم فلا يكون مشمولا لهذا الحكم، من غير فرق بين ما هو كذلك بالاصالة، أو بالعارض، بل لو بيع حيوان سالم باق لا بما هو حيوان بل بما انه لحم لا يكون مشمولا له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 304

باصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم، و علي كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض، أو في زمان الخيار، (1) و في منتهي خياره مع عدم بقائه الي الثلاثة، وجوه، (2)

______________________________

و هل يعد زهاق روح المشرف علي الموت تلفا من البائع قبل القبض أو في زمان الخيار علي القول به، أو في المجلس، ام لا؟ وجهان،

(1) مختار المصنف الثاني.

و اورد عليه: بانه بناء علي ثبوت الخيار لم لا يعد زهاق روحه تلفا في زمان الخيار.

و بعبارة اخري: ان لوحظ جهة اللحمية لا خيار و لا تلف من البائع، و ان لوحظ جهة الحيوانية دخل الخيار فيه و كان تلفه من البائع.

و فيه: ان ملاك ثبوت الخيار هو وقوع البيع علي ذات ما هو حيوان و ان لم يقصد هذه الجهة، و أما ملاك التلف فهو زوال الوصف و المقوم للمالية، و الحياة في الفرض غير مقومة لها، فلا يعد زوالها تلفا.

(2) و لو كان الحيوان لا يبقي الي ثلاثة ايام، ففي منتهي خياره وجوه و اقوال.

مقتضي ظاهر النص: ان كل حيوان ثبت فيه الخيار كان خياره باقيا الي الثلاثة،

و قد يقال: بان منتهاه في المقام التلف.

و فيه: انه مبني علي كون متعلق الخيار العين، و هي الحيوان، فمع نفاده يزول الخيار، و المبني فاسد، فانه متعلق بالعقد.

و قد يقال: بانه خيار ثابت لم يثبت منتهاه من الدليل، فان النصوص من جهة حكمة جعل الخيار- و هي الاطلاع علي عيوب الحيوان- تكون منصرفة عنه، فيأتي فيه الوجهان من امتداد الخيار الي ان يأتي احد المسقطات للاستصحاب، و من كونه علي الفور لأنه القدر المتيقن.

و فيه: ان الحكمة لا سيما غير المنصوصة منها لا يعتني بها، فالمتبع هو اطلاق النصوص.

هذا كله لو كان المبيع معينا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 305

ثمّ انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين، (1) كما هو المنساق في النظر من الاطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الاجماع كما في التذكرة، بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المتراءي من النص و الفتوي لم اجد مصرحا بأحد الأمرين.

نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول و لعله الاقوي، و كيف كان،

فالكلام فيمن له الخيار و في مدته من حيث المبدأ و المنتهي، و مسقطاته يتم برسم مسائل.
مسألة: المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري، (2)

حكي عن الشيخين و الصدوقين و الإسكافي و ابن حمزة و الشاميين الخمسة و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين،

______________________________

(1) قوله ثمّ انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين.

و ملخص القول فيه: انه ان كان المبيع كليا في المعين لا كلام في ثبوت الخيار فيه، و ان كان كليا في الذمة مقتضي اطلاق النصوص ثبوت الخيار فيه.

و قد استدل للعدم بوجهين:

الأول: انصراف النصوص الي الشخصي من حيث ان المتداول بين الناس في بيع الحيوان هو الشخصي، فالخيار الثابت في بيع الحيوان ينصرف الي ما هو المتداول عندهم.

و فيه: ان التعارف و التداول لا يوجب الانصراف المقيد للاطلاق،

فهل يتوهم احد انصراف (احل الله البيع) «1» عنه؟

الثاني: ان حكمة جعل الخيار لا تجري في الكلي.

و فيه: ان الحكمة لا توجب تقييد الاطلاق، فالأظهر ثبوت الخيار في الكلي مطلقا

اختصاص الخيار بالمشتري

(2) المشهور بين الاصحاب اختصاص هذا الخيار بالمشتري، و عن الغنية و الدروس دعوي الاجماع عليه.

______________________________

(1) البقرة: 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 306

و عن الغنية، و ظاهر الدروس، الاجماع عليه، لعموم قوله عليه السلام إذا افترقا وجب البيع، (1) خرج المشتري و بقي البائع،

______________________________

و تنقيح القول في هذا الأمر بالبحث في مقامين:

الأول: في انه هل يختص هذا الخيار بمن انتقل إليه الحيوان، ام يكون ثابتا لمن انتقل عنه ايضا الثاني: في انه هل يثبت لمن انتقل إليه مطلقا، ام يختص بخصوص المشتري.

اما المقام الأول: فالمشهور بين الأصحاب هو الاختصاص، و عن السيد الأجل المرتضي: ثبوته لمن انتقل عنه، و قواه في محكي المسالك مع قطع النظر عن الشهرة، و تبعه في ذلك صاحب المفاتيح، و توقف في محكي غاية المراد و حواشي القواعد، و تبعه في محكي المقتصر.

و تحقيق الكلام يقتضي البحث في موردين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فقد استدل المصنف رحمه الله لعدم الثبوت بوجهين:

(1) احدهما: عموم قوله: عليه السلام: فإذا افترقا وجب البيع «1» خرج المشتري و بقي البائع.

و فيه: اولا: انه مختص ببيع غير الحيوان، لأن التفصيل قاطع للشركة، فالتفصيل بين الحيوان و غيره في صحيح الفضيل الآتي. و غيره موجب لاختصاص ذلك بغير الحيوان.

و ثانيا: ان الوجوب الذي تثبته هذه الجملة هو الوجوب الاضافي، و قد ورد نظيره في خيار الحيوان، و لذا لا تكون ادلة الخيارات متعارضة،

و ثالثا: ان الوجوب بمعني لزوم العقد و

عدم قابليته للانحلال، فإذا ثبت الخيار

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 307

بل لعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالنسبة الي ما ليس فيه خيار المجلس بالاصل أو بالاشتراط، و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل (1) و يدل عليه ايضا ظاهر غير واحد من الاخبار (2)

______________________________

- و لو للمشتري- لم يكن البيع واجبا، و ليس وجوب البيع من قبيل العام كي يقال انه خصص بالاضافة الي المشتري و تخصيصه بالنسبة الي البائع مشكوك فيه فيتمسك بالعموم.

و بما ذكرناه ظهر عدم صحة الاستدلال بقوله عليه السلام: فإذا افترقا فلا خيار «1».

(1) ثانيهما: العمومات العامة للبيع و غيره مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «2» فيما لا يكون فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط، و يثبت في الباقي بعدم القول بالفصل.

و فيه: انه يصح التمسك بها حتي فيما ثبت فيه خيار المجلس، فانه لو سلم كون المرجع استصحاب حكم الخاص إذا لم يكن للعام عموم ازماني- مع انه غير تام- فانما هو فيما إذا لم يكن التخصيص من الابتداء، و الا فالمرجع هو عموم العام.

و استدل للقول الآخر: باصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس.

و فيه: بعد تصحيحه بان اجتماع السببين للخيار موجب لثبوت خيار واحد ذي جهتين، و عليه فتصح دعوي استصحاب الكلي الموجود بوجود خيار المجلس، فانه من قبيل الكلي المردد بين الطويل و القصير،

مضافا الي ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام ان المقام، كما تقدم، مورد التمسك بالعموم لا الاستصحاب.

فتحصل: ان الأظهر بحسب القواعد عدم الثبوت لمن انتقل عنه.

(2) و أما المورد الثاني: فقد استدل للاختصاص بصحاح خمسة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

(2) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 308

منها صحيحة الفضيل

بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري، قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افتراقا فلا خيار بعد الرضا منهما، و ظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري، و اطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا، (1) و يتلوها في الظهور رواية علي بن اسباط عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال الخيار في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري فإن ذكر القيد مع اطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية، (2) و نحوها صحيحة الحلبي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام للمشتري

______________________________

منها صحيح الفضيل «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به ما في المتن.

(1) قال و اطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا و فيه ان الظاهر كما تقدم ان الخيار المنفي خصوص خيار المجلس لا مطلق الخيار و قد افاد صاحب الجواهر في وجه اختصاصه و غيره من النصوص، بان اللام تفيد الاختصاص و فيه: ان الاختصاص الذي تفيده اللام غير الانحصار الموجب لثبوت المفهوم، فان الاختصاص ليس الا ان المشتري لا شريك له في حق الخيار غير المنافي ثبوت فرد آخر منه للبائع و منها رواية علي بن اسباط «2» المذكورة في المتن، و تقريب الاستدلال بها ما في المتن.

و هو الوجه عنده في دلالة سائر النصوص قال.

(2) فان ذكر القيد مع اطلاق الحكم قبيح الا لنكتة جلية.

و فيه: ان هذا ذكر وجها لدلالة الوصف، و اللقب علي المفهوم، و قد

حقق في الاصول عدم تماميته.

و منها صحيح الحلبي «3» الذي ذكر في المتن و تقريب الاستدلال به ما في سابقه.

______________________________

(1) ذكره صدره في باب 3 و ذيله في باب 1 من ابواب الخيار في الوسائل.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 309

و صحيحة ابن رئاب عن ابي عبد الله عليه السلام قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة ايام للمشتري، اظهر من الكل، صحيحة ابن رئاب (1) المحكية عن قرب الاسناد قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل اشتري جارية، لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما، قال الخيار لمن اشتري نظرة ثلاثة أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء.

______________________________

و منها صحيح ابن رئاب «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به و ما يرد عليه ما في سابقيه.

(1) نعم لا كلام في دلالة صحيح «2» علي بن رئاب الثاني المذكور في المتن علي ذلك، فان المسئول عنه انما هو جنس الخيار لا فرد منه، إذ لا مقابلة بين ثبوت فرد للبائع و فرد آخر للمشتري، بل المقابلة بين ثبوت الجنس للبائع و اختصاصه به و ثبوته للمشتري،

فجوابه عليه السلام كالنص في الاختصاص، فيدل بالمفهوم علي نفيه عن البائع.

و في مقابل هؤلاء من يدعي عدم دلالة شي ء من تلك النصوص علي الاختصاص،

اما صحيح ابن رئاب فلأنه وارد في الجارية دون الحيوان، و أما غيره فلأنه يحمل قوله عليه السلام ثلاثة ايام للمشتري علي ان جعل الخيار لأجل رعاية حال المشتري لا ان المجعول له الخيار هو المشتري، فكأن اللام للغاية لا للاختصاص.

و فيه: الظاهر ان عدم الفرق بين الجارية

و سائر الحيوانات من المتسالم عليه،

و حمل اللام علي الغاية خلاف الظاهر، لا سيما بعد وقوع هذه الجملة جوابا عن السؤال عن حد الخيار.

فالأظهر دلالتها علي الاختصاص من جهة ورودها في مقام الضبط و التحديد،

لا سيما ما وقع منها جوابا عن السؤال عما هو الشرط في الحيوان، و يؤيده تغيير التعبير،

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 310

______________________________

و عن سيدنا المرتضي قدس سره و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا (1) و حكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس، (2) و لصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا، (3) و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق و هي ارجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد. (4)

لاحظ صحيح محمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام «1».

و دعوي ان صاحب الحيوان مطلق من حيث ارادة الصاحب الفعلي و السابق،

فيعم كليهما مندفعة بان المشتق حقيقة في المتلبس.

(1) و عن السيد الاجل المرتضي ثبوته لمن انتقل عنه، و قواه في محكي المسالك مع قطع النظر عن الشهرة، و تبعه في ذلك صاحب المفاتيح، و توقف في محكي غاية المراد و حواشي القواعد و قد استدل له بوجهين.

(2) احدهما اصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس و فيه بعد تصحيحه بان اجتماع السببين للخيار موجب لثبوت خيار واحد ذي جهتين و عليه فيصح دعوي استصحاب الكلي الموجود بوجود خيار المجلس فانه من قبيل

الكلي المردد بين الطويل و القصير مضافا الي ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الاحكام ان المقام كما تقدم مورد التمسك بالعموم لا الاستصحاب فتحصل ان الاظهر بحسب القواعد عدم الثبوت لمن انتقل عنه.

(3) ثانيهما صحيح محمد بن مسلم «2» المذكور في المتن قال.

(4) و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا و بعد الافتراق و هي ارجح بحسب السند من صحيح ابن رئاب و المصنف اتعب نفسه في ارجحية سنده- و كيف كان فحيث لا شبهة في ظهوره في عدم الاختصاص فيتعين بيان ما يقتضيه الجمع بين الروايات

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 311

و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة و اضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافا الي ورودها في الكتب الأربعة المرجحة علي مثل قرب الأسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها اكثر اصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها. و أما الصحاح الاخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالانصاف ان دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة، (1) فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة، لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون ارادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه علي خفايا الحيوان و لا ريب ان الاظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الاكثرية.

و أما ما ذكر في تأويل صحيحة ابن مسلم، من ان خيار الحيوان للمشتري علي البائع، فكان بين المجموع، ففي غاية السقوط. و أما الشهرة المحققة فلا تصير حجة علي السيد، بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور، و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه، و اجماع الغنية لو

سلم رجوعه الي اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد ثبوته له معارض باجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع، و لعله لذا قوي في المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة، بل الاتفاق علي خلافه و تبعه علي ذلك في المفاتيح، و توقف في غاية المراد و حواشي القواعد و تبعه في المختصر هذا و لكن الإنصاف ان اخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة (2) مع اشتهارها بين الرواة حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة

______________________________

(1) و قد افاد المصنف رحمه الله في مقام الجمع بينه و بين الروايات المتقدمة اولا: بان تلك النصوص- سوي ما عن قرب الاسناد- انما تكون دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيح، فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة، إذ الغالب كون ارادة الفسخ في طرف المشتري، و لا ريب ان الأظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الأكثرية. و أما صحيح ابن رئاب، فصحيح ابن مسلم ارجح منه من حيث السند، لأن راويه من اجل الثقات، و هو مروي في الكتب الأربعة، و قرب الأسناد ليس في الاعتبار بتلك المكانة. ثمّ قال:

(2) الانصاف ان اخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة، حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 312

مع ان المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشتري، (1) فلا ريب في ضعف هذا القول.

______________________________

(1) مع ان المرجع بعد التكافؤ عموم ادلة لزوم العقد بالافتراق، و المتيقن خروج المشتري.

و لكن يرد علي ما افاده قده اولا: ان قوة دلالة احد المتعارضين في نفسها ليست موجبة للتقديم لعدم دلالة دليل

علي ذلك، و انما توجب ذلك فيما إذا كان قرينة علي الآخر و لم يكونا عند العرف متنافيين،

و ضابط ذلك انه لو جمعا في كلام واحد و فرض صدور المجموع عن شخص واحد لا يكون هذا الكلام متهافتا صدره مع ذيله، و كان احدهما قرينة علي الآخر، كما لو ورد اغتسل للجمعة ثمّ ورد لا بأس بترك غسل الجمعة.

و هذا الضابط لا ينطبق علي المقام، فانا إذا جمعنا قوله عليه السلام في صحيح الفضيل في جواب السائل ما الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري مع قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان لا يري العرف احدهما قرينة علي الآخر، بل يكون هذا الكلام متهافتا صدره مع ذيله.

و يرد علي ما افاده ثانيا: انه في الخبرين المتعارضين لا يحكم بالتساقط و الرجوع الي العام الفوق، بل لا بد من الرجوع الي المرجحات، و مع فقدها يحكم بالتخيير و قد جمع بين الطائفتين المحقق النائيني رحمه الله بوجه آخر و هو: ان صحيح محمد بن مسلم باطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيوانا، فيقيد بواسطة النصوص الاخر التي منها صحيحه الآخر بما إذا كان العوضان حيوانين و فيه: انه حمل علي الفرد النادر، و في مثله يكون المطلق معارضا مع المقيد.

و دعواه ان قوله عليه السلام صاحب الحيوان اظهر في الاختصاص، لا تكون جوابا عن ذلك، فان ما ذكره تقريب لدلالته علي المفهوم، و صيرورته مقيدا، و هذا لا يلازم صلاحيته لتقييد الاطلاق بهذا النحو من التقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 313

نعم هنا قول ثالث، لعله اقوي منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان

ثمنا أو مثمنا، نسب الي جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك (1) لعموم صحيحة محمد بن مسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام، (2) و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب، كون صاحب الحيوان مشتريا، (3) و لا ينافي هذه الدعوي التمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم

______________________________

فالحق: ان الطائفتين متعارضتان، و لا يمكن الجمع بينهما،

و الترجيح مع اخبار المشهور لوجهين:

احدهما: انها المشهورة بين الأصحاب رواية و فتوي:

ثانيهما: انها موافقة للكتاب، فانها تدل علي عدم ثبوت الخيار للبائع، و صحيح ابن مسلم يدل علي ثبوته له، و هي موافقة لقوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» فتقدم هي.

هذا علي فرض تسليم حجية صحيح ابن مسلم في نفسه،

مع انها قابلة للمنع من جهة اعراض الأصحاب عنه و عدم افتائهم بمضمونه.

فالأظهر هو اختصاص هذا الخيار بمن انتقل إليه، و عدم ثبوته لمن انتقل عنه.

و أما المقام الثاني: فظاهر المشهور الاختصاص بالمشتري.

(1) و عن جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك: ثبوته لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا و استدل للعموم بصحيح محمد بن مسلم المذكور في المتن «2»

و اورد عليه بايرادات:

الأول: انه مطلق يقيد اطلاقه بموثق ابن فصال عن علي بن موسي عليه السلام: صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة ايام.

(3) و اجاب عنه المصنف باحتمال ورود التقييد مورد الغالب، إذا الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا.

ثمّ اورد علي نفسه: بانه كما يحتمل ذلك يحتمل ورود الاطلاق في الصحيح مورد الغالب، بان يكون المراد من صاحب الحيوان هو المشتري، و انما لم يذكر القيد من باب الاتكال علي الغلبة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب

الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 314

لأن الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، و لا يوجب تنزيل الاطلاق، (1) و لا ينافيها ايضا ما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان. و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين، (2) لامكان تقييدها و ان بعد

______________________________

(1) و اجاب عنه: بانه قد تكون الغلبة بحيث توجب تنزيل التقييد عليها و لا توجب تنزيل الاطلاق.

و اورد عليه السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني رحمه الله: بان مجرد الدعوي و الامكان لا يصحح الاستدلال.

اقول: توضيحا لما افاده المصنف رحمه الله بنحو يظهر عدم ورود ما اورد عليه مع ما هو الحق في المقام: ان المطلق في الأحكام الانحلالية لا يحمل علي المقيد إذا كانا متوافقين- كما في اكرم العلماء و اكرم الفقهاء- لعدم التنافي بينهما، و المقام من هذا القبيل، و لا ينافي ثبوت الخيار لهما مع ثبوته للمشتري، فلا يحمل المطلق علي المقيد.

نعم يبقي حينئذ سؤال، و هو: انه علي هذا ما فائدة القيد و لم ذكر ذلك؟ و الجواب عنه:

انه انما ذكر القيد لكونه غالبيا كما في الآية الشريفة (و ربائبكم اللاتي في حجوركم) «1».

فان قيل: لم لا يحمل المطلق علي الغالب؟

اجبنا عنه: بانه مع تمامية مقدمات الحكمة ينعقد للفظ ظهور في الاطلاق، و لا يصح ارادة المقيد منه الا مع ضم ما يصلح عرفا ان يتكل عليه في مقام ارادة المقيد و بعض مراتب الغلبة لا يصلح لذلك، و هذا بخلاف حمل المقيد عليه فانه لا يراد بحمله علي الغلبة صرفه عن كونه مقيدا، بل هو بنفسه غير

قابل لذلك، و انما يحمل علي الغالب خروجا عن اللغوية. و علي هذا فتكون الغلبة موجبة لتنزيل التقييد عليها غير موجبة لتنزيل الاطلاق،

مع انه يمكن ان يكون المشتري وصفا للحيوان بان يقرأ بفتح الراء.

(2) الثاني: ما ذكره المصنف رحمه الله بقوله: و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين لامكان تقييدها و ان بعد بما إذا كان العوضان حيوانين

______________________________

(1) النساء: 23.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 315

بما إذا كان العوضان حيوانين، لكن الأشكال في اطلاق الصحيحة الأولي من جهة قوة انصرافه الي المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس، (1) فلا محيص عن المشهور.

مسألة: لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار، (2)

و في الغنية، كما عن الحلبي ان مدة خيار الأمة مدة استبرائها، بل عن الأول دعوي الاجماع، و ربما ينسب هذا الي المقنعة و النهاية و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء، و لم اقف لهم علي دليل.

______________________________

و لكن لم يظهر لي وجه هذا الايراد، و انه كيف يكون ايرادا علي هذا الدليل، بل الصحيح لو لم يكن معاضدا ليس بمناف قطعا.

الثالث: انه يقيد اطلاقه بما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري من النصوص المتقدمة في المقام الأول.

و الجواب عنه: انه لا مفهوم لها، لأن صحيح ابن رئاب مورده اشتراء الجارية،

و غيره يتوقف ثبوت المفهوم له علي القول بثبوت المفهوم للوصف و اللقب.

الرابع: ما افاده المصنف رحمه الله و تبعه المحقق الاصفهاني ره، و هو:

(1) انصرافه الي المشتري، فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس.

و فيه: انه لا منشأ لتوهم الانصراف سوي الغلبة، و هي لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق كما حقق في محله.

فالاظهر ثبوت هذا الخيار لمن انتقل إليه مطلقا.

(2) قوله

لا فرق بين الامة و غيرها في مدة الخيار و قد استدل لما عن جمع من ان مدة خيار الامة مدة استبرائها- بحكم الاصحاب بضمان البائع لها مدة الاستبراء من جهة تسالمهم علي ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له فانه يستكشف من ذلك ان مدة الاستبراء مدة الخيار.

و فيه اولا: انه لا دليل علي ضمان البائع في تلك المدة و ثانيا: انه لو تم ذلك لم يفد في الحكم بثبوت الخيار في تلك المدة فان الملازمة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 316

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، (1)

فلو لم يفترقا ثلاثة ايام انقضي خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس، لظاهر قوله عليه السلام ان الشرط في الحيوان ثلاثة ايام. و في غيره حتي يتفرقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق.

و كذا الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه قال في المبسوط الاولي ان يقال: انه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرق

______________________________

انما تكون بالعكس و ثالثا: ان صحيح ابن رئاب المحكي عن قرب الاسناد المتقدم صريح، في ان امد الخيار في الجارية انتهاء ثلاثة ايام و لو لا هذا الصحيح و صحيحه الآخر الآتي لكان للتشكيك في ثبوت الخيار في بيع الامة مجال لانصراف الحيوان عن الانسان- و كيف كان- فالاظهر هو ثبوت الخيار فيها و انتهاء امده بانتهاء ثلاثة ايام.

ثبوت خيار المجلس لو كان المبيع حيوانا

(1) الرابع: مبدأ هذا الخيار من حين العقد كما صرح به جماعة، و هو ظاهر الباقين،

بل هو المشهور بين الأصحاب كما عن مجمع البرهان،

و عن ظاهر الدروس، التوقف،

و عن الغنية: اطلاق التحديد بالتفرق في ابتداء مدة الخيار بحيث

يشمل خيار الحيوان.

و نص علي ذلك الشيخ و ابن ادريس في خيار الشرط، و يلزمهما القول به في غيره لعموم ما عللا به.

و كيف كان: فالكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يختص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع حيوانا،

ام يعم ما إذا كان حيوانا؟

الثاني: في انه علي فرض التعميم، هل يكون مبدأه من بعد التفرق، أو من حين العقد؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 317

______________________________

اما المقام الأول: فقد ذهب السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني رحمه الله الي الأول.

و استدل له: بان النصوص من جهة تضمنها المقابلة بين النوعين، و ان نوعا من الخيار و هو خيار الحيوان ثابت فيه و نوعا آخر منه ثابت في غيره، تدل علي الاختصاص، و بها يقيد اطلاق ما دل علي خيار المجلس مطلقا كقوله عليه السلام أيما رجل اشتري من رجل بيعا فهما بالخيار حتي يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع «1».

و فيه: اولا: ان المقابلة الواقعة بين الخيارين انما هي من حيث منتهاهما لا في انفسهما،

و عليه فالنصوص المشار إليها تدل علي ان امد الخيار في الحيوان ثلاثة ايام، و بعدها لا خيار، و نصوص خيار المجلس باطلاقها تدل علي ان امد الخيار مطلقا التفرق و لا خيار بعده، و لا تعارض بين الجملة الايجابية من كل منهما مع الجملة الايجابية من الاخري، و انما التعارض بين الايجابية من كل منهما مع السلبية من الاخري، و النسبة بما انها عموم مطلق فيقيد اطلاق السلبية من كل منهما بايجابية الاخري.

و ثانيا: ان النصوص المشار إليها بانفسها لا تصلح دليلا للتفصيل القاطع للشركة،

و ذلك لأن صحيح محمد بن مسلم المتقدم في المسألة المتقدمة دليلا علي السيد

المرتضي رحمه الله و ان كان مفصلا، الا انه قد عرفت انه مطروح اما للاعراض أو لترجيح غيره عليه.

لا يقال: انه متضمن لحكمين احدهما: ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين. الثاني: عدم ثبوت خيار المجلس فيه و هو غير حجة في المدلول الأول دون الثاني، إذ لا مانع من طرح الخبر من جهة و العمل به من جهة اخري.

فانه يرد: بإن دلالته علي الحكم الثاني انما تكون من جهة التفصيل، فإذا سقط

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 318

لان الخيار يدخل إذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرق، (1) انتهي.

______________________________

عن الحجية بالاضافة الي احد طرفي التفصيل و هو ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين تبعه سقوطه عن الحجية في الحكم المترتب علي التفصيل.

و أما خبر علي بن اسباط: المتقدم فهو ضعيف السند، لأن في طريقه الحسين بن محمد بن عامر (عمران) و هو مجهول.

و أما صحيح الفضيل المتقدم: فالتفصيل فيه انما يكون في كلام السائل لا الإمام عليه السلام.

و أما الصحيح الآخر لمحمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام. «1» فهو لا يدل علي عدم ثبوت خيار المجلس في الحيوان،

فانه ذكر عليه السلام اولا: ان خيار المجلس ثابت في كل بيع، ثمّ عقبه ببيان حكم آخر لبعض افراد البيع و هو بيع الحيوان، فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام، و ترتيب حكم آخر علي الخاص غير المنافي لحكم العام، فلا يكون مخصصا له. و به يظهر حال صحيح الحلبي.

فالأظهر هو ثبوت خيار المجلس فيما إذا كان المبيع حيوانا.

مبدأ هذا الخيار

و أما المقام الثاني: فظاهر النصوص كالفتاوي كون المبدأ من حين العقد،

و قد استدل

لكون المبدأ من حين التفرق بوجوه:

(1) الأول: ما عن الشيخ في المبسوط، و هو: ان الخيار يدخل إذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 319

و نحوه المحكي عن السرائر و هذه الدعوي لم نعرفها نعم ربما يستدل عليه بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد (1) بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس (2)

______________________________

و فيه: انه ان اريد من عدم الثبوت عدم تأثيره في الملكية، فيرد عليه: انه مؤثر فيها من حين العقد، غاية الأمر تكون جائزة قبل التفرق.

و ان اريد به عدم اللزوم الذاتي، فيرده: ان البيع من العقود اللازمة.

و ان اريد به عدم اللزوم الفعلي، فيرده: ان اللزوم الفعلي مع وجود الخيار غير معقول، لأنهما ضدان لا يجتمعان، و اللزوم الفعلي مع قطع النظر عنه موجود، إذ لا وجه للبناء علي ثبوت خيار المجلس ابتداء، ثمّ ملاحظة خيار الحيوان بعد كونهما في عرض واحد.

(1) الثاني: استصحاب عدم ارتفاع الخيار بانقضاء ثلاثة ايام من حين العقد.

و فيه: - مضافا الي انه لا يجري مع ظهور الدليل- انه لا يجري في جميع الموارد، فانه إذا فرض عدم التفرق قبل مضي ثلاثة ايام و حصوله بعده، لا يجري هذا الأصل، فانه ان اريد استصحاب بقاء خيار المجلس فهو متيقن الارتفاع، و ان اريد استصحاب بقاء خيار الحيوان فهو مشكوك الحدوث بعد الثلاثة، و ان اريد استصحاب الخيار الجامع بينهما فهو من قبيل استصحاب القسم الثالث من اقسام الكلي، و المختار عدم جريانه. فتأمل.

مع انه لا يترتب علي هذا الأصل الآثار المترتبة علي عدم ثبوته قبل التفرق من كون اسقاطه اسقاطا لما

لا يجب و نحوه، لأنه بالنسبة إليها مثبت.

(2) الثالث: اصل عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس.

و يرد عليه: انه لا يجري مع ظهور الدليل.

و اورد عليه بايرادين آخرين:

احدهما: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: انه بمعناه المحمولي- و هو عدم تحقق الخيار قبل بيع الحيوان- لا اثر له، و بمعناه النعتي مثبت.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 320

و بلزوم اجتماع السببين علي مسبب واحد، و ما دل علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع (2) مع ان التلف في الخيار المشترك من المشتري، و يرد الاصل ظاهر الدليل مع انه بالتقرير الثاني مثبت (1)

______________________________

و فيه: ان العدم المحمولي و النعتي انما يكون مقسمهما الوصف و الموصوف، فيقال عدم الوصف قبل الموصوف عدم محمولي، و عدمه بعده عدم نعتي، و لا ربط لذلك بالمقام، فان من له الخيار في المقام هو هذا المعني.

(1) ثانيهما: ما افاده المصنف رحمه الله، و هو: انه مثبت، فان عدمه قبل الافتراق لازم عقلي لبقائه الي الثلاثة من حين التفرق.

و فيه: انه كذلك بالنسبة الي آثار وجوده بعد انقضاء الثلاثة من حين العقد، و أما بالنسبة الي الآثار المترتبة علي عدم ثبوته قبل التفرق فلا يكون مثبتا. و بذلك يظهر ان هذين الأصلين بالنسبة إلي الآثار متعاكسان، و كل منهما يترتب عليه سنخ خاص من الآثار و مثبت بالنسبة الي السنخ الآخر، فلا وجه للاشكال في جريان احدهما خاصة بالمثبتية.

و يمكن تقريب جريان الأصل بوجه آخر، و هو استصحاب عدم جعل الشارع خيار الحيوان قبل التفرق، و يكون المستصحب العدم النعتي، فانه صلي الله عليه و آله في اول بعثته لم يجعل خيار الحيوان قبل التفرق قطعا، و يستصحب ذلك.

و

ما عن المحقق النائيني رحمه الله من ان استصحاب عدم الجعل لا يثبت به عدم المجعول،

اجبنا عنه في الاصول في مبحث البراءة حلا و نقضا،

و لكن يرد عليه: انه لا يثبت به منتهي الخيار، مضافا الي محكوميته بالنسبة الي الروايات الظاهرة في ان المبدأ من حين العقد.

(2) الرابع: ان جملة من النصوص «1» تدل علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع لا المشتري. و بضم هذه النصوص الي ما دل علي ان التلف في زمان الخيار المشترك ممن انتقل إليه يستكشف ان مبدأ خيار الحيوان مما بعد التفرق، إذ لو كان من حين العقد

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 321

و أدلة التلف من البائع محمول علي الغالب، من كونه بعد المجلس (1) و يرد التداخل بأن الخيارين ان اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد و ان اتحدا.

فكذلك

______________________________

لم يكن التلف في جزء من الثلاثة من البائع.

(1) و اجاب المصنف رحمه الله عن ذلك: بان ادلة التلف من البائع محمولة علي الغالب من كونه بعد المجلس.

و فيه: اولا: ان الغلبة ممنوعة، إذ نسبة التلف الي كل جزء من الأجزاء كنسبته الي سائر الأجزاء بلا تفاوت.

و ثانيا: ان الغلبة لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق.

و الحق في الجواب ان يقال:

اولا: انه لو سلم التعارض بين هذين الدليلين المتكفلين لحكمين لما كان وجه للتصرف في الدليل الظاهر في ان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد.

و ثانيا: انه لا دليل بالخصوص علي ان التلف في زمان الخيار المشترك من المنتقل إليه، و انما يلتزم به علي القاعدة، فتخصص القاعدة بالنصوص الدالة علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع.

و ثالثا: انه لو سلم التعارض

و عدم التخصيص و لزوم التصرف في ادلة الخيار، نقول:

انه كما يرتفع التعارض حينئذ بما ذكر، كذلك يرتفع بالالتزام بعدم وجود خيار المجلس،

و بان خيار الحيوان يثبت بعد المجلس الي أن تتم ثلاثة ايام من حين العقد، بل لعل الأخير اظهر من جهة انه مقتضي ثبوت المقتضي لخيار الحيوان مع وجود المانع في المجلس.

الخامس: انه لو كان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد يلزم اما اجتماع المثلين أو اجتماع السببين علي مسبب واحد، لأن الثابت قبل التفرق اما خياران أو احدهما، فعلي الأول يلزم اجتماع المثلين، و علي الثاني يلزم اجتماع السببين علي مسبب واحد.

و المصنف رحمه الله في مقام تقريب الاشكال اقتصر علي المحذور الثاني، و العلامة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 322

لان الاسباب معرفات، و أما لأنها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها في التأثير علي عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة الا من هذه الجهة (1)

و هو المراد مما في التذكرة في الجواب عن ان الخيارين مثلان فلا يجتمعان، من ان الخيار واحد و الجهة متعددة.

ثمّ ان المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بكون الاجازة ناقلة، أو زمان الملك؟ (2) عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني، كما استظهره بعض المعاصرين

______________________________

اقتصر علي المحذور الأول، و عليه فمن الغريب ان المصنف رحمه الله حمل جواب العلامة رحمه الله علي ما ذكره في مقام الجواب،

مع انه في مقام الجواب عما ذكره من المحذور لاما افاده المصنف رحمه الله.

(1) و كيف كان: فقد اجاب المصنف رحمه الله عنه: بان الخيار- الذي هو المسبب- ان كان مختلف الحقيقة باختلاف الموارد فلا محذور في تعدد السبب لفرض تعدد المسبب،

و لا

يلزم مع ذلك اجتماع المثلين، و ان كان في جميع الموارد متحد الحقيقة فلا باس بتعدد السبب، اما لأن الأسباب معرفات و السبب الحقيقي واحد، و أما لأن السببين عند الاجتماع معا علة تامة و عند الانفراد كل منهما علة تامة، و علي التقديرين السبب واحد.

و فيه: ان الأسباب لا معرفات و لا مؤثرات، بل المؤثر في جعل الأحكام الشرعية ارادة الجاعل، و هي تكون موضوعات للأحكام، و لا يعقل تخلف الأحكام عنها.

و الحق في الجواب ان يقال انه عند تعدد السبب ان امكن الالتزام بتعدد المسبب فهو المتعين، و الا فان امكن الالتزام بالتعدد من حيث الاضافة الي الأسباب كالقتل بالنسبة الي اسبابه يتعين ذلك، و الا فيلتزم بالتأكد ان امكن، و المقام من قبيل الثاني، فان الخيار الذي هو ملك الالتزام لا يقبل التعدد و لا التاكد، و لكنه يمكن تقييده من جهة السبب و اثره انه يمكن اسقاطه من جهة و ابقائه من جهة.

(2) و هل المراد بزمان العقد هو زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بالنقل، أو زمان الملك؟ وجهان: أقربهما الثاني و يدلنا علي ذلك ان الخيار انما يثبت في العقد الذي لولاه كان لازم الوفاء. و بعبارة اخري: دليل الخيار مخصص لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إذ علي هذا فهو يكون ثابتا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 323

قال: فعلي هذا لو اسلم حيوانا في طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و ان كان بائعا كان مبدؤه بعد القبض و تمثيله بما ذكر مبني علي اختصاص الخيار بالحيوان المعين و قد تقدم التردد في ذلك.

ثمّ ان ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف و لو قبل القبض يدل علي

انه لا يعتبر في الخيار الملك، لكن لا بد له من اثر. و قد تقدم الاشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.

مسألة: لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام، (1)

لا لدخول الليل في مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج، و لا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار و لو عقد في الليل.

فالظاهر بقاء الخيار الي آخر اليوم الثالث، و يحمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد، لكن فيه انه يصدق حينئذ الاقل من ثلاثة ايام،

______________________________

من حين صدق عنوان البائع و المشتري، و هما انما يصدقان من حين الاجازة،

من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

نعم التعبير بصاحب الحيوان في بعض النصوص موهم لكون المدار علي الملكية،

و عليه فالتفصيل بين القول بالنقل أو الكشف في محله، و لكن الظاهر- و لو بقرينة سائر النصوص- ان المراد بالصاحب المتلقي للحيوان لا المالك الفعلي، و الغرض منه تخصيص الخيار بالمشتري،

فالأظهر ثبوت الخيار من حين الاجازة علي جميع المسالك.

فما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه علي القول بالكشف الحقيقي يتعين البناء علي ثبوت الخيار من حين اجراء الصيغة، في غير محله.

دخول الليلتين المتوسطتين في ثلاثة الخيار

(1) لا اشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة ايام.

و الوجه في ذلك: ظهور النصوص في امتداد الخيار من اول تحققه الي حين زواله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 324

و الاطلاق علي المقدار المساوي للنهار و لو من الليل خلاف الظاهر. قيل:

و المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة، فتدخل الثلاثة، و إلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد، انتهي.

فإن اراد الليلة السابقة علي الايام فهو حسن الا انه لا يعلل بما ذكر و ان

اراد الليلة الاخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث في خصوص النهار، بل نقول ان اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في مجموع النهار و الليل أو مقدارهما، و لا في النهار و لو ملفقا من الليل، (1) و المراد من الثلاثة ايام هي بلياليها اي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس اللفظ، و انما اريدت من جهة الاجماع و ظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار، فكأنه قال: الخيار يستمر الي ان يمضي ست و ثلاثون ساعة من النهار.

______________________________

و لا اشكال ايضا في دخول الليلة الاولي ان وقع العقد في الليل،

انما الكلام فيما لو وقع العقد في اول اليوم، و انه هل تدخل الثالثة ام لا؟

قد يقال بالدخول، و استدل له:

بظهور اليوم في النهار مع الليل، اما لأنه اسم للمجموع أو للتغليب،

و بانه تدخل الليلتين في الثلاثة كما تقدم فتدخل الثالثة، و الا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن اليوم في اللغة و بحسب المتفاهم العرفي اسم لبياض النهار، و التغليب ليس بنحو يوجب الظهور.

و أما الثاني: فلأن دخول الليلتين ليس من جهة دخولهما في المستعمل فيه، بل لما عرفت، فلا يلزم الاختلاف في مفردات الجمع.

(1) ثمّ يقع الكلام في ان المراد باليوم هل هو اليوم التام فلا يكفي الملفق أو مقداره و لو من نهارين، أو مقداره من الزمان و لو بضم الليل؟ و الأظهر هو الأوسط،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 325

مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
احدها: اشتراط سقوطه في العقد (1)

و لو شرط سقوط بعضه، فقد صرح بعض بالصحة و

لا بأس به.

و الثاني: اسقاطه بعد العقد، (2)

و قد تقدم الامران.

و الثالث: التصرف

و لا خلاف في اسقاطه في الجملة لهذا الخيار، (3) و يدل عليه قبل الاجماع النصوص:

______________________________

لأن الظاهر من الدليل اعتبار اليوم اي بياض النهار علي نحو الطريقية الي الساعات النهارية، و عليه فيكفي الملفق من نهارين، و لا يكفي الملفق من يوم و ليل.

التصرف مسقط للخيار

الخامس: ان هذا الخيار يكون باقيا ما لم يتحقق احد المسقطات و هي امور:

(1) احدها اشتراط سقوطه في العقد.

(2) و الثاني اسقاطه بعد العقد و قد تقدم الأمران في خيار المجلس، فلا حاجة الي ذكر مالهما من المباحث.

(3) و الثالث التصرف و لا خلاف في اسقاطه في الجملة لهذا الخيار و كلمات القوم في المقام مشوشة و مضطربة و الاقوال كثيرة حتي ان بعضهم افتي في كتاب بغير ما افتي به في كتاب آخر، و افرط بعضهم و حكم بمسقطية التصرف إذا كان اجازة فعلية و فرط آخر و حكم بمسقطية كل تصرف حتي التصرف للاستخبار و التصرف في طريق الرد و بينهما اقوال لا يهمّنا التعرض لها، و الغريب مع ذلك دعوي الاجماع في المقام اللهم، الا ان يراد به الاجماع علي مسقطية التصرف في الجملة و لو بمعني اسقاط الرضا المستكشف به.

و كيف كان فالاولي صرف عنان الكلام الي بيان ما هو الحق المستفاد من نصوص الائمة الاطهار صلوات الله عليهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 326

ففي صحيحة ابن رئاب، فإن احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة ايام فذلك رضا منه و لا شرط له، قيل له: و ما الحدث؟ قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان محرما عليه قبل الشراء، و صحيحة الصفار كتبت الي ابي محمد عليه السلام

في الرجل اشتري دابة من رجل فاحدث فيها حدثا من اخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له ان يردها في الثلاثة الايام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقع عليه السلام إذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء انشاء الله تعالي.

و في ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الاسناد قلت له أ رأيت ان قبلها المشتري أو لامس؟ فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها الي ما يحرم علي غيره، فقد انقضي الشرط و لزم البيع. و استدل عليه في التذكرة بعد الاجماع بأن التصرف دليل الرضا و في موضع آخر منها انه دليل الرضا بلزوم العقد، و في موضع آخر منها كما في الغنية ان التصرف اجازة.

______________________________

و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: في بيان ما يستفاد من الأخبار. المذكورة في المتن و هي صحيح ابن رئاب «1»

و صحيح الصفار «2» و الصحيح المتقدم «3» عن قرب الاسناد الثاني: في المبعدات المذكورة لكون التصرف بنفسه مسقطا.

الثالث: فيما توهم من منافاة طائفة اخري من الأخبار لهذه الروايات.

اما المورد الأول: فالكلام فيه في جهات:

الأولي: ان قوله عليه السلام في صحيح الصفار إذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء و نحوه ما في صحيح ابن رئاب يدل علي ان احداث الحدث بنفسه مسقط، و المراد به اعمال عمل جديد لم يكن من شأنه قبل العقد، فهو لا يشمل كل تصرف كسقي الدابة و اعلافها، كما لا يشمل التصرف للاستخبار أو للرد لأنه ليس هذا التصرف من باب تصرف

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 2.

(3) الوسائل-

باب 4- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 327

اقول: المراد بالحدث ان كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك الا برضاه كما يشير إليه قوله: أو نظر الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء، فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا، كما صرح به في التذكرة في بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من انه لو استخدمه بشي ء خفيف مثل اسقني أو ناولني الثوب أو اغلق الباب، سقط الرد، ثمّ استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق التصرف، و قال ايضا لو كان له علي الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليها بطل الرد،

لانه استعمال و انتفاع، انتهي.

و قال في موضع من التذكرة: عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من المشتري قبل عمله بالعيب أو بعده يمنع الرد، انتهي.

و هو في غاية الاشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث، و عدم دلالة ذلك علي الرضا بلزوم العقد، مع ان من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن ذلك في اثناء الثلاثة، فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع انهم ذكروا ان الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي امور خفية في الحيوان

______________________________

المالكين في املاكهم، و لذا قيد الراوي ركوب الدابة بركوب ظهرها فراسخ الذي هو من شئون المالك و من وجوه الانتفاع بماله، كما ان الامام عليه السلام قيد النظر بما كان محرما قبل الشراء، و علي هذا فالمستفاد من هذه النصوص ان كل تصرف مالكي لم يكن للمشتري قبل الشراء إذا وقع بعده يكون مسقطا للخيار، و لو لم يكن اجازة فعلية.

الثانية: انه قد يتوهم ان الأمثلة

المذكورة في النصوص من تقبيل الجارية و لمسها و النظر إليها ليست مصاديق لاحداث الحدث بل هي من قبيل الأمر باغلاق الباب، فكيف حكم بمسقطيتها،

لكنه فاسد إذ قد عرفت ان احداث الحدث يعم كل تصرف لم يكن من شأنه قبل العقد و هذه منه.

الثالثة: ان في صدر صحيح ابن رئاب فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 328

توجب زهادة المشتري، و كيف يطلع الانسان علي ذلك بدون النظر الي الجارية و لمسها و امرها بغلق الباب و السقي و شبه ذلك.

و ان كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته علي الرضا بلزوم العقد، كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب، (1) و يظهر من استدلال العلامة و غيره علي المسألة، بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد، فهو لا يناسب اطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التي ذكروها و دعوي ان جميعها مما يدل لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد، فيكون اجازة فعلية كما تري.

ثمّ ان قوله عليه السلام في الصحيحة فذلك رضاء منه يراد منه الرضا، بالعقد في مقابلة كراهة ضده اعني الفسخ و إلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد الي حين الفسخ، و يشهد لهذا المعني رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن ابيه عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله في رجل اشتري عبدا بشرط الي ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال: يستحلف بالله تعالي ما رضيه، ثمّ هو برئ من الضمان، فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد، و الاستحلاف في الرواية محمولة علي سماع دعوي التهمة أو علي صورة حصول القطع للبائع

بذلك، إذا عرفت هذا فقوله عليه السلام فذلك رضاء منه و لا شرط له (1) يحتمل وجوها

______________________________

قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط.

(1) رتب سقوط الخيار علي كون احداث الحدث رضا بالبيع،

و قد وقع الكلام في ما هو المراد من هذه الجملة، و قبل بيان ما ذكره المصنف رحمه الله من المحتملات لا بد من بيان ما هو الحق عندنا و هو يتوقف علي مقدمة،

و هي ان المراد بالرضا ليس هو طيب النفس الذي هو من صفات النفس، بل المراد به الاختيار الذي هو من الأفعال، و ذلك لوجوه منها: حمله علي احداث الحدث الذي هو من الأفعال، و لا يصح حمل الصفة علي الفعل الا مع العناية.

و منها: انه لا عبرة بالرضا غير المبرز في باب المعاملات قطعا.

و منها: ان الرضا بمعني طيب النفس يتعدي بكلمة باء، و بمعني الاختيار يتعدي بنفسه، و هو في هذه النصوص تعدي بنفسه، و علي هذا فالمراد من قوله فذلك رضا منه انه اختيار و اجازة، فيكون مفاد هذه الجملة من الصحيح التعبد بان كل ما يكون احداث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 329

احدها: ان يكون الجملة جوابا للشرط فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و ان لم يكن التزاما عرفا (1)

الثاني: ان يكون توطئة للجواب و هو قوله: و لا شرط له (2) لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقة، فيكون اشارة الي ان الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا علي الرضا، نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما، فإنه لا يعتبر في الافتراق دلالة علي الرضا، و علي هذين المعنيين

فكل تصرف مسقط و ان علم عدم دلالته علي الرضا.

الثالث: ان تكون الجملة اخبارا عن الواقع نظرا الي الغالب و ملاحظة نوع التصرف لو خلي و طبعه، و يكون علة للجواب (3) فيكون نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا علي الرضا بلزوم العقد، و بعد ملاحظة وجوب تقييد اطلاق الحكم بمؤدي علته، كما في قوله: لا تأكل الرمان لانه حامض. دل علي اختصاص الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك. اي دالا بالنوع غالبا علي التزام العقد، و ان لم يدل في شخص المقام

______________________________

الحدث يكون اجازة للعقد و موجبا لسقوط الخيار، فيتحد مفادها مع سائر النصوص المطلقة.

إذا عرفت هذا فاعلم: ان المصنف رحمه الله لما بني علي ان المراد من الرضا هو طيب النفس احتمل وجوها فيها:

(1) احدها: ان الرضا محمول علي التصرف بعنوان التعبد و التنزيل.

(2) ثانيها: ان قوله فذلك رضا منه توطئة للجواب الذي هو قوله و لا شرط له و يكون المراد منه ان التصرف لكونه كاشفا نوعيا عن الرضا يكون مسقطا، لكن لوحظ هذا العنوان علي وجه الحكمة غير المطردة، فيكون التصرف مسقطا و لو علم في مورد عدم الرضا بالعقد.

(3) ثالثها: ان يكون المراد من قوله فذلك رضا منه هذا المعني المشار إليه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 330

فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا، نظير ظهور الالفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة، كما إذا دل الحال أو المقام علي وقوع التصرف للاختبار، أو اشتباها بعين اخري مملوكة له و يدخل فيه كلما دل نوعا علي الرضا و ان لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع و الأذن للبائع في التصرف فيه.

الرابع: ان يكون

اخبارا عن الواقع و يكون العلة هي نفس الرضا الفعلي و الشخصي و يكون اطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة، فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي، فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار. (1) ثمّ ان الاحتمالين الأولين و ان كانا موافقين لإطلاق سائر الاخبار و اطلاقات بعض كلماتهم، مثل ما تقدم من التذكرة من ان مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط، و كذا غيره كالمحقق و الشهيد الثانيين بل لإطلاق بعض معاقد الاجماع، الا انهما بعيدان عن ظاهر الخبر، مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم. فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ. بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة علي الرضا كما سيجي ء

______________________________

الوجه الثاني، لكنه ماخوذ علي وجه العلية، فيكون مفاده ان كل تصرف يكون كاشفا نوعيا عن الرضا يكون مسقطا للخيار.

(1) رابعها: هذا المعني مع ارادة الكاشفية الفعلية الشخصية عن الرضا، و هو قده اختار الوجه الثالث.

و جميع هذه الوجوه بعيدة،

اما الأول: فلأن الرضا بنفسه لا حكم له في باب المعاملات كي ينزل التصرف منزلته.

و أما الثاني: فلأن الظاهر مما يذكر في مقام العلة كونه علة لا حكمة.

و أما الثالث: فلعدم انطباق ذلك علي الأمثلة المذكورة في النصوص لعدم كونها كاشفة عن الرضا لو خليت و طبعها.

و أما الرابع: فيرد عليه- مضافا الي ما اورد علي الوجه الثالث-: انه لم يلتزم به احد،

و اضف الي ذلك ما عرفت من فساد المبني، فالمتعين هو ما ذكرناه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 331

و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا.

و ان لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري (1) علي ما صرح به في التحرير و الدروس، فعلم ان العبرة بالرضا و انما اعتبر التصرف للدلالة

و ورود النص أيضا بأن العرض علي البيع اجازة، (2) مع انه ليس حدثا عرفا. و مما يؤيد عدم ارادة الاصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته علي الرضا، حكمهم بأن كل تصرف يكون اجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع، (3) فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه اجازة الي كونه فسخا.

و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول و بالفعل، و ذكر التصرف مثلا للفسخ و الاجازة الفعليين، فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف مسقطا لا للدلالة علي الرضا بأن الاصحاب يعدونه في مقابل الاجازة.

______________________________

ثمّ مع الاغماض عما ذكرناه، فغاية الأمر اجمال هذه الجملة، فلا مقيد لإطلاق النصوص، فالمستفاد من النصوص ان احداث الحدث بنفسه مسقط للخيار.

فما عن المحقق النائيني رحمه الله من حمل النصوص علي ارادة ان كل تصرف يكون اجازة فعلية يكون مسقطا، غير تام.

و أما المورد الثاني: فقد ذكروا من مبعدات كون كل احداث الحدث مسقطا امورا.

(1) و منها: حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا، و ان لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية و فيه: انه و ان لم يكن ذلك تصرفا الا انه احداث الحدث.

(2) و منها: ورود النص ايضا بان العرض علي البيع اجازة، مع انه ليس حدثا عرفا و الكلام في النص سيأتي مفصلا في المورد الثالث و فيه: ان التعريض للبيع إذا كان بعنوان بيعه لا بعنوان استخبار قيمته من الحدث عرفا.

(3) و منها: ان الاصحاب ذكروا ان كل فعل و تصرف يكون اجازة إذا كان فيما انتقل إليه يكون ردا و فسخا إذا كان في ما انتقل عنه، و من المعلوم ان

كل تصرف فيما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 332

و أما المعني الرابع فهو و ان كان اظهر الاحتمالات من حيث اللفظ، بل جزم به في الدروس و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله به الحسن بن زيد، الحاكية للنبوي الدال كما في الدروس ايضا علي الاعتبار بنفس الرضا.

و ظاهر بعض كلماتهم الآتية ان المستفاد من تتبع الفتاوي الاجماع علي عدم اناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد، مع ان اظهريته بالنسبة إلي المعني الثالث غير واضحة، فتعين ارادة المعني الثالث، ه لصحمو دلالة التصرف لو خلي و طبعه علي الالتزام و ان لم يفد في خصوص المقام، فيكون التصرف اجازة فعلية في مقابل الاجازة القولية و هذا هو الذي ينبغي ان يعتمد عليه، قال في المقنعة: ان هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، الا ان يحدث فيه المبتاع حدثا يدل علي الرضا بالابتياع، انتهي.

و مثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر الي الأمة الي ما يحرم لغير المالك.

و قال في المبسوط في احكام العيوب: إذا كان المبيع بهيمة و اصاب بها عيبا فله ردها.

و إذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و سقيها و علفها و حلبها و أخذ لبنها، و ان نتجت كان له نتاجها، ثمّ قال: و لا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده، و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهي.

______________________________

انتقل عنه لا يكون ردا، فكذا الاجازة.

و فيه: انه قد عرفت ان احداث الحدث بنفسه مسقط لا بما انه اجازة فعلية،

و الملازمة التي ذكرها الأصحاب انما هي بين ما هو اجازة فعلية و فسخ فعلي، لابين احداث الحدث و الفسخ، فلا

ربط لذلك بالمقام.

منها: انه لو كان كذلك لزم لغوية جعل الخيار، إذ من المعلوم عدم انفكاك المملوك أو الحيوان المشتري عن تصرف ما في اثناء الثلاثة.

و فيه: قد مر أن احداث الحدث اخص من وجه من التصرف.

و به يظهر الجواب عن الأمر الثاني و هو ان الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي امور خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري، و كيف يمكن ان يطلع الانسان علي ذلك مع عدم التصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 333

و في الغنية: لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه، الا ان يكون المبتاع قد احدث فيه حدثا يدل علي الرضا، انتهي.

و قال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان: فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال البائع، إلا ان يحدث فيه حدثا يدل علي الرضا، انتهي.

و في السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان الي ثلاثة ايام، قال: هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل علي الرضا و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته، أو يكون لمثل ذلك التصرف اجرة، بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها، أو يدبرها تدبيرا، ليس له الرجوع فيه كالمنذور، انتهي.

و قال في موضع آخر: إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة.

و أما العلامة: فقد عرفت انه استدل علي اصل الحكم بأن التصرف دليل الرضا باللزوم.

و قال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم يكن ذلك رضاء بها، ثمّ قال: و لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردها لم يكن ذلك رضاء منه بامساكه، و لو حلبها في طريقه فالاقرب انه تصرف يؤذن بالرضا و في التحرير في مسألة

سقوط رد المعيب بالتصرف قال: و كذا لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا و قال في الدروس: استثني بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها، إذ بها يعرف حالها ليختبر و ليس ببعيد.

و قال المحقق الكركي: لو تصرف ذو الخيار غير عالم، كأن ظنها جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة. ففي الحكم تردد، ينشأ من اطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف و من انه غير قاصد الي لزوم البيع إذ لو علم لم يفعل، و التصرف انما عد مسقطا لدلالته علي الرضا باللزوم و قال في موضع آخر:

و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا، ثمّ قال و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد ان لا يعد. و كذا لو اراد ردها و حلبها لأخذ اللبن علي اشكال ينشأ من انه ملكه، فله استخلاصه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 334

و حكي عنه في موضع آخر انه قال و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي، انتهي.

و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به و يحتمل ان يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختبار أو الحفظ، هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام،

الظاهرة في المعني الثالث. و حاصله التصرف علي وجه يدل عرفا لو خلي و طبعه،

علي الالتزام بالعقد، ليكون اسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة علي وقوعه لا الالتزام لكن يبقي الاشكال المتقدم سابقا من ان اكثر امثلة التصرف المذكورة في النصوص و الفتاوي ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة

أو التردد أو العزم علي الفسخ مطلقا. و إذا اطلع علي ما يوجب زهده فيه. فهي غير دالة في نفسها عرفا علي الرضا. و منه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة، فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأن الغالب في هذه التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا يسقط بها الخيار، إذ فيه ان هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضاء، لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض افراده رضاء هو ظهوره فيه

______________________________

و أما المورد الثالث: فما توهم منافاته للنصوص المتقدمة خبران:

احدهما: خبر عبد الله بن الحسن الحاكي للنبوي: في رجل اشتري عبدا بشرط الي ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال صلي الله عليه و آله: يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان «1».

بتقريب: انه صلي الله عليه و آله لم يستفصل بين احداث الحدث و عدمه، و حكم بالبراءة و لو احدث الحدث، فيستكشف من ذلك ان المسقط انما هو الرضا، و مسقطية احداث الحدث انما تكون لأجل كاشفيته عن الرضا لا انه بنفسه مسقط.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند.

و ثانيا: ان المراد بالرضا فيه ليس هو طيب النفس، إذ هو ليس مسقطا للخيار

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 335

عرفا من اجل الغلبة، فإذا فرض ان الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها لاعن التزام بالعقد بل مع العزم علي الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة، كان تعليل الحكم علي المطلق بهذه العلة الغير الموجودة الا في قليل من افراده مستهجنا و أما الاستشهاد لذلك بما سيجي ء

من ان تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا، و ليس ذلك الا من جهة صدوره لاعن التزام بالعقد، بل مع العزم علي الفسخ برد مثل الثمن. ففيه ما سيجي ء و مما ذكرنا من استهجان التعليل علي تقدير كون غالب التصرفات واقعة لاعن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني حمل الاخبار المتقدمة علي صورة دلالة التصرفات المذكورة علي الرضا بلزوم العقد جمعا بينها و بين ما دل من الاخبار علي عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد المتوفي في زمان الخيار و عدمه، و إنما انيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي و مثل الخبر المصحح في رجل اشتري شاة فامسكها ثلاثة ايام ثمّ رد قال: ان كان تلك الثلاثة ايام شرب لبنها يرد معها ثلاثة امداد، و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء،

و نحوه الآخر (1) و ما فيهما من رد ثلاثة امداد لعله محمول علي الاستحباب مع ان ترك العمل به لا يوجب رد الرواية، فتأمل.

______________________________

قطعا، بل المراد به الالتزام بالعقد و الاختيار، و قد مر أن احداث الحدث منه تعبدا و بالحكومة.

و ثالثا: ان الخبر وارد لبيان حيثية التلف في زمان الخيار خاصة لا للبيان من جهة اخري، فلا يمكن التمسك بترك الاستفصال فيه بين احداث الحدث و عدمه.

(1) ثانيهما: المصحح «1» المذكور في المتن و نحوه الآخر و فيه: اولا: ان موردهما الرد بعد الثلاثة، فهما اجنبيان عن المقام و يحملان علي ارادة الرد بخيار العيب، و التصرف ليس مسقطا له.

و ثانيا: انه لم يعمل بهما لتضمنهما رد ثلاثة امداد.

______________________________

(1) الوسائل- باب

13- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 336

و قد افتي بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها اياما، ثمّ وجد المشتري فيها عيبا ثمّ قال و قيل ليس له ردها لانه تصرف بالحلب.

و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوي الظاهرين في كون التصرف مسقطا لدلالته علي الرضا بلزوم العقد و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من الفتاوي خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد أو التردد فيه، و في التصرفات للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الأشكال و الله العالم بحقيقة الحال.

الثالث: خيار الشرط
اشارة

اعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد (1) و لا خلاف في صحة هذا الشرط و لا في انه لا يتقدر بحد عندنا و نقل الاجماع عليه مستفيض،

و الاصل فيه قبل ذلك الاخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط الا ما استثني و الاخبار الخاصة الواردة في بعض افراد المسألة.

فمن الأولي: الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوي تواتره ان المسلمين عند شروطهم، (2) و يزيد في صحيحة ابن سنان، الا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز.

و في موثقة اسحاق بن عمار: الا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما.

______________________________

فتحصل: ان الاظهر كون احداث الحدث- اي اعمال عمل جديد- لم يكن له قبل الاشتراء من المسقطات بنفسه.

خيار الشرط

(1) الثالث: خيار الشرط بالضرورة بين علماء المذهب و الكتاب و السنة عموما و خصوصا في بعض افراده. كذا في الجواهر و هو يثبت في كل مبيع اشترط الخيار فيه.

و قد استدل لصحة هذا الشرط بوجهين.

(2) الأول: الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط الا ما استثني، كالخبر المستفيض: المسلمون

عند شروطهم «1».

______________________________

(1) راجع الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار- و باب 4 من ابواب كتاب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 337

______________________________

و قد اورد علي الاستدلال بها بامور:

احدها: ما عن المستند من ان هذا الشرط مخالف للكتاب و السنة. إذ السنة دلت علي ان البيع يجب بالافتراق، فاشتراط عدم وجوبه مخالف للسنة، فلا يكون مشمولا لتلك الأخبار، لأنه قد استثني من الشروط لازمة الوفاء ما خالف الكتاب و السنة.

و فيه: ان وجوب البيع و لزومه حقي لا حكمي لجريان الاقالة فيه، فشرط عدمه ليس مخالفا للكتاب و السنة، إذ الشرط المخالف للسنة هو شرط فعل، أو ترك محكوم بحكم الزامي، أو عدم حكم وضعي غير حقي كما تقدمت الاشارة إليه، و سيجي ء تفصيله في باب الشروط.

ثانيها: انه شرط مخالف لمقتضي العقد، لأن مقتضاه لزوم البيع.

و فيه: ان اللزوم من احكام العقد لا من مقوماته، فشرط عدمه ليس مخالفا لمقتضي العقد.

ثالثها: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان ظاهر الاخبار الحكم التكليفي و وجوب ان يكون المؤمن عند شرطه، فلا يعم ما هو من قبيل شرط النتيجة الذي منه المقام، و هو شرط الخيار و ثبوت حق الرجوع.

و فيه: اولا: قد تقدم في مسألة اشتراط سقوط خيار المجلس ان مفاد هذه النصوص بقرينة غيرها من الأخبار نفوذ الشرط الذي له ربط بالمشروط عليه، فتشمل شرط النتيجة.

و ثانيا: انه يمكن ارجاع هذا الشرط الي شرط الفعل بان يشترط ان يفسخ متي ما اراد.

رابعها: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله ايضا، و هو: ان المقام داخل في شرط فعل الله- اعني حكمه بالخيار- و هو خارج عن الاختيار، غير مشمول لخطاب المؤمنون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص:

338

نعم في صحيحة اخري لابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز علي الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم، فيما وافق كتاب الله لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للاجماع علي عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب، و تمام الكلام في معني هذه الاخبار و توضيح المراد من الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد انشاء الله،

و المقصود هنا بيان احكام الخيار المشترط في العقد و هي تظهر برسم مسائل.
مسألة: لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه، (1)

لعموم أدلة الشرط، (2) قال في التذكرة: لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي

______________________________

و فيه: - مضافا الي ما تقدم من امكان ارجاعه الي شرط الفعل- ان هذا الحكم الشرعي بما انه مجعول في ظرف انشاء المكلف- كما في سائر الانشائيات- يكون مقدورا بالواسطة. و ان شئت قلت: ان المشروط هو الخيار عند المتبايعين، و الشارع الأقدس امضي ذلك و حكم بالخيار لا انه هو المشروط. فتدبر، فالأظهر تمامية هذا الوجه الوجه الثاني: الأخبار الخاصة الواردة في بعض افراد المسألة:

منها: النصوص المستفيضة الواردة في اشتراط الفسخ برد الثمن الآتي نقلها.

و منها: صحيح ابن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل ان يمضي الشرط فهو من مال البائع «1».

و منها: غير ذلك، و قد جعلها صاحب المستند مخصصة لما دل علي عدم صحة الشرط المخالف.

و اورد عليه: بان سياق ادلة عدم صحة الشرط المخالف آب عن التخصيص.

لو جعل الخيار و لم يعين المدة

(1) قوله لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه محل الكلام في هذا المقام ليس جواز كون زمان الخيار منفصلا- بل اتفقت كلماتهم علي جواز ذلك.

(2) لعموم ادلة الشروط.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار

حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 339

و استدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم (1) ورد بعدم المانع من ذلك، مع انه كما في التذكرة منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية. نعم يشترط تعيين المدة فلو تراضيا علي مدة مجهولة (2) كقدوم الحاج بطل بلا خلاف،

بل حكي الاجماع عليه صريحا

______________________________

(1) و دعوي انه يلزم منه جواز العقد بعد لزومه،

مندفعة بانه لا محذور في ذلك، مضافا الي ثبوت نظيرها في الشرع كخيار التأخير- و لا في جواز تقدير اي مدة شاءا.

(2) و انما الكلام وقع فيما لو عين مدة مجهولة كقدوم الحاج،

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في صحة الشرط و فساده.

الثاني: في صحة البيع و فساده.

اما المورد الأول: فقد استدل علي بطلان الشرط بوجوه:

احدها: الاجماع و هو كما تري.

ثانيها: ما ارسله بعض من نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر. «1» و هو عام شامل للشرط ايضا، و لا بأس به، و هو و ان كان ضعيف السند الا ان عمل الأصحاب و استدلالهم به في جملة من المواضع يوجب جبره.

ثالثها: ان البيع يبطل، فيكون الشرط باطلا بالتبع.

رابعها: ما في الجواهر، و هو: ان اشتراطه مخالف للسنة.

و فيه: انه ان اريد بذلك ان البيع بواسطة هذا الشرط يصير غرريا فهذا شرط مخالف للسنة، ففيه: ان الظاهر من قوله الا شرطا خالف كتاب الله كون الالتزام بنفسه أو الملتزم به مخالفا للكتاب أو السنة، و أما الشرط الموجب لمخالفة شي ء آخر للكتاب أو السنة فهو غير مشمول له، و ان اريد به ان الشرط الغرري بنفسه منهي عنه فيكفي في فساده نفس دليل الغرر.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لبطلان البيع

بوجوه:

______________________________

(1) التذكرة ج 1- ص 466- مسألة بيع الطير في الهواء- و عن الشهيد ره نحوه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 340

لصيرورة المعاملة بذلك غررية، (1) و لا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات و اقدام العقلاء عليه احيانا، (2) فإن المستفاد من تتبع احكام المعاملات عدم رضاء الشارع بذلك، إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين.

و بالجملة، فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة الي المداقة و الا لم يكن بيع الجزاف و ما تعذر تسليمه، و الثمن المحتمل للتفاوت القليل و غير ذلك من الجهالات غررا، لتسامح الناس في غير مقام الحاجة الي المداقة في اكثر الجهالات.

و لعل هذا مراد بعض الاساطين من قوله ان دائرة الغرر في الشرع اضيق من دائرته في العرف، و إلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه الا الي العرف. نعم الجهالة التي لا يرجع الامر معها غالبا الي التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا،

كتفاوت المكائيل و الموازين

______________________________

احدها: الاجماع. و هو كما تري.

ثانيها: ان الشرط إذا فسد فسد المشروط، و قد تقدم فساد الشرط.

و فيه: ما سيجي ء في محله من ان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا.

(1) ثالثها: صيرورة المعاملة بذلك غررية.

(2) و اورد عليه تارة: بان العقلاء يقدمون علي مثل هذه المعاملة و يسامحون في مثل هذه الجهالة،

و اخري: بان الشرط انما يكون التزاما في ضمن التزام، و جهالة المظروف لا تسري الي الظرف، و هو معلوم من جميع الجهات فلا يكون غرريا،

و ثالثة: بما عن المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان الغرر المنهي عنه لا يشمل الغرر الحاصل بجهالة مدة الخيار، و

الا بطل كل البيوع بجهالة مدة خيار المجلس.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن اقدام العقلاء لا يوجب رفع الغرر، فانهم ربما يقدمون علي المعاملة الخطرية، و الشارع الأقدس لسد هذا الباب نهي عن البيع الغرري.

و أما الثاني: فلأن الشرط و ان كان التزاما في ضمن التزام الا ان المشروط بما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 341

و يشير الي ما ذكرنا الاخبار الدالة علي اعتبار كون السلم الي اجل معلوم،

و خصوص موثقة غياث: لا بأس بالسلم في كيل معلوم الي اجل معلوم لا يسلم إلي دياس أو إلي حصاد. مع ان التأجيل الي الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الاحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع، و ربما يستدل علي ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة، لأنه غرر. (1) و فيه ان كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة، ففي الثاني يفسد الشرط و يتبعه البيع، و في الأول يفسد البيع فيلغو الشرط. اللهم الا ان يراد ان نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر و ان لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون مخالفا للكتاب و السنة، لكن لا يخفي سراية الغرر الي البيع، (2) فيكون الاستناد في فساده الي فساد شرطه المخالف للكتاب كالاكل من القفاء.

______________________________

انه جواز العقد- و من المعلوم ان الملكية اللازمة غير الملكية الجائزة- فلا محالة تسري الجهالة الي البيع و يصير البيع بذلك غرريا كما لا يخفي.

و أما الثالث: فلأن خيار المجلس انما يكون بجعل من الشارع، و أما المتعاملان فهما عالمان بما ينشئان و لا جهالة فيه بوجه و لا غرر. و حكم الشارع لا يوجب غررية البيع.

فالأظهر

تمامية هذا الوجه، فتحصل بطلان البيع.

(1) قوله ان اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لانه غرر قد عرفت ان مراد من استدل بهذا الوجه اثبات بطلان الشرط، بمخالفته للكتاب و السنة، و بكون نفس الشرط غرريّا فنفس الشرط مشمول لقوله عليه السلام نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر، و إذا كان الشرط باطلا كان البيع باطلا لان الشرط الفاسد مفسد و عليه فلا يرد عليه ما اورده المصنف بقوله.

(2) لكن لا يخفي سراية الغرر الي البيع و فيه انه إذا كان الشرط غرريا و باطلا لا يسري ذلك الي البيع لما سيأتي في محل من ان الشرط التزام في ضمن التزام الا بالتقريب الذي ذكرناه فراجع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 342

مسألة: لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج،

و بين عدم ذكر المدة اصلا كان يقول بعتك علي ان يكون لي الخيار و بين ذكر المدة المطلقة، كان يقول بعتك علي ان يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر، (1) خلافا للمحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبي فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة ايام و يحتمل حمل الثالثة عليها و عن الانتصار و الغنية و الجواهر، الاجماع عليه. و في محكي الخلاف وجود اخبار الفرقة به و لا شك ان هذه الحكاية بمنزلة ارسال اخبار (2) فيكفي في انجبارها الاجماعات المنقولة. و لذا مال إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول الا عن الشيخ قدس سره و اوله بارادة خيار الحيوان.

و عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه: الجزم به، و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من انه ليس في الادلة ما

يخالفه إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع و ان لم يعلم به المتعاقدان

______________________________

(1) و قد صرح غير واحد بعدم الفرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة و بين عدم ذكر المدة، و بين ذكر المدة المطلقة بان يقول بعتك بشرط ان يكون لي الخيار مدة لاستواء الجميع في الغرر بالتقريب المتقدم.

و قيل ان المشهور بين المتقدمين الصحة في الثالث و الانصراف الي ثلاثة ايام، و عن جماعة: دعوي الاجماع عليه.

(2) و استدل له: بوجوه الاول ما عن محكي الخلاف من وجود اخبار الفرقة به.

بتقريب: ان هذه الحكاية بمنزلة ارسال اخبار، فيكفي في انجبارها الاجماعات المنقولة.

و فيه ان عمل الأصحاب انما يوجب انجبار ضعف السند لو علم استنادهم الي الخبر، و الا فمجرد مطابقة الفتاوي مع الخبر لا يوجب جبر الضعف، و في المقام حيث لم يحرز ذلك، و لعلهم استندوا الي الوجه الثاني، بل يحتمل ان يكون مراد الشيخ من الأخبار ذلك،

فلا يكون الضعف منجبرا مع ان العمل يوجب جبر ضعف السند لا الدلالة، و حيث انه يحتمل عدم دلالتها علي فرض وجودها فلا يصح الاستدلال بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 343

كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته، و زاد في مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يئول الي العلم الحاصل من الشرع.

و فيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من ان بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد، و التحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان، فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص، و هو اهمال مدة الخيار.

و

الحاصل ان الدعوي في تخصيص ادلة نفي الغرر لا في تخصصها و الانصاف ان ما ذكرنا من حكاية الاخبار و نقل الاجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر،

لان الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي ء من هذه الاخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الاخبار، انه عول في هذه الدعوي علي اجتهاده في دلالة الاخبار الواردة في شرط الحيوان، (1) و لا ريب ان الاجماعات المحكية انما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته

______________________________

و ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله بان المسند المنقول بالمعني حجة عندهم و المرسل بعد الجبر يبلغ مبلغه،

يرده انه فرق بين الخبر المنقول بالمعني من غير ان يدخل فيه اجتهاد الراوي، و بين نقل مفاده بحسب اجتهاده، و الأول حجة دون الثاني، و المقام من قبيل الثاني.

(1) الثاني الأخبار الواردة في شرط الحيوان، بدعوي ان قوله عليه السلام الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط ام لم يشترط. «1» يدل بالفحوي علي ان الشرط في غيره ثلاثة ايام مع اشتراط الخيار و ان لم يشترط ثلاثة ايام لا اشتراطها لعدم اختصاصه به، إذ ضرورة صحة اشتراط اي عدد شاء فالمختص بها حينئذ اطلاق اشتراط الخيار.

و فيه انه لا مفهوم لتلك الأخبار اصلا، و علي فرضه فهو عدم ثبوت الثلاثة في غير الحيوان لا الثلاثة مع الاشتراط.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 344

أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل حينئذ علي نفس الجابر و لا حاجة الي ضم المنجبر، إذ نعلم اجمالا ان المجمعين اعتمدوا علي دلالات اجتهادية استنبطوها من الاخبار.

و لا ريب ان المستند غالبا في اجماعات القاضي و ابن زهرة اجماع السيد

في الانتصار، نعم قد روي في كتب العامة ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة اصابته في رأسه فقال له النبي صلي الله عليه و آله: إذا بعت فقل لا خلابة، و جعل له الخيار ثلثا، في رواية: و لك الخيار ثلاثا، (1) و الخلابة: الخديعة، و في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفي و جبرها بالاجماعات كما تري

______________________________

(1) و قد يستدل بالنبويين الواردين في حنان بن منقذ الذي كان يخدع في البيع،

قال صلي الله عليه و آله له: إذا بعت فقل لا خلابة و لك الخيار ثلاثا كما في احدهما: و جعل له الخيار ثلاثا كما في الآخر «1».

و فيه انهما ضعيفان سندا و قاصران دلالة.

اما الأول فواضح، و أما الثاني فلما عن التذكرة من ان قوله لا خلابة عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا، و إذا اطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط،

انتهي.

فالأظهر ان حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولي.

و استدل للقول الآخر: بان الغرر مندفع بتحديد الشرع، و ان لم يعلم به المتعاقدان كما في خيار الحيوان، فالاظهر هو التفصيل بين علمهما بتحديد الشارع و عدمه.

فعلي الأول لا غرر، إذ التزامهما بالخيار التزام به في ثلاثة ايام.

و علي الثاني: يكون غرريا، فانه لا إقدام علي الحكم الشرعي، و ما اقدما عليه حيث انه غرري و الحكم الشرعي لا يرفع الغرر فلا محالة يكون الدليل المفروض مخصصا لدليل الغرر، و لا يقاس بالجهل بخيار الحيوان و مدته، فانه ليس هناك اقدام معاملي علي الخيار.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 519.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 345

إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين الي خلافها في الخروج عن قاعدة الغرر مشكل، بل غير صحيح،

فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة، ثمّ انه ربما يقال ببطلان الشرط دون العقد و لعله مبني علي ان فساد الشرط لا يوجب فساد العقد،

و فيه ان هذا علي القول به فيما إذا لم توجب الشرط فسادا في اصل البيع كما فيما نحن فيه، حيث ان جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و إلا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط الي المشروط، و سيجي ء تمام الكلام في مسألة الشروط.

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد،

لأنه المتبادر من الاطلاق (1) و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدئه اول جزء من ذلك الزمان، فلو شرط خيار الغد كان مبدأه من طلوع فجر الغد، فيجوز جعل مبدأه من انقضاء خيار الحيوان بناء علي ان مبدأه من حين العقد

______________________________

و في الصورة الثالثة، و هي: ما لو ذكر مدة مطلقة اما ابدا أو ما دام العمر، ذهب المحقق النائيني رحمه الله: الي الحكم بفساد الشرط بدعوي انه مخالف لمقتضي العقد، فان مقتضاه بمدلوله الالتزامي هو التزام كل من المتبايعين بما انشئاه، فلو لم يلتزم احدهما به في مقدار من الزمان فهو ينافي اطلاقه،

و لا باس به. و أما لو لم يلتزم به ابدا فهو ينافي مقتضاه و يفسد.

و فيه: ان الشرط المخالف لحقيقة العقد أو لما يتقوم به انما لا يكون نافذا فيما إذا كان منافيا لمقتضاه حتي مع الشرط و أما ما ينافي مقتضاه الذي يكون مقتضاه لو لا الشرط فلا مانع من نفوذه كما سيأتي تنقيحه في مبحث الشروط، و المقام من هذا القبيل كما لا يخفي.

فالأظهر صحة البيع و الشرط في هذه الصورة.

مبدأ خيار الشرط

(1) قوله مبدأ هذا الخيار من حين العقد لأنه المتبادر من الاطلاق.

و

قد تقدم في مبحث خيار الحيوان ما يمكن ان يستدل به علي كون المبدأ من بعد انتهاء امد سائر الخيارات، و انه لا يتم شي ء مما ذكروه، فلا مانع ثبوتا من الالتزام بان مبدأه في المقام من حين العقد، و إذا كان المتبادر من الاطلاق كون المبدأ من حين العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 346

و لو جعل مبدأه من حين التفرق، بطل لأدائه الي جهالة مدة الخيار. (1)

و عن الشيخ و الحلي ان مبدأه من حين التفرق، و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته، نعم يمكن ان يقال هنا ان المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد، كما أشار إليه في السرائر، لكن لو تم هذا لاقتضي كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة، مع ان هذا انما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس و إلا فمع الجهل به لا يقصد الا الجعل من حين العقد، بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما (2)

______________________________

نلتزم به، و انما الكلام في المقام في موردين:

(1) الأول: فيما افاده المصنف رحمه الله: بقوله و لو جعل مبدأه من حين التفرق بطل لأدائه الي جهالة مدة الخيار …

فانه يرد عليه: انه لو جعل الخيار من حين التفرق الي ثلاثة ايام يكون المجعول معلوما بحسب المقدار، و انما المجهول وقته و لا يوجب ذلك الغرر، بل لو جعل الخيار من حين التفرق الي ما يكمل مع المجلس ثلاثة ايام صح للعلم بمدة الخيار الثابت له الأصلي و الجعلي،

و جهالة كل واحد منهما لا توجب الغرر. فتأمل.

(2) الثاني: فيما افاده بقوله: بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف

قصدهما …

فانه اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بانه إذا قلنا ان المبدأ من حين انقضاء الخيار من جهة عدم امكان تأثير الشرط في زمان وجود خيار آخر لا يلزم هذا المحذور، إذ المانع من التأثير قهري، فلا يلزم مخالفة القصد التي لا يمكن الالتزام بها.

و فيه: ان ذلك خلاف ممشي المصنف رحمه الله، فان مورد بحثه ما إذا كان الالتزام بكون المبدأ من حين انقضاء الخيار من جهة الانصراف لا من جهة عدم امكان تأثير الشرط في زمان وجود خيار آخر، إذ عليه مع الجهل بخيار المجلس لا محالة يقصد الخيار من حين العقد، فالحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما، و هو و ان لم يكن محذور فيه لو ساعدنا الدليل الا انه لفقده لا يمكن الالتزام به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 347

مسألة: يصح جعل الخيار لأجنبي،

قال في التذكرة: لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صح البيع و الشرط عندنا معا، (1) و حكي عنه الاجماع في الاجنبي، قال لأن العبد بمنزلة الاجنبي

______________________________

جعل الخيار للأجنبي

(1) قال في التذكرة لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صح البيع و الشرط عندنا معا و حكي عنه الاجماع في الأجنبي، و هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في هذه المسألة يقع في موارد:

الأول: في انه هل يصح جعل الخيار للأجنبي ام لا؟

و قد استدل للثاني بوجوه:

احدها: ما ذكره المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان الخيار عبارة عن رد كل مال الي مالكه الأصلي أو اقراره في ملك مالكه الفعلي، و هذا ينفذ ممن كان زمام المال بيده، و أما الأجنبي فاجنبي عنه. و بعبارة اخري: و ان كان الأصل في كل حق ان

يكون قابلا للاسقاط الا انه ليس كل حق قابلا للنقل الي الغير، و علي فرض كونه قابلا له فليس قابلا للنقل الي كل احد، فان حق القسم قابل للتمليك الي الزوج و الضرة و لا يقبل التمليك الي الأجنبي،

فالخيار و ان كان قابلا للتمليك الي احدهما الا انه لا يقبل التمليك الي الأجنبي.

و فيه: ان الخيار عبارة عن حل العقد، و لازمه رد كل مال الي مالكه الأصلي، مع انه لو سلم كون ذلك معناه لم يدل دليل علي اعتبار كون الرد ممن كان زمام المال بيده،

و ما ذكره بعد. و بعبارة اخري: غير مربوط بالمقام، فانه انما هو في نقل الحق الثابت له كخيار المجلس و نحوه، و محل الكلام جعل الخيار له ابتداء.

ثانيها: ما ذكره المصنف رحمه الله في مسألة ثبوت الخيار للوكيل، و استند بعضهم إليه في المقام، و حاصله: ان مفاد ادلة الخيار اثبات سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه، و الأجنبي حيث انه لا سلطنة له علي ما انتقل الي جاعل الخيار، فلا معني للخيار، و لعل ما افاده المحقق النائيني رحمه الله يرجع الي ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 348

و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار، فإن اختلفوا في الفسخ و الاجازة قدم الفاسخ (1) لأن مرجع الإجازة إلي اسقاط خيار المجيز «خاصة» بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار، فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك

______________________________

و فيه: اولا: ان الخيار انما يكون سلطنة علي حل العقد.

و ثانيا: انه لو تنزلنا عن ذلك فهو سلطنة علي التراد لا خصوص الاسترداد، و قد

تقدم في تلك المسألة توضيح ذلك.

ثالثها: ما افاده المحقق الاصفهاني رحمه الله، و هو: ان الخيار بناء علي تعلقه بالعقد انما يناسب من له عقد و من شانه الوفاء به، و الأجنبي اجنبي عنه و عن الوفاء به، و لذا قلنا ان دليل الخيار مخصص لدليل الوفاء بالعقد و انه لا يتوجه الا الي من له العقد، فدليل الوفاء بالشرط لا قصور له من حيث شموله لكل شرط، بل القصور من ناحية الخيار، حيث انه لا معني له الا بالاضافة الي من له العقد.

و فيه: اولا: انه لم يدل دليل علي كون الخيار ثابتا لخصوص من يكون مامورا بالوفاء بالعقد، و ما افاده مجرد الاعتبار.

و ثانيا: ان المأمور به علي ما تقدم في مبحث المعاطاة هو عدم حل العقد و نقضه،

و ليس هو ترتيب الآثار عملا كي لا يشمل الأجنبي، و عليه فالآية تشمل الأجنبي،

و دليل الشرط يكون مخصصا لها.

رابعها ما ذكره المصنف رحمه الله في آخر المسألة و سيمر عليك و ما يرد عليه.

(1) الثاني: لو جعل الخيار لمتعدد ففي المكاسب: كان كل منهم ذا خيار، فان اختلفوا في الفسخ و الاجازة قدم الفاسخ.

و لكن جعل الخيار للمتعدد يتصور علي وجوه:

احدها: جعل خيار واحد للمجموع من حيث المجموع.

ثانيها: جعل الخيار لكل واحد مستقلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 349

و عن الوسيلة: انه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو امضاء نفذ، و ان لم يجتمعا بطل (1) و ان كان لغيرهما و رضي، نفذ البيع، و ان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الامضاء، (2) انتهي

______________________________

ثالثها: جعل الخيار للطبيعة المنطبقة علي المتعدد.

و علي الأول: لا أثر لفعل واحد منهم ما لم

يوافقه الآخرون.

و علي الثاني: يقدم الفاسخ، لأن مرجع الاجازة الي اسقاط خيار المجيز خاصة.

و علي الثالث: يقدم فعل المقدم في فعله اجازة كان ام فسخا.

(1) و عن الوسيلة: انه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو امضاء نفذ و ان لم يجتمعا بطل.

و قد احتمل في توجيه هذه العبارة وجهان الأول: ان يكون مراده جعل المتبايعين الخيار لأنفسهما بقيد الاجتماع، و عليه فان اجتمعا فهو، و ان خالف احدهما الآخر بطل، اي لم يؤثر الفسخ و لا الإجازة.

الثاني: ان يكون مراده جعل الخيار لكل واحد مستقلا، فقوله و لم يجتمعا اي فسخ احدهما و امضي الآخر، بطل اي بطل البيع، اي يكون الفسخ مؤثرا.

يرد علي الوجه الأول: ان جعل الخيار بالنحو المزبور لغو بعد ان لهما الاقالة.

(2) قال فيها ايضا: و ان كان لغيرهما و رضي نفذ البيع، و ان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الامضاء مراده من الرضا ليس هو اجازة العقد بل المراد الرضا بجعل الخيار و قبوله، و عليه فمراده من هذه العبارة: ان الأجنبي المجعول له الخيار ان قبل نفذ البيع من ناحية المتبايعين- اي ليس للشارط خيار- و ان لم يقبل فالمبتاع بالخيار لتعذر الشرط.

و علي هذا فلا يرد عليه ما عن المختلف بان هذا الخيار ان جعل للأجنبي لم يكن لأحد المتبايعين خيار، فان اختار الأجنبي الامضاء نفذ، و ان اختار الفسخ انفسخ و لا عبرة بالمتبايعين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 350

و في الدروس يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع احدهما، و لو خولف امكن اعتبار فعله و الا لم يكن لذكره فائدة، انتهي. (1)

اقول و لو لم

يمض فسخ الاجنبي مع اجازته و المفروض عدم مضي اجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة، (2) ثمّ انه ذكر غير واحد ان الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل و لعله لتبادره من الاطلاق و إلا فمقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة، (3) فتعليل وجوب مراعاة الاصلح بكونه امينا لا يخلو عن نظر.

______________________________

كما انه لا يرد عليه ما في الحاشية من: ان مقتضي كون الخيار للأجنبي كون الأمر بيده، فلا معني لكون الأمر بيد المبتاع مع فرض فسخه. فان منشأ هذين الايرادين توهم كون مراده من الرضا امضاء العقد و اجازته.

(1) و عن الدروس: يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع احدهما و لو خولف امكن اعتبار فعله …

مراده بحسب الظاهر: انه لو جعل الخيار للأجنبي مع احدهما أو معهما فان اتفقا علي فسخ أو امضاء فهو، و ان خولف بان فسخ الأجنبي و اجاز الأصيل امكن تقديم فسخه، إذ لو لم يقدم- و المفروض انه لا يقدم اجازته لأنها لا توجب سقوط خيار الأصيل- لم يكن لذكر الأجنبي فائدة.

(2) و علي هذا فكلام المصنف رحمه الله مؤيد له،

و لكن يرد عليه: انه ان كان المجعول خيارا واحدا لهما عدم تقديم فسخه علي اجازة الأصيل لا يوجب لغوية ذكره، إذ فائدته حينئذ تأثير فسخه في صورة موافقة الأصيل،

و ان كان المجعول متعددا قدم فسخه كما هو الشأن في جميع الموارد لا للغوية ذكره لو لم يقدم.

(3) الثالث ان جعل الخيار للأجنبي هل هو من باب التمليك أو التوكيل أو التحكيم؟

فقد يقال- كما عن المحقق النائيني رحمه الله- بانه ليس من قبيل التمليك، لأنه لو كان علي نحو

جعل الملك فلازمه ارث وارث الأجنبي عنه، لأن ما تركه لوارثه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 351

ثمّ انه ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع، (1) نظرا الي ان الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالاصل كخياري المجلس و الشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين و هو ضعيف لمنع اعتبار كون الفسخ من احد المتعاقدين شرعا و لا عقلا

______________________________

و لا من باب التوكيل، و الا امكن عزله، بل هو متوسط بين الملكية و الوكالة نظير التولية علي الوقف، و هذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله في المقام.

و لكن يمكن ان يقال: انه من قبيل التمليك و جعل الحق له، و انما لا يرثه وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل و المجعول، لأن المجعول هو حق الخيار للأجنبي بما انه ذو نظر و رأي يعتمد عليه في امر العقد، و لا يجوز نقله الي الغير لأنه حق خاص لا يتعداه.

كما انه يمكن ان يقال: انه من باب التوكيل، و انما لا يجوز عزله لأنه بعنوان الشرط في عقد لازم، إذ الوكالة جائزة بعنوانها، و لا ينافي اللزوم إذا وقعت موقع الاشتراط في ضمن العقد اللازم، و الظاهر من جعل الخيار للأجنبي كونه من قبيل الأول.

و هل يراعي المصلحة للجاعل ام لا؟ وجهان قد استدل للأول: بانه امين فيجب عليه مراعاة الغبطة.

و اورد عليه المصنف رحمه الله: بان مقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة.

و فيه: انه كان جعل الخيار من باب التحكيم أو التمليك أو التوكيل لا بد من رعاية غبطة الجاعل. اما علي الأخير فواضح، و أما علي الأولين فلأن جعل الخيار

للأجنبي بحسب الغالب انما يكون للوثوق بنظر من جعل له الخيار، فالاطلاق وارد مورد الغالب من حيث اعتبار ما يراه صلاحا، و عليه فيصح التعليل المذكور، فانه تأمين بتفويض امر العقد إليه لا جعل الحق له خاصة.

(1) قوله ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للاجنبي مخالف للمشروع هذا هو رابع الوجوه التي ذكروها لعدم صحة جعل الخيار للاجنبي، و هو انه مخالف للمشروع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 352

بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و ان كان اجنبيا، (1) فحينئذ يجوز للمتبايعين اشتراط حق للاجنبي في العقد و سيجي ء نظيره في ارث الزوجة للخيار مع عدم ارثها من العين.

مسألة: يجوز لهما اشتراط الاستئمار (2)

بان يستأمر المشروط عليه الأجنبي في امر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا امره ابتداء و علي الاول فإن فسخ المشروط عليه من دون استئمار لم ينفذ و لو استأمره، فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا، إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستئمار، بل الالتزام بأمره مع انه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك ايضا ملك الفسخ، و ان امره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ، إذ لا معني لوجوب الفسخ عليه. اما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض ان الثالث لا سلطنة له علي الفسخ و المتعاقدان لا يريدانه. و أما مع طلب الآخر

______________________________

نظرا الي ان الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل أو بالعارض.

(1) و الجواب عنه ما افاده ره، و هو: منع اعتبار كون الفسخ من احد المتعاقدين شرعا و لا عقلا، بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و ان كان اجنبيا فالأظهر صحة

جعل الخيار للأجنبي.

جواز اشتراط الاستئمار

(2) لا خلاف بين الأصحاب في انه يجوز لكل منهما اشتراط الاستئمار بان يستامر المشروط عليه الأجنبي في امر العقد، فياتمر بامره، أو بان يأتمره إذا امره ابتداء.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: في الحكم الوضعي.

الثاني: في الحكم التكليفي.

اما الأول: فتارة: يجعل الخيار لنفسه و يشترط عليه ان لا يختار احد الأمرين من الفسخ أو الامضاء الا بتعيين المستامر بالفتح و اخري: يجعل الخيار لنفسه عند امر الأجنبي باحدهما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 353

للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ علي المستأمر بالكسر، راجع الي حق لصاحبه عليه، فإن اقتضي اشتراط الاستئمار ذلك الحق علي صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه علي الفسخ (1) فيرجع اشتراط الاستئمار الي شرط لكل منهما علي صاحبه.

______________________________

و ثالثة: يجعل لنفسه حق الفسخ عند امر الأجنبي به و لا يجعل شيئا عند امره بالاجازة.

و رابعة: يجعل الخيار للأجنبي و يقيد بان لا يباشر اعماله بل يأمر العاقد بما يريد.

ففي الصورة الاولي: إذا فسخ قبل الاستئمار أو بعده مع امره به أو بالاجازة يكون نافذا لفرض ثبوت الخيار له. غاية الأمر تخلف ما اشترط عليه في الفرض الأول و الثالث.

فما افاده من انه لو فسخ المشروط عليه من دون استئمار لم ينفذ لا يتم في هذه الصورة و في الصورة الثالثة: لا ينفذ فسخه قبل الاستئمار، و كذا بعده، و امره بالاجازة و الامضاء.

و في الصورة الرابعة: لا ينفذ فسخه الا بعد امره به، لكون الحق للامر، و المأمور آلة.

هذا في الفسخ.

و في هاتين الصورتين الاخيرتين يتم ما افاده فان امره بالاجازة لم يكن له الفسخ دون الاوليتين و أما الاجازة: فان كانت قبل الاستئمار لم تنفذ في

الصور الثلاث الأخيرة و نفذت في الاولي، و لا يخفي وجهه.

و ان كانت بعد الاستئمار و امره بالفسخ نفذت في الصورتين الاوليتين و لم تنفذ في الأخيرتين.

و ان كانت بعده و امره بالامضاء نفذت في جميع الصور. و لا يخفي وجهه.

(1) قوله فان اقتضي اشتراط الاستيمار ذلك الحق علي صاحبه و فيه ان اشتراط الاستيمار من الطرفين يقتضي سلطنة كل منهما علي فسخ العقد إذا اذن الثالث لا سلطنة المطالبة بالفسخ من صاحبه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 354

و الحاصل: ان اشتراط الاستئمار من واحد منهما علي صاحبه انما يقتضي ملكه للفسخ، إذا اذن له الثالث المستأمر و اشتراطه لكل منهما علي صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الاذن، و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني و هو الائتمار بأمره الابتدائي فإنه ان كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو امره به و ان كان لكل منهما ملكا، كذلك. ثمّ في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة و عدمه وجهان (1)

اوجههما العدم ان لم يستفد الاعتبار من اطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

______________________________

(1) قوله ثمّ في اعتبار مراعاة المصلحة و عدمه وجهان الغرض من هذه العبارة بيان الحكم الوضعي و انه هل يثبت حق الخيار للمستامر بالكسر عند اذن الثالث مطلقا أو عند اذنه بشرط مراعاته للمصلحة.

و أما المقام الثاني: فان كان المشروط ثبوت الحق من دون ان يعمل احدهما عملا و لو معلقا علي امر المستامر بالفتح كما في الصورة الثانية و الثالثة لا كلام في عدم وجوب الاستئمار و لا العمل بامره، فان غاية ما هناك ثبوت الحق بهذا الشرط، فلا ملزم له بالاستئمار أو الفسخ لو امر به.

و ان كان المشروط مع ذلك عملا،

فتارة:

يكون ذلك حقا للمستامر علي صاحبه خاصة كما في الصورة الاولي لو اشترط المستامر بالكسر ان يكون اختياره للفسخ أو الامضاء عن امر المستامر.

و اخري: يكون حقا لصاحبه عليه اما خالصا أو بالمشاركة.

و في الفرض الأول: لا يجب عليه شي ء، إذ لا يجب للمشروط له استيفاء شرطه،

لأن الحق له، و جاز له ان يرفع اليد عن حقه، فلو امره بالفسخ له ان لا يفسخ.

و في الفرض الثاني: يجب عليه العمل بما يأمره.

و علي اي حال لا يجب الاستئمار الا إذا اشترط احدهما علي صاحبه ان يستامر زائدا علي جعل الخيار بعد الاستئمار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 355

مسألة: من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، و يقال له بيع الخيار (1)
اشارة

و هو جائز عندنا كما في التذكرة، و عن غيرها الإجماع عليه و هو ان يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها و يرتجع المبيع، و الأصل فيه بعد العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة، منها موثقة اسحاق بن عمار،

و قال سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام و سأله رجل و انا عنده، فقال له رجل مسلم احتاج الي بيع داره فمشي «فجاء» إلي أخيه فقال له: ابيعك داري هذه و يكون لك أحب إلي من ان يكون لغيرك علي ان تشترط لي اني إذا جئتك بثمنها إلي سنة تردها علي قال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها ردها عليه قلت: أ رأيت «فإنها كانت فيها الغلة كذا في الوسائل» لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة؟ فقال للمشتري: أ لا تري انها لو احترقت كانت من ماله

______________________________

بيع الخيار

(1) مسالة: من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه و يقال له بيع الخيار، و هو اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن و

يرتجع المبيع.

و هو جائز عندنا كما عن التذكرة، و عن غيرها: دعوي الاجماع عليه، و في الجواهر:

اجماعا بقسميه عليه.

و الكلام في هذه المسألة يقع اولا: في مدركها، ثمّ في الفروع المستخرجة من الاخبار.

اما الأول: فالنصوص الواردة في المقام اربعة:

الاول موثق «1» اسحاق بن عمار المذكور في المتن، و هو علي ما في الكافي و التهذيب يكون مرسلا، فانه لم يذكر المخبر لإسحاق، نعم علي ما عن الصدوق يكون موثقا و الظاهر من الموثق ان الشارط هو المشتري، و المشروط له هو البائع، و المعلق عليه هو رد الثمن، و المشروط رد المبيع. و علي هذا فليس الالتزام برد المبيع فسخا إذ المشتري ليس له الخيار، لأن من له الخيار هو البائع، بل المتعين اما ارادة الاقالة أو ارادة رد المبيع ردا ملكيا معاطاتيا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 356

و رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود و يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الذي اشتري منه الدار خلطة فشرط انك ان أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له شرطه قال له أبو الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين، قال هو ماله و قال عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري.

و عن سعيد بن يسار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام انا نخالط اناسا من اهل السواد أو غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم في العشرة اثني عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك

فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، و يكتب لنا رجل منهم علي داره أو ارضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بانه باع و قبض الثمن منا فنعده ان جاء هو بالمال إلي وقت بيننا و بينهم ان ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما تري في هذا الشراء؟ قال: أري انه لك ان لم يفعله و ان جاء بالمال الموقت فرد عليه.

______________________________

الثاني خبر معاوية بن ميسرة «1» المذكور في المتن و هذا الخبر من حيث السند قابل لأن يخدش فيه، إذ ابن ميسرة لم يوثق،

و أما من حيث الدلالة فظاهره شرط النتيجة، اما شرط ملكية الدار للبائع عند اعطاء الثمن أو انفساخ البيع،

و لا يبعد دعوي اظهرية الثاني من جهة تعارف رد المبيع بعنوان الانحلال.

الثالث صحيح سعيد بن يسار «2» المذكور في المتن و ما استظهرناه في الموثق المتقدم جار هنا و يحتمل فيه معني آخر، و هو: اشتراط تحقق البيع في رأس المدة إذا لم يرد مثل الثمن و كان الواقع فعلا صورة بيع. و يؤيده ان الظاهر من السؤال عدم اخذهم اجرة المبيع من البائع، و لو كان البيع حقيقيا كان اللازم الأخذ منه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 357

و عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن بعت رجلا علي شرط، فإن اتاك بمالك و إلا فالبيع لك، (1) إذا عرفت هذا فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في امور:

الأول: ان اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور علي وجوه:

احدها: ان يؤخذ قيدا للخيار علي وجه

التعليق أو التوقيت فلا خيار قبله (2) و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد و لو بقليل و لا خيار قبل الرد،

و المراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه و ان ابي المشتري.

______________________________

(1) الرابع خبر ابي الجارود «1» عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن و هذا الخبر ضعيف سندا و اجنبي عن المقام،

اما ضعفه فلأن ابا الجارود زياد بن المنذر ضعيف،

و أما اجنبيته عن المقام فلأن ظاهره ارادة ان من باع شيئا علي شرط و لم يعمل المشروط عليه بالشرط يثبت الخيار للبائع.

فتحصل: ان ما يستفاد من نصوص الباب امران:

احدهما: شرط الاقالة أو التمليك الجديد.

ثانيهما: شرط الانفساخ عند رد الثمن، لا تعليق الخيار علي رده.

الانحاء التي يقع الشرط عليها

إذا عرفت ثبوت هذا الخيار من الأخبار و الفتوي،

فاعلم ان توضيح المسألة يتحقق بالبحث في امور:

الأول: ما في الانحاء التي يمكن ان يقع الشرط عليها و هي خمسة:

(2) احدها: ان يكون الخيار معلقا علي رد الثمن، أو موقتا من حيث المبدأ بزمان رد الثمن. و الفرق بين التعليق و التوقيت انما هو في مقام الاثبات.

و قد اورد علي صحة الشرط في هذه الصورة في خصوص الأول بالتعليق الممنوع عنه شرعا، و في كليهما بجهالة مدة الخيار من حيث المبدأ لأنه لا يعلم وقت رد الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 358

الثاني: ان يؤخذ قيدا للفسخ بمعني ان له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة و التسلط علي الفسخ علي وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه. (1)

الثالث: ان يكون رد الثمن فسخا فعليا بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع (2) و عليه حمل في

الرياض ظاهر الاخبار الدالة علي عود المبيع بمجرد رد الثمن.

______________________________

و يندفع الأول: بانه لا دليل علي مبطلية التعليق في غير العقود.

و قد يقال في مقام اندفاع الثاني: بان الجهالة لا تضر هنا لعدم الغرر، لأن امر الخيار بيده كما عن المحقق الخراساني.

و فيه: ان الغرر اللازم انما هو بالنسبة الي المشتري، لأنه لا يعلم متي يفسخ العقد.

و عن المحقق النائيني الجواب عنه: بان الخيار هنا غير مجهول الا من باب الجهل بالمعلق عليه، و هو يرجع الي اشكال التعليق لا الجهالة.

و فيه: ان الجهل بالمعلق عليه يوجب الجهل بمبدإ الخيار، و هو يوجب الغرر المبطل،

مع قطع النظر عن التعليق.

فالأظهر هو البطلان الا مع تعيين المدة كتحديده بالرد في رأس السنة التي هي الصورة الثانية في كلام المحقق النائيني رحمه الله.

(1) ثانيها: ان يكون الفسخ معلقا علي الرد لا الخيار، بان يكون الحق ثابتا من حين العقد متعلقا بالفسخ عند رد الثمن،

ففي الحقيقة ينحل الي شرط الخيار مطلقا، و شرط عدم اعماله الا عند رد الثمن،

و الشرط في هذه الصورة لا كلام في مشروعيته.

(2) ثالثها: ان يكون الرد فسخا فعليا، بان يشترط حق الخيار متعلقا بالفسخ برد الثمن، فيكون رد الثمن ما به الفسخ.

و سيأتي الكلام في صحة الفسخ به عند تعرض المصنف رحمه الله له،

فصحة هذا الشرط تتبع صحة الفسخ به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 359

الرابع: ان يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد (1) فمرجع ثبوت الخيار له إلي كونه مسلطا علي سبب الانفساخ لا علي مباشرة الفسخ و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة، و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار و موثقة اسحاق بن عمار و عنوان المسألة

بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار اصلا، و انما ذكره في امثلة الشروط الجائزة في متن العقد،

قال: ان يبيع و يشترط علي المشتري ان رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له،

انتهي.

______________________________

(1) رابعها: ان يكون رد الثمن قيدا للانفساخ، بان يشترط انفساخ العقد عند رد الثمن.

و اورد علي صحة هذا النحو من الاشتراط تارة: بان انفساخ البيع بنفسه بدون انشاء مخالف للمشروع، لأن المسببات متوقفة علي اسبابها الشرعية كما في المكاسب في ذيل الوجه الخامس و اخري: بانه من قبيل شرط النتيجة.

و ثالثة: بانه يلزم منه اما انفساخ البيع بلا سبب، و أما اقتضاء وجود الشي ء عدم نفسه، إذ لو كان اشتراط الانفساخ انشاء للفسخ لزم انفساخ البيع بهذا الشرط، فلا بيع حتي يشترط في ضمنه انفساخه برد مثل الثمن، و الا كان الشرط الانفساخ بلا سبب، و هو مخالف للسنة كما عن المحقق النائيني رحمه الله.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن الشرط يكفي في سببيته للفسخ.

و أما الثاني: فلما سيأتي في مبحث الشروط من صحة شرط النتيجة.

و أما الثالث: فلأن الشرط ليس هو انفساخ البيع من حين الشرط كي يرد المحذور الثاني، بل الشرط هو الانفساخ من حين رد الثمن، فحين الشرط يكون البيع متحققا ثابتا،

و الشرط لا يقتضي عدمه،

هذا كله مضافا الي ما عرفت من دلالة النصوص الخاصة علي صحة الاشتراط بهذا النحو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 360

الخامس: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة علي المشتري بأن يلتزم المشتري علي نفسه ان يقيله إذا جاء بالثمن و استقاله (1)

و هو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا علي ان يقيله في وقت

كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الاقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة، انتهي.

فإن «و ان» ابي اجبره الحاكم أو اقال عنه و إلا استقل بالفسخ و هو محتمل روايتي سعيد بن يسار و اسحاق بن عمار علي ان يكون رد المبيع الي البائع فيهما كناية عن ملزومه و هي الاقالة، لا ان يكن وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد رد الثمن علي ما فهمه الاصحاب و مرجعه الي احد الأولين،

و الاظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثاني لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع، فان فيه اشكالا من جهة ان انفساخ البيع بنفسه بدون انشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه في مخالفة المشروع (2) من توقف المسببات علي اسبابها الشرعية و سيجي ء في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.

الأمر الثاني: الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة و إما أن يكون معينا (3) و علي كل تقدير اما ان يكون قد قبضه و أما لم يقبضه، فإن لم يقبضه فله الخيار، و ان لم يتحقق رد الثمن

______________________________

(1) خامسها: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة علي المشتري أو التمليك الجديد، و هذا لا إشكال في مشروعيته، و هناك انحاء اخر يظهر حكمها مما ذكرناه.

(2) و قد مر توضيح هذا الايراد و سيجي ء في باب الشروط ما يتضح به ان الشرط يكفي في سببيته للفسخ

الثمن المشروط رده لفسخ البيع

(3) الأمر الثاني: الثمن المشروط رده اما ان يكون في الذمة و أما ان يكون معينا،

و علي كل تقدير تارة يقبضه و اخري لا يقبضه.

فالكلام في المقام يقع في موضعين:

الأول: فيما

إذا لم يقبض البائع الثمن المعلق علي رده الخيار من المشتري الي ان اتي رأس المدة.

الثاني: فيما إذا قبضه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 361

لأنه شرط علي تقدير قبضه و ان لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع و يحتمل العدم،

بناء علي ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله، (1) و ان قبض الثمن المعين فإما ان يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه، أو مطلقا أو و لو مع التمكن منه علي اشكال في الاخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الامكان. و في جواز اشتراط رد القيمة في المثلي و بالعكس وجهان. و أما ان يطلق، فعلي الأول لا خيار الا برد العين، فلو تلف لا من البائع. فالظاهر عدم الخيار (2)

______________________________

اما الموضع الأول: فالكلام فيه انما هو في ثبوت الخيار و عدمه.

(1) و قد بني المنصف رحمه الله المسألة علي ان الرد شرط للخيار علي تقدير القبض لا مطلقا، أو ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله. فعلي الأول يثبت الخيار و علي الثاني لا يثبت.

لا اشكال في كون الوجه الأول خلاف الظاهر: فان مآله الي كون الخيار مطلقا علي تقدير عدم القبض، و مشروطا علي تقدير القبض، و ظاهر القضية كونه مشروطا مطلقا.

بل المسألة مبنية علي ان الرد الذي اخذ شرطا هل هو ماخوذ علي وجه الطريقية لوصول الثمن و حصوله عند البائع، ام يكون ماخوذا علي وجه الموضوعية. فعلي الأول يثبت الخيار، و علي الثاني لا يثبت، و لعل الظاهر المتعارف هو الأول و علي كل تقدير لو لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع.

و أما الموضع

الثاني: فالكلام فيه في موارد:

الأول: ما إذا كان الثمن عينا شخصية.

الثاني: ما إذا كان في ذمة المشتري.

الثالث: ما إذا كان في ذمة البائع.

(2) اما المورد الأول: فان كان الشرط رد العين بنفسها فلا شبهة في انه لا خيار مع عدم ردها من غير فرق بين صورة التلف و غيرها، و في التلف بين كونه بفعل البائع أو المشتري أو الأجنبي أو بآفة سماوية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 362

الا ان يكون اطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه باتلاف البائع،

فيبقي الخيار في اتلاف غيره علي حاله، و فيه نظر.

و علي الثاني: فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط.

و أما الثالث: فمقتضي ظاهر الشرط فيه رد العين و يظهر من اطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع ان الاطلاق لا يحمل علي العين (1) و يحتمل حمله علي الثمن الكلي و سيأتي

______________________________

و ان كان الشرط رد العين مع وجودها ورد بدلها مع تلفها، فلا كلام ايضا في تحقق الخيار علي التقديرين.

و ان كان الشرط رد بدلها مع وجودها بالخصوص أو بالاطلاق، فقد اشكل عليه:

بان مقتضي الفسخ رجوع كل من العينين الي صاحبها الأصلي، فاشتراط رجوع البدل مع بقاء الأصل شرط مخالف لما يقتضيه الفسخ. و لذا قطع السيد في الحاشية بالفساد.

و لكن ذلك انما هو فيما إذا قيد الفسخ بالرد، و يكون الرد فسخا فعليا، و هي الصورة الثالثة من الصور المتقدمة في الأمر السابق، و لا يتم في باقي الصور من كون الرد مقدمة للفسخ أو معلقا عليه الخيار أو مقدمة للاقالة أو التمليك الجديد، إذ الفسخ لا يتحقق به،

بل يصير المردود في يد البائع بمنزلة المقبوض بالسوم، فان فسخ البائع بعد ذلك يرجع الثمن الي

المشتري، و المردود باق في ملك البائع. فلهما التراضي علي كون كل منهما بدلا عن الآخر.

و يمكن ان يقال: ان المعاملة بينهما و هي تملك عين الثمن الراجع الي البائع ببدله الذي احضره انما يتحقق بشرط حصولها في ضمن العقد، بلا احتياج الي معاملة اخري.

و ان كان الشرط رد الثمن بنحو الاطلاق من دون تعيين عينه أو بدلها،

فمقتضي الجمود علي ظاهر العبارة ان العبرة برد العين فيسقط الخيار بتلفها و لكن لا يبعد دعوي ان المتعارف المنصرف إليه الاطلاق ان المقصود دفع الاعم من العين و البدل.

(1) قوله و يظهر من اطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع ان الاطلاق لا يحمل علي العين الظاهر ان مرادهما ان الاطلاق منزل علي المتعارف من كون المقصود رفع الاعم من العين و البدل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 363

و ان كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة، سواء قلنا انه عين الثمن أو بدله، من حيث ان ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط رد بدله (1) و ان لم يكن الثمن في ذمة البائع و قبضه، فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة، فالحكم علي مقتضي الشرط، و ان أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل. اما مطلقا، أو مع فقد العين، و يدل عليه صريحا بعض الاخبار المتقدمة الا ان المتيقن منها صورة فقد العين.

الأمر الثالث: قيل ظاهر الاصحاب، بناء علي ما تقدم، من ان رد الثمن في هذا البيع عندهم

مقدمة لفسخ البائع، انه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ (2) و صرح به في الدروس و غيره

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فيه معلق علي رد البدل يقينا، فان ما في ذمة البائع، يسقط بالبيع، و صيرورته له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط رد بدله.

و أما المورد الثالث: فقد يقال: بان رده- اي رد الثمن- يتحقق بمثله ايضا، كما يتحقق بنفس المقبوض، إذ كل فرد من مصاديق الكلي، و شرط رد الكلي معناه شرط رد ما كان مصداقا له كما عن المحقق النائيني رحمه الله.

و فيه: ان الثمن و ان كان هو الكلي في الذمة الا انه بعد اداء فرد منه- بما انه اداء للكلي- يستقر الثمن علي الفرد المقبوض، و الفرد الآخر بدله لا انه مصداق للثمن، فيلحقه حكم العين الشخصية.

الفسخ بالرد

(2) الثالث: هل يصح انشاء الفسخ بالرد، ام لا كما هو ظاهر الأصحاب نظرا الي رد الثمن في هذا البيع مقدمة لفسخ البائع؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 364

______________________________

و ملخص القول: ان الكلام في المقام ليس في كفاية الرد في الفسخ إذا قصد به ذلك،

بل البحث في المقام انما هو في ان الرد المعلق عليه الخيار، أو الفسخ، أو الاقالة، هل يمكن ان ينشأ به الفسخ ام لا؟

و الكلام فيه في مقامين:

الأول: في معقولية ذلك في مقام الثبوت.

الثاني: في الدلالة عليه في مقام الاثبات.

اما الأول: فعمدة ما قيل في وجه عدم المعقولية: ان الخيار و حق الفسخ انما هو في رتبة لاحقة علي الرد، فكيف يحصل به الفسخ.

و فيه: اولا: انه لو تم لاختص بوجهين من الوجوه المزبورة، و هما الوجه الأول- و هو تعليق الخيار علي الرد- و الوجه الثالث- و هو

اشتراط الفسخ بالرد من غير ان يكون خيار قبله- و لا يتم في سائر الوجوه.

اما في الوجه الثاني: فلأنه يكون الخيار قبله و ان اشترط ان لا يفسخ الا بعد الرد،

و هذا لا يوجب عدم تأثير فسخه في مرتبة مقارنة، بل أو سابقة علي الرد.

و أما في الوجه الرابع: فلأن لهما الاقالة أو المعاملة الجديدة قبل ان يرد الثمن.

و ثانيا: انه لا يتم، فان الرد شرط مقارن لحق الخيار، فمقارنا للرد يحدث الخيار و يثبت له حق السلطنة علي الفسخ، و في ذلك الزمان إذا اعمل خياره له ذلك، و به ينفسخ العقد. و مجرد تقدم الرد علي الخيار رتبة لا يوجب عدم المعية في الوجود التي هي المعيار في الأسباب و المسببات الشرعية.

و بالجملة حين الرد يثبت الخيار، و لمن له الخيار استيفاء حقه في نفس ذلك الزمان،

فلا مانع من جعله آلة للأعمال، نعم إذا كان الرد شرطا متقدما صح ما ذكر.

و أما الثاني: فقد استدل علي عدم دلالته علي الفسخ بوجهين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 365

و لعل منشأ الظهور ان هذا القسم فرد من خيار الشرط، مع اعتبار شي ء زائد فيه و هو رد الثمن، و عللوا ذلك ايضا بأن الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ اصلا، (1)

و هو حسن مع عدم الدلالة. اما لو فرض الدلالة عرفا. اما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع علي وجه المعاطاة، و أما بأن يدل الرد بنفسه علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري، فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو اخفي من ذلك دلالة، و ما قيل من ان الرد يدل علي

ارادة الفسخ و الارادة غير المراد. (2) ففيه ان المدعي دلالته علي ارادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري (3) و لا يعتبر في الفسخ الفعلي ازيد من هذا مع ان ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع (4) بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به (5)

______________________________

(1) احدهما: ان الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ اصلا.

(2) ثانيهما: ان الرد يدل علي ارادة الفسخ، و الارادة غير المراد.

و الجواب ان الرد من حيث هو و ان كان لا يدل علي الفسخ الا انه مع قصد الفسخ يدل عليه، كما ان الاعطاء بنفسه لا يدل علي التمليك و لكن مع قصده يدل عليه.

و اجاب عنهما المصنف رحمه الله بوجوه اخر:

(3) الأول: ان الرد بنفسه يدل علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري، و الفرق بين هذا الوجه و ما اخترناه الذي ذكره ايضا قبل ذلك ان السبب المؤثر في الوجه المختار الرد بنفسه، و في هذا الوجه ما ينكشف به و هي الكراهة الباطنية. فالفعل دال علي ما به الفسخ لا انه هو ما به الفسخ.

و فيه: ان الفسخ من الانشائيات، و لا يتحقق بمجرد القصد، بل يحتاج الي دال و مظهر خارجي من قول أو فعل.

(4) الثاني: ظهور الأخبار في كفاية رد الثمن في وجوب رد المبيع.

و فيه: انه قد عرفت ان المستفاد من الروايات امران: شرط الاقالة أو التمليك الجديد بعد الرد، و شرط الانفساخ عند رد الثمن. و به يظهر ما في الوجه الثالث الذي ذكره بقوله،

(5) بل قد عرفت في رواية معاوية بن

ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 366

الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد (1) علي الوجه الثاني من الوجهين الأولين، بل و علي الوجه الأول بناء علي ان تحقق السبب و هو العقد كاف في صحة اسقاط الحق (2) لكن مقتضي ما صرح به في التذكرة: من انه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان بعد العقد بناء علي حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز ايضا، الا ان يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو من حيث تملكه للرد (3) الموجب له فله اسقاطه بخلاف ما في التذكرة

______________________________

مسقطات خيار الشرط
اشارة

يسقط هذا الخيار بامور.

(1) منها: اسقاطه بعد العقد ذكره جماعة و استشكل فيه العلامة في التذكرة و علي ضوء عدم جواز اسقاط الخيار قبل ثبوته اما منجزا كما هو المختار أو و لو معلقا كما ذهب إليه جمع من جهة انه اسقاط لما لا يجب تعرض الفقهاء لانه:

هل يصح اسقاط هذا الخيار بعد العقد ام لا؟

لا اشكال في صحته علي الوجه الثاني من الوجهين الاولين لتحقق الخيار و ثبوته بعد العقد.

و أما علي الوجه الأول- و هو تعليق الخيار علي الرد- فقد ذكر في وجه صحة اسقاطه وجوه:

(2) احدها: ما في المتن و هو ان تحقن السبب- و هو العقد- يكفي في صحة اسقاط الحق.

و فيه: اولا: ان الرد ايضا جزء السبب.

و ثانيا: ان البرهان المذكور لعدم صحة اسقاط ما لم يجب لا يفرق فيه بين تحقق سببه و عدمه.

(3) ثانيها: ما في المتن ايضا، و هو: ان المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو من حيث تملكه للرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 5، ص: 367

و يسقط ايضا بانقضاء المدة (1) و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علي التفصيل المتقدم، و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و له الاستبدال، (2)

______________________________

و فيه: ان هذا لو تم لاقتضي جواز الاسقاط قبل العقد ايضا لكونه مالكا لسببه و هو العقد. و الفرق بين السبب و هو العقد، و الشرط و هو الرد و الالتزام بكفاية ملك الثاني دون الأول تحكم.

ثالثها: ما افاده السيد الفقيه و المحقق النائيني رحمه الله و هو: ان حق الخيار و ان لم يمكن اسقاطه الا ان حق الشرط، و هو الحق الثابت للمشروط له علي المشروط عليه بعد العقد،

و الشرط في ضمنه فعلي و قابل للاسقاط، فلا يحدث الخيار بالرد.

و فيه: ان المشروط ان كان فعلا من افعال المشروط عليه كان لثبوت حق الشرط معني معقول: و ان كان من قبيل النتيجة لا معني له، لأنه بنفوذ الشرط تثبت تلك النتيجة،

و لا حالة منتظرة كي يستحق المشروط له. و المقام من قبيل الثاني، فان المشروط ثبوت الخيار علي تقدير الرد، و نفس ذلك ليس من الحقوق الفعلية، بل حق تعليقي. فتدبر فانه دقيق.

فالأظهر ان حق الخيار علي القول بعدم نفوذ اسقاط ما لم يجب لا يصح اسقاطه قبل الرد و بعد العقد. نعم لو قلنا بان اسقاط ما لم يجب لا دليل علي عدم نفوذه سوي الاجماع و المتيقن منه عدم تحقق السبب ايضا، امكن ان يقال بصحة اسقاطه في المقام بعد العقد.

(1) و منها انقضاء المدة و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا و يشهد به الاجماع و

النصوص علي ما تقدم.

(2) قوله و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و قد اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله بان الرد الذي علق عليه الخيار ان كان هو رد خصوص الصحيح لم يكف رد المعيب و كان رده كرد غير الجنس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 368

و يسقط أيضا بالتصرف (1) في الثمن المعين مع اشتراط رد العين (2) أو حمل الإطلاق عليه، و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الاطلاق علي اعتبار رد العين المدفوع، كل ذلك لإطلاق ما دل علي ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار. و قد عمل الاصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس و الشرط،

______________________________

و ان كان هو رد الاعم من الصحيح و المعيب لم يكن له الاستبدال و كان المعيب فردا من حقه- و ان كان رد الاعم شرطا لحدوث الخيار من غير ان يكون الفرد المدفوع هو المتعين للعوضية فسخ العقد برده ثمّ اخذه و اعطي مكانه الصحيح- كان ذلك خلاف ظاهر ما هو المتداول من البيع الخياري مع انه جاز تعليق الخيار علي رد غير الجنس علي هذا الوجه ايضا- فلا فرق بين رد المعيب و الخارج عن الجنس في كل صوره و فروضه و فيه: ان هناك شقا رابعا و هو المتعارف- و هو تعليق الخيار علي رد كلي مثل الثمن الشامل للمعيب ايضا- مع اشتراط كونه صحيحا ضمنا- فالمعيب مصداق لما علق عليه الخيار و انما له الاستبدال من جهة انه فاقد للوصف المشترط فله المطالبة بتلك الخصوصية و هي لا يمكن ادائها الا بالتبديل، و هذا

بخلاف ما لورد من غير الجنس فانه ليس مصداقا لما علق عليه الخيار.

التصرف في الثمن المعين مسقط

(1) و منها: التصرف في الثمن المعين.

محل الكلام في المقام ذو قيود:

الأول: ان يكون الخيار فعليا، و اعماله معلقا علي الرد، أو كون الخيار معلقا عليه.

(2) الثاني: ان يكون المشروط رد الثمن المعين لا مثله، و الا لم يكن التصرف فيه مسقطا بلا كلام، إذ لا يكون التصرف حينئذ كاشفا عن الرضا بلزوم العقد لعدم المنافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف.

الثالث: ان يكون التصرف مسقطا للخيار مطلقا لا في خصوص خيار الحيوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 369

و المحكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية: ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في هذا الخيار عليه، لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة، (1) و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك، (2) و المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد علي ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الاصحاب بما محصله ان التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار الا بعد الرد (3) و لا ينافي شي ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله و ان كان قادرا علي ايجاد سببه فيه، إذ المدار علي الفعل لا علي القوة علي انه لا يتم فيما اشترط فيه الرد

______________________________

و علي هذا فمحل الكلام صورتان:

احداهما: ما إذا كان الخيار فعليا و اعماله معلقا علي رد الثمن: لا ينبغي التوقف في مسقطية التصرف في هذه الصورة،

و ما ذكروه من الوجوه الثلاثة لعدم مسقطية التصرف لهذا الخيار و هي:

(1) منافاة ذلك لمشروعية الخيار

لانتفاع البائع بالثمن،

(2) موثق اسحاق المتقدم،

(3) و ان التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار الا بعد الرد.

لا يجري شي ء منها في هذه الصورة.

اما الاول فلان المغروض في هذه الصورة تعلق الغرض برد عين الثمن فلا يكون الغرض الانتفاع بعينه و أما الثاني: فلأن مورد الموثق شرط رد مثل الثمن لا عينه، مع انه قد مر عدم كون مورده بيع الخيار بشرط رد الثمن.

و أما الثالث: فلأن الخيار في هذه الصورة ثابت من حين العقد.

ثانيتهما: ما إذا كان الخيار معلقا علي الرد: فقد ذكر في وجه عدم مسقطية التصرف له الوجوه الثلاثة المشار إليها آنفا، و قد ظهر جواب الأولين منها،

و أما الثالث: فقد اجاب عنه المصنف فيما سيأتي بان المستفاد من النص و الفتوي ان التصرف مسقط فعلي كالقول يسقط الخيار به في كل مورد يصح اسقاطه بالقول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 370

في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا، انتهي. محصل كلامه و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بان ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار.

و بأن الظاهر من اطلاق العرف و تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ بتوقف الملك علي انقضاء الخيار ببعض الاخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة علي ان غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار، انتهي.

اقول في اصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر (1)

اما الأول: فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب. و أما بناء هذا العقد علي التصرف فهو من جهة ان الغالب المتعارف، البيع بالثمن الكلي.

______________________________

و قد تقدم

جواز الاسقاط قولا قبل العقد.

و فيه: ما تقدم من عدم جوازه علي القول بعدم جواز اسقاط الخيار قبل مجي ء زمانه. نعم علي القول بجواز اسقاط الخيار قبل مجيئه معلقا امكن البناء علي مسقطية التصرف الذي يكون كاشفا عن الرضا و الالتزام بسقوطه في فرض مجي ء زمانه.

هذا كله في الكبري، و أما الصغري فالظاهر ان بيع الخيار المتعارف بين الناس كما يظهر من الروايات هو البيع بشرط الخيار برد مثل الثمن لا عينه، و هو الموافق لبناء هذه المعاملة علي التصرف في الثمن،

كما ان الظاهر كون المتعارف بين الناس تعليق اعمال الخيار علي الرد لا نفسه.

(1) قوله في اصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر الاستظهار من المحقق الاردبيلي، و صاحب الكفاية، و الرد من المصابيح، و المناقشة من صاحب الجواهر و محصل ما افاده المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في الخيار عليه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 371

و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن، و لذا قوينا حمل الاطلاق في هذه الصورة علي ما يعم البدل، و حينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا علي الرضا بلزوم العقد، إذ لا منافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف اطلاقه أو من جهة تواطئ المتعاقدين علي ثبوت الخيار مع التصرف ايضا، أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن، و قد مر ان السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتي المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد.

و أما الثاني: فلأن المستفاد من النص و الفتوي كما عرفت، كون

التصرف مسقطا فعليا، كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح اسقاطه بالقول.

و الظاهر عدم الاشكال في جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرد، هذا، مع ان حدوث الخيار بعد الرد مبني علي الوجه الاول المتقدم من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار و لا دليل علي تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس. بل الظاهر من عبارة غير واحد، هو الثاني، أو نقول ان المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد، فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار و قد يؤخذ قيدا للفسخ، نعم لو جعل الخيار و الرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة

______________________________

لانه شرع لانتفاع البائع بالثمن، فلو سقط الخيار سقطت الفائدة، و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك.

و يرد عليهما انه ان كان مرادهما ان التصرف لا يسقط هذا الخيار فيما هو المتعارف بين الناس من هذه المعاملة، تم ما افاداه كما عرفت،

و ان كان مرادهما عدم مسقطيته لهذا الخيار اصلا- كما يظهر من التعليل- فيرد عليهما ما تقدم من مسقطيته له في بعض الصور.

و أما المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه في الرد علي ذلك، فحاصله: ان التصرف انما يسقط الخيار إذا وقع في زمان الخيار و ما قبل الرد ليس زمان الخيار، و الخيار و ان كان مقدورا في المدة المشروطة للقدرة علي سببه الا ان التمكن منه لا يقتضي الفعلية،

و الحكم منوط بالفعلية دون القوة، مع ان القوة غير مطردة إذ لو اشترط الخيار لو رد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا لا خيار هناك لا بالفعل و لا بالقوة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 372

كان التصرف

قبله تصرفا مع لزوم العقد، و جاء فيه الاشكال في صحة الاسقاط هنا، و لو قولا من عدم تحقق الخيار و من تحقق سببه. و أما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار (1) ففيه انها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط علي الرد و الفسخ بعده إنشاء، نعم ذكر في التذكرة انه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الاطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر بالتأمل و أما الاستشهاد عليه بحكم العرف، (2) ففيه ان زمان الخيار عرفا، لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا، أو بجعل المتعاقدين و المفروض ان الخيار هنا جعلي، فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين. و أما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض اخبار المسألة (3) فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار مطلقا حتي المنفصل كما لا يبعد عن إطلاق كلامه،

و اطلاق ما استدل له به من الأخبار.

______________________________

و فيه ان ما افاده ان تم فانما هو في غير بيع الخيار المتعارف بين الناس، و هو تعليق اعماله علي الرد، مع ان تماميته فيه ايضا محل كلام كما تقدم و افاد صاحب الجواهر في رد صاحب المصابيح بما حاصله يرجع الي امور ثلاثة:

(1) الأول: ان تعليق الخيار علي الرد موجب لجهالة مبدأه.

(2) الثاني: انه خلاف فهم اهل العرف، لأنهم يفهمون من هذا الشرط جعل الخيار في طول المدة.

الثالث: ان المنقول من الشيخ رحمه الله عدم ثبوت الملك في زمان الخيار،

(3) و رده الأصحاب ببعض نصوص «1» الباب الدال علي ان غلة المبيع للمشتري،

و لو لا كون ذلك مدة الخيار لم

يصح هذا الرد، فيستكشف من ذلك انهم فهموا من هذه النصوص ان مجموع المدة ظرف للخيار.

أما الوجه الاول فقد عرفت في اول مبحث خيار الشرط تماميته، و ان ما ذكر في جوابه لا يتم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 373

الأمر الخامس: لو تلف المبيع كان من المشتري (1) سواء كان قبل الرد أو بعده و نمائه ايضا له مطلقا. و الظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن أو بدله و يحتمل عدم الخيار بناء علي ان مورد هذا الخيار هو الزام ان له رد الثمن و ارتجاع البيع و ظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه. (2)

______________________________

و أما الوجه الثاني فقد عرفت آنفا تماميته.

و أما الوجه الثالث فقد اجاب عنه المصنف رحمه الله: بانه لعل الأصحاب فهموا من كلام الشيخ ان مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار و لو منفصلا. فتأمل.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف و موارد الرد و القبول منها

حكم تلف المبيع

(1) الخامس: و قد طفحت كلماتهم بانه لو تلف المبيع كان من المشتري و النماء له اما كون النماء له فواضح،

و أما كون التلف منه فالكلام فيه في مقامين:

الأول: في حكم تلف المبيع.

الثاني: في حكم تلف الثمن.

اما المقام الأول: فلا كلام في ان التلف يكون من المشتري، سواء كان قبل الرد ام بعده، و انما الكلام في انه هل يسقط خيار البائع ام لا، و فيه اقوال:

الأول: السقوط مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: التفصيل بين ما قبل الرد و ما بعده، و السقوط في الأول دون الثاني اختاره في الجواهر.

و استدل للأول بوجهين:

(2) احدهما: الخيار متعلق بالعين، فمع

تلفها يسقط الخيار لانتفاء الموضوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 374

______________________________

و فيه: انه متعلق بالعقد، و هو ملك حل العقد، و لا مانع من ثبوته بعد تلف العين،

و هذا مضافا الي انه محقق في محله نفس تشريع بيع الخيار اقوي شاهد له، فانه انما يكون المتعارف فيه التصرف في الثمن بالنقل و الاتلاف، و مع ذلك يكون الخيار باقيا.

ثانيهما: ان الغرض من البيع الخياري نوعا هو ان يصون البائع ماله بما له من الخصوصية العينية، فلا محالة يشترط ارتجاع المبيع عند رد الثمن، فمع تلف العين يسقط الخيار.

و فيه: ان المتعارف في هذه المعاملة هو ان الغرض صون البائع ماله من التلف بما له من المالية، من دون غرض له في الخصوصية العينية، و العين وجودا و عدما عنده علي حد سواء، و لو كان في مورد غرض شخصي متعلق بالعين يشترط ذلك علي المشتري صريحا.

و بما ذكرناه ظهر وجه عدم السقوط.

و أما القول الثالث: فغاية ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله في وجهه: ان التلف بعد الرد حيث انه في زمان الخيار، فله حينئذ الفسخ ثمّ الرجوع الي المثل أو القيمة، و أما التلف قبل الرد فحيث انه ليس في زمان الخيار كي يستحق الرجوع عليه فيتجه سقوط الخيار.

و فيه: انه ان كان نظره قدس سره الي قاعدة: التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، فيرد عليه: ان مقتضاها الانفساخ لا ثبوت حق الفسخ،

مع انه لو دلت القاعدة علي ذلك كان مفادها ثبوت الخيار للبائع من هذه الجهة ايضا، و هذا لا ينافي ثبوته له قبل الرد من جهة اخري.

مع ان تلك القاعدة انما هو فيما لو تلف عند من انتقل إليه في زمان

خياره، و هنا يتلف عند المشتري الذي لا خيار له.

مضافا الي انه في جواب المصابيح التزم بان قبل الرد ايضا يكون الخيار ثابتا، و ان كان نظره الي غير تلك القاعدة فعليه البيان.

فالأظهر عدم السقوط مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 375

ثمّ انه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط (1) فلا يجوز للمشتري اتلاف المبيع كما سيجي ء في احكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله و لا يتم الا بالتزام ابقائه للبائع و لو تلف الثمن، (2) فإن كان بعد الرد و قبل الفسخ، فمقتضي ما سيجي ء من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له (3) كونه من المشتري و ان كان ملكا للبائع الا ان يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدعي اختصاصها بالمبيع، كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية ابن ميسرة المتقدمة و لم اعرف وجه الاستظهار (4)

______________________________

(1) قوله ثمّ انه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط وجه التنافي انه إذا كان الخيار معلقا علي بقاء العين و كان ذلك شرطا فهو من قبيل المقدمة الوجوبية و هي لا تكون واجبه فكيف حكموا هنا بعدم جواز اتلاف العين و الجواب عنه انه انما يلتزم بذلك من جهة ان هناك شرطين- احدهما- شرط الخيار علي تقدير رد الثمن- ثانيهما- شرط الابقاء ليتمكن من استرداد العين.

حكم تلف الثمن

(2) و أما المقام الثاني: و هو ما لو تلف الثمن، فالكلام فيه في موضعين:

الأول: في ان تلف الثمن من البائع أو المشتري.

الثاني: في سقوط الخيار و بقائه.

اما الموضع الأول: فان كان التلف بعد الرد و قبل الفسخ فمقتضي القاعدة كونه من البائع لأنه

مملوك له، و تكون يد المشتري امانية.

و قد استدل لكونه من المشتري.

(3) بقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له.

و فيه: ان مورد نصوص «1» تلك القاعدة خيار الحيوان، و الشرط مع كون التالف هو المبيع، و التعدي الي غيرهما و إلي تلف الثمن يحتاج الي دليل مفقود.

(4) قوله و لم اعرف وجه الاستظهار الظاهر ان وجهه جعل نماء الثاني في قبال تلف المبيع، فكما ان الثاني من مالكه فكذلك الاول

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 376

إذ ليس فيها إلا ان نماء الثمن للبائع و تلف المبيع من المشتري و هما إجماعيان حتي في مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما الي تلك الرواية و لا يكون الرواية مخالفة للقاعدة، و انما المخالف لها هي قاعدة ان الخراج بالضمان (1) إذا انضمت الي الاجماع علي كون النماء للمالك، نعم الاشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع افراد الخيار، لكن الظاهر من اطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن و اختصاصها بالخيارات الثلاثة اعني خيار المجلس و الشرط و الحيوان و سيجي ء الكلام في احكام الخيار و ان كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء علي عدم ثبوت الخيار قبل الرد. و فيه مع ما عرفت من منع المبني منع البناء، (2) فإن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو منفصل كما يقتضيه اخبار تلك المسألة كما سيجي ء ثمّ إن قلنا بأن التلف الثمن من المشتري انفسخ البيع و ان قلنا بأنه من البائع. فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل و يرتجع المبيع.

______________________________

و هذا يكشف عن ان

النماء كالتلف و البائع، كالمشتري و الثمن كالمثمن- لكنه كما تري.

(1) و قد يقال ان مقتضي قاعدة ان الخراج بالضمان إذا انضمت الي الاجماع علي ان النماء للمالك، كون تلف المبيع من المشتري، و تلف الثمن من البائع.

و فيه اولا: ان سند ما تضمن «1» القاعدة ضعيف للارسال، و جبره بالعمل غير معلوم كما بيناه في الجزء الثالث من هذا الشرح في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد و ثانيا: ان محتملات هذه العبارة كثيرة اظهرها ان المراد بالضمان المعني المصدري مع امضاء الشارع له، فتختص بالعقود المعاوضية الصحيحة، و هذا هو الذي فهمه المشهور منها، فهي اجنبية عن المقام.

مع انه سيأتي في احكام الخيار ان قاعدة التلف في زمان الخيار حاكمة عليها.

و بما ذكرناه ظهر حكم تلف الثمن قبل الرد و انه من البائع.

(2) قوله مع ما عرفت من منع المبني منع البناء محصل ما افاده انه ان كان الخيار ثابتا قبل الرد فلا ريب في كونه مشمولا

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285- و سنن ابي دود ج 2- ص 255. و المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 377

الأمر السادس: لا إشكال في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري،

أو برده علي وكيله المطلق، أو الحاكم، أو العدول، مع التصريح بذلك في العقد، (1)

و ان كان المشروط هو رده إلي المشتري مع عدم التصريح ببدله (2) فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها أو شرعا لجنون و نحوه

______________________________

لقاعدة التلف في زمان الخيار، و هي تدل علي انه من المشتري، و الا فحيث ان البيع متزلزل- و لو بواسطة الخيار المنفصل- فتشمله القاعدة ايضا كما هو مقتضي اخبار المسألة، و الظاهر

ان نظره الشريف الي ما في نصوص الباب من قوله «1» عليه السلام: حتي يمضي شرطه، بدعوي شموله لما إذا كان البيع في معرض حدوث الخيار، و الا فموردها خيار الحيوان المتصل بالعقد، فهو كما تري.

فالأظهر كونه من البائع في الصورتين.

و أما الموضع الثاني: فان كان الشرط رد عين الثمن، فان كان التلف قبل الرد سقط الخيار لعدم امكان رده، و الا فهو باق، كان الشرط رد مثل الثمن أو كان التلف بعد الرد،

و وجهه واضح.

رد الثمن الي الوكيل أو الولي

(1) السادس: لا خلاف ظاهرا في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري،

أو برده علي وكيله المطلق، أو الحاكم، أو العدول مع التصريح بذلك في العقد، و وجهه ظاهر،

انما الكلام فيما إذا لم يعلق الخيار علي ما يشمل الرد الي غير المشتري من الوكيل أو غيره، و الا فلا ريب في الكفاية، بل لو علق الخيار علي الالقاء في البحر أو الوضع في مكان مخصوص ثبت الخيار بذلك.

كما انه ليس مورد البحث ما لو علق الخيار علي الرد الي خصوص المشتري بنحو التقييد، إذ لا ريب حينئذ في عدم الكفاية و انه لو امتنع الرد إليه سقط الخيار لتعذر شرطه

(2) بل مورد البحث ما لو علق الخيار علي الرد الي خصوص المشتري لا بنحو التقييد بل الرد إليه فقط يكون ثابتا بالقصر الذاتي لا بلحاظه بما هو مشتر فقط

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 378

ففي حصول الشرط برده إلي الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله قولان: (1) و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق علي عدم لزوم رد الثمن إلي المشتري مع

غيبته حيث أنه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار و انه لا اعتبار بالأشهاد خلافا لبعض علمائنا قال: إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري و جعل الثمن أمانة إلي ان يجئ المشتري و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا انه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة، انتهي.

اقول لم اجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتي يحضر المشتري،

و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل العامة و بعض الخاصة، حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم، و لا تنافي بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ و هو رد الثمن إلي المشتري، مع ان ما ذكره من اخبار المسألة لا يدل علي اعتبار حضور الخصم في الفسخ و ان كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد، إلا ان الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان، بناء علي مغايرة الفسخ للرد و عدم الاكتفاء به عنه.

______________________________

إذا عرفت هذا فاعلم: انه يقع الكلام في هذا الأمر في موارد:

الأول: في انه هل يكفي الرد الي وكيل المشتري ام لا.

(1) الثاني: في كفاية الرد الي الحاكم الشرعي كما عن المحقق القمي و عدمها كما عن سيد المناهل الثالث: في انه إذا كان المشتري هو الأب و اشتري للصغير هل يكفي الرد الي الجد ام لا؟

الرابع: في انه إذا كان المشتري هو الحاكم الشرعي و اشتري ولاية هل يكفي الرد

الي حاكم آخر ام لا؟

الخامس: في انه إذا اشتري شخص فمات هل يكفي الرد الي وارثه ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 379

نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار، خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن، فافهم،

و كيف كان، فالاقوي فيما لم يصرح باشتراط الرد الي خصوص المشتري هو قيام الولي مقامه، (1) لأن الظاهر من الرد الي المشتري حصوله عنده و تملكه له،

حتي لا يبقي الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ، و لذا لو دفع الي وارث المشتري كفي،

و كذا لو رد وارث البائع مع ان المصرح به في العقد رد البائع و ليس ذلك لأجل ارثه للخيار، لأن ذلك متفرع علي عدم مدخلية خصوص البائع في الرد، و كذا الكلام في وليه و دعوي ان الحاكم انما يتصرف

______________________________

اما المورد الأول: فان لم يكن وكيلا في قبض الثمن لا إشكال في عدم الكفاية،

و ان كان وكيلا فيه فقد يقال كما عن المحقق النائيني رحمه الله و غيره: ان عموم دليل الوكالة علي فرض اطلاق الوكالة لماله و عليه كما هو المفروض في المقام يدل علي ان قبض الوكيل قبض الموكل، فإذا كان قبض الموكل يشمل الاطلاق الرد إليه.

و فيه: ان كان المعلق عليه الخيار قبض الموكل بما هو فعل من افعاله صح ذلك، و أما ان كان المعلق عليه احضار البائع الثمن عند المشتري لم يصلح دليل الوكالة للتعميم من هذه الجهة، فان معني التوكيل الاستنابة فيما هو من وظائف الموكل، و يكون تحت اختياره و سلطانه، و لا تقتضي الوكالة تنزيل ذات الوكيل منزلة ذات الموكل، و لا تنزيل

صفاته منزلة صفاته، فليس رد البائع إليه و احضار الثمن عنده ردا للثمن الي الموكل و احضارا لديه، فلا يكون ذلك كافيا و لعله الي هذا نظر السيد الفقيه رحمه الله حيث قال: ان عموم دليل النيابة لا يجعل الرد الي الوكيل ردا إليه.

(1) و أما المورد الثاني: فقد استدل المحقق النائيني رحمه الله للكفاية: بعموم دليل ولاية الحاكم «1».

و فيه: ان ولاية الحاكم ان كانت من جهة ولايته علي الغائب لا يشمل دليله

______________________________

(1) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح- مبحث ولاية الحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 380

في مال الغائب علي وجه الحفظ و المصلحة، و الثمن قبل رده باق علي ملك البائع و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع علي الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتي يناط بالمصلحة، بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن حتي يقال ان ولايته في القبول متوقفة علي المصلحة، بل المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ، و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن الي عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب و شبهه، و لو اشتري الاب للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن الي الولي الآخر، اعني الجد مطلقا، (1) أو مع عدم التمكن من الرد الي الاب، أو لا؟ وجوه و يجري مثلها

______________________________

المقام، فان موردها مال الغائب، و الغائب لا مال له في المقام قبل الرد، فانه للبائع لا المشتري. و ان

كانت من جهة ولايته علي الممتنع فلا بد من التفصيل المتقدم، فان دليل الولاية يدل علي ان للحاكم تصدي ما هو فعل الممتنع، و عليه فان كان المعلق عليه الخيار قبض المشتري بما هو فعله كان مقتضي عموم دليل الولاية ان للحاكم ذلك و ان فعله بمنزلة فعله، و ان كان المعلق عليه احضار البائع الثمن عنده لم يكف دليل الولاية، فانه ليس هناك فعل امتنع المشتري عنه كي يكون للحاكم الولاية عليه.

هذا بناء علي شمول دليل الولاية للامتناع الاضطراري، و الا لم يكف في الفرض الأول ايضا.

(1) و أما المورد الثالث: فالأظهر عدم الكفاية مطلقا حتي في مورد قيام الحاكم و الوكيل مقامه، فان دليل ولاية الجد انما يدل علي ولايته في عرض ولاية الأب بخلاف دليل نيابة الوكيل و ولاية الحاكم، فلا يقام الجد مقام الأب، و لا يكون فعله فعله، و عليه فان كان الشرط الرد الي الأب بما هو ولي كفي الرد الي الجد، لكنه خارج عن فرض المسألة، و ان كان هو الرد الي الأب بما هو لم يكف الرد الي الجد قطعا.

و ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه يكفي: لولاية كل منهما علي الطفل، فقبض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 381

فيما لو اشتري الحاكم للصغير، فرد البائع إلي حاكم آخر و ليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للاول حتي لا يجوز (1) قبوله للثمن و لا يجري ولايته بالنسبة الي هذه المعاملة بناء علي عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الامور لما عرفت من ان اخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز ان يتملك الثمن عن المشتري عنه فسخه

جاز له الفسخ و ليس في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا مزاحمة لكن الأظهر انها مزاحمة عرفا. (2)

______________________________

رد الثمن الي الحاكم

كل منهما قبض الطفل،

غريب، فان المعلق عليه ليس قبض الطفل بل قبض الأب الذي هو المشتري و أما المورد الرابع: فقد استدل المصنف رحمه الله للكفاية فيه:

(1) بان قبول الحاكم الآخر و تملكه ليس مزاحمة للحاكم الأول كي لا يجوز، ثمّ قال:

(2) لكن الأظهر انها مزاحمة عرفا.

و استدل المحقق النائيني رحمه الله لعدم الكفاية: بانه بتصرف الحاكم الأول و وضع يده عليه خرج مال الطفل عن المال الذي لا ولي له، فليس للحاكم الآخر التصرف في هذا المال.

الظاهر ان هذه الكلمات اجنبية عما هو محل البحث، فان مورد البحث كفاية رد البائع الثمن الي الحاكم الآخر مع اشتراط الرد الي الحاكم المشتري نفسه، و لا ريب في انه ليس له ذلك لعدم ولايته علي الحاكم الآخر، نعم إذا كان الشرط الرد الي الحاكم كفي. فتدبر حتي لا تبادر بالاشكال.

و أما المورد الخامس: فالأظهر عدم الكفاية، فان الرد الي الوارث ليس ردا الي المورث الذي علق عليه الخيار.

و ما افاده المحقق النائيني رحمه الله: بان الوارث ينتقل إليه المال علي نحو تعلق حق المورث البائع إليه فالرد إليه كالرد الي مورثه،

غير تام، فان ما افاده يتم في ورثة البائع، و الكلام انما هو في ورثة المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 382

الأمر السابع: إذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك الا برد الجميع، (1) فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ

و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع. و الظاهر انه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه علي وجه الثمنية الا ان يصرح بكونها امانة عنده الي ان يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع، و لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن (2) جاز الفسخ فيما قابل المدفوع و للمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة و هل له ذلك

______________________________

حكم الفسخ برد بعض الثمن

(1) الأمر السابع: لا خلاف و لا كلام في انه إذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن ليس له الفسخ الا برد الجميع،

فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ، و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع.

كما لا كلام في انه لو اشترط الفسخ برد بعضه له ذلك،

(2) انما الكلام في انه لو اشترط الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن،

و الكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في صحة هذا الشرط و فساده.

الثاني: في انه علي فرض فسخ البعض لو قلنا بصحة هذا الشرط هل يثبت للمشتري الخيار ام لا؟

اما المورد الأول فقد استدل للفساد بوجهين:

احدهما: ما عن المستند، و هو: ان شرط الخيار في نفسه شرط مخالف للسنة، و انما التزمنا به للاجماع و النصوص «1» الخاصة، و مورد النصوص شرط الخيار بالفسخ في الجميع، و التعدي يحتاج الي دليل مفقود، و المتيقن من الاجماع غير المقام.

و فيه: ما تقدم مفصلا من انه ليس شرطا مخالفا للسنة، و انه يصح علي القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 383

قبل خروجها الوجه ذلك (1) و يجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن

في المدة بل بجزء غير معين (2) فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.

______________________________

ثانيهما: ان الالتزام العقدي امر بسيط، فاما ان يجعل للمشروط له تمام الالتزام و أما يبطل. و بعبارة اخري: انه غير قابل للتبعيض.

و فيه: ان الالتزام و ان كان واحدا و إذا لم يجعل الخيار بهذا النحو كان جميع اجزاء الملتزم به متحد الحكم، و لا يجوز الفسخ في البعض.

و أما إذا جعل له الخيار بهذا النحو فالالتزام المزبور ينحل الي الالتزام بكون كل جزء من المبيع في مقابل كل جزء من الثمن، بلا ربط له بسائر الأجزاء، فكأنه التزامات عديدة، و عليه فلا مانع من فسخ البعض دون البقية،

فالأظهر صحة هذا الشرط.

و أما المورد الثاني: فان كان المجعول رد كل جزء مستقلا و لو لم يرد البقية لا خيار للمشتري قطعا، فانه الذي اقدم علي ذلك.

و ان كان رد الجميع بهذا النحو فما دام لم تخرج المدة و كانت باقية لا خيار له، فان المشتري اقدم علي الفسخ تدريجا،

و أما ان خرجت المدة فلم يفسخ الجميع بل فسخ البعض فحينئذ ان كان جعل الخيار له بهذا منوطا برد الثمن بتمامه تدريجا كشف ذلك عن بطلان ما فعله من الفسخ لعدم حصول المعلق عليه، و ان لم يكن منوطا به بل شرط في ضمن هذا الجعل ان يفسخ الجميع كان للمشتري خيار تخلف الشرط.

و علي اي حال لا وجه لثبوت خيار التبعيض الذي افاده المصنف رحمه الله.

(1) و اضعف منه الالتزام بثبوته و ان لم تخرج المدة.

(2) قوله بل بجزء غير معين فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ لا يقال انه يبطل حينئذ للجهل بالجزء غير المعين فانه يجاب عنه بان

هذا الجهل لا يوجب الغرر المبطل بعد ضبط مدة الخيار من حيث المبدأ و المنتهي، إذ لا ريب في صحة جعل الخيار مع عدم التعليق علي رد الثمن فإذا لم يكن اصله معتبرا لم يكن وجه لاعتبار تعينه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 384

الأمر الثامن: كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد الثمن (1) و لا اشكال في انصراف الاطلاق الي العين و لا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه، لأن مرجعه إلي اشتراط الخيار برد المبيع مع وجوده و بدله مع تلفه، و عدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ و في جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين اشكال، من انه خلاف مقتضي الفسخ، لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين الي صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ علي وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة، نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي، و بالقيمة في المثلي (2) امكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط ايفاء ما في الذمة بغير جنسه، لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة و القيمي بالمثل، و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد الي البائع، فتأمل. و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله و الله العالم.

مسألة: لا اشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع، (3)
اشارة

و جريانه في كل معاوضة لازمة، كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقات، بل قال في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور،

______________________________

(1) الكلام في صحة هذا الشرط هو الكلام في صحة شرط الخيار برد المبيع في جميع الصور الخمس أو الست المتقدمة مع جميع فروعه فلا وجه للاعادة.

(2) قوله نعم لو اشترط رد

التالف بالمثل في القيمي إذ كما ان مرجع هذا الاشتراط الي اشتراط الايفاء و لا يكون منافيا لحقيقة الفسخ،

كذلك اشتراط رد البدل مع وجود العين فان مرجعه الي اشتراط تملك البدل بدلا عن العين المرجوعة بمقتضي الفسخ.

جريان خيار الشرط في العقود الجائزة

(3) مسألة: هل يختص خيار الشرط بالبيع ام يعم كل معاوضة لازمة، أو العقود مطلقا، ام يدخل خيار الشرط في الايقاعات ايضا؟

و تمام الكلام فيها بالبحث في مقامات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 385

و مراده ما يكون لازما (1) لانه صرح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معني لدخول خيار الشرط فيه. و الأصل فيما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم، بل الظاهر المصرح به في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد،

بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة، إلا ان يدعي من الخارج عدم معني للخيار في العقد الجائز، و لو من الطرف الواحد، فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية، دخول خيار الشرط في كل عقد سوي النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق و ظاهرها ما عدا الجائز. و لذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة و كيف كان. فالظاهر عدم الخلاف بينهم في ان مقتضي عموم أدلة الشرط الصحة في الكل و إنما الإخراج لمانع، (2) و لذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم. فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا

العموم.

______________________________

الأول: في العقود الجائزة.

الثاني: في الايقاعات.

الثالث: في العقود اللازمة.

اما الأول: فظاهر الشرائع، و الارشاد، و الدروس، و تعليق الارشاد، و مجمع البرهان، و الكفاية دخول خيار الشرط فيها:

(1) و توجيه الشيخ كلماتهم بان مرادهم العقود اللازمة، لا وجه له: إذ لم يذكر وجها له سوي ان هذه العبارة التي في هذه الكتب ذكرها في التحرير بعد ما منع من الخيار في العقود الجائزة، و هو كما تري.

(2) و كيف كان: فقد استدل لعدم الجريان في مقابل عموم ما دل علي نفوذ كل شرط و صحته «1». بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 386

فنقول اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها (1)

كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر علي عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود، قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين (2) كما ينبه عليه جملة من الاخبار و الايقاع انما يقوم بواحد

______________________________

منها: انه من قبيل تحصيل الحاصل، فان السلطنة علي الفسخ فيها ثابتة دائما و لا تنفك عنها و لا تسقط بالاسقاط.

و فيه: ان الثابت بالشرط فرد آخر من السلطنة دون ما هو من لوازمها.

و منها: انه يلزم اجتماع المثلين. و قد تقدم الجواب عن ذلك في خيار الحيوان.

و منها: لزوم اللغوية، فانها جائزة ذاتا، فجعل الخيار فيها لغو رأسا.

و فيه: ان هذه السلطنة المجعولة غير ما هو من لوازم العقد و ثابت فيها، فان تلك السلطنة غير قابلة للمصالحة و الاسقاط و الارث، و هذه قابلة لتلك، فيمكن ان ينقلها الي غيره بالصلح و نحوه و يرثها وارثه. فالأظهر صحة جعل الخيار فيها.

ثمّ ان هذه الوجوه

لو تمت فانما هي في جعل الخيار للعاقد، و أما جعله للأجنبي فلا يجري شي ء منها فيه.

و افاد المحقق النائيني رحمه الله: ان العقود الاذنية كالوكالة لا يجري فيها الخيار لوجه آخر،

و هو: ان اطلاق العقد عليها انما هو لكونها واقعة بين اثنين، و الا فنفس حقيقتها متقومة بالاذن المحض و الرضا الصرف.

و فيه: ان مجرد ذلك لا يمنع من جعل الخيار بعد كون هذا الاذن و الرضا بعنوان العقد و الالتزام، و له آثار غير ما هو مترتب علي الاذن المحض.

جريان الخيار في الايقاعات

(1) و أما المقام الثاني: و هو انه هل يثبت هذا الخيار في الايقاعات ام لا؟

و قد استدل لعدم دخول ذلك فيها بوجوه:

(2) منها: ان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين، كما نبه عليه جملة من الأخبار،

و الايقاع انما يقوم بواحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 387

و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه لا كونه متوقفا علي الايجاب و القبول، أ لا تري انهم جوزوا ان يشترط في اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم غاية الأمر توقف لزومه كاشتراط مال علي العبد علي قبول العبد، علي قول بعض، لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول. فالاولي الاستدلال عليه مضافا الي امكان منع صدق الشرط و انصرافه (1) خصوصا علي ما تقدم عن القاموس بعد مشروعية الفسخ في الايقاعات حتي تقبل لاشتراط التسلط علي الفسخ فيها و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعي في بعض اقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده، بل و لا السقوط في مورده، و مرجع هذا الي ان مشروعية الفسخ لا

بد لها من دليل، و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الاقالة، و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها بخلاف الايقاعات، (2) فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتي يصح اشتراط ذلك فيها.

______________________________

و فيه: ان الشرط متقوم بامرين: مشروط له، و مشروط عليه، و هذا غير كون مورده و محله متقوما بامرين، فلو سلم احتياج الشرط الي القبول فانما هو محتاج الي قبول الشرط لا قبول محله و مورده.

و منها: الاجماع الذي ادعاه في المبسوط علي عدم دخوله في الطلاق و العتق، و الذي ادعاه في المسالك علي عدم دخوله في الابراء.

و فيه: انه مضافا الي كونه اخص من المدعي، ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

(1) و منها: ما في المتن، و هو: منع صدق الشرط و انصرافه عما هو في ضمن الايقاع و فيه: ان غاية ما يثبت بالدليل خروج الشروط الابتدائية عن تحت ادلة الشروط اما تخصيصا أو تخصصا، و أما لزوم كونه في ضمن التزامين و عدم كفاية ما هو في ضمن التزام واحد فمما لم يدل عليه دليل، بل النصوص الآتية تدل علي عدم لزوم ذلك.

(2) و منها: ما في المتن ايضا، و حاصله: ان دليل الشرط انما يدل علي ايجاب ما هو سائغ في نفسه، و مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل، و قد وجد في العقود من جهة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 388

و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا، فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع أو علم عدمه بناء علي ان اللزوم في الايقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا

باشتراط التسلط عليه في متن الايقاع هذا كله مضافا الي الاجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر علي عدم دخوله في العتق و الطلاق و إجماع المسالك علي عدم دخوله في العتق و الإبراء، و مما ذكرنا في الإيقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا كالصلح المفيد فائدة الابراء كما في التحرير و جامع المقاصد

______________________________

مشروعية الاقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان فيها، و لم يثبت ذلك في الايقاعات.

و فيه: انه لم تثبت مشروعية الفسخ في العقود- اي الفسخ الذي يجعل للمشروط له- بل الثابت عدمها قبل الشرط،

و مشروعية الاقالة و الفسخ بسبب خيار المجلس أو الحيوان لا توجب مشروعية الفسخ بسبب آخر،

مع انها غير ثابتة، بالاضافة الي الأجنبي، و يصح جعل الخيار له.

و منها: ما افاده المصنف رحمه الله في آخر كلامه، و حاصله: اناطة دخول الشرط بصحة التقايل، فيكون الالتزام في ضمن العقد مثلا بمنزلة رضا المتعاقدين بعده، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافيا في الانحلال كان الالتزام به في ضمن العقد كافيا في تسلط المشروط له علي حله، و الا فلا.

و فيه: ان اعتبار كون الالتزام بمنزلة التراضي بعد العقد لا يكون من منشآت الشارط و لم يدل دليل علي كونه كذلك بحسب الجعل الشرعي فلا وجه له.

و منها: ان دليل الشرط خصص بما دل علي عدم نفوذ ما خالف الكتاب و السنة،

و شرط الخيار في الايقاع ان علم كونه مخالفا للسنة من جهة كون لزومه حكميا لا حقيا،

فهو و الا فالنتيجة نتيجة ثبوته في عدم جواز شرط الخيار، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: انه سيجي ء في محله انه في موارد الشك

مقتضي اصالة عدم المخالفة البناء علي شمول العموم لها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 389

و في غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط و ان وقع عما في الذمة مع جهالته أو علي اسقاط الدعوي قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط، و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم، انتهي و الكبري المذكورة في كلامه راجعة الي ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات، و لا أقل من الشك في ذلك الراجع الي الشك في سببية الفسخ لرفع الايقاع.

______________________________

و منها: ان الخيار ملك الفسخ و الحل، و لا حل الا بين امرين مرتبطين، فلا يعقل في الايقاع الذي هو التزام واحد.

و فيه: ان الفسخ رفع الأمر الثابت كان واحدا ام متعددا.

و منها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و حاصله: ان الايقاع حيث انه إذا انشأ يوجد المنشأ و لا يتوقف علي القبول، فالشرط الواقع بعده اما يرجع الي الشرط الابتدائي لو لم ينط المنشأ به،

و أما الي تعليق المنشأ الذي هو باطل لو انيط اصل المنشأ به،

و أما الي تخصيص المنشأ بخصوصية. و علي اي تقدير فهو خارج عن الالتزام في ضمن الالتزام الذي هو محل الكلام، و هذا بخلاف العقود، فانه يعقل فيها اناطة المنشأ به بحيث يصير الشرط ضميمة لأحد العوضين.

و فيه: انه في العقود لا يناط المنشأ به بهذا المعني، و لذا لا يرد من العوض بمقدار ما يقابل به الشرط، و سيأتي في باب الشروط بيان حقيقة الشرط و انه امر يوجد في العقد و الايقاع بلا تفاوت بينهما.

فتحصل: ان الأظهر صحة شرط الخيار في الايقاع الا ما

خرج بالدليل،

و يشهد له- مضافا الي ذلك- النصوص الواردة فيمن يعتق عبده أو جاريته و يشترط عليه العمالة أو الخدمة «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 390

و أما العقود فمنها ما لا يدخله اتفاقا، و منها ما اختلف فيه، و منها ما يدخله اتفاقا. (1)

فالأول: النكاح، (2) فإنه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و جامع المقاصد و المسالك، الاجماع عليه و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق (3) و عدم مشروعية التقايل فيه. (4)

______________________________

جريان الخيار في غير البيع من العقود اللازمة

(1) و أما المقام الثالث: و هو جريان الخيار في العقود اللازمة، فملخص القول فيه:

انها علي اقسام:

الأول: ما ادعي انه لا يدخله شرط الخيار اتفاقا.

الثاني: ما اختلف فيه.

الثالث: ما يدخله اتفاقا.

(2) اما القسم الأول: فهو النكاح و قد استدل علي المنع فيه بوجوه:

(3) احدها: ما ذكره المنصف رحمه الله في المقام، و هو: توقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق.

و فيه: انه لو كان دليل الطلاق دالا علي عدم ارتفاعه و لو بنحو رفع علقة النكاح من دون انشاء البينونة و الفرقة بغير الطلاق اما بالمنطوق أو بالمفهوم كان ما افاده متينا جدا،

و لكن حيث انه لا يدل علي ذلك فلا يصح هذا الاستدلال.

(4) ثانيها: ما افاده المصنف رحمه الله ايضا، و هو: عدم مشروعية التقايل فيه. و تقدم تقريبه مع جوابه.

ثالثها: ما افاده صاحب الجواهر رحمه الله، و هو: ان فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار و فيه: ان مجرد ذلك لا يكفي لكونه عبادة لا يجري فيها الخيار، فانه لا يعتبر فيه القربة قطعا.

رابعها: ما عن الجواهر ايضا، و هو: ان اشتراط الخيار فيه يفضي الي ابتذال المرأة،

و هو

ضرر لها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 391

و من الثاني: الوقف، فإن المشهور عدم دخوله فيه (1) و عن المسالك انه موضع وفاق و يظهر من محكي السرائر و الدروس وجود الخلاف فيه، و ربما علل باشتراط القربة فيه (2) و انه فك ملك بغير عوض و الكبري في الصغريين ممنوعة، (3) و يمكن الاستدلال له

______________________________

و فيه: انه مع اقدامها عليه لا يوجب دليل نفي الضرر نفيه.

خامسها: ان شرط الخيار مناف للدوام المعتبر في النكاح الدائم، فهو شرط مخالف لمقتضي العقد.

و فيه: ان الخيار لا ينافي الدوام، فانه رفع للموجود لا توقيت له في البيع، و لذا في البيع لا إشكال في صحة شرطه، مع انه ايضا انشاء للملكية الدائمية.

سادسها: انه شرط مخالف للسنة، لأن لزوم النكاح حكمي لا حقي، و لا أقل من الشك في ذلك، فلا يجوز التمسك بالعام.

و فيه: انه لم يثبت كونه كذلك، و قد مر أن الشك في ذلك يكفي في التمسك بالعام لأصالة عدم المخالفة.

فالأظهر انه لا دليل علي المنع سوي الاجماع المدعي في كلمات غير واحد، و لا بأس به.

(1) و أما القسم الثاني: فمنه الوقف.

فقد استدل للمنع فيه بوجوه:

(2) منها: انه يشترط القربة فيه، و ما كان لله لا يرجع.

(3) و المصنف اورد عليه: بمنع الكبري و اورد عليه السيد قده و تبعه المحقق الايرواني: بانه قده سيعترف بصحة الكبري في الصدقة.

و لكن يمكن ان يقال: ان ما ذكره في المقام لا ينافي مع ما ذكره في الصدقة، فانه يسلم دلالة النصوص «1» المتضمنة لذلك المضمون علي اللزوم غير القابل للفسخ، الا ان منعه في المقام من جهة عدم شمولها بما لها من المعني للمقام فان المراد بها

ليس ما يقع في الخارج

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات و- باب 6- من ابواب الكتاب الهبات و- باب 24- من ابواب

الصدقة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 392

بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف عند الحاجة و هي قوله عليه السلام من اوقف أرضا ثمّ قال: ان احتجت إليها فأنا احق بها، ثمّ مات الرجل فإنها ترجع في الميراث (1) و قريب منها غيرها و في دلالتها علي المدعي تأمل، و يظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة تجويز اشتراط الخيار في الوقف و لعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر و الدروس

______________________________

لله و ان امكن ان يقع لغيره كالبيع، و لاما يشترط في صحته الوقوع لله كالوقف، بل المراد بها ما لا يقع في ذاته الا لله كالصدقة بالمعني الأخص التي تكون القربة من قبيل الفصل المقوم لها لا الشرط.

و يمكن ان يورد علي هذا الوجه: بمنع الصغري ايضا، فانه و ان كان المشهور اعتبار القربة في الوقف الا ان الأظهر تبعا لجمع من الأساطين عدم اعتبارها للاطلاقات و لما دل علي صحة وقف الكافر، و اطلاق الصدقة عليه انما يكون باعتبار الأفراد التي تقع في الخارج مع قصد القربة. و تمام الكلام في محله.

و منها: انه فك ملك بلا عوض، و شرط الخيار يصح في العقود المعاوضية.

و فيه اولا: ان الوقف حقيقته ليست فك الملك بل حبس العين و تسبيل المنفعة.

و ثانيا: انه قد مر جريان شرط الخيار في الايقاع فضلا عما هو بمنزلته.

و منها خبر اسماعيل بن الفضل عن مولانا الصادق عليه السلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من

وجوه الخير، و قال: ان احتجت الي شي ء من المال فانا احق به تري ذلك له و قد جعله لله يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا الي اهله أو يمضي صدقة قال عليه السلام: يرجع ميراثا علي اهله «1».

(1) و موثقه الآخر «2» المذكور في المتن و تقريب دلالتهما: انهما يدلان علي بطلان الوقف، و ليس الا من جهة اشتماله علي الشرط المزبور.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات حديث 3.

(2) التهذيب ج 9 ص 950 طبع النجف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 393

و أما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف، قال في التذكرة في باب الوقف:

انه يشترط في الوقف الالزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة، انتهي.

لكن قال في باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب، يجوز للواهب الرجوع فيها و ان اختل احد القيود لزمت، و هل يدخلها خيار الشرط الاقرب ذلك، انتهي.

و ظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتي الصدقة، و كيف كان فالأقوي عدم دخوله فيها لعموم ما دل علي انه لا يرجع فيما كان لله، (1) بناء علي ان المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة، و لو شك في ذلك كفي في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها و توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع

______________________________

و فيه: انه يمكن ان يقال بدلالتهما علي الصحة بقرينة التعبير بالرجوع، إذ مع البطلان لا رجوع بل هو باق علي ملكه، فيدلان علي صحة الوقف و

الشرط، و انه يعود إليه عند الحاجة، ثمّ ان مات يرثه وارثه،

و علي فرض دلالتهما علي البطلان يمكن ان يكون الوجه فيه ادخال نفسه في الوقف.

و قد استدل للمنع ببعض الوجوه المتقدمة،

فالأظهر تبعا للمشايخ الثلاثة جواز اشتراط الخيار في الوقف.

و منه: الصدقة.

(1) و قد استدل المصنف رحمه الله لعدم دخول خيار الشرط فيها: بعموم ما دل علي انه لا يرجع فيما كان لله،

و هي اخبار مستفيضة: منها: قوله عليه السلام «1»: انما الصدقة لله عز و جل، فما جعل لله عز و جل فلا رجعة له فيه و نحوه غيره.

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ان اللزوم حكم لماهية الصدقة، و انها ماهية منافية للرجوع، و هذا المعني آب عن لحوق خصوصية توجب تغير الحكم، فلا يصح جعل الخيار فيها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 394

و منه الصلح، (1) فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة،

دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع في باب الصلح الاجماع علي دخوله فيه بقول مطلق. و ظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا. و قد تقدم التفصيل عن التحرير و غاية المرام و لا يخلو عن قرب (2)

______________________________

و اورد علي الاستدلال بها السيد الفقيه رحمه الله: بانه لا يصدق الرجوع الي الصدقة علي الفسخ بالخيار، لأن اخراجه للمال ليس علي كل تقدير، و الاخراج الخياري المتزلزل ليس اخراجا حقيقة، فالرجوع انما يصدق مع كون المال باقيا علي الوقفية أو الصدقة أو نحو ذلك لا مثل المقام.

و فيه: ان الرجوع الحقيقي هو رد الملك و هو المراد في هذه النصوص، إذ الرجوع الممنوع

عنه في الصدقة هو ما يكون جائزا في الهبة، و من المعلوم ان الرجوع الجائز فيها رد الملك لا التصرف في الموهوب مع بقاء الهبة،

فالأظهر عدم دخول خيار الشرط فيها.

(1) و منه: الصلح.

و فيه: اقوال:

الأول: دخوله فيه مطلقا، و لعله المشهور، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه.

الثاني: عدم دخوله كذلك، و هو المنسوب الي الشيخ في المبسوط و الخلاف.

الثالث: التفصيل بين الصلح الذي فائدته الابراء فلا يدخل فيه، و غيره فيدخل،

ذهب إليه العلامة في التحرير و المحقق الثاني في جامع المقاصد،

(2) و اختاره المصنف رحمه الله و قد استدل للمنع في المفيد فائدة الابراء بوجوه:

احدها: ما عن غاية المرام بان مشروعيته لقطع المنازعة فقط، و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته، و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم.

و فيه: اولا: ان مشروعيته ليست لخصوص قطع المنازعة، و لذا الصلح في غير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 395

لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الابراء أو ما يفيد فائدته (1) و منه الضمان: (2) فإن المحكي عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه،

و هو ظاهر المبسوط و الاقوي دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه، و منه الرهن (3) فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين،

و الخيار ينافي الاستيثاق (4) و لعله لذا استشكل في التحرير و هو ظاهر المبسوط،

و مرجعه الي ان مقتضي طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، و الخيار مناف لذلك.

______________________________

مقام الدعوي صحيح.

و ثانيا: ان مجرد ذلك لا يصلح للمنع لأنه حكمة لا علة.

(1) الثاني: ما افاده المصنف رحمه الله، قال: لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الابراء، أو

ما يفيد فائدته. انتهي.

و فيه: ما تقدم من ان الشك في السببية لا يمنع من نفوذ الشرط.

الثالث: انه ايقاع، و لا يدخل شرط الخيار في الايقاع.

و فيه: اولا: انه عقد لا إيقاع، و ان كان الابراء ايقاعا.

و ثانيا: انه قد تقدم دخوله في الايقاع.

فالأظهر جريانه فيه مطلقا.

(2) و منه: الضمان.

و قد استدل المحقق النائيني رحمه الله للمنع من دخول شرط الخيار فيه: بان لزومه حكمي كالنكاح، لأن من آثاره انتقال الدين الي ذمة الضامن و براءة المديون، فارجاعه الي ما كان لا يمكن الا بضمان آخر.

و فيه: ما تقدم من انه لو لا الاجماع لكنا ملتزمين بدخوله في النكاح فضلا عن الضمان.

(3) و منه: الرهن.

(4) و قد استدل للمنع فيه: بان الرهن وثيقة، للدين و الخيار ينافي الاستيثاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 396

و فيه ان غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين، (1) و منه الصرف فإن صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدعين علي ذلك الاجماع و لعله لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف و السلم من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما ان يفترقا و لا يبقي بينهما علقة و لو اثبتنا الخيار بقيت العلقة، و الملازمة ممنوعة، كما في التذكرة، و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف (2) و ان استشكله اولا كما في القواعد.

و من الثالث: اقسام البيع ما عدا الصرف و مطلق الاجارة و المزارعة و المساقاة و غير ما ذكر من موارد الخلاف، فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.

و اعلم انه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة و ان لم يكن

فيها رد، و لا يتصور الا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام.

و أما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء علي وجوب ذكر الشرط في متن العقد، و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة. (3)

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بان غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.

و فيه: ان المدعي منافاة الخيار و التزلزل لحقيقة الرهن لا لحكمه، فيكون من قبيل الشرط المخالف لمقتضي العقد.

و بما ذكرناه في هذه الأبواب يظهر الحكم في سائر الأبواب التي لم نتعرض لها.

(2) قوله و الملازمة ممنوعة كما في التذكرة و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف لان العلقة الحقية تتعلق بالعقد لا بالعوضين فهما يفترقان و لا علقة بينهما و لا يستحق احدهما شيئا من صاحبه و لو كان الخيار ثابتا- و يمكن منع المقدمة الاولي، إذ لا سبيل لنا الي اثبات ان المقصود من اعتبار التقابض ما ذكر.

(3) و هل يجري هذا الخيار في المعاطاة ام لا نظرا الي ان الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي ذكره في محكي التذكرة تبعا للمبسوط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 397

و ان قلنا بلزومها من اول الأمر أو بعد التلف، و السر في ذلك ان الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي، و ذكر فيهما ايضا دخول الخيار في الصداق، (1) و لعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات، كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل، و فيه نظر و ذكر في المبسوط ايضا دخول هذا الخيار في السبق و الرماية للعموم.

اقول: و الاظهر بحسب القواعد اناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في العقد فمتي شرع التقايل

مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد علي سلطنة احدهما أو كليهما علي الفسخ، فإن اقدامه علي ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه علي نفسه، فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه، قائما مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه و ان لم يرض فعلا

______________________________

و الحق: ان للعقود و الشروط مقامين:

احدهما: مقام الثبوت و التحقق، و هو مقام الالتزامات النفسانية.

ثانيهما: مقام اظهارها و ابرازها.

اما في المقام الأول فلا دخل للفظ و لا للفعل فيه،

و أما المقام الثاني فلا مانع من ان يدل علي الالتزام العقدي باللفظ، و علي الالتزام الشرطي بالفعل.

و بعبارة اخري: ان ربط الالتزامين انما هو في المرتبة السابقة علي الابراز، و اللفظ أو الفعل كاشف عن ذلك و دال عليه، و عليه فكما ان الفعل ربما يحتف بالكلام و يوجب صرفه عن ظاهره، كذلك يمكن ان يدل علي ربط ما انكشف به بما ينكشف باللفظ، فلو قال مقارنا للفعل بشرط كذا يكون قوله مرتبطا بفعله.

(1) و عن التذكرة و المبسوط: دخول الخيار في الصداق، و لكن ربما يقال: ان الصداق ليس عقدا كي يمكن حله و فسخه، و لكن يمكن ان يقال: ان المهر حيث لا يكون ركنا لعقد النكاح يكون من قبيل الالتزام الضمني، و الفسخ يوجب رفعه، فكأنه لم يقع علي الصداق اصلا و الظاهر عدم الخلاف في دخول الخيار فيه، و قد عرفت انه علي القاعدة فلا حاجة الي ما استدل به المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 398

و أما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه،

لأنه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد لسلطنة احدهما عليه لا يحدث له اثرا لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضاء الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا و الله العالم.

الرابع: خيار الغبن (1)
اشارة

و اصله الخديعة، قال في الصحاح: هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي، و هو في اصطلاح الفقهاء تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر (2) و تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا مع انه قد لا يكون خدع اصلا، كما لو كانا جاهلين

______________________________

خيار الغبن

(1) الرابع: خيار الغبن و في المتن: اصله الخديعة،

و لكن الظاهر ان الغبن و الخديعة يتصادقان علي مورد احيانا و لا اتحاد بينهما مفهوما، بل الظاهر انه بسكون الوسط نقص في المعاملة و المقاسمة كما صرح بذلك ائمة الفن،

و عليه فيوم التغابن في الآية الشريفة (ذلك يوم التغابن) «1» مستعار من تغابن القوم في التجارة.

و في الحديث: «2» نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ. و استعمال الغبن فيه انما هو من جهة ان اشتغال المكلف ايام الصحة و الفراغة بالامور الدنيوية الدنية يوجب كونه مغبونا لأنه قد باع ايام الصحة و الفراغة بشي ء لا قيمة له،

و هو بتحريك الوسط نقص في العقل و الرأي، و في المجمع: و غبن رأيه غبنا من باب تعب، قلت: فطنته و ذكاؤه، و مغابن البدن الارفاغ و الاباط الواحد المغبن كمسجد،

و منه حديث الميت: فامسح بالكافور جميع مغابنه «3».

و بما ذكرناه يظهر ان ما افاده الفقهاء في تفسيره.

(2) و هو تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر ليس من

جهة ان لهم اصطلاحا خاصا و انما يطلقونه بما له من المعني اللغوي

______________________________

(1) سورة التغابن: 9.

(2) سفينة البحار ج 2 ص 305.

(3) جامع احاديث الشيعة- باب 6- من ابواب تحنيط الميت حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 399

لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع (1) و المراد بما يزيد أو ينقص العوض مع ملاحظة ما انضم إليه الشرط، فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار للبائع، فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم و هكذا غيره من الشروط.

و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه (2)

بخلاف الجهل بقيمته، ثمّ ان ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الاصحاب، و نسبه في التذكرة الي علمائنا و عن نهج الحق نسبته إلي الامامية.

و عن الغنية و المختلف الاجماع عليه صريحا، نعم المحكي عن المحقق قدس سره في درسه انكاره و لا يعد ذلك خلافا في المسألة (3) كسكوت جماعة عن التعرض له.

______________________________

(1) قوله لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع بناء علي ما ذكرناه يكون تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا في مورد جهلهما علي طبق المعني اللغوي لا للغلبة.

(2) قوله و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه ربما تكون الزيادة يسيرة جدا، بمقدار لا يصدق الغبن من جهة ان تحديد القيمة بحد ليس علي وجه التحقيق بل علي نحو التخمين، و ربما تكون بمقدار يصدق ذلك و في مثل ذلك لا دليل علي عدم ثبوت الخيار بعد عموم دليله.

و كيف كان: فإذا ثبت الغبن يثبت للمغبون الخيار كما هو المشهور بين الأصحاب،

و

قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع عليه، و لم ينقل الخلاف الا عن الاسكافي و المحقق.

(3) و ما افاده المصنف رحمه الله من ان انكاره في مجلس درسه اعم من كون فتواه ذلك كما تري،

و سكوت جماعة من القدماء عن التعرض له لا يكون كاشفا عن خلافهم بعد دعوي غير واحد الاجماع عليه.

و علي اي حال لا يكون حجة بعد معلومية المدرك، فالعمدة ملاحظة ادلتهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 400

نعم حكي عن الاسكافي منعه و هو شاذ، و استدل في التذكرة علي هذا الخيار بقوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم). (1) قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود، (2) و هو عدم نقصه عنه في المالية، فكأنه قال: اشتريت هذا الذي يسوي «يساوي» درهما بدرهم، فإذا تبين انه لا يسوي «يساوي» درهما تبين انه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها، الا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه بما لم يلتزم و لم يرض به،

فالآية انما تدل علي عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي كان كالرضا السابق لفحوي حكم الفضولي و المكره

______________________________

و قد استدل لثبوت هذا الخيار بوجوه:

(1) الأول: ما عن التذكرة، و هو قوله تعالي (الا ان تكون تجارة عن تراض) «1» قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض، و حيث ان ظاهر ذلك مانعية الكراهة التقديرية مع الرضا الفعلي، وجهه المصنف

رحمه الله بقوله:

(2) و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود و حاصله: ان الرضا الفعلي مفقود، بتقريب: ان الرضا متعلق بعنوان مفقود و هو عدم نقصه عنه في المالية، و حيث ان العنوان المفقود وصفي في المبيع فلا يوجب تخلفه الا الخيار كما في سائر موارد تخلف الوصف، فالآية تدل علي عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي كان كالرضا السابق، فكما ان الرضا السابق بالفاقد للوصف مؤثر في اللزوم كذلك الرضا اللاحق مؤثر فيه، فان رضا المالك المتأخر إذا كان مؤثرا في الصحة و في انعقاد البيع في الفضولي و المكره كان رضاه المتأخر اولي بالتأثير في لزومه بعد صحته.

و بما ذكرناه في تقريب هذا الوجه اندفع ايراد المحقق السيد الفقيه رحمه الله عليه

______________________________

(1) النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 401

و يضعف يمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا، (1) بل قد لا يكون داعيا ايضا. (2)

كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم علي اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الي احتمال ذلك مع ان اخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد، (3)

______________________________

بان مقتضي البيان المذكور بطلان البيع لا الخيار كما هو مقتضي قوله: فإذا حصل … الخ فانه ايضا انما يناسب البطلان بدون الرضا، و الا فمع فرض الدلالة علي عدم اللزوم لا حاجة الي اجراء فحوي حكم الفضولي و المكره، انتهي.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه باجوبة:

(1) احدها: ان الوصف المذكور من قبيل الداعي الذي لا

يوجب تخلفه شيئا.

و فيه: ان الداعي هو الغرض من الفعل و العلة الغائية له، و من المعلوم ان عنوان ما يساوي بالثمن ليس علة غائية للفعل.

(2) ثانيها: انه قد لا يكون داعيا ايضا، كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم علي اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الي احتمال ذلك.

و فيه: انه في مثل هذا المورد لا يكون خيار الغبن ثابتا لاقدامه عليه.

(3) ثالثها: ان اخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد.

و فيه: ان هذا يصلح وجها لعدم ثبوت خيار تخلف الشرط لا لعدم ثبوت خيار الغبن الثابت بالتعبد علي الفرض.

فالاولي ان يورد عليه اولا: بما تقدم في مبحث المعاطاة و بيع المكره من ان الاستثناء في الآية الشريفة منقطع غير مفرغ، فلا تدل علي الحصر، و لا علي عدم جواز الأكل بغير التجارة عن تراض.

و ثانيا: ان العنوان المشار إليه لا يكون قيدا للمبيع فضلا عن كونه عنوانا له.

و ثالثا: انه لو سلم كونه عنوانا للمبيع و قيدا في متعلق الرضا علي نحو وحدة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 402

و لو ابدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالي: (و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) كان اولي (1) بناء علي ان اكل المال علي وجه الخدع ببيع ما يسوي درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه علي رد المعاملة و عدم نفوذ رده اكل المال بالباطل، اما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد اكلا بالباطل، و مقتضي الآية و ان كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخدع، إلا انه خرج بالإجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون

و رده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالي: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) بناء علي ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي، فمع التكافؤ يرجع إلي أصالة اللزوم، (2) إلا ان يقال ان التراضي مع الجهل بالحال لا يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل اكلا بالباطل، (3)

______________________________

المطلوب لزم منه بطلان المعاملة، و الا كان داخلا في منطوقها. فتدبر حتي لا تبادر بالاشكال.

(1) الثاني: قوله تعالي (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). «1»

و تقريب ما افادوه في تقريب الاستدلال هو: ان البيع الغبني إذا وقع علي وجه الخديعة يكون الأكل به اكلا بالباطل، و هو حرام سوء في ذلك قبل تبين الخديعة أو بعده،

و سواء رد المغبون ام لم يرد، نعم لو تبين و رضي المغبون لا يكون اكلا للمال بالباطل،

و حرمة الأكل بعد الرد مساوقة لتأثيره و ان له ذلك، و مقتضي اطلاق الآية و ان كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخديعة الا انه خرج بالاجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة.

(2) و اجاب المصنف عنه بما حاصله: ان قوله تعالي (الا ان تكون تجارة عن تراض) بناء علي ما تقدم من وجود الرضا الفعلي قبل تبين الخديعة يدل علي لزوم هذه التجارة، فيتعارضان فيرجع الي اصالة اللزوم. ثمّ استدرك عن ذلك بما حاصله:

(3) ان مورد آية التجارة عن تراض انما هو قبل تبين الخديعة ورد المغبون،

و تدل الآية علي انه سبب صحيح، و مورد آية النهي عن الأكل بعد التبين ورد البيع و لا تعارض بين كونه سببا صحيحا في نفسه

______________________________

(1) النساء: 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 403

و يمكن ان يقال: ان آية التراضي يشمل

غير صورة الخدع، كما إذا اقدم المغبون علي شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته فيدل علي نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضة فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل (1) فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل و تكافؤهما إلي أصالة اللزوم. و استدل أيضا في التذكرة بأن النبي صلي الله عليه و آله اثبت الخيار في تلقي الركبان و إنما اثبته للغبن، (2)

______________________________

الا انه من جهة تعنون التصرف الواقع بعد هذا السبب بعنوان آخر، و هو كون الأكل بعد رد المغبون اكلا بالباطل يصير منهيا عنه، و علي هذا فكلمة (لا) في قوله و لا يخرج ليست زائدة كما توهمه جمع منهم المحقق الايرواني رحمه الله.

و بالجملة: بعد فرض ان لكل منهما موردا مختصا به، فلا تعارض بينهما.

(1) ثمّ اورد عليه بوجه آخر و حاصله: ان مورد كل منهما و ان كان غير مورد الآخر الا انه من جهة عدم القول بالفصل بين الموردين يتحقق التعارض بالعرض.

و لكن يرد علي الاستدلال بالآية: ان التجارة المفروضة بما انه يصدق عليها التجارة عن تراض لا تكون مشمولة لآية النهي، اما من جهة عدم تصادقهما علي مورد واحدا و من جهة الاستثناء، و أما الأكل بعد رد المغبون فمضافا الي عدم كونه مشمولا للآية لأن نظرها الي التصرفات المعاملية بقرينة كلمة بينكم الظاهرة في اعطاء مال واخذ مال،

انه من جهة كونه بعد التجارة عن تراض لا يكون مشمولا لها.

و بذلك ظهر عدم تمامية الجواب الثاني الذي افاده المصنف رحمه الله.

(2) الثالث: النبوي الذي استدل به جماعة من الأصحاب: ان النبي صلي الله

عليه و آله نهي ان يتلقي الجلب، فان تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق «1».

______________________________

(1) اخرجه مسلم في 21 كتاب البيوع حديث رقم 17. و اخرجه ابو داود في 22 كتاب البيوع باب في التلقي حديث رقم

3437. و رواه الشيخ في الخلاف ج 2 ص 76 طبع قم عن ابي هريرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 404

و يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل (1) و أقوي ما استدل به علي ذلك في التذكرة و غيرها قوله صلي الله عليه و آله لا ضرر و لا ضرار في الاسلام (2)

______________________________

و الكلام فيه يقع اولا: في سنده، و ثانيا: في دلالته. اما من حيث السند:

(1) فقد اورد عليه المصنف رحمه الله بعدم وجوده في الكتب المعروفة بين الامامية، فلا يقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

و فيه: انه مع تسليم العمل كما هو كذلك، فان المحكي عن الشيخ في الخلاف الاستناد إليه، و كذلك ابن زهرة في الغنية، مع انه لا يعمل الا بالمقطوع به من الأخبار، و الظاهر انه مشهور عند قدماء الأصحاب و لذا يعدون غبن الركبان من احد اسباب الخيار، و ظاهر التذكرة الاستناد إليه، لا وجه لعدم البناء علي الانجبار، إذ لا يشترط في الجبر وجود الرواية في الكتب المعروفة، مع انه موجود في الغنية.

و قد يقال: ان قول ابن زهرة: نهي النبي صلي الله عليه و آله الي آخر الحديث يشعر باذعانه بمضمون الخبر، فهو توثيق لجميع من في سند الخبر المحذوفين، فتشمله ادلة حجية الخبر الواحد.

و فيه: ان غاية ما يثبت بذلك اذعانه بمضمون الخبر، و حيث يحتمل ان

يكون ذلك للقرائن الخارجية فلا يكون توثيقا للوسائط، فالعمدة ما ذكرناه.

و أما من حيث الدلالة فيرد عليه: انه لا يدل علي ان ما اثبته من الخيار هو خيار الغبن، بل مقتضي اطلاقه بالنسبة الي غير مورد الغبن عدمه، و قد افتي الحلي بثبوت هذا الخيار مع عدم الغبن.

(2) الرابع: حديث: لا ضرر و لا ضرار في الاسلام «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب موانع الارث و التذكرة المسألة الاولي من خيار الغبن و هو مروي مع حذف كلمة في

الاسلام في الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار و باب 12 و 7 من ابواب كتاب احياء الموات و باب 5 من ابواب كتاب

الشفعة و في الكتب الاخر و ايضا مروي مع اضافة كلمة علي مؤمن في الوسائل في جملة من الأبواب و في المستدرك

و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 405

و كان وجه الاستدلال ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه، و اضرار به فيكون منفيا، فحاصل الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا، و لم يمض لهم من التصرفات ما فيه ضرر علي الممضي عليه، و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضرارا علي الممضي عليه، سواء كان من جهة الغبن ام لا، و سواء كان في البيع، ام في غيره كالصلح الغير المبني علي المسامحة و الاجارة و غيرها من المعاوضات، هذا.

و لكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الامضاء بكل الثمن، (1) إذ يحتمل ان يتخير بين امضاء العقد بكل الثمن و

رده في المقدار الزائد، (2) غاية الامر ثبوت الخيار للغابن لتبعض المال عليه، فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشتري بأزيد من ثمن المثل، و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في ان له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض، كما عليه الاكثر في معاوضات المريض المشتملة علي المحابات، و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله ان استرداد بعض احد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضي المعاوضة. (3)

______________________________

بتقريب: ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه و اضرار به، فيكون منفيا.

و اورد عليه بوجوه:

(1) الأول: ما عن المصنف رحمه الله من: ان حديث لا ضرر لا يدل علي ثبوت الخيار بين الفسخ و الامضاء بتمام الثمن كما هو المدعي، فانه يمكن تدارك الضرر باحد انحاء ثلاثة:

الأول: الخيار بين امضاء العقد بكل الثمن، و رده كذلك.

(2) الثاني: الخيار بين رد مقدار ما تضرر به من المثمن أو الثمن. و بين امضاء العقد بكل الثمن.

و ظاهر صدر كلامه- بل صريحه- ارادة الرد من عين الثمن أو المثمن،

(3) و لذا اورد عليه ما ذكره العلامة في مسألة محاباة المريض من منافاته لمقتضي المعاوضة و لكن ظاهر عبارته المتأخرة- منها قوله: فالمبذول غرامة، و منها قوله: ان المبذول ليس هبة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 406

و يحتمل ايضا ان يكون نفي اللزوم بتسلط المغبون علي الزام الغابن بأحد الامرين من الفسخ في الكل. و من تدارك ما فات علي المغبون برد القدر الزائد أو بدله، و مرجعه الي ان للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن، التفاوت، (1) فالمبذول غرامة لما فات علي المغبون علي تقدير امضاء

البيع، لا هبة مستقلة، كما في الايضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار، و سيجي ء ذلك، و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة و احتمله في القواعد من انه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإن مرجع هذا الي تخيير البائع بين رد التفاوت و بين الالتزام بفسخ المشتري.

و حاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل، و لعل هذا هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل، بل قول بعض بعدمه، كما يظهر من الرياض،

______________________________

و لا جزء من احد العوضين- ارادة رد مقدار منه أو بدله غرامة.

(1) الثالث: تخيير الغابن بين رد الزائد غرامة و فسخ المغبون، نظير ما احتمله في القواعد من انه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال و بذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري.

و الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين الأخيرين اللذين حاصلهما عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت اولي من اثبات الخيار، لأن الزام الغابن بالفسخ ضرر عليه، و هذا و ان كان لا يصلح لمعارضة ضرر المغبون الا انه يصلح لترجيح احد الاحتمالين المذكورين علي ما هو المشهور من ثبوت الخيار.

و لا يخفي ان المصنف رحمه الله لا يدعي ان بذل التفاوت تدارك للضرر، و الحديث ينفي الضرر غير المتدارك، فان ذلك خلاف مبناه، بل يدعي ان اللزوم عبارة عن عدم التسلط علي حل العقد، بالاضافة الي

تمام الثمن، و بالاضافة الي المقدار الزائد، و عدم التسلط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 407

ثمّ ان المبذول ليس هبة مستقلة حتي يقال انها لا تخرج لمعاملة المشتملة علي الغبن عن كونها مشتملة عليه و لا جزء من احد العوضين حتي يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضي المعاوضة، بل هو غرامة لما اتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الارش في المعيب.

و من هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح و جامع المقاصد من الاستدلال علي عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب، بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لانها هبة مستقلة حتي انه لو دفعه علي وجه الاستحقاق لم يحل اخذه، إذ لا ريب في ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره، انتهي بمعناه، وجه الخدشة ما تقدم

______________________________

علي حله مع عدم بذل الغابن لما به التفاوت و ارتفاع هذا اللزوم كما يكون بثبوت السلطنة علي الحل في الجميع كذلك بثبوتها علي الحل في المقدار الزائد، و بثبوتها علي الحل مع عدم بذل ما به التفاوت، فلا يتعين ارتفاع اللزوم الضرري بالنحو الأول. فتدبر فانه دقيق.

و لكن يرد عليه: ان بذل مقدار من احد العوضين غير صحيح، فانه مناف لمقتضي المعاوضة كما اعترف به في اثناء كلامه، و بذل ما به التفاوت بعنوان الغرامة بلا وجه، فان الغرامة عبارة عن تدارك ما اشتغلت به الذمة، و مجرد كون الطرف غابنا لا يصير سببا لضمانه، فلا محالة يكون هبة، و هي لا توجب انقلاب المعاملة عن كونها غبنية.

و بالجملة: ان اللزوم لا معني له سوي عدم السلطنة علي حل العقد

في تمام الثمن، و نفي ذلك لا يقتضي سوي الجواز المشهور.

الثاني: ما عن المحقق النائيني رحمه الله، بناء علي ان لا يكون اعتبار التساوي في المالية من قبيل الشرط الضمني، بان مفاد حديث لا ضرر ان الحكم الذي ينشأ منه الضرر بحيث يكون الضرر عنوانا ثانويا له فهو مرفوع دون ضرر لا يكون عنوانا للحكم، بل يكون عنوانا لنفس فعل المكلف، و باقدام و اختيار صدر الفعل عنه، و منشأ الضرر في المقام ليس حكم الشارع، لأن العاقد من دون ان يكون ملزما شرعا اقدم علي المعاملة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 408

من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن علي المغبون قد دل عليه نفي الضرر.

و أما الاستصحاب ففيه ان الشك في اندفاع الخيار بالبذل لا في ارتفاعه به إذ من المحتمل ثبوت الخيار علي الممتنع دون الباذل، ثمّ ان الظاهر ان تدارك ضرر، المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين اولي من اثبات الخيار له، لأن الزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و ان لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، الا انه يصلح مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين علي ما اشتهر من تخييره بين الرد و الامضاء بكل الثمن الا ان يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود اقتنائها للتجمل. و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل، فتأمل.

______________________________

فلا معني لرفعه.

و فيه: ان المعاملة الغبنية الواقعة- مع قطع النظر عن حكم الشارع بالصحة و اللزوم- لا تكون ضررية لفرض بقاء ماله علي ملكه، و مع فرض حكمه بالصحة دون اللزوم يكون حدوثا ضرريا و بقاء غير ضرري، فاللزوم

منشأ لضررية المعاملة بقاء، فهو يكون مرفوعا بحكم الحديث.

الثالث: ما افاده جمع منهم المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان الضرر ينشأ من الحكم بالصحة، و ملك اليسير في مقابل الكثير لا من الحكم باللزوم، و انما الفسخ علاج لما وقع فيه من الضرر، فكان الحكم بالخيار معالجة للضرر، و ليس مفاد دليل نفي الضرر تشريع ما يعالج به الضرر الواقع فيه المكلف باختياره، و انما مفاده رفع ما يقتضي الضرر من الأحكام، فنتيجة دليل نفي الضرر هو خروج المعاملة الغبنية عن ادلة الصحة و الحكم بفسادها.

و فيه: ما تقدم من ان الصحة و اللزوم كلاهما ضرريان، تلك باعتبار حدوث المعاملة و ذلك باعتبار بقائها، نعم يبقي حينئذ سؤال و هو: انه ما الموجب للتفكيك و الحكم بالصحة دون اللزوم؟ و الجواب: ان الصحة لا تكون مشمولة له لوجهين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 409

و قد يستدل علي الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن، (1) فعن الكافي بسنده إلي اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت، و عن الميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال غبن المؤمن حرام،

______________________________

احدهما: الاجماع.

ثانيهما: ان حديث لا ضرر انما ينفي الحكم الذي في رفعه منة، و رفع الصحة لا امتنان فيه، بخلاف رفع اللزوم.

هذا بناء علي كون المرفوع في الحديث الحكم الذي ينشأ منه الضرر،

و أما بناء علي مسلك المحقق الخراساني رحمه الله من ان مفاد الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، و انه انما ينفي الحكم الذي يكون موضوعه ضرريا، فالأمر واضح،

فان الصحة إذا كانت ضررية فهي لا ترتفع بالحديث، و بما انها موضوع للزوم فيكون اللزوم مرفوعا.

الرابع: ما عن المحقق الخراساني رحمه

الله، و هو: ان غاية ما يثبت بحديث لا ضرر هو مجرد السلطنة علي الحل الموجود مثلها في الهبة لا الخيار الذي يعد من الحقوق، و يقبل الاسقاط، و يكون حقا خارجيا لا دخل له بالجواز، فان لسان الحديث هو النفي لا الإثبات.

ما أفاده رحمه الله لا بأس به بناء علي شمول الحديث له،

و اولي من ذلك المنع من شموله له، فان اللزوم ليس حكما وجوديا مجعولا، بل هو امر عدمي، و هو عدم السلطنة علي الحل. و قد حققنا في محله ان حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدمية، فان النفي انما يتعلق بما هو وجودي، و العدم ليس شيئا قابلا لتعلق النفي به الا بالعناية.

(1) الخامس: ادلة هذا الخيار النصوص الواردة في حكم الغبن، لاحظ خبر اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام: غبن المسترسل سحت «1».

و خبر ميسر عنه عليه السلام: غبن المؤمن حرام «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 1 و ذكره في باب 9 من أبواب آداب التجارة.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 410

و في رواية اخري لا تغبن المسترسل فان غبنه لا يحل و عن مجمع البحرين: أن الاسترسال: الاستئناس و الطمأنينة الي الانسان و الثقة به فيما يحدثه و اصله السكون و الثبات، و منه الحديث أيما مسلم استرسل الي مسلم فغبنه فهو كذا و منه غبن المسترسل سحت انتهي.

و يظهر منه ان ما ذكره اولا حديث رابع و الانصاف عدم دلالتها علي المدعي،

فان ما عدا الرواية الاولي ظاهرة في حرمة الخيانة في المشاورة، (1) فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

______________________________

و المرسل: لا يغبن المسترسل فان غبنه لا

يحل «1».

و خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله:

غبن المسترسل ربا «2».

و خبر دعائم الاسلام عن مولانا الصادق عليه السلام- في حديث-: و ان كان امرا فاحشا و غبنا بينا- الي ان قال- ثمّ قيل للمشتري: ان شئت خذها بمبلغ القيمة و ان شئت فدع «3».

و لكن يرد علي هذا الوجه: ان اكثر هذه الأخبار ضعيفة الاسناد، لأن في طريق الأول ابا جميلة، و الثالث مرسل، و في طريق الرابع، احمد بن علي بن ابراهيم، و هو لم يوثق،

و الخامس مرسل.

و أما من حيث الدلالة فالأخير صريح فيما ذكر، و البقية لا تدل علي ذلك،

(1) اما الثاني و الثالث فقد استظهر المصنف رحمه الله دلالتهما علي حرمة الخيانة في المشاورة، ثمّ قال: فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

و لكن كان بفتح الباء أو سكونها لا دخل لهما بما افاده كما ستعرف،

مع ان الظاهر كونه بسكون الباء، إذ هو بالفتح لازم، و قد استعمل في الخبر متعديا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب آداب التجارة حديث 7.

(2) المستدرك- باب 13- من ابواب الخيار حديث 1.

(3) المستدرك- باب 13- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 411

و أما الرواية الاولي فهي و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال، لكن يحتمل حينئذ ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب علي اصل العمل (1)

و الخديعة في أخذ المال، و يحتمل ان يراد كون المقدار الذي يأخذه زائدا علي ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان، (2) و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل علي الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة

خاصة و هي اطلاع المغبون و رده للمعاملة المغبون فيها، و لا ريب في ان الحمل علي احد الأولين أولي و لا أقل من المساواة للثالث، فلا دلالة، فالعمدة في المسألة الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة، و حديث نفي الضرر بالنسبة إلي خصوص الممتنع عن بذل التفاوت،

ثمّ ان تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل.

______________________________

و الحق ان يقال: ان النهي اما بملاحظة تضمنه للمكر و الخديعة، أو بملاحظة ان المعاملة المشتملة علي الزيادة إذا صدرت عن علم و عمد حرام، و علي اي تقدير غاية ما يثبت بهما الحرمة التكليفية دون الفساد أو الجواز.

و أما الخبر الأول فالسحت و ان كان في نفسه ظاهرا فيما يتعلق بالأموال، الا انه من جهة حمله علي الغبن الظاهر في المعني المصدري لا بد من التصرف في احدهما اما بارادة المال المغبون فيه من الغبن ثمّ تقييده بما بعد فسخ المغبون للاجماع علي عدم حرمته قبل ذلك، أو بارادة الحرام من لفظ السحت، و لا ريب في اظهرية الثاني.

و هذا الذي ذكرناه اولي مما افاده المصنف رحمه الله.

(1) من الحمل علي ان الغابن بمنزلة آكل السحت،

(2) أو الحمل علي ارادة كون المقدار الزائد عما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان.

السادس: ان الغرض النوعي في المعاملات المعاوضية الذي عليه بناء العقلاء في معاملاتهم حفظ مالية اموالهم مع التبديل باعطاء مال واخذ ما يقوم مقامه في المالية،

و هذا شرط ضمني ارتكازي في جميع المعاملات غير المبنية علي التسامح، و مثل هذا الغرض النوعي العقدي يكون العقد بما هو مبنيا عليه، و لا يعتبر ذكره صريحا في متن العقد.

و بعبارة اخري: ان بنا العقلاء و ان كان علي عدم ترتيب الآثار علي

الالتزامات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 412

مسألة: يشترط في هذا الخيار أمران: (1)
الأول: عدم علم المغبون بالقيمة
اشارة

فلو علم بالقيمة فلا خيار بل لا غبن، (2) كما عرفت بلا خلاف و لا إشكال، لأنه أقدم علي الضرر، (3)

______________________________

النفسانية ما لم تبرز و لم تنشأ، الا ان ذلك، في غير الشروط المبني عليها العقد،

و في تلك بنائهم علي الترتيب، بل يرون ذلك بحكم الذكر، و عليه فتخلفه موجب للخيار من باب تخلف الشرط.

فتحصل: ان دليل هذا الخيار الالتزام الضمني.

اعتبار عدم علم المغبون بالقيمة

و تمام الكلام بالبحث في مواضع.

(1) الأول: انه يشترط في هذا الخيار امران:

(2) احدهما: عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بها لا خيار بلا خلاف و لا إشكال في ذلك.

و الوجه في ذلك بناء علي الوجه المختار- و هو الالتزام الضمني- واضح، فانه مع علمه بالقيمة لا بناء و لا شرط، و يكون اقدامه اسقاطا للشرط المزبور و أما بناء علي كون المدرك حديث لا ضرر،

(3) فقد يقال كما في المتن و عن المحقق النائيني رحمه الله: انه اقدم علي الضرر.

توضيحه: ان منشأ الضرر إذا كان حكم الشارع يكون منفيا بالحديث، و ان كان فعل المكلف لا يكون حكمه مشمولا له، و مع العلم بالضرر و اقدامه عليه يكون منشأ الضرر فعل المكلف، فلا يشمله الحديث.

و فيه: انه في صورة العلم بالضرر و الاقدام بقاء المعاملة و لزومها منشأ لبقاء الضرر،

إذ لو كانت المعاملة جائزة و تمكن المكلف من التخلص عن الضرر بالفسخ لا يكون الضرر باقيا، فحكم الشارع باللزوم ضرري يكون مشمولا للحديث.

هذا بناء علي تسليم المبني و ان حديث لا ضرر انما ينفي الحكم الذي يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 413

ثمّ ان الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا

إليها، و لابين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه، و لابين كونه الجهل المركب و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو الشك، (1) و يشكل في الأخيرين إذا اقدم علي المعاملة بانيا علي المسامحة علي تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم، بل الشاك في الشي ء إذا اقدم عليه بانيا علي تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم، و من حيث معذوريته لو كان ذلك الشي ء مما يعذر الغافل فيه و الحاصل ان الشاك الملتفت إلي الضرر مقدم عليه، (2) و من ان مقتضي عموم نفي الضرر و اطلاق الإجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم عليه عن علم

______________________________

منشئا للضرر، و أما بناء علي القول بشموله لما إذا كان موضوع الحكم ضرريا و يرفع حكمه فالأمر اوضح،

فالحق في وجه عدم الشمول ان يقال: ان الحديث انما ينفي الحكم الذي في رفعه منة،

و مع العلم بالغبن و الضرر و اقدامه عليه لا يكون نفي اللزوم امتنانيا، فلا ينفيه الحديث.

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) الاول انه لا خلاف و لا كلام و لا إشكال في ما إذا كان غافلا من القيمة أو ملتفتا مع كونه عالما أو مطمئنا بالتساوي، و انه في هذين الموردين يثبت الخيار،

كما لا إشكال في عدم ثبوت الخيار مع علمه بعدم التساوي،

انما الكلام فيما إذا كان شاكا أو ظانا بالظن غير المعتبر، فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فقد يقال كما في المكاسب و تبعه غيره: بانه يثبت الخيار،

(2) إذ الحديث يدل علي النفي في غير مورد الاقدام، و لا يصدق الاقدام علي الضرر مع رجاء عدم الضرر.

و فيه: انه مع الاحتمال

ان كانت المعاملة معلقة علي المساواة بطلت، و الا فلا محالة يكون مقدما علي المعاملة كيفما كانت القيمة، فلا محالة يكون مقدما علي الضرر، أ لا تري ان من يحتمل ان يكون في طريقه سبع يفترسه لو مشي من ذلك الطريق يصدق انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 414

بل مطلق الشاك ليس مقدما علي الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم في الآثار ممنوعة حتي في استحقاق المدح و الذم، لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الأقدام عليه، و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه علي الغبن حالة اخري لو حصلت له قبل العقد، لم يقدم عليه، نعم لو صرح في العقد بالالتزام به و لو علي تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلي اسقاط الغبن، و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و ان كان قادرا علي السؤال، كما صرح به في التحرير و التذكرة، و لو اقدم عالما علي غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار (1) و لو اقدم علي ما لا يتسامح، فبان ازيد بما يتسامح به منفردا، أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه،

______________________________

اقدم علي ذلك و ينسب الفعل إليه، فعلي هذا المسلك لا بد من البناء علي سقوط الخيار.

و أما بناء علي الالتزام الضمني فالأظهر ثبوت الخيار، إذ لا اختصاص بالشرط سواء كان صريحا ام ضمنيا ثابتا ببناء العقلاء بصورة العلم، بل الغالب هو الشرط في صورة الشك.

ثانيها: لو اقدم عالما علي غبن فبان ازيد، فتارة يكون ما اقدم عليه مما يتسامح به و اخري يكون مما لا يتسامح به، و علي كل تقدير، قد تكون الزيادة

مما يتسامح به،

و اخري مما لا يتسامح به.

فصور المسألة اربع:

(1) الاولي: ان يقدم علي ما يتسامح به فبان ازيد مما يتسامح به منفردا و لا يتسامح به منضما، ففي المتن فلا يبعد الخيار و قد اختار المحقق النائيني رحمه الله عدم سقوط الخيار فيها من جهة ان المجموع لم يكن مقدما عليه، و الاقدام علي القدر المتسامح به لا أثر له لكونه مقيدا بهذا المقدار.

و فيه: ان المجموع مركب من المقدار الذي اقدم عليه، و المقدار الذي يتسامح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 415

______________________________

به، و ليس شيئا ورائهما، و شي ء منهما لا يقتضي الخيار، فالأظهر عدم الخيار.

الثانية: هذه الصورة مع كون الزائد بنفسه مما لا يتسامح به،

فالأظهر في هذه الصورة ثبوت الخيار.

الثالثة: ان يقدم علي ما لا يتسامح به فبان ازيد بما يتسامح به منفردا،

و الأظهر في هذه الصورة عدم الخيار، لأن ما يوجب الخيار اقدم عليه، و ما لم يقدم عليه لا يوجب الخيار.

الرابعة: هذه الصورة مع كون الزائد مما لا يتسامح به،

و الأقوي في هذه الصورة الخيار.

لا يقال: انه مع الاقدام علي ما لا يتسامح به اسقط شرط التساوي و معه كيف يبني علي الخيار.

فانه يقال: ان المشروط ليس هو التساوي بل عدم الزيادة، و للزيادة مراتب فيمكن ان يسقط اشتراط بعض مراتبها دون بعض.

الخيار يدور مدار الغبن الموجود حال العقد

ثالثها: هل العبرة بالقيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع كما هو المشهور، ام لا خيار له في الفرض كما عن التذكرة وجهان؟

ان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر يمكن ان يقال بسقوط الخيار لو زادت قيمته السوقية قبل الرد مطلقا، لأنه بعد ازدياد القيمة لا يكون لزوم

العقد بقاء ضرريا،

و مع عدم كونه ضرريا لا وجه لرفع اللزوم، إذ الحكم وجودا و عدما يدور مدار ما اخذ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 416

ثمّ ان المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع لان الزيادة انما حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن. و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر، (1) كما لو برء المعيوب قبل الاطلاع علي غبنه بل في التذكرة انه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، و اشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله، (2) لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته

______________________________

في موضوعه، و لعل هذا مراد المصنف رحمه الله حيث قال:

(1) و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر.

و ما ذكره وجها للخيار قبل ذلك بان الزيادة قد حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن،

لا يفيد، فانه و ان حصلت الزيادة في ملكه الا انها توجب ارتفاع الضرر من بقاء المعاملة،

و ان كان المدرك الالتزام الضمني فالشرط الضمني ليس خصوص التساوي حين العقد، فان المقصد الأصلي تسلم شي ء لا ينقص ماليته عن مالية ما اعطاه،

فالزيادة بعد العقد قبل القبض توجب عدم الخيار قطعا،

و كذلك الزيادة بعد القبض قبل الرد ان كان في زمان قصير، و الا فيمكن ان يقال بسقوط الخيار ايضا من جهة ان حدوث الخيار و بقائه تابعان لانتفاء الشرط، فإذا حصل الشرط ارتفع الخيار.

فتحصل: ان الأقوي سقوط الخيار في موارد الزيادة بعد العقد و

قبل الرد.

(2) قوله و اشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله لما اشكل علي ثبوت الخيار في صورة الزيادة بعد العقد و قال و يحتمل عدم الخيار قال و اشكل منه الخ يعني احتمال عدم الخيار في الصرف و السلم اظهر إن ارتفع الغبن بعد العقد و قبل القبض إذ الملك انتقل إليه من غير نقص فلم يتوجه إليه ضرر لا انه توجه و ارتفع كما في الفرض السابق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 417

نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد، (1) كما صرح به العلامة في الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد في مقابلة الناقض، لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد، (2)

فإنه لا عبرة بهما اجماعا كما في التذكرة، ثمّ انه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد، بل العبرة بعلم الموكل و جهله (3)

______________________________

(1) قوله نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد … يثبت الخيار بعد ما وجه عدم ثبوت الخيار في الفرض الثاني: بعدم توجه الضرر إليه، توجه الي اشكال و هو انه إذا وجب التقابض فقبل ارتفاع الغبن المفروض وجوب الاقباض و نفس حكم الشارع بوجوب اقباض الزائد ضرر ينفيه الحديث و حيث انه من لوازم لزوم العقد بل لا معني للزوم في هذه المعاملة الا ذلك فيرتفع المنشأ و هو اللزوم فيثبت الخيار فيكون حكم هذه المعاملة حكم المعاملات الاخر المذكور في الفرض السابق و بهذا البيان اندفع ايراد المحقق الايرواني رحمه الله عليه بانه يرتفع بالحديث وجوب الاقباض لا انه يثبت به الخيار و لكن يرد عليه ما تقدم في خيار المجلس من ضعف المبني.

(2) قوله

و لو ثبتت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فانه لا عبرة بهما مورد الكلام فيما ذكره سابقا و اشكل فيه ما إذا كان الغبن موجودا ثمّ ارتفع و في المقام ما إذا لم يكن حين العقد موجودا بل تحقق بعد العقد و قد ادعي قده الاجماع علي عدم ثبوت الخيار

لا عبرة بعلم مجري الصيغة

(3) رابعها: هل العبرة بعلم الوكيل، أو الموكل، أو هما معا؟ وجوه،

و ملخص القول فيه: انه لا إشكال في ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة لا عبرة بعلمه و لا بجهله، و لا يثبت له الخيار، و أما الوكيل المفوض، فالكلام فيه في موردين:

الأول: في انه متي يثبت الخيار.

الثاني: فيمن يثبت له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 418

نعم لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة، فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل (1) و مع جهله يثبت الخيار للموكل الا ان يكون عالما بالقيمة، و بأن وكيله يعقد علي ازيد منها و يقرره له، و إذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة، الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فإنه كالولي حينئذ و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس، (2)

______________________________

اما الأول: فلا اشكال في ثبوته لو كان الوكيل و الموكل جاهلين،

انما الكلام فيما إذا كان الوكيل عالما بالغبن و الموكل جاهلا أو عالما، و فيما إذا انعكس الأمر،

اما في الصورة الاولي:

فقد يقال: ان التوكيل اما ان يشمل المعاملة الغبنية أو يختص بغيرها، لا إشكال في اللزوم في الفرض الأول و عدم الصحة في الثاني، فما معني ثبوت الخيار.

و فيه: انه يمكن ان يقال انه يشمل التوكيل المعاملة الغبنية و لكن بما لها من الأحكام و الخصوصيات و منها

ثبوت الخيار،

(1) و صريح المصنف رحمه الله و غيره عدم ثبوت الخيار،

و الوجه فيه ان طرف المعاملة انما هو الوكيل، و الموكل اجنبي عن المعاملة فلا بناء من الموكل كي يوجب تخلفه الخيار، و لا إقدام منه علي معاملة ضررية.

و أما في الصورة الثانية: فظاهر المصنف رحمه الله عدم ثبوت الخيار، و صريح المحقق النائيني رحمه الله ثبوته، و هو الحق، لأن طرف المعاملة هو الوكيل فهو الملتزم بالمساواة و يوقع المعاملة مبنية عليها، و المعاملة الضررية لزومها مستند الي الشارع دون المكلف، و مجرد علم الموكل بالغبن لا يوجب عدم ثبوت الخيار.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك الخيار حديث لا ضرر كان الخيار ثابتا للموكل كما افاده المصنف رحمه الله، لأنه الذي يتضرر من المعاملة، و ان كان المدرك هو الالتزام الضمني كان الخيار للوكيل لأنه طرف المعاملة و البناء منه.

(2) قوله و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس و فيه انه لا يكون طريق المسألتين واحدا فان موضوع الخيار في تلك المسألة عنوان البيع و هو يصدق علي الوكيل و في المقام المتضرر علي مسلكه و هو لا يصدق عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 419

ثمّ ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت و بقول مدعيه مع اليمين، (1) لأصالة عدم العلم (2) الحاكمة علي اصالة اللزوم، مع انه قد يتعسر اقامة البينة علي الجهل، و لا يمكن للغابن الحلف علي علمه لجهله بالحال، فتأمل.

هذا كله إذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة بحيث لا يخفي عليه القيمة الا لعارض من غفلة أو غيرها، و الا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك. (3)

______________________________

ما يثبت به الجهل

خامسها: فيما يثبت به

الجهل، فقد يقال كما في المتن: انه.

(1) يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت و بقول مدعيه مع اليمين،

و ظاهر ذلك جعل المغبون مدعيا،

(2) و استدل له باصالة عدم العلم، فيثبت قوله باعتراف الغابن له أو بإقامة البينة عليه أو بيمينه حيث يتعذر عليه اقامة البينة عليه.

و في كلامه قدس سره موقعان للنظر:

الأول: انه ان جري الأصل المزبور لزم منه كون المغبون منكرا لموافقة قوله الأصل لا مدعيا، نعم لو كان المدعي من لو ترك ترك صح جعل المغبون مدعيا.

الثاني: ان المانع عن ثبوت الخيار انما هو اقدام المغبون علي الضرر و الغبن، و به يسقط اشتراط التساوي و لا يكون مشمولا لحديث نفي الضرر، و العلم من حيث هو لا دخل له في ذلك، و اجراء اصالة عدم العلم لاثبات اثر عدم الاقدام من اوضح انحاء الأصل المثبت.

فالحق ان يقال: ان المنكر هو الغابن لموافقة قوله للأصل و هو اصالة اللزوم، و عليه فان اقام المغبون البينة علي جهله فهو و الا فيحلف الغابن، و ان رد الحلف يحلف المغبون.

(3) و قد ذكر صاحبا المسالك و الجامع: انه إذا كان المغبون من اهل الخبرة لا يقبل قوله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 420

و قد يشكل بأن هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر علي الاصل، فغاية الامر ان يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما تعسر اقامة البينة عليه و لا يعرف الا من قبله يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من هذا القبيل. (1) الا ان يقال ان مقتضي تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه (2) لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتي في

قبول قوله إذا تعسر عليه اقامة البينة أ لا تري انهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة علي سبب الفساد، هذا مع عموم تلك القاعدة، (3) ثمّ اندراج المسألة فيها محل تأمل، (4)

______________________________

(1) و المصنف اورد عليهما: بان غاية ما هناك موافقة قول الغابن للظاهر،

فالمغبون يصير مدعيا، و المدعي إذا تعسر عليه اقامة البينة- لأن ما يدعيه لا يعرف الا من قبله- يقبل قوله مع اليمين، و المقام من هذا القبيل.

و قد رد هو ذلك بوجوه:

(2) الأول: ان مقتضي تقديم الظاهر قبول قول موافقة باليمين، فتكون القاعدة المشار إليها- اي سماع قول المدعي بيمينه مع تعسر البينة عليه- مختصة بما إذا لم يكن قول المدعي مخالفا للظاهر.

(3) الثاني: ان عموم تلك القاعدة محل تأمل، إذ لا وجه له سوي انه يلزم من عدم تقديمه ايقاف الدعوي و ضياع الحقوق، و هذا اللازم مختص بما إذا لم يتمكن المدعي عليه من الحلف، و الا لكان الفصل ممكنا، و في المقام يتمكن المنكر من ذلك.

(4) الثالث: ان المقام غير داخل في تلك القاعدة، لأنه ليس اقامة البينة متعسرة عليه نوعا.

و في ما أفاده رحمه الله موقعان للنظر:

احدهما: ان العلمين انما حكما بعدم قبول قول المغبون لا من جهة كونه مدعيا، بل من جهة ان من شرط سماع الدعوي ان يكون ما يدعيه محتملا بالاحتمال العقلائي و العادي، و الا لا تسمع الدعوي،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 421

و لو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده، مع تعذر الاستعلام، فالقول قول منكر سبب الغبن (1) لأصالة عدم التغير (2) و أصالة اللزوم، و منه يظهر حكم ما لو اتفقا علي

التغير و اختلفا في تاريخ العقد، و لو علم تاريخ التغير فالأصل و ان اقتضي تأخر العقد الواقع علي الزائد عن القيمة، إلا انه لا يثبت به وقوع العقد علي الزائد حتي يثبت العقد.

______________________________

أ لا تري انه إذا ادعي الفقير علي غني فصا بقيمة عشرة آلاف ليرة لا تسمع دعواه،

و المقام من هذا القبيل، فان الخبير إذا ادعي الجهل بالقيمة لغير عارض لا يحتمل عقلائيا صدقه.

ثانيها: ان ما افاده في الجواب الأول يرد عليه: انه إذا ثبت كون من يكون قوله مخالفا للظاهر مدعيا كيف لا تترتب عليه جميع احكام المدعي و ما المخصص للقاعدة المشار إليها.

سادسها لو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام،

(1) ففي المتن: القول قول منكر سبب الغبن،

و الظاهر ان مورد كلامه ما لو اتفقا علي القيمة الفعلية، و مدعي الغبن يدعي تغير القيمة و انها كانت حين العقد ازيد مثلا.

(2) و في هذا المورد ادعي المصنف رحمه الله ان اصالة عدم التغير تجري و يثبت بها قول منكر الغبن،

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بان هذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب القهقري و لا نقول بحجيته، مع ان الأثر لم يترتب علي هذا الأمر الانتزاعي، بل علي منشأ انتزاعه و هو عدم التساوي.

و لكن الظاهر ان مراد المصنف رحمه الله من اصالة عدم التغير اصالة عدم وقوع العقد علي الزائد، و عليه فليس هو من الاستصحاب القهقري و لا مثبتا، فان موضوع الخيار وقوع العقد علي الزائد، و به ينتفي موضوع الخيار.

و لا تعارضها اصالة عدم وقوع العقد علي المساوي لعدم ترتب الأثر عليه، إذ الأثر ترتب علي العقد الواقع علي الزائد أو الناقص، و

قد اشبعنا الكلام في هذه المسألة في اواخر كتاب البيع في الجزء الرابع من هذا الشرح. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 422

الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا، (1)
اشارة

فالواحد بل الاثنان في العشرين لا يوجب الغبن وحده عندنا، كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله، (2) و حكي فيها عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان بأكثر من الثلث اوجبه، و رده بأنه تخمين لم يشهد له اصل في الشرع، انتهي.

و الظاهر انه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا، نعم الاشكال في الخمس و لا يبعد دعوي عدم مسامحة الناس فيه: كما سيجي ء التصريح من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين، ثمّ الظاهر ان المرجع عند الشك في ذلك هو اصالة ثبوت الخيار، لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه، و يحتمل الرجوع إلي أصالة اللزوم، لأن الخارج هو الضرر الذي يناقش «يتفاحش» فيه لا مطلق الضرر بقي هنا شي ء

______________________________

اشتراط كون التفاوت فاحشا

(1) الأمر الثاني الذي يعتبر في ثبوت الخيار: كون التفاوت فاحشا، ذكره الاصحاب و تنقيح القول فيه بالبحث في موارد:

الأول: في اعتبار ذلك في الجملة.

الثاني: في ضابطه.

الثالث: في ما لو شك في انه مما يتسامح فيه او لا.

اما الأول: فلا ينبغي التوقف في اعتباره، لأن مدرك هذا الخيار ان كان هو الشرط الضمني فالشرط عدم التفاوت بمقدار لا يتسامح فيه، و ان كان قاعدة لا ضرر يكون المتعاملان مقدمين علي هذا المقدار من الضرر، و بنائهم علي تحمله.

و أما الثاني: فاحسن ما قيل في المقام، ما ذكره العلامة رحمه الله بقوله.

(2) ما لا يتغابن الناس بمثله اي لا يعدونه غبنا و لا يردون المعاملة بمثل هذا التفاوت، من غير فرق

بين كون التفاوت في مقام العقد معتني به ام لا، بل العبرة بعدم الاعتناء به في مقام فسخ العقد، و هذا يختلف بحسب اختلاف المقامات، مثلا في المعاملات الحقيرة مع التفاوت بالنصف بل بالمساوي لا يقدمون علي رد المعاملة، كما إذا اشتري شيئا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 423

و هو ان ظاهر الأصحاب و غيرهم ان المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين، (1) و لذا حدّوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد علي الثلث، كما عرفت عن بعض العامة.

و ظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلي شخص الواقعة، و لذا استدلوا به علي عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير إذا اضر بالمكلف، و وجوب شرائه بذلك المبلغ علي من لا يضر به ذلك،

مع ان أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل.

و الحاصل ان العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف قيمته، و ان كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره، و الأظهر اعتبار الضرر المالي (2) لأنه ضرر في نفسه من غير مدخلية، لحال الشخص، و تحمله في بعض المقامات انما خرج بالنص،

______________________________

بقرانين يسوي قرانا واحدا، و في المعاملات الخطيرة ربما يقدمون علي الرد مع كون التفاوت بالعشر، كما إذا اشتري شيئا بعشرة ملايين تومان و هو يسوي تسعة،

فما افاده المصنف رحمه الله في مقام الضابط كغيره لا يتم.

و أما الثالث: فان كان مدرك الخيار قاعدة نفي الضرر فلا يمكن التمسك بها، لأن مخصص القاعدة في موارد الاقدام و ان لم يكن لفظيا،

الا انه القرينة المقارنة، و في مثله لا يتمسك بالعموم، فيتعين الرجوع الي اصالة اللزوم، و ان كان هو الشرط الضمني فثبوته غير محرز، فالمتعين الرجوع الي اصالة اللزوم ايضا.

(1) بقي في المقام اشكال، ه لصحمو: ان المدار في الضرر في باب العبادات و المعاملات ان كان علي الضرر المالي فلم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف قيمته، و ان كان علي الضرر الحالي كما هو فتوي الأصحاب في باب الوضوء تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره.

و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك بجوابين:

(2) الأول: ان المدار علي الضرر المالي، و انما لا يلتزم به في باب الوضوء للنص الخاص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 424

و لذا اجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض المذكور، بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص و يمكن ايضا ان يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص. بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر (1) كما يشير إليه قوله عليه السلام بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته ان ما يشتري به مال كثير.

نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف، انتفي بأدلة نفي الحرج (2) لا دليل نفي الضرر، فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون الا إذا كان تحمله حرجا اشكال،

______________________________

(1) الثاني: ان المدار علي الضرر المالي، و عدم الالتزام به في باب الوضوء من جهة انه لا يعد بذل المال في مقابل ماء الوضوء ضررا بملاحظة ما بازائه من الأجر.

ثمّ انه تنبه لاشكال و هو: انه علي هذين الجوابين لا بد من البناء علي وجوب الوضوء و ان كان مضرا بحاله، فأجاب عنه:

(2) بانه

انما يلتزم بعدم الوجوب لأدلة نفي الحرج.

و في ما ذكره قدس سره موقعان للنظر:

الأول: تسليمه لكون بذل المال الكثير بازاء ماء الوضوء ضررا،

فانه يرد عليه: ان قيمة الماء إذا كانت في نفسها كثيرة و اكثر من ثمنه المعتاد- كما لو كان الماء في محل يعتبرون العقلاء له هذا المقدار من المالية لقلته و كثرة الحاجة إليه- لا يعد بذل الماء بازائه ضررا ماليا.

الثاني: ما افاده من عدم كون بذل المال الكثير بازاء ماء الوضوء ضررا بملاحظة ما بازائه من الأجر،

فانه يرد عليه: ان الأجر متوقف علي ثبوت الأمر، و هو علي عدم الضرر،

مع ان الالتزام بذلك مستلزم لعدم جريان قاعدة الضرر في باب العبادات فالمتحصل مما ذكرناه: انه في باب الوضوء ايضا المدار علي الضرر المالي لو لا النص «1» المخرج.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب التيمم حديث 1 و 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 425

ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد في اقسام الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع أو المشتري أو هما، انتهي.

فيقع الاشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا، و المحكي عن بعض الفضلاء في تعليقه علي الروضة، ما حاصله استحالة ذلك حيث قال: قد عرفت ان الغبن في طرف البائع انما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية. و في طرف المشتري إذا اشتري بأزيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الاثمان أو العروض أو مختلفين، و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و إلا لزم كون الثمن اقل من القيمة السوقية و اكثر و هو محال، فتأمل، انتهي.

و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض منها ما

ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة، قال: انها تفرض فيما إذا باع متاعه باربعة توامين من الفلوس علي ان يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا انها يسوي بأربعة توامين ثمّ تبين ان المتاع يسوي خمسة توامين و ان الدنانير تسوي خمسة توامين الا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون الثمن اقل من القيمة السوقية بخمس تومان، و المشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير علي أربعة توامين فالبائع مغبون في اصل البيع و المشتري مغبون فيما التزمه من اعطاء الدنانير عن الثمن و ان لم يكن مغبونا في أصل البيع، انتهي.

اقول الظاهر ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل الي البائع بسبب مجموع العقد و الشرط، كما لو باع شيئا يسوي خمسة دراهم بدرهمين، علي ان يخيط له ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم. و من هنا يقال ان للشروط قسطا من العوض و ان ابيت الا عن ان الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له في زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كلي من المتبايعين في معاملة واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد.

و منها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما إذا باع شيئين في عقد واحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 426

بثمنين، فغبن البائع في احدهما و المشتري في الأخر. و هذا الجواب قريب من سابقه في الضعف لأنه ان جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتي يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل واحدة منهما لاحدهما خاصة فلا

وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي غبن البائع خاصة و المشتري خاصة، و ان لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن اصلا مع تساوي الزيادة في احدهما للنقيصة في الآخر، و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها ان يراد بالغبن في المقسم معناه الاعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا علي خلاف ما شاهده أو خروج ما اخبر البائع بوزنه علي خلاف خبره، و قد اطلق الغبن علي هذا المعني الاعم العلامة في القواعد و الشهيد في اللمعة و علي هذا المعني الاعم تحقق الغبن في كل منهما و هذا حسن، لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين ارادة ما عنون به هذا الخيار و هو الغبن بالمعني الاخص علي ما فسروه به.

و منها ما ذكره بعض من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين،

كما إذا حصر العسكر البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد،

فاشتري بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن علي قيمة الطعام في مكانه، و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة في مكانه، و يمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق علي قيمته حين العقد، و لا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد، و إنما نزلت قيمته بقبض المشتري و نقله اياه الي مكان الرخص.

و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا في محل واحد له قيمة واحدة.

و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعي كل من المتبايعين الغبن، كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة، ثمّ ادعي كل منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر، و

لم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا، فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه و قال و يتصور غبنهما في احد العوضين، كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثمّ ادعي البائع كونه يسوي بمائتين و المشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين، و لا مقوم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 427

و فيه ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة اصلا، مع ان الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري، و الاولي من هذه الوجوه هو الوجه الثالث، (1) و الله العالم.

______________________________

و أما ما اورده المحقق الايرواني رحمه الله علي تمسكه بقاعدة نفي الحرج «1» بانه يأتي في الحرج ما تقدم في الضرر من اعتبار الحرج النوعي أو الشخصي،

فمندفع بان الاشكال لم يكن مربوطا بنوعيته و شخصيته. فراجع.

تصوير الغبن من الطرفين

ذكر في الروضة- في اقسام الغبن-: ان المغبون اما ان يكون هو البائع أو المشتري أو هما.

و قد اشكل في تصور غبن كل من المتبايعين بانه يلزم منه كون الثمن اقل من القيمة السوقية و اكثر، و هو محال، و قد ذكروا في تصويره وجوها، ذكر المصنف رحمه الله جملة منها مع ما يرد عليها،

(1) و قد استحسن هو قدس سره الوجه الثالث في كلامه،

و يرد عليه ايضا ما افاده من ان عبارات الأعلام لا توافقه.

و يمكن ان يتصور بوجهين آخرين:

احدهما: ما لو فرضنا قيمة الشي ء منضما ازيد من قيمته منفردا، كمصراعي الباب بان تكون قيمة كل مصراع تومانين و قيمتهما معاً ستة توامين، فباع من له مصراعان مصراعا واحدا بتخيل انه ليس له الا ذلك بثلاثة توامين، فان المشتري حينئذ مغبون بتومان، و البائع ايضا كذلك من جهة زوال حيثية

الانضمام الموجب لنقص ما عنده.

ثانيهما: ان يكون شي ء واحد مختلف القيمة بالاضافة الي شخصين، كما لو

______________________________

(1) سورة المائدة آية 7 سورة الحج آية 77 سورة البقرة آية 185.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 428

مسألة: ظهور الغبن، شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد، (1)

وجهان، منشؤهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم و معاقد اجماعهم و استدلالاتهم.

فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو الأول، و في الغنية الاجماع علي ان ظهور الغبن سبب للخيار و ظاهر كلمات آخرين الثاني و في التذكرة ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا و قولهم لا يسقط هذا الخيار بالتصرف، فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر في ثبوته،

______________________________

فرض ان للشخص امة تسوي مائة تومان، و لها ولد يسوي مائة ايضا، فباع الامة بمائة و خمسين و فرض ان الولد يموت بالتفريق بينه و بين امه، فالبائع مغبون من جهة ان الامة تسوي بالاضافة إليه باكثر من ما باعها به، و المشتري مغبون لفرض اكثرية ثمنها من قيمتها.

ظهور الغبن كاشف عن ثبوت الخيار

(1) الثاني: ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد. وجهان،

و الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الاولي: في ان مدرك هذا الخيار هل يقتضي ثبوته من حين العقد أو من حين ظهور الغبن.

الثانية: في ان الحق الخياري هل هو عين السلطنة الفعلية ام غيرها.

الثالثة: في انه هل تكون السلطنة الفعلية من حين العقد أو من حين ظهور الغبن الرابعة: في ان الآثار المجعولة للخيار هل هي باجمعها مترتبة علي الحق أو علي السلطنة ام هناك تفصيل.

اما الجهة الاولي: فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فهو يقتضي ثبوته من حين العقد، لأن لزوم العقد المشتمل علي

النقص المالي ضرر و ان لم يكن البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 429

و مما يؤيد الأول انهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون، بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه الي البدل، و يؤيده ايضا الاستدلال في التذكرة و الغنية علي هذا الخيار بقوله صلي الله عليه و آله في حديث تلقي الركبان انهم بالخيار إذا دخلوا السوق، فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن، هذا و لكن لا يخفي امكان ارجاع الكلمات الي احد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعني الأخر.

و توضيح ذلك انه ان أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها علي الفسخ و الامضاء قولا أو فعلا فلا يحدث الا بعد ظهور الغبن، و ان اريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم (1) و إنما يتوقف علي العلم اعمال هذا الحق،

______________________________

ملتفتا إليه، و كذلك ان كان المدرك الشرط الضمني، فان الشرط هو التساوي بين المالين واقعا لا في اعتقاد الشارط.

و أما ان كان المدرك نصوص الغبن فيمكن ان يقال: انها تقتضي حدوث الخيار بعد ظهور الغبن، فانه علق الخيار فيها علي دخول السوق الذي هو كناية عن ظهور الغبن، اللهم الا ان يقال انه يمكن ان يكون التعليق علي دخول السوق لكونه طريق الضرر و أما الجهة الثانية: فالظاهر ان الحق الخياري غير السلطنة من جهة ان الخيار حق و هو امر اعتباري كالملكية و السلطنة التي هي عبارة عن جواز التصرفات، و نفوذها غير ذلك الأمر الاعتباري، بل ربما تفارقه كما في التصرف في مال

الصغير: فان الحق و الملك للصغير، و من له السلطنة هو الولي،

فما افاده المحقق الايرواني رحمه الله من انه لا معني للخيار الا السلطنة غير تام.

و أما الجهة الثالثة: فالحق ان السلطنة الفعلية التي هي اثر الخيار ثابتة من حين حدوثه، فكما ان المغبون له الخيار من حين العقد و ان لم يعلم به، كذلك له السلطنة و ان لم يلتفت إليها. فما افاده المصنف رحمه الله في مقام الجمع بين كلمات القوم من.

(1) كون الحق ثابتا من حين العقد و السلطنة حادثة من حين ظهور الغبن، في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 430

فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان أو غيرها، ثمّ ان الآثار المجعولة للخيار بين ما يترتب علي تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون الا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما سيجي ء و منه التلف.

فإن الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن، كما جزم به بعض و تردد فيه آخر و بين ما يترتب علي ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره، (1)

و بين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة، (2) فإن تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع علي وجود نفس الحق، و ان لم يعلم به، و حكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه ان المنع لأجل التسلط الفعلي، و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر علي

نفس الحق الواقعي و لو كان مجهولا لصاحبه. و قد يظهر منه ترتبه علي السلطنة الفعلية، و يظهر ثمرة الوجهين ايضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع

______________________________

(1) و أما الجهة الرابعة: فعلي ما ذكرناه في الجهة الثالثة لا فرق بين كون جميع الآثار آثار الحق أو السلطنة ام يكون هناك تفصيل،

و أما بناء علي المسلك الآخر فالظاهر انها باجمعها آثار الحق كما هو لسان الأدلة، نعم ان كان سقوط الخيار بالتصرف بمناط كاشفيته عن الرضا و الالتزام بالعقد لا يكون التصرف قبل ظهور الغبن مسقطا، لأنه لا يكون كاشفا عن الرضا مع الجهل.

و أما التلف فجماعة و هم الأكثرون انما افتوا بكونه من المغبون قبل ظهور الغبن من جهة انهم يرون قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له مختصة بغير هذا الخيار،

و جماعة آخرون ممن يري عدم الاختصاص لعلهم حكموا بانه من المغبون من جهة انهم يرون ثبوت هذا الخيار من حين ظهور الغبن.

(2) و أما التصرفات الناقلة التي تردد المصنف رحمه الله فيها بين الأمرين، فظاهر ما ذكر في وجه المنع من كونها تصرفا في متعلق حق الغير المنع عنها قبل ظهور الغبن، و حكم بعض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 431

فصادف الغبن، ثمّ ان ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب، و قد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس، الوجه الأول قال: و كذا يعني لارد لو تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس، انتهي.

فإنه ذكر في جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده، لان العيب مضمون علي المشتري، ثمّ قال: الا ان يقال ان العيب بعد العلم

غير مضمون علي المشتري لثبوت الخيار و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب، لكون العيب في زمان الخيار مضمونا علي من لا خيار له، لكن الاستظهار المذكور مبني علي شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب و سيجي ء عدم العموم ان شاء الله تعالي.

و أما خيار الرؤية فسيأتي ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور:
احدها: اسقاطه بعد العقد، (1)
اشارة

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن، فلا اشكال في صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لامع الجهل بها إذا اسقط الغبن المسبب عن اي مرتبة كان فاحشا كان أو افحش

______________________________

من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرف الناقل قبل ظهور الغبن، اما من جهة انه يري حدوث الخيار من حين الظهور، أو يكون الاشكال واردا عليه.

اسقاط خيار الغبن بعد العقد

(1) الثالث: يسقط هذا الخيار بامور احدها اسقاطه بعد العقد.

و قد جعل المصنف رحمه الله صحة الاسقاط مفروغا عنها، مع انها محل البحث، فانه إذا كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فقد مر أن مقتضاه نفي اللزوم خاصة لا إثبات خيار حقي قابل للاسقاط و المصالحة، بل هو يلائم مع كونه جوازا حكميا، و مقتضي الاستصحاب عدم سقوطه بشي ء من المسقطات.

نعم إذا كان مدركه الشرط الضمني كان الثابت خيار كسائر الخيارات القابلة للاسقاط،

كما انه كذلك لو كان المدرك نصوص الغبن أو الاجماع،

و الظاهر ان الاسقاط متعلق بالحق و من الانشائيات و لا يكفي فيه الرضا النفساني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 432

و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة. ففي السقوط وجهان (1) من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو اسقط حق عرض بزعم انه شتم

لا يبلغ القذف، فتبين كونه قذفا، و من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط، (2) و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان.

______________________________

بل يحتاج الي الانشاء.

و بعد ذلك يقع الكلام فيما ذكره المصنف رحمه الله من انه.

(1) لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة، ففي السقوط وجهان،

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في الاسقاط بلا عوض.

الثاني: في الاسقاط مع العوض بمعني المصالحة عنه به.

(2) اما الأول: فقد بني المصنف المقام علي تعدد الحق و وحدته، و انه علي الأول لا يسقط لو اسقطه بتخيل كون التفاوت عشرة فظهر مائة، و علي الثاني يسقط،

و لكن هذا المقدار لا يكفي، إذ يمكن ان يقال انه علي الوحدة ايضا يمكن اسقاطه علي تقدير دون آخر.

و في حاشية السيد الفقيه رحمه الله: ان مبني الوجهين ان اعتقاد مرتبة من الغبن من قبيل الداعي أو التقييد، فعلي الأول يسقط دون الثاني.

و يرد عليه: انه ليس من قبيل الداعي و لا من قبيل التقييد،

اما الأول: فلأن الداعي هو العلة الغائية المترتبة علي الفعل، و من الواضح ان الاعتقاد المزبور ليس كذلك.

و أما الثاني: فلأن متعلق الاسقاط و هو الحق جزئي خارجي، و هو غير قابل للتقييد.

و قد يقال: ان مبني الوجهين كون الاسقاط معلقا علي كونه مسببا من مرتبة يعتقدها، أو انه متعلق به كائنا ما كان سببه، فعلي الأول لا يسقط، و علي الثاني يسقط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 433

و أما الاسقاط بعوض بمعني المصالحة عنه به فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب، و لو اطلق و كان للاطلاق منصرف، كما

لو صالح عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم، فإن المتعارف من الغبن المحتمل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت اربعة أو خمسة في العشرين، فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، و ان المبيع يسوي درهمين. ففي بطلان الصلح لأنه لم يقع علي الحق الموجود، أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذي له افراد متعددة، فإذا اسقطه سقط أو صحته متزلزلا، لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله ازيد من الدرهم ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل في مقابله ازيد مما يبذل في مقابله لو كان اقل فيحصل الغبن في المصالحة (1) إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، و بين كونه لأجل الجهل بعينه وجوه، و هذا هو الأقوي فتأمل

______________________________

و فيه: انه لو كان معلقا بطل الاسقاط، و لو لم يكن الاعتقاد خطأ، لأنه من الانشائيات، مع ان الاسقاط بما انه من الانشائيات لا يكتفي فيه و لا في قيده بالقصد المجرد،

بل يتوقف علي الانشاء،

فإذا اسقط الخيار غير معلق كان منشأ سقوط الخيار كائنا ما كان سببه و اعتقاد كونه من سبب خاص من المقارنات، فالأظهر السقوط.

و أما الثاني: فالكلام فيه من حيث الصحة و البطلان ما تقدم،

و أما من حيث ثبوت الخيار، فقد افاد المصنف رحمه الله في وجهه:

(1) انه يحصل الغبن في المصالحة من جهة انه لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بغبنه، و بين كون للجهل بغبنه و اورد عليه المحقق

الايرواني رحمه الله: بان بناء الصلح علي المغابنة، فكيف يطرقه خيار الغبن.

و فيه: ان الصلح المقصود به حقيقة المعاوضة، اما لعدم امكان البيع لعدم كون المعوض عينا، أو لعدم وجود شرائط البيع لا يكون مبنيا علي المغابنة، و المقام من هذا القبيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 434

و أما اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن. (1)

فالظاهر ايضا جوازه، و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء علي كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار

______________________________

و ربما يورد عليه: بان حقيقة الصلح التسالم، و الغبن انما يدخل في المعاوضات.

و فيه: انه لا ينافي كونه عبارة عن التسالم، مع كونه تمليك شي ء بعوض،

فالاولي ان يورد عليه: بان الغبن في المقام ايضا من جهة الجهل بمقدار المالية لفرض ان التفاوت المحتمل كلما كان ازيد يبذل في مقابله ازيد مما يبذل في مقابله لو كان اقل،

و لعله الي هذا اشار بقوله، فتأمل.

اسقاط الخيار قبل ظهور الغبن

(1) هذا كله في اسقاط هذا الخيار بعد العلم بالغبن، و أما اسقاطه قبل ظهور الغبن،

فالكلام فيه يقع اولا: في الاسقاط،

ثمّ في الصلح عليه.

اما الأول: فقد اشكل علي جوازه بوجوه اربعة، اثنان منها متوجهان كان الغبن شرطا شرعيا ام كان كاشفا عقليا، و اثنان منها مختصان بما إذا كان الغبن شرطا شرعيا.

اما المحذوران المشتركان:

فاحدهما: انه لا جزم بالاسقاط، فلا يكون الاسقاط جديا لعدم تعقل الجد الي الشي ء مع عدم الجزم به.

و ثانيهما: التعليق.

اما الأول: فيمكن دفعه: بان الانشاء بقصد حصول المنشأ علي تقدير حصول قيده امر ممكن لا استحالة فيه.

و أما الثاني: فيندفع: بان التعليق لا دليل علي مبطليته سوي الاجماع، و هو علي فرض شموله لجميع العقود و الايقاعات المتيقن منه التعليق علي ما لا يتوقف عليه الشي ء،

و

الا كما في تعليق البيع علي الملكية و الطلاق علي الزوجية، فلا محذور فيه، و المقام من هذا القبيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 435

إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار، و هو الغبن الواقعي (1) و ان لم يعلم به،

و هذا كاف في جواز اسقاط المسبب قبل حصول شرطه، كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، (2) و كبراءة البائع من العيوب الراجعة الي اسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها، و لا يقدح في المقام ايضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق، إذ لا مانع منه إلا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الايقاعات، و هو غير قادح هنا، فإن الممنوع منه هو التعليق علي ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه.

______________________________

اما المحذوران المختصان:

فاحدهما: ما اشار إليه المصنف و هو ان اسقاط ما لم يجب كضمان ما لم يجب باطل و ثانيهما: ما افاده المحقق الاصفهاني رحمه الله، و هو: ان اسقاط الخيار لا دليل علي نفوذه شرعا سوي قاعدة ان لكل ذي حق اسقاط حقه، و الظاهر منها ان من كان له حق فعلا له اسقاطه فعلا، و لا تشمل المقام.

اما المحذور الأول: فقد اجاب المصنف رحمه الله عنه: بانه.

(1) يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار و هو الغبن الواقعي،

ثمّ نظر المقام بابراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، مع ان اشتغال ذمته بالبدل انما يكون بعد التلف، و بالتبري من العيوب الموجب لسقوط خيار العيب، مع ان ظهور العيب شرط.

و يرد علي جوابه ما تقدم في خيار المجلس من انه لا ثبوت للشي ء مع عدم تحقق اجزاء علته و ان تحقق مقتضيه، و لا سقوط حقيقة قبل الثبوت،

مع ان تمييز المقتضي عن الشرط في باب الأحكام الشرعية مشكل، بل لا تكون الموضوعات و الأسباب و الشرائط مقتضيات قطعا. و تمام الكلام في محله.

(2) و أما مسألة الودعي فهي غير ثابتة: و علي فرض الثبوت الودعي بمجرد التفريط تنتقل العين الي عهدته، و من آثار العهدة رد بدلها مع التلف، و هي امر ثابت لا مانع من اسقاطه.

و أما التبري من العيوب فالكلام فيه هو الكلام في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 436

و أما ما نحن فيه و شبهه (1) مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية منجزا أو الابراء عما احتمل الاشتغال به، فقد تقدم في شرائط الصيغة انه لا مانع منه، لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم، و منه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. (2)

نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به، فإنه لا بد من وقوع شي ء بإزائه (3) و هو غير معلوم

______________________________

اما ما افاده المحقق النائيني رحمه الله في مقام الجواب من انه ليس اسقاطا لما لم يجب بل هو اسقاط لحق الشرط، بناء علي كون مدرك هذا الخيار الشرط الضمني، فقد تقدم في اسقاط الخيار المشروط برد الثمن قبل الرد اندفاعه. فراجع.

فالحق في الجواب ان يقال: ان اسقاط ما لم يجب معلقا علي ثبوته، اي اسقاطه في زمان وجوده لا دليل علي المنع عنه، و لو سلم الاجماع عليه فهو يختص بصورة عدم تحقق السبب، فلا يشمل المقام.

و أما المحذور الثاني فيمكن دفعه: بان القاعدة التي اشار إليها ليست مضمون رواية خاصة كي يستدل بظاهر تلك الجملة، بل هي مستفادة من دليل

السلطنة بالتقريب المتقدم في خيار المجلس، و هو غير مختص بالصورة المفروضة،

مع انه قد تقدم في ذلك المبحث ان مدرك مشروعيته فحوي ما دل «1» علي ان التصرف انما يكون مسقطا لكونه التزاما بالعقد و اسقاطا للخيار. فراجع.

(1) قوله و أما ما نحن فيه و شبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية هذه الامثلة انما ذكرت نظيرا للمقام من حيث التعليق و عدم الجزم- لا من حيث كفاية وجود السبب في اسقاط المسبب كما توهم.

(2) قوله و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير الظاهر ان مراده ضمانه مع كون الثمن تالفا و الا وجب دفع الثمن الي مالكه.

(3) و أما الصلح عن الحق، فقد اشكل عليه بانه مع عدم الحق المعوض عنه كيف

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 437

فالاولي ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول التحقق (1) أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه (2) لأن المعدوم انما دخل علي تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

______________________________

يمكن المعاوضة الصلحية، و لذا قال المصنف رحمه الله.

(1) فالاولي ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول التحقق و قد افيد في وجه صحته، و الجواب عن هذا الاشكال امور:

الأول: ما افاده السيد الفقيه قدس سره، و هو: ان المعوض هو المحتمل بما هو محتمل لا الحق الواقعي. و بعبارة اخري انه احتمال الحق و هو ثابت محقق.

و فيه: ان الاحتمال و المحتمل غير قابلين للنقل و الاسقاط.

الثاني: ما افاده المحقق الخراساني رحمه الله، و هو: ان المعوض نفس الصلح، فيأخذ العوض بازائه لا الحق المجهول.

و فيه: انه حينئذ لا

مصالح عنه، و لا يمكن تحقق الصلح بدونه.

الثالث: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، من ان المعوض الرضا بالعقد و لزومه، و هو فعلي.

و فيه: ان الرضا بلزوم العقد انما يكون موجبا للزوم من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار كما تقدم في خيار المجلس فالأظهر تمامية هذا الايراد، فلا يصح الصلح عنه مع الالتزام بكون ظهور الغبن شرطا شرعيا لحدوث الخيار،

و أما بناء علي ما اخترناه من كونه كاشفا عقليا فالاشكال مندفع من اصله.

(2) قوله و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه و الوجه فيه ان الصلح انما وقع بنحو يكون الحق المجهول جزء المعوض علي تقدير وجود و الا فالضميمة مستقلة في العوضية فلا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني رحمه الله من انه لو صح الاشكال لم يجد في دفعه ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول فان الخيار المجهول ان لم يقابل بالمال علي انفراده لم يقابل بالمال مع الضميمة لوقوع جزء من العوض بازائه فيعود المحذور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 438

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد (1)

و الاشكال فيه من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في اسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها، نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار و خيار الرؤية و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه: و لو اشترطا رفعه أو رفع خيار الرؤية. فالظاهر بطلان العقد للغرر، انتهي.

ثمّ احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الازالة و جزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد و الشرط، و تردد فيه المحقق الثاني الا انه استظهر الصحة و لعل توجيه كلام الشهيد هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع

كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه الي الجهل بمقدار ماليته، (2) و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل لها في القيمة لكن الاقوي الصحة، لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في القيمة، (3) و ايضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتي يكون اسقاطه موجبا لثبوته، و إلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار

______________________________

اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

(1) الثاني من المسقطات: اشتراط سقوط الخيار في متن العقد و استدل الشهيد رحمه الله علي بطلان العقد الذي اشترط فيه سقوط خيار الغبن بلزوم الغرر. و وجهه: المصنف رحمه الله.

(2) بان الجهل بصفات المبيع أو الثمن انما يوجب الغرر لا لأجل الجهل بالصفات من حيث هي، و الا لزم بطلان البيع مع الجهل بالصفات غير الدخيلة في التمول، بل انما هو لأجل ادائه الي الجهل بالمالية، و لازمه بطلان البيع في المقام.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه بجوابين نقيضين:

(3) احدهما: انه لو كان الجهل بالقيمة موجبا للغرر لزم بطلان البيع مع الشك فيها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 439

لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر، و إلا لصح كل بيع غرري علي وجه التزلزل و ثبوت الخيار (1) كبيع المجهول وجوده و المتعذر تسليمه.

و أما خيار الرؤية (2) فاشتراط سقوطه راجع الي اسقاط اعتبار ما اشترطاه

______________________________

(1) ثانيهما: ان الخيار لا يرفع الغرر و الا لزم صحة كل بيع غرري بشرط الخيار.

و الحق في الجواب عنه ان يقال: ان هذا الوجه اساسه امران.

الأول: كون الجهل بالقيمة موجبا للغرر.

الثاني: ارتفاع الغرر بالخيار.

و يندفع الأول: بان

الموجب للغرر الذي نهي عنه هو الجهل بذات المبيع أو صفاته الدخيلة في المالية، و ذلك لأن غررية البيع انما هي من ناحية متعلقه، و جهالة المبيع أو الثمن انما هي من ناحية ذاته أو صفاته، اما جهالة قيمته السوقية غير المربوطة به فهي اجنبية عن البيع و لا توجب الغرر.

و بالجملة: الموجب للغرر هو الجهل بذات المبيع أو الصفات الدخيلة في المالية لا الصفات من حيث هي و لا المالية المجردة، فالجهل بالقيمة لا يوجب الغرر.

و يندفع الثاني: بان الخيار متوقف علي صحة العقد، فإذا كانت صحته متوقفة علي الخيار لزم الدور.

و يمكن ان يوجه كلام الشهيد رحمه الله: بان شرط سقوط الخيار- مع كون ثبوته غير معلوم- غرري للجهل بالمشروط، و هو يوجب بطلان العقد لأن الشرط الفاسد مفسد.

و الظاهر انه الي هذا نظر الصيمري في غاية المرام الملتزم بفساد العقد و الشرط.

و لكن يرد عليه: ان الشرط الفاسد غير مفسد، مع ان شرط سقوط الخيار بما انه يئول الي شرط لزوم العقد الثابت المحقق لا يكون غرريا، فالحق صحة الشرط و العقد.

(2) قوله و أما خيار الرؤية،

الاولي ايكال البحث عن ذلك الي محله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 440

من الاوصاف في العين الغير المرئية، فكأنهما تبايعا، سواء وجد فيها تلك الاوصاف ام لا فصحة البيع موقوفة علي اشتراط تلك الاوصاف و اسقاط الخيار في معني الغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك ايضا، لأن مرجع اسقاط خيار الرؤية الي التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلي عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف، و لا تنافي بين ان يقدم علي اشتراء العين بانيا علي وجود تلك الأوصاف،

و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت

فتأمل و سيجي ء تمام الكلام في خيار الرؤية، و كيف كان فلا اري اشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر، إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن اصلا لم يلزم منه غرر

الثالث: تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن، (1)

و يدل عليه ما دل علي سقوط خياري المجلس و الشرط به، مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان، و هو اطلاق بعض معاقد الاجماع،

بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه اجازة و فيما انتقل عنه فسخ،

______________________________

تصرف المغبون بعد العلم بالغبن

(1) الثالث: تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن ذكره بعضهم، و المشهور بين الأصحاب عدم سقوط الخيار به، و في الحدائق:

و ظاهرهم انه سواء كان المتصرف الغابن في مال المغبون أو بالعكس خرج به عن الملك كالبيع ام منع من الرد كالاستيلاد ام لا، و لهم في هذه المسألة تفاصيل و شقوق انهاها شيخنا في الروضة و المسالك الي ما يزيد علي مائتي مسألة. انتهي.

فالكلام في موردين:

الأول: في التصرف غير المخرج عن الملك.

لا اشكال في مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا بلزوم العقد مع قصده ذلك،

فانه حينئذ اسقاط فعلي، كما لا إشكال في عدم مسقطية التصرف لا بعنوان الالتزام بالبيع إذا كان قبل الاطلاع، بل الظاهر اجماعهم عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 441

و عموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء علي السقوط و هي الرضا بلزوم العقد مع ان الدليل هنا اما نفي الضرر و أما الاجماع. (1)

و الاول منتف، فإنه كما لا يجري مع الاقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به بعده و أما الاجماع فهو غير ثابت مع الرضا الا ان يقال ان الشك في

الرفع لا الدفع فستصحب، (2) فتأمل.

أو ندعي ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك، لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار ان التصرف مسقط لكل خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار، كما في العيب و التدليس سوي هذا الخيار، و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب و التدليس ملزم لدلالته علي الرضا بالبيع فيسقط الرد، و إنما يثبت الأرش في خصوص العيب عدم دلالة التصرف علي الرضا بالعيب، و كيف كان،

فاختصاص التصرف الغير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفي علي المتتبع في كلماتهم.

______________________________

اما التصرف بعد العلم بالغبن مع عدم كونه اجازة فعلية: فقد استدل علي مسقطيته بطريقين: احدهما: من ناحية المانع ثانيهما: من ناحية عدم المقتضي.

اما الأول: فهو اطلاق بعض معاقد الاجماعات، و عموم العلة في خبر الحيوان، و قد تقدم الكلام عليهما في خيار المجلس و عرفت عدم تماميتهما.

(1) و أما الثاني: فتقريبه: ان مدرك خيار الغبن اما حديث نفي الضرر، و أما الاجماع، و الأول لا يشمل المقام، لأنه كما لا يشمل المعاملة الغبنية التي اقدم عليها،

كذلك لا يشمل المعاملة الضررية التي رضي المغبون بها بقاء: فانه لا يكون اللزوم بقاء ضرريا، بل الضرر ناش من اختيار المغبون حقيقة.

(2) و اورد المصنف رحمه الله عليه: بان الشك في الرفع لا الدفع، فيستصحب الخيار، ثمّ امر بالتأمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 442

نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك و تبعه جماعة

لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل، مما لا ينبغي، بل ربما يستشكل في حكمهم بعد السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص انما يتم في العيب دون التدليس، فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص و مقتضي القاعدة في حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد و التحقيق ان يقال: ان مقتضي القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل علي الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر.

نعم قد ورد النص في العيب علي السقوط و ادعي عليه الاجماع مع ان ضرر السقوط فيه متدارك بالارش، و ان كان نفس امساك العين قد تكون ضررا، فإن تم دليل في التدليس ايضا، قلنا به، و الا وجب الرجوع الي دليل خياره، ثمّ ان الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني علي ما تقدم في الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا علي الرضا بلزوم العقد، و الا كان اللازم في غير ما دل فعلا علي الالتزام بالعقد من افراد التصرف الرجوع الي اصالة بقاء الخيار.

______________________________

و قد قيل في وجه التأمل امور:

منها: ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان الشك في بقاء الخيار من قبيل الشك في المقتضي لعدم احراز مقدار استعداد المستصحب مع التصرف، فلا يجري فيه الاستصحاب.

و منها: ان المورد مما يجب فيه الاستدلال بعموم العام لا استصحاب حكم المخصص.

و منها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان الشك شك في الموضوع، لأن موضوع من له الخيار ليس ذات المغبون و لا العقد الغبني، بل يحتمل ان يكون لوصف عدم الرضا و لو نوعا دخل

في الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.

و بعض هذه الوجوه لا يخلو عن النظر، و لكن في بعضها الآخر- بضميمة ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام- كفاية،

و لكن مع ذلك كله يرد علي اصل الاستدلال: ان مفروض البحث هو التصرف غير الكاشف عن الالتزام بالعقد، و عليه فلا مانع من اجراء قاعدة لا ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 443

الرابع: من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك علي وجه اللزوم
اشارة

كالبيع و العتق، (1) فإن المصرح به في كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ. و قيل: انه المشهور و هو كذلك بين المتأخرين.

نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع انه لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد، و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من جامع المقاصد في شرح قول الماتن، و لا يبطل الخيار بتلف العين فراجع، و استدل علي هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك، و هو بظاهره مشكل، لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين و يمكن ان يوجه بأن حديث نفي الضرر لم يدل علي الخيار

______________________________

التصرف المخرج عن الملك.

(1) الثاني: في التصرف المخرج عن الملك، و قد ذكره المصنف رابع المسقطات، و في بعض الكلمات بعد تسليم مسقطيته: ان الاولي تبديل عنوان التصرف بالتلف، لأن عنوان هذا المسقط ليس هو التصرف بما هو تصرف، فانه هو المسقط السابق بل بما هو اتلاف.

و كيف كان: فالتلف قد يكون حقيقيا و قد يكون حكميا، و مجموع ما ذكر في وجه المسقطية وجوه اربعة ثلاثة منها جارية في كلا التلفين و واحد منها مختص بالتلف الحكمي،

و لا يجري في التلف الحقيقي،

و هي علي قسمين:

الأول: من طريق عدم المقتضي للخيار

بعد التلف.

الثاني: من طريق المانع.

اما القسم الأول فهو اثنان:

احدهما: ان دليل هذا الخيار اما الاجماع أو قاعدة نفي الضرر، و المتيقن من الاجماع صورة بقاء العين، و قد افتي المشهور بسقوط الخيار في صورة تلفها- يعني تلف ما في يد المغبون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 444

بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها، فإذا امتنع ردها، فلا دليل علي جواز فسخ العقد، (1) و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين انما يكون بتسلط المغبون علي رد العين فيكون حاله من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في ان له ان يشتري و ان يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه، مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر، و لو جهلا منه به (2) هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه: ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف، و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه، لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفي الضرر ليس الا صورة الاقدام عليه عالما به،

فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها علي ملكه و بدلها مع عدمه، و فوات خصوصية العين علي الغابن ليس ضررا

______________________________

(1) و قاعدة نفي الضرر انما تنفي اللزوم و تثبت الجواز، و المتيقن من الجواز الثابت بها حق رد العين، فإذا امتنع ردها فلا دليل علي جواز فسخ العقد.

و فيه: اولا: ان حديث نفي الضرر ينفي اللزوم فيثبت بديله، و بديل لزوم العقد جوازه، و تراد العوضين غير مربوط بحديث

نفي الضرر.

و ثانيا: انه لو تم لاختص بتلف العين الحقيقي، و لا يجري في التلف الحكمي- اي الانتقال بالعقد اللازم- فان حديث نفي الضرر لحكومته علي جميع الأدلة يصلح لرفع لزومه، و جواز حل المغبون ذلك العقد ايضا.

و ثالثا: ان مدرك هذا الخيار كما عرفت هو الشرط الضمني دون حديث نفي الضرر.

(2) ثانيهما: ان اتلاف المغبون العين و اخراجها عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه به، و توطين للنفس علي الالتزام بالبيع و لو كان مغبونا فيه واقعا، و الاقدام بحسب الدوام كالاقدام ابتداء في اسقاط الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 445

لأن العين المبيعة ان كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها، و ان كانت قيمية،

فتعريضها للبيع يدل علي ارادة قيمتها، فلا ضرر اصلا فضلا عن ان يعارض ضرر زيادة الثمن علي القيمة خصوصا مع الافراط في الزيادة و الانصاف ان هذا حسن جدا، لكن قال في الروضة: ان لم يكن الحكم اجماعا (1)

اقول: و الظاهر عدمه (2) لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم علي المحقق فيما تتبعت، ثمّ ان مقتضي دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين البائع و المشتري، قال في التحرير بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان أو مشتريا. و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد، و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم و بين فك الملك كالعتق و الوقف، و بين المانع عن الرد مع البقاء علي الملك كالاستيلاد. بل و يعم التلف

______________________________

و فيه: ان التصرف قبل العلم بالغبن ليس التزاما بالعقد و رضا ببقائه، و الا كان الاقدام علي المعاملة مع الجهل اقداما علي الضرر موجبا لعدم ثبوت الخيار رأسا،

مع ان

الرضا بالعقد ما لم يرجع الي اسقاط الخيار لا يوجب سقوطه.

و أما القسم الثاني فهو ايضا اثنان: احدهما: ظهور الاجماع،

(1) قال الشهيد في محكي الروضة: ان الحكم بعدم السقوط حسن ان لم يكن الحكم اجماعا.

(2) و فيه: اولا: ما افاده المصنف رحمه الله من ان الظاهر عدمه.

و ثانيا: انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

ثانيهما: ان دليل نفي الضرر في جانب المغبون مزاحم به في جانب الغابن، لأن قبول البدل ضرر علي الغابن، كما ان الالتزام بالبيع ضرر علي المغبون، و بعد التساقط يرجع الي اصالة اللزوم.

و فيه: ان ضرر الغابن ان كان بلحاظ فوات خصوصية العين فهو ضرر اقدم عليه بالبيع، و ان كان بلحاظ النقص في المالية، و المفروض انه يأخذ مالية ماله باخذه القيمة.

فتحصل: ان الأظهر عدم كونه مسقطا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 446

و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري، فإن ارادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له وجه، الا ان يبني علي مخالفته لعموم دليل الخيار، اعني نفي الضرر فيقتصر علي مورد الاجماع ثمّ ان ظاهر التقييد بصورة امتناع الرد، و ظاهر التعليل بعدم امكان الاستدراك ما صرح به جماعة من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار (1) إذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات الغير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن، لعموم نفي الضرر (2) و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن،

______________________________

فروع

و ذكر المصنف رحمه الله في المقام فروعا: و لكن بناء علي ما اخترناه من عدم مسقطيته التلف لهذا الخيار لا محل للكلام في هذه الفروع،

و أما بناء علي ما هو المشهور من المسقطية فيقع الكلام فيها،

و هي فروع:

(1) الأول: ان الناقل الجائز هل يمنع الرد ام لا؟

(2) و قد استدل المصنف رحمه الله للثاني بعموم نفي الضرر، و ان مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن.

و فيه: انه ان كان مدرك مسقطية التلف الاجماع صح ما ذكر من عدم مسقطية الناقل الجائز، و ان كان غيره فحكمه حكم اللازم: فانه إذا لم يفسخ العقد الجائز، كما هو مفروض البحث، الرد غير ممكن.

و لو قيل: ان دليل الخيار يقتضي فسخ العقد الجائز توطئة لفسخ العقد الغبني،

اجبنا عنه انه يقتضي اعادة العين الي ملكه و لو بالشراء أو الاقالة.

و ان قيل: انه يقتضي انفساخ العقد الجائز،

قلنا: انه يقتضي انفساخ اللازم ايضا.

و بالجملة: لا فرق بين اللازم و الجائز اصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 447

و لو اتفق زوال المانع كموت ولد ام الولد و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن. (1)

ففي جواز الرد وجهان من انه متمكن حينئذ، و من استقرار البيع (2) و ربما يبنيان علي ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد، (3) و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا اولي لأن العود هنا بسبب جديد، و في الفسخ برفع السبب السابق و في لحوق الإجارة بالبيع، قولان (4) من امتناع الرد و هو مختار الصيمري و ابي العباس، و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك (5)

و هو المحكي عن ظاهر الأكثر، و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد،

و كذا لو لم يعلم به حتي انفسخ البيع

______________________________

(1) الثاني: لو اتفق زوال المانع، كموت ام الولد، و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن،

ففي المتن

ففي جواز الرد وجهان، و قد ذكر في مبني الوجهين امرين:

(2) احدهما: انه يتمكن من الرد فله ذلك، و ان البيع استقر و صار لازما فلا يعود حق الخيار.

الظاهر ان مدرك مسقطية التلف، ان كان تزاحم فردين من الضرر، أو أن لا ضرر انما يثبت حق رد العين لا حل العقد، كان الاوجه هو الأول: لأن سقوط الخيار و لزوم العقد انما هو لمانع عن شمول لا ضرر، فمع ارتفاعه لا مانع من شموله،

و ان كان هو كون الناقل اللازم التزاما بالعقد الأوجه هو الثاني كما لا يخفي.

(3) ثانيهما: الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد.

الظاهر ان الزائل في المقام بما انه امر اعتباري و هي الملكية، فهي ان عادت بفسخ السبب كالتي لم تزل، لأن العائد و ان كان غير الزائل بالدقة العقلية الا انه عينه اعتبارا و عرفا، و ان عادت بسبب آخر فالظاهر انه غيره، و لو اعتبارا، لكن شيئا من المبنيين ليس وجها لثبوت الخيار، و عود ذاك الحق و عدمه، فانه و ان كان العائد كالذي لم يزل يمكن ان يقال بعد سقوط هذا الحق ما السبب لرجوعه.

(4) الثالث: و هل يلحق الاجارة بالبيع كما عن الصيمري، ام لا كما عن ظاهر الأكثر؟ قولان،

(5) و قد استدل لعدم اللحوق: بان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 448

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه أقواها اللحوق (1) لحصول الشركة، فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء.

______________________________

و يرد عليه: ان مدرك سقوط الخيار في هذه المسألة لم يكن خصوص الاجماع، و لا رواية خاصة متضمنة لمسقطية التصرف المخرج عن الملك

كي يستدل بظاهره. فلا بد من ملاحظة سائر الأدلة.

و الحق هو اللحوق، فان العين لا يمكن ردها خارجا و لا ملكا علي ما هي عليه من المنفعة، فان كان هذا الخيار هو جواز رد العين لا محالة يسقط في الفرض.

(1) الرابع: ما ذكره بقوله: و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك، وجوه اقواها اللحوق.

الامتزاج تارة يوجب تلف المال من جهة الاستهلاك كما لو امتزج ماء الورد بماء مطلق كثير موجب لاستهلاكه فيه، و اخري يوجب الشركة علي القول بذلك كامتزاج دهن بدهن آخر، و ثالثة لا يوجب شيئا منهما.

مورد الكلام هو الوسط، اما الأول فهو ملحق بالتلف قطعا، و أما الأخير فهو لا يمنع من الرد كذلك،

و انما الكلام في الموجب للشركة،

ثمّ ان الامتزاج، قد يكون بملك الغابن، و قد يكون بملك المغبون و قد يكون بملك شخص ثالث، فان كان الامتزاج بملك الغابن بما هو من جنس المبيع لا أري مانعا من الرد،

و احتمال اعتبار رد العين متميزة لا يعتني به،

و أما في سائر صور الامتزاج فالحق هو اللحوق، فان الملكية المشاعة غير الملكية غير المشاعة، و هي اما عبارة عن الملكية الناقصة كما هو المختار و بيناه في الجزء الثالث من هذا الشرح، أو عبارة عن كون كل جزء نصفه له و نصفه لشريكه. و علي التقدير الأول تتبدل الملكية التامة المتعلقة بالنصف مثلا بالملكية الناقصة المتعلقة بالمجموع، و علي التقدير الثاني يوجب انتقال نصف ماله الي شريكه بازاء نصف مال شريكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 449

و كذا و لو تغيرت العين بالنقيصة، (1) و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي (2)

بناء علي حصول الشركة في غيرها المانعة عن رد العين، فتأمل. هذا كله في تصرف المغبون.

و أما تصرف الغابن فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به، (3)

______________________________

(1) الخامس: ما ذكره بقوله: و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة.

الأظهر فيه ايضا اللحوق، فانه مع التغير بالنقيصة لا يمكن رد العين بعينها و بحدها،

و هو موجب لسقوط الخيار كما تقدم.

(2) السادس: ما ذكره بقوله: و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي.

الظاهر: ان المراد، من الحكمية ترقي القيمة السوقية، و من العينية الزيادة غير المنفصلة، و عليه فالزيادة الحكمية لا تمنع من الرد، ان لم تكن بمقدار الغبن، و الا فتمنع كما تقدم عند بيان إن العبرة بالقيمة حال العقد أو بها بعده ايضا و أما الزيادة العينية فعلي القول بان الشركة مانعة عن الرد كما تقدم فهي تمنع من الرد لاستلزامه الشركة كما لا يخفي.

تصرف الغابن المخرج عن الملك

الموضع الرابع: في تصرف الغابن.

و تمام الكلام فيه في طي فروع:

(3) الأول: اختار المصنف رحمه الله كغيره، و تبعه غير واحد من عدم سقوط الخيار بتصرف الغابن المخرج عن الملك: و انه لا وجه لسقوطه،

و هو يتم لو كان مدرك سقوط الخيار باتلاف المغبون هو كونه التزاما بالعقد و توطينا للنفس علي تحمل الضرر، و أما لو كان مدركه تعلق حق الخيار بالرد لا العقد و هو لا يمكن بعد خروجه عن ملكه، فلا فرق بين التصرفين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 450

و حينئذ فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم، ففي تسلطه علي ابطال ذلك من حينه (1) أو من اصلها كالمرتهن و الشفيع، (2) أو رجوعه

الي البدل، (3) وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير فإن حق المغبون ثابت بأصل المعاملة الغبنية. و انما يظهر له بظهور السبب فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب و حيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس

______________________________

إذ الخيار لو كان هو السلطنة علي الرد ليس المراد بها السلطنة عليه خاصة، بل عليه و علي الاسترداد، بل قيل انه السلطنة علي الاسترداد خاصة و مع عدم التمكن من الاسترداد لا معني للخيار حينئذ،

و لكن قد عرفت ان الخيار لا يسقط بتصرف المغبون فضلا عن تصرف الغابن.

(1) الثاني: مع بقاء خيار المغبون ان فسخ العقد و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالبيع أو الوقف أو ما شاكل ففي تسلطه علي ابطال ذلك من حينه، أو من اصله أو رجوعه الي البدل، أو بطلان تصرف الغابن وجوه،

محل البحث في الوجه الأخير انما هو مبحث احكام الخيار،

فالكلام في المقام في الوجوه الثلاثة الاول التي ذكرها المصنف رحمه الله:

(1) الأول: تسلطه علي حل العقد الثاني الذي اوقعه الغابن من حين الفسخ.

(2) الثاني: تسلطه علي حل ابطاله من اصله.

(3) الثالث: رجوعه الي البدل.

و الظاهر ان مراده من التسلط علي حل العقد من حينه و ابطاله من اصله، كون الفسخ موجبا لبطلانه من حينه أو من اصله،

فلا يرد عليه ما اورده المحقق الايرواني رحمه الله من انه لا وجه لابطاله، بل هي اما ان تنفسخ أو تبقي نافذة لا تنفسخ بفسخه.

و قد استدل للأول: بانه مقتضي الجمع بين تسلط الناس علي اموالهم «1» المقتضي لنفوذ تصرف الغابن لوقوعه في ملكه، و بين دليل الخيار المقتضي لاستحقاق العين بالفسخ.

و فيه: ان الخيار ان كان متعلقا

بالعقد لما اقتضي رجوع العين بعد خروجها عن

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 372 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 451

و من ان وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس، (1) كما في بيع الرهن و مقتضي فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع معه، لا من المشتري الثاني، و من انه لا وجه للتزلزل، اما لأن التصرف في زمان خيار الغير المتصرف صحيح لازم، كما سيجي ء في احكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل.

و أما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا علي وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا و في خيار العيب قبل ظهوره، فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون اذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب، و هذا هو الأقوي، و سيأتي تتمة لذلك في أحكام الخيار.

______________________________

ملكه، و ان كان متعلقا بالعين اقتضي توقف نفوذ تصرف الغابن علي اذن المغبون و اجازته.

و المحقق الاصفهاني رحمه الله استدل له بوجه آخر، و هو: ان تصرف الغابن بدليله صحيح، و فسخ المغبون يوجب حل العقد من حينه، و حيث ان مقتضي الفسخ عود العين الي ملك الفاسخ فلا محالة يؤثر في انحلال التصرف المترتب علي المعاملة الغبنية.

و يرده ما ذكره رحمه الله من ان مقتضي الفسخ ان كان عود العين فعدم امكانه يوجب امتناع الفسخ و سقوط الحق، و ليس مقتضاه ولاية ذي الخيار علي حل التصرف المترتب عليها، و ان لم يكن مقتضيا لعودها حقيقة فلا موجب لانحلال التصرف.

(1) و قد استدل للثاني: بان دليل الخيار يقتضي استحقاق العين. بالفسخ و تلقيها من

الغابن، و حيث ان العقد الثاني الواقع بين الغابن و المشتري متزلزل من رأسه لكون المبيع حق المغبون، فالفسخ يوجب حله من رأس.

و فيه: ما تقدم من ان حق الخيار ان كان متعلقا بالعقد اقتضي رجوع العين مع الامكان، و بدلها مع التلف و لو تعبدا، و ان كان متعلقا بالعين اقتضي توقف تصرف الغابن علي اذن المغبون أو اجازته،

مع انه لو تمت المقدمات اقتضي انفساخ المعاملة الثانية آنا ما قبل فسخ الاولي.

فتحصل: ان المتعين هو الوجه الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 452

و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد (1) و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه علي الاستيلاد، ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز، (2) لأن معني جوازه تسلط احد المتعاقدين علي فسخه، اما تسلط الاجنبي و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا.

و في المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار، ألزم بالفسخ، فإن امتنع فسخه الحاكم، و إن تعذر فسخه المغبون، (3) و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه و إما بدخول بدلها. (4)

______________________________

(1) قال المصنف: و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد يعني: ان الوجوه الثلاثة المتقدمة في بيع الغابن جارية في الاستيلاد بناء علي تأثيره مطلقا، و يحتمل فيه زائدا علي تلك بطلان الاستيلاد و عدم تأثيره في المنع عن الاسترداد من جهة ان الاستيلاد يوجب حدوث حق لام الولد مانع عن انتقالها، فتقع المزاحمة بين الحقين: حق الاستيلاد و حق خيار المغبون الموجب لجواز الاسترداد، و حيث ان سبب الخيار مقدم علي سبب حق الاستيلاد

لأنه العقد و هذا الاستيلاد، فيقدم حق الخيار لسبق سببه، فلا يؤثر الاستيلاد شيئا، و لو فسخ المغبون يستردها،

و يرد هذا الاحتمال ان سبق السبب زمانا لا يوجب تقديم دليل السابق، مع انه لا تزاحم بينهما، فان حق الخيار متعلق بالعقد، و حق الاستيلاد متعلق بالعين، فلا منافاة بينهما و لا تزاحم.

(2) الثالث: لو فسخ العقد و قد خرج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز فقد يقال كما عن المصنف: ان الوجوه الثلاثة الجارية في العقد اللازم جارية في العقد الجائز، لأنه بالنسبة الي المغبون لازم، و جوازه بالاضافة الي الغابن لا ربط له بفسخ المغبون. و ان تعذر فسخه المغبون.

(4) و اورد عليه المصنف رحمه الله: بانه لا وجه لإلزام الغابن بالفسخ، إذ مقتضي الوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 453

فعلي الأول لا حاجة الي الفسخ حتي يتكلم في الفاسخ. و علي الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ الي غيره اللهم الا ان يقال انه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ انما هو للحيلولة، فإذا امكن رد العين وجب علي الغابن تحصيلها، (1) لكن ذلك انما يتم مع كون العين باقية علي ملك المغبون، (2) و أما مع عدمه و تملك المغبون للبدل فلا دليل علي وجوب تحصيل العين، ثمّ علي القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز، لو اتفق عود الملك إليه لفسخ، فان كان ذلك قبل فسخ المغبون.

فالظاهر وجوب رد العين، و ان كان بعده، فالظاهر عدم وجوب رده (3)

لعدم الدليل بعد تملك البدل و لو كان العود بعقد جديد فالأقوي عدم وجوب الرد مطلقا، لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه، و الفاسخ انما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل

______________________________

الاولين انفساخ

معاملة الغابن و دخول العين في ملك المغبون، فلا مورد لفسخه، و مقتضي الوجه الثالث دخول بدلها في ملكه، و معه لا يستحق شيئا علي الغابن كي يوجب الزامه بالفسخ.

(1) ثمّ اورد علي نفسه: بانه يمكن ان يقال ان البدل انما هو للحيلولة: فإذا امكن رد العين علي الغابن وجب تحصيلها.

(2) و اجاب عنه: بان مورد بدل الحيلولة ما إذا كانت العين باقية في ملكة، و في المقام تكون هي لمن انتقلت إليه من الغابن، و للمغبون البدل.

و لكن هذا الايراد علي الشهيد يتم إذا كان مراده الزام الغابن بالفسخ بعد فسخ المغبون المعاملة، و أما ان كان مراده الزامه بالفسخ قبله توطئة لفسخ المغبون فلا يرد عليه هذا الايراد، و عليه فالصحيح ان يورد عليه بان الزام الغابن بالفسخ مما لا وجه له.

(3) الرابع: و لو اتفق عود الملك إليه لفسخ فقد افاد المصنف رحمه الله: انه إذا فسخ الغابن معاملته ثمّ فسخ المغبون المعاملة الغبنية فالظاهر وجوب رد العين، و أما ان تملكها الغابن بعقد جديد ثمّ فسخ المغبون فالظاهر عدم وجوب ردها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 454

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، (1) فإما ان يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج فإن كان بالنقيصة، فإما ان يكون نقصا يوجب الأرش، و أما ان يكون مما لا يوجبه (2) فإن اوجب الأرش اخذه مع الأرش، كما هو مقتضي الفسخ، لأن الفائت مضمون بجزء من العوض

______________________________

و محصل ما ذكره رحمه الله في مقام الفرق: ان الفسخ انما يرفع السبب الناقل و يوجب صيرورته كالعدم، فتعود الملكية السابقة، و هذا بخلاف التملك بسبب آخر، فانها غير الملكية السابقة، فإذا كان الغابن مالكا بالملكية السابقة،

و المفروض فسخ المغبون، و الفسخ يعدم السبب و يوجب تملك الفاسخ بالملكية السابقة، فلا محالة تعود هي إليه، و ان كان الغابن مالكا بملكية جديدة، فالفسخ لا يوجب انتقالها إليه.

و فيه: ان المغبون له ان يرجع العين الي ملكه بمقتضي حديث لا ضرر أو غيره،

و بحسب الدليل لا فرق بين كونها ملكا للغابن بالملكية الجديدة أو السابقة، مع ان الملكية جديدة علي اي تقدير، إذ المعدوم لا يعود. فتأمل.

تصرف الغابن الموجب للنقيصة

(1) الخامس: فيما لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين.

و الكلام فيه في مقامات:

الأول: في التصرف الموجب للنقيصة.

الثاني: في التصرف الموجب للزيادة.

الثالث: في الامتزاج.

(2) اما الأول: فقد قسمه المصنف رحمه الله الي قسمين:

احدهما: ما يوجب النقيصة بالنقص الموجب للارش.

ثانيهما: ما يوجب النقيصة بما لا يوجبه.

و مراده من الأول: نقص وصف الصحة المساوق للعيب، و بالثاني: نقص وصف الكمال لا النقص المالي و غير المالي، لجعله العين المستأجرة من القسم الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 455

فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله (1) و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين، و ان كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شي ء،

______________________________

و كيف كان: فالكلام يقع في موردين:

الأول: في النقصان الموجب للارش.

و قد استدل لضمان الغابن للنقص بوجوه: الأول: ما في المتن.

(1) و حاصله: ان وصف الصحة الفائت مضمون بجزء من العوض، فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله.

و فيه: ان الوصف سواء كان من قبيل وصف الصحة أو كان من قبيل وصف الكمال- كان مقوما للمال و موجبا لازدياد المالية ام لم يكن- لا يقابل بجزء من العوض،

و الشيخ رحمه الله ايضا ملتزم بذلك، فلا وجه لعود

بدله ان كان تالفا.

الثاني: ان مقتضي قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «1» بناء علي شمولها لخيار الغبن و لتلف وصف الصحة ضمان الغابن للنقص.

و فيه: ان تلك القاعدة لا تشمل خيار الغبن، و لا الأوصاف.

الثالث: ان الفسخ يوجب رجوع العين علي ما هي عليه حين البيع ليكون العائد ما وقع عليه العقد، و لازم ذلك ضمان كل وصف فائت، سيما إذا كان الفوت بفعل الغابن كما هو المفروض.

الظاهر انه وجه متين و سيأتي تمام الكلام فيه في مسألة تلف احد العوضين أو كليهما فانتظر.

المورد الثاني: في النقصان غير الموجب للارش.

فان كان وصفا لا مالية له و لا يوجب ازدياد المالية لا إشكال في عدم ضمان شي ء،

و الا فان كان مدرك الضمان في المورد الأول الوجه الأول أو الثاني لم يكن عليه شي ء في المقام، فان وصف الكمال غير مقابل بجزء من الثمن قطعا، كما انه غير مشمول

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 456

و منه ما لو وجد العين مستأجرة، (1) فإن علي الفاسخ الصبر إلي ان ينقضي مدة الإجارة، و لا يجب علي الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلي بقية المدة بعد الفسخ، لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد و الفسخ، فهي ملك للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق، فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين باسرها و يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة، لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل (2) و هو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع، و فيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.

نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ

لأجل اختلاف المتبايعين انه إذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الأجرة للمشتري المؤجر و وجب عليه للبائع اجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ، و قرره علي ذلك شراح الكتاب و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين

______________________________

لقاعدة التلف في زمان الخيار. و ان كان هو الوجه الأخير كان الأوجه الضمان في المقام،

إذ لا فرق في اقتضاء الفسخ الذي حقيقته ما عرفت بين فوات وصف الصحة أو الكمال،

فتفصيل الشيخ رحمه الله بينهما في غير محله.

(1) و في المتن: و منه ما لو وجد العين مستاجرة.

و الكلام فيه تارة: في حكم الاجارة،

و اخري: في تدارك المنفعة المستوفاة بالاجارة.

اما الكلام من الجهة الاولي: فقد استدل لانفساخ الاجارة:

(2) بان ملكية العين بما انها متزلزلة فملكية المنافع ايضا كذلك، لأنها تابعة لها.

و فيه: ان ملكية العين في زمان تتبعها ملكية المنفعة الي الأبد، فيصح لمالك العين استيفائها بالاجارة، فإذا صحت الاجارة شملتها ادلة لزومها، فلا وجه للانفساخ.

و أما الكلام من الجهة الثانية:

فالحق ان الفسخ يوجب تدارك النقص المالي الوارد علي العين بسبب استيفاء منافعها بالاجارة، فان المنافع شئون و حيثيات قائمة بالعين موجبة للمالية، فحيث ان المفسوخ عليه اتلفها باستيفائها بالاجارة فيكون ضامنا لها، و لا يهمّنا النزاع في انه هل يضمن اجرة المثل للمنافع، أو النقص المالي الوارد علي العين إذ هما متطابقان دائما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 457

و ان كان التغيير بالزيادة فإن كانت حكمية محضة كقصارة الثوب و تعليم الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن يقوم العين معها و لا معها و يؤخذ النسبة، (1) و لو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة.

فالظاهر عدم شي ء لمحدثها لأنه انما عمل فيما له و

عمله لنفسه غير مضمون علي غيره و لو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال، و لو في ضمن العين

______________________________

تصرف الغابن الموجب للزيادة

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه في موردين:

الأول: في الزيادة الحكمية، و هي ما ليس لها ما بحذاء في الخارج كقصارة الثوب،

و ملخص القول فيه: ان الزيادة ان لم تكن موجبة لزيادة القيمة لا إشكال في عدم الشركة،

و لا في عدم استحقاق اجرة العمل.

اما الأول فواضح،

و أما الثاني فلأنه عمل عملا في ملكه.

و ان كان لها دخل في زيادة القيمة ففي المتن.

(1) فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بان يقوم العين معها و لا معها و يؤخذ النسبة.

و اورد عليه المحقق الايرواني: بانه لا وجه للشركة بعد عدم حصول امتزاج مالين من شخصين، فان المال جميعا لواحد، و أما الوصف فذلك لا يقابل بالمال بل يوجب زيادة قيمة الموصوف.

و فيه: ان منشأ الشركة ان الوصف الحادث الموجب لازدياد القيمة الباقي لا يدخل هو و لاما هو معلوله و اثره، و هو زيادة القيمة في ملك الفاسخ،

بل يكون باقيا في ملك المفسوخ عليه، و حيث ان ذلك المقدار من المالية غير متميزة واقعا فلا محالة تحصل الشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 458

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس. (1) ففي تسلط المغبون علي القلع بلا ارش، (2) كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا و قيل به في الشفعة و العارية وجوه

______________________________

(1) المورد الثاني: في الزيادة العينية المحضة كالغرس.

و الكلام فيها في جهات:

(2) الاولي: في انه هل للغابن

سلطنة علي الابقاء فلا يجوز للمغبون قلعه و لا إجبار المالك بالقلع، ام لا؟ نسب الي المشهور الأول،

و قد استدل له بوجوه:

الأول: ان الغرس وقع من اهله في محله، فالغارس مالك الغرس بوصف الشجرية.

و بعبارة اخري: الغارس بغرسه الشجر قد استوفي منفعة الأرض ما دام غرسه باقيا، فيكون الغرس كالاستيفاء الاعتباري بالاجارة، فبالفسخ تنتقل العين بدون هذه المنفعة المستوفاة بالغرس الي المغبون، فلا منفعة له حتي تكون له السلطنة علي المنع من استيفاء الغابن.

و فيه: ان استيفاء المنفعة اما ان يكون حقيقيا أو اعتباريا، و شي ء منهما لا يكون في هذه المنفعة بعد الفسخ،

اما الأول: فلأن استيفاء هذه المنفعة انما يكون تدريجيا بانتفاع الشجرة بتشربها من اعماق الأرض، و من الضروري ان ما كان منه بعد الفسخ لا يكون حاصلا بمجرد الغرس.

و أما الثاني: فهو مفروض العدم، فمنفعة الأرض تعود الي المغبون.

الثاني: ما في حاشية السيد رحمه الله، و حاصله: ان مقتضي الجمع بين تسلط مالك الأرض علي ماله، و تسلط مالك الشجر علي غرسه بما هو غرس الذي يكون عرقه حقا هو سلطنة مالك الغرس علي الابقاء، غاية الأمر مع الاجرة.

و فيه: ان مالك الشجر مسلط علي ماله و هو الشجر لا علي انتفاع الشجرة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 459

______________________________

بتشربها من اعماق الأرض، و الابقاء مستلزم لذلك ايضا.

الثالث: ان سلطنة المغبون علي القلع و لو بمعني المنع عن ابقاء الشجر تستلزم تضرر الغابن بصيرورته حطبا، و قاعدة نفي الضرر حاكمة علي دليل السلطنة كسائر ادلة الأحكام.

و فيه: اولا: انه يعارض ذلك بتضرر المغبون ببقاء الغرس في ملكه، و بعد التساقط يرجع الي القواعد الأولية.

و ثانيا: انه مع العلم بالغبن قد اقدم علي ذلك فلا

تشمله قاعدة نفي الضرر فالأظهر ان له السلطنة علي المنع من البقاء.

الجهة الثانية: في انه علي فرض السلطنة علي عدم البقاء هل يجوز للمغبون مباشرة القلع، ام له مطالبة المالك بالقلع، فان امتنع يجبره الحاكم، أو يقلعه هو؟ وجوه:

و الأظهر هو الأخير، فانه و ان لم يكن له من ابتداء الأمر القلع لأنه تصرف في مال الغير و هو غير جائز، الا انه بعد امتناعه يجوز له قلعه، اما لأنه اسقط حرمة ماله بالامتناع،

أو لأن توقف جواز القلع علي الاذن ضرري مرفوع بالحديث.

و علي اي حال لا دليل علي لزوم الرجوع الي الحاكم، فانه انما يرجع إليه في موردين:

الأول: فيما إذا كان لشخص حق علي الآخر و امتنع من عليه الحق منه، فانه يرجع إليه لكونه ولي الممتنع.

الثاني: فيما إذا كان لشخص ولاية علي تصرف لازم عليه، و المقام ليس داخلا في شي ء من الموردين،

اما الأول: فلأنه لا حق للمغبون علي الغابن،

و أما الثاني: فلأن الغابن لا ولاية له علي التصرف بل انما يجب عليه القلع فقط.

فالأظهر هو الرجوع إليه، فان امتنع قلعه بنفسه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 460

من ان صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان صار ملكا للغير، فلا حق للغرس كما إذا باع ارضا مشغولة بماله و كان ماله في تلك الأرض ازيد قيمة، (1) مضافا الي ما في المختلف في مسألة الشفعة، من ان الفائت لما حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه و من ان الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان مضافا الي مفهوم قوله صلي الله

عليه و آله: ليس لعرق ظالم حق (2)

فيكون كما لو باع الأرض المغروسة، و من ان الغرس إنما وقع في ملك متزلزل، و لا دليل علي استحقاق الغرس (3) علي الأرض البقاء، و قياس الأرض المغروسة علي الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها و لا تغرم لها اجرة المثل فاسد للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه

______________________________

الجهة الثالثة: في انه لو قلعه هل يستحق الغابن ارش الغرس ام لا؟ وجهان:

(1) قد استدل للأول: بما في المكاسب، و حاصله: ان الغابن مستحق لصفة منصوبية الغرس، فإذا زال هذا الوصف بقلع المغبون غرم له تفاوت ما بين كون الغرس منصوبا و غير منصوب.

و فيه: ان الغابن في ابتداء الأمر غرس بحق، و لكن بعد ما فسخ المغبون المعاملة و انتقلت العين بما لها من المنافع الي المغبون يكون بقاء الغرس و منصوبيته في هذا المكان بقاء بغير حق، فلا موجب للأرش، كيف و ليس لعرق ظالم حق،

فالحق انه لا يستحق الارش.

(2) قوله مضافا الي مفهوم قوله عليه السلام ليس لعرق ظالم حق «1»

قد مر ان المقام داخل في منطوق قوله عليه السلام.

(3) قوله و من ان الغرس انما وقع في ملك متزلزل و لا دليل علي استحقاق الغرس محصل هذا الوجه، ان الغابن يستحق الغرس مع وصف منصوبيته، نعم لا يستحق المنصوبية في المكان الخاص و عليه فلمالك الارض قلعه مع الارش، اما القلع فلعدم استحقاق الغابن النصب في هذا المكان و أما الارش فلفوات وصف المنصوبية

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من كتاب الغصب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 461

فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض.

فالتحقيق ان كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له علي الآخر و لا عليه له (1) فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه، فإن اراد مالك الغرس قلعه فعليه ارش طم الحفر، و ان اراد مالك الأرض تخليصها فعليه ارش الغرس، اعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما، و كونه مقلوعا، و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه، (2) لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه الي دوام ثبوت هذا المال الخاص له، فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان، فافهم.

و يبقي الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر الي ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش، و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون انما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض المغروسة (3).

______________________________

و فيه: ان المتحقق وصف خاص و هو النصب في مكان خاص لا وصفين النصب و النصب في مكان خاص ليستحق الغابن احدهما دون الآخر، فمع عدم استحقاقه ذلك الوصف لا حق له علي صاحب الارض لو قلعه،

(1) و بذلك يظهر ما في تحقيق المصنف رحمه الله.

(2) قوله و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه حاصل الاشكال انه إذا استحق الغابن خصوصية النصب و لذا تكون ملحوظة في مقام التدارك يستحق الابقاء و هو مضاد لاستحقاق المغبون القلع و محصل الجواب ان هناك امرين- النصب، و النصب في مكان خاص، و الذي يضاد حق المغبون الثاني، و الذي يكون منشأ

الغرامة هو الاول و قد عرفت ما فيه فلا نعيد.

(3) قوله فيشبه بيع الارض المغروسة ما ذكرناه في المقام يجري بعينه في تلك المسألة فان البائع إذا باع العين من غير استثناء شي ء من المنافع و انتقلت المنافع الي المشتري، يكون بقاء الغرس بغير حق فلا يستحق شيئا نعم في تلك المسألة يمكن ان يقال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 462

و ليس للمشتري قلعه، و لو مع الارش بلا خلاف. بل عرفت ان العلامة في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس، ثمّ إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع ام له مطالبة المالك بالقلع و مع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟

وجوه ذكروها فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الي داره، و يحتمل الفرق بين المقامين (1) من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك. و لذا قيل فيه بعدم وجوب اجابة المالك الجار الي القلع و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله. هذا

كله حكم التخليص و أما لو اختار المغبون الابقاء فمقتضي ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لأحد المالكين علي الآخر استحقاقه الأجرة علي البقاء لأن انتقال الأرض الي المغبون (2) بحق سابق علي الغرس، لا بسبب لاحق له، هذا كله حكم الشجر. و أما الزرع ففي المسالك انه يتعين ابقائه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر، (3) و لعله لامكان الجمع بين الحقين علي وجه لا ضرر فيه علي الطرفين بخلاف مسألة الشجر، فإن في تعيين ابقائه بالأجرة ضررا علي مالك الأرض لطول مدة البقاء، فتأمل.

______________________________

بظهور البيع مع استثناء الشجر في استثناء هذه المنفعة و استحقاق البقاء، بخلاف المقام فانه بالفسخ يعود العين مع جميع منافعها و صفاتها بلا استثناء

شي ء منها.

(1) قوله و يحتمل الفرق بين المقامين و فيه: ان الدخول في ملك الغير هناك و ان كان حدوثه بغير فعل المالك الا انه بقاء

يكون بفعله فان ابقاء الاغصان في دار الغير اشغال للفضاء.

(2) قوله و أما لو اختار المغبون الابقاء … لان انتقال الارض الي المغبون بحق سابق كون الانتقال بحق سابق اولا حق لا دخل له في استحقاق الاجرة بل المدار فيه انتقال هذه المنفعة من الارض الي المغبون و عدمه، إذ علي الاول يستحق الاجرة، و لا يستحقها علي الثاني:

(3) قوله و أما الزرع- لان له امدا ينتظر و لعله لامكان الجمع بين الحقين و اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله بان دفع الاجرة لو كان سادا للضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 463

و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه (1) لاستلزام نقص ارضه، فإن كلا منهما مسلط علي ماله و لا يجوز تصرفه في مال غيره الا بإذنه ام لا؟

لأن التسلط علي المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله، وجهان أقواهما الثاني.

و لو كان التغير بالامتزاج (2) فإما ان يكون بغير جنسه، و أما ان يكون بجنسه.

______________________________

في الزمان القصير لكان سادا له في الزمان الطويل و فيه: ان دفع الاجرة ساد من حيث المالية في الموردين، و الفرق بينهما انما هو من ناحية نقص الارض من حيث القيمة- فان اشتغال الارض بالغرس في المدة الطويلة،

يوجب نقص قيمتها بخلاف اشتغالها بالزرع فانه لا يوجب نقص قيمتها لقصر المدة،

نعم يرد عليه قدس سره ما اورده اولا و هو ان مناط استحقاق القلع لم يكن هو الضرر بل مناطه عدم استحقاق صاحب الغرس للمكان و هذا مشترك بين

الموردين.

(1) قوله و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه قد مر انه لا حق لمالك الغرس في الارض، و لا لمالك الارض في الغرس فله ان ينقله الي مكان آخر و لا أري وجها لجواز منعه الا من جهة استلزامه التصرف في ارض الغير و علاجه مراجعته في ذلك فان امتنع قلعه بنفسه أو تصداه الحاكم، و عليه اجرة طم الارض- بل اجرة المثل من يوم الغرس الي يوم القلع، و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

التغير بالامتزاج

(2) و أما المقام الثالث: - و هو التغير بالامتزاج- فقبل الدخول في البحث لا بد من تقديم امرين:

الأول: ان خلط مال بمال يتصور علي وجوه:

الأول: ان يكون بنحو لا يتميز احدهما من الآخر حسا كامتزاج الخل بالعسل الموجب لحصول حقيقة ثالثة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 464

فان كان بغير جنسه، فإن كان علي وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت، فهو في حكم التالف يرجع الي قيمته (1)

و ان كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل مع الانجبين.

______________________________

الثاني: ان يكون بنحو يتميز حسا و يكون كل من المالين باقيا علي ما هو عليه من الصورة.

الثالث: ان يكون بنحو لا يتميز حسا و لا تحصل صورة ثالثة، و يعد احد الخليطين مستهلكا في الآخر و تلفا كخلط ماء الورد بالنفط.

و مورد الشركة هو الوجه الأول، و دليله مضافا الي الاجماع: ان الخصوصية الشخصية لكل من المالين زالت و تلفت و التالف لا يتعلق به تكليف أو وضع، فمالك المال قبل الامتزاج لا يمكن ان يكون مالكا لشخص ماله بعد الامتزاج، فلا محالة يوجب التلف الاشاعة قهرا،

و لا فرق في ذلك بين المتحدين وصفا و المختلفين.

فما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، بان دليل الشركة هو الاجماع المختص بالمتماثلين ذاتا و وصفا، غير تام.

الثاني أنه للشركة مراتب:

الاولي: الشركة في العين بنسبة المالين في المقدار كما في مزج الجنس بالجنس مع تساويهما في الصفات، و الوجه فيها ان التالف خصوص الخصوصية الشخصية لا أصل المال و وصفه و ماليته.

الثانية: الشركة في العين بمقدار المالية لا الوزن كما في المزج بغير الجنس كمزج الخل بالعسل، إذ الفائت حينئذ غير الخصوصية الشخصية الصورة النوعية، فلا محالة يشتركان في قيمة الممزوج، و لكن من نفس الممتزج.

الثالثة: الشركة في الثمن كما في قصارة الثوب.

إذا عرفت هذين الأمرين،

فاعلم: ان الامتزاج تارة يكون بغير جنسه، و اخري يكون بجنسه.

(1) اما المورد الأول: فان كان علي وجه الاستهلاك عرفا فهو في حكم التالف و يرجع الي قيمته كما في المكاسب، و ان كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 465

ففي كونه شريكا (1) أو كونه كالمعدوم وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين و من تغير حقيقته، (2) فيكون كالتلف الرافع للخيار (3)

______________________________

الانجبين فقد ذكر المصنف رحمه الله فيه وجهين:

(1) احدهما: الشركة لحصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين.

(2) ثانيهما: كونه كالمعدوم لتغير حقيقته.

و اورد المحقق الايرواني رحمه الله علي الوجه الثاني: بانه لو كان هذا كالتالف كان الممتزج الآخر ايضا كالتالف، لأن نسبة الصورة الحادثة بالامتزاج الي كل من الممتزجين نسبة واحدة، و لازم ذلك ان لا يكون الممتزج مالا لواحد منهما، مع ان ذلك باطل بالضرورة.

و: تنقيح القول في المقام بنحو يظهر ما هو الحق و يجاب عن ايراد المحقق الايرواني رحمه

الله: ان الشركة انما تكون في مالين لشخصين، و أما إذا حدثت الصورة الثالثة في حال يكون المالين لمالك واحد فلا معني لحصول الشركة، و عليه فلو مزج الغابن الخل الذي اشتراه بالانجبين ثمّ فسخ المغبون المعاملة لا معني لرجوع الخل بالفسخ، الي صاحبه لعدم بقائه، و الصورة الثالثة لم تملك بالبيع كي تعود بالفسخ، فلا بد من اجراء حكم التلف عليه و هو رجوعه بماليته الي الفاسخ.

(3) و أما ما في المتن من ان حكمه ارتفاع الخيار، فالظاهر ان مراده ارتفاعه علي وجه يوجب رجوع العين.

حكم الامتزاج بالجنس

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه في مواضع:

الأول: في الامتزاج بالمساوي.

الثاني: في الامتزاج بالاردإ.

الثالث: في الامتزاج بالاجود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 466

و ان كان الامتزاج بالجنس، فإن كان بالمساوي يثبت الشركة، (1) و ان كان بالأردإ فكذلك و في استحقاقه لارش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه، (2)

______________________________

(1) اما في الموضع الأول: فقد حكم المصنف رحمه الله بالشركة.

و اورد عليه المحقق الاصفهاني رحمه الله بما حاصله: ان المزج ان كان بمال الأجنبي و حصلت الشركة بين الغابن و الأجنبي لا يبقي مجال لعود العين، إذ يستحيل عود الملك الاستقلالي بعد زواله، و الملك الاشاعي لم يكن بسبب البيع حتي يوجب فسخه عوده الي المغبون ليكون شريكا للمغبون،

و ان كان الامتزاج بمال الغابن فلا شركة قبل الفسخ، إذ الانسان لا يكون شريكا لنفسه، و فسخ العقد ان اوجب رجوع العين الي المغبون حقيقة فلا شركة و ان لم يوجب رجوع العين نظرا الي ان الامتزاج يمنع عن اعتبار الملك الاستقلالي شرعا فلا عود للعين.

و لكنه يمكن ان يكون نظر المصنف رحمه الله الي انه

و ان لم يمكن عود العين بالفسخ فيعد بحكم التالف، الا انه حيث يمكن ان يرجع بعض العين ممتزجا بما هو مثله كان ذلك متعينا في مقام اداء التالف، فيتعين ارجاع ذلك، و لهذا يحكم بالشركة.

(2) و أما الموضع الثاني: فقد احتمل المصنف رحمه الله فيه وجوها:

احدها: الشركة بنسبة المالين، و يكون الغابن ضامنا لارش النقص.

ثانيها: الشركة في العين بمقدار المالية.

ثالثها: الشركة في قيمة العين.

و قد اختار المحقق النائيني رحمه الله الوجه الأول، و علله: بانه إذا امكن الشركة في العين بنسبة المالين لا تصل النوبة الي المرتبتين اللاحقتين.

و فيه: انه لا وجه للشركة في العين، إذ العين كما عرفت في الموضع الأول بحكم التالف، و ليس رد بعضها ممتزجا بالأردإ اقرب الي التالف.

و عن المحقق الاصفهاني رحمه الله: اختيار الوجه الثالث نظرا الي انه و ان لم يكن وجه للشركة في العين الا انه حيث يمكن عود العين بماليتها من المالية الشخصية فهو المتعين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 467

و لو كان بالاجود احتمل الشركة في الثمن، بأن يباع و يعطي من الثمن بنسبة قيمته،

و يحتمل الشركة بنسبة القيمة (1) فإذا كان الاجود يساوي قيمتي الردي كان المجموع بينهما اثلاثا و رده الشيخ في مسألة رجوع البائع علي المفلس بعين ماله بأنه يستلزم الربا، قيل: و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة. بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن (2) و تفصيله ان التلف. اما ان يكون فيما وصل الي الغابن، أو فيما وصل الي المغبون، و التلف اما بآفة أو باتلاف احدهما أو باتلاف الأجنبي

______________________________

لأنه اقرب من المالية المطلقة.

و لكن: هذا يتم إذا كان المال من القيميات، و الظاهر انه من المثليات،

فيتعين دفع المثل ان امكن، و الا فما افاده متين،

اللهم الا ان يقال ان المالية الخاصة اقرب الي التالف من المثل و لا بعد فيه، و عليه فيتعين ذلك.

(1) و أما الموضع الثالث: فقد احتمل المصنف رحمه الله فيه احتمالين:

احدهما: الشركة بنسبة المالية.

ثانيهما: الشركة في الثمن.

ثمّ رد الأول: بانه يستلزم الربا، و وجهه انتقال ثلث المجموع الي المغبون بازاء نصفه،

فانه بالامتزاج يعطي النصف و يأخذ الثلث، و مع وجود سائر الشرائط من كون المبيع من المكيل و الموزون و عموم حرمة الربا لكل معاوضة و لو كانت قهرية يتوجه حكم الربا.

و الجواب ان هذا الوجه غير تام لعدم شمول دليل حرمة الربا للمعاوضة القهرية،

و لكن بما ذكرناه في الموضعين الأولين ظهر ضعف الاحتمال الأول، فالمتعين هو الثاني

حكم تلف العوضين

(2) قوله بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن الظاهر ان حكم التلف لا بد و ان يذكر في احكام الخيار، و انما اشار إليه المصنف ره في المقام من جهة ان المشهور بين الأصحاب ان تصرف المغبون قبل العلم بالغبن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 468

و حكمها انه لو تلف ما في يد المغبون، فإن كان بآفة، فمقتضي ما تقدم من التذكرة في الاخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم امكان الاستدراك سقوط الخيار (1)

لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره. و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار، فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله.

و كذا لو كان بإتلافه و لو كان باتلاف الاجنبي ففسخ المغبون اخذ الثمن و رجع الغابن الي المتلف ان لم يرجع المغبون عليه و ان رجع عليه بالبدل. ثمّ ظهر

الغبن ففسخ رد علي الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ و لو كان باتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن و ان فسخ اخذ الثمن، و لو كان اتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثمّ ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما ابرأه بمنزلة المقبوض، و لو تلف ما في يد الغابن بآفة أو باتلافه

______________________________

المخرج للمال عن ملكه مسقط لخياره، فتوهم ان التلف ايضا كذلك، بل هو اولي بان يكون مسقطا، فذكر حكم التلف في المقام لتنقيح ذلك.

و لا فرق بين تلف ما في يد المغبون و تلف ما بيد الغابن في الأحكام الا من جهتين نشير اليهما، فلا وجه للبسط و الأطناب في بيان الأحكام لكل منهما مستقلا، فلنفرض تلف ما في يد المغبون، و به يظهر حال تلف ما في يد الغابن.

و حق القول فيه يقتضي البحث في جهات:

الاولي: في انه هل يوجب سقوط الخيار ام لا؟ و محصل القول فيها: انه ان قلنا بان هذا الخيار متعلق بالعوضين و حقيقته جواز الرد و الاسترداد.

(1) كما هو مقتضي الوجه الذي ذكره العلامة و وجهه المصنف رحمه الله لمسقطية التصرف- تعين البناء علي مسقطية التلف، بل هو اولي بان يكون مسقطا، فانه في تصرف يمكن ان يقال بجواز الرد و انفساخ معاملته، و في المقام لا سبيل الي ذلك.

و بهذا يظهر امران:

احدهما: ان المصنف رحمه الله الملتزم بمسقطية التصرف من جهة ما افاده في تلك المسألة ليس له البناء علي العدم في المقام.

ثانيهما: ان ظاهر تبصرة العلامة ان التلف اولي من التصرف في عدم صحة الاستدلال، مع ان الامر بالعكس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 469

ففسخ المغبون،

اخذ البدل و في اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ، قولان. ظاهر الأكثر الأول.

و لكن صرح في الدروس و المسالك و محكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني و صاحب الحدائق و بعض آخر: انه لو اشتري عينا بعين فقبض احداهما دون الأخري فباع المقبوض، ثمّ تلف غير المقبوض، ان البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقه قبل القبض بخلاف البيع الثاني، فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض. (1)

و هذا ظاهر بل صريح في ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين،

و الفرق بين المسألتين مشكل، و تمام الكلام في باب الاقالة ان شاء الله تعالي،

______________________________

و أما ان قلنا بان هذا الخيار كسائر الخيارات متعلق بالعقد، فحيث ان العقد باق مع تلف العين ايضا، فلا وجه لسقوط الخيار بالتلف، و الأظهر هو الثاني.

نعم لو قلنا بشمول قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «1» لخيار الغبن يكون التلف بآفة سماوية موجبا لكون تلف ما عند المغبون من الغابن و انفساخ العقد،

و لكن المبني فاسد كما سيأتي.

(1) الثانية: ان قيمة التالف التي يرجع إليها هل هي قيمة يوم التلف كما احتمله العلامة و لعله ظاهر الأكثر، ام قيمة يوم الفسخ، كما ذهب إليه جماعة، ام قيمة يوم الأداء،

كما عليه المحقق الخراساني رحمه الله-؟ وجوه.

وجه الأول: ان القيمة في يوم التلف تقوم مقام العين في كونها متعلقة لحق الخيار.

و وجه الثاني: ما افاده السيد الفقيه من ان الانتقال الي الغابن انما هو من حين الفسخ، فلا بد من اعتبار قيمته حينه لا حين التلف الذي كان للمغبون.

و وجه الثالث: انه في موارد الضمانات تكون العين ثابتة في الذمة الي حين الأداء،

و لذا بنينا علي

ان الضامن يدفع قيمة يوم الأداء.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 470

و لو تلف باتلاف الاجنبي رجع المغبون بعد الفسخ الي الغابن لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله، و لأنه ملك القيمة علي المتلف، و يحتمل الرجوع إلي المتلف، (1) لأن المال في ضمانه، و ما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته و لذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة علي ذلك المتلف بما لو صالح به علي قيمته لزم الربا،

و صرح العلامة بأنه لو صالحه علي نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا، و ان صالحه علي قيمته بالأقل لزم الربا، بناء علي جريانه في الصلح

______________________________

و في المقام و ان كان التالف حين تلفه للمغبون، فلا يكون ضامنا، الا ان البيع بما هو متزلزل و متعلق لحق الخيار فتعتبر العين باقية في عهدة من هي عنده، و الفسخ يقتضي عود العين التي تكون في العهدة الي الفاسخ، و عليه فيتعين قيمة يوم الأداء.

و به يظهر ما في الوجهين الأولين.

الثالثة: انه لو اتلف المال الأجنبي، فهل الفسخ يقتضي الرجوع الي الغابن أو المتلف.

(1) و احتمل المصنف رحمه الله في المقام، الرجوع الي الغابن، و الرجوع الي المتلف،

و التخيير و في تلف ما عند الغابن و ان كان يذكر وجوها و لكن ظاهره اختيار ان المغبون يرجع الي الغابن و يذكر له وجهين جارين في المقام ايضا و كيف كان: فقد استدل للرجوع الي طرف المعاملة بوجهين:

احدهما: ان العوض يرجع الي الغابن، فيؤخذ منه المعوض أو بدله.

و فيه: انه إذا اتلف الأجنبي المال تثبت العين في عهدته، و مقتضي الفسخ رجوع العين الي المغبون،

و حيث انها في عهدة الاجنبي فيرجع إليه.

ثانيهما: ان الغابن يملك القيمة علي الأجنبي، و ليس لشي ء واحد الا قيمة واحدة،

فلا يعقل رجوع المغبون الي الأجنبي.

و فيه: ما تقدم من ان العين تثبت في عهدته،

فالأظهر انه يرجع الي الأجنبي، و لكن لا يتعين ذلك، بل له ان يرجع إليه، و ان يرجع الي المفسوخ عليه، لأن المال كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

الرابعة: انه لو اتلف الغابن ما في يد المغبون ثمّ فسخ المغبون العقد، فقبل الفسخ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 471

و يحتمل التخيير اما الغابن فلأنه ملك البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف في عهدته (1) قبل اداء القيمة، و ان كان باتلاف المغبون، فإن لم يفسخ غرم بدله و لو ابرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسح رد الثمن واخذ قيمة التلف لأن المبرأ منه كالمقبوض هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام، و ينبغي احالة الزائد علي ما ذكروه في غير هذا المقام و الله العالم بالأحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم إلي يوم القيام.

مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية

بناء علي الاستناد في ثبوته في البيع الي نفي الضرر، (2) نعم لو استند الي الاجماعات المنقولة امكن الرجوع في غير البيع الي اصالة اللزوم و ممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح الارشاد و صاحب التنقيح و صاحب ايضاح النافع و عن اجارة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا الي انه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح.

و لعله لكون الغرض الاصلي فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفي

______________________________

كانت

العين التالفة في عهدة الغابن، و بعده تثبت في عهدة المغبون، و نتيجة ذلك سقوط العهدة بالنسبة الي كل منهما كما لا يخفي.

(1) قوله و يحتمل التخيير اما الغابن فلانه ملك البدل و أما المتلف فلان المال المتلف في عهدته هذا الاحتمال و ان كان هو الاظهر كما عرفت الا انه لما ذكرناه، لا لما افاده قدس سره فان مبني احد فردي التخيير في كلامه اشتغال ذمة المتلف بالقيمة- و مبني الآخر دخول العين في العهدة و هما متقابلان

ثبوت خيار الغبن في غير البيع

(2) الموضع الخامس: في ثبوت خيار الغبن في سائر المعاوضات اقوال:

احدها: ثبوته فيها، اختاره فخر الدين و صاحبا التنقيح و ايضاح النافع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 472

و في غاية المرام التفصيل (1) بين الصلح الواقع علي وجه المعاوضة فيجري فيه، و بين الواقع علي اسقاط دعوي قبل ثبوتها، ثمّ ظهر حقيقة ما يدعيه و كان مغبونا فيما صالح به و الواقع علي ما في الذمم و كان مجهولا، ثمّ ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن احدهما علي تأمل. و لعله للاقدام في هذين علي رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان.

فقد اقدم علي الضرر و حكي عن بعض التفصيل (2) بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و كان الأقدام فيه علي المعاملة مبنيا علي عدم الالتفات إلي النقص و الزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن، و بين غيره.

و فيه مع ان منع صدق الغبن محل نظر ان الحكم بالخيار لم يعلق في دليل علي مفهوم لفظ الغبن حتي يتبع مصاديقه. فإن الفتاوي مختصة بغبن البيع و حديث نفي الضرر عام لم

يخرج منه الا ما استثني في الفتاوي من صورة الاقدام علي الضرر عالما به،

نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن اكل المال بالباطل امكن اختصاصها بما إذا اقدم علي المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال و الحاصل ان المسألة لا يخلو عن اشكال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الاجماع و الشهرة بالبيع و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع،

______________________________

ثانيها: عدم ثبوته فيها، و لعله الظاهر من اجارة جامع المقاصد.

ثالثها: عدم جريانه في خصوص الصلح، حكي عن المهذب البارع.

رابعها: التفصيل بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و بين غيره.

(1) قوله في غاية المرام التفصيل، قد عرفت تماميته.

(2) قوله و حكي عن بعض التفصيل بما حققناه ظهر تمامية ما افاده هذا البعض، فلا حاجة الي التكرار، و دفع ما اورده المصنف عليه.

و كيف كان فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في شمول دليل هذا الخيار لغير البيع.

الثاني: في قابلية الصلح في ذاته للخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 473

كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع،

لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض افراد ما عدا البيع، فلا يدل علي عموم غيره لما عدا البيع و من دلالة حديث نفي الضرر، علي عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في صورة امتناع الغابن، عن بذل التفاوت بعد الحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الاصحاب. و قد استدل به الاصحاب علي اثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما عدا البيع، لا يخلو عن قوة. (1) نعم يبقي الاشكال في شموله للصورة المتقدمة، و هي ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره

علي عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية، كما إذا احتاج المشتري الي قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية، فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بازائه، فإن في شمول الادلة لمثل هذا خفاء، بل منعا، الا ان يتم بعدم القول بالفصل، (2) و الله العالم.

______________________________

اما المقام الثاني: فقد تقدم الكلام فيه في خيار الشرط. فراجع.

(1) و أما المقام الأول: فان كان مدرك هذا الخيار هو الاجماع، مختصا بالبيع لأنه المتيقن من معقده و ان كان غيره من الشرط الضمني، أو نفي الضرر، «1» أو آية التجارة، «2» أو آية لا تأكلوا، «3» أو خبر تلقي الركبان، «4» أو خبر غبن المسترسل سحت، «5» لم يكن مختصا بالبيع لعدم الفرق في هذه الأدلة بين البيع و غيره من المعاوضات المالية المبنية علي المداقة،

و حيث ان المختار كون مدركه الشرط الضمني فلا وجه لدعوي الاختصاص.

(2) ثمّ انه بناء علي المختار، ان كانت المعاملة مبنية علي تساوي المالين نوعا كالبيع و الاجارة و الصلح القائم مقامهما جري فيها خيار الغبن الا مع الاقدام علي المعاوضة

______________________________

(1) الوسائل- باب 12 و 7- من ابواب كتاب احياء الموات و غيرهما من الأبواب المتقدم إليها الاشارة.

(2) النساء آية 29.

(3) نفس المصدر.

(4) و هو النبوي المروي عن غير طرقنا المتقدم.

(5) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 474

مسألة: اختلف اصحابنا في كون هذا الخيار علي الفور أو علي التراخي علي قولين (1)
اشارة

و استند للقول الأول: و هو المشهور ظاهرا الي كون الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي المتيقن و قرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ينتفع بعمومه، انتهي. (2)

و للقول الثاني: الي الاستصحاب (3) و ذكر

في الرياض ما حاصله ان المستند في هذا الخيار ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب و ان كان نفي الضرر وجب الاقتصار علي الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.

______________________________

بالغة ما بلغت فانه حينئذ يكون مسقطا لشرط التساوي، و ان كانت لعكس تلك و كان بنائها علي التسالم و التجاوز عن الحق كائنا ما كان كالصلح الواقع في مقام رفع الخصومة لا يكون هذا الخيار ثابتا فيها: لأنه يسقط شرط التساوي، و ان لم تكن مبنية لا علي ذلك و لا علي هذا كالجعالة، فثبوت هذا الخيار فيها و عدمه يدوران مدار الاشتراط و عدمه.

كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي

(1) مسأله: اختلف اصحابنا في كون الخيار علي الفور أو علي التراخي علي قولين.

لا يخفي ان هذا النزاع جار في كل خيار لم يكن لمدة الخيار تحديد من الشرع كخيار العيب و نحوه.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

(2) الاول: في عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» و انه هل يتمسك به في زمان الشك ام لا الذي هو مدرك القول بالفور.

(3) الثاني: في استصحاب الخيار الذي هو مدرك القول بالتراخي.

الثالث: في انه علي فرض المناقشة في كليهما هل هناك ما يرجع إليه لتعيين احدهما ام لا.

______________________________

(1) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 475

اقول: و يمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة، اما في وجوب الاقتصار علي المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب. و أما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم الازمنة، فإن اراد به عمومها المستفاد من اطلاق الحكم بالنسبة الي زمانه الراجع بدليل الحكمة الي استمراره في جميع الازمنة، فلا يخفي ان هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت

العموم، فإذا فرض خروج فرد منه، فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن، نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم (1) و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك في ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الازمنة أو عام لجميعها، فإن اللازم هنا استصحاب حكم الخاص (2) اعني الحلية لا الرجوع فيما بعد الزمان المتيقن الي عموم التحريم، و ليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب، و السر فيه ما عرفت من تبعية العموم الزماني للعموم الافرادي فإذا فرض خروج بعضها، فلا مقتضي للعموم الزماني فيه حتي يقتصر فيه من حيث الزمان علي المتيقن، بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع.

______________________________

(1) قوله نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم التنظير بالتحريم من جهة انه يقتضي الدوام و الاستمرار مع كون الزمان ظرفا محضا غير ماخوذ في موضوع الحكم.

(2) قوله فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص و ربما يورد عليه بان مدار جريان استصحاب حكم الخاص علي كون الزمان ظرفا في دليل الخاص لا علي كونه ظرفا في دليل العام و لكن يمكن الجواب عنه بانه قدس سره يصرح في الاصول بانه إذا كان الزمان قيدا في دليل الخاص يستكشف منه كونه قيدا في دليل العام و مثل لذلك بما إذا ورد اكرم العلماء ثمّ ورد لا تكرم زيدا يوم الجمعة قال إذ الاستثناء قرينة علي اخذ كل زمان فردا مستقلا فحينئذ يعمل عند الشك بالعموم و علي هذا إذا كان الزمان ظرفا بالنسبة الي حكم

العام يكون ظرفا بالنسبة الي الخاص فلا مانع من جريان الاستصحاب من هذه الجهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 476

نعم لو فرض افادة الكلام للعموم الزماني علي وجه يكون الزمان مكثر الافراد العام، بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما، الاقتصار علي المتيقن، لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه، كما إذا قال المولي لعبده:

اكرم العلماء في كل يوم بحيث كان اكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام ذلك العالم في اليوم الآخر، فإذا علم بخروج زيد العالم و شك في خروجه عن العموم يوما أو ازيد، وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول الي عموم وجوب الاكرام، لا إلي استصحاب، عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلي أصل آخر، كما ان في الصورة الاولي لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع الي العموم فما اوضح الفرق بين الصورتين (1).

______________________________

التمسك بآية الوفاء بالعقد عند الشك

و أما المورد الاول فالكلام فيه في جهتين:

الاولي: في انه إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الازماني و خصص ذلك بخروج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة ثمّ شك في ان خروجه عنه في تمام الأزمنة أو بعضها، فهل يرجع في زمان الشك الي عموم العام ام لا؟

الثانية: في خصوص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

اما الاولي: فتفصيل الكلام فيها في الاصول، و انما نشير الي ما هو الحق في المقام بنحو الاجمال و حاصله:

(1) ان المصنف رحمه الله ذهب الي ان العام ان كان له عموم ازماني و كان كل زمان

موضوعا مستقلا لحكم مستقل لينحل العموم الي احكام عديدة بتعدد الزمان يتمسك بعموم العام، فانه من عدم التمسك به يلزم التخصيص الزائد و أما إذا لم يكن له عموم ازماني بهذا المعني، بل كان الزمان ظرفا للحكم، و كان المجعول حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد فلا يتمسك به، فانه ليس في خروجه عن تحت العام دائما زيادة تخصيص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 477

ثمّ لا يخفي ان مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الاولي من الاطلاق المحمول علي العموم بدليل الحكمة و كونه في الصورة الثانية عموما لغويا، بل المناط كون الزمان في الاولي ظرفا للحكم و ان فرض عمومه لغويا، فيكون الحكم فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد، فيكون مرجع الشك فيه الي الشك في استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب و الزمان في الثانية مكثر لافراد موضوع الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني الي ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول و معلوم ان المرجع فيه إلي أصالة العموم، فافهم و اغتنم

______________________________

في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن.

و الجواب عنه امران:

الأول: انه لا بد من التمسك بالعام في المورد الثاني ايضا، و ذلك يبتني علي بيان مقدمات:

منها: ان الاطلاق عبارة عن رفض القيود، و عدم دخل شي ء من الخصوصيات لا دخل جميع القيود.

و منها ان العام الذي اخذ الزمان ظرفا لاستمرار حكمه له حيثيتان: احداهما:

عمومه الافرادي، ثانيتهما: اطلاقه الزماني، بمعني ان مقتضي اطلاقه استمرار الحكم الثابت لكل فرد في الزمان المستمر.

و منها ان المطلق إذا خرج منه فرد بقي الباقي بنفس الظهور الذي استقر فيه اولا إذا عرفت هذه الامور تعرف انه بعد مضي

زمان التخصيص يتمسك بعموم العام لا بحيثية عمومه بل بحيثية اطلاقه، بلا فرق بينه و بين سائر المطلقات.

لا يقال: انه إذا ثبت الحكم بعد ذلك الزمان لا يكون استمرارا للحكم الأول بل هو حكم آخر، فيلزم تعدد الواحد.

فانه يرد بان معني استمراره الثابت بالاطلاق المزبور ليس استمراره خارجا، بل جعل ظرف واحد لهذا الحكم الوحداني لا جعل حصتين من طبيعي الظرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 478

و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد بأن آية أَوْفُوا و غيرها مطلقة لا عامة، فلا تنافي الاستصحاب الا ان يدعي ان العموم الاطلاقي لا يرجع الا الي العموم الزماني علي الوجه الأول، فقد ظهر ايضا مما ذكرنا من تغاير موردي الرجوع الي الاستصحاب و الرجوع الي العموم، فساد ما قيل في الأصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الاولي، زعما منه ان الاستصحاب قد خصص العموم. و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع الي العموم و لو علي فرض عدم الاستصحاب، و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع الي الاستصحاب و لو علي فرض عدم العموم، فليس شي ء منهما ممنوعا بالآخر في شي ء من المقامين، إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول، لأن العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد و بين عدم وجوبه رأسا، نظير العقد الجائز دائما، فليس الامر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته، حتي يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن (1)

______________________________

فان قلت: ان المطلق له ظهور واحد في معني واحد مستمر، فإذا انقطع لا ظهور يتمسك به.

يرد عليك ان التقييد انما يكون لقيام

حجة اقوي من الحجة المزبورة، فلا يرفع اليد عن ذلك الظهور الواحد. و تمام الكلام في محله.

الثاني: انه لو تم ما افاده كان مختصا بما إذا كان التخصيص من الوسط، و أما إذا كان فرد خارجا عن العام من الأول فمن عدم التمسك بالعام بعد مضي زمان التخصيص يلزم التخصيص في العموم الافرادي ايضا، فنفس عمومه من تلك الحيثية يكفي في الحكم بثبوت حكم العام و التمسك به.

و في المقام وجهان آخر ان: احدهما للمحقق اليزدي، و الآخر للمحقق النائيني رحمه الله،

ذكراهما لعدم جواز التمسك بالعام بعد مضي زمان التخصيص إذا لم يكن له عموم زماني و قد اجبنا عنهما في زبدة الاصول و ليس المقام مقام ذكره فالاظهر هو التمسك بالعام مطلقا.

(1) و أما الجهة الثانية فالحق انه لا عموم زماني له بنحو يكون العقد في كل زمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 479

فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار علي ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم ايضا، نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات.

و أما استناد القول بالتراخي الي الاستصحاب، فهو حسن علي ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع، مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. و أما علي التحقيق من عدم احراز الموضوع في مثل ذلك علي وجه التحقيق، فلا يجري فيما نحن فيه الاستصحاب، فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معني لانسحابه في الآن اللاحق، مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل، لأن هذا موضوع آخر يكون اثبات الحكم له

من القياس المحرم. (1) نعم لو احرز الموضوع من دليل لفظي علي المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتي لا يحتمل ان يكون الشك لأجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.

______________________________

موضوعا مستقلا، و لكن له اطلاقا زمانيا، بمقتضي مقدمات الحكمة، و انه لو لم يكن حكما ثابتا في عمود الزمان لزم لغوية جعله: إذ لا أثر للزوم العقد في زمان واحد،

و بناء علي ما اخترناه من ثبوت الخيار من حين العقد يكون الخارج خارجا من الأول:

فيتمسك بالعام حتي علي المسلك الآخر.

استصحاب الخيار

اما المورد الثاني فقد اورد علي التمسك بالاستصحاب بوجوه:

(1) الاول في المتن، و حاصله: انه إذا كان دليل الحكم لفظيا مشخصا للموضوع و كان الشك في بقاء الحكم مع احراز الموضوع يجري الاستصحاب، و أما إذا كان غير لفظي أو لفظيا غير مشخص له و كان يحتمل كون الموضوع عنوانا لا يكون باقيا، فلا يجري الاستصحاب للشك في بقاء الموضوع،

و المقام من قبيل الثاني، فان دليل هذا الخيار الاجماع أو حديث لا ضرر،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 480

و أما ما ذكره في الرياض، ففيه انه ان بني الأمر علي التدقيق في موضوع الاستصحاب كما اشرنا هنا و حققناه في الاصول، فلا يجري الاستصحاب و ان كان المدرك للخيار الاجماع، و ان بني علي المسامحة فيه كما اشتهر جري الاستصحاب و ان استند في الخيار الي قاعدة الضرر، كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا الي احتمال ان يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم و ان ارتفع الا ان يدعي انه إذا استند الحكم الي الضرر، فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره و هو غير محقق في الزمان اللاحق

كما اشرنا

______________________________

و لا يكون الموضوع مشخصا في شي ء منهما، و لعله العاجز عن تدارك الضرر بالفسخ لا المتضرر بما هو متضرر، فلا يكون الاستصحاب جاريا.

و فيه: اولا: ان الموضوع ليس هو العاجز قطعا، لأنه لا يبقي مع الخيار و نفس الخيار رافع للعجز، فلا يعقل ان يكون هو الموضوع له.

نعم يمكن ان يقال بكونه علة لثبوت الخيار، لكن ذلك كالاجنبي عن دخله في الموضوع.

و ثانيا: ان ما افاده لو تم فانما هو لو قلنا بان المعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع الدليلي، و أما ان قلنا بان المعتبر بقاء الموضوع العرفي و ان لم يكن الموضوع الدليلي باقيا كما هو مبناه في الاصول، فلا يتم، فان الميزان حينئذ بقاء الموضوع بنظر اهل العرف الذين يرونه موضوعا بواسطة مناسبة الحكم و الموضوع.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من ان الشك في بقاء الخيار في المقام شك في المقتضي لا في الرافع، فانه لا يشك في مسقطية شي ء للخيار، بل في بقاء الخيار بحسب طبعه في عمود الزمان، مع قطع النظر عن طروء زماني عليه، فلا يجري.

و فيه: ان الخيار انما يشك في بقائه لو تمكن المكلف من اعماله و لم يعمله، و أما مع قطع النظر عن ذلك فله استعداد البقاء في عمود الزمان، فليس من قبيل الشك في المقتضي، مع ان الحق جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي ايضا.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله ايضا، و هو: ان دليل هذا الخيار ان كان هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 481

ثمّ انه بني المسألة بعض المعاصرين (1) علي ما لا محصل له فقال ما لفظه ان المسألة مبتنية علي ان لزوم العقد معناه ان اثر

العقد مستمر الي يوم القيامة، و ان عموم الوفاء بالعقود عموم زماني للقطع، بأن ليس المراد بآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل علي الدوام و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار ان الوفاء بها العمل بمقتضاها. و لا ريب ان مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإن دل دليل علي ثبوت خيار من ضرر، أو اجماع أو نص في ثبوته في الماضي، أو مطلقا

______________________________

حديث لا ضرر يكون الموضوع عنوان المتضرر، و حيث انه يحتمل ان يكون الموضوع هو الموصوف، فيكون باقيا، و ان يكون هو الوصف فلا يكون باقيا، فلا يكون بقاء الموضوع محرزا، فلا يجري الاستصحاب.

و فيه: اولا: ان عنوان المتضرر و وصفه يكون باقيا، و مجرد تمكنه من تداركه لا يرفعه.

و ثانيا: ان المعتبر بقاء الموضوع عرفا لا دليلا كما تقدم.

الرابع: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله ايضا، و هو: ان مدرك هذا الخيار ان كان حديث لا ضرر يكون الموضوع هو الحكم المعنون بالضرر، و يدل الحديث علي رفعه، فلزوم العقد ان كان ضرريا يكون مرفوعا، و الا فلا، و من يتمكن من اعمال الخيار و لو آنا ما فاللزوم ليس ضرريا عليه اصلا فالقضية المتيقنة غير المشكوك فيها باسرها موضوعا و محمولا و نسبة.

و فيه: بعد اصلاحه بارادة كون اللزوم بعد ذلك الآن ضرريا اقدم عليه، و الحديث يرفع حكم ما لم يقدم عليه، ان مدرك هذا الخيار عندنا و عنده هو الشرط الضمني، و لازمه ثبوت الخيار للشخص، فمع الشك في بقائه يستصحب،

فالحق ان هذا الاستصحاب لا محذور فيه سوي كونه من قبيل استصحاب الحكم، و المختار عدم جريانه لمحكوميته لاستصحاب عدم الجعل علي ما حققناه في محله.

(1) قوله

ثمّ انه بني المسألة بعض المعاصرين علي ما لا محصل له محصل ما يفيده هذا المحقق ان المسألة مبنية علي ثبوت العموم الزماني و عدمه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 482

بناء علي الاهمال لا الإطلاق في الأخبار، فيكون استثناء من ذلك العام و يبقي العام علي عمومه، كاستثناء ايام الاقامة و الثلثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر، أو ان اللزوم ليس كالعموم و انما يثبت ملكا سابقا، و يبقي حكمه مستصحبا الي المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، و الثاني وارد علي الأول فيقدم عليه و الأول اقوي، لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق اما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق، انتهي.

و لا يخفي ان ما ذكره من المبني للرجوع الي العموم و هو استمرار اللزوم مبني لطرح العموم و الرجوع الي الاستصحاب (1) و أما ما ذكره اخيرا لمبني الرجوع الي الاستصحاب.

______________________________

و علي الاول يحكم بانه علي الفور و علي الثاني يحكم بانه علي التراخي فهو ممن لا يفرق في التمسك بعموم العام بين ان يكون الزمان ظرفا له ام قيدا كما اخترناه و قد ذكر في وجه وجود العموم في المقام امرين احدهما ان معني الوفاء العمل بما يقتضيه العقد ابدا و لو من جهة ان مفاد العقد الدوام،

ثانيهما القطع بانه ليس المراد بالآية الوفاء بالعقد آنا ما بل علي الدوام و ذكر في وجه عدمه ان معني أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ترتيب اثر الملكية في اول الوهلة و علي الثاني انه انما يحكم ببقاء الملكية من جهة ان شأن الملكية المطلقة البقاء ما لم يرفعها رافع- و انما يحكم باللزوم للاستصحاب و عليه فعلي الاول بما ان العموم

موجود فمع الشك في الخيار يتمسك به و يحكم بعدم الخيار- و علي الثاني- مع الشك في الخيار بما ان الخيار ثابت قبل ذلك فيستصحب بقائه و هو حاكم و مقدم علي بقاء اثر العقد و هو قدس سره يختار الاول و محصل ما ذكره في وجهه ان اللزوم و وجوب الوفاء المستفاد من الآية الشريفة انما لا يحكم ببقائه لو زال علته و أما مع بقائها كما في الآية من جهة ان علته المعاهدة علي الملكية الدائمية و هي باقية فاللزوم ايضا باق.

(1) قوله مبني لطرح العموم و الرجوع الي الاستصحاب هذا علي مسلك المصنف رحمه الله من التفصيل في التمسك بالعموم بين كون الزمان ظرفا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 483

و حاصله ان اللزوم انما يثبت بالاستصحاب، فإذا ورد عليه استصحاب الخيار قدم عليه، ففيه ان الكل متفقون علي الاستناد في اصالة اللزوم الي عموم آية الوفاء، (1) و ان امكن الاستناد فيه الي الاستصحاب ايضا، فلا وجه للإغماض عن الآية. و ملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار، ثمّ انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه علي كلمات الجماعة ان الاقوي كون الخيار هنا علي الفور،

لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزماني في هذا المقام الي استمرار الحكم في الافراد، فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل علي العود إليه، كما في جميع الاحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع و لا باستصحاب الخيار لما عرفت من ان الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ، فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر ذلك

من حديث نفي الضرر تعين الرجوع الي اصالة فساد فسخ المغبون (2) و عدم ترتب الأثر عليه، و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا ليس كاستصحاب الخيار، لأن الشك هنا في الواقع.

فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي، فافهم و اغتنم و الحمد لله.

______________________________

ام قيدا و أما علي مبني المستدل الذي هو المختار عندنا فاستدلاله تام لا يرد عليه هذا الايراد.

(1) قوله ففيه ان الكل متفقون علي الاستناد … الي عموم آيه الوفاء يرد عليه انه ايضا ممن يتمسك بعموم الآية و لكن يقول انه علي فرض عدم العموم للآية يكون مدرك اللزوم الاستصحاب فاستصحاب الخيار يقدم عليه للحكومة.

اصالة فساد فسخ المغبون

و أما المورد الثالث: فقد تمسك المصنف رحمه الله للقول بالفور.

(2) باصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه مراده بها بحسب الظاهر استصحاب بقاء الملكية الثابتة قبل فسخ المغبون، و قد تقدم في مبحث المعاطاة ان هذا الأصل يجري، و لا يرد عليه شي ء مما اورد عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 484

هذا مضافا إلي ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولي و نكاحه و غيرهما من ان تجويز التأخير فيها ضرر علي من عليه الخيار و فيه تأمل.

ثمّ ان مقتضي ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الاخير هي الفورية العرفية (1) لأن الاقتصار علي الحقيقية حرج علي ذي الخيار، فلا ينبغي تدارك الضرر به و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم علي رده بين اهل هذا القول، لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب علي القول بفوريته ما هو اوسع من الفور العرفي. قال خيار العيب ليس علي الفور علي

ما تقدم، خلافا للشافعي، فإنه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدد و لا الركض للرد و ان كان مشغولا بصلاة أو اكل أو قضاء حاجة فله الخيار الي ان يفرغ، و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها، فلا بأس اجماعا. و كذا لو لبس ثوبا أو اغلق بابا و لو اطلع علي العيب ليلا فله التأخير الي ان يصبح و ان لم يكن عذر،

انتهي.

و قد صرح في الشفعة علي القول بفوريتها بما يقرب من ذلك و جعلها من الاعذار، و صرح في الشفعة بأنه لا يجب المبادرة علي خلاف العادة، و رجع في ذلك كله الي العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة و كل ما يعد تقصيرا و توانيا في الطلب، فإنه مسقط لها، انتهي.

______________________________

فتحصل: ان مقتضي العمومات و الاستصحاب هو القول بالفور، و لكن بما ان مدرك خيار الغبن هو الشرط الضمني، فما دام لم يجز العقد و لم يلتزم به، يكون الخيار باقيا. و لا يرد عليه بان تجويز ذلك ضرر علي من عليه الخيار، فانه لا ضرر عليه مع فرض انه غير ممنوع من التصرف في زمان الخيار، فالأظهر انه علي التراخي.

المراد من الفورية

(1) بقي الكلام في المراد من الفورية،

و تنقيح القول في ذلك: ان الفورية قسمان: فورية حقيقية، و هي اول مراتب الامكان دقة و فورية عرفية و لها مراتب، منها ما لا يلزم من الاقتصار عليه حرج علي من له الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 485

و المسألة لا يخلو عن اشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه، نعم

لو توقف الفسخ علي الحضور عند الخصم أو القاضي أو علي الاشهاد، توجه ما ذكر في الجملة مع ان قيام الدليل عليه مشكل الا ان يجعل الدليل علي الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار، فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه، فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه و كون تصرفاته فيه في معرض النقص، لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل، فالانصاف انه ان تم الاجماع الذي تقدم عن العلامة علي عدم البأس بالأمور المذكورة و عدم قدح امثالها في الفورية، (1) فهو و إلا وجب الاقتصار علي اول مراتب امكان انشاء الفسخ و الله العالم.

ثمّ ان الظاهر انه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر، (2) إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن، و الجاهل بحكمه، و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفورية.

فظاهر بعض الوفاق علي المعذورية و يشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا لتمكنه من الفسخ و تدارك الضرر، فيرجع إلي ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون يعد الزمان الاول

______________________________

(1) و منها: ما هو اوسع من ذلك كالأمثلة المذكورة في كلام العلامة ره و منها: ما هو اوسع من ذلك، و هو ما إذا لم يلزم منه ضرر علي من عليه الخيار، الا ان هذا اللفظ لم يرد في الدليل كي يقع النزاع في المراد منه، بل لا بد من الرجوع الي دليل الفورية و استخراج الحكم، و قد عرفت ان دليل الخيار لا إطلاق له فيشك في الخيار بعد مضي

زمان يتمكن من انشاء الفسخ، و المرجع فيه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و عليه فإذا كان الفسخ غير متوقف علي شي ء سوي قول فسخت فالمتعين هو البناء علي الفورية العرفية بالمعني الأول كما لا يخفي.

(2) و هل يكون الجاهل بالخيار معذورا في ترك المبادرة الي الفسخ علي القول بالفورية ام لا؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 486

و قد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير و المناط واحد و لو ادعي الجهل بالخيار فالاقوي القبول الا ان يكون مما لا يخفي عليه هذا الحكم الشرعي الا لعارض ففيه نظر.

و قال في التذكرة في باب الشفعة انه لو قال اني لم اعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت، لأني لم اعلم ان الشفعة علي الفور، فإن كان قريب العهد بالاسلام أو نشأت في برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله و له الاخذ بالشفعة و إلا فلا، انتهي.

فإن اراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة إليه، لأن اكثر العوام و كثير من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام، و ان أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه انه لا داعي الي اعتبار الظهور مع ان الأصل العدم و الاقوي ان الناسي في حكم الجاهل و في سماع دعواه النسيان نظر من انه مدع و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله.

و أما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع علي الغبن ثمّ السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ العرفي، إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر

فافهم و الله العالم.

______________________________

الظاهر ان مدرك القول بعدم ثبوت الخيار مع العلم بالغبن و حكمه انما هو انه مع ذلك لا يكون شارطا بالشرط الضمني تساوي المالين، و يكون مقدما علي الضرر، فالضرر انما يجئ من ناحية اقدامه، و حديث لا ضرر لا يرفع مثل ذلك، و عليه فلا وجه للتوقف في معذورية الجاهل بالجهل المركب و الغافل و لو كان جهله عن تقصير، فانه مع ذلك يكون شارطا و غير مقدم علي الضرر.

و توهم ان العالم بالخيار لا يبقي خياره، و المفروض ان الجاهل بالحكم غير معذور،

فيجري عليه حكم العالم فاسد، فان الحكم ببقاء الخيار مع الجهل ليس من جهة الجهل بعنوانه، بل من جهة كون الجاهل مشمولا لدليل الخيار بالتقريب المتقدم، مع ان هذا الحكم ليس لزوميا كي يكون مقصرا غير معذور في عدم تعلمه فيكون محكوما بحكم العالم.

و الحمد لله اولا و آخر و ظاهر و باطنا

الجزء السادس

[مقدمة المؤلف]

(بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق، و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة، و علي آله العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد،

فهذا هو الجزء السادس من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه، و هو آخر اجزاء هذه الموسوعة و قد من الله تعالي علي بالتوفيق لاتمام هذا السفر الجليل انه ولي التوفيق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 5

[تتمة القول في الخيار و أقسامه و أحكامه]

[تتمة أقسام الخيار]

الخامس خيار التأخير.
اشارة

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة ايام، فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو احق بالعين و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن (1) عند علمائنا اجمع، و الأصل في ذلك قبل الاجماع المحكي عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوي الاتفاق المصرح بها في التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره في التذكرة من ان الصبر ابدا مظنة الضرر المنفي بالخبر، (2) بل الضرر هنا اشد من الضرر في الغبن حيث ان المبيع هنا في ضمانه و تلفه منه و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه

______________________________

خيار التأخير

الخامس خيار التأخير.

(1) المشهور بين الاصحاب ما افاده العلامة في التذكرة، و ذكره المصنف في المتن قال و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن و عن غير واحد منهم العلامة في التذكرة و التبصرة دعوي الاجماع عليه

و عن ظاهر المبسوط و الاسكافي و صريح الكفاية و الحدائق بطلان البيع و انفساخه بعد الثلاثة، و توقف في الحكم جماعة منهم المحقق الأردبيلي (رحمه الله)

و قد استدل للمشهور مضافا الي الاجماع الذي ادعاه غير واحد- بوجوه:

(2) احدها: حديث لا ضرر «1» فان صبر البائع بعدم تصرفه في المبيع مع عدم اخذه الثمن، و ضمانه و تلفه منه لكونه من التلف قبل القبض، و وجوب حفظه المبيع للمشتري ضرر عليه فينفي بالخبر.

و فيه: اولا: ان هذا لا ينطبق علي ما بنوا عليه سعة و ضيقا، نفيا و اثباتا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 6

الاخبار المستفيضة (1) منها رواية علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: الاجل بينهما ثلاثة ايام،

فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح، قال: من اشتري بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجئ فلا بيع له و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه، ثمّ احتبست اياما ثمّ جئت الي بائع المحمل لأخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثمّ قلت لا و الله لا أدعك أو اقاضيك فقال:

أ ترضي بأبي بكر بن عياش قلت: نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر بقول من تحب «تريد» ان اقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، و إلا

فلا بيع له.

______________________________

و ثانيا: انه قد تقدم في خيار الغبن انه لا يصح الاستدلال به

علي نفي اللزوم و ثبوت الخيار.

و ثالثا: ان هذه المعاملة قبل مضي الثلاثة محكومة باللزوم، و خارجة عن تحت الحديث بالنص و الاجماع، فلا يصح التمسك به بعدها بناء علي عدم جواز التمسك بما لا عموم زماني له بعد مضي زمان التخصيص.

و رابعا: ان الضرر من ناحية كون تلفه منه لا يرتفع بالحديث لقاعدة: كل مبيع تلف … الخ و من الناحيتين الأخيرتين يمكن التخلص منه بالالتزام بان له اخذ المبيع مقاصة عن الثمن.

ثانيها: ان مقتضي اطلاق العقد تسليم المبيع و تسلم الثمن علي غير وجه المسامحة عرفا، و حيث انه غير منضبط عرفا حدده الشارع الأقدس بثلاثة ايام، فمرجعه الي الشرط الضمني و الخيار عند تخلف الشرط، و هذا في الجملة و ان كان متينا الا انه لا يثبت به ما افتي الأصحاب به من اختصاصه بالبائع و غير ذلك من القيود.

(1) ثالثها الاخبار كصحيح علي بن يقطين «1» و خبر اسحاق بن عمار «2» و رواية ابن الحجاج «3» المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) نفس المصدر ح 4.

(3) نفس المصدر ح 2

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 7

و صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قلت له: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده، فيقول آتيك بثمنه قال ان جاء ما بينه و بين ثلاثة ايام و إلا فلا بيع له. (1)

و ظاهر هذه الاخبار بطلان البيع، كما فهمه في المبسوط حيث قال روي اصحابنا انه إذا اشتري شيئا بعينه بثمن معلوم، و قال للبائع اجيئك بالثمن و مضي،

فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و ان لم يرتجع بطل البيع، انتهي.

و ربما يحكي هذا عن

ظاهر الاسكافي المعبر بلفظ الروايات، و توقف فيه المحقق الاردبيلي، و قواه صاحب الكفاية، و جزم به في الحدائق طاعنا علي العلامة في المختلف حيث انه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور، ثمّ اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد و حمل الأخبار علي نفي اللزوم.

______________________________

(1) و صحيح زرارة «1» المذكور في المتن، و نحوها غيرها و أما معتبر علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه السلام): عن رجل اشتري جارية و قال:

أجيئك بالثمن، فقال: ان جاء فيما بينه و بين شهر و الا فلا بيع له «2».

فهو غير معمول به بين الأصحاب، و لا قائل به، و علي فرض عدم وهنه بذلك فلمعارضته مع ما تقدم لا بد من طرحه أو حمله علي استحباب الصبر له و عدم الفسخ الي مضي المدة المذكورة كما قيل، أو مخصوص بالجارية كما عن الشيخ الطوسي.

و علي اي حال: فالمعتمد هي النصوص المتقدمة،

و تحقيق القول فيها، ان محتملاتها ثلاثة:

الأول: انه يشترط في صحة البيع القبض في الثلاثة، فمع عدم القبض في الثلاثة لا يكون البيع صحيحا من الأول، استظهره السيد من النصوص.

الثاني: صحة البيع قبل مضي الثلاثة، و بطلانه بمضيها مع عدم القبض أو انفساخ العقد بذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر ح 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 8

اقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا ان فهم العلماء و حملهم الأخبار علي نفي اللزوم (1) مما يقرب هذا المعني مضافا الي ما يقال من ان قوله (عليه السلام) في اكثر تلك الاخبار لا بيع له ((2) ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة الي المشتري فقط، و لا يكون الا نفي اللزوم من

طرف البائع، الا ان في رواية ابن يقطين فلا بيع بينهما، (3) و كيف كان فلا اقل من الشك فيرجع الي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع (4) و توهم كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم، فيرتفع

______________________________

و المشهور علي الأخير، و الآخرون علي الثاني،

و الأول خلاف الظاهر، فان ظاهر النصوص سؤالا و جوابا تمامية البيع قبل مضي الثلاثة، و نفي البيع من حين مضيها، فيدور الأمر بين الأخيرين.

و المصنف بعد اعترافه بظهورها في انفسها في الأول منهما ذهب الي ان هناك قرينتين صارفتين عن هذا الظهور.

(1) احداهما: فهم الاصحاب و حملهم الاخبار علي نفي اللزوم،

(2) ثانيتهما: ان قوله (عليه السلام) في اكثر تلك الاخبار لا بيع له ظاهر في ارادة انتفاء البيع بالنسبة الي المشتري خاصة، و حيث ان نفي الصحة لا يعقل من احد الطرفين، فلا محالة يكون المراد منه نفي اللزوم.

(3) ثمّ اورد علي الثاني منهما: بان في رواية ابن يقطين فلا بيع بينهما و لأجله تردد في ظهورها في نفي اللزوم، قال:

(4) و لا اقل من الشك فيرجع الي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع.

اما ما ذكره من القرينة الاولي فيرده ان فهم الأصحاب من حيث هو لا يصلح صارفا عن الظهور ما لم يوجب الاطمئنان بوجود القرينة الصارفة، و حيث انه يحتمل ان يكون منشؤه القرينة الثانية فلا يعتمد عليه،

فالعمدة بيان حال الثانية.

قد يقال: ان ظاهر تلك الجملة نفي الصحة من جهة كونها من قبيل نفي الحقيقة نظير لا صلاة الا بطهور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 9

بارتفاعه، مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة، (1) و انما هو حكم مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار،

______________________________

و فيه: ان نفي الحقيقة في

المخترعات الشرعية كالصلاة صحيح، و أما في الامور الحقيقية الخارجية أو الاعتبارية العقلائية فلا يصح. فتأمل.

و الحق: ان هذه الجملة مسوقة لبيان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، و ظاهر ذلك في نفسه و ان كان عدم ترتب الحكم الشرعي علي البيع من غير فرق بين الصحة و اللزوم،

لا ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من ان ظاهره نفي البيع المحكوم باللزوم شرعا و عرفا دون مطلق البيع،

الا ان قوله لا بيع له بعد ملاحظة ان الصحة غير قابلة للتبعيض بخلاف اللزوم ظاهر في ارادة نفي اللزوم.

و بعبارة اخري: ان المنفي هو البيع للمشتري لا البيع مطلقا، فمعني هذه الجملة: انه ليس للمشتري بيع يستحق به قبض المبيع من البائع بخلاف البائع، فان امر البيع بيده فله مطالبة المشتري بالثمن و له ترك ذلك بحل البيع.

و أما قوله (عليه السلام) في خبر ابن يقطين فلا بيع بينهما فلا ينافي ذلك لصدق النسبة اليهما بلحاظ احدهما.

لا يقال: انه يحتمل ان يكون المراد بالبيع المنفي المبيع كما هو المراد منه في قوله من اشتري بيعا فقوله لا بيع له ايضا ظاهر في فساد البيع و انفساخه.

فانه يقال انه خلاف الظاهر جدا، و مجرد استعماله فيه في صدر الحديث لا يصلح قرينة لذلك.

فتحصل: ان الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب.

(1) قوله مندفع بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة ما افاده قدس سره و ان كان متينا فان الصحة عبارة عن كون هذه المعاملة مشمولة لما امضاه الشارع و حكم بثبوت الملكية بعدها، و اللزوم عبارة عن عدم السلطنة علي حل المعاملة لا انه من انحاء وجود الملكية كما افاده السيد الا انه لو كان فصلا حقيقيا لها لما

كان ذلك مانعا عن اجراء الاستصحاب، فان تبدل مثل هذا الفصل عند العرف لا يوجب تبدل الموضوع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 10

ثمّ انه يشترط في هذا الخيار امور:

احدها: عدم قبض المبيع، (1) و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا، و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما، ((2) بناء علي ان البيع، هنا بمعني المبيع لكن في الرياض انكار دلالة الاخبار علي هذا الشرط و تبعه بعض المعاصرين و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد (3) يعني قبض بائعه الثمن و لا يخفي ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، (4) بل لم يوجد مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد، (5)

نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة

______________________________

و لذا بعد تبدل الجواز في البيع باللزوم، بانقضاء المجلس مثلا لا يري العرف الابقاء الملكية الثابتة في المجلس.

شرائط خيار التأخير
اعتبار عدم قبض المبيع

ثمّ انه يشترط في هذا الخيار امور:

(1) احدها: عدم قبض المبيع، و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا.

(2) و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بقوله (عليه السلام) في خبر علي بن يقطين المتقدم فان قبض بيعه بناء علي ان البيع هنا بمعني المبيع.

(3) و اورد عليه: باحتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد، يعني قبض البائع الثمن.

و اجاب المصنف (رحمه الله) عنه بجوابين:

(4) احدهما: ان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد.

(5) ثانيهما: اجراء اصالة عدم التشديد نظير اصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة.

و لكن يرد علي الأول:

منعه، و علي الثاني: ان التشديد و التخفيف من انحاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 11

ثمّ انه لو كان عدم قبض المشتري لعد و ان البائع بأن بذل له الثمن فامتنع من اخذه و اقباض المبيع (1) فالظاهر عدم الخيار لان ظاهر النص و الفتوي كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره، (2) فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله

______________________________

وجود الكلمة كالجهر و الاخفات، فاصالة عدم التشديد تعارض اصالة عدم التخفيف، مع ان المخفف مباين بحسب الهيئة مع المشدد،

و لا يقاس ذلك باصالة عدم المد، فان مقتضي المد زيادة الهمزة، فيمكن اجراء اصالة عدم الزيادة بخلاف المقام،

فالانصاف انه حيث يحتمل قراءة بيعه بالتشديد، و قراءة، قبض بالتخفيف فمفاد هذه الجملة اعتبار قبض البائع الثمن.

و يحتمل قراءة قبض بالتشديد، سواء قرأ بيعه بالتشديد أو التخفيف. فيكون مفادها اعتبار اقباض المبيع.

و يحتمل قراءة بيعه بالتشديد مع قراءة قبض بالتخفيف، فمفادها ايضا اعتبار اقباض المبيع، و لا معين لأحد الأخيرين، فتكون مجملة لا يستفاد منها اعتبار اقباض المبيع.

فالأظهر عدم اعتباره،

ثمّ انها هنا فروعا متفرعة علي اعتبار هذا الشرط:

(1) احدها: انه إذا بذل المشتري الثمن و البائع امتنع عن اخذه و اقباض المبيع، هل يثبت الخيار ام لا؟ و الظاهر عدم الخيار لا لما افاده السيد (رحمه الله) بان المدار في الأخبار علي عدم مجيئه بالثمن فمع بذله لا خيار،

فان هذا الوجه يتم بالاضافة الي عدم قبض الثمن لا بالإضافة الي عدم اقباض المبيع، بل لما افاده المصنف (رحمه الله)

(2) من ان ذلك كالقبض بملاحظة ملاك الخيار و هو الارفاق بالبائع،

و حيث ان عدم اقباض البائع مع بذل المشتري الثمن بامتناع منه، فلا موجب للارفاق، فلا خيار لعدم

الملاك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 12

و لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده، كما إذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن. ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا، وجوه رابعها ابتناء المسألة علي ما سيجي ء في احكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه. و لعله الاقوي (1) إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر علي البائع، الا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة. و أما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم و ان ادعي انصراف الاخبار الي غير هذه الصورة، لكنه مشكل كدعوي شمولها و لو قلنا بارتفاع الضمان و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، فالاقوي ايضا ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان و عدمه.

______________________________

ثانيها: انه لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده كما إذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن ففيه وجوه ثالثها التفصيل بين استرداده و عدمه،

رابعها ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه.

(1) و قد اختار المصنف (رحمه الله) الوجه الرابع، و محصل ما افاده في وجهه: ان ثبوت الخيار للبائع انما يكون من جهة الضرر، و هو انما يكون من جهات:

احداها: من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و عدم جواز تصرفه فيه.

ثانيتها: من جهة تأخير الثمن و عدم الانتفاع به مدة.

ثالثتها: من جهة ان ضمان المبيع و تلفه منه.

و الضرر من الجهتين الأوليتين يتدارك بالتمكن من المقاصة باخذ المبيع، و الضرر من الجهة الأخيرة يندفع بالالتزام بعدم الضمان، فلو بنينا علي ارتفاعه به لا يبقي محل

للخيار و الا فالخيار باق.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان مدرك هذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر بل النصوص الخاصة.

و ثانيا: ان ذلك لو تم فانما هو في صورة امكان الاسترداد، و معه يرتفع الضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 13

و ربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثمّ يدعه عنده عدم كفاية التمكين (1) و فيه نظر، و الاقوي عدم الخيار لعدم الضمان (2) و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الاخبار أو كالقبض لدعوي انصرافها الي صورة عدم قبض شي ء منه أو تبعيض الخيار بالنسبة الي المقبوض و غيره استنادا مع تسليم الانصراف المذكور الي تحقق الضرر بالنسبة الي غير المقبوض لا غير وجوه. (3)

______________________________

من الناحية الثالثة، فان تلفه و ان كان منه الا انه لا من حيث تلف مال الغير، بل من حيث انه ماله.

و ثالثا: انه لا يجوز التقاص مع عدم اقباض الثمن مطلقا، بل مع امتناعه عن الاقباض كما لا يخفي.

و استدل للثالث: بانه مع عدم استرداده يكون اذنا في القبض بقاء، و هو يكفي.

و فيه: ان صورة عدم الاسترداد مع التمكن منه اظن انها خارجة عن مورد النفي و الاثبات.

و استدل للأول- اي كون هذا القبض كلا قبض مطلقا- بالانصراف، اي انصراف النصوص عن صورة تحقق القبض علي غير الوجه المأذون فيه،

و لكن مع ذلك الأوجه هو الثاني، من جهة ان مدرك اعتبار هذا الشرط قوله (عليه السلام)

ان قبض بيعه فلو كان كل منهما بالتخفيف كان مفاده عدم الخيار مع قبض المشتري المبيع،

و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين اذن البائع و عدمه.

(1) ثالثها: لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، ففيه وجوه،

(2) اختار المصنف (رحمه

الله) الخيار علي القول بارتفاع الضمان و عدمه علي القول بعدم الارتفاع.

و الحق ان يقال: انه ان قلنا بان التمكن و التخلية بنفسه قبض فلا اشكال في السقوط،

و الا فمقتضي الجمود علي ظواهر النصوص عدم سقوطه.

(3) رابعها: انه لو قبض بعض المبيع فهل هو كلا قبض، أو كالقبض، أو يبعض الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 14

الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن (1) و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوي و قبض البعض كلا قبض بظاهر الاخبار المعتضد بفهم ابي بكر بن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة، و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة و فيه نظر (2)

______________________________

وجوه: اظهرها الأول لظهور قوله (عليه السلام) فان قبض بيعه في صحيح علي بن يقطين «1»

الذي هو المدرك لهذا الشرط في ارادة قبض المجموع لا البعض.

اعتبار عدم قبض مجموع الثمن

(1) الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن.

هذا الشرط مما اتفقت علي اعتباره كلمات الأصحاب و نصوص الباب،

انما الكلام في فروع:

الأول: انه لو قبض البعض فهل يسقط الخيار ام لا؟ وجهان:

استدل العلامة (رحمه الله) للثاني بخبر ابن الحجاج قال: اشتريت محملا فاعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثمّ احتبست اياما ثمّ جئت الي بائع المحمل لأخذه فقال: قد بعته،

فضحكت ثمّ قلت: لا و الله لا أدعك أو اقاضيك، فقال لي: ترضي بأبي بكر بن عياش؟

قلت: نعم، فاتيته فقصصنا عليه قصتنا فقال: أبو بكر يقول من تريد ان اقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته بقول: من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له «2»

حيث انه يدل ان قبض البعض كلا قبض.

(2) و تنظر فيه المصنف و اورد عليه المحقق

النائيني (رحمه الله): بان ابن عياش في ذلك الخبر قد فهم من كلام الامام (عليه السلام) اعتبار قبض المجموع، و عدم كفاية قبض البعض

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 15

و القبض بدون الاذن كعدمه (1) لظهور الاخبار في اشتراط وقوعه بالاذن في بقاء البيع علي اللزوم، مع ان ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه علي وجه يجوز له التصرف فيه باق. نعم لو كان القبض بدون الاذن حقا كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه.

فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرر البائع بالتأخير، (2) و ربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الاذن في الشرط السابق

______________________________

و المتنازعان قد قنعا بما حكي عن الامام (عليه السلام)،

فاستدلال العلامة (رحمه الله) به في محله.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لأن ابن عياش لم تثبت وثاقته و لا كونه شيعيا،

بل الظاهر كونه عاميا.

و ثانيا: ان فهم ابن عياش و المتنازعين لا يكون حجة علينا.

و ثالثا: انه ليس في الخبر ما يشهد بان ابن عياش فهم من كلام الامام (عليه السلام) عدم كفاية قبض البعض، كيف و هو غير متضمن الا لبيان نقل عبارة الامام (عليه السلام) في مقام الحكم،

و لا يتضمن تمييز المحكوم له عن المحكوم عليه.

و بما ذكرناه ظهر انه- مضافا الي عدم صحة الاستدلال به، لا يكون هو معتضدا لما يستفاد من النصوص،

فالمتعين الاستدلال له بظهور الأخبار لأنه يصدق انه ما قبض الثمن.

(1) الفرع الثاني: انه لو قبض البائع الثمن بدون اذن المشتري فهل هو كلا قبض مطلقا، أو كالقبض المأذون فيه،

ام يفصل بين كونه بحق

كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه فهو كالقبض المأذون فيه و بين كونه بباطل فلا يسقط الخيار كما اختاره المصنف (رحمه الله)؟ وجوه.

(2) و قد استدل المصنف (رحمه الله) لما اختاره: بان ظاهر الاخبار و ان كان اعتبار وقوعه بالاذن، الا انه إذا كان القبض عن حق تكون الأخبار منصرفة عنه و لا يتضرر البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 16

اعني قبض المبيع نظر إلي انهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم اقباض المبيع إياه، و في طرف الثمن عدم قبضه، (1) و فيه نظر، لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، فيعبر في طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له و هو القبض في الأول و الاقباض في الثاني، فتأمل.

______________________________

لا من جهة تأخير الثمن كما هو واضح و لا من جهة ضمان المبيع، لأن له دفع الضرر عن نفسه باقباض المبيع، فإذا لم يقبض كان هو المقدم علي الضرر، بخلاف ما إذا كان القبض عن غير حق، فانه لا يتمكن من دفع ضرر الضمان الا بالوقوع في ضرر التأخير.

و فيه: اولا: ان المتعين ملاحظة النصوص لا الضرر.

و ثانيا: انه إذا كان القبض بغير اذن لو اقبض البائع المبيع يحل له التصرف في الثمن فهو متمكن عن دفع الضرر في الفرضين باقباض المبيع من دون ان يقع في ضرر التأخير.

و ثالثا: ان عدم جواز تصرفه في الثمن حتي مع عدم اقباض المبيع لم يدل عليه دليل،

و مجرد ان له الامتناع عن اقباض الثمن لا يصلح شاهدا لعدم جواز تصرفه فيه بعد كونه ملكا له.

(1) و استدل للاول: بان المدار في الاخبار علي مجي ء الثمن و لا يصدق

ذلك في المفروض.

و فيه: ان هذا العنوان لا موضوعية له قطعا، و لذا لو فرض كونه مقبوضا له قبل ذلك أو في ذمته لا يحتاج الي شي ء آخر، بل هو طريق الي وصول الثمن الي البائع المتحقق في الفرض.

فالأظهر هو الثاني،

و يؤيده ان قبض الثمن ارتضاء للبيع، فيكون مسقطا للخيار من هذه الجهة،

و لعل سر تعبير الأصحاب عن هذا الشرط بعدم قبض الثمن هو ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 17

و لو اجاز المشتري قبض الثمن بناء علي اعتبار الاذن كانت في حكم الاذن (1) و هل هي كاشفة أو مثبتة اقواهما الثاني (2) و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.

الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين، (3) لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل علي منصرف النص مع انه في الجملة اجماعي.

______________________________

(1) الفرع الثالث: بناء علي اعتبار الاذن لو قبض البائع الثمن قبل مضي الثلاثة و اجاز المشتري بعد مضيها، فهل هي كاشفة فالخيار ساقط، ام مثبتة فهو باق؟ وجهان.

(2) اختار المصنف (رحمه الله) الثاني.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله: الظاهر انه لا ثمرة لهذا البحث، فان الرضا المذكور ان كان كاشفا أو كان مؤثرا في كون القبض اذنيا من الحين كان مقتضاه عدم الخيار،

اما علي الأول: فواضح، و أما علي الثاني: فلأن اجازة القبض السابق تدل علي الرضا بالمعاملة و هو من مسقطات الخيار.

و فيه: ان الرضا بالمعاملة ان كان مسقطا للخيار فهو رضا من له الخيار، و من له الخيار في المقام هو البائع و الراضي هو المشتري.

و كيف كان: فالأظهر هو الثاني، فان القول بالكشف انما يكون في تأثير العقد في الملكية

التي هي امر اعتباري، و أما في الامور الخارجية كاتصاف العقد بكونه مجازا فلا يعقل فيه الكشف و الا لزم انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و عليه ففي المقام إذا كان المسقط للخيار القبض المأذون فيه في الثلاثة فالإجازة بعدها لا توجب اتصاف القبض في الثلاثة بكونه ماذونا فيه، فالمتعين هو البناء علي عدم الكشف.

الشرط الثالث و الرابع

(3)

الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين

بلا خلاف فيه، بل هو اجماعي في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 18

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة، (1) نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات اصحابنا و ظاهره كونه مفتي به عندهم، و صرح به في التحرير و المهذب البارع و غاية المرام و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة، و قال في الغنية و روي اصحابنا ان المشتري إذا لم يقبض المبيع و قال اجيئك بالثمن و مضي، فعلي البائع الصبر عليه ثلاثا ثمّ هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن، هذا إذا كان المبيع مما يصح بقائه، فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا، ثمّ هو بالخيار ثمّ ذكر ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري و بعده من مال البائع ثمّ قال و يدل علي ذلك كله اجماع الطائفة، انتهي.

و في معقد اجماع الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين، و قد اخذ عنه في مفتاح الكرامة و غيره و نسب الي القاضي دعوي الاجماع علي غير المعين، و اظن الغلط في تلك النسخة.

______________________________

و قد استدل له:

بان المتبادر من النص غير ذلك.

توضيحه: انه لو اشترط تأخير الثمن فحيث ان الشرط في ثبوت الخيار عدم مجي ء المشتري بالثمن، و هذا انما هو فيما من شانه ان يجئ به، و مع اشتراط التأخير ليس من شانه ذلك، فيكون الفرض خارجا عن مورد النص.

و لو اشترط تأخير المبيع، فحيث ان الشرط عدم اقباض البائع، فيما وظيفته الاقباض، فلا يشمل ما إذا كانت وظيفته عدمه.

(1)

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهه،

كصاع من صبرة، نص عليه شيخ الطائفة في عبارة ظاهرة في كونه مفتي به عندهم، و صرح به في التحرير و المهذب البارع،

و جامع المقاصد و غيرها.

و ملخص القول فيه بالبحث في موارد:

الأول: فيما يستفاد من كلمات الأصحاب.

الثاني: فيما تقتضيه قاعدة نفي الضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 19

و الظاهر ان المراد بالثمن المعين في معقد اجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول لأن تشخص الثمن غير معتبر اجماعا. و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم، و من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف الي اجماع الفرقة و اخبار هم مع ما نسبه في المبسوط الي روايات اصحابنا مع انا نقول ان ظاهر المعين في معاقد الاجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة الي الثمن للاجماع علي عدم اعتبار التعيين فيه مع انه فرق بين الثمن المعين و الشي ء المعين، فإن الثاني ظاهر في الشخصي بخلاف الأول. و أما معقد اجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص بالشخصي، لانه ذكر في معقد الإجماع ان المشتري، لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق بالعين و لا يخفي ان العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد

الإجماعات. و أما حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي (1) لأنه المضمون علي البائع قبل القبض فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي

______________________________

الثالث: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فقد اتعب المصنف (رحمه الله) نفسه الزكية لاثبات ان المشهور بين الأصحاب اعتباره،

و لكن يرد عليه:

اولا: ان غاية ما اثبته (قدس سره) سكوت الفقهاء عن بيان حكم غير المبيع الشخصي،

و هذا لا يدل علي الاختصاص.

و ثانيا: انه معارض بان الشهيد (رحمه الله) نسب الخلاف الي الشيخ فقط، و قد نسب التعميم الي الأكثر، و عن الاحتجاج: دعوي الاجماع عليه.

و ثالثا: انه غير بالغ حد الاجماع.

و رابعا: انه لو كان بالغا حده لما كان حجة بعد معلومية مدرك المفتين.

(1) و أما المورد الثاني: فقد افاد المصنف (رحمه الله): ان قاعدة نفي الضرر تقضي الاختصاص، إذ المبيع الشخصي مضمون علي البائع قبل القبض، فيتضرر بضمانه، و عدم جواز التصرف فيه، و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 20

و أما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان علي لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع علي العين المعرضة للبيع و لا مناسبة في اطلاقه علي الكلي (1) كما لا يخفي و رواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع، و قوله: يدعه عنده فلم يبق الا قوله (عليه السلام) في رواية ابي بكر بن عياش: من اشتري شيئا، فإن اطلاقه و ان شمل المعين و الكلي، الا ان الظاهر من لفظ الشي ء الموجود الخارجي، كما في قول القائل اشتريت شيئا، «و لو في ضمن امور متعددة كصاع من صبرة» و الكلي المبيع ليس

موجودا خارجيا، إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج، لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتي يملكه، بل هو امر اعتباري يعامل في العرف و الشرع معه معاملة الاملاك، و هذه المعاملة و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه أو علي ما يعمه، الا انه ليس بحيث لو اريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج الي قرينة علي التقييد، فهو نظير المجاز المشهور،

______________________________

و اورد عليه السيد الفقيه: بانه يكفي في لزوم الضرر لو كان المبيع كليا ضرر الصبر عن الثمن و ان لم يكن ضمان.

و فيه: ان ضررية تأخير الثمن انما تكون من جهة عدم وصول ما انتقل إليه،

و حرمانه من التصرف فيما انتقل عنه و الا فمجرد حرمانه عن الانتفاع بالثمن لا يعد ضررا،

بل هو عدم النفع، و معلوم ان هذا يختص بالمبيع الشخصي. و لكن الذي يسهل الخطب ان المدرك لهذا الخيار ليس هو حديث نفي الضرر.

و أما المورد الثالث: فالألفاط الواقعة في النصوص المأخوذة موضوعا لهذا الخيار ثلاثة: البيع، المتاع، الشي ء. و قد ادعي المصنف (رحمه الله) اختصاص الجميع بالشخصي.

(1) اما الاول: فبدعوي ان المراد بالبيع المبيع، و هو قبل البيع يطلق علي العين الشخصية باعتبار معرضيته للبيع، و لا مناسبة في اطلاقه علي الكلي.

و فيه: اولا: ان اطلاق البيع ليس باعتبار المعرضية، إذ ليس هنا هذا العنوان بل باعتبار المشارفة و الأول: و عليه فكما يشمل الشخصي يشمل الكلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 21

و المطلق المنصرف إلي بعض افراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق الي القرينة، (1) فلا يمكن هنا دفع احتمال ارادة خصوص

الموجود الخارجي باصالة عدم القرينة فافهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس في ادلة المسألة من النصوص و الاجماعات المنقولة و دليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي، و ربما ينسب التعميم الي ظاهر الأكثر لعدم تقييدهم البيع بالشخصي، و فيه ان التأمل في عباراتهم، مع الانصاف يعطي الاختصاص بالمعين، أو الشك في التعميم، مع انه معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص، الا الشهيد في الدروس، حيث قال: ان الشيخ (رحمه الله) قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي الاصحاب، لكنك عرفت ان الشيخ (رحمه الله) قد اخذ هذا التقييد في مضمون روايات اصحابنا

______________________________

و ثانيا: ان اطلاقه في خبر اسحاق بن عمار انما يكون علي نحو الحقيقة، لقوله من اشتري بيعا إذ من المعلوم ان الاشتراء انما يكون بعد البيع، فهذا الاطلاق حقيقي و يصدق علي الكلي ايضا.

و أما الثاني، فالانصاف انه مختص بالشخصي، لأن المتاع ما يتمتع به و ينتفع به،

و من المعلوم ان هذا شأن الشخصي دون الكلي، مضافا الي قوله يدعه فانه ظاهر في الشخصي.

و ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من ان المراد به عدم قبضه الشامل للكلي، خلاف الانصاف، الا انه لا مفهوم له كي يدل علي عدم ثبوت الخيار فيما إذا كان المبيع كليا،

فيعارض مع غيره و يقيده.

و أما الثالث: فربما يدعي اختصاصه بالشخصي لوجهين:

الأول: ان الشيئية مساوقة للوجود، فهو لا يصدق علي الكلي.

و فيه: ان هذا و ان كان تاما الا انه لا اختصاص له بالموجود الخارجي، بل يشمل كل ماله نحو من الثبوت، و من انحائه الثبوت في الذمة.

(1) الثاني: ما

افاده المصنف (رحمه الله)، و حاصله: ان ارادة الشخصي منه علي العموم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 22

و كيف كان، فالتامل في ادلة المسألة و فتاوي الاصحاب يشرف الفقيه علي القطع باختصاص الحكم بالمعين، ثمّ ان هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما قال (1) في التحرير و لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما.

و في السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله: و لم يشترطا خيارا لهما أو لاحدهما، و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط، و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان و هو المتاع، و كيف كان، فلا اعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط سواء اريد ما يعم خيار الحيوان ام خصوص خيار الشرط، و سواء اريد مطلق الخيار و لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة ام اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة.

______________________________

ليست بحيث تحتاج الي قرينة، فيمكن ان يدعي انه المراد و لا يمكن نفيه باصالة عدم القرينة، كما في المجاز المشهور، و المطلق المنصرف الي بعض افراده انصرافا لا يحوج ارادة المطلق الي القرينة.

و فيه: ان المقام ليس نظيرا للمجاز المشهور، فلو كان فهو من قبيل المطلق المنصرف، و هو ممنوع، لأن بيع الكلي متداول، فلا ترجيح لأحد الثبوتين علي الآخر حتي يدعي الانصراف الي احدهما، مع ان المدار في حجية العموم ظهوره في العموم لا إصالة عدم القرينة.

فتحصل: ان الأظهر عدم الاختصاص بالشخصي.

ما قيل باعتباره في خيار التأخير

(1) و هنا امور قيل باعتبارها في هذا الخيار،

منها عدم الخيار لأحدهما اولهما.

و فيه اقوال اربعة:

الأول: ما عن العلامة في التحرير، هو: اشتراط خيار التأخير بعدم الخيار للبائع و المشتري مطلقا.

الثاني: ما عن ابن

ادريس، و هو: اعتبار ان لا يكون لهما خيار الشرط لا مطلق الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 23

سواء احدث فيها ام بعدها و اوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا الي دعوي انصراف النصوص الي غير هذا الفرض ان شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع.

و توضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في احكام الخيار، من انه لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار، (1) و لو تبرع احدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما في يده الآخر، و له استرداد المدفوع قضية للخيار، و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهي.

______________________________

الثالث: ما مال إليه صاحبا مفتاح الكرامة و الجواهر، و هو: اعتبار ان لا يكون للبائع خيار، و أما خيار المشتري فلا يعتبر عدمه.

الرابع: ما هو المشهور، و هو: عدم اعتبار هذا الشرط مطلقا.

و قد استدل للأول بوجوه:

(1) منها: ان من احكام الخيار عدم وجوب تسليم الثمن أو المثمن لمن له الخيار،

و بالتبع لا يجب علي الآخر تسليم ما انتقل عنه.

و قد تقدم ان ظاهر الأخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير،

كما ان ظاهرها ايضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الاقباض.

و فيه: ان ما افاده من ان من احكام الخيار عدم وجوب اقباض من له الخيار ما انتقل عنه- و ان اعترف به المصنف (رحمه الله) في باب القبض الا انه غير تام، إذ لا مدرك له سوي ما

افاده المحقق النائيني (رحمه الله)،

و هو: ان القبض و الإقباض من الشروط الضمنية، فإذا كان العقد خياريا كان كذلك بجميع ما تضمنه من الشروط، فكما لا يجب الوفاء بالعقد لا يجب الوفاء بما في ضمنه من الشروط. هذا بالنسبة الي من له الخيار،

و أما الآخر فلا يجب عليه التسليم، لأن التسليم و التسلم التزام من الطرفين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 24

و حينئذ فوجه هذا الاشتراط ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير، و ذو الخيار له حق التأخير، و ظاهرها ايضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الاقباض.

و الحاصل ان الخيار بمنزلة تأجيل احد العوضين و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار و تسليم انصراف الاخبار الي كون التأخير بغير حق (1) انه ينبغي علي هذا القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق، (2) و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم علي ثبوته فيه (3) كما يظهر من المختلف، و ذهب الصدوق الي كون الخيار في الجارية بعد شهر، الا ان يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما،

______________________________

فإذا لم يف احدهما به لا يجب علي الآخر ذلك،

و هو غير تام، فان الخيار ليس الا السلطنة علي حل العقد، و أما الشروط فان كان وجه توهم عدم وجوب الوفاء بها انها تابعة للعقد، فيرد عليه: ان التبعية انما تكون في الوجود لا في دليل النفوذ و اللزوم، فان دليل لزومها المؤمنون عند شروطهم،

و ان كان وجهه انه إذا كان العقد جائزا لا معني لكون الشرط لازما فيرد عليه ما تقدم في مبحث خيار المجلس و الحيوان من ان

ذلك فاسد، و انه لا منافاة بين ان يكون له اعدام الموضوع، و لكن علي فرض بقاء الموضوع يجب عليه الوفاء بالشرط.

و أما المقدمة الثانية المذكورة في الاستدلال فهي تامة، و قد مر تقريبها في الشرط الثالث.

و بذلك يظهر انه لا مورد لقول المصنف (رحمه الله)

(1) و تسليم انصراف الاخبار الي كون التأخير بغير حق الموهم لعدم التسليم.

و اورد عليه المصنف: - مضافا الي منع المقدمتين- بوجهين آخرين:

(2) احدهما: ان لازمه كون مبدإ الثلاثة بعد التفرق، مع ان ظاهر الاخبار كونه من حين العقد.

(3) ثانيهما: ان لازمه عدم جريان خيار التأخير في بيع الحيوان لثبوت خياره للمشتري، مع اتفاقهم علي ثبوته فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 25

فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة (1) و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخري، فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره، و قد اندفع بغيره و لدلالة النص و الفتوي علي لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له قال: (2) و دعوي ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة مدفوعة، بأن التأخير سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم بالسبب (3) و بين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع ان اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان و وجه ضعف هذا التفصيل ان ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة. و أما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب

______________________________

(1) ثمّ اجاب عن الثاني: بانه يمكن ان يكون مراد المستدل ان مبدأ الثلاثة في خيار التأخير بعد انقضاء ثلاثة الحيوان، من جهة انه مقتضي الجمع بين دليل خيار الحيوان و ما دل علي عدم

استحقاق التسليم في زمان الخيار و دليل خيار التأخير.

و بهذا البيان ظهر اندفاع ايراد السيد الفقيه علي المصنف (رحمه الله) من عدم ارتباط هذا الجواب بما اورده علي المستدل،

و لكن يرد عليه: ان هذا الجمع ليس عرفيا، فانه إذا كانت المنافاة بين دليل خيار الحيوان و دليل خيار التأخير- من جهة ان خيار الحيوان يوجب فقد شرط خيار التأخير،

حيث انه يكون عدم التسليم عن حق، و الشرط هو عدم التسليم عن غير حق- لا يصح الجمع بالنحو المذكور.

(2) و منها: ان الاخبار ظاهرة في لزوم البيع في الثلاثة، و خياريته بعدها، و حيث ان الخيار الثابت بعد الثلاثة هو الخيار المطلق، فالمنفي في الثلاثة هو الخيار المطلق، فيختص بغير صورة ثبوت الخيار في الثلاثة.

(3) و دعوي ان المثبت بعدها الخيار المقيد بكونه عن سبب خاص،

مندفعة باستحالة تقيد المسبب بسببه، و الا لزم كون الشي ء مقتضيا لنفسه و لاقتضائه و هو محال و دعوي ان المنفي خصوص خيار التأخير- اي ان المراد بالأخبار اللزوم من هذه الجهة مندفعة بمنافاته لقرينة المقابلة و تأخير الثمن من المشتري،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 26

فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير (1) و لذا لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس و منها تعدد المتعاقدين لأن النص مختص بصورة التعدد، (2) و لأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس (3)

______________________________

و بهذا يندفع ما اجاب به المصنف (رحمه الله) عن هذا الوجه.

(1) من ان عدم تقييد الحكم بالسبب لا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة الضرر بالتأخير.

و لكن يرد عليه: ان المثبت ليس هو الخيار المقيد بالسبب و لا المطلق، بل الحصة الخاصة من

طبيعي الخيار، و المنفي في الثلاثة ذات تلك الحصة لا مطلق الخيار.

و منها: انصراف النصوص الي غير هذا الفرض.

و فيه: انه لا وجه لدعوي الانصراف.

و قد استدل للثاني: بان مرجع شرط الخيار الي شرط تأخير المبيع من البائع، إذ مرجعه الي اخذ زمام العقد بيده، فله السلطنة عليه بما له من المقتضيات التي منها التسليم،

و قد تقدم اعتبار ان لا يكون التأخير عن حق.

و فيه: ان لزوم التسليم من آثار العقد اعم من اللازم و الجائز، و عليه فشرط الخيار لا يكون شرطا لكون زمام هذا الأثر بيده.

و قد استدل للثالث: بان هذا الخيار جعل لاندفاع ضرر البائع، فإذا كان هذا الضرر مندفعا من جهة ثبوت الخيار له من جهة اخري فلا موجب لخيار التأخير.

و فيه: ان مدرك هذا الخيار هو النصوص، فلا بد من ملاحظتها دون رعاية حكمة الجعل.

فتحصل: ان الأظهر هو القول الرابع.

و مما قيل باعتباره: تعدد المتعاقدين، و قد استدل لاعتباره بوجهين:

(2) احدهما: ان النص مختص بصورة التعدد، فان مورده ذلك.

و فيه: ان القبض و الاقباض من وظائف المالكين أو من له الولاية أو الوكالة المفوضة لا العاقدين بما هما عاقدان، و عليه فالعبرة بتعدد المتبايعين لا المتعاقدين.

(3) ثانيهما: ان هذا الخيار يثبت بعد خيار المجلس، و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 27

و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد الا مع اسقاطه.

و فيه ان المناط عدم الاقباض و القبض و لا إشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. و أما خيار المجلس فقد عرفت انه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد و علي تقديره فيمكن اسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا

بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان اعني عدم الاقباض و القبض، و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد، و منها ان لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية (1) فإن المحكي عن الصدوق في المقنع، انه إذا اشتري جارية فقال: اجيئك بالثمن، فإن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له و ظاهر المختلف نسبة الخلاف الي الصدوق في مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشتري جارية فقال: اجيئك بالثمن فقال: ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له و لا دلالة فيها علي صورة عدم اقباض الجارية و لا قرينة علي حملها عليها، (2) فيحتمل الحمل علي اشتراط المجي ء بالثمن الي شهر في متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه الي شهر،

______________________________

و فيه: اولا: ان خيار المجلس انما يثبت له إذا كان وليا أو وكيلا مفوضا من الجانبين أو من جانب و مالكا من طرف آخر، و لا يثبت للعاقد بما هو عاقد.

و ثانيا: انه يمكن اسقاطه أو اشتراط عدمه.

و ثالثا: انه قد تقدم انه لا يثبت بعد خيار المجلس فالأظهر عدم اعتبار هذا الشرط ايضا.

(1) و منها: ان لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية.

و قد استدل له بخبر ابن يقطين «1» المذكور في المتن.

(2) و اورد عليه المصنف (رحمه الله): بانه غير ظاهر في ارادة صورة عدم اقباض الجارية،

و يحتمل حمله علي اشتراط المجي ء بالثمن الي شهر، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه الي شهر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب

الخيار حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 28

و كيف كان، فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها علي بعض الوجوه،

ثمّ ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد، (1) وجهان، من ظهور قوله فإن جاء بالثمن بينه و بين ثلاثة، ايام في كون مدة الغيبة ثلاثة و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية ابن يقطين الأجل بينهما ثلاثة ايام، فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و هذا هو الاقوي. (2)

______________________________

و فيه: ما ذكره من عدم ظهوره في صورة عدم اقباض الجارية حق، لكن قد عرفت عدم اعتبار اقباضه في هذا الخيار،

مع انه لو قلنا باعتباره عدم ظهور هذا الخبر في اعتباره لا يكون اشكالا عليه، إذ لا يجب تعرض الدليل لجميع الخصوصيات،

مضافا الي امكان الالتزام بالفرق و انه لا يعتبر ذلك في بيع الجارية.

و أما الحمل الأول فيبعده (فاء) التفريع المعتضد بعدم تعيين المدة.

و أما الحمل الثاني فهو ابعد، فان قوله فلا بيع له كيف يحمل علي الاستحباب فالصحيح الجواب عنه باعراض الأصحاب عنه و عدم عملهم به.

(1) قال المصنف ثمّ ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد …

ظاهره (رحمه الله) ابتناء المسألة علي ان المراد بالمجي ء بالثمن في قوله ان جاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، هل هو معناه الظاهر الملازم للافتراق إذ لا يمكن المجي ء مع الاجتماع، أو معناه الكنائي و هو عدم اقباض الثمن، و هو (قدس سره)

(2) قوي الثاني بقرينة قوله (عليه السلام) في خبر ابن يقطين: فان قبض بيعه.

و لكن يرد عليه: ان خبر ابن يقطين في المبيع و

غيره في الثمن، فلا يكون احدهما قرينة علي الآخر، و الظاهر لا يرفع اليد عنه بواسطة احتمال ارادة المعني الكنائي، اللهم الا ان يقال: ان من المعلوم عدم اعتبار المجي ء بهذا المعني، و انه لو كان عنده الثمن فاقبضه لا يكون كافيا، فلا محالة يكون المراد به الاقباض. فالأقوي ان المبدأ من حين العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 29

مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
اشارة

احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال، و لا خلاف، (1) و في سقوطه بالاسقاط في الثلاثة وجهان، (2) من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة (3)

______________________________

سقوط خيار التأخير بالاسقاط

و تمام الكلام في المقام في طي مسائل:

الاولي: في مسقطاته، أو قيل بكونه مسقطا،

(1) احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا خلاف بين الاصحاب.

و لكن مدرك هذا الخيار ان كان هو الاجماع صح ما افاده و ان كان هي الأخبار أو قاعدة نفي الضرر لا يصح،

اما إذا كان هي النصوص فلأن مفادها نفي اللزوم بعد الثلاثة، و بديل ذلك هو الجواز لا حق الخيار القابل للاسقاط،

كما انه ان كان المدرك هي قاعدة نفي الضرر لا يصح اسقاطه، فان مقتضاها كما تقدم نفي اللزوم خاصة لا إثبات حق خياري قابل للاسقاط، بل هو يلائم مع كونه جوازا حكميا غير قابل للاسقاط،

و مقتضي الاستصحاب عدم سقوطه بشي ء من المسقطات.

لا يقال: انه يلتزم بسقوطه بالاسقاط بواسطة الاجماع.

فانه يجاب عنه: اولا: انه غير ثابت،

و ثانيا: انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام)،

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم سقوطه بالاسقاط و انه حق يقع، الكلام في اسقاطه و مسقطاته.

(2) و في سقوطه بالاسقاط في الثلاثة وجهان:

قد استدل علي عدم سقوطه بالاسقاط في الثلاثة بوجهين:

(3) احدهما: انه انما يثبت بعد الثلاثة، و سببه الضرر الحاصل بالتأخير غير المحقق في الثلاثة، فاسقاطه اسقاط لما لا يجب، فلا يصح.

و فيه: ان اسقاط ما لم يجب منجزا غير معقول، و أما معلقا علي ثبوته فهو معقول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 30

و لذا صرح في التذكرة بعدم جواز اسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده، مع انه اولي بالجواز

و من ان العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في اسقاطه (1) مضافا الي فحوي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد. (2)

______________________________

و لا دليل علي مبطلية التعليق سوي الاجماع غير الشامل للمقام من جهة انه تعليق علي ما يتوقف علي الشي ء، بل مبطلية التعليق مطلقا في غير البيع غير مسلمة.

ثانيهما: ما افاده المحقق الاصفهاني (رحمه الله)، و هو: ان المراد بالاسقاط ان كان هو الاسقاط الفعلي المنجز فهو غير معقول، و ان كان المراد الاسقاط معلقا علي تقدير ثبوته فهو معقول، الا انه لا دليل علي نفوذه، فان الدليل علي جواز اسقاط الحق هي القاعدة المجمع عليها من انه لكل ذي حق اسقاط حقه، و الظاهر منها ان من كان له حق فعلا له اسقاطه فعلا، و لا يشمل المقام.

و فيه: ان تلك القاعدة ليست مضمون رواية خاصة كي يستدل بظاهرها، بل هي مستفادة من دليل السلطنة بالتقريب المتقدم في خيار المجلس، و هو غير مختص بالصورة المفروضة،

مع انه قد تقدم في ذلك المبحث ان مدرك مشروعيته فحوي ما دل علي ان التصرف انما يكون مسقطا لكونه اسقاطا للحق و التزاما بالعقد. فراجع.

و قد استدل لجواز اسقاطه بوجوه:

احدها: ما افاده المصنف (رحمه الله)، و هو:

(1) ان العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في اسقاطه.

و فيه: ما تقدم في خيار المجلس مفصلا من انه لا ثبوت للشي ء قبل تحقق جميع اجزاء علته، و ان تحقق مقتضيه، و لا سقوط حقيقة قبل الثبوت، مع ان تمييز المقتضيات عن الشروط في باب الأحكام الشرعية مشكل، بل لا تكون الموضوعات و الأسباب و الشرائط مقتضيات قطعا. و تمام الكلام في محله.

الثاني: ما افاده المصنف (رحمه الله) ايضا، و هو:

(2) فحوي جواز

اشتراط سقوطه في ضمن العقد.

و فيه: ما سيجي ء منه (قدس سره) من انه يتم ذلك لو كان المدرك في الأصل الاجماع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 31

الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، (1) حكي عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد، و لعله لعموم أدلة الشروط (2) و يشكل علي عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء علي ان السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد، فإن الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط، و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط، (3) فإن كان اجماع علي السقوط بالشرط، كما حكاه بعض قلنا به، بل بصحة الاسقاط بعد العقد لفحواه و إلا فللنظر فيه مجال.

______________________________

و أما ان كان المدرك عموم ادلة الشروط فهو غير ثابت في الأصل.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله)، و هو: ان اسقاطه قبل ثبوته مرجعه الي اجتيازه عن حق مطالبة الثمن الثابت بالعقد.

و فيه: ان حق المطالبة لم يثبت كونه من الحقوق، و لعله من الأحكام غير القابلة للاسقاط.

فالصحيح ما ذكرناه في وجه سقوطه بالاسقاط في ضمن الجواب عن ادلة المانعين.

فراجع.

(1) الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد.

(2) و قد استدل لكونه مسقطا بعموم ادلة الشروط «1» و اورد عليه المصنف بناء علي عدم جواز اسقاطه في الثلاثة:

(3) بان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون الشرط.

و فيه: اولا: ان المشروط ان كان سقوطه بعد ثبوته لا يكون ذلك خلاف المشروع بل هو مشروع.

و ثانيا: ان المشروط ان كان هي النتيجة يكفي ادلة الشروط دليلا لصحة الشرط المذكور. و تمام الكلام في

محله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 4 من ابواب كتاب المكاتبة من كتاب العتق و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 32

الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة (1) فإن المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذ، و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا و هو حسن لو استند في الخيار الي الاخبار.

و أما إذا استند فيه الي الضرر، فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر ليتدارك بالخيار (2) و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير، فالخيار لا يوجب تدارك ذلك و انما يتدارك به الضرر المستقبل، و دعوي ان حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار مدفوع، بأن الاحكام المترتبة علي نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي، لا مجرد حدوث الضرر في زمان: و لا يبعد دعوي انصراف الاخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد بأن يقال: بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا و عدما، و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

______________________________

بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة

(1) الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة.

يقع الكلام تارة: بناء علي كون المدرك قاعدة نفي الضرر،

و اخري: بناء علي كونه الأخبار.

(2) اما علي الاول: فقد ادعي المصنف (رحمة الله) انه مسقط، و ذلك لانه لا ضرر في حال البذل فلا يضرر ليتدارك بالخيار، و الضرر السابق لا يتدارك به و انما المتدارك به الضرر المستقبل، و لا سبيل الي توهم كفاية حدوث الضرر لبقاء الخيار، لأن الحكم يدور مدار بقاء موضوعه.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله): بان الخيار حكم عدمي، و هو عنوان لعدم حكم الشارع باللزوم، و عدم حكم الشارع هذا يستصحب عند الشك، و ارتفاع المناط انما يضر باستصحاب الحكم الوجودي

دون العدمي.

و فيه: ان الخيار امر وجودي قطعا، و هو ملك فسخ العقد و السلطنة علي حله.

و ربما يورد عليه: بان مفاد لا ضرر نفي الحكم عن الموضوع الضرري، و مع انتفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 33

______________________________

الضرر بما ان الموضوع يكون باقيا و تبدل الضرر من قبيل تبدل الحالة لا يضر بالاستصحاب.

و فيه: ان المختار عنده و عندنا ان المنفي هو الحكم الضرري، فإذا لم يكن الحكم ضرريا لا يكون منفيا.

و أما علي الثاني: فمقتضي اطلاق النصوص و عدم استفصالها بين دفع المشتري للثمن بعد الثلاثة و عدمه عدم كونه مسقطا،

و لكن المصنف (رحمه الله) كأنه لا يسلم ذلك، لأنه بعد نقل الاستدلال لعدم السقوط بالاستصحاب قال: و هو حسن لو استند في الخيار الي الأخبار، و لعل منشأه ان قوله (عليه السلام)

ان جاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام لا إطلاق له ليشمل ما بعد لا لثلاثة، و حيث ان الشرطية الثانية تصريح بمفهوم الاولي، و المفهوم تابع للمنطوق سعة و ضيقا، فلا يكون شاملا للبذل بعد الثلاثة.

و لكن يرده: ان خبر اسحاق بن عمار متضمن لشرطية مستقلة، لاحظ قوله (عليه السلام)

و أما ما افاده (رحمه الله) من قرب دعوي انصراف الأخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد،

فيرد عليه: انه من المحتمل ان يكون حكم الشارع بالجواز مجازاة للضرر الذي اورده علي البائع، و عليه فلا وجه لدعوي الانصراف،

ثمّ علي تقدير الانصراف لا وجه لدعوي عدم جريان الاستصحاب، فان غاية ما يدعي قصور نصوص الباب عن الشمول لما بعد بذل المشتري الثمن، و هذا لا يمنع من اجراء الاستصحاب،

نعم علي المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية لا يجري في المقام.

فتحصل: ان

مقتضي اطلاق النصوص عدم كونه مسقطا.

و عليه فيقع الكلام في الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 34

الرابع: اخذ الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل (1) و إلا لم يحتج الي الاخذ به و السقوط به لأنه التزام فعلي بالبيع و رضاء بلزومه (2) و هل يشترط افادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن، فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع ام لا يعتبر الظن ايضا وجوه من عدم تحقق موضوع الالتزام الا بالعلم و من كون الفعل مع افادة الظن امارة عرفية علي الالتزام كالقول،

و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد، (3) و هذا من اوضح افراده و قد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف علي الرضا، و خير الوجوه أوسطها، لكن الاقوي الأخير

______________________________

اخذ الثمن من المشتري

(1) الرابع: و هو اخذ الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل.

يقع الكلام في المقام في جهتين:

الاولي: في ان اخذ الثمن هل يكون مسقطا ام لا؟ و ما الفرق بين هذا الخيار و سائر الخيارات حيث لم يحتمل احد فيها سقوط الخيار باخذ الثمن، و في هذا الخيار مضافا الي احتماله ذهب إليه جمع.

الثانية: في انه علي فرض كونه مسقطا من جهة كونه التزاما فعليا هل يعتبر العلم بكونه بقصد الالتزام، ام يعتبر الظن الشخصي، ام لا يعتبر الظن ايضا؟.

اما الجهة الاولي: فقد استدل لمسقطيته.

(2) بانه التزام فعلي بالبيع، و رضا بلزومه،

و لعل الفرق بينه و بين سائر الخيارات ان هذا الخيار من ناحية تأخير الثمن و تضرر البائع بعدم وصول ماله إليه، فيصح ان يقال ان اخذ الثمن التزام بالبيع.

و لكن الانصاف انه ليس التزاما

بالبيع، بل هو تتميم للمعاملة، و جعل للمعاوضة العقدية عملية، و هذا يلائم مع كون البائع بانيا علي الفسخ. فالحق انه بنفسه ليس مسقطا.

(3) و أما الجهة الثانية: فقد استدل لعدم اعتبار العلم أو الظن بما تقدم من سقوط خيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 35

و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن (1) المصرح به في التذكرة و غيرها العدم،

للأصل و عدم الدليل، و يحتمل السقوط لدلالته علي الرضا بالبيع، و فيه ان سبب الخيار هو التضرر في المستقبل، لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضي من ضرر الصبر و مطالبة الثمن لا يدل علي التزام الضرر المستقبل، حتي يكون التزاما بالبيع، بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار، و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن و نحوه مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد، حتي يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار. (2)

و بالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس الا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو التزامه بإسقاطه، أو اشتراط سقوطه، و ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل علي الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار و لو من جهة التضرر بلزومه، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، مع ان سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن ايضا محل نظر لعدم كونه تصرفا و الله العالم.

______________________________

الحيوان أو الشرط بما كان رضا نوعيا بالعقد، و هذا من اوضح افراده.

و فيه: ان التصرف انما يكون مسقطا لخيار الحيوان للنص غير الشامل لغيره،

فالميزان هو حصول العلم أو الظهور العرفي، و مع فقد هما لا يكتفي بالظن

ايضا.

(1) و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن؟ وجهان.

الظاهر ان مطالبته ليست من المسقطات لعدم كونها مسقطة في شي ء من الخيارات لا لعدم كونها تصرفا كما قيل إذ لا يلزم ان يكون الدال علي الاسقاط تصرفا، بل يكفي فيه كل ما يدل عليه من القول أو الفعل،

بل لعدم كونها دالة عليه.

(2) و أما ما افاده المصنف (رحمة الله) بناء علي كونها مسقطة لسائر الخيارات بانه في سائر الخيارات يكون سبب الخيار العقد و لو من جهة التضرر بلزومه، و أما في هذا الخيار فالسبب ليس هو العقد و لا الضرر الماضي، بل الضرر المستقبل، لأنه الذي يندفع بالخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 36

مسألة: في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي قولان، (1)

و قد تقدم ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار، مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد، و قد عرفت ان الاقوي الفور، و يمكن ان يقال في خصوص ما نحن فيه ان ظاهر قوله (عليه السلام) لا بيع له نفي البيع رأسا و الا نسب بنفي الحقيقة بعد عدم ارادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا (2) بأن لا يعود لازما ابدا، فتأمل.

______________________________

دون ما مضي، و مطالبة الثمن لا تكون التزاما بالضرر المستقبل، بل هي التزام بما مضي،

فيرد عليه: ان دليل الخيار هو النص، و لعل منشأه التضرر بالتأخير في الثلاثة،

و يكون الخيار مجازاة له لا تداركا.

فورية خيار التأخير و عدمها

(1) المسألة الثانية: في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي فيه قولان.

و الكلام في هذه المسألة يقع في موردين:

الأول: في بيان ما يستفاد من النص.

الثاني: فيما تقتضيه القواعد.

اما المورد الأول: فقد استدل المصنف (رحمه الله) علي القول بالتراخي:

(2) بان الانسب بنفي الحقيقة بعد عدم ارادة نفي الصحة هو

نفي لزومه رأسا،

فقوله (عليه السلام) لا بيع له ظاهر في التراخي.

و الجواب عنه ما ذكره جل المحشين: بان هذا ينافي ما تقدم منه آنفا من انصراف الأخبار الي صورة التضرر فعلا بلزوم العقد، إذ عليه لا يشمل اطلاق النص ما إذا كان التضرر مستندا الي اختياره بعدم فسخ العقد في اول ازمنة الامكان و لكن قد مر عدم تمامية ما افاده هناك،

فاطلاق النص يقتضي البناء علي التراخي، فان نفي لزوم البيع بقول مطلق معناه ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 37

ثمّ علي تقدير اهمال النص و عدم ظهوره في العموم يمكن التمسك بالاستصحاب (1) هنا، لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان، فعوده يحتاج الي دليل، و ليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب الخيار، لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع، و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة. اما لظهور النص و أما للاستصحاب.

مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة، كان من البائع اجماعا (2)

مستفيضا، بل متواترا، كما في الرياض، و يدل عليه النبوي المشهور و ان كان في كتب روايات اصحابنا غير مسطور كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، (3) و اطلاقه كمعاقد الاجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار ام تلف بعد بطلانه، كما لو قلنا بكونه علي الفور فبطل بالتأخير، أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال.

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فقد استدل المصنف (رحمة الله): بالاستصحاب للقول بالتراخي،

مع انه لم يسلم جريانه في خيار الغبن.

و ما افاده تام علي مسلكه، فانه انما منع من جريانه هناك من جهة ان الموضوع غير مستفاد من النص بالتقريب المتقدم، و في المقام يكون مستفادا منه،

و لكن قد عرفت انه لا مانع من

جريانه هناك من هذه الناحية، و لا يجري من جهة اخري، و هي موجودة في المقام، و هي عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.

فتدبر،

مع انه قد تقدم ان المرجع عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فراجع.

تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع

(2) الثالثة: و لو تلف المبيع فان كان التلف بعد الثلاثة كان من البائع اجماعا.

مستفيضا بل متواترا كذا في الرياض.

(3) و يشهد له: النبوي المعمول به بين الاصحاب غير المسطور في كتب روايات اصحابنا: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه «1».

______________________________

(1) المستدرك باب 9 من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 38

و قد يعارض النبوي بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك (1) المستفادة من النص و الاستقراء و القاعدة المجمع عليها، من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، (2) لكن النبوي اخص من القاعدة الاولي، فلا معارضة و القاعدة الثانية لا عموم فيها، يشمل جميع افراد الخيار لا جميع احوال البيع، حتي قبل القبض، بل التحقيق فيها كما سيجي ء ان شاء الله اختصاصها بخيار المجلس. و الشرط و الحيوان مع كون التلف بعد القبض و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع ايضا. (3)

______________________________

و قد اورد عليه: بانه يعارض مع قاعدتين اخريين:

(1) احداهما: قاعدة التلازم بين النماء و الدرك المستفاد من النص الخراج بالضمان «1» و الاستقراء.

(2) ثانيتهما: قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «2».

و لكن الاولي اعم من النبوي فتخصص به،

بل يمكن ان يقال انه لا معارضة بينهما، فان مفاد النبوي علي ما هو المشهور انتقال المبيع الي البائع قبل التلف آنا ما، و التلف في ملكه، و في ذلك الآن و ان كان

زمانا قصيرا يكون النماء للبائع.

و أما الثانية: فهي غير شاملة للمقام لوجوه:

الأول: انها مختصة بخيار الحيوان و الشرط و لا تشمل كل خيار.

الثاني: انها مختصة بما بعد القبض، و لا تشمل ما قبل القبض.

الثالث: ان موردها ما إذا تلف ما انتقل الي من له الخيار، كما في الحيوان المنتقل الي المشتري، و في المقام التالف هو ما انتقل عن من له الخيار.

(3) و أما ان كان التلف في الثلاثة فالمشهور بين الاصحاب كونه من مال البائع،

و هو مقتضي النبوي،

و عن جماعة من القدماء منهم المفيد و السيد: كونه من المشتري.

و قد استدل له: بقاعدة ضمان المالك لماله، و لكنها مع جريانها في الصورة السابقة

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285 و سنن ابي داود ج 2 ص 255 و المبسوط كتاب البيوع.

(2) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 39

و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم المفيد و السيدان مدعين عليه الاجماع و هو مع قاعدة ضمان المالك لماله يصح حجة لهذا القول، لكن الاجماع معارض، بل موهون و القاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المخبر من حيث الصدور مضافا الي رواية عقبة بن خالد في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه حقه و لو مكنه من القبض (1) فلم يتسلم فضمان البائع مبني علي ارتفاع الضمان بذلك و هو الأقوي، قال

الشيخ في النهاية إذا باع الانسان شيئا و لم يقبض المتاع و لا قبض الثمن و مضي المبتاع، فإن العقد موقوف ثلاثة ايام، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة ايام كان المبيع له و ان مضت ثلاثة ايام كان البائع اولي بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه اياه كان من مال البائع دون المبتاع،

______________________________

اخص من النبوي فتخصص به.

فالتفصيل بين الصورتين في غير محله،

مع ان خبر عقبة «1» المذكور في المتن. يدل علي انه من مال البائع، و هو من جهة ان مفروض السؤال حيث قال: آتيك غدا فسرق المتاع هو التلف في الثلاثة لا بعدها مختص بهذه الصورة.

فاستدلال صاحب الجواهر (رحمه الله) به في الصورة السابقة في غير محله.

(1) و لو مكنه من القبض فلم يتسلم فتلفت السلعة.

فان قلنا بكفاية التخلية بين المال و مالكه و عرضه عليه في صدق القبض فلا كلام،

و الا فقد بني الشيخ (رحمه الله) ضمان البائع و عدمه علي ارتفاع الضمان بذلك و عدمه،

و هو (قدس سره) قوي الأول.

توضيحه: ان التمكين من المشتري يوجب ارتفاع ضمان البائع، و معه يرتفع الخيار،

و مع ارتفاعه لا يكون المورد مشمولا لقاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه للانصراف

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 40

و ان كان قبضه اياه ثمّ هلك في مدة الثلاثة ايام كان من مال المبتاع و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع علي كل حال، لأن الخيار له بعدها، انتهي. (1)

المحكي في المختلف و قال بعد الحكاية و فيه نظر، إذ مع القبض يلزم البيع، انتهي.

اقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين، فيشمل ما بعد القبض و

ما قبله خصوصا مع قوله علي كل حال، لكن التعميم مع انه خلاف الإجماع مناف لتعليل الحكم (2) بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد الثلاثة ايام، فإن المعلوم ان الخيار انما يكون له مع عدم القبض، فيدل ذلك علي ان الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.

مسألة: لو اشتري ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلا فلا بيع له، (3)

كما في مرسلة محمد بن ابي حمزة و المراد من نفي البيع نفي لزومه و يدل عليه قاعدة نفي الضرر، فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن.

______________________________

و فيه: ان الانصراف ممنوع و التلازم بين ارتفاع الخيار و ارتفاع الضمان ايضا كذلك،

فالأظهر انه من مال بائعه علي هذا المسلك.

(1) قال في محكي النهاية: و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع علي كل حال لأن الخيار له بعدها.

و يمكن ان يكون وجه التعميم في هذه الصورة: ان هذا الخيار لا يسقط بالاقباض بعد الثلاثة عنده، و هو ممن نسب إليه ان انتقال المبيع الي المشتري انما يكون بعد انقضاء الخيار من غير فرق بين الخيار المتصل و المنفصل، فانه علي هذا يكون التلف من البائع لوقوعه في ملكه، فلا يتوجه ايراد المصنف (رحمه الله) عليه.

(2) بان التعميم مناف لتعليل الحكم بان الخيار له بعد الثلاثة،

و انما لا يلتزم بذلك في الاقباض في الثلاثة من جهة ان الاقباض قبلها رافع لموضوع الخيار.

شراء ما يفسد من يومه

(3) الرابعة: المشهور بين الاصحاب: انه لو اشتري ما يفسد من يومه فان جاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 41

و من هنا يمكن تعدية الحكم الي كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر، و ان خرج عن مورد النص، كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين

فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا علي البائع، لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا، لان الموضوع فيه ما يفسد من يومه و الحكم فيه بثبوت الخيار من اول الليل، فيكون الخيار في اول ازمنة الفساد.

و من المعلوم ان الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا، لكن المراد من اليوم اليوم و ليله، (1)

______________________________

بالثمن ما بينه و بين الليل و الا فلا بيع له.

و قد استدل لثبوت هذا الخيار بوجوه:

منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن احمد عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابي حمزة أو غيره عمن ذكره عن ابي عبد الله أو ابي الحسن عليهما السلام: في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن، قال: ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الا فلا بيع له «1».

و الكلام فيه في موردين،

الأول: في سند الحديث.

الثاني: في فقهه.

اما الأول: فالاشكال فيه من وجوه:

منها انه مرسل.

و منها: ان محمد بن ابي حمزة مشترك بين ابن الثمالي و التيملي الذي لم يوثق.

و منها: ان من يروي عنه ابن يزيد لم يثبت كونه ابن ابي حمزة و لعله غيره.

و أما الثاني: فقوله من يومه اما يراد به في يومه من كون من للظرفية فيكون اول الليل الذي هو اول زمان الخيار بعد تحقق الفساد في النهار، و هذا الضرر لا يتدارك بالخيار،

و أما يراد به معناه المعروف و هو كونه للابتداء فيكون اول الليل الذي هو اول زمان الخيار بعد تحقق الفساد من اول اليوم و حاله حال السابق، فلا بد من التصرف باحد نحوين:

(1) احدهما: ما في المتن، و هو: ان المراد باليوم

و ليله

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 42

فالمعني انه لا يبقي علي صفة الصلاح ازيد من يوم بليله، فيكون المفسد له المبيت لا مجرد دخول الليل، فإذا فسخ البائع اول الليل امكن له الانتفاع به و ببدله، و لأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و انه ثابت عند دخول الليل و في معقد اجماع الغنية ان علي البائع الصبر يوما واحدا ثمّ هو بالخيار.

و في محكي الوسيلة ان خيار الفواكه للبائع فإذا مر علي المبيع يوم و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من الاصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير، لكن الاجماع علي عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها الي ما يوافق الدروس، و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه التي اسندها في الوسائل الي رواية زرارة (1) قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الي الليل فإن المراد بالعهدة عهدة البائع.

______________________________

فالمعني انه لا يبقي علي صفة الصلاح ازيد من يوم بليله.

ثانيهما: ما افاده بعض المحققين، و هو حمل ما يفسد علي الاشراف علي الفساد،

فيكون من المجاز بالمشارفة، و يصح جعل الخيار من اول الليل لئلا يقع في الضرر الذي اشرف عليه، و كل منهما صحيح لا مرجح لأحدهما علي الآخر،

و أما تقريب دلالته علي الخيار لا الانفساخ فهو ما تقدم في نصوص خيار التأخير.

(1) و منها: ما ارسله الصدوق في الفقيه، و في آخر الخبر: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الي الليل «1».

و الكلام فيه من جهتين:

الاولي:

في سنده، و هو مضافا الي كونه مرسلا، لم يثبت كونه تتمة الرواية، بل من المحتمل كونه من كلام الصدوق، بل في محكي الجواهر: لعله الظاهر.

الجهة الثانية: في دلالته، و قد يقال: ان مفاده جعل الخيار و نفي اللزوم، و في حاشية السيد: و يحتمل ان يكون المراد كون عهدة تلفه علي البائع يوما الي الليل و بعده علي المشتري

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 43

و قال في النهاية و إذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها و لم يقبض المبتاع و لا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما، فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم و إلا فلا بيع له، انتهي.

و نحوها عبارة السرائر، و الظاهر ان المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع علي حاله من اللزوم، و أما المتأخرون فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار، (1) و ان اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما، و من عبر بأن الخيار الي الليل، و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد الا متابعة عبارة الشيخ في النهاية

______________________________

من جهة تقصيره في الأخذ.

و لكن ان كان المراد بالعهدة عهدة المبيع تعين ارادة ما احتمله السيد، فان أثرها حينئذ ان دركه عليه و هو في ضمانه،

و ان كان المراد بها عهدة البيع تعين ارادة الأول، فان اثر عهدة البيع لزومه و عدم انفكاكه عنه،

و الظاهر هو الثاني، لأن عهدة المبيع لا تكون مغياة بزمان، بل بالقبض بخلاف عهدة البيع.

و منها: حديث لا ضرر «1» فان البائع ضامن للمبيع ممنوع من التصرف فيه محروم عن الثمن.

و ترد

عليه الوجوه الأربعة التي اوردناها علي الاستدلال به لخيار التأخير،

و منها: ان مقتضي اطلاق العقد تسليم المبيع و تسلم الثمن ما لم يفسد، و مرجع ذلك الي الشرط الضمني و الخيار عند تخلف الشرط.

و يرد عليه ما ذكرناه عند الاستدلال به لخيار التأخير.

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) منها ان ظاهر هذا الكلام و كذا كلمات جمع من الاساطين منهم اكثر المتأخرين: كون الليل، غاية للخيار، مع انه لا شبهة بحسب النص و الفتوي ان مبدأ الخيار الليل و قد اول المحقق الأردبيلي (رحمه الله) كلماتهم بجعل الي الليل متعلقا بما يفسد لا بالخيار،

و لكن ذلك يتم في كلمات جمع منهم دون جميعهم، لاحظ ما عن النهاية و عبارة

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 44

لكنك عرفت ان المراد بالخيار فيه اختيار المشتري، و ان له تأخير القبض و الاقباض (1) و هذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار، فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير و الاولي تعبير الدروس كما عرفت.

ثمّ الظاهر ان شروط هذا الخيار شروط خيار، التأخير (2) لأنه فرد من افراده كما هو صريح عنوان الغنية و غيرها، فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط.

نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة، و قد عرفت هناك ان التأمل في الادلة و الفتاوي يشرف

______________________________

التذكرة: فالخيار فيه الي الليل.

و قد تؤول كما احتمله المحقق الاصفهاني (رحمه الله): بان اطلاق الخيار باعتبار اول الأمر إليه بمضي اليوم و اقبال الليل باعتبار وجود مقتضيه و هو كون المبيع مما يؤول امره الي الفساد باقبال الليل و المقتضي له ثبوت بثبوت

مقتضيه و فعلية مقتضاه باقبال الليل.

و لكن هذا يتم في مثل عبارة النهاية و لا يتم في مثل عبارة التذكرة المتضمنة لكون الغاية الليل، فالمتعين حمل كلماتهم علي ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان مرادهم بالخيار معني غير الخيار المصطلح الثابت من اول الليل، و هو.

(1) ان المشتري مختار في المقبض و الاقباض في اليوم،

و ان له التأخير الي الليل من دون ان يستتبعه شي ء، و لازمه لزوم الصبر علي البائع الي الليل، و لزوم البيع عليه.

(2) و منها هل يعتبر في هذا الخيار شروط خيار التأخير كما عن الغنية و غيرها، ام لا؟ وجهان:

قد استدل للأول: بانه فرد من افراد خيار التأخير، و بوحدة لسان الدليلين.

و لكن الانصاف انهما متغايران، إذ المدار في خيار التأخير المتقدم علي تأخير قبض الثمن و هنا علي تأخير قبض المثمن، و الحكمة في ذلك الخيار دفع ضرر البائع من ناحية الصبر عن الثمن، و في هذا الخيار دفع ضرره من ناحية الفساد الموجب لضمان المبيع،

و مبدأ الخيار في المقام اول الليل، و في الخيار السابق بعد مضي ثلاثة ايام،

و عليه فالشروط المعتبرة في ذلك الفرد من التأخير لا وجه للبناء علي اعتبارها في هذا الفرد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 45

الفقيه علي القطع بالاختصاص أيضا و حكم الهلاك في اليوم هنا، و فيما بعده حكم المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثمّ ان المراد بالفساد في النص و الفتوي ليس الفساد الحقيقي (1) لأن موردها هو الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و

لا تهلك.

(2) بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الامور بسبب المبيت و لو لم يحدث في البيع إلا فوات السوق، (3) ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من كونه ضررا و من امكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر. (4)

______________________________

(1) و منها انه هل المراد بالفساد الحقيقي، أو ما يشمل تغير العين الحادث بسبب المبيت؟ وجهان،

اختار المصنف الثاني، و استدل له:

(2) بان مورد النص و الفتوي الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك.

و اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بان المراد به الفساد الحقيقي، و هو خروج العين الي حالة لا تتمول من جهة عدم ترتب الآثار المرغوبة من الطبيعة عليها مع: اندراجها بذاتها تحت الطبيعة، و أما الذي يخرج عن الصورة النوعية فذاك هو التلف دون الفساد كما توهمه المصنف (رحمه الله).

و لكن ما افاده في الفرق بين الفساد و التلف و ان كان متينا الا انه مع ذلك ليس المراد الفساد الحقيقي، إذ مرور يوم علي مثل البقول و الفواكه لا يوجب خروجها عن المالية، بل يوجب تغير العين بزوال طراوتها و شبهها.

(3) و منها انه لو لم يحدث في المبيع الا فوات السوق، فلا اشكال و لا كلام في عدم شمول النص و الفتوي له، لانه ليس من الفساد قطعا،

انما الكلام في انه إذا كان المدرك حديث لا ضرر. هل يشمله ام لا؟ المصنف (رحمه الله)

(4) جعل اثبات الخيار و نفيه دائرين مدار كون نقص القيمة ضررا أو فوات نفع و الحق انه ليس ضررا و لا فوت نفع بالنسبة الي البائع بعد عدم كون نقص القيمة السوقية موجبا لضمان البائع،

و هو ضرر بالنسبة الي المشتري، و لا يكون ذلك موجبا لجعل الخيار علي البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 46

السادس خيار الرؤية
اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان (1) و يدل عليه قبل الاجماع (2) المحقق و المستفيض حديث نفي الضرر، (3) و استدل عليه ايضا

______________________________

و بذلك ظهر ما في حاشية السيد، و هو ان الأقوي الالحاق، لأنه يصدق عليه الضرر عرفا و ان كانت العين باقية كما كانت، لأن المناط فيه فوات المالية، و لا فرق فيه بين نقص العين و القيمة، فالضرر صادق خصوصا في الأموال المعدة للتجارة.

خيار الرؤية

السادس: خيار الرؤية و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه فمن اشتري موصوفا غير مشاهد كان للمشتري خيار الفسخ إذا وجده دون الوصف و هذا التعبير اولي من تعبير المصنف حيث قال:

(1) و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه، فيه المتبايعان لأن مورد هذا الخيار ليس خصوص ما لو رأي المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان ليكون من افراد خيار الشرط، كما هو ظاهر المتن،

بل مورده ما إذا تخلف الوصف الذي وقعت المعاملة عليه سواء كان بالاشتراط أو باخبار البائع به و الاعتماد عليه من غير تعهد و التزام منه، أو برؤية بعض المبيع و اعتقاد موافقة بعضه الآخر له. و عليه فالنسبة بين مورد هذا الخيار و مورد خيار تخلف الشرط عموم من وجه، و المجمع ما كان التوصيف بعنوان الاشتراط، و مورد افتراق هذا الخيار ما اشرنا إليه، و مورد افتراق ذاك شرط الفعل.

و دليل هذا الخيار امور:

(2) الاول: الاجماع، و هو لمعلومية مدركه لا يعتمد

عليه.

(3) الثاني: حديث «1» لا ضرر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 47

منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقد المال صار الي الضيعة فقبلها، ثمّ رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام) انه لو قلب منها و نظر إلي تسع و تسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية و لا بد من حملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة. (1) اما بوصف القطعة الغير المرئية أو بدلالة ما رآه منها علي ما لم يره.

و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل

______________________________

و فيه: ما تقدم من انه لا يصلح منشئا لاثبات الخيار،

مع انه إذا كان المبيع بما له من التخلف يسوي بالذي دفع من الثمن لا يكون هناك ضرر الا من ناحية تخلف الغرض الشخصي.

الثالث صحيح جميل «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به: ان الظاهر من الخبر ان المشتري لرؤية عمدة الضيعة كان معتقدا ان ما لم يره يكون مثل ما رآه، فوقعت المعاملة صحيحة، ثمّ بعد المعاملة و ملاحظة ما لم يره و انه غير ما رآه ندم من المعاملة، و قد حكم (عليه السلام) بثبوت خيار الرؤية.

و فيه: انه لا يدل الخبر علي تخلف الوصف، و ان ما لم يره لم يكن مطابقا لما رآه لو لم يكن دالا علي خلافه، و عليه فليس هو من الخيار المصطلح، بل الظاهر منه ارادة البطلان. اما في الجميع لو رجع الضمير في قوله لكان

له فيها خيار الرؤية الي الضيعة، أو في خصوص القطعة التي لم يرها،

و لعل الأول اظهر من جهة ان مورد السؤال هو الضيعة بتمامها.

(1) قوله و لا بد من جملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة قد عرفت دلالة الصحيح علي البطلان و انه اجنبي عن المقام الرابع صحيح «2» زيد الشحام المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 48

اشتري سهام القصابين من قبل ان يخرج السهم، فقال (عليه السلام) لا يشتر شيئا حتي يعلم اين يخرج السهم، فإن اشتري شيئا فهو بالخيار إذا خرج قال في الحدائق.

و توضيح معني هذا الخبر ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)

اشتري الغنم جماعة ثمّ تدخل دارا ثمّ يقوم رجل علي الباب فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثمّ يخرج السهم قال: لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة، الخبر.

اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لأن المشتري لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية، و ان اشتري سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل، و علي الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع. (1)

______________________________

و تقريب الاستدلال به: انه يدل علي ان الحصة المشاعة بوصف البائع إذا تبين بعد وقوع السهم انها ليست علي ما وصف يثبت للمشتري خيار الرؤية.

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله): بان المبيع ان كان هو الحصة المشاعة فلا مورد لخيار الرؤية، و ان كان هو السهم المعين

الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل.

ثمّ مال هو (قدس سره) الي كون الخيار الذي يثبته الخبر خيار الحيوان إذا خرج السهم،

و الظاهر ان وجه نفي الموردية لو كان المبيع الحصة المشاعة ليس هو اشاعتها، حتي يرد عليه ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله): بان خيار الرؤية يجري في بيع المشاع إذا بيع بوصف المجموع فظهر الجميع علي خلاف الوصف.

بل وجهه ان التعيين المبني علي عدم التعديل في القسمة لا يصلح وجها لثبوت الخيار في البيع بل في القسمة.

و اورد عليه السيد الفقيه بقوله: يبعده قوله إذا خرج، فان خيار الحيوان غير معلق علي الخروج بل يثبت بمجرد العقد. انتهي.

و فيه: ان حكمة جعل خيار الحيوان الاطلاع علي العيب، و هو لا يكون الا بعد التعيين.

و لكن يرد علي المصنف (رحمه الله): ان الظاهر من الخبر كون المبيع ما يقع عليه السهم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 49

و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، و يكون له خيار الحيوان (1) إذا خرج السهم، ثمّ ان صحيحة جميل مختصة بالمشتري. و الظاهر الاتفاق علي ان هذا الخيار يثبت للبائع ايضا (2) إذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره،

فتبين كونه زائدا علي ما وصف

______________________________

و هو لغرريته باطل كما يشهد له قوله: لا تشتر شيئا … الخ الظاهر في الارشاد الي الفساد، و عليه فقوله له الخيار يكون المراد به ان له الخيار في انشاء معاملة جديدة بعد تعيين المبيع،

نظير ما ورد في نصوص بيع ما ليس عنده من قوله: و هذا عليك بالخيار ان شاء اشتراه منك بعد ما تأتيه و ان شاء رده.

و قد يحتمل ان يكون المراد بالخيار

خيار القسمة لكونها غير معدلة، أو للحاجة في التعيين الي التراضي، و علي اي حال فلا ربط له بخيار الرؤية.

(1) قوله و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة و يكون له خيار الحيوان الظاهر ان وجه تخصيص خيار الحيوان، بما إذا كان المبيع من قبيل الكلي في المعين دون الكسر المشاع، لحاظ الحكمة في ذلك الخيار، و هو الاطلاع علي العيب في الثلاثة إذ المشاع لو كان فيه عيب كان جزء منه للمشتري قهرا فلا يتوقف ثبوت الخيار علي خروج السهم بخلاف الكلي في المعين إذ لا تعين له للمشتري الا بعد التعيين من البائع أو تلف ما عداه.

الخامس صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «1» المذكور في المتن و فيه: انه اجنبي عن المقام بالمرة، بل وارد في مقام بيان كيفية التقسيم، و ان التقسيم بلا تعديل السهام علي النحو الذي بينه السائل باطل.

فتحصل: انه لا دليل عليه، و لكن الظاهر تسالم القوم علي ثبوته و سيأتي رجوع ذلك الي خيار الشرط، فيدل علي مشروعيته دليل ذلك الخيار و الله العالم.

و استقصاء القول في المقام بالتعرض لأمور:

(2) الاول: انه هل يثبت هذا الخيار للبائع ايضا كما هو المتفق عليه

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 50

و حكي عن بعض انه يحتمل في صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري، و حينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة اليهما علي تقدير هذا الاحتمال (1) و لا يخفي بعده و ابعد منه دعوي عموم الجواب و الله العالم.

مسألة: مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة، (2)
اشارة

و المعروف انه يشترط في صحته ذكر اوصاف المبيع التي يرتفع بها

الجهالة الموجبة للغرر، إذ لولاها لكان غررا و عبر بعضهم عن هذه الاوصاف بما يختلف الثمن باختلافه، كما في الوسيلة و جامع المقاصد و غيرهما، و آخر بما يعتبر في صحة السلم و آخرون كالشيخين و الحلي اقتصروا علي اعتبار ذكر الصفة.

______________________________

فلو لم يشاهده البائع و باعه بالوصف فظهر اجود كان الخيار للبائع ام يخص بالمشتري؟ وجهان.

و حق القول في المقام: ان مدرك هذا الخيار ان كان هو الاجماع، أو حديث لا ضرر أو ما دل علي ثبوت الخيار عند تخلف الشرط، لم يكن وجه للاختصاص بالمشتري. و أما ان كان المدرك هي النصوص الخاصة اختص به.

(1) و احتمال ان يكون التفتيش من البائع بان يكون البائع باعه بوصف المشتري فيكون الجواب عاما، بعيد، لعدم تقدم ذكر من البائع، و مرجع الضمائر المستترة في السؤال هو المشتري، و علي تقدير هذا الاحتمال كان الخيار مختصا بالبائع، إذ لا عموم للجواب.

مورد خيار الرؤية.

(2) الثاني: المعروف بين الاصحاب: ان مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة، و انه يشترط في صحته ذكر اوصاف المبيع بما ترتفع به الجهالة الموجبة للغرر. و قد اختلفت تعابيرهم عن هذه الأوصاف، و المراد واحد، و لذا ادعي الاجماع علي كل واحد منها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 51

و الظاهر ان مرجع الجميع واحد، و لذا ادعي الاجماع علي كل واحد منها، ففي موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم عندنا. و عنه في موضع آخر من التذكرة ان شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع و يجب ذكر اللفظ الدال علي الجنس، ثمّ ذكر انه يجب ذكر اللفظ الدال علي التميز

و ذلك بذكر جميع الصفات التي يختلف الاثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها، انتهي.

و في جامع المقاصد ضابط ذلك، ان كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره، فلا بد من استقصاء اوصاف السلم، انتهي.

و ربما يتراءي التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه و كفاية ذكر اوصاف السلم من جهة انه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الاوصاف لافضائه الي عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء علي التحقيق (1) و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه، قال في التذكرة

______________________________

و تنقيح القول فيه: ان المراد من العين الشخصية ما يقابل الكلي في الذمة: الشامل للكسر المشاع الذي هو جزئي بجزئية منشأ انتزاعه، و الكلي في المعين المتعين باضافته الي الجزئي الخارجي، لاما يقابل غير المتعين بتمام انحاء التعين و عليه فلا يرد عليه ما اورده بعضهم بعدم اختصاص الخيار بذلك و جريانه في الكلي الخارجي و في الحصة المشاعة لقاعدة الضرر و تخلف الشرط، بل يمكن دعوي فهم المثالية من صحيحة جميل كما ان مراده من الغائبة ليس هي الغيبوبة الخارجية: لعدم العبرة بها، بل المراد الغيبوبة الذهنية بمعني عدم المعرفة به، فلا ايراد عليه.

الثالث: في الاشكالات التي اوردت في المقام، و هي اربعة:

(1) احدها: انهم ذكروا في المقام ضابطين للاوصاف اللازم ذكرها، و هما: اعتبار الأوصاف الدخيلة في مالية العوضين، و اعتبار ما يعتبر في باب السلم، و هما متنافيان، فانه يكتفي في باب السلم باقل من ذلك،

و لا يعتبر الاستقصاء بذكر كل وصف دخيل في المالية، لأنه يؤدي الي عزة الوجود،

و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 52

في

باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة و ان تفاوت به الغرض و القيمة لافضائه إلي عزة الوجود، انتهي.

و قال في السلم في الاحجار المتخذة للبناء: انه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها فيقول: ما يحمل البعير منها اثنين أو ثلاثا أو اربعا علي سبيل التقريب دون التحقيق لتعذر التحقيق، و يمكن ان يقال: ان المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته، (1) مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض افراد السلم و ان كان يمكن ان يورد علي مسامحتهم هناك ان الاستقصاء في الاوصاف شرط في السلم غير مقيد بحال التمكن، فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه و تمام الكلام في محله، ثمّ ان الاوصاف التي يختلف الثمن من اجلها غير محصورة (2) خصوصا في العبيد و الاماء فان مراتبهم الكمالية التي يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدا و الاقتصار علي ما يرفع به معظم الغرر احالة علي مجهول، بل يوجب الاكتفاء علي ما دون صفات السلم

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله)- بعد الايراد علي القوم بان تعذر استقصاء الأوصاف في السلم موجب لفساد السلم لا الفتوي بعدم اعتبار ذكر الأوصاف فيه: بانه يمكن ان يكون مرادهم باعتبار ما يعتبر في باب السلم ما يعتبر في ذلك الباب بالطبع لو لا عروض المانع، فلا تنافي.

و فيه: ان الايراد علي القوم في غير محله، إذ لو حكمنا بفساد السلم في الفرض لزم سد باب السلم لما اشار إليه من عموم هذا العذر، و المعلوم من الشرع خلافه، مع ان حمل ما ذكروه في الضابط

الثاني علي ذلك لا شاهد له.

فالحق في الجواب ان يقال: ان مرادهم بالأوصاف الدخيلة في المالية الأوصاف الدخيلة في المالية بلحاظ الآثار المترقبة من ذلك الشي ء عند نوع العقلاء لا الأوصاف الدخيلة في المالية بحسب الغرض الشخصي، و عليه فيرتفع التنافي، إذ ما يتعذر استقصائه في باب السلم ما كان من قبيل الثاني دون الأول.

(2) ثانيها: ان الاوصاف التي يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 53

لانتفاء الغرر عرفا بذلك، مع انا علمنا ان الغرر العرفي اخص من الشرعي، و كيف كان فالمسألة لا يخلو عن اشكال و اشكل من ذلك ان الظاهر ان الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة، و علي هذا فيجب ان يعتبر في الرؤية ان يحصل بها الاطلاع علي جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه (1)

قال في التذكرة: يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهي.

و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة علي ما يعتبر في صحة السلم و بيع الغائب و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية علي جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة، فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة علي سن الجارية بل و لا علي نوعها و لا غيرها من الامور التي لا يعرفها الا اهل المعرفة بها،

فضلا عن مرتبة كمالها الانساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال، و يبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة، بل يلزم من ذلك عدم صحة

شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة الي نوعه أو صنفه أو شخصه، بل هو بالنسبة الي الاوصاف التي اعتبروها كالأعمي لا بد من مراجعته لبصير عارف، و لا أجد في المسألة أوثق من ان يقال: ان المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة، (2) فإن دل علي اعتبار ازيد من ذلك حجة معتبرة اخذ به

______________________________

العبيد و الاماء، و الاكتفاء بذكر معظمها احالة علي المجهول.

(1) ثالثها: ان لازم كون التوصيف بمنزلة الرؤية لزوم مشاهدة ما يجب التوصيف به، مع انه لا يعتبر بعد مشاهدة العين الاطلاع علي الخصوصيات التي يجب ذكرها في العين الغائبة، فما الفرق بين المقامين مع اتحاد الدليل و هو ما دل علي النهي عن بيع الغرر.

(2) و اجاب عنهما المصنف (رحمه الله): بان الميزان رفع الغرر العرفي الذي هو اخص من الشرعي، و هو يرتفع بمشاهدة العين و ان لم يطلع علي الخصوصيات اللازم ذكرها إذا كانت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 54

و ليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الاجماع حجة، مع استناده في ذلك الي كونه غررا عرفا، حيث قال في اول مسألة اشتراط العلم بالعوضين انه اجمع علماؤنا علي اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما ملك بازاء ما بذل، فينتفي الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم يتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهي.

و لا ريب ان المراد بمعرفة ما ملك معرفته علي وجه وسط بين طرفي الاجمال و التفصيل، ثمّ انه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا، (1) لان الغرر بدون اخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع، فإذا اخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود،

لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج و الغرر فيه اعظم، و يمكن ان يقال ان اخذ الاوصاف في معني الاشتراط لا التقييد (2) فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا و لا غرر فيه حينئذ عرفا. و قد صرح في النهاية و المسالك في مسألة ما لو رأي المبيع،

ثمّ تغير عما رآه ان الرؤية بمنزل الاشتراط

______________________________

العين غائبة.

و فيه: - مضافا الي ان الغرر لا حقيقة شرعية له كي يقال ان الغرر العرفي اخص من الشرعي، و ما يتراءي من الحكم بالفساد مع عدم الغرر العرفي كشراء المجهول بخيار أو بالمتيقن من قيمته فانما هو لدليل آخر فتأمل.

ان الغرر العرفي ايضا لا يرتفع بذلك في العين الحاضرة.

فالحق في الجواب: ان المعتبر في بيع العين المشاهدة الاطلاع علي الخصوصيات الدخيلة في المالية بلحاظ الأثر المترقب من ذلك الشي ء عند نوع العقلاء، و الا بطل البيع،

كما ان اللازم ذكر هذه الأوصاف في العين الغائبة.

(1) رابعها: ان توصيف المبيع بالاوصاف المجهول وجودها يوجب الجهل بوجود المبيع، إذ العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج، و الغرر فيه اعظم.

(2) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله): بان التوصيف يرجع الي الاشتراط لا التقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 55

و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا.

و يمكن ان يقال ببناء هذا البيع علي تصديق البائع أو غيره في اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل و الوزن، و لذا ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما، و كيف كان، فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة و لا

دليل شرعا ايضا علي المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه مضافا إلي الاجماع عليه ممن عدا بعض العامة، ثمّ ان الخيار بين الرد و الامساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب، (1) و صريح السرائر تخييره بين الرد و الامساك بالارش و انه لا يجبر علي احدهما و يضعف بأنه لا دليل علي الأرش.

نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه اخذ الأرش، لكن بخيار العيب لا خيار رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه، إذ لو لا الوصف ثبت خيار العيب ايضا و سيجي ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة الي وصف الصحة، و اضعف من هذا ما ينسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المراسم من بطلان البيع، إذا وجد علي خلاف ما وصف،

______________________________

و فيه: - مضافا الي التأمل في صحة اشتراط غير الفعل و غير النتيجة علي ما سيأتي في محله ان التوصيف إذا لم يكن رافعا للغرر لم يكن الاشتراط ايضا رافعا له، و ثبوت الخيار عند تخلف الشرط لا يصلح رافعا له، و الا ارتفع باشتراط الخيار في كل بيع غرري في نفسه، و عليه فاللازم هو الاطمئنان بوجود الوصف أو اخبار من يكون خبره حجة شرعية.

الخيار بين الرد و الامساك مجانا.

(1) الرابع: ان الخيار بين الرد و الامساك مجانا هو المشهور بين الاصحاب،

و عن السرائر: التخيير بين الرد و الامساك بالأرش و عن بعض: تعين اخذ الارش،

و عن المقنعة و النهاية و المراسم: بطلان البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 56

لكن الموجود في المقنعة و النهاية ان لم يكن علي الوصف كان البيع مردودا و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا، و قد عبر في النهاية عن

خيار الغبن بذلك فقال: و لا بأس بأن يبيع الانسان متاعا بأكثر مما يسوي إذا كان المبتاع من اهل المعرفة، فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا و علي تقدير وجود القول بالبطلان، فلا يخفي ضعفه لعدم الدليل علي البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في مجمع البرهان.

و حاصله وقوع العقد علي شي ء مغاير للموجود، فالمعقود عليه غير موجود و الموجود غير معقود، عليه (1) و يضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا، بان يقال ان المبيع فاقد للأوصاف المأخوذة فيه، لا انه مغاير للموجود، (2) نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في حقيقة المبيع عرفا، فالظاهر عدم الخلاف في البطلان و لو اخذ في عبارة العقد علي وجه الاشتراط كان يقول بعتك ما في البيت علي انه عبد حبشي فبان حمار أو حبشيا،

______________________________

اما الأول فقد مر ما يمكن ان يستدل به له و عرفت تماميته و قد استدل للثاني:

بان الضرر يرتفع بكل من الرد و الامساك بالارش، فمقتضي حديث لا ضرر «1»

التخيير بينهما.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان حديث لا ضرر لا يصح التمسك به في المقام.

و ثانيا: انه لو صح اقتضي تعين اخذ الارش، لأنه مقتضي الجمع بين ادلة اللزوم و الحديث كما لا يخفي.

و استدل للرابع بوجهين:

(1) الاول: وقوع العقد علي ما يغاير الموجود، فالمعقود عليه غير موجود،

و الموجود غير معقود عليه، و لا يكفي في الجواب ما قيل.

(2) من ان محل الكلام الاوصاف التي لا توجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا،

و ذلك فان التمليك من الاعتباريات، و هو متعلق علي الفرض بالموصوف بما هو موصوف و هو غير موجود لفقد الوصف.

فالحق في

الجواب ان يقال: ان الوصف إذا كان دخيلا في حقيقة المبيع- بما ان

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 57

الا ان يقال ان الموجود و ان لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا ان اشتراط اتصافه بالأوصاف في معني كون القصد إلي بيعه بانيا علي ذلك الأوصاف، فإذا فقد ما بني عليه العقد، فالمقصود غير حاصل، فينبغي بطلان البيع، (1) و لذا التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه، فإن قصد الشرط ان كان مؤثرا في المعقود عليه، فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، و إلا لم يوجب فساده فساد العقد،

بل غاية الأمر ثبوت الخيار.

و من هنا يظهر ان دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الاردبيلي موافقا للقاعدة و احتمله العلامة (قدس سره) في النهاية، فيما إذا ظهر ما رآه سابقا علي خلاف ما رواه، بأنه اشتباه ناشئ عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات و الوصف المعين في الشخصيات، (2) و بين الوصف الذاتي و العرضي، و ان اقصي ما هناك كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف و الاشارة اقوي

______________________________

العين بما هي موجودة لا تكون مورد الاعتبار الملكية و المالية حتي تباع- فلا محالة يكون البيع متعلقا بالوصف و العنوان، فتخلفه يوجب عدم البيع و ان كان غير دخيل فيها، الذي هو محل الكلام، يكون البيع بحسب بناء العرف و المتعاملين متعلقا بذات الموصوف،

و الوصف ليس عنوانا للمبيع، بل هو مطلوب آخر في المطلوب البيعي.

(1) الثاني: ان المعقود عليه و ان كان هو عين الموجود في الخارج، الا ان العقد علي الموجود وقع مبنيا علي الوصف.

و بعبارة اخري: الرضا في المعاملة لم يتعلق

الا بالمقيد بالصفة، و الفاقد لا رضا به،

و هذا يوجب البطلان.

(2) و اجاب عنه في الجواهر علي ما حكي عنه المصنف (رحمه الله) بما حاصله: ان الوصف المعين للكليات يوجب تضييق دائرة المبيع، من غير فرق بين الوصف الذاتي و العرضي،

فيكون الموجود غير معقود عليه، و أما الوصف المعين في الشخصيات فان كان ذاتيا فكذلك للمغايرة الذاتية، و ان كان عرضيا فالمورد و ان كان هو الموصوف الا انه يصدق علي الموجود انه مورد للبيع و علي فرض الاغماض عن ذلك في مورد العين الشخصية إذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 58

مجازفة لا محصل لها. (1) و أما كون الاشارة اقوي من الوصف عند التعارض،

فلو جري فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف، فينبغي لزوم العقد و اثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتي يتقوم به و كونه عرضيا لا ذاتيا اعادة للكلام السابق، و يمكن ان يقال ان المستفاد من النصوص و الاجماعات في الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة الغير المتقومة للمبيع، سواء علم القصد إليها من الخارج ام اشترطت في العقد، كالحكم بمضي العقد علي المعيب مع عدم القصد الا الي الصحيح و منه المصراة و كالحكم في النص و الفتوي بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك و ما لم يملك و غير ذلك، (2) فتأمل. و سيجي ء بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد انشاء الله تعالي

______________________________

الوصف غير دخيل في الحقيقة يكون المورد مع تلف الوصف من قبيل تعارض الوصف و الاشارة، و الاشارة اقوي.

(1) قوله مجازفة لا محصل لها بناء علي ما ذكرناه في بيان مراد الجواهر يكون ما افاده هو الذي افاده المصنف (رحمه

الله)

في الجواب عن الوجه الاول فلا يكون مجازفة نعم لا ربط بالوجه الثاني.

و يرد علي ما افاده (رحمه الله) اولا: ان ما ذكر يفيد في مقام بيان اثبات الاتحاد و لا يفيد في في الجواب عن اشكال عدم الرضا كما لا يخفي.

و يرد علي ما افاده ثانيا: ان اقوائية كل من الاشارة و الوصف انما تكون ضابطة صورة اشتباه المراد دون المقام،

مع ان اقوائية الاشارة لو اعتمد عليها في المقام لزم منها صحة البيع و لزومه لا الخيار.

(2) و اجاب المصنف (رحمه الله) عنه بالاستقراء، و ان الشارع المقدس علي حسب ما يستفاد من النصوص و الاجماعات في الموارد المتفرقة حكم بصحة البيع مع الخيار بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع.

و فيه: ان هذا المقدار لا يكفي في الجواب عن الوجه العقلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 59

نعم هنا اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخلي في الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار، فإن الظاهر دخول الذكورة و الأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم، و كذا الرومي و الزنجي حقيقتان عرفا، و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف، كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن علي انه من الغنم فبان من الجاموس.

و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر، و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف (1) و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الرباء، فتأمل.

مسألة: الأكثر علي ان الخيار عند الرؤية فوري، (2)

بل نسب الي ظاهر الاصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد، حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية و احتمل في نهاية

الأحكام و لم اجد لهم دليلا صالحا علي ذلك الا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد علي المتيقن، و يبقي علي القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين،

______________________________

فالحق في الجواب ان يقال: ان الظاهر من عبارات المشترطين للأوصاف غير الدخيلة في حقيقة الشي ء اخذها في المعاملة بنحو تعدد المطلوب، و ان اتصافه بها مطلوب آخر في مطلوب نظير اشتراط عمل خارجي كخياطة الثوب.

(1) قوله و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف بل هذا هو المتعين لا من جهة تشخيص مفهوم الوصف الداخلي و الخارجي حتي يقال انه لم ينط الحكم في لسان الدليل بهما- بل من جهة ان ما يكون من قبيل الوصف الخارجي بنظر العرف بحسب ظهور الكلام ماخوذ بنحو تعدد المطلوب دون ما كان من قبيل الوصف الداخلي فتدبر.

خيار الرؤية فوري.

(2) الخامس: الاكثر علي ان الخيار عند الرؤية فوري.

و قد تقدم في مبحث خيار الغبن تنقيح القول، فيما تقتضيه القواعد من العمومات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 60

مع ان صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها علي عدم الفورية و ان كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة الي النص.

و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في اثبات التراخي و ان استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا (1)
اشارة

علي الوجه المتقدم في خيار الغبن و باسقاطه بعد الرؤية (2)

______________________________

و الاستصحاب و غير هما و ان كل خيار ثبت و لم يكن لدليله اطلاق مقتضي القواعد انه فوري فراجع.

نعم لو كان مدرك هذا الخيار النص الخاص كان مقتضي اطلاقه كونه علي التراخي،

و لكن قد عرفت انه لا يكون مدركا

له، فالحق انه علي الفور.

مسقطات خيار الرؤية

السادس: - قالوا- انه يسقط هذا الخيار بامور:

(1) احدها: ترك المبادرة الي الفسخ، و قد مر الكلام فيه و عرفت انه صحيح لان هذا الخيار علي الفور.

(2) ثانيها: اسقاطه بعد الرؤية.

اسقاط الخيار ان كان بعد الرؤية التي لا شك في تحقق الخيار عندها، كأنه من المسلمات عندهم نفوذه،

و هو محل تأمل لو كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر كما تقدم في مبحث خيار الغبن.

نعم لو كان المدرك النص أو الشرط الضمني تم ذلك: فان الخيار حينئذ من الحقوق،

و لكل ذي حق اسقاط حقه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 61

و بالتصرف بعدها (1) و لو تصرف قبلها. ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك علي جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء علي ان التصرف اسقاط فعلي، (2) و في جواز اسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان علي ان الرؤية سبب أو كاشف، (3) قال في التذكرة لو اختار امضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار بالرؤية، انتهي.

و حكي ذلك من غيرها ايضا، و ظاهره ان الخيار يحدث بالرؤية لا انه يظهر بها و لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق المسبب و هو العقد و لا يخلو عن قوة.

______________________________

(1) ثالثها: التصرف بعد الرؤية.

و قد تقدم الكلام ايضا في مسقطية التصرف، و عرفت ان دليله الخاص غير عام لجميع الخيارات، و ان فيما لا نص فيه كالمقام لو كان التصرف كاشفا عن الاسقاط و دالا عليه سقط به الخيار و الا فلا.

هذا في التصرف بعد الرؤية.

(2) و أما التصرف قبلها ففيه وجوه:

احدها مسقطيته علي القول بمسقطية الاسقاط قولا قبل الرؤية، و عدمها علي القول بالعدم.

ثانيها: مسقطيته

مطلقا، و استدل لهذا الوجه: بان مسقطية التصرف انما تكون من جهة انه رضا متجدد بالبيع كما هو ظاهر التعليل بقوله (عليه السلام) فذلك رضا منه و يكون سقوط الحق لعدم الملاك لا لرفعه بعد ثبوته، و عليه فلا مانع من مسقطيته قبل ثبوت الخيار.

و فيه: ما تقدم في مبحث خيار الغبن من انه لا يكون مسقطا لهذه الجهة. فراجع.

ثالثها: عدم مسقطيته مطلقا، و استدل له: بانه لا يكون التصرف كاشفا عن الرضا بالعقد ان كان قبل الرؤية كما في التصرف قبل العلم بالغبن.

(3) و أما الاسقاط قبل الرؤية فان قلنا بان الرؤية كاشفة عن حدوث الخيار من حين العقد- كما هو مقتضي حديث لا ضرر «1» لأن الضرر انما يتوجه من حين العقد

______________________________

(1) مر مكررا مصادر الحديث و اخيرا في خيار الغبن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 62

و لو شرط سقوط هذا الخيار، ففي فساده و افساده للعقد كما عن العلامة و جماعة أو عدمهما كما عن النهاية و بعض أو الفساد دون الافساد وجوه، بل اقوال (1) من كونه موجبا لكون العقد غررا، (2) كما في جامع المقاصد من ان الوصف قام مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي و لا موصوف، و من ان دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتي يثبت بارتفاعه،

______________________________

و تخلف الشرط فانه من حين العقد- و النص الخاص- لاحظ ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح جميل: كان له في ذلك خيار الرؤية «1» - فلا اشكال ايضا و ان قلنا بانها سبب أو شرط ففيه اشكال، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا في مبحث خيار الغبن.

و به يظهر ان الاسقاط منجزا غير معقول، و

معلقا علي حدوثه لا مانع منه لو لا الاجماع، و انه لا فرق بين كونها سببا أو شرطا. فراجع.

اشتراط سقوطه

(1) رابعها: اشتراط سقوطه في ضمن العقد، ذكره الشيخ في النهاية و بعض آخر.

و فيه قولان آخران:

- الأول-: ما عن العلامة و جماعة، و هو: فساد الشرط و افساده للعقد.

- الثاني-: ما عن جماعة، و هو: الفساد دون الافساد.

و قد استدل للثاني بوجهين:

(2) الاول: انه موجب لكون البيع غرريا، و للقوم في بيان ذلك تقريبات،

احدها: ما عن المحقق الثاني، و حاصله: ان بيع مجهول الوصف انما ترتفع غرريته من جهة تعهد الوصف باعتبار انه موجب لكون امر العقد بيده عند تخلف الشرط، فلا يذهب ماله هدرا، فلا غرر، و إذا شرط سقوط الخيار لم يرتفع الغرر لخروج زمام امر العقد من يده فيعود الغرر و الخطر.

و فيه: ان الخيار حكم شرعي لا يرفع الغرر، و لو كان مؤثرا في رفع الغرر جاز بيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 63

فإن الخيار حكم شرعي لو اثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الاقدام علي شراء العين الغائبة علي اي صفة كانت، و لو كان الالتزام المذكور مؤديا الي الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب ايضا مؤديا إليه، لأنه بمنزلة بيع الشي ء صحيحا أو معيبا بأي عيب كان، و لا شك انه غرر و إنما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة اعتمادا علي اصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب في المبيع، لأن تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد

الصحيح و اقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة علي ما عدا الصفات الراجعة الي العيب انما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف باصالة الصحة لا لجواز اهمالها عند البيع، فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب، كان راجعا الي عدم الاعتداد بوجود تلك الأوصاف و عدمها، فيلزم الغرر خصوصا علي ما حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض و الجوز الفاسدين، كذلك حيث ان مرجعه علي ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار الرؤية الي اشتراط، عدم الاعتداد بمالية المبيع و لذا اعترض عليهم الشهيد و اتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضي اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه الي عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا بأي وصف كان، ثمّ انه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتي يلزم فساد البيع و لو علي القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من انه اسقاط لما لم يتحقق بناء علي ما عرفت من ان الخيار إنما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الأسقاط لغو و فساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد، فيتعين المصير الي ثالث الأقوال المتقدمة، لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 64

و أقوي الاقوال اولها، لأن رفع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع، الا انه لأجل سبب الخيار (1) و هو اشتراط تلك الأوصاف المنحل الي ارتباط الالتزام العقدي

بوجود هذه الصفات، لأنها اما شروط للبيع و أما قيود للمبيع كما تقدم سابقا، و اشتراط سقوط الخيار راجع الي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها، (2) و التنافي بين الأمرين واضح، و أما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بان نفي العيوب ليس ماخوذا في البيع علي وجه الاشتراط أو التقييد و إنما اعتمد المشتري فيهما علي أصالة الصحة لا علي تعهد البائع لانتفائها حتي ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها

______________________________

كل مجهول مع شرط الخيار.

ثانيها: ما عن المصنف (رحمه الله)، و حاصل ما افاده يرجع الي امرين، بل لعل ظاهر صدر كلامه الأول، و ظاهر ذيله الثاني:

(1) الاول: ان ارتفاع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار الا انه من جهة سبب الخيار و هو اشتراط تلك الأوصاف الذي مرجعه الي ارتباط العقد بنفسه أو بمتعلقه بنفس وجود الوصف، لأنها اما شروط للبيع أو قيود للمبيع، و اشتراط سقوط الخيار الذي مرجعه الي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها ينافي ذلك، فما هو الموجب لرفع الغرر ينافيه هذا الاشتراط.

(2) الثاني: ان اشتراط سقوط الخيار مرجعه الي الالتزام بالبيع مع عدم الوصف،

و هذا ينافي الالتزام بالبيع المرتبط بالالتزام بالوصف،

و الفرق بين الوجهين ان مرجع الأول الي ان لازم الشرط قيدية نفس الوصف و عدم قيديته، و مرجع الثاني الي الالتزام بالوصف و عدم الالتزام به.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان الموجب لرفع الغرر ليس هو الالتزام بالوصف بل الاطمئنان بوجوده أو اخبار من يكون خبره حجة به، و في غير ذلك لا يرتفع الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 65

بخلاف الصفات فيما

نحن فيه، فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع، و المشتري يعتمد علي هذا التعهد، فاشتراط البائع علي المشتري عدم تعهده لها، و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك.

نعم لو شاهده المشتري و اشتراه معتمدا علي اصالة بقاء تلك الصفات،

فاشتراط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط البراءة من العيوب، كما انه لو اخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري، فاشترط عدم الخيار، و لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه، كما يظهر من التحرير في بعض فروع الأخبار بالكيل و الضابط في ذلك ان كل وصف تعهده البائع. و كان رفع الغرر بذلك،

لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، و كل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر علي امارة اخري جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالاصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك.

و مما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد و غيره في المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة و بين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته و فساده، و ظهر ايضا انه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع، فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقدها،

لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها

______________________________

و ثانيا: انه لو سلم كون الرافع الالتزام بالوصف، الا ان اشتراط سقوط الخيار ليس مرجعه الي الالتزام بعدم الوصف، و لا عدم الالتزام بالوصف كي ينافيه، فان الخيار ليس اثرا لا ينفك للالتزام بالصفات حتي يكون شرط سقوطه في قوة عدم الالتزام بالوصف،

بل هو حكم شرعي ثبت في مورد الالتزام بالوصف قابل لأن يسقط بالشرط مع بقاء الالتزام.

و

بهذا البيان يندفع ما استفاده بعض مشايخنا من كلام المحقق الخراساني (رحمه الله) في وجه ذلك الذي هو التقريب الثالث، و هو:

ان الخيار لازم اشتراط الوصف و ابطال اللازم، و رفع اليد عنه ابطال للملزوم لفرض الملازمة، و إذا ارتفع الملزوم عاد الغرر لما عرفت من انه ليس لازما لا ينفك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 66

و كذا لو اطمأن بوجودها و لم يتيقن و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه، هذا مع امكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب بالنص و الاجماع، لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما اشرنا إليه سابقا و ظهر ايضا ضعف ما يقال (1) من ان الأقوي في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو ان الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار و إلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار و هو معلوم العدم و اقدامه علي الرضاء بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف ادخال الغرر عليه من قبل نفسه، انتهي.

توضيح الضعف ان المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار، و هو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار و أما كون الاقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري و المسألة موضع اشكال.

______________________________

الوجه الثاني: انه اسقاط لما لم يتحقق، فاشتراط السقوط لغو و فاسد، و الشرط الفاسد مفسد للعقد.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان خيار الرؤية يثبت من حين العقد، فاشتراط سقوطه ليس اسقاطا لما لم يتحقق.

و ثانيا: ما تقدم في مبحث خيار الغبن

من ان اسقاط ما لم يتحقق علي تقدير تحققه لا محذور فيه.

و ثالثا: ان الشرط الفاسد لا يفسد كما سيأتي تحقيقه.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث و ضعفه،

فالأظهر هو القول الأول.

(1) قوله و ظهر ايضا ضعف ما يقال من ان الاقوي في محل الكلام الصحة القائل هو صاحب الجواهر (رحمه الله) و حاصل ما افاده في رد من استدل علي التنافي بانه مع عدم الاطمينان يكون لثبوت الخيار دخل في رفع الغرر ان ثبوت الخيار اجنبي عنه بل الموجب لارتفاعه التوصيف الذي يصدق معه تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يكن ثبوت الخيار رافعا له و الا لصح بيع الغرر بشرط الخيار الخ و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) في وجه ضعفه فقد تقدم الكلام فيه مفصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 67

مسألة: لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بابدال العين،

لأن العقد انما وقع علي الشخصي فتملك غيره يحتاج الي معاوضة جديدة، (1) و لو شرط في متن العقد الابدال لو ظهر علي خلاف الوصف. ففي الدروس ان الاقرب الفساد، و لعله لان البدل المستحق عليه بمقتضي الشرط ان كان بإزاء الثمن فمرجعه الي معاوضة جديدة علي تقدير ظهور المخالفة، بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة، و ينعقد بيع آخر،

فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر، كل منهما معلق علي المخالفة.

و من المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك، و ان كان بإزاء المبيع الذي ظهر علي خلاف الوصف، فمرجعه ايضا الي انعقاد معاوضة تعليقية غررية، لان المفروض جهالة المبدل و علي اي تقدير، فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور،

فيفسد و يفسد العقد، (2)

______________________________

حكم بذل التفاوت و ابدال العين

السابع: في سقوط هذا الخيار ببذل

التفاوت و بابدال العين، وجهان:

(1) قد استدل المصنف لعدم السقوط بان تملك غير العين الشخصية الواقع عليها البيع يحتاج الي معاملة جديدة.

و لكن هذا الوجه لا يكفي لاثبات المدعي، إذ تملك ما به التفاوت ببذل صاحبه امر،

و عدم سقوط الخيار بعد الملكية امر آخر، و مورد الكلام هو الثاني، و الدليل دليل للأول.

فالاولي الاستدلال له بان اطلاق النص يقتضي ذلك، و بذل التفاوت أو ابدال العين لا يوجب عدم ضررية اللزوم من حيث الغرض المعاملي و لو بقاء كي لا تكون المعاملة بقاء مشمولة لحديث لا ضرر، و ايضا لا يؤثر في رفع ما اوجبه تخلف الشرط من الخيار عند تخلف الوصف هذا مع عدم الشرط و أما لو شرط في متن العقد احدهما لو ظهر علي خلاف الوصف، فعن الدروس و في المكاسب.

(2) فساد الشرط و افساده للعقد في الاول، و في الجواهر: الحكم بالفساد في الثاني فالكلام يقع في موردين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 68

______________________________

الأول-: في صحة هذا الشرط و فساده.

- الثاني-: في سقوط الخيار به و عدمه.

اما المورد الأول: فغاية ما استدل به للفساد في مقابل عموم ما دل علي صحة الشرط و نفوذه «1» وجوه:

احدها: ان مقدار التفاوت مجهول، فشرط بذله شرط امر مجهول، و هو غرري باطل.

و فيه: انه لو سلم بطلان الشرط الغرري ان محل الكلام صحة شرط البذل و عدمها،

فلا بد و ان يفرض الصحة من سائر الجهات بان يفرض العلم بمقدار ما به تفاوت الواجد و الفاقد.

ثانيها: انه من قبيل التعليق في الشرط، و هو يبطل العقد و الايقاع.

و فيه: ان التعليق لا دليل علي مبطليته سوي الاجماع غير الشامل للشرط.

ثالثها: ان شرط النتيجة غير نافذ.

و فيه:

اولا: ان محل الكلام اعم من ذلك و من شرط الفعل.

و ثانيا: ان شرط النتيجة صحيح في غير ماله سبب خاص كالطلاق.

فالأظهر صحة هذا الشرط و نفوذه.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر أو الشرط سقط الخيار، و ذلك لأنه مع هذا الشرط و بذل التفاوت لا ضرر من حيث المالية، و هو واضح.

و لا من حيث الغرض المعاملي، فان المعاملة مع هذا الشرط كاشف عن سعة دائرة الغرض المعاملي،

و ان كان المدرك هو النص لم يسقط لإطلاق النص،

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 69

______________________________

اللهم الا ان يدعي انصرافه عن مثل الفرض، و الله العالم.

و أما شرط الابدال فظاهر صدر عبارة المصنف شرط الفعل، و ظاهر ذيلها شرط النتيجة،

فالكلام فيه يقع في موضعين.

الأول: في شرط النتيجة،

و هو قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد في قبال الثمن، و حيث انه لا يعقل وقوع مال الشخص بدلا عن ماله، فلا محالة يرجع هذا الشرط الي شرط انفساخ المعاملة و انعقادها بين الواجد و الثمن،

و قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد بوقوع احدهما في قبال الآخر.

اما الأول: فقد استدل لفساد الشرط بوجوه:

احدها: انه من قبيل شرط النتيجة، و قد تقدم ما فيه.

ثانيها: ان كلا من انفساخ المعاملة و انعقادها يتوقف علي سبب خاص، فشرط وقوعهما قهرا شرط مخالف للمشروع:

و فيه: ان مقتضي عموم ما دل علي وجوب الوفاء بالعقد، «1» و نفوذ كل تجارة عن تراض، «2» صحة هذا الشرط، بل و لزومه،

مضافا الي دليل نفوذ الشرط و لزومه «3».

ثالثها: ان الشرط مبادلة تعليقية، و التعليق يفسد المعاملة.

و فيه: ما تقدم من عدم مفسدية التعليق للشرط.

رابعها:

انه مبادلة غررية، و هي باطلة.

و فيه: ان الغرر لو كان فهو من جهة الجهل بالوجود، و هو مندفع بان المعاوضة

______________________________

(1) المائدة آية 2

(2) النساء آية 30.

(3) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 70

______________________________

حيث لا تنعقد الا عند ظهور التخلف، فهو عالم بانه اما تنعقد معاوضة او لا تنعقد، فلا غرر،

فالأظهر صحة هذا الشرط.

فان قيل: ان هذا الشرط و ان صح الا انه بمجرد انحلال البيع ينحل الشرط، إذ الشرط ما لم يكن في ضمن العقد لا يجب الوفاء به، فلا سبب للمعاوضة الجديدة.

اجبنا عنه: بان الشرط انعقاده يتوقف علي كونه في ضمن العقد، و أما انحلاله بسبب انحلال العقد فلا دليل عليه الا فيما إذا كان الشرط من قبيل الضميمة لأحد العوضين، و في المقام لا يتعقل ذلك، بل هو انما يكون للتحفظ علي الغرض الوسيع من المعاملة كما لا يخفي،

و أما سقوط الخيار به فهو لا إشكال فيه لانتفاء موضوع الخيار بانفساخ المعاملة.

و أما الثاني: اي جعل الواجد بدلا عن الفاقد، فمحذوره التعليق في الشرط الذي نتيجته نتيجة البيع و الجهالة و الغررية في المبدل، لأنه لا يعلم انه واجد للوصف ام فاقد،

و تعلقه بالنتيجة، و قد تقدم ان التعليق في الشرط لا دليل علي مبطليته،

و الغرر من حيث الجهل بالوجود يندفع بانه حين المعاوضة- و هو ظهور التخلف- قاطع بكونه واجدا أو فاقدا، و من حيث الجهل بالوصف يرتفع بتوصيفه بكونه غير واجد،

و أما سقوط الخيار به فالكلام فيه ما تقدم في شرط بذل التفاوت.

الموضع الثاني: في شرط الفعل، و هو ايضا قد يكون بجعل الواجد بدلا عن الفاقد،

و قد يكون بجعله بدلا عن الثمن الذي مرجعه الي

شرط حل العقد الأول ثمّ تبديل الواجد بالثمن،

اما المورد الأول: فمانع مشروعية هذا الشرط ليس الا جهالة المبدل و التعليق في الشرط، و قد تقدم ما فيهما، و أما سقوط الخيار به فهو ايضا ظهر مما ذكرناه من ان هذا الشرط يوسع دائرة الغرض المعاملي فلا ضرر.

و أما المورد الثاني: فمانع صحة الشرط بعض ما تقدم و عرفت ما فيه، و يجري فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 71

و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد (قدس سره) (1) حيث قال بعد نقل عبارة الدروس و حكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه ان الحكم بالفساد اعم من ان يظهر علي الوصف أو لا و فيه انه لا موجب للفساد مع ظهوره علي الوصف المشروط و مجرد شرط البائع الابدال مع عدم الظهور علي الوصف لا يصلح سببا للفساد لعموم الاخبار المتقدمة.

نعم لو ظهر مخالفا، فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة، و لا يجبره هذا الشرط لإطلاق الاخبار و الاظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة الي الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه.

______________________________

ما ذكر من انه بانحلال العقد ينحل الشرط. و جوابه ما تقدم،

و أما في مسقطيته للخيار فحال هذا المورد حال المورد المتقدم، و الله العالم.

(1) قال المصنف (رحمه الله): و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد محصل ما افاده صاحب الحدائق (رحمه الله) بعد حمل الحكم بالفساد من الشهيد علي فساد البيع: انه علي اطلاقه ممنوع، بل يتم في صورة ظهور الخلاف،

و وجه بطلانه حينئذ ان الموجود غير المبيع.

و دعوي ان هذا الشرط يجبر المخالفة، إذ معه كأنه يكون المبيع هو الواجد فلا مخالفة مندفعة

بانه شرط فاسد لإطلاق اخبار «1» الخيار، فلا يكون جابرا، و أما مع عدم ظهور الخلاف. فمقتضي عموم اخبار الخيار عند ظهور الخلاف و اخبار «2» البطلان القاضيتين بالصحة مع عدم ظهور الخلاف هو الحكم بالصحة،

ثمّ وجه كلام الشهيد (رحمه الله): بان مراده الحكم بفساد الشرط و وجه فساده بانه لا تأثير له مع الظهور و عدمه، إذ مع الظهور علي الوصف لا تخلف كي يجب الابدال و مع عدمه و المخالفة يكون الشرط مخالفا للسنة، و هي اخبار الخيار فلا اثر له علي التقديرين.

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 72

و بالجملة فإني لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة علي الاطلاق وجها يحمل عليه، انتهي.

مسألة: الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع علي عين شخصية موصوفة كالصلح و الاجارة (1)

لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة، فإما ان يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الاردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة.

و أما ان يحكم بلزومه من دون خيار، (2) و الاول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه. و الثاني فاسد من جهة ان دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة النقض.

و معلوم ان عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد، بل قد تقدم عن بعض ان ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتي يجوز،

______________________________

ثبوت خيار الرؤية في كل عقد

(1) الثامن: هل يثبت خيار الرؤية في العقود الاخر، ام يختص بالبيع؟ وجهان.

الظاهر أن مدرك خيار الرؤية ان كان حديث لا ضرر ثبت ذلك في كل عقد، لأن نسبة الحديث الي جميع المعاملات علي حد سواء،

و ان كان مدركه تخلف الشرط فكذلك كما

هو واضح،

و أما ان كان مدركه النص الخاص فمورده خصوص البيع، فان امكن دعوي القطع بعدم خصوصية لموردها يتعدي الي سائر المعاملات، و الا فلا كما انه كذلك لو كان المدرك الاستقراء و تتبع الموارد الخاصة.

(2) و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) من المنفصلة ذات الاطراف الثلاثة و هي: ان العقد لو تخلف الوصف اما ان يكون باطلا، أو صحيحا لازما، أو صحيحا جائزا، و الأول باطل لانه خلاف طريقة الأصحاب في تخلف الأوصاف، و الثاني باطل لأن دليل لزوم الوفاء بالعقد و هو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا يشمله، فان عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للوصف المشترط فيه لا يكون نقضا للعقد، فيتعين الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 73

بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل.

و الحاصل ان الامر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار و الاول مناف لطريقة الاصحاب في غير باب فتعين الثاني.

مسألة: لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة، (1)

و قال المشتري قد اختلف.

ففي التذكرة قدم قول المشتري لأصالة براءة ذمته من الثمن (2) فلا يلزمه ما لم يقربه أو يثبت بالبينة، و رده في المختلف في نظير المسألة بأن اقراره بالشراء اقرار بالاشتغال بالثمن، و يمكن ان يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه (3) الي البائع، بناء علي ما ذكره في احكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن و لا المثمن في مدة الخيار، و ان تسلم الآخر

______________________________

فيرد عليه ان دليل اللزوم لا ينحصر بما دل علي وجوب الوفاء بالعقد، و في غيره كفاية، مع ان اللزوم مقتضي الاستصحاب علي ما تقدم.

و اضف الي ذلك كله: ان الوصف ان كان قيدا مقوما للمعقود عليه لزم من تخلفه بطلان

العقد، و الا فان قلنا بان الالتزام بالشرط في قوة جعل الخيار عند تخلفه ثبت الخيار،

و الا فحيث ان الشرط التزام آخر في ضمن الالتزام المعاملي، فعدم امكان العمل بالالتزام الشرطي لا يقتضي جواز نقض الالتزام الأول.

اختلاف المتبايعين

(1) التاسع: لو اختلفا فقال البائع: لم يختلف صفة و قال المشتري: قد اختلفت، فعن التذكرة: قدم قول المشتري.

و قد استدل لتقديم قول المشتري بوجوه:

(2) الاول: ما عن العلامة (رحمه الله) من ان الاصل براءة ذمته من الثمن و مراده ما وجهه المصنف (رحمه الله)

(3) بان المراد عدم وجوب دفعه الي البائع، إذ اشتغال الذمة باصله ثابت لفرض صحة المعاملة، مع ان الثمن لم يفرض كليا، و عليه فلا يرد عليه ما افاده في محكي المختلف في نظير المسألة من ان اقراره بالشراء اقرار منه بالاشتغال بالثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 74

و كيف كان فيمكن ان يخدش بأن المشتري قد اقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف صفة المبيع ام لم يختلف، غاية الأمر سلطنته علي الفسخ لو ثبت ان البائع التزم علي نفسه اتصاف المبيع بأوصاف مفقودة، (1) كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا،

و حيث لم يثبت ذلك، فالأصل عدمه، فيبقي الاشتغال لازما غير قابل للازالة بفسخ العقد، هذا، و يمكن دفع ذلك بأن اخذ الصفات في المبيع و ان كان في معني الاشتراط،

الا انه بعنوان التقييد. فمرجع الاختلاف الي الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة، أو تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها و اللزوم من احكام البيع (2) المتعلق بالعين علي الوجه الثاني، و الاصل عدمه و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط

كتابة العبد. و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل أو يمكن ان يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل البيع.

______________________________

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بما حاصله: ان هذا الاصل محكوم باصالة عدم التزام البائع علي نفسه باتصاف المبيع بوصف مفقود، فان الشك في وجوب التسليم مسبب عن الشك في الخيار، و هو مسبب عن الشك في التزام البائع بالوصف المفقود، فإذا جري الأصل الحاكم كان قول البائع موافقا للأصل.

و الجواب عنه- مضافا الي ذلك-: ان كون حكم الخيار عدم وجوب التسليم محل نظر و منع، بل هو واجب ما دام لم يفسخ العقد.

(2) الثاني: ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان اللزوم من احكام البيع بالعين الملحوظ فيها الوصف الموجود أو ما يعمه، و الأصل عدمه، و لا تجري اصالة عدم التزام البائع بالوصف المفقود التي ذكرها في رد العلامة من جهة ان اخذ الوصف في المبيع في قوة التقييد، و ليس التزاما مستقلا، فيكون الالتزام واحدا، و امره دائرا بين تعلقه بالموصوف أو الموجود، و حيث ان اللزوم من احكام تعلق البيع بالموجود، فتجري اصالة عدمه،

و لا تعارضها اصالة عدم تعلقه بالموصوف بالوصف المفقود لعدم ترتب الأثر عليها الا إذا ثبت بها وروده علي الموجود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 75

مسألة: لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي ان ينسج الباقي كالأول بطل، (1)

كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد (قدس سره) و العلامة في كتبه و جامع المقاصد. و استدل عليه في التذكرة و جامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.

______________________________

و فيه: ان من الواضح عدم دخالة الوصف الموجود في اللزوم، فان الدخيل فيه عدم تخلف الوصف و عدم

فقده. و بعبارة اخري: الخيار معلق علي العقد علي الموصوف بوصف مفقود، فاصالة عدم تعلق العقد بالموصوف بوصف مفقود تعبد بعدم الخيار البديل للزوم.

الثالث: ما عن التذكرة و هو اصالة عدم الرضا بهذا الموجود.

و فيه: ان الرضا به مفروض، و الا لزم منه البطلان لا الخيار.

و هناك وجوه اخر لاجل وضوح فسادها اغمضنا عن ذكرها،

فظهر ان الأصل مع البائع.

و عن المحقق الخراساني (رحمه الله) في مقام بيان ان الأصل مع البائع: انه لو كان الاختلاف في ذكر الوصف أو في ظهور الخلاف كان الأصل عدمهما.

و فيه: ان اصالة عدم ذكر الوصف و ان كانت من الاصول العقلائية الا انها لا تجري في المقام لتعين ذكره دفعا للغرر، فالخلاف في انه الوصف المفقود أو الموجود، و لا أصل عقلائي يعين احدهما،

و اصالة عدم ظهور الخلاف ليست من الاصول العقلائية و لا من التعبدية الا إذا كان الخيار مترتبا علي ظهور تخلف الوصف.

حكم نسج بعض الثوب

(1) العاشر: لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي ان ينسج الباقي كالاول بطل كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد و العلامة في جملة من كتبه و جامع المقاصد، و عن المختلف:

صحته، و المصنف في المتن ذكر المسألة و نقل ما يمكن ان يستدل به فيها.

و لكن الظاهر ان مورد كلام الفقهاء غير ما ذكره المصنف،

و تنقيح القول فيها ان للمسألة صورا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 76

و عن المختلف صحته، و لا يحضرني الآن حتي اتأمل في دليله، و الذي ذكر للمنع لا ينهض مانعا، فالذي يقوي في النظر: انه إذا باع البعض المنسوج المنضم الي غزل معين علي ان ينسجه علي ذلك المنوال فلا مانع منه، و كذا إذا ضم

معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف علي ان ينسجه كذلك، إذ لا مانع من ضم الكلي الي الشخصي، و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة و الصبغ. و كذا إذا باعه اذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال، و لو لم ينسجه في الصورتين الاوليتين علي ذلك المنوال ثبت الخيار، لتخلف الشرط و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول، و بقي علي مال البائع و كان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و الله العالم.

______________________________

احداها: ما هو ظاهر عنوان الأصحاب، و هو ما لو كان المبيع هو الثوب الشخصي الذي يكون بعضه موجودا و بعضه معدوما سيوجد.

و قد استدل لبطلان البيع فيها بوجوه:

الأول: ما عن الشيخ في المبسوط، و حاصله: ان البيع بالاضافة الي المنسوج لازم،

و بالاضافة الي غيره موقوف علي خيار الرؤية، اي يكون خياريا علي تقدير التخلف،

فيجتمع في شي ء واحد خيار الرؤية و عدمه و هما متناقضان، فهذا البيع المستلزم للمحال نفوذه محال نفوذه.

و فيه: اولا: ان تخلف الوصف في البعض يوجب الخيار في الجميع دون البعض.

و ثانيا: ان العقد ينحل بتعدد متعلقه، فبعضه موضوع اللزوم، و بعضه موضوع الخيار، فلا تناقض.

الثاني: ما عن العلامة في المختلف، و هو ان: الثابت في الشريعة اما بيع معدوم غير معين و هو الكلي في الذمة، أو موجود معين و هو الشخصي الموجود، و لم يعهد بيع المعدوم المعين. و فيه: انه لو شمله عموم (احل الله البيع) لا يضر عدم المعهودية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 77

______________________________

الثالث: ما عن العلامة في التذكرة، و هو: ان الباقي في الذمة مجهول.

و فيه:

ان التوصيف يرفع الجهالة.

فالاولي ان يستدل له: بان اعتبار الملكية يحتاج الي محل له تعين ما، كالكلي في الذمة، و العين الموجودة في الخارج المضافة الي البائع، و ما سيوجد بعد ليس في الذمة لعدم كونه كليا، و لا تعين خارجي له مضافا إليه، فلا يصح بيعه.

فتأمل فانه يمكن ان يقال: انه كما ان الكلي يكون في الذمة، كذلك الشخصي الذي سيوجد يعتبره العقلاء في العهدة، و معه لا مانع من بيعه، و الله العالم.

ثانيتها: بيع المنسوج الموجود مع مقدار معين من الغزل الموجود علي ان ينسجه كالموجود، فالمبيع بتمامه موجود، و الشرط متعلق بنسج بعضه، و لو نسجه بذلك المنوال فلا كلام و الا ثبت له خيار تخلف الشرط، و علي التقديرين البيع صحيح.

ثالثتها: ما إذا باع المنسوج الموجود و مقدارا كليا من الغزل بشرط ان ينسجه كالموجود، و لا محذور فيه لا من حيث البيع إذ ضم الكلي الي الشخصي في مقام البيع لا مانع منه، و لا من حيث الشرط و لو لم ينسجه علي ذلك المنوال، فقد حكم الشيخ (رحمه الله) بثبوت خيار تخلف الشرط.

و لكن يرد عليه: ان الكلي بما انه لا يتعين في ما نسج و لذا للبائع الابدال، فلا يتعين للمشتري القبول، و لا خيار له، بل له الامتناع عنه.

رابعتها: ما لو باع المنسوج الموجود و غزلا كليا منسوجا كالباقي فصفة المنسوجية مقومة للمبيع الكلي لا انها شرط فيه، و لا محذور فيه من حيث البيع الا انه عند التخلف يتعين الابدال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 78

السابع خيار العيب
اشارة

اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب (1) و إنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا علي اصالة السلامة (2)

و إلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة و هي صحتها التي هي من اهم ما يتعلق به الاغراض.

و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة علي اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها، و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة، فليس ذلك الا من حيث الاعتماد في وجودها علي الأصل، فإن من يشتري عبدا لا يعلم انه صحيح سوي ام فالج مقعد لا يعتمد في صحته الا علي اصالة السلامة، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا علي بقائه علي ما شاهده، فلا يحتاج الي ذكر تلك الصفات في العقد. و كما يعتمد علي اخبار البائع بالوزن. قال في

______________________________

اطلاق العقد يقتضي الصحة

(1) قوله اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب،

لا يخفي انه من المسلمات ثبوت خيار العيب في بيع العين الشخصية مع الجهل بالعيب- بالجهل المركب أو البسيط- و لا إشكال في الاول انما الكلام في الثاني، و غرض المصنف (رحمه الله) ان يبين أو لا صحة المعاملة- ثمّ ثبوت الخيار فيها- ثمّ الاحكام و منشأ الاشكال في الصحة بطلان البيع الغرري، اللازم من الجهل بصفات المبيع و من اهمها وصف الصحة و عليه فمع الشك في الصحة يلزم البناء علي البطلان مع ان بناء القوم علي اصالة الصحة و للقوم في تقريب اصالة السلامة الرافعة للغرر الموجبة لصحة العقد وجوه:

(2) احدها ما افاده المصنف و هو: ان الغالب في الاعيان حيث انه السلامة و بناء،

العرف و العقلاء في معاملاتهم علي التصريح بالعيب لو كان المتعلق معيوبا، فالاطلاق و عدم التقييد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين.

و هذا الوجه تام، غاية الأمر أن كفي الاشتراط في رفع الغرر نقول ان السلامة شرط ضمني،

و الا كانت قيدا و وصفا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 79

قال في التذكرة الأصل في المبيع من الاعيان و الاشخاص السلامة من العيوب الصحة، فإذا اقدم المشتري علي بذل ماله في مقابلة تلك العين، فإنما بني اقدامه علي غالب ظنه المستند إلي اصالة السلامة، انتهي. (1)

و قال في موضع آخر اطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة علي ما مر من ان القضاء العرفي يقتضي ان المشتري انما بذل ماله بناء علي اصالة السلامة فكأنها مشترطة في نفس العقد، انتهي. (2)

و مما ذكرنا يظهر ان الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلي الفرد الصحيح ليرد عليه: أولا منع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور، و ثانيا عدم جريانه فيما نحن فيه، لعدم كون المبيع مطلقا، بل هو جزئي حقيقي خارجي.

و ثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا علي المعيب، فلا معني لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتي يثبت التخيير بينهما، و دفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد اخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية، و انما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها علي الأصل، كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود اصلها و صفاتها علي الأصل. (3)

و لقد أجاد في الكفاية حيث قال: ان المعروف بين الأصحاب ان اطلاق العقد

______________________________

(1) ثانيها: ان الغالب في الاعيان الخارجية بقائها علي خلقها الاصلية و الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب.

و فيه: ان الظن لا يغني من الحق شيئا.

(2) ثالثها: ان بناء العرف و العقلاء علي الصحة و السلامة ما لم يثبت العيب.

و فيه: ان ذلك غير ثابت.

(3) رابعها: ان البيع انما يصح

لاجل اخبار البائع بالصحة، و هذا الاخبار ليس بالتصريح بل علم من القرينة، و هي ما علم ان الناس لا يبذلون المال في مقابل المعيوب إذا لم يصرحوا بالعيب، فلو بذل مال بازاء شي ء علم انه يريد ذلك الشي ء بوصف الصحة.

و هناك تقاريب اخر تقرب ما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 80

يقتضي لزوم السلامة، و لو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف الي الصحيح من جهة ظاهر الاقدام ايضا، و يحتمل كونه من جهة الاطلاق المنصرف الي الصحيح في مقام الاشتراء، و ان لم ينصرف إليه في غير هذا المقام، فتأمل.

ثمّ ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد (1) لأنه تصريح بما يكون الاطلاق منزلا عليه، و إنما ترك لاعتماد المشتري علي اصالة السلامة، فلا يحصل من اجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب،

كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا، فإنه لا يزيد علي ما إذا ترك الاشتراط و اعتمد علي اخبار البائع بالكيل، أو اشترط بقاء الشي ء علي الصفة السابقة المرئية،

فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا علي اصالة بقائها.

و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة ام لم يشترط، و يؤيده ما ورد من رواية يونس (2) في رجل اشتري جارية علي انها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة، فإن اقتصاره (عليه السلام) علي اخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل علي ان الخيار خيار العيب، و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته

______________________________

(1) قوله ثمّ ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد

بعد ما عرفت في تقريب المراد من الالتزام الضمني و انه ليس هو الالتزام القلبي، بل انشاء لورود العقد علي الصحيح، و ربط العقد به، لا محالة يكون اشتراطه مفيدا للتأكد،

و لكن ذلك لا يقتضي عدم ثبوت خيار تخلف الشرط و ذلك لان مقتضي القاعدة ثبوت خيار تخلف الشرط في جميع موارد تخلف وصف الصحة، و النصوص الخاصة قاضية بثبوت خيار العيب، في مورد الشرط الضمني و انه لا يترتب آثار خيار تخلف الشرط كعدم سقوطه بالتصرف مثلا، فلو صرح بالشرط مقتضي الدليلين البناء علي ثبوتهما معا.

(2) قوله و يؤيده ما ورد في رواية يونس «1» في رجل اشتري جارية المذكورة في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 81

و منه يظهر ضعف ما حكاه في المالك من ثبوت خيار الاشتراط هنا، فلا يسقط الرد بالتصرف و دعوي عدم دلالة الرواية علي التصرف أو عدم دلالته علي اشتراط البكارة في متن العقد كما تري.

مسألة: ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش (1)
اشارة

بلا خلاف و يدل علي الرد الاخبار المستفيضة الآتية.

و أما الأرش فلم يوجد في الاخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد (2)

بل ما دل علي الارش يختص بصورة التصرف المانع من الرد، فيجوز ان يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين احد طرفي التخيير بتعذر الآخر.

______________________________

الاستدلال أو التأييد بتلك الرواية تتوقف علي ثبوت امور احدها: دلالتها علي اشتراط البكارة صريحا و هي ممنوعة لامكان ان يكون المراد من قوله، اشتري جارية علي انها عذراء انه كان معتقدا كونها كذلك ثانيها دلالتها علي التصرف، و يمكن منعها ايضا بوجدانها غير عذراء بغير المباشرة بالنقل و الاشتهار ثالثها كون الثيبوبة عيبا و

سيأتي الكلام فيه التخيير بين الرد واخذ الارش

(1) قوله ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري علي الرد واخذ الارش بلا خلاف، و في الجواهر: اجماعا محصلا و محكيا مستفيضا صريحا و ظاهرا.

و يشهد بالرد- مضافا الي ذلك و إلي عموم ادلة الشروط كما مر- النصوص المستفيضة الآتية.

(2) و أما الارش، فلم يوجد في الاخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد، بل ما دل عليه يختص بما إذا لم يمكن الرد.

و قد استدل للتخيير بينه و بين الرد بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 82

نعم في الفقه الرضوي: فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري، فالخيار إليه ان شاء رده و ان شاء اخذه أو رد عليه بالقيمة ارش العيب. (1) و ظاهره كما في الحدائق التخيير بين الرد واخذه بتمام الثمن و أخذ الأرش، و يحتمل زيادة الهمزة في لفظه أو و يكون واو العطف. فيدل علي التخيير بين الرد و الارش

______________________________

(1) الاول ما في الفقه الرضوي «1»

و فيه: ما تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح من ان كتاب الفقه الرضوي لم يثبت اعتباره، بل لم يثبت كونه كتاب خبر، و ضعفه غير منجبر بالعمل.

الثاني: ان هناك طوائف من النصوص:

احداها: ما دل علي الرد مع السكوت عن الارش، «2» و هي كثيرة.

ثانيتها: ما اطلق الارش من غير ذكر للرد، كرواية يونس المتقدمة. «3» بناء علي عدم ظهورها في صورة التصرف.

و خبر السكوني عن جعفر عن ابيه: ان عليا (عليه السلام) قضي في رجل اشتري من رجل عكة سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الي علي (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال الرجل انما بعته

منك حكرة فقال له علي (عليه السلام) انما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا «4» بناء علي ان يكون الرب مخلوطا بالسمن، بحيث يعد عيبا فيه، و كون اخذ السمن بكيله من باب الارش.

ثالثتها: ما تضمن تعين الارش بعد التصرف «5».

و الثالثة اخص من الأولتين فتخصصان بها، و انما التعارض بين الأولتين لأن مقتضي

______________________________

(1) المستدرك- باب 12- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3. و جملة من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 6- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

(4) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام العيوب حديث 3.

(5) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2 و باب 4 من ابواب الحكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 83

و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الاخبار (1) و هو صعب جدا،

و أصعب منه جعله مقتضي القاعدة بناء علي ان الصحة، و ان كانت وصفا، فهي بمنزلة الجزء، فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من الثمن، و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا.

و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله علي ما صرح به العلامة و غيره،

______________________________

الاولي تعين الرد، و مقتضي الثانية تعين الارش، و مقتضي الجمع بينهما البناء علي التخيير بان يحمل كل منهما علي بيان احد فردي التخيير،

أو يقال انهما متعارضتان فيحكم بالتخيير.

و فيه: اولا: انه ليس في شي ء من النصوص ما يكون ظاهرا في تعين الارش مع امكان الرد، و الخبران كما تري.

و ثانيا: ان الجمع بالنحو المذكور لا شاهد له، و لا يكون

عرفيا، بل هما متعارضتان عند العرف، و الرجوع الي التخيير في المتعارضين انما يكون بعد فقد المرجحات، و الترجيح مع نصوص الرد كما لا يخفي.

الثاني: ما اشار إليه المصنف (رحمه الله) بقوله:

(1) و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الاخبار، و هو صعب جدا و وجوه التكلف متعددة،

منها: ما في تعليقة السيد الفقيه، و هو ان يدعي ان المراد بالرد في نصوصه رد البيع في الجملة اعم من ان يكون بالرجوع بتمام الثمن بان يفسخ، أو بالرجوع بالارش لأنه ايضا رد للبيع في الجملة، حيث لم يبقه علي حاله من مقابلة المبيع بتمام الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 84

ثمّ منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا اخذ وجوده في المبيع الشخصي علي وجه الشرطية، كما في بيع الأرض علي انها «انه» جربان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل. (1)

______________________________

و فيه: ان الارش ليس جزء من الثمن، فاخذه ليس ردا للبيع في بعض مقتضاه، مع ان الظاهر من النصوص كان متعلق الرد فيها رد المبيع أو البيع هو رد البيع بتمامه كما هو واضح.

و منها: ان التقييد بعدم امكان الرد في نصوص الارش وارد مورد الغالب، لأن العادة قاضية بعدم امساك المعيب.

و فيه: ان هذا لو تم فانما هو فيما إذا كان لدليل الارش اطلاق فيجمع بينهما بذلك،

و الا فمجرد عدم المانع اثباتا لا يجدي.

و منها: غير ذلك مما هو واضح الفساد.

الرابع: كون ذلك مقتضي القاعدة. بتقريب: ان وصف الصحة الفائت بمنزلة الجزء،

فالمعقود عليه منحل الي اجزاء ثمنا و مثمنا، فكما انه في فوات الجزء يسترجع مقدار من الثمن يقابل ذلك الجزء، فكذلك في وصف الصحة، فثبوت الارش علي القاعدة.

و أما

ثبوت جواز الرد فمن جهة ان فوات الوصف يوجب تبعض الصفقة، فله الرد لذلك.

و فيه: اولا: ان لازم ذلك بطلان البيع بالنسبة الي الوصف الفائت، و رجوع مقدار من الثمن الي المشتري، مع انهم لا يقولون بذلك، بل باستحقاق المطالبة، بحيث لو لم يطالب لا يرجع شي ء من الثمن، بل مع المطالبة ايضا لا يرجع مقدار من اثمن، بل ما يوازيه في المالية.

و ثانيا: ان الارش قابل للاسقاط و لو كان ذلك عبارة عن رجوع مقدار من الثمن لم يكن قابلا للاسقاط.

(1) و أما ما افاده المصنف (رحمه الله) في مقام الجواب ثانيا، و حاصله: ان الجزء الخارجي ايضا إذا اخذ علي وجه الشرطية لا يقابل بالمال و لا يقع شي ء من الثمن بازائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 85

و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الاجماع علي التخيير بين الرد و الأرش، نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط ان اخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد، لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية و بعض مواضع

المبسوط ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش (1) فافهم.

ثمّ ان في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه (2) ما تقدم في خيار الغبن. و قد عرفت ان الاظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا، و ان كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب، خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع علي خلاف ما اشترط.

______________________________

ففيه ان الجزء يقابل بالمال مطلقا، اخذ علي نحو الشطرية أو الشرطية، لأن الثمن يجعل في مقابل المجموع عند اهل العرف، و هم المدار في الباب، و أما الأوصاف فهي و ان اوجبت زيادة المالية الا انها ليست

بمال و لا يجعل شي ء من الثمن بازائها. و تمام الكلام في محله.

الخامس: الاجماع، و لا بأس بالاستدلال به، فان هذا الحكم علي خلاف القاعدة،

و من المستبعد جدا استناد الفقهاء و الأساطين الي ما تقدم من الوجوه، و مع ذلك طريق الاحتياط واضح.

(1) قوله ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش المراد من هذا الاطلاق هو الاطلاق من حيث امكان الرد و امتناعه، و الاطلاق الذي انكره، هو اطلاق النصوص من حيث التصرف و عدمه فلا يتوهم التنافي بين هذه العبارة و بين ما تقدم منه من انه لا إطلاق لنصوص الارش يشمل ما لو لم يتصرف.

ظهور العيب كاشف عن ثبوت الخيار لا مثبت له

(2) و في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه وجهان.

و ملخص القول: انه ان كان مدرك هذا الخيار الشرط الضمني كان الخيار ثابتا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 86

و قد صرح العلامة بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية قبلها، معللا بأن الخيار انما يثبت بالرؤية، لكن المتفق عليه هنا نصا و فتوي جواز التبري و اسقاط خيار العيب (1)

______________________________

من حين العقد، فان الشرط صحة المبيع واقعا لا عدم ظهور العيب فالتخلف من حينه، و كذلك الخيار. كما انه لو استند الي حديث لا ضرر كان لازمه ثبوته من حين العقد،

فان لزوم العقد علي المعيب ضرر و ان لم يلتفت المشتري الي العيب.

و ان كان: المدرك هو الاخبار فقد يتوهم ان مقتضاها ثبوت الخيار من حين ظهور العيب، فان نصوص الباب المتقدمة اشتملت علي لفظ ظهور العيب و وجد انه و رؤيته و العلم به، و الظاهر من كل عنوان اخذ في الموضوع موضوعيته و حمله علي الطريقية يتوقف علي القرينة،

و لكن يمكن دفعه بان هذه الكلية تامة في غير

العناوين التي تكون الطريقية و المرآتية من مقومات حقائقها كالعلم، و أما فيها فالظاهر هو اخذها بعنوان الطريقية و المرآتية، و لذا في جميع الموارد التي يؤخذ العلم في الموضوع يحمل علي ارادة الطريقية لا الموضوعية، و من تلك الموارد مقامنا هذا،

مع انه في بعض الصحاح جعل السبب نفس العيب لا ظهوره. لاحظ قول ابي جعفر (عليه السلام)

في الصحيح: ايما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يبين له الخبر. «1» و الجمع يقتضي البناء علي ارادة الطريقية من الطائفة الاولي.

(1) و ربما يقال: ان المتفق عليه نصا و فتوي جواز التبري و اسقاط خيار العيب،

و ذلك دليل علي ان الخيار يثبت قبل ظهور العيب، و الا لم يصح اسقاطه.

و لكن بناء علي عدم صحة الاسقاط ما لم يثبت و ان كان سببه موجودا كما هو الحق في الاسقاط المنجز الاستدلال بهذه النصوص و الفتاوي متين، فانه يستكشف من جواز اسقاطه قبل ظهور العيب ثبوت الخيار قبله، و أما بناء علي مختار المصنف (رحمه الله) من صحة الاسقاط مع وجود السبب فلا يتم كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 87

و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب، (1) ان استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو احد طرفي الخيار لا معني لثبوته بظهور العيب، بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا الي ان الظاهر من بعض اخبار المسألة ان السبب هو نفس العيب، لكنها لا تدل علي العلية التامة، فلعل الظهور شرط، و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من احكام هذا

الخيار الي دليله، و انه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره، و المرجع فيما لا يستفاد من دليله احد الأمرين هي القواعد، فافهم.

ثمّ انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن، كما صرح به العلامة و غيره،

هنا و في باب الصرف فيما إذا ظهر احد عوضي الصرف معيبا. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه و ان كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع، لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد. (2)

______________________________

(1) قوله و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة … بظهور العيب لعل مقصوده ان الارش تدارك للفائت، و هذا لا ربط له بظهور فوات الوصف لانه تدارك نفسه لا تدارك ظهوره و فيه ان هذا استبعاد محض لا مانع من الالتزام به أي بثبوت الارش بعد ظهور العيب- و بعبارة اخري يكون السبب هو العقد، و لكن شرط تأثيره ظهور العيب.

(2) قوله ثمّ انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و الثمن ما افاده (قدس سره) في وجه ثبوت خيار العيب في الثمن من ان التقييد في النصوص بالمبيع محمول علي الغالب من كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد، لا يفيد فان حمل القيد علي الغالب، يفيد فيما إذا كان هناك اطلاق و في المقام لا إطلاق يعم الثمن و المثمن فالحق ان يقال ان مدرك هذا الخيار، ان كان هو الشرط الضمني- أو حديث لا ضرر- أو الاجماع- ثبت ذلك بالاضافة الي الثمن ايضا، و ان كان المدرك هو الاخبار فهي و ان اختصت بالمبيع الا انه يمكن التعدي بضميمة دعوي القطع بعدم

الخصوصية للمبيع في ذلك و الله العالم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 88

القول في مسقطات هذا الخيار
اشارة

بطرفيه أو احدهما.

مسألة: يسقط الرد خاصة بأمور.
اشارة

احدها: التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرد و اختيار الأرش (1) و لو اطلق الالتزام بالعقد، فالظاهر عدم سقوط الأرش و لو اسقط الخيار فلا يبعد سقوطه. (2)

الثاني: التصرف في المعيب عند علمائنا، (3) كما في التذكرة. و في السرائر الإجماع علي ان التصريف يسقط الرد بغير خلاف منهم، و نحوه المسالك،

______________________________

مسقطات الرد

- الاسقاط

الرابعة: يسقط الرد خاصة بامور،

(1) احدها: التصريح بالتزام العقد و اسقاطه و اختيار الارش: فان هذا لازم التخيير بين الرد و الامساك بالارش، لكونه من الحقوق و لو اطلق الالتزام بالعقد فالظاهر ايضا عدم سقوط الارش.

و أما لو اسقط الخيار، فسقوط الرد به لا إشكال فيه و لا كلام: لأنه من الحقوق التي تسقط بالاسقاط كما عرفته في الخيارات السابقة،

و انما الكلام في الارش،

(2) و في المتن لا يبعد سقوطه.

و وجهه السيد بان الارش ليس امرا خارجا عن الخيار و زائدا عليه، بل نحو وجود خيار العيب هو التخيير بين امور ثلاثة: الالتزام بالعيب، و الرد، و الارش.

و فيه: ان للخيار معني واحدا في جميع الموارد و هو ملك حل العقد و اقراره، و هذا من احكام العقد. و أما الارش فهو غرامة شرعية لتدارك الفائت و اجنبي عن احكام العقد،

فاسقاط الخيار لا يوجب اسقاط حق الارش.

التصرف مسقط

(3) ثانيها: التصرف في المعيب عند علمائنا كما عن التذكرة، و عن السرائر و المسالك: الاجماع عليه في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 89

و سيأتي الخلاف في الجملة من الاسكافي و الشيخين و ابن زهرة. و ظاهر المحقق،

بل المحقق الثاني، و استدل عليه في التذكرة ايضا، تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء منه به علي الإطلاق، و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتي يعلم حال صحته و عدمها، و بقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: أيما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع، و يرد عليه بقدر

ما ينقص من ذلك الداء و العيب، من ثمن ذلك لو لم يكن به. (1)

______________________________

و كلمات القوم في المقام مضطربة، و لا يمكن تحصيل الاتفاق علي شي ء، و الوجوه المحتملة كثيرة:

منها: مسقطية التصرف مطلقا.

و منها: مسقطيته إذا كان دالا نوعا علي الرضا.

و منها: مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا و تغير المبيع.

و منها: مسقطية التصرف المغير للعين خاصة.

و منها: تغيرها و لو من غير تصرف،

و منها غير ذلك، و المهم ملاحظة الأدلة.

الظاهر ان التصرف إذا كان بقصد الالتزام بالعقد و كاشفا عنه كان مسقطا علي القاعدة من جهة ان الاسقاط كسائر الانشائيات لا يعتبر فيه اللفظ و يمكن انشاؤه بالفعل،

و ان لم يكن بقصد الاسقاط فقد استدل لمسقطيته بوجوه:

(1) احدها: صحيح زرارة «1» المذكور في المتن بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و التقبيل و اللمس.

و فيه: اولا: ما تقدم في ذلك الباب من ان المراد من احدث الحدث ليس كل تصرف، بل كل تصرف مالكي لم يكن له قبل البيع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 90

و يدل عليه مرسلة جميل عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا، قال: ان كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه و أخذ الثمن ثمن،

و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب. هذا، و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتي مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو اغلق الباب، علي ما صرح به العلامة في غاية الاشكال، (1) لاطلاق قوله (عليه السلام) ان كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد باطلاق الاخبار في الرد. خصوصا

ما ورد في رد الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند المشتري، ورد المملوك في احداث السنة. و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل اغلق الباب و نحوه،

و عدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط، فإن مطلق التصرف لا يدل علي الرضا، خصوصا مع الجهل بالعيب.

و أما المرسلة، فقد عرفت اطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد،

بل وطي الجارية لو لا النص المسقط للخيار به.

______________________________

و ثانيا: ان احداث الحدث غير احداث شي ء في المبيع، و الظاهر من الثاني ايجاد شي ء في المبيع يكون باقيا بخلاف الأول فهو عبارة اخري عن تغير العين.

ثانيها: اطلاق معقد الاجماع المدعي في كثير من العبائر.

و فيه: اولا: ما تقدم من منع الاجماع المحصل، و المنقول منه ليس بحجة،

و ثانيا انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام).

ثالثها: قيام النص «1» و الاجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين.

(1) و فيه: انه لا وجه للتعدي عنه الي سائر التصرفات، فلا دليل علي مسقطية التصرف مطلقا، بل المستفاد من الصحيح مسقطية التصرف المغير للعين، فيوافق مضمونه مع مفاد مرسل جميل «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 91

و أما الصحيحة، فلا يعلم المراد من احداث شي ء في المبيع، لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه، مما مر من الامثلة، فلا يدل علي ازيد مما دل عليه ذيل المرسلة من ان العبرة بتغير العين و عدم قيامها

بعينها. اللهم الا ان يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان، من النص الدال علي ان المراد باحداث الحدث في المبيع هو ان ينظر الي ما حرم النظر إليه قبل الشراء، فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل علي سقوط الخيار هنا بكل تصرف،

فيكون ذلك النص دليلا علي المراد بالحدث هنا. و هذا حسن، لكن اقامة البينة علي اتحاد معني الحدث في المقامين، مع عدم مساعدة العرف علي ظهور الحدث في هذا المعني مشكلة، ثمّ انه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام، لمطلق التصرف، فلا دليل علي كونه من حيث الرضا بالعقد، فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه، و ان كان النص في خيار الحيوان دالا علي ذلك، بقرينة التعليل المذكور فيه علي الوجوه المتقدمة هناك في المراد من التعليل، (1) لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام ايضا يدل علي سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا، بل عرفت من التذكرة و الغنية ان علة السقوط دلالة التصرف نوعا علي الرضا

______________________________

فان قلت: ان المستفاد من المرسل مسقطية التغير و لو كان عن غير اختيار،

و المستفاد من الصحيح مسقطية التصرف المغير فكيف التوفيق.

اجبنا عنه انه لا مفهوم للصحيح كي يدل علي عدم مسقطية غير ما تضمنه، فلا مقيد لإطلاق المرسل.

فالمتحصل: ان المسقط تغير العين و عدم قيامها بعينها، كان بالتصرف أو بغيره،

(1) و عموم التعليل في اخبار الحيوان «1» الذي استدل به علي مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا نوعا و ان لم يكن بقصد الاسقاط ستعرف حاله عند بيان ما يرد علي المصنف.

و يعضد ما اخترناه من عدم مسقطية التصرف بقول مطلق ما ورد في رد الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند

المشتري، «2» ورد المملوك في احداث السنة، «3» و نحو ذلك مما يبعد

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 92

و نحوه في الدلالة علي كون لسقوط بالتصرف من حيث دلالته علي الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه، قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع بالعيب، حتي احدث فيه حدثا، لم يكن الرد، و كان له ارش العيب خاصة، و كذلك حكمه إذا احدث فيه حدثا بعد العلم، و لا يكون احداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه، انتهي.

فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الاحداث علي الرضا بالعيب ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في ان سقوط الرد بالحدث لدلالته علي الرضا باصل البيع و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت. و قال في المبسوط إذا كان المبيع بهيمة فاصاب بها عيبا كان له ردها، فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و أخذ لبنها، و ان نتجت كان له نتاجها، كل هذا لأنه ملكه و له فيه فائدته و عليه مئونته، و الرد لا يسقط، لأنه انما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهي.

و قال في الغنية: و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش،

لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب، انتهي.

و في السرائر قال في حكم من ظهر علي عيب فيما اشتراه و لا يجبر علي احد الأمرين يعني الرد و الأرش قال:

هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة، أو ينقص قيمته بالتصرف، انتهي.

و في الوسيلة و يسقط الرد بأحد ثلاثة اشياء بالرضا و بترك الرد بعد العلم به إذا عرف ان له الرد و بحدوث عيب آخر عنده، انتهي.

و هي بعينه كعبارة المبسوط المتقدمة، ظاهرة في ان التصرف ليس بنفسه مسقطا الا إذا دل علي الرضا، و قال في التذكرة: لو ركبها ليسقيها، ثمّ يردها لم يكن ذلك رضاء منه بامساكها، و لو حلبها في طريق الرد، فالاقوي انه تصرف يؤذن بالرضا بها، و قال بعض الشافعية لا يكون رضاء بامساكه، لأن اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 93

و في جامع المقاصد و المسالك في رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم يسقط الأرش ايضا. ان التصرف لا يدل علي اسقاط الأرش، نعم يدل علي الالتزام بالعقد. و في التحرير: لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا قبل علمه بالعيب و بعده سقط الرد، انتهي.

و قد ظهر من جميع ذلك ان التصرف من حيث هو ليس مسقطا، و انما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا، فكل تصرف يدل علي ذلك عادة فهو مسقط، و ما ليس كذلك فلا دليل علي الاسقاط به، كما لو وقع نسيانا أو للاختبار، و مقتضي ذلك انه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط، خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه، و حصل بقصد الاختبار، الا ان المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه:

عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده، و الذي ينبغي ان يقال: و ان

كان ظاهر المشهور خلافه: ان التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه علي الرضا، (1) كدلالة اللفظ علي معناه لا مطلق التصرف،

و الدليل علي اسقاطه مضافا الي انه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل علي اعتبار الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاء بالبيع. و لذا تعدينا الي خيار المجلس و الشرط و حكمنا بسقوطهما

بالتصرف فكذلك خيار العيب. و أما التصرف قبل العلم بالعيب، فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز.

______________________________

التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف.

و جعل هذه الأخبار مخصصة لما دل علي مسقطية التصرف كما عن صاحب الحدائق و ان كان متينا لو كان دليل علي مسقطية التصرف مطلقا- الا انه مع عدم الدليل عليها تكون هي معتضدة لما اخترناه.

(1) و افاد المصنف بما حاصلة: ان التصرف الكاشف عن الرضا و الالتزام بالعقد مسقط و لكن ان كان مراده مسقطية التصرف إذا كان مع قصد الالتزام به فنعم الوفاق،

و ان كان مراده مسقطية التصرف الكاشف و ان لم يكن بقصد الالتزام به و اسقاط الخيار- كما يظهر من استدلاله بما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضا بالبيع- فيرد عليه ما عرفت هناك من ان المراد به تنزيل الحدث منزلة الرضا بالعقد تعبدا. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 94

و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي ء بعينه، فهو مسقط ايضا،

لمرسلة جميل المتقدمة، و يلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو اجارة أو شبه ذلك.

و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار علي ذلك، حيث قال في اول المسألة: و يسقط

الرد بأحداثه فيه حدثا، كالعتق و قطع الثوب سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده.

و في مسألة رد المملوك من احداث السنة، فلو احدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش، انتهي.

و هو الظاهر من المحكي عن الاسكافي حيث قال: فإن وجد بالسلعة عيبا و قد احدث فيه ما لا يمكن معه ردها الي ما كانت عليه قبله، كالوطئ للأمة و القطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه، كان له فضل ما بين الصحة و العيب، انتهي.

و هذا هو الذي ينبغي ان يقتصر عليه من التصرف قبل العلم و أما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك، فلا دليل علي السقوط به بحيث يطمئن به النفس، و اقصي ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان، من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس و قيام النص و الاجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم، مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين، و اطلاق معقد الاجماع المدعي في كثير من العبائر،

كالتذكرة و السرائر و الغنية و غيرها، و في نهوض ذلك كله لتقييد اطلاق اخبار الرد،

خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة اشهر،

ورد الجارية إذا لم يطأها ورد المملوك من احداث السنة نظر، بل منع، خصوصا معاقد الاجماع، فإن نقلة الاجماع كالعلامة و الحلي و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد. فكأن دعوي الإجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط (1) بما يدل علي الرضا من التصرف، خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث انه اختار ما قويناه من التفصيل بين

صورتي العلم و الجهل، و المغير و غيره

______________________________

(1) قوله فكان دعوي الاجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 95

حيث قال (قدس سره) و خامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله الا بملكه، أو الاذن الحاصل له بعد العلم بالعيب، فإنه يمنع من الرد لشي ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالأرش، لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب. و كذا حكمه ان كان قبل العلم بالعيب، و كان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان فيه كالقطع للثوب، و ان لم يكن كذلك، فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن وطئ الجارية فإنه يمنع من ردها لشي ء من العيوب إلا الحبل، انتهي كلامه.

و قد اجاد (قدس سره) فيما استفاده من الادلة. و حكي من المبسوط ايضا ان التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار، لكن صرح بأن الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد فاطلاق التصرف قبل العلم محمول علي غير المغير.

و ظاهر المقنعة و المبسوط: انه إذا وجد العيب بعد عتق العبد و الامة، لم يكن له ردهما، و إذا وجده بعد تدبير هما أو هبتهما، كان مخيرا بين الرد واخذ ارش العيب،

و فرقا بينهما و بين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق، و يرده مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسلة جميل، (1) فإن العين مع الهبة و التدبير غير قائمة، و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك

______________________________

حيث انهم يصرحون بعدم الفرق بين التصرف قبل العلم بالعيب و بعده و في كلا الموردين يحكمون بسقوط الخيار، فيعلم ان مرادهم بما ذكروه ما هو ظاهره من ان التصرف بنفسه رضا

بالعقد أي مسقط للخيار لا انه يكون مسقطا إذا كان دالا علي الرضا- فيكون هذه العبارة منهم كعبارة «1» الامام (عليه السلام) في احداث الحدث في خيار الحيوان من الحكم بانه رضا بالبيع.

(1) قوله و يرده مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسله) 2 (جميل يرد علي ما افاده اولا ان مفروض عبارة المقنعة و المبسوط التصرف قبل العلم بالعيب و هو عنده (قدس سره) لا يؤذن بالرضا و يرد علي ما افاده ثانيا- ما سيجي ء انشاء الله تعالي من ان الخروج عن الملك ليس من مصاديق عدم قيام العين بعينها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 96

و لذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار، مع انه لم يقل احد من الأمة بجواز الرد حينئذ، و قال بعد ما ذكر: ان الذي يقتضيه اصول المذهب ان المشتري إذا تصرف في المبيع انه لا يجوز له رده، و لا خلاف في ان الهبة و التدبير تصرف.

و بالجملة فتعميم الأكثر لافراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله مشكل و العجب من المحقق الثاني انه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.

الثالث: تلف العين أو صيرورته كالتالف، فإنه يسقط الخيار هنا (1) بخلاف الخيارات المتقدمة الغير الساقطة بتلف العين، و المستند فيه بعد ظهور الإجماع اناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين، (2) فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه،

______________________________

تلف العين مسقط لهذا الخيار

(1) الثالث: تلف العين أو صيرورته كتالف فانه يسقط الخيار هنا فها هنا فروع:

الأول: انه لو تلف العين حقيقة يسقط الخيار.

و الوجه فيه امران:

(2) احدهما: ان الرد علق في المرسل

علي قيام العين بعينها، و عدم ذلك تارة بتغير هيئتها و خصوصية من خصوصياتها،

و اخري بتلف العين، و يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

ثانيهما: ان الحق في هذا الخيار في نصوص الباب علق علي الرد، فاما ان يكون حقيقة هذا الخيار بخلاف سائر الخيارات حق رد العين، أو تكون مثلها حق فسخ العقد،

غاية الأمر مقيدا بفسخه برد العين. و علي اي تقدير مع انتفاء الموضوع لا يعقل الرد، فلا يكون الحق باقيا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 97

فلو تلف أو انتقل إلي ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو ابق العبد أو انعتق العبد علي المشتري، فلا رد. (1)

و مما ذكرنا ظهر ان عد انعتاق العبد علي المشتري مسقطا برأسه، كما في الدروس لا يخلو عن شي ء. نعم ذكر انه يمكن ارجاع هذا الوجه الي التصرف، و هو ايضا لا يخلو عن شي ء، و الاولي ما ذكرناه، ثمّ انه لو عاد الملك الي المشتري لم يجز رده للأصل (2) خلافا للشيخ بل المفيد (قدس سره).

______________________________

(1) الثاني: انه إذا خرجت العين عن ملكه بانتقالها الي الغير أو بانعتاقها يسقط هذا الخيار.

و الوجه فيه: ان مقتضي اطلاق الصحيح فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ان اخراجه عن ملكه و سلب هذا الأمر الاعتباري منه موجب لسقوط حق الرد.

و بهذا البيان يمكن تصحيح استدلال المصنف (رحمه الله) بالمرسل، فانه لا تكون العين قائمة بعينها.

اضف الي ذلك ما تقدم من كون هذا الحق متعلقا بالرد، فمع خروجه عن ملكه لا يكون الموضوع باقيا، إذ المراد بالرد ليس هو الرد الخارجي بل رد الربط الملكي، و مع زوال الملك لا ربط ملكي كي يرجع الي البائع.

(2) الثالث: انه لو عاد الملك

الي المشتري فهل يجوز رده كما عن الشيخ و المفيد ام لا كما في المكاسب ام هناك تفصيل؟ وجوه.

قد استدل السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني (رحمه الله) للأول:

بانه يصدق ان العين قائمة بعينها، فان ظاهر ذلك عدم وجود وصف التغير فيها فعلا لا عدم حدوث التغير و ان كان قد زال، و زاد المحقق الايرواني (رحمه الله): بان منصرف احداث شي ء هو استمرار ذلك الحدث.

و فيه: ان هذا يتم فيما لو عاد الملك بالفسخ، و أما لو عاد بارث أو اشتراء و نحوهما فلا يتم، فان هذا الحق متعلق برد العين- اي رد ربطها الملكي- و مقتضي حقيقة الرد و مفهومه كون المردود جائيا من قبل البائع، و الملك الجديد لم يجئ من قبله. فتدبر،

فالحق هو التفصيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 98

الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري (1) و تفصيل ذلك انه إذا حدث العيب بعد العقد علي المعيب، فإما ان يحدث قبل القبض، و أما ان يحدث بعده في زمان خيار، يضمن فيه البائع المبيع اعني خيار المجلس و الحيوان و الشرط. و أما ان يحدث بعد مضي الخيار، و المراد بالعيب الحادث هنا هو الاخير. و أما الأول فلا خلاف ظاهرا في انه لا يمنع الرد، (2) بل في انه هو كالموجود قبل العقد حتي في ثبوت الأرش فيه علي الخلاف الآتي في احكام القبض.

______________________________

حدوث عيب عند المشتري
اشارة

(1) الرابع من المسقطات: حدوث عيب عند المشتري و تفصيل القول في ذلك بالبحث في موارد:

الأول: فيما إذا حدث العيب بعد العقد قبل القبض، و الكلام فيه،

تارة: في انه هل يكون سببا لثبوت الخيار للمشتري ام لا،

(2) و اخري: في انه هل يمنع عن الرد بالخيار

المسبب عن العيب السابق ام لا؟

اما الجهة الاولي: فقد استدل لثبوت الخيار به: بقاعدة الضرر، و بالارفاق بالمشتري، و بالنصوص الدالة علي ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه «1».

بتقريب: ان معني كونه من مال بائعه وقوع التلف في ملك البائع، و لازم تقديره في ملك البائع ان العقد كأنه لم يقع، و مقتضاه لو كان التالف تمام المبيع انفساخ العقد و لو كان التالف جزئه انفساخه بالنسبة الي ذلك الجزء، و لو كان وصف الصحة جريان احكام العيب، فان المنفي علي الأخير حيثية الوصف لفرض وقوع العقد، و معني عدم وقوع العقد علي الموصوف مع فرض وقوع العقد وقوعه علي المعيب،

أو بتقريب ان المستفاد من الاخبار تنزيل التلف أو النقص قبل القبض منزلة التلف و النقص قبل العقد، و لازم ورود العقد علي الناقص اجراء احكام خيار العيب.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار- و المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 99

و أما الحادث في زمن الخيار فكذلك، لا خلاف في انه غير مانع عن الرد، (1) بل هو سبب مستقل موجب للرد، بل الأرش علي الخلاف الآتي

______________________________

و في الجميع نظر:

اما قاعدة نفي الضرر: فلما مر من انها لا تصلح لاثبات الخيار.

و أما الارفاق: فهو بنفسه لا يصلح لذلك.

و أما النصوص: فالموضوع فيها تلف المبيع، و هو لا يشمل تلف وصف الصحة فانه ليس مبيعا و لا جزء منه،

و حملها علي كون ذكر التلف من باب كونه اظهر الافراد يحتاج الي قرينة.

مع انه يرد علي التقريب الأول: ان الوصف لم يقع عليه العقد، ففرض العقد كأن لم يكن غير مؤثر في ضمان الوصف و ترتب حكم الخيار.

و يرد علي

التقريب الثاني: ان غاية ما يستفاد من كون التلف من البائع دخوله في ملك البائع، بحيث يضاف إليه التلف و هو ملكه،

و ليس لازم ذلك فرض دخوله في ملك البائع قبلا، أو فرض وقوع التلف قبل العقد حتي يكون لازمه ورود العقد علي الناقص. و تمام الكلام في محله.

و أما الجهة الثانية: فملخص القول فيها: ان مقتضي اطلاق مفهوم المرسل ان كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه، «1» ان العيب الحادث بعد العقد و لو كان قبل القبض يمنع عن الرد بالعيب السابق، و هذا لا يفرق فيه بين ان يكون هذا العيب موجبا لحدوث الخيار ام لا.

حدوث العيب بعد القبض

(1) المورد الثاني: ما إذا كان حدوث العيب بعد القبض و في زمان خيار المشتري

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 100

فيما قبل القبض، بناء علي اتحاد المسألتين، كما يظهر من بعض، و يدل علي ذلك ما يأتي من ان الحدث في زمان الخيار مضمون علي البائع و من ماله، و معناه ضمانه علي الوجه الذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد الا ان المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب (1) ان تأثير العيب الحادث في زمن الخيار. و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم انما هو ما دام الخيار، فإذا انقضي الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون علي المشتري، قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير مضمون علي المشتري لم يمنع من الرد ان كان قبل القبض، أو في مدة خيار المشتري المشترط أو بالاصل فله الرد ما دام الخيار، فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن نما و تلميذه

المحقق (قدس سره)، فجوزه ابن نما، لانه من ضمان البائع و منعه المحقق (قدس سره) لأن الرد لمكان الخيار، و قد زال. و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد، انتهي.

______________________________

و الكلام فيه من حيث انه يوجب سقوط الرد بالعيب السابق هو الكلام فيما إذا حدث العيب قبل القبض،

و أما من جهة انه هل يوجب الخيار ام لا، فالنصوص متضمنة لأن ضمان المال و ضمان الحدث الحادث الشامل ذلك للعيب و زوال وصف الصحة، علي من لا خيار له،

و المراد بالضمان ان كان هو العهدة، فظاهره ثبوت الغرامة عليه لا الخيار و لا الانفساخ.

و ان كان هو التلف من البائع و استقرار الخسارة عليه اما انفساخا في التلف أو فسخا كما في العيب، فالمتحصل منها ان الخسارة تستقر علي البائع، فيسترجع المشتري تمام الثمن من البائع، اما لانفساخ العقد قهرا كما في التلف، أو للأخذ بالخيار. و علي اي تقدر لا يوجب حدوث الخيار.

(1) قوله الا ان المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب الي آخر ما نقله عنه الظاهر ان مراد المحقق (رحمه الله) ان العيب الحادث في ثلاثة الحيوان لا يؤثر في حدوث الخيار و انما للمشتري الرد بنفس خيار الحيوان و لا ينافي ذلك كون ضمان الوصف الفائت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 101

لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني و هو حدوث العيب في مبيع صحيح، و لعل الفرع الأول مترتب عليه، لأن العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع (1) حتي يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب

السابق، إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون علي المشتري، فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب السابق. فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع (2) للعيب الحادث. و لذا ذكر في اللمعة ان هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع (3) من ان العيب الحادث في الحيوان مضمون علي البائع مع حكمه بعدم الأرش، ثمّ انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه، (4) و يضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار، و فيه ان قول ابن نما (رحمه الله) لا يأبي عن التعدد كما لا يخفي.

______________________________

علي البائع بمعني استقرار خسارته عليه بالمعني المتقدم.

(1) قوله لان العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع قد عرفت ان المحقق (رحمه الله) لا ينكر كونه مضمونا علي البائع و انما هو ملتزم بانه لا يوجب حدوث الخيار- و مع ذلك لا مانع من الالتزام بانه يمنع عن الرد بالعيب السابق من جهة ما دل علي سقوطه بتغير العين.

(2) قوله فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع قد عرفت انه ليس منشئا له بل المنشأ هو وجود المقتضي و هو ما دل علي سقوط الرد مع عدم قيام العين.

(3) قوله هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع بما ذكرناه ظهر عدم التنافي فلاحظ و تأمل..

(4) قوله ثمّ انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه الجاعل هو صاحب الجواهر (رحمه الله) و هو غير تام فان المحقق يقول بخيار واحد و هو خيار الحيوان و شيخه ملتزم بثبوت خيارين احدهما خيار الحيوان و الآخر خيار العيب الحادث في زمان الخيار فلا وجه لدعوي المعاكسة و كان صاحب الجواهر (رحمه الله) تخيل ان ابن نما يقول

بثبوت خيار العيب خاصة فجعل قوله عكس قول المحقق و ضعفهما بان مقتضي الادلة التعدد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 102

و أما الثالث: اعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض و الخيار. (1)

فالمشهور انه مانع عن الرد بالعيب السابق، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام.

و في ظاهر الغنية الإجماع عليه، و المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش، فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة إذا اشتري اثنان شيئا فأراد احدهما رده بالعيب، أو اشتري واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب خاصة، و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد و يمكن الاستدلال علي الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة، فإن قيام العين و ان لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف، كما اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين. إلا ان الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الأوصاف و النقص الحاصل و لو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب و خياطته.

نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة، كالثمن و تعلم الصنعة، لكنه يندفع بأن

______________________________

العيب الحادث بعد القبض و الخيار.

(1) المورد الثالث: ما إذا كان حدوث العيب في يد المشتري بعد القبض و الخيار و الكلام فيه في جهات:

الاولي: في بيان الأدلة التي اقيمت لمانعية العيب الحادث بعد انقضاء الخيار للرد بالعيب القديم، و هي امور:

الاول: ما عن مفتاح الكرامة، و هو: ان العيب الحادث من جهة كونه مضمونا علي المشتري كان بمنزلة احداثه في المبيع حدثا المنصوص علي مانعيته من الرد.

و فيه: انه لم

يدل دليل علي هذا التنزيل، و مشاركتهما في كون العيب مضمونا علي المشتري مع افتراقهما من جهة كون الاحداث فعلا من افعال المشتري لا تصلح دليلا للتنزيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 103

الظاهر من قيام العين بقائه بمعني ان لا ينقص ماليته لا بمعني ان لا يزيد و لا ينقص،

كما لا يخفي علي المتأمل.

و استدل العلامة في التذكرة علي اصل الحكم قبل المرسلة، بأن العيب الحادث يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون مضمونا علي المشتري، (1) فيسقط رده للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق اولي من تحمل المشتري به للعيب الحادث هذا. و لكن المرسلة لا تشمل جميع افراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن افادة المدعي،

لأن المرجع بعد عدم الاولوية من احد الطرفين الي اصالة ثبوت الخيار، و عدم ما يدل علي سقوطه، غاية الأمر انه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا رده، كما إذا تقايلا أو فسخ احدهما بخياره بعد تعيب العين، اما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب ارشا بل يرده، لأن النقص حدث في ملكه و انما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف. فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب القديم، بكون الصبر علي المعيب ضررا، امكن ان يقال ان تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر علي العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص و الإجماع، فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط لا بأس به

______________________________

(1) الثاني: ما عن العلامة (رحمه الله) في التذكرة، و عبارته لا تخلو عن تشابه و توضيح

ما افاده: ان العيب الحاصل تحت يد البائع يكون البائع متحملا له، و تداركه انما يكون بجواز رد المشتري للمبيع علي البائع، و العيب الحاصل تحت يد المشتري يكون المشتري متحملا له، و تداركه انما يكون بجواز امتناع البائع من استرداده، فاحدهما مقتض و الآخر مانع، فلا يؤثر المقتضي في جواز الرد، فيتعين الامساك.

و فيه: ان مقتضي اطلاق ادلة خيار العيب جواز الرد في صورة حدوث العيب عند المشتري، و لا معارض لها في مقام الاثبات سوي قاعدة نفي الضرر من جانب البائع، و هي مع معارضتها بقاعدة نفي الضرر من جانب المشتري و تساقطهما معا لا تصلح لمعارضة اخبار خيار العيب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 104

إلا ان الانصاف ان المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو اناطة الحكم بمطلق النقص.

توضيح ذلك ان المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها و تغيرها علي ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة علي ذلك، لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة، لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا، و المراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للارش، (1) فإن النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة انما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة. و هذا ليس عيبا اصطلاحيا و دعوي اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن، يدفعه ان المقصود مجرد النقص مع انه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث و ان لم يكن عيبا اصطلاحيا، ثبت في المغير و غيره للقطع بعدم الفرق، فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين

______________________________

الثالث: ما عن الجواهر، و

هو عدم صدق الرد حينئذ، و اقتضاء الرد عدم تعيب المبيع و جبره بالارش لا يصيره ردا حقيقة.

و فيه: ان صدق الرد يتوقف علي بقاء ذات المبيع لا علي بقاء جميع خصوصياته.

الرابع: مرسل جميل «1» المتضمن لكون المردود قائما بعينه، و لا يصدق علي المعيب انه قائم بعينه.

(1) الجهة الثانية: في ان المدار علي كون الحادث عيبا اصطلاحيا، و هو ما يوجب الارش، أو علي ما يوجب نقصا في ماليته، أو علي التغير الحسي، أو علي التغير مطلقا لا ينبغي التوقف في انه ليس المراد به العيب الاصطلاحي لعدم اخذه في الموضوع،

مع ان خياطة الثوب الواقعة في المرسل ليست عيبا،

كما انه لا ينبغي التوقف في عدم كون المراد خصوص التغير المنقص للمالية لعدم كون الخياطة كذلك، فيدور الأمر بين الأخيرين.

و الظاهر من المرسل هو الأخير، فان عدم قيام العين قد يكون بورود النقص علي ذاتها، و قد يكون بوروده علي صفتها القائمة بجرم المبيع، و قد يكون بورود النقص علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 105

الا مع ارشه و كونه مجرد نقص لا يوجب ارشا كنسيان الكتابة و الطحن. اما الفرق في افراد النقص الغير الموجب للارش، بين مغير العين حسا و غيره فلا مجال لاحتماله.

ثمّ ان ظاهر المفيد في المقنعة، المخالفة في اصل المسألة، و ان حدوث العيب لا يمنع من الرد لكنه شاذ علي الظاهر، ثمّ مقتضي الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله، فلا يثبت بعد زواله (1) لعدم الدليل علي الثبوت بعد السقوط، قال في التذكرة عندنا ان العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق،

سواء زال ام لا، لكن

في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه كان له الرد و لا أرش عليه، انتهي.

و لعل وجهه ان الممنوع هو رده معيوبا، (2) لأجل تضرر البائع و ضمان المشتري لما يحدث و قد انتفي الامران

______________________________

وصفها القائم بنفسها كنسيان العبد للكتابة، و قد يكون بورود النقص الاعتباري كالشركة، و مقتضي اطلاق المرسل السقوط بكل ما يصدق عليه عنوان التغير الملازم لعدم قيام العين.

الجهة الثالثة: إذا تغيرت العين بالزيادة، فهل يكون ذلك مانعا عن الرد لإطلاق المرسل، ام لا لما افاده المصنف (رحمه الله) و غيره بان الظاهر من قيام العين بقائها بمعني ان لا ينقص ماليتها لا بمعني ان لا تزيد و لا تنقص، ام هناك تفصيل؟ وجوه:

اقواها الأخير، فان الزيادة إذا كانت مما يكون للمشتري بحيث لو فسخ البيع يكون له الرجوع علي البائع بقيمتها، أو يكون شريكا له في العين بالنسبة، فهي تمنع عن الرد، لأن صبغ الثوب بل و خياطته من هذا القبيل و ان لم تكن كذلك- كسمن الدابة و تعلم الصنعة- لا تكون مانعة، لأن المنع من الرد لما كان رعاية لحال البائع، فلا محالة يكون المرسل منصرفا عن ذلك. فتأمل.

(1) الجهة الرابعة: إذا زال العيب الحادث هل يجوز رد المبيع ام لا؟

و قد استدل للأول بوجوه:

(2) الاول: ما في المتن، و حاصله: ان الممنوع هو رد المبيع معيوبا من جهة اقتضاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 106

و لو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد، (1) كما في الدروس و غيره لأن عدم الجواز لحق البائع (2) و إلا فمقتضي قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب، غاية الأمر ثبوت قيمة العيب، و

انما منع من الرد هنا للنص و الاجماع أو للضرر

______________________________

دليل نفي الضرر، و كون العيب الحادث مضمونا علي المشتري، فإذا انتفي الأمران- كما في المقام- ارتفع المانع عن التمسك باطلاق دليل الخيار المقتضي لثبوته.

و فيه: ان المقيد للاطلاق هو مرسل جميل المتضمن لتقييده بقيام المبيع بعينه،

فالمتعين ملاحظة حاله.

الثاني: ما في الحاشية، و هو: ان كون المبيع معيبا مقتض للرد، و العيب الحادث مانع،

فإذا زال المانع اثر المقتضي اثره.

و فيه: انه في الشرعيات لا يتميز المقتضي عن المانع، و لا بد من ملاحظة المقتضي في مقام الاثبات.

الثالث: ما في حاشية السيد ايضا، و هو صدق قيام العين حينئذ، بدعوي ان ظاهره اعتبار قيامها علي حال الرد، و حين ارادته، و هذا يصدق في الفرض.

و فيه: ان الحادث غير الزائل بناء علي امتناع اعادة المعدوم فالعين غير قائمة،

فالأظهر بحسب النص عدم جواز الرد بلا حاجة الي التمسك بالاستصحاب.

(1) الجهة الخامسة: إذا رضي البائع برد المعيب بالعيب الحادث مجبورا بالارش أو غير مجبور، هل للمشتري الرد بحق الخيار، أو لا يجوز الا بالاقالة و التفاسخ؟ وجهان.

قد استدل للأول بوجهين:

(2) الاول: ما في المتن، و حاصله: ان عدم جواز الرد علي البائع من باب رعاية حال البائع، و الا فالتغير لا يمنع من الفسخ، و حقه يسقط برضاه، فيبقي حق المشتري بلا مزاحم.

و فيه: ان مقتضي اطلاق دليل الخيار ثبوت حق الرد حتي مع التغير، و المرسل قيده بما إذا كانت العين قائمة بعينها، و لا يكون متكفلا لاثبات حق للبائع. و جواز امتناع البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 107

و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش (1) الذي يغرمه البائع

للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد. (2)

ثمّ ان صريح المبسوط انه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش و هذا احد المواضع التي اشرنا في اول المسألة الي تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد، و ينافيه اطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

______________________________

من قبول الرد انما هو لعدم الخيار للمشتري لا لثبوت حق شرعي له، و ما افاده (رحمه الله) من ان ذلك لرعاية حال البائع لا يثبت به كون ذلك حقا قابلا للاسقاط.

الثاني: قصور دليل مانعية العيب الحادث عن الشمول لما إذا رضي البائع، فلا مانع عن الخيار الثابت بدليله في ذلك الفرض.

و فيه: ان منطوق المرسل ان كان الثوب قائما بعينه غير مقيد برضا البائع، فكيف يقيد مفهومه به مع ان المفهوم تابع للمنطوق في العموم و الخصوص؟

فالأظهر انه ليس له الرد الا بعنوان الاقالة.

(1) قوله و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالارش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش محصل الفرق بينهما، ان الارش الذي يغرمه البائع، انما يكون بازاء مقدار من الثمن جعل بازاء وصف الصحة و لو في لبّ الارادة فلو اشتري ما يسوي در همين بدرهم، فظهر كونه معيوبا، و كان قيمة المعيوب نصف قيمة الصحيح، يكون البائع في المعاملة ملتزما بنصف درهم في مقابل وصف الصحة لا بدرهم، و هذا بخلاف ما يغرمه المشتري، فانه ان فسخ البيع يتعين عليه رد ما اخذه من البائع إليه، أو قيمته، فحيث انه اتلف علي البائع ما يوازي درهما فلا بد من ان يغرمه بهذا المقدار، و هذا هو مراد المصنف (رحمه الله) بقوله.

(2) ان العيب القديم مضمون

بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 108

تنبيه ظاهر التذكرة و الدروس ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة علي البائع. (1)

و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة ان التعدد المتصور فيه التبعض اما في احد العوضين و أما في البائع و أما في المشتري.

فالاول: كما إذا اشتري شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر بعضه معيبا، و كذا لو باع شيئا بثمن، فظهر بعض الثمن معيبا.

و الثاني: كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا، فظهر معيبا و اراد المشتري ان يرد علي احدهما نصيبه دون الآخر.

و الثالث: كما إذا اشتري اثنان من واحد شيئا، فظهر معيبا، فاختار احدهما الرد دون الآخر و الحق بذلك الوارثان لمشتر واحد للمعيب.

و أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا اشكال في كون هذا عقدين و لا إشكال في جواز التفريق بينهما.

______________________________

تبعض الصفقة لا يمنع من الرد

(1) و عن التذكرة و الدروس: ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة.

لا إشكال و لا كلام فيما إذا اشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه بثمن آخر، ظهر احدهما معيوبا كان له الخيار بالنسبة إليه خاصة.

كما لا إشكال في عدم جواز التفريق بينهما لو كان المبيع واحدا خارجيا و لو عرفا،

كالجارية، مع كون البائع واحدا و المشتري واحدا،

انما الكلام فيما إذا كان البيع واحدا و المبيع متعددا خارجا، كما لو جعل الاثنين منضما مبيعا واحدا فظهر احدهما معيوبا أو كان البائع متعددا أو المشتري كذلك فالكلام في مقامات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 109

اما الاول: فالمعروف انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،

بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الاجماع عليه (1) لأن المردود ان كان جزءا مشاعا من المبيع الواحد، (2) فهو ناقص من حيث حدوث الشركة،

______________________________

(1) الاول: ما إذا كان التعدد المتصور فيه التبعض في احد العوضين، فقد ادعي الاجماع علي انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،

و قد استدل له بوجوه:

احدها: ما عن الجواهر، و حاصله: ان الخيار حق واحد متعلق بمجموع المبيع لا كل جزء منه لا أقل من الشك و الأصل اللزوم.

و بعبارة اخري: ان الخيار حق حل العقد، و هو واحد متعلق بمجموع المبيع لا كل جزء منه.

و فيه: ان ظاهر ادلة الخيارات المجعولة لا لخصوصية في المبيع و ان كان هو التسلط علي حل العقد برد تمام المبيع، فحل بعض العقد برد بعض المبيع في المجلس لا دليل عليه،

و لكن الخيار المجعول لخصوصية في المبيع كخيار الحيوان فظاهر الدليل كون متعلق الخيار هو ما فيه الخصوصية دون غيره،

فلو ضم الحيوان الي شي ء و باعهما صفقه واحدة ثبت خيار الحيوان في خصوص الحيوان دون المجموع،

و مجرد وحدة العقد الانشائي لا تقتضي ذلك بالتوهم المشار إليه، و الا لانسد باب خيار تبعض الصفقة،

و المقام من قبيل الثاني، فان المجعول خيار واحد متعلق بما فيه عيب و عوار لا في المجموع، و عليه فمقتضي اطلاق الدليل جواز رده خاصة.

(2) قوله لان المردود ان كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص علق عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله- لا أتصور تعيب الجزء المشاع ليثبت خيار العيب فيه حتي يلزم الشركة انتهي و فيه انه يتصور فيما إذا كان الجزء المشاع من المبيع مورد الدعوي فيكون المعيب هو الجزء المشاع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 110

و ان كان معينا، فهو ناقص 1 من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، (1) فهو اولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن. و هذا الضرر و ان امكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة الا انه يوجب الضرر علي المشتري إذ قد يتعلق غرضه بامساك الجزء الصحيح، و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ، فإن المانع فيهما ليس الا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة. و لذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا.

______________________________

(1) ثانيها: ما استند إليه المصنف (رحمه الله)، و هو: ان فسخ البعض يوجب الضرر علي البائع، لأنه في الجزء المشاع موجب للشركة و في الجزء المعين موجب للتفريق، و كلاهما ضرر و نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، فهو اولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن، و جبره بخيار البائع و تسلطه علي استرداد المجموع ضرر علي المشتري لتعلق غرضه بامساك الصحيح، فيتعارضان، فلا يشمل الحديث شيئا منهما.

و فيه أو لا منع كون مجرد التفريق ضررا في جميع الموارد، نعم هو ضرر في مثل بيع مصراعي الباب.

و ثانيا: ان جواز فسخ البائع ليس ضررا علي المشتري، إذ لا يجب عليه الفسخ بالنسبة الي المعيب كي يجوز للبائع استرداد الصحيح، فهو باختياره يقدم علي ذلك، و مثله لا يكون مشمولا للحديث.

و ثالثا: انه في بادئ الأمر ليس الا ضرر المشتري من الصبر علي المعيب، فحديث لا ضرر يشمله لوجود المقتضي و عدم المانع، و من

شموله لذلك يتولد ضرر آخر علي البائع،

و لا يعقل ان يشمله الحديث، و الا لزم من شموله لضرر المشتري عدم شموله له، و ما يلزم من وجوده عدمه محال.

و رابعا: ان غاية ما يثبت بما افاده كون التبعيض ضررا علي البائع، و لكن مانعية ذلك عن اعمال المشتري خياره تتوقف علي دليل مفقود،

و ما ذكره من اولويته بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن يرد عليه منع الاولوية لان نسيان الدابة حدث مانع عن الرد و في المقام يكون المبيع قائما بعينه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 111

و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه (1) لا أقل من الشك لعدم اطلاق موثوق به و الاصل اللزوم، و فيه مضافا الي ان اللازم من ذلك عدم جواز رد المعيب منفردا و ان رضي البائع، لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه و هو لزوم الضرر علي البائع حتي ينتفي برضا البائع، انه لا يشك احد في ان دليل هذا الخيار كغيره من ادلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء و لذا لم يجوز احد تبعيض ذي الخيار اجزاء ماله فيه الخيار، و لم يحتمل هنا احد رد الصحيح دون المعيب و انما وقع الاشكال في ان محل الخيار هو هذا الشي ء المعيوب، غاية الأمر انه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا يتبعض الصفقة عليه. و أما لقيام الاجماع علي جواز رده و أما لصدق المعيوب علي المجموع (2) كما تقدم، أو ان محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه

العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه.

و بعبارة اخري الخيار المسبب عن وجود الشي ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة، في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار ام لا، بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد (3)

______________________________

(1) هذا اشارة الي الوجه الاول الذي نقلناه عن صاحب الجواهر و نقده.

(2) قوله و أما لصدق المعيوب علي المجموع مراده ما إذا كان المبيع واحدا عرفا و كان بعضه معيوبا و الا كان التزاما بما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)

(3) قوله بل غاية الامر ظهور النصوص الواردة في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد هذا الترقي لدفع ما يتوهم وروده علي الشق الثاني و هو عدم اختصاص الخيار بالجزء المعيوب و حاصله انه و ان سلم ظهور النصوص في ذلك الا ان المنصرف منها أو ظاهرها ما إذا كان المبيع واحدا عرفا و لا تشمل ما إذا كان المبيع اثنين منضمين الذي هو محل الكلام و لكن لازم هذا البيان عدم الخيار في المعيب المنضم الي الصحيح لا في الجزء و لا في الكل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 112

لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير اخبار خيار الحيوان.

و هذا المقدار لا يدل علي حكم ما لو انضم المعيب إلي غيره، بل قد يدل كأخبار خيار الحيوان علي اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام.

و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشي ء قائما بعينه، (1)

لأن المراد بالشي ء هو المعيب، و لا شك في قيامه هنا بعينه.

و بالجملة فالعمدة في المسألة مضافا الي ظهور الاجماع، ما تقدم من ان مرجع جواز الرد منفردا إلي اثبات سلطنة للمشتري علي الجزء الصحيح من حيث امساكه، ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع و منع سلطنته علي الرد اولا اولي و لا أقل من التساوي، فيرجع الي اصالة اللزوم (2)

______________________________

(1) ثالثها: ما اشار إليه المصنف (رحمه الله)، و هو: انه مقتضي المرسل، «1» لانه لا يصدق قيام المبيع بعينه لو رد البعض.

و فيه: اولا: ان الظاهر من المرسل اعتبار كون المبيع قائما بعينه قبل الفسخ، و هذا موجود في المقام.

و ثانيا: ان المراد كون المعيب قائما بعينه، و هو كذلك حتي بعد الفسخ.

(2) رابعها: ما في المتن: ايضا و هو: ان مرجع جواز الرد منفردا الي اثبات سلطنة المشتري علي امساك الجزء الصحيح ثمّ سلب سلطنته عنه بخيار البائع، و منع سلطنته علي الرد اولا اولي، و لا أقل من التساوي، فيرجع الي اصالة اللزوم.

و فيه مضافا الي ما قد مران مرجعه ليس الي ذلك بل الي السلطنة علي حل العقد علي المعيوب و سلطنة البائع علي حله بالاضافة الي الصحيح، لا تنافي تلك بل لسلطنة المالك علي ماله ان مدرك خيار العيب ليس هو قاعدة لا ضرر. بل النص، فلا بد من الرجوع إليه

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 113

و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الاجماع، كما ان للشفيع ان يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة.

و بالجملة فالاصل كاف في المسألة، ثمّ ان مقتضي ما ذكروه من الحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث انه لو رضي البائع

بتبعض الصفقة جاز الرد، كما في التذكرة معللا بأن الحق لا يعدوهما و هذا مما يدل علي ان محل الخيار هو الجزء المعيب، (1)

الا انه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع، إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده الا بالتفاسخ و معه يجوز رد الصحيح منفردا ايضا.

______________________________

و هو يقتضي خيار المشتري، و بعد ذلك ان قام دليل علي خيار البائع اخذ به ايضا،

و الا فلا.

خامسها: النص «1» المانع عن الرد بالخياطة و الصبغ، إذ المانع فيهما ليس الا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة.

و فيه: ان المانع هو تغير الهيئة، و انما لا يمنع ذلك إذا كان بما يوجب الزيادة لانصراف النص كما تقدم.

سادسها: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

(1) قوله و هذا مما يدل علي ان محل الخيار هو الجزء المعيب لا دلالة فيما افاده علي ذلك إذ يمكن ان يكون نظر العلامة الي كون مورد الخيار المجموع و انما التزم بجواز رد المعيب من جهة رجوعه الي التفاسخ و الاقالة.

فتحصل: ان الأظهر ان التبعض لا يمنع من الرد، غاية الأمر ان لكل من البائع و المشتري خيار تبعض الصفقة بالنسبة الي الجزء الصحيح.

حكم ما إذا كان المشتري متعددا

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 114

و أما الثالث: و هو تعدد المشتري بأن اشتريا شيئا واحدا، فظهر فيه عيب، (1) فإن الأقوي فيه عدم جواز انفراد احدهما علي المشهور كما عن جماعة.

و استدل عليه في التذكرة و غيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد، (2) خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة، و الاسكافي و القاضي و الحلي و صاحب البشري فجوزوا

الافتراق.

______________________________

(1) المقام الثاني: ما إذا كان المشتري متعددا، قال العلامة في التبصرة و لو اشتري اثنان صفقة لم يكن لأحدهما رد حصته بالعيب الا إذا وافقه الآخر و قبل بيان الدليل ينبغي تقديم مقدمتين.

احداهما: ان موضوع البحث في هذا المقام و المقام الثالث انه بتعدد المشتري أو البائع، مع وحدة العقد الانشائي و المبيع عرفا، هل يتعدد الخيار ام لا؟ بل وحدة الخيار و تعدده تدوران مدار وحدة العقد أو المبيع أو تعدده،

و موضوع البحث في المقام الأول كان علي العكس من ذلك، و هو انه مع وحدة البائع و المشتري و العقد و تعدد المبيع هل يتعدد الخيار ام لا؟

ثانيتهما: في الأقوال في المسألة، و هي اربعة:

الأول: الجواز.

الثاني: عدمه.

الثالث: التفصيل بين علم البائع، بالتعدد فالأول، و عدمه فالثاني.

الرابع: التفصيل المنسوب الي ظاهر المبسوط و هو الجواز مع تحقق القبول من المشترين، و الوجهان مع وحدة القبول.

إذا عرفت هاتين المقدمتين، فاعلم: انه قد استدل لعدم الجواز بوجوه:

(2) احدها: ما استدل به في محكي التذكرة و غيرها و سلمه المصنف (رحمه الله) و هو: ان لازمه التبعيض علي البائع و هو عيب يمنع من الرد كسائر العيوب الحادثة عند المشتري.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان المبيع قائم بعينه قبل الفسخ، و لو سلم تغيره بعد الفسخ فهو لا يكون مانعا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 115

و في التذكرة ليس عندي فيه بعد، إذ البائع اخرج العبد اليهما مشقصا،

فالشركة حصلت بايجابه، و قواه في الايضاح لما تقدم من التذكرة، و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري، و استجوده في التحرير و قواه في جامع المقاصد و صاحب المسالك.

و قال في المبسوط إذا

اشتري الشريكان عبدا بمال الشركة، ثمّ اصابا به عيبا كان لهما ان يرداه و كان لهما ان يمسكاه، فإن اراد احدهما الرد و الآخر الامساك كان لهما ذلك.

ثمّ قال و لو اشتري احد الشريكين للشركة، ثمّ أصابا به عيبا، كان لهما ان يردا و ان يمسكا، فإن أراد احدهما الرد و الآخر الامساك نظر، فإن أطلق العقد و لم يخبر البائع انه قد اشتري للشركة لم يكن له الرد، لأن الظاهر انه اشتراه لنفسه فإذا ادعي انه اشتراه له و لشريكه فقد ادعي خلاف الظاهر، فلم يقبل قوله، و كان القول قول البائع مع يمينه، إلي ان قال و ان اخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان:

أحدهما: و هو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لأثنين، فقد علم البائع أنه يبيعه من اثنين و كان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر، و قيل فيه وجه آخر، و هو أنه ليس له الرد، لأن القبول في العقد كان واحدا، انتهي.

و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين. اما إذا تحقق القبول من الشريكين، فلا كلام في جواز الافتراق، ثمّ الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع و جهله، لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد، فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم اخبار المشتري بالاشتراك، بأن الظاهر انه اشتراه لنفسه لا بعدم علم البائع بالتعدد و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشتري علي ان الشراء بالاشتراك دليل علي انه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة

و ان لم يعلم به البائع الا ان يحمل اليمين علي يمين البائع علي نفي العلم،

و يراد من البينة البينة علي اعلام المشتري للبائع بالتعدد، و كيف كان فمبني المسألة علي ما يظهر من كلام الشيخ علي تعدد العقد بتعدد المشتري و وحدته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 116

و الأقوي في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا، لأن الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال، و لا دليل علي تعدد الخيار هنا إلا اطلاق الفتاوي و النصوص من ان من اشتري معيبا فهو بالخيار، الشامل لمن اشتري جزءا من المعيب، لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه الي غير المقام، و لو سلمنا الظهور لكن لا ريب في ان رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه، بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته و هو مانع من الرد، و من ذلك يعلم قوة المنع و ان قلنا بتعدد العقد و ما ذكروه تبعا للتذكرة من ان التشقيص حصل بإيجاب البائع (1) فيه انه اخرجه غير مبعض و انما تبعض بالاخراج و المقصود حصوله في يد البائع، كما كان قبل الخروج (2) و خلاف ذلك ضرر عليه، و علم البائع بذلك ليس فيه اقدام علي الضرر الا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام (3).

______________________________

و ثانيا: انه بعد الفسخ ايضا قائم بعينه، فان ما اخذه كل من المشتريين قائم بعينه،

فان ما اخذه كل من المشترين قائم علي ما كان عليه عند اخذه، فانه لم يأخذ الا حصة نفسه، فافتراق حصته عن حصة صاحبه ليس نقصا فيما اخذه. و الظاهر ان هذا مراد العلامة (رحمه الله)، من

قوله:

(1) ان التشقيص حصل بايجاب البائع و لا يرد عليه ما ذكره المصنف (رحمه الله) بقوله:

(2) انه تبعض بالاخراج و المقصود حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج فانه يرد عليه: ان المقصود ارجاع ما تلقاه من البائع و تملكه منه، و هو حاصل.

ثانيها: ان النص منصرف الي غير المقام- اي الي ما إذا اتحد المشتري و قد استند المصنف (رحمه الله) إليه في المنع.

و فيه: انه لو تم ذلك لزم ان لا يحكم بالخيار لمجموع المشتريين ايضا،

مع انه لا يتم إذ لا وجه للانصراف سوي الغلبة.

(3) ثالثها: ما ذكره المصنف (رحمه الله) بقوله: ان خلاف ذلك ضرر عليه و علم البائع بذلك ليس فيه قدام علي الضرر الا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض، و هو محل الكلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 117

و الحاصل ان الفرق بين هذه المسألة و المسألة الاولي غير وجيه.

و أما الثاني: و هو تعدد البائع، فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق (1) و لو اشتري اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشتري كل من كل ربعا فإن اراد احدهما رد ربع الي احد البائعين دخل في المسألة الثالثة، و لذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة علي البائع الواحد.

______________________________

و قد تقدم الجواب عن ذلك في المقام الأول.

رابعها: ان العقد واحد، فالخيار الذي هو حل العقد واحد، و متعلقه المجموع،

فلا يجوز رد البعض.

و فيه: ان المراد من العقد الذي حكم عليه بالوحدة ان كان هو العقد الانشائي فيرد عليه اولا: انه يمكن القول بتعدده إذا قبل المشتريان، فانه لا يمكن القول بوحدة الايجاب و تعدد القبول لتضايفهما.

و ثانيا: انه لا عبرة الا

بالبيع الحقيقي و العقد المعنوي اللبي،

و ان كان هو العقد المعنوي فيرد عليه: انه مع تعدد الملكية لا محالة يتعدد التمليك لوحدة الايجاد و الوجود، و هو البيع الحقيقي.

خامسها: ان الثابت بالدليل هنا خيار واحد قائم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال.

و فيه: ان الدليل يثبت الخيار لكل من اشتري شيئا و به عيب علي نحو القضية الحقيقية، و فعلية ذلك انما تكون بفعلية موضوعه، و تعدده تابع لتعدد موضوعه خارجا،

و من المعلوم انه يصدق علي كل من المشتريين انه اشتري شيئا و به عيب،

فمقتضي اطلاق النص ثبوت الخيار له مستقلا.

فتحصل: ان الأظهر جواز الرد، كما ظهر مدرك القولين الآخرين و الجواب عنه.

المقام الثالث: ما إذا كان البائع متعددا، ففي المتن.

(1) فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق، إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 118

مسألة: يسقط الأرش دون الرد في موضعين: (1)
احدهما: إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في احدهما

فلا ارش حذرا من الربا (2) و يحتمل جواز اخذ الأرش و نفي عنه البأس في التذكرة (3) بعد ان حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا انما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت و الأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق، انتهي.

ثمّ ذكر ان الاقرب انه يجوز اخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي ء آخر،

انتهي و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض اصحابنا المتقدم علي العلامة

______________________________

و لكن يرده: ان مجرد عدم المانع لا يكفي في الحكم بثبوت الخيار.

و بالجملة: ان الكلام في هذا المقام بعينه هو الكلام في المسألة المتقدمة دليلا و مختارا،

فالأظهر هو الجواز في المقامات الثلاثة.

مسقطات الارش خاصة

(1) السابعة:

يسقط الارش دون الرد في موضعين:

(2) احدهما: ما إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في احدهما فلا ارش حذرا من الربا هكذا افاد جماعة،

(3) و نفي العلامة في محكي التذكرة الباس عن جواز اخذ الارش لا كلام و لا إشكال في صحة العقد و جواز الرد و انما الكلام في انه هل يستحق الارش ام لا، ام يفصل بين اخذه من الجنس فلا يجوز و من غيره فيجوز؟

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الأول: في انه هل يوجب اخذ الارش الربا ام لا يوجب؟

الثاني: في حكمه علي فرض صيرورته ربويا.

اما الأول: فقد استدل لصيرورته ربويا باخذ الارش بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 119

و حاصل وجهه ان صفة الصحة لم تقابل بشي ء من الثمن حتي يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة انقص منه قدرا بل لم تقابل بشي ء اصلا و لو من غير الثمن و الا لثبت في ذمة البائع و ان لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمها لبائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا ان المشهور جوز للمشتري مع تبين فقده اخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع، (1)

هذا و لكن يمكن ان يدعي ان المستفاد من ادلة تحريم الربا

______________________________

منها: ان الارش و ان كان مجعولا شرعيا الا انه لا فرق في حرمة الربا بين كون الزيادة بجعل من المتعاقدين، أو بحكم الشارع: فانه من باب تتميم الناقص، مع انهما متماثلان من حيث المقدار.

(1) و فيه: ان جعل الارش من الشارع ليس بعنوان تتميم الناقص بل هو غرامة محضة. حكم

بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع و منها: ان الارش و ان لم يوجب زيادة احد العوضين الا انه يوجب نقص الآخر،

و هو ما يؤخذ منه الارش.

و فيه: انه سيجي ء في محله من ان الارش ليس جزء من العوض كي يكون تنقيصا موجبا لتعادل العوضين،

بل لو سلم حكم الشارع برد بعض الثمن لا يكون ذلك بعنوان انفساخ بعض العقد،

بل بعنوان تملك جديد.

و منها: ان الارش انما يكون بالتزام البائع بالتدارك عند نقص وصف الصحة، فهو من قبيل شرط الزيادة داخل في الربا.

و فيه: اولا: ان لازم ذلك بطلان البيع.

و ثانيا: ان اشتراط وصف الصحة كاشتراط سائر الصفات ليس التزاما بالارش،

بل بالخيار و الارش جعل بحكم الشارع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 120

و حرمة المعاوضة الا مثلا بمثل بعد ملاحظة ان الصحيح و المعيب جنس واحد ان وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم (1) لا يترتب علي فقده استحقاق عوض و من المعلوم ان الأرش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا فالعقد علي المتجانسين لا يجوز ان يصير سببا لاستحقاق احدهما علي الآخر زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر.

و بالجملة فبناء معاوضة المتجانسين علي عدم وقوع مال في مقال الصحة المفقودة في احدهما و المسألة في غاية الاشكال و لا بد من مراجعة ادلة الربا و فهم حقيقة الأرش و سيجي ء بعض الكلام فيه انشاء الله.

______________________________

و منها ما في المتن قال،

(1) بعد ملاحظة ان الصحيح و المعيب جنس واحد ان وصف الصحة في واحد الجنسين كالمعدوم حاصله: ان الارش عوض وصف الصحة فمع كون الصحيح و المعيب جنسا واحدا و ان وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم لا يترتب علي فقده استحقاق عوض علي ما هو

المستفاد من الأدلة، لا محالة يكون زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر، فتشمله ادلة حرمة الربا، إذ لا فرق فيها بين سببية العقد للزيادة بلا واسطة أو بواسطة سببيته لاستحقاق الارش.

و فيه: ان الارش غرامة شرعية مجعولة لا ان العقد سبب له و بعبارة اخري: ما يتكفله دليل الربا انما هو عدم جواز التمليك علي وجه التفاضل لا إيجاد موضوع له حكم شرعي قهري.

و منها: ما عن المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان الارش و ان لم يوجب انعقاد العقد علي المتفاضلين، الا انه يوجب استقراره عليهما، و لا فرق في الربا بين ان يكون انعقاد العقد علي المتفاضلين أو استقراره عليهما.

و فيه: ان اللزوم خارج عن العقد، فصيرورة العقد لازما باخذ الارش غير كون استقرار العقد متوقفا عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 121

الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة

فإنه لا يتصور هنا ارش (1)

حتي يحكم بثبوته و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد و قد يناقش في ذلك بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و انما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الاغراض الفاسدة اعني عدم تستر النساء منه فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته و هذا المقدار لا يوجب زيادة في اصل المالية (2) فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الانصاف ان الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض (3) صح ان يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية، كما لا يخفي.

______________________________

فتحصل: انه لا

يكون داخلا في الربا، فالأظهر صحة العقد و جواز اخذ الارش.

و أما المورد الثاني: فان قلنا بدخوله تحت دليل حرمة الربا، لا محالة يقع التعارض بين ذلك الدليل و دليل استحقاق الارش، و حيث ان النسبة عموم من وجه، و دلالة كل منهما علي حكم المجمع بالاطلاق، فاما ان يقال انهما يتساقطان و يرجع الي اصالة عدم استحقاق الارش، أو انه لا بد من الرجوع الي المرجحات، و الترجيح مع دليل حرمة الربا،

و علي التقديرين يسقط الارش.

(1) قوله الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة فانه لا يتصور هنا ارش ما افاده (قدس سره) من الكبري الكلية من القضايا التي قياساتها معها فانه مع عدم التفاوت لا يعقل ما به التفاوت الذي هو الارش انما الكلام في انه هل يتحقق مورد لذلك أي يكون النقص موجبا للعيب الموجب للخيار و لا يوجب نقصا في القيمة و المثبتون مثلوا له بالخصاء في العبيد.

(2) و اورد عليهم بانه يوجب نقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و انما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الاغراض الفاسدة و هو لا يوجب زيادة المالية و اجاب المصنف (رحمه الله) عن الايراد

(3) بان الراغب فيه لذلك الغرض بما انه كثير و مناط المالية بذل متعارف الناس مقدارا من المال بازاء الشي ء لا محالة يكون الخصاء غير منقص للمالية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 122

و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه سواء كان من جهة اغراض انفسه ام من جهة بيعه علي من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

مسألة: يسقط الرد و الأرش معا بأمور.
اشارة

احدها: العلم بالعيب قبل العقد

بلا خلاف و لا إشكال (1) لأن الخيار انما ثبت مع الجهل. (2)

______________________________

و الحق انه بناء علي ما سيأتي من المصنف (رحمه الله) من دخل نقص المالية في صدق العيب لا مجال لهذا البحث في المقام فانه كما يكون الارش ساقطا حينئذ يكون خيار العيب ساقطا رأسا و أما بناء علي مسلك من يري عدم دخله في صدق العيب يبقي لهذا البحث في المقام مجال فانه يبحث في ان الخصاء، كما انه يوجب جواز الرد لكونه عيبا يوجب جواز اخذ الارش لكونه منقصا للقيمة ام لا يوجب لعدم كونه منقصا لها

ما يسقط الرد و الارش

الخامسة: يسقط الرد و الارش معا بامور:

(1) احدها:

ما لو علم بالعيب ثمّ اشتراه

فانه لا خلاف و لا إشكال في انه لا أرش ايضا كما لارد، و قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع عليه،

و الوجه فيه اصالة اللزوم، بعد انه لا مقتضي للخيار.

اما إذا كان المدرك لهذا الخيار الاخبار، فلأنها مختصة بصورة الجهل لما فيها من التعبير بظهور العيب و وجد انه و رؤيته، و جميع تلكم بعد البيع.

و ان كان المدرك قاعدة لا ضرر فلأنها مختصة بصورة الجهل، إذ لا منة في رفع حكمه مع العلم.

و الظاهر: الي هذا نظر المصنف (رحمه الله) من.

(2) قوله: لان الخيار انما ثبت مع الجهل فلا يكون ما افاده مصادرة كما توهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 123

و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة، (1) و فيه نظر (2) و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا للخيار

______________________________

(1) مورد الاستدلال صدر صحيح زرارة «1» المشار إليه ايما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار و لم يتبرأ إليه و لم يبين له فاحدث … الخ،

و المستدل هو صاحب الجواهر (رحمه

الله).

و تقريب الاستدلال به: انه و ان كان في مقام بيان مانعية احداث الحدث عن الخيار الا انه من تقييد موضوع الخيار بعدم التنبيه المأخوذ طريقا الي الجهل يستكشف اختصاص الخيار بصورة الجهل.

(2) و تنظر المصنف (رحمه الله) فيه:

و جملة من المحشين منهم السيد و المحقق الايرواني (رحمه الله)، ذكروا ان منشأ نظر المصنف (رحمه الله) انه لا مفهوم له،

فاوردوا عليه بايرادات:

احدها انه سيستدل به عن قريب في مسألة السقوط بالتبري، مع ان دلالته علي السقوط به أو بالعلم علي نسق واحد.

ثانيها: ان الشرط فيه و ان كان مسوقا لبيان تحقق الموضوع، الا انه من جهة تقيده بقيد يكون له مفهوم الشرط بالنسبة الي ذلك القيد، فيكون نظير ان يقال: ان رزقت ولدا ذكرا سويا فاختنه.

ثالثها: ان المفهوم الذي يؤخذ منه هو مفهوم القيد، و هذا المفهوم ان لم نقل به في غير مقام فلا يبعد القول فيه في المقام لمكان ورود الرواية في مقام ضبط مورد الخيار مقدمة لبيان سقوطه باحداث الحدث.

و لكن الظاهر ان وجه نظر المصنف (رحمه الله) انه يحتمل ان يكون المراد من قوله لم يبين له اعتبار عدم رفع الالتزام بالصحة، اي لم يصدر من البائع تنبيه علي العيب حتي يخرج عن عهدة البيع، فيجامع عدم التنبيه مع علم المشتري بالعيب لا اعتبار عدم التنبيه، و عليه فتوقف المصنف (رحمه الله) في محله و لا يرد عليه شي ء مما تقدم:

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 124

فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص (1) الذي له احكام خاصة فسد الشرط و افسد (2) لكونه مخالفا للشرع (3) و لو اراد به

مجرد الخيار كان من خيار الشرط و لحقه احكامه لا أحكام خيار العيب..

______________________________

(1) و لو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص فالأقوال فيه ثلاثة:

صحة العقد و الشرط، اختاره صاحب الجواهر (رحمه الله)

(2) فساد الشرط و العقد، اختاره المصنف (رحمه الله)

صحة العقد و فساد الشرط.

فالكلام يقع في موردين:

الأول في حكم الشرط.

الثاني: في حكم العقد.

(3) اما الاول: فقد استدل المصنف (رحمه الله) للفساد: بانه خلاف المشروع توضيحه: ان مدرك الخيار هو النص الخاص، فهو كما عرفت مختص بصورة الجهل،

فلا مقتضي للخيار مع العلم، و الشرط لا يحقق المقتضي لذلك الخيار الخاص المنحصر في سبب خاص.

و في الجواهر: الاستدلال للصحة بما توضيحه: ان الضرر مقتض للخيار، و الاقدام مع العلم مانع من حيث كشفه عن الرضا، و مع الشرط ترتفع الكاشفية فلا مانعية.

و فيه: اولا: ان المقتضي في مقام الاثبات هي الاخبار، و هي كما عرفت مختصة بصورة الجهل.

و ثانيا: انه لو سلم كون المقتضي في مقام الاثبات هي قاعدة لا ضرر فكونها مقتضية حتي مع العلم غير ثابت، بل المقتضي هو الضرر المستند الي الشارع، فمع العلم لا مقتضي، حيث ان الضرر لا يستند الي الشارع كما لا يخفي،

فالأظهر فساد الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 125

الثاني: تبري البائع عن العيوب اجماعا في الجملة (1) علي الظاهر المصرح به في محكي الخلاف و الغنية و نسبه في التذكرة إلي علمائنا اجمع و الأصل في الحكم قبل الاجماع مضافا الي ما في التذكرة من ان الخيار انما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة. فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع صحيحة زرارة المتقدمة و مكاتبة جعفر بن عيسي الآتية و مقتضي اطلاقهما كمعقد الاجماع المحكي عدم الفرق بين

التبري تفصيلا و إجمالا و لابين العيوب الظاهرة و الباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض اصحابنا من عدم كفاية التبري اجمالا. و عن المختلف نسبة الي الاسكافي

______________________________

و أما المورد الثاني: فان قلنا: ان الشرط الفاسد مفسد فسد العقد ايضا، و الا فلا.

و بذلك يظهر ان الشيخ (رحمه الله) الباني علي عدم مفسدية الشرط الفاسد ليس له الحكم بفساد العقد في المقام.

التبري عن العيوب

(1) ثانيهما: تبري البائع عن العيوب و قبول المشتري البيع معه، فانه يسقط به الرد و الارش بلا خلاف، و في الجواهر: اجماعا محكيا صريحا عن الغنية و الخلاف و التذكرة و ظاهرا في غيرها ان لم يكن محصلا.

و يشهد به- مضافا الي ذلك، و إلي ما في الجواهر-: ضرورة كون المراد البراءة مما رتب الشارع عليه من الحكم و هو الرد أو الارش، فهو حينئذ شرط مندرج فيما دل علي الشرائط حتي لو ذكره قبل العقد و بنيا عليه بناء علي انه حينئذ كالمصرح به فيه، و لأن المشتري حينئذ راض به علي ذلك، كما لو علم به و اقدم عليه، بل يشمله دليل ذلك.

بل قد يقال: ان في شمول ادلة الخيار المزبور لمحل الفرض محل شك، بل ظاهرها خلافه، فتبقي اصالة اللزوم و اصالة براءة الذمة من الأرش بلا معارض انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 126

و قد ينسب الي صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع ان المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور و في الدروس نسب المشهور إلي اشهر القولين ثمّ ان ظاهر الادلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد و أما التبري من العيوب المتجددة (1) الموجبة للخيار

______________________________

مفهوم صحيح

زرارة عن الامام الباقر (عليه السلام): ايما رجل اشتري شيئا به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

بالتقريب الآتي.

و مصحح جعفر بن عيسي: كتبت الي ابي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادي عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن، فربما زهد فإذا زهد فيه ادعي فيه عيوبا و انه لم يعلم بها فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم اسمع البراءة منها: أ يصدق فلا يجب عليه الثمن ام لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه الثمن «2».

و دلالته علي ذلك من وجهين واضحة، و مع ذلك كله فلا يصغي الي ما قيل من ان شرط التبري من العيب موجب للجهل بالمبيع و الغرر، الموجبين للبطلان،

اضف إليه ما تقدم في مبحث خيار الرؤية في مسألة شرط عدم الخيار دفع ذينك و سائر ما اورد عليه.

هذا كله في العيب الموجود قبل العقد،

(1) و أما العيب المتجدد بعده الموجب للخيار، كالحادث بعد العقد قبل القبض أو في زمان خيار المشتري، فهل يصح التبري منه كما هو المشهور، و عن ظاهر التذكرة.

الاجماع عليه، ام لا يصح؟ وجهان.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

(2) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 127

فيدل علي صحته و سقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم (1) قال

في التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال ان التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب (2) لانا نقول ان التبري انما هو من الخيار الثابت بمقتضي العقد لا من العيب، (3) انتهي.

اقول المفروض ان الخيار لا يحدث الا بسبب حدوث العيب و العقد ليس سببا لهذا الخيار (4) فإسناد البراءة الي الخيار لا ينفع و قد اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية. (5) نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته و كلمات غيره كالشهيد و المحقق الثاني.

و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية

______________________________

(1) قد استدل المصنف (رحمه الله) للاول: بعموم المسلمون عند شروطهم «1»

ثمّ اورد عليه ايرادين.

(2) احدهما: انه من قبيل البراءة مما لا ثبوت له فيكون كإسقاط ما لا يجب.

(3) و نقل عن العلامة الجواب عنه: بان البراءة ليست من العيب بل من الخيار الذي هو مقتضي العقد.

(4) و اجاب عنه: بان العقد ليس سببا لهذا الخيار، بل سببه حدوث العيب فهو غير ثابت و لو ثبوت مقتضيه، فيكون كالعيب غير الحادث من حيث تعلق البراءة بما لا ثبوت له.

و فيه: ان التبري من العيب مرجعه الي شرط عدم الخيار و سقوطه، و قد مر مرارا ان اسقاط ما لم يجب معلقا علي ثبوته لا مانع منه.

(5) قوله و قد اعترف (قدس سره) في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية سقوط الخيار أو عدم ثبوته غير اسقاط الخيار معلقا أو منجزا و لا محذور في الالتزام بعدم جواز الثاني، و جواز الاول كما تقدم و

عليه فلا تنافي بين كلماته

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 4 من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 128

بل الغرر في الاول اعظم (1) الا انه لما قام النص و الاجماع علي صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع امكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد علي اصالة السلامة (2) فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر.

و أما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتي يحتاج الي دفع الغرر باصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتي يوجب جهالة

______________________________

ثانيهما: انه موجب للغرر، بتقريب: ان ارتفاع الغرر انما كان بالالتزام بالصحة،

و شرط عدم الخيار و التبرئ من العيب مرجعه الي عدم الالتزام بالصحة، فيعود الغرر.

و يرده- مضافا الي ما افاده من ان ارتفاع الغرر انما يكون بغلبة السلامة المحفوظة مع التزام البائع و عدمه،

و مضافا الي ما في آخر كلامه من ان العيب الحادث لعدم وجوده حال العقد لا يلزم من عدم اشتراط عدمه الغرر ما مر في خيار الرؤية في الجواب عن وجوه المنافاة بين شرط عدم الخيار و ما يرتفع به الغرر. فالأظهر صحة هذا الشرط.

(1) قوله بل الغرر في الاول اعظم هذا وجه آخر لعدم جواز التبري لا ربط له بما سبق وجه الاعظمية ان كون المبيع فاقد الوصف الصحة اعظم من كونه فاقد الوصف الكمال.

(2) قوله باندفاع الغرر في الاول بالاعتماد علي اصالة السلامة في الحاشية اقول هذا ينافي ما ذكره آنفا وفاقا للتذكرة من

انه إذا صرح البائع بالبراءة يرتفع اقتضاء اطلاق العقد السلامة انتهي و يمكن دفعه بان ارتفاع الاطلاق لا يساوق عدم الغلبة بل عدم ارادة الصحيح و بعبارة اخري التبري انما ينفي الملازمة بين ارادة الصحيح، و ورود العقد علي الغالب لا انه

ينفي غلبة السلامة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 129

ثمّ ان البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الي امور: (1)

الأول: عهدة العيوب و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه الي عدم التزام سلامته فلا يترتب علي ظهور العيب رد و لا أرش فكأنه باعه علي كل تقدير.

الثاني: ضمان العيب و هذا انسب بمعني البراءة و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب الا تخييرا بين الرد و الامضاء مجانا و مرجع ذلك الي اسقاط ارش العيوب في عقد البيع لا خيارها.

الثالث: حكم العيب و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضي العقد بسبب العيب و الأظهر في العرف هو المعني الأول و الأنسب بمعني البراءة هو الثاني. (2)

و قد تقدم عن التذكرة المعني الثالث و هو بعيد عن اللفظ الا ان يرجع الي المعني الاول و الأمر سهل، ثمّ ان تبري البائع عن العيوب مطلقا أو عن عيب خاص انما يسقط تأثيره من حيث الخيار اما سائر احكامه فلا، فلو تلف بهذا العيب في ايام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص (3)

______________________________

(1) قوله البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الي امور و لما كانت البراءة مما لا ربط له بالمتبرئ غير صحيح، و العيب بنفسه من مصاديق ذلك، التجأ الي ابداء احتمالات في التبري الموضوع للحكم في المقام:

احدها: ارادة البراءة عن تعهد البائع له و اثره حينئذ

سقوط الرد و الارش.

ثانيها: ارادة البراءة عن ضمانه لما به التفاوت و اثره سقوط الارش ثالثها: ارادة البراءة عن الحكم المترتب عليه و هو الخيار.

و المصنف مع اعترافه بان الأظهر في العرف هو المعني الأول، قال:

(2) و الا نسب بمعني البراءة هو الثاني و فيه: ان البراءة في الجميع بمعني واحد كانت امرا وجوديا يساوق التجنب عنه و نحوه، ام معني سلبيا، و انما الفرق فيما اضيف إليه، فالمتعين هو الأول.

(3) قوله فلو تلف بهذا العيب في ايام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 130

لكن في الدروس انه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري فالاقرب عدم ضمان البائع و كذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده و تلف في زمان خيار المشتري و يحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه و أقوي أشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار، انتهي كلامه رفع مقامه

______________________________

الظاهر ان مورد كلام المصنف تلف المبيع في ايام خيار آخر مختص بالمشتري غير خيار العيب الساقط بالتبرّي، لا التلف في ايام خيار العيب، إذ التلف في تلك الأيام غير مشمول لقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لما عرفت من انه يوجب سقوط حق الرد بمقتضي النصوص لا الانفساخ،

فما في حاشية السيد (رحمه الله) من الايراد علي المصنف (رحمه الله) بان ظاهر العبارة خلاف المقصود، فانها ظاهرة في ارادة الفرع الأول، مع ان المقصود الفرع الثاني، في غير محله.

و الكلام في الفرع المقصود ليس في ان ظاهر التبري من العيب التبري عن هذه العهدة ايضا ام لا: لأن هذا البحث

لا يلائم التعليل بعموم النص، مع انه هين و تابع لقصد البائع و ظاهر كلامه،

و لا في ان هذه العهدة هل تكون من الحقوق و قابلة للاسقاط بان يكون مفاد قاعدة التلف في زمان الخيار كون دركه و خسارته عليه فيكون الضمان هنا كسائر الموارد قابلا للاسقاط، أو تكون من الأحكام و غير قابلة للاسقاط بان يكون مفاد القاعدة انفساخ العقد كما هو المعروف: فانه لا يلائم التعليل، مع انه سيأتي في احكام الخيار تنقيح القول فيه.

بل في انه بناء علي كون ذلك من قبيل الحكم هل النص المتضمن له مختص بصورة عدم التبري من العيب، ام يشمل صورة التبري، و المصنف (رحمه الله) اختار الثاني، و علله بعموم النص، و هو متين.

ما قيل بكون مسقطا للرد و الارش

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 131

ثمّ ان هنا امورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها.

منها زوال العيب قبل العلم (1) به كما صرح به في غير موضع من التذكرة و مال إليه في جامع المقاصد و اختاره في المسالك، بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد و هو ظاهر التذكرة حيث قال في اواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند البائع ثمّ اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق علي العقد ثمّ زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، انتهي.

و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الأرش كما لا يخفي علي المتأمل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الأرش معا علي زوال العيب، حيث قال لو اشتري عبدا

و حدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه و وجد نكتة قديمة ثمّ زالت احداهما، فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يتحالفان الخ. ما حكاه عن الشافعي و كيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لان ظاهر ادلة الرد خصوصا بملاحظة ان الصبر علي العيب ضرر هو رد المعيوب و هو المتلبس بالعيب (2) لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار.

______________________________

ثمّ ان هنا امورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الارش بها،

(1) منها: زوال العيب قبل العلم به، صرح به في محكي التذكرة و المسالك و فيه اقوال و وجوه ثلاثة، ثالثها كونه مسقطا للرد دون الارش قواه المصنف فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يسقط الرد ام لا؟

(2) و قد استدل للمسقطية في المتن و غيرها بانه الظاهر من الادلة المتضمنة لاثبات حق الرد علي المعيوب الظاهر في المتلبس بالعيب فعلا.

و فيه: ان ما علق عليه الرد في النص ليس هو المعيوب، بل الموضوع هو الاشتراء الخاص، و هو اشتراء شي ء و به عيب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 132

و أما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد (1) خصوصا بعد العلم بالعيب و الصحة انما حدثت في ملك المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلي دليل، فالقول بثبوت الأرش و سقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للاجماع و لم اجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده.

______________________________

و بعبارة اخري: عنوان موضوع الخيار وقوع العقد علي المعيوب، و هذا

العنوان لا انقضاء له، بل هو يكون باقيا و لو بعد ارتفاع العيب، فمقتضي اطلاق النص بقائه.

و لو اغمض عن ذلك و شك في بقائه، فهل يجري الاستصحاب ام لا؟

قد يقال بالعدم من جهة الشك في بقاء الموضوع، أو تيقن ارتفاعه،

و من جهة انه من الشك في المقتضي و من جهة انه لو كان زوال العيب قبل العلم به فليس له حالة سابقة بناء علي كون الخيار حادثا بعد العلم و كذا إذا كان زواله بعده لاحتمال كون الزوال قبل الرد كاشفا عن عدم ثبوته من الأول.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما عرفت من ان الموضوع متيقن الثبوت، لأنه من اشتري شيئا و به عيب، و هذا الموضوع باق قطعا.

و أما الثاني: فلأن الشك في المقتضي بهذا المعني مورد لجريان الاستصحاب.

و أما الثالث: فلما تقدم من ظهور الدليل في ثبوت الخيار قبل العلم،

نعم بناء علي المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام لا يجري هذا الأصل.

(1) المقام الثاني: في انه هل يسقط الارش ام لا؟ فان قلنا بعدم سقوط الرد فالحكم واضح، و ان قلنا بسقوطه فربما يقال- كما في المتن- بعدم سقوطه.

و استدل له بما توضيحه: ان استحقاق مطالبة الارش فرع اشتغال الذمة بما به التفاوت، و براءة الذمة بعد اشتغالها تحتاج الي دليل، و الا فالأصل يقتضي بقائه، و ليس الارش من قبيل الرد موضوعه العين الخارجية كي يتبدل الحكم بتبدل العين من المعيوبية الي الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 133

نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي و هو ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد (1) لكن عرفت مرارا ان المرجع في ذلك هي الادلة و لا

منشأ لهذه القاعدة.

و منها التصرف بعد العلم بالعيب فإنه مسقط للأمرين (2) عند ابن حمزة في الوسيلة و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب، و النص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم ورد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب و الاولي ان يقال ان الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الارش

______________________________

و فيه: ان الذمة لا تكون احد طرفي التخيير، فمعني استحقاق الارش استحقاق التغريم، فإذا كان الموضوع هو المعيب سقط ذلك بارتفاعه.

فتحصل: ان الأظهر بقاء الرد و الارش.

(1) قوله ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد و فيه ان الصحة و ان زالت ثمّ عادت الا انها حين وجودها قبل العقد لم تكن مناطا للمطلب، هذا إذا اريد بالزائل وصف الصحة و ان اريد به العيب فهو لم يعد.

التصرف بعد العلم بالعيب

(2) و منها: التصرف بعد العلم بالعيب فانه ذهب جماعة منهم ابن حمزة في محكي الوسيلة الي انه يسقط الرد و الارش معا.

و تنقيح القول فيه بالبحث في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما الأول: فان كان التصرف كاشفا عن الاجازة و اسقاط الخيار و قصد به ذلك يكون مسقطا للخيار، إذ لا فرق في الاسقاط بين كون المظهر فعلا أو قولا، و الا فلا يكون مسقطا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 134

و انما المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب، و حيث لم يدل التصرف عليه فالاصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف (1) مع ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع، فليراجع.

______________________________

و أما النص العام الدال علي مسقطية التصرف لخيار الحيوان معللا بانه رضا بالبيع، «1» فقد عرفت حاله، و انه لا يدل علي مسقطية التصرف لكل

خيار.

(1) هذا بالنسبة الي الرد و أما الارش فان قلنا بعدم كون التصرف مسقطا للرد و عدم الأخذ بعموم العلة فالأمر واضح،

و ان قلنا بمسقطيته له لعموم العلة أو غيره فقد استدل لمسقطيته له بانه علامة الرضا بالمعيب ورد بانه علامة الرضا بالمبيع لا بالعيب.

و فيه: ان الالتزام بالبيع الشخصي المتعلق بالمعيب لا محالة يكون التزاما بالعيب لعدم معقولية الانفكاك.

فالاولي رده بان الرضا بالعيب يتصور علي وجهين:

احدهما: الرضا به مجانا و بلا عوض، و مرجع ذلك الي الابراء و اسقاط حق التغريم.

ثانيهما: الرضا به مع العوض، و حيث لا كاشفية له عن عدم اخذ العوض فلا يكون مسقطا له.

و أما المقام الثاني: فالنصوص الخاصة تدل علي مسقطية التصرف المغير للعين، بل تغير العين كما مر للرد، و هي اما مطلقة من حيث العلم و الجهل، أو مختصة بصورة الجهل بالعيب، فتدل علي المسقطية في صورة العلم بالاولوية،

و لا تدل علي سقوط الارش و لا علي عدم سقوطه في صورة العلم. فان ظاهر صحيح زرارة: ايما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار. «2» حدوث العلم بعد التصرف، فلا تعرض له لصورة العلم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 135

و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب (1) كالبغل الخصي بل العبد الخصي علي ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة و الرد لأجل التصرف.

______________________________

اما مرسل «1» جميل فظاهره كون مقسم الشرطيتين: وجد ان العيب بعد الاشتراء،

و التغير، مع انه لو سلم عدم تقييده بصورة وجدانه بعد التغير

لا إطلاق له من هذه الجهة،

فانه وارد لبيان حكم الرد و الارش من حيث التغير و عدمه لا من حيث العلم و الجهل.

و أما اخبار وطء الجارية، فجملة منها «2» مختصة بالتصرف قبل العلم، و ما يتوهم اطلاقه خبران:

احدهما: خبر عبد الملك عن مولانا الصادق (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و له ارش العيب «3».

ثانيهما: خبر محمد بن ميسر عنه (عليه السلام): كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب «4».

و لكن الأول في مقام الفرق بين الحبلي و غيرها لا في مقام بيان حال الوطء علما و جهلا،

و الثاني بين اجماله في خبر ثالث عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل اشتري جارية فوطئها ثمّ وجد فيها عيبا «5»

فما افاده الشيخ (رحمه الله) من ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع في غير محله.

التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب

(1) و منها: التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب قد يتوهم ان التعرض لهذا المبحث في غير محله، إذ سقوط الرد و الارش مع اجتماع مسقط هذا و مسقط ذلك من القضايا التي قياساتها معها،

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 4 و 5- من ابواب احكام العيوب.

(3) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العيوب حديث 3.

(4) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 8.

(5) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 136

و قد يسشكل فيه من حيث لزوم الضرر علي المشتري بصبره علي المعيب،

و فيه ان العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس

في سقوطه بالتصرف مع عدم ارش فيه و حله ان الضرر اما ان يكون من حيث القصد الي ما هو ازيد مالية من الموجود. و أما ان يكون من حيث القصد الي خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته، و الاول مفروض الانتفاء، و الثاني قد رضي به و اقدم عليه، المشتري بتصرفه فيه بناء علي ان التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه الا ان يقال ان المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت الأرش و إلا فمقتضي القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف (1) كما في غير العيب و التدليس من اسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها ارشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به، نعم لو اقتصر في التصرف المسقط علي ما يدل علي الرضا كان مقتضي عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

______________________________

لكن يرده ان التعرض له لجهتين:

احداهما: من جهة توهم عدم المقتضي للمسقطية في صورة الاجتماع.

ثانيتهما: من جهة توهم وجود المانع.

(1) اما الجهة الاولي: فتقريب عدم المقتضي: ان النصوص المتضمنة لسقوط الرد بالتصرف المغير مختصة بمورد فيه الارش، و لا تعرض لها بما لا أرش فيه.

و فيه: ان مرسل جميل متضمن لشرطيتين:

احداهما: ثبوت الرد مع قيام المبيع بعينه و الثانية: سقوطه مع التغير.

و الثانية و ان اختصت بمورد ثبوت الارش، الا ان الاولي بما ان منطوقها مطلق مفهومها ايضا كذلك. فتدبر فانه لا يخلو عن التأمل و النظر.

و أما الجهة الثانية: فتقريب وجود المانع: ان في بقاء مسقطية المجتمعين الضرر علي المشتري، فينتفي ذلك بحديث لا

ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 137

و منها حدوث العيب في المعيب المذكور (1) و الاستشكال هنا بلزوم الضرر في محله (2) فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها ارشا و النص الدال علي اشتراط الرد بقيام العين و هي المرسلة المتقدمة مختص بمورد امكان تدارك ضرر الصبر علي المعيب بالأرش (3) و الاجماع فيما نحن فيه غير متحقق (4) مع ما عرفت من مخالفة المفيد في اصل المسألة هذا كله مضافا الي اصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب و هي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور بتضرر البائع بالفسخ

و نقل المعيب الي ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب و كيف كان فلو ثبت الإجماع أو استفيض بنقله علي سقوط الرد بحدوث العيب و التغيير علي وجه يشمل المقام و ألا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.

______________________________

و فيه: ان التصرف مع العلم بمسقطيته يكون اقداما علي الضرر، و بدونه لا يوجب الضرر المالي لفرض انتفائه، و الضرر من حيث الغرض المعاملي حيث انه موجود في جميع موارد التصرف المسقط قبل العلم فيخصص دليل نفي الضرر بما دل علي مسقطيته.

(1) و منها: حدوث العيب في المعيب المذكور لا كلام في سقوط الارش، انما الكلام في سقوط الرد ايضا،

و اورد عليه.

(2) تارة بان لزوم صبر المشتري ضرر عليه فينتفي بحديث لا ضرر.

(3) و اخري بان مدركه النص الخاص و مورده ثبوت الارش.

(4) و ثالثة بان مدرك مانعية العيب الحادث عن الرد الاجماع و هو مختص بغير الفرض و لكن يرد علي الاخير: ان المدرك ليس هو

الاجماع، بل النص الخاص.

و يرد علي الثاني: ان المرسل عام شامل لصورة عدم ثبوت الارش.

و يرد علي الأول: ان هذا الضرر يلزم في جميع موارد العيب الحادث، فالنص «1»

الدال علي مسقطيته للرد يقيد اطلاق حديث لا ضرر «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) مر في خيار الغبن و غيره مصادر الحديث مرارا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 138

و منها ثبوت احد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز اخذ الأرش فيه لأجل الربا. (1)

اما المانع الأول: فالظاهر ان حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته فإن المشتري لما اقدم علي معاوضة احد الربويين بالآخر اقدم علي عدم مطالبة مال زائد علي ما يأخذه بدلا عن ماله و ان كان المأخوذ معيبا فيبقي وصف الصحة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها الا جواز الرد بلا ارش فإذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا علي الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في خيار التدليس بعد التصرف. نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم.

و أما المانع الثاني: فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد ايضا و هو مبني علي عموم منع العيب الحادث من الرد حتي في صورة عدم جواز اخذ الأرش.

و قد عرفت النظر فيه و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو انه لو رد فاما ان يكون مع ارش العيب الحادث. و أما ان يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا علي البائع و ان رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد علي وزن عوضه و الظاهر ان مراده من ذلك ان رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و

مقتضي المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد ان لا يضمن وصف الصحة بشي ء إذ لو جاز ضمانه لجاز اخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة

______________________________

لو ثبت احد مانعي الرد فيما لا يؤخذ الارش فيه

(1) و منها: ثبوت احد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجور اخذ الارش فيه لاجل الربا مما ذكرناه في الفرعين السابقين، يظهر حال هذين الفرعين المذكورين في المقام،

فان الأقوال و الأدلة متحدة، و انما نتعرض لهما لبيان امرين:

احدهما: فيما افاده العلامة (رحمه الله) في وجه امتناع الرد.

ثانيهما: في بيان ما به يتدارك ضرر المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 139

و لذا يبطل التقاتل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في احد العوضين فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير، فإن رد الي البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك الا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بازاء مجموع المثمن و وصف صحته فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة (رحمه الله) بلزوم الربا. اما لزوم الربا في اصل المعاوضة (1) إذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة و قيمتها عند استرداد الثمن. و أما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن و زيادة (2)

و الاول اولي و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير

المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم الي المثمن حتي يصير ازيد من الثمن.

______________________________

اما الأول: فقد افاد العلامة في وجهه: انه لو رد بدون ارش العيب الجديد لزم الضرر علي البائع، و لو رد معه لزم الربا، و علله: بان المردود حينئذ يزيد علي عوضه.

و المصنف (رحمه الله) احتمل في مراده وجهين:

(1) الاول: ان يكون مراده لزوم الربا في المعاملة.

(2) و الثاني: ان يكون مراده لزوم الربا في الفسخ، فانه يضم الي المثمن المردود شي ء آخر و هو الارش و اورد عليه السيد الفقيه (رحمه الله): بان مراد العلامة هو الوجه الأول قطعا، و ليس الثاني مراده، لأن اخذ الارش لا يعقل ان يكون مؤثرا في مقابل وصف الصحة و عدمه في المعاملة بان يكون اخذ الارش بعد ذلك مؤثرا في كون الوصف مقابلا بالعوض، بل حين المعاملة اما ان يكون مقابلا به فيلزم البطلان، و أما لا يكون كذلك، فاخذ الارش لا يبطله.

و لكن ببيان مراد المصنف (رحمه الله) يظهر اندفاع هذا الايراد، توضيحه: ان حقيقة الفسخ حل المعاوضة و رجوع كل من العوضين الي محله السابق من دون ان يقتضي شيئا آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 140

إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم انما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له الا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع و تلف وصف الصحة منه في يد المشتري، فإذا فرض ان صفة الصحة لا تقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.

و الحاصل ان البائع لا يستحق من المشتري إلا

ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري، ثمّ فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة. نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده لياخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة، ثمّ ان صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم علي المشتري بالصبر علي المعيب مجانا فيما نحن فيه

______________________________

و عليه فان اقتضي الفسخ لارش العيب الجديد، و كون وصف الصحة في مقابل جزء من العوض ربا كان لازم مقابليته له ربا في المعاملة، و المفروض ان الشارع الأقدس حكم بان الصحيح و المعيب في غير المتجانسين واحد لا يقابل وصف الصحة في نظره بشي ء و لو ربا،

الذي هو مفروض في غير المتجانسين، و حيث ان المفروض اقدام المتبايعين علي معاملة صحيحة فحين المعاملة لا يلزم الربا، و انما يلزم ذلك من حين الفسخ لو اخذ الارش.

و لكن يرد علي الوجه الأول- مضافا الي ان الارش غرامة شرعية لا يكون بجعل المتعاملين:

انه لا يكون الفسخ معاوضة، و الربا انما يجري في المعاوضات مع انه من طرف واحد لا الطرفين.

و يرد علي الوجه الثاني:

اولا: ما تقدم من ان اخذ الارش حتي من العيب القديم لا يوجب الربا لكونه غرامة شرعية تعبدية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 141

فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين (1) اقتصر في المبسوط علي حكايتهما احدهما: جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث (2) لما تقدم إليه الاشارة من ان ارش العيب الحادث في يد المشتري نظير ارش العيب الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون علي المشتري لا

دخل له في العوضين حتي يلزم الربا

______________________________

و ثانيا: ان المحرم و غير النافذ هو المعاملة التي وجدت ربوبة،

و أما احداث الربا فيها بعد الوجود فلا دليل علي حرمته و مبطليته لها.

(1) و أما الثاني: فعلي المختار من ان اخذ الارش للعيب القديم لا محذور فيه كما تقدم، يتعين اخذ الارش بلا رد لكون العيب الحادث مانعا عن الرد و معينا للارش،

و علي القول بعدم جواز اخذ الارش يدور الأمر بين امور:

الأول: لزوم المعاملة و عدم جواز الرد واخذ الارش.

الثاني: جواز رد المعيب مع عرامة قيمة العيب الحادث.

الثالث: فسخ المعاملة و اعطاء مثل المبيع في العيب القديم سليما عن العيب الجديد من جهة تعذر رد المبيع و هو في حكم التلف، اي التعذر العقلي الموجب للانتقال الي البدل.

و الثاني: يرده ما دل علي مانعية العيب الحادث عن الرد.

و الثالث: يرده ما دل علي ان التلف في هذا الخيار مسقط له و لا يوجب الانتقال الي البدل، فيتعين الأول،

و حديث لا ضرر قد مر مرارا انه لا يصلح لاثبات الجواز للمعاملة اللازمة.

(2) قوله احدهما جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث هذا الوجه انما يتم لو سلمنا قصور ما دل علي مانعية العيب الحادث عن الرد في صورة عدم جواز اخذ الارش- و قد عرفت عدم قصوره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 142

الثاني: ان يفسخ البيع لتعذر امضائه (1) و إلزام المشتري ببدله من غير الجنس معيبا بالعيب القديم و سليما عن الجديد و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا ارش و مع الأرش و اختار في الدروس تبعا للتحرير. الوجه الأول مشيرا الي تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل (2) و تبعه

المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات و انه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام و ان كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع.

اقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه و بين ارش عيب المقبوض بالسوم فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري و لا يقدر في ملك البائع الا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن الي المشتري و المفروض عدم المقابلة بين شي ء منه و بين صحة البيع.

و منها تأخير الاخذ بمقتضي الخيار فإن ظاهر الغنية اسقاطه للرد و الأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم لأنه علي الفور بلا خلاف و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش، ثمّ ذكر حدوث العيب و قال ليس له هاهنا إلا الأرش ثمّ ذكر التصرف و حكم فيه بالأرش فإن في إلحاق الثالث بالاولين في ترك ذكر الأرش فيه، ثمّ ذكره في الاخيرين و قوله ليس «له» هنا ظهورا في عدم ثبوت الارش بالتأخير و هذا احد القولين منسوب الي الشافعي. و لعله لأن التأخير دليل الرضا و يرده بعد تسليم الدلالة ان الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف

______________________________

(1) قوله الثاني ان يفسخ البيع لتعذر امضائه هذا الوجه ايضا لا يتم من جهة ان التلف في هذا الخيار موجب لسقوط الخيار،

و جواز الرد لا للانتقال الي المثل أو القيمة.

(2) قوله لان تقدير الموجود معدوما خلاف الاصل فيه انه لا خصوصية للتلف الا امتناع الرد و الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 143

نعم سقوط الرد وحده له وجه (1) كما هو صريح المبسوط و الوسيلة علي ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله ايضا عبارة الغنية المتقدمة بناء علي ما تقدم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار في الخروج عن اصالة اللزوم علي المتيقن السالمة عما يدل علي التراخي عدا ما في الكفاية من اطلاق الاخبار و خصوص بعضها. و فيه ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار. (2) و أما الخبر الخاص فلم اقف عليه و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه علي الفور و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق من انه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه. و لذا جعله في التذكرة اقرب و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف. نعم في الرياض انه ظاهر اصحابنا المتأخرين كافة و التحقيق رجوعا لمسألة الي اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه.

______________________________

تأخير الأخذ بمقتضي الخيار.

و منها: تأخير الأخذ بمقتضي الخيار، فان ظاهر الغنية اسقاطه لهما، و قد ادعي الشهرة و عدم الخلاف علي كل من القول بسقوطهما به و عدمه، و هناك قول ثالث،

(1) ظاهر المصنف الميل إليه و تقويته و هو سقوط الرد دون الارش و المهم ملاحظة الأدلة.

و تحقيق الكلام بالبحث في موردين:

الأول: في الرد.

الثاني: في الارش.

اما الأول: فمقتضي اطلاق النصوص عدم السقوط ما لم يتحقق احد المسقطات،

و ما افاده المصنف (رحمه الله) من.

(2) ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار فيه منع يظهر لمن راجع الاخيار و استدل للسقوط:

بما دل علي الفورية في كل خيار ثبت و لم يثبت كونه

علي الفور أو التراخي،

و بان التأخير دليل الرضا بسقوط الحق.

و لكن يرد علي الأول: انه لا يرجع إليه مع الدليل علي التراخي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 144

و لذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي الا به و الا فلا يحصل من فتوي الاصحاب الا الشهرة بين المتأخرين المستندة الي الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها.

و ان قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفي و الله العالم.

مسألة: قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا (1)

أو كان المشتري بالخيار، انتهي.

و مثله ما عن الخلاف و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه ان يبينه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الاول احوط و نحوه عن فقه الراوندي و مثلهما في التحرير، و زاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي و الخفي، و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا.

و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي و الجلي، فيجب في الأول مطلقا، كما هو ظاهر جماعة أو مع التبري، كما في الدروس، فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة اقوال. (2)

______________________________

و يرد علي الثاني: عدم كاشفيته عن ذلك. فالأظهر عدم السقوط.

و أما الثاني: فعدم سقوطه اوضح، إذ مضافا الي ان مقتضي اطلاق الأخبار ذلك، ما استدل به علي سقوط الرد علي فرض تماميته لا يدل علي سقوط الارش.

اما الوجه الاول فلان لزوم العقد و عدم انحلاله اجنبي عن سقوط الارش و عدمه و أما الوجه الثاني فلان الرضا و الالتزام بالعقد اعم من كونه مجانيا أو مع العوض و بذلك ظهر اندفاع ايراد السيد الفقيه علي المصنف بان ما ذكر في وجه سقوط الرد يدل علي سقوط

الارش ايضا.

وجوب الاعلام بالعيب

(1) قوله مسالة قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل مخطورا.

(2) الاقوال في المسألة خمسة الاول وجوب الاعلام مطلقا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 145

و الظاهر ابتناء الكل علي صدق الغش و عدمه، و الذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معني الغش ان كتمان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع غش، فإن الغش، كما يظهر من اللغة خلاف النصح. اما العيب الظاهر فالظاهر ان ترك اظهاره ليس غشا، نعم لو اظهر سلامته عنه علي وجه يعتمد عليه، كما إذا فتح قرانا بين يدي العبد الاعمي مظهرا انه بصير يقرأ، فاعتمد المشتري علي ذلك و اهمل اختباره كان غشا (1)

قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي علي وجوب اظهار العيب «مطلقا» بالغش ان الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري و تبينه و التقصير في ذلك من المشتري، انتهي.

و يمكن ان يحمل بقرينة ذكر التقصير علي العيب الظاهر، كما انّه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة علي لفظ الكتمان و علي الاستدلال بالغش علي العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الاصحاب مطلقا، و من اقوي الشواهد علي ذلك انه حكي عن موضع من السرائر ان كتمان العيوب مع العلم بها حرام و محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلاحظ، ثمّ التبري من العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده، كما عن المشهور ام لا، فيه اشكال نشأ من دعوي صدق الغش.

______________________________

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: استحباب الاعلام.

الرابع: التفصيل بين العيب الخفي و الجلي، فيجب في الأول دون الثاني:

الخامس: التفصيل بين الجلي و الخفي، فيجب في

الأول مع عدم التبري.

و تحقيق الكلام بالبحث في موارد:

الأول: في انه هل يصدق علي ترك الاعلام عنوان الغش ام لا؟

(1) و الاظهر: انه بمعني الخديعة و التلبيس و لا يصدق ذلك علي ترك الاعلام بالعيب، و لا علي كتمان العيب الخفي، و انما يصدق علي اظهار انه صحيح، و حيث ان البيع انما يكون من البائع بعنوان ان المبيع صحيح و انه ملتزم بصحته فهو اظهار لخلاف الواقع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 146

و من ان لزوم الغش من جهة ظهور اطلاق العقد في التزام البائع بالصحة، فإذا تبرأ من العيوب ارتفع الظهور (1) او من جهة ادخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا و التبري لا يرفع اعتماد المشتري علي اصالة الصحة، فالتعزير انما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد علي الاصل و الاحوط الاعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط، ثمّ ان المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما انه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول الا ان يقال ان جهالة الجزء غير مانعة ان كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما، ثمّ ظهر البعض مستحقا، فإن البيع لا يبطل في ملكه و ان كان مجهولا قدره وقت العقد، انتهي.

______________________________

و لا يفرق في ذلك بين العيب الخفي و الجلي الا إذا كان من الوضوح بحد لا موجب للالتزام بالصحة، و إلي هذا المورد النظر في صحيح «1» ابن مسلم المتضمن لخلط الجيد بالردي ء حيث قال (عليه السلام): إذا رؤيا جميعا فلا بأس.

و بذلك يظهر ضعف ما قيل من عدم صدق الغش علي ترك اظهار

العيب الجلي في المعاملة،

و اضعف منه دعوي عدم صدقه علي مجرد المعاملة علي المعيب بالعيب الخفي ما لم ينضم إليه شي ء آخر كما في حاشية السيد.

الثاني: في حكمه التكليفي.

و الأظهر انه حرام مطلقا كما تقدم الكلام فيه مفصلا في الجزء الثاني من هذا الشرح،

و ما افاده السيد (رحمه الله) من عدم حرمة المعاملة علي المعيب بالعيب الجلي و ان صدق عليها الغش لصحيح محمد بن مسلم، يندفع بما عرفت.

الثالث: في حكمه الوضعي.

و الحق عدم الفساد، لأن حرمة المعاملة اعم من فسادها، و لا دليل آخر علي الفساد في جميع الموارد كما تقدم الكلام فيه في الجزء الثاني.

(1) الرابع: انه لو تبرأ البائع من العيب هل يسقط وجوب الاعلام ام لا وجهان:

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 147

اقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته، كالملح الزائد في الخبز، فلا وجه للاشكال المذكور. نعم لو فرض المزج علي وجه يوجب تعيب الشي ء من دون ان يستهلك فيه، بحيث يخرج عن حقيقته الي حقيقة ذلك الشي ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد.

مسائل: في اختلاف المتبايعين
اشارة

و هو تارة في موجب الخيار، و أخري في مسقطه و ثالثة في الفسخ أما

الأول: [الاختلاف في موجب الخيار]
اشارة

ففيه مسائل: الاولي: لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه، (1) فالقول قول المنكر بيمينه.

______________________________

اظهرهما الأول، لان الغش كما عرفت انما يصدق علي فعل البائع من جهة كون البيع واقعا بعنوان ان المبيع صحيح و انه ملتزم بصحته، فإذا تبرأ عن العيب و لم يلتزم بالصحة لا يصدق الغش،

مع ان صدق الغش يتوقف علي ايقاع الطرف فيما يكرهه و غير راض به، فمع رضاه بذلك و شرائه بعد تبرئ البائع و عدم الفحص عن صحته و عيبه لا يصدق الغش.

لو اختلفا في تعيب المبيع

مسائل في اختلاف المتبايعين:

(1) الاولي لو اختلفا في تعيب المبيع فقد يكون البائع منكرا للعيب و المشتري مدعيا، و هو الغالب، و قد يكون البائع مدعيا كما لو فرضنا فسخ المشتري ثمّ ندامته منه،

و ادعي انه لم يكن له ذلك فلا يكون البيع منفسخا، و ادعي البائع انه كان معيوبا، فالبيع منفسخ.

و علي التقديرين، اما ان تكون الحالة السابقة هي العيب، و أما ان تكون هي الصحة، و أما ان تكون مجهولة.

اما في الصورة الاولي فالقول قول مدعي العيب مع يمينه للاستصحاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 148

الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال، لفقد اهل الخبرة (1)

كان الحكم كسابقه، نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون (2)

الارش، لأصالة البراءة.

الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك،

بان (3) حدث بعد القبض و انقضاء الخيار

______________________________

و أما في الصورتين الاخيرتين فالقول قول منكره،

اما في الاولي منهما فللاستصحاب،

و أما في الثانية فبناء علي كون اصل السلامة من الاصول العقلائية، فلذلك و بناء علي عدم كونه منها فلا صالة اللزوم و

المراد بها في المقام استصحاب بقاء العقد بعد الفسخ و اصالة البراءة عن الارش.

(1) الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال، فان احرز كونه نقصا و لكن تردد الأمر بين كونه منقصا للقيمة و عدمه كان الأصل مع البائع لأصالة البراءة من الارش،

(2) فهل يثبت له الرد كما عن المصنف ام لا كما في الحاشية؟ وجهان:

قد استدل للثاني: بان النقص غير الموجب لنقص المالية لا يكون عيبا فلا تشمله ادلة خيار العيب.

و فيه: اولا: ان الالتزام الضمني بالصحة موجب لثبوت حق الرد لفرض تخلف الشرط.

و ثانيا: ان من يري دلالة حديث نفي الضرر علي نفي اللزوم لا بد له من البناء علي دلالته علي جواز الرد في المقام لعدم انحصار الضرر بالمالي، بل هو شامل لنقص الغرض المعاملي، فالأظهر ان له ذلك.

و ان تردد بين كونه نقصا و عدمه كان القول قول منكره مع اليمين لأصالة عدم كونه نقصا الازلي، و لأصالة اللزوم بالمعني المتقدم.

(3) الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عنه و صور هذه المسألة ثلاثة.

احداها: ما لو ادعي المشتري تقدم العيب علي العقد و انكره البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 149

كان القول قول منكر تقدمه للاصل 1 (1) حتي لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد لان اصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا تثبيت وقوع العقد علي العيب و عن المختلف انه حكي عن ابن الجنيد انه ان ادعي البائع ان العيب حدث عند المشتري حلف المشتري ان كان منكرا، انتهي.

و لعله لأصالة عدم تسليم البائع العين الي المشتري علي الوجه المقصود (2)

و عدم استحقاقه الثمن كلا و عدم لزوم العقد نظير

ما إذا ادعي البائع تغير العين عند المشتري و انكر المشتري. و قد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه، و إلا عمل عليها من غير يمين.

______________________________

(1) قال المصنف كان القول قول منكر تقدمه للاصل مراده منه اصالة عدم حدوث العيب قبل العقد.

توضيحه: ان موضوع الخيار وقوع العقد علي المعيب علي ما هو ظاهر الأخبار،

فتجري اصالة عدم حدوث العيب الي ما بعد حدوث العقد، و حيث ان العقد علي العين محرز، و عدم العيب محرز بالأصل، فينفي موضوع الخيار.

و لا تعارضها اصالة عدم العقد حين حدوث العيب، لأنه لا يثبت بها وقوع العقد علي المعيب الذي هو موضوع الخيار الا علي القول بالأصل المثبت.

و بذلك يظهر الحال في الصورتين الاخيرتين، و هما ما لو اختلفا في حدوث العيب بعد العقد قبل القبض أو بعده،

و ما لو اختلفا في انه حدث في زمان خيار المشتري ليكون مضمونا علي البائع، أو فيما بعد مضي ذلك الزمان، فان الأثر مترتب علي تلف وصف الصحة قبل القبض، أو في زمان الخيار، فاصالة عدم التلف الي ما بعد القبض أو انقضاء زمان الخيار تجري و يترتب عليها عدم الضمان. و لا تعارضها اصالة عدم القبض و عدم الانقضاء الي ما بعد التلف لعدم الأثر.

و عن العلامة (رحمه الله): ان القول قول مدعي التقدم و هو المشتري.

(2) و استدل له: باصالة عدم تسليم المبيع الي المشتري علي الوجه المقصود،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 150

قال في التذكرة و لو اقام احدهما بينة عمل بها، (1) ثمّ قال: و لو اقاما بينة عمل ببينة المشتري (2) لأن القول قول

البائع لأنه ينكر، فالبينة علي المشتري و هذا منه مبني علي سقوط اليمين علي المنكر بإقامة البينة و فيه كلام في محله، و ان كان لا يخلو عن قوة

______________________________

و اصالة عدم استحقاق البائع الثمن كلا،

و اصالة عدم لزوم العقد.

و في الجميع نظر:

اما الاولي: فلأن عدم التسليم لا أثر له، و موضوع الأثر تلف الوصف قبل العقد، أو قبل القبض، أو قبل انقضاء الخيار، و الأصل عدمه.

و أما الثانية: فلأن الارش ليس جزء من الثمن، فالبائع مستحق للثمن كلا علي التقديرين.

و أما الثالثة: فلأن موضوع اللزوم ليس وقوع العقد علي الصحيح كي تجري اصالة عدمه و يحكم بعدم لزومه، بل الموضوع له عدم العيب حين العقد، و قد عرفت ان الأصل ذلك.

و تمام الكلام ببيان امور:

احدها: المشهور بين الأصحاب و ان كان كون اقامة البينة من المنكر كالعدم و ان وظيفته اليمين، بل عن المستند دعوي الاجماع عليه،

الا ان جماعة منهم العلامة و الشهيد ذهبوا الي سماع بينة المنكر، و ان ما دل علي ان اليمين علي من انكر انما هو في مقام الارفاق لا التعيين،

(1) و عليه فكل منهما اقام بينة عمل بها.

(2) ثانيها: و لو اقاما بينة قيل عمل ببينة المشتري بمعني ان بينة المشتري تقدم عند التعارض، فان البينة وظيفته، و انما تسمع بينة البائع المنكر لو لم يقم المشتري البينة،

و هو متين لما حقق في محله من تقديم بينة الخارج عند التعارض.

و للكلام محل آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 151

و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب (1) أو نفي استحقاق الرد أو الارش ان كان قد اختبر المبيع و اطلع علي خفايا امره، كما يشهد بالاعسار و

العدالة و غيرهما مما يكتفي فيه بالاختبار الظاهر.

و لو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك الي اصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة، كما يحلف علي طهارة المبيع استنادا الي الاصل

______________________________

(1) ثالثها قال المصنف و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب محصله: انه في صورة امكان الاختبار و العلم بالحال لا كلام في انه يعتبر في الحلف القاطع للخصومة ان يكون علي الواقع و علي البت.

و أما في صورة الجهل بالحال فان كان مصب الدعوي هو العلم لا كلام ايضا في ان القاطع هو الحلف علي نفي العلم.

و ان كان هو الواقع، فان كان ذلك فعل الغير كما في الدعوي علي الميت كفي الحلف علي نفي العلم ايضا للدليل.

و ان كان فعل نفسه ففيه وجوه:

الأول: الحلف علي الواقع علي البت استنادا الي الأصل.

الثاني: الحلف علي نفي العلم و ان لم يدع المدعي عليه العلم.

الثالث: رد اليمين علي المدعي، اما مع ثبوت الحق بدون الرد كما عن بعض، أو مع عدم ثبوته كما عن آخر.

الرابع: ايقاف الدعوي.

الظاهر كما دلت «1» النصوص عليه اعتبار كون الحالف قاطعا،

الا انه إذا كان العلم ماخوذا في موضوعه علي وجه الطريقية قامت الامارات مقامه،

و ان كان ماخوذا فيه بما انه مقتض للجري العملي علي وفق ما تعلق القطع به قامت الاصول المحرزة ايضا مقامه، فيجوز الحلف علي الواقع استنادا الي الامارة أو الأصل،

______________________________

(1) الوسائل- باب 22- من ابواب كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 152

و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه (1) بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا

الطاهر الواقعي، كما ان المراد بالملكية و الزوجية ما استند الي سبب شرعي ظاهري، كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف علي ملكية ما اخذ من يد المسلمين.

و في التذكرة بعد ما حكي عن بعض الشافعية جواز الاعتماد علي اصالة السلامة في هذه الصورة، قال: و عندي فيه نظر اقربه الاكتفاء بالحلف في نفي العلم،

و استحسنه في المسالك قال: لاعتضاده باصالة عدم التقدم، فيحتاج المشتري الي اثباته و قد سبقه الي ذلك في الميسية و تبعه في الرياض.

______________________________

و قد دلت الرواية علي جواز الحلف استناد الي اليد و هي موثقة حفص، «1» و دلت النصوص «2» علي جواز الشهادة مستندة الي الاستصحاب و الحلف لا يزيد علي الشهادة،

بل المستفاد من ذيل الموثق التلازم بينهما و اضف الي ذلك كله ان الدعاوي و الشهادات و الايمان تتوقف بحسب الغالب علي امارة أو أصل، لأن ما انتقل الي زيد من ابيه و ان كان جزميا الي ان كونه ابنا لأبيه بقاعدة الفراش، و كون المال مال ابيه انما هو بقاعدة اليد أو اصالة الصحة، و عليه فلو لم نجز الحلف الا مع العلم الوجد اني انسد باب الحلف و غيره من ما هو فاصل للخصومات و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه محصل ما افاده (رحمه الله) ان الطهارة و الملكية من الموضوعات الشرعية فما كان غير معلوم النجاسة طاهر فعلا بحكم الشارع كما ان الملكية المستندة الي سبب ملكية شرعية ظاهرية فإذا كان مورد الدعوي الطهارة أو الملكية يصح الحلف علي الطهارة الفعلية أو الملكية الفعلية مستندا الي امارة أو اصل و هذا بخلاف مثل

العيب الذي هو من الموضوعات الواقعية فمع عدم العلم به لا يمكن الحلف بتا علي عدمه

______________________________

(1) الوسائل- باب 25- من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوي من كتاب القضاء- حديث 2.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب كتاب الشهادات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 153

اقول ان كان مراده الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم في اسقاط اصل الدعوي بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال. (1) نعم لو اريد سقوط الدعوي الي ان تقوم البينة، (2) فله وجه و ان استقرب في مفتاح الكرامة ان لا يكتفي بذلك منه،

فيرد الحاكم اليمين علي المشتري، فيحلف و هذا اوفق بالقواعد.

ثمّ الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم علي القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا (3) لكن الظاهر ان المفروض في التذكرة صورة الحاجة الي يمين نفي العلم، إذ

مع الاختبار يتمكن من الحلف علي البت، فلا حاجة الي عنوان مسألة اليمين علي نفي العلم، لا ان اليمين علي نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار، فافهم.

______________________________

(1) قوله بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال الاظهر عدم الاسقاط من جهة ان الحلف علي نفي العلم فيما إذا كان مصب الدعوي هو الواقع لا أثر له الا في الدعوي علي الميت،

مع انه لو سلم ترتب الاثر عليه مطلقا بما ان سقوط الدعوي بحيث لا يسمع قول المدعي و ان اقام البينة بعد ذلك علي خلاف القاعدة و ما دل عليه مختص باليمين البتية فلا وجه للاسقاط في المقام.

(2) قوله نعم لو اريد سقوط الدعوي الي ان تقوم البينة لا وجه لذلك ايضا لانه خلاف ما تضمن

من النصوص «1» من جعل الايمان و البينات ميزانا لفصل الخصومة فالمتعين علي فرض عدم الحلف علي الواقع ان يرد الحاكم اليمين علي المدعي.

(3) قوله بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا بل الحق عدم الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم مع امكان الاختيار و ان لم يختبر بالفعل حتي لو قلنا بالاكتفاء به مع عدم امكانه نعم ان كان مصب الدعوي هو العلم كفي الحلف علي عدمه مطلقا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوي كتاب القضاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 154

فرع لو باع الوكيل، فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده علي الموكل، لأنه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما امر به، فلا عهدة عليه، و لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه، (1) فيحلف الموكل علي عدم التقدم، كما مر و لا يقبل اقرار الوكيل بقدمه، لأنه اجنبي

______________________________

اختلاف الموكل و المشتري

(1) مسالة لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه فللمسألة فروض:

الأول: ما إذا كان المشتري عالما بالوكالة.

لا كلام في انه يقدم قول الموكل مع يمينه علي عدم التقدم، كما تسمع دعوي المشتري مع البينة، و لا يقبل اقرار الوكيل بالقدم لأنه اجنبي.

و قد استدل لقبول اقراره بوجهين:

احدهما: ان الوكيل حيث يكون مالكا للتصرف فيكون اقراره نافذا، لأن من ملك شيئا ملك الاقرار به. و لا يصح الجواب عنه بان زوال وكالته يوجب زوال حكم اقراره،

فان اقراره بما يكون مالكا له حين التصرف نافذ، أ لا تري انه لو اقر الوكيل بالبيع يكون اقراره نافذا بل الحق في الجواب- بعد تسليم عموم القاعدة، و بعبارة اخري: بعد تسليم الدليل عليها

بهذا التعميم-: ان كون المبيع معيبا ام صحيحا غير قابل للوكالة و الاستنابة، فلا ينفذ اقراره بالنسبة الي ذلك.

ثانيها: ما دل من النصوص «1» علي ان الأمين لا يتهم و الوكيل امين، فيصدق في دعواه.

و فيه: ان ذلك مختص بما إذا لزم من عدم تأمينه تغريمه لا في مثل المقام مما لا شي ء عليه علي التقديرين كما لا يخفي. فالأظهر انه لا ينفذ اقراره.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب كتاب الوديعة- و غيره من ابواب ساير الكتب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 155

و إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن اقامة البينة، فادعي علي الوكيل بقدم العيب، (1) فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده علي الموكل، لأن اقرار الوكيل بالسبق دعوي بالنسبة الي الموكل لا يقبل الا بالبينة، فله احلاف الموكل علي عدم السبق (2) لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع انكاره اليمين (و لو رد اليمين) علي الوكيل، فحلف علي السبق الزم الموكل و لو انكر الوكيل التقدم، (3) حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد علي الموكل، لأنه لو اقر رد عليه، و هل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل الظاهر لا، لأن دعواه علي الوكيل يستلزم انكار وكالته و علي الموكل يستلزم الاعتراف به، (4) و احتمل

______________________________

(1) الفرض الثاني: ما إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل من اقامة البينة و اعترف بالتقدم رده المشتري علي الوكيل، فهل للوكيل رده علي الموكل، ام لا الا مع اقامة البينة.

الظاهر هو الثاني، لأن اقراره بالسبق دعوي بالنسبة الي الموكل غير مشمولة لقاعدة من ملك لا تسمع

الا مع البينة،

(2) و هل له احلاف الموكل علي عدم السبق كما في المتن لكونه منكرا ام لا من جهة ان كل منكر ليس عليه اليمين، بل إذا كان عليه غرامة للمدعي باقراره و الغرامة هنا ليست للوكيل بل للمشتري؟ وجهان:

اوجههما الأول، من جهة ان هذه الغرامة توجهت بحسب الظاهر الي الوكيل، فحلف الموكل يوجب قرار الغرامة المتوجهة الي الوكيل علي الموكل فعليه اليمين و لو رد الموكل اليمين علي الوكيل فحلف علي السبق الزم الموكل.

(3) الفرض الثالث: ما إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و كان الوكيل غير متمكن من اقامة البينة، منكر التقدم، حلف لدفع الغرامة المتوجهة ظاهرا نحوه لو اعترف عن نفسه و ان لم تكن الغرامة عليه واقعا،

و هل للمشتري تحليف الموكل؟ وجهان.

(4) استدل المصنف (رحمه الله) للثاني: بان دعواه علي الوكيل تستلزم انكار وكالته و علي الموكل تستلزم الاعتراف بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 156

و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره، ثمّ إذا لم يحلف الوكيل و نكل، فحلف المشتري اليمين المردودة ورد العين علي الوكيل، فهل للوكيل ردها علي الموكل ام لا، وجهان، (1) بناهما في القواعد علي كون اليمين المردودة كالبينة، فينفذ في حق الموكل، أو كإقرار المنكر، فلا ينفذ، (2) و تنظر فيه في جامع المقاصد بان كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل علي الموكل، لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة القائمة علي السبق الكاذبة باعترافه، قال: اللهم الا ان يكون انكاره لسبق العيب استنادا الي الاصل، بحيث لا ينافي ثبوته و لا دعوي ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوي، إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك

به الرد علي، فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة علي القولين المذكورين، انتهي.

______________________________

و فيه: ان هذا يتم لو ادعي المشتري القطع بكذب الوكيل في دعوي الوكالة، و لا يتم فيها إذا كانت دعواه من جهة كون العين تحت يده، مع انه يمكن ان يقال في صورة القطع ايضا: ان له ذلك مؤاخذة له باقراره، كما عن جامع المقاصد.

(1) و لو نكل الوكيل الحلف فحلف المشتري اليمين المردودة ورد العين علي الوكيل فهل يجوز للوكيل ان يردها علي الموكل ام لا؟ وجهان.

(2) بناهما في القواعد علي ان اليمين المردودة هل هي كالبينة الحالية عن الواقع التي تكون حجة مثبتة للمدعي به و ما يستخرج بها الحق فله ذلك،

ام هي كالاقرار الذي لا يملك به الوكيل الرد علي الموكل كما تقدم؟

و في حاشية السيد (رحمه الله): التحقيق عدم جريان حكم شي ء من البينة و الاقرار عليه،

فيرجع فيه الي مقتضي الاصول.

هذه المسألة: و هي مسألة ان اليمين المردودة- هل هي بمنزلة اقرار المنكر أو بمنزلة بينة المدعي غير معنونة في كتاب القضاء، و هي ذات قولين عند اصحابنا، و خالفهم السيد في ملحقات عروته، و تبعه بعضهم و فرعوا علي القولين فروعا ليس المقام مقام التعرض لها،

و انما نشير الي وجه الترديد، و هو: انه قد حصر في النصوص ميزان القضاوة في البينة و اليمين، و حيث ان المدعي لا يمين له فلا بد و ان يكون يمينه بمنزلة بينته أو بمنزلة اقرار المنكر الذي لا يبقي معه خصومة، فيكون الحصر محفوظا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 157

و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد (1)

و المعروف بينهم انه كبينة المدعي اقول كونه كبينته

لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها علي الموكل و تمام الكلام في محله.

الرابعة: لو رد سلعة بالعيب، فأنكر البائع انها سلعته، (2) قدم قول البائع كذا في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد، لأصالة عدم حق له عليه و اصالة عدم كونها سلعته و هذا بخلاف ما لو ردها بخيار، فأنكر كونها له، فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري و نسبه في التحرير إلي القيل لاتفاقهما علي استحقاق الفسخ بعد ان احتمل مساواتها للمسألة الأولي.

______________________________

و وجه كونه كالاقرار: ان المنكر برده اليمين كأنه ملتزم بالمدعي به علي تقدير حلف المدعي، و ليس معني الاقرار الا الالتزام بالمدعي به.

و وجه كونه كالبينة: ان جانب المدعي يطلب منه البينة لقوله البينة علي المدعي و لو لا ان اليمين المردودة كالبينة لما ثبت بها دعواه. و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد ليس مبنيا علي ذلك فان بينة المشتري مع اعتراف الوكيل، بكذبها لا تجدي للوكيل، و لا يصح الاستناد إليها علي الموكل: لعلمه بكذبها.

اختلاف المتبايعين في كون المردود سلعة البائع

(2) مسالة: لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع انه سلعته و الكلام فيها يقع في فرعين:

الأول: ما لو اختلفا في كون سلعة معينة معيوبة سلعة البائع، و ادعي المشتري انها له،

و البائع انكر ذلك، و ان سلعته صحيحة، و مقتضي ذلك الاختلاف في الخيار،

و الأظهر فيه تقديم قول البائع لأصلين: موضوعي، و حكمي.

اما الأصل الموضوعي: فهو اصالة عدم وقوع العقد علي السلعة المعينة الخارجية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 158

اقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار و مع الاتفاق عليه، كما لا يخفي

لكن ظاهر المسألة الاولي كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها، و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه.

و أما إذا اتفقا علي الخيار و اختلفا في السلعة، (1) فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف علي كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها، فإذا فسخ و اراد رد السلعة فأنكرها البائع، فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها.

نعم استدل عليه في الايضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما علي عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين:

احدهما: خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشتري ينكرها و الاصل عدمها (2)

الثاني: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع يدعيه و المشتري ينكره و الاصل بقائه (3) و تبعه في الدروس، حيث قال: لو انكر البائع كون المبيع مبيعه،

حلف و لو صدقه علي كون المبيع معيوبا و انكر تعيين المشتري، حلف المشتري انتهي:

______________________________

و بعبارة اخري: عدم كون هذه السلعة واقعة موقع البيع لسبق اليقين بعدمها، و هذا هو المراد من اصالة عدم كونها سلعته.

و أما الأصل الحكمي: فهو ان الخيار حق حادث مسبوق بالعدم، و الأصل عدمه.

(1) الفرع الثاني: ما لو اتفقا علي الخيار و اختلفا في كون العين المردودة سلعة البائع و فيه قولان:

احدهما: انه يقدم قول البائع، و الوجه فيه: الأصل الموضوعي المشار إليه في الفرع الأول:

ثانيهما: تقديم قول المشتري: و استدل له:

(2) بان مرجع الاختلاف حينئذ الي ان البائع يدعي خيانة المشتري بتغيير السلعة و ابراز سلعة اخري مكانها، و الأصل عدمها.

(3) و بان البائع يدعي سقوط الخيار المتفق عليه و الاصل بقائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

159

اقول اما دعوي الخيانة فلو احتاجت الي الاثبات و لو كان معها اصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع، لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة الاولي (1) و ان كانت هناك اصول متعددة علي ما ذكرها في الايضاح، و هي اصالة عدم الخيار و عدم حدوث العيب و صحة القبض بمعني خروج البائع من ضمانه، لأن اصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد علي جميع الاصول العملية، (2) نظير اصالة الصحة. و أما ما ذكره من اصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و ان فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن اصالة الصحة لا تنتفع لاثبات لزوم القبض. (3) و أما دعوي سقوط حق الخيار فهي انما تجدي

______________________________

(1) و اورد المصنف (رحمه الله) علي الاول: بان هذا الوجه يجري في الفرع الاول ايضا.

(2) و حيث ان مدركه ظهور حال المسلم فيكون هو واردا علي جميع الاصول العملية التي تكون مع البائع، فلا بد من القول بتقديم قول المشتري فيه ايضا.

و فيه: ان مدرك هذا الأصل ليس ظهور حال المسلم، إذ لا دليل علي حجية هذا الظهور، فان هذا الظهور كظهور حاله في عدم الكذب الذي لا يترتب عليه وجوب تصديقه،

بل الوجه فيه ان المشتري لثبوت الخيار له له الولاية علي العين، فيصدق فيما له تلك لكونه امينا من قبل الشارع، فلا يتهم بالخيانة للنصوص.

و هذا لا يجري في الفرع السابق لعدم ثبوت الخيار، فالولاية غير ثابتة.

و أما الوجه الثاني: فاورد عليه المصنف (رحمه الله): بانه يجدي إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب، مع انه لا يثبت به وجوب قبول هذه السلعة الا من جهة التلازم الواقع بينهما،

و لا يثبت احد المتلازمين

بالأصل الجاري في الآخر، و هو متين،

و يمكن ان يقال: انه لا يجدي في العيب ايضا مطلقا، إذ ربما يكونان متفقين علي بقاء العين و يختلفان في تعيينها.

(3) قوله لكن اصالة الصحة لا تنفع لاثبات لزوم القبض يرد علي ما افاده (قدس سره) ان اصالة صحة القبض بمعني الخروج معه عن الضمان لو جرت يثبت بها لزوم العقد فان الموجب للخيار هو تلف الوصف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 160

إذا كان الخيار المتفق عليه لاجل العيب، كما فرضه في الدروس و الا فاكثر الخيارات مما اجمع علي بقائه مع التلف علي ان اصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت الا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة الا من جهة التلازم الواقع بينهما. و لعل نظر الدروس الي ذلك لكن للنظر في اثبات احد المتلازمين بالاصل الجاري في الآخر مجال، كما نبهنا عليه مرارا.

و أما الثاني: و هو الاختلاف في المسقط
اشارة

ففيه ايضا مسائل:

الاولي: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه (1) قدم منكر العلم،

فيثبت الخيار.

الثانية: لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده، (2) علي القول بأن زواله بعد العلم لا يسقط الارش بل و لا الرد، ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت

______________________________

فلو ثبت الصحة بالمعني المشار إليه ترتب عليها نفي الخيار و الحق ان يورد عليها بانها لا تجري إذ قبض ذات المبيع معلوم و قبضه موصوفا بالصحة غير معلوم و لا أصل يثبت قبضه كذبك

الاختلاف في المسقط

(1) مسالة: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه قدم قول منكر العلم فيثبت الخيار،:

لأن موضوع هذا الخيار

مركب من العيب، و جهل المشتري لما عرفت من اختصاص النصوص بصورة الجهل، واحد الجزءين محرز بالوجدان، و يجري الأصل في الجزء الآخر و هو الجهل، إذ العلم حادث مسبوق بالعدم، و بضم الوجدان الي الأصل يثبت موضوع الخيار، و معه لا تصل النبوة الي اصالة اللزوم، فقول المشتري موافق للأصل.

(2) و لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده علي القول بان زواله بعد العلم لا يسقط الارش، بل و لا الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 161

فالاصل لزوم العقد و عدم الخيار وجهان: اقواهما الاول و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ الي الثاني، فراجع.

و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال احد العيبين، (1) في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت الخيار، فمقتضي القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار و لا يعارضه اصالة بقاء الجديد لان بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار الا من حيث استلزامه لزوال القديم، و قد ثبت في الاصول ان اصالة عدم احد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه

______________________________

فان قلنا: بانه لا فرق في الحكم بين كون الزوال قبل العلم أو بعده لا مجال لهذه المسألة،

و انما الكلام فيها لو قلنا بالفرق، و حينئذ ان قلنا بان الخيار لا يثبت الا بعد ظهور العيب قدم قول مدعي عدم ثبوت الخيار

لأصالة عدمه، و لا تجري اصالة عدم زوال العيب و بقائه لمعارضتها مع اصالة عدم ظهور العيب الي حين زوال العيب و تساقطهما معا.

و ان قلنا: بانه يثبت من حين العقد و ان زوال العيب يوجب رفعه، فاصالة عدم

زوال العيب قبل العلم يترتب عليها عدم سقوط الخيار و بقائه،

و لا تعارضها اصالة عدم العلم قبل الزوال لعدم ترتب الأثر عليها.

(1) و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال احد العيبين في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت،

فان قلنا بان العيب الجديد بنفسه مانع شرعا عن الخيار فاصالة بقاء العيب الجديد يترتب عليها الأثر و تجري، و حينئذ ان بنينا علي ان زوال القديم لا يوجب سقوط الخيار،

فاصالة بقائه لا أثر لها فلا تجري، و ان انعكس انعكس.

و ان بنينا علي ان زوال القديم مسقط للخيار، و بقاء العيب الجديد مانع عن الخيار،

و ادعي المشتري زوال الجديد، و ادعي البائع زوال القديم، ففي الحقيقة البائع يدعي عدم المقتضي للخيار، و المشتري يدعي عدم المانع عنه، و كل منهما يدعي بقاء ما يدعي الآخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 162

لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف، قال: لو اشتري عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه و وجد نكتة قديمة، ثمّ زالت احداهما. فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي:

يحلفان علي ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد و استفاد المشتري بيمينه اخذ الارش، انتهي.

الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه، (1) فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه، ففي الدروس انه كالعيب المنفرد يعني انه يحلف البائع كما لو لم يكن سوي هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر. و لعله لأصالة عدم التقدم (2)

و يمكن ان يقال: ان عدم التقدم هناك راجع الي عدم سبب الخيار. و

أما هنا فلا يرجع الي ثبوت المسقط، بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري، و قد مر غير مرة ان اصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر، (3) و انما يثبت بها عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر، ثمّ قال في الدروس لو ادعي البائع زيادة العيب عند المشتري و انكر المشتري احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن، و الزيادة موهومة، و يحتمل حلف البائع اجراء للزيادة مجري العيب الجديد

______________________________

زواله، اما المشتري فهو يدعي بقاء القديم تحقيقا للمقتضي، و البائع يدعي بقاء الجديد اسقاطا لدعوي المشتري من الحلف علي عدم زواله، فيتحالفان، و لعل نظر الشافعي الي هذه الصورة، فلا ايراد عليه.

(1) لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه، ففيها وجوه و اقوال.

(2) الاول ما عن الشهيد و هو انه يقدم قول البائع لأصالة عدم التقدم.

(3) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بان هذا الاصل لا يجري في المقام لانه لا يثبت به حدوث العيب في الزمان المتأخر الذي هو المسقط للخيار فظاهر المصنف (رحمه الله) الالتزام بالوجه الثاني و هو انه يقدم قول المشتري لأصالة بقاء الخيار عند الشك في سقوطه و هناك وجه ثالث و هو الاظهر و هو اجراء حكم التداعي، فان البائع يدعي حدوثه عند

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 163

اقول: قد عرفت الحكم في العيب الجديد و ان حلف البائع فيه محل نظر، ثمّ انه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد علي المقدار المتفق عليه انه كان متقدما أو متأخرا.

و أما إذا اختلفا في اصل الزيادة، فلا اشكال في تقديم قول

المشتري.

الرابعة: لو اختلفا في البراءة قدم منكرها، (1) فيثبت الخيار لأصالة عدمها الحاكمة علي اصالة لزوم العقد.

و ربما يتراءي من مكاتبة جعفر بن عيسي خلاف ذلك، قال: كتبت الي ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك: المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادي عليه

______________________________

المشتري فخياره ساقط و الثابت عليه خصوص الارش و المشتري ينكر ذلك و الاصل معه و هو استصحاب بقاء الخيار و لا يجري اصالة عدم العيب الي ما بعد القبض لانه لا يثبت بها الحدوث عند المشتري الذي هو المسقط للخيار،

و المشتري يدعي حدوث العيب عند البائع فيستحق الارش الزائد و البائع ينكره و الاصل معه و هو اصالة عدم تحققه الي حال القبض فكل منهما مدع من جهة و منكر من جهة اخري فيتحالفان.

اختلاف المتبايعين في البراءة

و لو اختلفا في البراءة و ادعي البائع التبري من العيوب و انكره المشتري.

(1) قال المصنف (رحمه الله) قدم منكرها و الكلام في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يقتضيه النص الخاص.

اما الأول: فمقتضي اصالة البراءة تقديم قول المشتري، فان موضوع الخيار مركب من العيب و عدم البراءة، و أحد الجزءين محرز بالوجدان، و الآخر بالأصل فيثبت الموضوع و يترتب عليه الخيار، و هو حاكم علي اصالة اللزوم.

و أما الثاني: فربما يتراءي من مكاتبة «1» جعفر بن عيسي المتقدمة المذكورة في المتن انه يقدم قول البائع

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 164

برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن فربما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعي عيوبا و انه لم يعلم بها، فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم اسمع البراءة

منها أ يصدق فلا يجب عليه ام لا يصدق؟

فكتب (عليه السلام) ان عليه الثمن، الخبر.

و عن المحقق الاردبيلي انه لا يلتفت الي هذا الخبر لضعفه مع الكتابة و مخالفة القاعدة، انتهي (1)

و ما ابعد ما بينه و بين ما في الكفاية، من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر.

______________________________

(1) و اورد عليها المحقق الاردبيلي (رحمه الله): بضعف السند و مخالفتها للقاعدة اما دعوي ضعف السند فيدفعها ان الشيخ (رحمه الله) يرويها بسنده عن الصفار عن محمد ابن عيسي عن جعفر بن عيسي، و سند الشيخ (رحمه الله) الي الصفار صحيح، و محمد بن عيسي بن عبيد و ان ضعفه جمع الا ان منشأ تضعيف الجميع كلام الصدوق الذي قال: لا أروي ما يختص بروايته عن يونس، و منشأ ذلك ابن الوليد و لا يعبأ به، فان اعتقاده انه يعتبر في الاجازة ان يقرأ علي الشيخ أو يقرأ الشيخ عليه، و يكون السامع فاهما لما يرويه، و كان لا يعتبر الاجازة المشهورة و كان محمد بن عيسي صغير السن في زمان يونس و لا يعتمدون علي فهمه حين القراءة و لا علي اجازة يونس له،

و هذا كما تري لا يصلح منشئا للضعف، لا سيما و قد صرح جمع من الأساطين بوثاقته، و اخوه جعفر ايضا ثقة أو حسن.

مع ان الأصحاب اعتمدوا علي هذه المكاتبة في غير المقام، و هو جابر للضعف لو كان.

و أما مخالفتها للقاعدة فلا تصلح مانعة عن العمل بها لو كانت،

و الحق انها لا تنافي القاعدة من جهة التوجيه الذي افاده المصنف (رحمه الله).

و حاصله: ان قول البائع في مفروض الخبر موافق للظاهر لجريان العادة بنداء الدلال عند

البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء، فيقدم قوله مع يمينه المعلوم من الخارج

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 165

و في كل منهما نظر (1)

و في الحدائق: ان المفهوم من مساق الخبر المذكور، ان انكار المشتري انما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلا، فهو عالم بتبري البائع و الإمام (عليه السلام) انما الزمه بالثمن من هذه الجهة. و فيه ان مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه و بين الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشتري، مع ان حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل احد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله أ يصدق ام لا يصدق، الدال علي وضوح حكم صورتي صدقه و كذبه، و الاولي توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء فدعوي المشتري مخالفة للظاهر، نظير دعوي الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفي عليه قيمة المبيع، بقي في الرواية اشكال آخر، من حيث ان البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه في متن العقد و يمكن التفصي عنه. اما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد (2) بعد وقوع العقد عليه، كما يأتي في باب الشروط. و أما بدعوي أن نداء الدلال بمنزلة الايجاب

______________________________

حينما يقال ان القول قول البائع أو المشتري.

و أما ما افاده في الحدائق فيرد عليه ما في المتن.

(1) قوله و في كل منهما نظر اما وجه النظر في كلام المحقق الاردبيلي فقد تقدم و أما

وجه النظر في ما في الكفاية فهو ما تقدم من ان الاصل مع المشتري و لكن من المحتمل ان يكون نظر صاحب الكفاية الي ما افاده المصنف (رحمه الله) من كون قول البائع في مورد الرواية موافقا للظاهر فيوافق قاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر.

(2) قوله يمكن التفصي عنه اما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد هذا مما لا يلتزمون به فان الشرط من الانشائيات و مجرد البناء عليه في ضمن العقد لا يكفي في انشائه و ذكره قبل العقد كالعدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 166

لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه احد الحضار بقيمته، فينادي الدلال و يقول بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك مرارا من دون ان يتم الايجاب،

حتي يتمكن من ابطاله عند زيادة من زاد.

و الحاصل جعل ندائه ايجابا للبيع، و لو ابيت الا عن ان المتعارف في الدلال كون ندائه قبل ايجاب البيع، امكن دعوي كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك،

مع ان الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الايجاب كما لا يخفي.

ثمّ الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة (1) لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء البراءة واقعا.

الخامسة: لو ادعي البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو اسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري لأصالة عدم هذه الامور،

______________________________

و الصحيح في التفصي عنه بناء علي كون التبري من العيوب من قبيل شرط سقوط الخيار- اما بما ذكره من كون نداء الدلال بمنزلة الايجاب أو انه لا تصريح في المكاتبة بكون النداء قبل الايجاب كما هو واضح و أما بناء علي كونه عبارة عن عدم الالتزام بصحة المبيع و هو من

جهة كونه رافعا لمنشإ الخيار بسقط به ذلك فالامر سهل فانه ليس من قبيل الشرط حتي يحتاج الي الانشاء.

(1) قوله ثمّ الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة و الوجه فيه ان مصب الدعوي هو العلم و عدمه فان المسقط هو التبري المعلوم للمشتري فيكفي الحلف علي نفي العلم هذا إذا كان مدرك تأثير التبري رجوعه الي شرط عدم الخيار فانه حينئذ يعتبر فيه القبول فلا يعقل بلا التفات و علم من المشتري و أما ان كان المدرك ان الخيار من جهة الالتزام بالصحة و التبري بمعني عدم الالتزام بصحة المبيع- فهو و ان كان امرا واقعيا يعلم تارة و يجهل اخري الا انه يكتفي فيه بالحلف علي عدم العلم مع عدم التمكن من اليمين البتية لكون المورد فعل الغير و المشهور الاكتفاء فيه بالحلف علي نفي العلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 167

و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه (1) ففي تقديم مدعي الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوي تقدم العيب و تأخره أو مدعي عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد علي المعيب و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري فالاصل عدم وقوع العقد علي السليم من هذا العيب حتي يضمنه المشتري.

و أما الثالث: [الاختلاف في الفسخ]

ففيه مسائل:

الاولي: لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه. (2) و في الدروس انه يمكن جعل اقراره انشاءه (3) و لعله لما اشتهر من ان من ملك شيئا ملك الاقرار به (4)

______________________________

(1) قوله و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه الظاهر ان هذا تكرار لما في المسألة الثالثة من مسائل الاختلاف في المسقط

اختلاف المتبايعين في الفسخ

(2) و

لو اختلفا في الفسخ و ادعاه المشتري و انكره البائع و الكلام فيه في موردين:

الأول: فيما إذا كان الخيار باقيا.

الثاني: فيما إذا كان منقضيا.

اما الأول: فلا اشكال و لا كلام في ان له انشاؤه،

(3) انما الكلام فيما افاده الشهيد (رحمه الله) من انه يمكن جعل اقراره انشاءه ظاهر هذه العبارة كون اقراره نافذ الا من جهة انه اخبار بالفسخ، بل من جهة كونه انشاء له، و عليه فما استدل به المصنف (رحمه الله) له.

(4) من قاعدة من ملك اجنبي عن مراده و كيف كان: فان كان مراده جعل الاقرار نافذا من حيث انه انشاء له،

فيرد عليه: ان الاخبار و الانشاء متقابلان، فعلي القول بانه يعتبر في الفسخ الذي حل العقد ما يعتبر في العقد من الانشاء لا يكفي ذلك، نعم لو قلنا بانه لا يعتبر فيه سوي عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 168

كما لو ادعي الزوج الطلاق، و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر بعتق مملوكه (1) ثمّ جاء العبد يدعي النفقة علي ايتام الرجل و أنه رق لهم و سيجي ء الكلام في فروع هذه القاعدة، و ان كان بعد انقضاء زمان الخيار (2) كما لو تلف العين افتقر مدعيه الي البينة و مع عدمها حلف الآخر علي نفي علمه بالفسخ إن ادعي عليه علمه بفسخه،

______________________________

الالتزام بالعقد كفي ذلك، لكن المبني بمراحل من الواقع.

و ان كان مراده جعل الاقرار نافذا من جهة انه اقرار بفعل له السلطنة عليه، تم ما افاده لقاعدة من ملك و لقاعدة اقرار العقلاء علي انفسهم من جهة انه اقرار بعدم حق الخيار له، و ان كان لازمه استحقاق استرداد الثمن.

(1) قوله و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر

بعتق مملوكه الظاهر ان لفظ العتق غلط من الناسخ، أو سهو من القلم بدل عن لفظ البيع فان الخبر وارد «1» في بيع المملوك- و علي أي حال هو لا يدل علي ذلك فانه متضمن لقضية في واقعة و لعله (عليه السلام) كان مطلعا علي كذب الغلام- و لذا هو (قدس سره) في رسالته في هذه القاعدة لم يستدل بهذا الخبر مع استقصائه لجميع ما استدل به و ما يمكن ان يستدل به علي هذه القاعدة و أما الثاني: و هو ما إذا كان بعد انقضاء زمان الخيار فلا اشكال في انه ليس له انشاؤه، و لا في عدم العبرة باقراره من جهة انه انشاء،

انما الكلام في انه هل ينفذ اقراره. من جهة كونه اخبارا عن الفسخ ام لا؟

الظاهر ان له ذلك لما تقرر في محله و اشرنا إليه سابقا من ان مقتضي قاعدة من ملك نفوذ اقرار من هو مسلط علي تصرف بذلك التصرف و ان كان زمانه ماضيا، و لذا لا شبهة في نفوذ اقرار الوكيل بالبيع إذا انكر الموكل وقوعه.

و في المقام بما انه اقرار بما يكون له تشمله القاعدة،

فما قيل من افتقار مدعيه الي البينة في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب بيع الحيوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 169

ثمّ إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش لئلا يخرج من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ و زاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش و ما زاد علي القيمة من الثمن أن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن ورد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة و يبقي قدر الأرش مستحقا علي التقديرين،

انتهي.

الثانية: لو اختلفا في

تأخر الفسخ عن اول الوقت (1) بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد (2) و عدم حدوث الفسخ في اول الزمان (3) أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ (4) وجهان: و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد

______________________________

(1) لو اختلفا في تأخر الفسخ عن اول الوقت بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير، أو مدعي عدمه وجهان:

الكلام يقع في موردين:

الأول فيما إذا اختلفا في زمان الفسخ.

الثاني: فيما إذا اتفقا عليه و اختلفا في زمان وقوع العقد.

اما المورد الأول: فقد ذكر المصنف (رحمه الله) لتقديم قول مدعي التأخير اصلين:

(2) اصالة بقاء العقد.

(3) و اصالة عدم حدوث الفسخ في اول الزمان.

اما اصالة بقاء العقد فهي لا تجري لكونها محكومة لأصالة بقاء زمان الخيار الي حال تحقق الفسخ، و أما اصالة عدم حدوث الفسخ في اول الزمان فهي لا تجري لعدم كون الفسخ في اول الزمان بهذا العنوان موضوعا للأثر، بل الموضوع هو الفسخ في حال له الخيار،

فيجري استصحاب بقاء زمان الخيار خاصة، و يترتب عليه تأثير الفسخ.

(4) و قد ذكر (قدس سره) لتقديم قول مدعي عدم التأخير اصالة صحة الفسخ و فيه: ان المختار عنده- علي ما صرح به في آخر كتاب البيع- و عندنا- علي ما حققناه في رسالة (القواعد الثلاث) المطبوعة- انه يعتبر في جريان اصالة الصحة في شي ء احراز قابلية المحل عقلا، و من الواضح ان الفسخ بعد انقضاء زمان الخيار غير مؤثر عقلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 170

مع الاتفاق علي زمان الفسخ (1) ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه يضعف بأن اصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة الي اصالة عدم تقدمه علي الزمان المشكوك وقوعه فيه

لا يثبت وقوع الفسخ في اول الزمان. و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هي تأخره عنها. (2)

الثالثة: لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته بناء علي فوريته (3) سمع قوله ان احتمل في حقه الجهل للاصل و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر الا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الاحكام و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفي علي العامة

______________________________

إذ لا فسخ لمن لا حق له عقلا.

فتحصل: انه يقدم قول مدعي عدم التأخير لأصالة بقاء زمان الخيار الي حال تحقق الفسخ لا لأصالة الصحة.

(1) و أما المورد الثاني: فالحق فيه ايضا تقديم قول مدعي العدم من جهة اصالة بقاء الزمان الخيار الي زمان الفسخ المعلوم، و أما اصالة تأخر العقد فكما لا يثبت بها وقوع الفسخ في الزمان الأول، كذلك لا يثبت بها وقوع المتقدم في آخر الوقت.

(2) قوله و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع بمعني اصل المسألة لا خصوص الفرض الثاني كما لا يخفي.

(3) قوله الثالثة لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته بناء علي فوريته بناء علي عدم كون هذا الخيار علي الفور لا يبقي مورد لهذا البحث،

كما انه علي القول بانه بوجوده الواقعي فوري لا مورد لهذا النزاع ايضا و أما ان قلنا بانه بوجوده المعلوم فوري بحيث لا فورية الا بعد العلم باصل الخيار- فللنزاع في العلم بالخيار و الجهل به مجال فانه علي الجهل له اعماله و علي العلم ليس له ذلك و أما النزاع في العلم بالفورية و الجهل بها فانما يتصور له مورد لو كان فورية الخيار مقيدة بالعلم بالفورية بالنحو المعقول و علي أي

حال يقدم قول المشتري ان احتمل في حقه الجهل للاصل أي اصالة عدم العلم الا إذا كان قوله مخالفا للظاهر بان يكون في بلد اهله يعرفون الاحكام فيكون مدعيا لا يقبل قوله الا بالبينة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 171

القول في ماهية العيب

و ذكر بعض افراده (1)

اعلم ان حكم الرد و الارش معلق في الروايات علي مفهوم العيب و العوار.

اما العوار ففي الصحاح انه العيب و أما العيب فالظاهر من اللغة و العرف انه النقص عن مرتبة الصحة (2) المتوسطة بينه و بين الكمال، فالصحة ما يقتضيه اصل الماهية المشتركة بين افراد الشي ء لو خلي و طبعه و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه ثمّ مقتضي حقيقة الشي ء قد يعرف من الخارج كمقتضي حقيقة الحيوان الاناسي و غيره فإنه يعلم ان العمي عيب و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الأمة كمال فيهما و قد يستكشف ذلك بملاحظة اغلب الافراد فإن وجود صفة في اغلب افراد الشي ء يكشف عن كونه مقتضي الماهية المشتركة بين افراده و كون التخلف في النادر لعارض.

______________________________

بيان حقيقة العيب.

(1) قوله القول في ماهية العيب و ذكر بعض افراده تحقيق القول في المقام في طي مسائل الاولي في بيان ماهية العيب، و استقصاء القول فيها بالبحث في جهات الاولي انه طفحت كلماتهم تبعا لمرسل السياري «1» بان (كل ما زاد أو نقص عن الخلقة الاصلية فهو عيب، و هذه عبارة اخري عما في المتن.

(2) انه النقص عن مرتبة الصحة و ظاهر ذلك ان كل ما ثبت في اصل الخلقة من الأجزاء و الأوصاف فزاد ذلك السيئ أو نقص فهو عيب، فينحصر العيب في الزيادة و النقيصة الخلقية، و عبر جماعة عن ذلك

بالخروج عن المجري الطبيعي، و لكن المفهوم العرفي من العيب اعم من ذلك، فان الخراج الثقيل الخارج عما جرت العادة عليه في الأراضي عيب عند العرف، مع ان الخراج اجنبي عن الخلقة الأصلية للأرض، و هو في الشرع أيضا كذلك، فان عدم حيض الجارية المدركة

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 172

و هذا و ان لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون اغلب الافراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمر مختلفة، الا ان بناء العرف و العادة علي استكشاف حال الحقيقة عن حال اغلب الافراد. و من هنا استمرت العادة علي حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة اغلب الافراد فإن وجود الشي ء في اغلب الافراد و ان لم يمكن الاستدلال به علي وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال و لو ظنا بالجزئي علي الجزئي الا انه يستدل من حال الاغلب علي حال القدر المشترك ثمّ يستدل من ذلك علي حال الفرد المشكوك.

إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجري الطبيعي و هو ما يقتضيه الخلقة الاصلية.

______________________________

جعل في النص عيبا، مع انه ربما يكون احتباس الدم لعارض مزاجي لا لنقص في الخلقة،

و حمل الجارية جعل عيبا موجبا للخيار، مع انه ليس زيادة أو نقصا في الخلقة، و كذلك اباق العبد، فيعلم من ذلك ان العيب الشرعي اعم من الكلية المذكورة.

فالمتعين اما البناء علي ان الخبر ورد لبيان العيب لا لتحديده،

أو التصرف في الكلية بحملها علي خلاف ظاهرها، و هو كون الخلقة اسما لمعني مصدري يراد به ما عليه الشي ء من الهيئة، فيعم كل نقص أو زيادة و ان

لم يكن من اجزائه الأصلية، بل و ان كان الوصف الزائد اعتباريا ككون المزرعة ثقيلة الخراج و نحو تلك من الأوصاف الاعتبارية.

الجهة الثانية: بعد ما عرفت التوسعة في العيب، فقد يكون شي ء واحد معيبا بملاحظة الخلقة الأصلية، و غير معيب بالاضافة الي الحقيقة العادية الثانوية، و قد ينعكس الأمر،

و علي التقديرين ان كان ذلك بالاضافة الي جهتين فلا اشكال في ان لكل منهما حكمها،

مثلا لو كانت الأرض غير قابلة للزرع لكنها خفيفة الخراج فهي معيوبة باعتبار الخلقة الأصلية، و صحيحة باعتبار العادة الثانوية. و لو كانت قابلة للزرع لكنها ثقيلة الخراج فهي صحيحة بالاعتبار الأول و معيوبة بالثاني، و في الفرضين يجري حكم العيب إذ لا يجب ان يكون الشي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 173

و ان المراد بالخلقة الاصلية ما عليه اغلب افراد ذلك النوع، و ان ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب و ما خرج عنه بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه اغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضي طبيعتها فزيادة الخراج علي ذلك المقدار عيب، و نقصه عنه كمال و كذا كونها مورد العساكر ثمّ لو تعارض مقتضي الحقيقة الأصلية و حال اغلب الافراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني (1) و حكم للشي ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها. و من هنا لا يعد ثبوت الخراج علي الضيعة عيبا مع ان حقيقتها لا تقتضي ذلك و انما هو شي ء عرض اغلب الافراد فصار مقتضي الحقيقة الثانوية فالعيب لا يحصل الا بزيادة الخراج علي مقتضي الاغلب.

______________________________

معيوبا من جميع الجهات في ترتب احكام العيب، بل يكفي التعيب من جهة واحدة.

و

انما الكلام فيما إذا كان الاختلاف من جهة واحدة، كما إذا كان العبد الكبير اغلف فانه تام من حيث الخلقة، و معيوب باعتبار العادة الثانوية، إذ جرت العادة علي الختان،

و يجب ذلك، و العبد مورد للخطر عند الختان، و كما إذا كانت الأمة ثيبة فان فيها نقصا خلقيا و تمامية عادية.

و هذا هو مورد بحث المصنف (رحمه الله) حيث قال:

(1) ثمّ لو تعارض مقتضي الحقيقة الاصلية و حال اغلب الافراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني.

و المفروض في كلامه المفروغية عن عدم الخيار فيما إذا كان بحسب الحقيقة الثانوية غير معيوب، و انما جعل مورد البحث ان ما هو كذلك، اي نقص أو زيادة بحسب الحقيقة الأولية و لا يكون كذلك بحسب الحقيقة الثانوية، هل يكون عيبا موضوعا و انما لا يلحقه حكم العيب، أو انه ليس بعيب موضوعا؟

و وجه الأول ان العيب هو النقص أو الزيادة بحسب الخلقة الأصلية، و انما يعتني بوجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة من جهة كشفه عن الخلقة الأصلية، و هذا انما يكون مع الجهل بها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 174

و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء، و قد ينعكس الامر فيكون العيب في مقتضي الحقيقة الاصلية و الصحة بالخروج الي مقتضي الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الاغلب الا ان يقال ان الغلفة بنفسها ليس عيبا انما العيب كون الاغلف موردا للخطر بختانه. و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير.

و يمكن ان يقال ان العبرة بالحقيقة الاصلية و النقص عنها عيب و ان كان علي طبق

الاغلب (1) الا ان حكم العيب لا يثبت مع اطلاق العقد حينئذ لأنه انما يثبت من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد فإذا فرض الاغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة الاصلية لم يقتض الاطلاق ذلك بل اقتضي عكسه اعني التزام البراءة من ذلك النقص فاطلاق العقد علي الجارية بحكم الغلبة منزل علي التزام البراءة من عيب الثيبوبة

______________________________

و أما مع العلم بالخلقة الأصلية فلا يعتني بالكاشف. نعم لا يلحقه حكم العيب من جهة ان حكم العيب انما يثبت من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة، فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد. فمع فرض الأغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة لا يقتضي الاطلاق ذلك،

بل يقتضي الالتزام بالبراءة من ذلك العيب، فلا يثبت الخيار من هذه الجهة.

و وجه الثاني: ان الغلبة بمنزلة الحقيقة الأصلية، و ان لها موضوعية كما تقدم،

مع ان مقتضي خبر سماعة في الرجل يشتري جارية علي انها بكر و لم يجدها كذلك،

قال (عليه السلام). لا ترد عليه، و لا يجب عليه شي ء، انه قد يكون يذهب في حال مرض أو امر يصيبها «1»

(1) و المصنف (رحمه الله) قوي الوجه الاول و لكن الأظهر هو التفصيل، إذ قد يكون شيوع النقص أو الزيادة لمصلحة شخصية أو نوعية، كالختان، فانه نقص امر به الشارع لمصلحة شخصية، و كالخراج، فانه لغرض نوعي عقلائي، و في مثل ذلك لا يعد عيبا لما عرفت من انه ليس المدار علي خصوص الخلقة الاصلية

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب احكام العيوب حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 175

و كذا الغلفة في الكبير فهي ايضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان الا ان الغالب في

المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الاطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضي التزام البائع البراءة من هذا العيب.

فقولهم ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء.

و قول العلامة في القواعد ان الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد ارادتهم نفي حكم العيب من الرد و الارش لا نفي حقيقته و يدل عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع انه في التحرير و التذكرة اختار الارش مع اشتراط البكارة مع انه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر.

و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة و الختان فإنه يثبت علي الوجه الثاني حكم العيب من الرد و الارش لثبوت العيب غاية الامر عدم ثبوت الخيار مع الاطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضي الاطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب و أما علي الوجه الأول فإن الاشتراك لا يفيد الاخيار تخلف الشرط دون الارش لكن الوجه السابق اقوي عليه فالعيب انما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في افراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها و الغلبة الصنفية مقدمة علي النوعية عند التعارض فالثيبوبة في الصغيرة الغير المجلوبة عيب لانها ليست غالبة في صنفها و ان غلبت في نوعها.

ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص للشي ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فإن (1) الانسان الخصي ناقص في نفسه و ان فرض زيادته من حيث كونه مالا

______________________________

و قد يكون لا لمصلحة بل لجهة اخري كثيبوبة الأمة، و في مثل ذلك يكون عيبا و لا عبرة بالغلبة، و هي من حيث هي ليست بمنزلة الخلقة الأصلية كما افاده المصنف (رحمه الله)

و الخبر لا يدل علي ازيد من نفي الخيار.

(1) الجهة الثالثة: هل يعتبر في صدق العيب ان يكون موجبا لنقص المالية فالنقص أو الزيادة خلقة و عادة غير المنقص للمالية لا يكون عيبا، ام لا يعتبر ذلك؟ وجهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 176

و كذا البغل الخصي حيوان ناقص و ان كان زائدا من حيث المالية علي غيره،

و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الارش في مثل ذلك.

و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي الغير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا الا ان الغالب في افراد الحيوان لما كان عدمه كان اطلاق العقد منزلا علي اقدام المشتري علي الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا علي الاصل و الغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه الا خيار تخلف الشرط، و يظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فتأمل. (1)

و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون علي الاول بناء علي اطلاق كلماتهم ان العيب مضمون علي البائع بخلاف الثاني فإنه لا دليل علي ان فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع بمعني كونه سببا للخيار

______________________________

لا اشكال في ان مطلق الزيادة أو النقيصة الخلقية أو العادية لا يكون عيبا كحدة بصر العبد، و زيادة شعر رأس الجارية و ما شابه تلكم،

كما لا إشكال في انه ليس المدار علي الزيادة و النقص من حيث المالية فقط، و الا لكانت الأشياء المختلفة من حيث المالية بعضها صحيحا و بعضها معيبا، و ان لم يختلفا من حيث الأجزاء

الأصلية.

انما الكلام في انه إذا كانت الزيادة أو النقيصة الموجبة للنقص في الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه غير موجبة للنقص في المالية من جهة تلازم النقص من هذه الجهة لأثر آخر و خاصية اخري مترتبة عليه، هل تكون عيبا ام لا؟

و الظاهر صدق العيب عليها، إذ المدار ليس علي المالية.

(1) قوله فتأمل الامر بالتأمل اشارة الي ما افاده في بحث موانع الرد من ان ادلتها مختصة بصورة ثبوت الارش- و قد تقدم ما عندنا و عرفت ان مرسل جميل يعم صورة عدم ثبوت الارش فهذه الثمرة موجودة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 177

و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال (1)

و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن ابي ليلي، (2) حيث قدم إليه رجل خصما له فقال: ان هذا باعني هذه الجارية فلم اجد علي ركبها حين كشفها شعرا و زعمت انه لم يكن لها قط، فقال له ابن ابي ليلي: ان الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتي يذهبوه فما الذي كرهت، فقال له:

ايها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به، قال فاصبر حتي اخرج اليك فإني اجد أذي في بطني، ثمّ دخل بيته و خرج من باب آخر فأتي محمد بن مسلم الثقفي فقال له: أي شي ء تروون عن ابي جعفر في امرأة لا تكون علي ركبها شعرا أ يكون هذا عيبا، فقال له محمد بن مسلم: اما هذا نصا فلا اعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن ابيه عن آبائه عن النبي (صلي الله عليه و آله) قال كل ما كان في اصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال له ابن ابي ليلي: حسبك

هذا فرجع الي القوم فقضي لهم بالعيب. فإن ظاهر اطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها و فهم ابن ابي ليلي من حيث قوله و عمله كون مجرد الخروج عن المجري

______________________________

(1) قوله و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال مراده شقا الثمرة الثانية، و هما ضمان النقص قبل القبض، و في مدة الخيار و هو في محله، فان تلف وصف المبيع إذا كان مشمولا لقاعدة كون التلف قبل القبض من البائع، «1» و قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «2» كان تلف الوصف الملتزم به ايضا كذلك و لا يقاس ذلك بتلف ما التزم به البائع بما هو اجنبي عن تلف المبيع.

(2) و أما خبر السياري المذكور في المتن «3» فهو ضعيف السند لاتفاق الرجاليين علي كون احمد بن محمد السياري راوي الخبر ضعيف فاسد المذهب. و قد اجاب عنه المصنف (رحمه الله) باجوبة اخر سيمر عليك ما فيها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار و المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار.

(2) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 178

الطبيعي عيبا و ان كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن ابي ليلي ان الناس ليحتالون، الخ. و تقرير المشتري له في رده لكن الانصاف عدم دلالة الرواية علي ذلك.

اما اولا: فلأن ظاهر الحكاية ان رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر (1) بل لكونها في اصل الخلقة، كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في اصل المزاج كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر

الرد بقوله لم اجد علي ركبها شعرا حتي ضم إليه دعواه انه لم يكن لها قط. و قول ابن ابي ليلي ان الناس ليحتالون في ذلك حتي يذهبوه لا يدل علي مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض، و انما هي مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها و الاحتيال لإذهاب شعر الركب لا يدل علي ان عدمه في اصل الخلقة شي ء مرغوب فيه كما ان احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل علي كون عدمه من اصله لقرع أو شبهه امرا مرغوبا فيه.

______________________________

و علي المختار من صدق العيب ليس له الا الرد لما تقدم من عدم معقولية الارش،

كما انه علي القول الآخر ايضا لا إشكال في ثبوت حق الرد من جهة الالتزام الضمني بعدم النقص، و لذا قد توهم عدم ترتب ثمرة علي هذا النزاع،

و المصنف (رحمه الله) دفعا لذلك ذكر ثمرتين.

احداهما: ما إذا طرأ احد موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فانه علي المسلك المنصور يسقط حق الرد دون المسلك الآخر، و عرفت تماميتها ثانيتهما: انه إذا حصل هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فانه علي فرض كونه عيبا يكون مضمونا علي البائع- و علي فرض عدمه لا يكون كذلك إذ لا دليل علي ان فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع و قد تنظر فيها المصنف، و قد عرفت انه في محله قال.

(1) اما اولا فلان ظاهر الحكاية ان رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر هذا انما يصلح ايراد اعلي التأييد الذي ذكره بفهم ابن ابي ليلي و أما اطلاق جواب الامام (عليه السلام) فهذا اجنبي عنه

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 179

و بالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر علي الركب مما يقطع أو يحتمل كونه لاجل مرض عيبا و قد عد من العيوب الموجبة للارش بما هو ادون من ذلك و أما ثانيا: فلأن قوله (عليه السلام) فهو عيب، انما يراد به بيان موضوع العيب (1)

توطئه لثبوت احكام العيب له و الغالب الشائع المتبادر في الاذهان هو رد المعيوب.

و لذا اشتهر كل معيوب مردود.

و أما باقي احكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطرو موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا علي البائع قبل القبض، و في مدة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتبها علي العيب، فتأمل..

و أما ثالثا: فلأن الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد بالزيادة و النقيصة علي اصل الخلقة، ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حدة بصر العبد أو تعلمهما للصيغة و الطبخ. و كذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين ان يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبين لنقص في الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه، و لازم ذلك نقصه من حيث المالية (2) لأن المال المبذول في مقابل الاموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع.

______________________________

(1) قوله و أما ثانيا فلان قوله (عليه السلام) فهو عيب انما يراد به بيان موضوع العيب حاصله ان المتيقن من الخبر ثبوت حق الرد و هذا كما يلائم مع كون الخيار خيار العيب يلائم مع كونه خيار تخلف الشرط فلا يدل الخبر علي كونه خيار العيب و فيه اولا ان مقتضي اطلاق التنزيل ثبوت جميع احكام العيب لا خصوص الرد و ثانيا ان

الرد الثابت بمقتضي ظاهر الخبر الرد من باب العيب و هذا المقدار يكفي فيما هو المهم و هو كون العيب اعم مما ينقص المالية.

(2) قوله و أما ثالثا فلان الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف و لازم ذلك نقصه من حيث المالية ما افاده في نفسه تام الا ان ما ذكره له من اللازم غير تام إذ مورد الكلام ما لو فرضنا النقص مع كونه موجبا لفقد بعض وجوه الانتفاعات- كونه موجبا للانتفاع بالشي ء ببعض انتفاعات اخر المستلزم ذلك لعدم النقص في المالية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 180

و أما رابعا: فلأنا لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف في معني العيب فلا ينهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالارسال، فافهم. (1)

و قد ظهر مما ذكرنا ان الاولي في تعريف العيب ما في التحرير (2) و القواعد من انه نقص في العين أو زيادة فيها، يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار. و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبر بمثلها.

و لذا قال في التحرير بعد ذلك. و بالجملة كلما زاد أو نقص عن اصل الخلقة و القيد الاخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض (3) كما قد يقال ذلك في العبد الخصي، و لا ينافيه ما ذكره في التحرير من ان عدم الشعر علي العانة عيب في العبد و الامة لأنه مبني علي ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من ان ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا علي انه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية. و في التذكرة بعد اخذ نقص

المالية في تعريف العيب، و ذكر كثير من العيوب و الضابط انه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه، انتهي كلامه

______________________________

(1) قوله فافهم الظاهر انه اشارة الي انه ضعيف من جهة اخري غير الارسال و هو كون الراوي السياري.

(2) قوله الاولي في تعريف العيب ما في التحرير بل الاولي تعريفه بالنقص أو الزيادة المقتضي لنقص الشي ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه بحسب النوع.

(3) قوله و القيد الاخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض كلمات الاعلام المنقولة في المتن كالصريحة في عدم دخل نقصان المالية في صدق العيب و توجيهات المصنف (رحمه الله) بعيدة و اصرح من الكل كلام جامع المقاصد- قال كان عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 181

و ما احسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه مثل خصاء العبد، كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة و ان زادت قيمته باعتبار آخر، و قد دخل المشتري علي ظن السلامة، انتهي.

و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب. و لعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك. و عن جماعة اراد به مجرد موجب الرد لا العيب الذي يترتب عليه كثير من الاحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو غير ذلك.

و عليه يبني قول جامع المقاصد كما عن تعليق الارشاد حيث ذكر ان اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجب لأن المستفاد من ذكر بعض الامثلة ان الكلام في موجبات الرد لا

خصوص العيب،

و يدل علي ذلك انه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره انه مع عدم العلم عيب فلولا انه اراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك. (1)

الكلام في بعض افراد العيب (2)
اشارة

______________________________

ان يقيد بقوله غالبا ليندرج فيه الخصاء و الجب فانهما يزيد ان في المالية مع انهما عيبان يثبت بهما الرد قطعا و في الارش اشكال منشؤه ان تعينه منوط بالنقصان و هو منتف هنا انتهي.

(1) قوله لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك لعل التقييد بجهل المشتري من باب التقييد في لحوق الحكم لا في اصل الموضوع

بعض افراد العيب

(2) لا يخفي ان المصنف تعرض لجملة من المسائل المتعلقة بالعبيد و الاماء و حيث ان بنائنا علي القاء تلكم المسائل لعدم الموضوع لها فعلا، و من المستبعد جدا تحقق الموضوع لها الي زمان سيدنا و مولينا ارواح من سواه فداه فلذلك اغمضنا عن التعرض لها و لكن نذكره ما ذكره المصنف لئلا ينقص المكاسب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 182

مسألة: لا إشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا

و اطلاق كثير، و تصريح بعضهم يشمل حمي يوم بان يجده في يوم البيع، قد عرض له الحمي و ان لم يكن نوبة له في الاسبوع قال في التذكرة الجذام و البرص و العمي و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب اجماعا، و كذا انواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو كان عارضا و لو حمي يوم، و الإصبع الزائدة و الحول و الحوص و السبل و استحقاق القتل في الردة أو القصاص و القطع بالسرقة أو الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب اجماعا، ثمّ ان عدا حمي اليوم المعلوم كونها حمي يوم يزول في يومه و لا يعود مبني علي عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقة لأن ذلك ليس منقصا للقيمة.

مسألة: الحبل عيب في الاماء

كما صرح به جماعة، و في المسالك الاجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطء و يدل عليه الاخبار الواردة في تلك المسألة و علله في التذكرة باشتماله علي تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم كون الحمل للبائع، و إلا فالامر واضح و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات و عدم قابليتها للاستيلاد الا بعد الوضع. اما في غير الاماء من الحيوانات ففي التذكرة انه ليس بعيب و لا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل كما هو مذهب الشيخ، و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي ء، انتهي.

و رجح المحقق الثاني كونه عيبا و ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه و ان كان زيادة مزوجة الا انه نقيصة مزوجة الآخر لمنع الانتفاع بها عاجلا و لأنه

لا يؤمن عليها من اداء الوضع الي الهلاك و الاقوي علي قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر و أداء الوضع الي الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب الخيار دون الارش كوجدان العين مستأجرة و كيف كان، فمقتضي كون الحمل عيبا في الاماء انه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة ام لا لأن العيب الحادث مانع و ان زال علي ما تقدم من التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 183

و في التذكرة لو كان المبيع جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشتري فان نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الارش و ان لم تنقص فالاولي جواز ردها وحدها من دون الولد الي ان قال، و كذا حكم الدابة لو حملت عند المشتري و ولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد و ان لم تنقص ردها دون ولدها لأنه المشتري، انتهي.

و في مقام آخر لو اشتري جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثمّ اطلع علي عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد بالحمل فلا رد ان كان الحمل في يد المشتري و به قال الشافعي: و ان لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهي.

و في الدروس لو حملت احداهما يعني الجارية و البهيمة عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم تنقص بالحمل أو الولادة.

و ظاهر القاضي ان الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه اما بفعله أو اهمال المراعاة حتي ضربها الفحل و كلاهما تصرف، انتهي.

لكن صرح في

المبسوط باستواء البهيمة و الجارية في انه إذا حملت احداهما عند المشتري و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد و ظاهر ذلك كله خصوصا نسبة منع الرد الي خصوص القاضي و خصوصا مع استدلاله علي المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم علي ان الحمل الحادث عند المشتري في الامة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة و هذا مخالف للاخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل و للإجماع المتقدم عن المسالك و تصريح هؤلاء بكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله علي التغرير بالنفس و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الاخيرة المحكية عن التذكرة من اطلاق كون الحمل عند البائع عيبا و ان لم ينقص و عند المشتري بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة مع ان ظاهر العبارة الاولي كالتحرير و القواعد الفرق فراجع.

قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالاقرب ان للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة، انتهي.

و هذا بناء منه علي ان الحمل ليس عيبا في غير الأمة، و في الايضاح ان هذا بناء علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 184

قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر و أما عندنا فالاقوي ذلك لأنه كالثمرة المتجددة علي الشجرة و كما لو اطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار المبتاعة و الخيار له فلا يؤثر و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها فإنها لا تقدر علي الحمل العظيم، انتهي.

و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب الي الايضاح من ان ما قربه في القواعد مبني علي قول الشيخ من دخول الحمل

في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد ان ما ذكره المصنف ان تم فإنما يخرج علي قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار. و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها علي ما يتراءي من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني ان الحامل ردت الي البائع مع الزيادة لامع النقيصة.

لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الامة.

و كيف كان فالاقوي في مسألة حدوث حمل الامة عدم جواز الرد ما دام الحمل و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص علي ما تقدم من ان زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا، و أما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب الا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الارش لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات الغير الموجب للارش و كان محققا هنا مضافا الي نقص آخر و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لان المفروض كون الحمل للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

مسألة: الأكثر علي ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء

بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا و نسبه في المسالك كما عن غيره الي اطلاق الاصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الاصلية و استدل عليه ايضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الاصحاب علي ما ادعاه المستدل عن رجل باع جارية علي انها بكر، فلم يجدها كذلك قال:

لا ترد عليه و لا يجب عليه شي ء انه قد يكون تذهب في حال مرض أو امر يصيبها.

و في كلا الوجهين نظر:

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 6، ص: 185

ففي الأول: ما عرفت سابقا من ان وجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة انما يكشف عن كونها بمقتضي اصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الاصلية إذا لم يكن مقتضي الخلقة معلوما فيما نحن فيه و إلا فمقتضي الغالب لا يقدم علي ما علم انه مقتضي الخلقة الاصلية و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من اطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل اطلاق العقد علي التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة.

و لا يثبت الخيار بوجودها و ان كانت نقصا في الخلقة الاصلية.

و أما رواية سماعة فلا دلالة لها علي المقصود لتعليله (عليه السلام) عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض و قدح هذا الاحتمال اما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا علي البائع. و أما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطئ أحد لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضي تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال انه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها نقص في اصل الطبيعة فيكون عيبا.

و كيف كان فالاقوي ان الثيبوبة عيب عرفا و شرعا الا انها لما غلبت علي الاماء لم يقتض اطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك و يظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الارش لوجود العيب، و عدم المانع من تأثيره و مثله ما لو كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب علي صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم العيب.

و الحاصل ان

غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب و لعل هذا هو مراد المشهور ايضا و يدل علي ذلك ما عرفت من العلامة (قدس سره) في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع انه في كتبه بل المشهور كما في الدروس علي ثبوت الارش إذا اشترط البكارة فلولا ان الثيبوبة عيب لم يكن ارش في مجرد تخلف الشرط.

نعم يمكن ان يقال ان مستندهم في ثبوت الارش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس في: رجل اشتري جارية علي انها عذراء فلم يجدها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 186

قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم انه صادق، ثمّ انه نسب في التذكرة الي اصحابنا عدم الرد بمقتضي رواية سماعة المتقدمة و أوله بما وجهنا به تلك الرواية.

و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال علي تأويلها، و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد، لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

مسألة: ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير،

لأنه يخاف عليه من ذلك و هو حسن علي تقدير تحقق الخوف علي وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بازائه، و يلحق بذلك المملوك المجدر، فإنه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدري و مثل هذين. و ان لم يكن نقصا في الخلقة الاصلية الا ان عروض هذا النقص اعني الخوف مخالف لمقتضي ما عليه الاغلب في النوع أو الصنف و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا فيه مع الجهل دون العلم و هو غير مستقيم لأن العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا نعم لما كان

الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن اطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب، و يظهر الثمرة هنا ايضا فيما لو اشترط الختان فظهر اغلف فيثبت الرد و الأرش. فإخراج العلامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه (قدس سره) في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

مسألة: عدم الحيض ممن شأنها الحيض

بحسب السن و المكان و غيرها من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجري الطبيعي و لقول الصادق (عليه السلام) و قد سئل عن رجل اشتري جارية مدركة فلم تحض عنده حتي مضي لها ستة اشهر و ليس بها حمل قال ان كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه و ليس التقييد بمضي ستة اشهر الا في مورد السؤال فلا داعي الي تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثمّ ان حمل الرواية علي صورة عدم التصرف في الجارية حتي بمثل قول المولي لها اسقني ماء و اغلق الباب في غاية البعد. و ظاهر الحلي في السرائر و عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 187

مسألة: الاباق عيب

بلا اشكال و لا خلاف لأنه من افحش العيوب و يدل عليه صحيحة ابي همام الآتية في عيوب السنة. لكن في رواية محمد بن قيس انه ليس في الاباق عهدة و يمكن حملها علي انه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله (عليه السلام) في رواية يونس ان العهدة في الجنون و البرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع و إلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع و لا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع، و هل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان من الشك في كونه عيبا و الاقوي ذلك وفاقا لظاهر الشرائع. و صريح التذكرة لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف و لا يشترط اباقه عند المشتري قطعا.

مسألة: الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب

يثبت به الرد و الارش (1) لكون ذلك خلاف ما عليه غالب افراد الشي ء

______________________________

بعض افراد العيب.

(1) مسالة: المشهور بين الاصحاب ان الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب يثبت به الرد و الارش.

محل الكلام هنا و في هذه المسألة هو الخيار، و أما صحة البيع فهي مفروغ عنها،

و مع ذلك نشير إليها تبعا للمصنف، و عليه فالكلام يقع في جهات:

الأولي: في صحة المعاملة و فسادها.

الثانية: في الخيار.

الثالثة: في تحقيق حال الخبرين المذكورين في المقام.

اما الجهة الاولي: فمحصل القول فيها: ان الثفل تارة: يوجب نقصا في الزيت من حيث الوصف خاصة و ان افضي بعد التخليص الي نقص الكم، و يكون المجموع عند العرف زيتا لا زيتا و ثفلا. لا إشكال في صحة البيع في هذه الصورة بعد تعيين وزن المظروف من غير فرق بين زيادة الثفل و قلته، و من غير فرق

بين صورة العلم و الجهل إذ اللازم معرفة المبيع وزنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 188

و في رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه دريا قال: ان كان يعلم ان الدردي يكون في الزيت فليس عليه ان يرده و ان لم يكن يعلم فله ان يرده.

نعم في رواية السكوني عن جعفر عن ابيه ان عليا قضي في رجل اشتري من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الي علي (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل انما بعته منه حكرة، فقال له علي (عليه السلام):

انما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا.

______________________________

و ان لم يعرف وزن الخالص بعد تخليص المبيع.

و اخري: يوجب نقصا فيه من حيث الكم، و يكون بنظر العرف زيتا و ثفلا لا زيتا معيوبا. و في هذه الصورة يصح البيع في صورة الجهل لو عين وزن المظروف، لأن وزن المبيع حينئذ معلوم، غاية الأمر بعد الظهور يكون من قبيل تبعض الصفقة.

و أما في صورة العلم فان امكن تعيين وزن الزيت صح البيع، و الا بطل للغرر، و لا يكفي تعيين وزن المجموع.

و أما الجهة الثانية: ففي مورد صحة البيع ان كان المبيع عند العرف مركبا من الزيت و الثفل يثبت خيار تبعض الصفقة، و ان كان المبيع هو الزيت المعيوب فان كان الثفل يسيرا جدا بحيث لا يعد في نفسه عيبا لا خيار، و ان كان كثيرا بمقدار خارج عن العادة ثبت خيار العيب.

و ان كان بمقدار جرت به العادة فتارة: يعلم المشتري بجريان العادة، و اخري:

لا يعلم، فان علم

بذلك لا خيار له، لأن الاقدام علي هذه المعاملة التزام بالبراءة من ذلك العيب و النقص، فلا خيار معه،

و ان لم يعلم بذلك ثبت له الخيار، فان الغلبة و العادة الثانوية ان لم تكن عن غرض لا تكون بمنزلة الحقيقة الأصلية كما تقدم.

و أما الجهة الثالثة: فالخبران هما خبرا «1» ميسر و السكوني المذكوران في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام العيوب حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 189

قال في الوافي يقال اشتري المتاع حكرة اي جملة و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الارش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل، (1) و ربما استشكل في اصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا لان الدردي غير متمول و الاولي ان يقال إن وجود الدردي ان افاد نقصا في الزيت من حيث الوصف و ان افضي بعد التخليص الي نقص الكم نظير الغش في الذهب كان الزائد منه علي المعتاد عيبا و ان افرط في الكثرة و لا إشكال في صحة البيع حينئذ، لأن المبيع زيت و ان كان معيوبا. و عليه يحمل ما في التحرير من ان الدردي في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الارش و ان لم يفد الا نقصا في الكم فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي ء منه تكون امارة علي باقيه و قال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره الغير الموجب لتعيبه. فالظاهر صحة البيع و عدم ثبوت الخيار اصلا لأنه

اشتري السمن الموجود في هذه العكة و لا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف

______________________________

اما الخبر الأول: فعن الجواهر: كون الخيار لتبعض الصفقة، بدعوي اشتمال المبيع علي الزيت و غيره، مع ان المقصود هو الزيت.

و فيه: ان ظاهر قوله فليس عليه ان يرده و قوله فله ان يرده صحة البيع بالنسبة الي تمام ما في الزق، إذ لارد بدون الملك، فالقول بتبعض الصفقة خلاف الظاهر، بل الظاهر منه كون الخيار للعيب.

و ظاهر الخبر هو التفصيل بين العلم بجريان العادة علي انضمام الدردي الي الزيت و عدمه لا العلم التفصيلي بوجود الدردي، و هذا ينطبق علي ما ذكرناه من مقتضي القاعدة.

و أما الخبر الثاني: فظاهره كون الخيار لتبعض الصفقة و كون الرب متميزا عن السمن، لاحظ قوله فوجد فيها ربا اي وجد في العكة ربا، و قول البائع انما بعته منه حكرة اي جملة، فان ظاهر ذلك كون ما في العكة سمنا و ربا لا سمنا معيبا بما فيه من الرب و علي أي حال فكما في المتن.

(1) توجيهه بما يطابق القواعد مشكل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 190

و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي ء منها بفتح رأس العكة فلا عيب و لا تبعض صفقة الا ان يقال ان اطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجي ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص و ان باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة.

قال في التحرير لو اشتري سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد واخذ ما وجد من السمن بنسبة الثمن و

لو باع ما في العكة من الزيت علي انه كذا و كذا رطلا فتبين نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع و كان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء علي الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة علي انها كذا و كذا، فظهر ناقصا و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت. فالظاهر عدم صحة البيع و ان عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزنه الظرف و المظروف، انما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع، كما علم بوزن مجموع الظرف و المظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

______________________________

حيث انه حكم (عليه السلام) باداء السمن بكيل الرب، مع ان الخيار ان كان للعيب فلا يستحق الا الرد أو الارش، و ان كان لتبعض الصفقة بطل البيع بالنسبة الي الرب، و له الرد بالاضافة الي السمن، و علي التقديرين لا يستحق السمن بدل الرب،

و حمله علي كون المبيع كليا و اداء العكة الخاصة وفاء خلاف الظاهر لاحظ قوله انما بعته منك حكرة فانه كالصريح في كون المعاملة واقعة علي العكة الشخصية، إذ لا معني لكون كلي السمن المبيع حكرة،

و المتعين في توجيهه بناء علي كون الخيار للتبعض ان يقال: ان المراد من قوله لك بكيل الرب سمنا استحقاق ثمن ذلك المقدار من السمن،

بتقريب: ان قوله سمنا تمييز لكيل الرب لا انه مبتدأ لقوله لك و قوله بكيل الرب ايضا لا يكون مبتدأ لمكان الباء بل المبتدأ محذوف، و هو الثمن فالمعني: لك الثمن بمقدار السمن الموازي للرب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 191

مسألة: قد عرفت ان مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن،

و لكن يختص هذه الأربعة من بيع

العيوب بأنها لو حدثت الي سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد و الارش هذا هو المشهور، و يدل عليه ما استفيض عن مولانا ابي الحسن الرضا (عليه السلام).

ففي رواية علي بن اسباط عنه في حديث خيار الثلاثة ان احداث السنة ترد بعد السنة، قلت: و ما احداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن، فمن اشتري فحدث فيه هذه الاحداث فالحكم ان يرد علي صاحبه الي تمام السنة من يوم اشتراه.

و في رواية ابن فضال المحكية عن الخصال في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص. و في رواية اخري له عنه (عليه السلام) قال ترد الجارية مع اربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة. هكذا في التهذيب.

و في الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر،

انتهي.

و مراده ان الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع الي حدب في الفرج لكن المعروف انه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطء.

و في الصحيح عن محمد بن علي قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبي عنه (عليه السلام) قال يرد المملوك من احداث السنة من الجنون و البرص و القرن. قال: قلت و كيف يرد من احداث، فقال: هذا اول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت علي صاحبه. و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد و الضبط لهذه الامور فيمكن ان يدعي معارضتها لباقي الاخبار المتقدمة.

و من هنا استشكل المحقق الاردبيلي في الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد

كما ذكره في الحدائق ردا علي الاردبيلي (رحمه الله) إلا ان يريد ان التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه و هو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه اقرب الاحتمالات المتطرقة فيما نحن فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 192

و يمكن ان يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها علي المشتري بمجرد حدوث الجذام فلا معني للرد و حينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الاخبار و وجهه في المسالك بأن عتقه علي المشتري موقوف علي ظهور الجذام بالفعل و يكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الامر و ان لم يظهر فيكون سبب الخيار مقدما علي سبب العتق. فإن فسخ انعتق علي البائع و ان امضي انعتق علي المشتري.

و فيه أولا: ان ظاهر هذه الاخبار ان سبب الخيار ظهور هذه الامراض لأنه المعني بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة و لو لا ذلك لكفي وجود موادها في السنة، و ان تأخر ظهورها عنها و لو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة و هذا مما لا أظن احدا يلتزمه مع انه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه الامراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري، فلتكن مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ، فيكون في التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات.

و ثانيا: ان سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطرو سببه بل ينبغي ان يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا، بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت. و لذا

لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا اظن احدا يلتزم عدم الانعتاق الا بعد لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق علي التغليب هذا.

و لكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعي في السرائر و الغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق علي إمضاء العقد و لو في غير المقام ثمّ لو فسخ المشتري فانعتاقه علي البائع موقوف علي دلالة الدليل علي عدم جواز تملك المجذوم لا ان جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه، ثمّ إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر فيظهر منهم العدم فنسبة المسالك الحكم في الأربعة إلي المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه.

و عن التحرير نسبه الي ابي علي و في مفتاح الكرامة انه لم يظفر بقائل غير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 193

الشهيدين و ابي علي و من هنا تأمل المحقق الاردبيلي من عدم صحة الاخبار و فقد الانجبار، ثمّ ان ظاهر اطلاق الاخبار علي وجه يبعد التقييد فيها شمول الحكم لصورة التصرف لكن المشهور تقييد الحكم بغيرها و نسب إليهم جواز الارش قبل التصرف و تعينه بعده و الاخبار خالية عنه و كلاهما مشكل الا أن الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطي و الشيخ و ابن زهرة لم يذكر التصرف و لا الأرش.

نعم ظاهر الحلي الاجماع علي تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة و ان هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة الا ان الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض

و انقضاء الخيار و لو ثبت ان اصل هذه الامراض تكمن قبل سنة من ظهورها و ثبت ان اخذ الارش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة ثبت الارش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الامراض الكامنة في المبيع لا بهذه الامراض الظاهرة فيه.

قال في المقنعة و يرد العبد و الأمة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة و لا يرد ان بعد سنة و ذلك ان اصل هذه الامراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الامة في هذه السنة لم يجز له ردها و كان له قيمة ما بينها صحيحة و سقيمة، انتهي.

و ظاهره ان نفس هذه الامراض يتقدم بسنة و لذا أورد عليه في السرائر ان هذا موجب لانعتاق المملوك علي البائع فلا يصح البيع و يمكن ان يريد به ما ذكرنا من ارادة مواد هذه الامراض.

خاتمة: في عيوب متفرقة

قال في التذكرة: ان الكفر ليس عيبا في العبد و لا الجارية، ثمّ استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس و التوثن دون التهود و التنصر، و الاقوي كونه موجبا للرد في غير المجلوب و ان كان اصلا في المماليك الا ان الغالب في غير المجلوب الاسلام فهو نقص موجب لتنفر الطباع عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 194

خصوصا بما حظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات.

نعم الظاهر عدم الارش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا أو زيادة في اصل الخلقة و لو ظهرت الامة محرمة علي المشتري برضاع أو نسب،

فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشتري و لو ظهر ممن

ينعتق عليه، فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس و عدم نقص ماليته عند غيره. و في التذكرة لو ظهر ان البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو امانة، ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال.

اقول الا قوي عدمه. و كذا لو اشتري ما عليه اثر الوقف. نعم لو كان عليه امارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله و تأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة اصل الشي ء لو خلي و طبعه اثرا بينا و ذكر في التذكرة ان الصيام و الاحرام و الاعتداد ليست عيوبا.

اقول اما عدم ايجابها الارش فلا اشكال فيه. و أما عدم ايجابها الرد ففيه اشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا.

و قال ايضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا اشكال اقربه العدم.

و قال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ الادب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو اكولا أو زهيدا فلا رد و يرد الدابة بالزهادة، و كون الامة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض، انتهي.

و مراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد: و الضابط ان الرد يثبت بكلما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه،

انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 195

القول في الارش
اشارة

و هو (1) لغة، كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات،

عن القاموس انه الدية

و يظهر من الاولين انه في الاصل اسم للفساد، و يطلق في كلام الفقهاء علي مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن، و لم يقدر له في الشرع مقدر، و عن حواشي الشهيد قدس سره انه يطلق بالاشتراك اللفظي علي معان:

منها ما نحن فيه، و منها نقص القيمة لجناية الانسان علي عبد غيره في غير المقدر الشرعي و منها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد. و منها اكثر الامرين من المقدر الشرعي و الارش، و هو ما تلف بجناية الغاصب، انتهي.

و في جعل ذلك من الاشتراك اللفظي اشارة الي ان هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعني اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما و لا حقيقة و مجازا. فهي كلها منقولات عن المعني اللغوي بعلاقة الاطلاق و التقييد و ما ذكرناه في تعريف الارش، فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني، كما يظهر بالتأمل.

و كيف كان، فقد ظهر من تعريف الارش انه لا يثبت الا مع ضمان النقص المذكور (2)

______________________________

الارش-

ضمانه خارج عن الضمانين

(1) القول في الارش، و هو بحسب المتفاهم العرفي له معني متعارف فيما نحن فيه و هو ما به تتفاوت قيمة الصحيح و المعيب،

و لا يهمنا البحث في انه في اللغة له معني واحد أو معان متعددة، و كونه من قبيل الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة، و المجاز و انه في اصطلاح الفقهاء الذي يطلق علي معان هل لتلك المعاني جامع ام لا لعدم ترتب اثر عليه.

(2) قوله فقد ظهر من تعريف الارش انه لا يثبت الا مع ضمان النقص

المذكور ستعرف انه ليس من ضمان اليد و لا ضمان المعاوضة بل هو خارج عن الضمانين فهو ثابت من دون ضمان الوصف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 196

ثمّ ان ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص (1) و هو الاصل، فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما، و يسمي ضمان اليد كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت علي الكل، و ان كان مضمونا بعوض بمعني ان فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمي في المعاوضة و يسمي ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع علي مجموع الناقص و المنقوص لا نفس قيمة العيب، لان الجزء تابع للكل في الصمان. و لذا عرف جماعة الارش في عيب المثمن فيما نحن فيه: بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب الي الصحيح، و ذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح علي البائع ضمان المعاوضة بمعني ان البائع ضامن لتسليم المبيع تاما الي المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته.

______________________________

(1) قوله ثمّ ان ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص فيه: ان تبعية الوصف للعين في موارد ضمان اليد و الاتلاف مسلمة و أما في مورد ضمان المعاوضة فتبعية الوصف تتوقف علي كونه كالجزء و ستعرف انه ليس كذلك و المصنف (رحمه الله) ايضا يعترف به و كيف كان فالكلام في المقام يقع في امور الأول: ان ضمان الارش المتعارف هل هو من ضمان اليد، أو من ضمان المعاوضة، ام يكون خارجا عن الضمانين؟

و الا وجه هو الأخير، فان ضمان اليد انما يكون فيما إذا تلف و هو في يده لا

في ما إذا كان تلفا قبل ان يقع في يده كما في المقام، و ضمان المعاوضة انما يكون فيما إذا كان ذلك الشي ء مضمونا في المعاملة كالجزء و الأوصاف، و منها وصف الصحة ليست كذلك، فانها لا تقابل بالمال، و لا تكون ماخوذة في المعاملة بعنوان العوضية، و لو ضمنا، بل هي توجب زيادة قيمة الذات، ففي المعاملات تكون بمنزلة الداعي لبذل مقدار من الثمن بازاء الذات زائدا عما يبذل بازائه لولاها،

و الضمان الثابت بمقتضي قاعدة التلف في زمان الخيار، أو قبل القبض علي فرض شمول القاعدتين لتلف الوصف، انما هو فيما إذا كان التلف واردا علي المعقود عليه، و لا تشملان ما إذا كان العقد واردا علي التالف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 197

نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء، كأكثر النصوص، يوهم ارادة قيمة العيب كلها الا انها محمولة علي الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من ان البائع يرد علي المشتري، و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن (1) الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد علي الثمن في بعض الاوقات كما إذا اشتري جارية بدينارين و كان معيبها تسوي مائة و صحيحها تسوي ازيد، فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد و الاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن، فإذا بني الامر علي ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الاشياء من اهلها في اسواقها بقيمتها المتعارفة. و قد توهم بعض من لا تحصيل له ان العيب إذا كان في الثمن كان ارشه تمام التفاوت بين الصحيح

و المعيب و منشؤه ما يتراءي في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع، فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه

______________________________

الملحوظ هو التفاوت بالنسبة

الثاني: ان الارش المضمون علي البائع هل هو ما به يتفاوت الصحيح و المعيب بحسب القيمة الواقعية، أو يكون ملحوظا بالنسبة الي الثمن المسمي،

و بعبارة اخري: ان اللازم هو تدارك الوصف بقيمته الواقعية ام بقيمته التي اقدما عليها و جعلاها في المعاملة قيمة له بملاحظة منشئيّته لزيادة قيمة الذات، و هذا معني ان المراد بالتفاوت هل هو التفاوت الواقعي ام التفاوت بالنسبة،

و الكلام فيه تارة: فيما تقتضيه القواعد،

و اخري: فيما يقتضيه النص الخاص اما الأول: فقد ذكر في تقريب ان القاعدة تقتضي كون الارش بالنسبة الي المسمي وجوه:

(1) منها: ما عن جماعة منهم المصنف و هو: ان البائع قد تعهد وصف الصحة الذي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 198

ببذل تمام التفاوت و الا، فلو فرض انه اشتري عبدا بجارية تسوي معيبها اضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا و كيف كان، فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك و إن كان المتراءي من الاخبار خلافه إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه.

نعم يشكل الامر في المقام من جهة اخري و هي ان مقتضي ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع، مع انه لم يقل به احد، و يلزم من ذلك ايضا تعين اخذ الارش من الثمن مع ان ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة.

و توضيحه ان الارش لتتميم المعيب حتي يصير مقابلا للثمن لا

لتنقيص الثمن حتي يصير مقابلا للمعيب. و لذا سمي ارشا كسائر الاروش المتداركة للنقائص فضمان العيب علي هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين، لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة الي الفائت المضمون و مقابله إذ لا معني له غير ضمان الشي ء و اجزائه بعوضه المسمي و اجزائه

______________________________

له مدخل في وجود مقدار من الثمن، و التزم به بازاء المسمي المبذول في مقابل الصحيح بما هو صحيح، و مقتضي ذلك تعين الخروج عن عهدة الوصف بالمقدار الذي له دخل في المسمي لا بأزيد من ذلك.

و فيه: ان الأوصاف الاخر غير وصف الصحة دخيلة في المالية ايضا، و مع ذلك التزموا بانه لو التزم بوجود وصف صريحا في العقد، و تخلف ثبت حق الرد خاصة، و ليس ذلك الا من جهة ان الوصف غير مقابل بشي ء من الثمن المسمي، فلا وجه لثبوت ازيد من حق الرد من قبل الالتزام الضمني.

و بالجملة: الالتزام بالوصف كان هو وصف الصحة أو غيره ليس التزاما بتداركه حتي يتوهم كون عهدته عليه بمقدار دخله في المسمي.

و منها: ما في حاشية السيد الفقيه (رحمه الله) و حاصله: ان وصف الصحة كسائر الأوصاف و ان لم يكن مقابلا بالمال في عالم الانشاء الا انه مقابل به في عالم اللب، بمعني ان زيادة بعض الثمن انما هي بلحاظ الوصف، فإذا فرض تخلفه وجب علي البائع ان يغرم ما فات من المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 199

و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي ء بقيمته الواقعية، فلا اوثق من ان يقال ان مقتضي المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي ء من الثمن لأنه امر معنوي كسائر الاوصاف. و لذا لو قابل المعيب بما هو انقص منه قدرا

حصل الربا من جهة صدق الزيادة و عدم عد العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله الا ان الدليل من النص و الاجماع دل علي ضمان هذا الوصف من بين الاوصاف و كونه في عهدة البائع بمعني وجود تداركه بمقدار من الثمن يضاف الي ما يقابل بأصل المبيع لاجل اتصافه بوصف الصحة، فإن هذا الوصف كسائر الاوصاف و ان لم يقابله شي ء من الثمن، لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن (1) و عدمه، فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما كان يلاحظ من الثمن لأجله و للمشتري ايضا اسقاط هذا الالتزام عنه.

______________________________

و ما اغترم بملاحظة ذلك الوصف.

و بالجملة: ان ضمان الارش ضمان المعاوضة اللبية، و لازمه انفساخ تلك المعاملة لا المعاوضة الحسية الانشائية، و مقتضاه جواز تغريمه بما اعطاه من غير مقابل في عالم اللب و فيه: ان المعاوضة التي لم يجعل في عالم الانشاء لها مبرز لا يترتب عليها اثر من الانفساخ أو التغريم أو غيرهما.

و منها: و هو الحق، و هو: ان مقتضي الارتكاز العقلائي، و بناء العقلاء بعد ورود الدليل علي ثبوت الارش ذلك، و بعبارة اخري ان اصل ثبوت الارش و ان كان بتعبد من الشارع الا انه بعد ورود الدليل عليه، الارتكاز العرفي و بناء العقلاء علي ان الملحوظ ليس هو تفاوت الصحيح و المعيب بحسب القيمة الواقعية الذي ربما يزيد علي تمام الثمن، كما لو اشتري ما يسوي صحيحه مائتي دينار و معيبه مائة بعشرة دنانير، بل الملحوظ هو التفاوت بالنسبة الي الثمن المسمي،

و لعل السر فيه ان ثبوت الارش في المقام ليس تعبدا صرفا، فلا بد له من منشأ عقلائي، و لا وجه

عقلائي له سوي اقدام المتبايعين علي بذل مقدار من الثمن لأجل وجوده،

فعند التخلف يكون منافيا لذلك المقدار و لعله الي ذلك نظر المصنف حيث قال.

(1) لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن الي آخر ما يقيده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 200

______________________________

و أما الثاني: اي ما تقتضيه الأخبار،

فمحصل القول فيه: ان نصوص الباب علي طوائف،

و قد ادعي المصنف (رحمه الله) في كلام له قبل اسطر ظهور اغلبها في ارادة قيمة العيب كلها،

و في حاشية السيد: بل هو ظاهر جميعها،

و لكن الحق ان جملة منها مجملة قابلة للحمل علي كل واحد من المعنيين،

و جملة منها ظاهرة في ارادة ملاحظة التفاوت بالنسبة الي المسمي.

اما الاولي فهي طائفتان:

الاولي: ما اشتمل علي اخذ ارش العيب كقوله (عليه السلام) في خبر حماد بن عيسي: و له ارش العيب «1».

الثانية: ما اشتمل علي اخذ قيمة العيب كقوله (عليه السلام) في خبر محمد بن ميسر: و لكن يرجع بقيمة العيب. «2» لأن للقيمة فردين جعلي و واقعي.

و أما الثانية فهي طوائف:

الاولي: ما تضمن كلمة الرد كقوله (عليه السلام) في خبر منصور بن حازم: و لكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب. «3» فان الظاهر من الرد عدم زيادة المردود من الثمن، بل نقصانه منه،

و لو كان اللازم رد تمام قيمة العيب لزاد علي الثمن في بعض الأوقات كالمثال المتقدم.

الثانية: ما اشتمل علي كلمة الفضل كخبر طلحة بن زيد: ثمّ يرد البائع علي المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء. «4» إذ لا مناسبة لهذا التعبير الا بلحاظ ما وصل إلي البائع من الزيادة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 7.

(2) نفس المصدر حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام

العيوب حديث 3.

(4) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 201

نعم يبقي الكلام في كون هذا الضمان المخالف للاصل بعين بعض الثمن كما هو ظاهر تعريف الارش في كلام الاكثر بأنه جزء من الثمن أو بمقداره، كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة و ظاهر غيرها و الشهيدين في كتبهما وجهان: تردد بينهما في جامع المقاصد و اقواهما الثاني (1) لأصالة عدم تسلط المشتري علي شي ء من الثمن و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه، لان المتيقن من مخالفة الاصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الاقدام من المتعاقدين علي زيادته علي الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا الي اطلاق قوله (عليه السلام)

بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءي من ظاهر التعبير في روايات الارش عن تدارك العيب برد التفاوت الي المشتري،

______________________________

الثالثة: ما تضمن انه يرد بقدر العيب من الثمن، الظاهر في كون المردود بعضا من الثمن، كقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء، و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1».

و قوله (صلي الله عليه و آله) في صحيح ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها «2».

فتحصل مما ذكرناه: ان مقتضي القواعد و النصوص هو ما لا خلاف فيه بين الأصحاب من انه يلاحظ التفاوت بالنسبة إلي المسمي.

هذا الضمان انما هو بمقدار بعض الثمن لا بعينه

الثالث: ان هذا الضمان هل هو بعين بعض الثمن كما عن ظاهر الأكثر،

(1) أو بمقداره كما في المتن و عن جمع من الاساطين وجهان و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

احدهما: فيما يقتضيه الاصل و القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام

الخيار حديث 2.

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 202

الظاهر في كون المردود شيئا كان عنده اولا و هو بعض الثمن، (1) لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن الي البائع و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص (2) و من ذلك ظهر ان قوله (عليه السلام) في رواية ابن سنان. و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان فيها

______________________________

ثانيهما: فيما يستفاد من النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فالارش ليس تكليفا محضا لكونه قابلا للاسقاط،

و لا كليا ذميا إذ لا يتصور التخيير بين الرد و اشتغال الذمة،

و لا ملكا مشاعا إذ الملك لا يقبل الاسقاط،

بل هو تغريم البائع بما به التفاوت، و عليه فالشك في المقام انما هو في ان البائع يستحق التغريم من الثمن المسمي، أو بما به التفاوت مطلقا.

و علي الأول للبائع الامتناع من قبول ما دفع من غير المسمي،

و علي الثاني ليس له ذلك، فليس المقام من قبيل الدوران بين المتباينين، بل بين المطلق و المقيد، و وجوب دفع العوض عن وصف الصحة معلوم و خصوصية كونه من المسمي مشكوك فيها، و الأصل عدم اعتبارها.

(1) و أما المورد الثاني: فالنصوص علي طوائف:

الأولي: ما تضمن اخذ ارش العيب «1».

الثانية: ما تضمن اخذ قيمة العيب «2».

و هاتان الطائفتان مطلقتان، و مقتضي اطلاقهما كفاية التدارك من غير الثمن.

الثالثة: ما عبر فيه عن تدارك العيب برد التفاوت الي المشتري «3» و قد يتوهم دلالتها علي تعين كونه من الثمن، إذ ظاهر الرد كون المردود ما كان عنده اولا و هو بعض الثمن.

(2) و اجاب عنه المصنف (رحمه الله): بان هذا التعبير

وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 7.

(2) نفس المصدر حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 203

محمول علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري، (1) فإذا اشتغلت ذمة البائع بالارش حسب المشتري عند اداء الثمن ما في ذمته عليه،

______________________________

الي البائع، و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص.

يتم ما افاده، علي فرض حمله علي الغالب: فان خصوصية النقدين ملغاة عند العقلاء، بحيث يعدونها مالية محضة، فان رد فردا غير ما اخذ يصدق عرفا انه رد نفس ما اخذ،

الا ان الكلام في وجه هذا الحمل، فانه خلاف الظاهر يحتاج إلي قرينة، و عليه فبعد الاخذ باطلاقه لا مناص عن البناء علي تعين كونه من الثمن.

نعم يمكن ان يقال: ان المردود غير مذكور في النصوص المشار إليها الا في بعضها الذي سيمر عليك، و عليه فمن الجائز كون المردود هو مالية مقدار من الثمن، و عليه فيلائم ذلك مع الرد من غير الثمن بالتقريب المتقدم.

الرابعة: ما تضمن انه يرد بقدر العيب من الثمن، كقوله (عليه السلام) في خبر ابن سنان:

و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها «1».

و قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «2».

(1) و اجاب عن ذلك في المتن: بانهما يحملان علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري، فإذا اشتغلت ذمة البائع بالارش حسب المشتري عند اداء الثمن ما في ذمته عليه.

و يرد عليه ما تقدم من انه لا وجه للحمل علي الغالب.

و الحق

ان يورد عليه: بانه من المحتمل كون ذكر الثمن لبيان كون التفاوت ملحوظا بالاضافة الي الثمن المسمي لا لبيان مخرجية الثمن، فيكون مفادهما ملاحظة التفاوت بالنسبة إلي المسمي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام العيوب حديث 1.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 204

ثمّ علي المختار من عدم تعينه من عين الثمن.

فالظاهر تعينه من النقدين (1) لانهما الاصل في ضمان المضمونات الا ان يتراضي غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة، و استظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما، (2) حيث حكما في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في احد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما،

______________________________

فتحصل: ان الاظهر كون هذا الضمان بمقدار بعض الثمن لا بعينه.

يعتبر كون الارش من النقدين

الرابع: انه علي المختار من عدم تعين الارش من عين الثمن.

(1) فهل يتعين ان يكون من النقدين كما في المتن ام لا؟

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في بيان مراد المصنف (رحمه الله)

الثاني: في بيان ما هو الحق.

اما الأول: فمحصل ما في المتن: ان الظاهر تعين كونه من النقدين، لأن المضمون ليس الا المالية المحضة، و ليس في الأعيان الخارجية ما هو كذلك الا النقد،

(2) و المحقق الثاني: استظهر من كلام العلامة عدم تعين ذلك حيث انه ذكر ان احد العوضين المتخالفين في الصرف إذا كان معيبا و ظهر العيب بعد التفرق جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما.

توضيح ما افاده: ان الارش حيث انه يكون عنده تتميما للمعيب ليساوي الصحيح و تتميما للمعاوضة فلا يجوز عنده اداء النقد ارشا بعد التفرق عن مجلس الصرف، لأن تتميم

المعاملة الصرفية بعد التفرق ينافي اعتبار التقابض في المجلس، و هذا بخلاف اداء غير النقد،

فانه حينئذ تنحل المعاملة الي صرفية و غير صرفية، و التفرق في الثانية لا منع عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 205

فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية انما يرجع فيها الي النقدين، فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في احدهما (1) و يمكن رفع هذا الاشكال بأن المضمون بالنقدين هي الاموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا في الذمة و إلا بطل البيع، (2) فيما قابله من الصحيح لعدم وصول عوضه قبل التفرق و إنما هو حق لو اعمله جاز له مطالبة المال، فإذا اختار الارش من غير النقدين ابتداء و رضي به الآخر فمختاره نفس الارش لا عوض عنه.

نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه، كما ان لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام و ان لم يكن للآخر الامتناع حينئذ.

و بالجملة فليس هنا شي ء معين ثابت في الذمة الا ان دفع غير النقدين يتوقف علي رضا ذي الخيار و يكون نفس الارش بخلاف دفع النقدين، فإنه إذا اختير غير هما لم يتعين للارشية

______________________________

(1) و اورد عليه المحقق الثاني (رحمه الله) بما توضيحه: ان الغرامات تتعين في النقدين في سائر الموارد، و غرامة احد النقدين اولي بان يكون منهما، و لازم ذلك عدم امكان الأداء من غير النقدين في الفرض، لأن ما يستحقه المشتري هو النقد.

(2) و اجاب المصنف (رحمه الله) عن ذلك: بانه فرق بين الغرامة الارشية و غيرها و ان في غيرها يتعين النقد، و لو تراضيا علي غيره يكون هو بدلا عما يستحقه، و في الغرامة الارشية و ان كان يتعين النقد الا انه لو تراضيا علي غيره

كان هو عين ما يستحقه ارشا لا بد له،

و يتضح ما افاده ببيان امرين:

احدهما: انه في سائر الغرامات حيث تكون الذمة مشغولة فلا بد و ان يكون لما في الذمة تعين اما بكونه هي المالية بشرط عدم الخصوصية و لا مطابق لها الا النقد، أو كونه هي المالية بشرط الخصوصية، أو كونه هي المالية لا بشرط وجود خصوصية و لا بشرط عدمها.

و لازم الاعتبار الأول عدم كفاية غير النقد الا بدلا لعدم مطابقة بشرط شي ء لما هو بشرط لا، و أما الغرامة الارشية فقد مر انه لا تشتغل بها الذمة، فلا يلزم ان يكون لها تعين،

بل لا معني له، و حيث انه لا تعين له فيمكن ان يكون ما يتعلق به حق التغريم بشرط لا،

و هو النقد عند النزاع في الخصوصيات، و بشرط شي ء عند التراضي علي خصوصية خاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 206

ثمّ قد تبين مما ذكرنا في معني الارش انه لا يكون الا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل ان يكون مستغرقا له، (1) لأن المعيب ان لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابلة شي ء من المال بطل بيعه و إلا فلا بد من ان يبقي له من الثمن قسط. نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي ء علي صفة التملك بناء علي ان مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به، بل يأخذ المشتري ارش العيب و هو هنا مقدار تمام الثمن، لكن عدم الحاقه بالتلف مشكل، بناء علي ان العيب إذا كان مضمونا علي البائع بمقتضي قوله (عليه السلام) ان حدث في الحيوان حدث فهو من مال

البائع حتي تنقضي خياره كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع و المفروض انه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا، لعدم كونه متمولا يبذل بازائه شي ء من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث مثل هذا بعده مضمونا علي البائع الا ان يمنع ذلك و ان ضمانه علي البائع بمعني الحكم بكون دركه عليه، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا

______________________________

ثانيهما: انه لا كلام في صحة التراضي علي غير النقدين في الغرامات، و عليه: ففي غير الغرامة الارشية يكون ما تراضيا عليه بدلا عما يستحقه الثابت في الذمة.

و أما في الغرامة الارشية، فحيث انها غير ثابتة في الذمة فلا معني لكون ما تراضيا عليه بدلا، بل هو اداء عين ما يستحقه.

و بهذا البيان يظهر اندفاع ما اورده السيد الفقيه في الحاشية عليه- فراجع و تدبر كما انه ظهر ما هو الحق في المقام، و هو تعين كونه من النقدين الا مع التراضي.

الارش المستوعب لتمام القيمة

(1) الخامس: في تصور الارش المستوعب لتمام القيمة و الكلام فيه في موردين:

الأول فيما إذا ورد البيع علي المعيب.

الثاني: فيما إذا كان البيع قبل حدوث العيب و كان ذلك قبل القبض أو في زمان الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 207

الحكم لا مطلقا حتي ينفسخ العقد به، و يرجع هذا الملك الموجود الغير المتمول الي البائع، بل لو فرضنا حدوث العيب علي وجه اخرجه عن الملك فلا دليل علي الحاقه بالتلف، بل يبقي العين الغير المملوكة حقا للمشتري و إن لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد هذا الا ان العلامة قدس سره في القواعد و

التذكرة و التحرير و محكي النهاية يظهر منه الارش المستوعب في العيب المتقدم علي العقد الذي ذكرنا انه لا يعقل فيه استيعاب الارش للثمن.

قال في القواعد: لو باع العبد الجاني خطأ ضمن اقل الامرين علي رأي،

و الارش علي رأي (1) و صح البيع ان كان موسرا، و إلا تخير المجني عليه و لو كان عمدا وقف علي اجازة المجني عليه و يضمن الاقل من الارش و القيمة لا الثمن معها، (2) و للمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن أو الارش (3) فإن استوعب الجناية القيمة، فالارش ثمنه ايضا و إلا فقدر الارش (4) و لا يرجع لو كان عالما و له ان يفديه، كالمالك و لا يرجع به عليه،

______________________________

و قبل الشروع في البحث في الموردين لا بأس بشرح ما في القواعد،

(1) قوله ضمن اقل الامرين علي رأي و الارش علي رأي وجه ضمان الاقل ان زيادة الارش غير مضمونة علي المولي لان جناية العبد لا يضمنها سيده و لا يجني الجاني علي ازيد من نفسه و وجه ضمان الارش خاصة ان الاختيار بيد المولي فيكون البيع اختيارا للارش و التزاما بالفداء.

(2) قوله لا الثمن معها أي مع الاجازة، ه لصحمو انه مع اجازة المجني عليه البيع، يضمن المولي اقل الامر بن من ارش الجناية و قيمة العبد و لا يضمن الثمن إذ ربما زاد علي القيمة و الزائد ملك للمولي لانه كسب له في مقابل ماله و زيادة الارش ليست علي المولي لما سبق.

(3) قوله فيرجع بالثمن أو الارش أي لو فسخ يرجع بالثمن و لو لم يفسخ يرجع بالارش.

(4) قوله فان استوعب الجناية القيمة فالارش ثمنه ايضا و الا فقدر الارش و قد ذكروا في

بيان مراده (قدس سره) وجوها احسنها ما ذكره جمع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 208

و لو اقتص منه فلا رد و له الارش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن، انتهي.

و ذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب، و قال في اوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني و لو كان المولي معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع اولا فإن البائع انما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقي حق المجني عليه مقدما علي حق المشتري و يتخير المشتري الجاهل في الفسخ و يرجع بالثمن و به قال احمد و بعض الشافعية أو مع الاستيعاب لان ارش مثل هذا جميع ثمنه و ان لم يستوعب يرجع بقدر ارشه و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع الي ان قال: و ان اوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الارش و الرد فإن اقتص منه احتمل تعين الارش و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان و لا يبطل البيع من اصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد

______________________________

و هو ارش خيار العيب و استيفائه لتمام ما يوازي ثمنه فالمراد من ثمنه ما يوازي الثمن لا عينه.

اما الأول: فالكلام فيه تارة: في ما إذا كان النقص الوارد علي العين خارجيا موجبا لسلب المالية مع بقاء ذات المبيع كذهاب رائحة ماء الورد.

و اخري: فيما إذا كان نقصا اعتباريا من حيث تعلق حق الجناية به الموجب للاسترقاق أو القصاص أو دية كاملة مستوعبة لقيمة العبد.

اما

في الصورة الاولي: فالظاهر بطلان البيع، سواء كان ذلك النقص موجبا لسلب المالية خاصة أو ذلك مع سلبه الملكية كصيرورة الخل خمرا، إذ يعتبر في صحة البيع المالية علي ما حقق في محله.

و أما في الثانية: فالظاهر صحة البيع و عدم بطلانه و ان كان الارش مستوعبا للقيمة،

و ذلك لأن فساد العقد اما ان يكون لنقص في المالك، أو يكون لنقص في المال، و شي ء منهما ليس.

اما النقص في المالك: فلأن ما ذكر وجها له امران:

احدهما: خروج العبد عن ملك مولاه بمجرد الجناية كما عن المحقق التستري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 209

و قال أبو حنيفة و الشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند البائع فجري مجري اتلافه، انتهي.

و قال في التحرير في بيع الجاني خطأ و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد، و للمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن و ان لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت يرجع المشتري بالثمن ايضا، و ان لم تستوعب قيمته رجع بقدر الارش و لو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشي ء و لو اختار المشتري ان يفديه جاز و رجع به علي البائع مع الاذن و إلا فلا، انتهي.

______________________________

ثانيهما: ان الجناية توجب عدم مالكية المولي للتصرف فيه لتعلق حق المجني عليه به.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن ظاهر بعض «1» النصوص و ان كان ذلك الا انه معارض بظاهر غيره من الأخبار «2» و مخالف للقاعدة.

و أما الثاني: فلأن حق الجناية يتبع العين ايا ما كانت، و لا يزول بالبيع، فلا يكون مانعا عنه.

و أما النقص في المال: فقد ذكر له وجوه:

منها: خروجه

عن المالية.

و فيه: ان استحقاق الاسترقاق لا يوجب سلب المالية، فان استحقاق التملك من مقتضيات المالية، فكيف يوجب سلبها، و هل هو الا كاستحقاق الشريك لتملك حصة شريكه من المشتري و جواز القصاص جواز لاعدام المالية لا انه هدر لها،

و أما الحكم بدية كاملة فهو ليس بعنوان استحقاق مالية الجاني، بل باستحقاق ما يوازي ماليته، فلا يوجب خروجه عن المالية.

و منها: خروجه عن الملكية.

و فيه: ان النص قد مر حاله، و الحكم بالقصاص تجويز لاخراجه عن ملكه لا انه

______________________________

(1) الوسائل- باب 41- من ابواب القصاص في النفس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 210

قوله و انتزعت اما راجع الي رقبة العبد أو الي القيمة إذا باع المجني عليه واخذ قيمته و هذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته. اما ان يكون له قيمة تبذل بازائه أولا.

و علي الثاني: فينبغي بطلان البيع، (1) و لو قيل ان انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته علي البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في نفسه ان يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا.

و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه.

و بالجملة فالمسألة محل تأمل و الله العالم.

______________________________

مخرج، و لا يتوقف القصاص علي تملك المجني عليه فضلا عن حكمه، و جواز الاسترقاق لا يعقل كونه مخرجا للملك لأنه بنفسه مخرج و مزيل لها، و الحكم بالدية اوضح.

و منها: ان بذل المال بازاء العبد الجاني سفهي.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي بطلان البيع السفهي، فان الدليل «1» دل علي بطلان بيع السفيه لا

البيع السفهي.

و ثانيا: انه مع احتمال العفو أو التفدية بشي ء يسير لا يكون الاقدام علي بيعه سفهيا.

و منها: كون المال متعلقا لحق الجناية، و هو مانع عن صحة البيع.

و فيه: ان هذا الحق، حيث انه لا ينافي نفوذ البيع كما تقدم، فلا يكون مانعا عنه.

(1) فتحصل: ان الاظهر صحة البيع مع كون النقص اعتباريا و ان كان الارش مستوعبا للقيمة، و ان ما افاده العلامة متين و لا يرد عليه ما اورده المصنف (رحمه الله).

و أما الثاني: و هو حصول النقص بعد البيع قبل القبض، فعدم كونه من قبيل

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب الحجر- النساء: 6

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 211

مسألة: يعرف الارش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب (1)

ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت و إذا لم يكن القيمة معلومه فلا بد من الرجوع الي العارف بها و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند اهل البلد أو اهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا. و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة علي سائر المحسوسات من العدالة و الاخبار عن الحس و التعدد، و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته اشباه هذا الشي ء و ان لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في امثاله

______________________________

تلف المبيع الموجب لانفساخ العقد إذا كان النقص اعتباريا و ان كان الارش مستوعبا للقيمة واضح مما قدمناه،

و أما ان كان النقص خارجيا، فقد يقال: انه ان اوجب سلب المالية يكون ذلك بحكم التلف الموجب للانفساخ، فلا يتصور الارش المستوعب للقيمة.

و لكن يمكن ان يرد: بان الموجب للانفساخ

تلف ذات المبيع لا ماليته. فتدبر.

نعم ان اوجب ذلك سلب الملكية ايضا امكن القول بالانفساخ من جهة انه ليس هناك شي ء له اقباض كي يترقب قبضه، فتأمل فان هذا لو تم فانما هو في ما اوجب سلب الحق، اي حق الاختصاص ايضا، و مما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف

التقويم

(1) و يعرف الارش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب، فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت، و إذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد من الرجوع الي العارف بها،

و قد وقع الكلام في ان قول العارف من باب الشهادة أو الخبر.

و الوجوه التي ذكروها في الفرق بينهما كثيرة لا يهمّنا التعرض لها، إذ الشهادة لها معنيان:

احدهما: عام، و هو يشمل جميع موارد الخبر، و هي بهذا المعني ليست مورد الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 212

و هذا يحتاج الي الصفات السابقة (1) و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار اهل الخبرة و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف باصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة مع كون قيمة الجيد و الردي ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به انه من جنس قيمته كذا و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم و كذا القسم الأول فمرادهم بالمقوم هو الثاني.

______________________________

ثانيهما: خاص، و هو الاخبار الجازم عن حق لازم للغير من غير الحاكم، و هي بهذا المعني لا تصور في مورد الشك في صدقها. و بغير هذين المعنيين لم تؤخذ موضوعة لحكم حتي يتصدي لبيانه، فالصفح عن ذلك اولي.

ثمّ المختار علي ما حققناه في

حاشيتنا علي الكفاية حجية الخبر الواحد في الموضوعات الا ما خرج بالدليل: غاية الأمر فيما إذا كان المخبر عنه حسيا،

و ان كان حدسيا، فان كان المخبر من اهل ذلك الفن كان قوله حجة من باب حجية قول اهل الخبرة إذا عرفت هذا فاعلم: ان العارف بالقيمة تارة: يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسة اشباه هذا الشي ء و ان لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في امثاله.

و اخري: يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر، مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة.

و ثالثة: يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند اهل البلد أو اهل الخبرة،

فان اخبر عن نظره و حدسه كان قوله حجة من باب انه من اهل الخبرة و يكون مقوما.

(1) قوله و هذا يحتاج الي الصفات السابقة يعني بها التعدد و الاخبار عن الحس و العدالة و يرد عليه انه لا يعتبر في الرجوع الي اهل الخبرة التعدد و لا كون الاخبار عن حس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 213

لكن الاظهر عدم التفرقة بين الاقسام من حيث اعتبار شروط القبول و ان احتمل في غير الاول الاكتفاء بالواحد. (1) اما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد و أما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الأخذ بالاقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في اكثر المقامات. و أما لعموم ما دل علي قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الاول دون ما كان من قبيل الفتوي كالثاني لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الاشباه و الانظار و قياسه عليها حتي

انه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي ان يبذل بازائه كذا و كذا و ان لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثمّ لو تعذر معرفة القيمة لفقد اهل الخبرة أو توقفهم. ففي كفاية الظن أو الأخذ بالاقل وجهان (2) و يحتمل ضعيفا الاخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون الا به. (3)

______________________________

(1) قوله و ان احتمل في غير الاول الاكتفاء بالواحد بل الاظهر الاكتفاء بالواحد حتي في القسم الاول كما مرت الاشارة إليه.

(2) قوله ففي كفاية الظن أو الاخذ بالاقل وجهان الأوجه هو الثاني بناء علي ما هو الحق من كون الارش من باب الغرامة لا الانفساخ.

(3) و ما ذكره (رحمه الله) في وجه الاخذ بالاكثر من عدم العلم بتدارك العيب المضمون الا به و حاصله ان الشك في المقام في سقوط الحق الثابت و مقتضي الاستصحاب بقائه ما لم يؤد الاكثر غير تام فان منشأ الشك المزبور الشك في كيفية الثبوت و مع اجراء الاصل في الثبوت و اثبات ان متعلق الحق هو الاقل لا يبقي مورد للاصل المشار إليه.

تعارض المقومين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 214

مسألة: لو تعارض المقومون
اشارة

فيحتمل تقديم بينة الاقل للاصل و بينة الاكثر لانها مثبتة، و القرعة لأنها لكل أمر مشتبه، و الرجوع الي الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية، و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع،

و تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح، لكن الاقوي من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، (1) لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به، (2) فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه، فإذا قوم احدهما بعشرة، فقد قوم كلا من نصفه بخمسة، و

إذا قوم الآخر بثمانية، فقد قوم كلا من نصفه بأربعة، فيعمل بكل منهما في نصف المبيع، و قولاهما و ان كانا متعارضين في النصف ايضا، كالكل، فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين، الا ان طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر اولي في مقام امتثال أدلة العمل

______________________________

و لو تعارض المقومون ففيه وجوه، و بعضها اقوال:

(1) الاول: ما اختاره المصنف و نسبه الي معظم، و هو: وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، فإذا قوم احد المقومين بعشرة مثلا فقد قوم كلا من نصفيه بخمسة، و إذا قوم الآخر بثمانية مثلا فقد قوم كلا من نصفيه باربعة، فيعمل بكل منهما بنصف المبيع.

الثاني: تقديم بينة الأكثر.

الثالث: الرجوع الي القرعة.

الرابع: الرجوع الي الصلح.

الخامس: تخيير الحاكم.

السادس: الرجوع الي المرجحات لتعارض البينتين من الاعدلية و الأكثرية و نحوهما.

السابع: تقديم بينة الأقل.

التاسع: التساقط و الرجوع الي الأصل.

اما الأول: فقد استدل له بوجهين:

(2) احدهما: ان كلا من الدليلين حجة شرعية يلزم العمل به، فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 215

بكل بينة من طرح كلتيهما أو إحداهما رأسا. و هذا معني قولهم إن الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه أولي من طرح أحدهما رأسا.

و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة: الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما بل ما نحن فيه اولي بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالي لأن الاخذ بأحد هما كلية و ترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الالهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حق

الله سبحانه لرجوع الكل الي امتثال امر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس. فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو في الجملة. و لعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي ء من الموارد.

______________________________

و كل منهما و ان تعارض الآخر في بعض مضمونه ايضا الا ان طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر اولي في مقام امتثال ادلة العمل بكل بينة من طرح كلتيهما أو احداهما رأسا، إذ الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه اولي من طرح احد هما رأسا.

و فيه: ان المصنف (رحمه الله) قد حقق في الاصول ان قاعدة الجمع لا أساس لها، و انما يجمع بين الدليلين لو كان الجمع عرفيا، و الا فمقتضي القاعدة هو التساقط، و عليه فلا وجه لما افاده في المقام، و لا حجة في البين حتي يصدق في نصف مدلولها.

فان قلت: ان ما حققه في الاصول انما هو في الأحكام التكليفية علي الطريقية، و أما في باب الحقوق و الوضعيات التي تحدث المصلحة بسبب قيام الحجة علي الأمر الاعتباري كالملكية فلا يجري، بل حيث انه عند التزاحم لا يعقل اعتبار ملكية عين واحدة لشخصين بالاستقلال، و تقديم احدهما ترجيح بلا مرجح، و أما اعتبار ملكية نصفها لشخص و نصفها الآخر لشخص آخر فهو معقول و لا تزاحم بينهما من هذه الجهة، فلا بد من الاخذ به بداهة استحالة عدم تأثير السببين في ما لا تزاحم بينهما.

يرد عليك انه حيث يكون ما هو ملك بالاستقلال لشخص كل جزء منه ملكا له

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

216

و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق، لأن مرجع بينة النفي الي عدم وصول نظرها و حدسها الي الزيادة، فبينة الاثبات المدعية للزيادة سليمة (1) و اخري بان الجمع فرع عدم اعتضاد احدي البنيتين بمرجح و اصالة البراءة هنا مرجحة و للبينة الحاكمة بالاقل.

و ثالثة: بأن في الجمع مخالفة قطعية و ان كان فيه موافقة قطعية لكن التخيير الذي لا يكون فيه الا مخالفة احتمالية اولي منه و يندفع الاول بأن المفروض ان بينة النفي تشهد بالقطع علي نفي الزيادة واقعا، و ان بذل الزائد في مقابل المبيع سفه و يندفع الثاني بما قررناه في الاصول من ان الاصول الظاهرية لا تصير مرجحة للادلة الاجتهادية

______________________________

من جهة الانحلال لا انه ملك اشاعي له مع فرض عدم الشريك له في الملك،

فالبينتان متعارضتان حتي بالنسبة الي كل جزء، فان كلا منهما تدل علي ان العين بتمامها و باجزائها ملك استقلال لمن تثبت الملكية له، و أما النصفان علي الاشاعة و ان لم تكن البينتان متعارضتين بالاضافة اليهما، الا انهما ليسا مدلولي البينتين كي يقال انهما غير متزاحمتين فيهما الثاني: ان التنصيف جمع بين الحقين فيجب رعاية لهما.

و فيه: ان التنصيف فيما إذا كان حق ثابت مردد بين الشخصين كالمال المردد بين ان يكون لزيد أو عمرو لا كلام فيه، و عليه بناء العقلاء، و يستفاد من بعض «1» النصوص، و يعبر عنه بقاعدة العدل و الانصاف، و هذا لا ربط له بالمقام، فان الزائد عما اتفق عليه المقومان يدور امره بين الاستحقاق و عدمه لا استحقاق البائع و استحقاق المشتري فلا مورد للتنصيف من باب الجمع بين الحقين لعدم الموضوع.

(1) و استدل للثاني: بانه

لا تعارض بين البينتين، لان مرجح بينة النفي الي عدم وصول نظرها و حدسها الي الزيادة، فبينة الاثبات المدعية للزيادة سليمة.

و فيه: ان بينة الأقل تشهد بالقطع علي عدم الزيادة واقعا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب احكام الصلح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 217

بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق احدهما للاصل، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

و الحاصل ان بينة الزيادة تثبت امرا مخالفا للاصل و معارضتها بالأخري النافية لها لا توجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي و الاثبات في النصفين و يندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية الغير المشتملة علي المخالفة القطعية علي الموافقة القطعية المشتملة عليها. انما هو في مقام الاطاعة و المعصية الراجعتين الي الانقياد و التجري

______________________________

و استدل للثالث: بعموم ادلة القرعة، «1» اما لتشخيص الواقع، أو لتشخيص الدليل،

و بخصوص بعض ما ورد من النصوص في تعارض البينات الامر بالرجوع الي القرعة الشامل باطلاقه للمقام كصحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا علي امر و جاء آخران فشهدا علي غير الذي شهدا و اختلفوا قال (عليه السلام): يقرع بينهم فايهم قرع فعليه اليمين و هو اولي بالحق. «2» و نحوه غيره.

و لكن يرد علي الأول منهما: ان القرعة مختصة بموارد عدم تشخيص الحكم و لو مع الأصل، اما لاختصاص موضوع الأدلة بذلك أو لتخصيصها بادلة الاصول و الامارات،

و عليه ففي المقام بما ان مقتضي اصالة البراءة عدم استحقاق الزائد، فلا وجه للرجوع الي القرعة،

مع ان دليل القرعة مختص بما إذا كان هناك حق ثابت، و

في المقام ثبوته غير معلوم كما تقدم.

و يرد علي الثاني: انه مختص بمورد الحكومة كما هو واضح، فلا وجه للتعدي.

و استدل للرابع: بان كلا من المتبايعين متشبث بحجة ظاهرية، و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب كيفية الحكم كتاب القضاء.

(2) الوسائل- باب 12- من ابواب كيفية الحكم حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 218

حيث ان ترك التجري اولي من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام احقاق حقوق الناس فإن مراعاة الجميع اولي من اهمال احدهما رأسا و ان اشتمل علي اعمال الآخر إذ ليس الحق فيهما لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه ثمّ ان قاعدة الجمع حاكمة علي دليل القرعة لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع فهما سببان مؤثر ان بحكم الشارع في حقوق الناس فيجب مراعاتها و اعمال اسبابها بقدر الامكان إذ لا ينفع توفية حق واحد مع اهمال حق الآخر رأسا علي النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع،

______________________________

و فيه: ان مجرد عدم امكان الحلف- مع ان مقتضي الأصل عدم الاشتغال بالزائد- لا دليل علي كونه سببا لوجوب الصلح.

و استدل للخامس: بامتناع الجمع و فقد المرجح.

و فيه: اولا: انه لا ينحصر الكلام بمورد التنازع و الخصومة.

و ثانيا: انه لا وجه لتخيير الحاكم بعد عدم كون الواقع كذلك قطعا.

و استدل للسادس: بالنصوص «1».

و فيه: انها مختصة بصورة النزاع و الترافع الي الحاكم، و لا دليل علي التعدي.

و استدل للسابع: بان اصالة البراءة مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل.

و فيه: ان الأصل لا يصلح مرجحا للدليل لكونه في طوله.

فتحصل: ان الأظهر هو القول الثامن و هو التساقط و

الرجوع الي الأصل، و هو يقتضي عدم الاشتغال بالزائد.

فان قلت: انك بنيت في الاصول علي ان الأصل في تعارض الامارات هو التخيير لا التساقط، فكيف لا تلتزم به في المقام؟

قلت: ان ذلك فيما يمكن فيه التخيير، و في المقام لا يصح، إذ لا معني لتخيير البائع و المشتري معا كما لا يخفي، و ترجيح احدهما بلا مرجح.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كيفية الحكم كتاب القضاء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 219

ثمّ ان المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب. (1)

ثمّ يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح و بين المأخوذ للمعيب و يؤخذ بتلك النسبة فإذا كان احدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الاخري ستة و احدي قيمتي المعيب اربعة و الاخري اثنين (2) اخذ للصحيح تسعة و للمعيب ثلاثة و التفاوت

بالثلثين فيكون الارش ثلثي الثمن. و يمكن ايضا علي وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بأن تعمل في نصفه بقول المثبت للزيادة. و في نصفه الآخر بقول النافي فإذا قومه احداهما باثني عشر و الاخري بثمانية اخذ في نصف الاربعة بقول المثبت و في نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع و المشتري

______________________________

طريق تحصيل التفاوت بين القيمتين

(1) المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح، فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلاث ثلثهما، و من الأربع ربعهما، و هكذا في المعيب، ثمّ يلاحظ النسبة بين المأخوذ للمعيب، و يؤخذ بتلك النسبة.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: في بيان مورد الكلام.

الثاني: في بيان الطريقين المذكورين للجمع.

الثالث: في بيان ان الطريقين هل يختلفان ام

لا.

الرابع: في بيان الصحيح منهما.

اما الأول: فمورد الكلام صورة التعارض، و الا فلو كان ما به التفاوت علي كل من القولين هو النصف مثلا فهو خارج عن محل الكلام لعدم التعارض لمكان اتحاد النتيجة بالنسبة الي المسمي.

و بذلك يظهر ان المثال الأول الذي ذكره المصنف (رحمه الله) و هو.

(2) ما إذا كان احدي قيمتي الصحيح اثنتي عشر و الاخري ستة، و احدي قيمتي المعيب اربعة و الاخري اثنتين خارج عن محل الكلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 220

لكن الاظهر هو الجمع علي النهج الأول و يحتمل الجمع بطريق آخر و هو ان يرجع الي البينة في مقدار التفاوت و يجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم و هذا منسوب الي الشهيد (قدس سره) علي ما في الروضة.

و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت الصحيح و المعيب علي قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الاول، و قد يختلفان كما إذا كانت احدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الاخري ثمانية و قيمة المعيب علي الاول عشرة و علي الثاني خمسة.

فعلي الأول: يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح اعني العشرة و نصف قيمتي المعيب و هو سبعة و نصف. فالتفاوت بالربع، فالارش ربع الثمن اعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر.

و علي الثاني: يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب علي احدي البينتين بالسدس و علي الاخري ثلاثة اثمان و بنصف المجموع اعني ستة و نصفا من اثني عشر جزءا و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع و قد كان في الاول ثلاثة و قد ينقص عن الاول كما إذا اتفقا علي ان قيمة المعيب ستة. و

قال احداهما قيمة الصحيح ثمانية، و قال الاخري عشرة.

فعلي الأول: يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما تسعة و نسبته الي الستة بالثلث.

و علي الثاني: يكون التفاوت علي إحدي البينتين ربعا و علي الاخري خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين، فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس.

توضيح هذا المقام ان الاختلاف اما ان يكون في الصحيح فقط، مع اتفاقهما علي المعيب، و أما ان يكون في المعيب فقط، و أما ان يكون فيهما، فان كان في الصحيح فقط كما في المثال الاخير فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت ان الملحوظ علي طريق المشهور نسبة المعيب الي مجموع نصفي قيمتي الصحيح المجعول قيمة منتزعة و علي الطريق الآخر نسبة المعيب الي كل من القيمتين المستلزمة لملاحظة اخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 221

و المفروض في هذه الصورة ان نسبة المعيب الي مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه الي كل من النصفين لأن نسبة الكل الي الكل تساوي نسبة نصفه الي كل من نصفي ذلك الكل و هو الاربعة و النصف في المثال لا إلي كل من النصفين «البعضين» المركب منهما ذلك الكل كالأربعة و الخمسة بل النصف المنسوب الي احد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبة مغايرة لنسبته الي البعض الآخر، اعني الخمسة و هكذا غيره من الامثلة.

و ان كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين ابدا،

لأن نسبة الصحيح الي نصف مجموع قيمتي المعيب علي ما هو طريق المشهور مساوية لنسبة نصفه الي نصف احداهما و نصفه الآخر الي نصف الأخري كما إذا اتفقا علي كون

الصحيح اثنا عشر، و قالت احداهما المعيب ثمانية و قالت الاخري ستة فإن تفاوت السبعة و الاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثنا عشر و الستة مع الاثنا عشرا لأولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع. و هذا بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر و ان اختلفا في الصحيح و المعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب (1) علي كلا البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه احداهما صحيحا باثني عشر و معيبا بستة و قومه الاخري صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين اعني التسعة تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الاربعة و نصف عين نصف تفاوتي الاثنا عشر مع الستة و الستة مع الثلاثة.

______________________________

فان التفاوت علي التقديرين بالثلثين. و كذا المثال الذي ذكره تحت عنوان قوله:

(1) و ان اختلفا في الصحيح و المعيب فان اتحدت النسبة … الخ،

و هو ما إذا قوم احداهما الصحيح باثني عشر و المعيب بستة، و قوم الاخري الصحيح بستة و المعيب بثلاثة، فان التفاوت علي التقديرين بالنصف كما صرح به،

و الظاهر ان منشأ اشتباه المصنف (رحمه الله) عبارة الجواهر حيث ذكر المثالين في آخر الصورة الاولي من الصور الثلاث التي ذكرها لبيان اتحاد الطريقين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 222

و الحاصل ان كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين و ان اختلفت النسبة، فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان و قد تقدم مثالهما في اول المسألة.

ثمّ ان الاظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب الي الشهيد (قدس سره)

وفاقا للمحكي عن ايضاح النافع حيث ذكر ان طريق المشهور ليس بجيد، و لم

يذكر وجهه و يمكن ارجاع كلام الاكثر إليه كما سيجي ء. و وجه تعين هذا الطريق ان اخذ القيمة من القيمتين علي طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين علي الطريق الثاني.

اما للجمع بين البينتين باعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا و أما لأجل ان ذلك توسط بينهما لأجل الجمع بين الحقين بتنصيف ما به التفاوت نفيا و اثباتا علي النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع احدهما المردد بينهما من عند الودعي و لم تكن هنا بينة تشهد لاحدهما بالاختصاص بل و لا ادعي احدهما اختصاصه بالدرهم الموجود.

فعلي الأول فاللازم و ان كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح و المعيب كما فعله المشهور بأن يجمع الاثنا عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم و يؤخذ نصف احداهما قيمة نصف المبيع صحيحا و نصف الأخري قيمة للنصف الآخر منه، و لازم ذلك كون تمامه بعشرة و يجمع قيمتا المعيب أعني العشرة و الخمسة و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما. و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدي القيمتين أعني العشرة إلي المجموع من نصف الأخري أعني سبعة و نصفا، كما نسب إلي المشهور لانه إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة الي كل من النصفين صحيحا و معيبا واخذ الارش لكل نصف علي حسب تفاوت صحيحه و معيبه. فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح الا باعتبار ان نصفه مقوم بستة و نصفه الآخر باربعة، و كذا السبعة و

النصف ليست قيمة لمجموع المعيب الا باعتبار ان نصفه مقوم بخمسة و نصفه الآخر باثنين و نصف، فلا وجه لأخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف بل لا بد من اخذ تفاوت ما بين الاربعة و الاثنين و نصف لنصف منه و تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر.

و توهم ان حكم شراء شي ء تغاير قيمتا نصفيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 223

حكم ما لو اشتري بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا و معيبا بأن اشتري عبدا و جارية باثني عشر فظهرا معيبين و العبد يسوي اربعة صحيحا و اثنين و نصفا معيبا و الجارية يسوي ستة صحيحة و خمسة معيبة فإنه لا شك في ان اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة و معيبة اعني العشرة و السبعة و النصف واخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثني عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه.

مدفوع بأن الثمن في المثال لما كان موزعا علي العبد و الجارية بحسب قيمتهما فإذا اخذ المشتري ربع الثمن ارشا فقد اخذ للعبد ثلاثة اثمان قيمته و للجارية سدسها،

كما هو الطريق المختار لأنه اخذ من مقابل الجارية اعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد اعني اربعة و اربعة اخماس ثلاثة اثمان و هو واحد و اربعة اخماس، فالثلاثة التي هي ربع الثمن منطبق علي السدس و ثلاثة اثمان، بخلاف ما نحن فيه، فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة امر واحد، و هو نصف الثمن، فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد في

المثال المفروض بثمن مساو للآخر، بأن اشتري كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد أو عقدين، فلا يجوز حينئذ اخذ الربع من اثني عشر بل المتعين حينئذ ان يؤخذ من ستة الجارية سدس و من ستة العبد اثنان و ربع، فيصير مجموع الارش ثلاثة و ربعا

______________________________

و أما الثاني: فمحصل طريقة المشهور ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح، و مجموع قيمتي المعيب، و ملاحظة نسبة المجموع الي المجموع، و الاخذ من الثمن بتلك النسبة. فإذا قوم احداهما الصحيح بستة، و الاخري باربعة، و قوم الاولي المعيب باثنين، و الاخري بثلاثة،

يلاحظ نسبة الخمسة الي العشرة، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة و هي النصف.

و نسب الي الشهيد (رحمه الله) طريق آخر، و هو: الرجوع الي البينة في مقدار التفاوت،

و بجمع بين البينات فيه، من غير ملاحظة القيم، فالشهيد علي نصف مجموع الكسرين،

و المشهور علي الكسر بين القيمتين المنتزعتين.

و أما الثالث: فتارة: تتحد قيمة الصحيح و تختلف قيمة المعيب، و اخري: تتحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 224

و هو المأخوذ في المثال المتقدم علي الطريق الثاني.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب. و ان لم يذكر و القيم، هذا كله إذا كان مستند المشهور في اخذ القيمة الوسطي العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع. و أما إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين علي ما ذكرنا أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة علي حد سواء فالمتعين الطريق الثاني ايضا، سواء شهدت البينتان بالقيمتين ام شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب.

اما إذا شهدتا بنفس التفاوت، فلأنه إذا شهدت احداهما بأن التفاوت بين الصحيح

و المعيب بالسدس و هو الاثنان من اثني عشر و شهدت الاخري بأنه بثلاثة اثمان و هو الثلاثة من ثمانية زدنا علي السدس ما تنقص من ثلاثة اثمان و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس، و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثني عشر ثلاثة و ربع، كما ذكرنا سابقا،

______________________________

قيمة المعيب و تختلف قيمة الصحيح، و ثالثة: تختلف كل من القيمتين.

اما في الصورة الاولي: فالظاهر هي المطابقة الدائمية بين الطريقين، إذ قيمة الصحيح إذا كانت واحدة، و الكسر و ان كان يختلف باختلاف قيمة المعيب، لكن الكسرين متساو ان النسبة الي كل نصف من الصحيح لفرض تساوي النصفين في القيمة، فمجموع الكسرين قهرا هو كسر مجموع النصفين، فلا فرق بين ان يلاحظ الكسرين و يضافان الي الواحد،

و بين ان يلاحظ قيمتي الصحيح و المعيب، و يلاحظ الكسر الواحد.

و أما في الصورة الثانية: فالظاهر هو عدم المطابقة دائما، نفرض توافقهما علي ان قيمة المعيب ستة، و احداهما تقول: ان قيمة الصحيح عشرة، و الاخري تقول: انها ثمانية، لازم ما افاده المشهور من ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح و هي ثمانية عشر، و ملاحظة مجموع قيمتي المعيب و هي اثنتا عشر، و ملاحظة نسبة المجموع الي المجموع، هو كون التفاوت بالثلث، و لازم ما افاده الشهيد (رحمه الله) و هو الرجوع الي البينة في مقدار التفاوت و الجمع بين البينات فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 225

و ان شهدت البينتان بالقيمتين، فمقتضي الجمع بين حقي البائع و المشتري في مقام اعطاء الارش واخذه تعديل قيمتي كل من الصحيح و المعيب بالزيادة و النقصان بأخذ قيمة نسبته الي المعيب دون نسبة القيمة الزائدة و فوق

نسبة الناقصة فيؤخذ من الاثني عشر و العشرة من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب نسبة احداهما الي الاخري يزيد علي السدس بما ينقص من ثلاثة اثمان فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما علي المعيب بسدس و نصف سدس و ثمن سدس.

و من هنا يمكن ارجاع كلام الاكثر الي الطريق الثاني بأن يريدوا من اوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منها من حيث نسبتهما الي قيمة الآخر، فيكون مرادهم من اخذ قيمتين للصحيح و المعيب قيمة متوسطة من حيث نسبة احداهما الي الاخري بين اقوال جميع البينات المقومين للصحيح و الفاسد، و ليس في كلام الاكثر انه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة، و كذلك قيم المعيب ثمّ تنسب احدي القيمتين المنتزعين الي الاخري.

______________________________

هو كون التفاوت بنصف الخمسين الذين هما ما به التفاوت لإحداهما، و هي ما تعين قيمة الصحيح عشرة، و نصف الربع الذي هو ما به التفاوت للأخري، و هي ما تعين قيمته ثمانية،

فيؤخذ من الثمن خمس و ثمن، و هذا اقل من الثلث، فلو كان الثمن اثني عشر لازم ما افاده المشهور الاخذ من الثمن اربعة، و لازم ما افاده الشهيد (رحمه الله) الاخذ منه ثلاثة و نصف. فتدبر.

و أما في الصورة الثالثة: فيظهر الحال فيها مما تقدم، و هو عدم المطابقة دائما.

و أما الرابع فالأظهر انه بناء علي الالتزام بالجمع يتعين اختيار طريقة الشهيد (رحمه الله)، إذ مدرك الجمع اما لزوم الجمع بين الحقين، أو لزوم العمل بالبينتين، و علي التقديرين يتعين ما ذهب إليه الشهيد (رحمه الله).

اما علي الأول: فلأن الحق يدور امره بين كل من التفاوتين: اي الربع و النصف مثلا،

فلا وجه لملاحظة قيمتي

الصحيح و المعيب و انتزاع قيمة متوسطة، ثمّ ملاحظة كسر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 226

قال في المقنعة: فإن اختلف اهل الخبرة عمل علي اوسط القيم و نحوه في النهاية.

و في الشرائع حمل علي الأوسط و بالجملة، فكل من عبر بالاوسط يحتمل ان يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد، هذا مع ان المستند في الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم يكن بينة اصلا لكن علمنا من الخارج ان قيمة الصحيح اما هذا و أما ذلك، و كذلك قيمة المعيب و لم نقل حينئذ بالقرعة و الاصل، فاللازم الاستناد في التنصيف الي الجمع بين الحقين علي هذا الوجه.

و قد عرفت ان الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين المحتملتين و الله العالم.

القول في الشروط التي يقع عليها العقد (1) و شروط صحتها و ما يترتب علي صحيحها و فاسدها

______________________________

تلك القيمة.

و أما علي الثاني: فلأن الرجوع الي البينتين انما هو لتعيين ما به التفاوت، و انما التعارض بينهما في ذلك و هو مورد الأثر، فلا بد من الجمع بينهما في ذلك، و لا فرق في ذلك بين كون البينة قائمة ابتداء علي ما به التفاوت من دون تعرض لقيمتي الصحيح و المعيب، أو كونها قائمة علي القيمتين، و يكون ما به التفاوت مدلولها الالتزامي.

القول في الشروط
اشارة

(1) فصل: في الشروط المذكورة في متن العقد، و التي بناء العقد عليها.

لا إشكال في أن عقد البيع قابل للشروط و إن لم يقبل التعليق، و ستعرف الفرق بينهما،

و كيف كان فالشرط جائز إجماعا كما عن التذكرة و القواعد و غيرهما، و عن الغنية نفي الخلاف فيه بين المسلمين،

و النصوص «1» المتواترة شاهدة به، نذكر في المقام جملة منها تيمنا.

لاحظ النبوي: الشرط جائز بين المسلمين «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار، و باب 15 من ابواب بيع الحيوان، و باب 4 من ابواب المكاتبة و غيرها.

(2) الخلاف ج 2 ص 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 227

______________________________

و صحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، و لا يجوز علي الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز و جل «1» و صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز «2».

و خبر اسحاق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما «3».

و صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن الشرط في الاماء لا تباع و لا تورث و لا توهب، فقال عليه السلام: يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث، و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد «4».

و مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشتري جارية و شرط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب قال (عليه السلام) يفي بذلك إذا شرط لهم «5» الي غير ذلك من النصوص الكثيرة، و سيمر عليك الاستدلال بالكتاب أيضا له.

حقيقة الشرط

و تنقيح القول فيها بالبحث في مقامات:

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) الوسائل باب 15 من ابواب بيع الحيوان حديث 1.

(5) نفس المصدر

حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 228

الشرط يطلق في العرف علي معنيين (1) احدهما المعني الحدثي و هو بهذا المعني مصدر شرط فهو شارط للامر الفلاني و ذلك الامر مشروط و فلان مشروط له أو عليه.

______________________________

أي النزاع في معني الشرط و حقيقته- في الشروط الابتدائية، فانه لو شملها الشرط بما له من المعني كانت لازم الوفاء: لإطلاق الدليل، و الا فلا.

لا يقال: انه لا يجب الوفاء بها اجماعا و ان صدق عليها الشرط فلا فائدة في هذا النزاع.

فانه يرد: بان هذا الاجماع بما أنه ليس تعبديا، و لعل مدرك المجمعين عدم صدق الشرط عليها، فلا يصلح لتقييد اطلاق الدليل.

و قد ذكروا في مقام بيان معني الشرط عرفا و لغة امورا،

و هي: الالزام و الالتزام اما في البيع و نحوه كما عن القاموس، أو مطلقا و إليه يرجع ما في حاشية السيد من أنه جعل الزامي أي الجعل المستلزم للالزام، و العهدة، و العلامة،

و مطلق الربط، و التعليق.

(1) و المصنف (رحمه الله) ذهب الي ان له معنيين عرفيين: احدهما: الالزام و الالتزام،

و الثاني: ما يلزم من عدمه العدم،

و أن له معنيين اصطلاحين أحدهما: ما يستعمل في ألسنة النحاة و هي الجملة الواقعة تلو أداة الشرط ثانيهما: ما يستعمل في ألسنة أهل المعقول.

و الحق أن له معني واحدا و هو: الربط و التعليق، و استعماله في جميع الموارد انما يكون في ذلك المعني.

توضيح ذلك: أن الشرط- بالتحريك- بمعني العلامة، و الدون و الرذل، و الشريف،

و جمعه أشراط، و من ذلك اشراط الساعة أي علاماتها، و أشراط الغنم أي رذالها، و أشراط الناس أي أشرافهم.

و أما الشرط- بالسكون- و جمعه شروط فهو بحسب المتفاهم العر في ليس مطلق

الالزام، و لذا يصدق علي ايجاب عمل علي شخص، و لا علي مطلق الجعل و الاثبات، بل المنساق الي الذهن منه هو تقيد أمر بآخر اما واقعا أو بجعل جاعل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 229

و في القاموس انه الزام الشي ء و التزامه في البيع و غيره، (1) و ظاهره كون استعماله في الالزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح، لكن لا إشكال في صحته لوقوعه في الاخبار كثيرا مثل قوله (صلي الله عليه و آله) في حكاية بيع بريرة (2) ان قضاء الله احق و شرطه اوثق و الولاء لمن اعتق

______________________________

(1) و ما في القاموس و غيره من مصاديق هذا المعني العام،

كما أن اطلاقه في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب أداة الشرط- انما يكون من هذا الباب، فإن المقدم أما أن يكون شرطا واقعيا أو جعليا للجزاء كما أن اطلاقه في ألسنة أهل المعقول علي جزء من أجزاء العلة من هذا الباب.

و بالجملة للشرط معني واحد، و اطلاقه في جميع الموارد من ذلك الباب، و هو: تقيد أمر بآخر. غاية الأمر أن هذا التقيد و الربط قد يكون تكوينيا كربط احراق النار بالمحاذاة.

و قد يكون مجعولا بجعل تشريعي كجعل الطهارة شرطا للصلاة، و قد يكون مجعولا بجعل المتعاملين و ليس له معني آخر.

و بذلك ظهر أن الشرط بهذا المعني لا يصدق علي الشروط الابتدائية، و هو واضح.

و قد استند المصنف (رحمه الله) في شموله لها الي اطلاقه عليها في موارد:

(2) منها: قوله صلي الله عليه و آله و سلم في حكاية بيع بريرة: ان قضاء الله احق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق، «1» فإنه أطلق الشرط علي ما جعله الله تعالي ابتداء من

أن الولاء للمعتق خاصة.

و فيه: أولا: أن إطلاق الشرط عليه إنما هو من جهة أن الولاء مقيد بحسب

______________________________

(1) ليس في النصوص المروية من طرقنا إلا قوله (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن أعتق راجع الوسائل باب 52 من ابواب نكاح العبيد

و الاماء، و باب 73 من أبواب كتاب العتق، و غيرها من كتب الحديث، نعم من طرق العامة ما تضمن الجملة بتمامها، و عن

دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) عنه (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن أعتق و شرط الله آكد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 230

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرد علي مشترط عدم التزوج بامرأة اخري في النكاح ان شرط الله قبل شرطكم. (1)

و قوله ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري، (2) قلت: و في غيره قال هما بالخيار حتي يفترقا.

و قد اطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض اخبار الشرط في النكاح (3)

______________________________

الجعل الإلهي بالعتق.

و ثانيا: أنه يمكن أن يكون الاستعمال مجازيا للمشاكلة، نظير قوله تعالي: (فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) «1» مع أن المجازاة ليست من الاعتداء.

(1) و منها: قول امير المؤمنين (عليه السلام) في الرد علي مشترط عدم التزوج بامراة اخري في النكاح: شرط الله قبل شرطكم «2» و الجواب عنه ما تقدم في سابقه.

(2) و منها: قوله ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري «3».

و فيه: أن الاطلاق فيه إنما هو باعتبار ارتباط العقد بالخيار، غاية الأمر الخيار مجعول من الشارع للمتعاقدين.

(3) و منها: انه اطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض اخبار النكاح،

و الظاهر أن نظره الي خبر منصور بن يونس بزرج عن العبد الصالح (عليه السلام) قال:

قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثمّ طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك،

فكيف يصنع؟ فقال (عليه السلام): بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المؤمنون عن شروطهم، «4» فإنه لا شرط إلا ما جعله لله عليه و هو إما نذر أو عهد

______________________________

(1) البقرة: 191.

(2) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 5.

(4) الوسائل- باب 20 من ابواب المهور حديث- 4 كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 231

و قد اعتراف في الحدائق بأن اطلاق الشرط علي البيع كثير في الاخبار. (1)

و أما دعوي كونه مجازا، فيدفعها مضافا الي اولوية الاشتراك المعنوي و إلي ان المتبادر من قوله شرط علي نفسه كذا ليس الا مجرد الالتزام استدلال الامام (عليه السلام)

بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي اطلق فيه الشرط علي النذر أو العهد و مع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به. و لعله لم يلفت الي الاستعمالات التي ذكرناها و الا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها.

ثمّ قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا فيطلق علي نفس المشروط كالخلق بمعني المخلوق فيراد به ما يلزمه الانسان علي نفسه.

الثاني: ما يلزم من عدمه العدم، من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود اولا

______________________________

لا الي خبر ابن سنان المروي «1» في الحاشية، فإنه ليس فيه ما يتوهم كونه نذرا

أو عهدا، و لا يكون مذيلا بقول رسول الله (صلي الله عليه و آله): المؤمنون عند شروطهم.

و فيه: أن إطلاق الشرط ليس باعتبار أنه نذر أو عهد، بل باعتبار إناطة التزويج عليها بذلك الالتزام المؤكد.

(1) و منها: اطلاق الشرط علي البيع في كثير من الاخبار و فيه: أنه لم يستعمل الشرط في البيع في شي ء من الاخبار، فإن الأخبار التي ادعي صاحب الحدائق إطلاق الشرط فيها علي البيع إنما اطلق فيها ذلك باعتبار أنه قد التزم كون المبيع موصوفا بوصف خاص الذي هو التزام في ضمن البيع.

لاحظ: صحيح الحلبي: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسلم في وصف أسنان معلومه و لون معلوم ثمّ يعطي دون شرطه أو فوقه، فقال (عليه السلام): إذا كان عن طيبة نفس منك و منه فلا بأس «2» و نحوه غيره.

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور حديث 6 كتاب النكاح.

(2) الوسائل- باب 9- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 232

و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر، فليس فعلا و لا حدثا (1) و اشتقاق المشروط منه ليس علي الاصل كالشارط، و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال، (2) بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب، فعلم من ذلك ان الشرط في المعنيين نظير الامر بمعني الشي ء و أما استعماله في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب ادوات الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من افادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعني الثاني، كما ان استعماله في السنة اهل المعقول و الاصول، فيما يلزم من عدمه العدم، و لا يلزم من وجوده الوجود،

مأخوذ من ذلك المعني. الا انه اضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب، فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين (3) لا يحمل عليهما الاطلاقات العرفية بل هي مرددة بين الاوليين، فان قامت قرينة علي ارادة المصدر الاول أو علي ارادة الجامد تعين الثاني و إلا حصل الاجمال.

______________________________

قال المصنف (رحمه الله) بعد ما ذكر المعني الثاني للشرط و هو ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده الوجود أولا:

(1) و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر فليس فعلا و لا حدثا و فيه: أن ضابط كون المعني اشتقاقيا: كون المبدأ صالحا و قابلا للقيام بشي ء بأحد أنحاء القيام، و عنوان ما يلزم من عدمه العدم و إن لم يكن صالحا لذلك إلا أن المبدأ فيه و هو استلزام شي ء لشي ء صالح لذلك، و هذا يكفي في كونه اشتقاقيا.

(2) و ما ذكره من عدم التضايف في الفعل و الانفعال بينه و بين المشروط يرد عليه: أن المشروط مضايف للشرط بالمعني الوصفي، و لا يعتبر في التضايف أن يكون مضايف ما هو علي هيئة المفعول هو هيئة الفاعل، مع أن المشروط بمعني المشروط فيه لا يكون مضائفا للشارط، و هو بما له من المعني و هو نفس المشروط مضايف له،

(3) قوله فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين قد عرقت ان له معني واحد، في العرف، و اللغة، و الاصطلاح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 233

و ظهر ايضا ان المراد بالشرط في قولهم صلوات الله عليهم المؤمنون عند شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا. اما مستعملا في معناه اعني الزاما علي انفسهم و أما

مستعملا بمعني ملتزماتهم. و أما بمعني جعل الشي ء شرطا بالمعني الثاني بمعني التزام عدم شي ء عند عدم آخر، و سيجي ء الكلام في ذلك. و أما الشرط في قوله ما الشرط في الحيوان قال: ثلاثة ايام للمشتري قلت: و ما الشرط في غيره؟ قال:

البيعان بالخيار حتي يفترقا. و قوله الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أو لم يشترط، فيحتمل ان يراد به ما قرره الشارع و الزمه علي المتبايعين أو احدهما من التسلط علي الفسخ فيكون مصدرا بمعني المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع، و يحتمل ان يراد به الحكم الشرعي المقرر و هو ثبوت الخيار و علي كل تقدير ففي الاخبار عنه بقوله ثلاثة ايام مسامحة، نعم في بعض الاخبار في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام و لا يخفي توقفه علي التوجيه (1)

______________________________

الكلام في شروط صحة الشرط
اشارة

و هي امور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها احدها ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف، (2) فيخرج ما لا يقدر العاقد علي تسليمه الي صاحبه سواء كان صفة لا يقدر علي العاقد علي تسليم العين موصوفا بها

(1) قوله و لا يخفي توقفه علي التوجيه و الوجه فيه انه ليس في الحيوان شرط ثلاثة ايام بل شرط خيار ثلاثة ايام فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه و لكن قد مران المراد بالشرط هو الخيار فلا حاجة الي التقدير و عليه فما في الحاشية من ان في العبارة سقطا فان المناسب ان يقول لا يخفي عدم توقفه علي التوجيه متين.

اعتبار دخول الشرط تحت القدرة

الكلام في شروط صحة الشرط، و هي امور.

(2) احدها ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف فيخرج ما ليس بمقدور كصيرورة الزرع سنبلا. كذا طفحت كلماتهم به و لكن بما أن القدرة و عدمها اللتين هما من قبيل العدم و الملكة تختصان بالأفعال،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 234

مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الامة و الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا،

أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا كما مثل به في القواعد.

لكن الظاهر ان المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا (1) و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته، كأفعال الله سبحانه

______________________________

و لا تتعلقان بالأعيان الخارجية و الأوصاف، و هذا البحث لا يختص بالأفعال،

فالأولي التعبير بأن يكون ما يشترط تحت سلطانه و استيلائه،

فيعم الأوصاف، فإنه يسلط علي الوصف بسلطنته علي العين.

و كيف كان فتنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: فيما إذا كان الشرط فعلا.

الثاني: ما إذا كان وصفا.

الثالث: ما إذا كان من شروط

النتيجة.

أما الاول فلا كلام فيما إذا كان الفعل لأحد المتعاقدين و مقدورا له،

و الكلام إنما هو في غير ذلك من أقسامه أعم من، فعل محال من المشروط عليه، أو فعل الغير، أو فعل الله تعالي.

(1) قوله لكن الظاهر ان المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا قد تكرر في كلماتهم المثال للشرط غير المقدور بذلك و المراد من جعل الزرع سنبلا اما جعل الله تعالي كما صرح به الشهيد.

أو جعل المشروط عليه كما هو صريح جامع المقاصد و ظاهر الشرائع.

أو جعل الاعم من الله و من المشروط عليه كما صرح به صاحب الجواهر و علي فرض كون الثاني مرادا ليس المراد به كون المشروط عليه مفيض الوجود أو كونه مجري الفيض إذ لا يخطر شي ء منهما ببال المتعاملين بل المراد اعداد المقدمات المؤدية الي ذلك.

و حيث ان بعضها خارج عن تحت قدرته فهو شرط غير مقدور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 235

لاعن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه، لأن الالزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء، (1) و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء، و الاتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز و الصحة بعيد عن شأن الفقهاء.

لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الاجارة و الجعالة، مع ان اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة. (2)

نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في المستقبل و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه امر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم بل اولي بالاشتراط من الوصف الخالي الغير المعلوم

تحققه،

ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا، و الغرض الاحتراز عن ذلك.

و يدل علي ما ذكرنا تعبير اكثر هم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا أو لصيرورتهما كذلك، و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و إيناعها و حمل الدابة فيما بعد و وضع الحامل في وقت كذا و غير ذلك.

______________________________

(1) و ما افاده المصنف (رحمه الله): من ان الالزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء، و الإتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز بعيد عن شأن الفقهاء يرد عليه: أن الشرط حقيقته ربط العقد بشي ء كما اعترف به، فكما أن العقلاء يربطون عقودهم بفعل الغير علي ما صرح به كذلك يربطونها بالمحال.

و بالجملة لا كلام في عدم لزوم الوفاء بالشرط المحال، إنما الكلام في أنه هل يصح ربط العقد به أم لا بحيث يثبت للمشروط له الخيار مع عدم تحققه؟

و الأظهر جواز ذلك.

(2) قوله مع ان اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة يتم ذلك إذا كان المراد به السائغ الشرعي- و أما إذا كان المراد اعم منه و مما يسوغ عقلا فلا يتم فان المحال ايضا سائغ عقلا و لم يرد فيه منع شرعي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 236

و قال في القواعد يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع سنبلا، و البسر تمرا، قال الشهيد (رحمه الله) في محكي حواشيه علي القواعد أن المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا، لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته، انتهي.

لكن قال في الشرائع و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره،

كبيع الزرع علي ان يجعله سنبلا و الرطب علي ان يجعله تمرا، انتهي. و نحوها عبارة التذكرة لكن لا بد من ارجاعها الي ما ذكر، إذ لا يتصور القصد من العاقل الي الالزام بهذا الممتنع العقلي، اللهم الا ان يراد اعمال مقدمات الجعل علي وجه توصل إليه مع التزام الايصال، فاسند الجعل الي نفسه بهذا الاعتبار، فافهم. (1)

و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا الي عدم الخلاف فيه (2) عدم القدرة علي تسليمه (3) بل و لا علي تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به، لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق

______________________________

(1) قوله فافهم الظاهر انه اشارة الي انه ان اريد باعمال المقدمات اعمالها بقيد الايصال كان من الممتنع العقلي فهو كرّ علي ما فر- و ان اريد به اعمالها بالمقدار المقدور لم يكن من شرط غير المقدور.

و قد استدل لعدم الجواز و اعتبار كون الشرط مقدورا بوجوه:

(2) احدها: الاجماع و فيه أولا: أن المخالف موجود و هو الشيخ و القاضي و غيرهما.

و ثانيا: أنه لمعلومية مدرك المجمعين و لا أقل من احتمال استنادهم الي بعض ما سيأتي- لا يعتمد عليه.

(3) ثانيها: ما عن العلامة (رحمه الله) و هو ان الشارط لا يقدر علي التسليم اي تسليم متعلق الشرط، بل البيع إذا قيد به، و القدرة علي التسليم معتبرة.

و فيه: أن مدرك اعتبار القدرة علي التسليم لزوم الغرر من عدمها كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 237

و لا يناط بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر في العقد (1) لارتباطه بما لا وثوق بتحققه. و لذا نفي الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط استنادا علي عدم القدرة علي تسليم المبيع، كما يظهر

بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة.

______________________________

(1) و في المقام ان ادعي انه يلزم الغرر في البيع،

فيرده: أن الشرط التزام في الالتزام لا أنه من قيود المبيع، و يكون التزام واحد متعلقا بالمبيع و الشرط و إن ادعي لزوم الغرر في الشرط،

فيرده أولا: النقض بما إذا كان الشرط فعل المشترط عليه مع كونه اختياريا إذا لم يوثق بحصوله.

و ثانيا: أن الشرط الذي حقيقته ربط الالتزام بالوفاء بالعقد به، و ثبوت الخيار عند عدمه لا يلزم من عدم القدرة عليه الغرر و الخطر.

ثالثها: لزوم الغرر من عدم القدرة، و قد عرفت ما فيه:

رابعها: لزوم اللغوية و السفاهة.

و فيه: اولا أن مجرد ذلك لا يوجب البطلان، فإن الباطل معاملة السفيه لا المعاملة السفهية.

و ثانيا: أنه مع ربط العقد به و تعليق اللزوم عليه لا يلزم اللغوية و السفاهة.

خامسها: ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) و هو أن الشرط أعد لنقل ما يصح نقله بسائر العقود و ما لا يصح نقله بها، فلا بد و أن يكون مملوكا للشارط و إلا فهو من قبيل: وهب الأمير ما لا يملك.

و فيه: أنه في الشرط ليس تمليك و تملك، بل ربط للعقد به، و أنه مع عدمه للشارط الخيار، فالأظهر عدم اعتبار القدرة.

و أما المورد الثاني، و هو ما إذا كان الشرط وصفا، فإن كان واثقا بوجوده كان الوصف حاليا استقباليا صح بلا تأمل، فإنه لا غرر و لا محذور آخر،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 238

و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا، للفرق بينهما بعد الاجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف

الحالي، (1) و لو لم يعلما به، فاشتراط كتابة

العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه به، أو بهذا المقدار يرتفع الغرر، بخلاف ما سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل علي البناء علي تحققه. و قد صرح العلامة، فيما حكي عنه ببطلان اشتراط ان يكون الامة تحمل في المستقبل، لأنه غرر عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل،

و بجواز الفسخ إذا لم يتحقق، و ظاهر هما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق، فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط

______________________________

(1) و الا فقد فصل المصنف (رحمه الله): بين الحالي و الاستقبالي و حكم ببطلان الثاني للزوم الغرر دون الأول، للإجماع، و لأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف الحالي، و بهذا المقدار يرتفع الغرر لكون ذلك بمنزلة التوصيف.

و فيه: أولا: أنه لو كان البناء كافيا فلم لا يلتزم به في الاستقبالي؟

و ثانيا: أن لازمه البطلان مع عدم البناء في الوصف الحالي.

و ثالثا: أنه يستلزم ثبوت معنيين للشرط، أحدهما: البناء علي تحقق الشرط،

و الآخر عدمه.

و الحق هو التفصيل بينهما، و البناء علي الصحة في الاستقبالي، و البطلان في الحالي.

أما الصحة في الأول، فلأن المبيع حين ما يقع البيع عليه معلوم ذاتا و وصفا فلا غرر فيه، و لا يعتبر العلم بالأوصاف الي الأبد، و الشرط قد تقدم أن الجهل به من حيث هو لا يوجب الغرر.

و أما البطلان في الثاني، فلأن الجهل بالوصف الحالي موجب لكون المبيع مجهولا و غرريا فيبطل لذلك لو لا الإجماع علي الصحة علي ما ادعاه المصنف (قدس سره).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 239

و يمكن توجيه كلام الشيخ بارجاع اشتراط

الحمل في المستقبل الي اشتراط صفة حالية موجبة للحمل، فعدمه كاشف عن فقدها. و هذا الشرط و ان كان للتأمل في صحته مجال (1) الا ان ارادة هذا المعني تخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف.

ثمّ ان عدم القدرة علي الشرط تارة لعدم مدخليته فيه اصلا، كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا، (2) و اخري لعدم استقلاله فيه، كاشتراط بيع المبيع من زيد، فإن المقدور هو الايجاب فقط لا العقد المركب، فإن اراد اشتراط المركب،

فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه علي زيد قال لو اشترط بيعه علي زيد، فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الامضاء و العدم إذ تقديره بعه علي زيد إن اشتراه،

انتهي.

و لا اعرف وجها للاحتمال الأول إذ علي تقدير ارادة اشتراط الايجاب فقط قد حصل الشرط و علي تقدير ارادة اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان، الا ان يحمل علي صورة الوثوق بالاشتراء، فاشتراط النتيجة بناء علي حصولها بمجرد الايجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط، و عليه يحمل قوله في التذكرة و لو اشترط علي البائع اقامة كفيل علي العهدة، فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت للمشتري الخيار، انتهي.

______________________________

(1) قوله و ان كان للتامل في صحته مجال لعل وجهه ان ذلك من الشروط التي لا منفعة معتد بها فيها و عدم ذلك من شروط صحة الشرط كما سيأتي فانتظر.

(2) و أما المورد الثالث و هو ما إذا كان الشرط من شروط النتيجة فان كان مما يكفي في تحققه كل سبب و لو كان هو الشرط. لا كلام في صحته، و إن

كان مما يتوقف علي سبب خاص، فإن كان الشرط تحققه عن سببه لا كلام في صحته أيضا إذا كان سببه مقدورا، و إن كان تحققه من دون السبب بطل، لكونه خلاف الكتاب و السنة، و بذلك يظهر ما في كلام المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 240

و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا علي سبب خاص، (1) بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير ان يراد من ذلك ايجاد الاسباب. اما لو اراد ايجاد الاسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا اشكال، و لو شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة، فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.

الثاني: ان يكون الشرط سائغا في نفسه، (2) فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم. (3) و يدل عليه ما سيجي ء من قوله: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا احل حراما أو حرم حلالا، فإن الشرط إذا كان محرما كان اشتراطه و الالتزام به إحلالا للحرام، و هذا واضح لا إشكال فيه.

______________________________

(1) قوله و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية … سبب خاص قد عرفت ان شرط حصول الغاية ما بين ما هو مقدور و ما لا يصح لكونه مخالفا للكتاب و السنة لا لكونه غير مقدور.

اعتبار كون الشرط سائغا

(2) قوله الثاني ان يكون الشرط سائغا في نفسه في الحاشية لا يخفي ان هذا الشرط راجع الي الشرط الرابع فلا وجه لعده مستقلا الظاهر ان وجه عده مستقلا ما افاده (رحمه الله) بقوله.

(3) لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم فانه يؤول الي اجتماع الوجوب و

الحرمة في شي ء واحد و ان لم يكن دليل علي اعتبار عدم المخالفة للكتاب و ان شئت قلت انه يقع التعارض بين دليل وجوب الوفاء بالشرط مع دليل ذلك الحرام فيتساقطان فلا دليل علي نفوذ هذا الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 241

الثالث: ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا، أو بالنظر الي خصوص المشروط له، (1) و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات.

و قد صرح جماعة بان اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين، أو ميزان معين،

من افراد المتعارف لغو. سواء في السلم و غيره، و في التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه، و لا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، و الوجه في ذلك ان مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له، حتي يتضرر بتعذره، (2) فيثبت له الخيار

______________________________

اعتبار أن يكون فيه غرض عقلائي

(1) الثالث: ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء و قد استدل لاعتبار هذا الأمر بوجوه:

(2) الاول: ما في المتن و تبعه غيره، و هو: ان شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا يزيد به المالية لا يعد حقا للمشروط له علي المشروط عليه حتي يتضرر بتعذره.

و بعبارة اخري: أن الحق من الاعتبارات العقلائية كالملكية، و اعتبار استحقاق ما لا غرض عقلائي فيه من العقلاء خلف، و حيث لا حق عند العقلاء فلا موقع لوجوب الوفاء،

كما لا موقع للخيار عند تخلفه.

و فيه: ان كون شي ء حقا لشخص آخر لا يتوقف علي الغرض العقلائي بعد عموم دليل الشرط له.

و بعبارة اخري: أن مدرك نفوذ الشرط و ثبوت الخيار عند تخلفه أن كان هو بناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع عنه،

أو كان حديث لا ضرر «1»

تم ما ذكر،

و إلا فلا يتم، إذ عموم المسلمون عند شروطهم «2» يشمل كل شرط جعله العاقل علي نفسه، و لا مخصص لعمومه

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 5- 4- 3.

(2) الوسائل- باب 6- من أبواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 242

أو يعتني به الشارع، فيوجب الوفاء به (1) و يكون تركه ظلما، فهو نظير عدم امضاء الشارع لبذل المال علي ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء، و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه. (2)

و من هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط ان لا يأكل الا الهريسة، و لا يلبس الا الخز و لو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ و الحلي من تعلق الغرض المعتد به، لجواز بيعه علي المسلم و الكافر، و لاستغراق اوقاته بالخدمة و من ان الإسلام يعلو و لا يعلي عليه، و الاغراض الدنيوية لا تعارض الاخروية و جزم بذلك في الدروس و بما قبله العلامة (قدس سره).

______________________________

و عدم التضرر بتعذره لا يمنع من ذلك،

كما أن عدم كونه موردا لاعتبار العقلاء، لعدم كونه حقا- لا يصلح للمانعية، مع أن عدم اعتبارهم ممنوع:

ثانيها: ما في حاشية المحقق الاصفهاني (رحمه الله) و هو انصراف دليل الشرط عما لا غرض عقلائي فيه.

و فيه ان الانصراف المقيد للإطلاق هو ما أوجب عدم صدق الموضوع بنظر العرف،

و في المقام يصدق الشرط علي ذلك بلا كلام.

ثالثها: أن مقدارا من الثمن يقع بإزاء الشرط، فمع عدم كونه متعلقا لغرض عقلائي يكون بذل المال بإزائه من قبيل الأكل بالباطل فلا يجوز.

و فيه: أن الثمن لا يقع شي ء منه بإزاء الشرط.

(1) رابعها: ما في المتن ايضا و هو

ان الشارع لا يعتني بما لا غرض عقلائي فيه ليوجب الوفاء به.

و فيه: أن الشارع الأقدس بما أنه رئيس العقلاء لا يوجب الوفاء ابتداء بما ليس فيه غرض عقلائي، إلا أنه لو التزم العاقل علي نفسه العمل به لا مانع من امضائه له و إيجابه الوفاء به كما هو مقتضي إطلاق الدليل،

فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد.

(2) قوله و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 243

الرابع: ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة، (1) فلو اشترط رقية حر أو توريث اجنبي كان فاسدا، لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي ء. نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بأدلة الوفاء، بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل علي عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة، لكنه مما لا يرتاب في ضعفه.

و تفصيل الكلام في هذا المقام و بيان معني مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف علي ذكر الاخبار الواردة في هذا الشرط، ثمّ التعرض لمعناها، فنقول ان الاخبار في هذا المعني مستفيضة بل متواترة معني.

______________________________

إن كان الشاك غير الشارط يبني علي الصحة حملا لفعل المسلم عليه،

و إن كان هو الشارط يحمل علي الصحيح، لعموم المسلمون عند شروطهم، فإنه و إن كان المورد من موارد الشبهة المصداقية إلا أن المخصص علي فرض وجوده بما أنه غير لفظي لا يمنع عن التمسك بالعموم فيه،

اعتبار عدم مخالفة الشرط للكتاب و السنة

(1) الرابع من الشروط: ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة و إلا كما لو اشترط توريث أجنبي فسد لأن اشتراط ما يخالف الكتاب و السنة اشتراط لما لا يسوغ لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغها شي ء و اعتبار هذا الشرط مما اتفق

عليه النص و الفتوي، و النصوص الدالة «1» عليه مستفيضة أو متواترة، لاحظ: ما تقدم. و سيأتي طرف منها. و إليك طرف منها في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و باب 13 و 18 من ابواب مقدمات الطلاق، و باب 22 من ابواب موانع الارث، و باب

20 و 29 و 38 من ابواب المهور، و باب 15 من ابواب بيع الحيوان إلي غير تلكم من الأبواب المتفرقة في الكتب، و في كثير منها

دلالة علي لزوم الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 244

ففي النبوي المروي صحيحا عن ابي عبد الله (عليه السلام): من اشترط شرطا سوي كتاب الله عز و جل، فلا يجوز ذلك له و لا عليه

، و المذكور في كلام الشيخ و العلامة (رحمه الله)

المروي من طريق العامة قوله (صلي الله عليه و آله) في حكاية بريرة لما اشتراها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها

ما بال اقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز و جل، فهو باطل قضاء الله احق و شرطه اوثق،

و الولاء لمن اعتق.

و في المروي موثقا عن امير المؤمنين (عليه السلام) من شرط لامرأته شرطا، فليف به لها. فإن المسلمين عند شروطهم، الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما.

و في صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله، فهو مردود.

و في صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل، فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما «مما» وافق كتاب الله.

و في صحيحته الاخري: المؤمنون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز.

و في رواية محمد

بن قيس عن ابي جعفر (عليه السلام) فيمن تزوج امرأة و اصدقها و اشترطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة و وليت حقا ليست اهلا له، فقضي ان عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنة

و في معناها مرسلة ابن بكير عن ابي عبد الله (عليه السلام) و مرسلة مروان بن مسلم الا ان فيهما عدم جواز هذا النكاح.

و في رواية ابراهيم بن محرز قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قال لامرأته امرك بيدك فقال (عليه السلام): اني يكون هذا و قد قال الله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء.

و عن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل، و شرط عليها و علي اهلها ان تزوج عليها،

أو هجرها، أو اتي عليها سرية، فهي طالق، فقال (عليه السلام) شرط الله قبل شرطكم، ان شاء وفي بشرطه، و ان شاء امسك امرأته و تزوج عليها و تسري و هجرها ان اتت بسبب ذلك، قال الله تعالي: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنيٰ وَ ثُلٰاثَ)، و قال: (احل لكم مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ و اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية

،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 245

ثمّ الظاهر ان المراد بكتاب الله هو ما كتب الله علي عباده من احكام الدين و ان بينه علي لسان رسول (صلي الله عليه و آله) (1) فاشتراط ولاء المملوك لبائعه، انما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعني، لكن ظاهر النبوي و احدي صحيحتي ابن سنان

______________________________

و تحقيق القول في المقام إنما هو بالبحث في جهات.

الأولي: أن الموجود في أغلب النصوص مخالفة الكتاب، و في بعضها

مخالفة السنة،

و في المرسل المروي عن الغنية الجمع بينهما، و المراد من السنة معلوم،

إنما الكلام في المراد من الكتاب، فقد ذهب المصنف (رحمه الله) و تبعه جمع الي.

(1) ان الظاهر ان المراد به ما كتبه الله تعالي علي عباده و ان بينه بلسان نبيه (صلي الله عليه و آله)

و بعبارة أخري: أن المراد كتابه التشريعي في مقابل كتابه التكويني.

و أورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله): بأنه إن أراد بالظهور الظهور الابتدائي، فهو ممنوع.

و إن أراد به الظهور الثانوي بقرينة عد اشتراط ولاء المملوك لغير المعتق مخالفا للكتاب، مع أنه لا آية في الكتاب تدل علي ذلك،

ففيه: أن الامام (عليه السلام) لعله عرف موقع استفادة ذلك من كلام الله، فإنه الخبير بمواقع استفادة الأحكام من القرآن.

و فيه: أن مراده بحسب الظاهر هو الثاني،

و يرد علي ما أفاده: أن الخبر متضمن للتوبيخ علي أنه مع كون الشرط مخالفا للكتاب كيف اشترطوها!؟ و من الواضح أن ما لا طريق لعامة الناس إليه لا يمكن أن يجعل ميزانا لشروطهم، و يوبخهم علي ما خالفه، و علي هذا فيكون المراد بالكتاب هو الكتاب التشريعي لا القرآن.

و يمكن أن يقال: إن المراد به هو القرآن، و لكن ما خالف السنة يكون مخالفا له بتقريب: أنه في القرآن أمر باتباع النبي (صلي الله عليه و آله) و المعصومين (عليهم السلام) فإذا عينوا وظيفة مخالفتها تكون مخالفة للكتاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 246

اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط، (1) و ان ما ليس فيه أو لا يوافقه،

فهو باطل و لا يبعد ان يراد بالموافقة عدم المخالفة، نظرا الي موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات الغير المحرمة في النفس

و المال،

فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعني، (2)

______________________________

الثانية: أن المستفاد من النصوص نفوذ كل شرط لم يخالف كتاب الله،

(1) و قد يتوهم ان جملة منها تدل علي اشتراط موافقة الكتاب في صحة الشرط و أن ما ليس فيه أولا يوافقه فهو باطل،

و هي علي ما صرح به المصنف (رحمه الله) النبوي من شرط لامرأته شرطا سوي كتاب الله عز و جل لم يجز ذلك عليه و لا له «1».

و صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام): و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله «2».

و عليه وقع الكلام في أن المدار علي المخالفة و عدمها أو علي الموافقة و عدمها نظرا الي إمكان الواسطة بين المخالفة و الموافقة.

و لكن يمكن منع دلالة الخبرين علي اختصاص النفوذ بالموافق،

أما النبوي، فلأن الظاهر من لفظ سوي كون الحكم في الكتاب و كون الشرط سوي ذلك، و هذا عين المخالفة.

أما الصحيح، فلأن الظاهر من الصحيح كون هذه الجملة منه مسوقة لبيان إبطال الشرط المخالف الذي تضمنه صدر الحديث،

مع أنه علي فرض دلالتهما علي ذلك يمكن منع الواسطة من جهة عدم اختصاص الموافقة لخصوص الكتاب، بل تعم الموافقة لعام من عموماته، و ليس مورد لا يكون المشترط مخالفا إلا و هو موافق له كما نبه عليه المصنف (رحمه الله)

(2) و عليه فالمراد بالموافق نفس الموافق لا غير المخالف علي ما افاده

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب مقدمات الطلاق حديث 1.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 247

ثمّ ان المتصف بمخالفة الكتاب، (1) اما نفس المشروط و الملتزم، ككون الاجنبي وارثا و عكسه، و كون الحر أو ولده رقا، و ثبوت الولاء

لغير المعتق و نحو ذلك، و أما ان يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري و التزوج علي المرأة ليس مخالفا للكتاب، و إنما المخالف الالتزام به، فإنه مخالف لإباحة التسري و التزوج الثابتة بالكتاب.

و قد يقال ان التزام ترك المباح لا ينافي اباحته، فاشتراط ترك التزوج و التسري لا ينافي الكتاب، فينحصر المراد في المعني الاول.

و فيه ان ما ذكر لا يوجب الانحصار، فإن التزام ترك المباح، و ان لم يخالف الكتاب المبيح له، الا ان التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له، فيكفي هذا مصداقا لهذا المعني،

______________________________

(1) الثالثة: في ان المتصف بالمخالفة هل هو الشرط نفسه و هو الالتزام أو الشرط بالمعني المفعولي؟ و المصنف (رحمه الله) اختار أن المراد هو الجامع بينهما.

و الحق أن المراد به خصوص الالتزام، و ذلك لوجوه:

أحدها: ظهور الشرط في نفسه في ذلك.

ثانيها: أن المخالفة إنما تكون بين المتجانسين و لا مناسبة بين الحكم الشرعي و الملتزم به، فلا يتصف الملتزم به بكونه مخالفا للحكم و إن اتصف بكونه مخالفة له بخلاف الالزام و الالتزام، فإنهما من سنخ الأحكام، و يمكن فرض المخالفة بينهما و بين الحكم.

ثالثها: أن في بعض النصوص أسند الوفاء الي الشرط، «1» و معلوم أنه يستند الي نفس الالتزام، و لا يستند الي الملتزم به، و لا يقال ف بخياطة الثوب بخلاف بالالتزام به.

رابعها: أن في بعض النصوص حمل عنوان الباطل علي الشرط، «2» و بديهي أن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 248

مع ان الرواية المتقدمة الدالة علي كون اشتراط ترك التزوج و التسري مخالفا للكتاب، مستشهدا عليه بما دل من الكتاب علي اباحتهما،

كالصريحة في هذا المعني، (1) و ما سيجي ء من تأويل الرواية بعيد، مع ان قوله (عليه السلام) في رواية اسحاق ابن عمار: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر. بل صريح في فعل الشارط، (2) فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم و الاحلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع، و اصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة.

______________________________

الفعل لا يتصف به و لا يقال: أن خياطة الثوب باطلة بخلاف الالتزام.

(1) خامسها: انه في النبوي اسند الجواز الي الشرط، و المراد به بقرينة تعديه ب.

علي) مضافا الي ظهوره في نفسه- هو الجواز الوضعي، إذ الجواز التكليفي لا يتعدي ب.

علي) و لا يقال: إن شرب الماء مباح لفلان علي فلان و لو كان الحكم ضررا عليه بخلاف الجواز الوضعي و النفوذ، و معلوم أنه لا معني لكون الملتزم به جائزا بهذا المعني، بخلاف الالتزام.

(2) سادسها: النصوص المتضمنة لاستثناء الشرط المحرم و المحلل: «1» فان المحرمية و المحللية وصفان للالتزام دون الملتزم به، فإن فعل الحرام ليس محللا للحرام، بل هو فعل الحرام، بخلاف التزام الشارط بفعله فإنه تحليل له، و هناك قرائن اخر.

و بالجملة ظهور النصوص بملاحظة القرائن المشار إليها في أن المراد بالشرط هو الالتزام- مما لا ينبغي إنكاره.

فالمتحصل من هذه النصوص أن الالتزام إذا كان مخالفا للكتاب كالالتزام بحرمة ما حلله الشارع. أو حلية ما حرمه، أو ثبوت الولاء لمن جعل الله تعالي الولاء لغيره، أو كون الأجنبي وارثا أو نحو ذلك لا يكون نافذا، و أما إذا لم

يكن الالتزام مخالفا له و كان الملتزم به مخالفا فهو غير مشمول لهذه النصوص.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 249

ثمّ ان المراد بحكم الكتاب و السنة، الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له: (1) هو: ما ثبت علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.

توضيح ذلك: ان حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه (2) و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه، و لازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم،

و بين ثبوت حكم آخر له، إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع. و مثال ذلك اغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها، حيث ان تجويز الفعل و الترك انما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك، كأكل اللحم، فإن الشرع قد دل علي اباحته في نفسه، بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف علي تركه، أو امر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له

______________________________

نعم إذا كان الملتزم به فعل الحرام أو ترك الواجب يمكن ان يقال: إن الشارع الأقدس أمر بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و نهي عن الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف، و عليه فالإلزام بما حرمه و بترك ما أوجبه بنفسه مخالف للكتاب، و هذا بخلاف الالزام بفعل المباح أو تركه.

لا يقال: إنه في خبر العياشي عد من الشرط المخالف للكتاب: شرط ترك التزوج و التسري، مستشهدا له بما دل من الكتاب علي إباحتهما «1».

فانه يقال: إنه لا بد من حمل الخبر علي أن مورده شرط عدم ثبوت سلطنة الزوج علي التزوج و التسري، و هذا

خلاف الكتاب المثبت للسلطنة في المقامين.

(1) الرابعة: في بيان المراد من الحكم الذي يعتبر عدم مخالفة الشرع معه المصنف (رحمه الله) لما التزم بشمول الشرط للملتزم به كغيره أشكل عليه الأمر في شرط فعل المباح الذي لا إشكال في نفوذه، مع أنه مخالف للكتاب بهذا المعني و قد التجأ الي تقسيم الحكم الي قسمين:

(2) احدهما: ما يثبت للشي ء مع قطع النظر عن عروض عنوان آخر لذلك الموضوع

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 250

إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده. و قد يثبت له لامع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه، (1) و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له. و هذا نظير اغلب المحرمات و الواجبات.

فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع الا عن بعض العنوانات كالضرر و الحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج إذا عرفت هذا فنقول: الشرط إذا ورد علي ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، إذ المفروض انه لا تنافي بين حكم ذلك الشي ء في الكتاب و السنة، و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به. و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة. (2)

______________________________

مثال ذلك: المباحات و المستحبات و المكروهات، حيث إن تجويز الفعل و الترك إنما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طرو عنوان كالشرط يوجب المنع عن الترك أو الفعل.

(1) ثانيها: ما يثبت

له لامع تجرده عن ملاحظة العنوانات الطارئة كأغلب الواجبات و المحرمات.

(2) ثمّ افاد انه إذا ورد الشرط علي ما كان من قبيل الاول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان مخالفا للكتاب، و هذا هو الفارق بين شرط فعل الحرام أو ترك الواجب، و بين شرط فعل المباح أو تركه.

و فيه: إن ما أفاده (رحمه الله) ثبوتا أمر ممكن، و لكن في مقام الأثبات لا دليل عليه، بل الدليل علي خلافه، فإن لسان دليل الحرام متحد مع لسان دليل المباح و المكروه، فان كان للأول إطلاق كان للثاني أيضا و الا فلا، و لكن علي ما حققناه تنحل هذه العويصة بلا حاجة الي هذه التكلفات.

توضيحه: أن المشروط إما أن يكون من الأحكام الخمسة أو من الاعتباريات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 251

و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاول، (1) كترك التزوج و ترك التسري، فإنهما مباحان من حيث انفسهما، فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة، كالحلف و الشرط و امر السيد و الوالد، و حينئذ فيجب اما جعل ذلك الخبر كاشفا

______________________________

أو من الأعمال فعلا أو تركا، فان كان من الأحكام التكليفية كاشتراط وجوب شي ء أو حرمته أو إباحته و هو غير متصف بذلك كان هذا شرطا مخالفا للكتاب و السنة و غير نافذ و إن كان من الاعتباريات، فتارة يكون ذلك مجعولا للشارع ابتداء من دون تسبيب من المكلف إليه ككون شخص وارثا أو ثابتا له الولاء، و اخري يكون تسبيبيا.

فإن لم يكن تسبيبيا كان شرطه من دون أن يكون مجعولا شرعا كوارثية الأجنبي و ثبوت الولاء لغير المعتق و سلطنة المرأة علي

الطلاق و نحو تلكم- مخالفا للكتاب.

و إن كان تسبيبيا فإن كان الشرط هو اعتبار الشارع لم يكن نافذا: لانه خارج عن تحت القدرة، و إن كان هو ذلك الأمر في اعتبار الملتزم، فإن كان الشارع جعل له سببا خاصا كما في الطلاق كان شرطه لاعن سببه مخالفا للكتاب، و إلا فلا،

و إن كان من الأعمال فإن كان ذلك فعل حرام أو ترك واجب كان مخالفا للكتاب،

و هو ما دل علي لزوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و النهي عن الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف، مع أنه شرط غير سائغ الذي مر عدم نفوذه.

و إن كان فعل المباح أو المكروه، أو ترك المستحب أو المباح- كان نافذا و لم يكن مخالفا للكتاب.

قال المصنف بعد تقسيمه الحكم الي القسمين، و التزامه بأن المخالف للمشروع هو ما يخالف الثاني:

(1) و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاول و الظاهر أن نظره الشريف الي ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة و شرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق،

فقضي في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم فإن شاء وفي لها بما اشترط و ان شاء امسكها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 252

عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط و ان كان في انظارنا نظير ترك اكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطرو عنوان التحريم، لكن يبعده استشهاد الامام (عليه السلام) لبطلان تلك الشروط باباحة ذلك في القرآن و هو في معني اعطاء الضابطة لبطلان الشروط و أما الحمل علي ان هذه

الافعال مما لا يجوز وقوع الطلاق عليها (1) و انها لا توجب الطلاق، كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة، إذ الكتاب دال علي اباحتها و انها مما لا يترتب عليه حرج و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل، و يشهد لهذا الحمل، و ان بعد، بعض الأخبار

______________________________

و اتخذ عليها و نكح عليها «1».

و ما رواه محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) و هو بمضمون الأول، إلا أن في ذيله استدل الامام (عليه السلام) بآيات ثلاث، مبيحة للتزوج و التسري و الهجران إن أتت بسبب ذلك «2»

و قريب منهما غيرهما «3».

و هذا الايراد كما يرد علي ما أختاره المصنف (رحمه الله) يرد علي المختار و هو أن شرط فعل المباح ليس مخالفا للكتاب.

و في المقام يشكل الأمر من ناحية اخري أيضا و هي: أنه في هذا المورد يدل خبر منصور بزرج عن عبد صالح (عليه السلام) فيمن يتزوج و يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها: قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المؤمنون عند شروطهم) 4 (علي الجواز.

فمورد الكلام أمر ان:

أحدهما: في وجه امتياز هذا المباح عن سائر المباحات.

ثانيهما: في الجمع بين الأخبار المتعارضة.

(1) و المصنف (رحمه الله): حمل الاخبار المانعة علي ان هذه الافعال مما لا يجوز تعلق وقوع

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور كتاب النكاح حديث 1، و بمضمونه خبر ابن سنان في ذلك الباب.

(2) الوسائل- باب 20- من ابواب المهور حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 253

الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام، مثل رواية منصور بن يونس قال: قلت لأبي

الحسن (عليه السلام): ان شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها، فبانت منه فأراد مراجعتها، فقالت له المرأة لا و الله لا أتزوجك ابدا حتي يجعل الله لي عليك ان لا تطلقني و لا تتزوج علي، قال و قد فعل؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك، قال: بئس ما صنع ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل و النهار، ثمّ قال اما الآن فقل له فليتم للمرأة شرطها، فإن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: المسلمون عند شروطهم. فيمكن حمل رواية محمد بن قيس علي ارادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط، فتأمل. (1)

______________________________

الطلاق عليه، و أنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة.

و فيه: أن خبر محمد بن مسلم من جهة ما فيه من التمسك بالآيات الثلاث المرخصة للامور المذكورة كالصريح في أن الشرط هو، ترك التزوج، و التسري، و الهجر،

(1) و الظاهر انه الي هذا نظر المصنف (رحمه الله) في امره بالتأمل و ربما يقال: إنه يحمل الأخبار المانعة علي كون الإباحة في هذه الامور لا تقبل التغير بالشرط.

و لكن يرد عليه: مضافا الي استشهاد الامام (عليه السلام) لبطلان الشرط بإباحة تلكم في القرآن و هو في معني إعطاء الضابطة لبطلان الشرط- أنه يجدي في امتياز هذا المباح عن سائر المباحات لا في الجمع بين الأخبار المتعارضة.

و الحق أن يقال: إن الأخبار المانعة محمولة علي ما لو كان الشرط عدم السلطنة علي التزوج و التسري و الهجر، و الخبر الدال علي الجواز محمول علي اشتراط ترك الزواج خارجا،

و إن قيل: إن هذا تبرعي لا شاهد له،

يتعين أن يلتزم بالتخصيص، و أن شرط المباح نافذ إلا في هذا المورد،

أو

يطرح خبر الجواز، لأشهرية معارضه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 254

ثمّ انه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي الي القسمين المذكورين و ان المخالف للكتاب هو الشرط الوارد علي القسم الثاني لا الأول، و إنما الاشكال في تمييز مصداق احدهما عن الآخر في كثير من المقامات، (1) منها كون من احد ابويه حر رقا، (2) فإن ما دل علي انه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه، بمعني ان الولد ينعقد لو خلي و طبعه تابعا لأشرف الابوين، فلا ينافي جعله رقا بالشرط في ضمن عقد، و ان يراد به ان ولد الحر لا يمكن ان يصير في الشريعة رقا،

فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة الدالين علي هذا الحكم.

و منها ارث المتمتع بها (3) هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد آخر ام لا؟ فإن الظاهر الاتفاق علي عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر،

و عدم مشروعية اشتراط ارث اجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا، فيشكل الفرق حينئذ بين افراد غير الوارث و بين افراد العقود، و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا

______________________________

(1) و قد اشكل الامر علي جماعة في تمييز مصداق احدهما عن الآخر في كثير من المقامات و إن كان علي، ما ذكرناه من ضابط المخالفة ينحل هذا الأشكال في الفروع الآتية و إليك جملة من تلك الفروع:

(2) منها: كون من احد ابويه حر رقا: مقتضي ما ذكرناه من الضابط بطلان اشتراط رقية الحر فإنها من الاعتبارات المجعولة شرعا ابتداء،

إلا أنه وردت روايات دالة علي جواز اشتراطها، «1»

و بإزائها ما يدل علي عدم الجواز، «2»

فإن قدمنا الطائفة الثانية لا كلام،

و أما إن قدمنا المجوزة فبدلالة الاقتضاء يستكشف أن الرقية و لو في هذا المورد من الاعتبارات الشرعية التسبيبية التي يتسبب إليها بالشرط.

(3) و منها: ارث المتمتع بها مقتضي ما ذكرناه بطلان اشتراط وارثيتها، و صحة اشتراط إعطاء مقدار من المال بعد وفاته لها فإنه يدخل في الوصية، و لعله بذلك يجمع

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب كتاب العتق و باب 10 من ابواب كتاب المكاتبة.

(2) الوسائل- باب 75- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 255

الا ان يدعي ان هذا الاشتراط مخالف للكتاب الا في هذا المورد أو ان الشرط المخالف للكتاب ممنوع الا في هذا المورد، و لكن عرفت وهن الثاني، و الاول يحتاج الي تأمل.

و منها انهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية، (1) و اشتهر عدم جوازه في عقد الاجارة، فيشكل ان مقتضي ادلة عدم ضمان الامين عدم ضمانه في نفسه، من غير اقدام عليه بحيث لا ينافي اقدامه علي الضمان من اول الامر أو عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالاسباب، كالشرط في ضمن عقد تلك الامانة أو غير ذلك.

و منها اشتراط ان لا يخرج بالزوجة الي بلد آخر، (2) فانهم اختلفوا في جوازه و الاشهر علي الجواز، و جماعة علي المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب اطاعة الزوج، و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره، و اورد عليهم بعض المجوزين: بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة، من حيث ان الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو تركا.

______________________________

بين النصوص المتعارضة الدال بعضها علي أنها ترث مع الاشتراط، «1» و الدال آخر علي أنها لا ترث و إن اشترط، «2»

و

علي التقديرين لا وجه للفرق بين أفراد غير الوارث و افراد العقود.

(1) و منها: انهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية و اشتهر عدم جوازه في عقد الاجارة، مقتضي القاعدة التي أسلفناها: بطلان اشتراط الضمان مطلقا،

و لكن وردت الروايات الخاصة الدالة علي الضمان مع الاشتراط، في العارية «3»

و بها يخصص ما دل علي عدم الضمان في العارية «4».

(2) و منها: اشتراط ان لا يخرج بالزوجة الي بلد آخر إذا اشترط عدم كون اختيار المكان بيد الزوج كان الشرط مخالفا للكتاب، و إذا اشترط أن لا يخرج بالزوجة من بلد اختارته صح الشرط و لم يكن مخالفا له

______________________________

(1) الوسائل- باب 32 من ابواب المتعة، و باب 17 من ابواب ميراث الازواج.

(2) نفس المصدر.

(3) الوسائل- باب 1 من ابواب كتاب العارية:

(4) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 256

و بالجملة فموارد الاشكال في تمييز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة، يظهر للمتتبع، فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين علي الحكم الذي يراد تغيره بالشرط و التأمل فيه، حتي يحصل له التميز و يعرف ان المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله (صلي الله عليه و آله): الولاء لمن اعتق. أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين الغير المنافي لقوله (عليه السلام) إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس، مع قوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا. الي غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما، فإن لم يحصل له بني علي أصالة عدم المخالفة، فيرجع الي عموم: المؤمنون عند شروطهم، و الخارج عن هذا العموم و ان كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة، لاما علم

مخالفته الا ان البناء علي اصالة عدم المخالفة (1) يكفي في احراز عدمها واقعا، كما في سائر مجاري الاصول، و مرجع هذا الاصل الي اصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط (2) مثلا نقول ان الاصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج علي الزوجة من حيث المسكن، لا من حيث هو لو خلي، و طبعه، و لم يثبت في

______________________________

و قد عرفت أنه بناء علي ما ذكرناه لا يبقي مورد للشك، إذ لو كان الحكم علي خلاف الشرط ثابتا و لو بحكم الاطلاق كان مخالفا له، و إلا فلا، و لو شك في وجوده الأصل عدمه.

و لكن المصنف (رحمه الله) لما قسم الحكم الي قسمين: قسم قابل للتغير، و قسم غير قابل له: اشكل عليه الأمر في بعض الموارد،

(1) و كيف كان فقد ذهب المصنف (رحمه الله) الي ان مقتضي الاصل في الموارد المشكوك فيها إجراء حكم الشرط الصحيح.

و ذكر في وجهه ما حاصله: أن موضوع أدلة النفوذ أمران: أحدهما: الاشتراط و هو محرز بالوجدان، ثانيهما: عدم المخالفة و هو يحرز بالأصل و هو.

(2) اصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل التغير بالشرط و فيه: أن ترتب عدم المخالفة علي عدم كون الحكم بنحو لا يقبل التغير ليس شرعيا،

بل هو عقلي فلا يثبت ذلك بإجراء الأصل فيه، مع أن هذا العنوان- أي كون الحكم غير قابل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 257

صورة الزام الزوج علي نفسه بعض خصوصيات المسكن، لكن هذا الاصل انما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال علي الحكم في اطلاقه، بحث يشمل صورة الاشتراط، كما في اكثر الادلة المتضمنة للاحكام المتضمنة للرخصة و التسليط.

فإن الظاهر سوقها في مقام بيان

حكم الشي ء من حيث هو الذي لا ينافي طرو خلافه، لملزم شرعي، كالنذر و شبهه من حقوق الله و الشرط و شبهه من حقوق الناس. اما ما كان ظاهره العموم، كقوله لا يملك ولد حر، فلا مجري فيه لهذا الاصل،

ثمّ ان بعض مشايخنا المعاصرين (1) بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه في الاخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب، و ان التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الاخبار، ذكر ان المتعين في هذه المورد: ملاحظة التعارض بين ما دل علي حكم ذلك الفعل و ما دل علي وجوب الوفاء بالشرط، و يرجع الي المرجحات

______________________________

للتغير- لم يؤخذ موضوعا لحكم من الأحكام، فلا يكون جاريا في نفسه.

و ربما يقال في تقريب هذا الأصل: وجهان آخران:

أحدهما: أنه لا ريب في كون الأحكام تدريجية بحسب البيان، فقبل بيان الحكم الذي يحتمل كونه مخالفا للشرط لم يكن هذا الشرط مخالفا للكتاب، و بعد بيانه يشك في ذلك، فيجري استصحاب العدم النعتي.

و فيه: أنه إن اريد إجراء الأصل في الشرط المتحقق في ذلك الزمان فهو لا ينفع بالنسبة الي هذا الشرط، و إن اريد اجراؤه في هذا الشرط كان استصحابا تعليقيا.

ثانيهما: استصحاب عدم المخالفة الأزلي، و لا بأس به بناء علي المختار من جريانه.

(1) هو الفاضل النراقي في عوائده: قال انه في موارد اشتراط ما هو مخالف للكتاب يقع التعارض بين دليل وجوب الوفاء بالشرط و دليل ذلك الفعل، و يرجع الي المرجحات.

و ما أفاده مركب من أمرين مترتبين.

أحدهما: أن الشرط المخالف للكتاب منحصر بما إذا كان المشروط حكما مخالفا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 258

و ذكر ان المرجح في مثل اشتراط

شرب الخمر هو الاجماع، قال و ما لم يكن فيه مرجح، يعمل فيه بالقواعد و الاصول، و فيه من الضعف ما لا يخفي مع ان اللازم علي ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط، بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح (1)

لأن الشرط ان كان فعلا يجوز تركه، كان اللازم مع تعارض ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع الي اصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم. بل لا يصح و ان كان فعل محرم أو ترك واجب لزم الرجوع الي اصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط. فالتحقيق ما ذكرنا من ان من الاحكام المذكورة في الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه، كأكثر ما ترخص في فعله و تركه. و منها ما لا يقبله كالتحريم، و كثير من موارد الوجوب و أدلة الشروط حاكمة علي القسم الأول دون الثاني، فإن اشتراطه مخالف لكتاب الله، كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك، و قد تفطن (قدس سره)

لما ذكرنا في حكم القسم الثاني و ان الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة حرمة شرب الخمر، فقال: و لو جعل هذا الشرط من اقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة، كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا، انتهي.

______________________________

لما ثبت في الكتاب ككون أمر الطلاق بيد المرأة، و الولاء لغير المعتق و نحو ذلك،

و هذا ينطبق علي ما ذكرناه و اخترناه.

ثانيهما: أنه بناء علي الاختصاص المذكور يقع التعارض بين الدليل المثبت للحرمة أو الوجوب و دليل نفوذ الشرط، فلا بد من إعمال قواعد التعارض،

و لكن قد مر أن شرط فعل الحرام أو ترك الواجب يؤول الي الشرط المخالف للكتاب بالتقريب الذي قدمناه بلا وصول النوبة الي إعمال قواعد التعارض.

(1) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بانه يلزم مما ذكره اعمال قواعد التعارض و الرجوع الي الأصل حتي في صورة اشتراط ترك المباح، و لا يلتزم بذلك أحد.

و فيه: أن الدليل المثبت للحكم غير الالزامي للشي ء بعنوانه الأولي لا يصلح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 259

و مما ذكرنا من انقسام الاحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب و السنة علي قسمين، يظهر لك معني قوله (عليه السلام) في رواية اسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، فإن المراد بالحلال و الحرام فيهما ما كان كذلك بظاهر دليله حتي مع الاشتراط، نظير شرب الخمر و عمل الخشب صنما أو صورة حيوان، و نظير مجامعة الزوج التي دل بعض الاخبار السابقة علي عدم ارتفاع حكمها اعني الاباحة، متي اراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة، و نظير التزوج و التسري و الهجر حيث دل بعض تلك الاخبار علي عدم ارتفاع اباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز باباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما، كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه، الا تغير عنوان الحلال و الحرام

الموجب لتغير الحل و الحرمة، فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام، أ لا تري انه لو نهي السيد عبده، أو الوالد ولده عن فعل مباح، اعني مطالبة ماله في ذمة غريمه، أو حلف المكلف علي تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا

من حيث طرو عنوان معصية السيد و الوالد، و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال، فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها الي بلد آخر محرم في نفسه. و كذلك امتناعها من المجامعة، و لا ينافي ذلك حليتها باشتراط عدم اخراجها عن بلدها، أو باشتراط عدم مجامعتها، كما في بعض النصوص.

و بالجملة، فتحريم الحلال و تحليل الحرام، انما يلزم مع معارضة ادلة الوفاء بالشرط لأدلّة اصل الحكم حتي يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله.

اما إذا كان دليل الحكم لا يفيد الا ثبوته لو خلي الموضوع و طبعه، فإنه لا يعارضه ما دل علي ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ علي الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له الا مجردا عن ذلك العنوان

______________________________

للمعارضة مع ما يثبت الحكم الالزامي له بالعنوان الثانوي، لأن اللااقتضاء لا يعارض ماله الاقتضاء، فينحصر التعارض- لو سلم- بما لو اشترط ترك الواجب أو فعل الحرام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 260

ثمّ انه يشكل الامر في استثناء الشرط المحرم للحلال (1) علي ما ذكرنا في معني الرواية بأن ادله حلية اغلب المحللات بل كلها، انما تدل حليتها في انفسها لو خليت و انفسها، فلا تنافي حرمتها من اجل الشرط، كما قد تحرم من اجل النذر و أخويه. و من جهة اطاعة الوالد و السيد و من وجه صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها.

نعم، لو دل دليل حل شي ء علي الحلية المطلقة، نظير دلالة ادلة المحرمات بحيث لا يقبل طرو عنوان مغير عليه اصلا، أو خصوص الشرط من بين العناوين، أو دل الدليل من الخارج علي كون

ذلك الحلال كذلك، كما دل بعض الاخبار بالنسبة الي بعض الافعال، كالتسري، و التزوج، و ترك الجماع من دون ارادة الزوجة، كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه. لكن دلالة نفس دليل الحلية علي ذلك لم توجد في مورد، و الوقوف مع الدليل الخارج الدال علي فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك، إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط. و مورد ورود الدليل علي عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة مع ان الامام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال،

كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج و التسري،

معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال علي اباحتها.

نعم، لا يرد هذا الاشكال في طرف تحليل الحرام، لأن ادلة المحرمات قد علم دلالتها علي التحريم، علي وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما، بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل علي ارادة الحرام في نفسه لو لا الشرط و ليس كذلك في طرف المحرم للحلال، فإنا قد علمنا ان ليس المراد الحلال لو لا الشرط لأن تحريم المباحات لاجل الشرط فوق حد الاحصاء، بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا.

______________________________

(1) محصله: ان شرط المباح و الحلال نافذ بلا كلام فما معني عدم نفوذ الشرط المحرم للحلال؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 261

و ربما يتخيل أن هذا الاشكال مختص بما دل علي الإباحة التكليفية، كقوله تحل كذا و تباح كذا، اما الحلية التي تضمنها الاحكام الوضعية، كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية أو أضدادها، فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا، فإن الانتفاع بالملك

في الجملة و الاستمتاع بالزوجة، و النظر الي امها و بنتها من المباحات التي لا تقبل التغيير. و لذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال ان لا ينتفع بماله أو لا يطأ جاريته.

و بعبارة اخري: ترتب آثار الملكية علي الملك في الجملة، و آثار الزوجية علي الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن اباحتها، و إن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه الي التحريم، كالسكني فيما لو اشترط اسكان البائع فيه مدة،

و اسكان الزوجة في بلد اشترط ان لا يخرج إليه، أو وطئها مع اشتراط عدم وطئها اصلا، كما هو المنصوص و لكن الانصاف انه كلام غير منضبط، فإنه كما جاز تغير اباحة بعض الانتفاعات كالوطي في النكاح، و السكني في البيع الي التحريم لأجل الشرط كذلك يجوز تغير اباحة سائرها الي الحرمة، فليس الحكم بعدم تغير اباحة مطلق التصرف في الملك و الاستمتاع بالزوجة، لاجل الشرط الا للاجماع أو لمجرد الاستبعاد. و الثاني غير معتد به و الاول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة في بيان هذه الضابطة، مع ان هذا العنوان اعني تحريم الحلال و تحليل الحرام، انما وقع مستثني في ادلة انعقاد اليمين. و ورد انه لا يمين في تحليل الحرام و تحريم الحلال. و قد ورد بطلان الحلف علي ترك شرب العصير المباح دائما، معللا بأنه ليس لك ان تحرم ما احل الله.

و من المعلوم ان اباحة العصير لم يثبت من الاحكام الوضعية، بل هي من الاحكام التكليفية الابتدائية.

______________________________

و أما ما دل علي عدم نفوذ شرط التسري «1» و نحوه- فنفس ذلك الدليل يكفي لعدم نفوذ الشرط في ذلك المورد بلا حاجة الي هذا الضابط، فهذا لا يترتب عليه

فائدة في مورد أصلا.

و ملخص القول في المقام: أنه قيل في تفسير تحريم الحلال الذي تضمنه الخبر «2» امور

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور كتاب النكاح

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 262

و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال علي اباحتهما و بين ترك الوطي الذي ورد جواز اشتراطه، و كذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بأنه من تحريم الحلال و بين ترك بعض المباحات المتفق علي جواز الحلف عليه في غاية الاشكال، و ربما قيل في توجيه الرواية، و توضيح معناها ان معني قوله الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، اما ان يكون الا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال و أما ان يكون الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال و الاول مخالف لظاهر العبارة مع منا قضته لما استشهد به الامام (عليه السلام) في رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة علي وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج، بل يلزم كون الكل لغوا إذ ينحصر مورد المسلمون عند شروطهم، باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات،

فيبقي الثاني، و هو ظاهر الكلام، فيكون معناه الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال، ثمّ قال فإن قيل: إذا شرط عدم فعله فلا يرضي بفعله، فيجعله حراما عليه، قلنا لا نريد ان معني الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله حراما ذاتيا، اي مطلوب الترك شرعا و لا شك ان شرط عدم فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا. ثمّ قال فإن قيل الشرط من

حيث هو مع قطع النظر عن ايجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا فلا يحرم و لا يحلل. قلنا ان اريد انه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس

______________________________

الاول: ما أفاده المصنف (رحمه الله) و هو ان المراد بالتحليل: الترخيص، و بالتحريم: المنع،

و لكن المراد بالحلال و الحرام هو ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط، و قد تقدم توجيه التفصيل بين الأحكام و ما يرد عليه، فراجع.

و ما ذكره في المقام تكرار لما سبق فلا مورد لاطالة الكلام في ذلك و نقده و انما المهم ذكر ما افاده المحققان النراقي و القمي، و توجيه ما افاداه و ما يرد عليهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 263

كذلك، بل حكم الشرط ذلك، و هو معني تحريم الشرط و تحليله، (1) و علي هذا فلا اجمال في الحديث، و لا تخصيص في ذلك كالنذر و العهد و اليمين، فإن من نذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر ان يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو يحرم ذلك علي نفسه شرعا لم ينعقد، انتهي.

اقول: لا أفهم معني محصلا لاشتراط حرمة الشي ء أو حليته شرعا، فإن هذا امر غير مقدور للمشترط و لا يدخل تحت الجعل، فهو داخل في غير المقدور، (2)

و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به، إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط و كذلك الكلام في النذر و شبهه.

و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم و المحلل نفس الشرط، و لم يلاحظ كون الاستثناء من الافعال التي يعقل الوفاء بالتزامها و حرمة الشي ء شرعا لا يعقل

فيها الوفاء و النقض. و قد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام بالصلح علي شرب الخمر و للمحرم للحلال بالصلح علي ان لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله و كيف كان، فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل و التحريم المستندين إلي الشرط هو الترخيص و المنع، نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط لاما كان حلالا لو خلي، و طبعه، بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط. و قد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية ذلك الشي ء أو حرمته، و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه.

______________________________

(1) الثاني: ما عن المحقق النراقي، و حاصله: ان فاعل حرم و احل في قوله (عليه السلام): الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما: هو الشرط، و هذا لا يتحقق إلا بكون الملتزم به حرمة الحلال أو حلية الحرام،

و أما اشتراط ترك الحلال فهو شرط ترك التصرف دون حرمة الحلال.

و أورد عليه المصنف (رحمه الله) بإيرادين:

(2) احدهما: ان الحكم الشرعي امره بيد الشارع و غير مقدور للمكلف و لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 264

ففي الأول يكون الشرط علي تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي.

و في الثاني يكون مغيرا لموضوعه، فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي الصلح و الشرط، انهما لا يغيران حكما شرعيا، بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح و الشرط، كالنذر و شبهه. و أما تغييرهما لموضوع الاحكام الشرعية ففي غاية الكثرة، بل هما موضوعان لذلك. و قد ذكرنا ان الاشكال في كثير من الموارد في تميز احد القسمين من الاحكام عن الآخر، و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء

______________________________

يدخل تحت

الجعل، و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لعدم إمكان الوفاء به عقلا.

و فيه: أولا أن شرط النتيجة لا يعتبر فيه إلا كونها واقعة بسبب الشرط و لو لا الاستثناء لكنا ملتزمين بأن شرط حرمة الحلال نافذ، و كنا نستفيد كونها مما يقع بالسبب من عموم دليل نفوذ الشرط الشامل له.

و ثانيا: أن بطلان هذا الشرط من جهة اخري غير هذه الجهة لا يكون مضرا.

و ثالثا: أن الشرط المحرم للحلال لا ينحصر بشرط حرمة ما يكون حلالا تكليفا،

بل يشمل ما لو اشترط حرمة ما هو حلال وضعا كعدم كون الطلاق بيد الزوج و نحو ذلك من الاعتباريات، و من المعلوم أن المشروط حينئذ هو ذلك الأمر في اعتبار نفسه، و لو لا هذا الاستثناء و ما دل علي أن الشرط المخالف للكتاب لا يكون نافذا لكنا ملتزمين بنفوذه.

ثانيهما: أن استثناء الشرط المحرم إنما يكون من الشرط الذي يجب الوفاء به، و ليست الحرمة و الحلية من أفعال المكلف، كي يجب الوفاء بهما.

و فيه: أن الوفاء لا يختص بشرط الفعل، فإنه بمعني الإنهاء و عدم النقض، و هذا يتصور في شرط النتيجة أيضا، و سيأتي زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالي.

فتحصل: أن ما أفاده المحقق النراقي حق لا ريب فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 265

يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه، ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في رسالته التي الفها في هذه المسألة، (1) فإنه بعد ما ذكر من امثلة الشرط الغير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه شرب الخمر و الزنا و نحو هما من المحرمات.

و من امثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات: فعل المرجوحات و

ترك المباحات و فعل المستحبات كأن يشترط تقليم الاظفار بالسن ابدا، و ان لا يلبس الخز ابدا و لا يترك النوافل، فإن جعل المكروه أو المستحب واجبا، و جعل المباح حراما حرام الا برخصة شرعية حاصلة من الاسباب الشرعية، كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه.

و يستفاد ذلك من كلام علي (عليه السلام) في رواية اسحاق بن عمار: من اشترط لامرأته شرطا، فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو احل حراما، قال (قدس سره).

فإن قلت: ان الشرط كالنذر و شبهه من الاسباب الشرعية المغيرة للحكم، بل الغالب فيه هو ايجاب ما ليس بواجب، فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح. و أما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا، فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة. قلت الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة، و هو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الافعال علي سبيل العموم، من دون النظر إلي خصوصية فرد. فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي، و كذا حلية المبيع، فالتّزوج و التّسرّي امر كلي حلال، و التزام تركه مستلزم لتحريمه و كذلك جميع احكام الشرع من التكليفية و الوضعية و غيرها انما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها، فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهي عنه هو ان يحدث المشترط قاعدة كلية و يبدع حكما جديدا. و قد اجيز في الشرع البناء علي الشروط الا شرطا اوجب ابداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج و التسري و إن كان بالنسبة الي نفسه فقط.

______________________________

(1) الثالث: ما عن المحقق القمي (رحمه الله) و قد جعله

المصنف (رحمه الله) قريبا مما افاده المحقق النراقي، مع أن بينهما بونا بعيدا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 266

و قد قال الله تعال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) و كجعل الخيرة في الجماع و الطلاق بيد المرأة.

و قد قال الله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء) و فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة اشكال، (1) فما ذكر في السؤال من وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب احداث حكم للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه، و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب الي ان قال (قدس سره).

و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط، لما يشترطانه من الشروط الجائزة،

ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال، أو ايجاب جائز، علي سبيل القاعدة. بل الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل علي ما يشترطانه و هذا الحكم، ايضا

______________________________

محصل ما أفاده المحقق القمي (رحمه الله): أن معني تحريم الحلال جعل المباح حراما و هو إنما يكون فيما لو اشترط ترك المباح رأسا بالمرة، و أما لو اشترط تركه في الجملة فهو ليس من تحريم الحلال.

و بعبارة اخري: أن تحريم الحلال إنما هو بتأسيس القاعدة و اشتراط ترك ما حلله الشارع و هو الكلي دون الجزئيات، فإن الأحكام الشرعية متعلقة بالطبائع دون الجزئيات،

فاشتراط ترك المباح رأسا تحريم للحلال، و أما اشتراط ترك بعض الأفراد الذي لا يكون الحلية مجعولة له فليس من تحريم الحلال.

و فيه: أولا: أن الحكم و إن كان مجعولا علي الكلي، إلا أنه من جهة كونه مرآتا للأفراد و فعلية الحكم إنما تكون بفعلية موضوعه و تحققه خارجا، فالفرد الخارجي محكوم

بالحلية الفعلية، فلا محالة يكون تحريمه تحريما للحلال.

و بعبارة اخري: لا فرق بين الكلي و الجزئي من هذه الجهة.

و ثانيا: أن ما افاده يجري في تحليل الحرام أيضا و هو لم يلتزم بذلك فيه.

(1) قوله و فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة اشكال لا ينبغي الاشكال في صحته علي مسلك المحقق القمي (رحمه الله): فانه ليس تحريما لما هو محكوم بالحلية و مجعول له ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 267

من جعل الشارع. فقولنا العمل علي مقتضي الشرط الجائز واجب، حكم كلي شرعي، و حصوله ليس من جانب شرطنا حتي يكون من باب تحليل الحرام و عكسه، بل انما هو صادر من الشارع، انتهي كلامه رفع مقامه و للنظر في مواضع من كلامه مجال، فافهم و الله العالم الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضي العقد، (1) و إلا لم يصح لوجهين:

احدهما: وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه

______________________________

الشرط المنافي لمقتضي العقد

(1) الشرط الخامس: ان لا يكون منافيا لمقتضي العقد و الا لم يصح كما هو المشهور بين الأصحاب.

قال في محكي الغنية: من الشروط الفاسدة بلا خلاف: أن يشترط ما يخالف مقتضي العقد.

و في القواعد: من المخالف للمشروع اشتراط ما ينافي مقتضي العقد.

و عن غير واحد دعوي الإجماع عليه.

و ملخص القول في المقام أن شرط الفعل خارج عن الشرط المنافي لمقتضي العقد،

و هو واضح.

و أما شرط النتيجة فتارة يشترط خلاف مضمون العقد أو ما يتقوم به، كأن يبيع بشرط أن لا يملك أو بلا ثمن، و اخري يشترط خلاف ما هو من لوازم مقتضي العقد.

أما الأول، فإن كان المنافي مقصودا في عرض قصد العقد فحيث إن

قصد المتنافيين من العاقل الملتفت محال فلا يعقل القصد الي البيع و الشرط معا.

نعم إن لم يكن قاصدا جدا للشرط، بل كان هازلا به بطل الشرط خاصة.

و إن قصد الشرط بعد ما قصد العقد بأن قصد البيع حقيقة ثمّ بدا له أن يعقبه بعدم الثمن مثلا، فإن لم يرفع اليد عما قصده أولا كان قصد الشرط محالا فيختص هو بالبطلان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 268

و بين الشرط الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط (1) فلا بد اما ان يحكم بتساقط كليهما. و أما ان يقدم جانب العقد، لأنه المتبوع المقصود بالذات، و الشرط تابع و علي كل تقدير لا يصح الشرط.

الثاني: ان الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة (2) الدالين علي عدم تخلف العقد عن مقتضاه، فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب. و لذا ذكر في التذكرة ان اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضي ملكيته، فيخالف قوله (صلي الله عليه و آله) (الناس مسلطون علي أموالهم) و دعوي أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام.

______________________________

و أما الثاني، فإن كان اللازم حكما غير قابل للزوال و الانفكاك كاللزوم الحكمي الثابت في بعض العقود كان الشرط باطلا، لكونه خلاف الكتاب و السنة.

و إن كان حقا قابلا لذلك، فإن لم يكن مما يعتبر فيه لفظ خاص كشرط الخيار في البيع صح البيع و الشرط، و إلا- أي كان مما يعتبر فيه لفظ خاص- بطل الشرط و هو واضح، هذا هو حق القول في المقام.

و قد ذكر المصنف (رحمه الله) وجهين لاعتبار هذا الشرط:

(1) احدهما: انه بعد وقوع التنافي بين ما يقتضيه العقد و ما يقتضيه

الشرط يستحيل الوفاء بالعقد المقيد بهذا الشرط، فإما أن يحكم بتساقطهما أو يقدم جانب العقد،

لأن العقد مقصود بالذات، و الشرط تابع، فكأنه مرجح لجانب العقد.

و فيه أولا: أنه لو تم لاختص بالقسم الأول، كما أن الوجه الثاني في كلامه مختص بالقسم الثاني، فهما لا يتواردان علي مورد واحد.

و ثانيا: أنه لا يتم من جهة ما عرفت من عدم معقولية القصد الجدي بالنسبة اليهما،

فلا تصل النوبة الي استحالة الوفاء.

هذا إذا قصد هما في عرض واحد، و إلا وجب الوفاء بالعقد دون الشرط كما تقدم.

(2) ثانيهما: ان الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة الدالين علي ذلك اللازم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 269

إذ الكلام فيما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية في كل فرد منه لاما يقتضيه العقد المطلق بوصف اطلاقه و خلوه عن الشرائط و القيود حتي لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده و شرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الاجماع علي بطلان هذا الشرط، فلا اشكال في اصل الحكم، و إنما الاشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلف عن مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع، و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعتري العقد، و ان اتضح ذلك في بعض الموارد، لكون الأثر كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا اصليا، كاشتراط عدم التصرف اصلا في المبيع، (1) و عدم الاستمتاع اصلا بالزوجة حتي النظر و نحو ذلك، الا أن الأشكال في كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم علي الجواز في بعض المقامات، و اتفاقهم علي عدمه فيما يشبهه،

و يصعب الفرق بينهما و ان تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع، و جواز اشتراط عتقه بعد

البيع بلا فصل، أو وقفه حتي

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم: أنه يتم في بعض اللوازم دون جميعها، مع أن الكلام إنما هو في اعتبار شرط غير ما تقدم، فلا يصح الاستدلال له به.

و قد يقرب الدليل العقلي المتقدم بتقريب آخر، و هو ما عن المحقق النراقي (رحمه الله)، و هو:

أن الشرط المنافي مستلزم لفساد العقد و عدم ترتب مقتضاه، و هو يستلزم فساد الشرط،

لكونه واقعا في ضمن عقد غير صحيح.

و فيه: ما تقدم من عدم معقولية هذا الشرط و العقد فلا تصل النوبة الي البحث في الصحة و الفساد.

و مما ذكرناه ظهر أنه لا يبقي الأشكال في تشخيص الصغريات بحسب الأدلة، إذ المقوم حاله معلوم، و اللازم قد تقدم حاله في الشرط السابق،

و لكن تبعا للشيخ (رحمه الله) نتعرض للموارد التي توهم كونها من موارد الشبهة.

(1) منها: اشتراط عدم التصرف في المبيع نظرا الي ان الاثر كالمقوم العر في للمبيع أو غرضا أصليا.

و لكن التصرف في الجملة في المبيع من لوازم الملكية لا من مقوماتها، بل ربما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 270

علي البائع و ولده، كما صرح به في التذكرة، و قد اعترف في التحرير بأن اشتراط العتق، مما ينافي مقتضي العقد، و انما جار لبناء العتق علي التغليب. و هذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا علي البائع و ولده، فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا علي التغليب، و لأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف و الاشكال في ان الشرط الفلاني مخالف لمقتضي العقد ام لا منها اشتراط عدم البيع، (1) فإن المشهور عدم الجواز، لكن العلامة في التذكرة: استشكل في ذلك بل قوي بعض من تأخر عنه صحته.

و منها

ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه إذا قال الربح لنا و لا خسران عليك، لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال: و منعه ابن ادريس لأنه مناف لقضية الشركة (2) قلنا: لا نسلم ان تبعية المال لازمة لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة، و الاقرب تعدي الحكم الي غير الجارية من المبيعات انتهي

______________________________

يتخلف عنها كما في المحجور عليه، و كونه غرضا أصليا لا يوجب البطلان، و عليه فإن شرط عدم جواز التصرف بطل، لكونه مخالفا للكتاب، و إن اشترط عدم التصرف خارجا صح العقد و الشرط.

(1) و منها: اشتراط عدم البيع و المشهور بين الاصحاب و ان كان عدم جواز هذا الشرط إلا أنه لعدم كونه إجماعيا، لوجود المخالف، و عدم كونه تعبديا لو كان إجماعيا لاستناد المجمعين الي ما سيمر عليك لا يكون ذلك مدركا.

و قد استدل للبطلان بكونه خلاف مقتضي العقد، فإنه يقتضي السلطنة علي المبيع بالتصرف فيه بالبيع و شبهه، فاشتراط عدم البيع مناف لذلك.

و فيه: أن هذا يتم لو اشترط عدم السلطنة علي البيع، و لعله مورد نظر المشهور،

و الوجه فيه حينئذ كونه مخالفا للكتاب، و أما لو اشترط عدم البيع خارجا فلا محذور فيه.

(2) و منها: ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه … و منعه ابن ادريس لانه مناف لمقتضي الشركة و تقريب كون هذا الشرط مخالفا لمقتضي العقد: أن مقتضي الشركة كون العين لهما و الثمن تابع للعين بمعني أن من له العين ينتقل تمام الثمن إليه بمقتضي المعاوضة و البيع المقتضي لدخول العوض في كيس من خرج المعوض عن ملكه، كما أن من له النصف ينتقل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 271

و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية، و عدم جوازه في الاجارة، (1) مستدلين بأن مقتضي عقد الاجارة عدم ضمان المستأجر، فاورد عليهم المحقق الاردبيلي، و تبعه جمال المحققين في حاشية الروضة: بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك انما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية.

______________________________

نصف الثمن إليه، فاشتراط ان يكون له أقل من النصف الذي هو معني كون الربح لهما و عدم الخسران عليه- مناف لمقتضي العقد.

و لكن إن قلنا بأنه لا يعتبر في البيع دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض- لا اشكال في هذا الشرط من هذه الجهة فانه لا مانع من خروج العين عن كيس أحد الشريكين و دخول مقدار من الثمن في كيس صاحبه.

و إن بنينا علي أنه يعتبر في البيع ذلك فيمكن تصحيح الشرط بوجهين:

أحدهما: إرجاع هذا الشرط الي أن يتدارك أحدهما خسارة صاحبه من نفس العين أو من مال آخر بنحو شرط الفعل أو شرط النتيجة.

نعم بناء علي بطلان الشرط الغرري يبطل هذا الشرط، للغرر.

ثانيهما: إرجاعه الي اشتراط أن لا يبيع حصة شريكه بأقل من ثمنه، فإذا فرضنا الخسران في معاملة بمقدار ربع الثمن، كما لو كان المال المشتري قيمته ثلاثون دينارا فبيع بعشرين، فمرجع الشرط المذكور الي بيع حصة أحدهما بخمسة عشر و حصة الآخر بخمسة، و هذا أيضا لا محذور فيه من هذه الجهة، و لا يكون منافيا لمقتضي العقد.

(1) و منها: ما اشتهر بينهم من عدم جواز اشتراط الضمان في الاجارة و الكلام في شرط الضمان يقع في جهتين:

الاولي في أنه هل يكون منافيا لمقتضي عقد الإجارة أم لا؟

الثانية: في كونه خلاف الكتاب و السنة و

عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 272

و منها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها، (1) فقد جوزه جماعة لعدم المانع و للنص، و منعه آخرون، منهم: فخر الدين في الايضاح مستدلا: بأن مقتضي العقد تسلط الرجل علي المرأة في الاستمتاع و الاسكان. و قد بالغ حتي جعل هذا قرينة علي حمل النص علي استحباب الوفاء.

______________________________

أما الجهة الاولي فالحق أنه لا يكون منافيا له، فإن عقد الإجارة تمليك للمنفعة بعوض و أجنبي عن العين، و يكون لا اقتضاء بالنسبة إليها.

و أما الجهة الثانية، فملخص القول فيها- و إن تقدم- أن العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة لا يكون ضامنا لها إما لما دل علي أن صاحب البضاعة مؤتمن و المستعير مؤتمن، «1» مع أنه ليس فيهما إلا الاستيلاء علي المال بإذن المالك الموجود في الإجارة، أو لانصراف حديث اليد «2» عن ذلك، أو لغير ذلك.

و عليه فإن اشترط الضمان يكون مخالفا لهذا الحكم الشرعي، نعم إن أراد بالشرط تمليك ما يعادل قيمة المال من غير أن يراد الضمان، أو ملكية ذلك بنحو شرط النتيجة لم يكن فيه محذور و يكون نافذا.

و بما ذكرناه ظهر أن ما استدل به علي البطلان من كونه خلاف مقتضي العقد،

و ما أورد عليه بأن العقد يقتضي عدم الضمان لو لا الشرط- في غير محلهما.

(1) و منها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها و قد استدل لكونه مخالفا لمقتضي العقد: بأن عقد الزواج يقتضي سلطنة الزوج علي الاستمتاع و الإسكان، فاشتراط عدمه مخالف لذلك.

و لكن يرد عليه: أن عقد الزواج يقتضي الزوجية فقط، و السلطنة من أحكامها، فهو شرط غير مناف لمقتضي العقد، و أما من حيث منافاته للكتاب فقد تقدم، فراجع.

______________________________

(1) الوسائل-

باب 1- من ابواب العارية.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90، و كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 273

و منها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه، (1)

و عدم توارثهما مع الشرط أو لا معه، فإنها مبنية علي الخلاف في مقتضي العقد المنقطع، قال في الايضاح ما ملخصه بعد اسقاط ما لا يرتبط بالمقام: انهم اختلفوا في ان هذا العقد يقتضي التوارث ام لا؟

و علي الأول: فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو، فعلي هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط، لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي،

فيستحيل عدمه مع وجودها، و قيل: المقتضي اطلاق العقد اي العقد المجرد عن شرط نقيضه، اعني الماهية بشرط لا شي ء، فيثبت الارث ما لم يشترط سقوطه.

و علي الثاني: قيل: يثبت مع الاشتراط و يسقط مع عدمه، و قيل: لا يصح اشتراطه، انتهي.

و مرجع القولين الي ان عدم الارث من مقتضي اطلاق العقد أو ماهيته،

و اختار هو هذا القول الرابع، تبعا لجده و والده (قدس سره)، و استدل عليه اخيرا بما دل علي ان من حدود المتعة ان لا ترثها و لا ترثك، قال: فجعل نفي الارث من مقتضي الماهية

______________________________

(1) و منها: مسالة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه الكلام فيها من حيث كون هذا الشرط مخالفا للكتاب قد تقدم و أما من حيث كونه مخالفا لمقتضي العقد.

فقد استدل له فخر المحققين بما دل علي أن من حدود المتعة أن لا ترثها و لا ترثك، «1»

قال: فجعل نفي الأرث من مقتضي الماهية.

و فيه: أن مقتضي عقد المتعة تحقق الزوجية المنقطعة لا غير و هو لا

يقتضي التوارث و لا عدمه، و معني قوله: من حدود المتعة الي آخره، أي من أحكامها المترتبة عليه.

و مما ذكرناه يظهر: أنه ليس مورد يشك في كون الشرط فيه منافيا لمقتضي العقد بالمعني الأول، بل و بالمعني الثاني،

و أنه لو شك في ذلك يرجع الي أصالة عدم المخالفة فيحكم بالصحة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 32- من أبواب المتعة حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 274

و لا جل صعوبة دفع ما ذكرنا من الاشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات اطلاقه. التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه، حتي ثني به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة و عدم الاجماع علي الصحة أو البطلان الي نظر الفقيه فقال: اولا المراد بمنافي مقتضي العقد ما يقتضي عدم ترتب الاثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو، بحيث يقتضيه و رتب عليه علي انه اثره و فائدته التي لاجلها وضع، كانتقال العوضين الي المتعاقدين، و اطلاق التصرف فيهما في البيع، و ثبوت التوثق في الرهن و المال في ذمة الضامن بالنسبة الي الضمان،

و انتقال الحق الي مذمة المحال عليه في الحوالة و نحو ذلك، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض اصلا نافي مقتضي العقد.

ثمّ اعترض علي ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا، و اجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضي العقد، ثمّ اعترض بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا، فالمنع عن البعض مناف له.

ثمّ قال و دفع ذلك لا تخلو عن عسر، و كذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا،

فإن ثبوته مقتضي العقد، فيلزم ان يكون شرط سقوطه منافيا له. ثمّ قال و لا يمكن ان يقال: ان مقتضي العقد ما لم يجعل الا

لاجله، كانتقال العوضين، فإن ذلك ينافي منع اشتراط ان لا يبيع المبيع مثلا، ثمّ قال و الحاسم لمادة الاشكال: ان الشروط علي اقسام:

منها ما انعقد الاجماع علي حكمه من صحة أو فساد.

و منها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي، كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو وضح مقابله و لا كلام فيما وضح.

و منها ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه، انتهي كلامه رفع مقامه.

اقول: وضوح المنافاة ان كان بالعرف، كاشتراط عدم الانتقال في العوضين،

و عدم انتقال المال الي ذمة الضامن و المحال عليه، فلا يتأتي معه انشاء مفهوم العقد العرفي، و ان كان بغير العرف فمرجعه الي الشرع من نص أو اجماع علي صحة الاشتراط أو عدمه، و مع عدمهما وجب الرجوع الي دليل اقتضاء العقد لذلك الاثر المشترط عدمه، فإن دل عليه علي وجه يعارض باطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به. بحيث لو اوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط، لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 275

و ان دل علي ثبوته للعقد لو خلي و طبعه، بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط،

حكم بصحة الشرط. و قد فهم من قوله تعالي: (الرجال قوامون علي النساء) ان السلطنة علي الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الاثر و لم يجعل اشتراط عدم الاخراج من البلد منافيا. و قد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتي يفترقا، فإن افترقا وجب البيع. عدم التنافي، فاجمعوا علي صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعية للعقد، و كذا علي صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق و لو

شك في مؤدي الدليل وجب الرجوع الي اصالة ثبوت ذلك الاثر علي الوجه الثاني، فيبقي عموم ادلة الشرط سليما عن المخصص، و قد ذكرنا هذا في بيان معني مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس: ان لا يكون الشرط مجهولا (1) جهالة يوجب الغرر في البيع، لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين، كما سيجي ء بيانه، قال في التذكرة:

و كما ان الجهالة في العوضين مبطلة، فكذا في صفاتهما، و لو احق المبيع. فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع، انتهي.

______________________________

الشرط المجهول

(1) و من الشروط و هو الشرط السادس في المتن و ذكره جماعة:

أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع قال في محكي التذكرة: كما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتهما و لو احق المبيع، فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع. انتهي.

و لكن الشهيد في محكي الدروس قال: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع. انتهي.

و تحقيق القول في المقام بالبحث في جهات:

الأولي: أن جهالة الشرط هل هي كجهالة أحد العوضين الموجبة لبطلان البيع،

لصيرورته غرريا توجب بطلان الشرط من حيث هو أم لا؟

الثانية: أن جهالة الشرط المستلزمة لغررية الشرط هل توجب غررية البيع ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 276

و قد سبق ما يدل علي اعتبار تعيين الاجل المشروط في الثمن، بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع، كفي لزومه في أصل الشرط بناء علي ان المنفي، مطلق الغرر، (1) حتي في غير البيع. و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتي الوكالة،

فبطلان الشرط المجهول ليس لابطاله البيع المشروط به، و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع، فإن

العلامة في التذكرة، ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد البيع. ان في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط، لكن الانصاف ان جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة احد العوضين، و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع من التذكرة، من الفرق في حمل الحيوان، و بيض الدجاجة

______________________________

الثالثة: أنه إذا فسد البيع لغررية الشرط هل يبطل الشرط أيضا أم لا؟

الرابعة: أنه هل هناك فرق بين شرط ما هو تابع و غيره أم لا؟

أما الجهة الاولي فقد استدل لمبطليتها بوجوه.

(1) الاول: المرسل: نهي النبي (صلي الله عليه و آله) عن الغرر «1».

و أورد عليه تارة بضعف السند،

و اخري بأن النهي إذا تعلق بالمعاملة نفسها يكون إرشادا الي الفساد، و أما إذا تعلق بعنوان آخر شامل لها يكون ظاهرا في الحرمة النفسية، و حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما تقدم،

و المقام من قبيل الثاني، فإن الغرر بمعني الخدعة، فالنهي عنه لا يدل علي أزيد من الحرمة.

و لكن يمكن دفع الأول: باستناد الأصحاب إليه في أبواب المعاملات حتي الجعالة،

فإنهم أفتوا بمضرية الجهل المستلزم للغرر، و لا مدرك لهم سوي المرسل، و احتمال التعدي عن البيع- بعيد.

و دفع الثاني: بما تقدم في الجزء الرابع من هذا الشرح من أن الغرر ليس بمعني الخديعة، بل هو بمعني الخطر فيكون المنهي عنه المعاملة المستلزمة للخطر، فيكون ظاهرا في الإرشاد الي الفساد.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 466، و عن الشهيد نحوه، و سبقهما الشيخ في الخلاف، فإنه استدل به في غير موضع منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 277

و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها علي وجه الشرطية في ضمن بيع

هذه الامور، بأن يقول بعتكها علي انها حامل، أو علي ان لك حملها، و بين تمليكها علي وجه الجزئية، بأن يقول بعتكها و حملها، فصحح الاول لأنه تابع، و ابطل الثاني لأنه جزء، لكن قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالاقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع. و قال في باب بيع المملوك و لو اشتراه و ماله صح، و لم يشترط علمه، و لا التفصي من الربا ان قلنا انه يملك و لو أحلناه اشترطا، انتهي.

______________________________

و الصحيح أن يورد عليه بأن دعوي انصراف الحديث الي المعاملة المستقلة قريبة،

بل لا يصدق الخطر و الغرر علي مثل الشرط الذي لم يجعل بإزائه شي ء، و لا يكون مقابلا بالمال:

الثاني: التعدي من البيع الي كل ما هو غرري.

و فيه: أن التعدي يتوقف علي إحراز عدم دخل الخصوصية و لم يحرز، مع أنه علي فرض التعدي يتعدي الي كل ما هو مبني علي المغابنة كالإجارة، و لا يتعدي الي الشرط،

و الإجماع عليه من جهة احتمال كون المدرك النبوي لا يصلح دليلا للتعدي.

الثالث: أن جهالة الشرط تستلزم غررية البيع و بطلانه، فإذا بطل البيع بطل الشرط، إذ لا شرط موضوعا أو حكما إلا في ضمن عقد صحيح، و سيأتي الكلام في ذلك،

فالأظهر عدم المبطلية.

و أما الجهة الثانية فقد استدل لمبطلية جهالة الشرط للبيع في المتن:

بأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين. ذكر ذلك في صدر المسألة و فيه: إن أوصاف المبيع لا بد و أن تكون معلومة كما تقدم في خيار الرؤية مفصلا،

فشرط وصف في المبيع مع الجهل به موجب للبطلان.

و أما شرط الفعل أو النتيجة سواء أ كان الشرط متعلقا بالغرض المعاملي-

ام لم يكن كذلك، بل كان نسبة عقد البيع إليه نسبة الظرف الي المظروف فقط بأن كان إيقاعه في ضمن العقد، لخروجه عن الابتدائية الي الضمنية، فجهالته لا توجب غررية البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 278

و المسألة محل اشكال، و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها، حيث صرحوا بان للشرط قسطا من احد العوضين، و ان التراضي علي المعاوضة وقع منوطا به،

و لازمه كون الجهالة فيه قادحة، و الاقوي اعتبار العلم، لعموم نفي الغرر الا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع، (1) كبيض الدجاج. و قد مر بما ينفع هذا المقام في شروط العوضين و سيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان ان شاء الله.

______________________________

فإن الشرط التزام و غير مربوط بالبيع و بما يتقوم به، و لا يوجب خطرا فيه بما هو بيع،

و كونه كذلك بالاضافة الي الغرض العقدي- لا يوجب كون البيع الانشائي كذلك.

و أما الجهة الثالثة فقد تقدم تنقيح القول فيها و عرفت أنه لا شرط موضوعا إلا في ضمن العقد.

و أما الجهة الرابعة فلا كلام في أن الشرط مطلقا تابع للعقد في مقام الأثبات و الإنشاء، و لكن ربما يكون المشروط مستقلا في عالم الثبوت، و ربما يكون تابعا في ذلك المقام بالتبعية الذاتية العرفية كتبعية بيض الدجاجة لها و المفتاح للدار و نحو ذلك،

و الذي وقع محل الكلام إنما هو القسم الأول،

و أما الثاني فلا اشكال في أن الجهل به لا يضر، لأن التابع يملك بتبع المتبوع و إن لم يلتفت إليه فضلا عما التفت إليه و ذكر مع عدم الإحاطة به.

(1) قوله الا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع اورد عليه السيد (قدس سره) بان هذا

مناف لما ذكره من انه يستلزم دائما مقدارا من الغرر مع ان الشرط في الغالب يعد تابعا غير مقصود بل هو كك دائما و لكن قد ظهر مما ذكرناه في الجهة الرابعة دفع هذا الايراد فان التبعية التي ارادها في هذه العبارة هي التبعية بالمعني الثاني و ما ذكره (رحمه الله) من ان الشرط تابع دائما انما هو التبعية بالمعني الاول فلاحظ و تدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 279

الشرط السابع ان لا يكون مستلزما لمحال، (1) كما لو شرط في البيع ان يبيعه علي البائع، فإن العلامة قد ذكر هنا انه مستلزم للدور. (2) قال في التذكرة: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا أو لا و إلا جاء الدور لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور اما لو شرط ان يبيعه علي غيره، فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة، لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر،

______________________________

يعتبر أن لا يكون الشرط مستلزما للمحال

(1) من الشروط: و هو السابع في المتن ان لا يكون مستلزما لمحال كما لو شرط في البيع أن يبيعه علي البائع.

البحث في هذه المسألة يقع في جهتين:

الاولي: في أصل الحكم بلحاظ النص و الفتوي.

الثانية: في تطبيق الفساد علي القواعد.

أما الجهة الاولي فسيأتي الكلام فيها في حكم الشرط الفاسد، و في النقد و النسيئة.

و أما الجهة الثانية فقد استدل للبطلان المنسوب الي المشهور بوجهين:

(2) الاول: ما عن العلامة (رحمه الله) من لزوم الدور و تقريبه من وجهين:

أحدهما: ان بيعه له يتوقف علي ملكيته، و ملكيته تتوقف علي حصول الشرط و هو بيعه له فيلزم الدور،

و

لا ينتقض باشتراط بيعه من غيره، فإنه في نفسه معقول، و لا يكون الشرط متوقفا علي الملك، لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل. و الفضولي.

و فيه: أن هذا الوجه يتم علي أحد المسلكين و هما كون الشرط من قبيل الشرط المصطلح عند أهله و هو ما يلزم من عدمه العدم، و بعبارة اخري: ما هو من أجزاء العلة،

و توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار من غير فرق بين المتصل منه و المنفصل، إذ علي الاول يكون حصول البيع الأول متوقفا علي البيع الثاني، و توقف الثاني علي الأول واضح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 280

لجواز ان يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط البيع علي البائع، انتهي.

و سيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد و النسية. و قد صرح في الدروس بأن هذا الشرط باطل لا للدور، بل لعدم القصد الي البيع (1) و يرد عليه و علي الدور النقض بما إذا اشترط البائع علي المشتري ان يقف المبيع عليه و علي عقبه، فقد صرح في التذكرة بجوازه، و صرح بجواز اشتراط رهن البيع علي الثمن مع جريان الدور فيه.

______________________________

و علي الثاني ما لم يتحقق الشرط و لم يصر البيع لازما لا يحصل الملك، و ما لم يحصل الملك لا يصح البيع الثاني، فإنه من قبيل البيع للمالك، و المبنيان فاسدان.

أما الأول: فلأن الشرط في المقام غير الشرط المصطلح، بل هو التزام في ضمن التزام، و لا يكون البيع معلقا علي الشرط، بل لزومه متوقف عليه.

و أما الثاني، فلأن الملك يحصل بتمامية البيع، و لزومه يتوقف علي انقضاء زمان الخيار، و علي هذا فالبيع الأول و الملكية الحاصلة منه

لا يتوقفان علي البيع الثاني فلا دور ثانيهما: أن الشرط لا بد و أن يكون مقدورا و مملوكا للشارط، و هذا منتف في المقام،

فإنه حين الاشتراط يكون المبيع ملكا للبائع، و لم ينتقل بعد الي المشتري، فاشتراط بيعه علي نفسه مرجعه الي اشتراط بيع المال علي مالكه و هو غير معقول.

و فيه: أن الشرط بيعه منه بعد ما انتقل عنه و صار ملكا للمشتري، و هذا في ظرفه معقول و مقدور له، و لا يعتبر أن يكون الشرط حين الاشتراط معقولا و مقدورا.

(1) الثاني: ما عن الشهيد (رحمه الله) من عدم القصد لان مثل هذا الشخص لا يريد قطع علاقة الملك عن نفسه و العقد متقوم بالقصد.

و فيه: أنه إن اريد بذلك أنه لا غرض عقلائي له في هذا البيع،

فيرد عليه أولا: أنه لا يعتبر في صحة العقد وجود الغرض العقلائي.

و ثانيا: أنه ربما يكون موجودا من التخلص عن حنث النذر و غيره.

و إن اريد به أنه لا قصد جدي به، فيرد عليه: أن شرط عود الملك مؤكد لشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 281

الشرط الثامن ان يلتزم به في متن العقد (1)، فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به علي المشهور، بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف و سيأتي لأن المشروط عليه ان انشاء الزام الشرط علي نفسه قبل العقد كان الزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا، و ان كان اثره مستمرا في نفس الملزم الي حين العقد بل الي حين حصول الوفاء و بعده نظير بقاء اثر الطلب المنشئ في زمان الي حين حصول المطلوب، و ان وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه،

فإذا ترك ذكره في العقد، فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن ان

______________________________

خروجه، إذ لو لا خروجه عنه لم يكن معني لعوده إليه،

فالانصاف أنه لا محذور في هذا البيع من حيث القاعدة.

نعم ورد النص علي البطلان في بعض فروض المسألة، و سيأتي الكلام فيه.

يعتبر ذكر الشرط في متن العقد

(1) قوله الشرط الثامن ان يلتزم به في متن العقد و لا يخفي أن محل الكلام غير الشروط الارتكازية العقلائية ككون المبيع صحيحا،

و نحو ذلك التي تكون بسبب تعاهدها عند العقلاء مدلولة للعقود التزاما و لو لم تذكر في متن العقد،

كما أن محل الكلام ليس هو الشرط الذي غفل عنه حين العقد، فإنه لا شبهة في عدم لزوم الوفاء به،

بل محل الكلام الشرط الذي تواطئ المتعاقدان عليه قبل العقد أو أنشأه و كانا متوجهين إليه حين العقد و هو علي قسمين:

الأول: ما لا يكون من قصدهما بناء العقد عليه و لا يوقعانه مبنيا عليه، لا كلام في عدم لزوم الوفاء به، فإن الشرط من الامور الانشائية، و لا يتحقق بدون الانشاء الاعتبار النفساني.

الثاني: ما يقع العقد مبنيا عليه، و هذا هو مورد البحث، و فيه أقوال:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 282

نعم يمكن ان يقال: ان العقد إذا وقع مع تواطؤهما علي الشرط. كان قيدا معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون الا مع العمل بذلك الشرط، و يكون العقد بدونه تجارة لاعن تراض، إذ التراضي وقع مقيدا بالشرط، فانهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين، فلا فرق بين ان يقول بعتك العبد بعشرة،

و شرطت لك ماله بين تواطؤ هما علي كون مال العبد للمشتري، فقال بعتك العبد بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري، هذا مع ان الخارج من

عموم: المؤمنون عند شروطهم، هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعم محل الكلام و علي هذا، فلو تواطئا علي شرط فاسد فسد العقد المبني عليه و ان لم يذكر فيه نعم لو نسيا الشرط المتواطؤ عليه، فاوقعا العقد غير بانين علي الشرط، بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد، و عدم لزوم الشرط هذا،

و لكن الظاهر من كلمات الاكثر عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد، و عدم اجراء احكام الشرط عليه، و ان وقع العقد مبنيا عليه، بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الاجماع علي عدم لزوم الوفاء بما يشترط، لا في عقد (1) بعد ما ادعي هو قدس سره الاجماع علي انه لا حكم للمشروط إذا كانت قبل عقد النكاح و تتبع كلماتهم في باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي

______________________________

أحدها: صحة العقد و الشرط.

ثانيها: صحة العقد و بطلان الشرط.

ثالثها: بطلان الشرط و العقد.

و قد استدل للثاني بوجوه:

(1) الاول: الاجماع و فيه أولا: أنه غير متحقق، لأن ما ذكره المصنف (رحمه الله) من كلمات القوم لا يدل علي ذلك، إذ ما ذكروه من عدم لزوم الوفاء بالشرط لا في عقد مما لا كلام فيه و هو غير المفروض و هو الشرط المبني عليه العقد،

و ما ذكروه في باب الربا و المرابحة إنما يكون مع مجرد المقاولة و الاطمينان بالعمل علي طبقها لامع تقيد العقد به،

و ما ذكروه في عقد النكاح إنما هو محمول علي سبق المقاولة خاصة أو علي كونه من قصد الزوج فقط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 283

فتراهم يجوزون في باب الربا و الصرف الاحتيال في تحليل معاوضة احد المتجانسين بازيد منه ببيع الجنس بمساويه،

ثمّ هبة الزائد من دون ان يشترط ذلك في العقد، فإن الحيلة لا تتحقق الا بالتواطي علي هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا الي ما بعده. و قد صرح المحقق و العلامة في باب المرابحة بجواز ان يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد، مع قصدهما نقله بعد ذلك الي البائع ليجيز بذلك الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا. و معلوم ان المعاملة لاجل هذا الغرض لا يكون الا مع التواطي و الالتزام بالنقل ثانيا، نعم خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بان المشتري ينقله إليه

______________________________

و ثانيا: أنه ليس إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام).

الثاني: الأخبار الواردة في باب النكاح المتضمنة لعدم العبرة بالشرط السابق علي عقد النكاح، و أنه يهدم ما كان قبله من الشروط.

و فيه أن تلك النصوص تدل علي عدم العبرة بالشرط السابق، و هذا مما لا كلام فيه، إنما الكلام في ما أوقعا العقد مبنيا علي ذلك الشرط السابق الذي هو حقيقة الشرط،

لأنه من مقولة المعني و اللفظ مبرز له، و هذه النصوص لا تدل علي عدم الاعتبار بذلك.

و بالجملة أن مفاد هذه النصوص اعتبار وقوع النكاح مبنيا علي ما تواطئا عليه،

و هذا مما لا شك فيه، و ليس فيها ما يشهد بكون العبرة باللفظ المذكور في ضمن العقد.

الثالث: أن الشرط من الانشائيات، فتحققه يتوقف علي الانشاء و الإيجاد، و لا يكون موضوع الحكم بدون الانشاء،

و فيه: أن هذا بديهي، و لكن انشاءه إنما هو بالاعتبار النفساني و اللفظ مبرز لذلك،

و الكلام إنما هو في اعتبار المبرز.

الرابع: ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) و حاصله: أن الانشائيات و منها: الشرط

لا بد و أن تبرز بمبرز و إلا لا يعتني بها عند العقلاء و لا يرتبون الأثر عليها.

نعم لا يعتبر مبرز خاص، و لذا يعتني بما هو من قبيل الشروط الضمنية حيث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 284

من دون التزام ذلك و ايقاع العقد علي هذا الالتزام لكنه تقييد لإطلاق كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا.

و بالجملة، فظاهر عبارتي الشرائع و التذكرة ان الاشتراط و الالتزام من قصد هما و لم يذكراه أي الاشتراط و الالزام لفظا لا أن النقل من قصد هما فراجع، و أيضا فقد حكي عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعين إذا خلي عن ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب الي الخلاف و المختلف: صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع، لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة الي الخلاف،

بل المختلف فراجع، ثمّ ان هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه، و هو بطلان العقد الواقع علي هذا الشرط. لأن الشرط من أركان العقد المشروط، بل عرفت أنه كالجزء من أحد العوضين، (1) فيجب ذكره في الايجاب و القبول كأجزاء العوضين. و قد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا،

كما إذا قال بعني بدرهم فقال: بعتك. فقال المشتري قبلت

______________________________

إن تعاهدها عند العرف يوجب صيرورتها من المدلولات العرفية للفظ و إن لم يقصدها المتعاقدان، و الشرط الذي تبانيا عليه لا يكون مدلولا للفظ أبدا، إذ تباني المتكلم و المخاطب علي معني لا يوجب صيرورة اللفظ دالا عليه بنحو من الدلالة، فلا يعتني به و فيه: أن ما أفاده من اعتبار الابراز في الانشائيات مما

لا إشكال فيه في الجملة، إلا أن المتيقن من ذلك ما هو مستقل في الاعتبار كالبيع و شبهه، و أما ما يكون تابعا و من ضمائم إنشائي آخر فلا دليل علي اعتبار الابراز بالاضافة إليه،

فالأظهر هو القول الثاني.

و لكن الانصاف أن دعوي كون موضوع الأحكام التكليفية و الوضعية في باب الانشائيات و المعاملات هو ما ابرز بقول أو فعل قريبة، و الاحتياط سبيل النجاة.

(1) و أما الثالث: فقد استدل له المصنف (رحمه الله) بانه إذا كان مقصود هما انشاء البيع المشروط يكون الشرط من أركان العقد المشروط، بل قد مر أنه كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في الايجاب و القبول، و إلا فسد العقد بفساد ركنه.

و فيه: أنه لو تم ذلك لزم منه عدم تحقق البيع المشروط لا بما أنه عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 285

و سيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك ان شاء الله تعالي.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع، و هو تنجيز الشرط (1) بناء علي ان تعليقه يسري الي العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط الي جزء من احد العوضين، فإن مرجع قوله بعتك هذا بدرهم، علي ان تخيط لي ان جاء زيد علي وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب علي تقدير مجي ء زيد، بل يؤدي الي البيع بثمنين علي تقديرين فباعه بالدرهم المجرد علي تقدير عدم مجي ء زيد، و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب علي تقدير مجيئه، و يندفع بأن الشرط هو الخياطة علي تقدير المجي ء، لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق الي اصل المعاوضة الخاصة، و مجرد رجوعهما في المعني الي امر واحد لا يوجب البطلان. و لذا اعترف بعضهم بان مرجع قوله: انت

وكيلي إذا جاء رأس الشهر في ان تبيع.

______________________________

و دعوي: أن المقصود هو المشروط فوقوع غيره وقوع لما لم يقصد مندفعة بان الشرط ليس من قيود البيع، بل يكون إنشاء البيع مطلقا، و لزوم الوفاء به معلقا علي الشرط.

يعتبر التنجيز في الشرط

(1) قال المصنف: قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط و الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في أن التعليق في الشرط هل يوجب بطلانه أم لا؟

الثانية: في أنه هل يوجب بطلان البيع أم لا؟

أما لجهة الاولي، فإن كان مدرك اعتبار التنجيز في العقود استحالة التعليق في الانشاء أو انصراف أدلة الامضاء عن المعلق، أو اعتبار الجزم في الانشاء بطل الشرط المعلق، لجريان هذه الوجوه بعينها فيه.

و إن كان المدرك هو الإجماع كما ذكرناه في الجزء الرابع من هذا الشرح لم يبطل، إذ القدر المتيقن منه العقود، بل البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 286

و أنت وكيلي في ان تبيع إذا جاء رأس الشهر الي واحد مع الاتفاق علي صحة الثاني، و بطلان الاول.

نعم ذكر في التذكرة: انه لو شرط البائع كونه احق بالمبيع لو باعه المشتري،

ففيه اشكال، لكن لم يعلم ان وجهه تعليق الشرط، بل ظاهر عبارة التذكرة، و كثير منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن، و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار

______________________________

و أما الجهة الثانية، فقد استدل لبطلان البيع بوجهين:

الأول: أن التعليق في الشرط موجب للتعليق في البيع، فإن شرط الشرط شرط، فما علق عليه الشرط في الحقيقة يكون معلقا عليه نفس البيع، المشروط.

و

فيه أولا: أن التعليق إنما يكون في متعلق الشرط و الملتزم به لا في الشرط و الالتزام، مثلا: الشرط في قول: بعتك هذا بدرهم علي أن تخيط ثوبي أن جاء زيد، هو الخياطة علي تقدير المجي ء لا الخياطة المطلقة.

و ثانيا: أن الشرط ليس جزء من أحد العوضين، بل هو التزام في ضمن التزام،

فالتعليق فيه لا يسري الي البيع.

الثاني: أن مرجع التعليق في الشرط الي البيع بثمنين و هو الدرهم علي تقدير، و مع الضميمة علي تقدير آخر.

و الجواب عن ذلك بإرجاع التعليق الي متعلق الشرط لا يكفي، فإن المحذور هو اختلاف الثمن علي التقديرين،

بل الحق في الجواب هو المنع عن كون الشرط جزء للثمن، و قد تقدم تنقيح القول في ذلك.

و عن المحقق النائيني الاستدلال لصحة الشرط المعلق: مضافا الي أنها مقتضي العمومات: بما ورد في امرأة مكاتبة أعانها ولد زوجها علي أداء مال كتابتها مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق من نفوذ الشرط و صحته مستشهدا بعموم: المسلمون عند شروطهم، و لا بأس به،

فتحصل ان الأظهر صحة العقد و الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 287

مسألة: في حكم الشرط الصحيح (1)
اشارة

و تفصيله: ان الشرط اما ان يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي، ككون العبد كاتبا، و الجارية حاملا، و نحوهما. و أما ان يتعلق بفعل من افعال احد المتعاقدين أو غيرهما، كاشتراط إعتاق العبد، و خياطة الثوب، و أما ان يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، (2) كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما، و لا إشكال في انه لا حكم للقسم الاول الا الخيار،

مع تبين فقد الوصف المشروط

______________________________

حكم الشرط الصحيح

(1) مسالة في حكم الشرط الصحيح و تفصيله: أن الشرط إما أن يتعلق

بصفة من صفات المبيع الشخصي، و إما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما، و إما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية و النتيجة.

(2) و ظاهر المصنف و المحقق النائيني (رحمه الله) انه في موارد شرط النتيجة يكون المشروط هو اعتبار الشارع، و عليه قسما الشرط الي أقسام ثلاثة: شرط الوصف، شرط الغاية و النتيجة شرط الفعل.

و لكن الظاهر أن متعلق الشرط فيها هو الاعتبار النفساني للمتعاقدين الذي هو تحت اختيارهما دون الاعتبار الشرعي الخارج عن تحت قدرتهما، و عليه ففي تلك الموارد أيضا يكون من قبيل شرط الفعل، غاية الأمر يكون الفعل المشروط قسمين: أحدهما: ما هو من قبيل الاعتبار النفساني الذي يوجد بنفس الشرط و الالتزام،

ثانيهما: ما لا يوجد به كالخياطة.

حكم شرط الوصف

و كيف كان فالكلام في موارد:

الأول: ما إذا كان الشرط متعلقا بصفة من الصفات.

و الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في بيان مراد المصنف، و أنه هل يكون ملتزما بفساد شرط الوصف أو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 288

إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معني لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم. (1)

______________________________

صحته؟ لا يبعد القول بأنه ملتزم بعدم صحته من جهة قوله:

(1) فلا معني لوجوب الوفاء فيه. و عموم: المؤمنون مختص بغير هذا القسم فإنه استدل لبطلان شرط النتيجة بمثل ذلك، و حكمه بالخيار لعله من جهة إرجاع شرط الوصف الي التوصيف، و الخيار من باب تخلف الوصف لا تخلف الشرط، و قد صرح المصنف (رحمه الله) في مسألة اشتراط المقدورية برجوع شرط الوصف الي التوصيف.

الثانية: في بيان ما هو الحق،

و قد استدل لبطلان شرط الوصف بوجوه:

الأول: عدم المعقولية، فإن الوصف إما حاصل أولا، و علي التقديرين

لا معني لالتزامه.

و ما أفاده السيد الفقيه من أن الالتزام بالوصف الحالي و إن كان لا يعقل حقيقة عقلية إلا أن الالتزام العرفي يمكن تعقله و تحققه، فإنا نراهم يلتزمون بأمثال ذلك، فيقولون علي عهدتي أن يفعل فلان كذا. أو أن يكون البيع متصفا بكذا غريب، فإن ذلك من العرف إنما هو في مقام الأخبار، و تثبيت ما أخبر عنه، و لا دخل له بما هو من قبيل الانشاء.

و فيه: أن الشرط لا يكون منحصرا في الالزام و الالتزام، بل قد يكون تقييدا محضا لا للبيع، بل للالتزام بالمعاملة، و من الواضح معقولية تعليق الالتزام بالمعاملة علي ما هو خارج عن تحت القدرة و الاختيار.

الثاني: أن الالتزام بالوصف إن كان معقولا لا معني لصحته، إذ لا يتحقق شي ء به،

و لا يترتب عمل حتي يكون صحته بمعني تأثيره فيه، و الخيار حكم الشرط الصحيح لا أنه مصحح للشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 289

و أما الثالث: فإن اريد باشتراط الغاية اعني الملكية و الزوجية و نحوهما اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعية فيرجع الي الثاني و هو اشتراط الفعل و ان أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط، فإن دل الدليل الشرعي علي عدم تحقق تلك الغاية 2 الا بسببها الشرعي الخاص، كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب و السنة، كما انه لو دل الدليل علي كفاية الشرط فيه ولاك، كالة، و الوصاية، و كون مال العبد، و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشتري، فلا اشكال. و أما لو لم يدل دليل علي احد الوجهين، كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع

لأحد العوضين،

كالامثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا و نحو ذلك.

______________________________

و فيه انه إذا كان الالتزام بالوصف صحيحا كان معناه تعليق الالتزام بالبيع عليه،

و مع عدمه لا يكون ملزما بالوفاء بالعقد، و لو كان موجودا يكون ملزما به، و هذا هو الأثر المهم.

الثالث: أن شرط الوصف حيث أنه لا يقدر علي تحصيله لا معني لوجوب الوفاء به،

فعموم المسلمون عند شروطهم «1» لا يشمله.

و فيه: أنه و إن تقدم في الجزء الثالث في مبحث المعاطاة: ان مفاد: المسلمون عند شروطهم: وجوب العمل بالشرط تكليفا، و لا يكون ذلك متكفلا لحكم وضعي من الصحة و اللزوم، و عليه فلا يشمل شرط الوصف إلا أنه لا ينحصر الدليل بذلك و مقتضي قوله (صلي الله عليه و آله): الشرط جائز بين المسلمين «2» أي نافذ صحة هذا الشرط،

فالأظهر صحته و نفوذه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع بيع الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 290

ففي صحة هذا الشرط اشكال (1) من اصالة عدم تحقق تلك الغاية. الا بما علم كونه سببا لها و عموم المؤمنون عند شروطهم، (2) و نحوه لا يجري هنا، لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به، و من ان الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتيب الآثار عليه، نظير الوفاء بالعهد، و يشهد له تمسك الامام (عليه السلام) بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التي اعانها ولد زوجها علي اداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق،

______________________________

حكم شرط النتيجة

المورد الثاني في شرط الغاية و النتيجة.

(1) قال المصنف ففي صحة هذا الشرط اشكال و محل الكلام في

هذا المقام: هو اشتراط الغاية و النتيجة بالمعني المتقدم المعقول، و هو اشتراط اعتبار الشارط لا الشارع لاعن أسبابها و مبرزاتها الخاصة، بل بنفس الاشتراط، و عليه فإن علم كون غاية خاصة لا يعتبر فيها لفظ مخصوص و سبب خاص لا إشكال في صحة الشرط و نفوذه، لا.

(2) لقوله (عليه السلام): المسلمون عند شروطهم، «1»

لما عرفت من كونه متضمنا لبيان حكم تكليفي و الشرط في الفرض ليس فعلا يترقب كي يجب الوفاء به،

بل لقوله (عليه السلام): الشرط جائز بين المسلمين. «2» و الأدلة الخاصة الدالة علي أن الشرط الذي لا يخالف كتاب الله يجوز علي المشترط و إن علم أنه يعتبر فيها سبب خاص و ليس الشرط منه- لا كلام في فساده، لكونه خلاف الكتاب و السنة.

و أما إن لم يدل دليل علي أحد الوجهين، فإن بنينا علي جريان أصالة عدم المخالفة يحكم بالصحة و النفوذ، لأن أدلة نفوذ الشرط دلت علي نفوذ كل شرط و صحته خرج عنها الشرط المخالف للكتاب، فلو شك في شرط أنه مخالف أم لا إذا جري هذا الأصل يدخل ذلك في المستثني منه، و تشمله أدلة النفوذ، و علي ذلك فإشكال المصنف (رحمه الله) في صحة هذا الشرط مع بنائه علي جريان الأصل المشار إليه لا وجه له

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار.

(2) الخلاف ج 2 ص 8 كتاب البيوع، بيع الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 291

______________________________

و إن بنينا علي عدم جريانه فحيث إنه يشك في كون الشرط مخالفا للكتاب،

فالتمسك بعموم دليل نفوذ الشرط تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز،

فيرجع الي أصالة عدم تحقق تلك الغاية.

و للسيد الفقيه و المحقق النائيني (رحمه الله) كلام في المقام، و

هو- أن الشك في كون شرط مخالفا للكتاب من قبيل الشبهة الحكمية بحسب الغالب دون المصداقية.

و محصل ما أفاده المحقق النائيني (رحمه الله) أن الشك في كون شرط كذلك و إن كان قد يتفق من جهة الشبهة المصداقية، كما لو شك في أن من يشترط ملكية المصحف له كافرا إلا أن الغالب كون منشأ الشك: الشك في الحكم الشرعي، و أن الحكم الفلاني هل يكون مجعولا في الشريعة حتي يكون اشتراط خلافه مخالفا للكتاب أم لا؟ أو أن السبب لهذا الأمر الاعتباري هل هو شي ء خاص أم كل ما يكون مبرزا له؟ فتكون الشبهة حكمية أو مفهومية لا مصداقية؟ و لا مانع من التمسك بالعموم في تلكم الموارد.

ثمّ أورد علي نفسه: بأن العام حيث خصص بالمخصص المتصل فإجمال المخصص يسري الي العام، فلا يتمسك به و أجاب عنه: بأن هناك عمومات لم تخصص، و واضح أن إجمال ما اتصل به المخصص لا يسري الي ما لم يتصل به.

و فيه: ان الميزان في كون الشبهة مصداقية لا يتمسك فيها بالعموم، أو حكمية يتمسك فيها به الي ملاحظة المشكوك فيه بالإضافة الي العام، فإذا كان الشك من جهة حكمية و لكن بالإضافة الي العام الذي يتمسك به مصداقية لا يجور التمسك به،

و المقام من هذا القبيل، فإن الشك في الحكم الفلاني أو أن الغاية المخصوصة هل جعل لها سبب خاص أم لا؟ و إن كان حكميا إلا أن ذلك بالإضافة الي عموم دليل الشرط مصداقية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 292

مضافا الي كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد (1) و أما توقف الملك و شبهه علي اسباب خاصة، فهي دعوي غير مسموعة مع

وجود افراد اتفق علي صحتها، كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما. و دعوي تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة، لعدم صلاحية ذلك للفرق (2)

______________________________

فإن المخالف للكتاب مفهومه مبين، و حكمه واضح لا شك في شي ء منهما، و الشك إنما يكون مصداقيا من هذه الجهة، فالتمسك بعموم دليل نفوذ الشرط تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجوز،

و لكن حيث عرفت أنه تجري أصالة عدم المخالفة، ففي مورد الشك يرجع الي عموم دليل نفوذ الشرط.

و يشهد لصحة هذا الشرط و تمامية الاستدلال بالعموم: ما تضمن عدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها علي أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق، مستشهدا بهذا العموم.

(1) و قد استدل لصحة هذا الشرط بدليل الوفاء بالعقود و فيه: أن الشرط ليس جزء للعقد، بل هو التزام في التزام.

و لكن مع تسليم المبني لا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني (رحمه الله) بقوله:

إذا كان دليل المؤمنون مختصا بشرط الفعل كان دليل أوفوا أولي بالاختصاص،

لصراحته في التكليف الموجب للاختصاص،

فإن دليل المؤمنون، بما ان مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه لا عدم انفكاك الشرط عن المؤمن و هذا ليس صفة في الشرط، بل صفة في المؤمن لا محالة، يكون ظاهرا في كونه متضمنا لحكم تكليفي بخلاف آية الوفاء.

نعم يرد عليه إيراد آخر و هو: ما ذكرناه في مبحث المعاطاة من أنه لو كان الامر بالوفاء إرشاديا يكون إرشادا الي اللزوم لا إلي الصحة، فراجع.

(2) قوله مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفرق لا كلام في ان التابع ان كان تابعا بنفسه كالزوائد المتصلة في الحيوان مثل صوفه و وبره يملك بتبع العين و لو لم يشترط بل و لو

لم يلتفت إليه حين العقد- كما انه لو صار تابعا بالاشتراط يصير من لو احق المتبوع و يملك بتبعه كما في الدابة و حملها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 293

مع انه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع اخري، كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه، و ان انضم الي معلوم. و كيف كان، فالاقوي صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع اناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه الغايات (1) بان ينذر كون المال صدقة أو الشاة اضحية أو كون هذا المال لزيد.

و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعني ترتب الآثار، و انما الخلاف و الاشكال في القسم الثاني و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل. (2)

و الكلام فيه يقع في مسائل:

الاولي: في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي (3) ظاهر المشهور هو

______________________________

و هذا لا ينافي توقف حصول الملكية علي سبب خاص إذا لمعاوضة حقيقة و انشاء بين المتبوع و عوضه فما افاده المصنف (رحمه الله) غير تام.

(1) قوله كما يصح نذر مثل هذه الغايات لا يخفي ان من استشكل في شرط النتيجة كصاحب الجواهر (رحمه الله) استشكل في نذر النتيجة ايضا اللهم الا ان يقال ان هذا ايراد عليه بلحاظ ما عن سيد المدارك من اسناد صحة هذا النذر الي قطع الاصحاب.

وجوب الوفاء بالشرط

(2) المورد الثالث: في شرط الفعل، و الكلام فيه في طي مسائل:

(3) الاولي: ظاهر المشهور وجوب الوفاء من حيث التكليف و ظاهر الشهيد في اللمعة عدم وجوب الوفاء.

لا يخفي أن نزاع الشهيد و غيره حيث حكم الشهيد بعدم وجوب الوفاء به

تكليفا،

و أن أثره في شرط الفعل خصوص الخيار و قلب اللازم جائزا، و حكم غيره بوجوب الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 294

______________________________

إنما هو النزاع في أن الشرط هل هو التعليق كما عليه الشهيد، أو الالتزام كما عليه غيره؟

فالأولي صرف عنان الكلام الي ذلك،

ثمّ الكلام في الدليل علي وجوب الوفاء.

أما المقام الأول، فمحصل ما أفاده الشهيد (رحمه الله) أن العقد له إطلاقان: أحدهما من حيث فعلية الصحة، الثاني من حيث اللزوم.

و بعبارة اخري: أن العقد بالتحليل منحل الي الالتزام بالملكية مثلا، و الالتزام بعدم رفع اليد عنه و الوفاء بالالتزام الأول.

و الشاهد عليه: أن بعض القيود لا معني لرجوعه الي العقد بالإطلاق الأول كما لا معني لكونه قيدا لأحد العوضين كشرط الخيار، فإنه لا يعقل إلا أن يكون قيدا للعقد بالإطلاق الثاني، إذ لا خيار إلا في فرض الصحة و الملكية، و الشرط إن جعل قيدا للعقد بالإطلاق الأول بطل العقد، و لكن المجعول في باب الشرط هو كونه قيدا له بالإطلاق الثاني، أي الالتزام بالوفاء بالعقد،.

و عليه فإن كان المشروط من قبيل الغايات يحصل بمجرد الاشتراط، و يلزم بلزوم العقد، و إن كان من قبيل الأفعال فلا محالة يتوقف لزوم العقد عليه، و هذا معني جعل العقد عرضة للزوال، و هذا يختص بخصوص شرط الفعل و هو واضح.

و بهذا البيان اندفع جميع ما أورده المصنف (رحمه الله) عليه التي مبناها تعليق أصل العقد علي المشروط.

و لكن الذي يرد علي الشهيد (رحمه الله) أنه و إن كان حقيقة الشرط قائمة بالتعليق و بدونه لا يصدق عليه الشرط، إذ مجرد كون الالتزام الشرطي في ضمن الالتزام البيعي بلا ربط لأحدهما بالآخر لا يوجب صدق عنوان الشرط، فلا

بد و أن يكون العقد مرتبطا به،

فالتعليق مأخوذ في حقيقة الشرط،

إلا أن المتعارف بين الناس في موارد اشتراط الفعل الالتزام بالفعل أيضا، بل ربما يكون هو المقصد الأصلي، و علي اي تقدير ما افاده لا يصلح دليلا علي عدم وجوب الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 295

الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم (1) و العلوي من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم (2) الا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما و يؤكد الوجوب ما ارسل في بعض لكتب من زيادة قوله الا من عصي الله (3) في النبوي بناء علي كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط،

______________________________

و لا ينافي معه، كي يعارض الأدلة التي ستمر عليك.

(1) و أما المقام الثاني فيشهد بوجوب الوفاء: قوله (صلي الله عليه و آله): المؤمنون عند شروطهم «1».

و تقريب دلالته علي الحكم التكليفي: أن ظاهر كون المؤمن عند شرطه ملازمته إياه و قيامه بمقتضاه، و الأخبار بالتحقق يناسب إرادته و البعث نحوه، و حيث إنه متضمن لكون المؤمن عند شرطه لا عدم انفكاك الشرط عن المؤمن فلا يناسب ذلك الوضع، بل يناسب التكليف كما مر تحقيقه في مبحث المعاطاة.

و أما تقريب دلالته علي الوجوب دون الندب فبأمور:

الأول: ما حقق في محله من أن دلالة الجملة الخبرية علي الوجوب أقوي من دلالة الأمر عليه.

(2) الثاني: انه استدل بمثله علي الامر بالوفاء لاحظ: العلوي: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم. «2» و نحوه غيره:

الثالث: جعل المؤمن موضوعا: فإن مفهوم القضية أن من لا يفي بشرطه لا يكون مؤمنا و لا يكون كذلك إلا بكونه عاصيا و خارجا عما هو وظيفة المؤمن.

(3) الرابع: ما

في بعض الروايات من زيادة قول: الا من عصي الله فانه استثناء من المشروط عليه قطعا، لكونه استثناء ممن يجب عليه الوفاء و القيام بالشرط و هو المشروط عليه

______________________________

(1) الخلاف ج 2 ص 8.

(2) الوسائل- باب 40- من ابواب المهور كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 296

هذا كله مضافا الي عموم وجوب الوفاء بالعقد (1) بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة، و ربما ينسب الي غيره حيث قال انه لا يجب علي المشروط عليه فعل الشرط، و إنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال،

و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه (قدس سره)

______________________________

دون الشارط، و ظاهر العصيان هو المخالفة للتكليف، و احتمال إرادة المعصية بنفس الالتزام فيكون مساوقا لأخبار استثناء ما خالف الكتاب متوقف علي حرمة الالتزام بالمعصية،

و بخلاف حكم الله، و لا دليل عليه.

و قد استدل لعدم دلالته علي الوجوب، بل دلالته علي الندب بوجهين:

الأول: ما افاده جمع و هو: أن تعليق الوفاء علي الايمان دليل الفضل و الندب، بل عن المحقق الايرواني (رحمه الله) أن ذلك كاشف عن عدم صوغ القضية في إنشاء الحكم و إلا فأي اختصاص للمؤمن في ذلك فتحمل القضية علي ظاهرها و هو الأخبار.

و فيه: ما عرفت من أن مفهومه أن من لا يفي بشرطه غير مؤمن، و هذه المبالغة تناسب وجوب الوفاء كما لا يخفي.

الثاني: أن الحمل علي الوجوب مستلزم للتخصيص الكثير، لعدم وجوب الوفاء بالشروط الفاقدة لأحد شروطها الثمانية، و لعدم وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في العقود الجائزة بالذات، أو لكونها خيارية.

و فيه: أن الشرط الفاسد خارج عن تحت ذلك الدليل علي جميع التقادير، و

الشرط في ضمن العقد الجائز يجب الوفاء به، و جواز العقد لا ينافي وجوبه كما تقدم غير مرة،

فالأظهر وجوب الوفاء.

(1) قوله مضافا الي عموم وجوب الوفاء بالعقد قد مر عدم صحة الاستدلال به علي ذلك فان الشرط ليس جزء لأحد العوضين و بما حققناه يظهر ما في ساير كلمات المصنف (رحمه الله) في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 297

في بعض تحقيقاته، و هو ان الشرط الواقع في العقد اللازم ان كان العقد كافيا في تحققه، و لا يحتاج بعده الي صيغة، فهو لازم لا يجوز الاختلال به كشرط الوكالة و ان احتاج بعده الي امر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا و جعل السر فيه ان اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من الايجاب و القبول فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد امر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد و المعلق علي الممكن و هو معني قلب اللازم جائزا،

انتهي.

قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام: و الاقوي اللزوم مطلقا، و ان كان تفصيله اجود مما اختاره هنا.

اقول ما ذكره (قدس سره) في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة، لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ، و انه هل يصير واجبا علي المشروط عليه ام لا، كما ذكره الشهيد في المتن، فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس الا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له، فلا يقال انه يجب فعله أو لا يجب. نعم وجوب الوفاء بمعني ترتيب آثار ذلك الشرط المتحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه،

إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار

أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد أي ثبوت الخيار و عدم ثبوته.

و بالجملة، فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد. نعم، كلام الشهيد في اللمعة اعم منه و من كل شرط لم يسلم لمشترطه، و مراده تعذر الشرط، و كيف كان،

فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام، إذ لا كلام و لا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط عليه، و لا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار،

و لا في ان المشروط عليه يجبر علي ترتيب الآثار، و ان شئت قلت: اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات لا المبادئ.

و مما ذكرنا يظهر ان تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من الاجماع علي لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح، لانه انما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار.

و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم، في التذكرة لو اشتري عبدا بشرط ان يعتقه المشتري صح البيع و لزم الشرط عند علمائنا اجمع، ثمّ ان ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 298

ذكره الشهيد (قدس سره) من ان اشتراط ما سيوجد امر منفصل، و قد علق عليه العقد الخ لا يخلو عن نظر، إذ حاصله ان الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة، و ان كان لا تعليق صورة، فحاصل قوله بعتك هذا العبد علي ان تعتقه، ان الالتزام بهذه المعاوضة معلق علي التزامك بالعتق، فإذا لم يلتزم بالاعتاق لم يجب علي المشروط له الالتزام بالمعاوضة.

و فيه مع ان المعروف بينهم ان الشرط بمنزلة الجزء من احد العوضين، و ان القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعني ايضا، ان رجوعه الي التعليق علي المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد

و ان لم يكن في صورة التعليق ان لازم هذا الكلام اعني دعوي تعليق العقد علي الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

الثانية: في انه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي، فهل يجبر عليه لو امتنع؟ (1) ظاهر جماعة ذلك.

و ظاهر التحرير خلافه، قال في باب الشروط: ان الشرط ان تعلق بمصلحة المتعاقدين، كالاجل و الخيار و الشهادة و التضمين و الرهن، و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة، جاز و لزم الوفاء، ثمّ قال: إذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط، فإن

اعتقه المشتري و إلا ففي اجباره وجهان: اقربهما عدم الاجبار، انتهي.

______________________________

في جواز الإجبار و عدمه

(1) الثانية: في انه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع؟ فيه أقوال أربعة:

الأول: جواز الإجبار.

الثاني: عدمه.

الثالث: التفصيل بينما كان حقا للبائع فلا يجوز الإجبار و بين ما كان حقا لغيره فيجوز كما يظهر من الصيمري.

الرابع: ما يظهر من العلامة، و هو: الفرق بين ما يكون من متعلقات المعاملة كالرهن و الكفيل و تعجيل الثمن فيجوز الإجبار، و بين ما يكون أجنبيا عنها كاشتراط العتق فلا يجوز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 299

و قال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد، فيلزم الشرط في طرف المشترط عليه، فإن اخل به فللمشترط الفسخ، و هل يملك اجباره عليه فيه نظر،

انتهي.

و لا معني للزوم الشرط الا وجوب الوفاء به، و قال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترط عتقه: إذا اعتقه المشتري فقد وفي بما وجب عليه- الي ان قال:

و ان امتنع أجبر عليه، إن قلنا إنه حق لله تعالي، و إن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر، كما في شرط الرهن و

الكفيل، لكن يتخير البائع في الفسخ لعدم سلامة ما شرط، ثمّ ذكر للشافعي وجهين في الإجبار و عدمه. إلي أن قال: و الأولي عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل، انتهي.

و يمكن ان يستظهر هذا القول: اعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الاجبار من كل من استدل علي صحة الشرط بعموم المؤمنون، مع قوله بعدم وجوب الاجبار، كالشيخ في المبسوط، حيث استدل علي صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله (عليه السلام) المؤمنون عند شروطهم، ثمّ ذكر ان في اجباره علي الاعتاق لو امتنع قولين: الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط، و عدم الوجوب و إنما يجعل «يحصل» له الخيار، ثمّ قال: و الاقوي هو الثاني، انتهي.

فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه، و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة مما لا مساغ لإنكاره. بل الاستدلال به علي صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه في عدم افساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا علي ارادة الوجوب منه، إذ لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط و فساده، فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في البيع علي صحته.

ثمّ ان الصيمري في غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق لأنه غير مخالف للكتاب و السنة، فيجب الوفاء به، قال: و هل يكون حقا لله تعالي أو للعبد، أو للبائع؟ يحتمل الاول. الي ان قال: و يحتمل الثالث و هو مذهب العلامة في القواعد و التحرير، لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري علي العتق،

و هو يدل علي انه حق للبائع، و علي القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط باسقاط

البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 300

و علي القول بكونه للبائع بكون المطالبة له و يسقط باسقاطه، و لا يجبر المشتري، و مع الامتناع يتخير المشترط بين الامضاء و الفسخ، و علي القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق، و مع الامتناع يرافعه الي الحاكم ليجبره علي ذلك، و كسبه قبل العتق للمشتري علي جميع التقادير، انتهي.

و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعد ما لاجبار: ان كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف في عدم الاجبار عليه، و هو ظاهر اول الكلام السابق في التذكرة، لكن قد عرفت قوله اخيرا و الاولي ان له اجباره عليه و ان قلنا انه حق للبائع، و ما ابعد ما بين ما ذكره الصيمري و ما ذكره في جامع المقاصد و المسالك من انه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الاجبار حيث قال: و اعلم ان في اجبار المشتري علي الاعتاق وجهين احدهما العدم، لأن للبائع طريقا آخر للتخلص و هو الفسخ. و الثاني له ذلك، لظاهر قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و هو الأوجه، انتهي.

و في المسالك جعل احد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء، و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، و استدل له بعموم الأمر بالوفاء بالعقد (و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله)، و ظاهره وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء و التسلط علي الاجبار. كما ان ظاهر الصيمري الاتفاق علي وجوب الوفاء، بل و علي عدم الاجبار فيما كان حقا مختصا للبائع، و الأظهر في كلمات الاصحاب وجود الخلاف في المسألتين، و

كيف كان،

فالاقوي ما اختاره جماعة من ان للمشروط له اجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، (1)

______________________________

و محل الكلام إنما هو الإجبار المالكي لا الإجبار من ناحية وجوب الأمر بالمعروف.

(1) و قد استدل لوجوب الاجبار في المتن: بما دل علي وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، بتقريب: أنه كما يكون مقتضي العقد ملكية كل من المتبايعين لما انتقل من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 301

فإن العمل بالشرط ليس الا كتسليم العوضين، فإن المشروط له قد ملك الشرط علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط، فيجبر علي تسليمه. و ما في جامع المقاصد من توجيه عدم الاجبار

______________________________

الآخر إليه فيكون مالكا فيجبر طرفه علي تسليمه، كذلك يكون المشروط له مالكا. علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط فيجبر علي تسليمه.

و الظاهر أن هذا مراده (قدس سره) لاما افيد من أن مقتضي وجوب الوفاء لزوم التسليم و العمل، فيجبر لو امتنع الموهم وحدة الخلاف في المسألتين، فإنه (قدس سره) قد فر من ذلك آنفا.

و فيه: أن آية الوفاء بالعقد «1» لا تدل علي نفوذ الشرط، و لزوم العمل، به، فضلا عن كون العمل ملكا للمشروط له، و دليل الوفاء بالشرط قد مر أنه يدل علي الحكم التكليفي لا الملكية.

فالحق- أن يقال: إن جواز الإجبار مبني علي استفادة الاستحقاق من أدلة الشروط و عدمها، إذ بناء علي الاستحقاق يجوز الإجبار لكونه ممتنعا عما يستحقه الغير،

و بناء علي التكليف المحض لا يجوز، من غير فرق علي التقديرين بين القول بوجوب الوفاء و عدمه.

و يمكن الاستدلال للاستحقاق بوجوه:

منها: أن المستفاد من الأدلة و المقطوع به بين الأصحاب جواز إسقاطه، و الحكم لا يقبل الأسقاط.

و منها: قوله (عليه السلام) المتقدم: من شرط

لامرأته شرطا فليف لها به، «2» فإن ظاهر الكلام الاختصاص الملكي و الحقي.

و منها: بناء العقلاء علي ذلك، و عليه فيجوز الإجبار.

______________________________

(1) المائدة: 2.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 302

بأن له طريقا الي التخلص بالفسخ (1) ضعيف في الغاية، فإن الخيار انما شرع بعد تعذر الاجبار دفعا للضرر.

و قد يتوهم ان ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا، فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط و صدور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه، فلا ينفع في الوفاء بالشرط. (2)

و يندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الاجبار،

و إنما يعرض له من حيث انه فعل واجب عليه، فإذا اجبر فقد اجبر علي نفس الواجب. نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا منه لم ينفع اجباره في حصول الشرط.

______________________________

و قد استدل لعدم الجواز بوجهين:

(1) الاول: ما عن جامع المقاصد من ان له طريقا الي التخلص بالفسخ و فيه: أن مقتضي هذا الوجه لو تم عدم تعين الإجبار، و الكلام إنما هو في جوازه مع أنه لا يتم، فإن الخيار شرع بعد تعذر الإجبار كما سيأتي.

(2) الثاني: ان الشرط هو الاتيان بالعمل من عند نفسه فالفعل الحاصل بسبب الإجبار ليس عملا بالشرط، فالشرط غير قابل لأن يجبر عليه.

و فيه: أنه لا ريب في كونه هو الإتيان باختياره أما لاعن كره فهو لا نظر له إليه.

و قد استدل للثالث: بأن البائع يمكنه الفسخ استدراكا لحقه بخلاف غيره، إذ لا طريق له إلا الإجبار.

و قد ظهر اندفاعه مما ذكرناه في رد ما عن جامع المقاصد آنفا.

و استدل للرابع: بأن ما هو من متعلقات المعاملة

يكون بمنزلة العوضين في جواز الإجبار علي تسليمه بخلاف غيره.

و قد ظهر جوابه مما ذكرناه فالأظهر جواز الإجبار.

ثبوت الخيار مع عدم تعذر الإجبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 303

الثالثة: في انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار، (1) فيكون مخيرا بينهما ام لا يجوز له الفسخ الا مع تعذر الاجبار: ظاهر الروضة و غير واحد هو الثاني، و صريح موضع من التذكرة هو الأول، قال: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط، فإن اخل به لم يبطل البيع لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع و بين الزامه بما شرط، انتهي.

______________________________

(1) الثالثة: في انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار ام لا؟

و اعترض المحقق النائيني (رحمه الله) علي المصنف الذي عنون هذه المسألة بأنها بعينها هي المسألة السابقة باختلاف يسير و تفاوت في العبارة قال: لعله سهو من قلمه.

و فيه: أن الكلام في المسألة السابقة كان في جواز الإجبار و عدمه، و في هذه المسألة إنما يكون في تقدمه علي الفسخ و عدمه،

فالفرق بين المسألتين واضح.

و أورد المحقق الايرواني (رحمه الله) عليه: بأن عنوان هذه المسألة عجيب، فإن عدم تعقل اجتماع حق الإجبار و الخيار بمكان من الوضوح، فإن الإجبار في موضوع عموم الشرط و شموله لما يصدر جبرا، فلا يكون تخلف مهما أمكن الفرد الإجباري منه، و موضوع الخيار صورة تعذر الشرط بجميع أفراده، و أني يجتمع هذان الأمران.

و فيه: أن موضوع الخيار ليس صورة تعذر الشرط خاصة، بل امتناع من عليه الشرط عن العمل به، فإن المجعول هو الشرط من حيث هو، و إنما يجبر عليه في المرتبة اللاحقة و هي الامتناع عن العمل به،

فالامتناع موضوع للحكمين،

و كيف كان ففي المسألة قولان:

أحدهما: أن له ذلك مع التمكن من الإجبار.

و الآخر: أنه ليس له ذلك.

و قد استدل للثاني بوجهين:

الأول: أن هذا الخيار علي خلاف القاعدة، و دليله حديث الضرر و هو لا يجري إلا مع تعذر الإجبار، إذ لا ضرر مع التمكن من الإجبار، فلا خيار، و علي هذا حمل كلام المصنف (رحمه الله)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 304

و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار لما عرفت من ان مقتضي العقد المشروط هو العمل علي طبق الشرط اختياراً أو قهراً الا أن يقال: ان العمل بالشرط لازم علي المشروط عليه يجبر عليه إذ ابني المشروط له علي الوفاء بالعقد.

______________________________

و يرد عليه:

مضافا الي ما عرفت من ان حديث الضرر لا يصلح دليلا للخيار في مورد من الموارد،

و إلي أن الدليل لا ينحصر به كما سيمر عليك انه يمكن أن يقال: إن جواز الإجبار لا يوجب رفع الضرر، بل الرافع هو الإجبار نفسه، و عليه فلزوم البيع مع امتناع المشروط عليه من العمل بالشرط ضرري يرفعه الحديث، و ليس المرفوع خصوص حكم ضرري لا يتمكن من رفعه.

الثاني: أن المتيقن من الإجماع الصورة المذكورة.

و فيه: أن المدرك ليس هو الإجماع.

و الحق أن يقال: إن الشرط و إن كان التزاما إلا أن قوامه بتقيد العقد به، و ليس التزاما مستقلا،

و معني تقيد العقد به ما تقدم من تعليق الالتزام بالوفاء بالعقد علي تحقق الشرط،

فبامتناعه عنه يتحقق شرط الخيار فيثبت،

فالأظهر ثبوت الخيار مع التمكن من الاجبار.

و استدل السيد (قدس سره) لذلك بخبر أبي الجارود- المنجبر ضعفه بالشهرة- عن أبي جعفر (عليه السلام): إن بعت رجلا علي شرط فإن أتاك بمالك و إلا فالبيع

لك. «1» بتقريب أن المراد من مالك مالك من الشرط، و من قول (عليه السلام): و إلا فالبيع لك، كون أمره بيدك.

و فيه: أن ما علق عليه الخيار هو الإتيان بالشرط و هو أعم من الاختياري و الاجباري.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 305

و أما إذا اراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد علي الوجه الذي وقع عليه، فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما، (1) و هذا الكلام لا يجري مع امتناع احدهما عن تسليم احد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد، لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر، و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه فيجبران علي ذلك بخلاف الشرط، فإن المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فلا معني لتملكه، فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد، فيجوز للمشروط له ايضا نقضه، فتأمل.

______________________________

و قد ذكر المصنف (رحمه الله) بعد ما اختار عدم ثبوت الخيار مع التمكن من الإجبار وجها لثبوت نتيجة الخيار في عرض الإجبار.

(1) و حاصله: ان المشروط عليه إذا امتنع عن العمل بالشرط يكون امتناعه ذلك امتناعا عن العمل بالعقد المشروط، و نقضا للعقد، إذ ليس الشرط كامتناع احدهما عن تسليم احد العوضين حيث إن مقتضي العقد ملكية كل من المتبايعين لمال الآخر، فالامتناع عن التسليم ليس نقضا للعقد،

و هذا بخلاف الشرط، فإن الوفاء به إنما يكون بإيجاده و مع عدمه يكون ذلك نقضا للعقد المشروط، فللمشروط له أيضا نقضه فيرجع ذلك الي التقايل.

و بهذا البيان اندفع ما أساء به الأدب المحقق الايرواني (رحمه الله) فراجع.

و لكن يرد عليه (قدس سره) أن عدم العمل بالشرط ليس حلاله

حتي يكون بضميمة حل المشروط له هو التقايل،

بل هو عبارة عن ترك العمل مع بقاء الشرط كما هو الحال في الامتناع عن تسليم أحد العوضين طابق النعل بالنعل.

و بالجملة إنه كما يكون للعقد وفاءان: حقيقي و عملي و كذلك له نقضان، كذلك يكون للشرط بلا تفاوت بينهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 306

ثمّ علي المختار من عدم الخيار الا مع تعذر الاجبار لو كان الشرط من قبيل الانشاء القابل للنيابة، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر اجباره، (1) الظاهر ذلك لعموم ولاية السلطان علي الممتنع (2) فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

الرابعة: لو تعذر الشرط فليس للمشترط الا الخيار، (3) لعدم دليل علي الارش،

______________________________

(1) قوله فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر اجباره الظاهر ان له ذلك لا لثبوت الولاية المطلقة له فان ذلك باطل كما اسلفناه و لا لأن الشرط اعم من فعل المشروط عليه و غيره.

(2) بل لان الحاكم ولي الممتنع و ان شئت قلت ان حفظ مال الناس و متعلق حقهم مما يعلم ان الشارع الاقدس لا يرضي بتركه فهو من الامور الحسبية يتولاه الحاكم و يمكن ان يستشهد له بما دل «1» علي ان من لا ينفق علي زوجته بجبره الحاكم علي ذلك و ان لم يمكن يطلقها الحاكم، مع ان الطلاق امره اضيق من سائر الانشائيات.

حكم تعذر الشرط

(3) الرابعة: لو تعذر الشرط فلا كلام في ثبوت الخيار، فهل للمشروط له امضاء العقد واخذ شي ء بإزاء الشرط، كما عن العلامة (رحمه الله) في التذكرة حيث حكم بثبوت الأرش فيما إذا أشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق، و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد،

قال: إن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ

و استرجاع العبد و بين الامضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير. انتهي،

أم ليس له أخذ شي ء كما عن الدروس و غيره،

أم هناك تفصيل بين الشروط كما التزم به العلامة في بعض كتبه؟ وجوه.

و تنقيح القول في المسألة أن الظاهر من العلامة قدس سره تقسيم الشروط الي أقسام:

______________________________

(1) كتاب النكاح- باب 1- من ابواب النفقات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 307

فان الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا و شرعا انما هي بين المالين و التقييد امر معنوي لا يعد مالا و ان كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه و ثبوت الارش في العيب لاجل النص، (1) و ظاهر العلامة ثبوت الارش إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق.

و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد، قال: فإن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ و استرجاع العبد و بين الامضاء، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير، انتهي.

______________________________

الأول: ما يكون من الأوصاف التي لا توجب إلا زيادة الرغبة في موصوفها من دون أن توجب زيادة في قيمة الموصوف بوجه، و اختار فيه تعين الخيار.

الثاني: ما يكون من الأوصاف التي توجب زيادة المالية في الموصوف، و اختار فيه تخيير المشروط له بين الفسخ و الرجوع بالتفاوت و الأرش.

الثالث: ما يكون من الأفعال التي يبذل بإزائها المال كخياطة الثوب أو الغايات،

و ذهب فيه الي تخيير المشروط له بين الفسخ و المطالبة به، أو بعوضه و قيمته الواقعية.

و المصنف (رحمه الله) في عنوان المسألة تبع العلامة مع إلغاء القسم الأول الواضح حكمه،

فالكلام يقع في موردين:

الأول: في ما إذا كان الشرط من الأوصاف

الدخيلة في المالية و كان متعذرا، و الحق به السيد (قدس سره) ما إذا كان من الأفعال و لكن كان متعذرا من الأول، لاما إذا طرأ عليه التعذر.

الثاني: في ما إذا كان من الأفعال المتمولة أو الغايات.

(1) اما الاول فقد استدل المصنف (رحمه الله) لعدم ثبوت الارش بما حاصله: ان الارش إما أن يكون تعبديا، أو يكون علي القاعدة، و الأول يحتاج الي دليل التعبد و هو مفقود،

و الثاني يتوقف علي وقوع شي ء من المال بإزاء الشرط و هو ليس، فإن الشرط- و هو القيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 308

و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت الي القيمة لا تمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن، فهو مضمون به لا بتمام قيمته، كما نص عليه في التذكرة و ضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من ان الثمن لا يقسط علي الشروط و اضعف منه ثبوت الارش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط و ان لم يتعذر، كما عن الصيمري و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا و يقابل بالمال، كخياطة الثوب فتعذر. ففي استحقاق المشروط له لأجرته و مجرد ثبوت خيار له وجهان: قال في التذكرة لو شرط علي البائع عملا سائغا، تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به، أو بعوضه. ان فات وقته، و كان مما يتقوم، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري، و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الامضاء مجانا، انتهي.

و قال ايضا لو كان الشرط علي المشتري مثل ان باعه داره بشرط ان يصبغ له

______________________________

خارج عن المعاملة، و التقيد و إن

كان داخلا فيها لكنه ليس مالا و إن كان سببا لازدياد مالية المال.

و أورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بأن التقيد و إن كان بنفسه لا يعد مالا لكن الذات علي صفة التقيد مال يبذل بإزائه- بما له من التقيد- المال، فإن الكتابة مجردة و إن لم تعد مالا لكن ذات الكاتب علي صفة الكتابة مال، و هذا عين معني تقسيط الثمن.

و فيه: أن المقيد ينحل الي ذات المقيد و تقيده، و التقيد أمر انتزاعي لا يقابل بالمال و لكن الذي يرد علي المصنف (رحمه الله) و يوجب عدم إمكان تصحيح ما أفاده المحقق الايرواني (رحمه الله) وجها لثبوت الأرش بوجه: أن الشرط علي ما تقدم ليس قيدا للانشاء،

لاستحالته، و لا للمنشأ لكونه موجبا للتعليق المبطل، و لا لأحد العوضين، فإن العين الخارجية لا تقبل التقييد، بل هو للالتزام بالوفاء بالعقد، و عليه فلا مورد لما أفاده المحقق المشار إليه و لا إلي ثبوت الأرش.

و قد استدل لثبوته مضافا الي ما مر. بوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 309

ثوبه، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الامضاء بقيمته الفائت، ان كان مما له قيمة و إلا مجانا، انتهي.

و الظاهر ان مراده بما يتقوم ما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا، كالخياطة أو عينا كمال العبد المشترط معه، أو عينا و عملا كالصبغ لا ما له مدخل في قيمة العوض، إذ كل شرط كذلك و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه، و ان كان مقتضي المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال، (1) فإن المبيع هو الثوب المخيط و العبد و ماله

______________________________

أحدهما: ما أفاده السيد الفقيه، و حاصله: أن الشرط

و إن لم يكن مقابلا بالمال في عالم الانشاء إلا أنه مقابل به في عالم اللب، و لا منافاة بين أن يكون مال واحد تمامه مقابلا لشي ء في عالم و بعضه مقابلا لشي ء آخر في عالم آخر الذي هو في طول ذلك العالم.

و بعبارة اخري: يكون قيدا في مرحلة و جزء في مرحلة اخري، و عليه فمقتضي كون التمام في مقابل العين في عالم الانشاء جواز إمضاء المعاملة علي ما هي عليه، و إسقاط حق الشرط، و مقتضي كون البعض في مقابل الشرط في عالم اللب جواز استرداده لعدم وصول عوضه و هو الشرط إليه، و هذا معني تخييره بين الفسخ و الأرش.

و فيه: أنه في باب المعاملات لا يعتني بما لم يقع في حيز الانشاء.

و بعبارة اخري: أن تمام المناط فيها عالم الانشاء و إلا الالتزامات و البنائات القلبية غير المنشأة لا يترتب عليها أثر، فمجرد الجزئية في عالم اللب لا يؤثر شيئا.

ثانيهما: إدراج المورد تحت عنوان العيب، إذ المبيع مثلا لوحظ فيه وصف الانضمام بوصف أو عمل، و تعذره يوجب نقصا في المبيع.

و فيه: ما تقدم في حقيقة العيب من أن العيب هو نقص وصف الصحة خاصة،

فراجع، فالأظهر عدم ثبوت الأرش.

و أما المورد الثاني فقد ذهب جمع من الأساطين الي أن المشروط له يستحق اجرة ذلك العمل و عوضه الواقعي.

(1) و المصنف (رحمه الله) استشكل فيه من ناحية ان الشرط مطلقا قيد غير مقابل بالمال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 310

المصاحب للمال لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله. و لذا لا يشترط قبض ما بازاء المال من النقدين في المجلس لو كان من احدهما (1) و سيجي ء في المسألة السابعة المعاملة مع

بعض الشروط معاملة الأجزاء.

الخامسة: لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف أو بنقل أو رهن أو استيلاد، (2) فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ، فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من اصله وجوه يأتي في احكام الخيار

______________________________

و المعاوضة واقعة بين العوضين أنفسهما.

و لكن الظاهر أن من يقول باستحقاق الاجرة لا يستند الي كون مقدار من العوض بإزائه حتي يرد عليه ذلك، بل الي أن المشروط له يملك علي المشروط عليه ذلك الفعل، أو تلك الغاية، فيجوز له مطالبة عوضه كائنا ما كان، فإيراد الشيخ (رحمه الله) في غير محله.

و لكن يرد عليه: أنه لا دليل علي الملكية، إذ غاية ما يستفاد من الدليل وجوب الوفاء بالشرط حقيا، و أما ثبوت الملكية فمما لم يدل عليه دليل، و بناء العقلاء علي أخذ العوض غير ثابت، فالأظهر أنه ليس له ذلك.

(1) قوله و لذا لا يشترط قبض ما بازاء المال … لو كان من احدهما مراده انه لو باع العبد و اشترط كون ماله معه و كان ماله من النقدين و الثمن منهما لا يجب التقابض في المجلس بالنسبة الي ماله من باب كونه بيع صرف و لو كان الشرط مقابلا بالمال أي بالثمن وجب ذلك.

التلف لا يمنع عن الفسخ

(2) الخامسة: لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف أو بنقل، أو رهن، أو استيلاد فهل يمنع ذلك عن الفسخ، أم لا؟

و لو فسخ فهل يرجع عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها؟ وجوه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 311

و يأتي ان الاقوي الرجوع بالبدل جمعا بين الادلة، هذا كله مع صحة

العقد الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط. و أما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه علي البائع، ففي صحته مطلقا أو مع اذن المشروط له أو إجازته أو بطلانه وجوه خيرها اوسطها

______________________________

و الكلام في هذه المسألة يقع في موضعين:

الأول: فيما إذا تلف العين أو خرجت عن ملكه مع عدم كون التصرف المخرج منافيا للشرط.

الثاني: فيما إذا كان التصرف المخرج للعين بنفسه منافيا للشرط، كما لو باع شيئا و اشترط أن لا يبيعه أو يوقفه أو نحو ذلك فباعه.

أما الموضع الأول فالكلام فيه في موارد:

الأول: في أنه هل يمنع ذلك من الفسخ أم لا؟ و مبني القولين: أن الخيار متعلق بالعقد أو العين؟ إذ علي الأول يجوز الفسخ، و علي الثاني لا يجوز، لانعدام الموضوع، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك في الخيارات، و عرفت أن الأظهر تعلقه بالعقد.

الثاني: في حكم التصرف المخرج، و قد يتوهم أنه فاسد من جهة أنه تصرف في ملك كان معرضا للزوال، أو أنه ما لم ينقض زمان الخيار لا يصير ملكا للمشتري، فهو تصرف في ملك الغير،

و كلاهما فاسدان.

أما الأول، فلان كونه معرضا للزوال لا يوجب الفساد.

و أما الثاني، فلما مر من عدم توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار لا سيما مثل هذا الخيار المنفصل عن العقد.

الثالث: في أنه إذا فسخ المشروط له فهل يرجع الي القيمة من جهة صحة العقد الثاني و عدم الموجب لانحلاله بانحلال العقد الأول، لما ستعرف من فساد ما ذكر وجها لانحلاله،

أو الي العين من جهة أن الفسخ يقتضي رجوع العين مع إمكانه و المفروض ذلك؟ وجهان،

أقواهما: الأول، فإن عدم امكان الرجوع أعم من العقلي و الشرعي، و المفروض صحة العقد الثاني،

و لزومه، فيمتنع الرجوع بالعين شرعا، و المانع الشرعي كالمانع العقلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 312

______________________________

و علي الثاني هل ينفسخ العقد الواقع عليه من حينه من جهة أنه معلول لأعمال الخيار فلا يتقدم عليه، أو من أصله من جهة أنه بفسخ العقد الأول ينحل هو من أصله فكذا ما يترتب عليه؟

و الأظهر هو الأول كما تقدم، فالأظهر هو الرجوع بالبدل.

و بما ذكرناه ظهر تمامية ما أفاده المصنف (رحمه الله) من أنه يرجع بالقيمة جمعا بين الأدلة،

أي دليل نفوذ العقد الأول، و دليل نفوذ العقد الثاني و لزومه، و دليل الخيار بالقياس الي العقد الأول.

هذا كله فيما إذا كان التصرف المخرج لازما،

و أما إن كان جائزا فقد يتوهم أنه بعد الفسخ يجبر المشتري علي الفسخ و إرجاع العين من جهة أن العقد جائز، فالمشتري متمكن من إرجاع العين فيجبر عليه، بخلاف ما إذا كان العقد لازما و لكنه فاسد من جهة أنه إذا فسخ المشروط له و رجع الثمن الي المشتري فلا بد و أن يرجع إليه شي ء إما العين أو بدلها، و الأول موجب لانفساخ العقد الثاني، و المفروض أنه لا وجه له، و لو التزم بانفساخه بفسخ المشروط له يرد بأن العقد الثاني بالقياس إليه لازم لا جائز، و انما يكون جائزا بالنسبة الي المشتري، و الثاني مستلزم لعدم جواز الإجبار كما هو واضح،

فالأظهر أنه لا فرق بين العقد اللازم و الجائز.

و أما الموضع الثاني فالكلام فيه في موردين:

الأول: في حكم التصرف المخرج صحة و فسادا، و الأقوال فيه ثلاثة،

ثالثها: الصحة مع إجازة المشروط له و الفساد مع عدمه.

و قد استدل للبطلان مطلقا بوجهين:

الأول: أن التصرف المنافي حرام، و حرمة المعاملة تستلزم فسادها.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 313

______________________________

و فيه أولا: أن التصرف المنافي إن كان بنفسه مما اشترط عدمه كما اشترط أن لا يبيع داره فباعه و إن كان معصية بناء علي وجوب الوفاء بالشرط إلا أنه إن كان مضادا لما هو شرط كما لو باع العبد و اشترط عتقه فباعه لا يكون البيع حراما إلا بناء علي اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضده، و المحقق في محله عدم الاقتضاء فلا يكون حراما.

و ثانيا: أن حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما حققناه في الجزء الاول من هذا الشرح فراجع.

الثاني: أن التصرف المزبور تصرف في متعلق حق الغير نظير بيع العين المرهونة،

و هو لا يكون نافذا، لعدم كون ما تصرف فيه ملكا طلقا، و الإجازة اللاحقة من ذي الحق لا تجدي سواء كانت الإجازة منه إسقاطا لحقه أم كانت إنفاذا للمعاملة مثل إجازة المالك،

أما علي الأول فواضح، و أما علي الثاني، فإن العقد حين وقوعه لم يشمله دليل الصحة فكيف يشمله بعد حين، و أما بيع الفضولي فعنوانه يتغير بالإجازة، و يصير عقدا للمالك بعد ما لم يكن عقدا له فيدخل في عنوان الدليل و هو عقد المالك.

و فيه أولا: أن حق المشروط له متعلق بالفعل المتعلق بالمال لا بنفس المال، و المال متعلق للمتعلق، و لا دليل علي اعتبار أن لا يكون البيع متعلقا بما هو متعلق حق الغير،

و بالجملة لا يكون المال خارجا عن كونه ملك طلق.

و ثانيا: انه لو سلم ذلك ما ذكر وجها لعدم نفوذ الإجازة اللاحقة لا يتم، فإن العقد له بقاء فإذا لم تشمله العمومات حين حدوثه لمانع و ارتفع ذلك المانع بقاء تشمله العمومات،

لوجود المقتضي و عدم المانع.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول

الثالث مع ما يرد عليه،

كما ظهر أن الأظهر هي الصحة مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 314

فلو باع بدون اذنه كان للمشروط له فسخه و الزامه بالوفاء بالشرط. (1)

نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه، (2) فالظاهر صحة العقد الثاني، فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من اصله، أو الرجوع بالقيمة وجوه:

رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق، فلا يبطل لبنائه علي التغليب، فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل، اختاره في التذكرة و الروضة.

قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه، بعد ما ذكر ان اطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا، فلو اعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الامضاء و الفسخ فيرجع بقيمة العبد، قال بعد ذلك و لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ و الامضاء، فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة، لأن العتق مبني علي التغليب، (3) فلا سبيل إلي فسخه، و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال، انتهي.

______________________________

(1) قوله كان للمشروط فسخه و الزامه بالوفاء بالشرط المراد من فسخه فرضه كالعدم و عدم الاعتناء به إذ المفروض بطلانه في نفسه بدون الاذن علي مذهبه.

(2) قوله نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه يعني انه بناء علي عدم الاجبار الكاشف عن كون وجوب الوفاء بالشرط حكميا لا حقيا يحكم بصحة العقد الثاني من جهة ان المانع عن صحة عقده كون المال متعلقا لحق الغير و المفروض عدم الحق فلا مانع عن صحته.

(3) قوله لان العتق مبني علي التغليب.

هذا التعليل عليل فان بناء العتق علي التغليب انما هو فيما لو انعتق بعض

العبد كما لو اعتق احد الشريكين حصته فانه ينعتق علي شريكه الآخر حصته لذلك و هذا غير مربوط بالمقام المورد الثاني: إذا فسخ المشروط له ففيه وجوه:

احدها: انفساخ العقد الثاني من حينه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 315

و مثله ما في الروضة و قال في الدروس في العبد المشروط عتقه: و لو اخرجه عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف، فللبائع فسخ ذلك كله، انتهي.

و ظاهره ما اخترناه (1) و يحتمل ضعيفا غيره، و في جامع المقاصد الذي ينبغي ان المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط.

ثمّ ان هذا الخيار، كما لا يسقط بتلف العين، كذلك لا يسقط بالتصرف فيها، (2) كما نبه عليه في المسالك في اول خيار العيب، فيما لو اشترط الصحة علي البائع، نعم إذا دل التصرف علي الالتزام بالعقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء علي ما استفيد من بعض اخبار خيار الحيوان المشتمل علي سقوط خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد. و أما مطلق التصرف فلا.

______________________________

ثانيها: انفساخه من أصله.

ثالثها: الرجوع بالقيمة.

رابعها: ما عن العلامة-،- من التفصيل بين التصرف بالعتق فلا يبطل، لبنائه علي التغليب، فيرجع بالقيمة، و بين غيره فيبطل، و قد تقدم في الموضع الأول تنقيح القول في ذلك، و عرفت أن الاظهر هو الثالث.

و انما الكلام في المقام في خصوص التفصيل الذي ذهب إليه العلامة،

الظاهر انه بناء علي عدم تمامية ما اخترناه من الرجوع بالقيمة، و أنه ينفسخ العقد الثاني- ما أفاده متين، لكن ينبغي أن يعلل بأن الحر لا يعود رقا، و أيضا لازمه التعميم الي كل مورد ثبت فيه عدم جواز الرجوع كما لو اشتري أرضا و جعله المشتري مسجدا.

(1) قوله و ظاهره

ما اخترناه و يحتمل ضعيفا غيره يعني ظاهره بطلان التصرفات الواقعة في متعلق حق الشرط- و يحتمل ارادته جواز فسخ العقد الاول و انفساخ هذه العقود ايضا.

(2) قوله كذلك لا يسقط بالتصرف فيها لا إشكال في انه يجوز وضعا و تكليفا للمشروط له التصرف فيما انتقل إليه لانه ملكه و ليس متعلقا لحق الغير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 316

السادسة: للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الاسقاط (1) لا مثل اشتراط مال العبد، أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في اسقاط الخيار و غيره من الحقوق،

______________________________

و لو تصرف فان كان كاشفا عن اسقاط الخيار و قصد به ذلك لا كلام في سقوطه لان له ذلك و لا يعتبر في الاسقاط لفظ خاص- و ان لم يكن كاشفا عنه أو لم يقصد به ذلك لا يسقط و ما في بعض نصوص «1» خيار الحيوان من التعليل لمسقطية التصرف قد مر أنه لا يتعدي عنه الي ساير الخيارات.

إسقاط حق الشرط

السادسة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن للمشروط له إسقاط حق خيار التخلف لو لم يعمل المشروط عليه بالشرط،

(1) كما انه لا خلاف بينهم في ان للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الأسقاط،

فالكلام يقع أولا في إسقاط خيار التخلف، ثمّ في إسقاط حق الشرط.

أما الأول فبعد ما عرفت مرارا من أن الخيار من الحقوق، و أن لكل ذي حق إسقاط حقه- جواز إسقاط خيار التخلف واضح، غاية الأمر بعد التخلف بنحو التنجيز و قبله بنحو التعليق لو لم يكن تسالم علي عدم السقوط بالإسقاط المعلق.

و ليعلم أن التخلف إنما يتصور في شرط الصفة أو الفعل دون شرط النتيجة، لأنها تحصل بمجرد الشرط، و عدم

ترتيب الأثر خارجا لا يوجب الخيار، و لو أسقطه لا يوجب ذلك ارتفاع وجوب العمل بالشرط و هو واضح.

و أما إسقاط حق الشرط الذي عرفت أنه حق،

فملخص القول فيه: أن الشرط تارة يكون شرط النتيجة، و اخري يكون شرط الصفة، و ثالثة يكون شرط الفعل، و الأولان لا يتصور فيهما بقاء حق الشرط كي يقبل الأسقاط، أما الأول، فلاستيفاء الحق بالشرط، و أما الثاني، فلأنه إن كان الوصف موجودا فهو، و إلا فلا معني لوجوب الوفاء

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 317

و قد يستثني من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له (1) كالعتق. فان المصرح به في كلام جماعة كالعلامة و ولده و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه باسقاط المشروط له، قال في التذكرة: الاقوي عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق حق لله و حق للبائع و حق للعبد، ثمّ استقرت بناء علي ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري. و في الايضاح الاقوي انه حق للبائع و لله تعالي، فلا يسقط بالاسقاط، انتهي.

و في الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز الا العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالي به، انتهي.

و في جامع المقاصد: ان التحقيق ان العتق فيه معني القربة و العبادة و هو حق الله تعالي و زوال الحجر و هو حق للعبد، و فوات المالية علي الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع، انتهي.

اقول اما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الامر المطلوب

______________________________

فلا محالة يسقط حق الشرط و لا بقاء له، فمورده شرط الفعل.

و عليه فإن قلنا بصيرورة الفعل المشروط ملكا للمشروط له لا معني لإسقاطه أيضا، لأن

مورده الحقوق لا الأملاك، و إن قلنا بأنه يصير متعلق الحق فهو قابل للإسقاط،

و لو أسقطه لا يجب الوفاء بالشرط.

(1) صرح جماعة منهم العلامة في التذكرة و ولده في الايضاح و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم أنه يستثني من جواز إسقاط حق الشرط، شرط ما يكون حقا لغير المشروط له، و مثلوا له بالعتق، و قالوا: إنه لا يسقط بالإسقاط.

محصل الكلام انه لا إشكال في أنه لو كان حقا لغير المشروط له أيضا في عرض حقه لا يسقط بإسقاط المشروط له، إذ لكل ذي حق إسقاط حقه لا لغيره و المشروط له بالإضافة الي حق من له الحق أجنبي.

و عليه فإن كان حقان سقط حق المشروط له و بقي حق صاحبه، و إن كان حق واحد قائم باثنين لم يسقط بإسقاط واحد منهما، و يتوقف سقوطه علي توافقهما علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 318

للشارع، فهو واضح. و أما كونه حقا للعبد، فإنه ان اريد به مجرد انتفاعه بذلك،

فهذا لا يقتضي سلطنة له علي المشتري، (1) بل هو متفرع علي حق البائع دائر معه وجودا و عدما (2) و ان اريد ثبوت حق علي المشتري يوجب السلطنة علي المطالبة،

فلا دليل عليه و دليل الوفاء لا يوجب الا ثبوت الحق للبائع.

و بالجملة فاشتراط عتق العبد، ليس الا كاشتراط ان يبيع المبيع من زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه، و لم يذكر احد ان لزيد المطالبة، و مما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالي، فإنه ان اريد به مجرد وجوبه عليه، لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض، فهذا جار في كل شرط و لا ينافي ذلك سقوط الشروط بالاسقاط، و ان

اريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله، كما ذكره جامع المقاصد، ففيه ان مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله علي وجه يلزم به الحاكم و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم. و قد عرفت ان المطلوب غير هذا، فافهم

______________________________

الأسقاط، و أن كان حق غيره في طول حقه فللمشروط له إسقاط حقه، و مع سقوطه يرتفع موضوع حق صاحبه، هذا كله مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في الصغري، و قد مثلوا لما إذا كان الشرط متعلقا لحق غير المشروط له:

بالعتق، بدعوي: أنه بشرطه يثبت حق للبائع لكونه المشروط له، و للعبد، و لله تعالي، و لذا ذهب المصنف و ولده و الشهيدان الي أنه لا يسقط بإسقاط المشروط له.

لا كلام في أنه حق للبائع و أما كونه حقا للعبد فأجاب عنه المصنف (رحمه الله) بجوابين:

(1) احدهما: ان انتفاع الغير بالعمل غير سلطنته علي المشتري.

(2) ثانيهما: ان حق العبد علي فرض تسليم كونه حقا انما يكون موضوعه حق البائع فيسقط بإسقاطه.

و أما كونه حقا لله تعالي إما لكونه واجبا أو لأجل كونه تعبديا.

و تقريب الأول: أن الفعل إذا وجب يخرج زمام أمره عن يد المكلف و يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 319

السابعة: قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن عند انكشاف التخلف (1) علي المشهور، لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا علي مقابلة احد العوضين الا بالآخر، و الشرع لم يزد علي ذلك إذ امره بالوفاء بذلك المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين، هذا و لكن قد يكون الشرط

______________________________

بيد

الله تعالي، و هذا هو معني الحقية و الملكية.

و تقريب الثاني: أن معني التعبدية تعين العمل لله تعالي، و ذلك فرع استحقاقه له دون غيره.

و يرد علي الأول: أولا النقض بجميع الشروط، فإنها يجب الوفاء بها.

و ثانيا: أن الايجاب لا يقتضي الملكية الاعتبارية أو الحق الاعتباري، بل هو موجب لخروج زمام الأمر عن يد المكلف تشريعا، و هذا غير كونه متعلقا لحقه تعالي.

ثمّ علي تقدير كونه حقا لله تعالي يمكن أن يقال: إنه في موضوع ثبوت حق البائع،

فلو أسقطه يسقط هو أيضا.

لو شرط قدرا معينا فتبين الاختلاف

(1) السابعة: قد عرفت مما ذكرناه من ان الشرط التزام في ضمن التزام انه لا يقسط عليه الثمن، لكونه في مقابل المثمن و الشرط خارج عنهما.

و لكن قد يكون الشرط قدرا معينا من المبيع فيتبين الخلاف من حيث الكم و تفصيل ذلك ما ذكره العلامة في التبصرة قال: و لو شرط مقدارا فنقص تخير المشتري بين الرد و الامساك بالقسط من الثمن سواء كانت أجزاؤه متساوية أو مختلفة، فإن أخذ بالقسط تخير البائع، و لو أخذه بالجميع فلا خيار، و لو زاد متساوي الأجزاء أخذ البائع الزائد فيتخير المشتري حينئذ و لو زاد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 320

تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بان يشتري مركبا و يشترط كونه كذا و كذا جزء كان يقول بعتك هذا الارض أو الثوب أو الصبرة علي ان يكون كذا ذرعا أو صاعا، فقد جعل الشرط تركبه من اجزاء معينة، (1) فهل يلاحظ حينئذ جانب

القيدية و يقال ان المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء، فالمتخلف هو قيد من قيود العين كالكتابة و نحوها في العبد لا يوجب فواتها الا خيارا بين الفسخ و

الامضاء بتمام الثمن، أو يلاحظ جانب الجزئية، فإن المذكور و ان كان بصورة القيد الا ان منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه، فالمبيع في الحقيقة هو كذا و كذا جزأ الا انه عبر عنه بهذه العبارة كما لو اخبر بوزن المبيع المعين، فباعه اعتمادا علي اخباره، فإن وقوع البيع علي العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن علي الفائت.

و بالجملة فالفائت عرفا و في الحقيقة هو الجزء و ان كان بصورة الشرط، فلا يجري فيه ما مر من عدم التقابل الا بين نفس العوضين، و لأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه

______________________________

المختلف فالوجه البطلان.

(1) و قال المصنف في المتن: و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة- الي ان قال- فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة. انتهي.

فالكلام في ذلك إنما هو في أنه هل يلاحظ جانب القيدية، فلا يقسط عليه الثمن أم يلاحظ جانب الجزئية فيقسط الثمن علي الفائت؟

و قبل بيان ما هو الحق في المقام ينبغي تقديم أمرين:

الأول: أن ما يؤخذ شرطا في المعاملة علي أقسام:

أحدها: الشروط الخارجية كخياطة الثوب و نحوها، أو ملكية شي ء آخر و شبهها مما هو من قبيل شرط النتيجة.

ثانيها: ما يكون من قبيل الأوصاف لأحد العوضين.

ثالثها: ما يكون من قبيل كمية الأشياء و مقاديرها.

لا إشكال في أن ما كان من قبيل الأول لا يقسط عليه الثمن، لما مر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 321

ارضا علي انها جربان معينة، أو صبرة علي انها اصوع معينة، و تفصيل ذلك العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم،

______________________________

و أما القسم الثاني فما كان منه

من قبيل الأوصاف العرضية ككون العبد كاتبا كذلك،

و أما ما كان من قبيل الصورة الجوهرية التي بها شيئية الأشياء و ماليتها و تقع متعلقة للأغراض أولا و بالذات و تبذل الأعواض بإزائها كحمارية الحمار و ذهبية الذهب و نحوها،

فتخلفها يوجب بطلان العقد، لتقوم حقيقة المعاملة بها، و مع انتفائها لا معاملة، و السر فيه:

أن المادة الهيولائية من حيث هي ليست بمال و لا يبذل بإزائها العوض:

و إنما الكلام وقع في القسم الثالث لأجل أن فيه جهتين: جهة الوصفية من حيث إفادته لكون العين الشخصية متصفة بوصف كونها كذا جزء، وجهة ذاتية، لأنه يوجب اختلاف تلك الصورة الجوهرية زيادة و نقيصة.

الثاني: أن ظاهر ما عنونه المصنف (رحمه الله) في بادئ النظر: النزاع في المقام في أن شرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة الذي بحسب جعل المتعاملين و قصدهما من قبيل الشرط هل له خصوصية من بين سائر الشروط و بلحاظها حكم عليه شرعا بترتيب آثار الجزئية، أو لا خصوصية له.

و هذا غير تام، فإن لازم القول بأن له خصوصية إلغاء معاوضة المتعاملين و التعبد بمعاوضة اخري و هو كما تري،

بل النزاع في المقام في أن المبيع بحسب بناء المتعاملين هل هو المشروط، أي الأرض الشخصية مثلا، و حال شرط المقدار حال غيره من الشروط، أو لوحظ المقابلة بالقياس إليه في المعاملة؟ و القائل بالتقسيط يقول بالثاني، و مآل كلام المصنف (رحمه الله) الي ذلك.

إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم أن المبيع تارة يكون متساوي الأجزاء و اخري مختلفها، و كل منهما إما يتبين النقص فيه و إما أن يتبين الزيادة فيه، فالأقسام أربعة كما ذكره العلامة في التبصرة، و المصنف في المتن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 322

فاقسامه اربعة (1) لانه اما ان يكون مختلف الاجزاء أو متفقها، و علي التقديرين فإما أن يزيد و إما أن ينقص، فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء،

و لا إشكال في الخيار و انما الاشكال و الخلاف في ان له الامضاء، بحصة من الثمن أو ليس له الامضاء الا بتمام الثمن فالمشهور، كما عن غاية المرام هو الاول. و قد حكي عن المبسوط و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح و الروضة و ظاهر السرائر و ايضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الاجزاء، فيكون كذلك في متساوي الاجزاء بطريق اولي و يظهر من استدلال بعضهم علي الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا عنه.

و عن مجمع البرهان: انه ظاهر القوانين الشرعية، و وجهه مضافا الي فحوي الرواية الآتية في القسم الثاني ما اشرنا إليه من ان كون المبيع الشخصي بذلك المقدار

______________________________

(1) قال فاقسامه اربعة أحدها: ما إذا كان المبيع متساوي الأجزاء و تبين النقص فيه، و المشهور علي ما نسب إليهم علي تقسيط الثمن.

و عن جملة من الأساطين العدم.

و الأظهر: هو الأول، فإن ظاهر أخذ شي ء شرطا و إن كان عدم جعل شي ء من العوض بإزائه إلا أن الارتكاز العرفي في شرط المقدار و الكمية بخلاف ذلك، و هذا الارتكاز العرفي قرينة صارفة عن هذا الظهور فقول البائع: بعتك هذه الأرض بشرط أن تكون جربان معينة بكذا درهم، في قوة: بعتك كل جريب بكذا. فعند التخلف يرجع مقدار من الثمن.

و يشهد لذلك: مضافا الي أنه مقتضي القاعدة خبر عمر بن حنظلة عن الامام الصادق (عليه السلام) في رجل باع أرضا علي أنها عشرة أجربة فاشتري المشتري ذلك منه

بحدوده و نقد الثمن و وقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة، قال: ان شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء رد البيع و أخذ ماله كله إلا ان يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 323

و ان كان بصورة الشرط، الا ان مرجعه الي كون المبيع هذا القدر، كما لو كالا طعاما، فاشتراه فتبين الغلط في الكيل، و لا يرتاب اهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا، خلافا لصريح القواعد و محكي الايضاح، و قواه في محكي حواشي الشهيد و الميسية و الكفاية، و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد ايضا، لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان.

غاية الامر انه التزم ان يكون بمقدار معين و هو وصف غير موجود في المبيع، (1) فاوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد

______________________________

له الي جنب ملك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ و يكون البيع لازما له، و عليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله «1».

الذي احتج به الشيخ في محكي النهاية.

و مورده و إن كان هي الأرض و هي قيمية و القيمي ما لا يتساوي أجزاؤه في القيمة إلا أنه إذا ثبت ذلك في مختلف الأجزاء يثبت في متساويها بالأولوية، لاختصاص مختلف الأجزاء ببعض الاشكالات علي ما سيمر عليك.

و قد استدل للثاني بوجهين:

(1) احدهما: ما عن جامع المقاصد و هو: ان المبيع المقابل بمجموع الثمن هو الموجود المعين، غاية ما هناك أنه لا يعلم بالنقصان فهو من فوات الوصف.

و فيه: أن المبيع

و إن كان هو الموجود الخارجي إلا أنه من جهة كونه متكمما بكم خاص كما لو اشتراه بما هو كذلك.

ثانيهما: ما عن الجواهر، و حاصله: أن العين الشخصية لا تزيد و لا تنقص، و قد جعلت مبيعا، فلا محالة كل مقدار اخذ فيه فهو من باب اشتراط الوصف الذي لا شأن له في المبيع، بل أثره الخيار عند التخلف.

و فيه: أن العين الشخصية لا تزيد و لا تنقص بحسب الوجود الخارجي إلا أنها تزيد و تنقص بحسب فرض المتعاملين، و مفروضهما هو المتكمم بكم خاص.

______________________________

(1) الوسائل- باب 14- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 324

و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار الا انه غير موجود في الخارج، مع ان مقتضي تعارض الاشارة و الوصف غالبا ترجيح الاشارة عرفا، فإرجاع قوله بعتك هذه الصبرة علي انه عشرة اصوع، الي قوله بعتك عشرة اصوع موجودة في هذا المكان تكلف. و الجواب ان كونه من قبيل الشرط مسلم الا ان الكبري و هي ان كل شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة، (1) لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا، و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة، فتأمل.

الثاني: تبين النقص في مختلف الاجزاء، (2) و الاقوي فيه ما ذكر من التقسيط مع الامضاء وفاقا للاكثر، لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع، مضافا الي خبر ابن حنظلة رجل باع ارضا علي انها عشرة اجربة،

فاشتري المشتري منه بحدوده و نقد الثمن. و اوقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة اجربة

______________________________

(1) قوله الا ان الكبري و هي ان كل شرط لا يوزع عليها الثمن ممنوعة لا

سبيل الي منعها بعد كون حقيقة الشرط تعليق الالتزام بالوفاء بالعقد علي شي ء فالاولي هو التعليل بما حققناه فراجع.

(2) ثانيها: ما إذا كان المبيع مختلف الاجزاء و تبين النقص فيه، و الكلام في وجه التقسيط ما تقدم.

و قد استدل علي عدم التقسيط فيه: مضافا الي ما مر- بوجوه:

الأول: ما عن الايضاح، و حاصله: أن الفائت بما أنه لا تحقق له و لا مماثل لا يكون له تعين وجودي و لا تعين طبيعي كما في متساوي الأجزاء، فيستحيل تقويمه، و ما يستحيل تقويمه يستحيل تقسيط الثمن عليه، ففواته كفوات صفة كمال.

و فيه: أن الفائت و إن كان لا تعين له واقعا إلا أنه جعل جزء مما فيه الجيد و الردئ في المعاملة، و حيث أنه ليس فيلقي من الثمن بذلك المقدار، مثلا: إذا بيع الأرض المختلفة الأجزاء بالسهولة و الحزونة علي أنها عشرة أذرع، فتبين أنها خمسة أذرع، فالفائت خمسة أذرع،

و قيمتها معلومة معينة فكيف يستحيل تقويمه!؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 325

قال: فإن شاء استرجع فضل ماله واخذ الأرض و ان شاء رد المبيع واخذ المال كله، الا ان يكون له الي جنب تلك الأرض ارضون فليوفه، و يكون البيع لازما، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري اخذ الأرض و استرجع فضل ماله و ان شاء رد الأرض واخذ المال كله، الخبر. و لا بأس باشتماله علي حكم مخالف للقواعد، لأن غاية الامر علي فرض عدم امكان ارجاعه إليها،

و مخالفة ظاهره للاجماع طرح ذيله الغير المسقط لصدره عن الاحتجاج.

خلافا للمحكي عن المبسوط، و جميع من قال في الصورة الاولي بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا

لا يزيد و لا ينقص، لوجود الشرط و عدمه، و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار، كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد، فتبين عدمهما. و زاد بعض هؤلاء ما فرق به في المبسوط بين الصورتين، بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن، لأن المبيع مختلف الاجزاء، فلا يمكن قسمته علي عدد الجربان. (1)

______________________________

(1) الثاني: ما عن المبسوط، و حاصله: ان الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن لان المبيع مختلف الأجزاء فلا يمكن قسمته علي عدد الجربان.

و فيه أولا: ما تقدم من أن الفائت جزء معين من الممتزج من الجيد و الردئ، مثلا:

إذا كان نصفه ناقصا يؤخذ من الثمن نصفه و هكذا.

و ثانيا: أنه إذا كان قيمة الأجزاء مختلفة لا بد و أن يعين أن أي مقدار منها من الجيد وأيا منها من الردي ء حفظا من الغرر، و عليه فالفائت يكون معلوما قسطه، و هو واضح.

الثالث: أن عدم معلومية قسط الفائت من الثمن يوجب جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة الي التقسيط.

و فيه: مضافا الي ما مر- أن اللازم معلومية ما يقع مبيعا و ما هو عوض عنه في مرحلة العقد بحسب بناء المتعاملين، لاما يكون مبيعا واقعا و ثمنا له كذلك، و لا جهل بما يعتبر العلم فيه فالأظهر هو التقسيط هناك أيضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 326

و فيه ان عدم معلومية قسطه (1) لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما يستحقه علي تقدير العلم، فيمكن التخلص بصلح أو نحوه، الا ان يدعي استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد، مع عدم امكان العلم به عند الحاجة الي التقسيط. و فيه

منع عدم المعلومية، (2) لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة المشخصة عشرة اجربة، و يحصل فرضه و ان كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الأرض، لأنه معني فرض نفس الخمسة عشرة و فرضه ايضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو اربعة تسعة أو واحد تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك،

و ان كان ممكنا الا انه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض و مع اختلافها، فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا علي ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة.

ثمّ ان المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة، و نفي عنه البعد في التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع اقرب الي المثل من الارش. و فيه مع منع كون نحو الارض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد، و قسطه من الثمن باق في ملك المشتري، و ليس مضمونا علي البائع، حتي يقدم مثله علي قيمته.

و أما الشيخ (قدس سره) فالظاهر استناده في ذلك الي الرواية

______________________________

(1) قوله و فيه ان عدم معلومية قسطه عبارات نسخ الكتاب في المقام مختلفة ففي بعضها هكذا و في بعضها و فيه مضافا الي ان عدم معلومية الخ- و علي الثاني فقوله بعد سطر و نصف.

(2) و فيه منع عدم المعلومية يكون غلطا و الصحيح الغاء لفظة و فيه- و كيف كان فمحصل جوابه الاول ان جهالة القسط لا تقتضي ذهاب حق المشتري الا ان يقال برجوع الجهالة حينئذ الي جهالة الثمن فالمعاملة باطلة رأسا و حاصل- جوابه الثاني انه ان كان الارض متساوية الاجزاء قيمة يفرض كل جزء من الارض المشتراة

علي انها عشرة اجربة فانكشف انها خمسة جزءين- و ان كانت مختلفة الاجزاء يؤخذ المقدار الناقص بوصف الموجود قيمة و كيفية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 327

الثالث: ان يتبيّن الزيادة عما شرط علي البائع (1) فإن دلت القرينة علي ان المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة، فالظاهر ان الكل للمشتري. (2) و لا خيار، و ان اريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة و عليه من حيث عدم النقيصة، ففي كون الزيادة للبائع و تخيّر المشتري للشركة أو تخيّر البائع بين الفسخ و الاجازة لمجموع الشي ء بالثمن وجهان: من ان مقتضي ما تقدم من ان اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به، فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا ان اشتراط عدم الزيادة علي المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و اخراج الزائد عن المبيع و من الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا، و ليس بمنزلة الاستثناء، فتخلفه لا يوجب الا الخيار،

______________________________

(1) ثالثها: ما إذا كان المبيع متساوي الاجزاء و تبين الزيادة، و الكلام فيه في موردين:

الأول: في حكم الزيادة و أنها للبائع أو المشتري.

الثاني: في الخيار، و أنه لهما أو لأحدهما.

أما الأول: فإن دلت القرينة علي أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة، ففي المتن:

(2) فالظاهر ان الكل للمشتري و لكن الظاهر بطلان البيع حينئذ، للغرر،

و إن كان عدم الزيادة شرطا فإن كان المبيع هو الموجود الخارجي و أخذ عدم الزيادة شرطا بحسب بناء المتعاملين كان الزائد للمشتري،

و إن كان المبيع هو المتكمم بكم خاص بقي الزائد في ملك البائع، و الارتكاز العرفي مساعد مع الثاني.

و أما الثاني فعلي التقدير الأول فإن كان

الشرط من المشتري كان الخيار له، و ان كان من البائع ثبت له، و علي التقدير الثاني كان الخيار للمشتري من جهة عيب الشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 328

و لعل هذا اظهر (1) مضافا الي إمكان الفرق بين الزيادة و النقيصة، مع اشتراكهما في كون مقتضي القاعدة فيهما كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود النص المتقدم في النقيصة، و يبقي الزيادة علي مقتضي الضابطة، و لذا اختار الاحتمال الثاني، بعض من قال بالتقسيط في اطراف النقيصة، و قد يحكي عن المبسوط القول بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد (2) و المشتري لم يقصد شراء البعض و فيه تأمل.

الرابع: ان يتبين في مختلف الاجزاء و حكمه يعلم مما ذكرنا. (3)

القول في حكم الشرط الفاسد
اشارة

و الكلام فيه يقع في امور: (4)

الأول: ان الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به، (5)

______________________________

(1) قوله و لعل هذا الظهر فيه منع بل المقامان من واد واحد فكما ان هناك قلنا، بان ظاهر الشرطية عدم جعل شي ء بازاء الشرط، الا انه في شرط الكم قرينة كلية صارفة، و عليه بنينا علي التقسيط كذلك لا بد من القول به هنا بلا تفاوت.

(2) قوله لان البائع لم يقصد بيع الزائد حاصله عدم التطابق بين الايجاب و القبول فان البائع قاصد للاستثناء و المشتري قاصد للشرط و فيه: انه ان كان ظهور الكلام في قصد البائع الاستثناء يكون بالنسبة الي المشتري ايضا كذلك كما انه لو كان ظاهرا في ارادة الشرط فبالنسبة الي كل منهما هكذا.

(3) و بما ذكرناه ظهر الحال في القسم الرابع و هو ما إذا تبينت الزيادة في مختلف الأجزاء، إذ حاله من جميع جهات الكلام حال

القسم الثالث.

حكم الشرط الفاسد

(4) القول في احكام الشرط الفاسد، و فيه مسائل:

(5) الاولي: لا يجب الوفاء به، لان فساد الشرط لا محالة يكون لانتفاء احد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 329

بل هو داخل في الوعيد، فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به علي القول بعدم فساد اصل العقد، (1)

______________________________

الأمور المذكورة المعتبر بعضها في أصل كونه شرطا، و بعضها في صحته، فلا كلام في عدم وجوب الوفاء به من حيث إنه شرط، لأن معني فساده عدم ترتب حكمه عليه.

و هل يترتب عليه حكم الوعد أم لا؟ أقوال.

أحدها: أنه وعد يترتب عليه حكمه.

ثانيها: ما عن المحقق النائيني (رحمه الله) و هو أنه لا يترتب عليه ذلك.

(1) ثالثها: ما في المكاسب و هو ترتبه علي القول بعدم فساد اصل العقد و الأظهر هو الأول، فإنه إنشاء التزام بشي ء فهو وعد.

و استدل للثاني، بأن الوعد إخبار فلا ربط له بباب الشروط التي هي من مقولة الانشاء.

و فيه: ما تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح في مبحث الكذب أن الوعد ربما يكون إخبارا، و ربما يكون إنشاء كما إذا قال المولي لعبده: إذا فعلت الفعل الفلاني أعطيتك درهما،

فلا يكون الوعد مقابلا للانشاء.

و استدل للثالث بأن الشرط في ضمن العقد وعد مقيد لا مطلق قيد بصحة العقد.

و فيه أن العقد مقيد به لا هو بالعقد، بل هو مطلق، غاية الأمر إنشاء في ضمن إنشاء العقد.

و انما المهم في المقام بيان أن الشرط الفاسد مفسد للعقد أم لا؟

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في تعيين محل النزاع و بيان الأقوال.

أما الأول فإن كان فساد الشرط موجبا لاختلاف العقد نفسه كالشرط المنافي لمقتضي العقد بطل العقد بلا كلام، و ليس هو محل النزاع،

كما

أنه لا كلام في البطلان إذا كان فساده موجبا لاختلال شي ء من الامور المعتبرة في العوضين، كما لو اشترط وجود وصف مجهول في احد العوضين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 330

و لا تأمل ايضا في ان الشرط الفاسد لأجل الجهالة، يفسد العقد، (1) لرجوع الجهالة فيه الي جهالة احد العوضين، فيكون البيع غررا، و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في اصل البيع، كاشتراط بيع المبيع من البائع. ثانيا: لأنه موجب للدور، أو لعدم القصد الي البيع الاول، أو للتعبد من اجل الاجماع أو النص،

و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما، لأن المعاملة علي هذا الوجه اكل للمال بالباطل و لبعض الاخبار، و انما الاشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد. فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد ام يبقي العقد علي الصحة؟ قولان:

حكي اولهما عن الشيخ و الاسكافي و ابن البراج و ابن سعيد، و ثانيهما للعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة ممن تبعهم.

و ظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط الغير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا، و بين غيره من الشروط الفاسدة، فادعي في الأول عدم الخلاف في الفساد و الافساد

______________________________

أو احداثه فيه فإنه يوجب الجهالة فيهما.

و إلي هذا نظر المصنف حيث قال:

(1) و لا تأمل ايضا في ان الشرط الفاسد لاجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه الي جهالة أحد العوضين، و إلا فشرط ما هو أجنبي عنهما لا يوجب الجهالة فيهما،

أو اشترط أمرا غير مقدور موجبا لتعذر تسليم أحد العوضين، كما لو بيع الزرع بشرط أن يجعل سنبلا. و أما إذا اشترط أمرا غير مقدور لا ربط له بالعوضين كما لو باع الثوب بشرط أن

يجعل الزرع سنبلا فهو داخل في محل الكلام أو اشترط شرطا أوجب سلب المالية عن أحد العوضين، كما لو باع الخشب بشرط أن يجعله صنما، فإن مرجع هذا الشرط الي حصر المنافع في المحرمة و سلب المحللة منه،

فيوجب سلب المنفعة و الخروج عن المالية، إذ المنافع المحللة لا يجوز استيفاؤها للشرط و المنافع المحرمة سلبها الشارع عنه، فيخرج عن كونه مالا فأكل المال علي هذا الوجه أكل للمال بالباطل، كما صرح به المصنف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 331

و مقتضي التأمل في كلامه ان الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور علي تسليمه، و لو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف،

لرجوعه كالشرط المجهول الي ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين، لكن صريح العلامة في التذكرة: وقوع الخلاف في الشرط الغير المقدور، و مثل بالمثالين المذكورين و نسب القول بصحة العقد الي بعض علمائنا، و الحق ان الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في احد العوضين. نعم لو اوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر،

و ربما ينسب الي ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض مقصود للعقلاء به، فلا يوجب فساد العقد، كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك و بين غيره. و قد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كاكل طعام بعينه أو ليس ثوب كذلك و بين غيره و قد نقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود

______________________________

و أما إذا لم يكن مخلا بالعقد و لا بالعوضين كما، لو اشترط

ما لا يسوغ أو عدم العتق أو عدم وطء الأمة مما يبطل الشرط ففيه أقوال:

الأول: ما عن الشيخ الطوسي و الاسكافي و ابني سعيد و البراج، و هو: عدم إفساده للبيع الثاني: ما عن أجلة المتأخرين، كالعلامة في بعض كتبه و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم و هو الافساد، و قواه العلامة في التبصرة قال: و في ابطال البيع به وجه قوي.

و لا يخفي أن المصنف نسب الي المتقدمين من الأصحاب بعكس ما ذكرناه، و لعله سهو من قلمه الشريف،

و الأولون علي قولين: الصحة مع الخيار، و بدونه.

و أما التفصيل المنسوب الي ابن زهرة و هو التفصيل بين الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و بين غيره من الشروط الفاسدة، فالظاهر عدم كونه تفصيلا في ما هو محل النزاع، لرجوع القسم الأول في كلامه الي ما يوجب خللا في شروط أحد العوضين الذي عرفت خروجه عن محل النزاع،

و كيف كان فيشهد للصحة و عدم الافساد:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 332

للعقلاء عن التذكرة و غيرها، أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا؟ و عدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين.

و ظاهر ذلك كله التسالم علي صحة العقد و لو مع لغوية الشرط، و يؤيد الاتفاق علي عدم الفساد استدلال القائلين بالافساد بأن للشرط قسطا من الثمن، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر علي الافساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط، ربما يؤيد عموم محل الكلام، لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل بهذا الوجه، و صرح بلغوية اشتراط الكفر و الجهل بالعبادات، بحيث يظهر منه صحة العقد فراجع، و

كيف كان، فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة، وفاقا لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه عدا وجوه:

احدها: ما ذكره في المبسوط للمانعين من ان للشرط قسطا من العوض،

مجهولا فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا. (1)

و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من الصداق فيجب علي هذا سقوط المسمي و الرجوع الي مهر المثل. (2)

______________________________

العمومات الدالة علي مشروعية المعاملة تأسيسا أو إمضاء.

و قد استدل للقول بالفساد بوجوه:

(1) احدها: ما عن الشيخ في المبسوط و هو: ان للشرط قسطا من العوض مجهولا فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا.

و أجاب المصنف (رحمه الله) عنه بأجوبة أربعة:

(2) الاول: النقض بالشروط الفاسدة في النكاح المرتبطة بالمهر، فانهم تسالموا علي أن فسادها لا يوجب فساد عقد المهر الذي يتضمنه عقد النكاح المنحل الي عقدين: إنشاء علقة الزوجية بين الزوجين و عقد المهر و هو تعين ذاك الأمر الكلي الثابت علي الزوج بإزاء تسلطه علي البضع في مقدار معلوم أو في عين معلومة حيث إن لازم فساده الرجوع الي مهر المثل، و قد حكموا بصحته، و أنه يرجع الي المهر المسمي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 333

اولا: منع مقابلة شي ء (الشرط بشي ء) من العوضين عرفا و لا شرعا، (1) لأن مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن، غاية الأمر كون الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض و نقصانه، و الشرع لم يحكم علي هذا العقد إلا بإمضائه علي النحو الواقع عليه، فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين. و لذا لم يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ و الامضاء مجانا كما عرفت.

و ثانيا: منع جهالة ما بإزاء

الشرط من العوض (2) إذ ليس العوض المنضم الي الشرط و المجرد عنه الا كالمتصف بوصف الصحة، و المجرد عنه، في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف، و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الارش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع المملوك، و بلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب.

______________________________

و بهذا يظهر أن تطويل الكلام في المقام في أن الشرط الفاسد في النكاح غير المرتبط بالمهر هل يكون مفسدا له أم لا؟ أجنبي عما هو محل النقض.

(1) الثاني: انه لا مقابلة بين الشرط واحد العوضين و قد تقدم تفصيل القول فيه و عرفت أن الشرط ليس جزءا من أحد العوضين و لا قيدا له، و إنما الشرط التزام مستقل قيد الالتزام بالوفاء بالعقد به.

و ما أفاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من أن العوض و إن كان لا يقابل القيد و لا التقيد و لكنه مقابل للمقيد بما هو مقيد لا ذات المقيد- قد مر جوابه، و عرفت أن المقيد منحل الي ذات المقيد و التقيد، و إذا كان التقيد أمرا انتزاعيا لا يقابل بالمال كان المقابل للعوض لا محالة ذات المقيد، غاية الأمر القيد يصير داعيا الي بذل المال في مقابل الذات أزيد مما يبذل لو لا القيد.

(2) الثالث: انه مع تسليم المقابلة لا نسلم الجهالة، إذ ليس العوض المنضم الي الشرط و المجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة و المجرد عنه في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف.

و فيه: أنه مع فرض المقابلة مجرد الانضباط لدي العرف لا يكفي، بل لا بد من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 334

و ثالثا: منع كون الجهالة الطارية علي العوض قادحة، انما القادح هو الجهل به عند

انشاء العقد. (1)

(الثاني): ان التراضي انما وقع غلي العقد الواقع علي النحو الخاص، (2) فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل، فالمعاوضة بين المثمن و الثمن بدون الشرط معاوضة اخري، محتاجة الي تراض جديد، و انشاء جديد، و بدونه يكون التصرف اكلا للمال لاعن تراض،

و فيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد علي وجه يحوج انتفاؤه الي معاوضة جديدة عن تراض جديد، و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك، كما إذا تبين نقص احد العوضين، (3) أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع، كالكتابة، و الصحة،

______________________________

المعلومية عند المتبايعين.

(1) الرابع: ان اللازم العلم بما هو مبيع و ثمن في مرحلة البيع و الانشاء و أما العلم بما يصير مصداقا للمبيع أو الثمن فلا يكون معتبرا، و لذا في بيع ما يملك و ما لا يملك التزمنا بالصحة مع عدم معرفة المبيع و الثمن إلا في مرحلة الانشاء. و هذا حسن.

(2) ثانيها: ان التراضي انما وقع علي العقد الواقع علي النحو الخاص فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، فالمعاوضة المنشأة عن تراض لم تقع، و المعاوضة بدون الشرط تحتاج الي تراض جديد، و بدونه تكون من قبيل أكل المال بالباطل.

و يرده: مضافا الي النقوض المذكورة في المتن منها.

(3) قوله كما إذا تبين نقص احد العوضين فانه لا يوجب فساد العقد قطعا بل يقسط الثمن بنسبته و يصح في الباقي و للمشتري الخيار لانتفاء شرط الانضمام و بذلك ظهران مرجعه الي انتفاء الشرط ايضا فما عن جامع المقاصد من ان الفرق بينه و بين الشرط عسر جدا في غير محله: فانه عينه كما عرفت.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 6، ص: 335

و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح، (1) فإنه لا خلاف نصا و فتوي في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه.

و قد تقدم ان ظاهرهم في الشرط الغير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به، و تقدم أيضا ان ظاهرهم ان الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا، (2) و دعوي ان الاصل في الارتباط هو انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به، و مجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي مدفوعة بأن المقصود من بيان الامثلة، انه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد،

و انه ليس التصرف المترتب علي العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا و قهرا علي المتعاقدين، فما هو التوجيه في هذه الامثلة هو التوجيه فيما نحن فيه، و لذا اعترف في جامع المقاصد: بأن في الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا.

و الحاصل انه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لاعن تراض، مستندا الي النقض بهذه الموارد، وحل ذلك ان القيود المأخوذ في المطلوبات العرفية و الشرعية:

______________________________

(1) و منها قوله و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح نقضه في المقام انما يكون بالشروط الفاسدة، غير المربوطة بعقد المهر، بل بعقد النكاح نفسه- و عدم ابطالها مطلقا و ان لم يكن ثابتا الا في بعض الموارد اتفق النص «1»

و الفتوي علي عدم الافساد و هذا يكفي في النقض.

(2) و منها قوله و تقدم ايضا ان ظاهر هم ان الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا يمكن

دفع هذا النقض بانه في باب الانشائيات لا يعتني بالبناءات و الالتزامات القلبية ما لم تبرز فهي في حكم العدم فتدبر و به يظهر امكان دفع ما قبله- إذ ما لا يكون مقصودا للعقلاء لا يكون في الحقيقة قيدا.

ان الشرط ان كان من قبيل الصورة النوعية لما وقع عليه العقد لا محالة يكون مقابلا

______________________________

(1) الوسائل- باب 29 من ابواب المهور كتاب النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 336

منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا، و كون مطلوب المولي اتيان تتن الشطب، لا الاصفر الصالح للنارجيل، و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لاجل التنظيف، فإن العرف يحكم في هذه الامثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود، فلا يقوم الحمار مقام العبد، و لا الاصفر مقام التتن، و لا التيمم مقام الغسل.

و منها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا، و التتن جيدا، و الغسل بماء الفرات،

فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب، و الظاهر ان الشرط من هذا القبيل لا من قبيل الأول، فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا لاعن تراض. (1)

نعم غاية الامر ان فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين، و لا مانع من التزامه و ان لم يظهر منه اثر في كلام القائلين بهذا القول.

______________________________

لعوض، إذ لا يصح المبادلة بين المادة الهيولائية و الثمن، لأنه لا مالية لها.

و إن كان من قبيل العوارض الخارجية فهو خارج عن العقد و المعاوضة، و لا يكون قيدا للبيع و لا لأحد العوضين، بل هو التزام قيد الالتزام بالوفاء بالعقد به، فالالتزام البيعي يكون مطلقا غير معلق و قد

تحقق عن الرضا و طيب النفس بالمعني المعتبر في صحة المعاملة، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك.

(1) و الظاهر ان هذا مراد المصنف (رحمه الله) مما ذكره في المقام لا ان يكون مراده ما ذكره جمع منهم المحقق الخراساني (رحمه الله)

من أن التقييد يوجب تعدد المطلوب إذا لم يكن القيد مقوما لحقيقة المبيع و وحدة المطلوب إذا كان مقوما، بتقريب: أن العقلاء بناؤهم في مقام المعاملة علي أخذ ما هو دخيل في أصل الغرض المعاملي بنحو التقويم و علي أخذ ما لا دخل له في أصل الغرض، بل في مرتبة منه بنحو الشرطية، و في القسم الثاني حيث لم يتخلف الغرض الأصلي فلا بطلان للبيع بما هو بيع، و حيث تخلف الغرض الاقصي و هو ايضا غرض عقدي معاملي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 337

الثالث: رواية عبد الملك بن عتبة عن الرضا (عليه السلام) عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا علي أن ليس منه علي وضيعة هل يستقيم هذا، و كيف هذا. و ما حد ذلك،

قال لا ينبغي، و الظاهر ان المراد الحرمة لا الكراهة، كما في المختلف، إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد. (1)

______________________________

فيثبت الخيار، و عليه فلا تقيد لأصل الرضا بالبيع فإنه يرده: أن هذا لا يوجب التفاوت بين ما هو الركن و غيره، إذ غير الركن ربما يكون دخيلا في أصل الغرض.

و بالجملة إن ذلك ليس أمرا مضبوطا كي يمكن دعواه في جميع العقود، بل يختلف باختلاف الأغراض و الدواعي.

ثالثها: النصوص الخاصة الواردة في المقام.

منها: خبر «1» عبد الملك بن عتبة المذكور في المتن.

(1) و تقريب الاستدلال علي ما في محكي المختلف: ان الظاهر ارادة الحرمة لا الكراهة،

إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد.

توضيحه: أن منشأ حرمة العقد أو كراهته هو حرمة الشرط أو كراهته، و حيث إن كراهة الشرط لا معني لها فإن ما في ضمن العقد الصحيح وعد يستحب الوفاء به فلا بد من حمله علي إرادة الحرمة الوضعية، فيدل الخبر علي أن العقد فاسد، لفساد شرطه.

و فيه: إن هذا الخبر لا يصح الاستدلال به، لضعفه سندا و دلالة.

أما الأول، فلأن راوي الخبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي الملكي لا الصيرفي الكوفي الثقة، بقرينة رواية علي بن الحكم عنه، و هو مجهول لم يوثق.

و أما الثاني، فلوجوه:

أحدها: أن الخبر متضمن لسؤالين: أحدهما: السؤال عن صحة البيع بهذا الشرط

______________________________

(1) الوسائل- باب 35- من ابواب احكام العقود كتاب التجارة. و الخبر مروي عن الامام الكاظم (عليه السلام).

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 338

و رواية الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فأشتري المتاع لأجله، ثمّ أبيعه إياه ثمّ اشتريه منه مكاني، قال: فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت انت ايضا بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد، و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صح، قال انما هذا تقديم و تأخير لا بأس،

فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو احدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية،

و عدم الاختيار في تركها انما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الاول، و الا فلا يلزم عليها، فيصير الحاصل انه إذا باعه بشرط ان يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الاول فكذا

الثاني، أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول، إذ لا مفسد له غيره،

______________________________

ثانيهما: السؤال عن صحة الشرط و تسلط المشتري علي أخذ الخسارة منه، و من الجائز رجوع قوله (عليه السلام): لا ينبغي الي الثاني دون الأول، فهو أجنبي عن المقام ثانيها: أن لا ينبغي لو لم يكن ظاهرا في الكراهة لا يكون ظاهرا في الحرمة التكليفية أو الوضعية.

ثالثها: أنه لو سلم ظهوره في الحرمة الوضعية أي الفساد، غاية ما يستفاد منه اعتبار عدم هذا الشرط في صحة البيع، و هذا أعم من مفسدية الشرط الفاسد.

ثمّ الربح و الخسارة بما أنهما تابعان لنفس المال و يستحيل أن يكونا لغير صاحب المال، فإن كان الشرط كون الخسارة علي البائع كان شرط أمر غير معقول، و إن كان الشرط تدارك الخسارة فهو معقول لا إشكال فيه، و ظاهر الخبر هو الأول.

و منها: ما ورد في بيع العينة، و المشهور فيه ما هو المعهود المتداول بين الناس تخلصا عن الربا و هو: أن يشتري السلعة بثمن مؤجل ثمّ يبيعها من بائعها بأقل من هذا الثمن نقدا متبانيا علي ذلك قبل العقد،

كخبري الحسين بن المنذر «1» و علي بن جعفر «2» المذكورين في المتن

______________________________

(1) الوسائل كتاب التجارة باب 5 من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 339

و رواية علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الي اجل، ثمّ اشتراه بخمسة نقدا أ يحل، قال: إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس، و دلالتها اوضح من الاولي.

و الجواب اما عن الاولي، فبظهور- لا ينبغي- في الكراهة، و لا مانع من كراهة

البيع علي هذا النحو من ان البيع صحيح غير مكروه، و الوفاء بالشرط مكروه. (1)

و أما عن الروايتين، فأولا: بان الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوي اهل المسجد، علي خلاف قول الامام (عليه السلام) في الرواية الاولي هو رجوع البأس في المفهوم الي الشراء، و لا ينحصر وجه فساده في فساد البيع، (2) لاحتمال ان يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الاول، فإن العرف لا يفرقون في الزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط، بين وقوع الشرط في متن العقد،

أو في الخارج، فإذا التزم به احدهما في خارج العقد الاول، كان وقوعه للزومه عليه عرفا فيقع لاعن رضا منه فيفسد.

______________________________

و تقريب الاستدلال بهما: أنهما بالمفهوم يدلان علي ثبوت البأس إذا لم يكونا مختارين و اشترطا البيع بالشرط الملزم و هو ما في ضمن العقد.

و عليه فإما يدل علي فساد البيع الأول فهو المطلوب، أو يدل علي فساد الثاني،

و حيث لا منشأ لفساده سوي فساد الأول فيثبت المطلوب،

و فيه: أن البيع المشروط بالشرط المذكور باطل إجماعا و نصا، و التزم بالبطلان فيه من لم يلتزم بمفسدية الشرط الفاسد.

و ان شئت قلت: إن البيع محكوم بالفساد لهذا الشرط الذي ليس بفاسد في نفسه،

و بعبارة اخري: أن الفساد فيه مختص بالعقد مع صحة شرطه في حد نفسه.

(1) و اجاب المصنف عن الخبر الاول- بما حاصلة: ان كراهة البيع و ان لم يكن لها منشأ سوي كراهة الشرط، لكن غاية الأمر كراهة الاشتراط لا العمل بالشرط، و لا منافاة بين كون الاشتراط مكروها و العمل بالشرط واجبا أو مستحبا.

(2) كما اجاب عن الاخيرين بجواب آخر، و هو: ان ظاهر السؤال و الجواب خصوصا بقرينة حكاية

فتوي أهل المسجد، هو: رجوع البأس الي الشراء، و لا ينحصر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 340

و ثانيا: بان غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا، و هو مما لا خلاف فيه حتي ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط،

فلا يتعدي منه الي غيره، فلعل البطلان فيه للزوم الدور، كما ذكره العلامة أو لعدم قصد البيع، كما ذكره الشهيد (قدس سره) أو لغير ذلك. بل التحقيق ان مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه، لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا، لأنه في نفسه ليس مخالفا للكتاب و السنة، و لا منافيا لمقتضي العقد، بل الفساد في اصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط. و قد اشرنا الي ذلك في اول المسألة.

و لعله لما ذكرنا لم يستند إليها احد في مسألتنا هذه، و الحاصل اني لم اجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس، و يدل علي الصحة ايضا جملة من الاخبار.

______________________________

وجه فساده في فساد البيع، لاحتمال أن يكون وجهه عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول، إذ أهل العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين الابتدائي منه و الواقع في متن العقد، فالشراء صادر بتوهم اللزوم و من غير طيب النفس فيفسد.

و فيه: أن ذلك لو أوجب عدم الرضا الموجب للفساد لما كان فرق بين الشرط الصحيح و الفاسد و لا يمكن الالتزام بالفساد فيما إذا كان البيع شرطا في ضمن عقد يجب الوفاء به.

وحل ذلك: أن مثل هذا عدم الرضا لا يوجب البطلان، بل الموجب هو الصادر عن غير اختيار أو عن إكراه، فينحصر

وجه الفساد في فساد البيع الأول،

مع أن حمل الشرط علي الخارج عن العقد خلاف الظاهر، فإنه فاسد في نفسه لا من جهة تعلقه بالبيع الثاني، و ظاهر هما كون الفساد لهذه الجهة، فالحق ما ذكرناه،

فتحصل أنه لا دليل علي المفسدية، و مقتضي العمومات الصحة و عدم الافساد.

و يشهد بذلك مضافا الي العمومات: جملة من النصوص الخاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 341

و منها ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) انه ذكر ان بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة. فاشترتها عائشة فاعتقتها، فخيرها رسول الله (صلي الله عليه و آله) فقال ان شاءت قعدت عند زوجها، و ان شاءت فارقته، و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا علي عائشة ان لهم ولاءها، فقال (صلي الله عليه و آله) الولاء لمن

اعتق و حملها علي الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية اشارة و في غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة، (1) فالانصاف ان الرواية في غاية الظهور.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي، الاولي عن احدهما: في الرجل يشتري الجارية و يشترط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب و لا يرث، قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم الا الميراث، فإن الحكم بوجوب الوفاء بالاولين دون الثالث، مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون الا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه، (2) و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة

______________________________

لاحظ صحيح الحلبي «1» المذكور في المتن و مثله صحيح عيص بن القاسم «2»

و حملهما علي الشرط الخارج عن العقد خلاف الظاهر.

(1) قوله مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية اشارة و في غيرها صراحة

بكونه مخالفا للكتاب و السنة و فيه ان التعليل في غير هذه الرواية لا يجدي و في هذه الرواية لا تعليل بل قوله (صلي الله عليه و آله) الولاء لمن اعتق حكم ابتدائي لا تعليل لفساد الشرط حتي يقال انه لو كان الشرط في خارج العقد كان التعليل لفساده بعدم المقتضي اولي من التعليل له بوجود المانع- فالاولي ان يقال ان ظاهرها كون الشرط في ضمن العقد.

(2) قوله فان الحكم بوجوب الوفاء بالاولين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد … بفساد شرطه اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بان ظاهر الخبر بقرينة قوله إذ اشترط ان الجواب قضيتان عامتان هما بطلان شرط الميراث و صحة الشرطين الآخرين فإذا طبقت علي المورد اقتضي بطلان شرط الميراث إذا قيل بالسراية بطلان العقد و إذا بطل العقد بطل الشرطان الآخران لانتفاء الموضوع لا لأجل فسادهما في حد انفسهما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 37- من ابواب كتاب العتق حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 342

حتي انه حكي عن كاشف الرموز: اني لم اجد عاملا بهذه الرواية كان الامر بالوفاء محمولا علي الاستحباب، و يتم المطلوب ايضا، (1) و يكون استثناء شرط الارث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معني لاستحباب وفاء المشتري به، مع ان تحقق الاجماع علي بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع، كما لا يخفي.

و الثانية: عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن الشرط في الاماء لا تباع و لا تورث و لا توهب، قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد الخبر. فإن قوله فإنها تورث يدل علي بقاء البيع الذي شرط فيه ان لا

تورث علي الصحة، (2) بل يمكن ان يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد، اي لا يعمل به، ان جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع،

______________________________

و فيه: ان الظاهر من السؤال هو السؤال عن حكم واقعة شخصية و هو بيع الجارية مع اشتراط هذه الامور الثلاثة و حمل الجواب علي ارادة بيان حكمين كليين خلاف الظاهر فالظاهر منه صحه العقد و الشرط، و فساد الشرط الثالث فيدل علي المطلوب.

و صحيح آخر للحلبي «1» و مرسل جميل «2» المذكورين في المتن و ظاهرهما بيان واقعة شخصية خارجية فهما يدلان علي صحة الشرطين و بالتبع صحة البيع و بطلان الشرط الثالث، فيدلان علي عدم مفسدية الشرط الفاسد للعقد.

(1) قوله كان الامر بالوفاء محمولا علي الاستحباب و يتم المطلوب تماميته تتوقف علي ان الشرط الفاسد في ضمن العقد الصحيح، وعد يستحب الوفاء به و أما إذا كان العقد فاسدا فلا وعد كي يستحب الوفاء به و قد تقدم بطلان ذلك فراجع.

(2) قوله فان قوله فانها تورث يدل علي بقاء البيع … علي الصحة اورد عليه المحقق الايرواني (رحمه الله) بانه يمكن ان يكون المراد ان كل مملوك لا ينفك عن كونه مورثا لمالكه و عليه فغاية مدلوله ان شرط عدم الارث باطل الا يؤثر

______________________________

(1) الوسائل- باب 37- من ابواب كتاب العتق حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 343

و يؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح. (1)

و قد يستدل علي الصحة بأن صحة الشرط فرع علي صحة البيع، فلو كان

الحكم بصحة البيع، موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور، (2) و فيه ما لا يخفي.

و الانصاف ان المسألة في غاية الاشكال، و لذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق (قدس سره)

______________________________

في حكم الارث من غير تعرض لحكم العقد المتضمن لهذا الشرط و يمكن ان يقال تأييدا له ان قوله فانها تورث بمنزلة الصغري لقوله كل شرط خالف الخ، و مجموع القضية علة لقوله غير الميراث فمفاد الخبر ان شرط عدم الارث لا يجوز لكونه خلاف الكتاب و السنة و لا يكون متعرضا لحكم العقد و به يظهر ما في قوله بل يمكن ان يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد أي لا يعمل به ان جميع ما ورد الي آخره.

(1) و يؤيد ذلك ما ورد في النكاح من الاخبار الدالة علي صحة عقده و فساد الشرط فيه كصحيح محمد بن قيس «1» بل و خبر الوشاء «2» الذي استدل به بعضهم علي عدم مفسدية الشرط الفاسد.

(2) و قد يستدل للصحة بان صحة الشرط متوقفة علي صحة البيع فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور.

و يرد عليه: أن صحة العقد لا تتوقف علي وجود الشرط فضلا عن صحته، نعم علي القول بمفسدية الشرط الفاسد تتوقف علي عدم الاشتمال علي الشرط الفاسد و هو لا يتوقف علي صحة العقد كما هو واضح،

مع ان المراد من الشرط الفاسد المتوقف علي عدم صحة العقد ليس هو الفاسد من جميع الجهات بل الفاسد من الحيثيات الراجعة الي الشرط نفسه من غير جهة لزوم وقوعه في ضمن العقد، و صحة الشرط المتوقفة علي صحة العقد هي صحته من ناحية لزوم

وقوع الشرط في ضمن العقد فكل من المتوقف و المتوقف عليه غير الآخر، فتدبر فإنه دقيق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 38- من ابواب المهور حديث 1.

(2) الوسائل- باب 39- من ابواب المهور حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 344

ثمّ علي تقدير صحة العقد، ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه، (1) من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح، فإن المانع الشرعي كالعقلي، فيدل عليه ما يدل علي خيار تخلف الشرط، و لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي. و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته، و لكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الاجماع

______________________________

الشرط الفاسد يوجب الخيار

(1) ثمّ علي تقدير صحة العقد ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجهان،

و الكلام يقع في مقامين:

الأول: في الخيار بناء علي كون خيار تخلف الشرط علي القاعدة كما اخترناه:

الثاني: في الخيار بناء علي كونه علي خلاف القاعدة ثابتا بأدلة نفي الضرر.

أما الاول فمقتضي القاعدة ثبوت الخيار و إن كان عالما بالفساد من جهة أنه علق الالتزام بالوفاء بالعقد علي الشرط و المفروض عدمه،

و لا فرق في ذلك بين كون عدمه قهريا كتعذر الشرط أو اختياريا كتخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط أو لمنع شرعي كفساد الشرط.

نعم لازم ما ذكرناه عدم الخيار لو فرض إتيان المشروط عليه بالشرط إذا كان من الأفعال و إن كان معصية، كما لو اشترط شرب الخمر فشربها، فالخيار إنما يكون في شرط النتيجة و شرط الفعل مع عدم العمل.

و أما المقام الثاني، ففي صورة العلم بالفساد لا خيار، لأنه مع العلم قد أقدم علي ضرره فلا يعمه دليل الضرر.

و أما في فرض الجهل

فقد أورد المصنف (رحمه الله) علي القول بدلالة حديث نفي الضرر علي ثبوت الخيار هنا بوجوه بعضها مختص بالجهل بالحكم إذا كان عن تقصير.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 345

و ادلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة انها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي. إذا لم يعتضد بعمل جماعة، لأن المعلوم اجمالا انه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد (1) خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا، فرب ضرر يترتب علي المعاملات من اجل الجهل باحكامها، خصوصا الصحة و الفساد.

فإن ضرورة الشرع قاضية في اغلب الموارد بأن الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك، (2) مع ان مقتضي تلك الأدلة نفي الضرر الغير الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه، (3) سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أو بالحكم، و ان قام الدليل في بعض المقامات علي التسوية بين القاصر و المقصر،

فالاقوي في المقام عدم الخيار، و ان كان يسبق خلافه في بادئ الانظار.

______________________________

(1) الاول: انه لا يصلح لتاسيس حكم شرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة لان المعلوم إجمالا أنه لو عمل بعمومه لزم منه تأسيس فقه جديد.

و فيه أن إشكال لزوم تخصيص الأكثر في الحديث لخروج أبواب الجنايات و الضمانات و التعزيرات و الخمس و الزكاة و الجهاد و غيرها لو ابقي الحديث علي ظاهره اشكال تعرض له المصنف في رسالته،

و أجاب عنه: بأن الخارج إذا كان بعنوان واحد جامع لا محذور فيه.

و قد أجبنا عنه بأجوبة اخر في الرسالة التي وضعناها للبحث عن الحديث و أثبتنا تبعا له أنه لا محذور فيه من هذه الناحية، و أن كل مورد دل الدليل علي خروجه عن الحديث نلتزم به، و في غير ذلك يكون

المرجع عموم الحديث، و لا محذور فيه.

(2) الثاني: ان ضرورة الشرع قاضية في اغلب الموارد بان الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك.

و فيه: أن المقصود ليس رفع الضرر المترتب علي فساد الشرط و فقده، بل رفع الضرر المترتب علي لزوم العقد الصحيح:

(3) الثالث: ان مقتضي تلك الادلة نفي الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 346

الثاني: لو اسقط المشروط له، الشرط الفاسد علي القول بافساده، لم يصح بذلك (1) العقد لانعقاده بينهما علي الفساد، فلا ينفع اسقاط المفسد، (2) و يحتمل الصحة بناء علي ان التراضي انما حصل علي العقد المجرد عن الشرط، فيكون كتراضيهما عليه حال العقد. (3) و فيه ان التراضي انما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق، كما في بيع المكره و الفضولي. و أما إذا طرأ الرضا علي غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع، لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه و متعلق العقد لم يرض به. (4)

______________________________

في رفعه، و الوجه في ذلك صدق الاقدام علي الضرر بترك التعلم للحكم عمدا في صورة التقصير فلا يشمله الحديث.

و فيه: أنه لم يدل دليل علي عدم الشمول في صورة الاقدام كي يدور الحكم مدار صدق الاقدام و عدمه، بل انما نلتزم بعدم الشمول في صورة العلم، من جهة انه وارد مورد الامتنان، و لا امتنان في الرفع مع العلم، و هذا الوجه لا يجري في الجهل بالحكم إذا كان عن تقصير،

فتحصل: أن الاظهر ثبوت الخيار في فرض الجهل علي هذا المسلك أيضا.

لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد

(1) الثانية: لو اسقط المشروط له الشرط الفاسد علي القول بافساده فهل يصح بذلك العقد أم لا؟

المراد من اسقاط الشرط الرضا

بالعقد مجردا عن الشرط و قد استدل المصنف لعدم صحة العقد بذلك:

(2) بان العقد وقع فاسدا فلا ينفع اسقاط المفسد.

(3) ثمّ استدل للصحة: بان الفساد كان لاجل عدم الرضا فإذا رضي بالمجرد صح.

(4) و اجاب عنه: بان متعلق الرضا لم يعقد عليه أي لم يعقد علي المجرد و متعلق العقد و هو المقيد بالشرط لم يرض به.

و فيه: أن الشرط التزام خارج عن الالتزام العقدي و متعلق الالتزام العقدي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 347

و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد اسقاط الشرط، قال:

يشترط في العمل المشروط علي البائع ان يكون محللا فلو اشتري العنب علي شرط ان يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط، و لبيع علي اشكال ينشأ من جواز اسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه، و هو المانع من صحة البيع و من اقتران البيع بالمبطل. و بالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من اصله، (1) بحيث لو رضي صاحبه باسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو ايقاف البيع بدونه، فإن لم يرض بدونه بطل و الا صح، انتهي و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الايقاف (2)

الثالث: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا، و لم يذكر في العقد، فهل يبطل العقد بذلك بناء علي ان الشرط الفاسد مفسد له ام لا؟ (3) وجهان بل قولان مبنيان علي تأثير الشرط قبل العقد.

______________________________

نفس المقيد لامع القيد، و المفروض أنه المرضي به.

و الحق أن يقال: إن منشأ القول بالإفساد إن كان فقد الرضا صح العقد، و إن كان جهالة العوض أو النص الخاص لم يصح و هو واضح.

(1) قوله و بالجملة فهل يثمر اقتران هذا

الشرط بطلان البيع من اصله هذا بيان لما ذكره من وجهي الاشكال إذ المراد من الصحة التي ذكرها أولا هي الصحة المراعاة بالاسقاط.

(2) قوله و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الايقاف مراده عدم الوجه الصحيح، و الا فالايقاف هي الصحة المراعاة التي ذكر هو قده في اول المسألة وجهها و قويناه و الله العالم.

ذكر الشرط الفاسد قبل العقد

(3) الثالثة: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد فهل يبطل العقد بذلك بناء علي القول بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد، أم لا؟ وجهان،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 348

فإن قلنا: بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور، و قد تقدم في الشروط لم يفسد و الا افسد (1) و يظهر من المسالك هنا قول ثالث: قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد، فلو كان في انفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضر و لو شرطاه قبل العقد لفظا، فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له، فلا اثر له، و إلا اتجه بطلان العقد، (2) كما لو ذكراه في متنه، لانهما لم يقدما الا علي الشرط، و لم يتم لهما فيبطل العقد، انتهي.

و في باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة انه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره، قال في المسالك اي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله، نعم لو توهم لزوم ذلك، أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله، اتجه الفساد،

انتهي.

______________________________

و قد بني المصنف القول بالصحة و الفساد في المسألة، علي القول بتأثير الشرط المذكور قبل العقد غير المذكور في متن العقد،

(1) فعلي القول بانه

لا حكم له كما هو ظاهر المشهور لم يفسد و الا افسد و أورد عليه أكثر المحققين من المحشين بما حاصله: أن إفساد الشرط الفاسد للعقد لا يدور مدار صدق لفظ الشرط، بل مدار تقيد الرضا بأمر لم يسلم أو الجهل بما قابل المبيع من الثمن، و كل من الأمرين حاصل بمجرد القصد بلا حاجة الي اللفظ.

و فيه: أنه في باب العقود و الايقاعات لا يعتني بالاغراض و الدواعي النفسانية ما لم تنشأ، فإذا فرضنا أن الشرط المتقدم غير المذكور في العقد ذكره قبل العقد كالعدم لا يكون مقيدا للعقد.

و إن شئت قلت: إنه كما لا عبرة بالرضا النفساني بشي ء ما لم يبرز كذلك القيد النفساني غير المنشأ لا يصلح للتقييد في باب المعاملات، فما أفاده المصنف (رحمه الله) متين.

(2) و قد يقال: كما في محكي المسالك- بدوران الصحة و الفساد مدار العلم بان الشرط المتقدم لا حكم له و الجهل به نظرا الي أنه مع العلم بالفساد لا يوقع العقد مبنيا علي الشرط فيصح العقد، و مع جهله بالفساد يوقع العقد مبنيا عليه بطبعه، فيفسد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 349

ثمّ حكي اعتراضا علي المحقق قدس سره (1) و جوابا عنه بقوله قيل عليه ان مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لأن العقود تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ، و أجيب عنه بأن القصد و ان كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان (2) لتوقف البطلان علي اللفظ و القصد، و كذلك الصحة و لم يوجد في الفرض (3) ثمّ قال (قدس سره)

______________________________

و فيه: أولا: ما تقدم من أنه مع عدم تأثير الشرط المتقدم لا حكم لوقوع العقد مبنيا عليه.

و ثانيا: أنه

لا فرق بين صورتي العلم و الجهل، فكما أنه في صورة الجهل بالفساد يوقع العقد مبنيا عليه كذلك في صورة العلم يمكن إيقاعه مبنيا عليه، فالتفصيل في غير محله.

و عن المحقق في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع، بعد الحكم بالبطلان، قال: و لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره.

قال في المسالك: أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله،

(1) ثمّ حكي اعتراضا عليه و جوابا عنه و محصل الاعتراض: أن لازم تبعية العقد للقصد الحكم بالفساد، إذ المقصود هو المقيد بالشرط، و المعقود عليه هو المجرد عن القيد، فلا تطابق بين القصد و العقد.

و حاصل الجواب: أن العقد تابع للقصد بمعني أن ما يقع لا بد و أن يكون مقصودا،

و أما كل ما يقصد لا بد و أن يقع فلا.

و بعبارة اخري: أن ما يقع لا بد و أن يكون مقصودا، و أما في ما لا يؤثر العقد بالنسبة إليه و إن كان مقصودا فلا يعتبر تطابق العقد و القصد.

(2) و عليه فقوله في الجواب: ان القصد و ان كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان- يكون المراد منه أنه لا يعتبر في ما لا يؤثر العقد بالنسبة إليه مطابقة العقد للقصد،

(3) و قوله: لتوقف البطلان، الي آخره راجع الي النفي يعني انه تعليل لتوهم الاعتبار فالمتحصل: أنه لا يعتبر المطابقة في طرف البطلان بتوهم أنه كالصحة منوط بموافقة القصد و اللفظ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 350

و فيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة (1) يقتضي كون تخلف احدهما كافيا في البطلان، (1) و يرشد إليه عبارة الساهي و الغالط و المكره، فإن المتخلف الموجب للبطلان هو

القصد خاصة و الا فاللفظ موجود، ثمّ قال و الذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلي البيع (2) المترتب عليه أثر الملك للمشتري علي وجه لا يلزمه رده (أي بيعه علي البائع الأول) و إنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار نظرا إلي وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره و مروته، انتهي كلامه.

اقول: إذا اوقعا العقد المجرد علي النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما في البناء علي الشرط و الالتزام به الا بالتلفظ بالشرط و عدمه.

فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح و الفاسد فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره، فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الاقدام علي العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل اقدامه كاقدام من يعتقد الصحة كما لا فرق في ايقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب اثر شرعي عليه و غيره.

و بالجملة فالاقدام علي العقد مقيدا امر عرفي يصدر من المتعاقدين و ان علما بفساد الشرط

______________________________

(1) قوله و فيه منع ظاهر فان اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف احدهما كافيا في البطلان يظهر بما ذكرناه في شرح كلام المجيب عدم ورود هذا الايراد عليه، فان المجيب لم يكن منكر الكفاية تخلف احدهما في البطلان بل كان يدعي انه في عدم تأثير العقد فيما ليس من مدلوله لا يعتبر مطابقة العقد للقصد.

(2) قوله و الذي ينبغي فهمه انه لا بد من قصدهما الي البيع الظاهر انه تصحيح لأصل المسألة و حاصله ان من يبيع ما اشتراه من بايعه ان كان بيعه منه مشروطا في ضمن

البيع الاول بطل و ان لم يكن مذكورا، و ان كان قاصدا لذلك و تواطئا عليه قبله و وثق البائع بذلك لا يكون مفسدا لعدم كون ذلك تقييدا للبيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 351

و أما حكم صورة نسيان ذكر الشرط، فإن كان مع نسيان اصل الشرط كما هو الغالب، فالظاهر الصحة لعدم الاقدام علي العقد مقيدا غاية الامر انه كان عازما علي ذلك لكن غفل عنه نعم لو اتفق ايقاع العقد مع الالتفات الي الشرط ثمّ طرأ عليه النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا علي تواطئهما السابق.

الرابع: لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء فظاهر كلام جماعة من القائلين بافساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد، (1) قال في التذكرة في باب العيب: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار، و قد صرح في مواضع اخر في باب الشروط بصحة العقد و لغوية الشرط، و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما، و مرجعه الي لغوية الاشتراط. و قد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من احد العوضين (2) و يشكل بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين، فاللازم اما بطلان العقد و أما وجوب الوفاء،

كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف.

______________________________

(1) الرابع لو كان فساد

الشرط لاجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد.

قال في محكي التذكرة: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار.

(2) و ما ذكر وجها لعدم مفسديته من ان هذا الشرط لما لم يجب شرعا العمل به و لم يكن في تخلفه أو تعذره خيار خرج عن قابلية تقيد العقد به- لو تم اقتضي عدم مفسدية الشرط الفاسد مطلقا بلا اختصاص بهذا الشرط.

و الحق أن يقال: إن لغوية الشرط و إن أوجبت عدم تقيد العقد به عند العقلاء بما هم عقلاء إلا أنها لا تنافي تقيد العقد به بحسب قصد المتعاقدين، و عليه فيجري فيه ما ذكر في الشروط الفاسدة الآخر، و بذلك ظهر تمامية ما أفاده المصنف (رحمه الله) في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 352

الكلام في أحكام الخيار

اشارة

الخيار موروث بأنواعه (1) بلا خلاف بين الاصحاب، كما في الرياض،

و ظاهر الحدائق. و في التذكرة ان الخيار عندنا موروث، لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص في جميع انواعه، و به قال الشافعي، الا في خيار المجلس. و ادعي في الغنية:

الاجماع علي ارث خيار المجلس و الشرط.

______________________________

انتقال حق الخيار الي الوارث
اشارة

و أما احكام الخيار فقد تقدم ذكر كثير منها في المباحث المتقدمة،

و بقي الكلام في مسائل:

(1) الاولي: صرح الاصحاب بما في المتن الخيار موروث بانواعه فإذا مات من له الخيار انتقل الي الوارث من اي انواع الخيار كان، بل ظاهرهم الاجماع عليه.

و تنقيح القول فيه: ان ارث الخيار يتوقف علي ثبوت امرين:

احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا.

الثاني: كونه باقيا بعد الموت، و لا يكون من الامور القائمة بشخص مخصوص.

فالكلام يقع في مقامين:

اما الأول: فقد استدل له بالاجماع و بالاجماع علي سقوطه بالاسقاط إذ الحكم لا يقبل الاسقاط،

و بالتعليل في خبر خيار الحيوان لانتفائه بالتصرف بانه رضا «1».

و يرد علي الأخير: ما تقدم من انه تعبد بكون التصرف رضا بالعقد و اجازة له.

و لا كلام في انه في البيع الخياري كما لمن له الخيار فسخ العقد كذلك له اجازته و امضائه و جعله لازما، و هذا غير كونه حقا اللهم الا ان يقال: ان اجازة العقد و امضائه توجب اللزوم من جهة كونها اسقاطا للخيار كما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 353

و استدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت، فيورث لظاهر القرآن، (1) و تبعه بعض من تأخر عنه، و زيد عليه الاستدلال بالنبوي، ما ترك الميت من حق فلوارثه. (2)

اقول الاستدلال علي هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين في

ارث ما ترك الميت يتوقف علي ثبوت امرين:

احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا كإجازة العقد الفضولي، و جواز الرجوع في الهبة و سائر العقود الجائزة، فإن الحكم الشرعي مما لا يورث، و كذا ما تردد بينهما للاصل، و ليس في الاخبار ما يدل علي ذلك عدا ما دل علي انتفاء الخيار بالتصرف، معللا بانه رضا كما تقدم في خيار الحيوان

______________________________

و يمكن ان يستدل له: بان لزوم البيع حقي لا حكمي، و لذا يكون جعل الخيار فيه مشروعا نصا و فتوي، فكذلك الخيار الذي يقابله، بل نفس مشروعية جعل الخيار دليل كونه حقا، لأن الحكم امره بيد جاعله، و هو الشارع، و لا يعقل التسبيب إليه بايجاده. هذا كله مضافا الي تسالم الأصحاب علي ترتيب آثار الحق عليه.

و أما الثاني: فحيث ان جملة من الحقوق لا تكون قابلة للانتقال أو الانتقال بالارث من جهة كون الموضوع مقوما كحق التولية الملحوظ فيه شخص خاص، أو البلد، أو كونه مغيا بغاية يستحيل عدم تحققها بعد الموت، كخيار المجلس المغيا بالافتراق المتحقق بالموت قهرا،

و مثل هذه الحقوق لا تورث، فلا بد من اثبات ان حق الخيار ليس من قبيل هذه الحقوق بل هو حق قابل للانتقال بالارث و يكون باقيا بعد الموت.

(1) و دعوي ان عمومات الارث مثل قوله تعالي (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) «1» و قوله عز و جل (و لكم نصف ما ترك ازواجكم) «2».

(2) و النبوي: ما تركه الميت من مال فلوارثه «3». تكفي لاثبات كونه قابلا للانتقال

______________________________

(1) النساء آية 11.

(2) النساء آية 12.

(3) اصول الكافي ج 1 ص 406.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 354

و التمسك بالاجماع علي سقوطه بالاسقاط،

فيكشف عن كونه حقا لا حكما مستغني عنه بقيام الاجماع علي نفس الحكم.

الثاني: كونه حقا قابلا للانتقال ليصدق انه مما ترك الميت، بأن لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له، و إلا فمثل حق الجلوس في السوق و المسجد، و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال، فلا يورث، و اثبات هذا الامر بغير الاجماع ايضا مشكل، و التمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق، (1) و عدم انقطاعه بموت ذي الحق اشكل، لعدم احراز الموضوع، لان الحق لا يتقوم الا بالمستحق، (2) و كيف كان ففي الاجماع المنعقد علي نفس الحكم كفاية ان شاء الله تعالي.

______________________________

(1) و الاستصحاب يثبت بقائه بعد الموت فبضم الاستصحاب بعمومات الارث يثبت ذلك،

مندفعة بان ذاك الحق القائم بالمورث زال قطعا لتقومه به، و الشك انما هو في حدوث حق للوارث، فالمشكوك فيه غير المتيقن. و ان اريد استصحاب كلي الحق فمضافا الي انه من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي لا يجدي لاثبات الحق للوارث.

(2) و ان ابيت ما ذكرناه فلا اقل من الشك في الموضوع لاحتمال كون المستحق مقوما للموضوع، أو يكون استحقاقه لاجل عنوان منطبق عليه مفقود في الوارث فلا يجري الاستصحاب.

فالعمدة في اثبات كونه قابلا للانتقال الي الورثة هو الاجماع، و بعد ذلك يدخل في عموم ادلة الارث.

و قد يقال كما- عن جمع منهم المحقق الايرواني (رحمه الله): ان الخيار غير قابل للارث بوجه، فان الخيار سلطنة من ذي الخيار علي متعلقه، و ربط خاص بينهما، كما ان الملك استيلاء بين المالك و المملوك و ربط خاص بينهما، و كل من الربطين غير قابل للارث، لأنهما نسبتان قائمتان بنفس الشخص، و إذا مات انعدمت هذه النسبة

و لم تبق حتي يصدق عليها عنوان ما ترك نعم عين المال متروك في الأموال فيحكم بارثه، بمعني حدوث نسبة اخري للوارث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 355

بقي الكلام في ان ارث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا، (1)

______________________________

شبه تلك النسبة التي كانت للمورث.

و أما في الحقوق فعين الأموال المتعلقة لها اموال الآخرين لا يصدق انها مما تركه الميت كي يحدث للورثة حق فيها شبه ما كان لمورثهم و لذا لا يحكم بارث الحقوق المستحبة.

و فيه: انه كما يكون للملكية قسمان من المتعلق حقيقي كالعين الخارجية، و اعتباري ككلي الحنطة الباقية في الذمة، كذلك يكون للحق قسمان من المتعلق حقيقي كالأرض المحجرة بالنسبة الي حق الاولوية، و اعتباري كالعقد الذي هو متعلق حق الفسخ، و عليه فكما يقال في الملك ان الموروث هو المتعلق لا الملكية و انما تحدث الملكية بادلة الارث،

كذلك يقال في الحق ان الموروث هو المتعلق، و بدليل الارث يحدث الحق. فتدبر فانه دقيق.

و أما عدم ارث الحقوق المستحبة فوجهه كون المستحق مقوما لا موردا.

فان قيل ان مقتضي اطلاق النبوي المذكور في صدر المسألة (ما تركه الميت من حق فلوارثه) ان الخيار يورث اجبنا عنه بانه لا أصل له، و انما الموجود ما ذكرناه

ارث الخيار ليس تابعا لإرث المال

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) الاول: هل ارث الخيار تابع لإرث المال فلو فرض استغراق دين الميت لتركته منع انتقال الخيار الي الوارث، و لو كان الوارث ممنوع لنقصان فيه كالقتل للمورث، أو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة بالنسبة الي العقار لا يرث، ام لا يكون تابعا له، ام هناك تفصيل؟ وجوه.

و المصنف (قدس سره) ذكر ذلك مفصلا، و قسم حق الخيار باعتبار مورده الي اقسام، و

بين حكم كل قسم و نحن نقتفي اثره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 356

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار الي الوارث، (1)

و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه، كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر، فلا اشكال في عدم الارث، لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق، (2)

______________________________

(1) الاول: مورد استغراق الدين للتركة، و قد ارسل المصنف (رحمه الله) ارث الخيار فيه ارسال المسلم.

و اورد عليه السيد الفقيه (رحمه الله): بان الاشكال الآتي في الزوجة بالنسبة الي العقار جار فيه ايضا، ثمّ قال: بل يمكن ان يقال بعدم الارث في المقام، و ان قلنا به في الزوجة من حيث ان ما دل علي ممنوعيته من الارث لأصل التركة و هو قوله تعالي (من بعد وصية يوصي بها أو دين) «1» و غيره من الأخبار «2» يدل باطلاقه أو فحواه علي عدم الارث للحق المتعلق بها ايضا، فانه مزاحم للدين.

اما الاشكال الآتي في الزوجة و اجماله ان حرمانها من المال المتروك يوهم حرمانها من الخيار المتعلق به كما سيأتي تفصيله، فهو لا يجري في الدين المستغرق،

اما بناء علي ما اختاره المصنف (رحمه الله) من انتقال التركة الي الورثة فواضح،

و أما بناء علي عدم الانتقال فلأن الاستغراق مانع عن ارث ما يمكن وفاء الدين به و هو المال دون حق الخيار، و هو ليس مزاحما للدين، فلو كان مزاحم فهو اعماله.

و يمكن ان يقال انه لا يزاحم، بل ينتقل المال من المفسوخ عليه الي الورثة، و ما تركه الميت بما انه متعلق حق الديان لا ينتقل إليه، بل هو في حكم التلف، و تشتغل ذمة الميت بالبدل كما سيأتي انشاء الله تعالي

نظيره في المبحث الآتي.

(2) الثاني: مورد وجود احد موانع الارث كالقتل و الرق و الكفر، و قد ارسل عدم الارث فيه ارسال المسلم، و هو كذلك، فان نسبتها الي جميع ما تركه الميت ملكا كان أو حقا علي حد سواء.

______________________________

(1) النساء آية 11.

(2) الوسائل- باب 28- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 357

و لو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي، كالزوجة غير ذات الولد، أو مطلقا بالنسبة الي العقار، و غير الاكبر من الاولاد بالنسبة الي الحبوة، (1) ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا. أو عدم حرمانه كذلك، وجوه. بل اقوال.

ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الي الميت أو عنه، فيرث في الاول صرح به فخر الدين في الايضاح، و فسر به عبارة والده كالسيد العميد و شيخنا الشهيد في الحواشي.

و رابعها: عدم الجواز في تلك الصورة، و الاشكال في غيرها، صرح به في جامع المقاصد، و لم اجد من جزم بعدم الارث مطلقا، و ان امكن توجيهه بأن: ما يحرم منه هذا الوارث ان كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معني له، لأنه لا ينتقل إليه بازاء ما ينتقل عنه من الثمن شي ء من المثمن.

______________________________

(1) الثالث: مورد المانع التعبدي ككون المتروك ارضا بالاضافة الي الزوجة و هو الذي نقل فيه الأقوال.

و ملخص الكلام فيه: ان الوجوه و الأقوال فيه اربعة أو خمسة ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الي الميت أو عنه فيرث في الأول دون الثاني.

رابعها: عدم الجواز فيهما انتقل الي الميت، و الاشكال فيما انتقل عنه.

خامسها: ما يظهر من المستند وجود القائل به، و هو الفرق بين انحصار الوارث بها فلا

ترث، و بين عدم الانحصار فترث.

وجه القول الأول: عموم دليل الارث، و عدم المانع عن خصوص الخيار.

و استدل لعدم الارث مطلقا بوجهين:

الأول: ان الخيار ملك كلا الالتزامين اللذين هما، مدلولان التزاميان للبيع، حيث انه بمدلوله الالتزامي، يدل علي التزام كل من المتعاقدين بالمدلول المطابقي، و هو المبادلة بين المالين، و كل منها مالك لالتزام طرفه إذا لم يكن خياريا، و الخيار عبارة عن ملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 358

و بعبارة اخري الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه، توجب سلطنته عليه،

و لا علاقة هنا و لا سلطنة، و ان كان قد انتقل الي الميت فهو لباقي الورثة، و لا سلطنة لهذا المحروم، و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز تسلطه علي ما وصل بازائه. (1)

و لكن يرد ذلك بما في الايضاح: من ان الخيار لا يتوقف علي الملك، كخيار الاجنبي، فعمومات الارث بالنسبة الي الخيار لم يخرج عنها الزوجة و ان خرجت عنها بالنسبة الي المال. و الحاصل ان حق الخيار ليس تابعا للملكية، و لذا قوي بعض المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين، و يضعفه ان حق الخيار علقة في الملك المنتقل الي الغير من حيث التسلط علي استرداده الي نفسه، و إلي من هو منصوب من قبله كما في الأجنبي و بعبارة اخري ملك لتملك المعوض لنفسه، أو لمن نصب عنه، و هذه العلاقة لا ينتقل من الميت الا الي أو ارث يكون كالميت، في كونه مالكا، لأن يملك، فإذا فرض ان الميت باع ارضا بثمن، فالعلاقة المذكورة انما هي لسائر الورثة دون الزوجة، لأنها بالخيار لا ترد شيئا من الأرض الي نفسها و لا إلي آخر هي من قبله لتكون كالاجنبي المجعول له.

نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض، كان الثمن المدفوع الي البائع متزلزلا في ملكه،

______________________________

كلا الالتزامين، و لا يمكن ان تملك الزوجة كليهما إذ الأرض لو انتقلت عن الميت فهي ليست مالكة لالتزام نفسها، و لو انتقلت إليه فهي ليست مالكة لالتزام طرفها، لأن الأرض لغيرها من الورثة.

و فيه: ان معني ملك الالتزامين التسلط علي الفسخ و الامضاء الذي هو امر اعتباري عقلائي كان ثابتا للمورث فيرثه وارثه و ليس تابعا للملك، و لذا يصح جعله للأجنبي.

(1) الثاني: ما افاده المصنف (قدس سره) و هو: ان الخيار عبارة عن السلطنة علي استرداد ما انتقل عن ذي الخيار بعد الفراغ عن السلطنة علي ما انتقل إليه، و الزوجة اما لا سلطنة لها علي الرد لو كان المنتقل الي الميت ارضا، و أما لا سلطنة لها علي الاسترداد لو كان المنتقل عن الميت ارضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 359

فيكون في معرض الانتقال الي جميع الورثة، و منهم الزوجة، فهي ايضا مالكة لتملك حصتها من الثمن. (1) لكن فيه ما ذكرنا سابقا من ان الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز التسلط علي ما وصل بازائه، و عبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط الزوجة علي مال الغير.

و حاصله ان الميت انما كان له الخيار، و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه علي رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بازائه، فلا ينتقل هذه العلاقة الا الي من هو كذلك من ورثته، كما مر نظيره في عكس هذه الصورة، و ليست الزوجة كذلك. و قد تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل، ان أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار علي صاحبه، من جهة تسلطه

علي تملك ما في يده، فلا يثبت بها تسلط الوكيل علي ما وصل إليه لموكله، و ما نحن فيه كذلك، و يمكن دفعه بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال الي جميع الورثة، اقتضي بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة

______________________________

و فيه: اولا: ان الخيار عبارة عن السلطنة علي حل العقد، و يستلزم ذلك الرد و الاسترداد.

و ثانيا: انه لو كان عبارة عن السلطنة علي الرد و الاسترداد فهو عبارة عن السلطنة علي الرد و الاسترداد الي المالكين.

و بعبارة اخري: عبارة عن رد المبيع ملكا لا خارجا، و يوجب اعادة الربط الملكي من دون ان يقيد محله بشخص خاص، و عليه فان قلنا بانه بالفسخ يرجع المال الي الميت و منه الي الورثة كان لازمه ارث الزوجة لو كانت الارض منتقلة الي الميت فانه يعود الثمن إليه و الزوجة ترث منه، و لو كانت منتقلة عنه لم ترث منها.

و لو قلنا بانه بالفسخ يرجع المال الي الورثة، يمكن ان يقال: ان الزوجة و ان لم ترث من الأرض الا انه لا مانع من كون فسخها سببا لعود الأرض الي سائر الورثة.

(1) قوله فهي ايضا مالكة لتملك حصتها من الثمن قد مران كون الثمن في معرض الانتقال لا يوجب ثبوت السلطنة الفعلية للزوجة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 360

و ان لم يكن لها تسلط علي نفس الارض، و الفرق بين ما نحن فيه، و بين ما تقدم في الوكيل، (1) ان الخيار هناك، و تزلزل ملك الطرف الآخر، و كونه في معرض الانتقال الي موكل الوكيل، كان متوقفا علي تسلط الوكيل علي ما في يده، و تزلزل ملك الطرف

الآخر هنا، و كونه في معرض الانتقال الي الورثة ثابت علي كل حال،

و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فإن باقي الورثة لو ردوا الارض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه، فحق الزوجة في الثمن المنتقل الي البائع ثابت، فلها استيفاؤه بالفسخ، ثمّ ان ما ذكروا رد علي فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة (2) بثمن معين يشترك فيه الزوجة الا ان يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ الا في مقدار حصتهم من الثمن، (3) فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الايضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال من اي انواعه كان، الا الزوجة غير ذات الولد في الارض علي اشكال اقربه ذلك، ان اشتري بخيار لترث من الثمن، انتهي.

و قال في الايضاح: ينشأ الاشكال من عدم ارثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها. و من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كالأجنبي، ثمّ فرع المصنف أنه لو كان

______________________________

(1) قوله و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم في الوكيل حاصله ان التزلزل في المقام ثابت مع قطع النظر عن خيار الزوجة لخيار الباقين- و في مسألة الوكيل التزلزل منوط بخياره.

(2) قوله ثمّ ان ما ذكر وارد علي فسخ باقي الورثة للارض المبيعة حاصله- انه يمكن ان يقال في عكس الفرض و هو ما إذا كانت الارض منتقلة عن الميت بان ملكية الزوجة لمقدار من الثمن في معرض الزوال بفسخ باقي الورثة فيكون لها ايضا حق الازالة بالفسخ.

(3) قوله الا ان يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ الا في مقدار حصتهم من الثمن محصله انه لا نسلم ما ذكر فان للورثة

الفسخ بمقدار حصصهم فمقدار حصتها من الثمن ليس متزلزلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 361

الموروث قد اشتري بخيار فالأقرب إرثها من الخيار، لأن لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه، لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو علل بإرثها دار، (1)

و الأصح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة، (2) و هو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه، انتهي.

و قد حمل العبارة علي هذا المعني السيد العميد الشارح للكتاب، و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد، فإنه بعد بيان منشأ الاشكال علي ما يقرب من الايضاح، قال: فالاقرب من هذا الاشكال، عدم ارثها ان كان الميت قد اشتري ارضا بخيار، فارادت الفسخ لترث من الثمن.

______________________________

(1) قوله فالاقرب ارثها من الخيار لان لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه فلو علل بارثها دار تقريب الدوران ارث الثمن موقوف علي الفسخ، و هو موقوف علي كون الثمن موروثا ليكون فيه حق لها و لكن هذا يتم لو اريد من حقها في الثمن ملكها الفعلي و أما إذا اريد به ملكها التقديري، فهو لا يتوقف علي الفسخ، و لا علي حق الفسخ.

(2) قوله لان الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة حاصل مقصوده ان ارث الثمن و ان توقف علي الخيار- الا ان الخيار لا يتوقف الاعلي كون الثمن موروثا شانا و هو كذلك لكونه جزء من التركة من حيث هو فلا دور.

و استدل للثالث فيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت: بان العقد حيث يكون متزلزلا لثبوت الخيار لسائر الورثة فالثمن في معرض الانتقال الي جميع الورثة و منهم الزوجة، فللزوجة حق في

الثمن، فلها استيفائه باعمال الخيار.

و بان الخيار هو السلطنة علي الاسترداد خاصة.

و أما إذا كانت الأرض منتقلة عنه، فحيث انه لا سلطنة لها علي استردادها لا لنفسها لحرمانها، و لا لمن نصبت من قبله، فلا ترث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 362

و أما إذا باع ارضا بخيار، فالاشكال حينئذ بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا، و حمل الشارحان العبارة علي ان الاقرب ارثها إذا اشتري بخيار، لأنها حينئذ يفسخ فترث من الثمن، بخلاف ما إذا باع بخيار، و هو خلاف الظاهر، فإن المتبادر ان المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الارث الذي سيقت لاجله العبارة، مع انه من حيث الحكم غير مستقيم ايضا، فإن الأرض حق لباقي الوراث استحقوها بالموت، فكيف يملك الزوجة ابطال استحقاقهم لها و اخراجها عن ملكهم.

______________________________

و فيه: مضافا الي فساد الشق الثاني كما تقدم-: انه لو اغمض عن ذلك و سلم كونه عبارة عن السلطنة علي الاسترداد فليس هو السلطنة علي الاسترداد خاصة، بل عن السلطنة عليه و علي الرد، فمع عدم امكان احدهما لا يثبت الخيار،

ففيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت- و ان كان لها السلطنة علي الاسترداد- الا انه لا سلطنة لها علي الرد لعدم كون الأرض ملكا لها، و لا هي منصوبة من قبل مالكها،

فليس لها الرد،

بل يمكن منع سلطنتها علي الاسترداد لأن تزلزل العقد من ناحية خيار الورثة لا يوجب اي سلطنة للزوجة، و كون الثمن في معرض الانتقال لا يوجب السلطنة الفعلية،

بل الثمن ملك شأني للزوجة علي تقدير اعمال الخيار.

و استدل للرابع- اي لعكس هذا التفصيل-: بان الثمن في صورة الانتقال الي الميت ملك للورثة و منهم الزوجة، فلها السلطنة علي رده،

و الخيار و إن كان سلطنة علي الاسترداد الا ان السلطنة علي الاسترداد الي النفس أو الي من كان منصوبا من قبله غير لازم، بل الفسخ يوجب الرجوع الي الميت، فلا مانع من الرد و الاسترداد. و هذا بخلاف صورة العكس، فان الأرض ملك لسائر الورثة ما عدا الزوجة، و لا سلطنة لها علي ما يستحقه الغير.

و فيه: مضافا الي ما تقدم انه مع دلالة الدليل، اي مانع من الالتزام: بان لها السلطنة علي ما يستحقه الغير و يرد الوجه الخامس: انه لا يمكن انحصار الوارث فيها، إذ مع فرض عدم وجود احد يكون الامام وارثا معها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 363

نعم لو قلنا ان ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار، استقام ذلك، و ايضا فانها إذا ورثت في هذه الصورة وجب ان ترث فيما إذا باع الميت ارضا بخيار بطريق اولي،

لأنها ترث حينئذ من الثمن و اقصي ما يلزم من ارثها من الخيار ان يبطل حقها من الثمن، و هو اولي من ابطال ارثها حق غيرها من الارض التي اختصوا بملكها، ثمّ قال: و الحق ان ارثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا، و ابطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج الي دليل. نعم قوله لترث من الثمن علي هذا التقدير يحتاج الي تكلف زيادة تقدير (1) بخلاف ما حملا عليه، انتهي. و قد تقدم ما يمكن أن يقال علي هذا الكلام.

ثمّ ان الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشتري الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة و المبيعة.

______________________________

(1) قوله يحتاج الي تكلف زيادة تقدير فانه لا بد و أن يقدر فارادت الفسخ

لترث من الثمن و يمكن ان يمنع ذلك بجعل الغاية للمنفي.

فتحصل: ان الأظهر انها ترث مطلقا،

و محصل الوجه في ذلك: وجود المقتضي و عدم المانع،

اما وجود المقتضي فهو عموم دليل الارث،

و أما عدم المانع فلأن المانع المتوهم فيما إذا كانت الأرض منتقلة الي الميت،

اما عدم سلطنتها علي ردها، و قد عرفت ان الفسخ حل العقد، مع انه لو كان عبارة عن الرد و الاسترداد كان هو الرد الملكي لا الخارجي، فلا مانع من ردها الأرض و ان كانت ملكا لغيرها،

و أما عدم كونها مالكة لكلا الالتزامين، و قد عرفت دفعه و ما يتوهم مانعيته فيما إذا كانت الأرض منتقلة عن الميت،

اما عدم سلطنتها علي استردادها الي نفسها و أما عدم مالكيتها لالتزامين،

و قد عرفت دفعهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 364

مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار
اشارة

مع انه شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم وجوه: (1)

الأول: ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه،

بحيث يكون له الفسخ في الكل و ان اجاز الباقون، (2) نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين، كذلك حق الشفعة علي المشهور، و استند في ذلك الي ان ظاهر النبوي المتقدم (3) و غيره، ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك علي اراده الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث

______________________________

كيفية استحقاق الورثة للخيار

(1) التنبيه الثاني: في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع انه شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم، وجوه:

(2) الاول: ما اختاره صاحب الجواهر (رحمه الله) من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه، بحيث يكون له الفسخ في الجميع و ان اجاز الباقون.

(3) و استدل

له: بظاهر النبوي المنجبر بالعمل: ما ترك ميت من حق فهو لوارثه «1»

بتقريب: ان ظاهره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من له الخيار، و انما لا يلتزم بذلك في المال من جهة عدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد.

و اورد عليه المصنف بايرادات اربعه سيأتي التعرض لها و لما يرد عليها عند تعرضه لها و لكن الذي يرد عليه انه لا وجود له في كتب احاديثنا

______________________________

(1) لم اعثر علي هذه العبارة في كتب الحديث من طرقنا و انما رواها الشهيد الثاني في المسالك في كتاب الشفعة و تبعه

المتأخرون عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 365

الثاني: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه، فله الفسخ فيه دون باقي الحصص، (1) غاية الامر مع اختلاف الورثة في الفسخ و الامضاء تبعض الصفقة علي من عليه الخيار، فيثبت له الخيار، و وجه ذلك ان الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة و كان مقتضي ادلة الارث كما سيجي ء، اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم،

تعين تبعضه بحسب متعلقه، فيكون نظير المشترين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، (2) فيشتركون فيه من دون ارتكاب تعدده بالنسبة الي جميع المال، و لا بالنسبة الي حصة كل منهم، لأن مقتضي ادلة الارث في الحقوق الغير القابلة للتجزئة، (3) و الاموال القابلة لها امر واحد، فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة الا ان التقسيم في الاموال لما كان امرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع الي اختصاص كل منهم بحصة مشاعة، بخلاف الحقوق فانها تبقي علي حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها، فلا يجوز لاحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل و لا في حصته، فافهم.

______________________________

(1) الثاني: ما

اختاره جمع من المحققين و هو استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي الحصص، و يظهر وجهه مما نذكره من النقد علي ساير الوجوه.

(2) الثالث: ما اختاره المصنف (قدس سره) و هو: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فيشتركون فيه، و لا يكون الحق متعددا و لا المستحق، و لازمه عدم جواز الفسخ و لا الإجازة من البعض.

(3) و قد استند في ذلك الي ان الحق امر بسيط غير قابل للتجزئة فيشتركون فيه و ليس كالمال القابل لها.

و بعبارة اخري: ان مقتضي ادلة الارث ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة، الا ان التقسيم في الأموال لما كان ممكنا مرجع ذلك الي اختصاص كل منهم بحصة بخلاف الحق،

فانه يبقي علي حاله من اشتراك مجموع الورثة فيه.

و فيه: انه لا كلام في ان الحق امر بسيط كالملكية، و لا يتجزي، و لكن يتعدد بتعدد مورده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 366

و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع، و هو ان يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ، ما لم يجز الآخر، لتحقق الطبيعة في الواحد، (1) و ليس له الاجازة بعد ذلك كما انه لو اجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو متعددا كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر، لأن الاول قد استوفاه. و لو اتحدا زمانا كان ذلك كالامضاء و الفسخ من ذي الخيار بتصرف واحد، لا ان الفاسخ متقدم كما سيجي ء في احكام التصرف.

______________________________

و مورده في المقام هو الحل، و متعلق الحل هو العقد، و العقد

بما انه علي ملكية الدار مثلا و الدار قابلة للتبعيض، و كذا ملكيتها و كذلك العقد، و مع فرض قبول العقد له يكون الحل ايضا قابلا له، فيعقل تعدد حق الحل و الفسخ، و عليه فإذا كانت الملكية بمقتضي ادلة الارث منتقلة الي المتعدد بنحو التعدد، اي كل وارث مالك لمقدار من المال لا محالة ينحل العقد الي عقود كل منهم طرف لما هو متعلق بصحته، فلا محالة يتعدد حق الخيار.

(1) الرابع: ما ذكره المصنف (قدس سره) بقوله: و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع و هو ان يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجز الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره: بانه مبني علي ان يكون ارث الخيار ثابتا لصرف الوجود من الوارث لا لمطلق الوجود، و حيث ان صرف الوجود قائم بكل واحد من الورثة، فكل من بادر الي اعمال الحق ينفذ في حق الجميع و هذا خلاف المتبادر من الأدلة من كون الحكم شموليا.

و فيه: ان مراده بذلك ليس ثبوت الحق لصرف وجود الطبيعة في مقابل ثبوته لجميع الوجودات، بل مراده له ثبوته للطبيعي من حيث هو، بتقريب انه كما قد يكون المملوك كليا كمن من الحنطة في الذمة، و قد يكون المالك كليا ككلي الفقير و السيد في الخمس و الزكاة، كذلك قد يكون من له الحق كليا ككلي الوارث. و تعينه و ان احتاج

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 367

ثمّ انه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له (1) لمنع ظهور النبوي و غيره في ثبوت ما ترك لكل واحد

من الورثة، لأن المراد بالوارث في النبوي و غيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد و الكثير، (2) و قيام الخيار بالجنس يتأتي علي الوجوه الأربعة المتقدمة، كما لا يخفي علي المتأمل. و أما ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة المجمع، فلا يخفي أن المراد به ايضا،

اما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل علي المجموعي و الافرادي و الاظهر هو الثاني، كما في نظائره، هذا كله مع قيام القرينة العقلية و للفظية علي عدم ارادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. اما الاولي فلان المفروض ان ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي، و قيامه بالاشخاص المتعددين اوضح استحالة و اظهر بطلانا من تجزيه و انقسامه علي الورثة فكيف يدعي ظهور ادلة الارث فيه. (3)

______________________________

الي معين الا انه يكون في المقام باقدام من هو مصداق الطبيعي القابل للانطباق عليه بالأخذ بالخيار.

و بهذا ظهر انه لا وجه لما اورده السيد عليه بان الاولي عد هذا الوجه معني آخر لقيام الخيار بكل واحد مستقلا،

و لكن الذي يرد علي هذا الوجه: ان سياق ادلة الارث في الحق و المال واحد،

و بديهي انه ليس ارث الملك كذلك فارث الحق ايضا ليس كذلك.

(1) و قد اورد المصنف علي الوجه الاول بايرادات اربعة.

(2) احدها: ان المراد بالوارث في النبوي و غيره مما افرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث، المتحقق في ضمن الواحد و الكثير، و قيام الخيار بالجنس يتاتي علي الوجوه الاربعة المتقدمة و فيه: انه لو كانت القضية مهلة صح ما افاده، و أما لو كانت مطلقة فحيث ان الجنس ليس الا الطبيعة، فكونها تمام الموضوع لا يكون الا علي

الوجه الثاني في كلامه الذي سيأتي التعرض له.

(3) ثانيها: ان ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي و قيامه بالأشخاص المتعددين اوضح استحالة و اظهر بطلانا من تجزءته و انقسامه علي الورثة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 368

و أما الثانية فلأن مفاد تلك الادلة بالنسبة الي المال المتروك، و حق المتروك شي ء واحد، و لا يستفاد منها بالنسبة الي المال الاشتراك، و بالنسبة الي الحق التعدد،

الا مع استعمال الكلام في معنيين، (1) هذا مع ان مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة ان يكونوا كالوكلاء المستقلين، (2) فيمضي السابق من اجازة احدهم أو فسخه، و لا يؤثر اللاحق فلا وجه لتقدم الفسخ علي الاجازة علي ما ذكره. و أما الوجه الثاني فهو و ان لم يكن منافيا لظاهر ادلة الارث، من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث، الا ان تجزية الخيار بحسب متعلقه كما تقدم، مما لم يدل عليه ادلة الارث، اما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح، و أما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الارث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل باعمال هذا الحق أو اسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ، أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الاجازة علي طريق الارث.

______________________________

و فيه: ان الحق لا يكون متروكا لما تقدم من انعدامه بموت المستحق، بل المتروك ما هو مورد الحق، و لا مانع من صيرورته طرفا لإضافات متعددة بعدد الورثة، كما لا مانع من تعلق الحق المستقل متعددا بعقد واحد،

و الاولي في تقريب هذا الوجه ان يقال: ان مورد هذا الحق هو حل العقد، و حيث ان ما

هو مورد بالاضافة الي المورث هو الحل الواحد غير المتعدد، و الواحد لا يتعدد بالانتقال من طرف الي طرف، فلا يعقل فيه التعدد.

(1) ثالثها: ان مفاد دليل الارث بالنسبة الي المال المتروك و الحق المتروك شي ء واحد، و لا يستفاد منه بالنسبة الي المال الاشتراك، و بالنسبة الي الحق التعدد الا مع استعمال الكلام في معنيين.

و فيه: ان دليل ارث الحق غير دليل ارث المال، فلا محذور في تعدد المعني.

(2) رابعها: ان مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة ان يكونوا كالوكلاء المستقلين، فيمضي السابق من اجازة احدهم أو فسخه، و لا يؤثر اللاحق، فلا وجه لتقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 369

و أما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته، فلا يستفاد من تلك الادلة،

فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع، فان اتفق المجموع علي الفسخ في المجموع، و إلا فلا دليل علي الانفساخ في شي ء منه. و من ذلك يظهر ان المعني الثاني للوجه الثالث، و هو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع ايضا لا دليل عليه، فلا يؤثر فسخ احدهم و ان لم يجز الآخر مع ان هذا المعني ايضا مخالف لأدلة الارث، لما عرفت من ان مفادها بالنسبة الي المال و الحق واحد. و من المعلوم ان المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع.

______________________________

الفسخ علي الاجازة علي ما ذكره.

و فيه: انه فرق بين كون الحق واحدا و للمتعدد اعماله كما في مسألة الوكالة، و بين كون الحق متعددا في نفسه علي ما فرضه صاحب الجواهر، و ما افاده انما هو في الأول، و مورد كلام الجواهر هو الثاني، و لازم كون الحق متعددا عدم مزاحمة اجازة

المجيز لفسخ الفاسخ لاستقلال كل شخص بشخص من الخيار و قد ظهر مما ذكرناه: - مضافا الي عدم استقامة شي ء مما ذكره المصنف عدم تمامية ما افاده صاحب الجواهر ثبوتا و اثباتا.

فتحصل مما ذكرناه: ان الأظهر هو الوجه الرابع، و هو استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي الحصص.

و علي الوجوه الثلاثة الأول لا إشكال في انه ليس لكل واحد من الورثة ان يفسخ بمقدار حصته، إذ الحق واحد و هو الخيار في الكل، فلا يجوز له الفسخ في البعض.

و أما علي المختار، فهل يجوز التفريق في الفسخ و الاجازة بان يفسخ واحد منهم بالنسبة الي حصته من المال، ام لا يجوز ذلك؟ ربما يقال بالثاني،

و استدل له بوجهين:

الأول: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) و هو: ان مقتضي الشرط الضمني الذي التزم به الميت من عدم تبعض الصفقة عليه عدم نفوذ اعمال الخيار لكل واحد مستقلا، بل لا بد من اتفاقهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 370

ثمّ ان ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة، (1) نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما في حد القذف، فإن النص قد دل علي انه لا يسقط بعفو احد الشريكين، و كذا حق القصاص، فإنه لا يسقط بعفو احد الشريكين، لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية الي اولياء المقتص منه جمعا بين الحقين، لكن يبقي الاشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم. و ان احتمله في الدروس من ان احد الورثة إذا عفي عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع، (2) فإن الظاهر ان

قولهم بذلك ليس لأجل دليل خارجي، و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل.

و يمكن ان يفرق بالضرر، فإنه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر الآخر بالشركة (3)

______________________________

علي الفسخ أو الاجازة الا ان يرضي الطرف بالتبعض.

و فيه: ان الشرط ان كان هو ان لا يفسخ في البعض فغايته عدم جوازه تكليفا لا وضعا، فان شرط الترك لا يوجب عدم نفوذ الفعل. نعم لو تخلف يثبت لمن عليه الخيار لتبعض الصفقة.

الثاني: انه يلزم منه التشقيص و هو ضرر علي الطرف منفي بالحديث.

و فيه: ان ضرره يجبر بالخيار في اصل البيع، فالأظهر هو الأول.

و يترتب علي كون حق الخيار واحدا قائما بالمجموع عدم الانفساخ بفسخ احدهم،

و عدم سقوط الحق باسقاطه، بل لا بد من الاجتماع علي الفسخ أو الاسقاط،

(1) و هذا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة،

و قد ورد في الشرع ما يوهم خلاف ذلك، فان الأصحاب افتوا بان.

(2) احد الورثة إذا عفي عن الشفعة كان للآخر الاخذ بكل المبيع و الاشكال فيه من وجهين احدهما: انه كيف ينفذ العفو من احدهم مع ان الحق قائم بالمجموع.

ثانيهما: انه كيف يجوز الاستيفاء من احدهم و لو لم يأذن به الآخر، و المصنف (قدس سره)

اجاب عنه.

(3) بانه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر الآخر بالشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 371

بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف و القصاص بعفو البعض،

لأن الحكمة و ما التشفي، فابطالها بعفو احد الشركاء اضرار علي غير العافي و هذا غير موجود غيما نحن فيه، فتأمل.

ثمّ ان ما اخترناه من الوجه الاول، (1) هو مختار العلامة في القواعد،

بعد ان احتمل الوجه الثاني و ولده في الايضاح و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في المسالك و حكي عن غيرهم، قال في القواعد و هل للورثة التفرق فيه نظر (2) اقربه المنع، و ان جوزناه مع تعدد المشتري، و زاد في الايضاح بعد توجيه المنع، بأنه لم يكن لمورثهم الا خيار واحد انه لا وجه لاحتمال التفريق

______________________________

و فيه: اولا: انه لو تم اقتضي بقاء حقه بمقدار حصته، فان ارث حق الشفعة انما هو بمقدار الحصة لقاعدة الميراث لا استيفاء الحق في الجميع و ثانيا: انه لا يتم، فان حق الشفعة لا يكون ثبوته للضرر، فان ضرر الشركة حاصل قبلا، و قد تبدل شريك بشريك، و ربما يكون الثاني احسن من الاول و ثالثا إذا كان للجميع حق واحد فلا ضرر فان الملك الكذائي المتعلق لحق قائم بالمجموع قد انتقل الي الورثة، و لا ضرر في ذلك، و الحق انه لا فرق بين حق الشفعة، و المقام و ما ذكرناه يجري فيه.

(1) قوله ثمّ ان ما اخترناه من الوجه الاول مراده من الوجه الاول الوجه الاول من الوجه الثالث- و مراده من الوجه الثاني بحسب الظاهر الثاني من اصل الوجوه.

(2) قوله قال في القواعد و هل للورثة التفرق فيه نظر عبارات القواعد و الدروس و غيرهما محتملة لوجوه احدها: ارادة ثبوت مجموع الخيار للمجموع الثاني: ان لكل واحد خيارا بمقدار حصته الا ان فسخه مشروط بفسخ الآخرين الثالث: ان الخيار لكل واحد الا- انه لا يجوز التفريق لان الحق واحد- و المصنف (قدس سره) استظهر الاول و لم يتعرض للثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 372

و قال في الدروس في باب خيار العيب: لو جوزنا

لأحد المشترين الرد نجوزه لأحد الوارثين عن واحد، لأن التعدد طار علي العقد سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره، انتهي. و في المسالك بعد المنع عن تفرق المشترين في الخيار، هذا كله فيما لو تعدد وارث المشتري الواحد، فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله، انتهي.

و ظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الاول من الوجوه المتقدمة قال لو فسخ بعضهم و اجاز الآخر، فالاقوي انه ينفسخ في الكل، كالمورث لو فسخ في حياته في البعض و اجاز في البعض، انتهي.

و يحتمل ان لا يريد بذلك ان لكل منهما ملك الفسخ في الكل، كما هو مقتضي الوجه الأول، بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل، (1) نظير فسخ المورث في البعض و كيف كان فقد ذكر في خيار العيب، أنه لو اشتري عبدا فمات، و خلف وارثين فوجدوا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص، انتهي.

و قال في التحرير: لو ورث اثنان عن ابيهما خيار عيب، فرضي احدهما، سقط حق الآخر من الرد دون الارش.

و الظاهر ان خيار العيب و خيار المجلس واحد، كما تقدم عن الدروس. فلعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس، ثمّ انه ربما يحمل ما في القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق علي انه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الاجازة، بل لا بد من الفسخ أو الاجازة في الكل، فلا دلالة فيها علي عدم استقلال كل منهم علي الفسخ في الكل، و حينئذ فإن فسخ احدهم و اجاز الآخر قدم الفسخ علي الاجازة، و ينسب تقديم الفسخ الي كل من منع من التفريق، بل في الحدائق تصريح الاصحاب بتقديم

الفاسخ من الورثة علي المجيز

______________________________

(1) قوله بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل بل هذا هو صريحه- و لكن يرد عليه ان سريان فسخ البعض الي الكل لا يكون الا إذا كان مالكا لفسخ الكل كما في المورث و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 373

و لازم ذلك الاتفاق علي انه متي فسخ احدهم انفسخ في الكل،

و ما ابعد بين هذه الدعوي و بين ما في الرياض من قوله و لو اختلفوا، يعني الورثة قيل: قدم الفسخ. و فيه نظر، لكن الاظهر في معني عبارة القواعد ما ذكرنا و ان المراد بعدم جواز التفريق ان فسخ احدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين. كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب،

اما لو اورثا خيار العيب، فلا اشكال في وجوب توافقهما، فإن المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي، و معناه عدم نفوذ التخالف.

و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الاجازة من أحدهما مع فسخ صاحبه، بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون اجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب و اصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير، ثمّ التذكرة. نعم ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد اقربه ذلك ان اشتري بخيار لترث من الثمن قد يدل علي ان فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه، إذ استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره،

و كيف كان، فمقتضي ادلة الارث ثبوت الخيار للورثة علي الوجه الثالث الذي اخترناه.

و حاصله انه متي فسخ احدهم و اجاز الآخر لغي الفسخ.

و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم اعمال الآخر حقه.

و يندفع بأن

الحق، إذا كان مشتركا لم يجز اعماله الا برضا الكل، كما لو جعل الخيار لأجنبيتين علي سبيل التوافق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 374

فرع إذا اجتمع الورثة كلهم علي الفسخ فيما باعه مورثهم، (1) فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه الي المشتري، (2) و ان لم يكن موجودا اخرج من مال الميت و لا يمنعون من ذلك، و ان كان علي الميت دين مستغرق للتركة، لأن المحجور له الفسخ بخياره و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان، (3) و لو كان مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا الورثة عليه لانه حق لهم فلا يجبرون علي اعماله

______________________________

لو اجتمع الورثة علي الفسخ

(1) الثالث: إذا اجتمع الورثة علي الفسخ فيما باعه مورثهم فهل المبيع يرجع الي الميت أو الي الورثة؟ و يترتب علي هذا النزاع فوائد لا تخفي.

(2) قوله فان كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه الي المشتري هذا هو المعروف بين الاصحاب، و خالفهم الشيخ في جملة من كتبه في صورة قصور التركة يشهد للمشهور صحيح جمل عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله (ع) في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع و لم يدفع الثمن ثمّ مات المشتري و المتاع قائم بعينه فقال (عليه السلام) إذا كان المتاع قائما بعينه رد الي صاحب المتاع و قال ليس للغرماء ان يحاصوه «1»

و استدل لما ذهب إليه الشيخ بصحيح ابي ولاد عنه (عليه السلام) عن رجل باع من رجل متاعا الي سنة فمات المشتري قبل ان يحل ماله و اصاب البائع متاعه له ان يأخذه إذا حقق له فقال (عليه السلام) ان كان عليه دين و ترك نحوا مما عليه فلياخذه ان حقق له

فان ذلك حلال و لو لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء يأخذ حصته و لا سبيل له علي المتاع «2»

و المراد بالنحو هنا المثل بمعني ان تكون تركته قدر ما عليه فصاعدا بحيث لا يحاص علي باقي الغرماء قصور،

و لعل الثاني اقوي، و تمام الكلام في كتاب الحجر،

(3) قوله و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان قد استدل للاول بانهم مكلفون باداء دين الميت و الفسخ مع المفسدة يضر بالاداء فلا يجوز

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب كتاب الحجر حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 375

و لو لم يكن للميت مال. ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان، من انه ليس لهم الا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار، أو الوكيل المستناب في الفسخ و الامضاء، و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت يوفي عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعين و اشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي،

فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع الا علي وجه كونه وفاء لدين الميت، و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة علي حسب سهامهم، بل يجوز للغير أداء ذلك الدين، بل لو كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء.

و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن علي حسب سهامهم من المبيع.

و من انهم قائمون مقام الميت في الفسخ برد الثمن أو بدله، (1) و تملك المبيع، فإذا كان المبيع مردودا علي الورثة من حيث انهم قائمون مقام الميت، اشتغلت ذممهم بثمنه حيث انهم كنفس الميت، كما ان معني ارثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملّك الحصة بثمن من ما لهم لا من مال

الميت

______________________________

و فيه ان التكليف بالاداء انما هو مع وجود المال و الفسخ رافع للموضوع و علي تقدير عدم الجواز يكون ذلك تكليفيا لا وضعيا فلو فسخوا يكون نافذا و المراد من المصلحة عدم المفسدة إذ لا ريب في الجواز مع التساوي.

و كيف كان فلو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان.

(1) و المصنف بني الحكم في هذا الفرع علي ان الوارث هل هو نائب عن الميت في الفسخ و الاجازة بمعني انه يفسخ عن الميت فينتقل المال الي الميت ثمّ الي الوارث ام هو مستقل و قائم مقامه بمعني انه يفسخ عن نفسه لانتقال الحق الثابت للميت إليه فينتقل المال الي الورثة، و مختاره هو الثاني.

و يرد عليه: ان الوارث ليس نائبا عن الميت في الفسخ، بل الحق ثابت له، و لكن ليس معني ذلك فسخ العقد عن نفسه و لنفسه، بل معناه حق حل العقد و فسخه لاعن نفسه و لا عن غيره، فان نسبته الي الكل علي حد سواء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 376

ثمّ لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و ان لم يوافقه الباقي و فسخ. ففي انتقال المبيع الي الكل، أو الي الفاسخ، وجهان مما ذكرنا من مقتضي الفسخ، و ما ذكرنا اخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت. (1)

______________________________

و بعبارة اخري: الفسخ حل للعقد القائم بشخصين خاصين مع انه علي تقدير الاغماض عما ذكرناه و تسليم ما افاده المصنف (قدس سره) لا وجه لتفصيله بين ما إذا كان للميت مال و بين ما لم يكن، فان مقتضي ما افاده انتقال العين الي الورثة و اشتغال ذممهم بمقدار حصصهم للمفسوخ عليه، من غير فرق

بين ان يكون له مال و ان لا يكون له مال.

(1) قوله و ما ذكرنا اخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت الوجه الاول نيابة دون هذا الوجه و عليه فمراده من النيابة ما فسره بقوله و القيام مقام الميت كما يشير الي ما ذكرناه ما ذكره بعد ذلك بقوله فهو كنفس الميت لا نائب عنه.

و الحق ان يقال: ان حق الخيار الموروث ليس من قبيل حق الشفعة، فان حقيقة حق الشفعة تملك حصة الشريك من مشتريها بثمنها، و معلوم ان تملك حصة الشريك ببذل الثمن لا يقتضي رجوع الحصة الي الميت و لا ثمنها منه.

و بالجملة: الموروث ليس حق التملك، بل حق حل العقد، و هو يقتضي رجوع الأمر الي ما كان، و لازم ذلك عود الملك الي الميت و عود بدله عنه إذ المعاوضة كانت بينه و بين المفسوخ عليه.

و غاية ما يمكن ان يورد علي هذا الوجه امور:

الاول: ان انتقال المال الي الميت غير معقول لعدم قابليته لذلك.

و فيه: ان الملكية من الاعتباريات، و هي خفيفة المئونة، و لا مانع من اعتبار شي ء ملكا له لو اقتضت المصلحة ذلك.

الثاني: ان الوارث حيث يكون قائما مقام مورثه فيكون عقده عقده، فكأن العقد واقع علي ماله. و الحل حل لهذا العقد، و لازم ذلك تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه من حين فسخه لا التلقي من الميت فتشتغل ذمته بالبدل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 377

و الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير، بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه، فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ. و من هنا جرت السيرة بأن ورثة

البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من أموالهم، و يستردون المبيع لأنفسهم، من دون ان يلزموا باداء الديون منه بعد الاخراج، (1) و المسألة يحتاج الي تنقيح زائد.

______________________________

و فيه: ان دليل الارث يدل علي ان ما كان للميت من ملك أو حق فهو لوارثه،

و لا يدل علي ان كل ما هو مضاف إليه مضاف الي وارثه كي يكون عقده عقده.

(1) الثالث: انه جرت السيرة بان ورثة البائع بيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من اموالهم، و يستردون المبيع لأنفسهم، من دون ان يلزموا باداء الديون منه بعد الاخراج و فيه: اولا: ان وجه جريان السيرة غير معلوم، و لعله يكون ردهم مثل الثمن من اموالهم من جهة ان الفسخ اوجب اشتغال ذمة الميت بالثمن، فهم يؤدون دينه. نعم لو جرت السيرة بعدم اداء سائر ديون الميت من المبيع، و عدم كونهم ملزمين بذلك، كشف ذلك عن عدم انتقال المبيع الي الميت، و لكن قيام السيرة علي ذلك ممنوع.

و ثانيا: ان غاية ما يثبت بذلك كون ارث الخيار المشروط برد مثل الثمن من قبيل حق الشفعة، و لا يثبت به كون جميع الخيارات كذلك.

الرابع: قياس حق الخيار بحق الشفعة، و قد عرفت الفرق بينهما.

و هناك وجوه أخر هيّن دفعها بعد مراجعة ما ذكرناه.

فالحق انه تنتقل العين الي الميت، فان كان بدلها موجودا فهو يعود الي المفسوخ عليه لا يقال: انه ان انتقل الي الوارث فهو في حكم التلف.

فانه يرد بانه ملك متزلزل فيعود منهم، و الا فتشتغل ذمة الميت بالبدل، كان للميت مال ام لم يكن، فيكون سبيله سبيل سائر ديونه،

و أما العين فان لم يكن للميت دين تنتقل الي الورثة و الا

فان كان الدين غير مستوعب ينتقل الفاضل منه علي الدين إليهم و ان كان مستوعبا لا ينتقل شي ء منها إليهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 378

مسالة لو كان الخيار لأجنبي و مات

، ففي انتقاله الي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين، أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين، و ربما يظهر من القواعد، وجوه، (1) من انه حق تركه الميت فلوارثه، و من انه حق لمن اشترط له من المتعاقدين، لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره الي موكله دون وارثه.

______________________________

لو جعل الخيار لأجنبي

(1) الرابع: و لو كان الخيار لأجنبي، ففي انتقاله الي وارثه- كما عن العلامة (قدس سره) في التحرير- أو الي المتعاقدين، أو سقوطه- كما عن غير واحد و ربما يظهر من القواعد- وجوه.

و قد وقع الخلاف في الخيار المجعول للأجنبي في انه، هل هو من باب التمليك، أو التوكيل، أو التحكيم،

فقد يقال كما عن المحقق النائيني (قدس سره) بانه ليس من قبيل التمليك، لانه لو كان علي نحو جعل الملك كان لازمه ارث وارثه عنه: لان ما تركه لوارثه، و لا من باب التوكيل، و الا امكن عزله، بل هو متوسط بين الملكية و الوكالة نظير التولية علي الوقف، و هذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء.

و لكن يمكن ان يكون من قبيل التمليك و جعل الحق له، و انما لا يرثه وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل و المجعول، إذ المجعول هو حق الخيار للأجنبي بما انه ذو نظر و رأي يعتمد عليه في امر العقد، فيكون المستحق مقوما، و قد مر ان مثل هذا الحق لا يورث و لا ينتقل الي الغير:

و يمكن ان يكون من قبيل التوكيل، و انما لا

يمكن عزله لانه و ان كانت الوكالة جائزة في نفسها الا انه إذا كانت شرطا في ضمن عقد لازم لا يجوز العزل، و الظاهر ان جعل الخيار من قبيل الاول.

و قد ظهر مما ذكرناه امران:

الأول: انه لا يرثه وارثه و لا ينتقل الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 379

و من ان ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الاجنبي، (1) فلا يدخل فيما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لاجل الشك في مدخلية نفس الاجنبي.

و في القواعد لو جعل الخيار لعبد احدهما، فالخيار لمولاه، (2) و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه، و إذا امره باحدهما اجبر شرعا عليه، فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالآخرة له، لكن هذا يقتضي ان يكون عبد الاجنبي كذلك، مع انه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه، و لا يتوقف علي رضاه، إذا لم يمنع حقا للمولي، فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا وحلا، فافهم.

______________________________

الثاني: عدم تمامية ما افاده المحقق الايرواني (قدس سره) معلقا علي قول المصنف (قدس سره)،

(1) و من ان ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الاجنبي بقوله: لم افهم المراد من مدخلية الأصيل و عدم مدخليته، فان اريد كون الخيار مجعولا لشخص الأصيل فالكلام في مثل ذلك و يعدي الي الوارث بادلة الارث- الي ان قال- و ان اريد كون الخيار مجعولا لشخص الاصيل بشرط ان لا يورث ففيه: ان هذا شرط خلاف الكتاب و السنة. انتهي.

فانه قد عرفت ان الخيار انما يورث إذا لم يكن المستحق مقوما، بل كان موردا، و في جعل الخيار الظاهر كونه مقوما،

و هذا هو مراد المصنف (قدس سره) من مدخلية نفس الاجنبي،

فلا ايراد عليه.

(2) قال المصنف (قدس سره): و في القواعد لو جعل الخيار لعبد احدهما فالخيار لمولاه. هذه المسألة غير مربوطة بما نحن فيه، فان حاصلها: ان جعل الخيار للعبد هل هو جعل له لمولاه لأنه عبد لا يقدر علي شي ء، أوانه جعل له لنفسه بعد عدم مزاحمة اعماله لحق مولاه؟ و الحق ان جعل الحق له لا محذور فيه، فان كونه عبدا لا يقدر علي شي ء ليس معناه خروجه عن قابلية جعل مال أو حق له، بل معناه ان الأفعال التسبيبية لا تنفذ منه، و انما يلتزم بعدم مالكيته من التزم لدليل آخر مفقود في الحق.

نعم يمكن الفرق بين كون المستحق عبد أحد المتعاقدين أو عبد الاجنبي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 380

مسالة و من احكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار. (1)

و قد مرّ بيان ذلك في مسقطات الخيار، و المقصود هنا بيان انه كما يحصل اسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف، فيكون التصرف اجازة فعلية، كذلك يحصل الفسخ بالتصرف، فيكون فسخا فعليا.

و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول، و قد يكون بالفعل. و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن ادريس و جماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة و غيره (قدس الله اسرارهم) ان التصرف ان وقع فيما انتقل عنه كان فسخا، و ان وقع فيما انتقل إليه كان اجازة.

______________________________

من ناحية ان الخيار ان جعل لعبد أحدهما كان لازمه سلطنة العبد علي مولاه بحل العقد الواقع بينه و بين طرفه بخلاف ما لو جعل لعبد الأجنبي فان العقد حينئذ اجنبي عن مولاه و لعله لذلك قال في القواعد ان الخيار لو جعل لعبد احدهما فالخيار لمولاه و لو جعل لعبد الأجنبي فالخيار له لا لمولاه، و لكن

مقتضي ما ذكرناه من الفرق عدم ثبوت الخيار للعبد لا ثبوته لمولاه، و الذي يسهل الخطب عدم المورد لهذه المسألة، فالاغماض عن اطاعة الكلام اولي.

الفسخ الفعلي

(1) طفحت كلماتهم بانه من احكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد

الاول هل الفسخ يحصل بالفعل كما يحصل بالقول ام لا- لا كلام من الاصحاب في حصوله به و هو مقتضي اطلاق دليل الفسخ بالتقريب المتقدم في مسألة المعاطاة و قد عرفت هناك انه فيما لم يدل دليل بالخصوص علي اعتبار اللفظ يكتفي بكل ما ينشأ به المنشأ كان قولا ام فعلا و قوله (عليه السلام) «1» انما يحلل الكلام و يحرم الكلام لا يدل علي اعتبار اللفظ في آلة الانشاء كما مر تحقيقه

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العقود حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 381

و قد عرفت في مسألة الأسقاط ان ظاهر الاكثر ان المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا، و قد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان، المعللة للسقوط،

بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار، و كذا النبوي المتقدم، و مقتضي ذلك منهم ان التصرف فيما انتقل عنه انما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ و ليكون فسخا فعليا.

و أما ما لا يدل علي ارادة الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به، و ان قلنا بحصول الاجازة به بناء علي حمل الصحيحة المتقدمة علي سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا، من غير ان يكون فيه دلالة عرفية نوعية علي الرضا بلزوم العقد، (1) كما تقدم نقله عن بعض، الا ان يدعي الاجماع علي اتحاد ما يحصل به الاجازة و الفسخ، (2) فكلما يكون اجازة لو ورد علي ما في يده يكون

فسخا إذا ورد منه علي ما في يد صاحبه، و هذا الاتفاق و ان كان الظاهر تحققه الا ان اكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل علي اعتبار الدلالة علي الرضا في التصرف المسقط، فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة علي الفسخ في التصرف الفاسخ،

______________________________

الثاني: انه بناء علي كفاية الفعل هل يكتفي بخصوص ما قصد به الفسخ و كان مبرزا له عرفا- ام يكون التصرف فيما انتقل عنه فسخا تعبدا و لو لم يكن كاشفا عن قصد الفسخ- لا اشكال في الاختصاص بمقتضي القواعد و لكن قد ادعي ان مقتضي الدليل الخاص عدم الاختصاص و هو مؤلف من امرين.

(1) احدهما- انه في النص الخاص «1» حكم بان التصرف فيما انتقل إليه اجازة و ان لم يقصد به الامضاء.

(2) الثاني انه قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع علي ان ما يحصل به الاجازة ان وقع فيما انتقل إليه، يحصل به الفسخ ان وقع فيما انتقل عنه فان مقتضي هذين الامرين كون التصرف فيما انتقل عنه فسخا تعبدا

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 382

و يدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام ايضا، قال في التذكرة اما العرض علي البيع و الاذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض بناء علي اشتراطه فيه و الهبة الغير المقبوضة، فالاقرب انها من البائع فسخ، و من المشتري اجازة، لدلالتها علي طلب المبيع و استيفائه، و هذا هو الاقوي و نحوهما في جامع المقاصد.

ثمّ انك قد عرفت الاشكال في كثير من امثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة في طريق الرد و نحوه مما لم يدل علي الالتزام اصلا، لكن الأمر هنا

أسهل بناء علي ان ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا الا من المالك، أو باذنه، دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا، علي ارادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف.

قال في التذكرة: لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج، أو لمس بشهوة، فالوجه عندنا انه يكون فسخا، لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الامساك لكان مقدما علي المعصية، انتهي.

ثمّ نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا الي حدوث هذه الامور عمن تردد في الفسخ و الاجازة.

______________________________

و في كلا الامرين نظر اما الثاني فلان معقد الاجماع هو ما يحصل به الاجازة حقيقة و واقعا أو ظهورا لا مطلقا كي يشمل ما به يحصل الاجازة تعبدا و أما الاول فلان ما دل علي كون التصرف اجازة تعبدا مختص بخيار الحيوان و لا يتعدي منه الي غيره فالاظهر انه لا يتحقق الفسخ بما لا يكون كاشفا عن ارادته.

الثالث- انه لو لم يحرز انه بالتصرف فيما انتقل عنه هل قصد الفسخ ام لاهل يحكم بارادة الفسخ و انه ينفسخ ام لا لا كلام فيما إذا كان ظاهرا فيه للسيرة المستمرة من العقلاء علي اتباع الكاشف عن المراد الجدي قولا كان ام فعلا انما الاشكال فيما إذا لم يكن ظاهرا فيه.

و الكلام فيه في موضعين احدهما في التصرفات الخارجية غير الجائزة علي غير المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 383

و في جامع المقاصد عند قول المصنف (رحمه الله) و يحصل الفسخ بوطء البائع و بيعه و عتقه وهبته، قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام، حيث يوجد إليه سبيل،

و تنزيل فعله علي ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز،

انتهي.

ثمّ ان اصالة حمل فعل المسلم علي الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا، كما صرح به جماعة كغيرها من الامارات الشرعية، فيدل علي الفسخ لا من الاصول التعبدية (1) حتي يقال انها لا تثبت ارادة المتصرف للفسخ، لما تقرر من ان الاصول التعبدية لا يثبت الا اللوازم الشرعية لمجاريها. و هنا كلام مذكور في الاصول، ثمّ ان مثل التصرف الذي يحرم شرعا الا علي المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ شرعا الا من المالك أو مأذونه و ان لم يحرم، كالبيع و الاجارة و النكاح. فإن هذه العقود و ان حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير، الا انها تدل علي ارادة الانفساخ بها بضميمة اصالة عدم الفضولية،

______________________________

الثاني في التصرفات الاعتبارية المتوقف نفوذها علي الملك اما الاول- فحيث، يحتمل كونه تصرفا عدوانيا و كونه تصرفا صحيحا لاحراز رضا صاحبه بالتصرف، و يحتمل كونه فسخا ففي الحكم بكونه فسخا لا بد من سد الاحتمالين الاولين اما احتمال كون التصرف عدوانيا، فيدفع باصالة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا التي هي من الاصول العقلائية، و لكن لا يثبت بها ما يتوقف عليه الصحة كما صرح المصنف (رحمه الله) بذلك في رسالته و لذا قال لو شك في ان الشراء الصادر من الغير كان بما لا يملك كالخمر، أو بعين من اعيان ماله لا يحكم بخروج تلك العين من تركته و قد اشبعنا الكلام في ذلك في رسالة القواعد الثلاث المطبوعة و عليه، فغاية ما يثبت بها صحة التصرف و عدم الاثم عليه، و لا يثبت بها ما يتوقف الصحة عليه و هو ارادة الفسخ،

(1) قوله من الامارات الشرعية فيدل علي الفسخ لا من الاصول

التعبدية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 384

كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف، و الاجازة و التزويج في معني البيع، و المراد بهذا الاصل الظاهر، فلا وجه لمعارضته باصالة عدم الفسخ، مع انه لو اريد به اصالة عدم قصد العقد عن الغير، فهو حاكم علي اصالة عدم الفسخ، لكن الانصاف انه لو اريد به هذا لم يثبت به ارادة العاقد للفسخ، و كيف كان، فلا اشكال في اناطة الفسخ بذلك عندهم كالاجازة بدلالة التصرف عليه و يؤيده استشكالهم في بعض افراده من حيث دلالته بالالتزام علي الالتزام بالبيع أو فسخه و من حيث امكان صدوره عمن تردد في الفسخ، كما ذكره في الايضاح، و جامع المقاصد، و في وجه اشكال القواعد في كون العرض علي البيع و الاذن فيه فسخا، و مما ذكرنا يعلم انه لو وقع التصرف، فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير،

أو اعتمادا علي شهادة الحال بالاذن، لم يحصل الفسخ بذلك.

______________________________

يرد عليه أو لا انه صرح في رسالته بانه لو سلم وجود ملاك الطريقية فيها مع انه ممنوع و لكن بما ان دليلها بناء العقلاء، و هو كما يمكن ان يكون من جهة الطريقية يمكن ان يكون لمصلحة اخري كحفظ نظام المعاشرة و نحوه،

فلا يثبت باصالة الصحة الا الآثار الشرعية المترتبة عليها، اما ما يتوقف عليه الصحة، أو ملازمها مطلقا، أو ما يلزمها فلا يثبت بها،

اضف الي ذلك ما حققناه في تلك المسألة و اثبتنا انها من الاصول التعبدية لا من الامارات، فلا يثبت بها الفسخ و أما احتمال كون التصرف صحيحا لاحراز رضا صاحبه، فلا اصل يحرز به عدمه،

و علي هذا فمع الشك لا أصل يحرز

به ارادة الفسخ و أما الثاني فاحتمال كونه فضوليا يدفع بالاصل، و المراد به ظهور الاطلاق و عدم التقييد بكونه للغير، و هذا الظهور متبع عند العقلاء، و لكن لا ساد لاحتمال كون التصرف عدوانيا كما تقدم فلا يحكم بالنفوذ،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 385

مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف، أو يحصل قبله متصلا به.
اشارة

و بعبارة اخري التصرف سبب، أو كاشف فيه، (1) وجهان. بل قولان، من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا، أو اجازة، و انه فسخ فعلي في مقابل القولي، و ظهور اتفاقهم علي ان الفسخ بل مطلق الانشاء لا يحصل بالنية، بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل، و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح. و من المعلوم انه لا يصان عنه الا إذا وقع الفسخ قبله، و إلا لوقع الجزء الأول منه محرما و يمكن ان يحمل قولهم بكون التصرف فسخا علي كونه دالا عليه، و ان لم يتحقق به، و هذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول، و يؤيده ما دل من الاخبار المتقدمة علي كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار، و ان اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف. و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس، و صرح به في التذكرة ايضا، حيث ذكر ان قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف رضا بالعقد، فمقتضي المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرف.

______________________________

الفعل كاشف

(1) مسالة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به و بعبارة اخري التصرف سبب أو كاشف فيه وجهان بل قولان لا يخفي ان الموجب لحمل التصرف علي الكاشف دون السبب،

مع ان الفسخ من الايقاعيات، و الظاهر تسالمهم علي احتياجها الي الانشاء، و ان ما ينشأ به العقد أو الايقاع سبب لا كاشف، انما هو احد المحاذير التي ذكروها في المقام.

الاول- ان الفعل ليس قابلا للانشاء ذكره المصنف (رحمه الله)

قال ان الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بارادته المتصلة بالفعل، لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه و يرد عليه اولا النقض، بالمعاطاة المفيدة للملك التي هي بيع عنده، و انشأ بها البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 386

و يؤيده انهم ذكروا انه لا يحصل الاجازة بسكوت البائع ذي الخيار علي وطئ المشتري معللا، بأن السكوت لا يدل علي الرضا، فإن هذا الكلام ظاهر في ان العبرة بالرضا، و صرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره،

فاقتصر في الاجازة علي مجرد الرضا. و أما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنية، فمرادهم بها نية الانفساخ اعني الكراهة الباطنية، لبقاء العقد، و البناء علي كونه منفسخا من دون ان يدل عليها بفعل مقارن به. و أما مع اقترانها بالفعل، فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل، إذ كلما يكفي فيه الفعل من الانشاءات و لا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل، (1) لأن الفعل لا إنشاء فيه، فالمنشئ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه.

نعم يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا، (2) لأن اللفظ ابدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال علي الفسخ. و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة،

______________________________

اللهم الا ان يقال انه ملتزم فيها ايضا بذلك، كما يظهر من قوله.

(1) كلما يكفي فيه الفعل من الانشائيات و لا يعتبر فيه خصوص

القول فهو من هذا القبيل و ثانيا: انه لا فرق بين القول و الفعل- و المختار عندنا و ان كان حصول المنشأ قبل اظهاره بالقول أو الفعل، و هو مبرز له لا سبب كما حققناه في اول الجزء الاول من هذا الشرح- الا ان ذلك فيهما علي حد سواء، و أما من يري حصول المنشأ بالقول لا سبيل له الي منع حصوله بالفعل، فان الفعل احد الدوال لان قوام الدلالة بالكشفية النوعية عن المراد، و هذه لا تختص باللفظ، و لا فرق في ذلك بين الاخبار و الانشاء.

و ظني ان المصنف (رحمه الله) كان في ذهنه انه في باب الانشائيات مطلقا، يتحقق المنشأ باعتبار المنشي و ارادته و اللفظ أو الفعل كاشف عن ذلك، و مظهر له، لا انه آلة لإيجاده كما اخترناه و بينا انه لا يعقل ايجاد ذلك المعني باللفظ- و يعرب عن ذلك قوله- بعد منع حصول المنشأ بالفعل.

(2) نعم يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا لأن اللفظ ابدا مسبوق بالقصد و كيف كان فالفرق بين القول و الفعل مما لا وجه له اصلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 387

ان اللازم بناء علي القول بتضمن الوطء للفسخ عود الملك الي الواطئ مع الوطء أو قبيله، فيكون حلالا هذا أو كيف كان، فالمسألة ذات قولين ففي التحرير قوي جهة الواطئ الذي يحصل به الفسخ، و ان الفسخ يحصل بأول جزء منه، فيكشف عن عدم الفسخ قبله، و هو لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع و عن المبسوط و المهذب و الجامع. و الحكم في باب الهبة و الخيار واحد، و توقف الشهيد

في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار، و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحل، نظرا الي حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن، ثمّ انه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الافعال فلا اشكال في وقوعها في ملك الفاسخ، فيترتب عليها آثارها فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه علي العين لمصادفتها للملك و لو قلنا بحصوله بنفس الافعال، فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع،

و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. و قد يقرر المنع بما في التذكرة عن بعض العامة من ان الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد، (1)

كما ان التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا

______________________________

و ان تم هذا الوجه أي حصول المنشأ قبل ابرازه بالفعل- أو قبل ابرازه مطلقا كما اخترناه، يرتفع جميع الاشكالات حتي في الوطء، لانه يقع بعد تحقق الملك فإذا نحن في فسحة من هذه الايرادات.

(1) الثاني ما نقله العلامة (رحمه الله) عن بعض العامة و هو ان الشي ء الواحد لا يعقل ان يكون فسخا و عقدا و هذا الوجه يختص بالوضعيات كالبيع و حاصله ان الفسخ و العقد متقابلان فلا يعقل ان يجتمعا في واحد و فيه: انهما متقابلان بالاضافة الي شي ء واحد، كملكية عين لزيد وحل تلك الملكية في زمان واحد، و أما العقد علي ملكيتها لزيد وحل ملكية عمرو، فهما ليسا متقابلين، و المقام من قبيل الثاني كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 388

يشرع بها في الصلاة، و بان البيع موقوف علي الملك الموقوف علي الفسخ المتأخر عن البيع، (1) و اجاب في التذكرة عن الاول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و

العقد بشي ء واحد، بالنسبة الي شيئين. و اجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و ان الدور معي، (2) و قال في الايضاح ان الفسخ يحصل بأول جزء من العقد، و زاد في باب الهبة قوله فيبقي المحل قابلا لمجموع العقد، انتهي.

و قد يستدل للصحة بأنه إذا وقع العقد علي مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره، ثمّ ملكه. اقول: ان قلنا، بأن المستفاد من ادلة توقف البيع و العتق علي الملك، نحو قوله لا بيع إلا في ملك و لا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع الانشاء في ملك المنشئ، فلا مناص عن القول بالبطلان، لأن صحة العقد حينئذ تتوقف علي تقدم تملك العاقد علي جميع اجزاء العقد لتقع فيه، فإذا فرض العقد أو جزء من اجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه، لأن المسبب انما يحصل بالجزء الاخير من سببه،

______________________________

(1) الثالث ان التصرفات المتوقفة علي الملك قسمان اعتباري و خارجي و صحة التصرف الاعتباري كالبيع متوقفة علي كون المبيع مملوكا له قبل البيع، و كونه مملوكا له يتوقف علي ان يكون قوله بعتك فسخا، و كونه فسخا متوقف علي كونه مبيعا- فالبيع يتوقف علي الملك، المتوقف علي الفسخ، المتوقف علي البيع، و هذا دور واضح- و جواز التصرف الخارجي كالوطئ يتوقف علي الملك، فبالوطء مثلا يتحقق الملك و الحلية المترتبة عليه في رتبة واحدة.

(2) قوله و اجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و ان الدور معي الظاهر ان مراد الشهيد من الدور المعي: ان الفسخ المحقق، للملك، و البيع أي النقل العرفي، هما معا معلولان للعقد، و هما معا متلازمان، و لا يكون كل منهما علة للآخر:

و ان الملك شرط للبيع الحقيقي موجب للتقدم الرتبي، لا الزماني و لم يدل دليل علي استحالة كون شي ء واحد سببا، للشرط، و المشروط معا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 389

فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزئة سببا للتملك. كان الملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء، و إلا لزم تقدم وجود المسبب علي السبب و الجزء الذي لا يتجزأ موجود، (1) فلا يكون سببا مع أن غاية الامر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك.

و قد عرفت ان الشرط بمقتضي الادلة سبب التملك علي جميع اجزاء العقد قضاء لحق الظرفية.

و أما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثمّ ملكه، فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار اجازة العاقد ثانيا بناء علي ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف لزوم العقد المذكور علي الاجازة، الا ان يقال ان المتوقف علي الاجازة عقد الفضولي

و بيعه للمالك. و أما بيعه لنفسه نظير الغاصب، فلا يحتاج الي الاجازة بعد العقد، لكن هذا علي تقدير القول به و الاغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في العتق الغير القابل للفضولي.

و ان قلنا ان المستفاد من تلك الادلة هو عدم وقوع البيع الغير المؤثر في نقل مال الغير بغير اذنه، (2) فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير، لا وقوع بعض اجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه، لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه، فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل الي البائع بأول جزء منه، و هذا لا يخلو عن قوة إذ لا دلالة في ادلة

______________________________

(1) قوله و الجزء الذي لا يتجزي غير موجود اورد عليه المحقق الايرواني (قدس سره) بان وجوده لا يدفع الاشكال: إذ الملك يتاخر

عن ذلك الجزء ان حصل الفسخ به فيلزم الاشكال و فيه: ان فرض الجزء الذي لا يتجزي فرض جزء، لا يمين له، و لا يسار، فلا يتصف بهما من حيث فرض التوسط فيه، و مثل هذا الجزء لا قبل له، و لا بعد، كي يقال ان الملك حصل بعده.

و المصنف (قدس سره) اجاب عن المحذور في التصرف الاعتباري بوجهين.

(2) احدهما ان المستفاد من دليل توقفه علي الملك ليس اعتبار وقوع الانشاء في ملك المنشئ حتي يحكم بالبطلان من جهة ان صحة العقد حينئذ تتوقف علي تقدم الملك علي جميع اجزاء العقد لتقع فيه قضاء لحق الظرفية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 390

اعتبار الملكية في المبيع الا علي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، و الحصر في قوله لا بيع الا في ملك اضافي بالنسبة الي البيع في ملك الغير، او في غير ملك كالمباحات الاصلية، فلا يعم المستثني منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع، هذا، مع انه يقرب ان يقال ان المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد (1) لان العرف لا يفهمون من لفظ البيع الا هذا المعني المأخوذ في قولهم بعت. و حينئذ، فالفسخ الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد و النقل و التملك العرفي يحصل بتمامه، فيقع النقل في الملك، و كذا الكلام في العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان أو ايقاعا.

و لعل هذا معني ما في الايضاح (2) من ان الفسخ يحصل بأول جزء، و بتمامه يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ و الأكل و نحو هما لا وجه لجواز الجزء الاول منها، فإن ظاهر قوله تعالي:

(إِلّٰا عَليٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ) اعتبار وقوع الوطء فيما اتصف بكونها مملوكة، فالوطي المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا،

______________________________

بل المستفاد منه عدم وقوع البيع مثلا في ملك الغير فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير لا وقوع بعض اجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه و بالجملة لا دلالة في ادلة اعتبار الملكية في المبيع، الاعلي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، فلا تعم تلك الادلة البيع الواقع بعضه في ملك الغير.

(1) ثانيهما ان المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد و حينئذ فالفسخ يحصل باول جزء من العقد و النقل يحصل بتمامه فيقع في الملك و أما في التصرف الخارجي، كالوطئ، فالتزم بحرمة الجزء الاول منه، ان دل الدليل علي عدم حصول الفسخ قبيل التصرف.

(2) قوله و لعل هذا معني ما في الايضاح المشار إليه اصل التوجيه لا خصوص الوجه الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 391

و توهم ان الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به (1) قولا كان أو فعلا، فإن معني جواز الفسخ لأجل الخيار، الجواز الوضعي اعني الصحة لا التكليفي،

فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ، كما لا يخفي.

مع انه لو فرض دلالة دليل الفسخ علي اباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك علي حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه و بين ما دل علي عدم جواز ذلك التصرف الا إذا وقع في الملك.

و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة، لا يخلو عن قوة، و به ترتفع الاشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا، و هذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط، حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين. ثانيا

في مجلس الصرف و قال ان شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس، مع ان الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف علي الملك، لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك.

______________________________

(1) قوله و توهم ان الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به حاصل التوهم: ان ما دل علي سلطنة ذي الخيار علي الفسخ، مقتضاه جوازه،

و عدم حرمته: لان ظاهر ما تضمن ان لك الفسخ، انه لا مانع منه تكليفا و مقتضي اطلاقه جواز كل تصرف حتي المتوقف علي الملك كالوطئ.

و في كلامه (قدس سره) مواقع للنظر الاول ما افاده من انه لو كان المستفاد من الادلة، اشتراط وقوع الانشاء في ملك المنشئ، كان المتعين البناء علي البطلان: لان صحته حينئذ تتوقف علي تقدم الملك قضاء لحق الظرفية فانه يرد عليه، ان الظرفية تقتضي المقارنة، و ينافيها التقدم إذ الظرفية و المظروفية متضايفتان، و هما متكافئتان في القوة و الفعلية، و عليه فمقتضي الظرفية تقارن الملكية و الانشاء زمانا الثاني ما افاده من ان المراد بالبيع هو النقل العرفي، و هو يحصل بتمام السبب، و الفسخ يتحقق باول جزء منه فيكون الملك سابقا عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 392

فرع لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له (1) فقال: اعتقهما فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد، لأن الفسخ مقدم علي الاجازة. و فيه انه لا دليل علي التقديم في مثل المقام مما وقع الاجازة و الفسخ في طرف واحد دفعة، سواء اتحد المجيز و الفاسخ،

كما المقام أو تعدد، كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة

______________________________

فانه يرد عليه: ان الفسخ ايضا يحصل

بتمامه إذ ليس كل قول أو فعل فسخا بل ما يكون دالا عليه و هو العقد بتمامه الثالث: ما افاده من انه مع عدم الالتزام بحصول الفسخ قبيل التصرف لا بد من البناء علي عدم جواز الجزء الاول فانه يرد عليه ان المستفاد من الادلة عدم جواز التصرف المزبور في ملك الغير و حيث ان هذا التصرف ينشأ به الفسخ فيصير ملكا له مقارنا له و لا دليل علي حرمة التصرف مع عدم سبق الملك- و بالجملة و هذه التصرفات جائزة مع الملك و المفروض هو ذلك فالحق في المقام ان يقال انه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل التصرف كما اخترناه فلا اشكال و الا- ففي التصرف الاعتباري بما ان المستفاد من الادلة هو اعتبار كون النقل الحاصل من العقد في ملكه- و المفروض حصول الفسخ بالعقد فيتحقق الفسخ و البيع في زمان واحد مع تقدم الفسخ آنا ما و لا إشكال و في التصرف الخارجي يكون التصرف مقارنا مع الملك و لا يعتبر في الجواز ازيد من ذلك و الله العالم.

لو اشتري عبدا بجارية

(1) قوله لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له محل البحث موارد الأول: ما إذا كان الخيار للمشتري.

الثاني: ما إذا كان الخيار للبائع.

الثالث: ما إذا كان الخيار لهما.

اما المورد الاول فتارة لا يقصد به الاجازة و لا الفسخ، و اخري يقصد هما معا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 393

انما المسلم تقديم الفسخ الصادر من احد الطرفين علي الاجازة الصادرة من الطرف الآخر، لأن لزوم العقد من احد الطرفين بمقتضي اجازته لا ينافي انفساخه بفسخ الطرف الآخر، كما لو كان العقد جائزا من احدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف الآخر بخلاف اللزوم و الانفساخ

من طرف واحد و نحوه في الضعف، القول بعتق العبد، لأن الإجازة إبقاء للعقد و الأصل فيه الاستمرار.

و فيه ان عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس. (1) نعم الاصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق اصلا، و هو الاقوي، كما اختاره جماعة منهم العلامة في التذكرة و القواعد و المحقق الثاني في جامع المقاصد، لأن عتقهما معا لا ينفذ، لأن العتق لا يكون فضوليا، و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل، لأن ملك احدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك. و لو كان الخيار في الفرض المذكور لبائع العبد بني عتق العبد علي جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار

______________________________

و ثالثة: يقصد الفسخ، و رابعة: يقصد الاجازة.

اما في الصورة الاولي فيتحقق عتق العبد خاصة، لورود الانشاء علي ماله و مال غيره فيؤثر في الاول.

و أما في الصورة الثانية، فان كان متوجها الي تنافيهما لا يتحقق القصد اليهما و ان لم يكن ملتفتا الي ذلك- فحيث ان الاجازة و هي ابرام العقد و الفسخ و هو حله و رفعه متنافيان، فلا يمكن تحققهما معا، و تحقق احدهما دون الآخر بلا مرجح، و مسألة تقديم الفسخ علي الاجازة، غير مربوطة بالمقام كما في المتن فلا يقع شي ء منهما و أما العتقان فلا يقعان معابل، يقع عتق العبد خاصة لحصول شرطه و هو الملك، و لا يقع عتق الجارية لعدم الملك و ما افاده- المصنف (رحمه الله)

(1) من ان عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس و توضيحه: ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) من ان عتق الجارية كما يتوقف علي الفسخ كذلك عتق العبد يتوقف علي الاجازة فانه و ان

كان مملوكا له فعلا الا ان نفوذ عتقه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 394

و عتق الجارية علي جواز عتق الفضولي. و الثاني غير صحيح اتفاقا، و سيأتي الكلام في الأول و ان كان الخيار لهما.

ففي القواعد و الايضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا،

لأن عتق العبد من حيث انه ابطال لخيار بائعه غير صحيح بدون اجازة البائع و معها يكون اجازة منه لبيعه و الفسخ مقدم علي الاجازة، و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشتري بالخيار، ان عتق كل من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما، بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع، كان الحكم، كما في تلك الصورة.

______________________________

يتوقف علي امضاء العقد، و امضائه يتوقف علي عدم كون عتق الجارية فسخا كما في العكس يرد عليه: ان عتق العبد لا يتوقف علي امضاء العقد إذ لا يشترط فيه سوي الملك الموجود، و انما يتوقف عتق الجارية علي الفسخ من، جهة كون الفسخ سببا للملك الذي هو شرط العتق فلا يكون التوقف من الطرفين.

و أما في الصورة الثالثة: فقد افاد السيد الفقيه ان الاقوي، صحة كليهما، و حصول الفسخ فينتقل الي بدل العبد، و ذلك لان المقتضي للصحة موجود في كليهما، و لا منافاة، اما في الجارية فلان الفرض ان له الفسخ و اعتقها بهذا العنوان، و أما في العبد فلان صحة عتقه لا تتوقف علي قصد الاجازة إذ هو مملوك له فعلا و هذا كاف في صحته،

و لا بأس به.

و أما في الصورة الرابعة، فالاظهر صحة عتق العبد فقط إذ صحة عتق الجارية متوقفة علي قصد الفسخ و المفروض عدمه فلامنا في لعتق العبد.

و

أما المورد الثاني: فان قلنا بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار في مدة الخيار تصرفا يمنع عن استرداد العين فسد عتق العبد- و الا صح و أما عتق الجارية فهو لا يصح علي أي حال لفقد شرطه و هو الملك و بطلان الفضولي في الايقاع.

و أما المورد الثالث فبناء علي نفوذ تصرف من عليه الخيار كان حكم هذا المورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 395

مسالة من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين (1)
اشارة

عند الفسخ علي قول الشيخ، و المحكي عن ابن سعيد في جامع الشرائع. و ظاهر جماعة من الاصحاب منهم، العلامة في القواعد، و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة الي الورثة، ان حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الاكثر. و عن جماعة في مسألة وجوب الزكاة علي المشتري للنصاب بخيار للبائع ان المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع. بل ظاهر المحكي عن الجامع، كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار، و قيل بالعقد، و لا ينفذ تصرف المشتري فيه حتي ينقضي خيار البائع و سيجي ء عبارة الدروس، هذا.

و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبني علي عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار، فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة، و الموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع أو المشتري اولهما. بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد. و كذا ظاهره في باب الزكاة

______________________________

حكم المورد الاول،

و ان بنينا علي عدم النفوذ، فلا يصح عتق العبد بدون اذن البائع و مع

الاذن الذي حقيقته امضاء العقد من ناحية البائع يصح العتق، و يكون حكمه حكم الصورة الثالثة من المورد الاول، و يصح عتق الجارية علي التقديرين و الفسخ هذا إذا قصد به الفسخ،

و الا بطل عتق الجارية ايضا و الله العالم

حكم تصرفات غير ذي الخيار جواز أو منعا

(1) قوله من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع عن استرداد العين كلمات القوم في المقام مضطربة لا يستفاد منها فتوي مسلمة عندهم لاحظ المتن حيث انه نقل كلمات جماعة منهم فالاولي البحث فيما يستفاد من الادلة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 396

حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار نعم استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين علي وجه يظهر منه أن المصنف معترف بمنشإ الأشكال.

و كذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن، و ان اعترض عليه جامع المقاصد بما مر من المسالك، لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف.

و كذا صريح كلام الشهيد في الدروس، حيث قال في باب الصرف: لو باع أحدهما ما قبضه علي غير صاحبه قبل التفرق، فالوجه الجواز وفاقا للفاضل، و منعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره، ورد بأنا نقول ببقاء الخيار، انتهي.

و صرح في المختلف في باب الصرف بأن له ان يبيع ماله من غير صاحبه،

و لا يبطل حق خيار الآخر، كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع، و هو ظاهر اللمعة، بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار، و ان شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا.

و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشؤه القول بعدم انتقال المبيع و

متفرعا عليه، و إلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم ابطال حق الخيار، بل المتعين حينئذ الاستناد الي عدم حصول الملك مع وجود الخيار، بل لعل القول بعدم الانتقال منشؤه كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم، كما يظهر من بيان مبني هذا الخلاف في الدروس، قال في تملك المبيع بالعقد، أو بعد الخيار، بمعني الكشف أو النقل خلاف، مأخذه ان الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و ان غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين، الا ان يراد به نفوذ التصرف علي وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ و التصرف في زمن الخيار علي القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة. و هذا الاحتمال و ان بعد عن ظاهر عبارة الدروس، الا انه يقربه انه (قدس سره) قال بعد اسطر: ان في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين.

و الحاصل ان كلمات العلامة و الشهيد بل و غيرهما (قدس سرهم) في هذا المقام لا يخلو بحسب الظاهر عن اضطراب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 397

ثمّ ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات، و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه علي التغليب. و كذا الظاهر عدم الفرق بين الاتلاف و التصرفات الناقلة.

و اختار بعض افاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الاتلاف و تجويز غيره،

لكن مع انفساخه من اصله عند فسخ ذي الخيار، و قيل بانفساخه من حينه.

______________________________

و الاقوال المستفادة منها ثمانية.

(1) الجواز مطلقا.

(2) عدم الجواز

ذلك.

(3) جواز الاتلاف تكليفا و المنع عن التصرف المعاملي نسب الي المحقق الخراساني.

(4) عكس ذلك و هو المنسوب الي صاحب المقابيس.

(5) الجواز مطلقا- الا انه لو فسخ يبطل اما من حين الفسخ أو من اصله.

(6) الفرق في التصرفات الناقلة بين العتق و غيره فلا ينفذ العتق و ينفذ غيره.

(7) الفرق بين الخيار الاصلي و ما يكون بجعل المتعاقدين.

(8) الفرق بين ما يكون ثابتا بالفعل و ما يكون ثابتا فيما بعد و تنقيح القول بالبحث في موارد احدها انه، هل يجوز تكليفا تصرف غير من له الخيار بالتصرف المانع عن استرداد العين، ام لا ثانيها، هل ينفذ تصرفه المعاملي، ام لا ثالثها، هل حكم الخيار المجعول للمتعاقدين حكم المجعول الشرعي، ام لا رابعها، انه علي فرض النفوذ، هل يجبر علي فسخه ان كان له ذلك، ام لا خامسها، علي فرض النفوذ، هل لذي الخيار الفسخ أو ينفسخ بفسخه للبيع الاول،

ام لا سادسها، انه علي المنع، هل يجوز التصرف قبل تنجز الخيار، ام لا سابعها، بناء اعلي عدم الجواز، هل يجوز التصرف الذي يكون في معرض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 398

حجة القول بالمنع، ان الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث ارجاعهما بحل العقد الي ملكهما السابق، فالحق بالآخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه الي صاحبه فلا يجوز ان يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها أو نقلها الي شخص آخر (1)

______________________________

التفويت كالوطئ الذي هو في معرض الاستيلاد ام لا ثامنها، بناء علي المنع هل يمنع عن نقل المنافع ايضا ام لا.

يجوز تصرف غير ذي الخيار تكليفا

اما الاول: فقد استدل لعدم الجواز بوجوه احدها توقف حصول الملك علي انقضاء زمان الخيار فهو في زمان الخيار لمن له الخيار فلا يجوز

لغيره التصرف فيه و فيه ما سيجي ء من عدم توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار.

الثاني: ان الخيار حق متعلق بالعين، فلا يجوز التصرف فيها بما يمنع عن استرداد العين لكونه موجبا لفوات الحق، و بعبارة اخري يكون ذلك موجبا لانعدامه فلا يجوز و فيه اولا ما تقدم من كون حق الخيار متعلقا بالعقد لا العين، لا بها مستقلا و لا بها و بالعقد بحيث يكون الثابت حقين، كيف و قد اسند الوجوب و الخيار في الاخبار الي البيع و العقد لا العوضين،

مضافا الي ان حقيقة الفسخ ذلك كما تقدم، مع انهم اتفقوا علي ان لذي الخيار حق الفسخ حتي مع تلف العين، فيستكشف من ذلك كونه سنخ حق لا يفوت بالتلف فالاتلاف لا يكون معدما لموضوع الحق و الالتزام بحقين كما تري بلا ملزم و لا وجه و ثانيا: ان لازم هذا الوجه هو القول الخامس و هو الجواز مراعي بعدم الفسخ: إذ هذا لا ينافي مع الخيار المتعلق بالعين.

(1) الثالث- ما نقله في المتن و اوضحه المحقق النائيني (قدس سره) و هو ان حق الخيار و ان لم يكن متعلقا بالعين و لكن يمكن ان يكون متعلقا بالعقد علي نحو الموضوعية، و يمكن ان يكون طريقا، و الغرض منه استرجاع العين بشخصها أو بما لها من المالية فلو كان موضوعيا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 399

و منه يظهر ان جواز الفسخ مع التلف بالرجوع الي البدل لا يوجب جواز الاتلاف، لأن الحق متعلق بخصوص العين، فاتلافها اتلاف لهذا الحق، و ان انتقل الي بدله لو تلف بنفسه، كما ان تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز اتلافها علي ذي الحق.

و إلي

ما ذكر يرجع ما في الايضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الابطال.

و يؤيد ما ذكرنا انهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل إذا وقع باذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين، لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار، فان تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف «التلف» لعدم الالتزام بالعقد و ارادة الفسخ باخذ القيمة هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه المنع، لكنه لا يخلو عن نظر، فإن الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين، هي سلطنة ذي الخيار علي فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها، فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار

______________________________

صرفا يجوز تصرف من عليه الخيار بجميع انحاء التصرفات الا ان هذا باطل- فانحصر في الوجهين علي الطريقية و مبني الوجهين انه لو كان المدار في باب الضمان علي قيمة يوم الاداء لبقاء العين التالفة في عهدة الضامن فلازمه وجوب حفظها ليتمكن المضمون له عن استرجاع العين فلا يجوز التصرفات الناقلة و المتلفة و ان قلنا بان المدار علي قيمة يوم التلف فلازمه ان يكون ماليتها المتقدرة في عهدة الضامن، فتجوز تلك التصرفات لان ما في الذمة هو القدر المشترك بين العين و بدلها و يكون حفظ العين من المقدمات الوجوبية للواجب، و حيث اخترنا ان المدار علي قيمة يوم الاداء فلا يجوز التصرفات المانعة.

و فيه اولا: انا لا نفهم معني كون الخيار متعلقا بالعقد، علي نحو الطريقية، فهل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 400

علي حكم التلف «التصرف» جوازا و منعا، فالمرجع فيه ادلة سلطنة الناس علي

اموالهم، أ لا تري ان حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين، و مجرد الفرق بينهما بأن الشفعة سلطنة علي نقل جديد، فالملك مستقر قبل الاخذ بها، غاية الامر تملك الشفيع نقله الي نفسه بخلاف الخيار، فإنها سلطنة علي رفع العقد، و ارجاع الملك الي الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور، مع ان الملك في الشفعة اولي بالتزلزل لابطالها تصرفات المشتري اتفاقا و أما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل علي وجوب ابقائه و عدم السلطنة علي اتلافه مضافا الي النص و الاجماع علي حرمة التصرف في الرهن مطلقا و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا.

و أما سقوط الخيار بالتصرف الذي اذن فيه ذو الخيار، فلدلالة العرف لا للمنافاة. و الحاصل ان عموم الناس مسلطون علي اموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار

______________________________

المراد ان تعلقه بالعقد بنحو الواسطة في العروض، بحيث يكون واقعا متعلقا بالعين و بالعرض و المجاز مستندا الي العقد، فهذا يرجع الي الوجه السابق الذي عرفت ما فيه،

أو المراد ان تعلقه به بنحو الواسطة في الثبوت، بحيث يكون اولا متعلقا بالعقد، و ثانيا بالعين فيكون هناك خياران، احدهما متعلق بالعقد، و الآخر بالمال، فهذا امر معقول الا انه يحتاج الي الدليل، و ما بأيدينا من الادلة، لا تدل علي ازيد من ثبوت خيار واحد متعلق بالعقد،

و الوجهان في باب الضمان غير مربوطين بالمقام، إذ الخيار لو كان متعلقا بالعقد جاز التصرفات حتي بناء اعلي كون المدار في الضمان علي قيمة يوم الاداء، لانه تصرف في ماله و المفروض عدم كونه متعلقا لحق الغير،

و دعوي: ان حفظ المال علي هذا المسلك من المقدمات الوجودية للواجب،

غريبة إذ

قبل الفسخ لا يكون التكليف بالضمان ثابتا كي يكون من المقدمات الوجودية، فلا محالة يكون من المقدمات الوجوبية، و لو كان الخيار متعلقا بالعين لم يجز،

و لو كان المدار في باب الضمان علي قيمة يوم التلف لكونه منافيا لحق الغير فلا يجوز و ثانيا يرد عليه ما اوردناه علي الوجه السابق من ان لازم هذا الوجه هو القول الخامس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 401

يزاحم به سلطنة المالك، فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الاصلية.

و أما الخيارات المجعولة بالشرط، فالظاهر من اشتراطها ارادة ابقاء الملك ليسترده عند الفسخ. بل الحكمة في اصل الخيار هو ابقاء السلطنة علي استرداد العين الا انها في الخيار المجعولة علة للجعل، و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف، (1) كما لا يخفي، و عليه فيتعين الانتقال الي البدل عند الفسخ مع الاتلاف. و أما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد، ففي تقديم حق الخيار لسبقه، أو الاستيلاد (2) لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين، مع وجود المانع الشرعي، كالعقلي،

وجهان أقواهما الثاني و هو اللائح من كلام التذكرة في باب الصرف حيث ذكر ان صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين و منه يعلم حكم نقله عن ملكه و انه ينتقل الي البدل لانه إذا جاز التصرف فلا داعي الي اهمال ما يقتضيه التصرف، من اللزوم و تسلط العاقد الثاني علي ماله عدا ما يتخيل من ان تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الاول، فإذا ارتفع بالفسخ و صار كان لم يكن و لو بالنسبة الي ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه من التصرفات و العقود.

______________________________

(1) قوله و لا ينافي

ذلك بقاء الخيار مع التلف وجه المنافاة ان هناك خيارا و شرطا، و لو تلف ينتفي موضوع الشرط و يبقي الخيار بحاله.

(2) قوله ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو الاستيلاد … وجهان ان قلنا بان حق الاستيلاد انما يمنع عن نقلها اختيار أو لا يمنع عن نقلها بغير الاختيار، لا إشكال في تقدم حق الخيار،

و ان قلنا بكونه مانعا عن نقلها مطلقا، فبناء اعلي تعلق حق الخيار بالعقد دون العين و جواز الوطء، لا إشكال في تقديم حق الاستيلاد فان حاله حال ساير التصرفات الناقلة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 402

______________________________

و ان قلنا بتعلقه بالعين، فان كان الوطء باذن من له الخيار كان ذلك مسقطا لخياره علي ما سيأتي و ان كان بدون اذنه حرم الوطء ام جاز، قدم حق الاستيلاد لان حق الخيار له بدل، و هو الفسخ واخذ البدل و هو لا بدل له،

و ان شئت قلت ان حق الخيار و ان تعلق بالعين، الا ان ذلك مع بقائها، و أما مع تلفها فينتقل الي بدلها و دليل حق الاستيلاد يجعل المانعية فلا تعارض بينهما بل يعمل بكليهما.

الرابع ما استدل به علي مذهب الشيخ من عدم انتقال العوضين قبل انقضاء زمان الخيار خصوصا صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الي يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة و يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال (عليه السلام) علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري، «1» بدعوي ان مقتضاء و ان كان عدم الملكية، الا انا اذا لم نقل بذلك، فاقرب المجازات الحمل علي ارادة عدم جواز التصرف في زمان

الخيار و فيه اولا انه مختص ببعض الخيارات و ثانيا: انه لو دل علي ذلك لدل علي جواز التصرف غير المنافي ايضا، و عدم جواز تصرف من له الخيار، فالمتعين حمله علي ارادة معني آخر و سيجي ء فالمتحصل مما ذكرناه هو جواز التصرفات من غير فرق بين صورة الفسخ و عدمه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 403

و الحاصل ان العاقد الثاني يتلقي الملك من المشتري الاول، فإذا فرض الاشتراء كان لم يكن، و ملك البائع الاول العين بالملك السابق قبل البيع، ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني، و يمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند الي تملك المشتري له آنا ما، لان مقتضي سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات و اقتضاء الفسخ، لكون العقد كأن لم يكن، بالنسبة الي ما يعد الفسخ، لانه رفع للعقد الثابت. و قد ذهب المشهور الي انه لو تلف احد العوضين قبل قبضه، و قد بيع العوض الآخر المقبوض، انفسخ البيع الاول دون الثاني، و استحق بدل العوض المبيع ثانيا علي من باعه. و الفرق بين تزلزل العقد من حيث انه امر اختياري كالخيار، أو امر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه، غير مجد فيما نحن بصدده، ثمّ انه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا، لان جواز العقد يوجب سلطنة العاقد علي فسخه لا سلطنة الثالث الاجنبي. نعم يبقي هنا الزام العاقد بالفسخ، بناء علي ان البدل للحيلولة و هي مع تعذر المبدل و مع التمكن يجب تحصيله

______________________________

يجوز تصرف من عليه الخيار وضعا

و أما المورد الثاني فعلي القول بعدم جواز التصرف تكليفا ربما يقال كما في حاشية السيد:

ان مقتضي القاعدة بطلان التصرفات الناقلة: لان الوجه فيه انما كان تعلق الحق بالعين، و هو مانع عن النفوذ ايضا، و هل يكون باطلا صرفا،

او حاله حال عقد الفضولي، فيصح بعد انقضاء زمان الخيار مع الاجازة، أو يصح من ذلك الحين بلا اجازة وجوه و الاقوي هو الاول: لان البيع حين صدوره كان مع المانع، و لازمه بطلانه إذ مقتضاه التأثير من حينه، و لا يمكن ذلك بالفرض،

و كونه مراعي مستلزم لتخلف المعلول عن علته، و الفرق بينه و بين بيع الفضولي واضح يرد عليه اولا: ان تعلق الحق لا يكون مانعا عن النفوذ، فانه يلتزم بنفوذ العقد الثاني، و لكن بما ان للبائع الاول حق ارجاع المبيع الي نفسه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 404

الا ان يقال باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا علي ملك مستحق البدل كما في المغضوب الآبق.

اما فيما نحن فيه، فان العين ملك للعاقد الثاني، و الفسخ انما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض و هو العاقد الاول، فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثاني، فيستقر بدله علي العاقد الاول، و لا دليل علي الزامه بتحصل المبدل مع دخوله في ملك ثالث، و قد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن،

هذا، و لكن قد تقدم ان ظاهر عبارة الدروس و الجامع، الاتفاق علي عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان

______________________________

فالمبيع في البيع الثاني يكون مقيدا بهذا العنوان، و لازم ذلك كون العقد الثاني ايضا منحلا بحل الاول: لاقتضاء الفسخ الذي يكون سببا لتلقي الملك من المفسوخ عليه ذلك و ثانيا: انه لو سلم البطلان، فالحق انه يصح بعد انقضاء الخيار بلا احتياج الي الاجازة: فان

العقد حين تحققه، و ان لم يؤثر الا ان عدم التأثير كان لاجل المانع، فبعد ارتفاعه لا مانع من تأثيره، و لا يلزم من كونه مراعي تخلف المعلول عن العلة، هذا إذا قلنا بعدم جواز التصرف من جهة تعلق الحق بالعين و أما لو قلنا به للتعبد فعدم الفساد واضح إذ الحرمة لا تستلزم الفساد- و أما علي القول بجواز التصرفات تكليفا كما اخترناه فمقتضي القاعدة نفوذ التصرفات و هو واضح.

و أما المورد الثالث- فالانصاف ان شرط الخيار بحسب الغالب انما يكون من جهة تعلق الغرض بابقاء العين ليستردها بشخصها، فابقاء العين من قبيل الشرط المضمر فلا بد من العمل علي طبقه، و حيث ان العمل بالشرط واجب تكليفا كما مر، و لا فرق فيه بين الشرط الصريح و المضمر، فلا يجوز التصرفات الناقلة و المتلفة تكليفا لمن عليه الخيار لكونها خلاف الشرط، و أما النفوذ و عدمه، فمبنيان علي ما تقدم في مبحث الشروط من انه،

هل توجب ادلة الشرط رفع سلطنة المشروط عليه عن المشروط وضعا، ام لا- و حيث ان المختار عدمه كما تقدم، فالاظهر هو النفوذ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 405

الخيار، و توجيه بارادة التصرف علي وجه لا يستعقب الضمان، بان يضمنه ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيد جدا، و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع الي البدل الا في مسألة العتق و الاستيلاد، فالمسألة في غاية الاشكال.

______________________________

و أما المورد الرابع فقد اختار السيد الفقيه (قدس سره)، انه يجبر علي الفسخ- من جهة انه بالفسخ يرجع نفس ما وقع عليه العقد الي الفاسخ، و ان كان تالفا ففي حال التلف انما يكون نفس العين في العهدة و انما يعطي

البدل في مقام تفريغ الذمة، و عليه فإذا فرض امكان تحصيله مع تلفه وجب مقدما علي اعطاء بدله و فيه: ان معني جواز العقد الثاني ان للعاقد فسخه، و الا فهو بالنسبة الي الفاسخ لازم لا جائز، و لا سلطنة له و لا ولاية علي المشتري المفسوخ عليه حتي يلزمه بفسخ العقد الثاني و انما له السلطنة علي العقد الاول بحله، فإذا حله بما ان العين تحت يد غير المفسوخ عليه،

فيقدر وجودها عنده لترتيب اثر الرجوع الي البدل، و أما تقديره لأثر آخر و هو ما افاده فيحتاج الي دليل مفقود فالاظهر عدم الاجبار.

العقد الثاني لا ينفسخ بحل الاول

و أما المورد الخامس فقد استدل لانفساخ العقد الثاني بحل الاول:

بان تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الاول، فإذا ارتفع بالفسخ و صار كان لم يكن،

و لو بالنسبة الي ما بعد الفسخ كان من لوازمه ارتفاع ما بني عليه من العقد و فيه: ان العقد الثاني مترتب علي صحة الاول و لو آنا ما، و لا يتوقف علي بقائه ابدا:

فان صحته في وقت موجبة لحدوث الملكية المرسلة، فيصح العقد الثاني و بعد انحلال الاول، لا وجه لانحلال الثاني، لعدم ترتب انحلاله علي انحلاله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 406

ثمّ علي القول بانفساخ العقد الثاني، فهي يكون من حين فسخ الأول، أو من اصله (1) قولان، اختار ثانيهما بعض افاضل المعاصرين، محتجا بأن مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين (2) فلا يجوز ان يتلقي الفاسخ الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الاول، و رجوع العين الي ملك المالك الاول، ليخرج منه الي ملك الفاسخ، إلا أن يلتزم بان ملك العاقد الثاني الي

وقت الفسخ، فتلقي الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الاول، و رده بعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

______________________________

(1) و علي القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الاول أو من اصله قولان اختار ثانيهما المحقق صاحب المقابيس علي ما نسب إليه المصنف (قدس سره)

(2) و استدل له بان مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين و لازم ذلك انفساخ العقد الثاني و رجوع العين الي ملك المالك الاول لتخرج منه الي ملك الفاسخ و يرد عليه ان الالتزام بانحلال الثاني انما يكون لتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه فهذا امر مشترك بين القولين و لا يصلح دليلا علي احدهما و توهم لزوم توقيت البيع و الملكية من كون الفسخ من الحين يدفعه: ان الانفساخ من الحين غير كون البيع موقتا بل هو مرسل و كذلك الملكية و الفسخ يوجب رفع ذلك و الا فهذا يلزم في كل فسخ من الحين.

و يمكن ان يقال ان مراده ان البائع الاول لو فسخ العقد،

فاما ان يلتزم برجوع المبيع إليه مع بقاء العقد الثاني، أو يلتزم بان العقد الثاني قبل الفسخ ليتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه- أو يلتزم بان العقد الثاني تمليك موقت الي ما قبل فسخ الاول،

و شي ء من ذلك لا يمكن الالتزام به، اما الاول فلمنافاته لمقتضي الفسخ، و أما الثاني فلانه لا وجه للانحلال من دون حل، و أما الثالث فلعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فيتعين الالتزام بانحلاله من الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 407

ثمّ ان المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف علي القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا، كالمجلس، و الثلاثة في الحيوان

و الزمان المشروط فيه الخيار. (1)

و أما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار، اما لعدم تحقق سببه، كما في خيار التأخير بناء علي ان السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر الي ازيد من الثلث. و أما لعدم تحقق شرطه، كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن، بناء علي كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله و كاشتراط الخيار في زمان متأخر.

ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار، خصوصا فيما لم يتحقق سببه، وجهان،

من ان المانع عن التصرف هو تزلزل العقد، و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا، و ان لم يقدر ذو الخيار علي الفسخ حينئذ، و من انه لا حق بالفعل لذي الخيار،

فلا مانع من التصرف، و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف علي حضور الزمان،

و المتوقف علي شي ء آخر (2) كالتأخير و الرؤية علي خلاف الوصف، لان ثبوت الحق في الأول معلوم، و ان لم يحضر زمانه بخلاف الثاني، و لذا لم يقل احد بالمنع من التصرف في احد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض، و سيجي ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل، و علي كل حال، فالخيار المتوقف تنجزه فعلا علي ظهور امر كالغبن و العيب و الرؤية علي خلاف الوصف غير مانع من التصرف، بلا خلاف ظاهرا.

______________________________

و لكن يرد عليه ان مقتضي الجمع بين ما دل علي انفساخ العقد الثاني- و ما دل علي صحة البيع و انتقال المبيع الي المشتري- انتقال المبيع قبل ان ينتقل بالفسخ الي البائع الاول الي المشتري الاول.

(1) و أما المورد السادس ففيه اقوال ثالثها التفصيل بين ما يكون متوقفا علي مجي ء زمان- فلا تجوز

التصرفات فيه علي القول بالمنع في الخيار المنجز- و بين ما يكون متوقفا علي شي ء آخر كالرؤية علي الخلاف فيجوز.

(2) اختاره المصنف (رحمه الله)

رابعها التفصيل بين ما إذا كان الخيار متأخرا بنفسه و بمنشئه فيجوز و أما إذا كان شرط الخيار حاصلا و زمان اعماله متأخرا فلا يجوز اختاره المحقق النائيني (قدس سره)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 408

فرعان
اشارة

الأول: لو منعا عن التصرف المتلف في زمان الخيار، فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين، (1) كوطئ الأمة في زمان الخيار بناء علي ان الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين، اكثرهم علي الجواز،

كالعلامة في القواعد، و الشارح في جامع المقاصد، و حكي عن المبسوط و الغنية و الخلاف، لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك عن انقضاء الخيار

______________________________

و الحق ان يقال انه بناء علي مانعية حق الخيار من التصرفات ان كان موجودا منع عنها سواء كان زمان الاعمال موجودا ام متأخرا إذ المانع هو الحق الخياري الموجود و ان لم يكن موجودا لم يمنع عنها إذ المانعية فرع الوجود و العلم بانه سيوجد لا يصلح للمنع فضلا عما إذا لم يعلم بذلك و به يظهر ما في القول بالمنع مطلقا، و بالجواز كذلك، و ما اختاره في المتن.

التصرف الذي يكون في معرض التفويت

(1) و أما المورد السابع- فعلي القول بجواز التصرفات المتلفة و الناقلة لا كلام في الجواز و أما علي القول بعدمه، ففي المسألة وجوه و لعلها اقوال- الجواز مطلقا و عدمه كذلك، و التفصيل بين ما إذا علم بتحقق الاستيلاد، فعدم الجواز و بين ما إذا شك فيه فالجواز فالكلام يقع في مقامين،

الاول ما لو علم بتحقق الاستيلاد الثاني ما لو شك فيه اما الاول فالاظهر فيه هو الجواز. فان ما دل علي جواز نقل ام الولد و مانعية الاستيلاد، يكون مختصا بالنقل الاختياري، و لا دليل علي المنع عن مطلق الانتقال و لو قهرا علي مالكها و أما الثاني فعلي القول بعدم المنع في المقام الاول لا كلام، و أما علي القول بالمنع فيه فقد استدل للجواز بوجهين احدهما:

ان المتيقن من المنع، هو التصرف المتلف فعلا لحق ذي الخيار، و أما مجرد كونه في معرض التلف فلا دليل علي المنع عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 409

كما اعترف به في الايضاح. و لذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطء علي ما إذا خص الخيار بالواطئ لكن قيل: ان عبارة المبسوط لا تقبل ذلك.

و ظاهر المحكي عن التذكرة، و ظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطء معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

______________________________

و اجاب عنه المحقق النائيني (رحمه الله) بان متعلق التكليف فيما كان حصول الاثر متوقفا علي امر خارج عن اختيار المكلف، هو نفس فعل المكلف فما يحرم عليه في المقام هو الوطء لا حصول العلوق، فهو بنفسه تفويت لحق ذي الخيار لا انه في معرض ذلك و فيه: ان الوطء من حيث انه وطء لا منع عنه، و لذا يجوز مع العزل، و مع القطع بعدم الاستيلاد و المنع عنه انما هو فيما كان موجبا للاستيلاد، و حيث انه مشكوك فيه و غير معلوم، فيرجع الي اصالة البراءة و يثبت الجواز ثانيهما التمسك باستصحاب عدم العلوق، و عدم صيرورة المرأة الموطوءة حبلي و اورد عليه المحقق النائيني (رحمه الله) بانه استقبالي و ليس له حالة سابقة، الا بالعدم المحمولي، و الجواز مترتب علي عدم كون هذا الوطء موجبا للحمل، و هذا غير مسبوق بالعدم و لكن يرد علي الاول ما حققناه في محله من جريان الاستصحاب في الاستقبالي ايضا و يرد علي الثاني: ان المختار جريان الاصل في العدم الازلي مع ان الايلاد مترتب علي القاء النطفة ترتب المسبب التوليدي علي سببه فحين القاء النطفة يشك في تحقق الايلاد فيستصحب عدمه و لا

حاجة الي اثبات انه لا يتولد منه بنحو العدم النعتي فالاظهر هو الجواز.

اجارة العين في زمان الخيار
اشارة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 410

الثاني: انه هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار بدون اذن ذي الخيار فيه وجهان، (1) من كونه ملكا له، (2) و من ابطال هذا التصرف لتسلط الفاسخ علي اخذ العين، إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء منفعة، و لو اجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الاجارة، لان المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها المشتري بالاجارة، فلا وجه لرجوعها الي الفاسخ، بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الاجارة، كما إذا باعه بعد الاجارة، و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من الموقوف عليه، لأن البطن الثاني لا يتلقي الملك منه حتي يتلقاه مسلوب المنفعة، بل من الواقف كالبطن الأول، فالملك ينتهي بانتهاء استعداده.

______________________________

(1) هذا هو المورد الثامن- و الكلام فيه في مقامات الاول في انه هل يجوز التصرف الاجاري علي القول بالمنع من التصرفات الناقلة و المتلفة ام لا و استدل للمنع بان لازم الفسخ استرداد العين خارجا و الاجارة منافية لذلك فان لازمها سلطنة المستاجر علي امساك العين لاستيفاء المنفعة و فيه ان الفسخ لا يقتضي الا استرداد العين ملكا و أما استردادها خارجا فهو مقتضي تسلط الناس علي اموالهم و لا مجري لذلك بعد كون العين متعلقة لحق الغير- و الاظهر هو الجواز.

(2) لا لما افاده المصنف (رحمه الله) من كونه ملكا فان توهم المنع لم يكن من ناحية عدم الملك بل من ناحية كون العين متعلقة لحق الخيار بل لان حق الخيار و ان كان متعلقا بالعين

لا ينافي اجارتها فانه لا يقتضي الا اعادة العين الي ملكه.

المقام الثاني في ان عقد الاجارة هل ينفسخ بفسخ البيع لخصوصية فيه، ام لا، بعد الفراغ عن صحته، اما لما ذكرناه، أو فيما إذا استأجر من ذي الخيار أو باذنه و قد استدل للانفساخ بوجوه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 411

فإن قلت: ان ملك المنفعة تابع لملك العين، بمعني انه إذا ثبت الملكية في زمان،

و كان زوالها بالانتقال الي آخر ملك المنفعة الدائمة، لأن المفروض ان المنتقل إليه يتلقي الملك من ذلك المالك، فيتلقاه مسلوب المنفعة (1) و أما إذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقي عن المالك الاول، و مستندا إليه، بل كان مستندا الي ما كان قبل تملك المالك الأول، فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الاول من الموقوف عليه، فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه، (2) قلت: اولا: انه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الاجارة مع عدم التزام احد ببطلان الاجارة و ثانيا: انه يكفي في ملك، المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع آنا ما

______________________________

(1) احدها ان ملكية من عليه الخيار للعين و منافعها ملكية مرسلة غير موقتة بالفسخ فالمنفعة بعد الفسخ لم تكن له فبالفسخ تبطل الاجارة و فيه: ان ملكية المشتري للعين و منافعها ملكية مرسلة غير موقتة، و الفسخ يكون رافعا لها، و عليه فبالفسخ تعود العين و أما منافعها، فحيث انها انتقلت الي المستأجر، فلا تعود ملكيتها إليه.

(2) ثانيها: ان الفسخ يقتضي عود الملك لا ملكية اخري، فالفسخ يوجب رفع ما اوجب انتقال العين و منافعها الي المشتري، فيعود ملكه

لها مستندا الي ما كان قبل تملك المالك، فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه، لا برفعه كما في ملك البطن الاول من الموقوف عليهم: فان المنفعة تتبع مقدار تملكها و فيه: ان المشتري إذا كان مالكا للعين و منافعها بملكية مطلقة، فاوجرها صارت المنفعة ملكا للمستأجر، فبالفسخ تعود العين و لا تعود المنفعة للمانع و هو كونها ملكا للمستأجر و لا يقاس بما إذا كان ملكية المنفعة ملكية موقتة ثالثها: ما يختص بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن، و هو ان البائع ببيعه الخياري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 412

ثمّ ان فاضل القمي في بعض اجوبة مسائله جزم ببطلان الاجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن، و علله بأنه يعلم بفسخ البيع، ان المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ، و ان الاجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة الي فسخ البيع. انتهي. (1)

فإن كان مرجعه الي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك، أو الملك المستند الي ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا وحلا، و ان المنفعة تابعة للملك المستعد للدوام، و ان كان مرجعه الي شي ء آخر فليبين حتي ينظر فيه (2) مع ان

الاصل عدم الانفساخ، لأن الشك في ان حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة ام لامع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله، كما إذا تقايلا البيع بعد الاجارة.

______________________________

يشترط بالشرط المضمر ابقاء العين مع المنفعة، فانفساخ الاجارة انما يكون لاجل كون الاجارة بعد الفسخ خلاف الشرط، و لعل هذا هو مراد المحقق القمي (رحمه الله)

(1) من قوله انه يعلم بفسخ البيع ان المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ الي آخر ما نقل المصنف (رحمه

الله) كلامه في المتن.

و عليه فهو غير الوجه المتقدم عليه، فما في المتن من قوله.

(2) فان كان مرجعه الي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك الي آخر ما افاده غير تام و لكن يرده ما تقدم من ان الشرط لا يوجب رفع السلطنة الوضعية،

فالاظهر عدم انفساخ الاجارة المقام الثالث في انه، هل تتدارك المنفعة المستوفاة بالاجارة، ام لا، وجهان اظهرهما التدارك: فان الفسخ يوجب رد العين بما لها من المنافع الي مالكها الاول،

فكما انه إذا كانت العين تالفة يجب رد بدلها كذلك إذا كانت منافعها تالفة بالاجارة أو غيرها يجب رد بدلها و بذلك يظهر انه يتدارك باجرة المثل لا الأجرة المسماة.

التصرف باذن ذي الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 413

ثمّ انه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار و انه يسقط خياره (1) بهذا التصرف، اما لدلالة الاذن علي الالتزام بالعقد عرفا. (2) و ان لم يكن منافاة بين الاذن في التصرف و الاتلاف و ارادة الفسخ واخذ القيمة، كما نبهنا عليه في المسألة السابقة، و به يندفع الاشكال الذي اورده المحقق الاردبيلي من عدم دلالة ذلك علي سقوط الخيار. و أما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين باذن صاحبه، فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل (3) لأن اخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لامع سقوطه عنه.

و لو اذن و لم يتصرف المأذون ففي القواعد و التذكرة انه يسقط خيار الاذن و عن الميسية انه المشهور قيل: كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة الي دلالة مجرد الاذن، و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف.

و قد منع

دلالة الاذن المجرد في المسالك و جامع المقاصد و القواعد.

______________________________

(1) قوله ثمّ انه لا إشكال في نفوذ التصرف باذن ذي الخيار و انه يسقط خياره قد استدل المصنف (رحمه الله) لسقوط خياره بوجهين.

(2) احدهما ان الاذن في التصرف دال عرفا علي الالتزام بالعقد و ان لم يكن منافاة بين الاذن في التصرف و ارادة الفسخ،

و اورد عليه المحقق الايرواني، بانه لا دلالة لو لا المنافاة، و ستعرف ما فيه،

(3) الثاني ان التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين باذن صاحبه فلا يتعلق الحق بالبدل تحقيق القول في المقام، انه ان كان الخيار متعلقا بالعين كان الاذن في التصرف موجبا لجوازه و لم يكن دالا علي الالتزام بالعقد و لا رضا به و لا دالا علي اسقاط الخيار و بعبارة اخري انه حينئذ يكون اذنا في تفويت محل الحق الذي كان لا يجوز بدونه فما لم يفت لا وجه لسقوطه كما لو اذن في اتلاف ماله فانه ما لم يتلف لا يكون خارجا عن ملكه، و لا يكون الاذن مخرجا له عن ملكه، و لا التصرف مسقطا، و ان كان تفويتا لمحل الحق باذنه فان تفويت محل الحق لا يوجب سقوطه، و لذا لو اتلفه كان الحق باقيا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 414

و الأولي أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف، و لأن اباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل علي الفسخ، كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا الا بجعلها فسخا.

و أما كون اذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة و اسقاطا لخياره،

فيمكن الاستشكال فيه، لأن الثابت بالنص و الاجماع ان التصرف

فيما انتقل إليه اجازة، و ليس الأذن من ذلك، و انما حكم بالسقوط في التصرف عن اذنه لا لأجل تحقق الاسقاط من ذي الخيار بالاذن، بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت، من ان التصرف الواقع باذنه صحيح نافذ

______________________________

و لا فرق الا بحرمة الاتلاف، تارة و اباحته، اخري و ان كان متعلقا بالعقد، كان الاذن في التصرف، لو لا كونه التزاما بالعقد و رضا به أو اسقاطا للخيار، لغوا فلا محالة يكون دالا علي الالتزام بالعقد، و اسقاطا لحقه بالكلية عرفا،

و أما التصرف نفسه فهو لا يكون مسقطا و لا مفوتا لمحل حقه.

و بما ذكرناه ظهر امور احدها: ان الوجهين المذكورين في المتن لمسقطية الاذن و التصرف لو تما- كانت تمامية كل منهما علي مسلك و لا يردان علي محل واحد ثانيها: ان ما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من انه لا دلالة لو لا المنافاة غير تام ثالثها ان ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) في وجه بطلان مسقطية الاذن، من انه لو كان مسقطا و التزاما بالعقد، لزم سقوطه و لو لم يتصرف المأذون، و لا يمكن التزام به غير وجيه، فانه لم يلتزم به بعد دلالته عليه عرفا،

و الغريب انه يسلم دلالة الاذن بتصرف الأجنبي علي الفسخ مع ان هذا الوجه بعينه يجري في الاذن بتصرف المالك إذ لا معني للاذن في ان يتصرف المالك في ماله، فيجب حمله علي كونه اجازة و التزاما بالعقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 415

و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق، (1) فالاذن فيما نحن فيه، نظير اذن المرتهن في بيع الرهن، لا يسقط به حق الرهانة، و يجوز الرجوع قبل البيع. نعم يمكن

القول باسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد، فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل الجارية.

و قد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري سقط خياره و يؤيده رواية السكوني في كون العرض علي البيع التزاما، فهذا القول لا يخلو عن قوة.

مسألة المشهور ان المبيع يملك بالعقد،

و اثر الخيار تزلزل الملك (2) بسبب القدرة علي رفع سببه، فالخيار حق لصاحبه في ملك الأخر، و حكي المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد علي انقضاء الخيار، و اطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري، و صرح في التحرير بشموله لذلك

______________________________

(1) قوله و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق و فيه ان التصرف نفسه لا يكون مفوتا لمحل الحق بجميع مراتبه، و لذا لو اتلفه من غير اذن كان الخيار باقيا و الاذن انما يؤثر في رفع المنع و لا أثر له غير ذلك فالمتحصل من ما ذكرناه، مسقطية الاذن لو كان الخيار متعلقا بالعقد، و عدم مسقطيته لو كان متعلقا بالعين و ان التصرف نفسه لا يكون مسقطا علي المسلكين.

المبيع يملك بالعقد

(2) قوله المشهور ان المبيع يملك بالعقد و اثر الخيار تزلزل الملك لا يخفي انه حيث لا يكون احد الوجوه و الاقوال اجماعيا و علي فرضه لا يكون تعبديا فلا يهمنا اطالة الكلام في نقل الاقوال و النزاع في بيان مراد القوم بل المتعين صرف

عنان الكلام الي بيان ادلة الطرفين و الكلام فيه يقع في مقامين الاول: في ادلة حصول الملك بالبيع و عدم توقفه علي انقضاء الخيار الثاني: في ما استدل به علي توقفه علي انقضائه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 416

لكن الشهيد في الدروس قال: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار

بمعني الكشف أو النقل خلاف، مأخذه ان الناقل العقد و الغرض من الخيار الاستدراك و هو لا ينافي الملك. و ان غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار و ربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار، و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك علي انقضاء الخيار،

انتهي.

فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين علي عدم توقف ملك المشتري علي انقضاء خياره عند الشيخ، بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط، قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول، فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالابدان، و ان كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم و ان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل الي المشتري حتي ينقضي الخيار، فإن انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد الاول، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعني عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الاصيل إذا وقع مع الفضولي و بين عدم انتقاله الي المشتري بحسب الظاهر حتي ينقضي خياره فإذا انقضي ملك بسبب العقد الاول بمعني كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير اجازة عقد الفضولي و لا يرد حينئذ عليه ان اللازم منه بقاء الملك بلا مالك. و حاصل هذا القول ان الخيار يوجب تزلزل الملك و يمكن حمله ايضا علي ارادة الملك اللازم الذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه، فوافق المشهور. و لذا عبر في غاية المراد بقوله و يلوح من

كلام الشيخ توقف الملك علي انقضاء الخيار، و لم ينسب ذلك إليه صريحا.

و قال في المبسوط: البيع ان كان مطلقا غير مشروط، فإنه يثبت بنفس العقد و يلزم بالتفرق بالابدان، و ان كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد، و ان كان مقيدا «مشروطا» بشرط لزم بانقضاء الشرط، انتهي.

و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشتري، لكن قال في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 417

باب الشفعة: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة لأن الشفعة انما تجب إذا انتقل الملك إليه، و ان كان الخيار للمشتري وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد، و له المطالبة بعد انقضاء الخيار و حكم خيار المجلس و الشرط في ذلك سواء علي ما فصلناه،. و لعل هذا مأخذ ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس، هذا، و لكن الحلي (قدس سره) في السرائر ادعي رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف.

و يمكن ان يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور، مثل استدلاله في مواضع علي المنع عن التصرف في مدة الخيار، بأن فيه ابطالا لحق ذي الخيار، كما في مسألة بيع احد النقدين علي غير صاحبه في المجلس، و في مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع، فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بإبطال حق ذي الخيار من الخيار، لأن التعليل بوجود المانع في مقام، فقد المقتضي كما تري.

و منها انه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن شروعهما في البيع قطع للخيار مع انه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم

وقوعه في الملك، فلو لا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا لوقوعه في غير الملك علي ما ذكرنا في الهبة، و ربما ينسب الي المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار احد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا، حيث حكم بأن له الخيار في الاجازة و الفسخ، لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد، انتهي.

لكن النسبة لا يخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة، و قال ابن سعيد (قدس سره) في الجامع علي ما حكي عنه: ان المبيع يملك بالعقد و بانقضاء الخيار، و قيل بالعقد، و لا ينفذ تصرف المشتري الا بعد انقضاء خيار البائع، انتهي.

و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد ايضا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 418

و كيف كان فالاقوي هو المشهور لعموم ادلة حل البيع، و اكل المال إذا كانت تجارة عن تراض، (1) و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك، و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم (عليهم السلام) البيعان بالخيار، (3)

______________________________

اما الاول: فما يدل علي ذلك أو توهم دلالته امور.

(1) احدها: العمومات مثل «1» احل الله البيع و دليل «2» التجارة عن تراض و نحوهما و الاستدلال بها يتم مع ضم ما افاده صاحب الجواهر (رحمه الله) الذي نقله المصنف (رحمه الله)

بعد اسطر بقوله و اشد ضعفا من الكل ما قيل، من ان المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد فهذه المعاملة اما صحيحة كذلك كما عند المشهور فثبت المطلوب أو باطلة من اصلها أو انها صحيحة الا انها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه و تقريب الاستدلال ان

المقصود بالبيع هو الملكية المطلقة، و هي انما تكون من حين العقد، و مقتضي العمومات امضاء البيع علي ما قصد، فلو حصل الملك بعد انقضاء الخيار يكون غير ما قصداه، و يحتاج الي دليل مفقود و تحقق الملك بعد القبض في الصرف و السلم، انما هو لاجل دليل خاص مقيد لإطلاق الادلة و بما ذكرناه ظهر ان شيئا من الوجهين. أي العمومات و تخلف العقد عن القصد- لا يصلح دليلا ما لم يضم احدهما الي الآخر.

(2) ثانيها: لفظ الخيار في قولهم «3» البيعان بالخيار و فيه: ان هذا الاستدلال يتم لو كان الخيار عبارة عن حق استرداد العين، إذ لا يعقل الاسترداد الا مع الخروج عن الملك و أما لو كان عبارة عن حق حل العقد و العقد بما هو مع قطع النظر عن حصول الملك به له وفاء و نقض فلا يدل علي المقام و به يظهر ان المصنف الذي يري ان حق الخيار هو حق حل العقد، لا وجه لاستدلاله بهذا الوجه

______________________________

(1) البقرة آية 275.

(2) النساء آية 29.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 419

و ما دل علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار الي ما لا يحل له قبل ذلك، (1) فإنه يدل علي الحل بعد العقد في زمن الخيار، الا ان يلتزم بأنه نظير حل وطئ المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع، (2) و يدل عليه ما تقدم في ادلة بيع الخيار بشرط رد الثمن، من كون نماء المبيع للمشتري و تلفه منه، (3) فيكشف ذلك عن ثبوت الملزوم و هو الملك، الا ان يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار، بل من باب اشتراط انفساخ

البيع برد الثمن. و قد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال و ما يشهد له من بعض العنوانات، لكن تقدم انه بعيد في الغاية، أو يقال ان النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع، لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن،

و ان ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الاصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد في ادلة بيع الخيار، الا الرواية قابلة للحمل عليه، الا ان يتمسك باطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من اول العقد في فسخه مقيدا برد مثل الثمن، هذا مع ان الظاهر ان الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل ايضا

______________________________

(1) ثالثها ما دل «1» علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار الي ما لا يحل له قبل ذلك.

(2) و اورد عليه المصنف (رحمه الله) بانه يمكن ان يكون نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع، فيكون الملك حاصلا بنفس النظر الموجب لسقوط الخيار،

و يرد عليه مضافا الي ذلك ان الشيخ لا ينكر حصول الملك في زمان الخيار المختص بالمشتري كما في المقام.

و للمحقق النائيني: في المقام كلام ذكره ايراد اعلي المصنف (رحمه الله) و هو ان التصرف في وطء المطلقة الرجعية وقع ممن له الحق، و في المقام يقع ممن عليه الخيار فلو لم يكن مالكا لكون العقد خيار يا حرم النظر،

و الظاهر انه سهو من قلمه الشريف فان خيار الحيوان للمشتري و السؤال انما هو عن نظره إليها.

(3) رابعها ما ورد من الادلة الدالة علي ان نماء المبيع للمشتري و تلفه منه في بيع الخيار «2» بشرط رد الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 8-

من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 420

و ربما يتمسك بالاخبار الواردة في العينة: (1) و هي ان يشتري الانسان شيئا بنسية، ثمّ يبيعه باقل منه في ذلك المجلس نقدا، لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية، لأن بيعها علي بائعها الأول و ان كان في خيار المجلس أو الحيوان، الا ان بيعه عليه مسقط لخيار هما اتفاقا و قد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك، مع منعه عن بيعه من غير صاحبه في المجلس، نعم بعض هذه الاخبار يشتمل علي فقرات يستأنس بها لمذهب المشهور، مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: نعم لا بأس به، قلت: اشتري متاعي فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك، فإن في ذيلها دلالة علي انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها ايضا عند التأمل لما عرفت من ان هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيار هما بالتواطؤ علي هذا البيع، كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذب بذلك عن الاشكال المتقدم نظيره سابقا من ان الملك إذا حصل بنفس البيع الثاني مع انه موقوف علي الملك للزم الدور الوارد علي من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ، و حينئذ فيمكن ان يكون سؤال السائل بقوله اشتري متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق.

______________________________

و مقتضي اطلاقها ان النماء له، و ان كان الشرط هو الخيار من اول العقد مقيدا برد مثل الثمن، و حيث ان النماء تابع للاصل، و من لوازم الملك فيستكشف من ذلك حصول الملك قبل انقضاء الخيار.

(1) خامسها النصوص الواردة

في العينة و هي ان يشتري الانسان شيئا بنسيئة ثمّ يبيعه باقل منه نقدا- كصحيح بشار بن يسار المذكور في المتن «1»

و الاستدلال بها ليس بتضمنها جواز البيع من البائع كي يقال انه جائز حتي عند القائل بعدم حصول الملك علي القاعدة أو بالتعبد بل بقوله في الصحيح ليس متاعك فان حكمه بعدم كونه للبائع و ان كان في زمان الخيار يشهد بذلك

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 421

و يكون جواب الامام (عليه السلام) مبنيا علي جواز بيعه علي البائع لأن تواطؤهما علي البيع الثاني اسقاط للخيار من الطرفين (1)

كما في صريح المبسوط، فقوله ليس هو متاعك اشارة الي ان ما ينتقل اليك بالشراء انما انتقل اليك بعد خروجه عن ملك بتواطؤ كما علي المعاملة الثانية المسقط لخيار كما لا بنفس العقد، و هذا المعني في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثمّ لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستئناس لم يدفع به الا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفي و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستئناس صحيحة محمد بن مسلم عن رجل اتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو بنسية، فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس، انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

فإن الظاهر ان قوله انما يشتريه الخ، اشارة الي ان هذا ليس من بيع ما ليس عنده و ان بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الاول، فقوله بعد ما يملكه اشارة الي استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم عليهم السلام في اخبار اخر واردة في هذه المسألة، و لا توجب البيع

قبل ان تستوجبه مع ان الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل الي مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه الي منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك، فيلزم العقد الاول بالتفرق، و لو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا علي سقوطه خياره و يسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع.

______________________________

(1) و الايراد عليه كما في المتن بانه يمكن ان يكون ذلك اشارة الي الخروج عن الملك بالتواطي علي المعاملة الثانية المسقط للخيار، فحين المعاملة الثانية ليس متاعك،

خلاف الظاهر- فان ظاهره نفي كونه متاعا له من ناحية البيع أي ليس متاعك حيث بعته- نعم- يرد عليه انه لم يفرض في مورد الصحيح خيار و ليس الخبر في مقام البيان من هذه الجهة كي يتمسك باطلاقه فتأمل و بما ذكرناه يظهر الحال في الاستدلال لهذا القول بصحيح «1» محمد المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب احكام العقود حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 422

و بالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة علي ان تملكه بنفس العقد مع انها علي تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف (1) كما لا يخفي، و نحوه في الضعف الاستدلال في التذكرة، بما دل علي ان مال العبد المشتري لمشتريه مطلقا أو مع الشرط، أو علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه، ان الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشتري علي نحو ثبوت العبد له، و انه يدخل في شراء العبد حتي إذا ملك العبد ماله،

مع ان الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري، و التمسك باطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما تري، و اشد ضعفا من

الكل ما قيل من ان المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه، انتقال كل من الثمن و الثمن حال العقد، فهذه المعاملة اما صحيحة كذلك كما عند المشهور، فثبت المطلوب، أو باطلة من اصلها أو انها صحيحة الا انها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه.

توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد، لكن الانشاء لما كان علة لتحقق المنشأ عند تحققه، كان الداعي علي الانشاء حصول المنشأ عنده، لكن العلية انما هي عند العرف، فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا الي تحقق شرائط اخر بعده، كالقبض في السلم و الصرف و انقضاء الخيار في محل الكلام. فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان، لكنه عرفا علة تامة لمضمونه، و امضاء الشارع له تابع لمقتضي الادلة، فليس في تأخير الامضاء تخلف اثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد، و إنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين و لا ضرر فيه.

______________________________

و ان الاستدلال به انما يكون بتصحيح الامام (عليه السلام) البيع الثاني بحصول الملك و ظاهره حصوله بالاشتراء في المعاملة الاولي لا بالتعريض للبيع الثاني، و ليس الاستدلال بصحة البيع الثاني، حتي يقال انه جائز عند من يقول بعدم الملك إذا لتعريض مسقط للخيار.

(1) و ما في المتن من انه علي فرض الدلالة يدفع النقل لا الكشف يرد عليه: ان ظاهره التملك بالاشتراء لا بالاشتراء المتعقب بالبيع فتدبر فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 423

و قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الاجازة كاشفة أو ناقلة. و قد يستدل ايضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوي للخاصة و العامة علي جهة الاستناد إليه و هو ان الخراج بالضمان (1) بناء

علي ان المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري، فخراجه له و هي علامة ملكه.

و فيه انه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك علي انقضاء الخيار القول بكون ضمانه علي المشتري حتي يكون نماؤه له.

و قد ظهر بما ذكرنا ان العمدة في قول المشهور عموم ادلة حل البيع و التجارة عن تراض، و اخبار الخيار.

______________________________

(1) سادسها: النبوي «1» المشهور- الخراج بالضمان و تقريب الاستدلال به ان المبيع في زمان، الخيار المشترك، أو المختص بالبائع، في ضمان المشتري، فخراجه له، و بقاعدة التلازم بين، ملك المنفعة، و ملك العين يثبت حصول الملك بنفس العقد و فيه بعد تسليم قوة سنده لعمل قدماء اصحابنا به مع انه محل نظر،

قد مر في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد، ان فيه احتمالات،

اظهرها كون المراد بالضمان المعني المصدري مع امضاء الشارع له، و انه يختص الخبر بالعقود المعاوضية الصحيحة، و يدل علي انها توجب ملك المنافع، كما توجب ملك العين،

و عليه فلا يتم هذا الاستدلال نعم- يمكن تقريب الاستدلال بطريق آخر، و هو ان النبوي ظاهر في ان المعاوضة الصحيحة توجب ملك المنفعة بلا توقف علي شي ء آخر، و من ملك المنفعة يستكشف ملك العين سابعها السيرة العقلائية فانها جارية علي ترتيب آثار الملك علي الشي ء المشتري من دون انتظار لانقضاء زمان الخيار فتحصل ان العمومات و الروايات الخاصة و السيرة تدل علي حصول الملك قبل انقضاء الخيار.

______________________________

(1) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان- و صحيح الترمذي ج 5 ص 285 و سنن ابي دواد ج 2 ص 255.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 424

و استدل للقول الآخر، بما دل علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان

الخيار، (1) فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك، لأنه مقابل الخراج علي كونه في ملك البائع، مثل صحيحة ابن سنان عن الرجل يشتري العبد و الدابة بشرط الي يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، علي من ضمان ذلك، فقال علي البائع، حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام، و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط، قال و ان كان بينهما شرط اياما معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من مال البائع.

و رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل اشتري امة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده، و قد قطع الثمن، علي من يكون ضمان ذلك؟ قال: ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه. و مرسلة ابن رباط ان حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع. و النبوي المروي في قرب الاسناد في العبد المشتري بشرط فيموت، قال: يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان،

______________________________

اما المقام الثاني: فقد استدل لعدم حصوله الا بعد انقضاء الخيار بوجوه احدها: ان الغرض من الملك، و غايته التصرف الممتنع في زمان الخيار و فيه اولا: انه يجوز كما تقدم و ثانيا: انه لو سلم عدم الجواز فهو في التصرف المتلف و الناقل لا كل تصرف و ثالثا: انه لا ملازمة بين امتناع التصرف و عدم حصول الملك.

(1) ثانيها: النصوص الدالة علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار كصحيح «1» ابن سنان، و خبر عبد الرحمن «2» و مرسل ابن رباط، «3» و النبوي «4» المذكورة في المتن و تقريب الاستدلال بها من

وجهين الاول ان قوله حتي ينقضي الشرط و يصير المبيع له ظاهر في توقف الملك علي انقضاء الخيار و أما قبله فلا يصير للمشتري و فيه: انه بعد دلالة الادلة المتقدمة الصريح بعضها كقوله

______________________________

(1) اورد صدره في الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2 و ذيله في باب 8- منها حديث 2.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 425

و هذه الاخبار انما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري (1) مع اختصاص الخيار.

و قد عرفت ان ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار، و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع و علي اي حال، فهذه الاخبار اما ان تجعل مخصصة لأدلة المشهور، بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان، أو لقاعدة التلازم بضميمة ادلة المسألة، (2) فيرجع بعد التكافؤ الي اصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار. و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات اعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالاجماع المحكي عن السرائر،

______________________________

ليس متاعك علي حصول الملك بالعقد، يتعين صرف ذلك عن ظهوره، و حمله علي الملك المستقر، و انه لا يكون مستقرا عليه الا بعد انقضاء الخيار الثاني ان يضم الي هذه النصوص، ما دل علي ان المنافع تابعة للضمان، أو ملازمة معه كالنبوي المتقدم آنفا الخراج بالضمان، فانه يستنتج منهما ان الضمان علي البائع و المنافع له و بدليل تبعية ملك المنافع لملك العين يستكشف ان المبيع في زمان الخيار للبائع و فيه: انه لا دليل علي التلازم بين الضمان و ملكية المنافع، و النبوي قد

عرفت ان مفاده ان منافع المغصوب لمالكه، مع ان الغاصب ضامن له،

مع- ان الشيخ و من تبعه غير ملتزمين بذلك في الخيار المختص بالمشتري فانهم بانون علي حصول الملك بالعقد.

(1) قوله انما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مراده ان هذه الاخبار، انما تجدي من ينكر تملك المشتري، مع اختصاص الخيار:

لورودها في الخيار المختص به، و لا تجدي لمثل شيخ الطائفة و ابن سعيد القائلين، بملك المشتري مع اختصاص الخيار به، فكلمة (في مقابل) زائدة.

و قد اجاب المصنف (رحمه الله) عن هذا الاستدلال بجواب آخر.

(2) حاصله ان في المقام طوائف من الادلة احداها: ادلة المشهور الدالة علي حصول الملك بالعقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 426

اطلاق ما تقدم عبارتي المبسوط و الخلاف، من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد، كما إذا شرط الخيار من الغد كما ان مقتضي تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط و الحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضا. فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس ليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها. و مما يدل علي الاختصاص ان ما ذكر من الادلة مختصة بالخيارين و ان الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار الزماني. و أما خيار المجلس، فالطاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة، و لقوله في الاستبصار ان العقد سبب لاستباحة الملك الا انه مشروط، بان يتفرقا بالابدان، و لا يفسخا العقد، و لنص الشيخ في الخلاف و المبسوط علي ان التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به، و مراده من اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا

يخفي، مع ان ظاهر عبارة الدروس المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف ان كل خيار يمنع من التصرف في المبيع، فهو داخل فيما يتوقف الملك علي انقضائه، و كذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع، و قد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط ان خيار المجلس مانع عن التصرف في احد العوضين.

______________________________

ثانيتها: دليل التلازم بين الضمان و الملك ثالثتها- النصوص المشار إليها الدالة علي ضمان البائع للمبيع في زمان الخيار و هذه الطوائف متعارضة و الجمع بينها انما يكون باحد نحوين اما بجعل النصوص المتضمنة لان المبيع من مال البائع في زمان الخيار مخصصة لأدلة المشهور فيكون مفادها حينئذ ان الملك يحصل بالعقد الا إذا كان خياريا:

و أما بجعل تلك النصوص مخصصة لقاعدة التلازم بمعني ان المبيع يملك بالعقد و ان كان خياريا الا ان ضمان هذا المبيع علي البائع الذي هو غير مالك- و انما لم يحتمل التصرف في النصوص المشار إليها لصراحتها، فيدور الامر بين رفع اليد عن اصالة العموم في احدي تينك الطائفتين، و الترجيح مع ادلة المشهور لوجوه اعظمها الشهرة و فيه: انه لو علم بتخصيص احد العامين من وجه مقتضي القاعدة سقوطهما عن الحجية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 427

و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و اخوته عن محل الكلام، فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها. فلا بد ان يقول الشيخ باللزوم و الملك بعد الظهور و تنجز الخيار، و هذا غير لائق بالشيخ، فثبت ان دخولها في محل الكلام مستلزم. اما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار. و أما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله و كلاهما غير لائق بالالتزام، مع

ان كلام العلامة في المختلف كالصريح في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب، لأنه ذكر في الاستدلال ان المقتضي للملك موجود، و الخيار لا يصلح للمنع، كما في بيع المعيب. و ذكرنا ايضا انه لا منافاة بين الملك و الخيار، كما في المعيب. و قد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط ايضا بانه اشتري شيئا فحصل منه نماء ثمّ و جدبه عيبا رده دون نمائه محتجا بالإجماع، و بالنبوي الخراج بالضمان و سيجي ء تتمة ذلك إن شاء الله تعالي.

______________________________

و الشهرة ليست مرجعة للدلالة و انما هي مرجعة للسند،

مع: ان المراد بالتلازم بين الضمان و الملك ان كان هو التلازم بين الضمان و ملك المنافع و بتبعه ملك العين، فيرد عليه ما تقدم من عدم التلازم،

و ان كان هو التلازم بين الضمان بمعني الخسارة و كون تلف الشي ء خسارة منه لا عليه و الملك فهو، و ان كان عقليا، الا ان الجمع بين الادلة انما يكون بالالتزام بالملك من حين العقد و الانفساخ قبل التلف آنا ما.

ثالثها صحيح الحلبي «1» عن الامام الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري شاة فامسكها ثلاثة ايام ثمّ ردها فقال (ع) ان كان في تلك الثلاثة الايام يشرب لبنها رد معها ثلاثة امداد و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء- بتقريب- انه لو كان مالكا كانت المنافع له و لم يكن وجه لرد ثلاثة امداد و فيه ما مر من عدم عمل الاصحاب به فانه متضمن للرد بعد ثلاثة ايام و لا خيار بعدها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 13- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 428

مسألة و من احكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار (1)
اشارة

في الجملة علي المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد.

______________________________

المبيع في ضمان من

ليس له الخيار

(1) قوله و من احكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار لا يخفي ان موضوع هذه المسألة، ما لو تلف المبيع، أو الثمن في يد مالكه الفعلي مع كون الخيار له، كما لو كان الخيار للمشتري و تلف المبيع في يده اما لو تلف المال تحت يد مالكه و كان الخيار لطرفه كما لو كان الخيار للبائع و تلف المبيع في يد المشتري أو كان الخيار للمشتري و تلف الثمن في يد البائع فكون الضمان علي من لا خيار له مطابق للقاعدة و كيف كان فهذا الحكم في الجملة مما لا كلام فيه و لا إشكال،

و يشهد به النصوص الخاصة لاحظ صحيح ابن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو يحدث فيه حدث، علي من ضمان ذلك؟ فقال (عليه السلام): علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري «1».

و عن التهذيب روايته مثله الا انه قال: و يصير المبيع للمشتري شرط البائع أو لم يشترط «2».

و النبوي الخاصي الآتي،

و مرسل ابن رباط عن ابي عبد الله (عليه السلام): ان حدث بالحيوان قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع «3».

و خبر البصري عنه (عليه السلام) فيمن اشتري امة بشرط فماتت عنده: ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه «4».

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 429

______________________________

و قد وردت روايات دالة علي ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط ايضا، لاحظ رواية اسحاق بن عمار، و خبر معاوية بن ميسرة، فثبوت ذلك فيهما في الجملة مما لا

كلام فيه، و هذا الحكم هو الذي طفحت عبارات القوم به. قالوا: ان تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له، و من مال البائع و هذه قاعدة مسلمة عند القوم مصطادة من النصوص الواردة في خياري الحيوان و الشرط.

و عليه فلا يصغي الي ما قيل، من ان مقتضي استصحاب عدم انفساخ العقد و اصالة البراءة عن وجوب دفع الثمن.

و خبر عقبة بن خالد عن الامام الصادق (عليه السلام) عن رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده … فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال (عليه السلام): من مال صاحب المتاع- الي ان قال- فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد «1».

و عموم ما دل علي وجوب الوفاء بالعقد «2» عدم كون التلف من مال البائع،

إذ الأولان محكومان للنصوص، و الأخيران يقيد اطلاقهما بها.

و قد استدل لضمان من ليس له الخيار مطلقا:

باستصحاب الضمان الثابت قبل القبض و فيه اولا: انه اخص من المدعي إذ ربما يكون المبيع من اول العقد في يد المشتري فلا ضمان علي البائع حتي يستصحب- و لا يمكن اثبات الحكم فيه بعد جريان الاستصحاب فيما لم يكن مقبوضا في اول العقد بضميمة عدم القول بالفصل فان ذلك انما يكون بين الحكمين الواقعيين و ثانيا: ان المراد بالضمان اما ان يكون ضمان الغرامة، أو ضمان المعاوضة

______________________________

(1) المائدة آية 2.

(2) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 430

و توضيح هذه المسألة ان الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا اشكال و لا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع. و يدل عليه ما تقدم في المسألة السابقة من الاخبار، و

كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك لقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن سنان و ان كان بينهما شرط اياما معدودة، فهلك في يد المشتري، فهو من مال بائعه، (1) و لو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع، فظاهر قوله (عليه السلام) حتي ينقضي شرطه، و يصير المبيع للمشتري، كذلك (2) بناء علي ان المناط انقضاء الشرط الذي تقدم انه يطلق علي خيار المجلس في الاخبار، بل ظاهره ان المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري و اختصاصه به بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه، و ان هذا المناط ينظر تعليل

______________________________

لا سبيل الي اجراء الاستصحاب علي التقديرين اما علي التقدير الاول فلان الثابت قبل القبض كما سيأتي ضمان المعاوضة دون ضمان الغرامة- و أما علي الثاني- فلان ضمان الغرامة و ان كان من الاحكام الوضعية الاعتبارية، الا ان ضمان المعاوضة و هو انفساخ العقد لا يكون الا حكما شرعيا بانه لو تلف ينفسخ العقد- و حيث انه لم يتلف فالمعلوم السابق ليس الا هذا الامر التعليقي- و قد حقق في محله انه لا يجري الاستصحاب التعليقي و ثالثا: ان العمومات مقدمة علي الاستصحاب فالحق ان مقتضي الاصل الاولي عدم الضمان إذا عرفت هذا فاعلم ان مورد الكلام مواضع.

يختص هذا الحكم بخياري الحيوان و الشرط

(1) الاول: ان هذا الحكم هل يختص بخياري الحيوان و الشرط كما عن الجواهر.

(2) ام يعم خيار المجلس لو كان للمشتري فقط كما لو اسقطه البائع كما مال إليه المصنف، ام يكون ثابتا في جميع الخيارات كما هو المنسوب الي المشهور؟ وجوه:

وجه الأول: اختصاص النصوص من حيث المورد بهما خصوصا بملاحظة ذكر المدة في جميع الروايات، الا النبوي: في

رجل اشتري عبدا بشرط ثلاثة ايام فمات العبد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 431

هذا الحكم في السرائر حيث قال: فكل من كان له خيار، فالمتاع يهلك من مال: من ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد، و الذي له الخيار ما استقر عليه العقد و لزم،

فإن كان الخيار للبائع دون المشتري، و كان المتاع قد قبضه المشتري و هلك في يده،

كان هلاكه من مال المشتري دون البائع، لأن العقد مستقر عليه و لازم من جهته.

و من هنا يعلم انه يمكن بناء علي فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار،

فتثبت القاعدة المعروفة من ان التلف في ضمان الخيار ممن لا خيار له من غير فرق بين اقسام الخيار (1)

______________________________

في الشرط قال (صلي الله عليه و آله): يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان، المروي في قرب الاسناد «1».

و استدل للثاني: بان الشرط الذي جعل انقضائه غاية لضمان من لا خيار له اطلق في النصوص علي خيار المجلس.

و فيه: ان المراد بالشرط في نصوص الباب هو ما ذكر فيها سابقا سؤالا و جوابا، و هو الخيار الذي يشترطه المتبايعان.

و استدل للثالث: بوجهين:

احدهما: صدق الشرط علي مطلق الخيار.

و فيه: ما تقدم آنفا.

(1) ثانيهما: استفادة المناط الذي يعم جميع الخيارات من قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية:

حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري. «2» فانه يستفاد منه- بعد حمل يصير المبيع له علي صيرورته ملكا لازما للفراغ عن كونه ملكا له قبل انقضاء الخيار ان المناط في الضمان عدم استقرار الملك لكون مالكه ذا خيار يقدر ان يسلب الملكية عن نفسه، و ان في مثل ذلك يكون تلف ماله علي غيره، و عليه فلا

فرق بين الخيارات لأن هذا المناط موجود في جميعها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 432

و لا بين الثمن و الثمن، كما يظهر من كلمات غير واحد من الاصحاب بل نسبه جماعة الي اطلاق الاصحاب، قال في الدروس في احكام القبض: و بالقبض ينتقل الضمان الي القابض إذا لم يكن له خيار، انتهي. فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض، و نحوه كلامه (قدس سره) في اللمعة و في جامع المقاصد في شرح قول المصنف: و لو ماتت الشاة المصراة أو الامة المدلسة فلا شي ء له، و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال: و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر، لأن العلم إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك الا ان يقال انه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره، و لم اظفر في كلام المصنف و غيره بشي ء في ذلك، انتهي. و قال في شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين، مقتضي إطلاق كلامهم، أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري، انفسخ المبيع لاختصاص الخيار بالمشتري، ثمّ تردد فيه و في خيار الرؤية. و في المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم، و ان الحادث في ايام خيار الحيوان مضمون علي البائع، قال: و كذا كل خيار مختص بالمشتري.

و عن مجمع البرهان في مسألة ان تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا الي عموم قاعدة تلف المال قبل القبض، ان هذه القاعدة معارضة بقاعدة اخري، و هي ان تلف المال في الخيار

المختص بالبائع من مال المشتري، فإن الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الاصحاب، و صرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة، و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا بعمومها من جهات اخري، و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين اقسام الخيار، و لابين الثمن و المثمن، و لابين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشتري. و لذا نفي في الرياض الخلاف في ان التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له.

و في مفتاح الكرامة ان قولهم: التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، قاعدة لا خلاف فيها، ثمّ ذكر فيه تبعا للرياض: ان الحكم في بعض افراد المسألة مطابق للقاعدة.

لكن الانصاف انه لم يعلم من حال احد من معتبري الاصحاب الجزم بهذا التعميم، فضلا عن اتفاقهم عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 433

فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني، و هو الخيار الذي ذهب جماعة الي توقف الملك علي انقضائه لا مطلق الخيار، ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها، أ لا تري انهم اتفقوا علي انه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا علي البائع، و لو كان الموت بعد العلم بالعيب، أ لا تري ان المحقق الثاني ذكر ان الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري، كان من ضمان البائع. و أما ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله: و لو تعيبت قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال،

حيث اعترف بأنه لم يظفر فيه علي شي ء، مع انه ذكر في شرح قول المصنف في باب العيوب و كل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض، و قبل انقضاء الخيار، فإنه لا يمنع الرد في

الثلاثة نفي ذلك الاحتمال علي وجه الجزم، حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان، و كذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرط له، و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا علي القول بالفورية لا خيار العيب، لأن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا، انتهي.

و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن، فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه، الا ما اشرنا إليه من ان مناط خروج المبيع عن ضمان البائع، علي ما يستفاد من قوله (عليه السلام) حتي ينقضي شرطه، و يصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الاخبار، و صيرورة المبيع مختصا بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه، فيدل علي ان كل من له شرط، و ليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه، فهو غير ضامن له حتي ينقضي شرطه، و يصير مختصا به لازما عليه، و في الاعتماد علي هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد، مع انه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه، لان ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما علي المشتري ثابتا من اول الامر، كما يظهر من لفظة- حتي- الظاهرة في الابتداء. و هذا المعني مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو كان منفصلا، بناء علي ان البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط.

و لذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه.

و أما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشتري و تبعض الصفقة، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 434

و

الحاصل ان ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض الي ان يصير المبيع لازما علي المشتري، و هذا مختص بالبيع المتزلزل من اول الامر، (1) فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض، ثمّ يرجع بعد عروض التزلزل الي ضمان البائع، فاتضح بذلك ان الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة علي تأمل في خيار المجلس، ثمّ ان مورد هذه القاعدة انما هو ما بعد القبض.

و أما قبل القبض فلا اشكال و لا خلاف في كونه من البائع من غير التفات الي الخيار فلا يشمل هذه القاعدة خيار التأخير. و أما عموم الحكم للثمن و المثمن، (2) بأن يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد

______________________________

و فيه: ان كلمة حتي قلما يتفق استعمالها في العلية، و معناها غالبا هي الغاية، و هي ظاهرة فيها في الخبر، فلا يستفاد العموم من الخبر.

و بعبارة اخري: لا سبيل الي احراز ان ما ذكر هو تمام العلة بحيث يتعدي عن مورد النصوص الي غيره.

و أما ما اورده المصنف (رحمه الله) عليه بعد الاعتراف بانه المناط: بان الظاهر منه بقرينة حتي الظاهرة في الاستمرار من حال العقد الي حين انقضاء الخيار الاختصاص.

(1) بما إذا كان التزلزل من اول الامر و هذا مختص بالخيارات الثلاثة إذ في الخيارات الاخر غير الثلاثة يحدث التزلزل بعد ان كان العقد لازما.

فيرده: انه في خياري الغبن و العيب يحدث التزلزل من حين العقد لا من بعد الظهور،

مع ان كلمة حتي و ان كانت ظاهرة في الاستمرار الا ان كون المبدأ من حين العقد أو غيره،

فلا دلالة للفظة حتي عليه جزما.

اختصاص هذا الحكم بالمبيع الشخصي

(2) الثاني: هل تختص هذه القاعدة

بالمبيع ام تعم الثمن؟ وجهان:

وجه الأول: اختصاص الاخبار بالمبيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 435

نظرا الي المناط الذي استفدناه، (1) و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة،

مضافا إلي استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض، (2) و توهم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض و بعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة،

لأن المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله.

نعم هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ، و حيث ثبت المخالفة قبل القبض، فالاصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار.

نعم يبقي هنا ان هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري فينفسخ البيع، و يرد المبيع الي البائع، و التزام عدم الجريان من حيث ان الخيار في ذلك البيع، انما يحدث بعد رد الثمن أو مثله، فتلف الثمن في مدة الخيار انما يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما اشرنا إليه سابقا من منع ذلك، مع ان المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه الي ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق و لو بالخيار المنفصل كما اشرنا سابقا، فالاولي الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا، (3) بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع، و لو منفصلا عن العقد

______________________________

وجه الثاني: امران:

(1) احدهما: عموم المناط و ان الملاك تلف الملك المتزلزل و لو كان ثمنا و فيه: - مضافا الي ما تقدم من عدم كونه علة- انه لو سلم ذلك فالعلة هي صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري كما في الخبر لا

صيرورة البيع لازما، و الفرق واضح.

(2) ثانيهما: استصحاب ضمان المشتري الثابت قبل قبضه و قد تقدم عدم جريانه، فالأظهر هو الاختصاص.

(3) الثالث: ان القاعدة هل تختص بالمبيع الشخصي أو مع الثمن الشخصي ام تعم الكلي منهما بعد التطبيق علي الفرد.

وجه الأول: امران:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 436

و أما إذا كان الثمن كليا، فحاله حال المبيع إذا كان كليا، كما إذا اشتري طعاما كليا بشرط الخيار له الي مدة، فقبض فردا منه فتلف في يده. فإن الظاهر عدم ضمانه علي البائع، لأن مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له، علي ما فهمه غير واحد بقاؤه علي ما كان عليه قبل القبض، و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد، بل معني الضمان بالنسبة الي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض. و هذا مما لا يدل عليه الاخبار، (1) المتقدمة، فتأمل.

ثمّ ان ظاهر كلام الاصحاب، و صريح جماعة، منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين ان المراد بضمان من لا خيار له. لما انتقل الي غيره، هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه (2) و انفساخ العقد آنا ما قبل التلف

______________________________

احدهما ظهور النصوص بقرينة ما فيها من استناد التلف و الهلاكة و ما شابههما في الشخصي، فان الكلي إذا كان مبيعا أو ثمنا لا تلف له و لا هلاكة، و الفرد ليس مبيعا.

(1) ثانيهما: ان مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له بقائه علي ما كان عليه قبل القبض، و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد، بل معني الضمان بالنسبة الي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض، و هذا مما لا تدل عليه الاخبار.

و لكن يمكن ان يقال: ان

المبيع إذا كان كليا و طبق علي الفرد يصير البيع مستقرا عليه، فيكون هو المبيع بالحمل الشائع، و يكون للمبيع حينئذ التلف و الهلاكة، و معني ضمانه حينئذ انفساخ المعاملة لا صيرورة الكلي كغير المقبوض بحيث يعود الثمن كليا، فان عوده كذلك بعد التشخص كما تري، فالأظهر هو التعميم.

المستفاد من النصوص كون هذا الضمان ضمان المعاوضة

(2) الرابع: ان الضمان المستفاد من هذه النصوص هل هو ضمان المعاوضة و انفساخ العقد قبل التلف آنا ما كما هو المشهور، ام هو ضمان الغرامة و الرجوع علي البائع بقيمته

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 437

و هو الظاهر ايضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس، و بالقبض ينتقل الضمان الي القابض ما لم يكن له خيار حيث ان مفهومه انه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه به بل يبقي علي ناقله الثابت قبل القبض.

______________________________

و بدله علي تقدير عدم الفسخ كما عن الشهيدين و العلامة؟ قولان.

و أما سائر الوجوه المحتملة في المتن و غيرها فلم نجد قائلا بشي ء منها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في مقامين:

الأول: فيما يستفاد من ظواهر النصوص.

الثاني: في الحكم بلحاظ القواعد الخارجية الشرعية.

اما الأول: فظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع. «1» هو الانفساخ، إذ كلمة من اما نشوية أو تبعيضية أو للابتداء، و علي جميع التقادير ظاهرة في ذلك.

اما علي الأول: فلأن نشوء الهلاكة من مال البائع و عروضها عليه عبارة اخري عن صيرورته ملكا له قبلها، و حيث انه لا يصير ملكا له مجانا بل بالعوض، فيعود الثمن ايضا الي المشتري.

و أما علي الثاني: فلأن ظاهره حينئذ كون المبيع الهالك مال البائع، و حيث

لا يعقل ذلك فيقدر ملكه له قبل التلف آنا ما.

و أما علي الثالث: فلأن الضمير حينئذ و ان كان يرجع الي المبدأ المستفاد من قوله فهلك نظير (اعدلوا هو اقرب للتقوي) الا ان ظاهر كون هلاكة المبيع من مال البائع كونه ملكا له قبل التلف، إذ فرق بين كون التلف من البائع و كونه علي البائع، و ظاهر الأول ما ذكرناه.

و قد استدل للقول الثاني: بقوله علي البائع في جواب السائل علي من ضمان ذلك،

بدعوي ظهور ضمان المال التالف في الغرامة و الخسارة لمال الغير، فان الانسان لا يكون

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 438

و قد عرفت ان معني الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه في ملك ناقله، بل هو ظاهر القاعدة و هي ان التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له، فإن معني تلفه منه تلفه مملوكا له، مع ان ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة علي ضمان البائع للمبيع في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه، (1) و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج، (2) فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين.

______________________________

ضامنا لمال نفسه،

هذا مضافا الي التعبير بلفظ علي فان تلف مال كل احد منه خسارة منه لا عليه.

و بالجمع بين التلف و الحدث في جملة من النصوص مع انه لا انفساخ في الحدث- كما سيأتي- فالضمان المنسوب اليهما بمعني واحد و هو الغرامة.

و لكن يرد علي الأول: ان السؤال عن ضمان ما تلف في ملك المشتري بانه هل تكون خسارته علي البائع أو المشتري مما لا يتصور له

وجه معقول، إذ لا يتوهم عاقل كون المشتري غارما لما تلف في ملكه، فلا محالة يكون المسئول عنه اما ضمان المعاوضة أو الجامع، و علي التقديرين لا يعارض مع الظهور المتقدم.

و به يظهر الجواب عن التعدية بحرف الاستعلاء، و كذا عن الجمع بين التلف و الحدث.

و أما المقام الثاني: فالقول بالانفساخ مخالف لقاعدة اصالة بقاء العقد المستفادة من.

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و غيره.

و أما القول بالغرامة فهو مخالف لأصالة البراءة عن وجوب تدارك التالف في ملك صاحبه، فكل منهما مخالف لقاعدة لا أولوية لأحد القولين من الآخر من هذه الجهة.

و قد يقال كما في المتن: بان القول بالغرامة مخالف لقاعدتين:

(1) احداهما: ما اشرنا إليه.

(2) ثانيتهما: قاعدة الخراج بالضمان الدالة علي ان المنافع لمن يكون ضامنا للمال فانه علي هذا البائع ضامن له و المنافع للمشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 439

و الحاصل ان ارادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها، و مع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم، بل يدل علي عدم الانفساخ، (1) قال (قدس سره) لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار و بعده لا يبطل الخيار و ان كان التلف من البائع، كما إذا اختص الخيار بالمشتري، فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، و لو فسخ المشتري رجع بالثمن، و غرم البدل في صورة ضمانه، و لو اوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل، و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر، انتهي.

و العبارة محتاجة الي التأمل من وجوه، (2) و قد يظهر ذلك من اطلاق عبارة التذكرة،

______________________________

و يرد

عليه: ان قاعدة الخراج بالضمان بهذا المعني لا أساس لها، و قد تقدم الكلام فيها في المقبوض بالعقد بالفاسد، و سيأتي في مسألة التلف قبل القبض، و المخالفة للقاعدة الاولي و ان لزمت الا ان القول بالانفساخ ايضا مخالف لقاعدة اخري كما عرفت.

و قد يقال: بان القول بالانفساخ مخالف لقواعد اربع، و سيأتي في مسألة التلف قبل القبض توجيهه و ما يرد عليه فانتظر،

كما سيأتي في تلك المسألة ان الانفساخ انما يكون من حين العقد و يكون حقيقيا لا حكميا، و جميع ما نذكره في تلك المسألة جار هنا.

(1) قوله فظاهر عبارة الدروس … يوهم بل يدل علي عدم الانفساخ صدر العبارة و هو قوله و بعده لا يبطل صريح في عدم الانفساخ و لكن ذيلها و هو قوله و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر دال علي انه متأمل في الحكم بالانفساخ و لهذه العبارة لا يجوز نسبة البطلان الي الشهيد.

(2) قوله و العبارة محتاجة الي التأمل من وجوه الأول: من الوجوه قوله و بعده لا يبطل الخيار، فان ظاهره ان القبض يرفع الضمان المعاوضي: فانه ينافي ما افاده في موضع آخر، و بالقبض ينتقل الضمان، الا ان يكون خيار إذ ظاهره: ان الضمان المعاوضي باق بعد القبض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 440

قال: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا، و ان كان بعده لم يبطل خيار المشتري و لا البائع، و يجب القيمة علي ما تقدم. ثمّ حكي عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض و عدمه، بناء علي الملك بالعقد، و يمكن حمله علي الخيار المشترك، كما ان قوله في القواعد

لا يسقط الخيار بتلف العين محمول علي غير صورة ضمان البائع للمبيع، لما عرفت من تعين الانفساخ فيها، و ربما يحتمل ان معني قولهم ان التلف ممن لا خيار له، ان عليه ذلك إذا فسخ صاحبه لا انه ينفسخ كما في التلف قبل القبض. و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل انه يتخير بين الرجوع علي البائع بالمثل أو القيمة، و بين الرجوع بالثمن و يحتمل تعين الرجوع بالثمن. و يحتمل ان لا يرجع بشي ء فيكون معني له الخيار ان له الفسخ، (1)

______________________________

الثاني: قوله فلو فسخ الخ: إذ لو فسخ البائع ذو الخيار، لا وجه لضمانه كي يقيد الرجوع بالبدل، بصورة عدم ضمانه: لان ضمانه لا يكون الا مع اختصاص الخيار بالمشتري الثالث:: قوله و لو فسخ المشتري الخ: إذ مع فرض كون الخيار للمشتري يكون الضمان علي البائع، لقاعدة كل مبيع تلف في زمان الخيار، فهو ممن لا خيار له و لا يتصور ضمان المشتري الا ان يقال ان نظر الشهيد الي صورة ثبوت الخيار المشترك،

و هناك مواضع اخر يظهر للمتأمل فيما قدمناه.

(1) قوله و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل انه يتخير بين الرجوع الي آخره لا وجه لهذه الاحتمالات، الا الأخير منها بعد حمل القاعدة علي صورة الفسخ: فان عدم الضمان، قد مر أنه علي وفق القاعدة و انما المخرج هو القاعدة فإذا اختصت بصورة الفسخ تبقي صورة الامضاء باقية تحت ما تقتضيه القواعد الاولية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 441

ثمّ الظاهر ان حكم تلف البعض حكم تلف الكل، (1) و كذا حكم تلف الوصف الراجع الي وصف الصحة بلا خلاف علي الظاهر، لقوله في الصحيحة السابقة أو يحدث فيه حدث، فإن المراد بالحدث اعم

من فوات الجزء و الوصف، (2)

هذا كله إذا تلف بآفة سماوية. و منها حكم الشارع عليه بالاتلاف. و أما إذا كان باتلاف ذي الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته، (3) و ان كان باتلاف غير ذي الخيار (4) لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين امضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن.

______________________________

(1) الخامس: انه لو كان التالف هو الجزء انفسخ العقد بالنسبة إليه و لو كان هو الوصف الراجع الي وصف الصحة، فهل تشمله القاعدة لقوله (عليه السلام) في الصحيح المتقدم أو يحدث فيه حدث.

(2) فان المراد بالحدث اعم من فوات الجزء و الوصف كما في المتن ام لا يشمله كما هو الظاهر من التبصرة قال: و العيب الحادث من غير تفريطه لا يمنع الرد بالسابق؟ وجهان، و علي فرض الشمول يشكل الأمر في معناه إذ لا يعقل الانفساخ بالاضافة إليه لفرض عدم مقابلته بالثمن، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في خيار العيب و ذكرنا ما افاده المصنف في المقام و نقده، فراجع

حكم اتلاف المبيع في زمان الخيار

السادس: إذا كان تلف المبيع بالاتلاف لا بآفة سماوية فهذه النصوص لا تشمله لانصرافها الي التلف السماوي.

و أما حكمه فملخص القول فيه: ان الاتلاف تارة: يكون ممن له الخيار، و اخري:

يكون ممن عليه الخيار، و ثالثة: يكون من الأجنبي.

(3) فان كان الاتلاف من ذي الخيار فقد حكم المصنف (رحمه الله) بكونه مسقطا لخياره و هو كذلك في خيار الحيوان و في خيار الشرط لو قصد به الاجازة و الامضاء،

و الا فالأظهر بقائه، و قد مر وجهه.

(4) و ان كان الاتلاف ممن عليه الخيار، فان اجاز من له الخيار العقد و لم يفسخه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

442

______________________________

غرم المتلف للمشتري ما اتلفه و لو فسخ يأخذ الثمن، و لا يخفي وجهه،

و لو كان الاتلاف من الأجنبي لا تنفسخ المعاملة و لا يسقط الخيار، فلو امضاها لا كلام، و ان فسخ رجع المشتري الي البائع فيأخذ ثمنه، و بالنسبة الي البائع وجوه:

احدها: انه يرجع بالقيمة الي المتلف.

ثانيها: انه يرجع الي صاحبه.

ثالثها: انه يتخير بينهما.

استدل للأول بوجهين:

الأول: ان البدل في ذمة المتلف قائم مقام العين، فيسترده بالفسخ بعد عدم امكان استرداد العين.

و فيه: ان ما في ذمة المتلف قبل الفسخ انما هو الحصة الخاصة من الكلي المتقومة بطرفيها من ذمة المتلف لمالكه حين التلف، فان اشتغلت ذمته لغيره فهو غير ما كان.

الثاني: ما حاصله: ان العين التالفة ملك للمالك السابق بعد الفسخ، و هي في عهدة المتلف، فتكون كما لو كانت موجودة عنده، فلا بد من الرجوع إليه.

و اورد عليه: بان الفسخ و ان اوجب اعتبار كون العين ملكا للناقل الا انها موصوفة باشتغال ذمة متلفها ببدلها، و تلفها بهذا الوصف يكون علي المالك المنقولة إليه لا علي المتلف، فيتعين ان يكون الضامن للفاسخ هو المفسوخ عليه.

و المصنف (رحمه الله) قد ذكر في وجه الثاني ما يكون دليلا له، و مع ذلك هو ايراد علي الوجهين اللذين ذكرهما للوجه الأول، و سيأتي عند شرح كلماته بيان ذلك، و ستعرف ان مراده الإيرادان المتقدمان فانتظر.

و الأظهر هو التخيير، فان العين بالتلف تثبت في عهدة المتلف، و مقتضي الفسخ رجوع العين الي الفاسخ، و حيث انها في عهدة الأجنبي فيرجع إليه، و لكن لا يتعين ذلك،

بل له ان يرجع الي المفسوخ عليه، لأن المال كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص:

443

و ان كان باتلاف اجنبي (1) تخير ايضا بين الامضاء و الفسخ، و هل يرجع حينئذ بالقيمة الي المتلف، أو الي صاحبه، أو يتخير وجوه، من ان البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف، فيسترده بالفسخ و لأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ، أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء علي الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ، و علي التقديرين فهي في ضمان المتلف، كما لو كانت العين في يد الاجنبي، و من انه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار في ذمته، لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية، و ما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك و كونه بدلا عن العين انما هو بالنسبة الي التلف من حيث وجوب دفعه الي المالك (2) كالعين لو وجدت، لا انه بدل خارج يترتب عليه جميع احكام العين حتي بالنسبة الي غير التلف. فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري، ففسخ البائع، فإنه لا يتعين للدفع الي الفاسخ. و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها، (3) مضمونة، لمالكها علي متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ، فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا علي المالك لا المتلف، و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقيمة بعده، و اتلاف الاجنبي ايضا سبب للضمان، فيتخير في الرجوع. و هذا اضعف الوجوه. (4)

______________________________

(1) قوله و ان كان باتلاف اجنبي عبارته في ذيل هذا العنوان لا تنطبق علي ما هو ما لو كان الخيار للمشتري و اتلف المبيع اجنبي إذ الفاسخ هو المشتري و المفسوخ عليه و

هو البائع و التالف هو المبيع و للمشتري الرجوع الي البائع بالثمن فقط كما تقدم نعم- يتم ما افاده من الوجوه- مع تبديل الفاسخ بالمفسوخ عليه في الموردين و المفسوخ عليه بالفاسخ في مورد واحد فلاحظ و تدبر.

(2) قوله و كونه بدلا انما هو بالنسبة الي التلف من حيث وجوب دفعه هذا اشارة الي ما ذكرناه من الجواب عن الوجه الاول للرجوع الي المتلف.

(3) قوله و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها هذا اشارة الي ما ذكرناه من الجواب عن الوجه الثاني له.

(4) قوله و هذا اضعف الوجوه قد عرفت انه الاقوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 444

مسألة و من احكام الخيار ما ذكره في التذكرة، فقال: يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن، في زمان الخيار،

و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده و له استرداد المدفوع قضية للخيار. (1)

و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهي. و يظهر منه ان الخلاف بين المسلمين انما هو بعد اختيار احدهما التسليم. و أما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار اجماعا، (2)

ثمّ انه ان اريد عدم وجوب التسليم علي ذي الخيار من جهة ان له الفسخ، فلا يتعين عليه التسليم، فمرجعه الي وجوب احد الامرين عليه. و الظاهر انه غير مراد و ان اريد عدم تسلط المالك علي ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار، فلذا يجوز منعه عن ماله، ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس علي اموالهم. (3)

و بالجملة فلم اجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه.

______________________________

حكم تسليم العوضين في زمان الخيار

(1) المشهور بين الاصحاب انه لا يجب

علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار حتي لو سلم احدهما لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه،

(2) و المصنف بعد استظهاره نقل الاجماع علي هذا الحكم استشكل فيه: بانه، ان كان المراد عدم تعين التسليم بل هو مخير بينه و بين الفسخ،

فمتين، الا انه غير مراد،

و ان اريد انه مع بقاء العقد لا يجب التسليم،

(3) فغير تام إذ لا مخصص لعموم سلطنة الناس علي اموالهم، الدال علي وجوبه و اورد عليه المحقق النائيني (رحمه الله) بان العقد لو كان خياريا فهو بجميع مداليله المطابقية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 445

مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين، (1)

و هذا الكلام ليس علي اطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد، فإن من جملة افراد الخيار خيار التأخير بل مطلق الخيار قبل القبض، أو الخيار المختص بعده. (2) و من المعلوم ان تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد، فلا يبقي خيار، فيكون المراد التلف مع بقاء العقد علي حاله لا يوجب سقوط الخيار. و بعبارة اخري تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره و لا خيار صاحبه، و هو كذلك لأن الخيار، كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد. و معلوم ان العقد بعد التلف قابل للفسخ، و لذا يشرع الاقالة حينئذ اتفاقا، فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيد له بصورة البقاء.

______________________________

و الالتزامية تحت يد ذي الخيار فلا يجب عليه التسليم كما لا يجب عليه الوفاء باصل العقد و فيه: اولا انه، لو تم لاختص، بالخيار المجعول للمتبايعين، و أما في الخيار المجعول الشرعي، فلا يجري فانه ليس هناك التزام

بكون العقد بجميع مداليله تحت يد ذي الخيار،

و غاية مدلول دليله كون رفع العقد و بقائه بيده، و لكن علي فرض البقاء، هل يجب التسليم ام لا فلا بد من الرجوع الي ما يقتضيه القاعدة، و هو الوجوب و ثانيا: انه لا يتم في الخيار المجعول للمتبايعين ايضا: فان وجوب التسليم اثر الملك،

لا اللزوم، و من يجعل الخيار لنفسه يجعل العقد متزلزلا، و لا نظر له الي شي ء آخر، كي يكون من قبيل شرط عدم تعين التسليم،

فالاظهر وجوبه علي تقدير بقاء العقد.

بقاء الخيار مع تلف العين

(1) قوله قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين تنقيح الكلام بالبحث في موارد.

الاول ان مرادهم بما ذكروه: ان التلف لا يكون ملزما للعقد و هذا علي اطلاقه صحيح،

(2) و لا يرد عليهم النقض بالخيار قبل القبض و في الخيار المختص بعده بدعوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 446

اللهم إلا ان يعلم من الخارج ان شرع الخيار لدفع ضرر الصبر علي نفس العين، فينتفي هذا الضرر بتلف العين. كما في العيب، فإن تخيره بين الرد و الارش لأن الصبر علي العيب ضرر و لو مع اخذ الارش، فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد،

فإذا تلف انتفي حكمة الخيار، أو يقال انه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف علي بقاء العين. هذا مع قيام الدليل علي سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف، (1) أو يظهر منهم العدم، كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال، بعد تلف

المتاع، بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم، نظرا الي ان الرد انما يتحقق مع بقاء العين. و فيه اشارة الي ما ذكرنا، من ان الثابت هو جواز الرد،

فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوي في المسالك و جامع المقاصد ثبوت الخيار لوجود المقتضي و عدم المانع، و كما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن، بتلف المغبون فيه.

______________________________

ان التلف يوجب انفساخ العقد و بتبعه يرتفع موضوع الخيار كما لا يرد النقض بخيار التأخير. فالكلام بما له من المراد علي اطلاقه.

(1) الثاني: انه لو شك في ان الخيار هل يرتفع بالتلف ام يكون باقيا و لم يدل الدليل علي احد الطرفين، فهل الاصل بقائه، ام لا،

ربما يقال بان مقتضي الاستصحاب بقائه و لكن الظاهر عدم جريان هذا الاصل و ذلك لوجوه،

احدها عدم جريان الاستصحاب في الاحكام،

ثانيها: ان بقاء الموضوع مشكوك فيه فان الموضوع يمكن ان يكون هو العقد، و هو باق و يمكن ان يكون هو العين و هي تالفة و مع الشك لا يجري الاستصحاب،

نعم لو احرز انه متعلق بالعقد و شك في بقائه من جهة اخري يجري الاستصحاب من هذه الجهة و لا محذور فيه من هذه الناحية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 447

و ظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار، مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم امكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف، و الاقوي بقاؤه، لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه، (1) مضافا الي اطلاق قوله (عليه السلام) و هم بالخيار إذا دخلوا السوق، مع انه لو استند الي الاجماع امكن التمسك بالاستصحاب، الا ان يدعي انعقاده علي التسلط علي الرد، فيختص

بصورة البقاء و الحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية، و من مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار علي وجه ارادتهما التسلط علي مجرد الرد،

المتوقف علي بقاء العين، فإن الفسخ و ان لم يتوقف علي بقاء العين، الا انه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكن من الرد، و الاسترداد. (2) و ان كان حكمة في خياري المجلس و الحيوان، الا ان الحكم اعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم

______________________________

ثالثها: ان المورد مورد للتمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لا باستصحاب حكم الخاص.

(1) الثالث: ان الخيار الثابت بحديث لا ضرر لو قلنا به، هل يكون باقيا بعد التلف ام لا ربما يقال بالثاني نظرا الي ان قاعدة نفي الضرر، انما تنفي اللزوم و تثبت الجواز، و المتيقن من الجواز الثابت بها حق رد العين، فإذا امتنع ردها لا دليل علي جواز فسخ العقد و فيه: ان حديث نفي الضرر ينفي اللزوم، فيثبت بديله و بديل لزوم العقد جوازه و تراد العوضين غير مربوط بحديث نفي الضرر- فالحق هو الاول:

(2) الرابع إذا كان الخيار ثابتا بعنوان الرد و الاسترداد فهل يرتفع بالتلف ربما يقال بذلك لعدم امكان الرد معه و لكن يرد عليه انه يمكن ان يكون المراد هو الرد و الاسترداد في الملك لا خارجا و هذا لا يتوقف علي بقاء العين بل الظاهر منه ذلك.

الخامس: الخيار الذي، يجعله المتعاقدان، ان علم مقصودهما، فلا كلام، و ان قصد الخيار بما له من المعني كان باقيا بعد التلف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 448

بخلاف ما إذا كان اطلاق جعل المتعاقدين مقيدا علي وجه التصريح به

في الكلام، أو استظهاره منه بعدم تعلق الغرض. الا بالرد أو الاسترداد. و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري، لأن الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط علي مطلق الفسخ المشروع مطلقا، و لو عند التلف لكن لم اجد من التزم بذلك أو تعرض له. و من هنا يمكن ان يقال في هذا المقام و ان كان مخالفا للمشهور، بعدم ثبوت الخيار عند التلف، الا في موضع دل عليه الدليل، إذ لم يدل ادلة الخيار من الاخبار و الاجماع الا علي التسلط علي الرد أو الاسترداد، و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف ايضا، و ارادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع، لما عرفت في اول باب الخيارات من انه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين. (1)

نعم لو دل الدليل الشرعي علي ثبوت خيار الفسخ المطلق، الشامل لصورة التلف، أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني، ثبت مع التلف ايضا، و الله العالم.

______________________________

السادس: ان الخيارات التي اخذ في لسان دليلها عنوان الخيار كقوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا «1» هل تكون باقية بعد التلف، ام لا ظاهر المصنف (رحمه الله)

(1) الثاني من جهة ان ارادة ملك فسخ العقد من لفظ الخيار انما تكون من المستحدثات و ليس في الروايات من ذلك اثر فالمتيقن من النصوص جواز الرد و الاسترداد و هو انما يكون مع بقاء العين و فيه: ان الخيار انما يكون مقابل اللزوم كما يشهد له مضافا الي انه المتفاهم منه عرفا ما تضمن من النصوص ثبوت الخيار،

الي ان يصير العقد لازما- و بالجملة- كون المراد من الخيار ملك فسخ العقد واضح و عليه فيكون باقيا بعد التلف لبقاء العقد، و احتمال كون الحق مأخوذا علي وجه مخصوص و هو حق حل العقد المتعلق بالعوضين بشخصيهما يدفعه الاطلاق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 449

مسألة لو فسخ ذو الخيار، فالعين في يده مضمونة (1)

بلا خلاف علي الظاهر، لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ، إذ لم يسلمها ناقلها الا في مقابل العوض، و الاصل بقاؤه (2) إذ لم يتجدد ما يدل علي رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ امانة، إذ الفسخ انما هو من قبله، و الغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها امانة مالكية أو شرعية، ليكون غير مضمونة برضا المالك، أو بجعل الشارع و اذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم، و مرجع ذلك الي عموم علي اليد ما اخذت، (3) أو الي انها قبضت مضمونة، فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمي تعين ضمانه بالعوض الواقعي، اعني المثل أو القيمة، كما في البيع الفاسد، هذا،

و لكن المسألة لا تخلو عن اشكال. و أما العين في يد المفسوخ عليه، ففي ضمانها أو كونها امانة اشكال مما في التذكرة من انه قبضها قبض ضمان، فلا يزول الا بالرد الي مالكها، و من ان الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان، و ضعفه في جامع المقاصد، بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر الثابت و الله العالم، هذا بعض الكلام في الخيارات و أحكامها و الباقي محول إلي الناظر الخبير بكلمات الفقهاء و الحمد لله صلي الله علي محمد و آله.

______________________________

كون

العين مضمونة بعد الفسخ

(1) قوله لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة قد استدل للضمان بوجهين.

(2) الاول: انها كانت مضمونة قبل الفسخ و الاصل بقائه و فيه: ان المعلوم سابقا هو الضمان المعاوضي و ما يراد اثباته هو ضمان الغرامة فلا يجري الاصل و استصحاب الجامع بينهما من قبيل الاستصحاب في القسم الثالث من اقسام الكلي و لا يجري.

(3) الثاني: عموم علي اليد فانه يقتضي ضمان كل ما هو تحت يد غير مالكه خرج عنه اليد الامانية، و في المقام ليست يد الفاسخ امانية و فيه: ان ذلك يتم في المقدار الزائد عما يقتضيه ضرورة الايصال- و أما في ذلك المقدار، فهو مأذون من الشارع في امساكه بل و من قبل مالكه للقطع برضاه بحفظه و امساكه فيده امانية فالاظهر عدم الضمان،

و بما ذكرنا يظهر الحال فيما بيد المفسوخ عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 450

القول في النقد و النسية.

اشارة

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم في احد العوضين إلي أربعة أقسام: بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد. و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالي بالكالي. و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسية. و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر اعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي. (1)

______________________________

النقد و النسيئة

طفحت كلماتهم بما افاده العلامة في التذكرة من انقسام البيع باعتبار التأخير و التقديم الي اربعة اقسام، و منها بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة، و في المتن.

(1) و المراد بالحاضر اعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي و لكن الظاهر ان المؤجل ليس عبارة عن تعليق التمليك علي مضي الاجل، إذ لا تعليق في البيع اجماعا، و لاعن تعليق المملوك

و الثمن عليه: إذ الاعيان لا تتقدر بالزمان،

بل المراد شرط تأخير الأداء الي رأس المدة المعلومة.

فما عن المحقق الخراساني (رحمه الله) من انه من قبيل الثاني، ضعيف.

و علي ما ذكرناه لا اختصاص للمؤجل بالكلي، بل يتصور ذلك في العين الشخصية،

فيشترط ان تكون العين الي مدة كذا في يد المشتري امانة أو عارية.

و به يظهر ما في كلام المصنف (رحمه الله)

اطلاق العقد يقتضي النقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 451

مسألة اطلاق العقد يقتضي النقد، (1)

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين الي الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها (2)

فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن، و المراد المطالبة مع الاستحقاق، بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري، و يدل علي الحكم المذكور ايضا الموثق في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي. ثمّ افترقا، قال: وجب البيع و الثمن، إذا لم يكونا شرطا فهو نقد.

فلو اشترطا تعجيل الثمن، كان تأكيد المقتضي الاطلاق (3) علي المشهور، بناء علي ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من ارادة عدم المماطلة و التأخير، عن زمان المطالبة لا ان يعجل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور، مع ان مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها الي القاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان.

______________________________

و كيف كان فاستقصاء القول في هذه المسألة ببيان امور.

(1) الاول ما افاده المصنف من ان اطلاق العقد يقتضي النقد واضح لا ريب فيه.

(2) و علي ضوء ما ذكرناه في معني التأجيل اتضح ان ما افاده (رحمه الله) في

بيان المراد من النقد متين: فان لزوم الأداء بعد العقد، انما يكون بمقتضي ما دل علي تسلط الناس علي اموالهم، «1» فمع عدم اشتراط التأجيل و مطالبة المالك يجب رده إليه.

و يمكن ان يقال: ان لزوم التسليم مما يقتضيه الشرط الضمني ايضا.

و يشهد بالحكم- مضافا الي ذلك-: موثق عمار بن موسي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثمّ افترقا فقال (عليه السلام): وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد «2».

(3) قوله فلو اشترطا تعجيل الثمن كان تأكيد المقتضي الاطلاق.

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 273 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب احكام العقود حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 452

و كيف كان، فذكر الشهيد (رحمه الله) في الدروس ان فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد، فاخل المشتري (1) به و قوي الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الاطلاق ايضا. يعني عدم تعيين الزمان إذا اخل به في اول وقته (2)

______________________________

و لكن اشتراط التعجيل يتصور علي وجوه:

احدها: ان يشترط ثبوت حق التعجيل بنحو النتيجة و مثل هذا الشرط لا يكون نافذا، لأنه لم يثبت كونه من قبيل الحق الاعتباري، و مع ذلك فهو ليس مؤكدا لمقتضي العقد لعين هذا الوجه.

ثانيها: ان يشترط التعجيل و الاسراع حتي مع عدم المطالبة، و هذا يكون تأكيدا لما يقتضيه العقد بمدلوله الالتزامي، و بما في ضمنه من شرط الأداء، فان مقتضاه الأداء حتي مع عدم المطالبة خارجا.

فما في المتن من انه لا يكون تأكيدا علي هذا غير تام.

ثالثها: ان يشترط التعجيل مع المطالبة، و هو ايضا تأكيد لمقتضي العقد.

رابعها: ان يشترط

عدم حق للمشتري في التأخير.

و قد يقال: انه صحيح و مؤكد لمقتضي العقد، فانه لو شرط التأجيل كان مقتضاه حق التأخير، و مقتضي عدمه الذي هو معني الاطلاق عدم حق له في التأخير، فهذا الشرط مؤكد لمقتضي العقد.

و فيه: ان المشتري لا حق له في التأخير لعدم العلة، فلا معني لاشتراطه.

و كيف كان: فما هو المتعارف من شرط التعجيل مؤكد لمقتضي العقد،

فما عن الجواهر من انكاره في غير محله.

(1) و الشهيد (رحمه الله) قال في الدروس ان فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد فاخل المشتري به و ظاهر ذلك في بادئ النظر اختصاص الخيار بما إذا عين زمان النقد فاخل المشتري به.

(2) و عن الشهيد الثاني: ثبوت الخيار عند التخلف و ان اطلق التعجيل و لم يقيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 453

و هو حسن، (1) و لا يقدح في الاطلاق عدم تعين زمان التعجيل، لأن التعجيل المطلق معناه الدفع في اول اوقات الامكان عرفا، و لا حاجة الي تقييد الخيار هنا بصورة عدم امكان الاجبار علي التعجيل. (2) لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل، امكن اجباره به ام لم يمكن وجب أو لم يجب. فإن مسألة ان ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر اجباره علي الوفاء. مسألة اخري مضافا الي عدم جريانها في مثل هذا الشرط

______________________________

بزمان معين،

(1) و استحسنه المصنف (رحمه الله) لان التعجيل المطلق معناه الدفع في اول اوقات الامكان عرفا.

ما افاده العلمان متين،

و لكن الظاهر ان الشهيد لم يرد من كلامه هذا اختصاص الخيار بما إذا عين زمان النقد،

بل مراده انه في صورة الاطلاق بعد مضي اول اوقات الامكان العرفي يثبت الخيار بخلاف ما إذا عين زمان

النقد، فانه بمضي هذا المقدار لا يثبت الخيار، بل يتوقف علي مضي ذلك الزمان، مثلا لو اوقع البيع في اول الصبح و اشترط التعجيل بلا تعيين زمان لو اخر الأداء ساعة مثلا يثبت الخيار، و أما لو اشترط التعجيل الي الغروب فقبل الغروب لا خيار له، و انما يثبت الخيار لو اخر الأداء عن الغروب. ففائدة هذا الشرط التضييق في زمان الخيار.

(2) قوله و لا حاجة الي تقييد الخيار هنا بصورة عدم امكان الاجبار علي التعجيل هذا ايراد علي صاحب الجواهر (رحمه الله) حيث انه اورد علي الفقهاء بانهم حكموا بالخيار من دون تقييد بعدم امكان الاجبار، مع انه لا بد من ذلك.

و محصل ما اورده المصنف (رحمه الله) عليه امران:

الأول: ان الخيار معلق علي فوات التعجيل، لا نفسه، فالموضوع غير قابل للاجبار،

و بعبارة اخري: ان الخيار لم يعلق علي التعجيل الذي يمكن فيه الاجبار، بل علق علي فواته غير الممكن فيه ذلك، و الظاهر ان هذا مراده لاما افاده السيد المحشي (رحمه الله)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 454

إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الاجبار و بعده لا ينفع لأنه غير الزمان المشروط فيه الاداء (1)

مسالة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة (2)

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان الغير المسامح فيهما، فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر، (3) و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الاجل و عدم جواز السلم الي دياس أو حصاد، (4) و لا فرق في الأجل المعين بين الطويل و القصير.

______________________________

من ان الكلام في اصل ثبوت الخيار لا في بيان جميع ما يعتبر فيه حتي يجب التعرض لهذه الجهة ايضا.

(1) الثاني: ان الاجبار

قبل اول ازمنة الامكان عرفا حيث لا حق للبائع لا يجوز بعد مضيه لا معني للاجبار، فانه ليس اجبارا علي التعجيل المشترط لفوات موضوعه،

و اول ازمنة الامكان هو زمان الأداء، و هو غير قابل للاجبار.

و لكن يرد علي الوجه الثاني: اولا: النقض بالاجبار علي الواجبات، فان لازم هذا البيان عدم امكانه، اما في الواجبات المضيقة فلأنه قبل انقضاء زمانه لا يجوز الاجبار،

و بعده لا مورد له، و أما في الموسعة فلأنه قبل ان يصير وقته مضيقا لا يجوز الاجبار، و بعده حكمها حكم المضيقة.

و ثانيا: بالحل، و هو انه يجوز الاجبار في اول وقت الأداء، و لو قلنا بعدم توسعة وقته و في آخر الوقت لو قلنا بتوسعته.

اشتراط تأجيل الثمن

الثاني: بعد ما لا كلام في جواز اشتراط تأجيل الثمن في الجملة فاعلم: انه.

(2) يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة للزيادة و النقصان بلا كلام.

(3) كما لا كلام في انه يبطل لو لم يعين ذلك بلا خلاف للغرر.

(4) و أما الاستدلال له بما دل في السلم علي وجوب تعيين الاجل و عدم جواز السلم الي دياس أو حصاد، «1»

فغير صحيح، إذ بعد عدم العلم بالمناط يكون ذلك من قبيل القياس

______________________________

(1) الوسائل- باب 3 من ابواب السلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 455

و عن الاسكافي المنع من التأخير إلي ثلاث سنين. (1) و قد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد، قلت لأبي الحسن إنّي أريد الخروج إلي بعض الجبال. إلي أن قال: إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح، فقال فبعهم بتأخير سنة قلت: بتأخير سنتين قال: نعم، قلت: بتأخير ثلاث سنين قال: لا.

و المحكي عن قرب الاسناد عن البزنطي،

انه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ان هذا الجبل قد فتح منه علي الناس باب رزق، فقال (عليه السلام) إذا اردت الخروج فاخرج فانها سنة مضطربة، و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب، فقلت: انهم قوم ملأ و نحن نحتمل التأخير، فنبايعهم بتأخير سنة، قال: بعهم، قلت: سنتين، قال: بعهم،

قلت: ثلاث سنين، قال: لا يكون لك شي ء اكثر من ثلاث سنين.

و ظاهر الخبرين الارشاد لا التحريم فضلا عن الفساد، (2) و هل يجوز الافراط في التأخير (3) إذا لم يصل الي حد يكون البيع معه سفها و الشراء اكلا للمال بالباطل، فيه وجهان. قال في الدروس لو تمادي الاجل الي ما لا يبقي إليه المتبايعان غالبا كألف سنة. ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به، و من الاجل المضبوط و حلوله بموت المشتري، و هو اقرب و ما قربه هو الاقرب، لأن ما في الذمة،

و لو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل و بالبيع، كما اختاره في التذكرة.

______________________________

(1) و عن الاسكافي المنع من التأخير الي ثلاث سنين و استدل له بخبر احمد بن محمد «1» و خبر البزنطي «2» المذكورين في المتن.

(2) و الجواب عنه ما افاده المصنف من ظهور هما في الارشاد لا التحريم فضلا عن البطلان.

(3) و هل يجوز الافراط في التأخير إذا لم يصل الي حد يكون البيع معه سفها؟ فيه وجهان.

الظاهر ان التأجيل بمقدار لا يعد الثمن المؤجل مالا عند العقلاء لا إشكال في فساده

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب العقود حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 456

نعم يبقي الكلام في انه

إذا فرض حلول الاجل شرعا بموت المشتري، كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا، بل مخالفا للمشروع، حيث ان الشارع اسقط الاجل بالموت، (1) و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده، فيكون فاسدا بل ربما كان مفسدا و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة، فافهم.

______________________________

فانه من قبيل البيع بلا ثمن.

(1) و لا يصح: ان يقال ان الدين حيث يصير معجلا بالموت فأيّ زمان جعل اجلا و لو كان في نفسه لا يعتبره العقلاء مالا الا انه بعد هذا الحكم من الشارع تكون له المالية، و بهذا القيد يكون مالا،

فان هذا الحكم مترتب علي الدين المؤجل، فلا بد من ملاحظة الدين قبل هذا الحكم، و المفروض انه لا دين قبله لعدم المالية له،

و في مقابل هذا القسم ما لو جعل المدة قصيرة جدا،

انما الكلام فيما لو اجل الثمن الي ما لا يطمئن ببقاء المتعاقدين الي ذلك الحين، بل يطمئن بعدم البقاء كمائة سنة مثلا، و في هذا المورد لا إشكال في ذلك من حيث انه مال، و الا شكال انما هو من جهات اخر:

احداها: لزوم اللغوية، فانه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا.

و فيه: ان مجرد اللغوية لا يوجب البطلان.

ثانيها: لزوم الغرر من ذلك بعد ملاحظة حكم الشارع بحلول الأجل، فانه حينئذ لا يدري مدة تأجيل الثمن.

و فيه: ان الموضوع لما نهي عنه «1» هو الغرر العرفي، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، و في المقام مع قطع النظر عن الحكم الشرعي لا غرر هناك.

ثالثها: ان هذا الشرط مخالف للكتاب إذ الشارع اسقط الأجل بالموت، و الاشتراط المذكور

تصريح ببقائه بعده، فيكون فاسدا.

و فيه: ان الشرط في نفسه ليس مخالفا للشرع، إذ الشارع حكم تعبدا بحلول

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 457

ثمّ ان المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان فيجوز التأجيل الي انتقال الشمس الي بعض البروج كالنيروز، و المهرجان،

و نحوهما، ام لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد، وجهان (1) اقواهما الثاني،

تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر، (2) و ربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كاوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث انه له شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص، و ان لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة.

و لا يخفي ضعف منشأ هذا الاحتمال، إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام يشترط فيه المعرفة، إذ المراد بالاجل الغير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتي في نظر المتعاقدين لا في الواقع. و لذا اجمعوا علي عدم جواز التأجيل الي موت فلان، مع انه مضبوط في نفسه و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي ايضا، و ما ذكر من قياسه علي جواز الشراء بعيار بلد مخصوص

______________________________

الأجل بالموت بعد صحة هذا الدين، و الشرط ليس هو عدم حلول الأجل كي يخالف الكتاب، بل هو تأجيل الثمن الي مدة معينة، و حكم الشارع بالحلول انما هو في مرتبة متأخرة عن هذا الشرط، فانه لو صح الشرط و تحقق الدين ترتب عليه هذا الحكم،

فلا يعقل ان يكون منافيا له، و لو لا ذلك لما بقي لهذا الحكم موضوع، إذ الدين المؤجل لا بد و ان

يكون شرط تأجيله في ضمن عقد من العقود، و المفروض بطلان شرط التأجيل الي مدة بعد الموت.

(1) و هل المعتبر في تعيين المدة تعيينها في نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان ام لا بد من معرفة المتعاقدين بها؟ وجهان.

(2) بعد ما عرفت من ان وجه بطلان شرط التأجيل الي مدة مجهولة انما هو لزوم الغرر، و عرفت سابقا ان الغرر عبارة عما لا يؤمن خطره، تعرف ان المعيار هو المعلومية عند المتعاقدين، و لا تكفي المعلومية عند الناس لو كانت المدة مجهولة عندهما، فان المعلومية عند الناس كالمعلومية الله تعالي، فكما ان علمه تعالي بذلك لا يوجب رفع الغرر، كذلك علم الناس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 458

لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا، كما تقدم في شروط العوضين. و ظاهر التذكرة اختيار الجواز حيث قال: بجواز التأقيت بالنيروز و المهرجان، لأنه معلوم عند العامة، و كذا جواز التأقيت ببعض اعياد اهل الذمة إذا عرفه المسلمون، لكن قال: بعد ذلك و هل يعتبر معرفة المتعاقدين، قال بعض الشافعية: نعم. و قال بعضهم لا يعتبر، و يكتفي بمعرفة الناس سواء اعتبر معرفتهما أولا و لو عرفا كفي، انتهي.

ثمّ الاقوي اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما الي المعني حين العقد، فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات و الحساب.

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا، (1)

ففي المبسوط و السرائر و عن اكثر المتأخرين انه لا يصح، و علله في المبسوط و غيره بالجهالة، كما لو باع اما هذا العبد و أما ذاك.

______________________________

البيع بثمنين حالا و مؤجلا

(1) الثالث قال المصنف: لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا كلمات الأصحاب في هذه المسألة مضطربة، فالاولي صرف عنان الكلام الي ما تقتضيه الأدلة،

و تنقيح

القول بالبحث في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

اما الأول: فصور البيع الموضوع في هذه المسألة ثلاث:

الاولي: ان يكون هناك بيع واحد بثمنين.

الثانية: ان يكون بيعان.

الثالثة: ان يكون بيع و شرط.

اما الاولي: فان كان المجعول في البيع ثمنا مرددا بين الثمنين واقعا كان ذلك باطلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 459

______________________________

لعدم المعقولية، إذ المردد لا وجود له في الخارج، من غير فرق في ذلك بين كون تمليك كل منهما بنحو الترديد فعليا، ام كان احدهما فعليا و الآخر المؤجل معلقا علي مجي ء وقته، و ان كان المجعول هو ما يختاره المشتري بعد ذلك الذي هو معين واقعا بطل البيع للغرر.

و ما عن المحقق الأردبيلي (رحمه الله) من عدم الغرر لأن الثمن معلوم علي كل من التقديرين و الاختيار الي المشتري،

غير تام، فانه لا غرر علي المشتري، و لكنه غرر بالنسبة الي البائع لأنه لا يدري ما يختاره المشتري.

و أما الصورة الثانية: و هي ان يكون هناك بيعان معلقان بان يقول ان كان الثمن نقدا فبعتك بدرهم و ان كان مؤجلا فبدرهمين، فمقتضي القاعدة هو البطلان فيها، إذ التعليق مبطل للبيع.

و أما الصورة الثالثة: و هي ان يبيع بالأقل حالا و يشترط زيادة مقدار الي الأجل المسمي فلا كلام في بطلان الشرط، فانه من الربا، انما الكلام في البيع، و الأظهر صحته، و لا مانع من صحته سوي وقوع الشرط الفاسد في ضمنه، و هو لا يكون مفسدا كما تقدم، فالثمن هو الأقل اخر ام لم يؤخر، و لكن ليس له التأخير لأن الرضا به مقيد بالشرط و قد فسد،

فمقتضي ما دل علي وجوب رد المال الي صاحبه لزوم التعجيل.

و ما افاده المصنف (رحمه الله)

بعد اسطر في تصحيح التأخير: بان الزيادة تكون في قبال اسقاط حق مطالبة البائع الي الأجل المعين لا في قبال التأخير كي لا يستحق المشتري التأخير إذا لم يستحق البائع الزيادة،

غير تام، فان حق المطالبة ليس من الحقوق القابلة للاسقاط، بل هو حكم بالسلطنة علي المطالبة، مع ان المجعول في قبال الزيادة اما سقوط هذا الحق أو اسقاطه، و لازم الأول عدم السقوط مع عدم نفوذ الشرط،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 460

و يدل عليه ايضا ما رواه في الكافي انه (عليه السلام) قال من ساوم بثمنين احدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم احدهما قبل الصفقة.

و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع بناء علي تفسيرهما بذلك. و عن الاسكافي، كما عن الغنية أنه روي عن النبي (صلي الله عليه و آله) أنه قال لا يحل صفقتان في واحدة، قال و ذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا، و إن كان بالنسيئة فبكذا، هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين (عليهما السلام) من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد. و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما و إن كانت نظرة.

و في رواية السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه ان عليا (عليه السلام) قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا، و بالنسية كذا، فاخذ المتاع علي ذلك الشرط، فقال هو باقل الثمنين و ابعد الاجلين

______________________________

و لازم الثاني عدم استحقاق المشتري اسقاط البائع حق المطالبة.

فتحصل: ان مقتضي القاعدة عدم جواز التأخير في هذه الصورة، و لكن لو اخر لا

يستحق ازيد من الأقل.

و أما المقام الثاني: فنصوص الباب متعددة،

منها: ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع، «1» فانهما قد فسرا بذلك، و لكن ذلك مجمل لا يمكن الاستناد إليه في حكم و هو واضح.

و منها: النبوي انه (صلي الله عليه و آله) قال: لا يحل صفقتان في واحدة «2».

قال السيد ابن زهرة بعد نقله: و ذلك بان يقول ان كان بالنقد فبكذا، و ان كان بالنسيئة فبكذا، و هو ضعيف السند للارسال.

و منها: خبر «3» محمد بن قيس عن امير المؤمنين (عليه السلام)- بسند معتبر المذكور في المتن و منها خبر «4» السكوني عن الامام علي (عليه السلام) المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 2.

(4) المستدرك- باب 2- من ابواب احكام العقود حديث 2، و رواه في الغنية ايضا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 461

فقال هو بأقل الثمنين و ابعد الاجلين، فيقول ليس له الا اقل النقدين الي الاجل الذي اجله نسيئة.

و عن ظاهر جماعة من الاصحاب العمل بهما، و نسب الي بعض هؤلاء القول بالبطلان، فالاولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل من هؤلاء من دون اسناد احد القولين إليهم، (1) قال في المقنعة: لا يجوز البيع بأجلين علي التخيير،

كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا و بدرهمين الي شهر أو سنة أو بدرهم الي شهر،

و بدرهمين الي شهرين، فان ابتاع انسان شيئا علي هذا الشرط كان عليه اقل الثمنين في آخر الاجلين. و هذا الكلام يحتمل التحريم مع الصحة، و يحتمل الحمل علي ما إذا تلف المبيع، فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالاقل الذي

بيع به نقدا، لأنه قيمة ذلك الشي ء، و معني قوله في آخر الاجلين انه لا يزيد علي الاقل و ان تأخر الدفع الي آخر الاجلين، أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك، و يحتمل ارادة الكراهة، كما عن ظاهر السيد (قدس سره) في الناصريات، ان المكروه ان يبيع بثمنين بقليل ان كان الثمن نقدا، و بأكثر ان كان نسية، و يحتمل الحمل علي فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الأجل، لكن لا يفسد العقد كما سيجي ء. و عن الاسكافي انه بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في التحريم قال: و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار إليه لم اختر للمشتري ان يقدم علي ذلك، فإن فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع الا اقل الثمنين، لإجازته البيع، به، و كان للمشتري الخيار في تأخير الثمن لاقل الي المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفي من غير زيادة علي الثمن الاقل.

و في النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين و نقدين علي التخيير، مثل ان يقول بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو الي شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين الي شهر أو شهرين أو سنتين، كان البيع باطلا، فإن امضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع اقل الثمنين في آخر الاجلين انتهي

______________________________

و قد عمل بهما جماعة، و نسب الي بعضهم القول بالبطلان، فكما افاده المصنف (قدس سره)

(1) الاولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل من هؤلاء من دون اسناد احد القولين إليهم- ثمّ نعقبه بما يخطر بالبال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 462

و عن موضوع من الغنية قد قدمنا ان تعليق البيع بأجلين و ثمنين، كقوله بعت الي مدة بكذا و إلي اخري بكذا يفسده،

فإن تراضيا بانفاذه كان للبائع اقل الثمنين في ابعد الاجلين بدليل اجماع الطائفة، و عن سلار ما علق باجلين و هو ان يقول: بعتك هذه السلعة الي عشرة ايام بدرهم و إلي شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد، و هو المحكي عن ابي الصلاح. و عن القاضي: من باع شيئا بأجلين علي التخيير مثل ان يقول ابيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا و بدرهمين أو دينارين الي شهر أو شهور أو سنة أو سنتين كان باطلا، فإن امضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع اقل الثمنين في آخر الاجلين.

و قال في المختلف بعد تقوية المنع: و يمكن ان يقال انه رضي بالثمن الاقل، فليس له الاكثر في البعيد و الا لزم الربا إذ يبقي الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير، فإذا صبر الي البعيد لم يجب له الاكثر من الاقل، انتهي.

و في الدروس: ان الاقرب الصحة و لزوم الاقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشتري، لازما من طرف البائع لرضاه بالاقل، فالزيادة ربا. و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع، انتهي.

اقول لكنه مانع من لزوم الاجل من طرف البائع، لأنه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا إلا أن يقال: إن الزيادة ليست في مقابل الأجل بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي و طبعه، و الزيادة و ان كانت لكنة ربا كما سيجي ء الا ان فساد المقابلة لا يقتضي فساد الاسقاط، كما احتمل ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته، بل قال في التحرير بالرجوع الي الدية، و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة و لا المطالبة قبل الاجل،

لكن المشتري لو اعطاه وجب عليه القبول، إذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتي يكون له الامتناع من القبول قبول الاجل، و انما سقط حقه من التعجيل.

و يمكن ايضا حمل الرواية علي ان الثمن هو الاقل، لكن شرط عليه ان يعطيه علي التأجيل شيئا زائدا، و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من ان تأجيل الحال بزيادة ربا محرم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 463

لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط، كما عليه جماعة، و حينئذ فللبائع الاقل، و ان فرض ان المشتري اخره الي الاجل، كما يقتضيه قوله في رواية محمد بن قيس و ان كانت نظرة لفرض تراضيهما علي ذلك بزعم صحة هذا الشرط،

أو البناء عليها تشريعا. و لعل هذا مبني قول الجماعة (قدس الله اسرارهم) فإن امضيا البيع بينهما كذلك بمعني انهما تراضيا علي هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع برضاهما شي ء زائد علي الاقل، لفساد المقابلة و مرادهم من بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية، و عدم ترتب الاثر المقصود عليه.

و قد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا إشكال و لا خلاف في بطلانها، بمعني عدم مضيها علي ما تعاقدا عليه. و أما الحكم بامضائهما، كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حل المال علي الرضا و طيب النفس، و كون الاكل لاعن تراض اكلا للباطل، فيقع الاشكال في

______________________________

و قد حمل خبر ابن قيس بعض علي ارادة البطلان و كون المشتري ضامنا للمبيع التالف في يده بالثمن الأقل بعد دعوي كون القيمة بحسب الغالب بمقدار الثمن المعين علي تقدير النقد.

و فيه: انه لم يذكر في

الخبر ما يشهد لكونه في مقام بيان حكم صورة التلف خاصة.

و قد حمله بعضهم علي صورة كون الزيادة من باب الشرط، و كون الثمن هو الأقل- اي الصورة الثالثة المتقدمة و اصر علي ذلك المحقق الاصفهاني (رحمه الله)،

و هو و ان كان خلاف الظاهر جدا لأن قوله في الخبر و كذا نظرة جعل الثمن هو الزائد علي تقدير النظرة، و يؤكده قوله فخذها باي ثمن شئت الصريح في تعدد الثمن،

الا ان الحمل علي الصورة الاولي أو الثانية مستلزم للتعبد بملكية الأقل مؤجلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 464

نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للاصل، ثمّ ان الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما، (1) و أما ما عداه كما إذا جعل له الاقل في اجل و الاكثر في اجل آخر، فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه، لحرمة القياس خصوصا علي مثل هذا الاصل. و في التحرير البطلان هنا قولا واحدا. و حكي من غير واحد ما يلوح منه ذلك الا انك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين، و ان لم ينسب ذلك في الدروس الا الي المفيد (قدس سره) لكن عن الرياض: ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين، و هو ظاهر الحدائق ايضا، و ما ابعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير، ثمّ ان العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة انه مثل ما إذا قال المستأجر لخياطة الثوب: ان خطته فارسيا فبدرهم، و ان خطته روميا فبدرهمين، و اجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها الي الجعالة.

______________________________

من دون سبب معاملي، إذ البيع متقوم بالقصد المنتفي هنا علي الفرض، و هو لا يمكن، فيتعين الحمل

المزبور من جهة انه لا يلزم منه التعبد بامر غير ممكن غايته كونه خلاف الظاهر.

ثمّ الخبر لا يكون متعرضا لاستحقاق المشتري التأخير الي ابعد الأجلين، و يكون ذلك لازما علي البائع، بل غاية ما يستفاد منه جواز التأخير.

و مما ذكرناه ظهر الحال في خبر السكوني بل حمله علي الصورة المزبورة لا يكون منافيا لما هو الظاهر منه.

(1) قوله ثمّ ان الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما بناء علي ما عرفت من ان الخبرين، انما يتضمنان الحكم بالصحة في مورد يكون الصحة هناك موافقة للقاعدة، لا بد من البناء علي الصحة في هذا المورد ايضا،

و لعل ما عن الفقهاء من عدم الفرق بين المسألتين، بل عن الرياض ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق،

يكون مؤيدا لما ذكرناه من حمل الخبرين علي الصورة الثالثة: إذ لو كانا متضمنين للصحة في غيرها، لم يكن وجه للحكم بالصحة في هذه المسألة الا القياس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 465

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل و ان طولب (1)

اجماعا، لان ذلك فائدة اشتراط التأجيل، و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف، بل عن الرياض الاجماع عليه، و في جامع المقاصد في باب السلم نسبة الخلاف الي بعض العامة، و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنة (2) و فيه تأمل.

______________________________

القبول و الاسقاط قبل حلول الأجل

(1) قوله لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل و ان طولب و تمام الكلام في هذه المسألة في طي فرعين:

الأول: انه هل يجب القبول علي البائع لو تبرع المشتري بدفع الثمن ام لا؟

الثاني: انه إذا اسقط المشتري الأجل الذي يستحقه هل يسقط و يكون للبائع مطالبته

في الحال ام لا؟

اما الأول: فالمشهور بين الأصحاب: عدم وجوب القبول، و المراد بالوجوب ما سيأتي في المسألة الآتية من وجوب القبول لو كان الدين حالا.

و استدل له بوجوه:

(2) احدها: ما عن التذكرة، و هو: ان التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقلد المنة.

و فيه: ان الزائد لا يكون ملكا، و صيرورته كذلك تتوقف علي القبول، و هذا بخلاف التعجيل الذي هو خصوصية في اداء ما هو ملك له.

و لعله لذلك امر المصنف بالتأمل بعد نقله ثانيها: ما عن المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان المملوك شي ء مؤجل، و هو لا ينطبق علي المدفوع بالحال.

و فيه: ما عرفت في اول مبحث النقد و النسيئة من ان المؤجل ليس الا الدين الحالي مع جواز التأخير في الأداء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 466

و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع، من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله اياه كالودعي، فإن ذلك حق عرفا (1) و بالجملة ففي الاجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر.

و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل، حيث انه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون، و اندفع ايضا ما يتخيل من ان الأجل حق مختص بالمشتري، و لذا يزاد الثمن من اجله، و له طلب النقصان في مقابل التعجيل، و ان المؤجل كالواجب الموسع في انه يجوز فيه التأخير و لا يجب، ثمّ انه لو اسقط المشتري اجل الدين. (2) ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد انه لو اسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال، و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل

في العقد اللازم (3)

______________________________

(1) ثالثها: ما في المتن و هو: ان التأجيل كما يكون حقا للمشتري يكون حقا للبائع من جهة ان المشتري التزم بحفظ ماله في ذمته، و المشتري انما يكون مسلطا علي حقه دون حق البائع.

لا كلام و لا إشكال في ان الزام الشخص و التزامه بحفظ مال غيره مشروع، و إذا وقع في ضمن العقد كان لازما، و ما لم يرفع المالك يده عن ذلك يجب علي المشروط عليه الحفظ.

انما الكلام في الشروط الخارجية المتعارفة بين الناس المتعلقة بتأجيل الثمن، فان الظاهر منهم اعتبار الاجل حقا للمشتري فقط، و عليه فيجب علي البائع القبول. نعم إذا اعتبر حقا للبائع أو لكل منهما علي الآخر لم يجب القبول.

(2) اما الفرع الثاني: و هو انه لو اسقط المشتري الاجل فهل يسقط فقد استدل لعدم سقوط حق التأجيل بالاسقاط بوجوه:

(3) احدها: ما عن جامع المقاصد و هو: انه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط بمجرد الاسقاط.

و فيه: انه ان اريد بذلك انه من قبيل الحكم لا الحق فلا يسقط بالاسقاط،

فيرد عليه: ان التأجيل انما يكون بجعل من الدائن، و امضاء من الشارع الأقدس،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 467

لانه المفروض فلا يسقط بمجرد الاسقاط، و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين. (1) و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل اما لو تقايلا في الأجل يصح (2) و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما المفروض، لأن التقايل في العقود لا في النذور، انتهي.

و فيه ان الحق المشترط في العقد اللازم يجوز لصاحبه اسقاطه، و حق صاحب الدين لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه، و في باب الشروط

من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل، فاسقط المديون الأجل لم يسقط، و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالاسقاط، و لهذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان، انتهي

______________________________

و من المعلوم ان المجعول ليس حكما شرعيا، بل يكون حقا امضاه الشارع،

فله اسقاطه.

و ان اريد به انه حق في العقد اللازم فلا يجوز اسقاطه للزوم العقد،

ففيه: ان الشرط في ضمن العقد صار سبا لثبوت الحق، و لا نظر له الي بقائه، و فيه يرجع الي ما تقتضيه القاعدة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه.

(1) ثانيها: ما عنه ايضا من ان في الاجل حقا لصاحب الدين و فيه: ان المراد ان كان ان للبائع حقا كما يكون للمشتري،

فيرد عليه: ان ثبوت حق لشخص لا يمنع عن اسقاط الآخر حقه.

و ان كان المراد ان هناك حقا واحدا قائما بالطرفين فما لم يجتمعا علي اسقاطه لا يسقط فيرد عليه: ان الحق ان كان ثابتا لهما فبما ان طرف الحق بالنسبة الي كل منهما غير ما هو طرفه بالنسبة الي الآخر فان معني ثبوت حق التأخير للبائع ان له حق تأخير الاستيفاء علي المشتري، و معني حق التأخير للمشتري ان له حق تأخير الوفاء علي البائع، و مع تعدد الطرفين كيف يمكن ثبوت حق واحد.

(2) قوله اما لو تقايلا في الاجل يصح مشروعية التقايل متوقفة علي كونه من الحقوق و عليه فمقتضي غير الوجه الثاني عدم صحته

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 468

و يمكن ان يقال ان مرجع التأجيل في العقد اللازم الي اسقاط حق المطالبة في الأجل، (1) فلا يعود الحق باسقاط

التأجيل و الشرط القابل للاسقاط ما تضمن اثبات حق قابل لاسقاطه بعد جعله، أ لا تري انه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد، و لم تعد العيوب مضمونة ما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من ان لصاحب الدين حقا في الأجل، فدلالته علي المدعي موقوفة علي ان الشرط الواحد إذا انحل الي حق لكل من المتبايعين لم يجز لاحدهما اسقاطه، لأن الفرض اشتراكهما فيه، و لم يسقط الحق بالنسبة الي نفسه، لأنه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط الا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل، و معناه الاتفاق علي اسقاط الشرط الراجع اليهما، فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في انفسها.

______________________________

(1) ثالثها: ما افاده المصنف (رحمه الله) و هو: ان التأجيل عبارة عن اسقاطه حق المطالبة و الساقط لا يعود باسقاط الأجل، و بعبارة اخري ان هذا الشرط لا يوجب ثبوت حق كي يجوز اسقاطه، بل هو اسقاط للحق فلا يعقل اسقاطه.

و فيه: اولا: ان جواز المطالبة من قبيل الحكم لا الحق، و لا أقل من الشك، فلا يجوز اسقاطه.

و ثانيا: ان الظاهر من اهل العرف احداث حق للمشتري في تأخير الأداء.

رابعها: ما افاده المحقق الخراساني (رحمه الله)، و هو: ان الثابت في البيع المؤجل ملكية الثمن المؤجل لا الملكية، و حق للمشتري في التأخير، فلا حق كي يسقط.

و فيه: ما تقدم في اول مبحث النقد و النسيئة من ان المؤجل عبارة عن الملكية الفعلية مع جواز التأخير لا الملكية المؤجلة. فراجع.

خامسها: ما نفي عنه البعد المحقق الاصفهاني (رحمه الله)، و هو: ان غاية ما يقتضيه التأجيل تضييق دائرة السلطنة علي

المطالبة و تأخيرها الي شهر مثلا، فلا حق حتي يقبل الاسقاط،

و قد ظهر جوابه مما اوردناه علي المصنف (رحمه الله)،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 469

نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه، لأن الحق معلق بغيرهما، و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل، أو لم يبت التعدد، فيرجع الي اصالة عدم السقوط. لكن الظاهر تعدد الحق،

فتأمل.

ثمّ ان المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط اجل الدين بالاسقاط، بأن الاجل صفة تابعة لا يفرد بالاسقاط، (1) و لذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح: الجودة أو الصحة لم يسقط، انتهي. و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه، (2)

______________________________

(1) سادسها: ما عن التذكرة و هو: ان الاجل صفة تابعة فلا تستقل بالسقوط كما هو الشأن في جميع الصفات كالجودة و الصحة.

و فيه: ان الأجل المجعول بالشرط هو التأخير، و هو من الأفعال دون الصفات، مع ان الصفة و ان لم تكن مستقلة في الثبوت الا انه لا مانع من استقلالها في الاستحقاق، و هو المناط لجواز الاسقاط مستقلا.

فالحق انه يسقط بالاسقاط، و عليه ففي موارد الشروط المتعارفة يصير الدين حالا و يلحقه حكمه، و في ما إذا اشترط ثبوت حق للبائع ايضا لا يصير حالا من ناحية البائع.

لو دفع الثمن عند حلول الأجل

(2) مسالة إذا حل اجل الثمن بل كل دين وجب علي مالكه قبوله لو دفعه و تنقيح القول في هذه المسألة بالبحث في فروع:

الأول: يجب الدفع علي المديون بعد الحلول طالب الدائن ام لا، ما لم يكن عدم المطالبة كاشفا عن رضاه بالتأخير، لأنه يجب دفع مال الغير

إليه بحكم النص «1»

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الدين و القرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 470

لان في امتناعه اضرارا (1) و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته (2) و الناس مسلطون علي انفسهم، و توهم عدم الاضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع، بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل انما يثبت لدفع هذا الظلم و الاضرار المحرم عن المديون، و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك، لتحقق البدل أ لا تري ان من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله، لا يسقط عنه الوجوب، لقيام الحاكم مقامه في البيع، و كيف كان فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر، بل مورده كان من هذا القبيل حيث ان سمرة بن جندب امتنع من الاستئذان للمرور الي عذقه الواقع في دار الأنصاري و عن بيعها، فقال النبي (صلي الله عليه و آله) للانصاري: اذهب فاقلعها وارم بها وجه صاحبها. فاسقط ولايته علي ماله،

______________________________

الثاني: إذا كان الدين حالا أو حل و دفع المديون، هل يجب علي الدائن القبول كما عن المشهور، بل في الجواهر: بلا خلاف اجده ايضا، بل في الرياض: الاجماع عليه، ام لا؟

وجهان:

قد استدل للأول: بوجوه:

(1) احدها: ان في امتناع الدائن اضرارا بالمديون و فيه: ان بقاء المال في ذمته الذي هو امر اعتباري ليس ضررا عليه، نعم ربما يكون لزوم الاداء بعد ذلك ضررا عليه، فلو كان يرفع ذلك بالحديث لا هذا.

(2) ثانيها: كون الامتناع ظلما علي المديون فانه لا يستحق ابقاء ماله في ذمته بل هو مستحق لتفريغ ذمته، حيث ان الناس مسلطون

علي انفسهم، «1» فلا يجوز.

و فيه: ان سلطنة المديون علي تفريغ ذمته لا تنكر، الا انها لا تقتضي رفع سلطنة الدائن علي نفسه التي مقتضاها ان له عدم القبول ما لم يثبت وجوبه الشرعي، و ابقاء المال في ذمة المديون ليس ايذاء و ظلما، فلو كان فانما هو رفع للايذاء، و لا دليل علي وجوب دفع الاذية عن الغير.

ثالثها: ما في الجواهر، و هو: ان مقتضي آية الوفاء بالعقد «2» ذلك، فان وجوب

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 2721 الطبع الحديث.

(2) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 471

و مقتضي القاعدة اجبار الحاكم له علي القبض (1) لأن امتناعه اسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقف ملكه عليه، لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها، مع كون الاكراه بحق بمنزلة الاختيار، فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولاه الحاكم، لأن السلطان ولي الممتنع بناء علي ان الممتنع من يمتنع و لو مع الاجبار.

و لو قلنا انه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون الاكراه و هو الذي رجحه في جامع المقاصد و المحكي عن اطلاق جماعة عنهم عدم اعتبار الحاكم و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين، إذا لم يسأله، لعدم ولايته عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته، و عن السرائر وجوب القبض علي الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الاجبار، و استبعده غيره، و هو في محله.

______________________________

الوفاء يتبع وجوب الدفع و القبول.

و فيه: ما تقدم مكررا من ان العقد هو ارتباط اعتبار كل من المتعاقدين بالآخر،

و الوفاء عبارة عن التمام أو ما يقاربه، فمفاد الآية الشريفة عدم رفع اليد عن العقد بحله و نقضه، و لا تدل الآية علي وجوب التسليم و وجوب

القبول.

فتحصل: انه لو لا الاجماع لا دليل علي وجوب القبول، و لكن الظاهر التسالم عليه.

الثالث: لو دفع المديون الدين.

فان امتنع الدائن من القبض فان رضي المديون بالصبر فلا كلام، و ان لم يرض به ففيه وجوه و اقوال:

الأول: ما عن الشيخين و المحقق و ابن حمزة و غيرهم، و هو: تعين العزل و كان هلاكه من صاحب الحق و ان امكن دفعه الي الحاكم.

الثاني: ما عن المشهور، و هو: تعين الدفع الي الحاكم.

(1) الثالث: ما اختاره المصنف (رحمه الله) و هو: تعين الاجبار اولا فان لم يمكن فالدفع الي الحاكم و مع تعذره فالعزل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 472

و لو تعذر الحاكم، فمقتضي القاعدة اجبار المؤمنين له عدولا كانوا ام لا، لأنه من المعروف الذي يجب الامر به علي كل احد، فإن لم يمكن اجباره. ففي وجوب قبض العدول عنه نظر، أقواه العدم، و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون ان يعزل حقه، و يجعله امانة عنده، فإن تلف فعلي ذي الحق، لأن هذه فائدة العزل و ثمرة الغاء قبض ذي الحق،

______________________________

الرابع: تعين الاجبار اولا، و مع عدم امكانه فالتخيير بين العزل و الدفع الي الحاكم خامسها: التخيير بين الوجوه.

الظاهر انه ان قلنا بان اداء الدين انما يكون بالتخلية بين المال و الدائن، و انه لا يعتبر في تعيين الكلي في الفرد قبض الدائن لا كلام في كفاية التخلية في المقام، و لكن الظاهر اعتبار قبضه و عدم كفاية التخلية فيه، و بذلك يظهر وجه القول الأول و ضعفه.

و استدل للثاني: بان السلطان ولي الممتنع، فالحاكم يتولي القبض عنه.

و فيه: ان ذلك مختص بالممتنع عن حق مالي، كما هو مورده، و في المقام امتناع الدائن ليس

امتناعا عن الحق، إذ المديون لا يستحق علي الدائن قبضه منه:

و بان فراغ ذمة المديون من الامور الحسبية فيتصداه الحاكم.

و فيه: انه ليس ذلك من الامور المهمة التي لا يجوز تعطيلها.

و استدل لتعين الاجبار: بان اعتبار رضا الدائن بالقبض يسقط لحديث نفي الضرر،

فيجبره الحاكم علي القبض.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي اعتبار الرضا و طيب النفس في القبض.

و ثانيا: ان الضرر انما يأتي من ناحية انحصار تعين الحق شرعا بقبض الدائن، فيرفع ذلك بالحديث، و إذا ثبت به تعينه بقبض غيره فالمتعين هو الحاكم.

و بذلك يظهر تعين الدفع الي الحاكم الذي هو المشهور.

و يمكن ان يقال: ان الضرر ينشأ من اناطة تفريغ ذمته بقبول الدائن، فيرتفع ذلك،

و نتيجة ذلك انه بالعزل يتعين ملك الدائن، و لا يبعد اظهرية الثاني،

فالقول الأول هو الارجح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 473

و لكن لم يخرج عن ملك مالكه، لعدم الدليل علي ذلك، فإن اشتراط القبض في التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر، و إنما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان، (1)

و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا. و قد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذي الحق و وجهه ان الحق المملوك لصاحب الدين ان تشخص في المعزول كان ملكا له و ان بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله. و يمكن ان يقال ان الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول، و انما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني،

فبتلفه يتلف الحق، و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن ان يتشخص به.

و يمكن ان يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين.

ثمّ ان الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال الي ذمته لو اتلفه، (2)

______________________________

(1) و المصنف (رحمه الله) ذهب الي انه مع عدم امكان الاجبار و الدفع الي الحاكم يتعين العزل، و لكن لا يصير المعزول ملكا للدائن.

و تقريب ما افاده: ان الالتزام ببقاء ذمة المديون مشغولة ضرر عليه، و الالتزام بذهاب مال الدائن هدرا ضرر علي الدائن، و الجمع بينهما انما يكون بالالتزام بتفريغ الذمة علي وجه لا يتضرر به الدائن، و هو انما يكون بالعزل بنحو يوجب تعلق حق الدائن به بحيث له متي شاء استيفاء حقه منه، فالمعزول ملك للمديون لكنه متعلق حق الدائن،

و لازم ذلك عدم الضمان لو تلف مع كونه ملكا للمديون.

و فيه: ان لازم ذلك الالتزام بعدم مالكيته لشي ء، إذ المفروض سقوط الدين عن الذمة و عدم ثبوته في الخارج، و هو بلا وجه. و اضعف منه الالتزام بتبدل الملك الي الحق،

و مثله الالتزام بتبدل الملك التحقيقي الي التقديري آنا ما.

(2) الرابع: انه بناء علي المختار من تعينه بالعزل ملكا للدائن لا يجوز للمديون التصرف فيه و لا إتلافه و لا تبديله، و أما بناء علي بقائه علي ملك المديون فهل تعلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 474

و مقتضي القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف، لأن مشروعية عزله و كون تلفه من مال صاحب الدين، انما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة، و تكليفه بحفظ المعزول اضر عليه من حفظ اصل المال في الذمة.

و عن المحقق الثاني انه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه علي المالك بعد تعيينه و لم يأته به لكن اعلم بالحال،

و بين ما إذا اتاه و طرحه عنه فينتفي «فيلغي» وجوب الحفظ في الثاني دون الاول، و لعل وجهه ان المبري للعهدة التخلية و الاقباض المتحقق في الثاني دون الاول، و لعل وجهه ان المبرا للعهدة التخلية و الاقباض المتحقق في الثاني دون الاول و سيجي ء في مسألة قبض المبيع ما يؤيده، و عن المسالك انه مع عدم الحاكم يخلي بينه و بين ذي الحق و تبرأ ذمته، و ان تلف، و كذا

يفعل الحاكم لو قبضه

______________________________

حق الدائن به يمنع عن الامور المذكورة ام لا؟

الظاهر أن التصرف لا إشكال فيه علي اي تقدير، و ان كان ناقلا لعدم كونه مفوتا للحق، إذ لا مانع من الالتزام بان لذي الحق استيفاء حقه من المعزول متي شاء و ان كان منتقلا الي غير من عليه الحق كما التزمنا بذلك في حق الرهانة.

و أما الاتلاف: فقد يقال: انه لا يجوز، فانه اعدام لموضوع الحق و ابطال له،

و عود المال الي الذمة مضافا الي احتياجه الي دليل موجب و ليس إذ لا دليل علي ان اتلاف الحق موجب لاشتغال ذمته لا يقتضي جواز الاتلاف.

و لكن يمكن ان يقال: ان متعلق الحق ليس هو الموجود الخارجي بما هو كما هو كذلك في ما إذا كان تعلقه به بتعيين من الشارع كتعيين الجاني للاسترقاق، أو بجعل من المتعاقدين كجعل حق الخيار في عقد مخصوص، بل المتعلق هو ما عينه المديون بهذا العنوان من جهة ان بقاء المال في ذمته ضرر عليه فله ابقائه في ذمته و تحمل الضرر و له تفريغ ذمته بعزل ما يتمكن الدائن من استيفاء ماله منه، فيكون فراغ ذمته موقوفا علي بقاء المعزول علي حاله.

و بعبارة اخري: ان

هذا العنوان له حدوث و بقاء و ماله من البقاء موضوع لهذا الحق،

فللمديون اعدام الموضوع، و بارتفاعه يرتفع الحق، و لا مانع من ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 475

ان لم يتمكن من الزامه بالقبض و ان اشتركا في عدم الضمان ثمّ ان المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من اخذه: ان في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم علي دفع نصيب شريكه الغائب في مال علي جهة الاشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما ترددا و مثله لو تسلط الظالم بنفسه، و أخذ قدر نصيب الشريك (1) لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي و لا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا، و المتجه عدم الانسحاب،

انتهي، و حكي نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوي.

اقول اما الفرع الثاني فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه، إذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين، فإذا اخذ جزءا خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر الي من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، (2) كما لو اخذ الظالم من المديون مقدار الدين بنية انه مال الغريم

______________________________

و به يظهر حال التبديل و الله العالم.

كما انه مما ذكرناه ظهر عدم وجوب حفظه من التلف، لأنه إذا صار بالعزل ملكا للدائن فحاله حال سائر أمواله التي لا يجب علي المديون حفظه من التلف لعدم كونه امانة عنده، و إذا كان باقيا علي ملك المديون و متعلقا لحق الدائن فمن حيث انه ماله سبيله كسبيل سائر أمواله، و من حيث انه متعلق الحق قد عرفت انه يجوز اتلافه فلا يجب التحفظ عليه.

(1) الخامس: انه كما يتعين الكلي في

المعزول هل يتعين المشاع فيما اخذه الغاصب اما بالجبر علي القسمة أو باخذه بعنوان مال الشريك ام لا؟ ام هناك فرق بين الصورتين؟

وجوه.

وجه الأول: ان الحكم بعدم تعين حصة الشريك بتعيين الغاصب أو الشريك ضرري مرفوع بالحديث.

و وجه الثاني: ان حديث لا ضرر لا يشمل المقام، اما لكون الضرري عدم الحكم لا الحكم، أو لعدم كون رفعه منة علي الامة- و ان كان منة علي المأخوذ منه.

(2) أو لان الضرر انما يكون باخذ المال المشاع فهو متوجه اليهما و لا وجه لصرفه الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 476

و أما الفرع الأول، فيمكن ان يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة، لكن فيه ان تضرره انما يوجب ولايته علي القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه، بأن لا يكون حصة الشريك بحيث تتلف بمجرد القسمة، كما في الفرض و إلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع ان التمسك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الاصحاب يؤسس فقها جديدا.

مسألة لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال، (1)

بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا، لأن حقيقة الربا في القرض راجعة الي جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض و تأخيره المطالبة الي اجل،

فالزيادة التي تراضيا عليه في اول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر الي شهر،

و بين ان يتراضيا بعد الشهر الي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد، و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك. بل

______________________________

و وجه الثالث: انه إذا اجبر الغاصب احد الشريكين علي تعيين حصة شريكه و افرازها و تقسيم المال المشترك، فكما انه مع امتناع الشريك عن القسمة اختيارا تسقط ولاية الممتنع، كذلك في المقام، و ان كان امتناعه

بالاضطرار بمعني انه كما تسقط ولايته عند امتناعه عن اعمال ولايته كذلك مع تعذر اعمال ولايته لغيبة أو لسبب آخر، و المسألة تحتاج الي تأمل ازيد.

لا يجوز تأجيل الثمن الحال بازيد منه

(1) مسالة: لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في مقتضي النصوص الخاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 477

بل الظاهر من بعض التفاسير ان صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف، و ان مورد نزول قوله تعالي في مقام الرد علي من قال: (انما البيع مثل الربوا و احل الله البيع و حرم الربوا) هو التراضي بعد حلول الدين علي تأخيره الي اجل بزيادة فيه.

فعن مجمع البيان عن ابن عباس (1) انه كان الرجل من اهل الجاهلية إذا حل

______________________________

اما المقام الأول: فلا اشكال في صحة المعاملة الاولي، و انها لا تبطل بذلك، و ان اوجب صيرورتها ربوية.

اما التأجيل بالازيد نفسه، فاما ان يجعل الأجل في مقابل الزيادة باشتراطه ابتداء،

أو في ضمن عقد، أو المصالحة عليه، أو بيعه به، أو بجعل المجموع المؤجل في مقابل المجموع الحال بحيث تكون المعاوضة بين الثمن و مجموع ما جعل مؤجلا، أو يوقع الصلح علي ابراء الحال مما في ذمته بازاء ازيد منه مؤجلا، فالمعوض هو الابراء.

اما القسم الأول: فهو بجميع فروضه من الربا في القرض، لأن حقيقة الربا فيه راجعة الي جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض و تأخيره المطالبة، من غير فرق بين ان يكون ذلك في اول القرض أو بعد مضي زمان، و من غير فرق بين ان يكون ذلك بنحو الشرط أو غيره، و قد ورد

ان الربا من ناحية الشروط «1».

و أما القسم الثاني: فان كان ما في ذمته من العروض الربوي كالحنطة فباعها بازيد منها مؤجلة بطل، لأن المشهور بطلان بيع الحال بمثله مؤجلا في الربويين. و ان كان من الاثمان كالدينار فباعه بازيد منه مؤجلا بطل ايضا من جهة ان الصرف لا يجوز الا يدا بيد.

و ان كان من العروض أو الاثمان و لكن باعه بغير جنسه بازيد منه فانه يصح علي القاعدة من جهة عدم الربا فيه من حيث المعاملة و لا من حيث القرض.

و أما القسم الثالث: فهو صحيح ايضا.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف (رحمه الله) علي عدم الجواز بوجوه:

(1) الاول: ما نقله في مجمع البيان عن ابن عباس من بيان مورد نزول الآية

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب الصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 478

دينه علي غريمه فطالبه، قال المطلوب منه زدني في الاجل ازيدك في المال،

فيتراضيان عليه، و يعملان به، فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع، و الزيادة فيه بسبب الاجل عند حلول الدين سواء،

فذمهم الله و الحق بهم الوعيد و خطأهم في ذلك بقوله تعالي: (و احل الله البيع و حرم الربوا و يؤيده بل يدل عليه حسنة ابن ابي عمير أو صحيحته (1) عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الرجل يكون له دين الي اجل مسمي، فيأتيه غريمه فيقول له انقدني كذا و كذا واضع عنك بقيته، أو انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال: لا أري به بأسا انه لم يزد علي رأس ماله، قال الله تعالي: (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ) و لا

تظلمون علل جواز التراضي علي تأخير اجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله، فيدل علي انه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير، و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا و هو قوله تعالي:

(فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ)

______________________________

الكريمة (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) «1» من انه كان في الجاهلية الرجل منهم إذا حل دينه علي غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له: زدني في الأجل و ازيدك في المال،

فيتراضيان عليه و يعملان به، فإذا قيل لهم: هذا ربا، قالوا: هما سواء، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء، فذمهم الله تعالي به و الحق الوعيد بهم و خطأهم في ذلك بقوله (و احل … ) الخ و ظاهره القسم الأول و لا يشمل القسمين الأخيرين.

(1) الثاني: صحيح ابن ابي عمير «2» المذكور في المتن بدعوي: انه علل جواز التراضي علي تأخير اجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله، فيدل علي انه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير.

______________________________

(1) البقرة: 275.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب احكام الصلح حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 479

و يدل عليه بعض الاخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير الدين بزيادة (1) باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام، فلو جاز التراضي علي التأجيل بزيادة لم يكن داع الي التوصل بأمثال تلك الحيل حتي صاروا عليهم السلام موردا لاعتراض العامة في استعمال بعضها، كما في غير واحد من الاخبار الواردة في ذلك. و يدل عليه ايضا أو يؤيده بعض الاخبار

الواردة في باب الدين. (2) فيما إذا اعطي المديون بعد الدين شيئا مخافة ان يطلبه الغريم بدينه.

______________________________

و فيه: ان الظاهر من الصحيح هو المعاملة علي التأجيل نفسه، و لا يكون له نظر الي بيع الحال بالمؤجل.

الثالث: النصوص الكثيرة الآتي بعضها الدالة علي كيفية الاسترباح بزيادة محللة فانها تشهد بان بذل الزيادة في قبال الأجل لو كان صحيحا لما توقفت حلية الزيادة علي هذه الحلية،

و دلالة هذه النصوص علي البطلان في القسم الثاني تتوقف علي تأمل زائد.

(1) قال المصنف (قدس سره): و يدل عليه بعض الاخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة كموثق ابن عمار قلت لأبي الحسن (عليه السلام): يكون لي علي الرجل دراهم فيقول:

أخرني بها و انا اربحك، فابيعه جبة تقوم علي بالف درهم بعشرة آلاف درهم- أو قال بعشرين الفا- و اؤخره بالمال قال (عليه السلام): لا بأس «1».

و موثق محمد بن اسحاق عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يكون له المال فيدخل علي صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بالف درهم و يؤخر عنه المال الي وقت فقال (عليه السلام) مثل ذلك، «2» و نحوهما غيرهما.

(2) قال (قدس سره): و يدل عليه ايضا أو يؤيده بعض الاخبار الواردة في باب الدين هو خبر اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) سألته عن الرجل يكون له مع رجل

______________________________

(1) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 9- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 480

و مما ذكرنا من ان مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا، يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها من غير عقد، و ظهر ايضا انه يجوز المعاوضة اللازمة علي

الزيادة بشي ء باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة، و ظهر ايضا من التعليل المتقدم في رواية ابن ابي عمير جواز نقص المؤجل بالتعجيل، و سيجي ء تمام الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض ان شاء الله تعالي.

مسألة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه (1)

و غيره قبل حلول الاجل و بعده بجنس الثمن و غيره، مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا، الا إذا اشترط احد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية. اما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه، الا بالنسبة الي بعض صور المسألة،

فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا.

______________________________

مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا «1».

بيع العين الشخصية من بايعها

(1) مسالة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل قالوا جاز بيعها من بايعها و غيره قبل حلول الاجل بجنس الثمن و غيره مساويا أو زائدا عليه أو ناقصا، الا إذا اشترط احد المتبايعين علي صاحبه في البيع الاول قبوله منه بمعاملة ثانية فالكلام في مقامين الاول في المستثني منه و الكلام فيه في فرعين احدهما في بيع المؤجل و قد جوزه القوم مطلقا و خالفهم الشيخ قدس سره في محكي النهاية حيث

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب الدين و القرض حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 481

و قال في النهاية: إذا اشتري نسيئة فحل الأجل، و لم يكن معه ما يدفعه الي البائع جاز للبائع ان يأخذ منه ما كان باعه اياه من غير نقصان من ثمنه،

فإن اخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان اعطاه به، فإن اخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس، انتهي.

و عن الشهيد انه تبع الشيخ جماعة، و ظاهر الحدائق ان محل الخلاف اعم بما بعد الحلول و انه قصر بعضهم التحريم بالطعام، و كيف كان، فالاقوي هو المشهور للعمومات المجوزة كتابا و سنة (1) و عموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار بن يسار (2) قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء مرابحة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه فقال: نعم لا بأس به فقلت له: اشتري متاعي و غنمي قال: ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك، و صحيحة ابن حازم عن ابي عبد الله (عليه السلام)

رجل كان له علي رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فاتي الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب ابيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي، قال (عليه السلام):

لا بأس بذلك.

______________________________

منع عن بيعه بعد حلول الاجل بنقصان من الثمن ثانيهما: انه نسب الي الشيخ (قدس سره) في خصوص الطعام انه بعد الحلول لا يجوز للبائع اخذ الطعام بدلا عن الثمن الا بما يساويه بلا زيادة.

اما الأول: فتشهد للمشهور.

(1) مضافا الي العمومات و الاطلاقات جملة من النصوص:

(2) منها: صحيح «1» بشار بن يسار المذكور في المتن و مورده بيع النسيئة، و شراء ذاك المتاع بعينه، من دون ان يفصل بين حلول الأجل و عدمه، و ايضا من غير فرق بين كون الثمن في الثاني مساويا للثمن في الأول أو اقل أو اكثر.

و منها صحيح ابن حازم «2» المذكور في المتن و هو صريح في

البيع بعد حلول الأجل، و عام للمبيع الشخصي و مثله لأن قوله هذا الغنم كما يمكن ان يكون اشارة الي ما اشتراه يمكن ان يكون اشارة الي مثله.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 3.

(2) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 482

و رواية الحسين بن منذر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجيئني فيطلب العينة فاشتري له المتاع، ثمّ أبيعه إياه مرابحة، ثمّ اشتريه منه مكاني قال: فقال إذا كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس، قال: فقلت: ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صح قال انما هذا تقديم و تأخير و لا بأس. و في المحكي عن قرب الأسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال: إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس، و عن كتاب علي بن جعفر قوله باعه بعشرة الي اجل ثمّ اشتراه بخمسة بنقد و هو اظهر في عنوان المسألة، و ظاهر هذه الاخبار كما تري يشمل صور الخلاف.

______________________________

و قد استدل له بجملة اخري من النصوص، و هي ان دلت علي الحكم في بعض الفروض الا انها لا تصلح للرد علي الشيخ (رحمه الله):

منها: خبر الحسين بن منذر «1» المذكور في المتن و هذا الخبر اما صريح في ما إذا كان البيع الأول مؤجلا من جهة اختصاص العينة بذلك، أو عام له و للحال لو منعنا عن اختصاصها به، و لو

فرض كون الأول مؤجلا كان البيع الثاني قبل حلول الأجل لصراحته في الاشتراء، و هو في مكانه، فعلي اي تقدير لا يكون دليلا علي الشيخ (رحمه الله)

و منها خبر علي بن جعفر «2» المروي في قرب الاسناد و كتاب علي بن جعفر مع اختلاف المتن و المتنان مذكور ان في الكتاب و الأول منهما ظاهر في المؤجل، و الثاني صريح فيه، و كلاهما ظاهران في الاشتراء قبل حلول الأجل، بل الثاني نص فيه، كما انهما صريحان في ورود البيعين علي المبيع الشخصي و الاشتراء بنقصان من الثمن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 483

و قد يستدل ايضا (1) برواية يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة قالا سألنا ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل باع طعاما بدراهم الي اجل، فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال: لا بأس به، فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء. و في دلالتها نظر، و فيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ (رحمه الله)

من رواية خالد بن الحجاج قال: سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعته طعاما بتأخير الي اجل مسمي، فلما جاء الأجل اخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام، فاشتره مني فقال لا تشتره منه، فإنه لا خير فيه.

و رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه، قال: سأله محمد بن قاسم الحناط فقال اصلحك الله ابيع الطعام من رجل الي اجل، فيجيئني و قد تغير الطعام من سعره، فيقول ليس عندي دراهم، قال:

خذ منه بسعر يومه فقال: أفهم اصلحك الله انه طعامي الذي اشتريه مني فقال: لا تأخذ منه حتي يبيعه و يعطيك، فقال رغم الله انفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي. و حكي عن الشيخ (قدس سره) انه اوردها في الاستبصار دليلا علي مختاره و حكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.

______________________________

و منها: خبر يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة «1» المذكور في المتن و هو ظاهر في الشراء بذلك الثمن بلا زيادة و لا نقيصة، و هذا لا ينكره الشيخ (رحمه الله)، بل لا يبعد ظهوره في الوفاء بغير الجنس لا في الاشتراء، مع انه من جهة تكرار الاسم المنكر و هو قوله خذ مني طعاما بعد قوله عن رجل باع طعاما يدل علي تعدد الطعام في الموردين.

(1) و قد استدل للشيخ بروايتين: الاولي:

رواية «2» خالد بن الحجاج المذكورة في المتن و صريحها الاشتراء بعد حلول الأجل، و لكن لا ظهور لها في كون المبيع واحدا في البيعين لو لم تكن بقرينة تكرار الاسم المنكر ظاهرة في الاختلاف، مع انه لا ظهور لها في الاختلاف بمقدار الثمن، فهذه الرواية لا تنفع للشيخ (رحمه الله).

الثانية: رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه «3» المذكورة في الكتاب

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب السلف حديث 10.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 484

اقول لا يظهر من رواية خالد دلالة علي مذهب الشيخ و علي تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من امارات الكراهة و اعلم انه قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة، فلما حل الأجل اخذ بها طعاما جاز إذا

اخذ ما اعطاه، فإن اخذ اكثر لم يجز. و قد روي انه يجوز علي كل حال. و حكي في المختلف عن الخلاف انه اذاع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل اخذ بها طعاما جاز ذلك إذا اخذ مثله، فإن زاد عليه لم يجز و احتج باجماع الفرقة و اخبارهم،

و بأنه يؤدي الي بيع طعام بطعام، ثمّ حكي عن بعض اصحابنا الجواز مطلقا، و عن بعضهم المنع مطلقا، ثمّ حكي عن الشيخ في آخر كلامه: انه قال و القول الآخر الذي لبعض اصحابنا قوي و ذلك انه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج الي اعتبار المثلية، انتهي.

______________________________

صريحها كون المورد شخص المبيع، و ظاهرها بعد الحلول، و ظاهرها ايضا الاختصاص بما إذا كان الثمن في البيع الثاني اقل، و هذه تدل علي ما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله)

و اخص من الخبر الاول من وجهين: لانه اعم من البيع قبل الحلول و بعده و اعم من البيع بالمساوي أو الأقل، و هذه اخص من هاتين الجهتين فيتعين تخصيصه بها.

و أما الخبر الثاني: فهو صريح في البيع بالمساوي، فلا ينافي هذه الرواية و لا ينكره الشيخ.

و أما الخبر الثالث: فقد مر عدم دلالته علي ما يخالفه الشيخ (رحمه الله).

و أما خبرا علي بن جعفر فقد عرفت ان ظاهر احدهما و صريح الاخر البيع قبل حلول الأجل.

فتحصل: انه ليس في مقابل خبر عبد الصمد ما يعارضه، فما افتي به الشيخ بحسب الروايات لا إشكال فيه.

لا يقال: انه ضعيف السند لأن الراوي عن عبد الصمد قاسم بن محمد الجوهري و هو ضعيف أو مجهول.

فانه يرد: بان الخبر رواه الصدوق بسنده الي عبد الصمد و هو حسن،

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 485

اقول الظاهر ان الشيخ قدس سره جري في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية من عدم جواز بيع ما اشتري بجنس الثمن متفاضلا علي قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض بذلك الشي ء بزيادة. و ان عوض العوض بمنزلة العوض، (1) فإذا اشتري طعاما بدراهم لا يجوز ان يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة، و كذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له ان يأخذ عوض الدراهم طعاما وعول في ذلك علي التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام)

المعتضد ببعض الاخبار المانعة عن بعض افراد هذه القاعدة هنا. و في باب السلم قال: سألته عن رجل له علي آخر تمرا و شعيرا و حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال:

إذا قومه دراهم فسد لان الاصل الذي يشري «اشتري» به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم، قال في المحكي التهذيب الذي افتي به ما تضمنه هذا الخبر الاخير من انه إذا كان الذي اسلف فيه دراهم له لم يجز ان يبيعه بدراهم، لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم، و ربما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا، انتهي.

و هنا يقول ايضا قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا انه إذا كان الذي باعه طعاما لم يجزان يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام.

______________________________

و أما الفرع الثاني: فالمنسوب الي الشيخ (قدس سره) عدم جواز اخذ الطعام عوضا عن عوض الطعام الا بنحو التساوي، بل الظاهر المصرح به في محكي التهذيب سريان ذلك في جميع المعاوضات الربوية، فلا يجوز في اسلاف الطعام اخذ الدراهم بدلا عن الطعام.

(1) و قد استدل

له: بالقاعدة الكلية المستفادة من بعض الاخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض بذلك الشي ء بزيادة و ان عوض العوض بمنزلة العوض،

و هو خبر علي بن جعفر قال: سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 486

و بالجملة فمدار فتوي الشيخ (قدس سره) علي ما عرفت من ظهور بعض الاخبار بل صراحته فيه من ان عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي، فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه، و بين اشتراء مجانسه منه، و لا فرق ايضا بين اشترائه قبل حلول الاجل أو بعده، كما اطلقه في الحدائق،

و تقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الايفاء بعد الحلول، و ان قصر المشهور خلافه به. لكن الاظهر هو الاطلاق، كما ان تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص، لأنه الغالب، لأن في رد نفس ما اشتراه رده بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة. و لذا ذكر جواز اخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت، فيعلم منه ان اخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت.

و يؤيد الحمل علي الغالب انه (قدس سره) ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة انه لا يجوز له اخذ مثل الثمن زائدا علي ما اعطاه، فإن الغالب من اعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشتري، و مع العكس العكس

و ظهر ايضا مما ذكرنا ان الحكم مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع و لا خصوص الطعام. و أما الحكم في المستثني (1) و هو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله الي من انتقل عنه، فهو المشهور و نص عليه الشيخ في باب المرابحة و استدلوا عليه أو لا بالدور، كما في التذكرة، قال في باب الشروط لو باعه

______________________________

و فيه: اولا: انه معارض في مورده بما يدل علي الجواز «1».

و ثانيا: انه يدل علي عدم الجواز حتي مع التساوي الذي لا يقول به الشيخ، و لعل وجهه عدم حصول التقابض في المجلس.

(1) و أما الثاني و هو الحكم في المستثني و هو ما إذا اشترط في البيع الاول نقله الي من انتقل عنه، فهو البطلان علي ما هو المشهور بين الاصحاب و ملخص القول فيه بالبحث في جهتين:

الاولي: في اصل الحكم بحسب النص و الفتوي.

الثانية: في تطبيقه علي القواعد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 487

لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا وعينا ام لا،

و الا جاء الدور، لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي يبعه، فيدور اما لو شرط ان يبيعه علي غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا، لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع. علي البائع، انتهي.

اقول ظاهر ما ذكره من النقض انه يعتبر في الشرط ان يكون معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه، و بيع الشي ء

علي غير مالكه معقول و لو من غير المالك كالوكيل و الفضولي بخلاف بيعه علي مالكه، فإنه غير معقول اصلا،

فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه باشتراط بيعه علي غيره أو عتقه، نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا علي الثمن، فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع بل يتوقف عليه. و قد اعترف (قدس سره) بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لاكثر الشافعية المانعين عنه.

و قال ان المشتري لا يملك رهن المبيع الا بعد صحة البيع، فلا يتوقف عليه صحه البيع و الا دار لكنه (قدس سره) مع ذلك جوز هذا الاشتراط الا ان يقال اخذ الرهن علي الثمن و التضمين عليه، و علي دركه و درك المبيع من توابع البيع، و من مصالحه فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا و نحو ذلك،

لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة، من اشتراط وقف المشتري المبيع علي البائع و ولده و قرر الدور في جامع المقاصد، بأن انتقال الملك موقوف علي حصول الشرط، و حصول الشرط موقوف علي الملك. و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين، و اجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره.

و قد عرفت ان العلامة (قدس سره) تفطن له في التذكرة، و اجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه علي الثمن، و عرفت تفطنه لذلك ايضا في التذكرة،

و اخري بالحل، و هو ان انتقال الملك ليس موقوفا علي تحقق الشرط، و انما المتوقف عليه لزومه، و ثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد اجل البيع الأول، فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين و مبني هذين الجوابين علي

ما ذكره العلامة في الاعتراض علي نفسه و الجواب عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 488

بما حاصله ان الشرط لا بد من صحته، مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز ان يتوقف صحته علي صحة البيع، و لا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الاجل أو بعده، لأن بيع الشي ء علي مالكه غير معقول مطلقا، و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق ايضا بين ما قبل الاجل و ما بعده، و استدل عليه ايضا بعدم قصد البائع بهذا الشرط الي حقيقة الاخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك و جعله في غاية المراد اولي من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الاولين، ثمّ قال: و ان كان اجماع علي المسألة، فلا بحث ورد عليه المحقق و الشهيد الثانيان بأن الفرض حصول القصد الي النقل الاول لتوقفه عليه، و إلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك و لم يشترطاه مع الاتفاق علي صحته، انتهي.

و استدل عليه في الحدائق (1) بقوله (عليه السلام) في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة في السؤال عن بيع الشي ء و اشترائه ثانيا من المشتري ان كان هو بالخيار ان شاء باع، و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس، فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط علي نفسه بشرائه ثانيا فدل علي ثبوت البأس إذا كان احد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة التزامه بذلك في العقد الاول و ثبوت الباس في الرواية. اما راجع الي البيع الأول فتثبت المطلوب و ان كان راجعا الي البيع الثاني فلا وجه له الا بطلان البيع الأول،

إذ لو صح البيع الأول و المفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني باس

______________________________

اما الجهة الثانية: فقد اشبعنا الكلام فيها في مبحث الشروط في الشرط السابع لصحة الشرط. و لذلك اغمضنا عن البحث فيما افاده المصنف في المقام و أما الجهة الاولي: فالمشهور بين الاصحاب: بطلان البيع المشروط بهذا الشرط،

و المصنف (رحمه الله) في الشرط الفاسد صرح بان بطلان هذا البيع مما لا خلاف فيه، و مع ذلك في المقام لم يسلم ذلك.

(1) و كيف كان: فقد استدل للبطلان بخبرين:

احدهما: خبر الحسين بن المنذر عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فاشتري المتاع له مرابحة ثمّ ابيعه اياه ثمّ اشتريه منه مكاني قال: فقال: ان كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 489

بل كان لازما بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح، هذا، و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس علي البطلان. و فيه ما لا يخفي و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم اشتراط المشتري ذلك علي البائع، و فيه أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع، فإن المسألتين من واد واحد، بل الشهيد (قدس سره) في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء. و قد يرد أيضا بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط و أنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه، و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول مع الشرط و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط، و إن كان لو فعل التزم به و هو غير التزام المحرم الذي يفسد و يفسد العقد. و

فيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني الفساد و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

نعم يمكن ان يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ عن صحة الاول، كما يشهد به ايضا بيان خلاف اهل المسجد المختص بالبيع الثاني ان المراد انه ان وقع البيع الثاني علي وجه الرضا و طيب النفس، و الاختيار فلا بأس به.

و ان وقع لاعن ذلك، بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله، و الزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون الا لعدم طيب النفس فيه،

______________________________

و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا باس. الخبر «1».

ثانيهما: خبر علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الي اجل ثمّ اشتراه بخمسة دراهم أ يحل؟ قال (عليه السلام): إذا لم يشترط و رضيا فلا باس «2».

بتقريب: انهما يدلان علي ثبوت البأس إذا لم يكونا مختارين و اشترطا البيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 490

و عدم وجوب الالتزام بما التزم علي نفسه. اما لعدم ذكره في متن العقد. و أما لكون الشرط بالخصوص فاسد لا يجب الوفاء به، و لا يوجب فساد العقد المشروط به، كما هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه، حتي لو وقع عن طيب النفس، لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جوازا بالعقد الثاني. و أما رواية علي بن

جعفر فهي اظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني، فيجب ايضا حمله علي وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط انه إذا اشترطا ذلك في العقد أو قبله، و لم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع علي وجه الالجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه، و وقوعه عن إلجاء و هذا لا يكون الا مع عدم وجوب الوفاء اما لعدم ذكره في العقد و أما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد.

و بالجملة، فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح ان يستند الي فساد الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد من أن يكون منشؤه عدم طيب النفس بالعقد الثاني و عدم طيب النفس لا يقدح الا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم و عدم اللزوم لا يكون الا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير مفسد. ثمّ انه قال في المسالك انهما لو شرطاه قبل العقد لفظا،

______________________________

بالشرط الملزم و هو ما في ضمن العقد، و عليه فاما يدل علي فساد البيع الأول فهو المطلوب، أو يدل علي فساد الثاني، و حيث لا منشأ لفساده سوي فساد الأول فيثبت المطلوب.

و اجيب عن هذا الوجه بوجوه:

منها: ما افاده المصنف (رحمه الله)، و قد تعرضنا له و لجوابه في مسألة الشرط الفاسد.

و منها: ان ثبوت البأس اعم من الحرمة، و هو كما تري.

و منها: انهما يدلان علي ثبوت البأس و الحرمة للاشتراط أو البيع معه، و هذا يستلزم نفوذ الشرط.

و فيه: ان النهي في باب المعاملات و كذا ما شابهه ظاهر في الارشاد

الي الفساد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 491

فإن كان يعلمان ان الشرط المتقدم لا حكم له فلا اثر له و إلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه في متنه لانهما لم يقدما الاعلي الشرط و لم يتم لهما و يمكن ان يقال ان علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم اقدامهما علي الشرط، فالاولي بناء المسألة علي تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به و عدمه و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم الا ان يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر و بين الفاسد فيؤثر في البطلان و وجهه غير ظاهر بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين و قد تقدم توضيح الكلام في ذلك.

القول في القبض

اشارة

و هو لغة: الأخذ مطلقا، أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف عبارات اهل اللغة، و النظر في ماهيته و وجوبه و احكامه يقع في مسائل:

مسألة: اختلفوا في ماهية القبض في المنقول، بعد اتفاقهم علي انها التخلية في غير المنقول (1) علي اقوال:

______________________________

لا الحرمة التكليفية.

و منها: انهما متضمنان لما لا يقول به احد، و هو اعتبار عدم اشتراط المشتري ذلك علي البائع.

و فيه: ان القوم ملتزمون بذلك، بل الشهيد عنون المسألة في غاية المراد بالاشتراط بشرط الاشتراء، فالحق انهما يدلان علي ذلك، فالحكم من حيث النص و الفتوي لا إشكال فيه، و الله العالم.

القول في القبض

و في جملة من الكلمات منها التبصرة، التعبير بالتسليم، و المراد واحد و النظر في ماهيته و وجوبه و احكامه في طي مسائل.

(1) الاولي اختلفوا في ماهية القبض بعد اتفاقهم علي انه التخلية فيما لا ينقل علي اقوال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 492

احدها: انها التخلية ايضا صرح به المحقق في الشرائع، و حكي عن تلميذه كاشف الرموز. و عن الايضاح نسبته الي بعض متقدمي اصحابنا و عن التنقيح نسبته الي المبسوط.

الثاني: انه في المنقول، النقل، و فيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن.

الثالث: ما في الدروس من انه في الحيوان نقله، و في المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله و في الثوب وضعه في اليد.

الرابع: ما في الغنية و عن الخلاف و السرائر و اللمعة انه التحويل و النقل.

الخامس: ما في المبسوط من انه ان كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد، فالقبض فيه هو التناول باليد، و ان كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض في البهيمة ان يمشي بها الي مكان آخر، و في العبد ان يقيمه الي مكان آخر

و ان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه

ان ينقله من مكانه و ان كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه ان يكيله، و زاد في الوسيلة انه في الموزون وزنه، و في المعدود عده،

و نسب عبارة الشرائع الراجعة الي ما في المبسوط الي المشهور.

السادس: انه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد، حكي عن المحقق الاردبيلي و صاحب الكفاية، و اعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد، لشهادة العرف بذلك،

الا انه اخرج عن ذلك المكيل و الموزون، مستندا الي النص الصحيح، و فيه ما سيجي ء.

السابع: ما في المختلف من انه ان كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد،

و ان كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.

الثامن: انه التخلية مطلقا بالنسبة الي انتقال الضمان الي المشتري دون النهي عن بيع ما لم يقبض، نفي عنه البأس في الدروس.

______________________________

و تنقيح الكلام بالبحث في جهات:

الاولي: ان تحديد مفهوم القبض انما هو لترتيب الآثار و الأحكام المترتبة علي هذا العنوان في الشرع، و أما ما لم يؤخذ القبض في موضوعه- كما في رد المغصوب و اداء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 493

اقول: لا شك ان القبض للمبيع هو فعل القابض و هو المشتري، و لا شك ان الاحكام المترتبة علي هذا الفعل لا يترتب علي ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه، كما ان الاحكام المترتبة علي فعل البائع كالوجوب علي البائع،

و الراهن في الجملة و اشتراط القدرة علي التسليم لا يحتاج في ترتبها الي فعل من المشتري، فحينئذ نقول اما ما اتفق عليه من كفاية التخلية في تحقق القبض في غير المنقول، ان اريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة الي المبيع، و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله الي المشتري، و

يعبر عنه مسامحة بالاقباض و التسليم، (1)

و هو الذي يحكمون بوجوبه علي البائع و الغاصب و الراهن في الجملة، و يفسرونه بالتخلية التي هي فعل البائع. فقد عرفت انه ليس قبضا حقيقيا حتي في غير المنقول،

و ان فسرت برفع جميع الموانع، و اذن المشتري في التصرف، قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع: القبض مصدر يستعمل بمعني التقبيض و هو التخلية، و يكون من طرف البائع و الواهب بمعني التمكين من التصرف، انتهي.

بل التحقيق ان القبض مطلقا هو استيلاء المشتري عليه و تسلطه عليه الذي يتحقق به معني اليد و يتصور فيه الغصب.

نعم يترتب علي ذلك المعني الاول الاحكام المترتبة علي الاقباض و التسليم الواجبين علي البائع، فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب القبض، و انه مترتب علي القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع، و علي الاقباض الذي هو فعل البائع

______________________________

ما في اليد و نحو ذلك- فلا ملزم في تصوير الجامع بين ما يعتبر فيه، و بين القبض و لا محذور في الالتزام بتعدد المعني.

الثانية: ان القبض الذي هو المبدأ لهذه المادة له معني واحد، و باعتبار قيامه بالبائع مثلا يعبر عنه بالاقباض، و باعتبار قيامه بالمشتري قيام حلول يعبر عنه بالقبض،

و لا يكون معناه متعددا، من غير فرق بين تفسيره بالتخلية أو الاستيلاء و لكل من اعتباري هذا المعني الواحد آثار و احكام.

(1) فما في المتن من بطلان تفسير القبض بالتخلية قطعا من جهة ان القبض فعل المشتري، و التخلية فعل البائع في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 494

مثلا، إذا فرض ان ادلة اعتبار القبض في الهبة دلت علي اعتبار حيازة المتهب الهبة، لم يكتف في ذلك بالتخلية

التي هي من فعل المواهب، و هكذا و لعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان و غيره، من حيث ان الحكم الاول منوط بالاقباض، و غيره منوط بفعل المشتري، و كيف كان، فلا بد من مراعاة ادلة احكام القبض، فنقول اما رفع الضمان، (1) فإن استند فيه الي النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري و ان استند الي قوله (عليه السلام) في رواية عقبة بن خالد حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، احتمل فيه اناطة الحكم بالتخلية،

فيمكن حمل النبوي علي ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية، و احتمل ورود الرواية مورد الغالب، من ملازمة الاخراج للوصول الي المشتري، بقرينة ظاهر النبوي.

و لذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس: ان الخبر دال علي خلافه،

و هو حسن ان اراد به ظاهر النبوي، لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها، و الانصاف

______________________________

الثالثة: ان القبض في اللغة له معني واحد في جميع موارد استعماله، و الظاهر انه الاستيلاء علي الشي ء و التصرف فيه، كان ذلك بالقبض باليد أو بسائر الجوارح، أو باجراء المعاملة عليه، أو اغلاق الباب، أو نحو ذلك في المنقول و غيره، و المكيل و الموزون و غيرهما في الحيوان و غيره، فان هذا المعني هو المناسب لما يقابل البسط المساوق للامساك، و الظاهر انه في الشرع ايضا استعمل في هذا المعني الوحداني، و سيمر عليك ما توهم دخله فيه بالتعبد شرعا.

الرابعة: ان ما اعتبر فيه القبض بعنوانه و توهم انه في نصوصه، و ادلته اعتبر في القبض زائدا علي ما ذكرناه شي ء آخر، أو فسر بغير ما اخترناه امور:

(1) احدها: الخروج عن

ضمان المبيع فانه منوط بالقبض بعنوانه كما في النبوي المعروف: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من ماله بائعه. «1» و في رواية عقبة بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده

______________________________

(1) المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 495

ان ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة الي ظاهر رواية عقبة، و ربما يخدش فيها بظهورها في اعتبار الاخراج من البيت مع انه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. و فيه ان الاخراج عن البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة، و رفع اليد، (1) و لا ينبغي خفاء ذلك علي المتأمل في الاستعمال العرفي. هذا، و لكن الجمود علي حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول الي يد المشتري، لأن الاقباض و الاخراج و ان كانا من فعل البائع، الا ان صدقهما عليه يحتاج الي فعل من غير البائع، لأن الاقباض و الاخراج بدون القبض و الخروج محال، الا ان يستفاد من الرواية تعلق الضمان علي ما كان من فعل البائع و التعبير بالاقباض و الاخراج مسامحة مست الحاجة إليها في التعبير. و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية، يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال لو احضر البائع السلعة. فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في الوضع، و لو لم يقل المشتري شيئا. أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم، كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، فإنه يبرئ من الضمان، انتهي.

و ظاهره ان المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع، و لو امتنع المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة، و

في باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبته الي بعض الشافعية

______________________________

و لم يقبضه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال (عليه السلام): من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه «1» الشارحة لحقيقة القبض بما يوهم خلاف ذلك.

(1) فانه قيل: ان الاخراج من البيت كناية عن اخراجه عن تحت استيلائه و تمكين المشتري منه فتدل علي كفاية الاستيلاء في صدق القبض.

و بعبارة اخري: ان الاخراج الي المشتري مساوق لاستيلائه،

و هذا هو مراد المصنف (رحمه الله) مما افاده في المقام.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لمحمد بن عبد الله بن هلال المهمل.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 496

فالظاهر ان مراده بل مراد الشهيد قدس سره رفع الضمان بهذا و ان لم يكن قبضا، بل عن الشهيد في الحواشي انه نقل عن العلامة (قدس سره) ان التخلية في المنقول و غيره يرفع الضمان، لأنه حق علي البائع، و قد ادي ما عليه.

اقول و هذا كما ان اتلاف المشتري يرفع ضمان البائع و سيجي ء من المحقق الثاني ان النقل في المكيل و الموزون يرفع الضمان و ان لم يكن قبضا.

و قد ظهر مما ذكرنا ان لفظ القبض الظاهر صيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء علي المبيع، سواء في المنقول و غيره، لأن القبض لغة الأخذ مطلقا، أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف التعبيرات، فإن اريد الاخذ حسا باليد، فهو لا يتأتي في جميع المبيعات مع ان احكامه جارية في الكل. فاللازم ان يراد به في كلام اهل اللغة و في

لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن (1) و الصدقة،

و تشخيص ما في الذمة اخذ كل شي ء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة.

و أما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه، بل ادعي في الغنية الاجماع علي انه القبض في المنقول الذي لا يكتفي فيه بالتخلية

______________________________

و ثانيا: انه يمكن ان يقرأ يقبض بالفتح من القبض، و يكون الفاعل هو المشتري،

و عليه فالاخراج المعطوف عليه فعله و تصرفه في المبيع، فهو يؤكد ما ذكرناه من عدم كفاية التخلية و الاستيلاء في صدقه.

و الظاهر الي هذا نظر العلامة (رحمه الله) و الشهيد (رحمه الله)، حيث استندا إليه في اعتبار النقل في صدق القبض، و ما افاداه يتم ان كان مرادهما من النقل مطلق التصرف الخارجي كما لعله الظاهر، و الله العالم.

(1) ثانيها: الرهن و ظاهر الآية و الرواية اعتبار القبض فيه بعنوانه مع ان مجرد الاستيلاء يكفي، فان الاستيثاق المقوم له يحصل بمجرد الاستيلاء، و لم يعتبر القبض الا لأجل الاستيثاق.

و فيه: ان الاستيثاق مقوم حقيقة الرهن، و القبض شرط فيه شرعا، فاعتبار القبض ليس لأجل الاستيثاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 497

فهو لا يخلو عن تأمل. و ان شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف، في مثل الحيوان،

لأن مجرد اعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا علي الظاهر. ثمّ المراد من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد.

و أما رواية عقبة بن خالد المتقدمة، فلا دلالة فيها علي اعتبار النقل في المنقول و إن استدل بها عليه في التذكرة، لما عرفت

من ان الاخراج من البيت في الرواية نظير الاخراج من اليد كناية عن رفع اليد و التخلية للمشتري حتي لا يبقي من مقدمات الوصول الي المشتري الا ما هو من فعله.

و أما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون، (1) فقد اعترف غير واحد، بأنه تعبد، لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه، مثل صحيحة معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه،

فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتي تكيله أو تزنه الا ان توليه بالذي قام عليه.

و صحيحة منصور بن حازم إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن، فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه، و في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال إذا لم يربح عليه فلا بأس، و ان ربح فلا يبعه حتي يقبضه، و رواية ابي بصير عن رجل اشتري طعاما، ثمّ باعه قبل ان يكيله قال: لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه، كما اشتراه الي غير ذلك مما دل علي اعتبار الكيل و الوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما

______________________________

(1) ثالثها: بيع المكيل و الموزون و قد اشتهر ان القبض في المكيل و الموزون بالكيل و الوزن.

و قد استدل له بجملة من النصوص: كصحيح معاوية «1» و صحيح منصور «2» و صحيح «3» علي بن جعفر، و خبر ابي بصير «4» المذكورة جميعا في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 11.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) نفس المصدر حديث 9.

(4) نفس المصدر

حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 498

و إلا لم يفرق بين التولية و غيرها، فتعين لأمر آخر، و ليس الا من كون ذلك قبضا للاجماع، كما في المختلف علي جواز بيع الطعام بعد قبضه، و منه يظهر ما في المسالك حيث انه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال: و التحقيق هنا ان الخبر الصحيح دل علي النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما، لا علي ان القبض لا يتحقق بدونهما، و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة، و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف و الخبر الأخر، و بتوقف البيع ثانيا علي الكيل و الوزن امكن ان لم يكن احداث قول،

انتهي. و الظاهر ان مراده بالخبر، خبر عقبة بن خالد و قد عرفت عدم ظهوره في اعتبار النقل.

ثمّ ان ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن في القبض (1) من دون توقف علي النقل. و الظاهر انه لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع كما صرح به في جامع المقاصد. و لذا نبه في موضع من التذكرة: بأن الكيل شرط في القبض، و كيف كان فالاولي في المسألة

______________________________

و تقريب الاستدلال بها من وجهين:

الأول: انها تدل علي اعتبار الكيل و الوزن، و حيث انه ليس لأجل اشتراط صحة المعاملة بهما و الا لم يفرق بين التولية و غيرها، فلا محالة يكون لأمر آخر،

و حيث انه قام الاجماع علي جواز بيع الطعام بعد قبضه، فيعلم من ذلك انه يكون من جهة كونه قبضا.

الثاني: ان جملة من النصوص كصحيحي منصور و علي بن جعفر متضمنة للنهي عن

بيع المكيل و الموزون قبل القبض،

و جملة منها كصحيح معاوية و خبر ابي بصير متضمنة للنهي عن بيعهما قبل الكيل و الوزن،

(1) و مقتضي الجمع بين الطائفتين كون قبضهما هو الكيل و الوزن و في صحيح معاوية شهادة علي ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 499

ما عرفت من ان القبض له معني واحد يختلف باختلاف الموارد، و ان كون القبض هو الكيل أو الوزن خصوصا في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جدا، لأن التعبد الشرعي علي تقدير تسليمه مختص بالبيع، الا ان يكون اجماع علي اتحاد معني القبض في البيع و غيره، كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم في باب الرهن و الهبة، و حكي فيها الاتفاق علي الاتحاد عن ظاهر المسالك و استظهره الحاكي ايضا. و عن ظاهر المبسوط في باب الهبة ان القبض هي التخلية فيما لا ينتقل و النقل و التحويل في غيره، لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك.

و عن القاضي انه لا يكفي في الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته في البيع، لأن البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق بل القبض سبب في الاستحقاق، بل و مقتضي هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن، و هذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية. فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما لا ينقل و لا يحول التخلية و فيما ينقل و يحول النقل و التحويل و فيما يكال أو يوزن الكيل و الوزن،

______________________________

و مورد النصوص، و كلمات الأصحاب البيع الثاني، قبل

القبض بعد الفراغ عن صحة البيع الأول، الذي هو حرام أو مكروه،

و محل الكلام ان القبض الرافع للحرمة أو الكراهة هل يكون منحصرا في الكيل أو الوزن المتجدد بينهما، ام هما من افراده، ام لا يكفيان عن القبض، ام يعتبر ان فيه شرعا زائدا علي ما هو حقيقة القبض تعبدا؟

المستفاد من جملة من الأخبار، و النصوص علي ما يقتضيه الجمود علي ظواهرها:

ان البيع الثاني، لا يجوز تحريما، أو تنزيها في المكيل و الموزون، قبل الكيل و الوزن، و قبل القبض اي الرافع للحرمة أو الكراهة هما معا، و ما ادعي من الاجماع علي الجواز بعد القبض و ان لم يكل أو يوزن غير ثابت،

كيف و قد صرح صاحب الجواهر بان ظاهر النصوص اعتبار الكيل و الوزن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 500

ثمّ حكي عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا الي ان القبض في البيع مستحق و في الهبة غير مستحق، فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه. و لذا لو اتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري، ثمّ ضعفه بأنه ليس بشي ء لاتحاد القبض في الموضعين و اعتبار العرف فيهما، انتهي.

و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه الا ان يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان، و ان لم يكن قبضا كما اشرنا إليه سابقا.

فرعان الاول: قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بامتعة البائع و مكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان الي مكان كان قبضا، و قال ايضا إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كفي في المنقول النقل من حيز الي حيز و ان كان

في موضع يختص به، فالنقل من زاوية الي اخري بغير اذن البائع لا يكفي لجواز التصرف، و يكفي لدخوله في ضمانه و ان نقل بإذنه حصل القبض، و كأنه استعار البقعة المنقول إليها.

الثاني: قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو اما ان يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أو لا بأن اخبر البائع بكيله أو وزنه، أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه، فإن كان الآخر فلا بد في تحقيق قبضه من كيله أو وزنه، للنص المتقدم، و ان كان الاول ففي افتقاره الي الاعتبار ثانيا لاجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأول وجهان

______________________________

حتي مع القبض، و حينئذ يبقي سؤال و هو:

انه في صحيح معاوية سئل عن البيع قبل القبض، و اجاب (عليه السلام) بانه في المكيل و الموزون لا بيع قبل الكيل و الوزن، و لو لم يكن القبض هو الكيل و الوزن لما صح ذلك و يمكن ان يقال: انه إذا كان المبيع كليا لا يعتبر في صحته فعلية الكيل و الوزن، و انما يكتفي بتقديره بمقدار معين كيلا أو وزنا، و لكن يعتبر فعليتهما في مقام الوفاء و تطبيق الكلي علي الفرد، و تعيينه الفرد، و حيث ان تطبيق الكلي علي الفرد و تعيينه فيه متوقف علي قبول المشتري و قبضه، فمجرد الكيل أو الوزن الفعلي من دون قبض من صاحب الحق لا يوجب التعيين، بل هو كيل مال البائع لا كيل مال المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 501

من اطلاق توقف الحكم علي الكيل و الوزن. و قد حصلا و قوله (عليه السلام) في النص حتي تكيله أو تزنه لا يدل علي اعتبار ازيد من اعتبار الكيل

و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع. و من ان الظاهر ان ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع الثاني، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة و هو الاقوي و يدل عليه قوله (عليه السلام) الا ان يوليه فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية و غيرها فدل علي ان ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع، انتهي المهم من كلامه (رحمه الله).

اقول يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف في بعضه في ضمان البائع حتي يكيله ثانيا أو يزنه و ان لم يرد بيعه ثانيا، و كذا لو كاله و قبضه ثمّ عقد عليه و قد تفطن لذلك المحقق الاردبيلي (رحمه الله) فيما حكي من حاصل كلامه حيث نزل ما دل علي اعتبار الكيل و الوزن في البيع الثاني علي ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه، بل وقع البيع الأول من دون كيل، كما إذا اشتري اصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشتري باخبار البائع. اما إذا كاله بحضور المشتري، ثمّ باعه اياه فأخذه و حمله الي بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز، فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوز للبيع، و لا يلزم تكلف البائع بكيله مرة اخري للاقباض، الي ان قال: ما حاصله ان كون وجوب الكيل مرة اخري للقبض مع تحققه اولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة (قدس الله اسرارهم) و قواه ليس بقوي، انتهي.

و قال في جامع المقاصد عند شرح قول

المصنف ان التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال أو يوزن علي رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع، و لا بد من رفع البائع يده عنه، فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده، فلا تسليم و لا قبض، و لو اخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدقه، واخذ علي ذلك حصل القبض، كما نص عليه في التذكرة، ثمّ قال: و لو اخذ المبيع جزافا أو ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه صح، و إلا فلا، ذكره في التذكرة، و الذي ينبغي ان يقال: ان هذا الاخذ باعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع الي المشتري، و انتفاء سلطنة البائع، لو اراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط علي بيعه، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه علي التحريم أو الكراهة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 502

و لو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه، ثمّ اشتراه و أخذه بذلك الكيل فهو،

كما لو اخبره بالكيل أو الوزن بل هو اولي، انتهي.

ثمّ الظاهر ان مراد المسالك مما نسبه الي العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لاجل القبض، ما ذكره في القواعد تفريعا علي هذا القول، انه لو اشتري مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض، قال في جامع المقاصد في شرحه انه لو اشتري ما لا يباع الا مكايلة و باع كذلك لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد، لأن كل بيع لا بد له من قبض. قال بعد ذلك: و لو انه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفي به، أو اخبره البائع فصدقه لكفي نقله و قام ذلك

مقام كيله. و في الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض، قال: نعم لو خلي بينه و بين الكيل «المكيل» فامتنع حتي يكتاله لم ينتقل إليه الضمان، و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض، انتهي.

و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لأجل القبض، و ان كيل أو وزن قبل ذلك،

لكن الانصاف انه ليس في كلامهم و لا غيرهم ما يدل علي ان الشي ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة اخري، لتحقق القبض،

كما يظهر من المسالك، فلا يبعد ان يكون كلام الشيخ قدس سره و من تبعه في هذا القول و كلام العلامة. و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد علي كيل معلوم من كلي أو من صبرة معينة، أو علي جزئي محسوس، علي انه كذا و كذا، فيكون مراد الشيخ و الجماعة من قولهم اشتري مكايلة، انه اشتري بعنوان الكيل و الوزن، في مقابل ما إذا اشتري ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد، لكونه لغوا.

و الظاهر ان هذا هو الذي يمكن ان يعتبر في القبض في غير البيع ايضا من الرهن و الهبة، فلو رهن اناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا علي القول بجواز هبة المجهول. فالظاهر انه لا يقول احد بأنه يعتبر في قبضه وزنه، مع عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه اصلا.

نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن، امكن القول باشتراط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 503

اعتباره في قبضه، و ان قبضه جزافا كلا قبض، فظهر ان قوله في القواعد اشتري مكايلة و هو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول، كما عرفت عند نقل الاقوال يراد به ما ذكرنا لاما عرفت من جامع المقاصد.

و يؤيده تكرار المكايلة في قوله و باع مكايلة، و يشهد له ايضا قوله في موضع آخر لو اخذ ما اشتري كيلا وزنا و بالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه، الخ.

و اظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط، فإنه بعد ما صرح باتحاد معني القبض في البيع و الرهن و غيرهما، ذكر انه لو رهن صبرة علي انه كيل كذا، فقبضه ان يكيله و لو رهنها جزافا فقبضه ان ينقله من مكانه مع انه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا، فافهم. و أما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض، فلا يبعد ان يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه و بينه فامتنع حتي يكتاله، و مورده بيع كيل معين كلي، فلا يدل علي وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد، ثمّ ان ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب اولا من ان قوله لا يبيعه حتي يكيله يصدق مع الكيل السابق، ثمّ استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية ان المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه، إذ المراد من الكيل و الوزن في تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول و الثاني. و هذا غير قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول، فلا وجه لما ذكره اولا اصلا، و لا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتي يكون استثناء التولية قرينة علي عدم

ارادته لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما علي الاعتبار، لأن السؤال عن بيع الشي ء قبل قبضه، ثمّ الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن ارجاعها الي السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا و جوابا نص في ارادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها فالاولي ان استثناء التولية ناظر الي الفرق بين البيع مكايلة، بأن يبيعه ما اشتراه علي انه كيل معين، فيشترط قبضه بالكيل و الوزن،

ثمّ اقباضه، و بين ان يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله و وزنه، فلا يعتبر توسط قبض بينهما، بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 504

و بالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي ء اولا قبل البيع، ثمّ العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل، و ان بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج الي كيل جديد لقبض البيع الأول، لا لاشتراط معلومية المبيع في البيع الثاني ام لا؟ بل ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة.

القول في وجوب القبض

مسألة: يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع (1)
اشارة

لاقتضاء العقد، لذلك (2)

______________________________

ففعلية الكيل و الوزن مساوقة لقبض المشتري و قبوله، و علي هذا تنزل كلمات من نسب إليه كون قبض المكيل و الموزون بكيله أو وزنه،

و استثناء التولية انما يكون مناسبا لهذا المقام كما افاده بعض الأكابر، فانه يوليه البيع الصحيح، و يكون هو المباشر لما يكون وفاء، فكأن اعتبار بيع التولية اعتبار قيام المشتري الثاني مقام المشتري الأول في الطرفية للبيع لا انه بيع جديد حتي يعتبر فيه قبض البائع في البيع الثاني، هكذا افيد.

القول في وجوب القبض.

(1) الثانية يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع بلا خلاف و

عن غير واحد دعوي الاجماع عليه و تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الأول: في دليل وجوب التسليم، و انه هل يجبر عليه لو امتنع من وجب عليه ام لا؟

الثاني: في الفروع المتفرعة عليه.

اما المقام الأول: فيدل عليه امران:

(2) احدهما: ان مقتضي العقد مالكية كل من المتبايعين لمال الآخر و من لوازم الملك و آثاره سلطنة المالك علي ماله بالتصرف فيه بأي نحو شاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 505

فإن قال كل منهما: لا أدفع حتي اقبض، فالاقوي اجبارهما معا، (1) وفاقا للمحكي عن السرائر و الشرائع و كتب العلامة و الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك

______________________________

و بدفع مزاحمة الغير و مطالبته عمن بيده المال و وجوب الدفع عليه، و حيث ان هذا من لوازم الملك و الملك مقتضي العقد، فيصح ان يقال ان العقد يقتضي وجوب التسليم من حيث مدلوله الالتزامي،

و لازم هذا الوجه وجوب التسليم و ان امتنع الآخر عنه، لأن ظلم احد لا يسوغ ظلم الآخر.

و لو امتنع عن التسليم هل يجبر عليه من غير ناحية الأمر بالمعروف ام لا؟

ربما يقال انه لا يجبر، لأنه ليس له الا الملك، و لا أثر للملك الا السلطنة التكليفية،

و لا وجوب علي من بيده المال الا بعنوان اداء مال الغير، و الاجبار انما يكون لو امتنع عن حق كي يرفع امره الي الحاكم الذي هو ولي الممتنع.

و لكن الأظهر انه يجبر عليه، لأن الحاكم ولي من امتنع عن حق الغير أو ماله، و لذا لو كان المال الموروث عند شخص و امتنع عن ادائه يتولاه الحاكم أو يجبره علي الدفع من باب ولايته علي الممتنع.

و بعبارة اخري: انه و ان لم يجبر عليه من ناحية وجوب

التسليم الذي هو علي هذا المسلك تكليف محض، و لكن يجبر عليه من ناحية موضوعه و هو مال الغير.

ثانيهما: ان بناء العقلاء في باب المعاوضات علي التسليم و التسلم، فيصير القبض و الاقباض من الشروط الضمنية التي التزم بها المتعاقدان في متن العقد، و يكون الخيار لأجل تخلف هذا الشرط الضمني، فكل منهما يستحق علي صاحبه تسليم ما في يده،

و لازم هذا الوجه هو الاجبار لو امتنع عن التسليم بلا كلام.

الفروع المتفرعة علي وجوب التسليم.

و أما المقام الثاني: فالفروع المذكورة اربعة:

(1) احدها: انه لو امتنعا معا عن التسليم فالمشهور بين الاصحاب انهما يجبران

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 506

و غيرها، و عن ظاهر التنقيح الاجماع عليه، لما في التذكرة من ان كلا منهما قد وجب له حق علي صاحبه، (1) و عن الخلاف انه يجبر البائع اولا علي تسليم المبيع، ثمّ يجبر المشتري علي تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا أو في الذمة، لأن الثمن انما يستحق علي المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن، و لعل وجهه دعوي انصراف اطلاق العقد الي ذلك. (2) و لذا استقر العرف الي تسمية الثمن عوضا و قيمة و لذا يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع، كما يقبحون مطالبة الاجرة قبل العمل، أو دفع العين المستأجرة، و الاقوي ما عليه الأكثر، ثمّ ان ظاهر جماعة ان محل الخلاف في هذه المسألة بين الخاصة و العامة، ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في البدأة و التسليم لاما إذا امتنع احدهما عن البذل.

قال في المبسوط بعد اختياره، اولا اجبارهما معا علي التقابض، ثمّ الحكم بأن تقديم البائع في الاجبار اولي، قال هذا إذا كان كل منهما باذلا،

______________________________

معا لو امتنعا و عن التنقيح

الاجماع عليه، و عن الخلاف و المبسوط و الغنية و غيرها: انه يجبر البائع اولا علي تسليم المبيع، ثمّ يجبر المشتري علي تسليم الثمن.

و هناك قولان آخران للعامة الأول: انه يجبر المشتري اولا علي تسليم الثمن.

الثاني: انه لا يجبران معا.

(1) و استدل للاول: بان كلا منهما امتنع عما وجب عليه فيجبر عليه و استدل للثاني:

بان الثمن تابع للمبيع، و يستحق عليه، فيجب اولا تسليم المبيع ليستحق الثمن.

(2) و وجهه المصنف (رحمه الله): بانصراف اطلاق العقد الي ذلك و لذا استقر العرف الي تسمية الثمن عوضا و قيمة و يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع،

و بانه بتسليمه يستقر البيع و يتم، إذ لو تلف قبل القبض كان من مال البائع.

و يرد علي الأول: ان الثمن عوض لا تابع، و انما يتصف كل من المبيع و الثمن بالعوضية في مرتبة واحدة و آن واحد، و هو عند تمامية العقد من دون سبق و لحوق اصلا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 507

______________________________

و كذا في مرتبة استحقاق التسليم المعاوضي. و كون انصراف اطلاق العقد ذلك ممنوع و تقبيح مطالبة الثمن قبل دفع المبيع كتقبيح العكس.

و يرد علي الثاني: ان البيع يتم قبل القبض، و قد حكم الشارع تعبدا بالانفساخ لو تلف المبيع قبل القبض.

و استدل للثالث:

بان حق المشتري متعين في المبيع فيؤمر بدفع الثمن ليتعين حق البائع، فان للبائع حقا و هو التسلط علي الخيار بعد الثلاثة و قد يفوته ذلك بالقبض. كذا في الجواهر.

و ما ذكره اولا الي قوله فان للبائع موجود في محكي التذكرة، و ذيله اضافه هو إليه،

و الظاهر كونهما وجهين،

فان مآل ما في التذكرة الي انه انما يجب التسليم بعد تعيين حق كل منهما، و قبل

تسليم الثمن بما انه لا يكون حق البائع متعينا فيجب البدأة به كي يتعين حقه،

و مرجع ما في الجواهر الي ان تكليف البائع بالبدأة يفوت حقا يختص به و هو خيار التأخير.

و الجواب عن الوجه الأول: مضافا الي اختصاصه بالثمن الكلي الذي نبه عليه في آخر كلامه: ان وجوب التسليم كان من باب وجوب رد المال الي صاحبه ام من جهة الشرط الضمني، لا فرق فيه بين المتعين و الكلي، و نسبته اليهما علي حد سواء من دون تقدم و تأخر بينهما.

و يرد علي الوجه الثاني: ان وجوب التسليم انما يكون من باب الشرط الضمني،

و نسبة ذلك اليهما علي حد سواء، و تفويت حق احدهما علي تقدير لا يصلح مانعا عن العمل بما التزم علي نفسه.

و استدل للرابع:

بان الوجوب علي كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر، فإذا امتنعا معا ارتفع الوجوب عنهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 508

و أما إذا كان احدهما غير باذل اصلا، و قال لا أسلم ما علي (1) اجبره الحاكم علي البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف في ان ايهما يدفع هذا إذا كان موسر قادرا علي احضار الثمن، فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع الي عين ماله كالمفلس، انتهي.

و قال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في ان البائع هل له حق الحبس أم لا، ان قلنا بوجوب البدأة للبائع، فليس له حبس المبيع الي استيفاء الثمن، و إلا فله ذلك، و نازع اكثر الشافعية فيه و قالوا هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد البدأة، و كان كل منهما يبذل ما عليه، و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فاما إذا لم

يبذل البائع المبيع، و اراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف، و كذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع، انتهي.

و قد صرح بعض آخر ايضا بعدم الخلاف في جواز الحبس، لامتناع الآخر من التسليم، و لعل الوجه فيه إن عقد البيع مبني علي التقابض، و كون المعاملة يدا بيد،

فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه، و التزم علي صاحبه ان لا يسلمه مع الامتناع، فقد ثبت باطلاق العقد، لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه، فلا يرد ان وجوب التسليم علي كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر،

فلا يسقط التكليف باداء مال الغير عن احدهما بمعصية الآخر، و ان ظلم احدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين،

______________________________

و فيه: ان دليل الوجوب ان كان ما دل علي وجوب رد المال الي صاحبه فهو مطلق غير مشروط، و ان كان هو الشرط الضمني، و هو و ان كان مقيدا بتسليم الآخر علي ما ستعرف الا انه ليس مقيدا بعدم امتناع الآخر مطلقا حتي فيما إذا كان امتناعه لأجل امتناع هذا عن التسليم،. فتدبر فانه دقيق،

فالأظهر هو القول الأول.

(1) ثانيها: انه لو امتنع احدهما عن التسليم مع تمكين الآخر من التسليم فانه يجبر عليه، و هل يجب التسليم علي صاحبه ما لم يجبر عليه كما عن المحقق الأردبيلي، ام يجوز له عدم التسليم كما عن المشهور؟ وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 509

فلو كان احدهما مؤجلا لم يجز حبس الآخر. (1) قال في التذكرة: و لو لم يتفق تسليمه حتي حل الاجل لم يكن له الحبس ايضا و لعل وجهه ان غير المؤجل قد التزم

بتسليمه من دون تعليق علي تسليم المؤجل اصلا و هذا مما يؤيد ان حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس علي الآخر، فيكون الحبس بازاء الحبس،

______________________________

قد استدل للأول: بان الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع علي كل واحد منهما،

و منع احدهما حق الآخر و ظلمه لا يجوز الظلم للآخر و منعه حقه، و استجوده المحدث البحراني (رحمه الله).

و لكن الأظهر هو الثاني، فانه التزم كل منهما في ضمن العقد ان يسلم بازاء التسليم،

و لازم ذلك عدم المطالبة مع عدم التسليم، و معه فليس للممتنع مطالبة صاحبه، و من المعلوم انه لا يجب دفع ما لا يستحق صاحبه مطالبته.

و ان شئت قلت: ان الالتزام بالتسليم المعاوضي ينحل الي التزامين: الالتزام بالتسليم عند تسليم الآخر، و الالتزام بعدم التسليم مع امتناعه عنه.

(1) ثالثها: انه لو كان تسليم احد العوضين مؤجلا لا إشكال في انه لا يجب علي مشترط التأخير التسليم و يجب علي غيره،

انما الكلام فيما إذا لم يسلم غير مشترط التأخير حتي حل الأجل، و انه هل لكل تسليم حكم نفسه، فلو امتنع احدهما عنه ليس للآخر الامتناع عنه كما عن الاكثر، ام يعود حكم التقابض؟ وجهان مبنيان علي انه كما لا التزام بالتسليم المعاوضي قبل حلول الأجل هل لا يكون التزام به بعده ايضا،

ام هناك التزام بالتسليم المطلق قبل حلول الأجل، و بالتسليم المعاوضي بعده إذا فرض عدم تسليم غير المؤجل. صريح الجواهر و التبصرة و غيرهما هو الأول،

و لكن المراجع الي اهل العرف يطمئن بالثاني افرض انه بعد العقد المذكور اطمأن غير مشترط التأخير بان صاحبه لا يسلم بعد حلول الأجل، فهل يلزمه اهل العرف بالتسليم، كلا و ليس ذلك الا لأجل الالتزام الضمني،

فالأظهر هو

الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 510

ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه انه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض، (1) فصحة القبض بأحد امرين: اما اقباض ما في يده لصاحبه فله

حينئذ قبض ما في يد صاحبه و لو بغير اذنه، و أما اذن صاحبه سواء أقبض ما في يده ام لا؟ كما صرح بذلك في المبسوط و التذكرة، و صرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير اذنه، لأن له حق الحبس و التوثق الي ان يستوفي العوض، و في موضع من التذكرة انه لا ينفد تصرفه فيه، (2) و مراده التصرف المتوقف علي القبض،

كالبيع أو مطلق الاستبدال، ثمّ إذا ابتدأ احدهما بالتسليم اما لوجوبه عليه كالبائع علي قول الشيخ، أو لتبرعه بذلك اجبر الآخر علي التسليم، و لا يحجر عليه في ما عنده من العوض، و لا في مال آخر لعدم الدليل.

مسألة: يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا
اشارة

و من غيرها في الجملة، (3) و هذا

______________________________

(1) رابعها: انه بناء علي الالتزام بالتسليم المعاوضي لو قبض الممتنع ماله بغير اذن صاحبه، فلا كلام في ان لصاحبه استرداده، لأنه و ان كان ماله الا ان المفروض ان لصاحبه حق الامتناع عن تسليمه و تسلطه علي حبسه مع امتناع القابض عن التسليم،

(2) انما الكلام في تصرفاته و انها هل تجوز ام لا. و في الجواهر: اختيار الثاني و استدل له: بانه المناسب للارفاق، و حديث الضرار.

و فيه: ان المناسب للارفاق و حديث الضرار هو الأول، فانه ماله، و لا يكون متعلقا لحق الغير، إذ لم يثبت بالالتزام الا جواز الامتناع لا حدوث حق في

العين يمنع عن التصرف فيها، و منع المالك عن التصرف في ماله ضرر عليه،

فالأظهر هو الأول.

لزوم التفريغ

(3) الثالث لا خلاف و لا إشكال في انه يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا و من غيرها في الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 511

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة الي التسليم، (1) و ان أو همه بعض العبارات ففي غير واحد من الكتب انه يجب تسليم المبيع مفرغا، و المراد ارجاع الحكم الي القيد و الا فالتسليم يحصل بدونه، و قد تقدم عن التذكرة، و كيف كان فيدل علي وجوب التفريغ ما دل علي وجوب التسليم، فإن اطلاق العقد، كما يقتضي اصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا، (2) فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة الي غرض المتعاقدين، (3) و ان ترتب عليه احكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري و نحوه،

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا، فإن تعذر ففي اول ازمنة الامكان

______________________________

و تنقيح القول في المقام بالبحث في فروع:

(1) الاول: يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله و من غيرها الا مع علم المشتري باشتغاله به و رضاه بذلك، و الدليل عليه ما دل علي وجوب التسليم من الوجهين.

الثاني: ان وجوب التفريغ هل هو نفسي كوجوب التسليم أو شرطي؟ ظاهر كلمات القوم هو الثاني حيث قالوا: يجب التسليم مفرغا.

و استدل المصنف (رحمه الله) للأول بوجهين:

(2) احدهما: ان اطلاق العقد كما يقتضي اصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا و المراد بالاطلاق اما هو الشرط المضمر، أو ان مقتضي العقد هو مالكية كل من المتعاقدين لما في يد الآخر،

و يترتب علي كل منهما آثار الملكية منها سلطنة مالكه عليه و دفع مزاحمة الغير،

و ترك التفريغ مزاحمة له في

سلطانه علي الانتفاع بماله فيجب التفريغ دفعا للمزاحمة.

و الظاهر ان مقتضي كلا الوجهين ما افاده من الوجوب النفسي،

اما الثاني: فواضح،

اما الأول: فلأن الشرط ليس واحدا و هو التسليم التام، بل هو اثنان لتعدد الغرض من كون المبيع تحت سلطانه، و الانتفاع به بجميع الانتفاعات.

(3) ثانيهما: ان التسليم بدونه كالعدم بالنسبة الي غرض المتعاقدين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 512

و لو تراخي زمان الامكان، و كان المشتري جاهلا كان له الخيار، لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه. (1) و في ثبوت الأجرة لو كان لبقائه اجرة الي زمان الفراغ وجه، و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالاجرة، (2) كما جزموا بها مع امتناعه من اصل التسليم.

______________________________

و فيه: انه لو تم لدل علي الوجوب الشرطي لا النفسي كما لا يخفي.

(1) الثالث: لو تراخي زمان الامكان و مضت مدة و لم يتمكن البائع من التفريغ أو لم يفرغ فقد حكم المصنف (رحمه الله) بالخيار مع شرطين، و هما: كون المشتري جاهلا، و تضرره بفوات بعض المنافع. و الظاهر ان نظره الي حديث لا ضرر المختص بصورة التضرر و الجهل،

و لكن بما ان هذا الخيار يمكن اثباته من باب تخلف الشرط، فلا يكون مقيدا بصورة التضرر و فوات بعض المنافع.

(2) الرابع: لو مضت مدة و فات فيها بعض المنافع فان كان بتقصير منه كان تفويتا للمنفعة فتشمله قاعدة من اتلف «1» و يثبت ضمانه،

و ان لم يكن كذلك، فان كان الفوات- اي فوات المنفعة- مستندا إليه و لو كان من غير اختيار منه ضمن لقاعدة من اتلف و الا فلا، إذ لا إتلاف، و لا يد «2» عليها لفرض كونها تحت يد المشتري، فلا موجب للضمان.

و أما

قاعدة احترام مال المسلم «3» و قاعدة نفي الضرر، «4» فقد تقدم في الجزء الثالث من هذا الشرح انه لا يمكن اثبات الضمان بهما.

______________________________

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار و عليها الاجماع.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب القصاص في النفس حديث 3.

(4) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار و قد مر في خيار الغبن عمدة مصادر الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 513

و لو كان في الأرض زرع قد احصد وجب ازالته لما ذكرنا، و ان لم يحصد (1)

وجب الصبر الي بلوغ أو انه للزوم تضرر البائع بالقلع. (2) و أما ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل، (3) كما لو وجدها مستأجرة، و من ذلك يعلم عدم الاجرة لأنه اشتري ارضا تبين انها مشغولة

______________________________

حكم ما لو كانت الأرض مشغولة بالزرع

(1) الخامس: لو كانت الارض مشغولة بزرع للبائع لم يبلغ أو ان حصاده ففيه جهات من البحث:

الأولي: انه هل يجب علي المشتري الصبر الي بلوغ اوانه، ام له السلطنة علي المنع من ابقاء الزرع، ام له القلع أو الالزام بقلعه؟

(2) قد استدل للاول: بلزوم تضرر البائع بالمنع من الابقاء و القلع فسلطنة المشتري علي المنع من الابقاء مرفوعة بقاعدة نفي الضرر.

و اورد عليه تارة: بان البائع اقدم علي هذا الضرر ببيعه الذي هو نقل للمنافع الي ملك الغير تبعا للأرض.

و اخري: بانه معارض بتضرر المشتري من عدم سلطنته علي المنع و كون ذلك تحت استيلاء البائع.

(3) و دفع ذلك بانجبار ضرره بالخيار كما في المتن غريب فان لزوم البيع ليس ضرريا كي يثبت الخيار، بل الموجب للضرر هو سلطنة البائع علي الابقاء و عدم سلطنة المشتري علي المنع، و معلوم

ان القاعدة انما ترفع كل حكم كان ضرريا و لا تدل علي رفع حكم آخر و ان لزم منه عدم الضرر من هذا الحكم.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن صدق الاقدام علي الضرر يتوقف علي ثبوت السلطنة للمشتري علي المنع عن الابقاء، و هي مرفوعة بالحديث، فلا اقدام علي الضرر.

و ان شئت قلت: ان صدق الاقدام متوقف علي ثبوت السلطنة، و هو يتوقف علي صدق الاقدام و الا فهي ترتفع بالحديث، و هذا دور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 514

فلا يثبت اكثر من الخيار، (1) و يحتمل ثبوت الاجرة، لأنه اشتري ارضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع، و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين ابقائه بالاجرة (2) و بين قلعه، لتقديم ضرر القلع علي ضرر فوات منفعة الأرض بالاجرة،

و يحتمل تخيير المشتري بين ابقائه بالاجرة و قلعه بالارش، و يحتمل ملاحظة الاكثر ضررا

______________________________

و أما الثاني: فلأن عدم السلطنة لا يكون مشمولا لحديث لا ضرر فانه مختص بالأحكام الوجودية، و البائع لا سلطنة له علي الابقاء، فان الانسان مسلط علي مال نفسه دون مال غيره، و السلطنة علي الابقاء سلطنة علي مال الغير، فعدم هذه السلطنة لعدم المقتضي لا لوجود المانع،

فالأظهر انه لا سلطنة له علي المنع من الابقاء أو القلع أو الالزام بقلعه.

(1) الثانية: هل للمشتري الخيار مع الجهل ام لا؟ الظاهر ذلك لتخلف الشرط المضمر، فان بناء المتعاقدين ارتكازا كما ما مر علي تسليم المبيع مفرغا.

(2) الثالثة: هل للمشتري الاجرة مع اختيار البائع الابقاء و عدم اعمال المشتري للخيار ام لا؟

الأظهر هو الأول، فان العين بما لها من المنافع تنتقل بالبيع الي المشتري، و البائع يستوفي منفعتها المملوكة له بابقاء الزرع، فلا بد

من دفع الاجرة لاحترام مال المسلم.

و دعوي ان احترام المال سقط بمقتضي حديث لا ضرر الدال علي انه لا سلطنة للمشتري علي المنع من ابقاء الزرع و معه لا وجه للبناء علي بقاء احترامه و عدم ذهابه هدرا،

مندفعة بان لكل مال مضاف الي مسلم حيثيتين: حيثية المالية، و حيثية الملكية،

و لكل منهما احترام، و مقتضي الاحترام من الحيثية الاولي عدم ذهابه بلا تدارك، و مقتضي الاحترام من الحيثية الثانية عدم مزاحمة المالك في سلطانه بالتصرف فيه من غير اذنه و رضاه.

و حديث لا ضرر انما اسقط الاحترام من الحيثية الثانية، و لا وجه لسقوط الاحترام من الحيثية الاولي، فالأظهر ثبوت الاجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 515

و لو احتاج تفريغ الأرض الي هدم شي ء (1) هدمه باذن المشتري، (2) و عليه طم ما يطم برضي المالك و اصلاح ما استهدم أو الارش (3) علي اختلاف الموارد، فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه اصلاحه اعادته بخلاف هدم حائط، فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب الارش له و المراد بالارش قيمة الهدم لا أرش العيب. (4)

و بالجملة فمقتضي العرف الحاق بعض ما استهدم بالمثلي و بعضه بالقيمي، و لو الحق مطلقا بالقيمي كان له وجه، و يظهر منهم فيما لو هدم احد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه اقول ثلاثة

______________________________

لو احتاج تفريغ الأرض الي هدم شي ء

(1) السادس: لو احتاج تفريغ الارض الي هدم شي ء هدمه و الكلام في هذا الفرع ايضا في جهات:

(2) الاولي: هل يتوقف الهدم علي اذن المشتري ام لا؟

ربما يقال بعدم التوقف نظرا الي ان شرط التفريغ شرط لذلك كله، و بناء عليه قيل لا يجب بعد الهدم اصلاح ما افسد.

و فيه: ان شرط التفريغ ليس الا شرط

كون الدار فارغة لا شرط فعل البائع، مع انه شرط له لا عليه، و عليه فلو سلم كون الشرط هو التفريغ المتوقف علي الهدم لا وجه للقول بعدم وجوب الاصلاح، إذ قد عرفت ان للمال المضاف الي المسلم بالاضافة الملكية حيثيتين، و لكل منهما احترام، و سقوط احترامه من احدي الحيثيتين لا يوجب سقوطه من الحيثية الاخري.

(3) الثانية: انه بعد الهدم هل يجب اعادته أو الارش ام هناك فرق بين ما كان مثليا كحائط البساتين فالاعادة، و بين ما لم يكن كذلك فالارش؟ وجوه،

و الأظهر هو الأخير، و لا يخفي وجهه.

الثالثة: ان الارش الذي يؤخذ هل هو قيمة الهدم أو ارش العيب؟

(4) صرح المصنف بالاول، و هو الاظهر فان هذا العيب انما طرا باذن المشتري و انما يحكم بضمان القيمة لاجل الاحترام بالتقريب المتقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 516

الاعادة مطلقا، كما في الشرائع. و عن المبسوط و الارش كذلك، كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين، و التفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين و المزارع و إلا فالارش كما عن الدروس، و الظاهر جريان ذلك في كسر الباب و الشبابيك و فتق،

الثوب من هذا القبيل.

مسألة لو امتنع البائع من التسليم، (1)

فإن كان لحق، كما لو امتنع المشتري عن تسليم الثمن فلا اثم، و هل عليه اجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد، الا ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها، (2)

______________________________

لو امتنع البائع عن التسليم

(1) الرابعة: في امتناع البائع عن التسليم و فيها فروع:

الأول: انه لو كان الامتناع لاعن حق لا كلام في ضمان المنافع، فانه كغيره من الغاصبين.

الثاني: إذا كان امتناعه عن حق، فان استوفي البائع المنفعة ضمن بلا كلام لاستيفائه منافع مال الغير، و

ان لم يستوفها ففيه وجهان بل قولان،

قد استدل للضمان: بان جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة.

توضيحه: ان مقتضي اليد و الاتلاف الضمان، و لا مانع سوي جواز الحبس، و هو لا يصلح للمانعية، و المصنف قال:

(2) الا ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها توضيحه: ان مال الغير إذا جاز حبسه اما ان يكون من جهة كونه امانة مالكية، أو يكون من جهة كونه امانة شرعية، و لكل منهما وجه في المقام، فان الالتزام بالتقابض المعاوضي مقتضاه استحقاق الحبس، و هو اقوي من التامين المالكي، و المفروض ان الشارع الأقدس ايضا رخص في الحبس، و علي التقديرين لا ضمان، إذ لا سبيل علي الأمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 517

و علي المشتري نفقة المبيع، (1) و في جامع المقاصد ما اشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتي يقبض المهر، فإن في استحقاقها النفقة ترددا (2) قال و يحتمل الفرق بين الموسر و المعسر، انتهي.

و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين و لو طلب من البائع الانتفاع به في يده. (3)

ففي وجوب اجابته وجهان، و لو كان امتناعه لا لحق وجب عليه الاجرة، لأنه عاد و مقتضي القاعدة ان نفقته علي المشتري.

______________________________

(1) الثالث: هل علي المشتري نفقة المبيع ام لا أم هناك تفصيل بين كونه عن حق فعليه النفقة، و بين كونه لاعن حق فعلي البائع؟ وجوه،

اظهرها الأخير، فان الحبس عن حق لا يوجب سقوط نفقة المملوك عن مالكه فضلا عن ثبوتها للبائع،

و أما في الحبس لاعن حق فمقتضي صحيح ابي ولاد «1» كون النفقة علي الغاصب.

(2) الرابع: لا إشكال في عدم وجوب نفقة الزوجة مع عدم التمكين إذا كان الامتناع لاعن حق لاشتراط وجوبها

بالتمكين التام،

انما الاشكال فيما إذا كان الامتناع عن حق، كما إذا امتنعت حتي تقبض المهر.

و منشأ الاشكال: ان الشرط هو التمكين الواجب عليها، و حيث لا وجوب مع جواز الامتناع فيجب النفقة أو التمكين المطلق، فلا تجب،

و لعل الظاهر هو الأول،

و عليه فالفرق بين النفقة في المقامين واضح، فان نفقة المملوك غير مشروطة بخلاف نفقة الزوجة.

(3) الخامس: لو طلب المشتري من البائع الانتفاع به في يده فهل تجب اجابته ام لا؟ وجهان مبنيان علي ان الملتزم به هو التقابض المعاوضي خاصة، فلا دليل في مقابل قاعدة السلطنة المقتضية للسلطنة علي جميع التصرفات و منها ذلك، فان الشرط هو عدم التسليم مع امتناع صاحبه عنه، أو هو المنع من التصرفات،

و لا يبعد اظهرية الثاني

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الاجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 518

الكلام في احكام القبض،

اشارة

و هي التي تلحقه بعد تحققه

مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله الي القابض،
اشارة

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا مستفيضا، بل محققا، (1) و يسمي ضمان المعاوضة (2) و يدل عليه قبل الاجماع النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و ظاهره بناء علي جعل من للتبعيض انه بعد التلف يصير مالا للبائع، لكن اطلاق المال علي التالف انما هو باعتبار كونه مالا عند التلف، و بهذا الاعتبار يصح ان يقع هو المصالح عنه إذا اتلفه الغير لا قيمته،

______________________________

انتقال الضمان الي القابض

(1) من احكام القبض: انتقال الضمان ممن نقله الي القابض فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا.

و ملخص القول فيه: انه لا كلام و لا إشكال في ذلك، و انه لو تلف قبل القبض يكون ضمانه علي البائع. و يشهد له النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه «1».

و خبر عقبة بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك غدا أن شاء الله تعالي فسرق المتاع،

من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله «2»

انما الكلام في مواضع:

(2) الاول: ان الضمان الثابت في المقام هل هو ضمان المعاوضة بحيث يتلف المبيع من البائع حقيقة كما في المتن أو ضمان الغرامة، بحيث يتلف في ملك المشتري بحيث يكون تلفه عليه

______________________________

(1) المستدرك- باب 9- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 519

كما صرح به في باب الصلح

من الشرائع و التحرير، و حينئذ فلا بد من ان يكون المراد بالنبوي: ان المبيع يكون تالفا من مال البائع. و مرجع هذا الي انفساخ العقد قبل التلف آنا ما، ليكون التالف مالا للبائع. (1)

و الحاصل ان ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف، لكن لما لم يتعقل ذلك تعين ارادة وقوع التلف علي مال البائع و مرجعه الي ما ذكره في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدد انتقال الملك الي البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان، و ربما يقال تبعا للمسالك ان ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع يوهم خلاف هذا المعني و لعله لدعوي ان ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله، بمعني كون دركه عليه فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة

______________________________

و يكون منه حقيقة كما عن المسالك؟ وجهان:

الأظهر هو الأول، و ذلك لأن مدرك الضمان هو النبوي و خبر عقبة، و هما ظاهران في ذلك،

(1) اما النبوي فلان من اما نشوية أو للتبعيض أو للابتداء فان كانت نشوية كان معني الخبر: ان المبيع التالف بهذا الوصف ينشأ من مال البائع، و لازم ذلك كون التالف قبل التلف مالا له، و الا لم يكن التلف ناشئا من ملكه.

و بعبارة اخري: ان ظاهره علي هذا وقوع التلف علي مال البائع، و حيث انه ليس المراد رجوعه إليه مجانا، بل المراد رجوعه إليه ببدله فلازم ذلك انفساخ المعاملة.

و ان كانت للتبعيض، فظاهره و ان كان صيرورة المبيع ملكا للبائع بالتلف الا ان ذلك لما كان غير معقول، فلا بد و ان يراد به كونه ملكا له قبل التلف آنا ما، و يكون اطلاق المال عليه بعد

التلف باعتبار كونه مالا له قبله.

و ان كانت للابتداء، بان يكون ضمير هو عائدا الي التلف المستفاد من الماضي المشتق منه كما في مثل (اعدلوا هو اقرب للتقوي) فيكون مفاده: ان التلف من البائع،

و لازم ذلك الانفساخ، إذ فرق بين كون التلف منه و كونه عليه، و لازم الأول دخوله في ملكه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 520

و مما ذكرنا من ان معني الضمان هنا يرجع الي انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع في ملك البائع، و يسمي ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري، كما في المغصوب و المستام و غيرهما، و يسمي ضمان اليد يعلم ان الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي، فلا يقبل الاسقاط. (1) لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط، كما نص عليه في التذكرة و الدروس، و ليس الوجه في ذلك أنه إسقاط ما لم يجب، كما قد يتخيل و يدل علي الحكم المذكور أيضا، رواية عقبة ابن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال آتيك غدا إنشاء الله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله. و لعل الرواية أظهر دلالة علي الانفساخ قبل التلف من النبوي. و كيف كان

______________________________

فما افاده المحقق الايرواني (رحمه الله) من انه علي هذا لا يدل علي الانفساخ لصدق كون التلف منه مع ثبوت عوضه في امواله غير تام، فانه يصدق كون التلف عليه لا منه.

و

أما خبر عقبة: فلأن قوله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع ظاهر في ان السرقة تكون من مال البائع، و لا يكون ذلك الا بالانفساخ حتي تكون سرقته منه.

(1) الثاني: ان هذا الضمان هل هو حقي قابل للاسقاط ام حكم شرعي غير قابل له؟ وجهان:

اقواهما الثاني، فان الضمان المعاوضي معناه كون المبيع بعد البيع، بحيث إذا تلف قبل قبضه ينفسخ العقد شرعا، و هذه الحيثية بالاضافة الي الانفساخ و الملكية من قبيل القوة بالاضافة الي الفعلية،

و ليس شي ء منهما حقا قابلا للاسقاط لا الانفساخ و الملكية الفعلية و لا هذه الحيثية، و عليه فلا يصح اسقاطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 521

فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله، (1) لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد، (2) و إنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف من مال البائع، فيرتكب بقدر الضرورة و يترتب علي ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و في معناه الركاز الذي يجده العبد المبيع التالف قبل القبض، و بعد وجدانه للركاز و ما وهب منه فقبله و قبضه أو أوصي له به فقبله ثمّ مات العبد أي العبد الموصي له به قبل قبض المشتري اياه

______________________________

(1) الثالث: انه علي الانفساخ هل يبطل البيع عند التلف أو من اصله؟ وجهان.

(2) استدل المصنف (رحمه الله) للاول بان تقدير كونه ملكا للبائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد.

و حاصله: ان الأصل بقاء العقد الي التلف، رفعنا اليد عن ذلك بالنسبة الي ما قبل التلف، فيبقي الباقي عملا بالاستصحاب الي حين العلم بالزوال.

و اورد عليه المحقق التقي (رحمه الله): بان

القول بالبطلان من رأس و ان كان مخالفا لما دل علي صحة البيع و نفوذه و حرمة نقضه، و لكن هذا لازم علي تقدير القول بالانفساخ قبل التلف آنا ما، فان مقتضي اطلاق تلك الأدلة ثبوت الملك و وجوب الوفاء في جميع الأزمنة لا مجرد ثبوت الملك آنا ما، مضافا الي لزوم مخالفة قاعدة سلطان الناس علي اموالهم و انفسهم، «1»

فان مقتضي الأول عدم خروج مال احد عن ملكه بدون رضاه، و مقتضي الثاني عدم دخول شي ء في ملكه بدون رضاه، و الانفساخ القهري موجب لخرم كل من القاعدتين، بل يلزم من ذلك خرم قاعدة الخراج بالضمان، «2» حيث ان الخراج علي هذا التقدير للمشتري و الضمان للبائع، بخلاف ما لو قلنا بالانفساخ من رأس، فان الضمان و الخراج للبائع،

فالقول بالانفساخ من رأس مخالف لقاعدة واحدة،

و القول بالانفساخ حين التلف مخالف لقواعد اربع، فيقدم الأول ترجيحا لحفظ القواعد الأربع علي حفظ دليل واحد،

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

(2) المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان صحيح الترمذي ج 5 ص 285.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 522

كما صرح به في المبسوط و التذكرة و صرح العلامة بأن مئونة تجهيزه لو كان مملوكا علي البائع، و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف (1)

______________________________

و لو فرض التكافؤ و التساقط فالمرجع اصالة فساد العقد و عدم انتقال كل من العوضين عن صاحبه الأصلي الي غيره.

و فيه: اما مخالفة القول بالانفساخ من حين التلف لدليل صحة البيع و نفوذه،

فيردها: ان العقد الصحيح هو ما يؤثر في الملكية المرسلة، و الفسخ أو الانفساخ لا يوجب عدم التأثير كي ينافيه، بل يوجب رفع هذه الملكية المرسلة.

و أما مخالفته لقاعدة

السلطنة علي النفس و المال،

فيردها: ان دليل السلطنة انما ينفي تصرف غيره من الناس، و الانفساخ حكم شرعي لا معني لكون دليل السلطنة نافيا له.

و أما مخالفته لقاعدة الخراج بالضمان،

فيردها: ما تقدم من عدم التلازم بينهما، و انما مفاد الحديث- علي فرض وجوده- ان الضمان، المعاوضي اي ملكية العين بازاء شي ء تتبعها ملكية المنافع،

فالأظهر هو الانفساخ من حين التلف.

(1) قوله و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف اورد عليه المحقق التقي (رحمه الله) بانه يمكن ان يلتزم بالانفساخ الحكمي، و يترتب عليه كون مئونة التجهيز علي البائع، بان يقال انه إذا حكم علي الملك الحكمي، فظاهره ايضا الملكية المطلقة الحكمية و مقتضاه ترتيب جميع احكام الملك و التنزيل منزلة الملك في جميع الاحكام، و من الاحكام وجوب تجهيز العبد علي المالك إذا مات و فيه: ان الخبر ليس في مقام بيان ثبوت الملك للبائع كي يتمسك باطلاقه، بل في مقام بيان تلف الملك من البائع و حيث انه لا يعقل تلف الملك منه حقيقة فهو تلف الملك منه حكما و لا أثر لذلك الا الانفساخ، و بالجملة لو كان لسان الدليل ملكية البائع تم ما افاده، و لكن بما ان لسانه كون التالف من ملك البائع و لا أثر لهذا سوي الانفساخ فلا يتم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 523

لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار علي الحكم الثابت المحوج إلي ذلك التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال: بأن التلف من البائع يدل التزاما علي الفسخ الحقيقي، (1) ثمّ انه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل سرقته علي وجه لا يرجي عوده (2)

______________________________

(1) و علي

هذا فهل الانفساخ حقيقي أو حكمي قولان؟

و قد استدل للثاني بوجهين:

احدهما: ان المال في الآن المتصل بقائه بانعدامه يخرج عن المالية و الملكية، إذ الشي ء الذي يتلف في آن وجوده لا قيمة له في العرف و لا يبذل العقلاء بازائه مالا.

و فيه: اولا: انه لا يوجب سلب المالية ما لم يكن معلوما لعامة الناس.

و ثانيا: ان تقديره ملكا انما هو لرجوع ما جعل عوضا عنه الي مالكه، و لا فرق في ذلك بين كونه مالا و عدمه.

الثاني: ما استند إليه المحقق التقي (رحمه الله)، و هو: ان الجزء غير المتجزئ من الزمان غير موجود، فالملك الحقيقي ان وجد لا في زمان فهو محال، و ان وجد في زمان فيكون هذا الزمان لا محالة قابلا للتجزئة، فيمكن فرض الملك في الأقل من ذلك، فلو حكم بالملك في هذا المقدار مع امكان الأقل منه فلم لا يحكم في اكثر من ذلك، و لو التزم بكون الملك في اقل من الزمان المفروض ينقل الكلام في ذلك المقدار الأقل و نقول فيه ما قلناه في الفرض الأول.

و فيه: انه يلتزم بالملك في الجزء الآخر من الزمان عرفا، و كون ذلك الجزء قابلا للتجزئة عقلا غير مناف بعد كونه غير قابل لها عرفا.

فالأظهر هو الانفساخ الحقيقي علي ما تقتضيه ظواهر الأدلة، فان ما دل علي كون التلف من البائع يدل بالالتزام علي الانفساخ الحقيقي.

(2) الرابع: ان التلف الحقيقي مساوق للانعدام الا ان التلف عرفا اعم منه و من كل ما لا يرجي معه عود المبيع كما هو ظاهر خبر عقبة بن خالد، «1» حيث حكم فيه بانه من البائع بسبب السرقة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6،

ص: 524

و عليه يحمل رواية عقبة المتقدمة، قال في التذكرة و وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش و لو غرق البحر الأرض المبيعة، أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل، أو كسيها رمل، فهي بمثابة التلف، أو يثبت به الخيار للشافعية وجهان: أقواهما الثاني، و لو ابق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود، انتهي.

و في التذكرة ايضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن، و هو معسر مع عدم الاقباض احتمل ان يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن و الصبر ثلاثة ايام للرواية، و الاول اقوي لورودها في الباذل، و ان كان موسرا اثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثمّ ان وجد له مالا قضاه و إلا باع المبيع و قضي منه، و الفاضل للمشتري و المعوز عليه، انتهي.

و في غير موضع مما ذكره تأمل، ثمّ ان ظاهر كثير من الاصحاب: انه لا يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه، (1) فلو وقع بغير اذن ذي اليد كفي في رفع الضمان، كما صرح به في التذكرة، و الدروس، و غيرهما، و لو لم يتحقق الكيل و الوزن (2)

______________________________

لا يقال: ان تعذر التسليم عد من اسباب الخيار مع ان لازم هذا الوجه الانفساخ بسببه.

فانه يقال: تعذر التسليم ربما يكون مع العلم بالتمكن بعد حين أو مع الشك، و ربما يكون مع العلم أو الاطمئنان بعدم الامكان الي الابد، و الملحق بالتلف هو الثاني، و الموجب للخيار هو الأول. فتأمل فان ذلك قابل للمنع.

(1) الخامس: إذا وقع القبض غير واجد لشرائط صحته فهل ينتقل الضمان ام

لا؟

ملخص القول: انه مع فقد بعض ما يعتبر فيه ان صدق عليه القبض الذي حقيقته الاستيلاء علي المقبوض مع التصرف الخارجي علي ما تقدم انتقل الضمان، إذ لم يؤخذ في موضوع الانتقال سوي عنوان القبض، و عليه فلو تحقق القبض من دون اذن ذي اليد كفي و ان جاز استرداده.

(2) و أما الكيل و الوزن: فان كان المبيع شخصيا فهما غير معتبرين في القبض،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 525

بناء علي اعتبارهما في قبض المكيل، ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان: قال في التذكرة في باب بيع الثمار: انه لو اشتري طعاما مكايلة، فقبض جزافا فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري لحصول القبض، و ان جعلنا الكيل شرطا فيه فالاقرب انه من ضمان البائع، انتهي.

و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء علي اشتراط الكيل في القبض، و لا يخلو عن قوة، و هل يكتفي بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا في سقوط الضمان قولان: لا يخلو السقوط من قوة و ان لم نجعله قبضا. (1)

و كذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه و لم ينقله بناء علي اعتبار النقل في القبض، هذا كله حكم التلف السماوي و أما الاتلاف، (2) فإما ان يكون من المشتري، و أما ان يكون من البائع، و أما ان يكون من الاجنبي،

______________________________

و علي فرض الاعتبار تعبدا لا وجه لاعتبارهما في رفع الضمان،

و ان كان كليا فالوفاء لا يكون الا بالكيل و الوزن، فالقبض بلا اذن من البائع لا يحقق الوفاء و لا يشخص ملك المشتري كي يرتفع الضمان.

و أما النقل بناء علي اعتباره: فان كان معتبرا في صدق القبض فهو يعتبر في رفع الضمان و

ان كان غير معتبر فيه و ان اعتبر تعبدا فلا يكون معتبرا في رفع الضمان.

و مما ذكرناه ظهر عدم الاكتفاء بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا،

كما ظهر ما في كلمات المصنف من الاشكال.

(1) قوله لا يخلو السقوط من قوة و ان لم نجعله قبضا قد مر أنه لا قوة فيه، و لا وجه له مع عدم صدق القبض و تعليق الانفساخ علي القبض

انتقال الضمان بالاتلاف

(2) السادس: في الاتلاف و هو قد يكون من المشتري و قد يكون من البائع و قد يكون من الأجنبي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 526

فإن كان من المشتري، (1) فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط الضمان، لانه قد ضمن ماله باتلافه و حجته الاجماع لو تم و إلا فانصراف النص الي غير هذا التلف، فيبقي تحت القاعدة، قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما، و ان كان جاهلا، بأن قدم البائع الطعام المبيع الي المشتري فأكله، هل يجعل قابضا الاقرب انه لا يصير قابضا، و يكون بمنزلة اتلاف البائع، ثمّ مثل له بما إذا قدم المغصوب الي المالك فأكله، أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به، اما مع عدم الغرور ففي كونه كالتلف السماوي وجهان و لو صال العبد علي المشتري فقتله دفعا ففي التذكرة ان الاصح انه لا يستقر عليه الثمن.

و حكي عن بعض الشافعية: الاستقرار لانه قتله في غرض نفسه، و لو اتلفه البائع (2) ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير لعموم التلف في النص (3) لما كان باتلاف حيوان أو انسان أو كان بآفة

______________________________

(1) فان كان الاتلاف من المشتري فحيث انه مساوق للقبض فانه استيلاء مع التصرف الخارجي، فبالإتلاف يتحقق

القبض، فلا يكون من التلف قبل القبض، و لا فرق في ذلك بين العلم و الجهل.

و ان ابيت عن ذلك فان قلنا بشمول التلف للسماوي و الاختياري فينفسخ العقد من غير فرق بين الصورتين، و الا فلا بد من الرجوع الي ما تقتضيه القاعدة، و هو كون التلف من المشتري لا من البائع.

(2) و ان كان الاتلاف من البائع ففيه وجوه:

الأول: ما عن المبسوط و الشرائع و التحرير، و هو: كونه كالتلف موجبا للانفساخ.

الثاني: كونه موجبا لضمان الغرامة.

الثالث: تخيير المشتري بين الرجوع بالمسمي، و الرجوع ببدل التالف، اختاره جمع من الأساطين منهم المصنف (رحمه الله).

(3) و استدل للاول: بان الانفساخ في النص علق علي التلف و هو قد يكون قهريا و قد يكون اختياريا، و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين اسبابه، بل ظاهر خبر عقبة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 527

أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة اتلاف مال الغير، (1) أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن. اما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير المالك في العمل باحدهما. (2) و أما لأن التلف علي هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع،

فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر التسليم هنا، و هذا هو الاقوي (3)

و اختاره في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، و عن حواشي الشهيد نسبة الي اصحابنا العراقيين

______________________________

ابن خالد شموله للاختياري، فان السرقة المنزلة منزلة التلف لا تكون الا بالاختيار،

و لا فرق في هذا المعني بين اتلاف الأجنبي و البائع.

و فيه: ان التلف منصرف الي القهري. و بعبارة اخري: انه بحسب المتفاهم العرفي مقابل للاتلاف، و خبر عقبة

قد مر انه ضعيف السند لمحمد بن عبد الله بن هلال و بما ذكرناه يظهر مدرك القول الثاني،

(1) فانه إذا لم يشمله النبوي يشمله من اتلف مال الغير بل لو شك فيما ذكرناه و احتمل شمول التلف لمورد الاتلاف يجري استصحاب بقاء المبيع علي ملك المشتري،

و ينقح بذلك موضوع من اتلف.

و استدل للثالث بوجهين:

(2) الاول: انه يجتمع فيه سبب ضمان المسمي و الانفساخ و هو كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و سبب ضمان الغرامة و هو من اتلف مال الغير، و حيث لا مرجح لأحدهما فيحكم بالتخيير.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم شمول التلف لما إذا كان السبب اختياريا.

و ثانيا: انه لا تنافي بين الدليلين في المقام: فان دليل التلف قبل القبض يوجب انفساخ المعاملة و صيرورة المال للبائع، و يرتفع بذلك موضوع من اتلف مال الغير.

و بعبارة اخري: ان دليل من اتلف يدل علي تأثير الاتلاف علي تقدير وجود موضوعه، و ليس هو كسائر الادلة حافظا لموضوعه، و دليل التلف يوجب ارتفاع موضوعه، فلا تعارض بين الدليلين و لا تزاحم.

(3) الثاني: ان الاتلاف يوجب تعذر التسليم فيوجب الخيار للمشتري و حيث انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 528

فإن اختار المشتري القيمة، فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان: (1) من انها بدل عن العين و من ان دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل اقواهما العدم، و لو قبض المشتري بغير اذن البائع حيث يكون له الاسترداد فاتلفه البائع في يد المشتري، ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد، كما ان اتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض، أو كونه اتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة

لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض، و ان كان ظالما فيه وجهان، (2) اختار اولهما في التذكرة

______________________________

متعلق بمال المشتري فيشمله دليل من اتلف مال الغير، فله الخيار و التضمين بالبدل،

و حيث انه مع اعمال احدهما لا مورد للآخر يتخير بينهما.

و اورد عليه: بان دليل الخيار مع تعذر التسليم مختص بما إذا بقي المال علي قابلية التسليم، غاية الأمر تعذر لعارض.

و فيه: انه تخصيص بلا وجه، و عليه فيتخير المشتري بين الفسخ واخذ الثمن،

و الابقاء واخذ القيمة.

(1) قوله فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان قد استدل لعدم الجواز:

بان جواز الحبس، انما هو من جهة الالتزام الضمني و هو انما يكون بالتعاوض في تقابض العوضين فلا وجه لحبس القيمة و فيه ان الشرط هو التعاوض في تقابض العوضين اعم من انفسهما و بدليهما: فان هذا الالتزام انما هو للتحفظ علي ماله، بما انه مال لئلا يذهب هدرا خارجا مع عدم تسلم عوضه، و لا فرق في ذلك بين العوض و قيمته.

(2) و لو قبض المشتري بغير اذن البائع حيث يكون له الاسترداد فاتلفه البائع ففي كونه كإتلافه قبل القبض أو كونه اتلافا له بعد القبض وجهان،

اختار أو لهما في محكي التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 529

و لو اتلفه اجنبي جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة الا ان المتعين منها هو التخيير، لما تقدم، (1) و لو لا شبهة الاجماع علي عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ الي غير ذلك. (2)

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر،

(3) كما صرح في التذكرة

______________________________

و استدل لكونه كإتلافه قبل القبض بوجهين:

احدهما: ان القبض بلا اذن كالعدم،

و قد تقدم عدم توقف صدق القبض علي الاذن.

ثانيهما: ان اتلاف البائع اياه استرداد، فكما انه لو استرده

فاتلفه يكون من الاتلاف قبل القبض، و كذا لو تلف باسترداده، كذلك لو اتلفه فانه استرداد بالاتلاف.

و فيه: اولا: انه لو استرده فاتلفه لا نسلم كونه من الاتلاف قبل القبض.

و ثانيا: ان الاتلاف ليس استردادا- الذي هو عبارة عن اعادة الاستيلاء السابق لعدم كونه استيلاء- بل اتلاف لما هو تحت استيلاء الغير.

فالأظهر انه من الاتلاف بعد القبض.

(1) و ان كان الاتلاف من الاجنبي جاء فيه الوجوه الثلاثة المتقدمة و وجه الانفساخ فيه اظهر: لما في خبر عقبة من الانفساخ، بما هو بمنزلة اتلاف الأجنبي،

فالأظهر فيه ايضا، التخيير بين الفسخ، واخذ الثمن و الابقاء، واخذ البدل من الأجنبي.

(2) قوله و لو لا شبهة الاجماع علي عدم تعين القيمة لا إجماع عليه، و علي فرضه لا يكون تعبديا، فلا مانع من الالتزام به لو ساعد الدليل علي ذلك.

تلف الثمن كتلف المثمن

(3) صرح غير واحد بان تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين و قد استدل له بوجوه:

احدها: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين أو احتمال كونه احد المذكورات لا يعبأ به لعدم كونه تعبديا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 530

و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر ان بالقبض ينتقل الضمان الي القابض، بل الظاهر انه مما لا خلاف فيه، قال في المبسوط لو اشتري عبدا بثوب و قبض العبد، و لم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه، و إذا باعه و سلمه ثمّ تلف الثوب انفسخ البيع و لزمه قيمة العبد لبائعه، لأنه لا يقدر علي رده، انتهي.

و في باب الصرف من السرائر نظير ذلك، و قد ذكر هذه المسألة ايضا في الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، اعني مسألة

من باع شيئا معينا بشي ء معين ثمّ بيع احدهما ثمّ تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الأول، و قد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة ايضا. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة.

و يمكن ان يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله، (1) بناء علي عود ضمير الحق إلي البائع بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء علي صدق المبيع علي الثمن، (2) قال في التذكرة لو اكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض فان كانت في يد المشتري فكإتلافه

______________________________

(1) ثانيها: قوله (عليه السلام) في خبر عقبة المتقدم فإذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه بتقريب: ان ضمير لحقه يرجع الي البائع فيكون المراد ضمانه للثمن قبل القبض.

و فيه: ان كونه ضامنا للثمن اعم من الانفساخ، و ارادة الضمان المعاوضي لا ضمان الغرامة غير ثابتة.

و ما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) من صراحة الرواية أو ظهورها في ارادة الضمان المعاوضي و سراية هذا الحكم الي الثمن،

يرد عليه: انه مع اختلاف التعبير كيف يدعي ذلك، بل ترتب ضمانه علي قبض المبيع يؤيد ارادة ضمان الغرامة لا المعاوضي كما لا يخفي، مع ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

(2) ثالثها: صدق المبيع علي الثمن فيعمه النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 531

و ان كانت في يد البائع فكإتلافه، و ان كانت في يد اجنبي فكإتلافه، و ان لم تكن في يد احد انفسخ البيع، لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب الي آدمي فكان كالسماوية، انتهي.

ثمّ انه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به (1) في هذا الحكم

لم اجد أحدا صرح بذلك نفيا أو اثباتا. نعم ذكروا في الاجارة (2) و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض، لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم،

الا انه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات علي وجه يظهر كونه من المسلمات. قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة، أو بالتفريط و يسمي ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه الي ان قال: اما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة، فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كما في الصلح و الاجارة المعينة لما تقدم، و قال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع، انتهي.

و ظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة و العامة.

______________________________

وجه توهم الصدق ما اشتهر من صدق البيع علي الاشتراء لكونه من الأضداد.

و فيه: انه لا يصدق ذلك، و ليس البيع من الأضداد كما تقدم.

رابعها: كونه علي القاعدة من جهة الالتزام الضمني في ضمن البيع تسليم الثمن الي البائع، فإذا لم يمكنه التسليم بطل العوضية.

و فيه: انه ان قيد العوضية الاعتبارية ببقاء العوضين بطل البيع، و الا فلا يوجب اشتراط التسليم الا الخيار.

فالحق انه لا دليل علي الانفساخ بتلف الثمن.

(1) و بما ذكرناه يظهر الحال في سائر المعاوضات فان الانفساخ بتلف احد العوضين فيها لا مدرك له سوي بعض ما تقدم.

(2) نعم في خصوص الاجارة تنفسخ الاجارة بتلف العين فان المملوك فيها هي المنفعة، و مع عدم العين لا منفعة، فلا شي ء حتي يملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 532

مسالة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، (1)

فإن كان مما يقسط الثمن عليه انفسخ فيه فيما يقابله من

الثمن، لأن التالف مبيع قبل قبضه، (2) فإن البيع يتعلق بكل جزء إذ البيع عرفا ليس الا التمليك بعوض، و كل جزء كذلك. نعم اسناد البيع الي جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل. و لذا لم يطلق علي بيع الكل البيوع المتعددة، و كيف كان فلا اشكال و لا خلاف في المسألة، و ان كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن كيد العبد، فالاقوي انه كالوصف الموجب للتعيب.

فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد، فالمشتري مخير بين الرد و الارش، (3)

و إلا كان له الرد فقط، بل عن الايضاح ان الارش هنا اظهر، لأن المبيع هو مجموع بدن العبد، و قد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة و فيه تأمل.

بل ظاهر الشرائع عدم الارش هنا مع قوله به في العيب، فتأمل.

و كيف كان، فالمهم نقل الكلام الي حكم العيب الحادث قبل القبض، و الظاهر

______________________________

تلف بعض المبيع قبل قبضه

(1) الثامن: لو تلف بعض المبيع قبل قبضه فتارة: يكون التالف هو الجزء الذي يقسط عليه الثمن، و اخري: هو الوصف أو الجزء الذي لا يقسط عليه الثمن.

فتنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

(2) اما الاول: فمقتضي عموم النبوي كل مبيع تلف هو انفساخ البيع بالاضافة إليه لصدق المبيع علي كل جزء من الأجزاء، و عدم صدق البيوع علي بيع الدار مثلا لا ينافي ذلك، فان وحدة البيع فيه وحدة انشائية، و وحدة عمومية لا شخصية.

و أما الثاني: فالحق ان تلف الوصف لا يوجب الانفساخ و لا أخذ الارش.

اما الأول: فلأنه لا مقابل له من الثمن ليعود بالانفساخ،

و أما الثاني: فلان ثبوت الارش انما يكون بالتعبد، و دليله مختص بالعيب الموجود قبل العقد، و لا يشمل الحادث بعده.

(3) و

المصنف (رحمه الله) ذهب الي ان النبوي الدال علي الانفساخ في تلف الكل و الجزء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 533

المصرح به في كلام غير واحد انه لا خلاف في ان للمشتري الرد. و أما الخلاف في الارش، ففي الخلاف عدمه، مدعيا عدم الخلاف فيه و هو المحكي عن الحلي و ظاهر المحقق و تلميذه كاشف الرموز، لأصالة لزوم العقد و انما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري به و عن النهاية ثبوته، و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم،

و عن المختلف نقله عن القاضي و الحلبي و عن المسالك انه المشهور و استدلوا عليه بان الكل مضمون قبل القبض، فكذا ابعاضه و صفاته، و اورد عليه بان معني ضمان الكل انفساخ العقد و رجوع الثمن الي المشتري و المبيع الي البائع و هذا المعني غير متحقق في الوصف، لان انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن، بل يقابل بالاعم منه و مما يساويه من عين الثمن، بل يقابل بالاعم منه و مما يساويه من غير الثمن لان الارش لا يتعين كونه من عين الثمن، و يدفع بان وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن، و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده،

بل لا يضمن بمال اصلا، لجواز امضاء العقد علي المعيب بلا شي ء و حينئذ فتلفه علي المشتري لا يوجب رجوع شي ء الي المشتري، فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف الكل و الاجزاء المستقلة في التقويم

______________________________

الذي يقسط عليه الثمن يدل علي التخيير بين الرد و الامساك بالارش في المقام،

بتقريب: ان معني كونه من مال البائع وقوع التلف في ملكه، و لازم

تقديره في ملك البائع ان العقد كأن لم يقع، و مقتضاه لو كان التالف تمام المبيع انفساخ العقد، و لو كان التالف جزئه انفساخه بالنسبة الي ذلك الجزء، و لو كان هو الوصف أو الجزء الذي لا يقسط عليه الثمن و فقده موجب للتعيب جريان احكام العيب: فان المنفي علي الأخير حيثية الوصف لفرض وقوع العقد، و معني عدم وقوع العقد علي الموصوف مع فرض وقوعه وقوعه علي المعيب.

و فيه: اولا: ان الموضوع في النبوي تلف المبيع، و وصف الصحة و كذا ما بمنزلته ليس مبيعا و لا جزء منه، و حمله علي كون ذكر التلف من باب كونه اظهر الافراد يحتاج الي قرينة.

و ثانيا: ان الوصف لم يقع عليه العقد، ففرض العقد، كأن لم يكن غير مؤثر في ضمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 534

فحاصل معني الضمان إذا انتفي وصف قبل العقد أو انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين، و ان العقد من هذه الجهة كان لم يكن، و لازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع و انفساخه بالنسبة الي بعض اجزائه إذا تلف البعض، و انفساخ العقد بالنسبة الي الوصف بمعني فواته في ملكه، و تقدير العقد كان لم يكن بالنسبة الي حدوث هذا العيب، فكان العيب حدث قبل العقد، و العقد قد وقع علي عين معيبة، فيجري فيه جميع احكام العيب من الخيار و جواز اسقاط الخيار ردا و ارشا، و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معني الضمان بالنسبة الي ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في ايام الخيار و تعيبه في صحيح ابن سنان

عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك؟ قال علي البائع حتي يمضي الشرط،

فقوله (عليه السلام) علي البائع حكم بالضمان لموت العبد و حدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف و معناه تقدير وقوعه في ملك البائع نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل علي ضمان الوصف لان الضمان بهذا المعني حكم مخالف للاصل يقتصر فيه علي محل النص و الاجماع و هو تلف الكل أو البعض و لو لا الإجماع علي جواز الرد لأشكل الحكم به ايضا الا انه لما استند في الرد الي نفي الضرر قالوا ان الضرر المتوجه الي المبيع قبل القبض يجب تداركه علي البائع، و حينئذ

______________________________

الوصف و ترتب حكم الخيار.

و قد يقال في تقريب ما افاده المصنف (رحمه الله): بان المستفاد من النبوي تنزيل التلف،

و النقص قبل القبض منزلة التلف و النقص قبل العقد، و لازم ورود العقد علي الناقص اجراء احكام خيار العيب.

و فيه: مضافا الي الايراد الأول الذي اوردناه علي ما افاده المصنف (رحمه الله): ان غاية ما يستفاد من كون التلف من البائع دخوله في ملك البائع، بحيث يضاف إليه التلف و هو ملكه،

و ليس لازم ذلك فرض دخوله في ملك البائع قبلا أو فرض وقوع التلف قبل العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 535

فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس الي المعاوضة، فيكون في الرد ضرر، و كذلك في الامساك بغير ارش، فيوجب التخيير بين الرد و الارش، لنفي الضرر (1) لكن فيه ان تدارك ضرر الصبر علي المعيب يتحقق بمجرد الخيار في الفسخ و الامضاء، كما في سائر موارد الضرر الداعي الي الحكم بالخيار، هذا، و

مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة، هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية،

______________________________

كي يكون لازمه ورود العقد علي الناقص.

(1) و ربما يستدل لجواز الرد بل علي اخذ الارش: بحديث لا ضرر «1» بدعوي ان المبيع إذا تعيب قبل القبض يكون الصبر عليه ضررا علي المشتري، فوجوب البيع الذي حدث فيه العيب من جهة الضرر يكون مرفوعا بالحديث،

و حيث انه ربما تكون الحاجة ماسّة الي المعاوضة، فيكون فسخها ايضا ضررا عليه، فله الامساك واخذ الارش، فتكون النتيجة هو التخيير بين الأمرين.

و فيه: اولا: ما تقدم من ان حديث لا ضرر لا يصلح لاثبات الخيار.

و ثانيا: ان الصبر علي المعيب في نفسه لو كان ضرريا لا يقتضي كون العقد خياريا،

و البيع لا يصير ضرريا بذلك، بل هو بالقياس الي التعيب قبل القبض و بعده علي حد سواء.

و بالجملة: بما ان العقد لم يقع علي المعيب فلا يكون لزومه ابقاء للضرر و موجبا لاستقرار الضرر علي المشتري، و مجرد ارتفاع الضرر بذلك لا يصلح رافعا له.

و ثالثا: ان اخذ الارش مما لا وجه له اصلا، فان الامساك بلا ارش و ان كان ضررا علي المشتري الا انه مع الارش ضرر علي البائع، و لا أولوية لأحد الضررين علي الآخر فالأظهر عدم جواز الرد لو لا الاجماع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 536

و أما لو تعيب بفعل أحد، (1) فإن كان هو المشتري فلا ضمان (2) بأرشه، و إلا كان له علي الجاني أرش جنايته (3) لعدم الدليل علي الخيار في العيب المتأخر، إلا أن يكون بآفة سماوية، و يحتمل تخيير المشتري بين الفسخ و الامضاء، مع تضمين الجاني لارش جنايته (4) بناء

علي جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار، و مع الفسخ يرجع البائع علي الأجنبي بالارش.

مسألة الاقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة بين المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية (5)
اشارة

______________________________

(1) قوله و أما لو تعيب بفعل احد إذا قلنا بان التعيب بآفة سماوية يوجب الخيار بل الارش يقع الكلام في التعيب بفعل احد.

(2) فان كان ذلك بفعل المشتري لا كلام في انه لا يوجب شيئا.

(3) و ان كان بفعل الاجنبي أو البائع فقد يقال كما عن ظاهر الجواهر انه لا خلاف في الخيار و انما البحث في الارش،

و ظاهر المتن ثبوت الارش خاصة،

(4) ثمّ احتمل التخيير بين الرد و الامساك واخذ الارش من المتلف و لكن الخيار لا وجه له: فان الضرر، و ان اوجب ذلك، فانما هو إذا لم يكن بفعل احد، و الا فيتدارك بدليل الاتلاف بضمانه، و أما اخذ الارش فهو وجيه لعموم من اتلف،

فالاظهر هو اخذ الارش من المتلف خاصة.

حكم بيع ما لم يقبض

(5) قال (قدس سره) الاقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة ببيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية و في محكي التذكرة ان لعلمائنا في بيع ما لم يقبض خمسة اقوال، الجواز علي كراهية،

مطلقا، و المنع مطلقا، و المنع في المكيل و الموزون مطلقا و الجواز في غير هما، و المنع في الطعام خاصة، و المنع في المكيل و الموزون خاصة الا تولية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 537

لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه، الا تولية، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه. و صحيح الحلبي في الكافي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل يبتاع الطعام، ثمّ يبيعه قبل ان يكتال، قال:

لا يصلح له ذلك. و

صحيحه الآخر في الفقيه، قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن قوم اشتروا بزا، فاشتركوا فيه جميعا، و لم يقتسموا، أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال لا بأس به، و قال: ان هذا ليس بمنزلة الطعام، لأن الطعام يكال بناء علي ان المراد قبل ان يقبضه من البائع، اما إذا اريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا يدل علي ما نحن فيه، لتحقق القبض بحصوله في يد احد الشركاء المأذون عن الباقي، و رواية معاوية بن وهب، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام):

عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه الا ان يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور في الفقيه قال سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن، أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن، فان هو اقبضه كان ابرأ لنفسه

______________________________

و كما افاده العلامة العاملي هذه الاقوال لم ينقلها هكذا احد بل ادعي الاجماع علي بيع ما عدا المكيل و الموزون، و مع ذلك الاقوال اكثر من ذلك، و قد اختار العلامة نفسه في التحرير قولا غير ذلك، و هو حرمة بيع الطعام قبل قبضه الا تولية،

فالمهم صرف عنان الكلام الي ما يستفاد من النصوص،

و حق القول في المقام ان نصوص الباب طوائف: اكثرها مذكورة في المتن الاولي: ما دل علي المنع عن بيع ما لم يقبض مطلقا، كصحيح الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في الرجل يبتاع

الطعام ثمّ يبيعه قبل ان يكال قال: لا يصلح له ذلك «1».

و مثله خبر البصري «2» و ابي صالح «3» مع زيادة لا تبعه حتي تكيله، و صحيح الحلبي الآخر «4»

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 5.

(2) نفس المصدر حديث 14.

(3) نفس المصدر حديث 9.

(4) نفس المصدر حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 538

و صحيح الحلبي في الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتي يقبضه و ان كان تولية فلا بأس، و خبر خرام المروي عن مجالس الطوسي، قال ابتعت طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل ان اقبضه، فاردت بيعه فسألت النبي (صلي الله عليه و آله)، فقال: لا تبعه حتي تقبضه، و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اشتري الطعام الي اجل مسمي، فيطلبه التجار مني بعد ما اشتريته قبل ان اقبضه، قال: لا بأس ان تبيع الي اجل، كما اشتريت الخبر،

و المراد تأجيل الثمن، و قوله كما اشتريت اشارة الي كون البيع تولية، فيدل علي ثبوت البأس في غير التولية، و مصححة علي بن جعفر عن اخيه عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتي يقبض، و ان كان تولية فلا بأس.

و في معناها رواية اخري، خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي، و المشهور بين المتأخرين، فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة الي الكراهة، مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اشتري الطعام من الرجل، ثمّ ابيعه من رجل آخر قبل ان اكتاله،

فأقول له

ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته قال: لا بأس و رواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يشتري الطعام، ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه قال: لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس بذلك

______________________________

و صحيح منصور عنه (عليه السلام) عن رجل اشتري بيعا ليس فيه كيل و لا وزن، أ له ان يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ فقال (عليه السلام): لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن «1»

الثانية: ما دل علي الجواز مطلقا، كخبر الكرخي: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اشتري الطعام من الرجل ثمّ ابيعه من رجل آخر قبل ان اكتاله فاقول: ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته، قال (عليه السلام): لا بأس. «2» و نحوه خبر جميل «3»

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 18.

(2) الفقيه ج 3 ص 131.

(3) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 539

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها علي التولية، (1) و هو أولي من حمل تلك الأخبار علي الكراهة، مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها، مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول (2) و إن كانت أخف. و من ذلك يعلم ما في الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري طعاما، ثمّ باعه قبل ان يكيله قال: لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه، كما اشتراه فلا بأس ان يوليه، كما اشتراه إذا لم يربح به

أو يضع و ما كان عنده من شي ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه بناء علي أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة، فإن ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية، لأنه في قوة ان ذلك في التولية ليس مما لا يعجبني مع ان القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها في اصل الكراهة، و ان صرح بعضهم بكونها في التولية اخف.

و ربما يستدل علي الجواز بصحيحتي الحلبي و ابن مسلم، في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها، لكن لا يبعد ارادة الثمرة علي الشجرة، فيخرج عن المكيل و الموزون و ربما يستأنس للجواز بالاخبار الواردة في جواز بيع السلم علي من هو عليه، بناء علي عدم الفرق بين المسألتين

______________________________

الثالثة: ما دل علي التفصيل بين بيع التولية و غيره بالجواز في الأول خاصة،

كصحيح ابن حازم عنه (عليه السلام): إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه، فان لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه. «1» و نحوه غيره.

و للقوم في الجمع بين هذه النصوص مسلكان:

(1) احدهما: ما اختاره المصنف (رحمه الله) و جمع من الاساطين، و هو: تقييد الطائفتين الأوليتين بالثالثة لكونها اخص منهما، و هذا جمع عرفي.

(2) و المصنف (رحمه الله) ايده بان حمل النواهي علي الكراهة مع استثناء التولية يقتضي ان لا يكون بيع التولية مكروها مع انه لا خلاف في كراهته.

و لكن يرد علي هذا التأييد: ان ما دل علي كراهته- علي فرض حمل النواهي

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 540

و فيه تأمل لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر ان محل

الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض علي غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا.

و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض علي بائعه مسألة اخري ذكرها بعد مسألتنا و فروعها، و ذكر ان المجوزين في المسألة الاولي: جزموا بالجواز هنا،

و اختلف المانعون فيها هنا، و من العجب ما عن التنقيح من الاجماع علي جواز بيع السلم علي من هو عليه مع اجماع المبسوط علي المنع عن بيع السلم قبل القبض،

مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه و غيره، ثمّ ان صريح التحرير و الدروس:

الاجماع علي الجواز في غير المكيل و الموزون، مع ان المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا، و نسبه في موضع آخر الي جماعة منا و صريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول، قال في باب السلم إذا اسلف في شي ء، فلا يجوز ان يشرك فيه غيره، و لا ان يوليه لأن النبي (صلي الله عليه و آله) نهي عن بيع ما لم يقبض، و قال من اسلف في شي ء فلا يصرفه الي غيره الي ان قال و بيوع الاعيان مثل ذلك ان لم يكن قبض المبيع، فلا يصح الشركة و لا التولية و ان كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف.

______________________________

علي المنع- يدل علي الكراهة الخفيفة، علي فرض حملها علي الكراهة، و الاستثناء انما يدل علي عدم ثبوت ما ثبت لغيره له، فان كان هو المنع فهو المنفي عنه، و ان كان شدة الكراهة فهي.

ثانيهما: ما ذهب إليه اكثر المحققين، و هو: حمل الأخبار المتضمنة للنهي علي الكراهة.

و قد ذكروا في وجهه: ان حمل المطلق علي المقيد انما يكون جمعا

عرفيا لو لا العوارض، و هي في المقام تقتضي اولوية الحمل علي الكراهة،

و هي امور:

الأول: ان النصوص المانعة المطلقة حملها علي بيع التولية حمل علي الفرد النادر لوضوح ان التجار غالبا لا يعجلون بالبيع قبل القبض مع عدم الربح اصلا.

الثاني: انه لو بني علي التقييد لزم حمل ما تضمن من النصوص جواز بيع الثمرة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 541

و قد روي اصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض، ثمّ ان المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالاخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها،

و هو عجيب، فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة، لأقوال علمائنا و هي الكراهة مطلقا و المنع مطلقا و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما،

و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم، و هو قول الشيخ في المبسوط مدعيا عليه الاجماع و بالكراهة و العدم، و هنا سادس اختاره في التحرير، و هو التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة في غيره من المكيل و الموزون، و المراد بالطعام يحتمل ان يكون مطلق ما اعد للاكل، كما قيل انه موضوع له لغة، و يحتمل ان يكون خصوص الحنطة و الشعير، بل قيل انه معناه شرعا، و حكي عن فخر الدين نقله عن والده و حكي اختياره عن بعض المتأخرين.

و عن الشهيد انه حكي عن التحرير انه الحنطة خاصة، و حكي عن بعض اهل اللغة، ثمّ ان الظاهر ان اصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي، (1) كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف، و كون المبيع مضمونا علي البائع، فولاية المشتري علي التصرف ضعيفة.

______________________________

قبل قبضها علي خصوص

الباقية منها علي الشجرة.

الثالث: انه يجب علي التقييد تقييدها ايضا بما إذا لم يكن البيع قبل القبض من نفس البائع فانه جائز.

الرابع: انه يجب علي التقييد تقييدها ايضا بما إذا لم يكن البيع من احد الشركاء لشريكه فانه جائز علي ما دل عليه الخبر،

و بعض هذه الوجوه و ان لم يخل عن المناقشة الا ان في بعضها الآخر المؤيد بغيره كفاية،

فالأظهر هو الحمل علي الكراهة.

(1) و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين كون المبيع شخصيا ام كليا و هل المنع تكليفي أو وضعي؟ ربما يقال بالأول نظرا الي ظهور النهي في كونه مولويا لا إرشاديا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 542

و ذكر في التذكرة الكلي الغير المقبوض في فروع المسألة، و قال المبيع ان كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه،

فمع عدمه اولي فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به و به قال الشافعي،

انتهي. و كيف كان فلا فرق في النص و الفتوي بناء علي المنع بين المبيع المعين و الكلي بل و لا بناء علي الجواز، ثمّ ان ظاهر اكثر الاخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني، بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد اجماع المبسوط في خصوص الطعام، فإن جواز البيع و عدمه ظاهر ان في الحكم الوضعي الا ان المحكي عن المختلف انه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع،

لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد ان محل الخلاف الصحة و البطلان.

و بالجملة فلا ينبغي الاشكال في ان محل الخلاف في كلمات الاكثر هو الحكم الوضعي و

ينبغي التنبيه علي امور:

الاول: ان ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم، (1) فيصح بيعه قبل قبضه، قال في المبسوط اما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، و ان كان في الذمة، فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا، فأما إذا كان صرفا «فلا» لا يجوز بيعه قبل القبض

______________________________

و فيه: ان هذا الظهور انما هو في غير باب المعاملات و الموانع، و أما فيهما فله ظهور ثانوي في الارشاد، فيكون ظاهرا في الحكم الوضعي.

و أما ما عن الجواهر من استفادة البطلان من النصوص و ان كان النهي مولويا نفسيا،

فيرده: ما تقدم في اول الجزء الاول من هذا الشرح من ان النهي عن المعاملة لا يستلزم فسادها ما لم يكن ارشادا الي الفساد.

الثمن لا يكون ملحقا بالمبيع

و ينبغي التنبيه علي امور.

(1) الاول: هل يلحق الثمن بالمبيع في هذا الحكم كما هو ظاهر جماعة ام لا كما عن التذكرة و جامع المقاصد؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 543

و في موضعين من التذكرة قوي الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره و لو احال من له طعام من سلم الخ.

و استدل عليه في التذكرة بقول الصادق (عليه السلام) (1) و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم الي اجل، فلما بلغ الاجل تقاضاه، فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما، قال لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء. و يمكن ان يقال ان المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا ايضا، كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه، فلا يعم الا بعدم الفصل لو ثبت

و صرح في اواخر باب السلم بالحاق الثمن المعين لمبيع، و يؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين. (2)

______________________________

(1) و قد استدل لعدم اللحوق: بقول الامام الصادق (عليه السلام) المذكور في المتن «1»

و مورده و ان كان هو البيع ممن هو عليه الا انه يتم في غيره بعدم الفصل كما ان مورده جعل الثمن ثمنا ايضا، و لكن يتعدي الي جعله مبيعا.

و فيه: اولا: ان الغاء خصوصية المورد من الجهتين غير ثابت.

و ثانيا: انه مختص بغير المكيل.

و ثالثا: انه اما ظاهر في المعاوضة غير البيع أو مطلق.

و علي الأول لا كلام، و علي الثاني ان كانت نصوص الباب شاملة للثمن تخصصه و الا فيكفي العمومات للحكم بالصحة،

فالأظهر عدم اللحوق لاختصاص النصوص بالمبيع.

و قد استدل للحوق بوجهين:

(2) احدهما: ان ما ذكروه من التعليل للمنع في المبيع و هو قصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه جار في الثمن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب السلف حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 544

الثاني: هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال فلا يجوز جعله ثمنا و لا عوضا في الصلح و لا أجرة و لا وفاء عما عليه، أم يختص بالبيع، (1) ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع، و اظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة: الاقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات، و اظهر من الكل قوله في مواضع اخر لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد: خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي لم يجز عند الشافعي، لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض و الاولي عندي الجواز، و ليس هذا بيعا و انما

هو نوع معاوضة، انتهي.

و اصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض، لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في احكامه، و قد صرح جامع المقاصد ايضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره.

و قد تقدم في كلامه انه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به، لكن العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض، مع ان ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار في مطلق التصرف فصلا عن المعاوضة.

و قد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بانها معاوضة، و المعاوضة علي

______________________________

و فيه: ان هذا وجه اعتباري استحساني لا يصلح لأن يعتمد عليه في الحكم الشرعي.

ثانيهما: ان ما في ذيل خبر الحلبي ان هذا ليس بمنزلة الطعام ان الطعام يكال «1» يدل عليه فان المفهوم من التعليل ان كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه.

و فيه: اولا: انه اخص من المدعي لاختصاصه بالمكيل.

و ثانيا: ان المعلل هو بيع ما اشتراه من البر، فالتعليل لا يقتضي الا ان كل ما اشتراه مما يكال لا يباع قبل قبضه لا ان كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه.

و ثالثا: انه من الجائز ان يكون مورده البيع قبل ان يقبض حصته من الشركاء، بل هو الظاهر منه، فهو اجنبي عن المقام.

(1) الثاني: هل يختص الحكم بالبيع ام يعم مطلق الاستبدال و يكون البيع في النصوص

______________________________

(1) الوسائل- باب 16- من ابواب احكام العقود حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 545

المسلم فيه قبل القبض غير جائزة و هو و ان رجع عن الصغري فيما بعد ذلك

لكنه لم يرجع عن الكبري، و صرح في الايضاح بابتناء الفرع الآتي اعني احالة من عليه طعام لغريمه علي من له عليه طعام علي ان الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء،

و ان المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه واردة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من ارادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم ان الحوالة بيع أو ليست بيعا، بل هذه اظهر في كلماتهم. و قد صرح الاكثر بأن تراضي المسلم و المسلم إليه علي قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا باخباره علي جوازه.

و يؤيده ايضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام علي عمرو سلما، و لخالد مثله علي زيد، فقال زيد اذهب الي عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه لم يصح لخالد عند اكثر علمائنا، و به قال الشافعي و احمد، لأن النبي (صلي الله عليه و آله) نهي عن بيع الطعام بالطعام حتي يجري فيه صاعان صاع البائع و صاع المشتري و سيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة علي مسألة البيع قبل القبض.

نعم ذكر الشهيد انه كالبيع قبل القبض، و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما و اقبضه لنفسك علي حكم البيع قبل القبض،

و كيف كان، فالمسألة محل اشكال من حيث اضطراب كلماتهم، الا ان الاقتصار في مخالفة الاصل

______________________________

كناية عنه؟ وجهان.

الجمود علي ظواهر النصوص يقتضي الاختصاص بالبيع،

و لا يثبت هذا الحكم فيما إذا كان النقل بغير البيع لما انتقل إليه أو لما ينتقل عنه،

و حمل البيع علي ارادة مطلق الاستبدال يحتاج الي دليل مفقود و الغاء الخصوصية مع ما يري من تفاوت البيع مع غيره حكما و ان اتحدا نتيجة لا وجه

له،

و بعض الوجوه الاعتبارية مثل قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف و ان كان جاريا في غير البيع إذا كان النقل إليه بالبيع، الا انه لا يعتمد عليه في الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 546

المتيقن هو المتعين، و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الاجارة و الخلع، كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الارث و القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها. نعم لو ورث ما اشتري و لم يقبض أو اصدقه أو عوض عن الخلع جري الخلاف في بيعه.

الثالث: هل المراد من البيع المنهي ايقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع (1) به فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع كما لو نهي عن بيع ام الولد، أو حلف علي ان لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين ايقاع المبيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع، ظاهر النص و الفتوي (2) و ان كان هو الاول،

______________________________

اقرار البيع علي ما لم يقبض

(1) الثالث: هل المراد من البيع المنهي عنه ايقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع به؟ وجهان.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في جهات:

الاولي: ان محل الكلام ليس جواز ابقاء الكلي غير المقبوض، فانه داخل في التنبيه السابق، بل محل الكلام جعل البيع السابق مستقرا علي فرد غير مقبوض للبائع، كما إذا كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم و قال: اشتر بها طعاما و اقبضه لنفسك، فان من عليه السلم هو مشتري الطعام و لم يقبض ما اشتراه و جعل البيع السابق مستقرا علي ما اشتراه.

وجه توهم المنع عنه امران:

الأول:

ان النصوص مطلقة شاملة لاحداث البيع علي ما لم يقبض و اقراره عليه.

(2) و المصنف (رحمه الله) استظهر منها الاختصاص بالاول ثمّ قال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 547

بل هو المتعين في الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها، (1) الا أن المعني الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الاخبار (2) و عليه، فلو كان عليه سلم لصاحبه، فدفع إليه دراهم،

و قال اشتر لي بها طعاما و اقبضه لنفسك جري فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض، كما صرح به في الدروس و لكن في بعض الروايات دلالة علي الجواز مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الآخر احمال من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال: لا بأس إذا ائتمنه.

لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الي بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال: اري ان يولي ذلك غيرك و تقوم معه حتي يقبض الذي لك و لا تتولي انت شراءه.

و في موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة، و المطلوب صحة الشراء و عدم جواز الاستيفاء، ثمّ ان هذا كله، إذا كان الطعام المشتري شخصيا، و أما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك، لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشتري موقوف علي قبضه

______________________________

(1) بل هو المتعين في الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها المتقدمة.

(2) ثمّ نفي البعد عن الشمول للثاني عن سياق

مجموع الاخبار اما استظهاره الاختصاص من النصوص فمتين، فان ظاهرها كون الممنوع عنه احداث البيع علي ما اشتراه قبل قبضه،

كما ان دعواه تعينه في الأخبار المفصلة متينة، فان جعل المشتري مصداقا للكلي الثابت في ذمته بالاستسلاف ليس من بيع التولية مع التساوي و لا بيع مرابحة أو مواضعة،

مع الاختلاف في القيمة،

و أما ما نفي عنه البعد فغير تام لما عرفت من ظهور النصوص.

الثاني صحيح الحلبي «1» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 548

ثمّ اقباضه و بدون ذلك لا يمكن الايفاء الا بالحوالة أو التوكيل، فيدخل المسألة فيما ذكره في الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط. بل نسب الي المشهور من انه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه ان يكتال لنفسه من الآخر فإنه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع، بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه و ذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم، فالاقوي الكراهة، و علي التحريم يبطل، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه، و بني في الايضاح جريان الخلاف في المسألة علي ان الحوالة معاوضة أو استيفاء، و ان المعاوضة علي مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه، و انكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقض بناء علي ان الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا، بل هي استيفاء.

اقول ذلك اما وكالة و أما حوالة، و علي كل تقدير يمكن تعميم

محل الخلاف لمطلق المعاوضة و يكون البيع كناية عنها. و لذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة الي اكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض و استند الشيخ (رحمه الله) ايضا في المنع الي الاجماع علي عدم جواز بيع ما لم يقبض.

______________________________

و نحوه غيره.

و فيه: ان هذه النصوص تدل علي عدم مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة، و المطلوب عدم جواز الاستيفاء.

و قد يستدل للجواز: بصحيح ابن شعيب عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الآخر احمال من رطب أو تمر فيبعث إليه بدنانير فيقول: اشتر بهذه و استوف منه الذي لك، قال: لا بأس إذا ائتمنه «1».

و فيه: اولا: ان الاستدلال به يتوقف علي كون احمال الرطب عليه بعنوان بيع السلم لا بعنوان آخر، و الا فهو غير مربوط بالمقام، بل هو داخل تحت عنوان الوفاء المحض.

______________________________

(1) التهذيب ج 7 ص 42 باب بيع المضمون حديث 68.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 549

و قد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة، و لعله لذا قال الشهيد في الدروس في حكم المسألة انه كالبيع قبل القبض، لكنه قدس سره تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه ادراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة علي افراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد و انصب العقد عليه فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد السلم معه واردا علي ما في ذمة المسلّم منه غريمه و لما يقبضه بعد، و لا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل

موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه، فيتحقق الشرطان و يلحق

بالباب، و هذا من لطائف الفقه، انتهي.

و اعترضه في المسالك بأن مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان امرا كليا كان البيع المتحقق به هو الامر الكلي، (1) و ما يتعين لذلك من الاعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و ان كان الامر الكلي انما يتحقق في ضمن الافراد الخاصة، فإنها ليست عينه و من ثمّ لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق الي الذمة و المبيع المعين ليس كذلك. و حينئذ فانصباب العقد علي ما قبض كونه حينئذ مبيعا غير واضح. فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير متوجه، انتهي.

______________________________

و ثانيا: انه ظاهر في التوكيل في الشرط و القبض من قبل البائع، ثمّ استيفاء الحق منه، و هذا لا إشكال في جوازه.

الثانية: ان ما يشتري لاقرار البيع السابق عليه ربما يكون شخصيا و ربما يكون كليا، فان كان شخصيا فالكلام فيه من وجهين:

احدهما: ما تقدم من انه هل يشمل البيع الممنوع عنه قبل القبض لاقرار البيع علي ما لم يقبض ام لا، و قد تقدم ما هو الحق عندنا.

(1) الثاني: فيما افاده الشهيد الثاني (رحمه الله) الذي يذكره المصنف (رحمه الله) بعنوان الايراد علي الشهيد الأول. و حاصله: ان ما يتعين مصداقا للكلي المبيع من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و ان كان الأمر الكلي انما يتحقق في ضمن الافراد الخاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 550

اقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع و ان كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه،

الا انه يصدق عليه انتقاله الي المشتري بعقد البيع، (1) فإذا نهي الشارع عن بيع ما لم يقبض، نظير نهيه، عن بيع ام الولد،

و عن بيع ما حلف علي ترك بيعه، فإنه لا فرق بين ايقاع العقد عليه و بين دفعه عن الكلي المبيع، لكن يرد علي ما ذكره الشهيد عدم تشخص الكلي بالكلي الا بالحوالة الراجعة الي الاستيفاء أو المعاوضة و هذا لا يسوغ اطلاق البيع علي الكلي المتشخص به بحيث يصدق انه انتقل الي المحال بناقل البيع نعم هذا التوجيه انما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس، و هو ما إذا امره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتريه للمشتري، فإن مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه، فيصدق انه انتقل بالبيع قبل ان يقبض. و يمكن ان يقال ان تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشتري يكفي فيه اذن البائع في قبض بعض افراد الكلي المشتري من دون حاجة الي حوالة، فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق انه انتقل بالبيع قبل القبض، و كيف كان، فالاظهر في وجه ادخال هذه المسألة في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال، حتي المحقق بالحوالة، و ان لم نقل بكونها بيعا، و المسألة يحتاج الي فضل تتبع و الله الموفق

______________________________

فانها ليست عينه، و لذا لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق الي الذمة، ففي الحقيقة هذا اشكال صغروي لشمول النصوص لاقرار البيع السابق علي ما لم يقبض.

(1) و فيه: ان الكلي يوجد بوجود فرده فإذا انطبق الكلي علي فرد يصير ذلك الفرد مبيعا بالحمل الشائع، و يصدق عليه انه انتقل الي المشتري بعقد البيع.

و ان كان كليا، فيدخل تحت عنوان المسألة المعنونة في

الفقه، و هي: انه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فامر غريمه ان يكتال لنفسه من الآخر، فانه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع و غيرها: بانه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه.

و تنقيح القول فيها: ان محل الكلام ليس بيع ماله علي غيره بما هو عليه، فانه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 551

و استدل في الحدائق علي الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح، و موثق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل عليه كر من طعام، فاشتري كرا من رجل آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كرك، قال: لا بأس به، و فيه انه لا دلالة لها علي محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين، و مورد الرواية اعطاء ما اشتري به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم انه سلم أو قرض أو غيرهما. و قد استدل به في التذكرة علي جواز إيفاء الفرض بمال السلم، و لذا قال جامع المقاصد في شرح قوله (رحمه الله) و لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم الخ، (1) فإن قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت: لأن المنع انما هو من بيع ما لم يقبض، و إذا كان احد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا لامكان اعتباره ثمنا، إذ لا معين لاحدهما، انتهي. و يمكن ان يقال ان ظاهر الحوالة بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بازاء ما لغريمه عليه، (2) فما له معوض و مال

غريمه عوض، فإذا كان ماله علي غريمه سلما كفي في المنع عن تمليكه بازاء مال غريمه عليه، لأنه من بيع ما لم يقبض، و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية

______________________________

من افراد بيع ما لم يقبض،

بل محل الكلام تعيين ما عليه فيما له علي غيره بحيث يكون وفاء، و تصوير ذلك انما هو بقبض ماله علي غيره ثمّ تعيين ما عليه فيه، و الا فلا يعقل انطباق الكلي المتخصص بكونه في ذمة احد علي ما هو المتخصص بكونه في ذمة الآخر، و عليه فتعيين ذلك اما ان يكون بالتوكيل في القبض، و أما بمجرد الاذن في قبض من له في ذمته الكلي، و أما بحوالة من له عليه علي من عليه له.

اما التوكيل: فلا اشكال فيه و لا يكون حينئذ من بيع ما لم يقبض و أما الاذن: فالظاهر كفايته في تعيين ماله علي غيره، و لكن يصير سببا لاستقرار المبيع بالسلم علي ما لم يقبض.

(1) و أما الحوالة: فان قلنا بان ظاهرها بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بازاء ما لغريمه عليه، فماله معوض و مال غريمه عوض،

(2) كما افاده المصنف (رحمه الله) فهي بيع حقيقة بصورة الحوالة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 552

نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله امكن خروجه عن المسألة، لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا. و إلي هذا ينظر بقوله في القواعد و التحرير تبعا للشرائع، و لو كان المالان أو المحال به قرضا صح، و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه لتخصيص المحال به بالذكر مع ان العكس كذلك، و استحسان تعبير الدروس بلفظ احدهما، ثمّ قال: و ليس له ان

يقول أن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر، إذ ربما يقال ان شبهه بالثمن اظهر لاقترانه بالباء و كل ذلك ضعيف،

انتهي.

و فيه ما لا يخفي فإن الباء هنا ليس للعوض، و ظهور الحوالة في كون انشاء التمليك من المحيل لا ينكر، و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه، كما في المشتري المقدم لقبوله علي الايجاب بعيد و يدل علي هذا ايضا قولهم ان الحوالة بيع، فإن ظاهره كون المحيل بائعا، ثمّ ان المفروض في المسألة المذكورة ما لو اذن المحيل المحال في اكتياله لنفسه، بأن يأتي بلفظ الاحالة، كما في عبارة القواعد، أو يقول له اكتل لنفسك، كما في عبارتي المبسوط و الشرائع. اما لو وكله في القبض عن الاذن، ثمّ القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني «فيبني» علي جواز تولي طرفي القبض،

و الأقرب صحته لعدم المانع.

______________________________

فتدخل في بيع ما لم يقبض من دون حاجة الي عنوان اقرار البيع السابق علي ما لم يقبض.

و ان قلنا بانها عبارة عن نقل ما ذمة المحال عليه الي المحتال عوضا عما في ذمته لا تبديلا فهي تكون نقلا لما لم يقبض،

فيدخل تحت العنوان المتقدم في التنبيه السابق، و لا ربط له باقرار البيع السابق، فانه يملك بهذا النقل لا بالبيع السابق.

و ان قلنا بانها ايفاء محض فهي لا تصح، فان ما ذمة المحال عليه كلي لا ناقل له علي الفرض، و لا يكون فردا كي ينطبق عليه ما في ذمة المحيل فلا وجه لانصباب عقد السلم علي موردها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 553

الرابع: ذكر جماعة انه لو دفع الي من له عليه طعام دراهم، و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح، (1)

لأن مال الغير يمتنع شراء شي ء به لنفسه، و وجهه ان قضية المعاوضة انتقال كل عوض الي ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر، فلو انتقل الي غيره لم يكن عوضا و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة علي القول بافادتها للاباحة، (2) فإنه يجوز ان يشتري به شيئا لنفسه علي ما في المسالك من جواز جميع التصرفات باجماع القائلين بصحة المعاطاة و ايضا، فقد ذكر جماعة منهم العلامة في المختلف و قطب الدين و الشهيد علي ما حكي عنهما، ان مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق علي ملكه، و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء، قال في المختلف، بعد ما نقل عن الشيخ في النهاية: انه لو غصب مالا و اشتري به جارية كان الفرج له حلالا، و بعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية و مذهب الحلي ان كلام النهاية يحتمل امرين.

احدهما: اشتراء الجارية في الذمة، كما ذكره في غير النهاية.

______________________________

(1) الرابع: و لو دفع الي من له عليه طعام دراهم و قال: اشتربها لنفسك طعاما فهل يصح، ام لا وجهان مبنيان علي ما حقق في اول البيع من: ان حقيقته هي المعاوضة المقتضية لدخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، ام حقيقته الاعطاء لا مجانا غير المقتضي لذلك، فعلي الأول لا يصح، و علي الثاني يصح، و حيث ان المختار هو الثاني كما تقدم فالأظهر هي الصحة،

و عليه فهل يصير المبيع حينئذ عوضا عما في ذمته من الطعام ام لا؟ الظاهر ذلك،

فان في وفاء الدين لا يعتبر كون ما يوفي به ملكا للمديون

و يصح اداء الغير من ماله،

(2) و أما مسالة المعاطاة و المقبوض بالعقد الفاسد و لو من جهة الغصبية مع العلم بذلك فقد تقدم الكلام فيهما مفصلا في الجزء الاول من هذا الشرح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 554

الثاني: أن يكون البائع عالما بغصب المال، فإن المشتري حينئذ يستبيح وطئ الجارية و عليه وزر المال، انتهي.

و قد تقدم في فروع بيع الفضولي و في فروع المعاطاة، نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما، و يمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك المتصرف، كما يلزمهم القول بذلك في وطئ الجارية المأخوذة بالمعاطاة. و توجيه الثاني بأنه في معني تمليك ماله مجانا بغير عوض، و كيف كان، فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه، (1) و إذا ثبت علي غير ذلك فلا بد من توجيهه اما بانتقال احد العوضين الي غير مالكه قبل المعاوضة و أما بانتقال العوض الأخر إليه بعدها. و من هنا يمكن ان يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك،

علي ارادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعني اشتر في ملكي و خذه لنفسك، كما ورد في مورد بعض الاخبار السابقة اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك، و يمكن ان يقال انه إذا اشتري لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا، كما لو باع الغير لنفسه، فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض تعين له و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله علي مالك الطعام، فافهم.

______________________________

(1) قوله فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه و فيه انه لم يرد آية و لا رواية دالة علي كون المبيع معاوضة بين المالين،

و قد مر في اول كتاب البيع عند بيان حقيقته من ان اصل ذلك هو ما عن المصباح في تعريف البيع بانه مبادلة مال بمال، و قد اوردنا عليه بايرادات خمسة خامسها: ان مقتضي هذا التعريف لزوم دخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، مع انه لا يعتبر ذلك، أ لا تري ان الانسان يعطي الدرهم الي الخباز، و يقول اعط الخبز للفقير، فان هذا بيع مع انه لا مبادلة فيه، و الالتزام بانه يملك الفقير الدرهم اولا ثمّ يعطي الخباز، أو انه يوكله في تمليكه الخبز اياه ثمّ اعطائه للفقير، خلاف الواقع الذي عليه بناء العرف و العقلاء في امثال هذه المعاملة و علي ذلك فلا اشكال في المسألة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 555

مسألة لو كان له طعام علي غيره، فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته (1)
اشارة

فهنا مسائل ثلاث:

احداها: ان يكون المال سلما

بأن اسلفه طعاما في العراق و طالبه بالمدينة، مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة، (2) فلا اشكال في عدم وجوب ادائه في ذلك البلد،

و اولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد، و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم، و تراضيا علي ذلك، قال الشيخ لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، (3) و هو حسن بناء علي ارادة بيع ما في ذمته بالقيمة، أو ارادة مطلق

الاستبدال من البيع المنهي عنه. اما لو جعلنا المنهي عنه خصوص البيع، و لم يحتمل التراضي علي خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا، و السلم ثمنا، فلا وجه للتحريم، لكن الانصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية،

فيبني الحكم علي انصراف التراضي المذكور الي البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال. و أما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره علي ذلك قولان، المشهور كما قيل: العدم، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.

______________________________

مطالبة الطعام في غير مكان حدوثه في ذمته

(1) مسألة: لو كان له طعام علي غيره فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته فهنا فروع ثلاثة:

(2) الاول: ما لو كان المال سلما فلو طالبه في غير مكان المعاملة مع عدم اشتراط التسليم فيه لا يجب ادائه كما هو مقتضي الشرط الضمني بالتسليم في بلد المعاملة،

و اولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد.

و لو طالبه في ذلك البلد بقيمة بلد وجوب التسليم،

فتارة: يتراضيان علي ذلك،

و اخري: لا يرضي المسلم إليه، فان تراضيا جاز.

(3) و استدل للعدم: بانه من بيع الطعام قبل قبضه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 556

و عن جماعة منهم العلامة في

التذكرة: الجواز، لأن الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم (1) فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه.

و توضيحه أن الطعام قد حل و التقصير من المسلم إليه، (2) حيث انه لو كان في ذلك البلد امكنه اداء الواجب بتسليم المال الي المشتري ان حضر، و إلا دفعه الي وليه و لو الحاكم أو عزله، و كيف كان فتعذر البراءة مستند الي غيبته، فللغريم مطالبة قيمة بلد الاستحقاق حينئذ، و قد يتوهم انه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و ان

______________________________

و فيه: اولا: انه قد تقدم جوازه.

و ثانيا: علي فرض العدم يكون البيع من البائع مستثني منه.

و ثالثا: ان الممنوع علي فرضه هو جعل الطعام مثمنا، و لا تشمل النصوص ما لو جعل ثمنا.

و رابعا: انه يختص بما لو اريد بيع ما في ذمته بالقيمة، و لا يعم غيره من افراد الاستبدال،

و ان لم يرض المسلم إليه بذلك.

فهل يجوز اجباره علي ذلك ام لا؟ وجهان استدل للأول بوجهين:

(1) احدهما: ما هو ظاهر الكلام المحكي عن التذكرة و هو: ان التسليم في البلد من قبيل القيود المشخصة للكلي المبيع، التي بتعذرها يصدق تعذر وجود المبيع في الخارج، و مع تعذره للمشتري مطالبة قيمته.

و فيه: ان التسليم في البلد،- الذي يقتضيه اطلاق العقد بحسب الشرط الضمني الارتكازي- ليس من قبيل القيود المشخصة، بل هو من قبيل الشروط الخارجية التي لا يصدق تعذر المبيع بتعذرها، بل غايته ثبوت الخيار للمشتري.

(2) الثاني: ما افاده المصنف ذكره توضيحا لما افاده العلامة في التذكرة و حاصله: ان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 557

كان ازيد قيمة كما سيجي ء القول بذلك في القرض، و لو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة

لبلد الاستحقاق. فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق، و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق، فيطالبه بنفس الحق.

الثانية: أن يكون ما عليه قرضا، (1)

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة، لأنها إنما يستحقها في بلد القرض، فإلزامه بالدفع في غيره إضرار خلافا للمحكي عن المختلف، و قواه جامع المقاصد هنا، لكنه جزم بالمختار في باب القرض، أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق، فالظاهر هو جوازها وفاقا للفاضلين.

و حكي عن الشيخ و القاضي. و عن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من ان الحق هو الطعام علي ان يسلم في بلد الاستحقاق و قد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق،

فلا وجه لسقوطه.

غاية الامر الرجوع الي قيمته لاجل الاضرار، و لذا لو لم يختلف القيمة،

فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر، لكن مقتضي ملاحظة التضرر اناطة الحكم بعدم الضرر علي المقترض أو بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة، كما فعله العلامة في القواعد و شارحه جامع المقاصد

______________________________

شرط الأداء في بلد المعاملة- الذي هو شرط لكل من المتبايعين علي الآخر- قد تعذر تحققه في الخارج بسوء اختيار البائع، فليس له عند مطالبة المشتري منه حقه الامتناع عن الأداء.

و فيه: ان اشتراط التسليم في البلد ينحل الي شرطين: احدهما: اشتراط القبض في البلد، ثانيهما: عدم التسليم في غير ذلك، اي عدم ثبوت حق في التسليم في غيره، و سوء الاختيار انما يسقط حق البائع من ناحية الشرط الأول، و لا وجه لابطاله حقه من ناحية الشرط الثاني،

فالأظهر عدم جواز الاجبار كما عن المشهور، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.

(1) الثاني: ان يكون ما عليه قرضا لا خلاف في جواز اخذا لقيمة بسعر بلد القرض،

فهل يجوز له

المطالبة بالمثل في غير بلد القرض مع اختلاف القيمة ام لا؟ جهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 558

ثمّ انه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض، مع تعذر المثل في بلد المطالبة (1)

و فيه تأمل، فتأمل.

و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة، (2) و كأنه يتفرع علي ما عن الشهيد (رحمه الله) في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد القرض حتي مع عدم تضرره، فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق اولي. و لعله لأن مقتضي اعتبار بلد القرض ان ليس للمقرض الا مطالبة تسليم ماله في بلد القرض، و مجرد تعذره في وقت من جهة توقفه علي مضي زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة، كما لو اخر التسليم اختيارا في بلد القرض، أو احتاج تسليم المثل الي مضي زمان، فتأمل.

______________________________

اقواهما الثاني، لأن مقتضي اطلاق عقد القرض التسليم في بلد القرض، و عليه فلو طالب لا يجب دفع المثل،

(1) فما عن المختلف من وجوبه ضعيف و هل له المطالبة بقيمة بلد الاستحقاق- كما عن الشيخ و القاضي و الفاضلين و غيرهم بل عن غاية المرام: نفي الخلاف فيه- ام لا كما في الجواهر؟ قولان:

اظهر هما الثاني، إذ لا وجه لجواز المطالبة سوي ما تقدم في المسألة الاولي الذي عرفت ضعفه.

(2) فما عن الشهيد و في الجواهر من عدم جواز المطالبة بالمثل و لا بالقيمة هو الأظهر.

و أما خبر سماعة سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له عليه مال فغاب عنه فرآه يطوف حول الكعبة، أ يتقاضاه؟ قال (عليه السلام): لا تسلم عليه و لا تروعه حتي يخرج من الحرم «1».

فلا يعلم كونه قرضا، مع انه مساق

لبيان حرمة الحرم و ان له المطالبة في غير ذلك المكان بالتادية في بلد القرض و ربما كان هاربا منه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب الدين و القرض حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 6، ص: 559

الثالثة: ان يكون الاستقرار من جهة الغصب، (1)

فالمحكي عن الشيخ و القاضي انه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب، و لعله لظاهر قوله تعالي:

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد، فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن، فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا، و المالك لاضعافه في غيره يعد فقيرا، فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية، لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الازمان. فإن اللازم علي هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه، و حله ان المماثلة في الجنس و الصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية، و لو لا قاعدة نفي الضرر و انصراف اطلاق العقد في مسألتي القرض و السلم لتعين ذلك فيهما ايضا، و لو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد، لأن اللازم عليه حينئذ، المثل في هذا البلد لو تمكن فاذا تعذر قامت القيمة مقامه و في المبسوط و عن القاضي قيمة بلد الغصب و هو حسن بناء علي حكمها في المثل و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره، و يحتمل وقت التعذر، لأنه وقت الانتقال الي القيمة. و في المسألة اقوال: مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد، فليراجع الي هنا

______________________________

(1) الثالث: ان يكون الاستقرار من جهة الغصب و قد اشبعنا الكلام في هذه المسألة في الجزء

الثالث من هذا الشرح في المقبوض بالعقد الفاسد.

الحمد لله اولا و آخرا الجزء السادس.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.