رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: موسوي حسيني جزائري، سيد نعمه الله

عنوان واسم المؤلف:ریاض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار

مظهر:3ج

الناشر: موسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان

مقدمة الكتاب: مقدمة الكتاب: مقسم إلى ثلاثة مجلدات كبيرة:

ج1 - هناك ثلاثة أبواب ومواسم وأغراض في معرفة النبي باري وصفاته ، وحياة وفضائل وتحديات ومعارك النبي أكرم وحضرة علي (علیه السلام).

ج2 - في وصف حالات حضرة صدّيقه طاهرة وأبنائها العشرة الأبرياء من الإمام مجتبى إلى الإمام العسكري (علیه السلام)

ج3 - عن حضرة القائم (عج) وغيابه المشرف.

الموضوع:تاریخ معصومین علیهم السلام

رقم الببليوغرافيا الوطنية: ع 514

ص: 1

المجلد 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ریاض الابرار فی مناقب الائمة الاطهار

تالیف: سید نعمة الله بن عبدالله جزائری

موسسه التاریخ العربی

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

موسسه التاریخ العربی

ص: 4

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

ص: 9

ص: 10

مقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي

الحمد للّه الذي جعل أهل البيت عليهم السّلام كسفينة نوح من ركب فيه نجى و الصلاة على نبيّه و عترته سادات الورى،و بعد فإنّ المذنب الفاني نعمة اللّه الموسوي الحسيني وفّقه اللّه تعالى لمراضيه و جعل مستقبل أحواله خيرا من ماضيه يقول:هذا هو المجلّد[التالي]من كتابنا رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار و هذه الأبواب في مناقب البتول بنت الرسول صلّى اللّه عليه و اله المعصومة المؤيّدة و المنصورة المسدّدة الانسية الحوراء فاطمة الزهراء صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها و في مناقب ولديها سيّدي شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن و أبي عبد اللّه الحسين و في معجزات الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين و ابنه الإمام باقر العلوم و أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق و الإمام موسى بن جعفر الكاظم و عليّ بن موسى الرضا و محمّد الجواد و عليّ الهادي و الحسن العسكري سلام من الرحمن نحو جنابهم فإنّ سلامي لا يليق ببابهم.

ص: 11

أحوال فاطمة الزهراء

اشارة

أمّا أحوال فاطمة الزهراء ففيه أبواب:

الباب الأوّل: في ولادة فاطمة و أسمائها و بعض معجزاتها و مكارم أخلاقها و مجمل أحوالها

في كتاب الأمالي مسند إلى الصادق قال:إنّ خديجة عليها السّلام لمّا تزوّج بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هجرتها نسوة مكّة فكنّ لا يتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة،فلمّا حملت بفاطمة عليها السّلام كانت تحدّثها من بطنها و تصبّرها فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوما فقال:يا خديجة من تحدّثين؟

قالت:الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني.

قال:هذا جبرئيل يخبرني أنّها انثى و أنّ اللّه تعالى سيجعل نسلي منها و يجعل من نسلها أئمّة خلفاء في أرضه،فلمّا حضرت ولادتها وجّهت إلى النساء قريش لما تليه النساء فأرسلن:

أنت عصيتنا و تزوّجت يتيم أبي طالب فلسنا نجيء،فاغتمّت لذلك،فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهنّ من بني هاشم ففزعت منهنّ فقالت إحداهنّ:لا تخرجي يا خديجة فإنّا رسل ربّك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية و هي رفيقتك في الجنّة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثوم بنت موسى بن عمران بعثنا اللّه إليك لنأمنك ممّا على النساء من النساء،فجلسن حولها،فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة فلمّا سقت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة و لم يبق في الدّنيا موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور و دخل عشرة من الحور العين مع كلّ واحدة طشت و ابريق من الجنّة،و في الإبريق ماء من الكوثر فغسّلتها بماء الكوثر و لفّتها واحدة من النساء الأربع بخرقة بيضاء و قنّعتها باخرى ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة بالشهادتين و قالت:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ أبي سيّد الأنبياء و أنّ بعلي سيّد الأوصياء

ص: 12

و ولدي سيّد الأسباط،ثمّ سلّمت عليهنّ و سمّت كلّ واحدة باسمها و تضاحكن معها و بشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة و حدث في السماء نور ظاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة:خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكية ميمونة فتناولتها فألقمتها ثديها فكانت فاطمة عليها السّلام تنمى في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر،[و تنمى في الشهر]كما ينمى الصبي في السنة (1).

و في عيون الأخبار بإسناده إلى الهروي عن الرضا عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لمّا عرّج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من بطنها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السّلام حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة.

و في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى الصيرفي عن الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:خلق نور فاطمة عليها السّلام قبل أن يخلق الأرض و السماء و هي حوراء إنسيّة خلقها من نورها قبل أن يخلق آدم و كانت في حقّة تحت ساق العرش طعامها التسبيح،فلمّا أخرجني من صلب آدم جعلها تفّاحة في الجنّة فأتاني بها جبرئيل قال:يا محمّد كلها ففلقتها فرأيت نورا ساطعا فقال:هذا النور لفاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار و ظلم أعداؤها عن حبّها،انتهى ملخّصا (2).

و في كتاب العلل بإسناده إلى جابر قيل:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنّك تلثم فاطمة،فقال:إنّ جبرئيل أتاني بتفّاحة من تفّاح الجنّة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي،فواقعت خديجة و حملت عليها السّلام فأنا أشمّ منها رائحة الجنّة (3).

و في ذلك الكتاب أيضا عن ابن عبّاس أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:أكلت رطبة من الجنّة فتحوّلت نطفة في صلبي فواقعت خديجة فحملت بفاطمة،فإذا اشتقت إلى الجنّة شممت رائحتها (4).7.

ص: 13


1- -الأمالي:692 ح 1،و شجرة طوبى:248/2.
2- -معاني الأخبار:107/2،و أمالي الصدوق:546 ح 7.
3- -علل الشرائع:183/1 ح 1،و البحار:5/43 ح 4.
4- -علل الشرائع:184/1 ح 2،و أمالي الصدوق:546 ح 7.

و في كتاب المناقب عن جابر قال:ما رأيت فاطمة تمشي إلاّ ذكرت رسول اللّه،تميل على جانبها الأيمن مرّة و على جانبها الأيسر مرّة،ولدت بعد النبوّة بخمسين سنين و بعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الاخرى و أقامت بمكّة[مع]أبيها ثماني سنين و هاجرت معه إلى المدينة فزوّجها من عليّ عليه السّلام بعد مقدمها المدينة بسنتين أوّل يوم من ذي حجّة و روي يوم السادس،و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لها ثمانية عشر سنة و سبعة أشهر و ولدت الحسن عليه السّلام و لها اثنا عشر سنة (1).

أقول:و روي غير هذا أيضا ممّا يقاربه و روي أنّ نقش خاتمها عليها السّلام:أنا من المتوكّلين.

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لفاطمة عند اللّه عزّ و جلّ تسعة أسماء فاطمة و الصدّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدّثة و الزهراء،و سمّيت فاطمة لأنها فطمت من الشرّ و لو لا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام تزوّجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه (2).

أقول:فيه دلالة على أنّ عليّا و الزهراء عليها السّلام أشرف من اولي العزم غير أبيها صلّى اللّه عليه و اله.و أمّا قدح الناصبي الرازي بأنّ نوح و إبراهيم من آبائها فلا نكاح هناك،فلم يكن فيه دلالة على أشرفيّتها عليهما.

فالجواب عنه ظاهر أمّا أولا،فبأنّ المراد الكفوية مع قطع النظر عن الأبوية كما يدلّ عليه ذكر آدم.

و أمّا ثانيا فلعدم الفصل بين نوح و إبراهيم و غيرهما من أولي العزم.

و في كتاب العلل عن الصادق عليه السّلام:سمّيت الزهراء لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام بالنور في اليوم ثلاث مرّات كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور حجراتهم فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فسألون فيرسلون إلى منزل فاطمة فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي و النور سلع من محرابها من وجهها فيعلمونه أنّه من فاطمة فإذا انتصف النهار فتصفرّ ثيابهم و ألوانهم فيسألون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيرسلهم8.

ص: 14


1- -المناقب:132/3،و روضة الواعظين:143.
2- -امالي الصدوق:688 ح 18،و روضة الواعطين:148.

إلى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها بالصفرة فيعلمون أنّها منها فإذا كان آخر النهار و غربت أحمرّ وجهها عليها السّلام فأشرقت وجهها بالحمرة فرحا و شكرا للّه عزّ و جلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرّ حيطانهم فيسألونه فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها جالسة تسبّح اللّه و تمجّده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ ذلك النور منها فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّى ولدت الحسين عليه السّلام،فهو ينقلب في وجوهها إلى يوم القيامة منّا أهل البيت إمام بعد إمام (1).

أقول:لعلّ النور الأوّل نور المعرفة و اليقين و الثاني نور الخوف و الثالث نور الحياء و وجه المناسبة ظاهر.

و في ذلك الكتاب عنه عليها السّلام سمّيت الزهراء،لأنّ اللّه عزّ و جلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة للّه ساجدين،و قالوا:إلهنا و سيّدنا ما هذا النور؟

فأوحى اللّه إليهم:هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من نور عظمتي أخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء،و أخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري و هم خلفائي في أرضي (2).و فيه أيضا عن أبي الحسن عليه السّلام:سمّيت فاطمة لأنّ اللّه تبارك و تعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يتزوّج في الأحياء و أنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله.

فلمّا ولدت فاطمة سمّاها اللّه عزّ و جلّ فاطمة لما[اخرج منها]و جعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا،فبهذا سمّيت فاطمة لأنّها فطحت طمعهم إلى قطعته (3).

و عنه عليه السّلام:إنّها فطمت بالعلم و فطمت عن الطمث (4).

و عن أبي جعفر:إنّ لفاطمة وقفة على باب جهنّم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني1.

ص: 15


1- -علل الشرائع:180/1 ح 2،و بحار الانوار:11/43 ح 2.
2- -علل الشرائع:180/1 ح 1،و الامامة و التبصرة:133.
3- -علل الشرائع:187/1 ح 2،و اللمعة البيضاء:95.
4- -عوالي اللئالي:333/1.

كلّ رجل مؤمن أو كافر فيوم بمحب كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّا فتقول:

إلهي سمّيت فاطمة و فطمت من تولاّني من النار و وعدك الحقّ فيقول:صدقت يا فاطمة و وعدي الحقّ،و إنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك و ليظهر لملائكتي و أنبيائي مكانك عندي،فمن قرأت بين عينيه محبّا[فخذي]بيده إلى الجنّة (1).

و عنه عليه السّلام:فاطمة البتول لأنّها لم تر حمرة لأنّه مكروه في بنات الأنبياء.

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:سمّيت الزهراء لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلّقة بقدر الجبار لها مائة ألف باب من الملائكة يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكواكب الدريّ الزهراء في افق السماء فيقولون هذه الزهراء لفاطمة عليها السّلام (2).

و في إرشاد القلوب مرفوعا إلى سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال:كنت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فدخل عليه العبّاس فقال:يا رسول اللّه بما فضّل علينا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و المعادن واحدة؟

فقال:إنّ اللّه خلقني و خلق عليّا،و لا سماء و لا أرض و لا جنّة و لا نار و لا لوح و لا قلم، فلمّا أراد خلقنا تكلّم بكلمة و كانت نورا ثمّ تكلّم كلمة ثانية فصارت روحا فمزج فيما بينهما فخلقني و خلق عليّا منهما،ثمّ فتق من نوري نور العرش و فتق من نور عليّ نور السماوات و من نور الحسن نور الشمس و من نور الحسين نور القمر فنحن أجلّ منها و كانت الملائكة تسبّح اللّه، فلمّا أراد أن يبلوهم أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها فقالت الملائكة:نسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا،فخلق نور الزهراء كالقنديل و علّقه في فرطي العرش فزهرت السماوات السبع و الأرضون السبع فمن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء و كانت الملائكة تسبّح للّه و تقدّسه فقال اللّه:و عزّتي و جلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحك إلي لمحبّي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها،فخرج العبّاس و ضمّ عليّا على صدره و قال:ما أكرمكم على اللّه. (3)7.

ص: 16


1- -علل الشرائع:189/1 ح 142،و المختصر:132.
2- -المناقب:111/3،و بحار الانوار:16/43 ح 14.
3- -بحار الانوار:17/43 ح 16،و اللمعة البيضاء:107.

و عن أبي عبد اللّه إنّ فاطمة عليها السّلام كانت تكنّى أمّ أبيها (1).

و عنه عليه السّلام:إنّ اللّه اختار من النساء أربعا مريم و آسية و خديجة و فاطمة (2).

و في عيون الأخبار و غيره عن أئمّة الطاهرين عليهم السّلام بالأسانيد المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها.و في لفظ آخر فمن آذاها فقد آذاني (3).

يقول مؤلّف هذا الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ في صحيح البخاري هذا الحديث بعينه و روى بعده بأوراق قليلة إنّ فاطمة خرجت من الدّنيا و هي غاضبة عليهما أعني الشيخين فتحيّروا في وجه الجمع بين الخبرين لصحتها و لم يقعوا عليه.

و في كتاب الأمالي عن عليّ عليه السّلام قال:قالت فاطمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف و يوم الأهوال؟

قال:عند باب الجنّة مع لواء الحمد أشفع لأمّتي إلى ربّي،قالت:يا أبتاه فإن لم ألقك هناك؟

قال:القني على الحوض و أنا أسقي امّتي،قالت:يا أبتاه إن لم ألقك هناك؟

قال:ألقني على الصراط و أنا قائم أقول:ربّ سلّم أمّتي.

قالت:فإن لم ألقك هناك؟

قال:ألقني[عند] (4)شفير جهنّم أمنع شررها و لهبها عن أمّتي فاستبشرت فاطمة بذلك صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها (5).

و فيه أيضا عنه عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل على ابنته فاطمة عليها السّلام و إذا في عنقها قلادة فأعرض عنها فقطعتها و رمتها و أعطتها سائلا،فقال صلّى اللّه عليه و اله:أنت منّي يا فاطمة (6).

و في الخرائج عن سلمان أنّ فاطمة عليها السّلام كان قدّامها رحى تطحن بها الشعير و على3.

ص: 17


1- -بحار الانوار:19/43 ح 19،و الاصابة:262/8.
2- -بحار الانوار:201/14 ح 11،و تفسير العياشي:215/3.
3- -عيون الاخبار:29/1 ح 6،و أمالي الصدوق:467 ح 1.
4- -في المصدر:عند.
5- -الامالي:أمالي الصدوق:350،و بحار الانوار:35/8 ح 6.
6- -الامالي:552،و المناقب:221/3.

عمود الرحى دم سائل و الحسين في ناحية الدار يتضوّر من الجوع،فقلت:يا بنت رسول اللّه دبّرت كفاك و هذا فضة،فقالت:أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن تكون الخدمة لها يوما فكان أمس يوم خدمتها.

قال سلمان:إنّي مولا عتاقت،أمّا أنا أطحن الشعير أو أسكت الحسين لك،فقالت:أنا بتسكينه أرفق و أنت تطحن الشعير،فطحنت شيئا من الشعير و إذا أنا بالإقامة فمضيت و صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فلمّا فرغت قلت لعليّ:ما رأيت،فبكى و خرج ثمّ عاد فتبسّم فسأله عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:دخلت على فاطمة و هي مستلقية لقفاها و الحسين نائم على صدرها و قدّامها رحى تدور من غير يد فقال:يا علي أما علمت أنّ للّه ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمّد و آل محمّد إلى أن تقوم الساعة (1).

و فيه أيضا أنّ عليّا عليه السّلام استقرض من يهودي شعيرا فدفع إليه إزار فاطمة عليها السّلام رهنا و كانت من الصوف فوضعها اليهودي في بيت و دخلت امرأته بالليل إلى ذلك البيت فرأت نورا ساطعا فأخبرت زوجها فتعجّب و دخل البيت فرأى الإزار كأنّه يشتعل من بدر منير فأسرع إلى أقاربه و أسرعت إلى أقاربها و كانوا ثمانين من اليهود فرأوا النور فأسلموا كلّهم (2).

و في كتاب الخرائج أنّ اليهود كان لهم عرس فقالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لنا معك حقّ الجوار فأرسل ابنتك إلى دارنا حتّى يزداد عرسنا بها،فقال:إنّها زوجة عليّ بن أبي طالب و هي بحكمه و سألوه أن يشفع إلى علي في ذلك،و قد جمع اليهود الأموال و الحلي و الحلل و ظنّوا أنّ فاطمة عليها السّلام تدخل من غير ثياب حسنة و أرادوا استهانة بها فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة و حلي و حلل فلبستها فاطمة و تحلّت بها،فلمّا دخلت دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها و أسلم بسببها خلقا كثيرا من اليهود (3).

و في تفسير الثقة العيّاشي عن أبي جعفر قال:إنّ فاطمة عليها السّلام ضمنت لعليّ عليه السّلام عمل البيت و العجين و الخبز و قمّ البيت،و ضمن لها عليّ عليه السّلام ما كان خلف الباب و نقل الحطب و أن3.

ص: 18


1- -الخرائج و الجرائح:531/2،و بحار الانوار:28/43.
2- -الخرائج و الجرائح:537/2،و بحار الانوار:30/43.
3- -الخرائج و الجرائح:538/2،و بحار الانوار:30/43.

يجيئ بالطعام،فقال لها يوما:يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت:لا،قال:أفلا أخبرتني؟

قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نهاني أن أسألك شيئا،قال:لا تسألي ابن عمّك شيئا إن جاءك بشيء و إلاّ فلا تسأليه،فاستقرض من رجل دينارا فلقي المقداد فقال للمقداد:ما أخرجك بهذه الساعة؟

قال:الجوع،فقال عليه السّلام:و هو الذي أخرجني و سأوثرك بهذا الدينار فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا و فاطمة تصلّي و بينهما شيء مقطى،فلمّا فرغت اجترت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز و لحم،و قال:يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه[يرزق من يشاء بغير حساب.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:ألا أحدثك بمثلك و مثلها؟

قالت:بلى.قال:]مثلك و مثلها مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال:يا مريم أنّا لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب،فأكلوا منها شهرا و هي الجفنة التي يأكل منها القائم و هي عندنا (1).

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال عليّ عليه السّلام و فاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه بينهما برزخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ الحسن و الحسين رأس البكّائين ثمانية آدم و نوح و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين عليهم السّلام.أمّا فاطمة بكت على رسول اللّه حتّى تأذّى بها أهل المدينة فقالوا لها:لقد آذيتنا بكثرة بكاءك إمّا أن تبكي بالليل و إمّا أن تبكي بالنهار،فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي،فقال عليه السّلام:إنّ اللّه اختار من النساء أربعا مريم و عاصية و خديجة و فاطمة و انّها أفضلهنّ و إنّهنّ يمشين أمامها كالحجاب إلى الجنّة و إنّما فضلتهن فاطمة لأنّها ورثت رسول اللّه و نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منها (2)./.

ص: 19


1- -تفسير العياشي:172/1،و بحار الانوار:/19814ح 4.
2- -المناقب:101/3،و بحار الانوار:43:32/.

و روي عن عائشة[أن فاطمة]كانت إذا دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قام لها من مجلسه و قبّل رأسها و أجلسها مجلسه و إذا جاء إليها لقيته و قبّل كلّ واحد منهما صاحبه و جلسا معا (1).

و قال عبد اللّه بن الحسين:دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على فاطمة فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها ثمّ قال:يا بنيّة هذا أوّل خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيّام فجعلت فاطمة عليها السّلام تبكي و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يمسح وجهها بيده.

و في كتاب المناقب عن جابر أنّه افتخر عليّ و فاطمة عليهما السّلام بفضائلهما فأخبر جبرائيل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّهما أطال الخصومة في محبّتك فاحكم بينهما فدخل و قصّ عليهما مقالتهما، ثمّ أقبل على فاطمة فقال:لك حلاوة الولد و له عزّ الرّجال و هو أحبّ إليّ منك،فقالت فاطمة:[و الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدى بك الأمة]لا زلت مقرّة له ما عشت.

أقول:و في خبر آخر:هي أحبّ إليّ منك و أنت أعزّ عليّ منها (2).

و فيه أيضا:أنّه دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على فاطمة فرآها منزعجة،فقال لها:ما بك؟

قالت:الحميراء:افتخرت على أمّي أنّها لم تعرف رجلا قبلك و إنّ امّي عرفتها مسنّة، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ بطن أمّك كان للإمامة وعاء (3).

و فيه إنّه سئل الصادق عليه السّلام عن معنى(حي على خير العمل)،قال:خير العمل برّ فاطمة و ولدها (4).

و في خبر آخر:الولاية.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تبارك و تعالى الذي يسمّى الثاني زمن خلافته إلى إسقاط هذا الفضل من الأذان هو سماعه لهذا الحديث،فموّه على الناس بأنّ سماعهم حي على خير العمل يوجب ترك الجهاد و الإقبال على الصلاة فقبله العامّة منه.4.

ص: 20


1- -المناقب:113/3،و بحار الانوار:40/43.
2- -مناقب آل أبي طالب:187/2،و كشف الغمة:384/1.
3- -البحار:43/43.
4- -التوحيد:241 ح 2،و البحار:44/43 ح 44.

و فيه عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لمّا خلق اللّه الجنّة خلقها من نور وجهه،ثمّ قذف ذلك النور فأصابني ثلث النور و أصاب فاطمة عليها السّلام ثلث النور و أصاب عليّا و أهل بيته ثلث النور فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).

أقول:ظهر من هذا الحديث و غيره أنّ نور فاطمة يعادل نور الجنّة و كذلك نور عليّ و الأئمّة من ولده عليهم السّلام،فإن قيل:إنّ النور الذي يعادل نور الجنّة بل يزيد عليه ينبغي أن يرى فيهم على هيئته،قلنا في الجواب:قد ورد في صحيح البخاري أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته ما كان يظهرون للناس من صفاتهم و حالاتهم إلاّ ما كانوا يحتملونه،و لو رأوا أنوار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته الحسيّة لما أطاقوا النظر إليه و لخيف عليهم العمى و كذلك في درجات العلوم و مراتب الألحان و الأصوات في تلاوة القرآن في الصلاة و غيرها (2).

ص: 21


1- -مناقب آل أبي طالب:106/3،و البحار:44/43.
2- -سبب اخفاء النبي للعلم الربّاني: آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله كانوا يخفون كثيرا من علومهم،حتى أخبروا أنفسهم بالعلّة و هي عدم الكتمان،فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و اللّه لو أن على أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شيء، ولكن فيكم الإذاعة،و اللّه بالغ أمره»بحار الأنوار:141/26 ح 13 باب انه لا يحجب عنهم شيء. و عن الإمام الباقر عليه السّلام:«لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امرىء بما له و عليه»بحار الأنوار: 149/26 ح 34 باب أنه لا يحجب عنهم شيء. و قال الإمام زين العابدين عليه السّلام: إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا و قد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و وصى قبله الحسنا يا ربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي:أنت ممّن يعبد الوثنا و لاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا الأصول الأصيلة:167،و غرر البهاء الضوي:318،و مشارق انوار اليقين:17،و جامع الأسرار:35 ح 66 و قال الإمام الصادق عليه السّلام لمن سأله عن سبب رفع النبي عليّا عليه السّلام على كتفه؟ فقال:«ليعرف الناس مقامه و رفعته. فقال:زدني؟ فقال عليه السّلام:«ليعلم الناس أنّه أحق بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. فقال:زدني؟ فقال:«ليعلم الناس أنه إمام بعده و العلم المرفوع. فقال:زدني؟ فقال:«هيهات،و اللّه لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي و أنت تقول ان جعفر ابن محمد كاذب في قوله أو مجنون»مشارق انوار اليقين:17. و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«خالطوا الناس بما يعرفون،و دعوهم مما ينكرون،و لا تحملوا على أنفسكم و علينا؛إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان.الأصول الأصيلة:169. و قال عليه السّلام:«لا تذيعوا سرّنا و لا تحدّثوا به عند غير أهله فان المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا». الخرايج و الجرايح:267 باب 7. و قد بيّن الإمام العسكري عليه السّلام علّة عدم اخبارهم بالامور الغيبية بقوله لموسى الجوهري:«ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب،فنخرج ما علمنا منه إليكم،فيسمعه من لا يطيقه إستماعه فيكفر».الهداية الكبرى:334 باب 13. على أن الظروف التي كان يعيشها النبي صلّى اللّه عليه و اله و كذلك بعض الأئمّة كانت مختلفة فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان في بداية الدعوة الإسلامية و قريب عهد بالجاهلية. بينما أمير المؤمنين عليه السّلام جاء بعده بسنوات،و هكذا الأئمة واحدا بعد واحد. و إذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر الذي يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب:قال بعد أن ذكر توقف الرسالة على علم النبي صلّى اللّه عليه و اله بكل الأشياء: فعلم الرسول بالعالم و إحاطته بما يحدث فيه و قدرته على تعميم الاصلاح للداني و القاصي و الحاضر و الباد؛من أسس تلك الرسالة العامة و قاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة. غير ان الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلّى اللّه عليه و اله أن يظهر للامّة تلك القوى القدسية و العلم الربّاني الفيّاض.و كيف يعلن بتلك المواهب و الإسلام غضّ جديد،و الناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى و تطمئن إلى الإيمان بذلك العلم.بل و لم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ،و ما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلاّ بعد اللتيا و التي و بعد الترهيب و الترغيب».علم الإمام:9-10. أقول:عدم افصاح النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله عن كنه علمه كان بالنسبة لعامّة الناس. و إلاّ فقد أفصح لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته و حقيقة علمه،بل و في بعض الأحيان كان يفصح للكثير من الصحابة عن بعض الأمور الغيبية أو الغامضة الجديدة،كما تقدّم في كثير من الأحاديث حول عالم الأنوار،و انّه كان حول العرش هو و آله،و انه كان نبيا و آدم بين الطين و الماء. إضافة إلى أحاديث أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ الأعظم و علمه و انّه علّمه ألف باب من العلم يفتح منه ما أراد،و الذي يشعر بأنّه ليس تعليما كسبيا،بل إشارة إلى المنحة الربّانية التي أفاضها النبي على آل محمد عليهم السّلام.

ص: 22

و قد روي إنّ ابنة المأمون زوجة الجواد عليه السّلام كانت تراه الأحيان على هيئة من الحسن تعلو وجهه الأنوار منه إلى عنان السماء و ربّما جاءها الحيض ذلك الوقت و كانت تظنّ أنّه ساحر لاختلاف رؤيتها له،و رأته مرّة و أمّها جالسة معها فغشي عليها فحاضت فخرج عليه السّلام و هو يقرأ: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (1).

قوله:أكبرنه أي حضن،و أمّا أمّها فإنّها رأته على الهيئة المعروفة منه،و كذلك خواصّهم كانوا بعض الأحيان يرونهم على تلك الهيئة الخاصّة كسلمان و أبي ذرّ و عمّار و المقداد و زرارة و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و نحوهم و لا يرون إلاّ ما يطيقون تحمّله.

و روي أنّ الصادق عليه السّلام حدّث الجعفي ستّين ألف حديث من الأسرار لم يحدّث غيره بها و نهاه عن الإذاعة فلم يطق تحمّلها فقال له عليه السّلام:امض إلى الصحراء و احفر حفيرة وضع رأسك فيها و قل حدّثني جعفر بن محمّد حتّى يخلو قلبك ممّا فيه و الأرض تحتمل علومنا، ففعل ما أمره و هان عليه ما كان فيه (2).

و من هذا يظهر لك السبب فيما ورد أنّ الرضا عليه السّلام كان أسمر اللون،و ذلك أنّ عامّة الناس كانت تراه على ذلك الحال لمصالح و حكم لا نعرفها.

و روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما كان يسمع أصحابه في قراءة الصلاة من الصوت إلاّ ما كانت تحمّله عقولهم (3).

و هذا أصل من الاصول ألقيناه إليك من كلامهم عليهم السّلام في اختلاف خواص أحوالهم و صفاتهم و هيئاتهم فاحمل ما لا تعرفه من حالاتهم على هذا الأصل.

و روي متواترا عن الصادق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و رواه العامّة متواترا عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ اللّه6.

ص: 23


1- -سورة يوسف:31.
2- -كشف الخفاء:196/1.
3- -أمالي الصدوق:467،و عيون أخبار الرضا:29/1 ح 6.

ليغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها (1).و قد تقدّم.

و فيه دلالة على أنّها معصومة لأنّ غير المعصوم إذا فعل ذنبا لا يرضى اللّه لرضاه و لو غضب غضبا لا يوافق قانون الشريعة لا يغضب اللّه لغضبه.

و فيه أيضا من كتاب ابن مردويه بالإسناد إلى الأوسي قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:حدّثني جبرئيل عليه السّلام إنّ اللّه تعالى لمّا زوّج عليّا عليه السّلام أمر شجرة طوبى فحملت رقاعا لمحبّي آل بيت محمّد ثمّ أمطرها ملائكة من نور بعدد تيك الرقاع فأخذ تلك الملائكة الرقاع،فإذا كان يوم القيامة و استوت بأهلها أهبط اللّه الملائكة بتلك الرقاع،فإذا لقي ملك من تلك الملائكة رجلا من آل بيت محمّد دفع إليه رقعة براءة من النار (2).

و قال ابن عبّاس:بينا أهل الجنّة في الجنّة رأوا نورا أضاء الجنّة فيقولون:يا ربّ إنّك قلت في كتابك لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً (3)فينادي مناد:ليس هذا نور الشمس و لا نور القمر و إنّ عليّا و فاطمة تعجّبا من شيء فضحكا فأشرقت الجنان من نورهما.

و فيه عن عليّ بن معمر قال:خرجت امّ أيمن إلى مكّة لمّا توفيت فاطمة عليها السّلام و قالت:

لا أرى المدينة بعدها فأصابها عطش شديد في الجحفة حتّى خافت على نفسها،فنظرت إلى السماء و قالت:يا رب أتعطشني و أنا خادمة بنت نبيّك فنزل إليها دلو من ماء الجنّة فشربت و لم تجع و لم تطعم سنين (4).

و عن مالك بن دينار قال:رأيت في طريق الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة تقول:لا في بيتي تركتني و لا إلى بيتك حملتني فو عزّتك و جلالك لو فعل بي هذا غيرك لما شكوته إلاّ إليك،فإذا شخص أتاها و في يده زمان ناقة فقال لها:اركبي فركبت و سارت الناقة كالبرق الخاطف،فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها من أنت؟5.

ص: 24


1- -المناقب:109/3،و بحار الأنوار:45/43.
2- -المناقب:109/3،و بحار الأنوار:45/43.
3- -سورة الإنسان:13.
4- -المناقب:117/3،و بحار الأنوار:46/43 ح 45.

فقالت:أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة خادمة الزهراء عليها السّلام (1).

و فيه أيضا أنّ فاطمة عليها السّلام سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خاتما فقال:إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من اللّه خاتما ففعلت فإذا بهاتف يقول:يا فاطمة الذي طلبتي تحت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له فجعلته في اصبعها و فرحت،فلمّا نامت من ليلتها رأت كأنّها في الجنّة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنّة مثلها قالت:لمن هذه القصور؟

قالوا:لفاطمة بنت محمّد فكأنّها دخلت قصرا من ذلك فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم فقالت:ما لهذا السرير قد مال على ثلاث؟

قالوا:لأنّ صاحبته طلبت من اللّه خاتما فنزع أحد القوائم و صيغ لها خاتما و بقي السرير على ثلاث قوائم،فلمّا أصبحت دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قصّت القصّة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:معاشر آل عبد المطّلب ليس لكم الدّنيا إنّما لكم الآخرة و ميعادكم الجنّة و الدّنيا زائلة غرّارة،فأمرها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أن تردّ الخاتم تحت المصلّى فردّت،ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة فدخلت ذلك القصر فرأت السرير على أربع قوائم فسألت على حاله فقالوا:ردّت الخاتم و رجع السرير إلى هيئته (2).

و فيه أيضا عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه إنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السّلام من منزله خرجت فاطمة حتّى انتهت إلى القبر فقالت:خلّوا عن ابن عمّي فو الذي بعث محمّدا بالحقّ، لأن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأضعنّ قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على رأسي و لأصرخنّ إلى اللّه فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي.

قال سلمان:فرأيت و اللّه أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها ينفذ فدنوت منها فقلت:يا سيّدتي و مولاتي إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة،فرجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا (3).8.

ص: 25


1- -المناقب:117/3،و بحار الأنوار:46/43 ح 46.
2- -المناقب:118/3.
3- -المناقب:118/3،و بحار الأنوار:206/28.

و في كتاب الفضائل قال:دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على عليّ عليه السّلام و هو و فاطمة عليهما السّلام يطحنان في الجاروش فقال:أيّكما أعيا؟

فقال عليّ:فاطمة،فقال لها:قومي يا بنيّة فقامت و جلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم موضعها مع عليّ عليه السّلام فواساه في طحن الحبّ (1).

و في كتاب الآل عن العسكري عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لمّا خلق اللّه آدم و حوّاء [جعلا]يتبخترا في الجنّة فقال آدم لحوّاء:ما خلق اللّه خلقا هو أحسن منّا،فأوحى اللّه إلى جبرئيل ائت بعبديّ الفردوس الأعلى،فلمّا دخلا الفردوس الأعلى نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة و على رأسها تاج من نور و في اذنيها قرطان من نور و قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال آدم:حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي أشرقت الجنان من حسن وجهها؟

فقال:هذه فاطمة بنت محمّد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان،قال:فما هذا التاج الذي على رأسها؟

قال؛بعلها عليّ بن أبي طالب،قال:فما القرطان في اذنيها؟

قال:ولداها الحسن و الحسين،قال آدم:يا جبرئيل أخلقوا قبلي؟

قال:هم موجودون في غامض علم اللّه قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في صحيح الأخبار أنّ النبيّ و أهل بيته عليهم السلام خلق اللّه سبحانه لهم أجساما مثالية من نور محسوسة تدرك بالأبصار قبل أن يصيروا إلى هذه الأبدان في هذا العالم و كانت أرواحهم في تلك الأجساد النوريّة،فلمّا صاروا إلى هذا العالم خلق لهم أجسادا مثل أجسادهم تدبر كلّ روح من أرواحهم تلك الأجساد الكثيرة.

كما روي أنّ أربعين من الصحابة أضافوا عليّا عليه السّلام في ليلة واحدة و أنّه كان عند كلّ واحد منهم في وقت واحد.

و عليه يحمل ما ورد في الحديث الصحيح من أنّه عليه السّلام يحضر عند الأموات وقت2.

ص: 26


1- -بحار الأنوار:51/43 ح 47.
2- -بحار الأنوار:6/25 ح 8،و كشف الغمة:84/2.

الاحتضار البرّ و الفاجر كما قال عليه السّلام للحارث الهمداني،شعر:

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا (1)

و ربما كان لهم أجساد غير هذه الأجساد كما روي في واقعة الطفوف لمّا قتل ابنه الحسين عليه السّلام و كان يأتي عليه السّلام إلى الأجساد الملقاة على التراب بصورة الأسد فرآه رجل يقبّل جسد الحسين عليه السّلام و يتمرّغ بدمه فسأل الجنّ-الذي كانوا ينوحون على الحسين عليه السّلام و لا يرى إلاّ أصواتهم-من هذا الأسد؟

فقالوا:أبوه أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

مع أنّه يجوز أن يكون اللّه سبحانه أقدرهم على التشكّل بما يريدون من الصور النورانية و الأبدان الجسمانيّة كما أقدر الملائكة على ذلك و هم أجلّ شأنا من الملائكة،و التحقيق السابق دالّ على ذلك (3).

ص: 27


1- -رسائل المرتضى:133/3،و وسائل الشيعة:159/2.
2- -نور البراهين:316/1.
3- -يمكن أن يستدل على ذلك بأمور: حضور آل محمد عند كل ميت: قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له:أمّا ما كنت تحزن من هم الدنيا و حزنها فقد أمنت منه و يقال له:أمامك رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام»-بحار الأنوار:184/6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت،و الكافي:134/3 ح 10. و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:و الذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم،و حتى يرى ملك الموت ويراني و يرى عليا و فاطمة و الحسن و الحسين..»أهل البيت لتوفيق أبو علم:68-69 الباب الثاني،و بشارة المصطفى:6 ح 7 مع تفاوت بسيط. و في قصة السيد الحميري و رؤيته لامير المؤمنين عليه السّلام عند موته ما يؤيد ذلك و انشد في ذلك شعرا: كذب الزاعمون أن عليا لن ينجي محبه من هنات قد و ربي دخلت جنة عدن و عفا لي الاله عن سيئاتي فابشروا اليوم أولياء علي و تولوا علي حتى الممات ثم من بعده تولوا بنيه واحدا بعد واحد بالصفات كشف الغمة:39/2-40 مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام،و البحار:192/6 ح 42 باب ما يعاني المؤمن و الكافر عند الموت. و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«و يمثل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام»بحار الأنوار:196/6 ح 49. و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السّلام حاضرا عنده و أنشد للحارث الهمداني: يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه و اعرفه بعينه و اسمه و ما فعلا أقول للنار و هي توقد لل عرض ذريه لا تقربي الرّجلا ذريه لا تقربيه إن له حبلا بحبل الوصي متصلا و أنت يا حار إن تمت ترني فلا تخف عثرة و لا زللا اسقيك من بارد على ظمأ تخاله في الحلاوة العسلا شرح النهج لابن أبي الحديد:299/1 الخطبة 20،و رسائل الشريف المرتضى:133/3. و الروايات في ذلك كثير.و هي تثبت حضور أصحاب الكساء عند كل ميت في آن واحد و في أكثر من مكان،و أيضا في إمكان رؤيتهم بروحهم و جسدهم و بمثاله. و قد جوز ابن العربي رؤية النبي محمد صلّى اللّه عليه و اله بجسمه و روحه و بمثاله الآن الحاوي للفتاوى:450/2. و قال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في اكثر من مكان:الرجل الكبير(القطب)يملأ الكون و انشد بعضهم: كالشمس في كبد السماء و ضوؤها يغشى البلاد مشارقا و مغاربا الحاوي للفتاوي:454/2. و صرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة الرسائل العشرة:18،و شرح الشمائل المحمدية:246/2. و قال في الذخائر المحمدية:إنّ رؤيا النبي صلّى اللّه عليه و سلم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة الذخائر المحمدية:146. و أجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من اقطار متباعدة مع أن رؤيته صلّى اللّه عليه و اله حق:بأنه صلّى اللّه عليه و اله سراج و نور الشمس في هذا العالم،مثال نوره في العوالم كلها،و كما أن الشمس يراها من في المشرق و المغرب في ساعة واحدة و بصفات مختلفة،فكذلك النبي صلّى اللّه عليه و اله.و للّه در القائل: كالبدر من أي النواحي جئته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا المواهب اللدنية:297/2 خصائص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. و استدل عليه الحافظ البرسي في مشارقه ببعض الآيات القرآنية فلتراجع مشارق أنوار اليقين:142. هذا،و تواتر حديث:«من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل مكاني-لا يستطيع أن يتمثل بي-لا يتكون في صورتي-لا يتشبه بي»المواهب اللدنية:293/2 إلى 301 ذكر خصائصه و ذكر جملة من المصادر،و كشف الغمة:269/2. و قال العلماء في معناه:هو في الدنيا قطعا و لو عند الموت لمن وفق لذلك الذخائر المحمدية:147. و روى الإمام الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي»كشف الغمة:120/3 فضائل الرضا،و الأنوار النعمانية:/4 54. و قال القاضي أبو بكر ابن العربي:رؤيته صلّى اللّه عليه و اله بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة،و رؤيته على غير صفته إدراك للمثال،فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض،و يكون ادراك الذات الكريمة حقيقة،و إدراك الصفات إدراك المثال المواهب اللدنية:294/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و اله،و ارشاد الساري: 502/14. و قال القسطلاني:فإن قلت:كثيرا يرى على خلاف صورته المعروفة و يراه شخصان في حالة واحدة في مكانين و الجسم الواحد لا يكون إلاّ في مكان واحد. أجيب:بأنه في صفاته لا في ذاته،فتكون ذاته عليه الصلاة و السلام مرئية،و صفاته متخيلة غير مرئية،فالادراك لا يشترط فيه تحديق الابصار و لا قرب المسافة،فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض و لا ظاهرا عليها،و إنما يشترط كونه موجودا ارشاد الساري:503/14. و من حال كثير من العلماء و قصصهم يعلم امكان رؤية النبي و أهل بيته عليهم السّلام،و كما ذكر ذلك في محله راجع المواهب اللدنية:297/2-301،و ينابيع المودة:551/2-554،و كشف الغمة:239/1 -383،و إلزام الناصب:340/ إلى 427،و دلائل الامامة:273 إلى 288 و 294 إلى 320. قال الشيخ المرسي:لو حجب عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين.المواهب اللدنية:300/2 خصائص النبي صلّى اللّه عليه و اله. و يؤيد ذلك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض، فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه»مشارق انوار اليقين:139. و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق»كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الانسان الكامل:87. و عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أولست افعل؟و اللّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة»أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال على النبي ح 4. و أخرج عبد الرزاق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«انتم تعرضون علي باسمائكم و سيمائكم»المصنف:/2 214 ح 3111 عن مجاهد. و اخرج البخاري في الادب المفرد عن أبي ذر أنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «عرضت علي أعمال أمتي-حسنها و سيئها-فوجدت محاسن اعمالهم»الادب المفرد:80 ح 231 باب إمامة الأذى(116). و اخرج الحارث و البزار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:«حياتي خير لكم تحدثون و نحدث لكم و موتي خير لكم تعرض علي أعمالكم»المطالب العالية:22/4 ح 3853. و يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عند ما قال:«سلوني قبل أن تفقدوني،اسألوني عن طرق السموات،فإنّي أعرف بها مني بطرق الأرض». فقام رجل من القوم فقال:يا أمير المؤمنين اين جبرائيل هذا الوقت؟ فقال:«دعني انظر،فنظر إلى فوق و إلى الأرض يمنة و يسرة،فقال عليه السّلام:«أنت جبرائيل». فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه،فكبر الناس و قالوا:اللّه أكبر يا أمير المؤمنين من أين علمت أن هذا جبرائيل. فقال:«إني لما نظرت إلى السماء بلغ نظري ما فوق العرش و الحجب،و لما نظرت إلى الأرض خرق بصري طبقات الأرض إلى الثرى،و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم أر جبرائيل في هذه المخلوقات،فعلمت انه هو»الأنوار النعمانية:32/1. و هذا يدل على إمكان إحاطة الأمير بالكون بأجمعه في لحظة واحدة. و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليهما السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه بأضعاف مضاعفة، فشاهد كل مؤمن و مؤمنة»الهداية الكبرى للخصيبي:270 باب 9. و بذلك يتضح إمكان رؤية آل محمد:الآن و في كل مكان،و تقدم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون،بلحمهم و جسدهم و روحهم. و هذا يدلّ أن الإمام حاضر عند كل انسان لا يغيب عنه شخص من الأشخاص،لذا ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:« إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض،فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه»(بحار الأنوار:9/27 ح 21 و مشارق أنوار اليقين:139). و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق»(كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الإنسان الكامل:87).

ص: 28

ص: 29

و من كتاب مولد فاطمة لابن بابويه عن عليّ عليه السّلام قال:كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:أخبروني أيّ شيء خير للنساء؟

فعيينا بذلك كلّنا حتّى تفرّقنا،فرجعت إلى فاطمة عليها السّلام فأخبرتها فقالت:خير للنساء أن

ص: 30

لا يرين الرّجال و لا يراهن الرّجال،فرجعت و أخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قلت:أخبرتني فاطمة بذلك،فأعجب ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:إنّ فاطمة بضعة منّي،انتهى ملخّصا (1).

و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا ينام حتّى يقبّل وجه فاطمة أو بين ثدييها.

و سألت فاطمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت:أهل الدّنيا يوم القيامة عراة؟

فقال:نعم يا بنيّة،[فقالت:و أنا عريانة؟

قال:نعم]و أنت عريانة و لا يلتفت فيه أحد فقالت:وا سؤتاه من اللّه يومئذ فما خرجت حتّى قال لي هبط عليّ الروح الأمين فقال:يا محمّد اقرأ فاطمة السلام و اعلمها أنّها استحت من اللّه فاستحى اللّه منها فوعدها أن يكسوها يوم القيامة حلّتين من نور.

قال عليّ:فقلت لها فهلاّ سألته عن ابن عمّك؟

فقالت:فعلت،فقال:إنّ عليّا أكرم على اللّه عزّ و جلّ من أن يعريه يوم القيامة (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ الأخبار جاءت في كيفيّة المحشر على وجوه:

منها؛ما روي من قوله عليه السّلام:تنوقوا بأكفانكم فإنّها زينتكم يوم القيامة (3).

و منها:ما روي من قوله عليه السّلام:يحشر الناس حفاة عراة عزلا و الأعزل الأغلف.

و منها؛ما روي أنّ المؤمن يحشر و عليه ثياب و الكافر يحشر عريانا و لهذا يجمع بين الأخبار أو بالحمل على المواقف المتعدّدة فإنّ الناس يوم القيامة تختلف أحوالهم باختلاف المواقف كما نطقت به الأخبار.

و في ذلك الكتاب عن جابر الأنصاري قال:أقبل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شيخ من العرب عليه سمل (4)فقال:يا نبيّ اللّه أنا جائع الكبد و عاري الجسد و فقير،فقال:ما أجد لك شيئا ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله انطلق إلى حجرة فاطمة،فانطلق الأعرابي مع بلال،فلمّا وقف على باب فاطمة نادى:السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة،فقالت فاطمة:و عليك السلام فمن أنت؟ق.

ص: 31


1- -وسائل الشيعة:20.و بحار الأنوار:54/43.
2- -بحار الأنوار:55/43،و كشف الغمة:118/2.
3- -التفسير الصافي:140/2،و مجمع البحرين:394/4.
4- -السمل:الخلق.

قال:شيخ من العرب عاري الجسد جائع الكبد،و كان لفاطمة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثا ما طعموا،فعمدت فاطمة إلى جلد كبش كان ينام عليه الحسن و الحسين عليهما السّلام فقالت:خذ هذا فقال:أنا جائع فعمدت إلى عقد كان في عنقها فقطعته و نبذته إلى الأعرابي فانطلق به إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:يا رسول اللّه أعطتني فاطمة و قالت بعه فعسى اللّه أن يصنع لك فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:كيف لا يصنع اللّه لك و قد أعطتك فاطمة بنت محمّد سيّدة بنات آدم،فقال عمّار:أتأذن لي يا رسول اللّه بشراء هذا؟

فقال:اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم اللّه بالنار فقال عمّار:بكم العقد يا أعرابي؟

قال:بشبعة من الخبز و اللحم و بردة يمانية أستر بها عورتي و دينار يبلغني إلى أهلي، فقال:لك عشرون دينارا و مائتا درهم و بردة يمانية و راحلتي و شبعك من الخبز و اللحم فوفاه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:فاجز فاطمة بصنيعها.

فقال الأعرابي:اللّهم إنّك إله ما استحدثناك و لا إله لنا نعبده سواك و أنت رازقنا على كلّ الجهات،اللّهم اعط فاطمة ما لا عين رأت و لا اذن سمعت،فأمّن النبيّ على دعائه فعمد عمّار إلى العقد فطيّبه بالمسك و لفّه في بردة يمانية و دفع العقد إلى مملوكه فقال:خذ هذا العقد و ادفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أنت له،فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخبره فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد و أنت لها،فجاء و أخبرها فأخذت العقد و أعتقت المملوك، فقال الغلام:ما رأيت أعظم بركة من هذا العقد أشبع جائعا و كسى عريانا و أغنى فقيرا و أعتق عبدا و رجع إلى ربّه (1)،انتهى ملخّصا.

أقول:و في ذلك الحديث أنّ فاطمة عليها السّلام تسأل في قبرها عن ربّها و نبيّها و إمامها.

و روى الحسين بن سعيد معنعنا عن جعفر عن أبيه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش:يا معشر الخلائق غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب اللّه إلى قصرها فاطمة عليها السّلام و حواليها سبعون ألف حوراء،فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما و الحسين قائما مقطوع الرأس،فتقول للحسن:من هذا؟ه.

ص: 32


1- -أي سيّده و صاحبه.

فيقول:هذا أخي إنّ أمّة أبيك قتلوه و قطعوا رأسه،فيأتي النداء من عند اللّه يا بنت حبيب اللّه إنّي إنّما أريتك ما فعلت به أمّة أبيك لأنّي ادّخرت لك عندي تعزية بمحبتك فيه لي جعلت تعزيتك اليوم أن لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخلي الجنّة أنت و ذرّيتك و شيعتك و من أولاكم معروفا ممّن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد،فيدخل الجنّة كلّهم فهو قول اللّه عزّ و جلّ:لا يحزنهم الفزع الأكبر،قال:هول يوم القيامة و هم فيما اشتهت أنفسهم خالدون،هي و اللّه فاطمة و ذرّيتها و شيعتها و من أولاهم معروفا ممّن هو ليس من شيعتها (1).

أقول:أولادها عليها السّلام من السّادة داخلون في ذرّيتها و شيعتها،و قوله:ممّن هو ليس من شيعتها.

يحتمل أن يراد من الشيعة الكاملون في المتابعة العالمون بالشرائع النبويّة فيكون المراد من ليس من شيعتها فسّاق الشيعة و عوامهم،و يجوز أن يراد من قوله:ممّن هو من شيعتها،محبّوها و محبّوا شيعتها من المستضعفين من أهل الأديان فإنّ بعض مشايخنا من المعاصرين ذهب إلى أنّهم ممّن يرجى لهم النجاة.

و في بعض الأخبار دلالة عليه.

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لفاطمة:قومي يا فاطمة فاخرجي تلك الصفحة،فقامت فأخرجت صحفة فيها ثريد و لحم يفور فأكل منه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ثلاثة عشر يوما ثمّ إنّ امّ أيمن رأت الحسين عليه السّلام معه شيء فقالت:من أين لك هذا؟

قال:إنّا نأكله منذ أيّام،فقال؛يا فاطمة إذا كان عند امّ أيمن شيء فإنّما هو لفاطمة و لولدها و إذا كان عند فاطمة شيء فليس لامّ أيمن شيء فأخرجت لها منه و أكلت و نفذت الصحفةفقال لها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أمّا لولا إنّك أطعمتيها لأكلت منها أنت و ذرّيتك إلى أن تقوم الساعة،ثمّ قال عليه السّلام؛و الصحفة عندنا يخرج بها قائمنا عليه السّلام في زمانه (2).5.

ص: 33


1- -بحار الأنوار:336/7 ح 21،و اللمعة البيضاء:56.
2- -الكافي:460/1 ح 7،و بحار الأنوار:63/43 ح 55.

و روى جابر عن أبي جعفر عليه السّلام إنّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد:يا أهل الجمع غضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة،فبعث اللّه سبحانه إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها على باب الجنّة فإذا صارت على باب الجنّة تلتفت فيقول اللّه:يا بنت حبيبي ما التفاتك؟

فيقول:يا ربّ أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم،فيقول:ارجعي و انظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده و ادخليه الجنّة،فتأتي و تلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء،فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلتفتوا فيقول اللّه للشيعة:ما التفاتكم؟فيقولون[يا رب]أحببنا أن نعرف قدرنا في هذا اليوم،فيقول[اللّه]:انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة أو أطعمكم أو كساكم لحبّها أو سقاكم شربة من ماء أو ردّ عنكم غيبة فادخلوه الجنّة،فلا يبقى في النّاس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق،انتهى ملخّصا.و فيه دلالة على ما قلناه.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّه قال: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ،قال:الليلة فاطمة و القدر اللّه فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

و في كتاب المهج بإسناده إلى عبد اللّه بن سلمان الفارسي عن أبيه قال:خرجت من منزلي بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فلقيني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:يا سلمان جفوتنا بعد رسول اللّه،فقلت:يا أبا الحسن إنّ حزني على رسول اللّه طال فهو الذي منعني من زيارتكم، فقال:ائت منزل فاطمة تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة.

قال سلمان:فهرولت إلى منزل فاطمة،فإذا هي جالسة و عليها قطعة عباة إذا خمرت رأسها انجلى ساقها و إذا غطّت ساقها انكشفت رأسها،فلمّا نظرت إليّ اعتجرت قالت:

يا سلمان إنّي كنت بالأمس جالسة و أنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا فإذا قد دخل عليّ ثلاث جوار لم أر مثلهنّ فسألتهنّ عن أحوالهنّ فقلن:نحن جوار من الحور العين أرسلنا ربّ العزّة إليك يا بنت محمّد فقلت للذي أظنّ أنّها أكبرهنّ سنّا ما اسمك؟

قالت:اسمي مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود،و قلت للثانية:ما اسمك قالت:ذرّة

ص: 34

خلقت لأبي ذرّ الغفاري،فقلت للثالثة:ما اسمك؟

قالت:سلمى أنا لسلمان الفارسي،ثمّ أخرجت لي رطبا أبيض من الثلج و أطيب ريحا من المسك،فقالت:يا سلمان أفطر عليه عشيّتك.

ثمّ قالت:يا سلمان هذا نخل غرسه اللّه في دار السلام بكلام علمنيه أبي كنت أقوله غدوة و عشية و إن سرّك أن لا تمسّك الحمى ما عشت فواظب عليه و هو:بسم اللّه النور بسم اللّه نور النور بسم اللّه نور على نور بسم اللّه هو مدبّر الامور بسم اللّه الذي خلق النور من النور، الحمد للّه الذي خلق النور من النور و أنزل النور من النور على الطور في كتاب مسطور في رقّ منشور بقدر مقدور على نبيّ محبور،الحمد للّه الذي هو بالعزّ مذكور و بالفخر مشهور و على السرّاء و الضرّاء مشكور و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.

قال سلمان:فو اللّه لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة و مكّة ممّن بهم الحمى،فكلّ برئ من مرضه بإذن اللّه تعالى (1).

و في كتاب المناقب مسندا إلى ابن عبّاس قال:خرج أعرابي من بني سليم إلى البريّة فاصطاد ضبّا و جعله في مكّة و أقبل نحو النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوقف و نادى:يا محمّد يا محمّد و كان من أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا قيل له يا محمّد قال يا محمّد و إذا قيل له:يا أحمد،قال:يا أحمد،و إذا قيل له:يا أبا القاسم،قال:يا أبا القاسم،و إذا قيل له:يا رسول اللّه،قال:لبّيك و سعديك،و يتهلّل وجهه،فلمّا أن ناداه الأعرابي يا محمّد أجابه يا محمّد فقال له:أنت الساحر الكذّاب الذي ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء من ذي الهجة هو أكذب منك أنت الذي تزعم أنّ لك في هذه الخضراء إلها بعث بك إلى الأبيض و الأسود،و اللاّت و العزّى لولا انّي أخاف أنّ قومي يسمّونني العجول لقتلتك،فوثب إليه عمر ليبطش به فقال له:اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيّا.

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخا بني سليم هكذا تفعل العرب يتهجّمون علينا في مجالسنا إنّ أهل السماء يسمّونني أحمد الصادق،يا أعربي أسلم تسلم من النار،فغضب الأعرابي و قال:

و اللاّت و العزّى لا أؤمن بك أو يؤمن هذا الضبّ ثمّ رمى بالضبّ عن كمّه فولّى هاربا فناداه8.

ص: 35


1- -بحار الأنوار:67/43/ ح 59،و اللمعة البيضاء:58.

النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الضبّ أقبل إليّ فأقبل فقال:من أنا؟فنطق و قال:أنت محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من تعبد؟

قال:أعبد الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و اتّخذ إبراهيم خليلا و اصطفاك يا محمّد حبيبا و أنشد فيه أشعارا،فلمّا نظر الأعرابي إلى ذلك قال:و اعجبا ضبّ اصطدته من البريّة لا يفقه و لا يعقل يكلّم محمّدا و يشهد له بهذه الشهادة أنا لا أطلب أثرا بعد عين مدّ يمينك فأسلم.

قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:هل لك شيء من المال؟

فقال:إنّا أربعة آلاف رجل من بني سليم ما فيهم أفقر منّي،فقال لأصحابه:من يحمل الأعرابي على ناقة أضمن له ناقة من نوق الجنّة فأعطاه سعد بن عبادة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

أصف لك ناقتك في الجنّة بدلا من ناقة الأعرابي؛ناقة من ذهب أحمر و قوائمها من العنبر و وبرها من الزعفران و عيناها من ياقوتة حمراء و عنقها من الزبرجد الأخضر و سامها من الكافور الأشهب و ذقنها من الدرّ و خطامها من اللؤلؤ الرطب عليها قبّة من درّة بيضاء يرى باطنها من ظاهرها و ظاهرها من باطنها تطير بك في الجنّة،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من يتوج الأعرابي أضمن له على اللّه تاج التّقى فنزع عليّ عليه السّلام عمامته فعمّمه بها الاعرابي ثمّ قال:من يزوّد الأعرابي أضمن له زاد التقوى فوثب إليه سليمان فقال:و ما زاد التقوى؟

قال:يا سلمان إذا كان آخر يوم من الدّنيا لقّنك اللّه عزّ و جلّ قول شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،فإن أنت قلتها لقيتني و لقيتك و إن أنت لم تقلها لم تلقني و لم ألقك أبدا فمضى سلمان إلى حجرة فاطمة يطلب شيئا و قصّ عليها قصّة الأعرابي و الضبّ فقالت:يا سلمان أنّ لنا ثلاثا ما طمعنا و أنّ الحسن و الحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع،ولكن خذ درعي هذا و امض إلى شمعون اليهودي و قل له:تقول فاطمة بنت محمّد:خذ هذا و اقرضني عليه صاعا من تمر و صاعا من شعير أرده إليك إن شاء اللّه،فمضى به إلى شمعون ثمّ جعل يقلّبه في كفّه و عيناه تذرفان بالدموع و هو يقول:يا سلمان هذا هو الزّهد في الدّنيا هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة،فأسلم اليهودي و دفع إلى سلمان صاعا من تمر و صاعا من شعير فطحنته و اختبزته فقالت:امض به يا سلمان إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا فاطمة خذي منه قرصا للحسن و الحسين فقالت:يا سلمان هذا شيء أمضيناه للّه لسنا نأخذ منه شيئا،فجاء

ص: 36

به سلمان فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من أين لك هذا؟

قال:من منزل فاطمة،و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لم يطعم طعاما منذ ثلاث فأتى إلى منزل فاطمة فرأى صفار وجهها و تغيّر حدقتيها فسألها فقالت:يا أبه لنا ثلاثا ما طعمنا طعاما،فجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخذ الحسن على فخذه الأيمن و الحسين على الأيسر و فاطمة بين يديه و عليّ وراءه و رفع طرفه نحو السماء و قال:إلهي و مولاي هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و دخلت فاطمة إلى المخدع و صلّت ركعتين و قالت:اللّهمّ انزل علينا مائدة فإذا هي بصحفة يفور قتارها فأتت بها إلى النبيّ و علي و الحسن و الحسين فقال لها عليّ:من أين لك هذا؟

فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:كل و لا تسأل،الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى رزقني ولدا مثلها مثل مريم بنت عمران،كلّما دخل عليها زكريا بالمحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه.

فأكلوا و تزوّد الأعرابي و ركب راحلته إلى بني سليم و هم أربعة آلاف رجل فناداهم قولوا:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،فقالوا له:صبوت إلى دين محمّد الساحر الكذّاب فشرح لهم قصّة الضبّ مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أنشدهم أشعاره فأسلموا كلّهم و هم أصحاب الرايات الخضر حول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و روى في ذلك الكتاب أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كان عليهما ثياب خلق و قد قرب العيد فقالا لامّهما:إنّ بني فلان خيطت لهما الثياب الفاخرة أفلا تخيطين لنا ثيابا للعيد يا امّاه، فقالت:يخاط لكما إن شاء اللّه[فلما إن جاء العيد]جاء جبرئيل عليه السّلام بقميصين من حلل الجنّة و أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقول فاطمة للحسن و الحسين ثمّ قال جبرئيل:قال اللّه تعالى لمّا سمع قولها لا نستحسن أن نكذّب فاطمة بقولها:يخاط لكما إن شاء اللّه (2).

و روى الديلمي عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:بينما أهل الجنّة في الجنّة يتنعّمون إذ بدا لهم نور ساطع فيقول بعضهم لبعض:ما هذا النور لعلّ ربّ العزّة اطّلع فنظر1.

ص: 37


1- -بحار الأنوار:73/43.
2- -بحار الأنوار:75/43،و كلمات الإمام الحسين:21.

إلينا،فيقول لهم رضوان:لا و لكن عليّ عليه السّلام مازح فاطمة عليها السّلام فتبسّمت فأضاء ذلك النور من ثناياها (1).

في كتاب الفردوس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال؛فاطمة سيّدة نساء العالمين ما خلا مريم بنت عمران (2).

أقول:نطقت الأخبار الصحيحة بأنّ الزهراء عليها السّلام أفضل نساء العالمين مريم و غيرها و جاء مثل هذا الحديث في أخبار العامّة،فإن صحّ يمكن تأويله بأنّه لا يشارك فاطمة في سيادة النساء إلاّ مريم لأنّها سيّدة نساء عالمها و لا يلزم منه أن لا تكون فاطمة عليها السّلام أفضل منها.

و في بصائر الدرجات عن الصادق عليه السّلام قال:الجفر جلد ثور مملوّ علما و الجامعة صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش،و أمّا مصحف فاطمة،فإنّها مكثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خمسة و سبعون يوما و قد دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيها فيحسن عزاها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و ما يكون بعدها في ذرّيتها و قال لها أمير المؤمنين عليه السّلام:إذا سمعت صوته فاعلميني فأعلمته،فجعل يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفا أمّا إنّه ليس من الحلال و الحرام و لكن فيه علم ما يكون (3).

و في كتاب الدلائل مسندا إلى الحسين عليه السّلام قال:حدّتثني امّي فاطمة عليها السّلام قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:ألا أبشّرك إذا أراد اللّه أن يتحف زوجة وليّه في الجنّة بعث إليك،تبعثين [لها]من حليك (4).

و في حديث آخر عن الحسن عليه السّلام إنّها كانت عليها السّلام تدعو ليال الجمع للمؤمنين و المؤمنات فقال لها:يا امّاه لم لا تدعين لنفسك؟3.

ص: 38


1- -اللمعة البيضاء:44.
2- -بحار الأنوار:76/43،و اللمعة البيضاء:181.
3- -بصائر الدرجات:180.
4- -دلائل الإمامة:67 ح 3،و بحار الأنوار:80/43.

فقالت:يا بنيّ الجار ثمّ الدار (1).

و في علل الشرائع مسندا إلى عليّ عليه السّلام قال:إنّ فاطمة عليها السّلام كانت عندي و استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها و طحنت بالرّحى حتّى مجلت يداها و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها،فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها:لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل فأتت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوجدت عنده جماعة يتحدّثون فاستحت فانصرفت قال:فعلم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّها جاءت لحاجة قال:

فعدا علينا و نحن في لحافنا فقال:السلام عليكم فسكتنا و استحيينا لمكاننا ثمّ قال:السلام عليكم فسكتنا ثمّ قال:السلام عليكم.

فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف،و قد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثا فإن أذن له و إلاّ انصرف فقلت:و عليك السلام يا رسول اللّه أدخل،فجلس عند رؤوسنا فقال:يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟

قال:فخشيت إن لم نجبه أن يقوم.

قال:فأخرجت رأسها و حكت له حالها و سؤالها الخادم،قال:أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم،إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثا و ثلاثين و احمدا ثلاثا و ثلاثين و كبّرا أربعا و ثلاثين،فأخرجت عليها السّلام رأسها فقالت:رضيت عن اللّه و رسوله ثلاثا (2).

أقول:هذا الترتيب خلاف المشهور فيحمل هذا الترتيب الخاصّ إمّا على حالة النوم و الترتيب المشهور على ما إذا كان بعد الصلوات و غيرها،و إمّا على أنّ«الواو»لا تفيد الترتيب فيرجع إلى المشهور.

و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا أراد السفر يكون آخر زمن يسلّم عليه فاطمة فيكون وجهه إلى سفره من بيتها و إذا رجع بدأ بها فسافر مرّة و قد أصاب عليّ شيئا من غنيمة فدفعه إلى فاطمة فأخذت سوارين من فضّة و علّقت على بابها سترا،فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من سفره نظر إليها و خرج فبكت و قالت:ما فعل هذا بي إلاّ للسوارين3.

ص: 39


1- -علل الشرائع:182/1 ح 1،و بحار الأنوار:82/43 ح 3.
2- -علل الشرائع:366/2،و بحار الأنوار:83/43.

و الستر فدفعتهما إلى الحسن و الحسين و قالت:قولا له ما أحدثنا من بعدك إلاّ هذا فقبّلهما ثمّ أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعا ثمّ دعى أهل الصفة قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لا أموال فقسّمنه بينهم قطعا،ثمّ جعل يدعو الرجل العاري فيستره و كان ذلك الستر طويلا ليس له عرض فجعل يؤزر الرجال و كانوا من صفر ازارهم إذا ركعوا و سجدوا بدت عورتهم من خلفهم،ثمّ جرت به السنّة أن لا يرفع النساء رؤوسهنّ من الركوع و السجود حتّى يرفع الرجال،الحديث (1).

أقول:هذا الحديث يكشف عن معنى قوله عليه السّلام في حديث آخر:أنّه أمر أن لا يرفعن النساء رؤوسهنّ من السجود قبل الرجال لضيق الازر يعني ازر الرجال لا أزر النساء كما فهم جماعة.

و روى أبو القاسم القشيري في كتابه قال بعضهم:انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة فقلت لها:من أنت؟

قالت:و قل سلام فسوف تعلمون،فسلّمت عليها فقلت لها:ما تصنعين؟

قالت: مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ،فقلت:أمن الجنّ أم من الإنس؟

قالت: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ

فقلت:من أين أقبلت؟

قالت: يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ .

فقلت:أين تقصدين؟

قالت: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ،فقلت:متى انقطعت؟

قالت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ،فقلت:تشتهين طعاما؟

فقالت: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ،فأطعمتها ثمّ قلت:هرولي و لا تعجلي،فقالت: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها

فقلت:أردفك،قالت؛ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا ،فنزلت فأركبتها.

فقالت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ،فلمّا أدركنا القافلة قلت:هل لك أحد فيها؟6.

ص: 40


1- -مكارم الأخلاق:94،و بحار الأنوار:83/43 ح 6.

قالت: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ ، يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ ، يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ فصحت بهذه الأسماء فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين إليها فقلت:من هؤلاء منك؟

قالت: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ،فلمّا أتوها قالت: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ،فكافؤني بأشياء.

فقالت: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فزادوا عليّ،فسألتهم عنها فقالوا:هذه امّنا فضّة جارية الزهراء عليها السّلام ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن (1).

و من كتاب زهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لأبي جعفر القمّي لمّا نزلت وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ بكى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و بكت أصحابه لبكائه و لم يدروا ما نزل،و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا رأى فاطمة فرح فانطلق سلمان إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيرا تطحنه و تقول: وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى فأخبرها ببكاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فالتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت اثنى عشر مكانا بسعف النخل،فلمّا خرجت نظر سلمان إلى الشملة و بكى و قال:و ا حزناه انّ قيصر و كسرى لفي السندس و الحرير و ابنة محمّد عليها هذه الشملة،فلمّا دخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قالت:إنّ سلمان يعجب من لباسي،و الذي بعثك بالحقّ مالي و لعلي منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا،فإذا كان الليل افترشناه و إنّ مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا سلمان إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق،ثمّ قالت:يا أبه فديتك ما الّذي أبكاك،فذكّرها ما نزل به جبرئيل من الآيتين فسقطت على وجهها و هي تقول:الويل ثمّ الويل لمن دخل النار فسمعها سلمان فقال:يا ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي و مزّقوا و لم أسمع بذكر النّار.و قال أبو ذرّ:يا ليت امّي كانت عاقرا و لم تلدني و لم أسمع بذكر النّار.و قال عمّار:يا ليتني كنت طائرا في القفار و لم يكن عليّ حساب و لا عقاب.

و قال عليّ عليه السّلام:يا ليت السباع مزّقت لحمي و ليت امّي لم تلدني.ثمّ وضع عليّ عليه السّلام يده على رأسه و جعل يبكي و يقول:وا بعد سفراه وا قلّة زاداه في سفر القيامة[يذهبون في النار2.

ص: 41


1- -بحار الأنوار:87/43 ح 8،و مجمع النورين:32.

و يتخطفون] (1)مرضى لا يعاد سقيمهم و جرحى لا يداوى جرائحهم و أسرى لا يفكّ [أسيرهم] (2)من النار يأكلون و منها يشربون و بين طبقاتها يتقلّبون و بعد لبس القطن مقطعات النار يلبسون و بعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنون (3).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً .

روى مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان سبب نزول هذه الآية أنّ فاطمة عليها السّلام رأت في منامها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم همّ أن يخرج هو و فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام من المدينة فخرجوا حتّى جاوزوا من حيطان المدينة فتعرّض لهم طريقان،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات اليمين حتّى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شاة في أحد اذنيها نقط فأمر بذبحها،فلمّا أكلوا ماتوا في مكانهم،فانتبهت فاطمة باكية،فلمّا أصبحت جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بحمار فأركب عليه فاطمة و أمر أن يخرج أمير المؤمنين و الحسن و الحسين من المدينة كما رأت فاطمة من نومها،فلمّا خرجوا من حيطان المدينة عرض له طريقان فأخذ ذات اليمين حتّى انتهوا إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى شاة و ذبحت و شويت،فلمّا أرادوا أكلها تنحّت فاطمة تبكي مخافة أن يموتوا،قال:ما شأنك يا بنيّة؟

قالت:رأيت كذا و كذا في نومي فتنحّيت لئلاّ أراكم تموتون فناجى ربّه فنزل جبرئيل و قال:يا محمّد هذا شيطان يقال له الدّهار أرى فاطمة هذه الرؤيا و هو يؤذي المؤمنين في نومهم،فجاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فبزق عليه ثلاث بزقات و شجّه في ثلاث مواضع ثمّ قال جبرئيل:قل يا محمّد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين:أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه المقرّبون و أنبياء اللّه المرسلون و عباده الصالحون من شرّ ما رأيت و من رؤياي،و يقرأ الحمد و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد و يتفل عن يساره ثلاث تفلات فإنّه لا يضرّه5.

ص: 42


1- -زيادة من المصدر.
2- -في المصدر:أسيرهم.
3- -بحار الأنوار:8843/،و بيت الأحزان:45.

ما رأى (1).

و في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:رأت فاطمة في منامها كأنّ الحسن و الحسين ذبحا أو قتلا فأحزنها ذلك فأخبرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رؤيا فتمثّلت بين يديه قال:أنت أريت فاطمة هذا البلاء؟

قالت:لا،فقال:يا أضغاث أنت أريت فاطمة هذا البلاء؟

قالت:نعم يا رسول اللّه.

قال:فما أردت بذلك؟

قالت:أردت أن أحزنها،فقال:يا فاطمة اسمعي ليس هذا بشيء (2).

و في نوادر الراوندي قال:استأذن أعمى على فاطمة فحجبته فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لم حجبتيه و هو لا يراك؟

فقالت:إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشمّ الريح،فقال:أشهد أنّك بضعة منّي (3).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:ليس على وجه الأرض بقلة أنفع من[الفرقح] (4)و هو بقلة فاطمة صلوات اللّه عليها،لعن اللّه بني اميّة سمّوها بقلة الحمقى بغضا لنا و عداوة لفاطمة عليها السّلام (5).

و عنه عليه السّلام:بقلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الهندباء و بقلة أمير المؤمنين عليه السّلام الباذروج و بقلة فاطمة عليها السّلام[الفرفح] (6)(7).2.

ص: 43


1- -تفسير القمي:356/2،و بحار الأنوار:199/73.
2- -تفسير العياشي:179/2 ح 31،و بحار الأنوار:91/43 ح 15.
3- -كتاب النوادر:119،و بحار الأنوار:91/43.
4- -في المصدر:الفرفح.
5- -الكافي:367/6 ح 1،و بحار الأنوار:89/43 ح 11.
6- -ظاهر المخطوط:الفرفخ،و هو نبت الفرفحين.
7- -الكافي:364/6 ح 10،و كفاية الأثر:242.

الباب الثاني: في تزويج فاطمة صلوات اللّه عليها

قال الشيخ المفيد رحمه اللّه في كتاب الحدائق ليلة إحدى و عشرين من المحرّم و كانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة:كان زفاف فاطمة عليها السّلام يستحبّ صومه شكرا للّه تعالى لما وفّق من جمع حجّته و صفوته (1).

و في كتاب الأمالي عن عليّ عليه السّلام قال:أتاني أبو بكر و عمر فقالوا:لو أتيت رسول اللّه فذكرت فاطمة،فأتيته،فلمّا رآني ضحك قال:ما جاء بك يا أبا الحسن؟فذكرت له قرابتي و نصرتي و جهادي فقال:يا عليّ صدقت،فقلت:زوّجني فاطمة،فقال:إنّه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها و لكن اجلس حتّى أخرج إليك و دخل عليها فقال:يا فاطمة إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته و إنّي قد سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه و أحبّهم إليه و قد ذكر من أمرك شيئا،فسكتت و لم تول وجهها فقام و هو يقول:سكوتها إقرارها فأتاه جبرئيل و قال:يا رسول اللّه زوّجها عليّ بن أبي طالب،فزوّجني رسول اللّه ثمّ أتاني فأخذ بيدي فأقعدني عندها و دعى لنا (2).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عليّا فاطمة دخل عليها و هي تبكي فقال لها:ما يبكيك؟فو اللّه لو كان في أهل بيتي خير منه زوّجتك،و ما أنا زوّجتك و لكنّ اللّه زوّجك و أصدق عنك الخمس ما دامت السماوات و الأرض.

قال عليّ عليه السّلام:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:قم فبع الدّرع،فبعته و أخذ الدراهم فقبض قبضة أعطاها بلال و قال:ابتع لفاطمة طيبا ثمّ قبض قبض بكلتا يديه و قال لأبي بكر و أردفه بعمّار و جماعة و قال:ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت،و كان ممّا اشتروه قميص

ص: 44


1- -مسار الشيعة للمفيد:36،و بحار الأنوار:345/95.
2- -الأمالي:40،و بحار الأنوار:93/43.

بسبعة دراهم و خمار بأربعة دراهم و قطيفة سوداء و سرير حباله من خوص النخل و فراشين فرش أحدهما ليف و حشو الآخر صوف و أربع مرافق من أديم الطائف حشوها أذخر و ستر من صوف و حصير و رحى لليد و مركن من نحاس و سقا من أدم وقعب للبن و شن للماء و مطهرة مزفته و جرّة خضراء و كيزان خزف،فحمل أبو بكر و من معه المتاع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فجعل يقلّبه بيده و يقول:بارك اللّه لأهل البيت،قال عليّ:فأقمت بعد ذلك شهرا لا أقول شيئا،ثمّ قلن أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:ألا نطلب لك من رسول اللّه دخول فاطمة عليك فقلت:

أفعلن؟

فقالت له امّ أيمن:لو أنّ خديجة باقية لقرّت عينها بزفاف فاطمة،و أنّ عليّا يريد أهله فقرّ عيوننا بذلك،فقال:فما بال عليّ لا يطلب منّي زوجته فقد كنّا نتوقّع ذلك منه،فقال عليّ:الحياء يمنعني يا رسول اللّه،فقال لأزواجه:هيّئوا لها حجرة امّ سلمة من حجره صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أمر أن تزيّن و يصلحن من شأنها.

قالت امّ سلمة:فسألت فاطمة هل عندك طيب اذخرتيه؟

فقالت:نعم،فأتت بقارورة فشممت منها رائحة ما شممت مثلها فقلت:ما هذا؟

قالت:كان دحية الكلبي يدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيقول لي:يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك فأطرح الوسادة فيجلس عليها فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه،فسأل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن ذلك فقال:هو عبير يسقط من أجنحة جبرئيل عليه السّلام،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عليّ اصنع لأهلك طعاما فاضلا من عندنا اللحم و الخبز و عليك التمر و السمن،فاشتريت تمرا و سمنا فحسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن ذراعه و جعل يشدخ التمر في السمن حتّى اتّحد حيا و بعث إلينا كبشا سمينا فذبح و خبز لنا خبز كثير ثمّ قال:ادع من أحببت،فأتيت المسجد و هو غاصّ بأهله فعلوت ربوة و ناديت:أجيبوا إلى وليمة فاطمة فجاء الناس فأكلوا عن آخرهم و دعوا لي بالبركة و هم أكثر من أربعة آلاف رجل و لم ينقص من الطعام شيء.

ثمّ دعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بالصحاف فملئت و وجّه بها إلى منازل أزواجه واحدة صحفة و جعل فيها طعاما و قال:هذا لفاطمة و بعلها حتّى إذا غربت الشمس قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أمّ

ص: 45

سلمة هلمي فاطمة،فأتت بها و هي تسحب أذيالها و قد تصبّبت عرقا حياء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم[فعثرت] (1)فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أقالك اللّه العثرة في الدّنيا و الآخرة،فلمّا وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتّى رآها عليّ عليه السّلام ثمّ أخذ يدها فوضعها في يد عليّ عليه السّلام و قال:بارك اللّه لك في ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم انطلقا إلى منزلكما و لا تحدثا أمرا حتّى آتيكما فانطلقت بها حتّى جلست في جانب الصفة و جلست في جانبها و هي مطرقة إلى الأرض حياء منّي و أنا مطرق حياء منها،فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأجلس فاطمة من جانبه ثمّ قال:يا فاطمة آتيني بماء فأتته به فأخذ جرعة فتمضمض بها ثمّ مجّها في القعب و صبّ منها على رأسها و نضح بين ثدييها و كتفيها و دعى لهما ثمّ قال:ادخل بأهلك[بارك اللّه بأهلك]بارك اللّه لك (2).

و في كتاب الأمالي:أنّها دخل بها لأيّام خلت من شوّال،و روي أنّه دخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجّة (3).

أقول:فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا لعليّ عليه السّلام لعلل و أسباب منها:جريان السنّة بين الأمة فإنّ العرب و إلى الآن كانت تستنكف منه و منها إفراطه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في محبّة ابن عمّه و منها أنّه لم يكن لعليّ عليه السّلام أحد من أهله يتولّى ذلك له.و أمّا قول جبرئيل عليه السّلام:اطرحيها لعمّك،فقد ورد تفسيره في حديث آخر و هو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و جبرئيل خلقا من النور فهما اخوان،و أيضا أنّ جبرئيل أخا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه دخلت امّ أيمن على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و في مكحفتها شيء، فقال:ما هذا؟

قالت:إنّ فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها ثمّ بكت امّ أيمن و قالت:

يا رسول اللّه فاطمة زوّجتها و لم تنثر عليها فقال:يا امّ أيمن إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا زوّجت فاطمة عليّا أمر أشجار الجنّة أن تنثر عليهم من حليّها و حللها و ياقوتها و درّها و زمردها0.

ص: 46


1- -في المصدر:فتعثرت.
2- -أمالي الطوسي:43 ح 14،و بحار الأنوار:96/43.
3- -أمالى الطوسي:43 ح 16،و وسائل الشيعة:240/20.

و استبرقها فأخذوا منها ما لا يعلمون،و لقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة عليها السّلام فجعلها في منزل عليّ عليه السّلام (1).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:كانت فاطمة عليها السّلام لا يذكرها أحد لرسول اللّه إلاّ أعرض عنه حتّى أيس الناس منها،فلمّا أراد أن يزوّجها من عليّ أسرّ إليهم فقالت:يا رسول اللّه أنت أولى بما ترى غير أنّ نساء قريش تحدّثني عنه إنّه رجل دحداح و هو القصير السمين عظيم البطن طويل الذراعين أنزع عظيم العينين ضاحك السنّ لا مال له،فقال:يا فاطمة أما علمت أنّ اللّه أشرف على الدّنيا فاختارني على رجال العالمين ثمّ اطلع فاختار عليّا على رجال العالمين ثمّ أطلع فاختارك على نساء العالمين،و إنّه لمّا اسري بي إلى السماء وجدت مكتوبا بأعلى صخرة بيت المقدس:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره فقلت لجبرئيل:و من وزيره؟

قال:عليّ بن أبي طالب.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها:إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره و نصرته بوزيره عليّ بن أبي طالب،و رأيت مكتوبا على قائمة من قوائم العرش:لا إله إلاّ أنا محمّد حبيبي أيّدته بوزيره عليّ بن أبي طالب،فلمّا دخلت الجنّة رأيت شجرة طوبى أصلها في دار علي و لا في الجنّة قصر و لا منزل إلاّ و فيه غصن منها و أعلاها اسفاط حلل من سندس و استبرق يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط في كلّ سفط مائة ألف حلّة على ألوان مختلفة وسطها ظلّ ممدود يسير الراكب في ذلك الظلّ مائة عام فلا يقطعه،و أسفلها ثمار أهل الجنّة و طعامهم متدل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة ممّا رأيتم في دار الدّنيا و ما لم تروه و كلّما يقطع منها شيء ينبت مكانه و يجري نهر في أصل تلك الشجرة تنفجر منها الأنهار،أنهار من ماء غير آسن و أنهار من لبن لم يتغيّر طعمه،و أنهار من خمر لذّة للشاربين،و أنهار من عسل مصفّى.

و أمّا قولك:إنّه بطين،فإنّه مملوّ من العلم الذي خصّه اللّه،و أمّا إنّه عظيم العينين فإنّ اللّه خلقه بصفة آدم عليه السّلام،و أمّا طول يديه فإنّ اللّه طوّلها يقتل بها أعداء اللّه و أعداء رسول اللّه8.

ص: 47


1- -حياة أمير المؤمنين:96/1 ح 8.

و به يفتح اللّه الفتوح و يقاتل المشركين على تنزيل القرآن و المنافقين من أهل البغي و النكث و الفسوق على تأويله،و يخرج اللّه من صلبه سيّدي شباب أهل الجنّة و يزيّن بهما عرشه.

[يا فاطمة ما بعث اللّه نبيا إلاّ جعل له ذرية من صلبه و جعل ذريتي من صلب علي، و لو لا علي ما كان لي ذرية].

فقالت فاطمة:ما أختار عليه أحدا (1).

أقول:في هذا الحديث إشعار بأنّه يجوز للبنت إظهار ما يعتقد عيبا في الزوج لوليها، و يجوز للولي أن يمتنع عن تزويجها للكفؤ مع وجود جميع تلك الصفات في الزوج أو بعضها و إن لم يكن من العيوب الشرعية.

و في الأمالي عن عليّ عليه السّلام في حديث قال فيه:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد ما ضحك:إنّ اللّه كفاني ما قد كان أهمّني من أمر تزويجك،قلت:و كيف ذلك؟

قال:أتاني جبرئيل و معه من سنبل الجنّة و قرنفلها فشممتها فقال:إنّ اللّه تعالى أمر سكّان الجنان من الملائكة و من فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها و أشجارها و أثمارها و قصورها،و أمر ريحها فهبّت بأنواع العطر و الطيب و أمر حور عينها بقراءة سورة طه و طواسين و يس و حمعسق،ثمّ نادى مناد من تحت العرش:ألا إنّ اليوم يوم وليمة عليّ بن أبي طالب ألا أنّي أشهدكم إنّي قد زوّجت فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضى منّي،ثمّ بعث اللّه سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها و زبرجدها و يواقيتها و قامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنّة و قرنفلها و هذا ممّا نثرت،ثمّ أمر اللّه ملكا يقال له راحيل و ليس في الملائكة أبلغ منه فقال له:

اخطب،فخطب بخطبة لم يسمع مثلها أهل السماء و لا أهل الأرض ثمّ نادى مناد:ألا يا ملائكتي باركوا على عليّ بن أبي طالب و فاطمة ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرّجال إليّ..الحديث (2).

و في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام قال:كان فراش عليّ و فاطمة عليهما السّلام اهاب كبش إذا أرادا أن يناما عليه قلباه فناما عليه.3.

ص: 48


1- -تفسير القمي:338/2،و بحار الأنوار:101/43.
2- -الأمالي:654،و بحار الأنوار:102/43.

و عن جابر الأنصاري قال:لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاطمة من عليّ أتاه اناس من قريش فقالوا:إنّك زوّجت عليّا بمهر خسيس فقال:ما أنا زوّجت عليّا ولكن اللّه زوّجه ليلة اسري بي عند سدرة المنتهى،فأوحى اللّه إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرّ و الجوهر و المرجان فالتقطنه حور العين،فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن:هذا من نثار فاطمة،فلمّا كانت ليلة الزفاف أتى ببغلة شهباء و ثنى عليها قطيفة و أركبها و أمر سلمان أن يقودها و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يسوقها فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم صوت الملائكة فقال:ما أهبطكم إلى الأرض؟

قالوا:جئنا نزف فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب،فكبّر جبرئيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و كبّر محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فوقع التكبير على العرايس من تلك الليلة.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ نثار سدرة المنتهى كان مقدّما على الأملاك و الزفاف هو مقدّمات الأملاك أعني الخطبة إلى الولي،و يقال له بالفارسية:نام زد،و على هذا يحمل ما ورد من اختلاف الأخبار في يوم التزويج و شهره بأن تحمل بعض تلك الأخبار على بعضها و بعضها على يوم الأملاك و بعضها على يوم أمر أن يشترى فيه الأثاث لها و بعضها على يوم الزفاف،فترجع الأخبار كلّها متوافقة غير متنافية.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى أمهر فاطمة ربع الدّنيا،فربعها لها و أمهرها الجنّة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنّة،و على معرفتها دارت القرون الأولى.

أقول:المراد برفعها الربع الذي يسكنه أهلها و هو الربع المعمور منها فتكون الأرض المعمورة كلّها لفاطمة عليها السّلام فمن سكن الأرض من غير شيعتها سكن في المكان المغصوب، و نكح و صلّى و صام في الأرض المغصوبة كما نطقت به الأخبار.

و عنه عليه السّلام أنّ رسول اللّه زوّج عليّا فاطمة على درع له حطمية تسوى ثلاثين درهما (1).

و في تزويج الجواد عليه السّلام ابنة المأمون ذكر أنّه تزوّجها و بذل لها من الصداق مهر جدّته5.

ص: 49


1- -بحار الأنوار:105/43،و اللمعة البيضاء:255.

فاطمة و هي خمسمائة درهم جياد (1).

أقول:يمكن الجمع بحمل قوله:تسوى ثلاثين على أنّها قيمتها في الواقع لكنّها بيعت بخمسمائة درهم لرغبة الناس فيها.

و في كتاب الخرائج حديث في ليلة الزفاف قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لامّ سلمة:

املأي القعب ماء فقال:يا عليّ اشرب نصفه[و] (2)قال لفاطمة:اشربي و أبقي،فأخذ الباقي و صبّه على وجههما و نحرهما،و يستفاد منه استحباب أن يفعل هذا في العرايس مع ما تقدّم من صبّ الماء بين كتفيها،و لم يذكره الفقهاء في كتب الفقهيّة (3).

قال المفضّل:العاقد بين فاطمة و بين عليّ هو اللّه تعالى و القابل جبرئيل و الخاطب راحيل و الشهود حملة العرش و صاحب النثار رضوان و طبق النثار شجرة طوبى،و النثار الدرّ و الياقوت و المرجان،و الرّسول هو المشاطر و وليد هذا النكاح الأئمّة عليهم السّلام.

و روي أنّ جبرائيل عليه السّلام أتى بحلّة قيمتها الدّنيا،فلمّا لبستها فاطمة[تحيّر] (4)نسوة قريش منها و قلن:من أين لك هذا؟

قالت:هذا من عند اللّه (5).

أقول:اختلفت الأحاديث بين العامّة و الخاصّة في المهر.فروي أنّه أربعمائة و ثمانين درهما.و روي أربعمائة مثقال فضّة.و روي أنّه برد حبرة و اهاب شاة.و الصحيح أنّه كان خمسمائة درهم.

و روى ابن مردويه أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لعليّ:تكلّم خطيبا لنفسك،فقال:الحمد للّه الذي قرب من حامديه و دنا من سائليه و وعد الجنّة و وعد الجنّة من يتّقه و أنذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه و أياديه حمد من يعلم أنّه خالقه و باريه و مميته و محييه و مسائله3.

ص: 50


1- -الحدائق الناظرة:353/18،و روضة الواعظين:239.
2- -في المصدر:ثم.
3- -الخرائج و الجرائح:535/2،و بحار الأنوار:106/43 ح 21.
4- -في المصدر:تحيرت.
5- -المناقب:130/3،و بحار الأنوار:115/43.

عن مساويه و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستكفيه و نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له شهادة تبلغه و ترضيه و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلاة تزلفه و تخطيه و ترفعه و تصطفيه، و النكاح ممّا أمر اللّه به و يرضيه و اجتماعنا ممّا قدّره اللّه و أذن فيه (1).

أقول:يستحبّ قراءة هذه الخطبة قبل العقد في جميع العقود.

و روي أنّه كان عند زفافها النبيّ عليه السّلام و حمزة و عقيل و جعفر و أهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم و نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قدّامها يرتجزن فأنشأت امّ سلمة شعر:

سرن بعون اللّه جاراتي *** و اشكرنه في كلّ حالات

و اذكرن ما أنعم ربّ العلى *** من كشف مكروه و آفات

فقد هدانا بعد كفر و قد *** أنعشنا ربّ السماوات

و سرن مع خير نساء الورى *** تفدى بعمّات و خالات

يا بنت من فضّله ذو العلى *** بالوحي منه و الرسالات

ثمّ ارتجزت عائشة و حفصة و غيرهنّ من النساء (2).

و روي أنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لمّا زفّت فاطمة قال:مرحبا ببحرين يلتقيان و نجمين يقترنان.و باتت عندها أسماء بنت عميس اسبوعا بوصية خديجة إليها ثمّ أتاهما صلّى اللّه عليه و اله في صبيحتهما و قال:

السلام عليكم أدخل رحمكما اللّه،ففتحت أسماء الباب و كانا نائمين تحت كساء[فقال:على حالكما]فأدخل رجليه بين أرجلهما فسأل عليّا كيف وجدت أهلك؟

قال:نعم العون على طاعة اللّه،و سأل فاطمة فقالت:خير بعل،فقال:اللّهمّ اجمع شملهما و ألّف بين قلوبهما ثمّ أمر بخروج أسماء،ثمّ خلا بها بإشارة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و روي أنّه كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعس فيه لبن فقال لفاطمة:

اشربي فداك أبوك،و قال لعليّ:اشرب فداك ابن عمّك (4).4.

ص: 51


1- -المناقب:127/3،و بحار الأنوار:112/43.
2- -المناقب:130/3،و بحار الأنوار:115/43.
3- -المناقب:131/3،و بحار الأنوار:117/43.
4- -المناقب:132/3،و بحار الأنوار:117/43 ح 24.

و في رواية أنّه بعد أن خطب عليّ عليه السّلام الخطبة المتقدّمة أمر صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بطبق بسر و أمر بنهبه و دخل حجرة النساء و أمر بضرب الدفّ (1).

[في]كشف اليقين عن أسماء بنت عميس قالت:سمعت سيّدتي فاطمة عليها السّلام تقول ليلة دخل بي عليّ بن أبي طالب:أفزعني لأنّ الأرض كانت تحدّثه و يحدّثها فأصبحت و أخبرت والدي فسجد سجدة طويلة ثمّ رفع رأسه و قال:أبشري بطيب النسل[و إنّ اللّه] (2)أمر الأرض أن تحدّثه بأخبارها و ما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها (3).

و فيه أيضا عن بلال بن حمامة قال:طلع علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و وجهه مشرق كالقمر، فقال له عبد الرحمن بن عوف:ما هذا النور؟

قال:بشارة من ربّي أتتني في أخي و ابن عمّي و ابنتي،و أنّ اللّه زوّج عليّا من فاطمة و أمر رضوان خادم الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبّي أهل بيتي و أنشأ من تحتها ملائكة من نور و دفع إلى كلّ ملك صكّا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّا فيه فكاكة من النار بأخي و ابن عمّي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من امّتي من النار (4).

و في رواية:أنّه يكون في الصكوك براءة من العليّ الجبّار لشيعة عليّ و فاطمة من النار (5).

و في كتاب المناقب عن امّ سلمة و سلمان و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قالوا:لمّا أدركت فاطمة بنت رسول اللّه مدرك النساء خطبها أكابر قريش،فأعرض عنهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لقد خطبها أبو بكر ثمّ عمر فقال:أمرها إلى ربّها فقال أبو بكر و عمر و سعد بن معاذ:إنّ عليّ بن أبي طالب لم يخطبها و لا يمنعه من ذلك إلاّ قلّة اليد،فقاموا إلى عليّ و كان ينضح ببعيره على1.

ص: 52


1- -بحار الأنوار:112/43،و شجرة طوبى:2522/.
2- -في المصدر:فإنّ اللّه فضّل بعلك على سائر خلقه،و.
3- -كشف الغمة:289/1،و بحار الأنوار:272/41 ح 26.
4- -بحار الأنوار:117/27،و المناقب:181.
5- -المناقب:123/3،و بحار الأنوار:124/43 ح 31.

نخل رجل من الأنصار باجرة فلمّا رآهم قال:ما حاجتكم؟

قال أبو بكر:يا أبا الحسن لم يبق خصلة من خصال الخير إلاّ و لك فيها سابقة و أنت من رسول اللّه بالمكان الذي عرفت و قد خطب الأشراف ابنته فاطمة فردّهم فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه،فإنّي أرجو أن يكون اللّه و رسوله إنّما يحبسانها عليك فتغرغرت عينا عليّ بالدموع و قال:قد هيّجت منّي ساكنا و اللّه ما يمنعني إلاّ قلّة ذات اليد،فقال:إنّ الدّنيا عند اللّه و رسوله كهباء منثور،ثمّ حلّ ناضحه و أقبل إلى رسول اللّه و كان في بيت امّ سلمة فدق الباب فقالت امّ سلمة:من بالباب؟

فقال لها رسول اللّه:قومي و افتحي،فهذا رجل يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله هذا أخي و ابن عمّي ففتحت فإذا هو عليّ بن أبي طالب فما دخل حتّى علم أنّي رجعت إلى خدري فقال:السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.

فقال:و عليك السلام يا أبا الحسن اجلس،فجلس و جعل ينظر الأرض كأنّ له حاجة يستحي من إظهارها فقال له:يا أبا الحسن أتيت لحاجة فكلّ حاجة لك مقضيّة فقال عليّ:

فداك أبي و أمّي إنّك أخذتني من عمّك أبي طالب و فاطمة بنت أسد و أنا صبيّ لا عقل لي فغذّيتني بغذائك و أدبتني بأدبك و أنت ذخري في الدّنيا و الآخرة،فقد أحببت أن يكون لي بيت و زوجة أسكن إليها و قد أتيتك خاطبا لفاطمة،فهل أنت مزوّجني؟

فتبسّم في وجه عليّ فقال:و هل معك شيء أزوّجك به؟

قال:ما يخفى عليك من أمري شيء أملك سيفي و درعي و ناضحي فقال:أمّا سيفك فتجاهد به في سبيل اللّه و ناضحك تنضح به على نخلك و تحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع،و أبشرك يا عليّ أنّ اللّه تعالى قد زوّجكها من السماء و لقد هبط عليّ ملك قبل أن تأتيني له وجوه شتّى لم أر مثله فبشّرني باجتماع الشمل و طهارة النسل اسمه سيطائيل موكّل بإحدى قوائم العرش،قال:سألت ربّي أن يأذن لي في بشارتك و هذا جبرئيل في أثري يخبرك بكرامة اللّه لك،فما استتمّ كلامه حتّى نزل جبرئيل فسلّم عليّ و وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنّة و فيها سطران مكتوبان بالنور فقلت:ما هذه الحريرة و الخطوط فقال:يا محمّد إنّ اللّه اختارك للرسالة و جعل لك أخا و وزيرا فزوّجه ابنتك فاطمة

ص: 53

و هو أخوك في الدّنيا و ابن عمّك في النسب عليّ بن أبي طالب،و أنّ اللّه أوحى إلى الجنان فتزخرفت و إلى شجرة طوبى احملي الحلل و الحلي و تزيّنت الحور العين و أمر اللّه الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند خطب عليه آدم يوم عرض الأسماء على الملائكة و هو منبر من نور،فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له راحيل أن يعلو ذلك المنبر و أن يحمده بمحامده و يمجّده و أن يثني عليه بما هو أهله و ليس في الملائكة أحسن منطقا منه،فعلا المنبر و أثنى عليه بما هو أهله فارتجّت السماوات فرحا و سرورا.

قال جبرائيل:ثمّ أوحى إليّ أن اعقد عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة،و أمرني ربّي أن أعرضها عليك و أن أدفعها إلى رضوان،و لمّا أشهد اللّه سبحانه الملائكة على التزويج أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحليّ و الحلل فنثرت ما فيها فالتقطه الملائكة و الحور العين و أمرني أن آمرك أن تزوّج عليّا في الأرض و تبشّرهما بغلامين زكيّين ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛ما عرج الملك من عندي حتّى دققت الباب و أنا منفذ ما أمرني ربّي امض أمامي،فأنا خارج إلى المسجد و مزوّجك على رؤوس الناس و ذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك و عين محبّيك فخرجت مسرورا فلقيني أبو بكر فقلت:

زوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته و أخبرني أنّ اللّه زوّجنيها من السماء و هذا رسول اللّه في اثري، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:يا بلال اجمع لي المهاجرين و الأنصار فجمعهم،ثمّ رقى درجة من المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:

معاشر المسلمين إنّ جبرئيل أخبرني أنّ اللّه زوّج أمته فاطمة من عبده عليّ بن أبي طالب و أمرني أن أزوّجه في الأرض و اشهدكم على ذلك،ثمّ جلس و قال لعلي:اخطب لنفسك ثمّ قام و خطب ثمّ عقد لنفسه ثمّ قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من عليّ الدرع و انصرف إلى أزواجه و أمرهن بضرب الدفوف،فقال:يا أبا الحسن انطلق فبع درعك و ائتني بثمنه فبعته من عثمان بأربعمائة درهم سود،فلمّا قبضت الدراهم وهبني الدرع فطرحت الدرع و الدراهم بين يديه فأمر أبو بكر و جماعة بشراء ما يصلحنا من الثياب و أثاث البيت و مكثت بعد ذلك شهرا لا اعاوده في أمر فاطمة استحياء غير أنّي كنت إذا خلوت برسول اللّه يقول:يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر يا أبا الحسن،فلمّا مضى شهر كلّمت امّ أيمن مولاته بحضور

ص: 54

نسائه،فأمر بإحضاره و خلّى به فقال:أتحبّ أن تدخل عليك زوجتك؟

فقلت:نعم فداك أبي و أمّي،فأمر أزواجه أن يزينّ فاطمة و يفرشن لها بيتا ففعلن ذلك، ثمّ أمر بالوليمة و زفّت فاطمة إليّ و مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا فدخل علينا في الرابع فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس فقال:ما يقفك و في الحجرة رجل؟

فقالت:جعلت فداك إنّ الفتاة إذا زفّت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها و تقوم بحوائجها و إنّ امّها خديجة أوصتني بذلك،فدعى لها بخير.

قال عليّ:و كانت غداة قرّة و كنت أنا و فاطمة تحت الهبا،فلمّا سمعنا الكلام أردنا أن نقوم فقال؛بحقّي عليكما لا تفترقا حتّى أدخل عليكما،فرجعنا إلى حالنا و جلس عند رؤوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا فأخذت رجله اليمنى و ضممتها إلى صدري و أخذت فاطمة رجله اليسرى فضمّتها إلى صدرها و جعلنا ندفئ رجليه من البرد.

ثمّ ذكر في الحديث ما تقدّم من رشّه الماء عليها بعد شربها منه ثمّ قال:قالت فاطمة:يا أبه لا طاقة لي بخدمة البيت فأخدمني خادما،فقال:أفلا تريدين خيرا من الخادم؟

فقالت:بلى.

قال:تسبّحين اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم ثلاثا و ثلاثين مرّة و تحمدينه ثلاثا و ثلاثين مرّة و تكبرينه أربعا و ثلاثين مرّة فذاك مائة في اللسان و ألف حسنة في الميزان،و إذا قلت في صبيحة كلّ يوم كفاك اللّه ما أهمّك من أمر الدّنيا و الآخرة.

أقول:قال صاحب المناقب نقلا عن محمد بن يوسف ذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح،لأنّ أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب تزوّجها بعده أبو بكر فولدت له محمّد،فلمّا مات أبو بكر تزوّجها عليّ بن أبي طالب،و إنّ أسماء التي حضرت في عرس فاطمة إنّما هي أسماء بنت يزيد الأنصاري و أنّ أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة قدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع و كان زواج فاطمة عليها السّلام بعد وقعة بدر بأيّام يسيرة.

و لأسماء بنت يزيد أخبار كثيرة روتها عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلاّ أنّ الأخبار الدالّة على أنّها بنت عميس كثيرة و بعضها لا يقبل التأويل كقوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أسماء امّا إنّك تزوّجين بهذا الغلام

ص: 55

و تلدين له غلاما.

و روى أنّه لمّا زفّت فاطمة عليه السّلام نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و معهم سبعون ألف ملك و قدمت بغلة رسول اللّه الدلدل و عليها فاطمة عليها السّلام مشتملة بكساء و أمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب،و أمسك ميكائيل[بالثفر] (1)و رسول اللّه من يسوي عليها الثياب،فكبر جبرائيل و كبر إسرافيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و جرت السنّة بالتكبير إلى يوم القيامة.

و في كتاب العلل و المناقب و البشائر مسندا إلى أبي ذرّ قال:كنت أنا و جعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم،فلمّا قدمنا المدينة أهداها لعليّ عليه السّلام تخدمه فجعلها في منزل فاطمة،فدخلت فاطمة يوما فنظرت إلى رأس عليّ عليه السّلام في حجر الجارية فقالت:يا أبا الحسن فعلتها،فقال:لا و اللّه يا بنت محمّد ما فعلت شيئا فما الذي تريدين؟

قالت:تأذن لي في المصير إلى منزل أبي،فأذن لها فتجلّلت و تبرقعت و أرادت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فهبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك:إنّ هذه فاطمة قد أقبلت تشكو عليّا فلا تقبل منها في عليّ شيئا،فدخلت فاطمة فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

جئت تشكي عليّا؟

قالت:إي و ربّ الكعبة،فقال لها:ارجعي إليه فقولي له:رغم أنفي لرضاك،فرجعت إلى عليّ عليه السّلام فقالت له:يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك،تقولها ثلاثا.

فقال لها عليّ:شكوتيني إلى خليلي و حبيبي رسول اللّه وا سؤتاه من رسول اللّه أشهد اللّه يا فاطمة أنّ الجارية حرّة لوجه اللّه و انّ الأربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء أهل المدينة.

ثمّ أراد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فهبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول لك:قل لعليّ قد أعطيتك الجنّة بعتقك الجارية في رضا فاطمة و النار بالأربعمائة درهم التي تصدّقت بها،فادخل الجنّة من شئت برحمتي و اخرج من النار من شئت بعفوي فعندها قال عليّ عليه السّلام:ر.

ص: 56


1- -مصورة المخطوط لا تقرأ،و ما أثبتناه من المصدر.

أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار (1).

أقول:ما صدر من الزهراء عليها السّلام إنّما كان لمثل تحصيل هذه الخصلة العظيمة لابن عمّها و إلاّ فهي أجلّ قدرا من ذلك على أنّ الغيرة مركوزة في طباع النساء على الرّجال كما هي مركوزة في طباع الرجال عليهنّ.

و في دعوات الراوندي عن سويد بن غفلة قال:أصابت عليّ شدّة فأتت فاطمة عليها السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فدقّت الباب فقال:أسمع حسّ حبيبتي بالباب يا امّ أيمن قومي و افتحي فدخلت فقال:لقد جئتي في وقت ما كنت تأتينا في مثله،فقالت:يا رسول اللّه ما طعام الملائكة عند ربّنا؟

فقال:التحميد فقالت:ما طعامنا؟

قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛و الذي نفسي بيده ما اقتبس في آل محمّد شهرا نارا،و اعلّمك خمس كلمات علمنيهنّ جبرئيل عليه السّلام:يا ربّ الأوّلين و الآخرين يا ذا القوّة المتين و يا راحم المساكين و يا أرحم الراحمين،و رجعت.فلمّا أبصرها عليّ قال:بأبي أنت و أمّي ما وراءك يا فاطمة؟

قالت:ذهبت للدّنيا و جئت للآخرة.

قال عليّ عليه السّلام:خير أيّامك (2).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:حرّم اللّه عزّ و جلّ على عليّ النساء ما دامت فاطمة حيّة لأنّها طاهر لا تحيض (3).

أقول:لعلّ المراد أنّها لا تمنعه حاجته كما في غيرها و به شرع عقد الأزواج،و قيل:

المقصود جلالتها و عظمتها لكن عبّر عنه باللاّزم.

و في كتاب المناقب سئل عالم فقيل:إنّ اللّه تعالى قد أنزل هَلْ أَتى (4)في أهل1.

ص: 57


1- -علل الشرائع:164/1 ح 2،و بحار الأنوار:148/43.
2- -الدعوات:48 ح 117،و اللمعة البيضاء:285.
3- -بحار الأنوار:16/43،و المناقب:110/3.
4- -سورة الإنسان:1.

البيت و ليس شيء من نعيم الجنّة إلاّ و ذكر فيه إلاّ الحور العين قال:ذلك إجلالا لفاطمة (1).

و عن أبي صالح في قوله: وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (2)قال:ما من مؤمن يوم القيامة إلاّ إذا قطع الصراط زوّجه اللّه على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدّنيا و سبعين ألف حوريّة من حور الجنّة إلاّ علي بن أبي طالب،فإنّه زوج البتول فاطمة في الدّنيا و هو زوجها في الآخرة ليست له زوجة في الجنّة غيرها من نساء الدّنيا،لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء (3).8.

ص: 58


1- -المناقب:106/3،و بحار الأنوار:153/43.
2- -سورة التكوير:7.
3- -المناقب:106/3،و مجمع النورين:38.

الباب الثالث: فيما جرى على فاطمة من الظلم بعد أبيها و في كيفيّة محبّيها يوم القيامة و ما يتبع ذلك

اشارة

في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:البكّاؤن خمسة:آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة [بنت] (1)محمّد و عليّ بن الحسين عليهم السّلام،فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خدّيه أمثال الأودية،و أمّا يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره،و أمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذى به أهل السجن،فقالوا:إمّا أن تبكي الليل أو النهار فصالحهم على واحد منها،و أمّا فاطمة فبكت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى تأذى به أهل المدينة،فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء تبكي حتّى تقضي حاجتها فترجع،و أمّا عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليهما السّلام عشرين سنة و أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له:

يابن رسول اللّه إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين،قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون،إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة (2).

و عن عبد اللّه بن عبّاس قال:لمّا حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الوفاة بكى،فقيل له في ذلك،فقال:أبكي لذرّيتي و ما يصنع بهم شرار امّتي من بعدي كأنّي بابنتي فاطمة و قد ظلمت من بعدي و هي تنادي يا أبتاه فلا يعينها أحد من امّتي،فسمعت ذلك فاطمة فبكت فقال:لا تبكين يا بنيّة.

فقالت:لست أبكي لما يصنع بي بعدك ولكنّي أبكي لفراقك يا رسول اللّه.

فقال:أبشري فإنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي (3).

ص: 59


1- -في المصدر:ابنة.
2- -الأمالي:204،و روضة الواعظين:170.
3- -الأمالي:188،و بحار الأنوار:41/28 ح 4.

و في حديث آخر:لا تبكين بعدي إلاّ اثنين و سبعين يوما و نصف يوم.و في حديث آخر:خمس و سبعين يوما.

و في كتاب دلائل الإمامة للطبري بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:قبضت فاطمة عليها السّلام جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون من سنة إحدى عشر من الهجرة و كان سبب وفاتها أنّ قنفذ مولى عمر لكزها بنصل السيف بأمره فأسقطت محسنا و مرضت من ذلك.

و لمّا توفّيت أخرجها أمير المؤمنين عليه السّلام إلى البقيع في الليل و صلّى عليها و دفنها بالروضة و أعمى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة دفنت و فيه أربعون قبرا جددا،و لمّا علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضجّ الناس و تلاوموا و قالوا:لم يخلف نبيّكم فيكم إلاّ بنتا واحدة تموت و تدفن و لم تحضروها و لا الصلاة عليها و لا تعرفوا قبرها.

فقال ولاة الأمر منهم:هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نجدها و نصلّي عليها.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه و عليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة و هو متوكّل على سيفه ذي الفقار حتّى ورد البقيع فخاف الناس و قالوا:قد أقسم لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف فيكم،فتلقّاه عمر و أصحابه و قالوا:و اللّه لننبش قبرها و لنصلّينّ عليها فضرب عليّ عليه السّلام إلى جوامع ثوبه فهزّه ثمّ ضرب به الأرض و قال له:يابن السوداء أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم و أمّا قبر فاطمة فلئن رمت و أصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم،فتلقّاه أبو بكر فقال:يا أبا الحسن بحقّ رسول اللّه إلاّ خلّيت عنه فإنّا غير فاعلين شيئا تكرهه،فخلّى عنه و تفرّق الناس و لم يعودوا إلى ذلك (1).

و روى ورقة بن عبد اللّه قال:بينمنا أنا أطوف و إذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه عذبة الكلام و هي تنادي:اللّهمّ ربّ الكعبة الحرام و ربّ محمّد خير الأنام أن تحشرني مع ساداتي الكرام،فقلت:يا جارية إنّي لأظنّك من موالي أهل البيت عليهم السّلام؟3.

ص: 60


1- -دلائل الإمامة:136،و بحار الأنوار:171/43.

فقالت:أجل أنا فضّة أمة الزهراء صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها،فقلت لها:

مرحبا بك يا فضّة أخبريني عن الزهراء عند وفاتها.

فلمّا سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدّموع فقالت:هيّجت عليّ حزنا ساكنا يا ورقة لمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كثر عليه البكاء و لم يكن أعظم عليه حزنا من فاطمة الزهراء فجلست سبعة أيّام لا يسكن أنينها،فلمّا كان اليوم الثالث أبدت ما كتمت من الحزن و صرخت و ضجّ الناس بالبكاء و خيل إلى[النسوان] (1)أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قد قام من قبره و هي تنادي:

وا ابتاه وا محمّداه أمن للقبلة و المصلّى و من لابنتك الثكلى،ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها و لا تبصر شيئا من عثرتها حتّى دنت من قبر أبيها،فلمّا نظرت إلى الحجرة علا بكاؤها إلى أن اغمي عليها فنضحن النساء الماء عليها حتّى أفاقت،فلمّا أفاقت و هي تقول:رفعت قوّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و الحزن قاتلي يا أبتاه،بقيت و الهة وحيدة و حيرانة فريدة تنغص عيشتي و تكدر دهري بعدك فقد فنى بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محلّ ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب ثمّ قالت شعر:

إنّ حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي و اللّه صب عتيد

إنّ قلبا عليك بألف صبرا *** أو عزاء فإنّه لجليد

ثمّ نادت:يا أبتاه اسودّت بعدك الدّنيا،يا أبتاه زال نومي منذ وقع الفراق،يا أبتاه أي دمعة لفراقك لا تهمل و أيّ حزن عليك لا يتصل و أي جفن بعدك بالنوم يكتحل؟

و كيف لا تتزلزل الأرض بعدك؟.

يا أبتاه منبرك بعدك مستوحش و محرابك خال من مناجاتك و قبرك فرح بموالاتك و الجنّة مشتاقة إليك،يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا إليك.

ثمّ زفرت زفرة و قالت:

قلّ صبري و بان عنّي عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء

قد بكتك الجبال و الوحش جمعا *** و الطير و الأرض بعد بكى السماءة.

ص: 61


1- -في المصدر:النسوة.

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا *** قد تنغّصت بالحياة يا مولاي

ثمّ رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء ليلها و نهارها،و اجتمع شيوخ أهل المدينة إلى أمير المؤمنين فقالوا؛إنّ فاطمة تبكي الليل و النهار فلا أحد منّا يتهنّا بالنوم و العيش،فأمّا أن تبكي ليلا أو نهارا.

فأخبرها أمير المؤمنين عليه السّلام بما قالوا فقالت:يا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم فو اللّه لا أسكت ليلا و لا نهارا حتّى ألحق بأبي،فبنى لها بيتا في البقيع خارج المدينة يسمّى بيت الأحزان،و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين أمامها و خرجت إلى البقيع باكية بين القبور،فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام و ساقها بين يديه إلى منزلها و لم تزل على ذلك إلى أن مضى بها بعد موت أبيها سبعة و عشرون يوما فاعتلّت فبقيت إلى يوم الأربعين و قد صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام الظهر و أقبل إلى المنزل فاستقبله الجواري باكيات حزينات فقالوا:

ادرك بنت عمّك الزهراء و ما نظنّك تدركها فدخل عليها مسرعا و هي ملقاة على فراشها تتقلّب يمينا و شمالا فألقى العمامة عن رأسه و أخذ رأسها و ناداها يا بنت محمّد المصطفى فلم تكلّمه ثمّ قال:يا فاطمة كلّميني ففتحت عينها و نظرت إليه و بكت و بكى فقال:فما الذي تجدينه؟

قالت:يابن العمّ أجد الموت و أنا أعلم إنّك بعدي لا تصبر عن التزويج،فإذا تزوّجت امرأة اجعل لها يوما و ليلة و اجعل لأولادي يوما و ليلة و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين،فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما و اليوم يفقدان امّهما ثمّ قالت شعرا:

ابكني إن بكيت يا خير هادي *** و اسبل الدمع فهو يوم فراق

ابكني و ابك لليتامى و لا *** تنسى قتيل العدى بطف العراق

فقال لها:فمن أين لك يا بنت رسول اللّه هذا الخبر و الوحي قد انقطع عنّا؟

قالت:رقدت الساعة فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في قصر من الدرّ الأبيض،فلمّا رآني قال:هلمي يا بنية فإنّي إليك مشتاق فقلت و اللّه إنّي لأشدّ شوقا فقال:أنت الليلة عندي و هو الصادق المصدّق فإذا أنت قرأت يس أكون قد قضيت نحبي فغسّلني و لا تكشف عنّي فإنّي طاهرة مطهّرة و ليصلّ عليّ من أهلك الأدنى فالأدنى فادفني ليلا في قبري.

قال عليّ عليه السّلام:فلمّا غسّلتها و كفنتها و أردت عقد الرداء ناديت:يا امّ كلثوم يا زينب

ص: 62

يا سكينة يا فضّة يا حسن يا حسين هلمّوا تزوّدوا من امّكم،فهذا الفراق و اللقاء في الجنّة.

فأقبل الحسن و الحسين يناديان و احسرة لا تنطفئ أبدا من فقدنا جدّنا محمّد و امّنا فاطمة الزهراء يا امّنا إذا لقيت جدّنا فاقرأيه منّا السلام و قولي له[بقينا]بعدك يتيمين في دار الدّنيا.

فقال أمير المؤمنين:إنّها قد حنت و أنّت و مدّت يديها و ضمّتهما إلى صدرها مليا و إذا بهاتف ينادي من السماء يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب قال:فرفعتهما عن صدرها و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى:السلام عليك يا رسول اللّه منّي و من ابنتك النازلة عليك و إنّ الوديعة قد استردّت و الرهينة قد اخذت، فواحزناه على الرسول و من بعده على البتول و لقد اسودّت عليّ الغبراء و بعدت عنّي الخضراء،فواحزناه ثمّ وا أسفاه.

ثمّ عدل بها على الروضة فصلّى عليها في أهله و أصحابه،فلمّا ألحدها في لحدها قال شعر:

أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة *** و صاحبها حتّى الممات عليل

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة *** و إنّ بقائي بعدكم لقليل

و إنّ افتقادي فاطم بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل (1)

و في المناقب:قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنان و سبعون يوما و قيل أربعة أشهر و قيل أربعين يوما توفّيت ليلة الأحد ثلاث عشر ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشر من الهجرة و مشهدها بالبقيع و قالوا:إنّها دفنت في بيتها و قيل بين القبر و المنبر (2).

و روي أنّها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة،و يقول لولديها:أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما ثمّ مرضت و دعت امّ أيمن و أسماء بنت عميس و عليّ بن أبي طالب و أوصت عليّ بثلاث؛أن3.

ص: 63


1- -المناقب:139/3،و الأنوار العلوية:304.
2- -المناقب:132/3،و بحار الأنوار:180/43.

يتزوّج امامة بنت اختها زينب لحبّها لأولادها،و أن يتّخذ لها نعشا لأنّها كانت رأت الملائكة فصوّرت لها صورته،و أن لا يشهد أحد جنازتها ممّن ظلمها و لا يصلّي عليها أحد منهم (1).

و روى الواقدي أنّ فاطمة لمّا حضرتها الوفاة أوصت عليّا أن لا يصلّي عليها أبو بكر و عمر،فعمل بوصيّتها و سوّى قبرها مع الأرض مستويا و سوّى حواليها قبورا مزوّرة سبعة أو أربعين حتّى لا يعرف قبرها فيصلّوا عليها.

و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام:من غسل فاطمة؟

فقال:غسّلها أمير المؤمنين لأنّها كانت صدّيقة لم يكن ليغسلها إلاّ صدّيق و المراد بالصدّيق هنا المعصوم (2).

و في الكافي بإسناده إلى الحسين عليه السّلام قال:لمّا قبضت فاطمة عليها السّلام دفنها أمير المؤمنين عليه السّلام سرّا و حوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك من ابنتك و زائرتك و البايتة في الثرى ببقعتك و المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك،قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري و عفى عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي على أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ،فلقد و سدتك في ملحودة قبرك و فاضت نفسك بين نحري و صدري إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء يا رسول اللّه،أمّا حزني فسرمد و أمّا ليلي فمسهد و همّ لا يبرح قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و همّ مهيج سرعان ما فرّق بيننا،و إلى اللّه أشكو و ستنبّؤنك ابنتك بتظافر امّتك على هضمها،فاحفها السؤال و استخبرها الحال،فكم من عليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا و ستقول و يحكم اللّه و هو خير الحاكمين،و السلام عليكما سلام مودّع لا قال و لا سائم فإن أنصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين واها واها و الصبر أيمن و أجمل فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا و تهضم حقّها و تمنع إرثها و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر،و إلى اللّه يا رسول اللّه8.

ص: 64


1- -بحار الأنوار:619/31 ح 97،و اللمعة البيضاء:861.
2- -اللمعة البيضاء:863،و بحار الأنوار:255/78.

المشتكى و فيك يا رسول اللّه أحسن العزاء صلّى اللّه عليك و عليها السلام و الرضوان (1).

و في كتاب الاحتجاج فيما احتجّ به الحسن عليه السّلام على معاوية و أصحابه إنّه قال لمغيرة بن شعبة:أنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه حتّى أدميتها و ألقت ما فيها انتها كالحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (2).0.

ص: 65


1- -الكافي:459/1 ح 3،و دلائل الإمامة:138.
2- -بحار الأنوار:645/31 ح 172،و اللمعة البيضاء:870.
[إحراق بيت فاطمة عليها السلام]

و في كتاب سليم بن قيس عن سلمان و ابن عبّاس قالا:توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فلم يوضع في حفرته حتّى ارتدّ الناس و أجمعوا على الخلاف و اشتغل عليّ عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى فرغ من غسله و وضعه في حفرته،ثمّ أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال عمر لأبي بكر أنّ:الناس بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته فابعث إليه فقال:يا قنفذ انطلق إلى عليّ فقل أجب خليفة رسول اللّه فأبى أن يأتي فوثب عمر غضبا و نادى خالد بن الوليد و قنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا و نارا ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ،و فاطمة قاعدة خلف الباب فضرب عمر الباب ثمّ نادى يابن أبي طالب افتح الباب.

فقالت فاطمة:يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه قال:افتحي الباب و إلاّ أحرقناه عليكم،فقالت:يا عمر أما تتّقي اللّه عزّ و جلّ تهجم على داري،ثمّ دعى عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب،ثمّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة و قالت:يا أبتاه يا رسول اللّه،فرفع السيف و هو في غمده فوجئ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه،فوثب عليّ بن أبي طالب فأخذ بتلابيب عمر فصرعه و وجئ أنفه و رقبته و همّ بقتله فذكر قول رسول اللّه و ما أوصاه به من الصبر و الطاقة،فقال:يابن الصهّاك لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي،فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلا،فحالت بينهم و بينه فاطمة عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و أنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللّه فالجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت[من ذلك] (1)

ص: 66


1- -زيادة من المصدر.

شهيدة،الحديث (1).

و في كتاب المصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال له رجل:هل تشيّع الجنازة بنار و يمشي معها بمجمرة و قنديل أو غير ذلك ممّا يضاء به؟فاستوى جالسا ثمّ قال:إنّه جاء شقيّ من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمّد فقال:أما علمت أنّ عليّا قد خطب بنت أبي جهل؟

فقالت:حقا ما تقول؟

قال:حقّا ما أقول ثلاث مرّات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها،و ذلك أنّ اللّه تعالى كتب على النساء غيرة و كتب على الرجال جهاد،فاشتدّ غمّ فاطمة من ذلك و بقيت متفكّرة حتّى أمست فحملت الحسن على عاتقها الأيمن و الحسين على عاتقها الأيسر و أخذت بيد امّ كلثوم ثمّ تحوّلت إلى حجرة أبيها،فجاء عليّ فلم ير فاطمة فعظم ذلك عليه و لم يعلم القصّة ما هي فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد و جمع شيئا من الكثيب فاتّكى عليه،فلمّا رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما بفاطمة من الحزن دخل المسجد و دعى اللّه أن يذهب ما بفاطمة من الحزن و ذلك أنّه خرج من عندها و هي تتقلّب و تتنفّس الصعداء،فلمّا رآها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا يهنها اليوم قال لها:قومي يا بنيّة،و حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و حملت فاطمة الحسين و أخذت بيد امّ كلثوم فانتهى إلى عليّ و هو نائم فوضع رجله على رجله و قال:قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر و عمر و طلحة فاجتمعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا علي أما علمت أنّ فاطمة بضعة منّي و أنا منها فمن آذاها فقد آذاني و من آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي.

فقال علي:بلى يا رسول اللّه قال:فما دعاك إلى ما صنعت؟

فقال:و الذي بعثك بالحقّ نبيّا ما كان منّي ممّا بلغها شيء و لا حدّثت بها نفسي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:صدقت صدقت،ففرحت فاطمة عليها السّلام بذلك و تبسّمت حتّى يرى ثغرها فقال أحدهما لصاحبه:إنّه لعجب ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة فأخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بيد علي و أدخله مع فاطمة و أولادها البيت و وضع عليهم قطيفة و خرج.

فلمّا مرضت فاطمة عليها السّلام أتاها أبو بكر و عمر عايدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن1.

ص: 67


1- -كتاب سليم بن قيس:151،و الإحتجاج:109/1.

لهما،فلمّا رأى ذلك أبو بكر أعطى اللّه عهدا لا يظلّه سقف بيت حتّى يدخل على فاطمة و يتراضاها فبات ليلة في الصقيع (1)ما أظلّه شيء،ثمّ إنّ عمر أتى عليّا فقال:إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب و قد كان مع رسول اللّه في الغار فله صحبة و قد أتينا فاطمة مرارا نتراضاها فلم تأذن،فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل فدخل عليها عليّ عليه السّلام و قال:يا بنت رسول اللّه قد كان من أمر هذين الرجلين ما قد رأيت و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك.

فقالت:و اللّه لا آذن لهما و لا اكلّمهما كلمة من رأسي حتّى ألقى أبي فأشكوهما إليه.

قال عليّ:فإنّي ضمنت لهما ذلك.

قالت:إن كنت قد ضمنت فالبيت بيتك فأذن لمن أحببت فأذن لهما فدخلا و سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما فتحوّلا إلى الجانب الآخر و هكذا مرارا فقال أبو بكر:إنّما أتيناك نسألك أن تصفحي عنّا فالتفتت إلى عليّ فقالت:لا اكلّمهما حتّى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول اللّه فإن صدقاني رأيت رأيي فقالا لها ذلك.

فقالت:أنشدكما باللّه هل سمعتما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم.

فقالت:اللّهم إنّي أشهدك فاشهدوا يا من حضر أنّهما قد آذياني في حياتي و عند موتي و اللّه لا اكلّمهما حتّى ألقى ربّي فأشكوهما إليه فدعا أبو بكر بالويل و الثبور و قال:ليت امّي لم تلدني.

فقال عمر:عجبا للناس كيف ولّوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها و قاما و خرجا،فلما نعي إلى فاطمة نفسها قالت:يا عليّ إذا قضيت نحبي فاخرجني أيّ ساعة من ليل أو نهار و لا يحضرن من أعداء اللّه و رسوله للصلاة عليّ،فلمّا قضت نحبها أخذ في جهازها من ساعته في جوف اللّيل و أشعل النار في جريد النخل و مشى مع الجنازة بالنار حتّى صلّى عليها و دفنها ليلا،فلمّا أصبح أبو بكر و عمر عادوا عايدين فاطمة فقالوا لرجل:من أين أقبلت؟ء.

ص: 68


1- -الصقيع:شبيه الثلج يسقط من الماء.

قال:عزّيت عليّا بفاطمة فإنّها ماتت و دفنت في جوف الليل،فجزعا ثمّ أقبلا على عليّ فقالا:ما تركت شيئا من غوايلنا و ما هذا إلاّ من شيء في صدرك علينا،و هل هذا إلاّ كما غسّلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دوننا و كما علّمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن انزل عن منبر أبي.

فقال لهما:أتصدقاني إن حلفت لكما؟

قالا:نعم،فحلف فقال:إنّ رسول اللّه[أمر]أن لا يطلع أحد على عورته إلاّ ابن عمّه فكنت أغسله و الملائكة تقلّبه و الفضل بن العبّاس يناولني الماء و هو مربوط العينين بالخرقة و لقد أردت أن أنزع القميص فصاح بي صايح:لا تنزع القميص،فأدخلت يدي من تحت القميص و غسّلته ثمّ قدّم إليّ الكفن فكفّنته ثمّ نزعت القميص بعدما كفنّته.

و أمّا الحسن ابني فقد تعلمان و يعلم أهل المدينة أنّ الحسن كان يسعى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو ساجد فيركب ظهره فيقوم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يده على ظهر الحسن و الاخرى على ركبته حتّى تتمّ الصلاة،قالا:نعم علمنا ذلك ثمّ قال:و تعلمان أنّه كان يركب على رقبة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يدلي الحسن رجليه على صدر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد و النبيّ يخطب و لا يزال على رقبته حتّى يفرغ،فلمّا رأى الصبيّ عن منبر أبيه غيره شقّ عليه ذلك و اللّه ما أمرته بذلك.

و أمّا فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها و لقد رأيتما ما كان و لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها و لا الصلاة عليها و ما كنت الذي اخالف أمرها فقال عمر:دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى اصلّي عليها،فقال عليّ عليه السّلام:لو ذهبت تروم شيئا من ذلك لكنت لا اعاملك إلاّ بالسيف[قبل أن تصل إلى شيء من ذلك] (1)،فوقع بينهما كلام و اجتمع المهاجرون و الأنصار ثمّ تفرّقا،انتهى ملخّصا (2).

أقول:وقع الاختلاف في مدّة حياتها بعد أبيها.قال أبو الفرج في مقاتل الطالبين:

المكثر يقول ثمانية أشهر و المقلّل يقول أربعين يوما إلاّ أنّ الثبت في ذلك ما روي عن الباقر عليه السّلام إنّها توفّيت بعده بثلاثة أشهر.3.

ص: 69


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:69/3،و بحار الأنوار:205/43.

و في الكفعمي أنّها توفّيت في الثالث من جمادى الآخرة.و في مصباح الشيخ رحمه اللّه أنّها توفّيت في اليوم الحادي و العشرين من رجب (1).

و قال بعض أهل الحديث:لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة و الوفاة و مدّة عمرها و لا بين تواريخ الوفاة و بين ما ورد في الخبر الصحيح أنّها عليها السّلام عاشت بعد أبيها خمسا و سبعين يوما،إذا لو كان وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الثامن و العشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أوسط جمادى الأولى و لو كان في ثاني عشر ربيع الأوّل كما ترويه العامّة كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى.

و ما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السّلام من كون مكثها عليها السّلام بعده ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأن يكون عليه السّلام لم يتعرّض للأيّام الزائدة لقلّتها،انتهى.

و يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة بحمل الأقلّ على أيّام الصحّة و الأكثر منه على مجموع أيّام الصحّة و المرض.و في بعض الأخبار إشارة إليه.

و في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السّلام قبّة من نور و أقبل الحسين عليه السّلام رأسه على يده،فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا عبد مؤمن إلاّ بكى لها،فيمثّل اللّه عزّ و جلّ رجلا لها في أحسن صورة و هو يخاصم قتلته بلا رأس فيجمع اللّه قتلته و من شرك في قتله فيقتلهم حتّى يأتي على آخرهم ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السّلام ثمّ ينشرون،فيقتلهم الحسين عليه السّلام ثمّ ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام،و لا يبقى أحد من ذريّتنا إلاّ قتلهم قتلة فعند ذلك يكشف اللّه الغيظ و ينسي الحزن،ثمّ قال:رحم اللّه شيعتنا و اللّه هم المؤمنين فقد و اللّه شاركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة (2).

و في حديث آخر:إنّ اللّه يأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت لا يدخلها روح أبدا و لا يخرج منها غم أبدا،فيقال لها:التقطي قتلة الحسين عليه السّلام،فتلتقطهم7.

ص: 70


1- -شرح الأخبار:69/3،و بحار الأنوار:215/43.
2- -ثواب الأعمال:217،و بحار الأنوار:222/43 ح 7.

فإذا صاروا في حوصلتها شهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها،فينطقون[بألسنة ذلقة] (1)يا ربّنا بما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟فيأتيهم الجواب عن اللّه عزّ و جلّ أنّ من علم ليس كمن لا يعلم (2).

و في ذلك الكتاب أيضا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يمثّل لفاطمة عليها السّلام متشحّطا بدمه فتصيح:وا ولداه وا ثمرة فؤاداه فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة.و إنّ فاطمة في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنّة يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الثناء على ربّ العالمين،ثمّ ينادي مناد من بطنان العرش يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم،فهذه فاطمة بنت محمّد تمرّ على الصراط فتمرّ و شيعتها على الصراط كالبرق الخاطب[قال النبي:] (3)[و تلقي] (4)أعداءها و أعداء ذرّيتها في جهنّم (5).

و في حديث آخر:أنّه لا ينظر إليها إلاّ أولادها الطاهرون.

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:كلّ بني امّ ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة،فإنّي أنا أبوهم و عصبتهم (6).

و عن عامر الشعبي قال:بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة فخشيت و توضّأت و أوصيت ثمّ دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور و السيف مسلول فسلّمت وردّ السلام و قال:لا تخف و أتى برجل مقيّد فقال:إنّ هذا الشيخ يقول:إنّ الحسن و الحسين كانا ابني رسول اللّه ليأتيني بحجّة من القرآن و إلاّ أضرب عنقك،فقال:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلى قوله: وَ يَحْيى وَ عِيسى .

و عيسى كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده،فالحسن و الحسين أولى أن ينسب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مع قربهما منه،فأمر له بعشرة آلاف دينار و أذن له في الرجوع فأتيت إليه غدا2.

ص: 71


1- -زيادة من المصدر.
2- -بحار الأنوار:127/7،و درر الأخبار:88.
3- -زيادة من المصدر.
4- -في المصدر:و يلقى.
5- -ثواب الأعمال:220.
6- -بحار الأنوار:307/16،و كشف الخفاء:119/2.

فإذا هو في المسجد و تلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشرا عشرا و يتصدّق بها ثمّ قال:هذا ببركة الحسن و الحسين لئن كنّا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا و أرضينا اللّه و رسوله (1).

و في كتاب معاني الأخبار مسندا إلى الحسن البغدادي قال:كنت بخراسان مع الرضا عليه السّلام في مجلسه و زيد بن موسى أخوه حاضر،و قد أقبل على جماعة في المسجد يفتخر عليهم و يقول:نحن و نحن،فالتفت إليه فقال:يا زيد أغرّك قول بقّالي الكوفة إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيتها على النار و اللّه ما ذلك إلاّ الحسن و الحسين و ولد بطنها،فأمّا أن يكون موسى بن جعفر عليه السّلام يطيع اللّه و يصوم نهاره و يقوم ليله و تقصيه أنت ثمّ تجيئان يوم القيامة سواء،لأنت أعزّ على اللّه[عز و جل]منه،إنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام كان يقول:لمحسننا كفلان من الأجر و لمسيّئنا ضعفان من العذاب،فقال:يا حسن كيف تقرؤون هذه الآية: قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فقد نفاه عن أبيه فقال عليه السّلام:كلاّ لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى اللّه عزّ و جلّ نفاه اللّه عن أبيه،و كذا من كان منّا لم يطع اللّه فليس منّا،و أنت إذا أطعت اللّه فأنت منّا أهل البيت (2).

و عن ياسر قال:خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن عليه السّلام بالمدينة و أحرق و قتل و كان يسمّى زيد النار،فبعث إليه المأمون فأسر و حمل إلى المأمون،فقال المأمون:اذهبوا به إلى أبي الحسن،فلمّا ادخل عليه قال:يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة ثمّ ساق الحديث.

و في كتاب الاحتجاج عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام؛يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين؟

قلت؛ينكرون علينا أنّهما أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

قال:فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟

قلت:بقول اللّه في عيسى ابن مريم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ إلى قوله:و كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ فجعل عيسى من ذريّة إبراهيم و احتججنا عليهم بقوله تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ قال:فأيّ شيء قالوا؟قلت:قالوا قد يكون ولد البنت من5.

ص: 72


1- -بحار الأنوار:229/43،و شجرة طوبى:379/2.
2- -معاني الأخبار:106،و مستدرك سفينة البحار:290/5.

الولد و لا يكون من الصلب،فقال أبو جعفر عليه السّلام:لأعطينكها من كتاب اللّه[عز و جل،أنهما من صلب]رسول اللّه لا يردها إلاّ كافر.

قلت:و أين قال؟

قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ إلى قوله: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ فسلهم هل يحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم نكاح حليلتهما؟فإن قالوا:نعم،فكذبوا و اللّه،و إن قالوا لا فهما و اللّه ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لصلبه و ما[حرّمت] (1)عليه إلاّ للصلب (2).

أقول:وجه الدلالة من هذه الآية أنّ العامّة يستدلّون بها على تحريم حليلة ولد البنت و لا يتمّ إلاّ بكونه ولدا حقيقة للصلب مع إجماعهم على دخول ولد البنت و الأصل في الإطلاق الحقيقة.

و قال الفاضل ابن أبي الحديد:فإن قلت:أيجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما أبناء رسول اللّه و ولد رسول اللّه و ذريّة رسول اللّه و نسل رسول اللّه؟قلت؛نعم،لأنّ اللّه تعالى سمّاهم أبناءه في قوله تعالى: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ و إنّما عنى الحسن و الحسين و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات.

و أمّا قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ فقد عنى به زيد بن حارثة لأنّ العرب كانت تقول زيد ابن محمّد على عادتهم في تبنّي العبد،فأبطل اللّه تعالى ذلك و نهى عن شبه الجاهلية.

و قال:إنّ محمّدا ليس بالواحد من الرّجال البالغين المعروفين بينكم،و ذلك لا يبغي كونه أبا لأطفال لم يطلق عليهم لفظة الرّجال كإبراهيم و حسن و حسين عليهم السّلام،انتهى (3).

و أمّا أولادها عليها السّلام فقال في كتاب المناقب إنّها ولدت الحسن و لها اثنا عشر سنة و أولادها الحسن و الحسين و المحسن و زينب و امّ كلثوم.

و قد ذكرنا في تضاعيف هذا الكتاب و شرحنا على التهذيب و الاستبصار أنّ الشريف3.

ص: 73


1- -في المصدر:حرّمن.
2- -الإحتجاج:59/2،و الحدائق الناظرة:399/12.
3- -اللمعة البيضاء:43.

السيّد على الحقيقة تجري عليه و له ما يكون للعلويّين،و أقمنا عليه الدلائل الكثيرة لا يبقى شكّ للنافي له إلاّ حكاية التقليد (1).3.

ص: 74


1- -المناقب:133/3.

أبواب مناقب الإمامين المعصومين و أحوالهما

اشارة

أعني سيّدي شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن و أبي عبد اللّه الحسين 7،و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ولادة الحسن و الحسين و ما يشتركان فيه و نقش خواتيمهما

اشارة

في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما (1).

و في كتاب الأمالي و غيره عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا ولد الحسن عليه السّلام قالت فاطمة لعليّ عليهما السّلام:سمه،فقال:ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه،فجاء صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال:ألم أنهكم أن تلفّوه في[خرقة] (2)صفراء،فرمى بها و لفّه في خرقة بيضاء،فقال لعليّ:هل سمّيته؟

قال:ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال:و ما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ و جلّ،فأوحى تبارك و تعالى إلى جبرئيل عليه السّلام إنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط فاقرأه السلام و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون شبّر،قال:لساني عربيّ.قال:سمه الحسن.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى جبرئيل عليه السّلام انّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه و هنّه و قل له:إنّ عليّا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون شبير قال:لساني عربيّ،قال:سمه الحسين فسمّاه به (3).

ص: 75


1- -المناقب:231/3.
2- -زيادة من المصدر.
3- -أمالي الصدوق:197،و بحار الأنوار:238/43 ح 3.

أقول:في القاموس شبّر كبقم و شبير كقمير و مشبر كمحدث أبناء هارون عليه السّلام،قيل و بأسمائهم سمّى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و الحسين و المحسن.

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام إنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عقّ عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين و الملحة بياض يخالطه سواد،و أعطى القابلة فخذا و دينارا و حلق رأسه و تصدّق بوزن الشعر ورقا و طلى رأسه بالخلوق و هو طيب معروف مركّب يتّخذ من الزعفران و غيره تغلب عليه الحمرة أو الصفرة و قال:إنّ الدم فعل الجاهلية و كذلك فعل بالحسين عليه السّلام (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه و كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره (2).

و عن امّ الفضل زوجة العبّاس إنّها قالت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك رأيت في المنام كأنّ عضوا من أعضائك في حجري فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:تلد فاطمة غلاما إن شاء اللّه فتكفليه فوضعت فاطمة الحسن عليه السّلام فدفعه إليها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأرضعته بلبن قثم بن العبّاس (3).

و في كتاب الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:أقبل حيران امّ أيمن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالوا؛إنّ امّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء فطلبها و قال لها:يا امّ أيمن لا أبكى اللّه عينك إنّ جيرانك أخبروني إنّك لم تزلي الليل تبكين،

قالت:يا رسول اللّه رأيت رؤيا عظيمة فبكيت رأيت كأنّ بعض أعضائك ملقى في بيتي فقال:يا امّ أيمن تلد فاطمة الحسين فتربيّنه و تلينه فتكون بعض أعضائي في بيتك،فلمّا ولد الحسين و كان يوم السابع أقبلت به امّ أيمن إلى رسول اللّه فقال:مرحبا بالحامل و المحمول، يا امّ أيمن هذا تأويل رؤياك (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ الحسين لمّا ولد أمر اللّه عزّ و جلّ جبرئيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنّئ رسول اللّه من اللّه و من جبرئيل،فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له5.

ص: 76


1- -وسائل الشيعة:411/21 ح 15،و أمالي الطوسي:367.
2- -بحار الأنوار:242/43 ح 13،و العوالم:31.
3- -بحار الأنوار:242/43 ح 14،و الصحيح من السيرة:264/5.
4- -أمالي الصدوق:142،و بحار الأنوار:242/43 ح 15.

قطرس كان من الحملة بعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة، فعبد اللّه تعالى في الجزيرة سبعمائة عام فقال لجبرئيل:احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لي فحمله فلمّا دخل جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هنّأه و أخبره بحال قطرس فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:قل له تمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك فتمسّح بالحسين عليه السّلام و ارتفع فقال:يا رسول اللّه امّا أنّ امّتك ستقتله و له علي مكافأة لا يزوره زائرا إلاّ أبلغه عنه و لا يسلّم عليه مسلم إلاّ أبلغه سلامه و لا يصلّ عليه مصلّ إلاّ أبلغه صلاته ثمّ ارتفع (1).

و في حديث آخر أنّه لمّا ارتفع قال:من مثلي و أنا عتاقة الحسين،يعني أنّه أعتقني من عذاب ذلك الذنب (2).

و في كتاب الاحتجاج عن عبد الرحمن بن المثنّى الهاشمي قال:قلت لأبي عبد اللّه:

جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن و هما مثلان؟

فقال:إنّ جبرئيل نزل على محمّد فقال:يولد لك غلام يقتله امّتك من بعدك فقال:يا جبرئيل لا حاجة لي فيه خاطبه ثلاثا ثمّ دعى عليّا فقال:إنّ جبرئيل أخبرني أنّه يولد لك غلام يقتله أمّتي قال:لا حاجة لي فيه ثلاثا ثمّ قال:إنّه يكون فيه و في ولده الإمامة و الوراثة و الخزانة،و كذلك قال لفاطمة بعد قولها:لا حاجة لي فيه،فقالت:رضيت عن اللّه عزّ و جلّ، فحملت بالحسين ستّة أشهر و لم يعش مولود قطّ ستّة أشهر غيره و غير عيسى ابن مريم فكفلته امّ سلمة،و كان صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فمه فيمصّه حتّى يروى فأنبت اللّه لحمه من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يرضع من فاطمة و لا من غيرها لبنا (3).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:كان للحسين بن علي خاتمان نقش أحدهما:لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء و نقش الآخر:إنّ اللّه بالغ أمره.و كان نقش خاتم عليّ بن الحسين:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ (4).3.

ص: 77


1- -أمالي الصدوق:200،و بحار الأنوار:243/43 ح 18.
2- -بحار الأنوار:245/43 ح 189،و العوالم:19.
3- -علل الشرائع:206/1،و الإمامة و التبصرة:52.
4- -أمالي الصدوق:193،و بحار الأنوار:242/43 ح 13.

و عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:إنّ اللّه تبارك و تعالى ملكا يقال له دركائيل له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح كما بين السماء و الأرض فجعل يوما يقول في نفسه:أفوق ربّنا جلّ جلاله شيء،فعلم اللّه تبارك و تعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها و قال أوحي له:طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش،فلمّا علم اللّه عزّ و جلّ اتعابه أوحى إليه:عدّ إلى مكانك فأنا أعظم فوق كلّ عظيم،فسلبه اللّه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة.

فلمّا ولد الحسين عليه السّلام و كان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى اللّه إلى ملك خازن النار:أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أوحى إلى رضوان خازن الجنّة أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولود يولد لمحمّد في دار الدّنيا،و أوحى إلى الحور العين تزيّن و تزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى الملائكة:أن قوموا صفوفا بالتسبيح لكرامة مولود ولد لمحمّد و أوحى إلى جبرئيل:أن اهبط إلى محمّد في ألف قبيل في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرّجة ملجمة عليها قباب الدرّ و الياقوت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيّون يهنّئون محمّدا بمولود له يقال له:الحسين،فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرّ دركائيل فقال له:يا جبرئيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدّنيا؟

قال:لا،ولكن ولد لمحمّد مولود في الدّنيا بعثني اللّه لأهنّئه بمولوده.

فقال:يا جبرئيل اقرأه منّي السلام و قل له:بحقّ هذا المولود عليك إلاّ ما سألت ربّك أن يرضى عنّي و يردّ عليّ أجنحتي و مقامي في صفوف الملائكة.

فلمّا هبط جبرئيل عليه السّلام و هنّأه و أخبره بقضية الملك فأخذ النبيّ الحسين عليه السّلام و هو ملهوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء و قال:اللّهمّ بحقّ هذا المولود عليك إن كان للحسين بن عليّ عندك حقّ فارض عن دركائيل وردّ عليه أجنحته و مقامه من صفوف الملائكة،فاستجاب اللّه دعاءه و غفر للملك،و الملك لا يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال:هذا مولى الحسين بن عليّ بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (1).4.

ص: 78


1- -كمال الدين و تمام النعمة:284 ح 36،و بحار الأنوار:250/43 ح 24.

أقول:لعلّ هذا مجرّد الخطرات التي تعتري أنواع الممكنات و أهل الزّلفى كالأنبياء و الملائكة يعاتبون عليها.

و في كتاب البشائر:كنية الحسن أبو محمّد ولد بالمدينة[ليلة]النصف من[شهر] (1)رمضان سنة ثلاث من الهجرة و الحسين عليه السّلام ولد بالمدينة خمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (2).

و في مسند أحمد و أبي يعلا قال:لمّا ولد الحسن سمّاه حمزة،فلمّا ولد الحسين سمّاه جعفرا قال عليّ:فدعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:إنّي أمرت[أن]أغيّر اسم هذين فسمّاهما حسنا و حسينا (3).

و في كتاب المناقب قال:حكي أبو الحسين النسّابة:كان اللّه عزّ و جلّ حجب هذين الاسمين عن الخلق يعني حسنا و حسينا حتّى تسمّى بهما ابنا فاطمة عليهم السّلام فإنّه لا يعرف أنّ أحدا من العرب تسمّى بهما في قديم الأيّام إلى عصرهما،و إنّما يعرف فيهما«حسن»بسكون السين،و«حسين»بوزن حبيب،فأمّا حسن بفتح الحاء و السّين و لا نعرفه إلاّ اسم جبل معروف (4).

و في الكتاب عن برة الخزاعي قال:لمّا حملت فاطمة بالحسن خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في بعض وجوهه فقال لها:إنّك ستلدين غلاما فلا ترضعيه حتّى أصير إليك،فلمّا وضعته بقي ثلاثة أيّام ما أرضعته فأدركتها رقّة الامّهات فأرضعته.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أبى اللّه عزّ و جلّ إلاّ ما أراد،فلمّا حملت بالحسين قال:إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك و لو أقمت شهرا و خرج في بعض وجوهه فولدت الحسين عليه السّلام،فمّا أرضعته حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخذه فجعل يمصّ إبهامه و فيه غذاؤه،و يقال:بل كان يدخل لسانه في فيه فيزقّه كما يزقّ الطير فرخه و قال:3.

ص: 79


1- -زيادة من المصدر.
2- -بحار الأنوار:250/43 ح 26،و المستجاد من الإرشاد:141.
3- -مسند أحمد:159/1.
4- -المناقب:167/3،و بحار الأنوار:253/43.

إيها حسين إيها حسين أبا اللّه إلاّ ما يريد بل هي فيك يعني الإمامة (1).

و في عيون المعجزات للمرتضى:روى أنّ فاطمة ولدت الحسن و الحسين من فخذها الأيسر.

و روى أنّ مريم ولدت المسيح من فخذها الأيمن و حديث هذه الحكاية في كتاب الأنوار و في كتب كثيرة (2).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:لمّا عرّج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم نزل بالصلاة[عشر ركعات] (3)ركعتين ركعتين فلمّا ولد الحسن و الحسين زاد في الصلاة سبع ركعات شكرا للّه فأجاز اللّه له ذلك (4).

و عنه عليه السّلام:كان في خاتم الحسن و الحسين عليهما السّلام الحمد للّه،و عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسن عليه السّلام:العزّة للّه،و خاتم الحسين عليه السّلام:العزّة للّه (5).

و في كتاب المناقب عن ابن عبّاس قال:كنت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و على فخذه الأيسر ابنه إبراهيم و على الأيمن الحسين بن علي،و هو تارة يقبّل هذا و تارة يقبّل هذا إذ هبط جبرئيل فقال:يا محمّد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام و يقول:لست أجمعها لك فافد أحدهما بصاحبه، فنظر إلى إبراهيم و بكى و نظر إلى الحسين و بكى و قال:إنّ إبراهيم امّه أمة و متى مات لم يحزن عليه غيري و امّ الحسين فاطمة و أبوه عليّ ابن عمّي لحمه لحمي و متى مات حزنت ابنتي و حزن ابن عمّي و حزنت أنا عليه و أنا أؤثر حزني على حزنهما.

يا جبرئيل يقبض إبراهيم فدية للحسين،فقبض بعد ثلاث فكان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا رأى الحسين مقبلا قبّله و ضمّه إلى صدره و رشف ثناياه و قال:فديت من فديته بابني إبراهيم (6).

و في كتاب الأمالي عن ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛إذا كان يوم القيامة[زين7.

ص: 80


1- -المناقب:209/3،و بحار الأنوار:254/43 ح 32.
2- -عيون المعجزات:51،و بحار الأنوار:256/43 ح 34.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الكافي:487/3 ح 2،و بحار الأنوار:258/43 ح 41.
5- -بحار الأنوار:242/43 ح 13،و العوالم:31.
6- -المناقب:234/3،و بحار الأنوار:153/22 ح 7.

عرش ربّ العالمين بكل زينة،ثمّ] (1)يؤتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش و الاخرى عن يسار العرش فيؤتى بالحسن و الحسين عليهما السّلام فيقوم الحسن على أحدهما و الحسين على الآخر يزيّن الربّ تبارك و تعالى بهما عرشه كما يزيّن المرأة قرطاها (2).

و فيه أيضا عن أبي نعيم قال:شهدت ابن عمر و أتاه رجل فسأله عن دم البعوضة فقال:

ممّن أنت؟

قال:من أهل العراق،قال:انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوّضة و قد قتلوا ابن رسول اللّه و سمعت رسول اللّه يقول:الحسن و الحسين ريحانتاي من الدّنيا (3).

و عن زينب بنت أبي رافع عن امّها قالت:قالت فاطمة عليها السّلام:يا رسول اللّه هذان ابناك فورثهما شيئا.

قال:أمّا الحسن فإنّ له هيبتي و سؤددي،و أمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي و قد ورد هذا الحديث بأسانيد متكثّرة و يحمل على إرادة اعمال الشجاعة و استعمال الجود و بذل المال و إلاّ فهما في أصل صفات الكمال سيّان (4).

و في الكتب الكثيرة عن عليّ عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة،و في لفظ آخر ولداي هذان (5).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:قد ذكرنا في كتاب زهر الربيع أنّ من جملة الأخبار المتواترة باللفظ هذا الحديث رواه الجمهور و رواه أصحابنا قدّس اللّه أرواحهم بما يزيد على حدّ التواتر و عارضوه بما وضعوه من قولهم:أبو بكر و عمر سيّدا كهول الجنّة،مع أنّهم رووا في موضع آخر أنّه ليس في الجنّة كهل إلاّ إبراهيم عليه السّلام.2.

ص: 81


1- -زيادة من المصدر.
2- -أمالي الصدوق:174 ح 1،و بحار الأنوار:261/43 ح 3.
3- -أماي الصدوق:207 ح 12،و بحار الأنوار:262/43 ح 5.
4- -بحار الأنوار:263/43 ح 10،و شرح النهج:10/16.
5- -المناقب:546/1،و بحار الأنوار:18/42.

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة و معها الحسن و الحسين عليهم السّلام فقعد الحسن عليه السّلام على جانبه الأيمن و الحسين عليه السّلام على جانبه الأيسر،فأقبلا يغمزان بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فلمّا أفاق عن نومه فقالت:ارجعا حتّى يفيق و ترجعان إليه فلم يقبلا فاضطجع الحسن على عضده الأيمن و الحسين على عضد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الأيسر فانتبها قبل أن ينتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد كانت فاطمة لمّا ناما انصرفت إلى منزلها فقالا لعائشة:ما فعلت امّنا؟

قالت:رجعت إلى منزلها،فقاما و خرجا في ليلة ظلماء ذات رعد و برق فسطع لهما نور فمشيا حتّى أتيا حديقة بني النجّار فبقيا لا يعلمان أين يأخذان.

فقال الحسن:ننام حتّى نصبح فاضطجعا متعانقين فانتبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من النوم فطلبهما في منزل فاطمة و افتقدهما فقال:إلهي و سيّدي هذان شبلاي خرجا من المجاعة، اللّهم أنت وكيلي عليهما،فسطع نور و مشى في ذلك النور إلى حديقة بني النجّار فإذا هما نائمان متعانقان و قد تقشّعت السماء فوقهما كطبق و هي تمطر و لم تمطر عليهما،و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كأجام القصب و جناحان،جناح غطّت به الحسن و جناح غطّت به الحسين عليهما السّلام،فلمّا أن بصر بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تنحنح فانسابت الحيّة و هي تقول:اللّهمّ إنّي اشهدك إنّي قد حفظت شبلي نبيّك و دفعتهما إليه سالمين فقال لها:أيّتها الحيّة من أنت؟

قالت:أنا رسول الجنّ إليك نسينا آية من كتاب اللّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا،فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي:أيّتها الحيّة هذان شبلا رسول اللّه فاحفظيهما فأخذت الآية و انصرفت،فوضع الحسن على عاتقه الأيمن و الحسين على الأيسر.

فقال أبو بكر:ادفع إليّ بأحد شبليك أخفّف عنك فقال:امض فقد سمع اللّه كلامك و عرف مقامك.

و قال لعمر مثل ما قال لأبي بكر،فتلقّاه عليّ عليه السّلام فقال:ادفع إليّ أحد شبليك أخفّف عنك فقال للحسن:هل تمض إلى كتف أبيك؟

فقال:يا جدّاه إنّ كتفك لأحبّ إليّ من كتف أبي،و قال له الحسين مثل قول أخيه فأقبل إلى منزل فاطمة و قد ادّخرت لهما تميرات فأكلا و شبعا و فرحا.فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛قوما

ص: 82

الآن فاصطرعا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه،فقالت فاطمة:يا أبه وا عجباه أتشجّع الكبير على الصغير،فقال:يا بنيّة هذا جبرئيل يقول:يا حسين شدّ على الحسن فاصرعه (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛لقد أذهلني هذان الغلامان[يعني الحسن و الحسين] (2)أن أحبّ بعدهما أبدا،إنّ ربّي أمرني أن أحبّهما و أحبّ من يحبّهما (3).

و عن يعلى العامري قال:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى طعام دعي إليه،فإذا هو بحسين يلعب مع الصبيان فبسط له يديه فطفر هاهنا مرّة و هاهنا مرّة و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يضاحكه حتّى أخذه فوضع فاه على فيه و قبّله و قال:حسين منّي و أنا منه أحبّ اللّه من أحبّ حسينا،حسين سبط من الأسباط (4).

و روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام قال:أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بيد الحسن و الحسين فقال:من أحبّ هذين الغلامين و أباهما و امّهما فهو معي في درجتي يوم القيامة (5).

و عن امّ سلمة قالت؛رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يلبس ولده الحسين حلّة ليست من ثياب الدّنيا فقلت:يا رسول اللّه ما هذه الحلّة؟

فقال:هذه هدية أهداها إلي ربّي للحسين و إنّ لحمتها من زغبة جناح جبرئيل،و ها أنا ألبسه إيّاها و أزيّنه بها فإنّ اليوم يوم الزينة و إنّي أحبّه (6).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان الحسن بن عليّ عليهما السّلام يشبه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من صدره إلى رأسه و الحسين يشبهه من صدره إلى رجليه (7).

و فيه أيضا عن الرافعي عن أبيه عن جدّه قال:رأيت الحسن و الحسين عليهما السّلام يمشيان3.

ص: 83


1- -الأمالي:530 ح 8،و بحار الأنوار:107/39.
2- -زيادة عن المصدر.
3- -بحار الأنوار:269/43 ح 26.
4- -شرح الأخبار:88/3،و بحار الأنوار:74/37.
5- -كمال الزيارات:117،و بحار الأنوار:271/43 ح 37.
6- -مدينة المعاجز:517/3،و بحار الأنوار:271/43 ح 38.
7- -روضة الواعظين:165،و المناقب:165/3.

إلى الحجّ فلم يمرا براكب إلاّ نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم،فقالوا لسعد بن أبي وقّاص:

قد ثقل علينا المشي و لا نستحسن أن نركب و هذان السيّدان يمشيان فقال سعد للحسن:يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك و الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطلب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما.

فقال الحسن عليه السّلام:لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام[على أقدامنا] (1)ولكنّا نتنكّب الطريق فأخذا جانبا من الناس (2).

و عن جابر الأنصاري قال:خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم آخذا بيد الحسن و الحسين عليهما السّلام فقال:إنّ ابني هذين سألت اللّه لهما ثلاثا فأعطاني اثنتين و منعني واحدة سألت اللّه أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيّين فأجابني إلى ذلك،و سألت اللّه أن يقيهما و ذريّتهما و شيعتهما النّار فأعطاني ذلك و سألت اللّه أن يجمع اللّه الامّة على محبّتهما فقال؛يا محمّد إنّي قضيت قضاء و قدّرت قدرا،و إنّ طائفة من امّتك ستفي لك بذمّتك في اليهود و النصارى و المجوس و سيخفرون ذمّتك في ولدك،فإنّي أوجبت إلى نفسي لمن فعل ذلك إلاّ أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة (3).

و روي عن عليّ عليه السّلام قال:عطش المسلمون عطشا شديدا فجاءت فاطمة بالحسن و الحسين إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت؛يا رسول اللّه إنّهما صغيران لا يحتملان العطش،فدعى الحسن فأعطاه لسانه فمصّه حتّى ارتوى،ثمّ دعى الحسين فأعطاه لسانه فمصّه حتّى ارتوى.

و عنه عليه السّلام قال؛استسقى الحسن عليه السّلام فوثب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى شاة لنا فمصّ من ضرعها فجعل في قدح ثمّ وضعه في يد الحسن فجعل الحسين يثب عليه و رسول اللّه يمنعه.

فقالت فاطمة:كأنّه أحبّهما إليك يا رسول اللّه.

قال:ما هو بأحبّهما إليّ ولكنّه استسقى أوّل مرّة.

و في كتاب المناقب عن أبي عبد اللّه بن بريدة قال:سمعت أبي يقول كان رسول9.

ص: 84


1- -زيادة عن المصدر.
2- -الإرشاد:129/2،و بحار الأنوار:276/43 ح 46.
3- -بحار الأنوار:276/43،و أمالي المفيد:79.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخطب على المنبر فجاء الحسن و الحسين و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران،فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه ثمّ قال:إنّما أموالكم و أولادكم...،لقد قمت إليهما و ما معي عقلي.

و عن جابر قال:دخلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الحسن و الحسين على ظهره و هو يحثو بهما و يقول:نعم الجمل جملكما و نعم العدلان أنتما.

و عن ابن نجيح:كان الحسن و الحسين يركبان ظهر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يقولان:خل خل و يقول:نعم الجمل جملكما.

و عن عمر بن الخطّاب قال:رأيت الحسن و الحسين على عاتقي رسول اللّه فقلت:نعم الفرس لكما،فقال رسول اللّه:نعم الفارسان هما.

و روي أنّه برك للحسن و الحسين و حملهما و خالف بين أيديهما و أرجلهما و قال:نعم الجمل جملكما.

و روي أنّ فاطمة عليها السّلام كانت ترقّص ابنها حسنا و تقول شعر:

اشبه أباك يا حسن *** و اخلع عن الحقّ الرّسن

و اعبد إلها ذا منن *** و لا توال ذا الإحن

و قالت للحسين عليه السّلام:أنت شبيه بأبي لست شبيها بعليّ.

و روى المفيد عن الرضا عليه السّلام قال:عرى الحسن و الحسين عليهما السّلام و أدركهما العيد فقالا لامّهما:قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ نحن فما لك[أن] (1)تزيّنينا؟

فقال:إنّ ثيابكما عند الخيّاط[فإذا أتاني زينتكما] (2)،فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول على امّهما فبكت و رحمتهما،فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع فقال:يا بنت رسول اللّه أنا الخيّاط جئت بالثياب،ففتحت الباب فإذا رجل و معه من لباس العيد فناولها منديلا مشدودا فإذا فيه قميصان و دراعتان و سراويلان ورداءان و عمامتان و خفّان أسودان معقبان بحمرة، فألبستهما و دخل رسول اللّه و هما مزيّنان فحملهما و قبّلهما ثمّ قال:رأيت الخيّاط؟ر.

ص: 85


1- -في المصدر:لا.
2- -زيادة عن المصدر.

قالت:نعم يا رسول اللّه قال:يا بنيّة ما هو خيّاط إنّما هو رضوان خازن الجنان ما عرج حتّى جاءني و أخبرني (1).

و روى الحسن البصري و امّ سلمة:إنّ الحسن و الحسين دخلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و بين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي فتناول جبرئيل تفّاحة و سفرجلة و رمّانة فناولهما ففرحا و سعيا إلى جدّهما فشمّهما و قال:صيرا إلى امّكما و أبيكما، فلم يأكلوا حتّى صار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى مكان حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.قال الحسين عليه السّلام:فلم يلحقه التغيير حتّى توفّيت فاطمة ففقدنا الرمّان،فلمّا توفّى أمير المؤمنين فقدنا السفرجل و بقي التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت من الماء،فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي،فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها و أيقنت بالفناء.

قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة،فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر و بقي ريحها بعد الحسين عليه السّلام و لقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره فمن أراد بذلك من شيعتنا الزائرين ليعتبر فليلتمس ذلك أوقات السحر فإنّه يجده إذا كان مخلصا (2).3.

ص: 86


1- -بحار الأنوار:289/43.
2- -المناقب:161/3،و بحار الأنوار:290/43.
حديث الجام

و في أمالي أبو الفتح عن ابن عبّاس قال:كنّا جلوسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ هبط عليه جبرئيل و معه جام من البلور الأحمر مملوّ مسكا و عنبرا فقال:السلام يقرئك السلام و يحييك بهذه التحيّة و يأمرك أن تحيي بها عليّا و ولديه،فلمّا صارت في كفّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هلّلت ثلاثا و كبّرت ثلاثا و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فشمّها (1)و حيّا بها عليّا،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ،فاشتمها علي و حيّا بها الحسن،فلمّا صارت في كفّ الحسن قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الآية،فاشتمها[الحسن]و حيّا بها الحسين،فلمّا صارت في كفّه قالت:بسم اللّه الرحمن الرحيم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ثمّ ردّت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فلم أدر أعلى السماء صعدت أم في الأرض نزلت (2).

و في كتاب المعالم أنّ ملكا نزل من السماء فقعد على يد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سلّم عليه بالنبوّة و على يد عليّ فسلّم عليه بالوصيّة و على يد الحسن و الحسين فسلّم عليهما بالخلافة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لم لا تقعد على يد فلان؟

فقال:أنا لا أقعد على يد عصي عليها اللّه فكيف أقعد على يد عصت اللّه أربعين عاما؟.

أقول:المراد بفلان أبو بكر أو عمر (3).

و في كتاب الخصائص قال ابن عمر:كان للحسن و الحسين تعويذان حشوهما من زغب

ص: 87


1- -في المصدر فاشتمها النبي.
2- -المناقب:162/3،و بحار الأنوار:100/37.
3- -بحار الأنوار:291/43،و المناقب:162/3.

جناح جبرئيل عليه السّلام لأنّه كان لآل محمّد و سادة لا يجلس عليها إلاّ جبرئيل،فإذا قام عنها طويت،فكان إذا قام انتفض من زغبه فتلقطه فاطمة فتجعلها في تمايم الحسن و الحسين (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ الجنّة قالت:يا ربّ أسكنتني الضعفاء و المساكين،فقال اللّه تعالى:ألا ترضين إنّي زيّنت أركانك بالحسن و بالحسين،فماست كما تميس العروس فرحا.

و في كتاب المناقب عن أنس أنّ النبيّ دعى إلى الصلاة و الحسن متعلّق به فوضعه إلى جنبه و صلّى،فلمّا سجد أطال السجود،فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن إلى كتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فلمّا سلّم قال القوم:لقد طوّلت السجود كأنّما يوحى إليك؟

فقال:لم يوح إليّ ولكنّ ابني هذا ارتحلني،فكرهت أن أعجله حتّى يقضي حاجته (2).2.

ص: 88


1- -مدينة المعاجز:416/2 ح 445.
2- -بحار الأنوار:293/43،و كشف الغمة:216/2.
لعبة المداحي

و عن أبي رافع قال:كنت ألاعب الحسين و هو صبيّ بالمداحي،فإذا أصبت مدحاتي قلت احملني فيقول أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأتركه فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت لا أحملك كما لم تحملني فيقول:أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأحمله (1).

أقول:المداحي أحجارا مثل القرصة كانوا يحفرون حفيرة و يدحون فيها بتلك الأحجار،فإن وقع الحجر فقد غلب صاحبها و إن لم يقع غلب.

و في كتاب كشف اليقين عن إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال:كنّا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا عليّ بن أبي طالب،فقال هارون:تزعم العوام إنّي أبغض عليّا و ولديه حسنا و حسينا و لا و اللّه ما ذلك كما يظنّون ولكن ولده هؤلاء طالبونا بدم الحسين معهم حتّى قتلنا قتله ثمّ أفضى هذا الأمر إلينا فحسدونا و خرجوا علينا فحلوا قطيعتهم،و اللّه لقد حدّثني أبي المهدي عن أبيه المنصور عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن عبّاس قال:بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكي قالت:إنّ الحسن و الحسين خرجا فما أدري أين سلكا،فقال:لا تبكين فداك أبوك فإنّ اللّه أرحم بهما ثمّ قال:اللّهمّ احفظهما و سلّمهما في البرّ و البحر.

فهبط جبرئيل فقال:يا أحمد لا تحزن هما فاضلان في الدّنيا و الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجّار نائمين و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما،فقام و قمنا معه إلى الحظيرة،فإذا هما متعانقان فإذا الملك غطّاهما بأحد جناحيه فحمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنّه حاملهما ثمّ قال:و اللّه لأشرفنّهما اليوم بما شرّفهما اللّه، فخطب فقال:أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس جدّا وجدّة؟

ص: 89


1- -المناقب:227/3،و بحار الأنوار:297/43.

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه و جدّتهما خديجة بنت خويلد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير الناس أبا و امّا؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب و امّهما فاطمة بنت محمّد،ألا أخبركم أيّها الناس بخير النّاس عمّا و عمّة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما امّ هاني بنت أبي طالب، ألا أخبركم بخير الناس خالا و خالة؟

قالوا:بلى يا رسول اللّه.

قال:الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه و خالتهما زينب بنت رسول اللّه ألا أنّ أباهما في الجنّة و امّهما في الجنّة و جدّهما في الجنّة و خالهما في الجنّة و خالتهما في الجنّة و عمّهما في الجنّة و عمّتهما في الجنّة و هما في الجنّة و من أحبّهما في الجنّة.

و روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أتى بتمر من تمر الصدقة فجعل يقسمه،فلمّا فرغ حمل الصبي و قام فإذا الحسن في فيه تمرة يلوكها فسال لعابه عليه فدخل اصبعه في فيه و قال كخ كخ أما شعرت أنّ آل محمّد لا يأكلون الصدقة.

ص: 90

تعويذ الحسن و الحسين عليهما السّلام

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:رقى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حسنا و حسينا فقال:أعيذكما بكلمات اللّه التامّات و أسمائه الحسنى كلّها عامّة من شرّ السامّة و الهامة و من شرّ كلّ عين لامة و من شرّ حاسد إذا حسد،و قال:هكذا يعوّذ إبراهيم إسماعيل و إسحاق عليهم السّلام.

و في التهذيب عنه عليه السّلام:أنّ رسول اللّه كان في الصلاة و إلى جانبه الحسين بن عليّ فكبّر رسول اللّه فلم يحر الحسين بالتكبير ثمّ كبّر فلم يحر الحسين بالتكبير و لم يزل يعالجه التكبير فلم يحر حتّى أكمل سبع تكبيرات،فأحار الحسين التكبير في السابعة،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

فصارت سنّة.

و عن أبي جعفر عليه السّلام:ما ضرّ من أكرمه اللّه من شيعتنا ما أصابه في الدّنيا و لو لم يقدر على شيء يأكله إلاّ الحشيش.

و عن ابن شاذان بإسناده إلى سلمان قال:أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسلّمت عليه ثمّ دخلت على فاطمة فقالت:يا عبد اللّه هذان الحسن و الحسين جائعان يبكيان فاخرج بهما إلى جدّهما فحملتهما إليه فقال:ما لكما يا حسناي قالا:نشتهي طعاما يا رسول اللّه فقال:أطعمهما ثلاثا، فنظرت فإذا سفرجلة في يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم شبيهة بقلّة من قلال هجر أشدّ بياضا من الثلج و ألين من؟؟ففركها بإبهامه فصيّرها نصفين فدفع إلى كلّ واحد نصفا،فجعلت أنظر و أنا أشتهيها قال:لعلّك تشتهيها يا سلمان؟

قلت:نعم،قال:هذا طعام من الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب.

و روي أنّ الحسن و الحسين كانا يكتبان فقال الحسن للحسين:خطّي أحسن من خطّك، فقال الحسين:لا بل خطّي أحسن من خطّك،فقالا لفاطمة:احكمي بيننا فكرهت فاطمة أن تؤذي أحدهما فقالت لهما:سلا أباكما فسألاه فكره أن يؤذي أحدهما فقال:سلا جدّكما فسألاه فقال:لا أحكم بينكما حتّى أسأل جبرئيل.

ص: 91

فلمّا جاء جبرئيل قال:لا أحكم بينهما ولكن إسرافيل يحكم بينهما فقال إسرافيل:لا أحكم بينهما ولكن أسأل اللّه أن يحكم بينهما،فسأل اللّه تعالى ذلك فقال:لا أحكم بينهما ولكن امّهما فاطمة تحكم بينهما.

فقالت فاطمة:احكم بينهما يا ربّ و كانت لها قلادة فقالت لهما:أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منها أكثر فخطّه أحسن فنثرتها،و كان جبرئيل في ذلك الوقت عند قائمة العرش،فأمره اللّه تعالى أن يهبط إلى الأرض و ينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذّى أحدهما، ففعل ذلك جبرئيل إكراما لهما و تعظيما (1).

و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جائعا لا يقدر على ما يأكل فقال:هاتي ردائي فقلت:أين تريد؟

قال:إلى فاطمة ابنتي فانظر إلى الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بي من الجوع فدخل على فاطمة فقال:أين ابناي؟

فقالت:خرجا من الجوع يبكيان فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في طلبهما فرأى أبا الدرداء فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عويمر هل رأيت ابنيّ؟

قال:نعم يا رسول اللّه نائمان في ظلّ حائط بني جدعان فانطلق إليهما فضمّهما و هما يبكيان و هو يمسح الدموع عنهما ثمّ قال:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو قطر قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في امّتي إلى يوم القيامة،فحملهما و هما يبكيان و هو يبكي فجاء جبرئيل فقال:ربّك يقرئك السلام و يقول:ما هذا الجزع؟

فقال:ما أبكي جزعا من ذلّ الدّنيا،فقال جبرئيل:إنّ اللّه تعالى يقول:أيسرّك أن أحوّل لك أحدا ذهبا و لا ينقص لك ممّا عندي شيء؟

قال:لا لأنّ اللّه تعالى لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها ما جعل المكاره أكملها.

فقال جبرئيل:ادع بالجفنة التي في ناحية البيت،فدعى بها فإذا فيها ثريد و لحم كثير فقال:كل يا محمّد و اطعم ابنيك و أهل بيتك فأكلوا و شبعوا و هي على حالها فأرسل بها إليّ فأكل و شبع ثمّ قال:ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم.7.

ص: 92


1- -بحار الأنوار:30943/،و كلمات الحسين:47.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:و الذي بعثني بالحقّ لو سكت لتداولها فقراء امّتي إلى يوم القيامة (1).

و في بحار الأنوار نقلا عن بعض مؤلّفات أصحابنا أنّه روي مرسلا عن جماعة من الصحابة قالوا؛دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دار فاطمة فقال:إنّ أباك اليوم ضيفك فقالت:إنّ الحسن و الحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا فجلس و فاطمة متحيّرة فنظر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى السماء فنزل جبرئيل و قال:يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول:

قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة؟فلم يردّوا فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنكم أختار لكم شيئا من فواكه الجنّة،فقالوا جميعا:قل يا حسين فقد رضينا بما تختار،فقال:انّنا نشتهي رطبا جنيا فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة قومي و احضري لنا ما في البيت،فدخلت فرأت طبقا من البلور مغطّى بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جني في غير أوانه فقال:يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.

فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قدّمه بين أيديهم ثمّ قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فأخذ رطبة فوضعها في فم الحسين فقال:هنيئا مريئا يا حسين،ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال هنيئا مريئا يا حسن ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة، ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فمّ عليّ و قال:هنيئا مريئا لك يا عليّ،ثمّ ناول عليّا اخرى و اخرى و هو يقول هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ وثب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قائما ثمّ جلس ثمّ أكلوا جميعا من ذلك الرطب،فلمّا أكلوا ارتفعت المائدة إلى السماء فقالت فاطمة:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.

فقال:يا فاطمة أمّا الرطبة الاولى التي وضعتها في فم الحسين فإنّي سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان:هنيئا مريئا يا حسين،فقلت موافقا لهما بالقول:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثمّ أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرئيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت موافقا لهما في القول.ثمّ أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور3.

ص: 93


1- -بحار الأنوار:309/43.

العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان و هن يقلن:هنيئا لك يا فاطمة فقلت موافقا لهنّ بالقول،و لمّا أخذت الرابعة فوضعها في فم علي سمعت النداء من الحقّ سبحانه و تعالى يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ،فقلت موافقا لقول اللّه عزّ و جلّ،ثمّ ناولت عليّا رطبة اخرى ثمّ اخرى و أنا أسمع صوت الحقّ سبحانه و تعالى يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ قمت إجلالا لربّ العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمّد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليّا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له:هنيئا مريئا بغير انقطاع (1).1.

ص: 94


1- -بحار الأنوار:312/43 ح 73،و مدينة المعاجز:346/1.
حديث الغزالة

و في الأخبار أنّ أعرابيّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه لقد صدت خشفة غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين،فقبلها و دعى له بالخير فإذا الحسن واقف عنده فرغب إليها فأعطاه إيّاها فما مضى ساعة إلاّ و الحسين عليه السّلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فأتى إلى جدّه فقال:أعطيت أخي خشفة يلعب بها و لم تعطني فجعل يكرّر القول و جدّه ساكت،فهمّ الحسين عليه السّلام أن يبكي فبينما هو كذلك إذا بصياح ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه فنطقت الغزالة و قالت:يا رسول اللّه كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصيّاد و أتى بها إليك و بقيت لي هذه الاخرى و أنا بها مسرورة و كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول:اسرعي اسرعي يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد لأنّ الحسين واقف بين يديه و قد همّ أن يبكي و الملائكة بأجمعهم رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة،و لو بكى الحسين لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه و سمعت أيضا قائلا يقول:اسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع إلى خدّ الحسين فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فأتيت بخشفي إليك و قطعت مسافة بعيدة،لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه،فارتفع التكبير و التهليل من الأصحاب و دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم للغزالة و أخذ الحسين الخشفة و أتى بها إلى الزهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما (1).

و عن عروة البرقي[كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقبل] (2)الحسن و الحسين[و يقول:يا أصحابي إني أود أن أقاسمهما]حياتي لحبّي لهما،فهما ريحانتاي من الدّنيا (3).

ص: 95


1- -بحار الأنوار:312/43 ح 73،و كلمات الإمام الحسين:15.
2- -زيادة عن المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
3- -مدينة المعاجز:436/3،و بحار الأنوار:315/43.

و عن محمّد بن يزيد:حمل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الحسن و حمل جبرئيل الحسين عليه السّلام فكان بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن:حملني خير أهل الأرض و يقول الحسين حملني خير أهل السماء (1).

و في كتاب مناقب[آل أبي طالب]:أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه فتغيّب حتّى وجد الحسن و الحسين في طريق خال فاحتملهما على عاتقيه و أتى بهما النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:

يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى ردّ يده إلى فمه ثمّ قال للرجل اذهب فأنت طليق،و قال لحسن و حسين:قد شفعتكما فيه فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً (2).

و في حديث مدرك بن أبي زيد:قلت لابن عبّاس-و قد أمسك للحسن ثمّ الحسين بالركاب و سوى عليهما-:أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذان،هذان ابنا رسول اللّه أ و ليس ممّا أنعم اللّه عليّ به أن أمسك لهما و أسوي عليهما (3).3.

ص: 96


1- -مدينة المعاجز:288/3،و بحار الأنوار:316/43.
2- -المناقب:168/3،و شرح الأخبار:117/3.
3- -المناقب:168/3،و بحار الأنوار:319/43.
في كيفيّة الإرشاد

و في عيون المحاسن عن الزوياني:أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام مرّا على شيخ يتوضّأ و لا يحسن،فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما:أنت لا تحسن الوضوء فقالا:أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا:أيّنا أحسن؟

قال:كلاكما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن،و قد تعلّم الآن منكما و تاب على أيديكما ببركتكما و شفقتكما على أمّة جدّكما (1).

أقول:فيه إشارة إلى حسن سلوك الأدب في الإرشاد الجاهلين أحكام الدّين و جواز الكذب ظاهرا و يحمل على التورية،أو أنّ(الألف)و(اللاّم)في الوضوء للعهد أي الوضوء الذي فعله الشيخ لا يعده أحد منّا حسنا.

و في الكافي عن أبي سعيد التيمي قال:مررت بالحسن و الحسين و هما في الفرات مستنقعان في إزارين فقلت لهما:يا ابني رسول اللّه أفسدتما الإزارين فقالا لي فساد الإزارين أحبّ إلينا من فساد الدّين إنّ للماء أهلا و سكّانا كسكّان الأرض،ثمّ قالا:أين تريد؟

قلت:أشرب من هذا الماء المرّ لعلّة بي أرجو أن يخف الجسد و يسهل البطن فقالا:ما نحسب أنّ اللّه جعل في شيء قد لعنه شفاء،لأنّ اللّه تعالى لمّا أراد غرق قوم نوح فتح السماء بماء منهمر و أوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها و جعلها ملحا أجاجا (2).

و في رواية حمدان بن سليمان أنّهما قالا:يا أبا سعيد تأتي ماء ينكر و لايتنا في كلّ يوم ثلاث مرّات إنّ اللّه جلّ و عزّ عرض ولايتنا على المياه،فما قبل ولايتنا عذب و طاب و ما جحد ولايتنا جعله اللّه عزّ و جلّ مرّا و ملحا أجاجا (3).

ص: 97


1- -وضوء النبي:358/2.
2- -الكافي:390/6 ح 3،و بحار الأنوار:320/43.
3- -المحاسن:579/2،و بحار الأنوار:320/43 ح 3.

و روى السيّد ابن طاووس رضوان اللّه عليه:أنّ الحسين قتل و عليه دين و إنّ عليّ بن الحسين باع ضيعة له بثلاثمائة ألف ليقضي دين الحسين و عدات كانت عليه (1).0.

ص: 98


1- -بحار الأنوار:321/43 ح 5،و كلمات الإمام الحسين:720.

الفصل الثاني: فيما يخصّ الإمام المجتبى أبي محمّد الحسن صلوات اللّه عليهما

اشارة

في كتاب أعلام الورى عن سليم بن قيس قال:شهدت أمير المؤمنين عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن و أشهد عليه أولاده و خواص شيعته و دفع إليه الكتاب و السلاح و قال:يا بنيّ أمرني رسول اللّه أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى إليّ و دفع إليّ كتبه و سلاحه،و أمرني أن إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين،ثمّ أقبل على ابنه الحسين فقال:و أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين و قال:

أمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى إبنك محمّد بن عليّ فاقرأه من رسول اللّه و منّي السلام (1).

و عن ابن حوشب أنّ عليّا عليه السّلام،لمّا سار إلى الكوفة استودع امّ سلمة(رض)كتبه و الوصيّة فلمّا رجع الحسن دفعتها إليه (2).

و في كتاب البصائر عن الصادق عليه السّلام قال:خرج الحسن عليه السّلام في بعض عمره و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته فنزلوا تحت نخل يابس فقال الزبيري:لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه فرفع الحسن عليه السّلام يده إلى السماء و دعى اللّه سبحانه بكلام لم يفهمه الزبيري، فاخضرّت النخلة ثمّ عادت إلى حالها فأورقت و حملت رطبا فقال الجمّال:سحر و اللّه،فقال الحسن:ويلك ليس بسحر ولكن دعوة ابن النبيّ مجابة فصعدوا النخلة و صرموا ممّا كان فيها (3).

و في الخرائج عن الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن عليه السّلام خرج من مكّة ماشيا إلى المدينة فتورّمت قدماه فقيل له:لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم فقال:كلاّ،ولكنّا إذا أتينا المنزل فإنّه

ص: 99


1- -أعلام الورى:4051/،و بحار الأنوار:322/43 ح 1.
2- -شرح أصول الكافي:149/6 ح 3،و مكاتيب الرسول:34/2 ح 8.
3- -بصائر الدرجات:276،و الكافي:462/1 ح 4.

يستقبلنا أسود معه دهن يصلح لهذا الورم فاشتروا منه،و صاروا أميالا،فإذا الأسود معه الدّهن فأرادوا أن يشتروه فقال:يابن رسول اللّه أنا عبدك لا آخذ له ثمنا ولكن ادع اللّه أن يرزقني ولدا سويّا ذكرا يحبّكم أهل البيت فإنّي خلّفت امرأتي تمخض،فقال:انطلق إلى منزلك فإنّ اللّه تعالى قد وهب لك ذكرا سويّا،فرجع فإذا امرأته قد ولدت غلاما،فمسح عليه السّلام رجليه بذلك الدهن فزال الورم من ساعته (1).3.

ص: 100


1- -الخرائج و الجرائح:239/1،و بحار الأنوار:324/43 ح 3.
سؤالات معاوية

و فيه:أنّ عليّا عليه السّلام كان في الرحبة فقام إليه رجل فقال:أنا من رعيّتك و أهل بلادك قال:

لست من رعيّتي و لا أهل بلادي،و أنّ ابن الأصفر يعني ملك الروم بعث إلى معاوية مسائل لم يعرفها و أرسلك إليّ لأجلها.

قال:صدقت يا أمير المؤمنين أرسلني إليك خفية.

قال:اسأل ابني الحسن،فقال له الحسن عليه السّلام:جئت تسأل كم بين الحقّ و الباطل و كم بين السماء و الأرض و كم بين المشرق و المغرب و ما قوس قزح و ما المؤنث و ما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟

قال:نعم.

قال الحسن عليه السّلام:بين الحقّ و الباطل أربع أصابع ما رأيته بعينك فهو حقّ و قد تسمع باذنك باطل،و بين السماء و الأرض دعوة المظلوم و مدّ البصر،و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم الشمس،و قزح اسم الشيطان و هو قوس اللّه و علامة الخصب و أمان لأهل الأرض من الغرق،و أمّا المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم انثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم و إن كان انثى حاضت و بدا ثديها و إلاّ قيل له:بل،فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر و إن انتكص بوله على رجليه كالبعير فهو انثى،و أمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشدّ شيء خلقه اللّه الحجر، و أشدّ منه الحديد يقطع به الحجر و أشدّ من الحديد النار تذيب الحديد و أشدّ منها الماء و أشدّ من الماء السحاب و أشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب و أشدّ من الريح الملك الذي يردها و أشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك و أشدّ من ملك الموت،الموت الذي يميت ملك الموت و أشدّ من الموت أمر اللّه الذي يدفع الموت (1).

أقول:ورد في الخبر أنّ اللّه سبحانه لمّا خلق الحجر فخر و بطر و قال:من أشدّ منّي،

ص: 101


1- -الخصال:442،و الإحتجاج:4001/.

فخلق اللّه الحديد و سلّطه عليه فقطعه ففخر الحديد،و هكذا وقع الفخر إلى آخر العشرة.

و في كتاب المناقب أنّه استغاث الناس إلى الحسن عليه السّلام من زياد فرفع يده و قال:اللّهم خذ لنا و لشيعتنا من زياد ابن أبيه و أرنا فيه نكالا عاجلا إنّك على كلّ شيء قدير،فخرج خراج في إبهام يمينه يقال لها السلعة و ورم إلى عنقه فمات (1).

كيفيّة تحليف الكاذب

و روي أنّه ادّعى رجل على الحسن عليه السّلام ألف دينار كذبا فذهبا إلى شريح،فقال للحسن عليه السّلام:أتحلف؟

قال:إن حلف خصمي أعطيه فقال شريح للرجل:قل باللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة،فقال الحسن عليه السّلام:لا أريد هذا ولكن قل:باللّه إنّ لك على هذا و خذ الألف، فقال الرجل ذلك و أخذ الدنانير،فلمّا قام خرّ إلى الأرض و مات،فسئل الحسن عليه السّلام عن ذلك فقال:خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد و يحجب عنه عقوبة يمينه (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال بعضهم للحسن بن علي في احتماله الشدائد من معاوية فقال عليه السّلام:لو دعوت اللّه تعالى لجعل العراق شاما و الشام عراقا و جعل المرأة رجلا و الرجل امرأة،فقال الشامي:و من يقدر على ذلك؟

فقال عليه السّلام:انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال فوجد الرجل نفسه امرأة.

ثمّ قال:و صارت عيالك رجلا و تقاربك و تحمل منها و تلد ولدا خنثى فكان كما قال عليه السّلام ثمّ إنّهما تابا و جاءا إليه فدعى اللّه فعادا إلى الحالة الاولى (3).

ص: 102


1- -المناقب:174/3،و بحار الأنوار:327/43.
2- -المناقب:174/3،و بحار الأنوار:327/43.
3- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:327/43.
إخبار الحسن عليه السلام عن الشهادة

و عنه عليه السّلام قال الحسن عليه السّلام لأهل بيته:يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فقال له أهل بيته:و من الذي يسمّك؟

قال؛جاريتي و امرأتي فقالوا له:اخرجها من ملكك عليها لعنة اللّه،فقال:هيهات من إخراجها و منيّتي على يدها و لو أخرجتها يقتلني غيرها كان قضاء مقضيّا،فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته فقال الحسن:هل عندك من شربة لبن فأعطته و فيه ذلك السمّ، فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده،فقال:يا عدوّة اللّه قتلتيني قاتلك اللّه،أما و اللّه لا تصيبين من الفاسق عدوّ اللّه خيرا (1).

معنى(و يعلم ما في الأرحام)

و من كتاب الدلائل عن ابن عبّاس قال:مرّت بالحسن بن علي بقرة فقال:هذه حبلى بعجلة انثى لها غرّة في جبينها و رأس ذنبها أبيض،فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف،فقلنا:أ و ليس اللّه يقول وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ فكيف علمت؟

فقال:ما يعلم المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل غير محمّد و ذرّيته (2).

أقول:ردّ عليه السّلام الاعتراض على أحسن الوجوه و أكملها،و له في الاخبار عنهم عليهم السّلام معنى آخر و هو أنّه لا يعلم ما في الأرحام أحد إلاّ بتعليم اللّه تعالى و وحيه و إلهامه و أنّهم عليهم السّلام يعلمون ذلك بالوحي و الإلهام.

ص: 103


1- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:328/43 ح 6.
2- -دلائل الإمامة:171،و بحار الأنوار:328/43 ح 7.
معجزة للحسن عليه السلام

و من كتاب مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأليف الشيخ المفيد رحمه اللّه بإسناده إلى الباقر عليه السّلام قال:جاء الناس إلى الحسن بن عليّ عليه السّلام فقالوا:أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا،فقال:و تؤمنون بذلك؟

قالوا:نعم.

قال:أ و ليس تعرفون أبي؟

قالوا:بل نعرفه،فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليه السّلام قاعد قالوا:هذا أمير المؤمنين و نشهد أنّك الإمام من بعده و لقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول اللّه في مسجد قبا بعد موته،فقال الحسن:و يحكم أما سمعتم قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ فإن كان هذا نزل فيمن قتل في سبيل اللّه ما تقولون فينا؟

قالوا؛آمنّا و صدّقنا يابن رسول اللّه (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية جلسا بالنخيلة فقال:يا أبا محمّد بلغني أنّ رسول اللّه كان يخرص النخل،فهل عندك من ذلك علم فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم على شيء في الأرض و لا في السماء؟

فقال الحسن عليه السّلام:إنّ رسول اللّه كان يخرص كيلا و أنا أخرص عددا،فقال معاوية:كم في هذه النخلة؟

فقال عليه السّلام:أربعة آلاف بسرة و أربع بسرات،فأمر معاوية بها فصرمت و عدّت فجاءت أربعة آلاف و ثلاث بسرات،فقال:و اللّه ما كذبت و لا كذبت فنظر فإذا في يد عبد اللّه بن عامر

ص: 104


1- -الهداية الكبرى:195،و بحار الأنوار:329/43 ح 8.

بسرة (1).

و في الأمالي بإسناده إلى الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن بن عليّ كان إذا ذكر الموت بكى،رو إذا ذكر القبر بكى و إذا ذكر البعث و النشور بكى و إذا ذكر الممرّ على الصراط بكى،و إذا ذكر العرض على اللّه تعالى شهق شهقة يغشى عليه منها،و كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ و جلّ و كان إذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطراب السليم و إذا قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال:لبّيك اللّهمّ لبّيك،و لقد قيل لمعاوية ذات يوم:لو أمرت الحسن يخطب ليظهر للناس نقصه،فقال له:عظنا،فصعد المنبر و أحمد اللّه و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي و ابن سيّدة النساء،أنا ابن خير خلق اللّه،أنا ابن رسول اللّه،أنا صاحب الفضائل،أنا ابن صاحب المعجزات و الدلائل،أنا أمير المؤمنين،أنا المدفوع عن حقّي،أنا و أخي سيّدا شباب أهل الجنّة،أنا ابن الركن و المقام،أنا ابن مكّة و منى،أنا ابن المشعر و عرفات.

فقال له معاوية:خذ في نعت الرطب و دع هذا،فقال:الريح تنفخه و الحرّ ينضجه و البرد يطيبه ثمّ عاد في كلامه فقال:أنا إمام خلق اللّه و ابن محمّد رسول اللّه فخشي معاوية أن يتكلّم بعد ذلك بما يفتتن به الناس،فقال:يا أبا محمّد انزل فقد كفى ما جرى فنزل (2).

و فيه عن الرضا عليه السّلام قال:لمّا حضرت الحسن بن علي الوفاة بكى فقيل له:يابن رسول اللّه أتبكي و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي أنت به و قد حججت عشرين حجّة ماشيا و قد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النعل و النعل؟

فقال عليه السّلام:إنّما أبكي لخصلتين هول المطلع و فراق الأحبّة (3).

أقول:هول المطلع ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبّهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.

و في كتاب البصائر بإسناده إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام إنّه قال:إنّ للّه مدينتين إحداهما9.

ص: 105


1- -درر الأخبار:306،و بحار الأنوار:329/43.
2- -أمالي الصدوق:245،و بحار الأنوار:332/43.
3- -شرح أصول الكافي:226/7،و بحار الأنوار:150/44 ح 19.

بالمشرق و الاخرى بالمغرب عليهما سوران من حديد و على كلّ مدينة ألف ألف مصراع من ذهب و فيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم أهل كلّ لغة بخلاف لغة صاحبه،و أنا أعرف جميع اللّغات و ما فيهما و ما بينهما و ما عليهما حجّة غيري و الحسين أخي.

نقول:هذان المدينتان جابلقا و جابرسا و سيأتي شرح أحوالهما (1).5.

ص: 106


1- -بصائر الدرجات:359،و الكافي:462/1 ح 5.
ما هو مكتوب على جناح الجرادة

و في كتاب الخرائج و الجرائح أنّ الحسن عليه السّلام و عبد اللّه بن العبّاس كانا على مائدة فجاءت جرادة[و وقفت]على المائدة فقال عبد اللّه للحسن:أيّ شيء مكتوب على جناح الجرادة؟

فقال عليه السّلام:مكتوب عليه:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ربّما أبعث الجراد لقوم جياع ليأكلوه و ربّما أبعثها نقمة على قوم لتأكل أطعمتهم فقام عبد اللّه:و قبّل رأس الحسن و قال:هذا من مكنون العلم (1).

و في كتاب المحاسن في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:جئتك مستشيرا،إنّ الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر خطبوا إليّ فقال عليه السّلام:المستشار مؤتمن،أمّا الحسن فإنّه مطلاق للنساء و لكن زوجّها الحسين فإنّه خير لابنتك (2).

و عن أنس بن مالك قال:لم يكن أحد أشبه برسول اللّه من الحسن بن علي.

و ذكر أبو السعادات في الفضائل أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان يحضر مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو ابن سبع سنين فيسمع الوحي يحفظه فيأتي امّه فيلقى إليها ما حفظه،و كلّما دخل عليّ عليه السّلام وجد عندها علما بالتنزيل فسألها عن ذلك فقالت:من ولدك الحسن فتخفّى يوما في الدار و قد دخل الحسن و قد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه أي لم يقدر على التعبير فعجبت امّه من ذلك فقال:لا تعجبين يا امّاه فإنّ كبيرا يسمعني و استماعه قد أوقفني فخرج عليّ عليه السّلام فقبّله (3).

ص: 107


1- -الخرائج و الجرائح:241/1 ح 6،و بحار الأنوار:337/43 ح 8.
2- -المحاسن:601/2 ح 20،و الحدائق الناظرة:148/25.
3- -بحار الأنوار:338/43 ح 11،و الأنوار البهية:88.

و في رواية:يا امّاه قلّ بياني و كلّ لساني لعلّ سيّدا يرعاني (1).

و في المناقب إنّه قيل للحسن بن علي إنّ فيك عظمة،قال:بل فيّ عزّة،قال اللّه تعالى:

وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ .

و قال واصل بن عطاء:كان الحسن بن علي سيماء الأنبياء و بهاء الملوك (2).

و في كتاب الخرائج:روي أنّه دخلت على الحسن عليه السّلام امرأة و هو في صلاته فقال لها:

ألك حاجة؟

قالت:نعم،قم فأصب منّي فإنّي وفدت و لا بعل لي،قال:إليك عنّي لا تحرقيني بالنار و نفسك فجعلت تراوده عن نفسه و هو يبكي و يقول:ويحك إليك عنّي و اشتدّ بكاؤه فبكت لبكائه،فدخل الحسين عليه السّلام فرآهما يبكيان فبكى و جعل أصحابه يدخلون و يبكون و علت الأصوات فخرجت الأعرابية و قام القوم و ترحّلوا و لبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالا،فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ و هو يبكي فقال له الحسين عليه السّلام:ما شأنك؟

قال:رؤيا رأيتها الليلة.

قال:و ما هي؟

قال:لا تخبر بها أحدا ما دمت حيّا؟

قال:نعم.

قال:رأيت يوسف فجئت أنظر إليه فيمن نظر،فلمّا رأيت حسنه بكيت فنظر إلى في الناس فقال:ما يبكيك يا أخي بأبي و امّي؟فقلت:ذكرت يوسف و امرأة العزيز و ما ابتليت به من أمرها و ما لقيت من السجن و حرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك و كنت أتعجّب منه فقال يوسف:فهلاّ تعجّبت ممّا ابتلاك فيه المرأة البدوية بالأبواء،و هو اسم مكان بين الحرمين (3).3.

ص: 108


1- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:338/43 ح 11.
2- -المناقب:175/3،و بحار الأنوار:338/43 ح 11.
3- -المناقب:181/3،و بحار الأنوار:340/43.
شعر الحسن عليه السلام

و من قوله عليه السّلام شعر:

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها *** تولى بأيام السرور الذواهب

و كيف يعزّ الدهر من كان بينه *** و بين الليالي محكمات التجارب

و له أيضا:

قل للمقيم بغير دار إقامة *** حان الرحيل فودّع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم و صحبتهم *** صاروا جميعا في القبور ترابا

و له أيضا:

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها *** إنّ المقام بظلّ زائل حمق

و له:

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني *** و شربة من قراح الماء تكفيني

و تمرة من رقيق الثوب تسترني *** حيّا و إن متّ تكفيني لتكفيني

و جاء بعض الأعراب فقال:اعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إليه،فقال الأعرابي:يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي و أنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليه السّلام شعر:

نحن اناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرّجاء و الآمل

نجود قبل السؤال بأنفسنا *** خوفا على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا *** لغاض من بعد فيضه خجل

الخضل:ككتف النبات الناعم،و خجل صفة مشبّهة خبر مبتدأ محذوف،و قال محمّد ابن سيرين:إنّ الحسن بن علي عليهما السّلام تزوّج امرأة فبعث إليها مائة جارية مع كل جارية ألف

ص: 109

درهم (1).

[عن]الحسن بن سعيد عن أبيه قال:كان تحت الحسن بن علي امرأة جعفية فطلّقها و بعثني إليها لتعتدّ و أعطاها عشرة آلاف،فلمّا أخبرتها تنفّست الصّعداء و قالت:مصراع متاع قليل من حبيب مفارق،فأخبرته بقولها فنكث في الأرض،و قال:لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها (2).

معنى(فحيّوا بأحسن منها)

و قال أنس:جاءت جارية إلى الحسن بن عليّ عليهما السّلام بطاقة ريحان فقال لها:أنت حرّة لوجه اللّه،فقلت له في ذلك فقال:أدّبنا اللّه تعالى فقال: إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها و كان أحسن منها إعتاقها.

و له عليه السّلام شعر:

إنّ السخاء على العباد فريضة *** للّه يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه *** و أعدّ للبخلاء نار جهنّم

من كان لا تندبي يداه بنائل *** للرّاغبين فليس ذاك بمسلم

و من همّته عليه السّلام ما روي أنّه عليه السّلام قدم الشام إلى عند معاوية فأحضر بارنامجا بحمل عظيم و وضع قبله،ثمّ إنّ الحسن عليه السّلام لمّا أراد الخروج خصف خادم نعله فأعطاه البارنامج.

أقول:بارنامج معرّب بارنامه يعني تفصيل الأعيان و الأمتعة (3).

و في المناقب:إنّ معاوية قدم المدينة فجلس في داره يوما يعطي من يدخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف،فدخل عليه الحسن بن علي عليهما السّلام في آخر الناس فقال:أبطأت يا أبا محمّد[فلعلك] (4)أردت أن تبخلني عند قريش فانتظرت[أن] (5)يفنى ما عندنا،يا غلام

ص: 110


1- -المناقب:182/3،و بحار الأنوار:341/43 ح 14.
2- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43.
3- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43 ح 15.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زيادة من المصدر.

اعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا و أنا ابن هند،فقال الحسن عليه السّلام:لا حاجة لي فيها يا أبا عبد الرحمن،و رددتها و أنا ابن فاطمة بنت محمّد رسول اللّه (1).

و قال المبرد في الكامل:قال مروان بن الحكم:إنّي مشغوف ببغلة الحسن بن عليّ فقال له ابن أبي العتيق:إذا دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة؟

قال:نعم،قال:إذا اجتمع القوم فإنّي آخذ في مدائح قريش و أمسك عن مآثر الحسن فلمني على ذلك،فلمّا حضر القوم أخذ في مآثر قريش فقال مروان:ألا تذكر أولية أبي محمّد و له في هذا ما ليس لأحد؟

قال:إنّما كنّا في ذكر الأشراف و لو كنّا في ذكر الأنبياء لقدّمنا ذكره،فلمّا خرج الحسن عليه السّلام ليركب اتبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن و تبسّم:ألك حاجة؟

قال:نعم ركوب البغلة فنزل الحسن عليه السّلام و دفعها إليه إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا (2).

و من حلمه ما روى المبرّد أنّ شاميّا رآه راكبا فجعل يلعنه و الحسن لا يرد،فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السّلام فسلّم عليه و ضحك فقال:أيّها الشيخ أظنّك غريبا و لعلّك شبّهت فلو سألتنا أعطيناك و لو استرشدتنا أرشدناك و لو استحملتنا حملناك و إن كنت جائعا أشبعناك و إن كنت عريانا كسوناك و إن كنت محتاجا أغنيناك و إن كنت طريدا آويناك و إن كان لك حاجة قضيناها لك فلو نقلت رحلك إلينا و كنت ضيفا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك،لأنّ لنا موضعا رحبا و جاها عريضا و مالا كثيرا.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى و قال:أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته و كنت أنت و أبوك أبغض خلق اللّه إليّ و حوّل رحله إليه و كان ضيفه إلى أن ارتحل و صار معتقدا لمحبّتهم (3).

و روي أنّه دعا أمير المؤمنين ابنه محمّد ابن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه و قال:9.

ص: 111


1- -المناقب:183/3،و بحار الأنوار:343/43 ح 16.
2- -المناقب:184/3،و بحار الأنوار:344/43.
3- -بحار الأنوار:344/43 ح 16،و أدب الضيافة:39.

اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب،فمنعوه بنو ضبّة،فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن عليه السّلام رمحه من يده و قصدن قصد الجمل و طعنه برمحه و رجع إلى والده و على رمحه أثر الدم فتغيّر وجه محمّد من ذلك،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا تأنف فإنّه ابن النبيّ و أنت ابن عليّ (1).7.

ص: 112


1- -المناقب:185/3،و بحار الأنوار:187/32 ح 137.
معنى أنّ الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر

و روي أنّه عليه السّلام اغتسل و خرج من داره في حلّة فاخرة و محاسن سافرة و وجهه يشرق حسنا ركب بغلة فارهة غير قطوف مكتنفا من جانبيه بصفوف،فعرض له في طريقه رجل من محاويج اليهود في شدّة الفقر و الفاقة و العلّة و المرض فقال:يابن رسول اللّه انصفني قال:في أيّ شيء؟

قال:جدّك يقول:الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر و أنت مؤمن و أنا كافر،فما أرى الدّنيا إلاّ جنّة تتنعّم بها و ما أراها إلاّ سجنا لي فقال عليه السّلام:يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لي و للمؤمنين في الدار الآخرة لعلمت أنّي قبل انتقالي إليه في هذه الدّنيا في سجن ضنك،و لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لك و لكلّ كافر في دار الآخرة من سعير نار الجحيم لرأيت أنّك الآن في جنّة واسعة و نقمة جامعة (1).

و في كتاب كشف الغمّة أنّ رجلا جاء إلى الحسن عليه السّلام و سأله حاجة فقال:حقّ سؤالك يعظم لديّ و معرفتي بما يجب لك يكبر لدي و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله و الكثير قليل في ذات اللّه عزّ و جلّ و ما في ملكي وفاء لشكرك،فإن قبلت الميسور رفعت عنّي الاهتمام بما أتكلّفه من واجبك فعلت،فقال:يابن رسول اللّه اقبل القليل و اشكر العطية،فدعى الحسن عليه السّلام بوكيله و قد بقي عنده خمسين ألفا و خمسمائة دينار فدفعها إلى الرجل و قال:

هات من يحملها لك فأتاه بحمّالين فدفع الحسن عليه السّلام إليه رداءه لكرى الحمّالين فقال مواليه:

ما عندنا درهم.

فقال:لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجر عظيم (2).

و روى أبو الحسن المدائني قال:خرج الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر عليه السّلام حجّاجا ففاتهم أثقالهم فجاعوا و عطشوا فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا:هل من شراب؟

ص: 113


1- -بحار الأنوار:346/43،و كشف الغمة:167/2.
2- -كشف الغمة:181/2،و مستدرك الوسائل:270/7.

فقالت:نعم فأناخوا بها و ليس إلاّ شويهة في كسر الخيمة فقالت:احلبوها و اشربوا لبنها ففعلوا ذلك و قالوا لها:هل من طعام؟

قالت:لا إلاّ هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتّى أهيّئ لكم شيئا تأكلون،فقام إليهم أحدهم فذحبها فهيّأت لهم طعاما فأكلوا ثمّ أقاموا عندها حتّى أبردوا،فلمّا ارتحلوا قالوا لها:

نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فالمي بنا فإنّا صانعون إليك خيرا ثمّ ارتحلوا و أقبل زوجها و أخبرته عن القوم و الشاة،فغضب الرّجل فقال:ويحك تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم،ثمّ بعد مدّة ألجأتهم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها و جعلا ينقلان البعر إليها و يبيعانه و يعيشان منه،فمرّت العجوز في بعض سكوك المدينة و الحسن عليه السّلام على باب داره جالس فعرف العجوز و هي له منكرة فبعث غلامه فردّها و قال لها:يا أمة اللّه تعرفيني؟

قالت:لا.

قال عليه السّلام:أنا ضيفك يوم كذا فقالت العجوز:بأبي أنت و امّي فأمر عليه السّلام فاشترى لها من [شياه]الصدقة ألف شاة و أمر لها بألف دينار و بعث بها إلى أخيه الحسين عليه السّلام فقال:بكم

و صلك أخي الحسن؟

فقالت:بألف شاة و ألف دينار فأمر لها بمثل ذلك ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبد اللّه بن جعفر فأخبرته فأمر لها عبد اللّه بألفي شاة و ألفي دينار،و قال:لو بدأتي بي لأتبعتهما،فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك.

ص: 114

نهي القسم في الطعام

و عن قرّة بن خالد قال:أكلت في بيت محمّد بن سيرين طعاما،فلمّا أن شبعت أخذت المنديل و رفعت يدي،فقال محمّد أنّ الحسن بن علي قال:إنّ الطعام أهون من أن يقسم فيه.

و أتاه رجل فقال:إنّ فلانا يقع فيك فقال:لقيتني في تعب اريد الآن[أن]أستغفر اللّه لي و له.

و وقف رجل على الحسن بن عليّ عليهما السّلام فقال:يابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النّعمة إلاّ ما أنصفتني من خصمي فإنّه غشوم ظلوم لا يوقر الشيخ الكبير و لا يرحم الطفل الصغير،و كان متّكئا فاستوى جالسا و قال له:من خصمك حتّى أنتصف لك منه؟

فقال له:الفقر،فأطرق ساعة ثمّ رفع رأسه إلى خادمه و قال له:احضر ما عندك من موجود فأحضر خمسة آلاف درهم فقال:ادفعها إليه و قال:بحقّ هذه الأقسام متى أتاك خصمك جايرا إلاّ ما أتيتني منه متظلّما.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال عليّ بن أبي طالب للحسن؛يا بنيّ قم فاخطب حتّى أسمع كلامك،قال:يا أبتاه كيف أخطب و أنا أنظر إلى وجهك أستحي منك قال:فجمع عليّ بن أبي طالب عليه السّلام امّهات أولاده ثمّ توارى عنه حيث يسمع كلامه و قال آخر خطبته:إنّ عليّا باب من دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا،فقام عليّ و قبّل بين عينيه و قال:ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم (1).

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ ناسا بالمدينة قالوا:ليس للحسن مال فبعث الحسن إلى رجل بالمدينة فاستقرض منه ألف درهم فأرسل بها إلى المصدق و قال:هذه صدقة مالنا،فقالوا:ما بعث الحسن هذه من تلقاء نفسه إلاّ و عنده مال.

أقول:هذا إشارة إلى أنّه ينبغي للمؤمن أن يظهر معه غناه حتّى لا يصغر في أعين الناس (2).

ص: 115


1- -بحار الأنوار:350/43،و ترجمة الإمام الحسين:145.
2- -الكافي:440/6 ح 12،و الحدائق الناظرة:610/21.
جلوس الحسن عليه السلام مع الفقراء

و من كتاب الفنون:مرّ الحسن بن علي عليهما السّلام على فقراء و قد وضعوا كسيرات على الأرض و هم قعود يلتقطونها و يأكلونها فقالوا له:هلم يابن بنت رسول اللّه إلى الغذاء فنزل و قال:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،و جعل يأكل معهم حتّى اكتفوا و الزاد على حاله ببركته عليه السّلام ثمّ دعاهم إلى ضيافته و أطعمهم و كساهم (1).

و عن نجيح قال:رأيت الحسن بن علي يأكل و بين يديه كلب كلّما أكل لقمة طرح للكلب لقمة فقلت له:يابن رسول اللّه ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟

قال:دعه إنّي لأستحي من اللّه عزّ و جلّ أن يكون ذو روح ينظر في وجهي و أنا آكل ثمّ لا أطعمه (2).

و روي أنّ غلاما له جنى جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب،فقال:يا مولاي و العافين عن الناس.

قال:عفوت عنك.

قال:يا مولاي و اللّه يحبّ المحسنين.

قال:أنت حرّ لوجه اللّه و لك ضعف ما كنت أعطيك.

و كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث عن مكان بمقدار وسط السماء،و عن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض و عن مكان طلعت فيه الشمس مرّة،فلم يعلم ذلك فاستغاث بالحسن بن علي فقال:ظهر الكعبة و دم حوّاء و أرض البحر حين ضربه موسى (3).

ص: 116


1- -بحار الأنوار:352/43،و مستدرك سفينة البحار:154/1.
2- -بحار الأنوار:352/43 ح 29،و مستدرك سفينة البحار:155/1.
3- -المناقب:178/3،و بحار الأنوار:357/43 ح 35.
فيه علّة التكبير في العيدين

أبو المفضل الشيباني في أماليه و ابن الوليد في كتابه بالإسناد عن جابر قال:كان الحسن بن علي قد ثقل لسانه و أبطأ كلامه،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في عيد من الأعياد و خرج معه الحسن بن علي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:اللّه أكبر يفتتح الصلاة فقال الحسن اللّه أكبر فسرّ بذلك رسول اللّه فلم يزل يكبّر و الحسن معه يكبّر حتّى كبّر سبعا فوقف الحسن عند السابعة فوقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عندها ثمّ قام إلى الركعة الثانية فكبّر الحسن حتّى بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خمس تكبيرات،فوقف الحسن عند الخامسة و وقف رسول اللّه عند الخامسة فصار ذلك سنّة في تكبير العيدين (1).

فيه أنّ العطاء لستر العرض صدقة

و روي أنّ الحسن عليه السّلام أعطى شاعرا،فقال له رجل من جلسائه:سبحان اللّه يعصي الرحمن و يقول البهتان،فقال:يا عبد اللّه إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك،و إنّ من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.

أقول:روي هذا أيضا عن الحسين عليه السّلام و فيه دلالة على أنّ العطاء بقصد ستر العرض صدقة و به حديث معتبر،و أمّا عطاء الشاعر بقصد مدحه فهو داخل في قوله عليه السّلام:احثوا في وجوه المدّاحين التراب.

و في الأمالي بإسناده إلى حبيب بن عمر قال:لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السّلام و كان الغد قام الحسن عليه السّلام خطيبا فقال بعد حمد اللّه و الثناء عليه:أيّها الناس في هذه الليلة نزل القرآن و في هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون و في هذه الليلة مات أمير المؤمنين عليه السّلام،و اللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنّة و ان كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله،و بويع عليه السّلام

ص: 117


1- -المناقب:179/3،و بحار الأنوار:357/43 ح 35.

بعد أبيه يوم الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان في سنة أربعين و كان عمره لمّا بويع سبعا و ثلاثين سنة (1).6.

ص: 118


1- -أمالي الصدوق:397 ح 4،و بحار الأنوار:202/42 ح 6.
علّة مصالحة الحسن عليه السلام معاوية لعنه اللّه

و في كتاب العلل عن الحسن عليه السّلام:علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكّة حين انصرف من الحديبيّة،أولئك كفّار بالتنزيل و معاوية و أصحابه كفّار بالتأويل،يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل اللّه تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا.

ألا ترى الخضر لمّا خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار سخط موسى عليه السّلام فعله لاشتباه وجه الحكمة فيه حتّى أخبره فرضي،هكذا أنا،سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه و لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قتل (1).

و ذكر يوسف بن مازن أنّ الحسن عليه السّلام بايع معاوية على أن لا يسمّيه أمير المؤمنين و لا يقيم عنده شهادة و على أن لا يتعتّب على شيعة عليّ شيئا و على أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و أولاد من قتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم،و أن يجعل ذلك من خراج دار بجرد قال:و ما ألطف حيلة الحسن عليه السّلام في إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين و ما و فى معاوية للحسن بن علي بشيء عاهده عليه.

و عن أبي سعيد قال:لمّا صالح الحسن عليه السّلام معاوية دخل عليه الناس فلامه بعضهم فقال:و يحكم و اللّه الّذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت الشمس عليه أو غربت أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي خلفه عيسى،فإنّ اللّه يغيب ولادته و يخفي شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة ذاك التاسع من ولد أخي الحسين يطيل اللّه عمره في غيبته ثمّ يظهر بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة (2).

و عن زيد الجهني قال:لمّا طاعن الحسن عليه السّلام بالمدائن أتيته و هو متوجّع فقلت:ما

ص: 119


1- -علل الشرائع:211/1،و بحار الأنوار:2/44.
2- -بحار الأنوار:19/44 ح 3.

ترى يابن رسول اللّه،فإنّ الناس متحيّرون؟

فقال:أرى و اللّه معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنّهم شيعتي ابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي و أخذوا مالي و اللّه لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي و آمن به في أهلي خير أن يقتلونني فتضيع أهل بيتي،و اللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلما، فو اللّه لأن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسيره أو يمنّ عليّ فيكون سبّة على بني هاشم آخر الدهر،و معاوية لا يزال يمنّ بها و عقبه على الحيّ منّا و الميّت.

قال:قلت:أتترك يابن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لهم راع؟

قال عليه السّلام:و اللّه إنّ أمير المؤمنين قال لي ذات يوم و قد رآني فرحا:أتفرح يا حسن كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟أم كيف بك إذا ولّي هذا الأمر بنو اميّة و أميرها الرحب البلعوم يأكل و لا يشبع تدين له العباد و يطول ملكه يسنّن بسنن البدع و الضلال يقتل من ناواه على الحقّ حتّى يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان و كلب من الدّهر يؤيّده اللّه بملائكته و يظهره على الأرض حتّى يدينوا له طوعا و كرها حتّى لا يبقى كافر إلاّ آمن و لا طالح إلاّ صلح و تصطلح في ملكه السباع،تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما فطوبى لمن أدرك أيّامه و سمع كلامه (1).

و في كتاب أعلام الدّين للديلمي قال:خطب الحسن بن علي بعد وفاة أبيه فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:أما و اللّه ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة و لا قلّة ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة و الصبر فشيب السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع و كنتم تتوجّهون معنا و دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم الآن و دنياكم أمام دينكم،و كنّا لكم و كنتم لنا و قد صرتم اليوم علينا ثمّ أصبحتم تدعون قتيلين قتيلا بصفّين تبكون عليهم،و قتيلا بالنهروان يطلبون بثأرهم،فأمّا الباكي فخاذل و أمّا الطالب فثائر،و إنّ معاوية قد دعى إلى أمر ليس فيه عزّ و لا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه و أغضضنا على القذى و إن أردتم الموت بذلناه في ذات اللّه،فنادى القوم بأجمعهم:بل التقيّة (2).9.

ص: 120


1- -بحار الأنوار:20/44.
2- -بحار الأنوار:21/44،و ترجمة الإمام الحسين:179.

و روى الكشّي عن الصادق عليه السّلام قال:جاء رجل من أصحاب الحسن عليه السّلام يقال له:

سفير بن ليلى فدخل على الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك يا مذلّ المؤمنين،فقال عليه السّلام:لا تعجل و ما علمك بذلك؟

قال:عمدت إلى أمر الامّة فخلعته من عنقك و قلّدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل اللّه،فقال عليه السّلام:فعلت ذلك لأنّي سمعت أبي يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:لن تذهب الأيّام و الليالي حتّى يلي أمر هذه الامّة رجل واسع البلعوم يأكل و لا يشبع و هو معاوية فلذلك فعلت (1).

و قال السيّد المرتضى طاب ثراه في تنزيه الأنبياء:فإن قال قائل ما العذر له عليه السّلام في خلع نفسه من الإمامة و تسليمها إلى معاوية مع ظهور فجوره،ثمّ في أخذ عطائه و صلاته مع توفّر أنصاره و مبايعة من كان يبذل عنه دمه و ماله حتّى سمّوه مذلّ المؤمنين و عابوه في وجهه؟

قلنا:قد ثبت أنّه عليه السّلام الإمام المعصوم،فلا بدّ من التسليم لجميع أفعاله و حملها على الصحّة و إن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفصيل و كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه مع أنّ الذي جرى منه عليه السّلام كان السبب فيه ظاهرا لأنّ المجتمعين له من الأصحاب كانت قلوبهم مائلة إلى دنيا معاوية من غير مساترة فأظهروا له عليه السّلام النصرة و حملوه على المحاربة طمعا في أن يورطوه و يسلّموه فأحسّ بذلك منهم قبل التلبّس فتحرّز من المكيدة في سعة من الوقت.

و قد صرّح عليه السّلام بهذا في مواقف كثيرة،و قال عليه السّلام:إنّما هادنت حقنا للدماء و إشفاقا على نفسي و أهلي،فكيف لا يخاف أصحابه و يتّهمهم و هو لمّا كتب إلى معاوية يعلمه أنّ الناس قد بايعوه بعد أبيه و يدعوه إلى طاعته فأجابه معاوية:لو كنت أعلم أنّك أضبط للناس لبايعتك لأنّي أراك لكلّ خير أهلا،ثمّ خطب أصحابه بالكوفة يحضّهم على الجهاد و أمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم فما أجابه أحد.

فقال لهم عدي بن حاتم:سبحان اللّه ألا تجيبون إمامكم و من حتن بالكلام كان أولى بأن يظن بالفعال أ و ليس أحدهم طعنه بساباط بمعول أصاب فخذه و شقّه إلى العظم فحمل إلى1.

ص: 121


1- -بحار الأنوار:24/44،و اختيار معرفة الرجال:328/1.

المدائن و عليها سعد بن مسعود عمّ المختار من قبل أمير المؤمنين عليه السّلام فأشار المختار على عمّه أن يوثقه و يسير به إلى معاوية طمعا في عطائه فقال للمختار:قبّح اللّه رأيك،ثمّ أتاه بطبيب داواه فمن ذا الذي يرجو السلامة بين هؤلاء فضلا عن النصرة.

و قد أجاب حجر بن عدي لمّا قال له:سوّدت وجوه المؤمنين،فقال له عليه السّلام:ما كلّ أحد يحبّ ما تحبّ و لا رأيه كرأيك و إنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم (1).

و قد روي أنّه لمّا طالبه معاوية بأن يتكلّم على الناس و يعلمهم ما عنده في هذا الباب قام و قال بعد الحمد للّه:أيّها الناس لو طلبتم بين جابلق و جابرس رجلا جدّه رسول اللّه ما وجدتموه غيري و غير أخي،و أنّ معاوية نازعني حقّا هو لي فتركته لصلاح الامّة و حقن دمائها.و كلامه في هذا الباب الذي يصرّح في جميعه بأنّه مقهور ملجأ إلى التسليم و دافع بالمسالمة الضرر العظيم أشهر من الشمس (2).

فأمّا قول السائل:إنّه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ اللّه لأنّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله:و عند أكثر مخالفينا أيضا في الإمامة إن خلع الإمام نفسه لا يؤثّر في خروجه من الإمامة و إنّما ينخلع من الإمامة عندهم بالاحداث و الكبائر،و لو كان خلع نفسه مؤثرا لكان إنّما يؤثر إذا وقع اختيارا مع أنّه يسلّم الأمر إلى معاوية بل كفّ عن المحاربة لفقد الأعوان.

فأمّا البيعة فإن اريد بها الصفقة و الكفّ عن المنازعة فقد كان ذلك،لكنّا بيّنا السبب فيه و لا حجّة كما لم يكن في مثله حجّة على أبيه صلوات اللّه عليهما لمّا بايع المتقدّمين و كفّ عن نزاعهم،و إن اريد بالبيعة الرّضا و طيب النفس فالحال شاهد بخلاف ذلك.

فأمّا أخذ العطاء فبيّنا أنّ أخذه من يد الجائر المتغلّب جائز.

فأمّا أخذ الصّلات فجائز بل واجب،لأنّ كلّ ما في يد الجائر المتغلّب على أمر الامّة يجب على الإمام و على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع و الإكراه و وضعه في مواضعه فإذا لم يتمكّن من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال اللّه و أخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده و يأخذ منه حقّه و يقسمه على2.

ص: 122


1- -بحار الأنوار:29/44،و تنزيه الأنبياء:223.
2- -بحار الأنوار:30/44،و كشف الغمة:193/2.

مستحقّه،لأنّ التصرّف في ذلك المال بحقّ الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلاّ له عليه السّلام و ليس لأحد أن يقول إنّ ما كان يأخذه من معاوية ما كان يخرجه إلاّ على نفسه لأنّ هذا ممّا لا يمكن القطع عليه،و لا شكّ أنّه عليه السّلام كان ينفق منها لأنّ فيها حقّه و حقّ عياله و أهله و لا بدّ أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقّين حقوقهم و كيف يظهر ذلك و هو عليه السّلام كان يقصد ستره لمكان التقيّة و هو عليه السّلام كان متصدّق بكثير من أمواله و يصل المحتاجين و لعلّ في جملة ذلك هذه الحقوق.

فأمّا إظهار موالاته فما أظهر من ذلك شيئا و كلامه فيه بمشهد معاوية معروف ظاهر،ى و لو فعل ذلك خوفا و استصلاحا لكان واجبا فقد فعل أبوه عليه السّلام مثله مع المتقدّمين عليه،انتهى كلامه ملخّصا.

و في كتاب العلل أنّه دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و شبث بن ربعي دسيسا أفرد كلّ واحد منهم[بعين] (1)من عيونه إنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم و جند من أجناد الشام و بنت من بناتي،فبلغ الحسن عليه السّلام فلبس درعا تحت ثيابه و كان يحترز و لا يتقدّم الصلاة بهم إلاّ كذلك فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لمكان الدرع،فلمّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر ثمّ عالجه مسعود عمّ المختار حتّى طاب،فقال لهم:إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي و إنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدّي،ولكنّي كأنّي أنظر إلى بناتكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم و يستطعمونهم بما جعله اللّه لهم فلا يسقون و لا يطعمون فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم،فكتب الحسن عليه السّلام ذلك من فوره إلى معاوية و قبل منه المصالحة (2).

فإن قال قائل:إنّ الحسن عليه السّلام أخبر بأنّه حقن دما أنت تدّعي أنّ عليّا كان مأمورا بإراقتها بقوله عليه السّلام:امرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و الحاقن لما أمر اللّه و رسوله بإراقته من الحاقن عصيان؟4.

ص: 123


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:221/1،و بحار الأنوار:34/44.

قلنا؛إنّ الامّة التي ذكر الحسن عليه السّلام امّتان و فرقتان و طائفتان هالكة و ناجية و باغية و مبغي عليها،فإذا لم يمكن حقن دماء المبغي عليها إلاّ بحقن دماء الباغية لأنّهما إذا اقتتلا و ليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها و إراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغي عليها لا غير،فهذا هذا.

فإن قلت:البغاة على الإمام كالناكثين و القاسطين و المارقين ما تسمّيهم؟

قلت:اختلف فيهم علماء الإسلام فذهب نادر إلى أنّهم مؤمنين مع أنّهم يسمّونهم باغين،و قال قوم:إنّهم مشركون،و صار ثالث إلى أنّهم كفّار غير مشركين.

و قال واصل بن عطاء:فسّاق مخلّدون في النار.و الأصحّ عندنا أنّهم كفّار مخلّدون في النار و الأحاديث دالّة عليه.

و في كتاب الخرائج:روى عن الحرث الهمداني قال:لمّا مات عليّ عليه السّلام جاء الناس إلى الحسن و قالوا:أنت خليفة أبيك و وصيّه و نحن السامعون لك،فمرنا بأمرك.

فقال الحسن عليه السّلام:كذبتم ما وفيتم لمن كان خيرا منّي،فكيف تفون لي إن كنتم صادقين فموعد ما بيني و بينكم معسكر المدائن فوافوا إلى هناك،فركب و ركب معه من أراد الخروج و تخلّف عنه كثير فما وفوا و غرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين ثمّ وجّه إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف،فلمّا نزل الأنبار بعث إليه معاوية رسلا و كتب إليه:أقبل إليّ،و أرسل إليه دراهم كثيرة فصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته فبلغ الحسن عليه السّلام فقام خطيبا و قال:

هذا الكندي توجّه إلى معاوية و غدر بي و بكم و قد أخبرتكم أنّكم عبيد الدّنيا و أنا موجّه مكانه رجلا آخر و أعلم أنّه يغدر مثل صاحبه،فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف و أخذ عليه العهود.

فلمّا توجّه إلى الأنبار أرسل معاوية إليه رسلا و كتب إليه مثل ما كتب إلى صاحبه و بعث إليه خمسة آلاف درهم فأخذ طريقه إلى معاوية و بلغ الحسن عليه السّلام،فقام خطيبا و ذكر لهم غدر المرادي،ثمّ كتب معاوية إلى الحسن عليه السّلام:يابن عم لا يقطع الرحم الذي بينكم و بيني،فإنّ الناس قد غدروا بك و بأبيك فقالوا:إن خانك الرجلان و غدروا فإنّا مناصحون لك.

فقال لهم الحسن عليه السّلام:لأعودنّ هذه المرّة و إنّي أعلم أنّكم لغادرون إنّ معسكري

ص: 124

بالنخيلة،فوافوا هناك،فعسكر عشرة أيّام فلم يحضره إلاّ أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة و خطب فقال:يا عجبا من قوم لا حياء لهم و لا دين و كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية إنّا معك و إن شئت أخذنا الحسن و بعثناه إليك ثمّ أغاروا على فسطاطه و ضربوه بحربة و أخذ مجروحا، ثمّ كتب جوابا لمعاوية:إنّما هذا الأمر لي و الخلافة لي و لأهل بيتي و إنّها لمحرّمة عليك و على أهل بيتك و لو وجدت صابرين عارفين بحقّي ما سلّمت لك و لا أعطيتك ما تريد و انصرف إلى الكوفة (1).

و في كتاب البشائر:إنّه لمّا بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام و بيعة الناس لابنه الحسن دسّ رجلا إلى البصرة و رجلا إلى الكوفة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن اموره فعرف ذلك عليه السّلام و أمر بقتلهما،و كتب إلى معاوية فأجابه و جرت بينهما الكتب و الرسائل و سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه،فلمّا بلغ جسر مفيح تحرّك الحسن عليه السّلام و أمر العمّال بالمسير و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه فخرج معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة أبيه و بعضهم أهل أطماع و غنائم و بعضهم أصحاب عصبية حتّى نزل ساباط،فلمّا أصبح أراد أن يمتحن أصحابه فأمر بالصلاة جامعة و صعد المنبر و خطب و قال في خطبته:إنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة،ألا و انّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري.

فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا:يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الأمر إليه،فقالوا:

كفر و اللّه الرجل،ثمّ شدّوا على فسطاطه و انتهبوه حتّى أخذوا مصلاّه من تحته و نزعوا مطرفه عن عاتقه فركب فرسه و أحدق به شيعته و سار حتّى بلغ مظلم ساباط فبدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فقال:أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثمّ طعنه في فخذه فوثب إليه جماعة من شيعته فقتلوه.

و حمل الحسن عليه السّلام على سرير إلى المدائن يعالج جرحه و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع و الطاعة استحثّوه على المسير و ضمنوا له تسليم الحسن عليه السّلام عند دنوّهم من عسكره و الفتك به،فبلغ الحسن عليه السّلام ذلك و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه مع عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية و يردّه عن العراق و جعله4.

ص: 125


1- -الخرائج و الجرائح:574/2،و بحار الأنوار:43/44 ح 4.

أميرا على الجماعة و قال:إن اصيب فالأمير قيس بن سعد،فوصل كتاب قيس يخبره أنّهم نازلوا معاوية و أنّ معاوية أرسل إلى عبيد اللّه يرغّبه في المصير إليه و ضمن له ألف ألف درهم فانسلّ في الليل إلى عسكر معاوية فأصبح الناس و قد فقدوا أميرهم فصلّى بهم قيس و نظر في امورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السّلام بخذلان القوم له،و كتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و أنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له الفتك به،فاشترط لنفسه في الصلح شروطا كثيرة و كان يعلم أنّه لا يفي بها غير أنّه لم يجد بدّا من إجابته إلى ترك الحرب من جهة أنّ جماعة من أصحابه استحلّوا دمه،و ممّا اشترط عليه:أنّ لا يسبّ أمير المؤمنين و لا يقنت عليه في الصلوات و أن لا يتعرّض لشيعته بسوء فحلف له معاوية على ذلك،فلمّا استتمت الهدنة سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة،و ذلك يوم الجمعة فصلّى بالناس ثمّ خطبهم و قال:إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا و لا تصوموا و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم له كارهون،و إنّي كنت منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها.

ثمّ دخل الكوفة و خطب الناس و ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام و نال منه و نال من الحسن عليه السّلام و كان الحسن و الحسين عليهما السّلام حاضرين،فقام الحسين عليه السّلام ليرد عليه فأخذ بيده الحسن و أجلسه ثمّ قام فقال:أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و امّي فاطمة و امّك هند و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب و جدّتي خديجة و جدّتك[فتيلة]،فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا،فقالت طوائف من أهل المسجد:

آمين آمين (1).

و روي أنّ معاوية طلب البيعة من الحسين عليه السّلام فقال الحسن عليه السّلام:يا معاوية لا تكرهه، فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل و لن يقتل حتّى يقتل أهل الشام (2).4.

ص: 126


1- -بحار الأنوار:49/44.
2- -المناقب:196/3،و بحار الأنوار:57/44.
صورة كتاب الصلح

و في كتاب كشف الغمّة:و من كلامه عليه السّلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه و بين معاوية حيث رأى حقن الدماء و هو:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سيرة الخلفاء الصالحين و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين،و على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و على أنّ أصحاب عليّ و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم،و على أن معاوية بن أبي سفيان عهد اللّه و ميثاقه و ما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء و بما أعطى اللّه من نفسه، و على أن لا يبغي للحسن بن عليّ و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم غائلة سرّا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق شهد عليه بذلك،و كفى باللّه شهيدا شهد فلان و فلان و السلام (1).

ص: 127


1- -كشف الغمة:193/2،و بحار الأنوار:65/44.
مباحثة شديدة

و في كتاب الاحتجاج عن الشعبي و أبي مخنف و يزيد بن حبيب قالوا:لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا و لا أشدّ مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية عمرو بن عثمان بن عفّان و عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة،و قد تواطئوا على أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاوية:ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه و خفقت النعال خلفه فاحضره حتّى نسبّه و نسب أباه و نصغر من قدره.

فقال معاوية:أخاف أن يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها إلى القبور،و اللّه ما رأيته إلاّ و هبت عنابة و إنّي إن بعثت إليه لأنصفنّه منك.

قال ابن العاص:أتخاف أن يتسامي باطله على حقّنا؟

قال:لا،قال:فابعث إذا إليه،فقال عتبة:هذا رأي لا أعرفه،و اللّه لا تستطيعون أن تلقوه بأعظم ممّا في أنفسكم عليه و لا يلقاكم إلاّ بأعظم ممّا في نفسه عليكم.

فبعثوا إليه فقال له الرّسول:يدعوكم معاوية و عنده فلان و فلان و سمّاهم.

فقال عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، فلبس ثيابه،ثمّ قال:اللّهم إنّي أدرأ بك في نحورهم و أعوذ بك من شرورهم و أستعين بك عليهم فأكفنيهم ممّا شئت و أنّي شئت من حولك و قوّتك يا أرحم الراحمين.

و قال للرسول:هذا كلام الفرج،فلمّا أتى معاوية رحّب به و صافحه.

و قال:إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرّروك أنّ عثمان قتل مظلوما و أنّ أباك قتله فاسمع منهم ثمّ أجبهم و لا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال عليه السّلام بعد كلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ وليّي فليقولوا و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

فقال عمرو بن عثمان:ما سمعت ان بقي من عبد المطّلب على وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان،و كان الفاضل في الإسلام منزلة و الخاص برسول اللّه سفكوا دمه طلبا

ص: 128

للفتنة،فيا ذلاّه أن يكون حسن و سائر بني عبد المطّلب قتلة عثمان أحياء على مناكب الأرض و عثمان مضرّج بدمه مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أميّة ببدر.

ثمّ تكلّم عمرو بن العاص فقال:يا حسن بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصدّيق و أشرك في قتل عمر الفاروق و قتل عثمان ذو النورين مظلوما فادّعى ما ليس له بحقّ،ثمّ أنت يا حسن ليس لك عقل و لا رأي و تركت أحمق في قريش و ذلك لسوء عمل أبيك و إنّما دعوناك لنسبّك و أباك،ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتب علينا و لا أن تكذّبنا و اللّه لو قتلناك ما كان في قتلك إثم و لا عيب.

ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان فقال:يا حسن إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش أقطعه لأرحامها و أسفكه لدمائها و انّك لمن قتلة عثمان و في الحقّ أن نقتلك به،و أنّ عليك القود في كتاب اللّه فإنّا قاتلوك،و أمّا رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك و لا في رجحة ميزانك.

ثمّ تكلّم الوليد بن عتبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه.

ثمّ تكلّم المغيرة بن شعبة و كان كلامه وقوعا في عليّ عليه السّلام و ذكر أنّ عليّا عليه السّلام أشرك في دم عثمان و قتل أبا بكر بالسمّ و أنّ معاوية وليّ المقتول بغير حقّ،فيجب أن يقتل الحسن و الحسين قصاصا.

فلمّا فرغ تكلّم الحسن عليه السّلام و قال:الحمد للّه الذي هدى أوّلكم بأوّلنا و آخركم بآخرنا و قال:بك أبدأ يا معاوية لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك و ما هؤلاء شتموني و سبّوني عدوانا و حسدا علينا و عداوة لمحمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لو كنت أنا و هؤلاء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و حولنا المهاجرون و الأنصار ما قدروا أن يتكلّموا بمثل ما تكلّموا فاسمعوا منّي و لا تكتموا حقّا علمتموه،و لا أقول فيك يا معاوية إلاّ دون ما فيك:أنشدكم باللّه هل تعلمون الرجل الذي شتمتموه صلّى القبلتين و أنت تعبد اللاّت و العزّى و بايع البيعتين بيعة الرضوان و بيعة الفتح و أنت يا معاوية بالأولى كافر و بالاخرى ناكث و لقيكم مع رسول اللّه يوم بدر و معه راية النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معك يا معاوية راية المشركين ترى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فرضا واجبا؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حاصر قريظة و بني النضير،ثمّ بعث

ص: 129

عمر بن الخطّاب و معه راية المهاجرين،فرجع يجبّن أصحابه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:

لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّارا غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه،فأعطاها عليّا فلم يرجع حتّى فتح اللّه عليه و أنت يومئذ بمكّة عدوّ للّه و لرسوله ثمّ أقسم باللّه ما أسلم قلبك بعد ولكن اللّسان خائف فهو يتكلّم بما ليس في القلب،ثمّ أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه استخلفه على المدينة في غزوة تبوك و قال له:أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى؟

أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال في حجّة الوداع:أيّها الناس قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده كتاب اللّه فاعملوا به و عترتي فانصروهم على من عاداهم ثمّ دعى و هو على المنبر عليّا فقال:اللّهمّ من عادا عليّا...و لا تجعل له في الأرض مقعدا و لا في السماء مصعدا و اجعل في أسفل درك من النار؟

أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال له:أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله و ذكر من مناقب أبيه عليه السّلام كثيرا.

ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعث إليك فقال له الرسول هو يأكل،فأعاد الرسول إليك ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول:هو يأكل.فقال:اللّهمّ لا تشبع بطنه فهي و اللّه في أكلك إلى يوم القيامة.

ثمّ قال:أتعلمون إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر و يقوده أخوك هذا القائد و هذا يوم الأحزاب،فلعن رسول اللّه الرّاكب و القائد و السائق فكان أبوك الراكب و أنت يا أزرق السائق و أخوك هذا القائد؟

ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ثمّ عدّد المواطن و قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يابن أخي هل علينا من عين؟

فقال:لا.

فقال أبو سفيان:تداولوا الخلافة فتيان بني اميّة،فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنّة و لا نار،و منها أنّك صددت أباك عن الإسلام بأشعار معروفة.

ص: 130

و منها أنّ عمر بن الخطّاب و لاّك الشام فخنت به و ولاّك عثمان فتربّصت به ريب المنون،و أعظم من ذلك إنّك قاتلت عليّا عليه السّلام و قد عرفت سوابقه و فضله على من هو أولى منك،فهذا لك يا معاوية و ما تركت أكثر ممّا ذكرت (1).3.

ص: 131


1- -الإحتجاج:410/1،و الأمالي:333.
مثل البعوضة و النخلة

و أمّا أنت يا عمرو بن عثمان فلم يكن حقيقا لحمقك أن تتبع هذه الامور،فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة:استمسكي فإنّي اريد أن أنزل عليك فقالت لها النخلة:و ما شعرت بوقوعك فكيف يشقّ عليك نزولك،و إنّي و اللّه ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشق عليّ ذلك،و أمّا قولك:إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلي مشركي بني اميّة ببدر فإنّ اللّه قتلهم،و لعمري ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر و ثلاث بعد تسعة عشر ثمّ يقتل من بني اميّة تسعة عشر و تسعة عشر في موطن واحد سوى من قتل من بني اميّة لا يحصي عددهم إلاّ اللّه (1).

ص: 132


1- -الإحتجاج:410/1،و بحار الأنوار:79/44.
نسب عمرو بن العاص

ثمّ قال بعد كلام:و أمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللّعين الأبتر،فإنّ أوّل أمرك أنّ امّك بغت و أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحرث و النضر بن الحارث و العاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بني قريش ألأمهم حسبا و أخشنهم منصبا ثمّ قمت خطيبا و قلت:أنا شانئ محمّد.

و قال العاص بن وائل:إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .

و كنت في كلّ مشهد عدوّ رسول اللّه ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي تحرّضه على قتل جعفر بن أبي طالب فحاق المكر السيّئ بك و لسنا نعاتبك على حبّنا و أنت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية و الإسلام،و قد هجوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بسبعين بيتا من شعر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:اللّهم إنّي لا أحسن الشعر و لا ينبغي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيت لعنة.

و أمّا أنت يا وليد بن عقبة فما ألومك أن تبغض عليّا و قد جلدك في الخمر ثمانين و قتل أباك صبرا بيده يوم بدر،أم كيف تسبّه و قد سمّاه اللّه مؤمنا في عشر آيات من القرآن و سمّاك فاسقا و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً و ما أنت و ذكر قريش،و إنّما أنت ابن علج من أهل صقورية يقال له ذكوان و لو سألت امّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط لعرفت نفسك و لقد قالت لك:و اللّه امّك يا بني أبوك أخبث من عقبة.

و أمّا أنت يا عقبة بن أبي سفيان فما أنت عاقل فاعاتبك و أنّ اللّه تعالى لك و لأخيك و امّك و أبيك بالمرصاد،و أنت و ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* إلى قوله: مِنْ جُوعٍ ،و أمّا وعيدك إيّاي بقتلي،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك؟ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا و لا ألومك أن تسبّ عليا و قد قتل أخاك مبارزة و اشترك هو و حمزة في قتل جدّك حتّى ذاقا العذاب الأليم.

ص: 133

و أمّا أنت يا عقبة بن أبي سفيان فما أنت عاقل فاعاتبك و أنّ اللّه تعالى لك و لأخيك و امّك و أبيك بالمرصاد،و أنت و ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً* تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* إلى قوله: مِنْ جُوعٍ ،و أمّا وعيدك إيّاي بقتلي،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها حتّى ألصق بك ولدا ليس لك؟ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا و لا ألومك أن تسبّ عليا و قد قتل أخاك مبارزة و اشترك هو و حمزة في قتل جدّك حتّى ذاقا العذاب الأليم.

و أمّا أنت يا مغيرة بن شعبة فأنت الزاني و قد وجب عليك الرجم و شهد عليك العدول، فأخّر رجمك و دفع الحقّ بالباطل،و أنت[الذي]ضربت فاطمة بنت رسول اللّه حتّى ألقت ما في بطنها انتها كالحرمة رسول اللّه.

و أمّا قولك و أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة و موسى و هارون نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان و هو ملك اللّه يعطيه البرّ و الفاجر قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ و قال: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ،ثمّ قام الحسن فنفض ثيابه و هو يقول:

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ هم و اللّه يا معاوية أنت و أصحابك و شيعتك وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ هم عليّ بن أبي طالب و أصحابه و شيعته ثمّ خرج و هو يقول:ذق وبال ما كسبت يداك و ما جنيت.

فقال معاوية لأصحابه:و أنتم فذوقوا وبال ما جنيتم ألم أقل لكم إنّكم لن تنتصفوا من الرجل فقد فضحكم،و اللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت.

و سمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية و أصحابه المذكورون من الحسن بن عليّ فأتاهم،فقال:هلاّ أحضرتموني فو اللّه لأسبنّه سبّا تغنى به الإماء و العبيد.

فقال معاوية:لم يفتك شيء،فقال مروان:أرسل إليه يا معاوية،فأرسل إليه فأقبل عليه السّلام و جلس مع معاوية على السرير فقال:إنّ مروان أرسل إليك،فقال:و ما الذي أردت يا مروان؟

قال:و اللّه لأسبنّك و أباك سبّا تغنى به الإماء و العبيد.

فقال عليه السّلام:يا مروان ما أنا سببتك و لا سببت أباك،ولكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن أباك و أهل بيتك و ذرّيتك و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد و ما زادك

ص: 134

بما خولك إلاّ طغيانا كبيرا صدق اللّه و صدق رسوله يقول: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً .

و أنت يا مروان و ذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

فوضع معاوية يده على فم الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا محمّد ما كنت فحّاشا،فقام الحسن عليه السّلام و تفرّق القوم بحزن و سواد الوجه،انتهى ملخّصا (1).4.

ص: 135


1- -الإحتجاج:410/1،و بحار الأنوار:79/44.
في معنى شركة الشيطان

و من كتاب الشيرازي عن ابن عبّاس في قوله: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ أنه جلس الحسن بن علي و يزيد بن معاوية يأكلان الرطب فقال يزيد:يا حسن إني منها كنت أبغضك.

قال الحسن عليه السّلام:اعلم يا يزيد أن إبليس شارك أباك في جماعة فاختلط الماءان فأورثك ذلك عدواني،لأن اللّه تعالى يقول: وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ .

و شارك الشيطان حربا عند جماعه فولد له صخر،فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه.

و شارك الشيطان صخر عند جماعه فولد له أبوك معاوية،فلذلك كان يبغض أبي.

و من كتاب العقد أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليهما السّلام بين يدي معاوية:أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن و يقال:إنّ ذلك من الخرق،فقال عليه السّلام:ليس كما بلغك ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا عذبة شفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ و أنتم معشر بني اميّة فيكم بخر شديد فنساؤكم يصرفن أفواههنّ و أنفاسهنّ إلى أصداغكم فإنّما يشيب منكم موضع العذاب من أجل ذلك،قال مروان:أما أنّ فيكم با بني هاشم غلمة شبق،قال:نعم، نزعت من نسائنا و وضعت في رجالنا و وضعت الغلمة من رجالكم و وضعت في نسائكم،فما قام لأمويّة إلاّ هاشمي (1).

و في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليه السّلام أنّه قال رجل للحسن عليه السّلام:يابن رسول اللّه ما بالنا نكره الموت و لا نحبّه؟

فقال عليه السّلام:إنّكم خرّبتم آخرتكم و عمّرتم دنياكم،فأنتم تكرهون النقله من العمران إلى الخراب (2).

ص: 136


1- -المناقب:187/3،و بحار الأنوار:104/44 ح 12.
2- -معاني الأخبار:390 ح 29،و بحار الأنوار:129/6 ح 18.
تهنئة الولد و الحمّام

و في الكافي عنه عليه السّلام قال:هنّأ رجل رجلا أصاب ابنا فقال:يهنيّك الفارس،فقال الحسن عليه السّلام:ما علمك يكون فارسا أو راجلا؟

قال:جعلت فداك فما أقول:قال:تقول شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب و بلغ أشدّه و رزقك برّه (1).

و فيه أيضا أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام خرج من الحمّام فلقيه إنسان،فقال:طاب استحمامك فقال:يالكع و ما تصنع بالاست هنا،فقال:طاب حميمك.

فقال:أما تعلم أنّ الحميم العرق،قال:طاب حمّامك.

فقال:و إذا طاب حمّامي فأيّ شيء لي قد طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك.

و في بعض كتب المناقب القديمة:أنّ معاوية كتب إلى مروان و هو عامله على المدينة أن يخطب ليزيد بنت عبد اللّه بن جعفر على حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه بالغا ما بلغ و على صلح الحيين بني هاشم و بني اميّة،فبعث مروان إلى عبد اللّه بن جعفر يخطب إليه فقال:إنّ أمر نساؤنا إلى الحسن بن عليّ فاخطب إليه،فأتى إلى الحسن خاطبا فقال له الحسن عليه السّلام:اجمع من أردت فجمع بني هاشم و بني اميّة فتكلّم مروان و قال:إنّ أمير المؤمنين معاوية يأمرني أن أخطب زينب بنت عبد اللّه بن جعفر على يزيد بن معاوية على حكم أبيها في الصداق و قضاء دينه و على صلح الحيّين بني هاشم و بني اميّة و يزيد كفؤ من لا كفؤ له،و لعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم و يزيد ممّن يستسقى الغمام بوجهه ثمّ سكت.

فتكلّم الحسن عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق فإنّا لم نكن لنرغب في سنّة رسول اللّه في أهله و بناته.

ص: 137


1- -الكافي:18/6،و نهج البلاغة:82/4.

و أمّا قضاء دين أبيها فمتى قضت نساءنا ديون آبائهنّ.

و أمّا صلح الحيّين فإنّا عاديناكم في اللّه فلا نصالحكم للدّنيا.

و أمّا قولك:من يغبطنا بيزيد أكثر ممّن يغبط بنا،فإن كانت الخلافة فاقت النبوّة فنحن المغبوطون به،و إن كانت النبوّة فاقت الخلافة فهو المغبوط بنا.

و أمّا قولك:إنّ الغمام يستسقى بوجه يزيد فإنّ ذلك لم يكن إلاّ لآل رسول اللّه،و قد رأينا أن نزوّجها ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر و قد زوجتها منه و جعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة و كان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار و لها فيها عنّي و كفاية فقال مروان؛ أغدرا يا بني هاشم،فقال الحسن عليه السّلام:واحدة بواحدة.و كتب مروان بذلك إلى معاوية فقال معاوية:خطبنا إليهم فلم يفعلوا و لو خطبوا إلينا لما رددناهم (1).

و روي أنّ معاوية قال:لو كان الناس كلّهم أولدهم أبو سفيان لما كان فيهم إلاّ كيّسا رشيدا،فقال صعصعة بن صوحان:قد أولد الناس من كان خيرا من أبي سفيان فأولد الأحمق و المنافق و الفاجر و الفاسق و المعتوه و المجنون آدم أبو البشر،فخجل معاوية (2).

و في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس قال:قدم معاوية في خلافته حاجّا و استقبله أهل المدينة فإذا ليس فيهم قرشي فقال:ما بال الأنصار لم يستقبلوني؟فقيل له:ليس لهم دواب،فقال:و أين نواضحهم؟

قال قيس بن سعد بن عبادة سيّد الأنصار:أفنوها يوم بدر و احد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حين ضربوك و أباك على الإسلام حتّى ظهر أمر اللّه و أنتم كارهون.

ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فقاموا له غير عبد اللّه بن العبّاس فقال:ما منعك من القيام جدتك من قتالي لكم بصفّين فلا تحزن من ذلك فإنّ عثمان قتل مظلوما.

قال ابن عبّاس:فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما.

قال:عمر قتله كافر و عثمان قتله المسلمون؟

قال:فذاك أدحض لحجّتك قال:فإنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ و أهل4.

ص: 138


1- -بحار الأنوار:120/44.
2- -بحار الأنوار:120/44.

بيته فكفّ لسانك.

قال:يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال:لا،قال:أتنهانا عن تأويله؟

قال:نعم،قال:نقرأ القرآن و لا نسأل عمّا عنى اللّه به قال:فأيّهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

قال:العمل به.

قال:كيف نعمل به و لا نعلم ما عنى اللّه؟

قال:سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك.

قال:إنّما نزل القرآن على أهل بيتي أنسأل عنه أبي سفيان.

قال:اقرأوا القرآن و تأوّلوه و لا ترووا شيئا ممّا أنزل اللّه فيكم وارووا ما سوى ذلك.

قال:إنّ اللّه يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .

ثمّ نادى منادي معاوية:أن برئت الذمّة ممّن روى حديثا في مناقب عليّ،و كان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة لكثرة ما بها من الشيعة فاستعمل زياد بن أبيه و ضمّ إليه العراقين الكوفة و البصرة،فجعل يتتبّع الشيعة و هو بهم عارف يقتلهم تحت كلّ حجر و مدر و يقطع منهم الأيدي و الأرجل و يصلبهم و نفاهم عن العراق.

و كتب معاوية إلى جميع عمّاله:أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ شهادة و انظروا شيعة عثمان و محبّيه و الذين يروون فضله فادنوا مجالسهم و قرّبوهم و اكتبوا إليّ بذلك،ففعلوا حتّى كثرت الرواية في عثمان و افتعلوها للصلات و الخلع و القطايع فكثر في كلّ مصر،ثمّ كتب إلى عمّاله إنّ الحديث في عثمان قد كثر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية و فضله فإنّ ذلك أحبّ إلينا و أدحض لحجّة أهل هذا البيت فقرأه كلّ أمير و قاض كتابه على الناس،فأخذوا في الروايات في فضائل معاوية في كلّ كورة و كلّ مسجد و ألقوا ذلك إلى معلّمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن حتّى علّموه بناتهم و نساءهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

ص: 139

و كتب زياد ابن أبيه في حقّ الحضرميّين:أنّهم على دين عليّ،فكتب إليه:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه فاقتلهم و مثّل بهم،و كتب معاوية على جميع البلدان:انظروا من اتهمتوه بأنّه شيعة عليّ فاقتلوه على التّهمة و الشبهة تحت كلّ حجر و كان الرجل يرمى بالزندقة و الكفر و لا يتعرّض له بمكروه و الرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان سيما الكوفة و البصرة،حتّى أنّ الرجل يخاف خادمه و مملوكه فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة،ثمّ لا يزداد الأمر إلاّ شدّة حتّى كثرت أحاديثهم الكاذبة حتّى نشأ عليه الصبيان و كان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المتصنّعون فانتحلوا الأحاديث و ولدوها طمعا في الأموال و القطايع،فصارت أحاديثهم في أيديهم حقّا و صدقا فأحبّوا عليها و أبغضوا من شكّ فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم و صارت في يد المتديّنين منهم الذين لا يستحلّون الافتعال لمثلها فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ،و لو علموا بطلانها لأعرضوا عن روايتها فصار الصدق كذبا و الكذب صدقا.

فلمّا مات الحسن عليه السّلام ازداد البلاء و الفتنة،فلم يبق للّه وليّ إلاّ خائف أو مقتول أو طريد.

فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجّ الحسين عليه السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن عبّاس و قد جمع الحسين عليه السّلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حجّ و من لم يحجّ،ثمّ لم يدع من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و التابعين إلاّ جمعهم فاجتمع بمنى أكثر من ألف رجل فقام خطيبا و قال بعد الحمد و الثناء:إنّ هذا الطاغية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و إنّي اريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني،اسمعوا مقالتي و اكتموا قولي ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم و قبائلكم من أمنتم و وثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ،فما ترك الحسين عليه السّلام شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله و فسّره و لا شيئا قاله الرسول في أهل بيته إلاّ رواه و كلّ ذلك يقول الصحابة:اللّهمّ نعم قد سمعناه و شهدناه، و يقول التابعون قد حدّثناه من نصدّقه،ثمّ قال:أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به فنزل و تفرّق الناس (1).7.

ص: 140


1- -الإحتجاج:19/2،و مستدرك الوسائل:291/17.

و في كتاب الأمالي عن ابن ثعلبة قال:لمّا استوثق الأمر لمعاوية أنفذ بشر بن ارطأة إلى الحجاز في طلب شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و كان على مكّة عبيد اللّه بن العبّاس فلم يقدر عليه، فأخبر أنّ له ولدين صبيّين فأخرجهما و لهما ذؤابتان فأمر بذبحهما فذبحا،فاجتمع من بعد عبيد اللّه و بسر بن ارطأة عند معاوية فقال معاوية لعبيد اللّه:أتعرف هذا الشيخ قاتل الصبيّين؟

قال بشر:نعم أنا قاتلهما فمه قال عبيد اللّه:لو أنّ لي سيفا:قال بشر:فهاك سيفي و أومى إلى سيفه فزبره معاوية و قال:أف لك من شيخ ما أحمقك تعمد إلى رجل قتلت ابنيه فتعطيه سيفك كأنّك لا تعرف أكباد بني هاشم،و اللّه لو دفعته إليه قتلك و ثنى بي،فقال عبيد اللّه:بل و اللّه كنت أبدأ بك و أثني به (1).

و في كتاب الاحتجاج عن صالح بن كيسان قال:لمّا قتل معاوية حجر بن عدي و أصحابه حجّ ذلك العام فلقى الحسين عليه السّلام فقال:يا أبا عبد اللّه هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و شيعة أبيك؛قتلناهم و كفّناهم و صلّينا عليهم.

فضحك الحسين عليه السّلام و قال:خصمك القوم يا معاوية،لكنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا أقبرناهم،الحديث (2).4.

ص: 141


1- -أمالي المفيد:306،و بحار الأنوار:128/44.
2- -الإحتجاج:19/2،و البحار:129/44.

الفصل الثالث: في مجمل أحوال الحسن و تواريخه و عمره و شهادته عليه السلام

اشارة

في الكافي و التهذيب:ولد عليه السّلام شهر رمضان سنة بدر اثنتين من الهجرة.

و روي أنّه ولد سنة ثلاث و مضى آخر صفر سنة تسع و أربعين و عمره سبع و أربعين سنة و أشهر (1).

و في الدروس:أنّه ولد منتصف شهر رمضان.

و قال المفيد رحمه اللّه:قبض مسموما يوم الخميس سابع صفر لسنة تسع و أربعين أو سنة خمسين من الهجرة (2).

و قال الكفعمي:كان نقش خاتمه العزّة للّه و كان له خمسة عشر ولدا،و كانت أزواجه أربع و ستّين عدا الجواري و كان بابه سفينة (3).

و في كتاب المناقب[أنّ عمر لمّا] (4)بويع سبعا و ثلاثين سنة فبقي في خلافته أربعة أشهر و ثلاثة أيّام و وقع الصلح بينه و بين معاوية سنة إحدى و أربعين و خرج إلى المدينة فأقام بها عشر سنين،و كان بذل معاوية لجعدة بنت محمد بن الأشعث الكندي و هي ابنة امّ فروة اخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار و اقطاع عشرة ضياع من سواد الكوفة على أن تسمّ الحسن عليه السّلام و كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم (5).

و روى الحافظ في الحلية بإسناده إلى عمر بن إسحاق قال:دخلت أنا و رجل على

ص: 142


1- -الكافي:461/1 ح 10،و بحار الأنوار:134/44 ح 1.
2- -تصحيح الإعتقادات:132،و الحدائق الناظرة:437/17.
3- -مستدرك سفينة البحار:22/3،و سيرة أعلام النبلاء:443/7.
4- -في المصدر:كان عمره لما.
5- -الأنوار البهية:90،و بحار الأنوار:135/44.

الحسن بن علي نعوده فقال:يا فلان سلني.

قال:حتّى يعافيك اللّه،قال:سلني قبل أن لا تسألني فإنّي ألقيت طائفة من كبدي و إنّي قد سقيت السمّ مرارا فلم أسق مثل هذه المرّة ثمّ دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين عليه السّلام عند رأسه.

فقال:يا أخي من تتّهم؟

قال:لم لتقتله؟

قال:نعم،قال:إن يكن الذي أظنّ فإنّه أشدّ بأسا و أشدّ تنكيلا و لا يكن فما أحبّ أن يقتل بي بريء و قبض عليه السّلام (1).

و في كتاب النصوص عن جنادة قال:دخلت على الحسن عليه السّلام في مرضه و بين يديه طشت يقذف عليه الدم و يخرج عليه كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية،فقلت:

يا مولاي لم لا تعالج نفسك؟

فقال:يا عبد اللّه بماذا أعالج الموت؟

قلت؛إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ثمّ قال:لقد عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي و فاطمة،ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول،ثمّ رفع الطشت و بكى (2).

و في كتاب عيون المعجزات للمرتضى أنّ سبب مفارقة أبي محمّد الحسن عليه السّلام الدّنيا أنّ معاوية بذل لجعدة و بعث إليها سمّا فجعلته في طعام،فلمّا وضعته بين يديه قال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه على لقاء سيّد المرسلين و أبي سيّد الوصيّين و امّي سيّدة نساء العالمين و عمّي جعفر الطيّار و حمزة سيّد الشهداء صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و دخل عليه أخوه الحسين فقال:كيف تجد نفسك؟

قال:أنا في آخر يوم من الدّنيا و أوّل يوم من الآخرة على كره منّي لفراقك و فراق اخوتي ثمّ أوصى إليه و سلّم إليه الأعظم و مواريث الأنبياء التي سلّمها إليه أمير المؤمنين عليه السّلام.4.

ص: 143


1- -بحار الأنوار:138/44،و كشف الغمة:190/2.
2- -كفاية الأثر:226،و بحار الأنوار:138/44.

ثمّ قال:يا أخي إذا متّ فجهّزني و احملني إلى جدّي حتّى تلحدني إلى جانبه فإن منعت من ذلك فاردد جنازتي إلى البقيع حتّى تدفني مع امّي،فلمّا أراد دفنه مع جدّه ركب مروان بن الحكم طريد رسول اللّه بغلته و أتى عائشة فقال:يا امّ المؤمنين إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه مع رسول اللّه،و اللّه إن دفن معه ليذهبنّ فخر أبيك و صاحبه إلى يوم القيامة فنزل عن بغلته و ركبتها و كانت تحرّض بني اميّة على المنع.

فلمّا وصلت إلى القبر رمت بنفسها من البغلة و قالت:لا يدفن الحسن هاهنا أبدا أو يجزّ شعرها فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السّلام:اللّه اللّه لا تضيّعوا وصيّة أخي و اعدلوا به إلى البقيع.

فقام ابن عبّاس و قال:يا حميراء أليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل و يوم على البغلة أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتّى يقال يوم البغل؟

فقالت له:إليك عنّي و أف لك و لقومك (1).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام:إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السّلام و ابنته جعدة سمّت الحسن عليه السّلام و محمّد ابنه أشرك في دم الحسين عليه السّلام.

و فيه أيضا عن الباقر عليه السّلام:أنّ عائشة خرجت ذلك اليوم مبادرة على بغل بسرج فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا فقالت:نحّوا ابنكم عن بيتي و لا يهتك على رسول اللّه حجابه.

فقال لها الحسين عليه السّلام:قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول اللّه و أدخلت بيته من لا يحبّ قربه،يا عائشة إنّ أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول اللّه ليحدث به عهدا و هو أعلم بتأويل كتاب اللّه من أن يهتك على رسول اللّه ستره لأنّ اللّه تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ و قد أدخلت بيت رسول اللّه الرّجال بغير إذنه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى .

و لعمري لقد دخل أبوك و فاروقه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقربهما منه الأذى و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم4.

ص: 144


1- -عيون المعجزات:57،و بحار الأنوار:140/44.

أحياء،يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه جائزا فيما بيننا و بين اللّه لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة و قال:يا عايشة يوما على جمل و يوما على بغل.

فقالت:يابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين عليه السّلام:و أنّى تبعدين محمّدا من الفواطم،فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم.

ثمّ قالت:نحّوا ابنكم[و اذهبوا به] (1)فأنتم قوم خصمون (2).

و في الكافي عن الحضرمي أنّ جعدة بنت الأشعث سمّت الحسن بن علي و سمّت مولاة له،فأمّا مولاته فقاءت السمّ و أمّا الحسن فاستمسك في بطنه (3).

و في كتاب بحار الأنوار لشيخنا المعاصر أبقاه اللّه تعالى نقلا من كتب علمائنا:أنّ الحسن عليه السّلام لمّا دنت وفاته و جرى السمّ في بدنه تغيّر لونه و اخضرّ،فقال له الحسين عليه السّلام:

مالي أرى لونك مائلا إلى الخضرة،فبكى الحسن و قال:يا أخي لقد صحّ حديث جدّي فيّ و فيك فاعتنقا و بكيا.

قال:أخبرني جدّي قال:دخلت ليلة المعراج في روضات الجنات فرأيت قصرين متجاورين على صفة واحدة إلاّ أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر و الآخر من الياقوت الأحمر، فقلت:يا جبرئيل لمن هذان القصران؟

فقال:أحدهما للحسن و الآخر للحسين،فقلت:يا جبرئيل لم لا تكونا على لون واحد فسكت و لم يرد جوابا،فقلت:لم لا تتكلّم؟

قال:حياء منك،فقلت له:سألتك باللّه إلاّ ما أخبرتني،فقال:أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ و يخضرّ لونه عند موته،و أمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل و يحمّر وجهه بالدمّ فعند ذلك ضجّ الحاضرون بالبكاء (4).4.

ص: 145


1- -زيادة من المصدر.
2- -الكافي:303/1،و بحار الأنوار:144/44.
3- -الكافي:462/1،و بحار الأنوار:145/44.
4- -مدينة المعاجز:30/4،و بحار الأنوار:145/44.

و في كتاب الاحتجاج عن ابن أبي الجعد قال:حدّثني رجل منّا قال:أتيت الحسن عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر لهذا الطاغية فقال:لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلا و نهارا و أهل الكوفة قلوبهم معنا و سيوفهم علينا،فتنخع الدم و هو يكلّمني فدعا بطشت و ملأه من الدّم فقلت:ما هذا يابن رسول اللّه؟

قال:دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى.

قلت:أفلا تتداوى؟

قال:قد سقاني مرّتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء،و لقد كتب إليّ إنّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه السمّ القتّال شربة فكتب إليه ملك الروم إنّه لا يصلح في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا،فكتب إليه:إنّ هذا الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه و أنا أريد أن أدسّ إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد و البلاد منه و وجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي سقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا (1).

و روي أنّ معاوية دفع السمّ إلى جعدة و قال:اسقيه السمّ فإذا مات زوّجتك ابني يزيد فلمّا سقته السمّ و مات جاءت إلى معاوية فقالت:زوّجني يزيد فقال:اذهبي فإنّ امرأة لا تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد (2).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام،فلمّا رآه بكى ثمّ أجلسه على فخذه و قال:إنّه حجّة اللّه على الامّة و لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الهوان و الذي بعدي و لا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما و عدوانا،فعند ذلك تبكي عليه الملائكة و السبع الشداد و يبكيه كلّ شيء حتّى الطير في جوّ السماء و الحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب،و من زاره في بقيعه ثبت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه4.

ص: 146


1- -الإحتجاج:12/2،و بحار الأنوار:147/44.
2- -الإحتجاج:13/2،و بحار الأنوار:148/44.

الأقدام (1).

و فيه أيضا عن ابن عبّاس إنّه لمّا جيء بالحسن عليه السّلام إلى قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قالت عائشة:

لقد أجترأتم عليّ تؤذونني مرّة بعد اخرى تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا أحبّ.

فقلت:و اسوأتاه يوم على جمل و يوم على بغل،انصرفي فقد رأيت ما سرّك.

فنادت بأعلى صوتها:أو ما نسيتم الجمل يا ابن عبّاس إنّكم لذو أحقاد.

فقلت:و اللّه ما نسيته أهل السماء فكيف تنساه أهل الأرض،فانصرفت و هي تقول شعر:

فألقت عصاها و استقرّ بها النوى *** كما قرّ عينا بالإياب المسافر (2)

و في كتاب الخرائج عن الصادق عليه السّلام:إنّ الحسن عليه السّلام قال لأهل بيته:إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه قالوا:و من يفعل ذلك؟

قال:امرأتي جعدة فإنّ معاوية يدسّ إليها و يأمرها بذلك،قالوا:اخرجها من منزلك.

قال:لم تفعل بعد شيئا و لو أخرجتها ما قتلني غيرها و كان لها عذر عند الناس فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالا جسيما و شربة سمّ فأتى وقت الإفطار و كان صائما فأخرجت شربة لبن قد ألقت فيها ذلك السمّ فشربها و قال:عدوّة اللّه قتلتيني فمكث يومان و مضى (3).

و فيه أيضا:إنّه لمّا منعت عائشة من دفن الحسن عليه السّلام قال لها ابن عبّاس:يوما تجمّلت و يوما تبغّلت و إن عشت تفيّلت،فأخذه الشاعر البغدادي و قال شعر:

يا بنت أبا بكر لا كان و لا كنت *** لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت (4)1.

ص: 147


1- -أمالي الصدوق:176،و بحار الأنوار:39/28.
2- -بحار الأنوار:153/44.
3- -الخرائج و الجرائح:241/1،و بحار الأنوار:327/43.
4- -الإرشاد:19/2،و الخرائج و الجرائح:243/1.
مباحثة فضّال مع أبي حنيفة

و قوله:لك التسع من الثمن،إنّما كان في مناظرة فضال بن الحسن مع أبي حنيفة قال له فضّال قول اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ منسوخ أو غير منسوخ؟

قال:هذه الآية غير منسوخة قال:ما تقول في خير الناس بعد رسول اللّه أبو بكر و عمر أم عليّ بن أبي طالب؟

قال:أما علمت أنّهما ضجيعا رسول اللّه في قبره،فأيّ حجّة تريد في فضلهما أفضل من هذه؟

فقال له فضّال:لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لقد أساءا إذ رجعا في هبتهما و قد أقررت أنّ قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غير منسوخة.

فأطرق أبو حنيفة ثمّ قال:لم يكن له و لا لهما خاصّة ولكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما.

فقال له فضّال:أنت تعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مات عن تسع و كان لهنّ الثمن لمكان ابنته فاطمة فإذن لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن،ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر و الحجرة كذا و كذا طولا و عرضا فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك؟

و بعد فما بال عايشة و حفصة يرثان رسول اللّه و فاطمة بنته منعت الميراث فالمناقضة في ذلك ظاهرة من وجوه كثيرة؟

فقال أبو حنيفة:نحّوه عنّي فإنّه و اللّه رافضي خبيث.

و في كتاب البشائر عن حريز قال:أرسل معاوية إلى جعدة بأن يزوّجها يزيد إذا سمّت الحسن عليه السّلام،فلمّا مات عليه السّلام لم يف معاوية لها و تزوّجها رجل من آل طلحة فأولدها و كان إذا

ص: 148

وقع بينهم و بين بطون قريش عيّروهم و قالوا:يا بني مسمّة الأزواج.

و في كتاب قوت القلوب:أنّ الحسن عليه السّلام تزوّج مائتين و خمسين امرأة و قد قيل ثلاثمائة و كان علي عليه السّلام يضجر من ذلك،فكان يقول في خطبته:إنّ الحسن مطلاق فلا تنكحوه (1).

و روي أنّ هذه النساء كلّهنّ خرجن خلف جنازته حافيات (2).

و في ربيع الأبرار للزمخشري أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه السّلام سجد و سجد من حوله و كبّروا (3).

و روي أنّ الحسن عليه السّلام لمّا أشرف على الموت قال له الحسين:اريد أن أعلم حالك يا أخي،فقال الحسن عليه السّلام:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:لا يفارق العقل منّا أهل البيت مادام الروح فينا فضع يدك في يدي حتّى إذا عاينت ملك الموت اغمز يدك فوضع يده في يده، فلمّا كان بعد ساعة غمزه غمزا خفيفا فقرّب الحسين عليه السّلام اذنه فقال:قال لي ملك الموت:

ابشر فإنّ اللّه عنك راض و جدّك شافع (4).

و في كتاب المناقب:إنّ بني اميّة بأمر عائشة و مروان رموا جنازته عليه السّلام حتّى سلّ منها سبعون نيلا.2.

ص: 149


1- -المناقب:192/3،و بحار الأنوار:158/44 ح 27.
2- -المناقب:192/3،و بحار الأنوار:158/44 ح 27.
3- -المناقب:203/3،و بحار الأنوار:159/44.
4- -المناقب:204/3،و كلمات الإمام الحسين:220 ح 42.
أولاد الحسن عليه السلام

و في كتاب البشائر:أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ذكر و انثى،زيد بن الحسن و اختاه امّ الحسن و امّ الحسين و امّهم بنت أبي مسعود الخزرجية و الحسن بن الحسن امّه خولة الفزارية و عمرو بن الحسن و أخواه القاسم و عبد اللّه امّهم امّ ولد و عبد الرحمن امّه امّ ولد و الحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم و أخوه طلحة و اخته فاطمة امّهم امّ إسحاق التيمية و امّ عبد اللّه و فاطمة و امّ سلمة و رقية لامّهات شتّى.

فأمّا زيد بن الحسن فكان يلي صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان جليل القدر كثير البرّ و مدحه الشعراء و قصده الناس من الآفاق لطلب فضله،و لمّا تولّى الخلافة سليمان بن عبد الملك عزله عن الصدقات ثمّ ردّها عليه ابن عبد العزيز و خرج زيد من الدّنيا و له تسعون سنة و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد،لأنّه كان مسالما لبني اميّة.

و أمّا الحسن بن الحسن فكان جليلا فاضلا و ربما كان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السّلام و سار يوما الحجّاج و هو أمير المدينة،فقال للحسن:ادخل عمر بن علي عمّك معك في الصدقات،فقال الحسن:لا أغيّر شرط علي و لا أدخل فيه من لم يدخله.

فقال الحجّاج:أنا أدخله معك فسار الحسن إلى باب عبد الملك فمرّ به يحيى بن امّ الحكم و سأله عمّا جاء به ثمّ قال له سأنفعك عند عبد الملك،فلمّا دخل الحسن على عبد الملك رحّب به و كان الحسن قد أسرع إليه الشيب.

فقال له عبد الملك:لقد أسرع إليك الشيب.

فقال يحيى:و ما يمنعه شيبه و يأتيه الركب من أهل العراق يمنونه الخلافة فقال له الحسن:بئس الرفد رفدت ليس كما قلت.

فقال له عبد الملك:هلمّ ما وفدت له فأخبره بقول الحجّاج فقال:ليس ذلك له و كتب له كتابا و وصله،فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى فعاتبه الحسن على سوء محضره.

ص: 150

فقال له يحيى:إيها عنك فو اللّه لا يزال يهابك و لولا هيبتك ما قضى لك حاجة و ما ألوتك رفدا.

و كان الحسن حضر مع عمّه الطفّ،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام و أسر الباقون جاءه أبو حسّان خاله فانتزعه من بين الأسارى (1).

و روي أنّه خطب إلى عمّه الحسين عليه السّلام إحدى ابنتيه فقال له:اختر يا بنيّ أيّهما أحبّ إليك،فلم يتكلّم حياء فقال له الحسين عليه السّلام:اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بفاطمة امّي،و قبض الحسن بن الحسن و له خمس و ثلاثون سنة،و لمّا مات ضربت زوجته فاطمة على قبره فسطاطا و كانت تقوم الليل و تصوم النهار و كانت تشبه بالحور العين لجمالها، فلمّا كان رأس السنة أمرت ليلا برفع الفسطاط فسمعت صوتا يقول:هل وجدوا ما قعدوا، فأجابت بل يئسوا فانقلبوا،و لم يدع الإمامة و لا ادّعاها له أحد.

و أمّا عمر و القاسم و عبد اللّه،فإنّهم قتلوا بين يدي عمّهم الحسين عليه السّلام،و عبد الرحمن بن الحسن خرج مع عمّه الحسين عليه السّلام إلى الحجّ فتوفّى بالأبواء و هو محرم.

و روي أنّه خطب الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى عبد الرحمن بن الحارث ابنته فأطرق ثمّ قال:و اللّه على وجه الأرض أعزّ عليّ منك،ولكن تعلم أنّ ابنتي بضعة منّي و أنت مطلاق فأخاف أن تطلّقها فيتغيّر قلبي عليك فإن شرطت أن لا تطلّقها زوجتك فقال عليه السّلام:ما أراد عبد الرحمن إلاّ أن يجعل ابنته طوقا في عنقي (2).

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه رأى امرأة عبد اللّه بن عامر فهام بها و شكى ذلك إلى أبيه،فلمّا حضر عبد اللّه عند معاوية قال:لقد عقدت لك على ولاية البصرة و لولا أنّ لك زوجة لزوّجتك رملة فمضى عبد اللّه و طلّق زوجته طمعا في رملة،فأرسل معاوية أبا هريرة يخطبها ليزيد و بذل لها ما أرادت من الصّداق فاطّلع عليه الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر فاختارت الحسن فتزوّجها (3).4.

ص: 151


1- -بحار الأنوار:163/44 ح 1.
2- -الإرشاد:26/2،و بحار الأنوار:167/44.
3- -المناقب:199/3،و بحار الأنوار:171/44.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:إنّ عليّا صلوات اللّه عليه قال على المنبر:لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق،فقام رجل من همدان فقال:بلى و اللّه لنزوّجنّه و هو ابن رسول اللّه و ابن أمير المؤمنين،فإن شاء أمسك و إن شاء طلّق.

و عن محمّد بن حبيب:كان الحسن إذا أراد أن يطلّق امرأة جلس إليها فقال:أيسرّك أن أهب لك كذا و كذا؟فتقول:ما شئت أو نعم،فيقول:هو لك فإذا قام أرسل إليها بالطلاق و بما سمّى لها.

و روي أنّه ملك مائة و ستّين أمة في مدّة عمره (1).6.

ص: 152


1- -الكافي:56/6 ح 4،و بحار الأنوار:172/44 ح 6.

باب فيما يختصّ بالحسين عليه السلام

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في معجزات الحسين عليه السلام و احتجاجه على معاوية و غيره

اشارة

و في الآيات الواردة في شهادته و أخبار الأنبياء عليهم السّلام بها و ما يتبع ذلك

في كتاب الخرائج:عن يحيى ابن أمّ الطويل قال:كنّا عند الحسين عليه السّلام إذ دخل عليه شاب يبكي قال:إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألاّ أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.

فقال الحسين عليه السّلام:قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها،فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد،ثمّ نظرت إلى الحسين عليه السّلام فقالت:ادخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها:وصي يرحمك اللّه.

فقالت:يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت (1).

ص: 153


1- -الخرائج و الجرائح:245/1،و بحار الأنوار:181/44.

و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام قال:إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض اموره قال لهم:لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم،فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلى الحسين عليه السّلام فدخل على الوالي فقال:

بلغني قتل غلمانك؟

قال الحسين عليه السّلام:أنا أدلّك على من قتلهم و هذا منهم أشار إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل:و من أين تعرف إنّي منهم؟

فقال:إن أنا صدقتك تصدقني؟

قال:نعم و اللّه قال:خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها فقال الرجل:و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا،فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم (1).

و فيه أيضا:أنّه لمّا ولد الحسين عليه السّلام أمر اللّه تعالى جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة يهنىء محمّدا،فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له قطرس بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمائة عام:

فقال:فطرس لجبرئيل:احملني معك لعلّه يدعو لي فأخبر جبرئيل محمّدا بحال فطرس فقال:تمسّح بمهد الحسين عليه السّلام فأعاد اللّه عليه جناحه ثمّ ارتفع مع جبرئيل عليه السّلام إلى السماء (2).0.

ص: 154


1- -دلائل الإمامة:186 ح 9،و الثاقب في المناقب:343.
2- -أمالي الصدوق:200،و دلائل الإمامة:190.
هرب الحمى و كلامه مع الحسين عليه السّلام

و في كتاب المناقب:عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال:سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين عليه السّلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له:الحمى تهرب منكم.

فقال له الحسين عليه السّلام:و اللّه ما خلق شيئا إلاّ و قد أمره بالطّاعة لنا.

قال:فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول:لبّيك قال:أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا،و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟ (1)

و في التهذيب مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده على ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف،و أرسل إلى الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلى الفقهاء فقالوا:اقطع يده فأرسل إلى الحسين عليه السّلام فدعى اللّه تعالى و خلّص يده من يدها فقال الأمير:ألا نعاقبه بما صنع؟

قال:لا (2).

و في الخرائج:إنّ قوما أتوا إلى الحسين عليه السّلام فقالوا:حدّثنا بفضائلكم قال:لا تطيقون و انحازوا عنّي لأشير إلى بعضكم فإن أطاق سأحدّثكم فتباعدوا عنه،فكان يتكلّم مع أحدهم حتّى دهش و وله و جعل يهيم و لا يجيب أحدا و انصرفوا عنه (3).

[عن]صفوان بن مهران قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السّلام في امرأة و ولدها فقال:هذا لي و قال:هذا لي فأمر بهما الحسين عليه السّلام فقال

ص: 155


1- -المناقب:210/3،و بحار الأنوار:183/44 ح 8.
2- -التهذيب:470/5،و الحدائق الناظرة:347/17.
3- -المناقب:2103/،و بحار الأنوار:184/44.

أحدهما:إنّ الامرأة لي،و قال الآخر:إن الولد لي،فقال للمدّعي الأوّل:اقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين:يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك فقالت:هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا،فقال عليه السّلام:يا غلام ما تقول هذه؟انطق بإذن اللّه تعالى،فقال له:ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلاّ راعي لآل فلان،فأمر عليه السّلام برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها (1).

و عن الأصبغ بن نباتة قال:سألت الحسين عليه السّلام سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه فقال:يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟

قال:هذا الذي أردت،قال:قم،فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال:يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.

فقلت:صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي:ادخل،فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السّلام قابض على تلابيب الأعسر-يعني أبا بكر-فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يعضّ على الأنامل و هو يقول:بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي (2).

و عن ابن الزبير قال:قلت للحسين عليه السّلام:إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال:لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة (3).

و في كتاب التخريج عن ابن عبّاس قال:رأيت الحسين عليه السّلام قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة و كفّ جبرئيل في كفّه و جبرئيل ينادي هلمّوا إلى بيعة اللّه عزّ و جلّ.

و عنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السّلام فقال:إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.2.

ص: 156


1- -العوالم:49 ح 3،و كلمات الإمام الحسين:634.
2- -بحار الأنوار:184/44 ح 11،و مستدرك سفينة البحار:167/6.
3- -مدينة المعاجز:503/3 ح 70،و بحار الأنوار:185/44 ح 12.

و قال محمّد بن الحنفيّة:و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم (1).

و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال:سمعت الحسين عليه السّلام يقول:و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني اميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقلت له:أنبأك بهذا رسول اللّه؟

فقال:لا،فأتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فأخبرته فقال:علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته.

و عن طاووس اليماني:إنّ الحسين عليه السّلام كان إذا جلس في مكان مظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه و نحره،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان كثيرا ما يقبّلهما.

و روى العيّاشي قال:مرّ الحسين عليه السّلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا، فقالوا:هلمّ يابن رسول اللّه فثنى و ركه و أكل معهم ثمّ تلى:إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين،ثمّ قال:أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّى أتوا منزله فقال للجارية:اخرجي ما كنت تدّخرين.

و في كتاب أنس المجالس:أنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السّلام لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال عليه السّلام:خير مالك ما وقيت به عرضك، و قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في عبّاس بن مرداس:اقطعوا لسانه عنّي.

وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ على الحسين عليه السّلام فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:

لا يخب الآن من رجاك *** و من حرّك من بابك الحلقة

أنت جواد و أنت معتمد *** أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من أوايلكم *** كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسين عليه السّلام و قال:يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

قال:أربعة آلاف دينار قال:هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا،ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعر:

خذها و إنّي إليك معتذر *** و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة1.

ص: 157


1- -مدينة المعاجز:503/3 ح 71.

لو كان في سيرنا الغداة عصا *** أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غبرة *** و الكفّ منّي قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي و بكى فقال له:لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال:لا،ولكن كيف يأكل التراب جودك.

أقول:العصا كناية عن الملك و بسط العيد فإنّ الوالي راع على الامّة،و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم.

و عن شعيب الخزاعي قال:[كان]على ظهر الحسين عليه السّلام يوم الطفّ أثر،فسألوا زين العابدين عليه السّلام فقال:هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و الأيتام و المساكين (1).

و قيل:إنّ عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين عليه السّلام الحمد،فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا،فقيل له في ذلك،فقال:و أين يقع هذا من تعليمه، و أنشد عليه السّلام شعر:

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها *** على الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت *** و لا البخل يبقيها إذا ما تولت (2)

و حدّث الصولي عن الصادق عليه السّلام إنّه جرى بين الحسين عليه السّلام و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلى الحسين عليه السّلام:أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و امّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان ملأ الأرض ذهبا ملك امّي ما وفت بامّك،فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته،ففعل الحسين عليه السّلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء (3).

و في عيون المحاسن:أنّه عليه السّلام ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثمّ قال:

اذهب عنّي فاستخفيت عنه،فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول شعر:3.

ص: 158


1- -بحار الأنوار:191/44،و مستدرك سفينة البحار:305/2.
2- -المناقب:222/3،و بحار الأنوار:191/44.
3- -المناقب:222/3،و بحار الأنوار:191/44 ح 3.

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه *** فارحم عبيدا أنت ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي *** طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما ارقا *** يشكو إلى ذي الجلال بلواه

و ما به علّة و لا سقم *** أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه و غصّته *** أجابه اللّه ثمّ لبّاه

فنودي شعر:

لبّيك لبّيك أنت في كنفي *** و كلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي *** فحسبك الصوت قد سمعناه (1)

دعاك منّي يحول في حجب *** فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح من جوانبه *** خرّ صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة و لا رهب *** و لا حساب إنّي أنا اللّه

و روي عن الحسين عليه السّلام إنّه قال:صحّ عندي قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه،فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال:يابن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ اريد افارقه فأتى الحسين عليه السّلام إلى صاحبه بمأتي دينار ثمنا له.

فقال اليهودي:الغلام فداء لخطاك،و هذا البستان له ورددت عليك المال قال:قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين عليه السّلام:أعتقت الغلام و وهبته له جميعا،فقالت امرأته:قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي:و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار (2).

و روي أنّ عبد اللّه بن الزبير و أصحابه دعوا الحسين عليه السّلام فأكلوا و لم يأكل فقيل له:ألا تأكل؟

قال:إنّي صائم ولكن تحفة الصائم الدهن و المجمر.

و قال يوما لأخيه الحسن عليه السّلام:يا حسن وددت أنّ لسانك لي و قلبي لك.5.

ص: 159


1- -المناقب:224/3،و بحار الأنوار:193/44.
2- -بحار الأنوار:194/44،و العوالم:65.

و كتب إليه الحسن يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه:أنت أعلم منّي بأنّ خير المال ما وقى العرض (1).

حديث الأعرابي

و روى أخطب خوارزم:أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين عليه السّلام فقال:يابن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه فقلت:أسأل أكرم الناس،و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه،فقال الحسين عليه السّلام:يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الاثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ،فقال الأعرابي:يابن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.

فقال الحسين عليه السّلام:بلى،سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:المعروف بقدر المعرفة.

فقال الأعرابي:سل عمّا بدا لك فإن أجبت و إلاّ تعلّمت منك و لا قوّة إلاّ باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:أي الأعمال أفضل؟

فقال الأعرابي:الإيمان باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما النجاة من المهلكة؟

فقال الأعرابي:الثقة باللّه،فقال الحسين عليه السّلام:فما يزيّن الرّجل؟

فقال الأعرابي:علم معه حلم.

فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:مال معه مروة فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال:فقر معه صبر فقال:فإن أخطأه ذلك؟

فقال الأعرابي:فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك.فضحك الحسين عليه السّلام و رمى إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم، و قال:يا أعرابي اعط الذهب لغرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك،فأخذ الأعرابي و قال:اللّه

ص: 160


1- -بحار الأنوار:195/44 ح 8،و كشف الغمة:241/2.

أعلم حيث يجعل رسالته (1).

و في كتاب الكنز أنّه قال رجل للحسين عليه السّلام:إنّ فيك كبرا فقال:كلّ الكبر للّه وحده و لا يكون في غيره،قال اللّه تعالى: وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)(3).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:لم يرضع الحسين عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام و لا من انثى كان يؤتي به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث،فنبت لحم الحسين عليه السّلام من لحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و دمه و لم يولد لستّة أشهر إلاّ عيسى ابن مريم و الحسين بن عليّ عليهم السّلام (4).

و في رواية اخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يؤتى به الحسين عليه السّلام فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزي به و لم يرضع من أنثى (5).4.

ص: 161


1- -بحار الأنوار:196/44،و العوالم:59.
2- -سورة المنافقون:8.
3- -بحار الأنوار:198/44 ح 13،و العوالم:65.
4- -الكافي:465/1 ح 4،و بحار الأنوار:198/44.
5- -الكافي:465/1 ح 4،و بحار الأنوار:198/44 ح 14.
مولد الحسين عليه السلام و مدّة عمره

و في كتاب المناقب:ولد الحسين عليه السّلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.

و روي أنّه لم يكن بينهما إلاّ الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهر و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل:ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر،و يقال:

ثماني و خمسون.

و مدّة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد،قتله عمر بن سعد بن أبي وقّاص و خولي بن يزيد الأصبحي،و احتزّ رأسه سنان بن أنس النخعي و شمر بن ذي الجوشن و سلب جميع ما كان عليه إسحاق الحضرمي و مضى قتيلا يوم عاشوراء و هو يوم السبت قبل الزوال،و يقال:يوم الجمعة بعد صلاة الظهر و قيل يوم الاثنين سنة ستّين من الهجرة و يقال سنة إحدى و ستّين (1).

قال الشيخ المفيد رحمه اللّه:فأمّا أصحاب الحسين عليه السّلام فإنّهم مدفونون حوله و لسنا نحصل لهم أجداثا و الحائر محيط بهم (2).

و ذكر المرتضى رحمه اللّه في بعض مسائله:إنّ رأس الحسين عليه السّلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام و ضمّ إليه (3).

و قال الطوسي:و منه زيارة الأربعين (4).

و روى الكليني في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام أنّه

ص: 162


1- -مسند الإمام الرضا:150/1،و ترجمة الإمام الحسين:34.
2- -العوالم:327،و إعلام الورى:477/1.
3- -المناقب:231/3،و بحار الأنوار:199/44.
4- -بحار الأنوار:199/44.

مدفون بجنب أمير المؤمنين عليه السّلام،و الاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السّلام إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين (1).

و قال أبو الفرج في كتاب المقاتل:قتل يوم الجمعة سنة إحدى و ستّين و له ستّ و خمسون سنة و شهور (2).

و قيل:قتل يوم السبت و الأوّل أصحّ.

فأمّا ما يقوله العامّة أنّه قتل يوم الاثنين فباطل و هو شيء قالوه بلا رواية و كان أوّل المحرّم الذي قتل فيه يوم الأربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات،و إذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرّم يوم الاثنين و هذا دليل واضح تنضاف إليه الرواية.

و في كتاب كشف اليقين عن الصادق عليه السّلام قال:مضى الحسين عليه السّلام و هو ابن سبع و خمسين سنة في عام الستّين من الهجرة و كان مقامه مع جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سبع سنين إلاّ ما كان بينه و بين أخيه و هو سبعة أشهر و عشرة أيّام و أقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة و أقام مع أبي محمّد عشر سنين و بعده عشر سنين فكان عمره سبعا و خمسين سنة و قبض يوم عاشوراء يوم الجمعة و يقال يوم الاثنين (3).

أقول:قال في بحار الأنوار:الأشهر في ولادته عليه السّلام إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل:ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا.

و قال في التهذيب:ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا (4).

و عن الصادق عليه السّلام قال:خضب الحسين عليه السّلام بالحناء و الكتم و قتل و هو مختضب بالوسمة.

و في محاسن البرقي:أنّه قال عمرو بن العاص للحسين عليه السّلام:ما بال أولادنا أكثر من1.

ص: 163


1- -بحار الأنوار:199/44،و العوالم:327.
2- -بحار الأنوار:195/95.
3- -كشف الغمة:402/2،و دلائل الإمامة:177.
4- -بحار الأنوار:200/44 ح 18،و إعلام الورى:420/1.

أولادكم؟

فقال عليه السّلام شعر:

بغات الطير أكثرها فراخا *** و امّ الصقر مقلاة نزور

فقال:ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم؟

فقال عليه السّلام:إنّ نساءكم نساء بخره فإذا دنى أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه.

فقال:ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا؟

فقال عليه السّلام: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً ،فقال معاوية:بحقّي عليك إلاّ عليك إلاّ تسكت فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب،فقال عليه السّلام شعر:

إن عادت العقرب عدنا لها *** و كانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب و استيقنت *** ليس لها دنيا و لا آخرة (1)

أقول:بغات الطير شرارها و المقلاة من القلى بمعنى البغض أي لا تحبّ الأولاد أو لا تحبّ الزوج لكثرة الأولاد و النزور المرأة القليلة الأولاد.و قوله:نهكته قيل لعلّها كانت بتقديم (الكاف)أي شمّته.

و في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ مع الحسن وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ (2)إلى خروج القائم عليه السّلام فإنّ معه النصر و الظفر،قال اللّه: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى (3)(4).1.

ص: 164


1- -بحار الأنوار:209/44،و العوالم:85.
2- -سورة النساء:77.
3- -سورة النساء:77.
4- -تفسير العياشي:235/2 ح 48،و العوالم:96 ح 1.
سورة الفجر للحسين عليه السلام

و في كنز الفوائد مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:اقرؤا سورة الفجر في نوافلكم و فرايضكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ لقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إنّما يعني الحسين بن علي فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية و أصحابه من آل محمّد هم الراضون عن اللّه يوم القيامة و هو عنهم راض،و هذه السورة في الحسين بن عليّ و شيعته،من أدمن قراءة و الفجر كان مع الحسين بن عليّ في درجته في الجنّة إنّ اللّه عزيز حكيم (1).

و في الكافي عن مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال:حسب فرأى ما يحلّ بالحسين عليه السّلام فقال:إنّي سقيم لما يحلّ به (2).

و في الأمالي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السّلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره (3).

ص: 165


1- -بحار الأنوار:93/24،و شجرة طوبى:366/2.
2- -الكافي:465/1 ح 5،و بحار الأنوار:220/44 ح 12.
3- -الأمالي:317،و بحار الأنوار:221/44،و إعلام الورى:431/1.
تأويل كهيعص

في الاحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال:سألت القائم عليه السّلام عن تأويل كهيعص فقال:

هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فعلّمه إيّاها،فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن تجلى عنه همّه،و إذا ذكر الحسين خنقته العبرة فقال يوما:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة تسلّيت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني؟فأنبأه اللّه تعالى عن قصّته.

فقال:(كهيعص)ف(الكاف)اسم كربلاء و(الهاء)هلاك العترة و(الياء)يزيد و هو ظالم الحسين،و(العين)عطشه و(الصاد)صبره.

فلمّا سمع زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيهنّ الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كان يرثيه:إلهي أتفجّع خيرة جميع خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه،إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة بساحتهما،ثمّ كان يقول:

إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده فرزقه اللّه يحيى و فجعه به،و كان حمل يحيى ستّة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك،الحديث (1).

و في الأمالي عن كعب الأخبار قال في كتابنا يعني التوراة:إنّ رجلا من ولد محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقتل و لا يحف عرق دواب أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين فمرّ بنا الحسين عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:لا،فمرّ بنا الحسن عليه السّلام فقلنا:هو هذا؟

قال:نعم.

ص: 166


1- -الإحتجاج:273/2،و دلائل الإمامة:514.

و فيه أيضا عن أشياخ بني سليم قالوا:غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا شعرا:

أيرجو معشر قتلوا حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟

قالوا:قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمائة عام.

و عن الأعمش قال:بينا أنا في الطواف إذا رجل يقول:اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر فسألته عن السبب فقال:كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا أوّل مرحلة رحلنا من كربلاء على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذا كفّ على حائط الدير مكتوب عليه بقلم حديد سطرا بدم:

أترجو امّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغاب (1).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في بيت امّ سلمة(رض)فقال لها:لا يدخل عليّ أحد فجاء الحسين عليه السّلام و هو طفل فما ملكت منه شيئا حتّى دخل على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فدخلت امّ سلمة(رض)على اثره فإذا الحسين على صدره و إذا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يبكي و إذا في يده شيء يقلّبه،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا امّ سلمة إنّ هذا جبرئيل يخبرني أنّ هذا مقتول و هذه التربة التي يقتل عليها فضعيها عندك،فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي فقالت امّ سلمة:يا رسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه.

قال:قد فعلت،فأوحى إليّ أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين و أنّ له شيعة يشفعون فيشفعون و أنّ المهدي من ولده،فطوبى لمن كان من أولياء الحسين عليه السّلام و شيعته هم و اللّه الفائزون يوم القيامة (2).

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام قال:لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و إنّه لم5.

ص: 167


1- -الأمالي:193،و الخرائج و الجرائح:578/2.
2- -أمالي الصدوق:203 ح 3،و بحار الأنوار:225/44 ح 5.

يؤمر بذبح الكبش مكانه ليوجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب،فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه:يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟

فقال:يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد،فأوحى اللّه إليه أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال:بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال:فولده أحبّ إليك أم ولدك؟

قال:بل ولده،قال:فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

قال:يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي،قال:يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من امّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي،فجزع إبراهيم لذلك و توجّه قلبه و أقبل يبكي،فأوحى اللّه عزّ و جلّ:يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (1)(2).

أقول:هذا الحديث يدفع الإشكال الوارد على ظاهر الآية و هو أنّ الفداء يكون أقلّ رتبة و أحطّ درجة من المفدى و لا ريب في أفضلية الحسين عليه السّلام على أولي العزم فضلا عن غيرهم، و احتاجوا إلى الجواب بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته من ذرّية إسماعيل فلو ذبح عليه السّلام لم توجد هذه السلسلة العلية و الكلّ أشرف من الجزء فيكون الحسين عليه السّلام قد وقع فداء للجميع،و أمّا على هذا الحديث فالمعنى أنّ الفداء في الآية بمعنى العوض أي عوّضناه عن مصابه بابنه ما هو أعظم من ذلك المصاب و هو مصابه ممّن هو أعزّ عليه من ولده،فليس في الآية إلاّ حذف المضاف أو أنّ(الباء)للسببيّة.

و روى الصدوق طاب ثراه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ إسماعيل الذي قال اللّه في9.

ص: 168


1- -سورة الصافات:107.
2- -عيون أخبار الرضا:187/2،و الخصال:59.

كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (1)لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيّا من الأنبياء بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى قومه،فأخذوه و سلخوا فروة وجهه و رأسه فأتاه ملك فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت،فقال لي:اسوة بما يصنع بالحسين عليه السّلام (2).

أقول:جاء في الحديث إنّ هذا النبيّ عليه السّلام يظهره اللّه تعالى زمن خروج صاحب الأمر عليه السّلام ليقتصّ من قاتليه.

و في كتاب الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:بينا الحسين عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا أتاه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد أتحبّه؟

قال:نعم،قال:أما إنّ امّتك ستقتله،فحزن لذلك حزنا شديدا فقال جبرئيل عليه السّلام:

أيسرّك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟

قال:نعم،قال:فخسف جبرئيل عليه السّلام ما بين مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى كربلاء حتّى التقت القطعتان هكذا،و جمع بين السبابتين فتناول بجناحه من التربة فناولها الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ دحيت الأرض أسرع من طرف العين،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل فيك (3).

و عن أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لمّا أراد اللّه سبحانه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج،فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل عليه السّلام و أراه هيئة السفينة و معه تابوت بها مائة ألف مسمار و تسع و عشرون ألف مسمار فسمّر السفينة بالمسامير كلّها إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأضاء كالكوكب الدرّي فتحيّر نوح فأنطق اللّه المسمار فقال:أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد اللّه فقال له جبرئيل:اسمره على جانب السفينة الأيمن ثمّ ضرب يده على مسمار ثان فأضاء و أنار فقال نوح:ما هذا المسمار؟4.

ص: 169


1- -سورة مريم:54.
2- -بحار الأنوار:388/13،و العوالم:108.
3- -أمالي الطوسي:314،و بحار الأنوار:228/44.

فقال:هذا مسمار أخيه عليّ بن أبي طالب،فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها ثمّ ضرب يده إلى مسمار ثالث فأشرق،فقال:هذا مسمار فاطمة فأسمره على جانب مسمار أبيها ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار،فقال:هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ثمّ ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة،فقال جبرئيل:

هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه؟

فقال نوح:يا جبرئيل ما هذه النداوة؟

فقال:هذا الدم فذكر قصّة الحسين عليه السّلام و ما تعمل الامّة فلعن قاتله و ظالمه و خاذله (1).

و روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا حملت فاطمة بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال:إن فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك،فلمّا حملت فاطمة عليها السّلام بالحسين كرهت حمله و حين وضعته كرهت وضعه،ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هل رأيتم[في الدنيا]امّا تلد غلاما فتكرهه ولكنّها كرهته لأنّها علمت أنّه سيقتل قال:و فيه نزلت هذه الآية: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (2)(3).

و في الأمالي بإسناده إلى عليّ عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه،فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء،ثمّ رفع رأسه فما اجتريء منّا أهل البيت أحد يسأله عن شيء،فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله،فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى فقال:يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟6.

ص: 170


1- -بحار الأنوار:328/11،و العوالم:105.
2- -سورة الأحقاف:15.
3- -كمال الزيارات:122 ح 4،و بحار الأنوار:231/44 ح 16.

قال:طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي و صلتي أتعاهدهم في الموقف و يأخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (1).

و عن عبد الرحمن الغنوي عن سلمان قال:و هل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزّيه في ولده الحسين و يحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا فقال رسول اللّه:اللّهمّ اخذل من خذله و اقتل من قتله و لا تمتّعه بما طلب.

قال عبد الرحمن:فو اللّه لقد عوجل الملعون يزيد و لم يتمتّع بعد قتله و لقد بات سكرانا و أصبح ميّتا متغيّرا كأنّه مطلي بقار،و ما بقي أحد ممّن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص و صار ذلك وراثة في نسلهم (2).

و عن ابن عبّاس قال:إنّ جبرئيل عليه السّلام جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخبره بقتل الحسين و هو منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته و هو يفوح كالمسك.

و في كتاب بشائر المصطفى عن امّ سلمة أنّها قالت:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلا ثمّ جاءنا و هو أشعث أغبر،ثمّ جاءنا و يده مضمومة فقلت:يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا؟

فقال:اسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء فأريت فيه مصرع الحسين ابني و جماعة من ولدي و أهل بيتي،فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي و بسطها إليّ فقال:خذيه فاحفظي به فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر،فوضعته في قارورة و شددت رأسها و احتفظت به،فلمّا خرج الحسين عليه السّلام من مكة متوجّها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كلّ يوم و ليلة و أشمّها و أنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه،فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم أخرجتها في أوّل النهار و هي بحالها ثمّ عدت عليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتي و بكيت و كظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرّعوا بالشماتة،فلم أزل حافظة الوقت حتّى جاء الناعي ينعاه فحقّق ما رأيت (3).1.

ص: 171


1- -بحار الأنوار:235/44 ح 21،و كامل الزيارات:126.
2- -كامل الزيارات:132 ح 8،و بحار الأنوار:237/44.
3- -الإرشاد:130/2،و بحار الأنوار:239/44 ح 31.

و في بحار الأنوار:روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يوما مع جماعة من أصحابه مارّا في بعض الطرق و إذا هم بصبيان يلعبون فجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عند صبيّ منهم و جعل يقبّل ما بين عينيه و يلاطفه،ثمّ أقعده في حجره فسأل عن ذلك فقال:إنّي رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت قدميه و يمسح وجهه و عينيه فأنا أحبّه لحبّه ولدي، و أخبرني جبرئيل أنّه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء.

و روي أنّ آدم عليه السّلام لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلاء فاغتمّ و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتّى سال الدم من رجله،فقال:إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به،فأوحى إليه:يا آدم يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه و هو سبط النبيّ و قاتله يزيد فقال:

أيّ شيء أصنع؟

قال:العنه أربع مرّات،فلعنه و مشى إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك.

و أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدّنيا،فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فقال:إلهي أصابني فزع في هذه الأرض فقال جبرئيل عليه السّلام:يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء قاتله لعين أهل السماوات فلعنه نوح أربع مرّات،و سارت السفينة حتّى استقرّت على الجودي.

و أنّ إبراهيم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شجّ رأسه و سال دمه فأخذ في الاستغفار،فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فقال:يا إبراهيم ما حدث منك ذنب،ولكن هنا يقتل سبط الأنبياء فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن فلعن إبراهيم عليه السّلام يزيد لعنا كثيرا و قال فرسه:آمين.فقال إبراهيم لفرسه:أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟

فقال:يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ،فلمّا عثرت و سقطت عن ظهري خجلت، و كان سبب ذلك يزيد لعنه اللّه (1).9.

ص: 172


1- -بحار الأنوار:244/44 ح 39.

و إنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما،فسأل ربّه عن ذلك،فقال جبرئيل عليه السّلام:سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك،فقال لها:لم لا تشربين من هذا الماء؟

فقالت بلسان فصيح:قد بلغنا أنّ ولدك الحسين يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسألها عن قاتله فقالت:يقتله لعين أهل السماوات و الأرض فلعنه إسماعيل.

و أنّ موسى عليه السّلام كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون،فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجله و سال دمه فقال:إلهي أيّ شيء حدث منّي؟

فأوحى اللّه إليه أنّ هنا يقتل الحسين فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطير في الهواء،فلعن موسى يزيد و أمّن يوشع على دعائه (1).

و أنّ سليمان عليه السّلام كان يجلس على بساطه و يسير في الهوى فمرّ بأرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاثة دورات حتّى خافوا السقوط،فسكنت الريح و نزل البساط،فقال سليمان للريح:لم سكنتي؟

فقالت:إنّ هنا يقتل الحسين عليه السّلام و هو سبط محمّد المختار و قاتله يزيد،فلعنه سليمان و أمّن على دعائه الإنس و الجنّ فهبّت الريح و سار البساط (2).

و أنّ عيسى عليه السّلام كان سائحا في البراري و معه الحواريّون فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا قد أخذ الطريق،فقال عيسى للأسد:لم جلست في هذا الطريق لا تدعنا نمرّ فيه؟

فقال بلسان فصيح:إنّي لم أدعكم تمرّوا حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسين سبط محمّد و قاتله لعين الوحوش و الذئاب و السباع خصوصا أيّام عاشوراء،فلعنه و أمّن الحواريّون فتنحّى الأسد عن الطريق (3).3.

ص: 173


1- -بحار الأنوار:244/44 ح 38.
2- -بحار الأنوار:244/44 ح 42.
3- -بحار الأنوار:244/44 ح 43.
تفسير (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)

و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ (1)إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرئيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرئيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي قال:

هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:و اعطشاه وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى (2).

و روي عن بعض الثقاة:أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام دخلا يوم العيد إلى جدّهما صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالا:يا جدّاه اليوم يوم العيد و قد تزيّن أولاد العرب بألوان اللباس و ليس لنا ثوب جديد فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يكن عنده ثياب لهما فقال:إلهي اجبر قلبهما و قلب امّهما فأتى جبرئيل عليه السّلام معه حلّتان بيضاوان من حلل الجنّة ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا سيّديّ شباب أهل الجنّة خذا أثوابا خاطها خيّاط القدرة،فلمّا رأيا الخلع بيضاء قالا:يا جدّاه جميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب،فأطرق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم متفكّرا فقال جبرائيل:إنّ اللّه يفرح قلوبهما بأيّ لون شاء فأمر يا محمّد بإحضار الطشت و الإبريق و قال:يا رسول اللّه أنا أصبّ الماء و أنت تفركهما بيدك فوضع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حلّة الحسن في الطشت،و قال للحسن:بأيّ لون تريد حلّتك؟

فقال:أريدها خضراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاخضرّت كالزبرجد الأخضر فلبسها ثمّ

ص: 174


1- -سورة البقرة:37.
2- -بحار الأنوار:245/44 ح 44.

وضع حلّة الحسين عليه السّلام في الطشت و كان له من العمر[خمس سنين] (1)فقال له:أيّ لون تريد حلتك؟

فقال الحسين عليه السّلام:يا جدّاه أريدها حمراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين عليه السّلام ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بذلك و توجّها إلى أمّهما فرحين،فبكى جبرئيل عليه السّلام لمّا شاهد تلك الحال،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخي في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي فباللّه عليك إلاّ ما أخبرتني،فقال:اعلم يا رسول اللّه أنّ اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ و يخضرّ لون جسده من عظم السمّ و لا بدّ للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضب بدنه من دمه،فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و زاد حزنه لذلك (2).

و روي أنّه لمّا أتى الحسين عليه السّلام سنتان خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى سفر فوقف في الطريق و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال:هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين و كأنّي أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها و كأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدى رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه،فرجع من سفره مغموما مهموما فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين،فلمّا فرغ من خطبه وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين و قال:اللّهمّ هذان أطايب عترتي و قد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسمّ و الآخر شهيد مضرّج بالدّم،اللّهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء فضجّ الناس بالبكاء و العويل فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الناس تبكونه و لا تنصرونه اللّهم فكن أنت له وليّا و ناصرا ألا انّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامّة؛الاولى:راية سوداء مظلمة و فرغت منها الملائكة فتقف عليّ فأقول لهم من أنتم؟

فينسون ذكري و يقولون:نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم:أنا أحمد نبيّ العرب و العجم،فيقولون:نحن من امّتك فأقول:كيف خلّفتموني من بعدي في أهل بيتي و كتاب1.

ص: 175


1- -زيادة عن مدينة المعاجز(521/3)و مصورة المخطوط لا تقرأ.
2- -بحار الأنوار:244/44 ح 41.

ربّي؟

فيقولون:أمّا الكتاب فضيّعناه و أمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض، فأعرض عنهم فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية اخرى أشدّ سوادا من الأولى فأقول لهم:كيف خلفتموني في كتاب اللّه و عترتي؟فيقولون:أمّا الأكبر فخالفناه و الآخر فمزقّنا كلّ ممزّق،فأقول:إليكم عنّي فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم:من أنتم؟فيقولون:نحن أهل التوحيد و نحن بقيّة أهل الحقّ حملنا كتاب ربّنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أجبنا ذرّية نبيّنا و نصرناهم و قاتلنا معهم،فأقول لهم:ابشروا فأنا نبيّكم محمّد ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين (1).

و في الأمالي عن ابن عبّاس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال:يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين،فقال له:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي،فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول:أواه أواه مالي و آل أبو سفيان حزب الشيطان،صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد،فلمّا انتبه قال:يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الأرض.

ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول،فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون:يا أبا الحسن ابشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و انّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء،يابن عبّاس اطلب في حولها بعر8.

ص: 176


1- -بحار الأنوار:249/44،و العوالم:118.

الظباء و هي مصفرّة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال:هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى،و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى هاهنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا؛يا روح اللّه ما يبكيك؟

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة أمّي و هذه الظبا تكلّمني و تقول:إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال:هذه بعر الظبا على هذا الطيب لمكان حشيشها،اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء و سلوة،قال:فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء،ثمّ قال:يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشى عليه،ثمّ أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال:يابن عبّاس رأيتها ينفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط، فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.

قال ابن عبّاس:فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت:قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط،فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:

اصبروا آل الرسول *** قتل الفرخ الفحول

نزل الروح الأمين *** ببكاء و عويل

فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قبل ذلك اليوم، فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السّلام (1).

و في بشائر المصطفى:روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يخطب فقال:سلوني قبل أن4.

ص: 177


1- -أمالي الصدوق:695،و بحار الأنوار:253/44.

تفقدوني،فو اللّه لا تسألوني عن شيء مضى و لا عن شيء يكون إلاّ نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقّاص فقال:اخبرني كم في رأسي و لحيتي من شعرة فقال:أما و اللّه لقد سألتني عن مسألة حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّك تسألني عنها و ما في رأسك و لحيتك من شعرة إلاّ و في أصلها شيطان جالس يلعنك،و إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول اللّه و آية ذلك مصداق ما خبّرتك به،و لولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أخبرتك به من لعنتك و سخلك الملعون،و كان ابنه عمر بن سعد في ذلك الوقت صبيّا يحبو،فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان تولّى قتله (1).6.

ص: 178


1- -أمالي الصدوق:196 ح 1،و بحار الأنوار:147/42 ح 6.
ثواب زيارة الحسين عليه السلام

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال؛مرّ عليّ عليه السّلام بكربلاء في اثنين من أصحابه فترقرقت عيناه بالبكاء ثمّ قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هاهنا تهراق دماءهم طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبّة (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبيّ عليه السّلام يلاعبه و يضاحكه فقالت عايشة:ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي،فقال لها:ويلك هو ثمرة فؤادي أمّا أنّ امّتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي قالت:يا رسول اللّه حجّة من حججك؟

قال:و حجّتين من حججي،قالت:حجّتين من حججك؟

قال:نعم و أربعة،فلم تزل تزايده و يزيد و يضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول اللّه باعمارها (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا دخل الحسين عليه السّلام يقبّله و يبكي فيقول:يا أبه لم تبكي؟فيقول:يا بنيّ أقبّل موضع السيوف منك و أبكي قال:يا أبه و اقتل؟

قال:اي و اللّه و أبوك و أخوك و أنت،قال:يا أبه فقبورنا شتّى؟

قال:نعم يا بني،قال:فمن يزورنا من امّتك؟

قال:لا يزورنا إلاّ الصدّيقون من أمّتي (3).

و في كتاب البشائر عن عبد اللّه العامري قال:كنت مع أصحاب عليّ عليه السّلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون:هذا قاتل الحسين و ذلك قبل أن يقتل بزمان طويل.

ص: 179


1- -بحار الأنوار:295/41،و العوالم:125 ح 12.
2- -كامل الزيارات:144 ح 1،و بحار الأنوار:260/44 ح 12.
3- -بحار الأنوار:119/97.

و قال عمر بن سعد يوما للحسين عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه ان قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أنّي أقتلك،قال الحسين عليه السّلام:إنّهم ليسوا سفهاء ولكنّهم حلماء،أما انّه يقرّ عيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا (1).

و في المناقب عن ابن عبّاس قال:سألت هند عائشة أن تسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن تعبير رؤيا،فقال:قولي لها تقصص رؤياها،قالت:رأيت كأنّ الشمس طلعت من فوقي و القمر قد خرج من مخرجي و كأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّ الأفق لابتلاعها،ثمّ رأيت كواكب بدت من السماء و كواكبا مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بافق الأرض من كلّ مكان فاكتحلت عين رسول اللّه بدموعه ثمّ قال:اخرجي يا عدوّة اللّه مرّتين فقد جدّدت عليّ أحزاني و نعيت إلي أحبابي، فلمّا خرجت قال:اللّهم العنها و العن نسلها.

فسأل عن تفسيرها،فقال عليه السّلام:أمّا الشمس التي طلعت عليها فعليّ بن أبي طالب و الكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق،و تلك الظلمة التي زعمت و رأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصفر من الشمس فابتلعتها فاسودّت،فذلك ابني الحسين يقتله ابن معاوية فتسودّ الشمس و يظلم الافق،و أمّا الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة (2).1.

ص: 180


1- -المناقب:265/2،و بحار الأنوار:263/44 ح 20.
2- -المناقب:227/3،و بحار الأنوار:263/44 ح 21.

الفصل الثاني: في عظم المصيبة و ثواب البكاء عليها

و في ثواب اللّعن على قاتله و فيما صار إليه أمره بعد بيعة الناس ليزيد إلى

شهادته صلوات اللّه عليه.

في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن عليهم السّلام؟

قال:إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام،و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة،فلمّا مضى منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلمّا مضى أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة،فلمّا مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاءه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قلت:فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في أولا؟

قال:بلى إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه ولكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه،و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في أحوال تتوالى فكانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قول رسول اللّه فيه،فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد

ص: 181

جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السّلام لأنّه مضى في آخرهم،و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

فقلت:يابن رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام و قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال،فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك،حكم اللّه بيننا و بينهم،ثمّ قال:و إنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام في اخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه (1).

و في عيون الأخبار عن الرضا عليه السّلام:أنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و أنّه ألقى شبهه على حنظلة بن سعد الشامي و أنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم و يحتجّون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فقال:كذبوا و كفروا عليهم لعنة اللّه.لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين عليه السّلام و ما منا إلا مقتول و إني و الله لمقتول و أما قول الله عزّ و جل وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فإنّه يقول:و لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة،و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن كفّار قتلوا الأنبياء بغير حقّ و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجّة (2).4.

ص: 182


1- -علل الشرائع:227/1،و بحار الأنوار:270/44.
2- -عيون الأخبار:220/1،و بحار الأنوار:271/44.
عليه تسلّط الأعداء على الأولياء

و في كتاب العلل و غيره عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس اللّه روحه:إنّ رجلا سأله كيف سلّط اللّه عدوّه و هو قاتل الحسين عليه السّلام على وليّه أعني الحسين عليه السّلام؟

فقال الشيخ:إنّ اللّه لا يخاطب الناس بمشاهدة العيون و لا يشافههم بالكلام،ولكنّه بعث إليهم رسلا من أجناسهم فطلبوا منهم المعجزات التي لا يقدر الناس عليها،فاختصّ اللّه سبحانه كلّ نبيّ بالمعجزة المناسبة لزمانه.فلمّا أتوا بتلك المعجزات كان من تقدير اللّه تعالى أن جعل أنبيائه في حال غالبين و في حال مغلوبين و في حال قاهرين و في حال مقهورين و لو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم،و لم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون اللّه و لما عرفت فضل صبرهم على البلاء و المحن ولكنّه عزّ و جلّ جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين،و في حال العافية أو الظهور على الأعداء شاكرين و ليكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير متكبّرين،و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلها هو خالقهم و مدبّرهم فيعبدونه و يطيعوا رسله و تكون حجّة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم و ادّعى لهم الربوبيّة أو عاند بما أتت به الأنبياء و الرّسل و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة (1).

و ذكر الحسين بن روح أنّه سمع هذا من الحجّة عليه السّلام لأنّه كان من الوكلاء و الأبواب.

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلي من غير ذنب و أنّ الأنبياء معصومون لا يذنبون و أنّ أيّوب عليه السّلام مع ما أبتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة و لا قيح و لا دم و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شيء من جسده، و كذا يصنع اللّه بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنّما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما عند ربّه من التأييد و الفرج.

ص: 183


1- -كتاب علل الشرائع:242/1،و بحار الأنوار:274/44.

و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أعظم الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل،و إنّما ابتلاه اللّه بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلاّ يدّعو له الربوبيّة إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى ليستدلّوا بذلك على أنّ الثواب من اللّه تعالى على ضربين:استحقاق و اختصاص،و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه و ليعلموا أنّه يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متى شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و هو عزّ و جلّ عدل في جميع قضائه لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم (1).

و في كتاب معاني الأخبار عن ابن رئاب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (2)ما أصاب عليّا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصومون؟

فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يتوب إلى اللّه عزّ و جلّ و يستغفره في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب.

أقول:معناه أنّ الاستغفار كما يكون عن ذنب أيضا بل يكون لرفع الدرجات و كذلك المصائب (3).5.

ص: 184


1- -بحار الأنوار:348/12،و التفسير الصافي:303/4.
2- -سورة الشورى:30.
3- -معاني الأخبار:384 ح 15.
ثواب البكاء على الحسين عليه السلام

و في الأمالي مسندا إلى الرضا عليه السّلام قال:من تذكّر مصابنا،فبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكر بمصابنا،فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم القيامة،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

و روى العيّاشي طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة،غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (1).

و عنه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه،ثمّ قال عليه السّلام:يجب أن يكتب هذا الحديث.

و قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (2).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّه قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاّ بوأه اللّه بها في الجنّة دهرا طويلا (3).

قال أحمد الأودي:فرأيت الحسين عليه السّلام في المنام فقلت:حدّثوني عنك هذا الحديث،قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا عبرة كلّ مؤمن،قال:أنا يا أبتاه؟

قال:نعم يا بني.

و عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن عليّ عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم

ص: 185


1- -أمالي الصدوق:131 ح 4،و بحار الأنوار:278/44 ح 1.
2- -العوالم:528 ح 7،و بحار الأنوار:278/44 ح 3.
3- -بحار الأنوار:279/44 ح 5،و العوالم:536.
4- -تهذيب المقال:450/4.

فرأى مبتسما في ذلك اليوم إلى الليل (1).

و عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ الحسين عليه السّلام عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه و ينظر إلى زوّاره و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عزّ و جلّ من أحدكم بولده و أنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباؤه عليهم السّلام أن يستغفروا له و يقول:لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه،و أنّ زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (2).3.

ص: 186


1- -كامل الزيارات:214 ح 1،و بحار الأنوار:280/44 ح 10.
2- -أمالي الطوسي:55 ح 43،و بحار الأنوار:281/44 ح 13.
أبواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام

و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لي:يا أبا عمارة انشدني في الحسين بن علي عليه السّلام،فأنشدته،فبكى فما زلت أنشده و يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى خمسين فله الجنّة إلى أن قال:و من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة،و من أنشد فبكى أو تباكى فله الجنّة (1).

و عن زيد الشحّام قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال:يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟

فقال:نعم جعلني اللّه فداك.

قال:قل،فأنشدته،فبكى و من حوله ثمّ قال:و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا و أكثر،و لقد أوجب اللّه لك الجنّة (2).

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حرمة في أمرنا،إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا،يا أرض كربلاء أورثتينا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام،ثمّ كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول:هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (3).

ص: 187


1- -أمالي الصدوق:205،و بحار الأنوار:282/44 ح 15.
2- -بحار الأنوار:283/44.
3- -أمالي الصدوق:190،و بحار الأنوار:283/44 ح 17.

و فيه أيضا عن الرّيان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم فقال لي:أصائم أنت؟فقلت:لا،فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعى فيه زكريا فقال:ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثمّ دعى استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا،يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين[بن علي بن أبي طالب] (1)فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلى الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين،يابن شبيب،لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمر،يابن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن أسرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين،و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته:يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (2).

و عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:انشدني فأنشدته فقال:لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته،فلمّا بكى أمسكت فقال:مر فمررت، فبكى و بكت السماء،فلمّا سكتن قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة إلى أن بلغ الواحد فله الجنّة (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا،يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصى.4.

ص: 188


1- -زيادة في المصدر.
2- -أمالي الصدوق:192،و بحار الأنوار:286/44.
3- -بحار الأنوار:287/44.

و عن ابن عبّاس قال:قال عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّك لتحبّ عقيلا؟

قال:إي،و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون (1).

و عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:انشدني في الحسين فأنشدته فقال:انشدني كما تنشدون-يعني بالرّقة-فأنشدته،فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر (2).

أقول:الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها،و من ثمّ استثنى فقهاءنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين عليه السّلام.

و عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟قلت:لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة و أعداءنا كثيرة قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى.

قال:فتجزع؟

قلت:إي و اللّه حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ.

قال:أمّا أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك،فملك الموت أرقّ عليك من الأمّ الشفيقة على ولدها ثمّ قال:يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا إلاّ رحمه اللّه قبل أن يخرج الدمعة من عينه،فإذا سالت دموعه على خدّه.فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض،و أنّ الشارب منه ليعطى من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا،و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصاء من8.

ص: 189


1- -أمالي الصدوق:191 ح 3،و بحار الأنوار:288/22 ح 58.
2- -كامل الزيارات:208،و بحار الأنوار:288/44 ح 28.

عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين،فيقول:انطلق إلى إمامك فلان فسأله أن يشفع لك فيقول:يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول ارجع إليه و اسأله الشفاعة،فيقول:إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك اللّه عطشا،قلت:و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا ولكن لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه،فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كلّ أحد،انتهى ملخّصا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء على الحسين،فإنّه فيه مأجور.

و عن عبد اللّه بن بكر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:ما أعظم مسائلك،إنّ الحسين بن عليّ و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معه يرزقون و يحبرون و انّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول:يا ربّ انجز لي ما وعدتني،و إنّه لينظر إلى زوّاره و من يبكي له فيستغفر له (1).

و في بحار الأنوار:روى أنّه لمّا أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة إنّ نساء امّتي يبكون على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة،فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكى على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة، يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين عليه السّلام فإنّها ضاحكة مستبشرة (2).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال:كنت مجاورا في المشهد4.

ص: 190


1- -كامل الزيارات:544 ح 2،و مستدرك الوسائل:230/10.
2- -بحار الأنوار:293/44،و العوالم:534.

الرضوي،فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام إنّه قال:من ذرقت عيناه على مصاب الحسين عليه السّلام و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر،و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأى في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:

هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون،فسألت عنهم فقيل لي:هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلى فاطمة عليها السّلام و قلت:إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب الحسين؟

قال:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان منّي، و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي (1).5.

ص: 191


1- -بحار الأنوار:293/44،و العوالم:535.
علّة حبّ الشهداء للقتل

و في كتاب علل الشرائع مسندا إلى الصادق عليه السّلام إنّه قيل له:اخبرنا عن أصحاب الحسين عليه السّلام و إقدامهم على الموت،فقال:إنّهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة،فكان الرجل منهم يقدم إلى القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها و إلى مكانه من الجنّة (1).

و في معاني الأخبار مسندا إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا اشتدّ الأمر بالحسين عليه السّلام نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم،لأنّه كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم و وجلت قلوبهم،و كان الحسين عليه السّلام و بعض خصائصه تشرق ألوانهم و تسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض:انظروا لا يبالي بالموت فقال:يا كرام صبرا فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنّات الواسعة،فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ (2)

أصحاب الحسين عليه السّلام نظروا إلى منازلهم في الجنّة

و في كتاب الخرائج بإسناده إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه:هذا الليل فاتّخذوه جنّة فإنّ القوم إنّما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حلّ وسعة فقالوا:و اللّه لا يكون هذا أبدا،فقال:إنّكم تقتلون غدا كلّكم و لا يفلت منكم رجل،قالوا:الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك ثمّ دعا لهم فقال لهم:

ارفعوا رؤوسكم و انظروا،فجعلوا ينظرون إلى منازلهم من الجنّة و هو معهم يقول لهم:هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرّماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزله من الجنّة (3).

ص: 192


1- -علل الشرائع:229/1 ح 15،و بحار الأنوار:297/44.
2- -معاني الأخبار:288،و بحار الأنوار:154/6.
3- -الخرائج و الجرائح:848/2 ح 62،و بحار الأنوار:298/44.

و في الأمالي عن الثمالي قال:نظر عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى عبيد اللّه بن عبّاس بن علي بن أبي طالب فاستعبر ثمّ قال:ما من يوم أشدّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من يوم أحد قتل فيه عمّه حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ثمّ قال عليه السّلام:و لا يوم كيوم الحسين عليه السّلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الامّة كلّ يتقرّب بدمه إلى اللّه عزّ و جلّ حتّى قتلوه ظلما و عدوانا ثمّ قال:رحم اللّه العبّاس فلقد فدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه فأبدله اللّه عزّ و جلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب،و أنّ للعبّاس عند اللّه عزّ و جلّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة (1).

و عن الفضل عن الرّضا عليه السّلام قال:من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد،يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (2).

أقول:الوجه فيه كما سيأتي:أنّ الملعون يزيد لمّا وضع عنده رأس الحسين عليه السّلام لعب بالشطرنج و شرب خمر الفقاع،و كان كلّما غلب صاحبه صبّ على رأس الحسين عليه السّلام بقيّة القدح من الفقاع.

و عنه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ قاتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدّنيا،و قد شدّ يداه و رجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم و له ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه و هو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله كلّما نضجت جلودهم بدّلهم عزّ و جلّ جلودا غيرها حتّى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة و يسقون من حميم جهنّم فالويل لهم من عذاب النار (3).3.

ص: 193


1- -الأمالي:548،و بحار الأنوار:274/22.
2- -بحار الأنوار:299/44،و العوالم:603 ح 5.
3- -عيون أخبار الرضا:51/1 ح 178،و بحار الأنوار:300/44 ح 3.
القول عند ذكر الحسين عليه السلام

و عن ابن فاختة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أذكر الحسين عليه السّلام فأيّ شيء أقول إذا ذكرته؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا (1).

و في ثواب الأعمال عن عيص بن القاسم قال:ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قاتل الحسين عليه السّلام.

فقال بعض أصحابه:كنت أشتهي أن ينتقم اللّه منه في الدّنيا.

فقال:كأنّك تستقلّ له عذاب اللّه و ما عند اللّه أشدّ عذابا و أشدّ نكالا منه (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي و يحيى بن زكريا (3).

ثواب لعن قاتل الحسين عليه السّلام

و عن داود الرّقي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء،فلمّا شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثمّ قال لي:يا داود لعن اللّه قاتل الحسين،فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة و حطّ عنه مائة ألف سيّئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (4).

ص: 194


1- -أمالي الطوسي:54 ح 42،و بحار الأنوار:301/44 ح 7.
2- -ثواب الأعمال:216،و بحار الأنوار:301/44 ح 8.
3- -بحار الأنوار:301/44 ح 9.
4- -الكافي:391/6 ح 6،و أمالي الصدوق:205.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قتلة الحسين و محبيهم و ناصريهم و الساكتين عن لعنهم من غير تقيّة الا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة و ممتلئين عليهم غيظا و حنقا (1).9.

ص: 195


1- -العوالم:598،و تفسير الإمام العسكري:369.
الحمام الرّاغبية يلعن قتلة الحسين عليه السلام

و في الكافي عن داود بن فرقد قال:كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر[طويلا فنظر إلى أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟قلت:

لا و اللّه جعلت فداك] (1)فقال:يا داود هذا الطير يدعو على قتلة الحسين عليه السّلام فاتّخذوه في منازلكم.و في حديث آخر:إنّها تلعن قتلة الحسين (2).

و في كتاب بحار الأنوار:وجدت في بعض مؤلّفات المعاصرين أنّه لمّا جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين عليه السّلام كانوا سبعين ألف فارس فقال:أيّها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين و له ولاية أيّ بلد شاء؟فلم يجبه أحد،فاستدعى بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له:

اريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك،فقال:اعفني من ذلك،فقال:قد أعفيتك فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الرّي فقال:امهلني الليلة فانصرف إلى منزله و جعل يستشير من يثق به،فلم يشر عليه أحد و كان عنده رجل من أهل الخير يقال له كامل و كان صديقا لأبيه من قبله فقال له:يا عمر ما الذي أنت عازم عليه؟

قال:إنّي ولّيت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنّما قتله عندي و أهل بيته كشربة ماء و إذا قتلته خرجت إلى ملك الري.

فقال له كامل:أف لك يابن سعد تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟!إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و ما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه و انّه في زماننا هذا كجدّه في زمانه و طاعته فرض علينا،و اشهد اللّه أنّك إن أعنت على قتله لا تلبث بعده في الدّنيا إلاّ قليلا،فقال عمر:بالموت تخوّفني،و إنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس و أتولّى ملك الري؟

فقال له كامل:إنّي احدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله؛اعلم انّي سافرت مع أبيك إلى الشام فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي و عطشت فلاح لي دير

ص: 196


1- -زيادة في المصدر.
2- -الكافي:547/6 ح 10،و بحار الأنوار:305/44 ح 18.

راهب فأتيت إلى باب الدّير و قلت للراهب إنّي عطشان فقال لي:أنت من امّة هذا النبيّ الذين يقتل بعضهم بعضا على حبّ الدّنيا؟فقلت له:أنا من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فقال:إنّكم شرّ امّة و قد غدوتم إلى عترة نبيّكم تسبون نساءه و تنهبون أمواله،فقلت:يا راهب نحن نفعل ذلك؟

قال:نعم،و إنّكم إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون و البحار و الجبال و الوحوش و الأطيار باللعنة على قاتله و لا يلبث قاتله في الدّنيا إلاّ قليلا ثمّ يظهر رجل يطلب بثأره،فلا يدع أحدا اشترك في قتله إلاّ قتله و عجّل اللّه بروحه إلى النار،ثمّ قال الراهب:إنّي لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيّب و اللّه أنّي لو أدركت أيّامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف،فقلت:إنّي اعيذ نفسي من أن اقاتل ابن بنت رسول اللّه،فقال:إن لم تكن أنت فرجل قريب منك و أنّ عذاب قاتله أشدّ من عذاب فرعون و هامان ثمّ ردم الباب في وجهي و أبى أن يسقيني ماء.

فركبت فرسي و لحقت أصحابي فحدّثت أباك سعد بقصّة الراهب فقال لي:صدقت ثمّ إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرّة من قبلي،فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه فخاف أبوك من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك، فاحذر يا عمر[أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار،قال:] (1)فبلغ الخبر ابن زياد فطلب كامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم (2).

و فيه أيضا:إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفر فرسه و تحمحم،و تقول في صهيلها:الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها،فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر،فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى اعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار (3).6.

ص: 197


1- -زيادة في المصدر.
2- -بحار الأنوار:307/44،و العوالم:595.
3- -بحار الأنوار:308/44،و العوالم:596.
نسب يزيد و ابن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه

و في كتاب البحار:قال مؤلّف الكتاب:إلزام النواصب و غيره أن ميسون بنت بجدل الكلبي أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت يزيد لعنه اللّه و إلى هذا إشارة النسّابة البكري بقوله شعر:

فإن يكن الزمان أتى علينا *** بقتل الترك و الموت الوحي

فقد قتل الدّعي و عبد كلب *** بأرض الطّف أولاد النبيّي

أراد بالدّعي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه،فإنّ أباه زياد بن سمية كانت امّه سميّة مشهورة بالزنا و ولد على فراش أبي عبيد بني علاج من ثقيف فادّعى معاوية أنّ أبا سفيان زنى بأمّ زياد فأولدها زيادا و انّه أخوه فصار اسمه الدعيّ،و كانت عائشة تسمّيه زياد بن أبيه لأنّه ليس له أب معروف و مراده بعبد كلب يزيد بن معاوية لأنّه من عبد بجدل الكلبي.

و أمّا عمر بن سعد،فقد نسبوا أباه سعد إلى غير أبيه و انّه رجل من بني عذرة كان خدنا لأمّه يعني صاحبها و يشهد بذلك قول معاوية حين قال سعد لمعاوية:أنا أحقّ بهذا الأمر منك،فقال له معاوية:يأبى عليك ذلك بنو عذرة و ضرط له.روى ذلك النوفلي ابن سليمان من علماء السنّة،و يدلّ على ذلك قول السيّد الحميري شعر:

قدما تداعوا زنيما ثمّ سادهم *** لولا خمول بني سعد لما سادوا (1)

و في كتاب الأمالي عن عبد اللّه بن منصور قال:قلت للصادق عليه السّلام:حدّثني عن مقتل الحسين عليه السّلام،قال:لمّا حضرت معاوية الوفاة قال لابنه يزيد لعنه اللّه:قد ذلّلت لك الرّقاب و إنّي أخشى عليك من ثلاث نفر مخالفون عليك و هم عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير و الحسين بن عليّ،فأمّا ابن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه،و أمّا ابن الزبير فاقتله إن ظفرت به فإنّه ثعلب،و أمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه و هو من لحم رسول اللّه و دمه،و قد

ص: 198


1- -بحار الأنوار:309/44،و العوالم:601.

علمت أنّ أهل العراق يخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه،فإن ظفرت به فلا تؤاخذه بفعله و لا تناله بمكروه.

فلمّا هلك معاوية و تولّى الأمر يزيد بعث عامله على المدينة عمّه عتبة بن أبي سفيان،فقدم المدينة و بعث إلى الحسين عليه السّلام و قال:إنّ أمير المؤمنين يزيد آمرك أن تبايع له فقال:يا عتبة قد علمت إنّا معدن الرّسالة و أعلام الحقّ و لقد سمعت جدّي يقول:إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان،فكيف ابايع أهل بيت قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هذا؟

فكتب عتبة إلى يزيد:أنّ الحسين بن علي لا يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره، فكتب إليه:إذا أتاك كتابي هذا فعجّل إليّ بإرسال رأس الحسين،فبلغ ذلك الحسين عليه السّلام فهمّ بالخروج من الحجاز إلى العراق،فلمّا أقبل الليل مضى يودّع قبر جدّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه،فلمّا كانت الليلة الثانية مضى إلى القبر يودّعه فصلّى ثمّ سجد و نام فجاءه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو في منامه فضمّه إلى صدره و قبّل ما بين عينيه و قال له:بأبي أنت كأنّي أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة،يا بنيّ إنّك قادم على أبيك و امّك و أخيك و هم مشتاقون إليك و أنّ لك في الجنّة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة،فانتبه الحسين عليه السّلام باكيا فأتى أهله و أخبرهم بالرؤيا و ودّعهم و حمل أخواته على المحامل و ابن أخيه و صار في أحد و عشرين من أهل بيته و أصحابه.و سمع عبد اللّه بن عمر بخروجه فركب خلفه و أدركه فقال له:

ارجع إلى حرم جدّك و لا تخرج إلى العراق،فأبى،فقال:اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقبّله منك،فكشف الحسين عليه السّلام عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال:أستودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فإنّك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين و أصحابه حتّى نزل العذيب،فقال فيها قايلة الظهر ثمّ انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه:ما يبكيك يا أبه؟

قال:يا بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها إنّه عرض لي في منامي عارض فقال:

تسرعون السير و المطايا تسير بكم إلى الجنّة ثمّ سار حتّى نزل الرهيميّة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم فقال:يابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟

فقال:و يحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي

ص: 199

فهربت و ايم اللّه ليقتلني ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلاّ شاملا و سيفا قاطعا،و بلغ عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه الخبر،و أنّ الحسين نزل الرهيمية فأرسل إليه الحرّ بن يزيد في ألف فارس.

قال الحرّ:فلمّا خرجت من منزلي متوجّها نحو الحسين نوديت ثلاثا:يا حرّ أبشر بالجنّة،فالتفت فلم أر أحدا فقلت:ثكلت الحرّامه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه و يبشّر بالجنّة فبلغه عند صلاة الظهر،فأمر الحسين عليه السّلام ابنه فأذّن و أقام و صلّى الحسين عليه السّلام بالفريقين جميعا،فلمّا سلّم و ثب الحرّ بن يزيد و سلّم على الحسين فقال له الحسين عليه السّلام:من أنت؟

فقال:أنا الحرّ ابن يزيد،فقال:يا حرّ علينا أم لنا؟

فقال:يابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك و أعوذ باللّه أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلى رجلي،يابن رسول اللّه أين تذهب ارجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول،فقال الحسين عليه السّلام شعر:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

ثمّ سار حتّى نزل القطقطانية،فنظر إلى فسطاط مضروب لعبد اللّه بن الحرّ فأرسل إليه الحسين عليه السّلام فقال له:إنّك مذنب خاطئ و إنّ اللّه عزّ و جلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى اللّه فتنصرني،فقال:يابن رسول اللّه لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك ولكن هذا فرسي خذه إليك فأعرض عنه الحسين عليه السّلام بوجهه و قال:لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا،ولكن فرّ فلا لنا و لا علينا،فإنّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم.ثمّ سار حتّى نزل كربلاء فقال:أيّ موضع هذا؟فقيل:هذا كربلاء يابن رسول اللّه فقال:هذا و اللّه يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا،فأقبل عبيد اللّه بن زياد بعسكره حتّى نزل النخيلة و بعث إلى الحسين عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس و عبد اللّه بن الحصين و شبث بن ربعي و محمّد بن الأشعث كلّ واحد في ألف فارس و كتب إلى عمر بن سعد:إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و حل بينه و بين الماء كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار،فلمّا وصله الكتاب نادى:إنّا قد أجّلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشقّ ذلك على الحسين و أصحابه،فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال:اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ و لا أزكى من أهل بيتي،و لا أصحاباهم

ص: 200

خير من أصحابي و قد نزل بي ما ترون و أنتم في حلّ من بيعتي و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا و تفرّقوا في سواده،فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل فقال:يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا سيّدنا و ابن سيّد الأعمام و ابن نبيّنا لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و اللّه أو نرد موردك و نجعل دماءنا دون دمك،فإذا فعلنا ذلك قضينا ما علينا،و قام إليه زهير بن القين فقال:وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه دفع بي عنكم أهل البيت،فقال له و لأصحابه:جزيتم خيرا.

ثمّ إنّ الحسين عليه السّلام أمر بحفيرة حول عسكره شبه الخندق فحشيت حطبا و أرسل عليّا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على و جل شديد و أتشأ الحسين عليه السّلام يقول شعر:

يا دهر اف لك من خليل *** كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل *** و كلّ حيّ سالك سبيلي

ثمّ قال لأصحابه:قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضّئوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابم لتكون أكفانكم،ثمّ صلّى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب و أمر بالحفيرة فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية فقال:يا حسين ابشروا بالنار التي تعجلتموها في الدّنيا،فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم أذقه عذاب النار في الدّنيا،فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.

ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين،فنادى:يا حسين و يا أصحاب حسين ألا ترون إلى ماء الفرات يموج كأنّه بطون الحيّات و اللّه لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعا.فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم،فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثمّ أقبل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي[فقال:يا حسين بن فاطمة] (1)أيّة حرمة لكر.

ص: 201


1- -زيادة في المصدر.

من رسول اللّه ليست لغيرك؟

فقال:إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين،و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم،و إنّ العترة الهادية لمن آل محمّد فقال:اللّهم أر محمّد بن الأشعث ذلاّ في هذا اليوم فخرج من العسكر يتبرز،فسلّط اللّه عليه عقربا فلدغه فمات بادي العورة.

فبلغ العطش من الحسين و أصحابه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له يزيد الهمداني فقال:ائذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم،فأذن له فخرج إليهم و قال:يا معشر الناس إنّ اللّه بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه فقالوا:يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف فو اللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله،فقال الحسين عليه السّلام:اقعد يا يزيد ثمّ و ثب الحسين عليه السّلام متوكيا على سيفه فنادى بأعلى صوته:أنشدكم اللّه هل تعرفوني؟

قالوا:نعم أنت ابن رسول اللّه و سبطه،فقال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:هل تعلمون إنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة أوّل نساء هذه الامّة إسلاما؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟

قالوا:اللّهمّ نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه و أنا متقلّده؟

ص: 202

قالوا:اللّهمّ نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّا كان أوّلهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنّه أوّل كلّ مؤمن و مؤمنة؟

قالوا:اللّهم نعم.

قال:فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدّي يوم القيامة؟

قالوا:قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا،فأخذ الحسين عليه السّلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة،ثمّ قال:اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا:عزير ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا:المسيح ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.

قال:فضرب الحرّ بن يزيد فرسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام واضعا يده على رأسه و هو يقول:اللّهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك،يابن رسول اللّه هل من توبة؟

قال:نعم تاب اللّه عليك.

قال:يابن رسول اللّه ائذن لي فأقاتل عنك،فأذن له فبرز و هو يقول شعر:

أضرب في أعناقكم بالسيف *** عن خير من حلّ بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثمّ قتل فأتاه الحسين عليه السّلام و دمه يشخب فقال:بخ بخ يا حرّ أنت حرّ كما سمّيت في الدّنيا و الآخرة ثمّ أنشأ الحسين عليه السّلام يقول شعر:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح *** صبور عند مختلف الرّماح

و نعم الحرّ إذا ساوى حسينا *** فجاد بنفسه عند الصياح

ثمّ برز من بعده زهير بن القين و هو يقول مخاطبا للحسين عليه السّلام شعر:

ص: 203

اليوم نلقى جدّك النبيّا *** و حسنا و المرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثمّ صرع،و خرج من بعده حبيب بن مظاهر و هو يقول شعر:

أنا حبيب و أبي مظاهر *** لنحن أزكى منكم و أطهر

فقتل منهم أحد و ثلاثين رجلا ثمّ قتل،و برز وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين عليه السّلام هو و امّه و ركب فرسا و تناول عمود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر،فأمر ابن سعد بقتله فقتل و رمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السّلام فأخذت امّه سيفه و برزت فقال لها الحسين عليه السّلام:يا امّ وهب اجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء إنّك و ابنك مع جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في الجنّة،و برز إليهم عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و أنشد شعر:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا *** و إن وجدت الموت شيئا مرّا

أكره أن ادّعى جبانا فرّا *** إنّ الجبان من عصى و فرّا

فقتل ثلاثة و قتل،و برز من بعده عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فلمّا برز إليهم دمعت عيني الحسين عليه السّلام فقال:اللّهم كن أنت الشهيد عليهم،فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به فجعل يقول شعر:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ

فقتل عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال؛يا أبه العطش،فقال له الحسين عليه السّلام:صبرا يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى،فرجع و قتل منهم أربعة و أربعين ثمّ قتل عليه السّلام،ثمّ برز من بعده القاسم بن الحسن و هو يقول شعر:

لا تجزعي نفسي فكلّ فاني *** اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمى عن فرسه فنظر الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا،فلم ير أحد فقال:

اللّهم إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك و حالوا بينه و بين الماء و رمى بسهم فوقع في نحره و خرّ عن فرسه فأخذ السهم فرمى به و جعل يتلقّى الدم بكفّه،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و هو يقول:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مظلوم متلطّخ بدمي،ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعا و أقبل عدوّ اللّه سنان و شمر بن ذي الجوشن لعنهما اللّه تعالى في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على

ص: 204

رأسه،فقال بعضهم لبعض:ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان و أخذ بلحية الحسين عليه السّلام و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أنا أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أمّا و أبا،و أقبل فرس الحسين حتّى لطخ عرفه و ناصيته بدمه و جعل يركض و يصهل و سمعت بنات النبيّ صهيله فخرجن،فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أنّ حسينا قد قتل و خرجت امّ كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب:وا محمّداه هذا الحسين بالعرا قد سلب العمامة و الرّداء،و أقبل سنان لعنه اللّه حتّى أدخل رأس الحسين عليه السّلام على ابن زياد و هو يقول شعر:

املأ ركابي فضّة و ذهبا *** إنّي قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس امّا و أبا *** و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له ابن زياد:ويحك إذا علمت إنّه خير الناس أبا و امّا لم قتلته؟فأمر به فضربت عنقه و عجّل اللّه بروحه إلى النار،و أرسل ابن زياد قاصدا إلى امّ كلثوم بنت الحسين يقول لها:

الحمد للّه الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟

فقالت:يابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسين فطالما قرّت عين جدّه به و كان يقبّله و يلثم شفتيه يابن زياد أعد لجدّه جوابا فإنّه خصمك غدا (1).

و قال السيّد علي بن طاووس:إنّ مروان بن الحكم قال للحسين عليه السّلام:بايع ليزيد يكن خيرا لك في دينك و دنياك،فقال الحسين عليه السّلام:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد (2).5.

ص: 205


1- -الأمالي:221،و بحار الأنوار:317/44.
2- -بحار الأنوار:326/44،و العوالم:175.
سبب تخلف ابن الحنفية عن أخيه الحسين عليه السلام

و روى الكليني طاب ثراه في كتاب الوسائل مسندا إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ذكرنا خروج الحسين عليه السّلام و تخلّف ابن الحنيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا حمزة إنّي سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا؛إنّ الحسين عليه السّلام لمّا فصل متوجّها دعا بقرطاس و كتب فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم؛أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد و من تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام (1).

أقول:روي في الأحاديث لتخلّف محمّد بن عليّ عليه السّلام وجوه منها:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة لحقه محمّد و أشار عليه أن يقيم إمّا بمكّة أو يسير إلى اليمن،و أبى عليه السّلام إلاّ المسير إلى العراق ثمّ قال لمحمّد:و أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنّي شيئا من أمورهم،ثمّ دعا بداوة و بياض و كتب وصيّته و جعل محمّد الوصيّ،فيكون تخلّف محمّد بأمر الحسين عليه السّلام على أنّ من جملة المصالح في تخلّفه بالمدينة بأن يكون مرجعا لبني هاشم كيلا يضامون بعد خروج الحسين عليه السّلام.

و منها:ما روي أنّه لما عوتب محمّد بن عليّ عليه السّلام على ترك الخروج ذكر كلاما حاصله:

إنّي علمت بعلم عهده إليّ أبي أمير المؤمنين عليه السّلام أسماء الذين يستشهدون مع الحسين عليه السّلام و أسماء آبائهم و لم أر اسمي بينهم،فعلمت أنّي لست من الشهداء معه و خاف أن يكون في سيره معه مثله مثل خروج عقيل إلى معاوية و تركه أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كان محمّد أجلّ شأنا و أرفع مكانا من أن تعتريه مثل هذه الهواجس.

و منها؛ما روي في الأثر أنّ محمّد بن الحنفيّة قد أصابته عين في يده فخرج بها خراج و قد تعطّلت عن حمل السلاح،فيكون معذورا في ترك الخروج مع أنّ الحسين عليه السّلام لم يطلب منه الخروج معه و ذاك محلّ الإشكال.

ص: 206


1- -بحار الأنوار:330/44،و العوالم:179.
مجيء الملائكة و الجنّ لنصرة الحسين عليه السلام

و روى الشيخ المفيد بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا سار أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينه لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة في أيديهم الحراب على نوق من نوق الجنّة فسلّموا عليه و قالوا:يا حجّة اللّه إنّ اللّه سبحانه أمدّ جدّك بنا في مواطن كثيرة و أنّ اللّه«أمدّك بنا فقال:

إذا وردت كربلاء فأتوني،و أتته أفواج مسلمي الجنّ فقالوا:نحن شيعتك فمرنا بأمرك نقتل عدوّك و أنت بمكانك فجزاهم الحسين خيرا و قال:أما قرأتم أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و إذا أقمت بمكاني فيما إذا يبتلى هذا الخلق المنفوس و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء و قد اختارها اللّه يوم دحى الأرض و جعلها معقلا لشيعتنا و يكون لهم أمانا في الدّنيا و الآخرة،ولكن تحضرون يوم السبت و هو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل و يسار برأسي إلى يزيد لعنه اللّه،فقالت الجنّ:يا حبيب اللّه لولا أنّ أمرك طاعة قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك،فقال عليه السّلام:نحن و اللّه أقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة (1).

و روي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته امّ سلمة فقالت:يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق،فإنّي سمعت جدّك يقول:يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء فقال:يا امّاه و أنا و اللّه أعلم ذلك و إنّي مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بدّ و إنّي و اللّه لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي أدفن فيها و أعرف من يقتل من أهل بيتي و شيعتي،و إن أردت يا أمّاه أريك حفرتي و مضجعي ثمّ أشار عليه السّلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده،فبكت أمّ سلمة بكاء شديدا و سلّمت أمره إلى اللّه فقال لها:يا أمّاه قد شاء اللّه عزّ و جلّ أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يرى حرمي و نسائي مشردّين

ص: 207


1- -بحار الأنوار:330/44،و العوالم:180.

و أطفالي مذبوحين مقيّدين،فقالت أمّ سلمة عندي تربة دفعها إليّ جدّك في قارورة فقال:

و اللّه إنّي مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا،ثمّ أخذ التربة فجعلها في قارورة و أعطاها إيّاها،و قال:اجعليها مع قارورة جدّي،فإذا فاضتا دما فاعلمي إنّي قد قتلت (1).

قال المفيد رحمه اللّه:ثمّ سار الحسين عليه السّلام إلى مكّة و هو يقرأ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ،فقال له أهل بيته:لو انحرفت عن الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب،فقال:لا و اللّه لا افارقه حتّى يقضي اللّه ما هو قاض و دخل مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان و هو يقرأ وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ فنزلها و جعل أهلها يختلفون إليه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق،و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين عليه السّلام و خروجه إلى مكّة، فاجتمعوا بالكوفة في منزل سليمان الخزاعي،فقال سليمان:

إنّ معاوية هلك و أنّ الحسين خرج إلى مكّة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه فاكتبوا إليه و إلاّ فلا تغرّوا الرجل،فقالوا:بل نقتل أنفسنا دونه،فكتبوا إليه و كان فيما كتبوا؛إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الحقّ،و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد،و لو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام،فأرسلوا إليه إلى مكة مائة و خمسين كتابا و هو مع ذلك يأبى و لا يجيبهم حتّى ورد عليه في يوم ستّمائة كتاب و تواترت الكتب فاجتمع في نوب متفرقه اثنا عشر ألف كتاب ثمّ كتبوا إليه:أمّا بعد فقد اخضرّ الجناب و أينعت الثمار،فاقبل على جند لك مجنّدة و السلام.فتلاقت الرّسل كلّها عنده فكتب إليهم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين،أمّا بعد فإنّ هانيا و سعيدا قدما عليّ بكتبكم و قد فهمت الذي ذكرتم إلى أن قال:و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمّي مسلم بن عقيل،فإن كتب إلي أنّه قد اجتمع رأي ملأكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم و شيكا إن شاء اللّه،فدعى الحسين عليه السّلام مسلم بن4.

ص: 208


1- -الخرائج و الجرائح:253/1،و بحار الأنوار:332/44.

عقيل فسرّحه مع قيس الصيداوي و جماعة فإن رأى الناس مجتمعين كتب إليه بذلك فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة فودّع أهله و سار و استأجر دليلين،فأقبلا يتنكّبان به الطريق فضلاّ عن الطريق و مات الدليلان عطشا.فكتب إلى الحسين عليه السّلام:إنّي تطيرت من توجّهي هذا يعني بموت الدليلين،فإن رأيت أعفيتني و بعثت غيري،فكتب إليه الحسين عليه السّلام:خشيت أن لا يكون حملك على الاستعفاء إلاّ الجبن،فامض لوجهك الذي و جّهتك فيه و السلام.

فمضى مسلم فمرّ برجل رمى ظبيا فصرعه،فقال مسلم:نقتل عدوّنا إن شاء اللّه فأتى حتّى دخل الكوفة فنزل في دار المختار و أقبلت الشيعة تختلف إليه،فقرأ عليهم كتاب الحسين عليه السّلام و هم يبكون و بايعه منهم ثمانية عشر ألفا،فكتب مسلم إلى الحسين عليه السّلام يأمره بالقدوم فبلغ النعمان بن بشير تردّد الشيعة على مسلم و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية و يزيد فصعد المنبر و خطب الناس و قال:إنّكم نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم و أنا لا أتحرّش بكم و لا آخذ بالظنّة و لا التهمة،فقام إليه عبد اللّه بن مسلم الأموي و قال له:رأيك هذا رأي المستضعفين فخرج عبد اللّه و كتب إلى يزيد:أمّا بعد فإنّ مسلم بن عقيل دخل الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن عليّ فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا مثلك يعمل في الأعداء.

و كتب إليه عمر بن سعد مثل ذلك،فكتب إلى عبيد اللّه بن زياد و كان واليا على البصرة فضمّ إليه المصرين البصرة و الكوفة و أن يقتل مسلم بن عقيل أو يبعثه مقيّدا،فلمّا أتاه الكتاب خرج إلى الكوفة و استخلف على البصرة أخاه عثمان،فلمّا أشرف على الكوفة نزل حتّى أمسى ليلا فظنّ أهلها أنّه الحسين فتصايحوا و قالوا:إنّا معك أكثر من أربعين ألفا و ازدحموا عليه فحسر اللثام و قال:أنا عبيد اللّه،فرجع القوم و دخل قصر الإمارة،فلمّا صبح قام خاطبا و عليهم عاتبا و قال:يا أهل الكوفة إنّ يزيد و لاّني بلدكم و استعملني على مصركم فابلغوا هذا الرجل الهاشمي يعني مسلم مقالتي ليتّقي غضبي.

فلمّا سمع مسلم بدخول ابن زياد الكوفة،خرج من دار المختار إلى دار هاني فأخذت الشيعة تختلف عليه خفية من يزيد فدعى ابن زياد مولاه معقل فقال:خذ ثلاثة آلاف درهم و اطلب مسلم بن عقيل و أصحابه،فإذا ظفرت بواحد منهم فاعطه الدراهم و قل استعينوا بها

ص: 209

على حرب عدوّكم و اعلمهم أنّك منهم حتّى تعرف مستقرّ مسلم ففعل ذلك،جاء إلى ابن عوسجة في المسجد و قال:يا عبد اللّه أنا رجل من أهل الشام أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل البيت و تباكى و قال:معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه فكنت أريد لقاؤه و لا أعرف مكانه،و إنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت و أنا جئتك لتدخلني على صاحبك،فإنّي أخ من إخوانك و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال ابن عوسجة:الحمد للّه على لقائك فقد سرّني ذلك لينصر اللّه بك أهل بيت نبيّه،فأخذ عليه الأيمان المغلّظة و أدخله على مسلم فقبض المال منه و أخذ البيعة عليه فدخل معقل و خرج حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد و كان يخبره وقتا وقتا و خاف هاني بن عروة عبيد اللّه على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه و تمارض،فقال ابن زياد لجلسائه:ما لي لا أرى هانيا؟

قالوا:هو شاك فقال:لو علمت بمرضه لعدته و دعا جماعة منهم أسماء بن خارجة فقال:ما يمنع هانيا من إتياننا و أخبروني أنّه برئ من مرضه و هو يجلس على باب داره فأتوه و هو جالس و قالوا؛ما يمنعك من لقاء الأمير و قد استبطأك فأقسمنا عليك لما ركبت معنا فركب معهم حتّى إذا دنى من القصر كأنّ نفسه أحسّت بالذي كان،فلمّا دخل على عبيد اللّه بن زياد قال عبيد اللّه:أتتك بخائن رجلاه فلمّا جلس قال له:يا هاني ما هذه الامور التي في دارك لأمير المؤمنين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال؟

قال:ليس مسلم عندي فدعى ابن زياد معقلا،فوقف بين يديه و قال:أتعرف هذا؟

قال:نعم و علم هاني أنّه كان عينا عليهم أتاه بأخبارهم فقال:و اللّه ما دعوته إلى منزلي لكنّه جاء إلى منزلي فاستحيت من ردّه،و الآن آمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء فاخرج من ذمامه و جواره فقال ابن زياد:لا تفارقني حتّى تأتيني به.

قال:لا و اللّه لا أجيئك بضيفي تقتله،فقال:لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك،فقال هاني:

إذا و اللّه تكثر البارقة حول دارك و هو يظنّ أنّ عشيرته يسمعون،فأدني و ضرب وجهه بالقضيب حتّى كسر أنفه و سال الدماء على وجهه و لحيته،فجرّوه و ألقوه في بيت من بيوت الدار و بلغ

ص: 210

عمرو بن الحجّاج أنّ هانيا قتل فأقبل في مذحج حتّى أحاط بالقصر و نادى هذه فرسان مذحج بلغهم أنّ صاحبهم قتل.

فقال ابن زياد لشريح القاضي:ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثمّ اخرج و اعلمهم أنّه حيّ لم يقتل فدخل و نظر إليه أنّه حيّ و خرج و أخبرهم أنّه حيّ فقالوا:امّا إذا لم يقتل فالحمد للّه ثمّ انصرفوا و خرج ابن زياد و صعد المنبر و قال:أيّها الناس اعتصموا بطاعة اللّه و طاعة أئمّتكم و لا تفرّقوا فتهلكوا،فنزل و دخل القصر و جاء الخبر إلى مسلم فجمع أصحابه و ملأوا المسجد و الأسواق و لم يبق مع ابن زياد إلاّ جماعة قليلة فأمر ابن زياد محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه فيسير في الكوفة فيخذّل الناس عن مسلم و يخوّفهم عقوبة السلطان، فأقبل إليه خلق كثير أطاعوه و دخلوا على ابن زياد ثمّ صار الناس يتفرّقون عن مسلم حتّى أمسى و صلّى المغرب و ما معه إلاّ ثلاثون نفسا في المسجد فخرج إلى أبواب كندة،فلمّا خرج من الباب لم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق فمضى في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب فمضى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أمّ ولد كانت للأشعث ابن قيس و أعتقها و تزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و امّه قائمة تنتظره،فسلّم عليها مسلم و قال لها:يا أمة اللّه اسقيني ماء فسقته و جلس فقالت له:يا عبد اللّه اذهب إلى أهلك قالت له ثلاثا فقال:يا أمة اللّه ما لي في هذا المصر أهل و لا عشيرة و أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم و غرّوني،فقالت:أنت مسلم ادخل فدخل إلى بيت من بيوت دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء و لم يتعش فجاء ابنها و رآها تكثر الدخول في البيت فقال لها:إنّ لك لشأنا.

قالت:يا بني اقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء،فألحّ عليها فأخذت عليه الأيمان و حلفت لها فأخبرته فاضطجع و سكت و أخبر ابن زياد بتفرّق الناس عن مسلم ففتح باب القصر بعد أن كان خائفا و صلّى في المسجد مع أصحابه و قد امتلأ المسجد من الرّجال،فلمّا فرغ من صلاته صعد المنبر و قال:برئت الذمّة من رجل وجدنا ابن عقيل في داره و من جاء به فله ديته فنزل و لمّا أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أصبح ابن تلك العجوز، فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمّه،فأقبل عبد

ص: 211

الرحمن حتّى أتى أباه و هو عند ابن زياد فأخبره فقال له ابن زياد:فأتني به الساعة فقام و بعث معه خيلا و رجالا،فلمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل علم أنّه قد أتى فخرج إليهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ثمّ عادوا إليه فقاتلهم قتالا شديدا و قتل منهم خلقا كثيرا،فأشرفوا عليه من فوق البيوت يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطناب القصب و يرمونها عليه فخرج عليهم مصلتا سيفه فناداه محمّد بن الأشعث:لك الأمان لا تقتل نفسك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فاستند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد عليه ابن الأشعث:لك الأمان فآمنوه كلّهم فأتى ببغلة فحمل عليها و نزعوا سيفه،فكأنّه عند ذلك يئس من نفسه،فبكى فقيل له:ممّ بكاؤك؟

فقال:ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي،ولكنّي أبكي لأهلي المقبلين إنّي أبكي للحسين و آل الحسين فقال لمحمّد بن الأشعث:هل تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا،فإنّي لا أراه إلاّ و قد خرج و يقول له إنّ ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد القوم لا يرى أنّه يمشي حتّى يقتل و هو يقول لك ارجع فداك أبي و امّي بأهل بيتك و لا يغرّونك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل (1).

و في رواية ابن شهر آشوب:أنّ ابن زياد أرسل محمّد بن الأشعث و معه سبعون رجلا إلى مسلم حتّى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم و هو يقول شعر:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبر لأمر اللّه جلّ جلاله *** فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع

فقتل منهم أحد و أربعين رجلا،و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى ابن الأشعث:إنّا بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به فقتل من أصحابك مقتلة عظيمة فكيف إذا أرسلناك إلى غيره فأرسل إليه:أيّها الأمير أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة،أ و لم تعلم أيّها الأمير إنّك بعثتني إلى أسد ضرغام و سيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام،فأرسل إليه ابن زياد:أن اعطه الأمان فإنّك لا تقدر عليه إلاّ به و لقد كان مسلم2.

ص: 212


1- -بحار الأنوار:353/44،و العوالم:202.

من قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت (1).

و قال المفيد طاب ثراه:و أقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر و كان مسلم عطشانا و على باب القصر ناس جلوس و إذا قلّة باردة موضوعة على الباب فقال:اسقوني من هذا الماء فقال مسلم بن عمر:لا تذوق منها أبدا حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم،فقال له مسلم بن عقيل:ويحك ما أقسى قلبك أنت أولى بالحميم و الخلود في نار جهنّم و بعث عمرو بن الحريث فأتى بقدح من ماء فقال له اشرب.

فلمّا وضعه على فمه امتلأ القدح دما فعل هذا مرّتين،فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح،فقال؛الحمد للّه لو كان من الرزق المقسوم لشربته فأدخل إلى ابن زياد و لم يسلّم عليه بالإمارة،فقال له ابن زياد:لعمري لتقتلنّ.

قال:فدعني أوصي إلى بعض قومي.

فقال:افعل،فنظر إلى عمر بن سعد فقال:إنّ بيني و بينك قرابة ولي إليك حاجة و هي سرّ فقام معه فقال:إنّ عليّ بالكوفة دينا و هو سبعمائة درهم فبع سيفي و درعي فاقضها عنّي و إذا قتلت فاستوهب جثّني من ابن زياد و ادفنها و ابعث إلى الحسين من يردّه فإنّي كتبت إليه بالمجيء،فأتى ابن سعد إلى ابن زياد و أخبره بقول مسلم.

فقال ابن زياد:لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن أمّا ماله فهو له،و أمّا جثّته فاصنع بها ما شئت،و أمّا حسين فإنّه إن لم يردنا لم نرده.

ثمّ قال ابن زياد:اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده فصعد به بكير ابن حمران و هو يستغفر اللّه و يصلّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فضرب عنقه و نزل مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك؟

فقال:أيّها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود عاضّا شفتيه ففزعت،و أمر ابن زياد بأن يخرج هاني إلى السوق و يضرب عنقه فاخرج إلى سوق الغنم و ضرب عنقه،و في قتل مسلم و هاني يقول ابن الزبير الأسدي شعر:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هاني في السوق و ابن عقيل4.

ص: 213


1- -المناقب:244/3،و بحار الأنوار:354/44.

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه *** و آخر يهوى من جدار قتيل

فتى كان أحيا من فتاة حبيبة *** و أقطع من ذي شفرتين صقيل

ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأس مسلم و هاني إلى يزيد لعنه اللّه ثمّ كتب إليه يزيد:أمّا بعد فقد بلغني أنّ حسينا قد توجّه نحو العراق فضع المناظر و احترس و اقتل على التهمة،و اكتب إليّ في كلّ يوم ما يحدث[من خبر إن شاء اللّه] (1).ر.

ص: 214


1- -زيادة في المصدر.

الفصل الثالث: في مقتله عليه السلام و ما لحقه بعد ذلك

اشارة

قال الشيخ المفيد طاب ثراه:و كان خروج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجّة سنة ستّين،و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون من يوم عرفة و كان توجّه الحسين عليه السّلام من مكّة إلى العراق يوم التروية بعد أن أقام بمكّة بقيّة شعبان و رمضان و شوّال و ذي القعدة و ثمان من ذي الحجّة،و كان قد اجتمع عليه بمقامه بمكّة جماعة من أهل الأمصار فطاف بالبيت و سعى و أحلّ و جعلها عمرة لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ،لأنّه خاف أن يقبض عليه فينفذ إلى يزيد بن معاوية (1).

و عن الواقدي و زرارة بن صالح قالا:لقينا الحسين قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيّام، فأخبرناه أنّ أهل الكوفة قلوبهم معه و سيوفهم عليه فأومى بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة فقال:لولا حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء و لكن اعلم أنّ هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ (2).

و روى أنّه لحقه عبد اللّه بن العبّاس فأشار عليه بالإمساك عن السير إلى العراق فقال له:

إنّ رسول اللّه أمرني بأمر و أنا ماض فيه فخرج ابن عبّاس يقول:وا حسيناه ثمّ جاء عبد اللّه بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذّره من القتل و القتال فقال:يا أبا عبد اللّه أما علمت أنّ من هوان الدّنيا على اللّه تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّا ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا،فلم يعجّل اللّه عليهم بل أخذهم

ص: 215


1- -بحار الأنوار:363/44،و إعلام الورى:445/1.
2- -بحار الأنوار:364/44،و دلائل الإمامة:182.

بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام،اتّق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدع نصرتي (1).

و روي أنّه صلوات اللّه عليه لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال؛الحمد للّه و ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه و صلّى اللّه على رسوله و سلّم؛خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة،و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأنّي بأوصالي يقطعها ذئاب الفلوات بين النواويس و كربلا فيملأن مني أكراشا،لا محيص عن يوم خط بالقدم رضاء اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا اجور الصابرين من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل غدا إن شاء اللّه تعالى،ثمّ سار حتّى بلغ التنعيم فلقى هناك عيرا تحمل هدية من عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية و عليها الورس و الحلل فأخذها صلوات اللّه عليه،لأنّ حكم امور المسلمين إليه فسار حتّى بلغ ذات عرق فسأله عن أهلها فقال:خلّفت القلوب معك و السيوف مع بني أميّة فقال:صدقت إنّ اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،ثمّ سار حتّى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثمّ استيقظ فقال:قد رأيت هاتفا يقول:أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلى الجنّة فقال له ابنه عليّ:يا أبه فلسنا على الحقّ؟

فقال:بلى يا بني فقال:يا أبه إذا لا نبالي بالموت،فقال:جزاك اللّه يا بني خير ما جزا ولدا عن والد.

و اتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أنّ الحسين قصد العراق فكتب إلى ابن زياد:أمّا بعد،فإنّ الحسين قد توجّه إلى العراق و هو ابن فاطمة بنت رسول اللّه فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك و قومك أمرا في هذه الدّنيا لا تنساه الخاصّة و العامّة أبدا ما دامت الدّنيا،فلم يلتفت ابن زياد إلى كتابه (2).

و عن الطرماح بن حكم قال:لقيت الحسين عليه السّلام في الطريق فقلت:لا يغرّنك أهل الكوفة فو اللّه إن دخلتها لتقتلن،فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل آجا فإنّه جبل منيع و قومي ينصرونك ما أقمت بينهم،فقال:إنّ بيني و بين القوم موعدا أكره أن أخلفهم فإن يدفع اللّه عنّا7.

ص: 216


1- -بحار الأنوار:365/44،و كلمات الإمام الحسين:325.
2- -بحار الأنوار:367/44،و العوالم:217.

فقديما ما أنعم علينا و كفى،و إن يكن ما لا بدّ منه ففوز و شهادة إن شاء اللّه.ثمّ حملت الطعام إلى أهلي و أوصيتهم بامورهم و خرجت اريد الحسين،فلقيني سماعة بن يزيد فأخبرني بقتله و رجعت (1).

و حدّث جماعة من فزارة قالوا:كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة و نحن نساير الحسين فإذا نزل في جانب نزلنا في جانب آخر فبينا نحن نتغدّى من طعام إذ أقبل رسول الحسين عليه السّلام فقال:يا زهير بن القين إنّ أبا عبد اللّه الحسين بعثني إليك لتأتيه،فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده فقالت له امرأته:سبحان اللّه يبعث إليك ابن رسول اللّه ثمّ لا تأتيه،فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه،فأمر بفسطاطه و رحله فحوّل إلى الحسين ثمّ قال لامرأته:أنت طالق و الحقي بأهلك فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خيرا و قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بروحي.ثمّ سلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها،فقامت إليه و بكت و ودّعته و قالت:خار اللّه لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السّلام.

و قال المفيد:ثمّ قال زهير لأصحابه:من أحبّ منكم من يتبعني و إلاّ فهو آخر العهد، إنّي سأحدّثكم حديثا؛غزونا البحر ثمّ فتح اللّه علينا و أصبنا غنائم،فقال لنا سلمان:أفرحتم بما فتح اللّه عليكم؟

قلنا:نعم،فقال:إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ممّا أصبتم من الغنائم،فأمّا أنا فأستودعكم اللّه،و كان مع الحسين عليه السّلام حتّى قتل معه،و لمّا نزل الخزيمة بات بها ليلة،فلمّا أصبح أقبلت إليه اخته زينب فقالت:يا أخي سمعت البارحة هاتفا يقول شعر:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد *** و من يبكي على الشهداء بعدي

إلى قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السّلام:يا أختاه كلّ الذي قضى اللّه هو كائن (2).

و روى عبد اللّه بن سليمان و المنذر الأسدي قالا:قضينا حجّنا و لحقنا بالحسين عليه السّلام4.

ص: 217


1- -بحار الأنوار:369/44،و العوالم:219.
2- -المناقب:245/3،و بحار الأنوار:372/44.

بزرود،فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من الكوفة و قد عدل عن الطريق فلحقناه و قلنا له اخبرنا عن الناس قال:لم أخرج من الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة و رأيتهما يجرّان بأرجلهما في السوق،فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين عليه السّلام فقلنا:إنّ عندنا خبرا إن شئت حدّثناك به علانية و إن شئت سرّا فنظر إلى أصحابه و قال:ما دون هؤلاء ستر،فقلنا:اخبرنا الراكب بقتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة،فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون رحمة اللّه عليهما،فقلنا:

ننشدك اللّه الاّ انصرفت من مكانك و انّا نتخوّف عليك،فنظر إلى بني عقيل فقال:ما ترون فقد قتل مسلم؟

فقالوا:ما نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق،فقال:لا خير في العيش بعد هؤلاء الفتية،فعلمنا أنّه عزم على المسير،فقلنا له:خار اللّه لك (1).

و في رواية اخرى:إنّه لمّا أخبر بقتل مسلم أمّا أنّه قد قضى ما عليه و بقى ما علينا،ثمّ قال شعر:

فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة *** فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل

و إن تكن الأبدان للموت انشئت *** فقتل امرء بالسيف في اللّه أفضل

و إن يكن الأرزاق قسما مقدّرا *** فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل

و إن تكن الأموال للترك جمعها *** فما بال متروك به الحرّ يبخل

ثمّ سار حتّى مرّ ببطن العقبة فلقيه شيء من بني عكرمة،فقال للحسين عليه السّلام:أنشدك اللّه لما انصرفت فو اللّه ما تقدم إلاّ على الأسنّة و حدّ السيوف فقال؛لا يخفى عليّ الرأي،ولكن اللّه تعالى لا يغلب على أمره،ثمّ قال:و اللّه لا يتركونني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي،فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الامم،ثمّ سار حتّى انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه،فقال له الحسين عليه السّلام:لم كبّرت فقال:رأيت النخل.

قال جماعة من أصحابه:ما عهدنا هنا نخل،فقال الحسين عليه السّلام:ما ترون؟

قالوا:نرى أسنّة الرّماح و اذان الخيل،فقال:و أنا أرى ذلك فأخذوا ذات اليسار3.

ص: 218


1- -بحار الأنوار:372/44،و العوالم:223.

و طلعت عليهم هوادي الخيل و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ حتّى وقفوا مقابل الحسين عليه السّلام في حرّ الظهيرة،فقال الحسين عليه السّلام لأصحابه:اسقوا القوم و اسقوا خيولهم من الماء ففعلوا،و كان ابن زياد بعثه يستقبل الحسين فلم يزل الحرّ موافقا للحسين و قال:إنّ ابن زياد لم يأمرني بقتالك ولكن أمرني أن أدخلك الكوفة فلم يقبل عليه السّلام و أخذا طريقا وسطا حتّى وصلا إلى نينوى إلى الحرّ إذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين و أصحابه و لا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضرة و لا ماء،و كان ذلك اليوم يوم الخميس و هو الثاني من المحرّم سنة إحدى و ستّين فقام الحسين عليه السّلام خطيبا في أصحابه و قال:إنّه قد نزل من الأمر ما ترون و أنّ الدّنيا تغيّرت و تنكّرت و أدبر معروفها،و إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة.

فقام زهير بن القين و قال:يابن رسول اللّه لو كانت الدّنيا لنا باقية لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها و تكلّم أصحابه عليه السّلام مثل كلام زهير فساروا مع الحرّ حتّى نزلوا كربلاء في اليوم الثامن من المحرّم و قال:هذه أرض كرب و بلاء،فبكى ساعة و قال:اللّهمّ إنّا عترة نبيّك و قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدّنا و تعدّت بنو اميّه علينا،ثمّ قال:هذه الأرض مناخ ركابنا و محطّ رحالنا و مقتل رجالنا و سفك دمائنا.

و كتب الحرّ إلى ابن زياد:إنّ الحسين نزل كربلاء،فأرسل عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس فنزل نينوى و أرسل إلى الحسين عليه السّلام:ما الذي أتى بك؟

فقال:كتبكم،فإذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم،ثمّ إنّ ابن زياد أرسل إليه الخيل و الرجال حتّى تكاملت عنده ثلاثون ألفا فنزلوا على شاطئ الفرات و حالوا بينه و أصحابه و بين الماء و أضرّ العطش بأصحاب الحسين،فأخذ عليه السّلام فأسا و حفر فنبعت عين من الماء فشربوا بأجمعهم و غارت العين و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى ابن سعد:أن امنعهم حفر الآبار و لا تدعهم يذوقوا الماء.فبعث عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس،فنزلوا على الشريعة و حالوا بين الحسين و بين الماء و ذلك قبل قتل الحسين عليه السّلام بثلاثة أيّام و نادى ابن حصين:يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنّه كبد السماء و اللّه لا تذوقون منه قطرة حتّى تموتوا عطشا، فقال الحسين عليه السّلام:اللّهم اقتله عطشا.

قال حميد بن مسلم:و اللّه لقد رأيته بعد ذلك يشرب الماء ثمّ يقيئه و يصيح العطش

ص: 219

العطش،و هكذا حتّى خرجت روحه و لمّا رأى الحسين عليه السّلام نزول العساكر مع ابن سعد أرسل إليه:أريد أن ألقاك فاجتمعا و تناجيا طويلا ثمّ رجع ابن سعد إلى مكانه و كتب إلى ابن زياد:

هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو إلى أحد الثغور،فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم،فلمّا قرأ الكتاب قال:هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمر فقال:لئن رحل الحسين من بلادك ليكوننّ قويّا و أنت ضعيفا فلا تعطه هذه المنزلة ولكن ينزل على حكمك،فقال ابن زياد:نعم ما رأيت فكتب إلى ابن سعد:لم أبعثك إلى الحسين لتمنّيه السلامة و لا لتكون له عندي شفيعا انظر إن نزل حسين على حكمي فابعث به إليّ سالما و إن أبى فاقتله و أصحابه و مثّل بهم،فإن قتلت حسينا فاوطء الخيل صدره و ظهره فإنّه عات ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع،و إن أبيت فاعتزل و خل بين شمر و بين العسكر.

فأقبل شمر بكتاب ابن زياد إلى ابن سعد،فلمّا قرأ الكتاب قال:لا قرّب اللّه دارك و اللّه إنّي لأظنّك نهيته عمّا كتبت به إليه و اللّه لا يبايع حسين؛إنّ نفس أبيه بين جنبيه،فقال له الشمر:إن لم تمض لأمر أميرك،و إلاّ فخلّ بيني و بين الجند.

قال:لا و كرامة لك ولكن أنا أتولّى ذلك و دونك فكن على الرّجالة،و جاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين فقال:أين بنو أختنا،فخرج إليه جعفر و العبّاس و عثمان بنو عليّ فقال لهم:أنتم يا بني أختي آمنون فقالوا له:لعنك اللّه و لعن إمامك أتؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له.

ثمّ نادى ابن سعد:يا خيل اللّه اركبي،فرجف الناس إليهم بعد العصر و الحسين عليه السّلام جالس أمام بيته مختبئ بسيفه فخفق برأسه على ركبتيه و سمعت اخته الصيحة فدنت من أخيها و قالت:يا أخي ما تسمع هذه الأصوات؟فرفع الحسين عليه السّلام رأسه فقال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الساعة في المنام و و يقول:إنّك تروح إلينا غدا فلطمت وجهها و نادت بالويل، فقال الحسين عليه السّلام للعبّاس:امض إليهم و أخّرهم إلى غد لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة و ندعوه و نستغفره،فمضى إليهم و أجّلوه إلى غد فجمع أصحابه عند السماء فقال لهم:إنّي أذنت لكم فانطلقوا في حلّ هذا الليل قد غشيكم فقالوا:نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا اللّه ذلك أبدا،

ص: 220

بدأهم بذلك العبّاس.

ثمّ قام إليه ابن عوسجة فقال:لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لو علمت أنّي اقتل ثمّ احيا ثمّ احرق ثمّ احيا ثمّ اذرّى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك و إنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها،و تكلّموا مثل كلامه فجزاهم الحسين عليه السّلام خيرا و انصرف إلى منزله.

و قيل لبشر بن محمد الحضرمي في تلك الحال:قد أسر ابنك بثغر الريّ،فقال:عند اللّه أحتسبه و نفسي فسمع الحسين عليه السّلام قوله فقال له:أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال:أكلتني السباع حيّا إن فارقتك فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار لفكاك ابنه و بات الحسين عليه السّلام و أصحابه تلك الليلة و لهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد.

فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليه السّلام بفسطاط فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير،فجعل فيها نورة ثمّ دخل ليطلي و أصحابه بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن الأنصاري،فقال له عبد الرحمن:ما هذه ساعة ضحك،فقال:إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه،فو اللّه ما هو إلاّ نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثمّ نعانق الحور العين.

و قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها فدخل أبي في خباء له يعالج سيفه و يصلحه و يقول شعر:

يا دهر اف لك من خليل *** كم لك في الإشراق و الأصيل

من طالب و صاحب قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل

و إنّما الأمر إلى الجليل *** و كلّ حيّ سالك سبيلي

فعلمت ما أراد فخنقتني العبرة و علمت أنّ البلاء قد نزل،و أمّا عمّتي زينب فلم تملك نفسها فمشت تجرّ ثوبها حتّى انتهت إليه و قالت:وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت امّي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن،يا خليفة الماضي و ثمال الباقي فقال لها:يا اختاه لا يذهبن حلمك الشيطان و ترقرقت عيناه بالدموع و قال:لو ترك القطا لنام،فقالت:يا ويلتاه تغصب نفسك اغتصابا،ثمّ لطمت وجهها و شقّت جيبها و خرّت مغشيّة عليها فصبّ

ص: 221

الحسين عليه السّلام على وجهها الماء و قال:يا اختاه اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ثمّ قال:أقسم عليك إذا أنا قتلت فلا تشقّي عليّ جيبا و لا تخمشي عليّ وجها،ثمّ خرج إلى أصحابه و أمرهم أن يقرّبوا بين بيوتهم و أن يشدّوا الأطناب بعضها في بعض ليقاتلوا القوم من وجه واحد.

فلمّا كان وقت السحر خفق برأسه خفقة ثمّ استيقظ فقام و قال:رأيت كأنّ كلابا شدّت عليّ لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدّ عليّ و أظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص،ثمّ رأيت بعد ذلك جدّي في جماعة من أصحابه و هو يقول:يا بني أنت شهيد آل محمّد و قد استبشر بك أهل السماوات،فليكن إفطارك عندي الليلة عجّل و لا تؤخّر فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء،فهذا ما رأيت.و قد اقترب الرحيل من هذه الدّنيا فأصبح فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا (1).

و في رواية اخرى اثنان و ثمانون راجلا.

و عن الباقر عليه السّلام:كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل،فكان زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في الميسرة و على رايته العبّاس و أصبح ابن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة.

و قيل:يوم السبت و عبّأ أصحابه،و كان على الميمنة عمرو بن الحجّاج و على الميسرة شمر بن ذي الجوشن (2).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:لمّا أقبلت الخيل على الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال:اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت به العدوّ أنزلته لديك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته،فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة،فأقبل القوم يحولون حول الحسين عليه السّلام و تقدّم الحسين عليه السّلام إلى القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل و قال:أمّا بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثمّ راجعوات.

ص: 222


1- -بحار الأنوار:3/45،و العوالم:247.
2- -البداية و النهاية:193/8.بتفاوت.

أنفسكم و عاتبوها،فانظروا هل يحلّ لكم قتلي؟

ألست ابن نبيّكم و ابن وصيّه،أما بلغكم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيّ و في أخي هذان سيّدا شباب أهل الجنّة،و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟أ لم تكتبوا إليّ؟

فقال له قيس بن الأشعث:ما يقول؟

فقال عليه السّلام في خطبة خطبها في ذلك الموقف:اللّهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنينا كسنيّ يوسف و سلّط عليهم غلام ثقيف لا يدع أحدا منهم إلاّ قتله ينتقم لي و لأوليائي،يابن سعد تقتلني تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدّعي بلاد الري و جرجان و اللّه لا تهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا،و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماه الصبيان و يتّخذونه هدفا فاغتاظ من كلامه ثمّ نادى ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم إنّما هم أكلة واحدة،ثمّ نادى ابن سعد:يا دريد ادن رايتك فأدناها ثمّ وضع سهما في كبد قوسه ثمّ رمى و قال:اشهدوا إنّي أوّل من رمى الحسين و أصحابه،فرمى أصحابه كلّهم،فما بقي من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا ثمّ صاح الحسين:أما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه،أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه.

ثمّ تبارزوا و كان كلّ من خرج من أصحاب الحسين عليه السّلام ودّعه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه،فيقول له:و عليك السلام و نحن خلفك و يقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1)،و برز إليهم عبد اللّه الكلبي و كانت معه امّه فقالت:قم يا بني و انصر ابن بنت رسول اللّه،فقال:أفعل يا أمّاه فبرز و قاتل حتّى قتل منهم جماعة،فرجع إلى امّه و امرأته فقال:يا أمّاه أرضيت؟

فقالت:ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السّلام فيكون جدّه في القيامة شفيعا لك، فرجع حتّى قتل تسعة عشر فارسا و اثنى عشر راجلا ثمّ قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلامه فقتلها،و هي أوّل امرأة قتلت3.

ص: 223


1- -سورة الأحزاب:23.

في عسكر الحسين عليه السّلام (1)

و روي أنّ امّه أخذت عمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين عليه السّلام:ارجعي أنت و ابنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء،و كان يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم و يقتل من أصحاب عمر الجماعة فلا يبين فيهم لكثرتهم،ثمّ حضر وقت الصلاة و صلّى الحسين بأصحابه صلاة الخوف،و قيل:إنّهم صلّوا فرادى بالإيماء (2).

و روي أنّ سعيد الحنفي تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما جاء إلى الحسين سهم تلقّاه بنفسه حتّى سقط إلى الأرض و هو يقول:اللّهم ابلغ نبيّك عنّي السلام و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح ثمّ مات،فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرّماح.و تقدّم جون مولى أبي ذرّ و كان عبدا أسود فقال له الحسين:أنت في حلّ منّي،فقال:يابن رسول اللّه أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدّة أخذلكم و اللّه إنّ ريحي المنتن و أنّ حسبي اللئيم و لوني أسود و اللّه لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدّم الأسود بدمائكم،فبرز للقتال و قتل جماعة حتّى قتل فوقف عليه الحسين و قال:اللّهم بيّض وجهه و طيّب ريحه و احشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين آل محمّد (3).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ الناس كانوا يدفنون القتلى،فوجدوا الأسود بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك و كان شعره في الحرب،شعر:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود *** بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلنا عن بني محمّد *** أذبّ عنهم باللّسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد *** من الإله الواحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد ***

و خرج إليهم حنظلة فنادى:يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من2.

ص: 224


1- -بحار الأنوار:12/45،و العوالم:256.
2- -بحار الأنوار:17/45،و العوالم:261.
3- -كلمات الإمام الحسين:452.

افترى،ثمّ قال للحسين عليه السّلام:ألا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال:رح إلى ما هو خير لك،فسلّم على الحسين عليه السّلام ثمّ قاتل حتّى قتل،و خرج زهير و هو يرتجز شعر:

أنا زهير و أنا ابن القين *** أذودكم بالسيف عن حسيني

إنّ حسينا أحد السبطين *** من عترة البرّ التقيّ الزينيّ

فقاتل حتّى قتل مائة و عشرين ثمّ قتل رضوان اللّه عليه،و لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و لم يبق إلاّ أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده عليهم السّلام اجتمعوا و ودّع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب،فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و قال شعر:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي *** و فتية بادوا على دين النبيّ

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب *** لكن خيار و كرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب ***

فقتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات و اشترك في قتله الصيداوي و أسد بن مالك و خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يقول،شعر:

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ *** من معشر في هاشم و غالب

فقتل خمسة عشر فارسا،ثمّ قتله بشر بن لوط الهمداني ثمّ خرج أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يقول شعر:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني *** من هاشم و هاشم اخواني

كهول صدق سادة الأقران *** هذا حسين شامخ البنيان

فقتل سبعة عشر فارسا ثمّ قتله عثمان الجهني،و خرج من بعده محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار فقتل منهم عشرة ثمّ قتله عامر التميمي،و خرج من بعده أخوه عون و قتل ثمانية عشر رجلا و ثلاثة فوارس و قتله ابن بطّة،ثمّ خرج القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فاستأذن الحسين عليه السّلام فأبى أن يأذن له فلم يزل يقبّل يديه و رجليه حتّى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خدّيه و هو يقول شعر:

ص: 225

إن تنكروني فأنا ابن الحسن *** سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن

فقتل منهم خمسة و ثلاثين رجلا فضربه عمر الأزدي بالسيف على رأسه فوقع الغلام لوجهه و نادى يا عمّاه،فجاءه الحسين عليه السّلام كالصقر المنقضّ فقتل قاتله و حملت خيل أهل الكوفة فجرحته بحوافرها حتّى مات الغلام فانجلت الغبرة،فإذا الحسين واقف على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين عليه السّلام:يعزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك بعدا لقوم قتلوك،ثمّ احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته،ثمّ برز عبد اللّه بن الحسن و هو يقول شعر:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة *** ضرغام اجام و ليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة ***

فقتل أربعة عشر رجلا ثمّ قتله حرملة بن كاهل الأسدي،ثمّ برز أبو بكر بن الحسن و قتله عبد اللّه بن عقبة،ثمّ تقدّمت اخوة الحسين فبرز منهم أبو بكر بن عليّ ثمّ عثمان بن علييّ.

و عن عليّ عليه السّلام قال:إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:لعلّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما سمّى أولاده بهذه الأسماء مع أنّه لا يحبّها توسيعا على شيعته في ميدان التقيّة،مثلا لو كان رجل من الشيعة في بلاد المخالفين و قيل له:أتحبّ أبا بكر و عمر و عثمان؟يقول:نعم و يحلف على هذا قاصدا إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ خرج جعفر بن علي قتله خولي الأصبحي،و خرج من بعده أخوه عبد اللّه بن علي و قتل و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له،ثمّ خرج محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب و قتله رجل من بني تميم،و خرج من بعده أخوه إبراهيم بن عليّ بن أبي طالب و هؤلاء الثلاثة إخوة العبّاس بن عليّ لامّه و كانت أمّ هؤلاء الأربعة تخرج إلى البقيع فتندبهم و الناس يسمعون و يبكون قالوا:و كان العبّاس سقّاء الحسين عليه السّلام صاحب لوائه و هو أكبر الاخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة فضربه5.

ص: 226


1- -بحار الأنوار:36/45.

على يمينه فأخذ السيف بشماله و قاتل ثمّ قطعت شماله فقاتل حتّى ضربه ملعون بعمود على رأسه،فلمّا رآه الحسين عليه السّلام صريعا على شاطئ الفرات بكى و قال شعر:

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم *** و خالفتموا دين النبيّ محمّد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا *** أما نحن من نجل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراء امّي دونكم *** أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا *** فسوف تلاقوا حرّ نار توقد (1)

و روي أنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين عليه السّلام أتاه و قال:يا أخي هل من رخصة،فبكى الحسين و قال:أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري،فقال العبّاس:قد سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين فقال له:فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء،فركب و أخذ رمحه و القربة و قصد الفرات فأحاطه أربعة آلاف ممّن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فقتل منهم ثمانين رجلا،فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين فرمى بالماء و ملأ القربة و حملها على كتفه فقطعوا عليه الطريق ثمّ قطعوا يده اليمنى فحمل القربة باليسرى ثمّ قطعها نوفل من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة فاريق ماءها ثمّ جاءه سهم أصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين:

أدركني فأتى إليه و حمله إلى الخيمة.

و لمّا قتل العبّاس قال الحسين عليه السّلام:الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي،ثمّ برز القاسم بن الحسين و برز من بعده عليّ بن الحسين و امّه ليلى الثقفية و هو ابن ثماني عشرة سنة و يقال ابن خمس و عشرين سنة و قال الحسين:اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك،كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه،اللّهم امنعهم بركات الأرض (2).

و روي أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثمّ رجع إلى أبيه يشكو العطش فدفع إليه خاتمه يمصّه و قال:امسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك،فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى4.

ص: 227


1- -المناقب:256/3،و بحار الأنوار:41/45.
2- -بحار الأنوار:41/45،و العوالم:284.

يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا،فرجع إلى القتال حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه ملعون على مفرق رأسه و ضربه الناس بأسيافهم،فلمّا بلغت الروح التراقي نادى:يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى و هو يقول:العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة فصاح الحسين:لعن اللّه قوما قتلوك على الدّنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم:فكأنّي أنظر إلى امرأة كأنّها الشمس خرجت مسرعة تنادي:يا نور عيناه،فقيل:هي زينب بنت علي فجاءت و انكبّت عليه فردّها الحسين عليه السّلام إلى الفسطاط و حملوه إلى قتلاهم.

قال أبو الفرج:عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنّى أبا الحسن و امّه ليلى بنت أبي مرّة و هو أوّل من قتل في الوقعة.

ثمّ قالوا:و خرج من تلك الأبنية غلام و في اذنيه درّتان و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه تذبذبان،فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه اللّه فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة ثمّ التفت الحسين عليه السّلام يمينا و شمالا فلم ير أحدا من الرجال،فخرج عليّ ابن الحسين زين العابدين و كان مريضا فقال الحسين:يا امّ كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد و تقدّم الحسين إلى باب الخيمة فقال:ناولوني ابني عليّا الطفل حتّى أودّعه.

و قال المفيد:دعى ابنه عبد اللّه فجعل يقبّله و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه،فتلقّى الحسين عليه السّلام دمه حتّى امتلأت كفّه.ثمّ رمى به إلى السماء و لم يسقط قطرة إلى الأرض ثمّ نظر الحسين إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى، فنادى:يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا امّ كلثوم عليكنّ منّي السلام،فنادته سكينة:يا أبه استسلمت للموت.

قال:كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين فقالت:يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا فقال:

هيهات لو ترك القطا لنام،فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين عليه السّلام فرسه و برز إلى القوم و هو يقول،شعر:

خيرة اللّه من الخلق أبي *** ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين

ص: 228

فضّة قد خلصت من ذهب *** فأنا الفضّة و ابن الذهبين

من له جدّ كجدّي في الورى *** أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء امّي و أبي *** قاصم الكفر ببدر و حنين

عبد اللّه غلاما يافعا *** و قريش يعبدون الوثنين

فأبي شمس و امّي قمر *** فأنا الكوكب و ابن القمرين

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنى منه حتّى قتل مقتلة عظيمة،قال بعضهم:

و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه،و إنّه كان يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب،و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر،و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد:الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب،فاحملوا عليه من كلّ جانب.و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس:أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب،فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام فقال الحسين عليه السّلام:اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين عليه السّلام يده فغرف من الماء فقال فارس:يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك،فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة.

ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته،فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال:اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة،اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم،أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول:يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي،و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة و قيل ألف و تسعمائة جراحة.

ص: 229

و قال الباقر عليه السّلام:اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ (1).

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال:بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال:إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره،فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح،فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء،ثمّ وضع يده ثانيا،فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال:هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال،فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن اليسر لعنه اللّه،فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته:تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه،اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين.

ثمّ إنّ شمر حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال:عليّ بالنار أحرقه على من فيه،فقال له الحسين عليه السّلام:أحرقك اللّه بالنار،فقال الحسين عليه السّلام لأهله:ابعثوا إليّ ثوبا خلقا اجعله تحت ثيابي لئلاّ أجرّد،فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه،فلمّا قتل جرّدوه منه ثمّ استدعى بسراويل من حبره ففزرها و لبسها،فلمّا قتل سلبها بحر بن كعب و تركه مجرّدا،فكانت يدا بحر بعد ذلك يبسان في الصيف و ينضحان الماء في الشتاء إلى أن مات.

و لمّا أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن و خرجت زينب من الفسطاط تنادي:وا أخاه وا سيّداه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل،و صاح شمر:ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه رجل ضربة بالسيف كبا منها لوجهه و طعنه سنان1.

ص: 230


1- -أمالي الصدوق:228 ح 1.

في ترقوته و رما أيضا بسهم وقع في نحره فنزع عليه السّلام السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته يقول:هكذا ألقى اللّه مخضبا بدمي.

فقال ابن سعد لرجل:انزل إلى الحسين و أرحه،فبدر إليه خولي الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد و نزل إليه سنان النخعي فضربه بالسيف على حلقه الشريف و هو يقول:و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أبا و أمّا،ثمّ احتزّ رأسه المقدّس (1).

و روي أنّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة،ثمّ قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب (2).

و قيل:الذي قطع رأس الحسين هو الشمر لعنه اللّه،و قيل:بل جاء إليه شمر و سنان و الحسين عليه السّلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر برجله و قال:يابن أبي تراب ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه،فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده فاحتزّ رأسه (3).

و روي أنّ فرس الحسين عليه السّلام يحامي عنه و يثب على الفارس فيحبطه عن سرجه و يدوسه حتّى قتل أربعين رجلا،ثمّ نزع في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض و في حين قتله ارتفعت في السماء غبرة شديدة و سواد مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين و لا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم،فلبثوا ساعة ثمّ انجلت عنهم (4).

و عن هلال بن نافع قال:إنّي لواقف مع أصحاب ابن سعد إذ صرخ صارخ:ابشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين،فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه و أنّه ليجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فقال له رجل:لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.5.

ص: 231


1- -بحار الأنوار:55/45،و العوالم:298.
2- -بحار الأنوار:55/45،و العوالم:298.
3- -بحار الأنوار:56/45،و العوالم:300.
4- -المناقب:215/3،و بحار الأنوار:57/45.

فقال:بل أرد على جدّي و أسكن معه في داره و أشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم منّي،فاحتزّوا رأسه و هو يكلّمهم فتعجّبت من قلّة رحمهم.

فقلت:و اللّه لا أجامعكم على أمر أبدا،ثمّ أقبلوا على سلب الحسين،فأخذ قميصه إسحاق الحضرمي فلبسه فصار أبرص،و أخذ سراويله بحر بن كعب ثمّ صار زمنا مقعدا،و أخذ عمامته خنس بن علقمة فاعتمّ بها فصار مجنونا مجذوما،و أخذ درعه مالك الكندي فصار معتوها،و أخذ نعليه الأسود بن خالد و أخذ خاتمه بجدل الكلبي فقطع اصبعه عليه السّلام مع الخاتم و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تشحّط بدمه حتّى مات و أخذ قطيفة له من خزّ قيس بن الأشعث،و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد و أخذ سيفه جميع الأزدي و هذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار،و أنّ ذلك كان مذخورا مع أمثاله من ذخائر النبوّة و الإمامة.و تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها (1).

و روى حميد بن مسلم قال:رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد،فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين فسطاطهنّ و هم يسلبونهنّ أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت:يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه لا حكم إلاّ للّه يا ثارات رسول اللّه،فأخذها زوجها و ردّها إلى رحله ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار فخرجن مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة،و قلن:بحقّ اللّه الاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين،و تنادى بصوت حزين:وا محمّداه هذا حسين مرمّل بالدّماء مقطّع الأعضاء و بناتك سبايا إلى اللّه المشتكى و إلى محمّد المصطفى و آل عليّ المرتضى،هذا حسين بالعراء يسفى عليه الصبا اليوم مات جدّي رسول اللّه يا حزناه يا كرباه يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرّية المصطفى يساقون سوق السبايا و هذا حسين محزوز الرأس من القفا،بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا هو غائب فيرجى و لا جريح فيداوى بأبي المهموم حتّى قضا،بأبي العطشان حتّى مضى،بأبي من شيبته تقطر بالدماء،فأبكت كلّ عدوّ و صديق ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السّلام فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه.2.

ص: 232


1- -بحار الأنوار:58/45،و العوالم:302.

و نادى ابن سعد:من يوطء ظهر الحسين بالخيل؟فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق و أخنس بن مرثد و حكيم بن طفيل و عمرو بن صبيح و رجاء العبدي و سالم بن خيثمة و صالح الجعفي و واخط بن ناغم و هاني الحضرمي و أسيد بن مالك،فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتّى رضوا ظهره و صدره.

قال أبو عمرو الزاهد:فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا و هؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا (1).

و روي أنّهم لمّا دخلوا خيمة النساء أخذوا ما كان فيها حتّى أفضوا إلى قرط كان في اذني امّ كلثوم اخت الحسين عليه السّلام فأخذوه و خرموا اذنها و قالت فاطمة الصغرى:كنت واقفة بباب الخيمة و أنا أنظر إلى أبي و أصحابه كالأضاحي على الرّمال،و أنا أفكّر فيما يكون إليه أمرنا بعد أبي،فإذا براكب يسوق النساء بكعب رمحه و قد أخذ ما عليهن من أخمرة و أسورة و هن يصحن:وا جدّاه وا أبتاه وا عليّاه وا قلّة ناصرتاه أما من مجير يجيرنا،فضربني بكعب الرمح فسقطت على وجهي فخرم أذني و أخذ قرطي و مقنعتي و ترك الدماء تسيل على خدّي و إذا بعمّتي تبكي و تقول:قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات و أخيك العليل،فقلت:

يا عمّتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظّارة؟

فقالت:و عمّتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفا و ظهرها أسود من الضرب فما رجعت إلى الخيمة إلاّ و هي قد نهبت و ما فيها و أخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الأسقام،فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا.و جاء عمر بن سعد فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليسترن به فقال:من أخذ من متاعهم فليردّه فو اللّه ما ردّ أحد منهم شيئا،ثمّ إنّ ابن سعد سرح برأس الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم إلى ابن زياد ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر إلى الكوفة و أقام يومه ذلك،فجمع قتلاه و صلّى عليهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه على التراب.

فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلّوا عليهم و دفنوهم و كانوا2.

ص: 233


1- -بحار الأنوار:58/45،و العوالم:302.

يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضاء،و كانت رؤوسهم ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليقربوا بها إلى يزيد و ابن زياد،فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث،و جاءت هوازن باثنى عشر رأسا و صاحبهم شمر لعنه اللّه و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و جاءت بنو أسد بستّة عشر رأسا،و صاحبهم مدحج بسبعة رؤوس،و جاءت سائر الناس بثلاثة رؤوس (1).

و عن محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام قال:قتل مع الحسين عليه السّلام سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة يعني بنت أسد أمّ عليّ عليه السّلام (2).

و روى الشيخ في المصباح عن عبد اللّه بن سنان قال:دخلت على الصادق عليه السّلام يوم عاشوراء فلقيته حزينا باكيا فسألته فقال:هذا اليوم الذي أصيب فيه الحسين فقلت:ما تقول في صومه؟

فقال:صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء،فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه و في الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم يعزّ على رسول اللّه مصرعهم،و لو كان في الدّنيا حيّا لكان هو المعزّى بهم.

ثمّ قال:لمّا خلق اللّه النور خلقه يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان و خلق الظلمة يوم الأربعاء يوم عاشوراء (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال لي:يا بني إنّك ستساق إلى العراق و تستشهد بها و معك جماعة لا يجدون ألم مسّ الحديد و تلى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ،يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم،فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ثمّ أمكث ما شاء اللّه فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين و قيام قائمنا و حياة رسول7.

ص: 234


1- -العوالم:306.
2- -بحار الأنوار:63/45 ح 2،و العوالم:342 ح 2.
3- -مستدرك الوسائل:52/57.

اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لينزلن محمّد و عليّ و جميع من منّ اللّه علينا على جمال من نور لم يركبها مخلوق و لينزلنّ إلى جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و جنود من الملائكة ثمّ ليدفعن محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لواءه و سيفه إلى قائمنا ثمّ نمكث ما شاء اللّه ثمّ تخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن و عينا من ماء و عينا من لبن ثمّ يدفع أمير المؤمنين عليه السّلام إلي سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يبعثني إلى المشرق و المغرب،فلا أتى عدوّ للّه إلاّ أهرقت دمه و لا صنما إلاّ أحرقته حتّى أفتح الهند و إنّ دانيال و يوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم،ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها حتّى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب و أخير اليهود و النصارى و أهل الملل بين الإسلام و السيف،و لا يبقى أحد من شيعتنا إلاّ بعث اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه أزواجه و منزلته في الجنّة و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلاّ كشف اللّه عنه بنا أهل البيت و لتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء،ثمّ إنّ اللّه ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض و ما كان فيها حتّى أنّ الرجل يريد أن يعلم علمه أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون (1).

و في كتاب الأمالي عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام قالت:دخلت العامّة علينا و أنا جارية صغيرة و في رجلي خلخالان من ذهب،فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي و هو يبكي، فقلت:ما يبكيك يا عدوّ اللّه؟

فقال:كيف لا أبكي و أنا أسلب بنت رسول اللّه،قلت:فلا تسلبني.

قال:أخاف أن يجيء غيري فيسلبه،و انتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا.

و عن محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال:لمّا همّ الحسين عليه السّلام بالخروج من المدينة اجتمعت نساء بني عبد المطّلب للنياحة فمنعهنّ الحسين عليه السّلام فقلن له:فلمن نستبقي النياحة و البكاء،فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و علي و فاطمة،و قالت له بعض عمّاته:يا حسين سمعت الجنّ ناحت لنوحك شعر:5.

ص: 235


1- -العوالم:346 ح 2،و الشيعة في أحاديث الفريقين:125.

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقابا من قريش فذلّت (1)

و روي عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:خرجنا مع الحسين عليه السّلام فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا و قتله و قال يوما:و من هوان الدّنيا على اللّه عزّ و جلّ أنّ رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل (2).2.

ص: 236


1- -أمالي الصدوق:228،و بحار الأنوار:82/45.
2- -بحار الأنوار:175/14،و ميزان الحكمة:910/2.
شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما

و في كتاب الأمالي:مسندا إلى أبي محمّد شيخ لأهل الكوفة في شهادة ولدي مسلم الصغيرين قال:لمّا قتل الحسين بن علي أسر من عسكره غلامان صغيران فأتي بهما عبيد اللّه بن زياد فدعا سجّانا له و قال:خذ هذين الغلامين و لا تطعمهما من طيب الطعام و لا تسقهما من الماء البارد و ضيّق عليهما في السجن،و كان الغلامان يصومان النهار فإذا جنّهما الليل أتي لهما بقرصين من شعير و كوز ماء فصارا في الحبس طول السنة،فقال أحدهما للآخر:يا أخي يوشك أن تفنى أعمارنا في السجن و تبلى أبداننا فإذا جاء الشيخ فاعلمه بحالنا لعلّه يوسّع علينا في طعامنا،فأقبل الشيخ بقرصين من شعير،فقال له الغلام الصغير:يا شيخ أتعرف محمّدا؟

قال:هو نبيّي كيف لا أعرفه،قالوا:أتعرف عليّ بن أبي طالب؟

قال:هو ابن عمّ النبيّ.

قال له:يا شيخ نحن من عترة النبيّ من ولد مسلم بن عقيل و قد ضيّقت علينا السجن فانكبّ الشيخ يقبّل أقدامهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء هذا باب السجن مفتوح فخذا أيّ طريق شئتما.

فلمّا جنّهما الليل أتى لهما بقرصين من شعير و كوز من ماء و وقفهما على الطريق و قال لهما:سيرا الليل و اكمنا النهار ففعل الغلامان ذلك،فلمّا جنّهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها:إنّا غلامان صغيران غريبان لا نعرف الطريق أضيفينا سواد هذه الليلة،فقالت لهما:فمن أنتما فما شممت ريحة أطيب من ريحتكما؟فقالا:نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل،فقالت العجوز:يا حبيبي إنّ لي صهرا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيد اللّه بن زياد أتخوّف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما،قالا:سواد هذه الليلة،قالت:

سآتيكما بطعام.

ص: 237

فلمّا و لجا الفراش قال الصغير للكبير:يا أخي إنّا نرجو أن نكون قد آمنّا ليلتنا هذه فتعال حتّى اعانقك و تعانقني و أشمّ ريحك و تشمّ ريحي قبل أن يفرّق الموت بيننا،ففعل الغلامان ذلك و اعتنقا و ناما.

فلمّا كان في بعض الليل أقبل صهر العجوز الفاسق حتّى قرع الباب فدخل و قد أصابه التعب،فقال:هرب غلامان من عسكر ابن زياد فنادى من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم و من جاء برأسيهما فله ألفا درهم و قد تعبت و لم يصل في يدي شيء،قالت العجوز:يا صهري احذر أن يكون خصمك محمّد في القيامة،فقال:الدّنيا محرص عليها،فأكل الملعون و شرب،فلمّا كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف الليل،فأقبل يلمس بكفّه جدار البيت حتّى وقعت يده على جنب الغلام الصغير فقال:من هذا؟

قال:أمّا أنا فصاحب المنزل،فمن أنتما؟فأقبل الصغير يحرّك الكبير و يقول له:قم فقد وقعنا فيما كنّا نحذره.

قال لهما:من أنتما؟قالا له:إن صدقناك فلنا الأمان؟

قال:نعم،فأخذا عليه العهود المؤكّدة[ثم] (1)قالا:يا شيخ نحن من عترة نبيّك محمّد هربنا من سجن ابن زياد من القتل فقال:من الموت هربتما و إلى الموت وقعتما،الحمد للّه الذي أظفرني بكما،فشدّ أكتافهما إلى الصباح،فلمّا أصبح دعى غلاما له أسود اسمه فليح فقال:خذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و اضرب أعناقهما و أتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى ابن زياد و آخذ الجائزة،فحمل الغلام السيف و مشى مع الغلامين فقالا له:يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:إنّ مولاي قد أمرني بقتلكما فمن أنتما؟ قالا:نحن من عترة النبيّ هربنا من القتل،فانكبّ الأسود على أقدامهما يقبّلهما و يقول:نفسي لنفسكما الفداء و اللّه لا يكون محمّد خصمي في القيامة،ثمّ رمى السيف و عبر الفرات إلى الجانب الآخر فصاح به مولاه:عصيتني،فقال:إذا أنت عصيت اللّه فأنا منك بريء فدعا ابنه فقال:يا بني إنّما أجمع الدّنيا حلالها و حرامها لك،فخذ هذين الغلامين إلى شاطئ الفرات و أتني برؤوسهما لآخذ الجائزة من ابن زياد فأخذ السيف و مضى مع الغلامين فقال أحدهما:خ.

ص: 238


1- -زيادة في بعض النسخ.

يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنّم.

قال:من أنتما؟قالا:من عترة نبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فانكبّ الغلام على أقدامهما و رمى السيف و عبر الفرات فصاح به أبوه،ثمّ قال الملعون:لا يلي أحد قتلكما غيري و أخذ السيف و مشى معهما،فلمّا نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما و قالا له:يا شيخ انطلق بنا إلى السوق بعنا و خذ أثماننا و لا تجعل محمّدا خصمك في القيامة،فقال:لا،ولكن أقتلكما و أذهب برؤوسكما إلى ابن زياد لأجل الجائزة،فقالا له:فامض بنا إلى ابن زياد حتّى يحكم فينا بأمره،فقال:لا،إلاّ أن أتقرّب بدمكما،قالا له:أما ترحم صغر سنّنا؟

قال:ما جعل اللّه لكما في قلبي من الرحمة شيئا،قالا:إن كان و لا بدّ فدعنا نصلّي ركعات.

قال:فصلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة،فصلّى الغلامان أربع ركعات ثمّ رفعا طرفيهما إلى السماء،فناديا:يا حيّ يا حكيم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ فقام إلى الأكبر فضرب عنقه و وضع رأسه في المخلاة،و أقبل الغلام الصغير يتمرّغ في دم أخيه و يقول:حتّى ألقا رسول اللّه و أنا مختضب بدم أخي ثمّ ضرب عنق الصغير و وضع رأسه في المخلاة و رمى ببدنهما في الماء و هما يقطران دما فكان بدن الأوّل على وجه الفرات ساعة حتّى رمى الثاني فأقبل بدن الأوّل راجعا يشقّ الماء شقّا حتّى التزم بدن أخيه و مضيا في الماء،و جاء إلى ابن زياد فوضع الرأسين بين يديه فقال:الويل لك أين ظفرت بهما؟

قال:أضافتهما عجوز لنا.

قال:فما عرفت لهما حقّ الضيافة؟

قال:لا.

قال:فأيّ شيء قالا لك؟فحكى كلامهما و جوابه لهما قال:أفلا جئتني بهما حيّين فكنت أضعف لك الجائزة و أجعلها أربعة آلاف درهم؟

قال:ما رأيت إلاّ التقرّب إليك بدمهما.

قال:ما قالا لك في آخر صلاتهما؟

قال:قالا:يا أحكم الحاكمين احكم بيننا و بينه بالحقّ.

ص: 239

قال ابن زياد:قد حكم اللّه بينك و بينهما،من للفاسق؟فانتدب له رجل من أهل الشام قال:أنا له.

قال:فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه و لا تترك أن يختلط دمه بدمهما و عجّل برأسه،ففعل الرجل ذلك و جاء برأسه فنصبه على قناة فجعل الصبيان يرمونه بالنبل و الحجارة و يقولون:هذا قاتل ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

أقول:روى هذه القصة في المناقب بتغيير يسير في ألفاظها إلاّ أنّه ذكر أنّ الغلامين اللّذين هربا من عسكر ابن زياد إبراهيم و محمّد و كانا من ولد جعفر الطيّار و ذكر في آخرها أنّ ابن زياد لمّا أمر بقتل الملعون قاتلهما رمى جيفته في الماء فلم يقبل الماء و رمى به إلى الجرف.فأمر ابن زياد أن يحرق بالنار،ففعل به ذلك و صار إلى عذاب اللّه تعالى (1).5.

ص: 240


1- -أمالي الصدوق:148،و بحار الأنوار:105/45.

الفصل الرابع: في الوقائع المتأخّرة عن مقتله عليه السلام

اشارة

إلى رجوع أهل البيت عليهم السّلام إلى المدينة و ما ظهر من أسراره عليه السّلام في تلك الأحوال

قال السيّد ابن طاووس:و سار ابن سعد بالسبايا،فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ،فأشرقت امرأة من الكوفيات فقالت:من أيّ الأسارى أنتنّ؟فقلن:نحن أسارى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فنزلت و جمعت مقانع فأعطتهن فتغطين فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أتنوحون و تبكون من أجلنا،فمن قتلنا؟!

و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السّلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت:يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه،فتبّا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم و أيّ وزر على ظهوركم حملتم و أيّ دماء سفكتموها و أيّ كريمة أصبتموها و أيّ حبيبة سلبتموها و أيّ أموال انتهبتموها؟

فضجّ الناس بالبكاء و الحنين و نشر النساء شعورهنّ و وضعن التراب على رؤوسهنّ فلم ير باكيا و باكية من ذلك اليوم،ثمّ قام زين العابدين عليه السّلام و قال:أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن علي،أنا ابن المذبوح بشط الفرات،أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله سوءة لكم بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذ يقول لكم:قتلتم عترتي فلستم من أمّتي؟

فقالوا كلّهم:نحن يابن رسول اللّه سامعون مطيعون فمرنا بأمرك،فقال:هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل،كلاّ و ربّ الراقصات فإنّ الجرح لمّا يندمل ثمّ قال شعر:

ص: 241

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي *** أصيب حسين كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداءه *** جزاء الذي أرداه نار جهنّما

ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر و أذن إذنا عامّا و جيء برأس الحسين عليه السّلام فوضع بين يديه و ادخل نساء الحسين و صبيانه (1).

و روي عن مسلم الجصّاص قال:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة فبينما أنا أجصّص الأبواب،فإذا بالأصوات ارتفعت من جوانب الكوفة فسألت،فقالوا:الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت:من هذا؟

فقالوا:الحسين بن عليّ،فلطمت وجهي و خرجت فرأيت أربعين جملا تحمل عليها السبايا و الحرم و إذا بعليّ بن الحسين على البعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول شعر:

يا امّة السوء لا سقيا لربعكم *** يا امّة لم تراعى جدّنا فينا

لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية *** كأنّنا لم نشيد فيكم دينا

تصفقون علينا كفّكم فرحا *** و أنتم في فجاج الأرض تسبونا

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا *** و اللّه يهتك أستار المسيئينا

قال:و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز،فصاحت بهم امّ كلثوم و قالت:يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض،قال:و إذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول اللّه و لحيته قد نصل عنها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الريح تلعب بلحيته يمينا و شمالا،فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت رأسها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و جعلت تقول،شعر:

يا هلالا لما استتمّ كمالا *** غاله خسفه فزيد غروبا

ما توهّمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدّرا مكتوبا2.

ص: 242


1- -مثير الأحزان:70،و العوالم:382.

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا *** ماله قد قسى و صار صليبا

ما أذلّ اليتيم حين ينادي *** بأبيه و لا يراه مجيبا

ثمّ وضع رأس الحسين عليه السّلام بين يدي ابن زياد و ادخل عليه نساء الحسين و صبيانه.

فجلست زينب بنت عليّ متنكّرة،فقال لها ابن زياد:الحمد للّه الذي فضحكم،فقالت:إنّما يفتضح الفاسق،فقال:كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟

فقالت:ما رأيت إلاّ جميلا؛هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم،فتحاجّ و تخاصم.

و قال المفيد:لمّا وضع الرأس بين يديه جعل ينظر إليه و يتبسّم و بيده قضيب يضرب به ثناياه،و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه شيخ كبير،فقال:ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو اللّه الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عليها ما لا أحصيه، ثمّ انتحب باكيا،فقال ابن زياد:أتبكي لفتح اللّه لولا أنّك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك،فنهض زيد بن أرقم باكيا إلى منزله،ثمّ أمر ابن زياد بنساء الحسين فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت عليّ:لا يدخلن علينا عربية إلاّ امّ ولد أو مملوكة فإنّهنّ سبيتا و نحن قد سبيتا،ثمّ أمر برأس الحسين عليه السّلام فطيف به في سكك الكوفة، شعر:

رأس ابن بنت محمّد و وصيّه *** للناظرين على قناة يرفع

و المسلمون بمنظر و بمسمع *** لا منكر منهم و لا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماتة *** و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها *** لك حفرة و لخط قبرك مضجع

أيقظت أجفانا و كنت لها كرى *** و أنمت عينا لم يكن بك تهجع

ثمّ إنّ ابن زياد صعد المنبر،و قال في بعض كلامه:الحمد للّه الذي أظهر الحقّ و أهله و نصر المؤمنين و أشياعه و قتل الكذّاب ابن الكذّاب،فقام إليه ابن عفيف الأزدي و كان من الشيعة ذهبت إحدى عينيه في يوم الجمل و الاخرى يوم صفّين فقال:يابن مرجانة إنّ

ص: 243

الكذّاب ابن الكذّاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه،يا عدوّ اللّه تقتلون أبناء النبيّين و تتكلّمون بهذا الكلام على المنابر.

قال:عليّ به،فتبادرته الجلاوزة و أمر بقتله فقال:الحمد للّه ربّ العالمين أمّا إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمّك،و أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه.

فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة،و الآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها، فقال ابن زياد لعنه اللّه:اضربوا عنقه،فضربت عنقه و صلب في السبخة.

و قال المفيد:لمّا أصبح ابن زياد بعث برأس الحسين عليه السّلام فدير به في سكك الكوفة.

فروي عن زيد بن أرقم أنّه لمّا مرّ به و هو على رمح و أنا في غرفة لي،فلمّا حاذاني سمعته يقرأ:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً .

فوقف و اللّه شعري و ناديت:رأسك و اللّه يابن رسول اللّه أعجب و أعجب،ثمّ أنفذ برأس الحسين عليه السّلام و كتب إلى والي المدينة يبشّره بقتل الحسين،فنادى في المدينة بقتله فلم يسمع بكاء قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين حين سمعوا النداء بقتله فدخل بعض موالي عبد اللّه بن جعفر الطيّار فنعى إليه ابنيه فاسترجع،فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه هذا:و اللّه لو شهدته لأحببت أن أقتل معه،الحمد للّه أصيبا مع أخي و ابن عمّي الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكون واسيته بيدي فقد آساءه ولداي،فخرجت امّ لقمان بنت عقيل حين سمعت نعي الحسين حاسرة و معها أخواتها تبكي قتلاها بالطفّ و تقول،شعر:

ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم *** ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي *** منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

و سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي،شعر:

أيّها القاتلون جهلا حسينا *** ابشروا بالعذاب و التنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم *** من نبيّ و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود *** و موسى و صاحب الإنجيل

ص: 244

و سمع قائل في الهوى بالمدينة يقول،شعر:

يا من يقول بفضل آل محمّد *** بلّغ رسالتنا بغير تواني

قتلت شرار بني اميّة سيّدا *** خير البرية ماجدا ذا شأني

ابن المفضّل في السماء و أرضها *** سبط النبيّ و هادم الأوثان

بكت المشارق و المغارب بعدما *** بكت الأنام له بكلّ لسان

و أمّا يزيد بن معاوية،فكتب إلى ابن زياد يأمره بحمل رأس الحسين و أصحابه و نساءه و ثقله،فاستدى ابن زياد بمفخر بن ثعلبة فسلّم إليه الرؤوس و النساء فسار بهم كما يسار بسبايا الكفّار يتفصّح وجوههنّ أهل الأقطار فنزلوا أوّل مرحلة و جعلوا يشربون،فخرجت عليهم كفّ من الحائط معها قلم من حديد فكتب سطر بدم،شعر:

أترجوا أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

و روى ابن لهيعة و غيره قال:كنت أطوف بالبيت،فإذا برجل يقول:اللّهم اغفر لي و ما أراك فاعلا،فقلت له:يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم.

قال:قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام،و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر،فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب.

فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا،فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلى صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على رأس الحسين،فقال جبرائيل:يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط،فقال:لا يا جبرئيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه،ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة و قالوا:إنّ اللّه تعالى أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات،ثمّ قصدني واحد منهم بحربة فقلت:الأمان الأمان يا رسول اللّه فقال:اذهب فلا غفر اللّه لك،فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا.

قال السيّد ابن طاووس:و قال ابن طاووس رحمه اللّه:و ساروا برأس الحسين و السبايا إلى

ص: 245

الشام،فلمّا قربوا من دمشق قالت امّ كلثوم للشمر:حاجتي إليك إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و قل لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا،فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين الناس حتّى أتى باب دمشق فوقفوا على باب المسجد الجامع حيث يقام السبي (1).

و روي عن سهل بن سعد قال:خرجت إلى باب المقدس حتّى أتيت الشام،فإذا أنا بمدينة قد علّقوا الأستار و الحجب و هم مستبشرون و نساؤهم يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت:

هذا ليس يوم عيد،فسألتهم،فقالوا؛هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق،فقلت:

وا عجبا يهدي رأس الحسين و الناس يفرحون،فرأيت الرايات يتلو بعضها بعضا،فإذا فارس على رمحه رأس أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و من ورائه نسوة على جمال،فدنوت من أولاهم فقلت:يا جارية من أنت؟

فقالت:سكينة بنت الحسين،فقلت:أ لك حاجة؟

فقالت:قل لصاحب هذا الرأس يقدمه أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه،فدنوت من صاحب الرأس و أعطيته أربعمائة دينار حتّى قدّم الرأس أمام الحرم و دخلوا على يزيد و دخلت معهم و كان جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت،فدخل صاحب الرأس و هو يقول،شعرا:

املأ ركابي ذهبا و فضّة *** أنا قتلت السيّد المحجّبا

قتلت خير الناس أمّا و أبا *** إذ ينسبون النسبا

قال:لو علمت أنّه خير الناس لم قتلته؟

قال:رجوت الجائزة منك،فأمر بضرب عنقه و خرّ رأسه و وضع رأس الحسين على طبق من ذهب و هو يقول:كيف رأيت يا حسين ثمّ قال:لعن اللّه ابن مرجانة إذ قدم على قتل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما فعلت هذا،ثمّ قال،شعر:

نعلّق هامات من أناس أعزّة *** علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما5.

ص: 246


1- -بحار الأنوار:125/45،و العوالم:425.

و لمّا وضع رأس الحسين ورآه عليّ بن الحسين لم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.

و قال عليّ بن الحسين:فقلت لزيد و أنا مغلول:ما ظنّك برسول اللّه لو رآني في الغلّ؟

فقال لمن حوله:حلّوه،و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته هوت إلى جيبها فشقّته ثمّ نادت بصوت حزين:يا حسيناه يابن مكّة و منى يابن فاطمة الزهراء يابن بنت المصطفى فأبكت من في المجلس،ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكث به ثنايا الحسين فأقبل عليه الأسلمي و قال:ويحك أتنكث ثغر الحسين و لقد رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول:أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة،فقتل اللّه قاتلكما و لعنه و أعدّ له جهنّم،فغضب يزيد و أمر بإخراجه.

ثمّ قال عليّ بن الحسين:ائذن لي يا يزيد حتّى أصعد المنبر،فأذن له.

فلمّا صعد قال في بعض كلامه:أيّها الناس،أنا ابن مكّة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من حجّ و لبّى أنا ابن من حمل على البرق في الهوى أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى،أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى،أنا ابن من صلّى بملائكة السماء،أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى،أنا ابن محمّد المصطفى،أنا ابن عليّ المرتضى،أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا:لا إله إلاّ اللّه،أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين،أنا ابن قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين،بستان حكمة اللّه و عيبة علمه سمح سخيّ بهيّ أبطحيّ مقدام صابر صوّام قاطع الأصلاب و مفرّق الأحزاب أسد باسل يطحنهم في الحروب طحن الرحاء،ليث الحجاز و كبش العراق،مكيّ مدنيّ خيفيّ عقبيّ بدريّ أحديّ شجريّ مهاجريّ من العرب سيّدها و من الوغا ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب،أنا ابن فاطمة الزهراء،أنا ابن سيّدة النساء.

فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و أمر يزيد المؤذّن فقطع عليه الكلام،فلمّا قال المؤذّن:

أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه التفت عليّ بن الحسين عليه السّلام من فوق المنبر إلى يزيد فقال:محمّد هذا جدّي أم جدّك؟فإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته.

ص: 247

و كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود فقال:من هذا الغلام؟

قال يزيد:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و امّه فاطمة بنت محمّد،فقال:

يا سبحان اللّه،فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذرّيته و اللّه لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظنّنا انّا كنّا نعبده من دون ربّنا و أنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوء لكم من أمّة،فأمر به يزيد فضرب على حلقه فقام و هو يقول:إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو قدروني فإنّي وجدت في التوراة أنّ من قتل ذرّية نبيّ لا يزال ملعونا في الدّنيا و إذا مات يصليه اللّه نار جهنّم.

ثمّ إنّ يزيد أمر بنساء الحسين عليه السّلام فحبسن في محبس لا يكنّهم من حرّ و لا برد حتّى تقشّرت وجوههم،و لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلاّ و تحته دم عبيط و أبصروا الشمس على الحيطان حمراء إلى أن خرج عليّ بن الحسين بالنسوة و ردّ رأس الحسين إلى كربلاء (1).

و روي أنّ سكينة رأت في منامها و هي في الشام كأنّ خمس نوق من نور أقبلت و على كلّ ناقة شيخ و الملائكة محدّقة بهم و معهم و صيف يمشي،فقال لي الوصيف:يا سكينة إنّ جدّك يسلّم عليك،فقلت:و على رسول اللّه السلام،من أنت؟

قال:وصيف من وصائف الجنّة قلت:من هؤلاء المشايخ؟

قال:الأوّل آدم صفيّ اللّه و الثاني إبراهيم خليل اللّه و الثالث موسى كليم اللّه و الرابع عيسى روح اللّه،فقلت:من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة و يقوم اخرى؟

فقال:جدّك رسول اللّه،قاصدون إلى أبيك الحسين فجئت أشكو إليه فرأيت خمسة هوادج من نور في كلّ هودج امرأة فقلت:من هذه النسوة؟

قال:الأولى حوّاء امّ البشر و الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران و الرابعة خديجة بنت خويلد و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة و تقوم أخرى،فقال:

جدّتك فاطمة بنت محمّد فوقفت بين يديها أبكي و أقول:يا أمّتاه استباحوا و اللّه حريمنا و قتلوا الحسين أبانا فقالت:يا سكينة كفّي صوتك أقرحت كبدي و قطّعت نياط قلبي هذا5.

ص: 248


1- -أمالي الصدوق:232 ح 4،و بحار الأنوار:140/45.

قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به،ثمّ انتبهت (1).

و روي عن محمّد بن عبد الرحمن قال:لقيني عالم النصارى فقال:و اللّه إنّ بيني و بين داود سبعين أبا و أنّ اليهود لتلقاني فتعظّمني،و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيّكم إلاّ أب واحد قتلتموه (2).

و روي عن زين العابدين عليه السّلام إنّه لمّا أتى برأس الحسين عليه السّلام إلى يزيد كان يشرب الخمر فحضر مجلسه رسول ملك الروم،فقال:هذا رأس من؟

قال:رأس الحسين بن علي أمّه فاطمة بنت رسول اللّه،فقال النصراني:أف لك و لدينك إنّ أبي من نسل داود و النصارى يأخذون من تراب قدمي تبرّكا بي،و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه ما بينه و بينكم إلاّ امّ واحدة،ثمّ قال:إنّ بين عمّان و الصين بحرا ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين و منها يحمل الكافور و الياقوت،أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى و فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار عيسى يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى يطوفون حولها و يقبّلونها،و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه؟

فقال يزيد:اقتلوا هذا النصراني لئلاّ يفضحني في بلاده.

فلمّا أحسّ بالقتل قال:إنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي:يا نصراني أنت من أهل الجنّة فتعجّبت،و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،ثمّ ضمّ رأس الحسين إلى صدره و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل (3).

و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره،فخرجت بنت عبد اللّه بن عامر امرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السّلام حتّى شقّت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت:يا يزيد رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري،فوثب إليها يزيد فغطّاها و قال:ابكي على ابنت بنت رسول اللّه عجّل عليه ابن زياد5.

ص: 249


1- -مثير الأحزان:84،و بحار الأنوار:141/45.
2- -بحار الأنوار:141/45،و العوالم:442.
3- -مثير الأحزان:83،و بحار الأنوار:142/45.

لعنه اللّه فقتله قتله اللّه.

و خرج زين العابدين عليه السّلام يوما يمشي في أسواق دمشق فقيل له:كيف أمسيت يابن رسول اللّه؟

قال:أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها،و أمسينا معشر أهل بيته مغصوبون مقتولون مشرّدون فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و للّه درّ مهيار حيث قال،شعر:

يعظّمون له أعواد منبره *** و تحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأيّ حكم بنوه يتبعونكم *** و فخركم أنّكم صحب له تبع

و دعى يزيد يوما بعليّ بن الحسين و عمرو بن الحسن و عمره إحدى عشر سنة فقال لابن الحسن:أتصارع ابني خالدا؟

فقال له عمر:لا،ولكن أعطني سكّينا و اعطه سكّينا ثمّ أقاتله،قال يزيد:شنشنة أعرفها من أخزم،و هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة.

و قال لعليّ بن الحسين:اذكر حاجاتك الثلاث اللاّتي وعدتك بقضائهنّ؟

فقال:الاولى أن تريني وجه أبي الحسين فأودّعه،و الثانية أن تردّ إلينا ما اخذ منّا، و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهم.

فقال:أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا و أمّا قتلك فقد عفوت عنك،و أمّا النساء ما يؤدّيهن إلى المدينة غيرك،و أمّا ما اخذ منكم فأنا أعوّضكم أضعاف قيمته،فقال:إنّما طلبت ما اخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد و مقنعتها و قلادتها و قميصها،فأمر بردّ ذلك (1).5.

ص: 250


1- -مثير الأحزان:85،و بحار الأنوار:144/45.
الأقوال في الرأس

قال ابن نما:و أمّا الرأس الشريف اختلف الناس فيه،فقال قوم:إنّ عمر بن سعد دفنه بالمدينة لأنّ يزيد أرسل الرأس إلى المدينة بشارة للناس بذلك.

و عن منصور بن جمهور:إنّه دخل خزانة يزيد ثمّ اخرج بعده و دفن بدمشق عند باب مراديس عند برج الثالث كما بيّن مشرف،و حدّثني جماعة من أهل مصر أنّ مشهد الرأس عندهم يسمّونه المشهد الكريم عليه من الذهب شيء كثير يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنّه مدفون هناك،و الذي عليه المعوّل من الأقوال إنّه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه.

و قال السيّد طاب ثراه:فأمّا رأس الحسين عليه السّلام فروي إنّه اعيد و دفن بكربلاء مع جسده الشريف،و كان عمل الطائفة على هذا المعنى.

و روى أبو العلاء الحافظ:إنّه دفن بالبقيع عند قبر أمّه فاطمة عليها السّلام (1).

و ذكروا أنّ سليمان بن عبد الملك بن مروان أخرج الرأس من خزائن بني أميّة و دفنه بدمشق في مقابر المسلمين،فلمّا ولّي ابن عبد العزيز نبشه و أخذه،و اللّه أعلم ما صنع به، فالظاهر من دينه إنّه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده عليه السّلام.

هذه الأقوال للعامّة و المشهور بين علماء الطائفة:إنّه دفن مع جسده ردّه عليّ بن الحسين.

و في أخبار كثيرة:إنّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (2).

و روي إنّ يزيد بعث عليّ بن الحسين و النساء إلى المدينة و مرّوا على كربلاء فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري و جماعة من بني هاشم أتوا إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام و اجتمع

ص: 251


1- -رأس الحسين:197.
2- -بحار الأنوار:145/45،و العوالم:453.

عليهم نساء تلك القرى و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا المآتم المقرحة للأكباد (1).

و عن أبي حبّاب الكلبي قال:حدّثنا الجصّاصون قالوا:كنّا نخرج إلى الجبّانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السّلام فنسمع الجنّ ينوحون عليه فيقولون،شعر:

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود *** أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود

فانفصلوا من العراق إلى المدينة،فلمّا قرب عليّ بن الحسين عليه السّلام من المدينة ضرب فسطاطه و نزل و قال:يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا،فهل تقدر على شيء منه؟

قلت:بلى إنّي شاعر،قال:فادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه،قال:فدخلت المدينة راكبا،فلمّا بلغت مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رفعت صوتي بالبكاء و قلت شعر:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلا مضرّج *** و الرأس منه على القناة يدار

ثمّ قلت:هذا عليّ بن الحسين مع نسائه نزلوا بساحتكم و أنا رسوله إليكم أخبركم بقدومه،فما بقيت في المدينة مخدّرة إلاّ برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ مخمّشة وجوههنّ ضاربات خدودهنّ،فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و سمعت جارية تنوح على الحسين و تقول،شعر:

نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا *** و أمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعيناي جودا بالدموع و اسكبا *** وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دعى عرش الجليل فأفزعا *** فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا

على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه *** و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا

فخرج الناس من المدينة إلى عليّ بن الحسين،فأتيت إليه و هو داخل الفسطاط فخرج يبكي و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء،فأشار إلى الناس بالسكوت.ثمّ خطب و قال في خطبته:أيّها الناس إنّ للّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة؛قتل أبو عبد اللّه و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان،فأيّ عين منكم تحبس دمعها عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها1.

ص: 252


1- -العوالم:446،و وفيات الأئمة:461.

و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقرّبون و أهل السماوات أجمعون،أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشردّين مبعدين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه،و اللّه لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا،فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها (1).

و روي عن الصادق عليه السّلام:أنّ زين العابدين عليه السّلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله،فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه و شرابه فيقول:كل يا مولاي فيقول:قتل ابن رسول اللّه جائعا،قتل ابن رسول اللّه عطشانا،فيكرّر ذلك و يبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ثمّ يمزج شرابه بدموعه،فلم يزل كذلك حتّى لحق باللّه عزّ و جلّ.

و روي أنّه قال له:يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن يقلّ؟

فقال لي:ويحك إنّ يعقوب كان نبيّا ابن نبيّ كان له اثنا عشر ابنا،فغيّب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و ذهب بصره من البكاء و ابنه حيّ في دار الدّنيا،و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقلّ بكائي؟ (2)

و عن الرضا عليه السّلام تقريرا:أنّ زين العابدين عليه السّلام كان في حبس ابن زياد و قد أمكنه اللّه تعالى،فخرج و ولّى تجهيز أبيه الحسين عليه السّلام لأنّ الإمام لا يلي أمره و دفنه إلاّ إمام مثله.

و في الكافي عن عبد اللّه الأودي قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل.

فقالت فضّة لزينب:يا سيّدتي إنّ سفينة كسرت به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال:يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه،فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحيته،فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا،قال:فمضت إليه فقالت:يا أبا الحارث فرفع رأسه،ثمّ قالت:أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه؟9.

ص: 253


1- -مثير الأحزان:91،و بحار الأنوار:148/45.
2- -بحار الأنوار:149/45،و العوالم:449.

يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال:فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام، فأقبلت الخيل،فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه:فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا.

تقول:سفينة بفتح(السين)و كسر(الفاء)مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد كسرت به السفينة في البحر،فخرج على جزيرة من جزائر البحر و دلّه الأسد على الطريق (1).

و عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام جاء غراب فتمرّغ في دمه ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين فنظرت إليه و بكت و قالت،شعر:

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب *** قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء بين الأسنّة و الضراب ***

فنعته لأهل المدينة فقالوا:قد جاءتنا بسحر عبد المطّلب،فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السّلام (2).

و روي أنّه لمّا حمل رأسه إلى الشام جنّ عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود،فلمّا شربوا و سكروا قالوا:عندنا رأس الحسين،فقال:أروه لي و هو في الصندوق يسطع منه،النور فاستودعه اليهودي منهم و قال للرأس:اشفع لي عند جدّك،فقال الرأس:إنّما شفاعتي للمحمّديّين و لست بمحمّدي فجمع اليهود أقرباءه فوضع الرأس في طشت و صبّ عليه ماء الورد و وضع عليه العنبر و قال لأقربائه:هذا رأس ابن بنت محمّد ثمّ قال:يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمّدا فأسلم على يديه و لم أجدك حيّا فأسلم على يديك و أقاتل بين يديك لتشفع لي يوم القيامة،فقال الرأس:إن أسلمت فأنا لك شفيع،فأسلم الرجل و أقرباؤه.

و لعلّ هذا اليهودي كما قيل كان شاعر قنسرين،لأنّه أسلم بسبب رأس الحسين عليه السّلام و جاء ذكره في المراثي و الأشعار (3).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارة7.

ص: 254


1- -الكافي:466/1 ح 8،و بحار الأنوار:170/45 ح 17.
2- -بحار الأنوار:171/45،و العوالم:490.
3- -بحار الأنوار:172/45،و العوالم:417.

الحسين عليه السّلام و هو يقدر على ذلك؟

قال:إنّه قد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و عقنا و استخف بأمر هو له،و من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه و كفى ما أهمّه من أمر دنياه،و إنّه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته و فتح له باب إلى الجنّة يدخل عليها روحها حتّى ينشر،و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده و الحمد للّه (1).

و روي أنّ موضع حبس زين العابدين عليه السّلام هو اليوم مسجد-يعنى للفرح-يحبسه فيه (2).

و عن الرضا عليه السّلام:أنّ يزيد لعنه اللّه وضع رأس الحسين عليه السّلام أمامه و كان يلعب بالشطرنج و يشرب الفقاع،فمن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السّلام و ليلعن يزيد و آل زياد،يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم (3).

و عن يزيد بن عمر بن طلحة قال:ركب أبو عبد اللّه عليه السّلام مع ابنه إسماعيل و أنا معهم حتّى إذا جاز الثوية بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض فنزل و صلّى هناك و قال لابنه إسماعيل:قم فسلم على جدّك الحسين فقلت:جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟

فقال:نعم،ولكن لمّا حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا و دفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ الملعون ابن زياد لمّا بعث برأس الحسين إلى الشام ردّ إلى الكوفة فقال:اخرجوه منها لا يفتننّ به أهلها،فصيّره اللّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام فالرأس مع الجسد8.

ص: 255


1- -كامل الزيارات:246،و بحار الأنوار:173/45.
2- -المناقب:309/3،و بحار الأنوار:176/45.
3- -بحار الأنوار:492/63،و وسائل الشيعة:290/17.
4- -فرحة الغري:93 ح 38.

و الجسد مع الرأس (1).

أقول:لعلّ المعنى أنّه بعد ردّه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام صار إلى كربلاء مع الجسد، و قيل:المعنى أنّه صعد به مع الجسد إلى السماء كما ورد في بعض الأخبار،أو أنّ بدن أمير المؤمنين عليه السّلام كالبدن لذلك الرأس،لأنّهما من نور واحد.

و روى الشيخ و الكليني قدّس اللّه روحهما أخبارا كثيرة في أنّ الرأس بعد ردّه دفن عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام.5.

ص: 256


1- -جواهر الكلام:93/20،و بحار الأنوار:178/45.
حديث عجيب

و عن زين العابدين عليه السّلام في حديث طويل يقول فيه:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:فإذا برز الحسين عليه السّلام و أصحابه إلى مضاجعهم تولّى اللّه عزّ و جلّ قبض أرواحهم بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرّد مملوّة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنّة و طيب من طيب الجنّة،فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنّطوها بذلك الطيب و صلّى الملائكة صفّا صفّا عليهم.ثمّ يبعث اللّه قوما لا يعرفهم الكفّار فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لسيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحقّ و سببا للمؤمنين إلى الفوز.و يتحفه ملائكة كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم و ليلة يصلّون عليه و يسبّحون اللّه عنده و يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا متقرّبا إلى اللّه و إلى رسوله و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه،هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء.

فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار و يعرفون به ويلتقطهم الملائكة و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يوم القيامة بذلك النور حتّى ينجيهم من هول ذلك اليوم،و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ إبليس يوم قتل الحسين يطير فرحا فيجول الأرض كلّها في شياطينه و عفاريته فيقول:يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلاّ من اعتصم بهذه العصابة،فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم حتّى لا ينجو منهم ناج.

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعدما حدّث بهذا الحديث:خذ إليك ما لو ضربت في طلبه اباط الإبل حولا لكان قليلا (1).

و في كتاب الخرائج و الجرائح عن سلمان بن مهران قال:بينما أنا في الطواف إذا رأيت

ص: 257


1- -بحار الأنوار:183/45،و وفيات الأئمة:448.

رجلا يقول:اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر؟فقلت:يا هذا أنت في حرم اللّه،فلم تيأس من المغفرة؟

فقال:يا هذا ذنبي أعظم من الجبال الرواسي،فخرج بي من الحرم ثمّ حدّثني و قال:أنا كنت في عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد،فنزلنا في طريق الشام على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام لنأكل فإذا كفّ في حائط الدير يكتب شعر:

أترجو أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت ثمّ عدنا إلى الطعام،فإذا الكفّ قد عادت تكتب:

فلا و اللّه ليس لهم شفيع *** و هم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها فغابت ثمّ عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:

و قد قتلوا الحسين بحكم جور *** و خالف حكمهم حكم الكتاب

فأشرف علينا راهب من الدّير فرأى نورا ساطعا من الرأس فقال لنا:من أين جئتم؟ قلنا:حاربنا الحسين بن فاطمة و هذا رأسه.

قال:هلاكا لكم و اللّه،لو كان لعيسى ابن مريم ابن حملناه على أحداقنا،ولكن قولوا لرئيسكم:عندي عشرة آلاف درهم يأخذها و يعطيني الرأس إلى وقت الرحيل ثمّ أردّه فأخبروا عمر بن سعد فقال:خذوا منه المال فدفع إليهم جرابين فانتقدها ابن سعد و سلّمها إلى خازنه،فأخذ الراهب الرأس فغسله و حشّاه بمسك و كافور و جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتّى طلبوا منه الرأس فقال:يا رأس الحسين لا أملك إلاّ نفسي،فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد إنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله أسلمت على يديك،فأعطاهم الرأس و لحق بالجبال يعبد اللّه.

فلمّا دنى ابن سعد من الشام قال لأصحابه:اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها،فإذا على جانب مكتوب: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة،فقال لغلمانه:اطرحوها في النهر،فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس،فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناديا ينادي:يا آدم اهبط،يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط،فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟فاقشعر لذلك جلدي،فقال جبرئيل:مرني ازلزل بهم الأرض،قال:لا.

ص: 258

فلمّا دنى ابن سعد من الشام قال لأصحابه:اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها،فإذا على جانب مكتوب: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة،فقال لغلمانه:اطرحوها في النهر،فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس،فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناديا ينادي:يا آدم اهبط،يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط،فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال:يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟فاقشعر لذلك جلدي،فقال جبرئيل:مرني ازلزل بهم الأرض،قال:لا.

قال:دعني مع هؤلاء الأربعين،فجعل ينفخ بواحد واحد.فدنى منّي،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:دعوه دعوه لا يغفر اللّه له،فتركني فأخذوا الرأس و مضوا،فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرفت له خبر.

قال سليمان[الأعمش] (1):فقلت للرجل:تنحّ عنّي لا تحرقني بنارك (2).

و في ذلك الكتاب أيضا عن المنهال قال:رأيت رأس الحسين عليه السّلام حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (3)فقال رأس الحسين بلسان فصيح:أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي (4).

و في كتاب المحاسن عن عمر بن علي بن الحسين قال:لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام لبسن نساء بني هاشم السواد و كنّ لا يشتكين من حرّ و لا برد،و كان عليّ بن الحسين يعمل لهنّ الطعام للمآتم (5).

و في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين عليه السّلام:مسجد الأشعث و مسجد جرير و مسجد سماك و مسجد شبث بن ربعي (6).2.

ص: 259


1- -زيادة في المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:582/2،و بحار الأنوار:188/45.
3- -سورة الكهف:5.
4- -الخرائج و الجرائح:577/2،و بحار الأنوار:188/45.
5- -الحدائق الناظرة:161/4،و بحار الأنوار:188/45.
6- -الكافي:490/3 ح 2،و الخصال:302.

و روي في بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلا:أنّ نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه اللّه و قد حضر المجلس الذي أتي فيه برأس الحسين عليه السّلام،فبكى النصراني و صاح ثمّ قال:اعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسألت أصحابه أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا؟

فقالوا:الطيب،فحملت إليه من المسك و العنبر و هو يومئذ في بيت زوجته أمّ سلمة الطيور فرأيت نورا ساطعا فتعلّق قلبي بمحبّته فقلت:هذا هدية محقرة فقال لي:إن قبلت منّي الإسلام و أنا وزير ملك الروم،و لمّا كنت في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رأيت هذا الذي رأسه بين يديك دخل على جدّه من باب الحجرة و النبيّ فاتح باعه ليأخذه فوضعه في حجره و جعل يقبّل شفتيه و ثناياه و يقول:لعن اللّه من قتلك يا حسين و أعان على قتلك،و هو مع ذلك يبكي، فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن و قال:

يا جدّاه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر،و إنّما نريد أن تعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر.

فقال:يا حبيبي إنّ التصارع لا يليق بكما ولكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك تكون قوّته أكثر،فكتب كلّ واحد منهما سطر و أتيا جدّهما فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:إنّي امّي لا أعرف الخط اذهبا إلى أبيكما يحكم بينكما،فقام النبي معهما و دخلوا بيت فاطمة فما كان إلاّ ساعة حتّى أقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و سلمان الفارسي فقلت:يا سلمان بحقّ دين الإسلام إلاّ ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟

فقال:لمّا أتيا إلى أبيهما لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال:امضيا إلى أمّكما فعرضا عليها ما كتبا فتفكّرت و قالت:إنّي أقطع قلادتي على رأسكما فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن و قوّته أكثر،و كان في قلادتها سبع لؤلؤات فقطعت القلادة فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات فبقيت الاخرى فمدّا أيديهما إليها،فأمر اللّه تعالى جبرئيل أن يقدّها بجناحه نصفين فأخذ كلّ واحد منهما نصفا،فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و ربّ العزّة لم يريدوا كسر قلب أحدهما،و أنت هكذا

ص: 260

تفعل بابن بنت رسول اللّه؟!أف لك يا يزيد،ثمّ قام النصراني إلى رأس الحسين و جعل يقبّله و يبكي و يقول:يا حسين اشهد لي عند جدّك المصطفى و عند أبيك المرتضى و عند أمّك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين (1).

قال:و روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا،و إذا بطائر أبيض أتى و تمرّغ بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا على الأشجار كلّ منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم:ويلكم تشتغلون بالدّنيا و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقى على التراب مذبوح و دمه مسفوح؟

فصارت الطيور إلى كربلاء،فرأوا الحسين على الأرض جثّة بلا رأس و لا غسل و لا كفن عليه التراب و بدنه قد هشّمته الخيل بحوافرها زوّاره الوحوش و الجنّ،قد أضاء به التراب و جوّ السماء،[فلما رأته الطيور تصايحن و أعلنّ بالبكاء و الثبور،و تواقعن] (2)و تمرغن في دمه و طار كلّ واحد إلى ناحية يعلم أهلها،فقصد طير منها مدينة الرسول فجاء يرفرف و الدم يقطر من أجنحته و دار حول قبر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:ألا قتل الحسين بكربلاء،ألا ذبح الحسين بكربلاء،فاجتمعت عليه الطيور ينوحون،فلمّا رأى أهل المدينة النوح و تقاطر الدم لم يعلموا ما الخبر حتّى جاءهم بعد أيّام خبر مقتل الحسين عليه السّلام فعلموا أنّ ذلك الطير كان يخبر بقتله.

و قد نقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء به الطير إلى المدينة كان رجل يهودي في المدينة و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة مجذومة،فجاء ذلك الطائر و الدم يقاطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليله و كان اليهودي قد أخرج ابنته إلى خارج المدينة و تركها في البستان الذي وقع فيه الطير فعرض لليهودي عارض فدخل المدينة و بقي ليلته،و أمّا البنت فبقيت ساهرة على أبيها فسمعت حنين الطير و بكاءه على الشجرة فقطرت من جناح الطير قطرة دم على إحدى عينيها فبرئت و قطرت على الاخرة قطرة فبرئت فقطر على كلّ عضو منها قطرة، فعوفيت بإذن اللّه تعالى.ر.

ص: 261


1- -مدينة المعاجز:300/3،و العوالم:419.
2- -زيادة في المصدر.

فلمّا أتى أبوها البستان ورآها صحيحة تعجّب من أمرها فأتت به إلى الطير على الشجرة و حكت له قصّة تقاطر الدم،فقال اليهودي للطير:أقسمت عليك بالذي خلقك أن تكلّمني بقدرة اللّه تعالى،فتكلّم الطير و حكى له قضية الحسين عليه السّلام و قتله بكربلاء و أنّ ذلك الدم من دمه،فأسلم اليهودي مع ابنته و خمسمائة من قومه (1).

قال:و حكي عن رجل أسدي قال:كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أميّة،فرأيت الرياح إذا هبّت تهبّ على مثل روائح المسك و العنبر و إذا سكنت أرى نجوما تهوى من السماء إلى الأرض و نجوما مثلها تصعد إلى السماء و أرى أسدا يأتي من القبلة،فإذا أصبح ذهب فقلت:هذه الليلة أرقب هذا الأسد لأرى ما يصنع بهذه الأبدان.

فلمّا غربت الشمس أقبل الأسد يهمهم فخفت منه،فرأيته يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس فمرّغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فجعلت أحرسه حتّى جنّ الظلام،و إذا بشموع معلّقة و إذا ببكاء و نوح فقصدت الأصوات فإذا هي تحت الأرض و سمعت صوتا يقول:وا حسيناه وا إماماه،فاقشعر جلدي فأقسمت على الباكي من أنتم؟

فقالوا:نساء من الجنّ ننوح على الحسين الذبيح العطشان،قلت:هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟

قالوا:نعم،و هذا الأسد أبوه عليّ بن أبي طالب،فرجعت و دموعي تجري على خدّي (2).5.

ص: 262


1- -مدينة المعاجز:73/4.
2- -مدينة المعاجز:71/4،و بحار الأنوار:194/45.
ثواب التسبيح و إن لم يسبّح

و في دعوات الراوندي:روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى يزيد لعنه اللّه همّ بقتله فوقفه بين يديه ليتكلّم كلمة توجب بها قتله و هو عليه السّلام يجيبه حسب ما يكلّمه و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلّم،فقال له يزيد:اكلّمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك،فكيف يجوز ذلك؟

فقال:حدّثني أبي عن جدّي أنّه كان إذا صلّى الغداء و انفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه فيقول:اللّهم إنّي أصبحت اسبّحك و امجّدك و أحمدك و اهلّلك بعدد ما ادير به سبحتي و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح و ذلك محتسب له و هو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه،فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ففعلت هذا اقتداء بجدّي،فقال له يزيد:لست أكلّم أحدا منكم إلاّ و يجيبني بما يعوذ به،فعفى عنه فأمر بإطلاقه (1).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (2)ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (3).

و في الأمالي عن الفضيل بن يسار قال:قلت للصادق عليه السّلام:إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم-يعني المخالفين-فأذكركم في نفسي فأيّ شيء أقول؟

فقال:قلّ اللّهم أرنا الرخاء و السرور فإنّك تأتي على ما تريد،قلت:فإنّي أذكر الحسين

ص: 263


1- -بحار الأنوار:200/45 ح 41.
2- -سورة الدخان:29.
3- -بحار الأنوار:168/14.

فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا،ثمّ قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام بكى عليه كلّ شيء إلاّ ثلاثة أشياء:البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص (1).

أقول:يجوز أن يراد أهل البصرة و أهل دمشق على حذف المضاف و يجوز أن يراد أرضها لما مرّ من أنّ الأرض كلّها بكت عليه مع أهلها.5.

ص: 264


1- -أمالي الطوسي:54 ح 42،و بحار الأنوار:206/45.
كلّ شيء يبكي على الحسين عليه السلام

و في حديث ميثم التمّار:أنّه يبكي على الحسين عليه السّلام الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحر و الطير في السماء،و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و الإنس و الجنّ و الملائكة و الأرضون و مالك و حملة العرش،و تمطر السماء دما و رمادا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فقال:يا أبا جعفر نريد أن نسألك مسألة؟

فقال:نعم.

قال:اخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب بمّ استدلّ به الغائب عن الكوفة على قتله؟

قال:إنّه لمّا كان تلك الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر،و كذلك الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى،و كذلك الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون،و كذلك الليلة التي قتل فيها شمعون و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين بن عليّ عليهما السّلام،فتغيّر وجه هشام و قال لأبي:اعطني ميثاقا أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتّى أموت،فأعطاه أبي ما أرضاه (2).

و عن أحمد بن عبد اللّه بإسناده إلى رجل من أهل بيت المقدس قال:و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين،و ذلك إنّا ما رفعنا حجرا و لا مدرا إلاّ و رأينا تحتها دما يغلي و احمرّت الحيطان كالدم و مطرنا ثلاثة أيّام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل شعر:

أ ترجو أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدّه يوم الحساب

ص: 265


1- -علل الشرائع:228/1،و بحار الأنوار:202/45 ح 4.
2- -بحار الأنوار:302/42 ح 2،و العوالم:473.

معاذ اللّه لا نلتم يقينا *** شفاعة أحمد و أبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا *** و خير الشيب طرّا و الشباب

و انكسفت الشمس ثلاثة أيّام و اشتبكت النجوم،فلمّا كان من الغد رجفنا بقتله حتّى أتانا الخبر اليقين (1).

و عن الحارث الأعور قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:بأبي و امّي الحسين المقتول بظهر الكوفة،و اللّه كأنّي أنظر إلى الوحش مادّة أعناقها على قبره يبكونه و يرثونه حتّى الصباح،فإذا كان كذلك فإيّاكم و الجفاء (2).

و عن زرارة بن أعين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و إنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و إنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و إنّ الجبال تقطّعت و انتثرت و إنّ البحار تفجّرت و إنّ الملائكة بكت أربعين صباحا،و ما اختضبت منّا امرأة و لا اكتحلت حتّى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد، و كان جدّي إذا ذكره بكى حتّى يبكي لبكائه من رآه و أنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء و السماء من الملائكة،و لقد خرجت نفسه صلّى اللّه عليه فزفرت جهنّم زفرة كادت الأرض تنشقّ لزفرتها،و لقد خرجت نفس ابن زياد فشهقت جهنّم شهقة لولا أنّ اللّه حبسها بخزّانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها،و لقد عتت على الخزّان غير مرّة حتّى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه و أنّها لتبكيه و تندبه و تتلظّى على قاتله.

و ما عين أحبّ إلى اللّه من عين بكت على الحسين و ما من باك يبكيه إلاّ و قد وصل فاطمة و أسعدها و وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أدّى حقّنا،و ما من عبد يحشر إلاّ و عيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فإنّه يحشر و البشارة تلقاه و الخلق يعرضون و هم جالسون مع الحسين عليه السّلام في ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم:ادخلوا الجنّة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه،و أنّ الحور لترسل إليهم:إنّا قد اشتقنا إليكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة،و أنّ أعدائهم من بين مسحوب0.

ص: 266


1- -بحار الأنوار:204/45،و العوالم:456.
2- -العوالم:489 ح 2،و مستدرك سفينة البحار:263/10.

بناصيته إلى النار و من قائل مالنا من شافعين و إنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم، فيقولون:نأتيكم إن شاء اللّه،فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام ثمّ يؤتون بالمراكب و النوق فيركبون عليها و هم في الثناء على اللّه و الصلاة على محمّد و على آله حتّى ينتهوا إلى منازلهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام احدّثه فدخل عليه ابنه فقال له:

مرحبا،و ضمّه و قبّله و قال:لعن اللّه من قتلكم فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء و الصدّيقين و الشهداء و ملائكة السماء ثمّ بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم،يا أبا بصير إنّ فاطمة لتبكي الحسين و تشهق فتزفر جهنّم زفرة،لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيردون جهنّم ما كانت باكية و يوثقون أبوابها مخافة على أهل الأرض،فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة،الحديث (2).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ السماء بكت على الحسين و يحيى بن زكريا،قيل:ما بكاؤها؟

قال:مكثورا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة فذلك بكاؤها.

أقول:و في حديث آخر أنّها بكت مع الأرض و الطيور و غيرها حتّى تقاطر دمعها (3).

و روي أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر (4).

و عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أنّ السماء بكت على الحسين و بكاؤها كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة (6).4.

ص: 267


1- -مستدرك الوسائل:313/10،و بحار الأنوار:207/45.
2- -كامل الزيارات:170،و بحار الأنوار:208/45.
3- -كامل الزيارات:183،و بحار الأنوار:211/45 ح 22.
4- -كامل الزيارات:183 ح 13،و بحار الأنوار:211/45 ح 25.
5- -كامل الزيارات:184 ح 14،و بحار الأنوار:183/14.
6- -كامل الزيارات:182 ح 9،و بحار الأنوار:184/14.
بكاء البومة على الحسين عليه السلام

و عن ابن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة،هل أحد منكم رآها نهارا؟قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلاّ ليلا.

قال:أمّا أنّها لم تزل تأوى العمران أبدا.

فلمّا أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا و لا تأوي إلاّ الخراب،فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها الليل،فإذا جنّها الليل فلا تزال تنوح على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:إنّ هذه البومة كانت على عهد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأوي المنازل و القصور و الدور،و كانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى ثمّ ترجع إلى مكانها.و لمّا قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت:بئس الأمّة أنتم قتلتم ابن نبيّكم و لا آمنكم على نفسي (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ البومة لتصوم النهار،فإذا أفطرت حزنت على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (3).

و في كتاب دلائل النبوّة:قال نصرة الازدية لمّا قتل الحسين عليه السّلام:أمطرت السماء دما و حبابنا و جرارنا صارت مملوّة دما،و مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم و ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب،فإذا هو دم و إذا هو اليوم الذي قتل فيه

ص: 268


1- -مدينة المعاجز:181/4،و بحار الأنوار:213/45.
2- -كامل الزيارات:/199ح 2،و بحار الأنوار:214/45 ح 35.
3- -بحار الأنوار:214/45 ح 36،و العوالم:492 ح 7.

الحسين عليه السّلام (1).

و عن امّ سليم قالت؛لمّا قتل الحسين عليه السّلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرّت منه البيوت و الحيطان (2).

و عن أبي قبيل:لمّا قتل الحسين عليه السّلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظنّنا أنّها القيامة (3).

و روى الثعلبي:أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السّلام (4).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا ضرب الحسين عليه السّلام بالسيف ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش:ألا أيّتها الامّة المتحيّرة القاتلة عترة نبيّها لا وفّقكم اللّه لا ضحى و لا فطر،و اللّه ما وفّقوا و لا يوفّقون أبدا حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السّلام (5).

أقول:المراد كما قيل اشتباه الاهلة في أعصارهم و أعصار من يشابههم إلى يوم القيامة،أو يراد الكناية عن عدم توفيقهم لما في الشهرين من الأعمال و الطاعات التي يوفّق غيرهم لها.

و عنه عليه السّلام أنّ الحسين عليه السّلام دخل يوما إلى أخيه الحسن،فلمّا نظر إليه بكى فقال:ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟

قال:أبكي لما يصنع بك،فقال:إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأقتل به،و لا يوم كيومك يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنّهم من امّة جدّنا محمّد يجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و انتهاب ثقلك،فعندها تحلّ ببني اميّة اللعنة و تمطر السماء رمادا و دما و يبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات و الحيطان في البحار (6).4.

ص: 269


1- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
2- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
3- -المناقب:213/3،و بحار الأنوار:216/45.
4- -المناقب:212/3،و بحار الأنوار:215/45.
5- -أمالي الصدوق:232،و بحار الأنوار:134/88 ح 1.
6- -المناقب:238/3،و العوالم:154.

و عنه عليه السّلام إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السّلام فهم عند قبره يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له منصور (1).

و في كتاب العلل عن الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال:بلى،قلت:فلم سمّي القائم قائما؟

قال:لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و قالوا:إلهنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك؟

فأوحى اللّه إليهم:قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين،ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمّة من ولد الحسين للملائكة فسرّت الملائكة بذلك،فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ بذلك القائم أنتقم منهم (2).

و في كتاب البحار عن هشام بن سعد قال:أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخبره بقتل الحسين عليه السّلام كان ملك البحار و ذلك أنّ ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر و نشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة و قال:يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن،فإنّ فرخ الرسول مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات،فلم يبق ملك فيها إلاّ شمّها و صار عنده لها أثر و لعن قتلته و أشياعهم و أتباعهم (3).

و في كتاب المحاسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عليه السّلام قال:و كلّ اللّه الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه،يعني بذلك قيام القائم (4).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ اللّه وكلّ بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر (5).7.

ص: 270


1- -الأمالي:737،و بحار الأنوار:220/45.
2- -بحار الأنوار:294/37،و العوالم:474.
3- -بحار الأنوار:221/45 ح 5،و العوالم:501.
4- -بحار الأنوار:222/45 ح 9،و العوالم:480.
5- -بحار الأنوار:223/45 ح 15،و العوالم:477.
فيه ملاقاة الملائكة عليهم السلام

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا زرتم الحسين فالزموا الصمت إلاّ من خير،و إنّ ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر و الملائكة الذين بالحاير فتصافحهم فلا يجيبونها من شدّة البكاء فتنتظرونهم حتّى تزول الشمس و حتّى ينور الفجر ثمّ يكلّمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء،فأمّا ما بين هذين الوقتين فإنّهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدّعاء و لا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنّما شغلهم بكم إذا نطقتم،قلت:و ما الذي يسألونهم؟

قال أهل الحائر:يسألون الحفظة،لأنّ أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون و الحفظة تنزل و تصعد،قلت:فما يسألونهم؟

قال:إنّهم يمرون إذا عرّجوا بإسماعيل صاحب الهواء فربما وافقوا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عنده و فاطمة و الحسين و الحسن و الأئمّة ممّن مضى منهم،فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر و يقولون:بشّروهم بدعائكم،فيقول الحفظة:كيف نبشّرهم و هم لا يسمعون كلامنا؟ فيقولون لهم:باركوا عليهم و ادعوا لهم عنّا فهي البشارة منّا،و إذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتّى يحسوا مكانكم و لو يعلموا ما في زيارته من الخير لاقتتلوا على زيارته بالسيوف و لباعوا أموالهم في إتيانه،و أنّ فاطمة عليها السّلام إذا نظرت إليهم و معها ألف نبي و ألف صدّيق و ألف شهيد و من الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء و أنّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلاّ بكى رحمة لصوتها و ما تسكن حتّى يأتيها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيقول:يا بنيّة قد أبكيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح و التقديس فكفى حتّى يقدّسوا،فإنّ اللّه بالغ أمره و انّا لننظر إلى من حضر منكم فنسأل اللّه لهم كلّ خير (1).

و في الكافي و غيره عن حريز و قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقلّ

ص: 271


1- -بحار الأنوار:224/45 ح 17،و العوالم:504.

بقائكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم،فقال:إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته،فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر و أتاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ينعي إليه نفسه و أنّ الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقضي فخرج إلى القتال و كانت تلك الامور التي بقيت أنّ الملائكة سألت اللّه تعالى في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعدّ للقتال حتّى قتل فنزلت و قد انقطعت مدّته،فقالت الملائكة:يا ربّ أذنت لنا في نصرته و قد قبضته إليك، فأوحى إليهم الزموا قبّته حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته،فإذا خرج صلوات اللّه عليه يكونون أنصاره (1).

و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكّة،مالي أراك حزينا منكسرا؟

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي،فقلت:و ما الذي تسمع؟

قال:دعاء الملائكة على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين و نوح الجنّ و بكاء الملائكة الذين حوله و شدّة جزعهم،فمن يتهنّا مع هذا بطعام أو شراب أو نوم.

و عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي كنت بالحيرة ليلة عرفة و كنت اصلّي و ثمّ نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيّبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون بالليل أجمع،فلمّا طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه مرّ بالحسين عليه السّلام خمسون ألف ملك و هو يقتل فلم ينصروه فأهبطوا إلى الأرض،فأسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى يوم القيامة (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ عند قبره أربعة آلاف ملك لا يزوره زائر إلاّ استقبلوه و لا يودّعه مودّع إلاّ شيّعوه و لا يمرض إلاّ عادوه و لا يموت إلاّ صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته،و هم في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السّلام (3).1.

ص: 272


1- -الكافي:101/6 ح 5،و مكاتيب الرسول:902/ ح 1.
2- -بحار الأنوار:226/45 ح 19،د و العوالم:481 ح 22.
3- -مستدرك الوسائل:242/10،و بحار الأنوار:226/45 ح 21.

و روي عن امّ سلمة قالت:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في المنام و على رأسه التراب فقلت:ما لك يا رسول اللّه؟

قال:حضرت قتل الحسين و أهل بيته فدفنتهم (1).

و في الأمالي للمفيد:إنّ امرأة اسمهازرة رأت فاطمة عليها السّلام فيما يرى النائم أنّها وقفت على قبر الحسين عليه السّلام تبكي و أمرتها أن تنشد شعر:

أيّها العينان فيضا و استهلاّ *** لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه *** قتيلا و لا كان مريضا (2)

و روى الصدوق في كتاب المعراج عن الصادق عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ صوّر صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة لتنظر إليه الملائكة إذا اشتهت النظر إلى عليّ عليه السّلام،و لمّا ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء،و لمّا قتل الحسين عليه السّلام هبطت الملائكة و حملته حتّى أوقفته مع صورة عليّ عليه السّلام في السماء الخامسة فكلّما هبطت الملائكة أو صعدت لزيارة صورة علي و النظر إليه و إلى الحسين عليه السّلام متشحّطا بدمه لعنوا يزيد و ابن زياد و قاتلوا الحسين إلى يوم القيامة.

و قال عليه السّلام:هذا مكنون العلم و مخزونه لا تخرجوه إلاّ إلى أهله (3).

و عنه عليه السّلام قال:أصبحت يوما امّ سلمة(رض)تبكي فقيل لها:ممّ بكاءك؟

قالت:لقد قتل ابني الحسين الليلة،و ذلك إنّني ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منذ مضى إلاّ الليلة رأيته حزينا فسألته فقال:ما زلت الليلة احفر القبور للحسين و أصحابه صلوات اللّه عليه و عليهم السلام،و نظرت أمّ سلمة ذلك اليوم إلى التربة التي أودعها لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هي دم تفور فأخذت من ذلك الدم و لطّخت به وجهها و جعلت ذلك اليوم مأتما و مناحة على الحسين عليه السّلام (4).5.

ص: 273


1- -بحار الأنوار:231/45،و العوالم:507.
2- -المناقب:220/3،و العوالم:512 ح 5.
3- -العوالم:476،و بحار الأنوار:305/18.
4- -الأمالي:315،و بحار الأنوار:231/45.

قال في كتاب البحار:و في بعض كتب المناقب المعتبرة:أنّه روي مسندا إلى هند بنت الحون قالت:نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بخيمة خالتها أمّ معبد مع أصحابه و كان يوما شديد الحرّ،فلمّا قام من نومه دعا بماء فتمضمض و مجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات و توضّأ و صلّى ركعتين،و قال:لهذه العوسجة شأن،فلمّا كان من الغد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية و قطع اللّه شوكها و كثرت أغصانها و أخضرّ ساقها و ورقها و أثمرت كأعظم ما يكون من الكماة في لون الزعفران و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع إلاّ شبع و لا ظمآن إلاّ روي و لا سقيم إلاّ برئ و لا فقير إلاّ استغنى و لا أكل منها حيوان إلاّ سمن و درّ لبنه و أخصبت تلك البلاد،فكانت تسمّى الشجرة المباركة و كان أهل البوادي يستظلّون بها و يتزوّدون من ورقها في الأسفار فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب،فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمارها و اصفرّ ورقها فأحزننا ذلك فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هو قد قبض ذلك اليوم فكانت بعد ذلك تثمر دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة فأقامت على ذلك ثلاثين سنة،فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد تشوكت فذهبت نضارة عيدانها و تساقطت جميع ثمرها فما كان إلاّ يسيرا حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين فما أثمرت بعد ذلك و انقطع ثمرها و لم نزل نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا فأقامت على ذلك برهة طويلة،ثمّ أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد أينعت من ساقها دما عبيطا جاريا و ورقها زائلة تقطر دما كماء اللحم فبتنا ليلتين مهمومين،فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا تحتها صوت باكية تقول،شعر:

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ *** و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا

فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السّلام و يبست الشجرة،فكسرتها الرياح و الأمطار و اندرس أثرها و سمع من نوح الجنّ تحتها،شعر:

يابن الشهيد و يا شهيدا *** عمّه خير العمومة جعفر الطيّار (1)

و في كتاب البحار:روي أنّ هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا،شعر:

إنّ الرماح الواردات صدورها *** نحو الحسين تقاتل التنزيلا7.

ص: 274


1- -بحار الأنوار:234/45،و العوالم:497.

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما *** قتلوا بك التكبير و التهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا *** صلّى عليه اللّه أو جبريلا

و ناحت عليه الجنّ فقالت،شعر:

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات *** و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات (1) ***

و في أمالي المفيد بإسناده إلى شيخ من بني تميم قال:سمعت أبي يقول:ما شعرنا بقتل الحسين عليه السّلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء و أنّي لجالس مع رجل إذ سمعنا هاتفا يقول، شعر:

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به *** بالطف منعفر الخدّين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم *** مثل المصابيح يملون الدجا نورا

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم *** من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا

فعاقني قدر و اللّه بالغه *** و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به *** اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا

صلّى الإله على جسم تضمّنه *** قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف *** و للوصيّ و للطيّار مسرورا

فقلنا:من أنتم يرحمكم اللّه؟

قال:إنّا جماعة من الجنّ أردنا مواساة الحسين عليه السّلام بأنفسنا فانصرفنا من الحجّ فوجدناه قتيلا (2).

و عن الميثمي قال:خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين عليه السّلام فنزلوا بقرية يقال لها شاهي فأقبل عليهم رجلان شيخ و شاب،فقال الشيخ:أنا رجل من الجنّ و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم،فقال الشيخ الجنّي:أطير فآتيكم بخبر القوم فغاب يومه و ليلته، فلمّا كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:و اللّه ما جئتكم حتّى5.

ص: 275


1- -بحار الأنوار:236/45 ح 2،و العوالم:487 ح 12.
2- -أمالي المفيد:320،و بحار الأنوار:240/45.

بصرت به الأبيات السابقة فأجابه رجل،شعر:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه *** إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه *** و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم *** و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا (1)

و في كتاب الأمالي:أنّ أوّل شعر رثى به الحسين عليه السّلام قول عقبة السهمي،شعر:

إذا العين قرّت في الحياة و أنتم *** تخافون في الدّنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلا *** فغاض عليه دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه و أبكي لشجوه *** و يسعد عيني دمعها و زفيرها

و بكيت من بعد الحسين عصابيا *** أطاقت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلاء *** و قل لها منّي سلام يزورها

و لا برح الوفّاد زوّار قبره *** يفوح عليهم مسكها و عبيرها (2)

و رثاه سليمان الهاشمي شعر:

مررت على أبيات آل محمّد *** فلم أرها أمثالها يوم حلّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة *** لفقد حسين و البلاد اقشعرّت

و إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّت

و كانوا رجالا ثمّ عادوا *** رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت (3)

و في بعض كتب أصحابنا الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:دخلت على سيّدي و مولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام في أيّام عاشوراء،فرأيته جالسا جلسة الحزين و أصحابه من حوله فلمّا رآني مقبلا قال لي:مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده و لسانه فأجلسني إلى جانبه و قال:انشدني شعرا فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن علينا على أهل البيت،يا دعبل من بكى و أبكى و لو واحدا كان أجره على اللّه و من بكى لما أصابنا حشره اللّه في زمرتنا و من بكى على مصاب7.

ص: 276


1- -كمال الزيارات:191،و بحار الأنوار:240/45 ح 10.
2- -أمالي المفيد:324،و العوالم:543 ح 1.
3- -بحار الأنوار:244/45 ح 5،و العوالم:548 ح 7.

جدّي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة ثمّ نهض و ضرب سترا بيننا و بين حرمه ليبكوا على مصاب جدّهم ثمّ قال:يا دعبل إرث الحسين فسالت عبرتي و أنشأت أقول،شعر:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخّ نالها صلوات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم فيها بشط فرات

توافوا عطاشا بالعراء فليتني *** توفّيت فيهم قبل يوم وفاتي

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكره *** سقتني بكأس الثكل و القصعات

إذا فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و القرآن و السورات

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذو الدّين و التّقى *** و جعفرها الطيّار و الحجبات

سأبكيهم للّه ما حجّ راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و العبرات (1)

و سيأتي تمام القصيدة في أحوال الرضا عليه السّلام.

و في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام إنّه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟

فقال عليه السّلام:هو كذلك،فقلت:قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ما معناه؟

قال:إنّ ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي رجل بقتله بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،قلت:بأيّ شيء يبدأ القائم إذا قام؟3.

ص: 277


1- -بحار الأنوار:257/45 ح 15،و العوالم:545 ح 3.

قال:يقطع أيدي بني شيبة،لأنّهم سرّاق بيت اللّه عزّ و جلّ (1).

و في كتاب الاحتجاج بالإسناد إلى العسكري عليه السّلام:أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يذكر حال من مسخهم اللّه قردة ثمّ قال:إنّ اللّه تعالى مسخ أولئك القوم لاصطياد السمك،فكيف ترى حال من قتل أولاد رسول اللّه و إن لم يمسخهم في الدّنيا فإنّ المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ؟فقيل له:يابن رسول اللّه قال لنا بعض النصّاب:إن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم من صيد السمك في السبت،فما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيّادي السّمك؟

قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:قل لهؤلاء النصاب،فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم كقوم نوح و فرعون و لم يهلك إبليس و هو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الكبائر الموبقة و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات،آلا كان ربّنا حكيما بتدبيره فيمن أهلك و فيمن استبقى فكذلك هؤلاء الصيّادون في السبت و هؤلاء القاتلون للحسين يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالحكمة لا يسأل عمّا يفعل و عباده يسألون (2).

و في كتاب الفردوس قال ابن عبّاس:أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا،و أقتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا.

و قال الصادق عليه السّلام:قتل بالحسين صلوات اللّه عليه مائة ألف،و ما طلب بثأره و سيطلب بثأره عليّ بن الحسين (3).

و في كتاب المناقب:روي أنّ الحسين عليه السّلام قال لعمر بن سعد:إنّه ممّا تقرّ به عيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلا،فقال مستهزئا:يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف فكان كما قال لم يصل إلى الري و قتله المختار (4).0.

ص: 278


1- -بحار الأنوار:259/45 ح 1،و العوالم:611 ح 13.
2- -الإحتجاج:41/2،و بحار الأنوار:296/45 ح 2.
3- -العوالم:607،و تفسير الميزان:26/14.
4- -المناقب:213/3،و بحار الأنوار:300/45 ح 10.

و في أمالي القطان عن ابن عيينة قال:أدركت من قتلة الحسين رجلين أمّا أحدهما،فإنّه طال ذكره حتّى كان يلفّه (1).

و في رواية:كان يحمله على عاتقه،و أمّا الآخر فكان يستقبل الرواية فيشربها و لا يروى و ذلك إنّه نظر إلى الحسين و قد أهوى إلى فيه بماء و هو يشرب فرماه بسهم،فقال الحسين عليه السّلام:لا أرواك اللّه،فعطش الرجل حتّى ألقى نفسه في الفرات و شرب حتّى مات.

و في خبر:أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم و يرميه إلى السماء،فكان هذا الرجل يصيح من الحرّ في بطنه و البرد في ظهره بين يديه المراوح و الثلج و خلفه الكانون و النار و هو يقول:اسقوني،فيشرب القربة ثمّ يقول:اسقوني أهلكني العطش فانقدّت بطنه و مات لا رحمه اللّه (2).

و في أحاديث ابن الحاشر قال:كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السّلام و انتهب من عسكره زعفرانا و جملا،فلمّا دقّوا الزعفران صار نارا و كلّ امرأة لطخت منه صارت برصاء و نحروا البعير فخرجت منه النار و طبخوه فغارت القدر نارا (3).

و سأل عبد اللّه بن رياح القاضي رجلا عمائه فقال:كنت حضرت كربلاء و ما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي:أجب رسول اللّه،فجرّني إليه فوجدته حزينا و في يده حربة و قدّامه نطع و ملك بين يديه قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم و تقع النار فيهم فتحرقهم،ثمّ يحيون و يقتلون أيضا هكذا،فقلت:يا رسول اللّه ما ضربت بسيف و لا طعنت و لا رميت،فقال:ألست كثّرت السواد،فأخذ من طشت فيه دم فكحّلني من ذلك الدمّ فاحترقت عيناي،فلمّا انتبهت كنت أعمى (4).

و عن الشعبي قال:صلب رأس الحسين بالكوفة،فتنحنح الرأس و قرأ سورة الكهف إلى1.

ص: 279


1- -العوالم:613 ح 2.
2- -المناقب:214/3،و بحار الأنوار:300/45 ح 1.
3- -أمالي الطوسي:727 ح 1.
4- -بحار الأنوار:302/45،و العوالم:624 ح 1.

قوله: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً (1)فلم يزدهم ذلك إلاّ ضلالا (2).

و في الأثر أنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجر سمع منه: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (3)،و لمّا نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمرّ من الصبر (4).

و في أمالي المفيد عن محمّد بن سليمان عن عمّه قال:صرنا إلى كربلاء و ليس بها موضع نسكنه فبنينا كوخا،فلمّا جاء الليل شعلنا نفطا و صرنا نتذاكر أمر الحسين و من قتله، فقلنا:ما بقي أحد من قتلة الحسين عليه السّلام إلاّ رماه اللّه ببليّة في بدنه،فقال ذلك الرجل:أنا كنت فيمن قتله و ما أصابني مكروه و أنّكم تكذبون،فأمسكنا عنه و قام ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفّه فألق نفسه إلى الفرات فرأيناه يدخل رأسه في الماء و النار على وجه الماء فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه،فلم يزل ذلك دأبه حتّى هلك (5).

و عن سعيد المسيّب قال:لمّا قتل مولاي الحسين عليه السّلام حججت البيت فبينما أنا أطوف بالكعبة و إذا أنا برجل مقطوع اليدين و وجهه كالليل المظلم متعلّق بأستار الكعبة و يقول:اللّهم اغفر لي و ما أظنّك تفعل و لو تشفع فيّ سكّان السماوات و الأرض،فاجتمع عليه الناس و قالوا:يا ويلك كيف تيأس من رحمة اللّه؟

فقال:يا قوم أنا أعرف بذنبي؛إنّي كنت جمّالا للحسين عليه السّلام لمّا خرج من المدينة إلى العراق و كنت أراه إذا أراد الوضوء يضع سراويله عندي فأرى تكة تغشي الأبصار بحسن إشراقها و كنت أتمنّاها تكون لي إلى أن صرنا بكربلاء و قتل الحسين و هي معه فدفنت نفسي في مكان من الأرض،فلمّا صار الليل خرجت فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة و نهارا لا ليلا و القتلى مطرحين على وجه الأرض فذكرت التكة فطلبت الحسين فوجدته مكبوبا على وجهه و هو جثّة بلا رأس و نوره مشرق مرمّل بدمائه فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها6.

ص: 280


1- -سورة الكهف:13.
2- -المناقب:218/3،و بحار الأنوار:304/45.
3- -سورة الشعراء:227.
4- -المناقب:218/3،و بحار الأنوار:305/45.
5- -الأمالي:162 ح 21،و بحار الأنوار:307/45 ح 6.

فضربت يدي إلى التكة لآخذها،فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة حتّى حللت عقدة منها فمدّ يده اليمنى و وضعها على التكة فدعتني نفسي إلى أن أقطع يده فوجدت قطعة سيف فقطعتها و نحّيتها عن التكة فمدّ يده اليسرى و وضعها على التكة،فطعنتها بالسيف و مددت يدي على التكة فإذا الأرض ترجف و السماء تهتزّ و إذا بغلبة عظيمة و قائل يقول:وا أبتاه وا مقتولاه وا ذبيحاه وا حسيناه وا غريباه يا بني قتلوك و ما عرفوك و من شرب الماء منعوك،فرميت نفسي بين القتلى و إذا بثلاث نفر و امرأة و حولهم خلائق وقوف و قد امتلأت الأرض بأجنحة الملائكة،و إذا بالحسين قد جلس و رأسه على بدنه و هو يقول:يا جدّاه يا رسول اللّه و يا أبتاه يا أمير المؤمنين و يا امّاه يا فاطمة الزهراء و يا أخاه المقتول بالسمّ عليكم منّي السلام ثمّ بكى و قال:يا جدّاه قتلوا رجالنا و ذبحوا أطفالنا،يعزّ و اللّه عليك أن ترى حالنا و ما فعلوا بنا.

و إذا هم جلسوا يبكون حوله و فاطمة تقول:يا أباه أما ترى ما فعلت امّتك بولدي فأخذت من دمه و مسحت شعرها و قالت:ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مختضبة بدم ولدي الحسين و أخذ منه رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و الحسن و مسحوا به صدورهم و أيديهم إلى المرافق و سمعت رسول اللّه يقول:فديتك يا حسين،يعزّ عليّ و اللّه أن أراك مقطوع الرأس مكبوبا على قفاك مقطوع الكفّين،يا بني من قطع يدك اليمنى و ثنّى باليسرى؟

فقال:يا جدّاه كان معي جمّال من المدينة،و حكى له كما فعلته به،فبكى النبيّ و أتى إليّ بين القتلى فقال:ما لي و ما لك يا جمّال تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل و ملائكة اللّه و تباركت بهما أهل السماوات و الأرضين،سوّد اللّه وجهك يا جمّال في الدّنيا و الآخرة و قطع اللّه يديك و رجليك،فشلّت يداي و اسودّ وجهي و بقيت على هذه الحالة فجئت إلى هذا البيت أستشفع و أنا أعلم أنّه لا يغفر لي أبدا،فلم يبق بمكّة أحد إلاّ لعنه و خرج من مكّة (1).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان للحسين عليه السّلام ستّة أولاد عليّ بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمّد امّه شهربانو بنت كسرى يزدجر،و عليّ بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطفّ و امّه ليلى الثقفية،و جعفر بن الحسين لا بقيّة له توفّي في زمن أبيه و عبد اللّه قتل صغيرا مع أبيه في حجره،و سكينة بنت الحسين و امّها الرباب و هي امّ عبد اللّه بن الحسن و فاطمة بنت الحسين1.

ص: 281


1- -العوالم:631.

أمّها بنت طلحة التميميّة (1).

و ذكر صاحب كتاب البدع و صاحب شرح الأخبار:أنّ عقب الحسين عليه السّلام من الأكبر و أنّه هو الباقي بعد أبيه و أنّ المقتول هو الأصغر منهما،قال:و عليه نعول فإنّ عليّ بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة و أنّ ابنه محمّد بن عليّ الباقر كان يومئذ من أبناء خمسة عشر سنة،و كان لعليّ الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة (2).

و في كتاب المناقب:لمّا ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء و أن يجعل الرجال عبيد العرب،و عزم على أن يحمل العليل و الضعيف و الشيخ الكبير في الطواف و حول البيت على ظهورهم،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:اكرموا كريم قوم و إن خالفوكم،و هؤلاء الفرس حكماء كرماء فقد ألقوا إلينا السلم و رغبوا في الإسلام و قد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي و حقّ بني هاشم.

فقال المهاجرون و الأنصار:قد وهبنا لك يا أخا رسول اللّه،فقال:قبلت و أعتقت فقال عمر:سبق إليها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و نقض عزمتي في الأعاجم و رغبت جماعة في بنات الملوك أن ينكحوهنّ،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:نخيّرهن و لا نستكرهنّ فقيل لشهربانويه:يا كريمة قومها من تختارين من خطّابك و هل أنت راضية بالبعل فسكتت،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قد رضيت و بقي الاختيار بعد سكوتها فأعادوا القول في التخيير فقالت:لست ممّن يعدل عن النور الساطع و الشهاب اللاّمع الحسين إن كنت مخيّرة،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:من تختارين أن يكون وليّك؟

فقالت:أنت،فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام حذيفة بن اليمّان أن يخطب،فخطب و زوّجت من الحسين عليه السّلام (3).

و قال ابن الكلبي:ولّي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حريث بن جابر الجعفي جانبا من المشرق،فبعث بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى فأعطاها عليّ الحسين ابنه فولدت منه5.

ص: 282


1- -الإرشاد:135/2،و بحار الأنوار:329/45.
2- -بحار الأنوار:329/45،و العوالم:639.
3- -المناقب:208/3،و بحار الأنوار:330/45.

عليّا،و قال غيره:إنّ حريثا بعث إلى أمير المؤمنين عليه السّلام بابنتيّ يزدجر فأعطى واحدة لابنه الحسين فأولدها عليّ بن الحسين،و أعطى الاخرى محمّد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمّد فهما ابنا خالة (1).

و في كتاب المناقب:أبناؤه عليّ الأكبر الشهيد امّه برّة الثقفية،و عليّ الإمام و هو عليّ الأوسط،و عليّ الأصغر و هما من شهربانويه و نحوه.

قال ابن طلحة على ما حكاه صاحب كشف اليقين و ذكر مثله ابن الخشّاب.

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:اعتمادنا على أنّ المقتول مع أبيه هو عليّ الأصغر و الأوسط و أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام هو الأكبر،و الظاهر أنّ الأصغر هو عبد اللّه الرضيع الذي قتل في حجر أبيه.3.

ص: 283


1- -المناقب:208/3،و بحار الأنوار:330/45 ح 3.

الفصل الخامس: في أحوال المختار و جملة من أحوال الحسين عليه السلام

اشارة

في كتاب الأمالي عن المنهال قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعد منصرفي من مكّة،فقال لي:يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟فقلت:تركته حيّا بالكوفة، فرفع يديه و قال:اللّهم أذقه حرّ الحديد،اللّهم أذقه حرّ النار.

قال المنهال:فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار و كان لي صديقا،فركبت إليه فلقيته خارجا من داره فأعلمته أنّي كنت بمكّة و سايرته حتّى جاء الكناسة فوقف كأنّه ينتظر شيئا، و قد كان أخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون و قالوا:أيّها الأمير البشارة قد أخذ حرملة،فجاؤوا به فقال:الحمد للّه الذي مكّنني منك،ثمّ قال:الجزّار الجزّار،فاحضر فقال:اقطع يديه فقطعتا،ثمّ قال:اقطع رجليه،فقطعتا،ثمّ قال:النار النار، فاتي بنار و قصب فألقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت:سبحان اللّه،فقال لي المختار:ففيم سبّحت؟فقلت:أيّها الأمير دخلت في سفرتي هذه على عليّ بن الحسين فسألني عن حرملة فقلت:تركته حيّا،فقال:اللّهم أذقه حرّ الحديد،اللّهم أذقه حرّ النار،فنزل المختار عن دابّته و صلّى ركعتين و أطال السجود،فركب و قد احترق حرملة و ركبنا حتّى حاذى داري فقلت:أيّها الأمير إن رأيت أن تشرّفني و تحوم بطعامي،فقال:يا منهال تعلمني أنّ عليّ بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه اللّه على يدي ثمّ تأمرني أن آكل،هذا يوم صوم شكرا للّه عزّ و جلّ على ما فعلته بتوفيقه،و حرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السّلام (1).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّ المختار ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ستّ و ستّين فبايعه الناس على كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الطلب بدم الحسين عليه السّلام و دماء أهل بيته رحمة اللّه عليهم و الذبّ عن الضعفاء و نهض إلى عبد اللّه بن

ص: 284


1- -الأمالي:239،و بحار الأنوار:332/45.

مطيع،و كان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه و أصحابه منها منهزمين و أقام بالكوفة إلى المحرّم سنة سبع و ستّين ثمّ عمد إلى إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد و كان بأرض الجزيرة،فأمر إبراهيم الأشتر على الجنود فخرج يوم السبت في ألفين من مذحج و أسد و في ألفين من تميم و همدان و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة و ألف و خمسمائة من كندة و ربيعة و ألفين من الحمراء،و شيّع المختار إبراهيم بن الأشتر ماشيا،فقال له إبراهيم:اركب رحمك اللّه،فقال:

إنّي أجتلب الأجر في خطاي معك و أحبّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد،ثمّ ودّعه و انصرف فسار حتّى أتى المدائن يريد ابن زياد فرحل من المدائن و أقبل إليه ابن زياد بالجموع حتّى التقى في حصن ابن الأشتر أصحابه و قال:يا أهل الحقّ هذا ابن زياد قاتل الحسين و أهل بيته قد أتاكم اللّه به و بحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنيّة و صبر لعلّ اللّه يقتله بأيديكم و يشفي صدوركم و

و نادى أهل العراق:يا أهل ثارات الحسين،فحمل ابن الأشتر يمينا فخالط القلب و كسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم فانكشفت الغمّة و قد قتل ابن زياد قتله إبراهيم بيده و عرفه بأنّ منه رائحة المسك فحزّ رأسه و استوقدوا عامّة الليل بجسده لأنّ فيه شحما كثيرا، فحووا ما في العسكر و هرب غلام لابن زياد إلى الشام فأخبر عبد الملك بن مروان،فبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد و أعيان من كان معه إلى المختار فجاؤوا بها و هو يتغدّى فقال:الحمد للّه ربّ العالمين وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد و هو يتغدّى و أتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدّى.

قال:و انسابت حيّة تخلّل الرؤوس حتّى دخلت في أنف ابن زياد و خرجت من اذنه و دخلت في اذنه و خرجت من أنفه،فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فداس وجه ابن زياد بنعله ثمّ رمى بها إلى غلامه و قال:غسّلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر و بعث المختار برأس ابن زياد و أصحابه إلى محمّد بن الحنفية بمكّة و عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان بمكّة و كتب إليه صورة الحال فبعث محمّد رأس ابن زياد إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فادخل عليه و هو يتغدّى فقال:دخلت على ابن زياد و هو يتغدّى و رأس أبي بين يديه فقلت:اللّهم لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدّى و الحمد للّه الذي أجاب دعوتي ثمّ أمر فرمي به.

ص: 285

و كان المختار قد سألوه في أمان عمر بن سعد،فآمنه بشرط أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر فأتى عمر بن سعد رجل فقال:إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا و ما أحسبه غيرك،فرجع عمر حتّى أتى مكانا يقال له الحمام فقيل له:أترى هذا يخفى على المختار،فرجع ليلا فدخل داره،فلمّا أصبح حكي للمختار أنّه خرج ليلا فارّا إلى الشام فأرسل إليه رجلا جاء برأسه،و اشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد و تتّبع قتلة الحسين و من أعان عليه فقتلهم كلّهم و بلغه أنّ شمرا لعنه اللّه أصاب من الحسين إبلا فنحرها في الكوفة و قسّم لحومها، فقال:احصوا لي كلّ دار دخلها من ذلك اللحم،فقتل رجالهم و هدم دورهم و بعث معاذ بن هاني إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي و هو الذي حمل رأس الحسين عليه السّلام إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى في الكنيف،فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة فأخذوه إلى المختار فقتله و أحرقه،و طلب شمرا فهرب إلى البادية فأتوه به أسيرا فضرب عنقه و أغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسّخ،ثمّ إنّ العبيد قتلت مواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السّلام و أتوا المختار فأعتقهم (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه، و إذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه،و لقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر (2).

و في كتاب المحاسن عن سماعة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إذا كان يوم القيامة مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بشفير من النار و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين،فيصيح صائح من النار:يا رسول اللّه أغثني ثلاثا فلا يجيبه فينادي أمير المؤمنين ثلاثا،أغثني فلا يجيبه و كذلك الحسن ثمّ يقول:يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قد احتجّ عليك،فينقضّ عليه كأنّه عقاب كاسر فيخرجه من النار و هو المختار.

قلت:و لم عذّب بالنار؟

قال:إنّه كان في قلبه منهما شيء،و الذي بعث محمّدا بالحقّ لو أنّ جبرئيل و ميكائيل1.

ص: 286


1- -أمالي الطوسي:240،و بحار الأنوار:333/45.
2- -بحار الأنوار:181/14 ح 23،و العوالم:653 ح 11.

كان في قلبيهما شيء لأكبّهما اللّه في النار على وجوههما (1).

و في كتاب إعلام الورى قال أمير المؤمنين عليه السّلام:كما أنّ بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا و بعضهم عصوا فعذّبوا فكذلك تكونون أنتم،فالعصاة منكم الذين قتلوا أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قد امروا بإكرامهم.قالوا:يا أمير المؤمنين إنّ ذلك لكائن؟

قال:بل خبرا حقّا سيقتلون ولديّ هذين الحسن و الحسين و سيصيبهم العذاب كما أصاب بني إسرائيل،قيل:و من هو؟

قال:غلام من ثقيف يقال له المختار بن أبي عبيدة.

قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:فتولّد المختار بعد هذا بزمان و أنّ هذا الخبر اتّصل بالحجّاج بن يوسف لعنه اللّه من قول عليّ بن الحسين فقال:أمّا رسول اللّه ما قال هذا و أمّا عليّ بن أبي طالب أنا أشكّ هل حكاه عن رسول اللّه،و أمّا عليّ بن الحسين فصبيّ مغرور بالأباطيل و يغرّ بها متّبعوه،اطلبوا لي المختار،فاحضر،فقال:قدّموه إلى النطع فاضربوا عنقه فبسط و أبركوا عليه المختار ثمّ جعل الغلمان يجيئون و يذهبون لا يأتون بالسيف يقولون:قد ضاع مفتاح الخزانة و السيف فيها فقال المختار:لن تقتلني و لن يكذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لئن قتلتني ليحييني اللّه حتّى أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانون ألفا.

فقال الحجّاج لبعض حجّابه:اعط السيّاف سيفك يقتله فأخذ السيّاف و جاء لقتله فعثر فشقّ السيف بطنه فجاء بسيّاف آخر،فلمّا رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فمات،فقال:

يا حجّاج إنّك لا تقدر على قتلي،أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان لشابور ذي الأكناف حين كان يقتل العرب فأمر نزار بولده فوضعه في زنبيل في طريقه،فلمّا رآه قال:من أنت؟

قال:أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب و لا ذنوب لهم إليك و قد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك و المفسدين؟

قال:لأنّي وجدت في الكتاب أنّه يخرج منهم رجل يقال له محمّد يدّعي النبوّة فيزيل دولة ملوك الأعاجم فأقتلهم حتّى لا يكون ذلك الرجل،فقال نزار:لئن كان ما وجدته في كتب الكذّابين فما أولاك أن تقتل من لا ذنب له،و إن كان من قول الصادقين فإنّ اللّه سيحفظ ذلك2.

ص: 287


1- -بحار الأنوار:339/45 ح 5،و العوالم:653 ح 12.

الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل و لن تقدر على إبطاله،فقال شابور:هذا نزار يعني بالفارسية المهزول كفّوا عن العرب،ولكن يا حجّاج إنّ اللّه قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف رجل،فإن أردت فاقتلني و إلاّ فلا فإنّ اللّه إمّا يمنعك عن قتلي،و إمّا أن يحييني بعد قتلك لأنّ قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا مرية فيه،فقال للسيّاق:اضرب عنقه.

فقال المختار:إنّ هذا لن يقدر و كنت أحبّ أن تكون أنت المتولّي فكان يسلّط عليك أفعى كما سلّط على الأوّل عقربا،فلمّا همّ السيّاف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان صاح بالسيّاف كفّ عنه و معه كتاب من عبد الملك فإذا فيه:أمّا بعد يا حجّاج إنّه قد سقط إلينا طير عليه رقعة إنّك أخذت المختار تريد قتله تزعم أنّه حكى عن رسول اللّه إنّه سيقتل من أنصار بني أميّة ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل،فإذا أتاك كتابي فخلّ عنه و لا تعرض له إلاّ سبيل خير فإنّه زوج ظئر ابن عبد الوليد بن عبد الملك و قد كلّمني فيه الوليد و أنّ الذي حكى إن كان باطلا فلا معنى لقتل مسلم بخبر باطل،و إن كان حقّا فإنّك لا تقدر على تكذيب قول رسول اللّه،فخلّى عنه الحجّاج فجعل المختار يقول:سأفعل كذا و كذا و أقتل كذا،فبلغ الحجّاج فأخذ و أمر بضرب عنقه فقال المختار:لا تقدر على ذلك و كان في ذلك إذ سقط عليه طائر عليه كتاب من عبد الملك:يا حجّاج لا تتعرّض للمختار فإنّه زوج مرضعة امّ الوليد و لئن كان حقّا فستمنع من قتله كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي قضى اللّه أن يقتل بني إسرائيل فتركه الحجّاج و توعّده إن عاد لمثل مقالته فعاد لمثل مقالته،فطلبه الحجّاج فاختفى مدّة ثمّ ظفر به.فلمّا أراد ضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك فاحتبسه الحجّاج و كتب إلى عبد الملك:كيف تأخذ إليك عدوّا مجاهرا يزعم أنّه يقتل من أنصار بني أميّة كذا و كذا فبعث إليه:إنّك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقّنا برعاية حقّ من خدمنا و إن كان حقّا فإنّه سنربيه حتّى يسلّط علينا كما ربّى فرعون موسى حتّى سلّط عليه،فبعث به الحجّاج و كان من المختار ما كان.

و قال عليّ بن الحسين لأصحابه و قد قالوا له:يابن رسول اللّه إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ذكر من أمر المختار،و لم يقل متى يكون قتله لمن يقتل؟

فقال:يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا،و سيؤتى برأس ابن زياد و شمر في يوم

ص: 288

كذا و كذا و نحن نأكل و هما بين أيدينا ننظر إليهما.

فلمّا كان اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتل كان مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم:طيّبوا أنفسكم أنّكم تأكلون و بنو أميّة يقصدون،يقتلهم المختار و سيؤتى برأسين يوم كذا و كذا.

فلمّا كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل.

فلمّا رآهما سجد و قال:الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى أراني،و كان في مائدته حلوا و ذلك اليوم اشتغل الخدم برؤية الرأسين فقال أصحابه:و لم يعمل اليوم الحلوا؟

فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:لا تريدوا حلوا أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين ثمّ عاد إلى قول أمير المؤمنين عليه السّلام قال:و ما للكافرين و الفاسقين عند اللّه أعظم و أوفى (1).

و روى الكشي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوّج أراملنا و قسّم فينا المال على العسرة.

و في حديث ضعيف السند عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان المختار يكذب على عليّ بن الحسين (2).3.

ص: 289


1- -العوالم:658 ح 2،و بحار الأنوار:342/45.
2- -العوالم:652 ح 7،و شرح الأخبار:271/3.
تأويل القدح في المختار

أقول:قدحوا في شأن المختار لهذا و أمثاله،و هو إن صحّ يكون المراد منه ما وقع منه كما سيأتي من دعوة الناس إلى البيعة لطلب الثأر لأنّهم كانوا لا يبايعونه إلاّ أن يقولوا له:أنت مأمور من محمّد بن عليّ بن الحنفية و من عليّ بن الحسين،فكان يزيد في الكلام عنهما لمصلحة طلب الثأر فيكون من باب الكذب رعاية للمصالح الشرعيّة مع وقوع أصل الإذن منهما و سيأتي التصريح به.

و روى الكشّي أيضا عن عبد اللّه بن شريك قال:دخلنا على أبي جعفر عليه السّلام يوم النحر إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه،ثمّ قال:من أنت؟

فقال:الحكم بن المختار فقرّبه إليه ثمّ قال:إنّ الناس قد أكثروا في أبي و القول و اللّه قولك قال:أيّ شيء يقولون؟

قال:يقولون كذّاب،فقال:سبحان اللّه أخبرني أبي و اللّه إنّ مهر أمّي كان ممّا بعث به المختار أ و لم يبني دورنا و قتل قاتلينا و طلب بدمائنا فرحمه اللّه،و أخبرني و اللّه أبي أنّه كان ليتمّ عند فاطمة بنت عليّ يمهّد لها الفراش و يثنى لها الوسائد و منها أصاب الحديث رحم اللّه أباك رحم اللّه أباك ما ترك لنا حقّا عند أحد إلاّ طلبه و قتل قتلتنا و أخذ بدمائنا (1).

و عن الأصبغ قال:رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يمسح رأسه و يقول:يا كيس يا كيس (2).

و قال الكشي:إنّ المختار هو الذي دعا الناس إلى محمّد بن الحنفيّة،و سمّوا الكيسانية و هم المختارية و كان لقبه كيسان (3).

ص: 290


1- -وسائل الشيعة:347/20،و بحار الأنوار:343/45.
2- -بحار الأنوار:344/45 ح 11،و العوالم:649 ح 1.
3- -شرح أصول الكافي:125/6،و بحار الأنوار:345/45.

أقول:يجوز أنّه دعى الناس بإمامة محمّد بن علي أوّل الأمر لأنّه الأكبر بعد الحسين،ثمّ يحقّق له الأمر أنّ الإمام هو عليّ بن الحسين،فرجع إليه و بقي عن ذلك الاعتقاد الأوّل قوم و يجوز أن يكون دعوته إلى محمّد بن عليّ باعتبار أخذ الثأر يعني أنّ محمّدا أمره بطلب الثأر من قبل ابن أخيه،و يجوز أن يكون لقب بكيسان لقول أمير المؤمنين عليه السّلام له:يا كيس يا كيس،و على كلّ قول شاهد إمّا من الحديث أو من الأثر.

و قال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المختصر:قيل بعث المختار إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها و خاف أن يردّها فتركها في بيت.

فلمّا قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها،فكتب إليه خذها طيّبة هنيئة فكان علي يلعن المختار و يقول كذب على اللّه و علينا،لأنّ المختار كان يزعم أنّه يوحى إليه.

أقول:هذا الكلام آثار التقية عليه لائحة باعتبار أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أخبر عبد الملك بالدراهم،و وجه التقيّة أنّه لمّا قتل المختار و استقلّ الملك لبني اميّة كانوا يتّهمون أهل البيت عليهم السّلام بأمر المختار و أنّ خروجه و قتله لبني اميّة كان من جهة أمرهم له بالخروج فكانوا يلعنونه كما كان الصادق عليه السّلام يلعن زرارة و يقول لابنه عيدان:لعني لأبيك،يكتب له في صحيفة حسنات.

و أمّا حكاية أنّه يوحى إليه فقد ورد في صفات المختار:إنّه كان شجاعا مدبّرا و كان عنده غلام سمّاه جبرائيل فكان يشاوره في اموره و يكلّمه و يخرج إلى الناس و يقول لهم:قال لي جبرئيل و كلّمت جبرئيل يوهم الناس أنّه يوحى إليه حتّى قويت شوكته و استحكمت له الأمور،و إلاّ فهو بريء من هذا الاعتقاد (1).

و قال الشيخ الفاضل جعفر بن محمّد بن نما في رسالة أخذ الثأر التي نزّه فيها المختار:

ما زال السلف يتباعدون عن زيارة المختار و يتقاعدون عن إظهار فضيلته و نسبوه إلى القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة و رفضوا زيارة قبره مع قربه من الجامع و أنّ قبّته لكلّ من خرج من قبر مسلم بن عقيل كالنجم اللاّمع،و كان محمّد بن الحنفيّة أكبر من زين العابدين عليه السّلام سنّا لكنّه يقول بإمامة ابن أخيه.4.

ص: 291


1- -بحار الأنوار:346/45،و العوالم:650 ح 4.

كما رويته عن أبي مجير عالم الأهواز،و كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة قال:حججت فلقيت إمامي فمرّ به غلام شاب فقام إليه و قبّل ما بين عينيه و خاطبه:بيا سيّدي و مضى الغلام.

فقلت له:إنّا نعتقد أنّك الإمام المفترض الطاعة و تقول لهذا الغلام يا سيّدي؟

فقال:نعم هو إمامي و ابن أخي عليّ بن الحسين،اعلم أنّي نازعته الإمامة فقال لي:

أترضى بالحجر الأسود حكما بيني و بينك؟فقلت:و كيف نتحاكم إلى حجر جماد؟

فقال:إنّ إماما لا يكلّمه الجماد ليس بإمام فقصدنا الحجر و صلّينا عنده فتقدّم و قال:

أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلاّ ما أخبرتنا من الإمام منّا،فنطق الحجر و قال:يا محمّد سلّم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحقّ به منك و هو إمامك فأذعنت بإمامته.

قال مجير:فدنت أنا بإمامة عليّ بن الحسين،و تركت القول بالكيسانية و الأخبار في ذلك كثيرة،مع أنّ إبراهيم الأشتر كان معاونا للمختار في أخذ الثأر و لم يقل أحد فيه قدحا و لو علم أنّ المختار كيسانيّا لما أطاعه في شيء من الأمور.

ثمّ قال ابن نما:كان أبو عبيدة أبا المختار يتنوق في طلب النساء فأبى أن يتزوّج من قومه،فأتاه آت في منامه فقال:تزوج دومة الحسناء فأخبر أهله فقالوا:قد أمرت فتزوّج دومة بنت وهب فتزوّجها،فلمّا حملت بالمختار قالت له:رأيت في النوم قائلا يقول،شعر:

ابشر بالولد *** أشبه شيء بالأسد

إذ الرجال في كبد *** تقاتلوا على بلد

كان له الحظّ الأشد ***

و حضر مع أبيه وقعة قيس الناطف و هو ابن ثلاث عشرة و كان يريد القتال فيمنعه عمّه،فنشأ مقداما شجاعا لا يتّقي شيئا و تعالى معالي الامور و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر (1).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت أزور عليّ بن الحسين في كلّ سنة مرّة في وقت5.

ص: 292


1- -بحار الأنوار:350/45.

الحجّ فأتيته سنة،فإذا على فخذه صبيّ فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه و جعل ينشّف دمه و يقول:إنّي اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة،قلت:في أيّ الكناسة؟

قال:كناسة الكوفة،و لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة و هو مقتول مدفون منبوش مصلوب في الكناسة،ثمّ ينزل فيحرق و يذرّى في البرّ،فقلت:ما اسمه؟

قال:زيد،ثمّ دمعت عيناه و قال:لأحدّثنّك بحديث ابني هذا؛بينا أنا ليلة اصلّي ذهب فيّ النوم فرأيت كأنّي في الجنّة و كان رسول اللّه و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قد زوّجوني حوراء العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و هتف هاتف ليهنّك زيد،فاستيقظت لصلاة الفجر فدقّ الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية فقال:أنا رسول المختار يقرئك السلام و يقول:وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستّمائة دينار و هذه ستّمائة دينار استعن بها على دهرك،فقلت:ما اسمك؟

قالت:حوراء،فهيّؤوها لي و بت بها عروسا،فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيدا و سترى ما قلت لك.

قال أبو حمزة:فو اللّه لقد رأيت كلّما قاله عليه السّلام في زيد فما زال المختار ينشر فضائل أهل البيت مع حداثة سنّه،ففي بعض الأيّام لقيه معبد بن خالد فقال:يا معبد أنّ أهل الكتب ذكروا أنّهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبّارين و ينصر المظلومين و يأخذ بثأر المستضعفين و وصفوا صفته و هي كلّها في غير خصلتين إنّه شاب و قد جاوزت الستّين و أنّه رديء البصر و أنا أبصر من عقاب،فقال معبد:أمّا السنّ فإن ابن ستّين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب و أمّا بصرك فما تدري ما يحدث اللّه فيه،فلم يزل حتّى مات معاوية و ولّي يزيد و وجّه الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه،فلمّا قتل مسلم سعي بالمختار إلى ابن زياد فأحضره فقال له:أنت المبايع لأعدائنا؟فشهد له ابن حريث إنّه لم يفعل.

فقال:لولا شهادة هذا لقتلتك و شتمه و ضربه بقضيب،فشتر عينه و حبسه و حبس عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطّلب و كان في الحبس ميثم التمّار فطلب عبد اللّه حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال:لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما عليّ من الشعر،فقال المختار:

ص: 293

و اللّه لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلاّ قليل حتّى تلي البصرة،فقال ميثم للمختار:و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد قتلنا و تطأ بقدميك على و جنتيه،و لم يزل ذلك يتردّد في صدره حتّى قتل الحسين عليه السّلام فكتب المختار إلى أخته صفية و كانت زوجة عبد اللّه بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه،فقال يزيد:تشفع أبا عبد الرحمن و كلّمته هند بنت أبي سفيان في عبد اللّه بن الحارث و هي خالته،فكتب إلى عبيد اللّه فأطلقهما بعد أن أجّل المختار ثلاثة أيّام ليخرج من الكوفة و إن تأخّر عنها ضرب عنقه،فخرج هاربا نحو الحجاز حتّى إذا صار بواقصة لقيه ابن زهير فقال:ما لي أرى عينك؟

قال:فعل ذلك بي ابن زياد قتلني اللّه إن لم أقتله و أقطع أعضاؤه و لأقتلنّ بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثمّ قال:و الذي أنزل القرآن و كره العصيان لأقتلن العصاة ازد عمان و مذحج و همدان و مهد و خولان و بكر و هران و قبائل قيس غيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن،فلم يزل على ذلك حتّى مات يزيد و خلف أحد عشر ولدا و عمره ثمان و ثلاثون سنة و مدّة خلافته سنتان و ثمانية أشهر و لمّا خلع معاوية نفسه عن الخلافة بويع في تلك السنة لعبد اللّه بن الزبير بالحجاز و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد اللّه بن زياد بالبصرة.

و أمّا أهل العراق فإنّهم وقعوا في الأسف على ترك نصرة الحسين عليه السّلام و كان عبيد اللّه بن الحرّ الجعفي من أشراف أهل الكوفة و قد ندبه الحسين إلى الخروج معه،فلم يفعل ثمّ تداخله الندم فقال،شعر:

فيالك حسرة ما دمت حيّا *** تردّد بين حلقي و التراقي

غداة حسين يطلب بذل نصري *** على أهل الضلالة و الشقاق

غداة يقول لي بالقصر قولا *** أتتركنا و تزمع بالفراق

و لو أنّي اواسيه بنفسي *** لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه *** تولّى ثمّ ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهّف قلب حيّ *** لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا *** و خاب الآخرون إلى النفاق

ص: 294

و لم يكن في العراق من يصلح للقتال و النجدة إلاّ قبائل الكوفة،فأوّل من نهض سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و المسيّب بن نجبة الضراري و هو من كبار الشيعة و له صحبة مع عليّ عليه السّلام و عبد اللّه بن سعد و رفاعة بن شداد و جماعة،فاجتمعوا في دار سليمان فبدأ سليمان بالكلام فقال بعد الحمد و الثناء:أمّا بعد فقد ابتلينا بطول العمر،ثمّ قال في كلامه:إنّ اللّه اختبرنا فوجدنا كذّابين في نصر ابن بنت رسول اللّه و لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربّنا أن يعفو عنّا.

قال رفاعة بن شدّاد:قد هداك اللّه ثمّ انّهم اتّفقوا على سليمان شيخا لهم.و قال المسيّب:أصبتم و أنا أرى الذي رأيتم فاستعدّوا للحرب،و كتب سليمان إلى من كان بالمدائن من الشيعة يدعوهم إلى أخذ الثأر فكتبوا إليه بالقبول (1).

و ذكر الطبري في تاريخه:أنّ أوّل ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدى و ستّين و هي السنة التي قتل فيها الحسين،فما زالوا في جمع آلة الحرب و الاستعداد للقتال حتّى مات يزيد و كان بين مقتل الحسين عليه السّلام و هلاك يزيد ثلاث سنين و شهران و أربعة أيّام و كان أمير العراق عبيد اللّه و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث و كان عبد اللّه ابن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلى طلب ثأر الحسين،فلمّا مات يزيد أظهر أنّه يدعو الناس لنفسه فخرج المختار من مكّة متوجّها إلى الكوفة،فلمّا دخل الكوفة نهارا صار لا يمرّ على جماعة إلاّ سلّم و قال:ابشروا بالفرج فقد جئتكم بما تحبّون و أنا المسلّط على الفاسقين و الطالب بدم أهل بيت نبيّ ربّ العالمين.

فقال الناس:هذا المختار نرجو به الفرج،ثمّ بعث إلى وجوه الشيعة و عرّفهم أنّه جاء من محمّد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت،فقالوا:أنت موضع ذلك غير أنّ الناس بايعوا سليمان بن صرد فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك،فسكت المختار و أقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان و الشيعة يدبّرون أمرهم سرّا خوفا من عبد الملك و من عبد اللّه بن الزبير و كان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر لأنّ أكثرهم قتلة الحسين و صار المختار يثبّط الناس عن سليمان و يدعوهم إلى نفسه،فقال عمر بن سعد و شبث بن ربعي لأهل الكوفة:إنّ المختار4.

ص: 295


1- -بحار الأنوار:355/45،و العوالم:674.

أشدّ عليكم،لأنّ سليمان إنّما خرج يقاتل عدوّكم و المختار إنّما يريد أن يثب عليكم فسيروا إليه و أوثقوه بالحديد و خلّدوه السجن فأحاطوا بداره و استخرجوه و أدخلوه السجن.

ثمّ أراد سليمان النهوض بعسكره من النخيلة مستهلّ شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستّين،و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليّي عهده.

و فيها مات مروان بدمشق و عمره إحدى و ثمانين سنة و كان عبيد اللّه بالعراق فنزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان و خروج سليمان ليرحل،فاستقلّ عسكره فبعث من ينادي بالكوفة يا لثارات الحسين.

فسمع النداء رجل من الأزد و عنده امرأته و كانت من أجمل النساء،فوثب إلى سلاحه و فرسه فقالت له زوجته:أجنيّت؟

قال:لا،ولكنّي سمعت داعي اللّه فأنا مجيبه و طالب بدم هذا الرجل حتّى أموت، فقالت إلى من تودع بيتك هذا؟

قال:إلى اللّه،اللّهم إنّي أستودعك ولدي و أهلي،اللّهم احفظني فيهم و تب عليّ ممّا فرّطت في نصرة ابن بنت نبيّك،ثمّ نادوا:يا لثارات الحسين في الجامع،فخرج جمع كثير إلى سليمان و عزم على المسير إلى الشام لمحاربة ابن زياد،فقال له عبد اللّه بن سعد:إنّ قتلة الحسين كلّهم بالكوفة منهم عمر بن سعد و أشراف القبائل و ليس بالشام سوى عبيد اللّه بن زياد،فلم يوافق إلاّ على المسير فخرج عشية الجمعة فأصبحوا عند قبر الحسين عليه السّلام فأقاموا يوما و ليلة يصلّون و يستغفرون ثمّ ضجّوا ضجّة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير مثله يوما و ازدحموا عند الوداع على قبره و قام وهب الجعفي باكيا على القبر و أنشد،شعر:

تبيت السكارى من أميّة نوّما *** و بالطفّ قتلى ما ينام حميمها

و أضحت قناة الدّين في كفّ ظالم *** إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها

فساروا إلى هيت ثمّ إلى قرقيسيا و بلغهم أنّ أهل الشام في عدد كثير،ثمّ إنّ سليمان و عظهم و قال:إن قتلت فأميركم المسيّب بن نجبة فإن اصيب المسيّب فالأمير عبد اللّه بن وال فإن قتل فالأمير رفاعة بن شدّاد،ثمّ بعث سليمان المسيب في أربعة آلاف رائدا و أن يشنّ

ص: 296

عليهم الغارة،فلمّا قرب منهم قال الأعرابي:كم بيننا و بين القوم؟

قال:ميل و من ورائهم الحصين بن نمير في أربعة آلاف و من ورائهم الصلت في أربعة آلاف و جمهور العسكر مع ابن زياد،فساروا حتّى أشرفوا على عسكر الشام،فقال المسيب لأصحابه:كرّوا عليهم،فحمل عليهم عسكر العراق فانهزموا و قتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و رجعوا إلى سليمان و وصل الخبر إلى ابن زياد،فسرّح إليهم الحصين بن نمير في عشرين ألفا و عسكر العراق ثلاثة آلاف و مائة فحمل عليهم عسكر العراق فهزموهم و ظفروا بهم و حجز الليل بينهم ثمّ قاتلوهم ثلاثة أيّام فأمر الحصين أهل الشام برمي النبل فجاءت السهام كالشرار المتطاير فقتل سليمان رحمه اللّه.

ثمّ أخذ الراية المسيّب فقاتل قتالا خرّت له الأذقان ثلاث مرّات،فلم يزل يكرّ عليهم فيفرّون حتّى تكاثروا عليه فقتلوه ثمّ أخذ الراية عبد اللّه بن سعد و قاتل أشدّ قتال حتّى قتل و تقدّم عبد اللّه بن وال فقاتل حتّى قطعت يده اليسرى،فبينما هم كذلك إذ جاءتهم العسكر من البصرة و من المدائن فاشتدّت قلوب أهل العراق و اجتمعوا و كبّروا و اشتدّ القتال حتّى بان في أهل العراق الضعف و الذلّة و تحدّثوا في ترك القتال،ثمّ عاد أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل المدائن إلى بلادهم و المختار محبوس فكتب إلى أصحاب سليمان:

أمّا بعد،فإنّ اللّه عظّم لكم الأجر و حطّ عنكم الوزر و انّي لو خرجت إليكم جرّدت فيما بين المشرق و المغرب من عدوّكم بالسيف بإذن اللّه إلى آخر الكتاب،فوقف عليه جماعة من رؤساء القبائل و فرحوا به و كتبوا إليه:إن شئت أن نأتيك حتّى نخرجك من الحبس،فكتب إليهم:إنّي أخرج في أيّامي هذه،و قد كان المختار بعث إلى عبد اللّه بن عمر بأن يكتب إلى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد بالخلاص من أيديهما،فكتب ابن عمر إليهما بخلاص المختار فطلبوا منه كفلاء بأن لا يخرج عليهم و حلّفاه فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها عند باب الكعبة و مماليكه أحرار،فخرج و جاء إلى داره و قال:قاتلهم اللّه ما أجهلهم حيث يرون أنّي أفي لهم بأيماني هذه،أمّا الحلف فتركه إلى ما هو خير منه جائز،و أمّا هدي ألف بدنة فهو هيّن عليّ،و أمّا عتق مماليكي،فإذا أخذت الثأر وددت أنّي لا أملك مملوكا أبدا،و لمّا استقرّ في داره اختلفت الشيعة إليه.

ص: 297

و كان قد بويع له و هو في السجن و لم يزل أمرهم يقوى حتّى عزل عبد اللّه بن الزبير الواليين من قبله و هما عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد المذكورين و بعث عبد اللّه بن مطيع واليا إلى الكوفة و الحارث بن عبد اللّه على البصرة،فأراد المختار أن يثب على أهل الكوفة حتّى قال جماعة من أصحابه:إنّ المختار يريد الخروج بنا للثأر و قد بايعناه و لا نعلم أرسله إلينا محمّد بن الحنفية أم لا؟فقوموا نخبره و جاؤوا إلى ابن الحنفية و قالوا له:إنّ المختار قدم و يزعم أنّه جاءنا من قبلكم للأخذ بثأر الحسين عليه السّلام فبايعناه على ذلك فإن أمرتنا اتّبعناه، فقال:قوموا إلى إمامي و إمامكم عليّ بن الحسين،فلمّا دخلوا عليه أخبر محمّد بما جاؤوا به فقال:يا عمّ لو أنّ عبدا زنجيا تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس معاونته و قد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت فخرجوا و هم يقولون أذن لنا زين العابدين و محمّد بن الحنفيّة و كان المختار علم بخروجهم إلى محمّد و كان يريد النهوض قبل قدومهم،فلمّا قدموا و أخبروه قال:

اجمعوا لي الشيعة فجمعوهم و أخبروهم بأنّ عليّ بن الحسين و عمّه راضيان بأخذ الثأر، و عرّفه قوم أنّ جماعة من أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع و متى جاء معنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوّة على عدوّنا لأنّ له عشيرة،فقال ألقوه و قولوا له،فلمّا قالوا له قال:أجبتكم على أن تولّوني الأمر.

قالوا:أنت أهل،ولكن المختار جاءنا من قبل إمام الهدى و من نائبه محمّد بن الحنفيّة و هو المأذون له في القتال،فلم يجب و انصرفوا و عرفوا المختار فأتى المختار بالشيعة إلى بيت إبراهيم و جلس إلى فراشه و قال:هذا كتاب محمّد بن أمير المؤمنين يأمرك أن تنصرنا فأخذه إبراهيم و فضّ ختمه فإذا الكتاب إليه من محمّد يأمره بالقتال مع المختار لأخذ الثأر،فلمّا قرأ الكتاب بايع المختار و صار يتردّد إليه مع شيعته و أجمع رأيهم أن يخرجوا شهر ربيع الآخر سنة ستّ و ستّين و كان إياس أمير الكوفة من قبل عبد اللّه بن مطيع فقالوا له:إنّ المختار خارج عليك فخذ حذرك ثمّ خرج إياس مع الحرث و بعث ولده راشد إلى الكناسة،ثمّ إنّ إبراهيم بن الأشتر خرج إلى ابن إياس و طعنه في نحره و احتزّ رأسه و أقبل به إلى المختار،فاستبشر تفاؤلا بالنصر و خرجت الشيعة من دورهم يتداعون إلى الطعان لأخذ الثأر،شعر:

و لما دعى المختار للثأر *** و أقبلت كتايب من أشياع آل محمّد

ص: 298

و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم *** و خاضوا بحار الموت في كلّ مشهد

هم نصروا سبط النبيّ و رهطه *** و دانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد

ففازوا بجنّات النّعيم و طيبها *** و ذلك خير من لجين و عسجد

و لو أنّني يوم الهياج لدى الوغا *** لأعملت حدّ المشرفي المهنّد

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته *** فأقتل فيهم كلّ باغ و معتدي

قال الوالبي و حميد بن مسلم:خرجنا مع المختار و نادى ابن مطيع في أصحابه فبعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف و راشد بن إياس في أربعة آلاف و العجلي في ثلاثة آلاف و تتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا،و سمع المختار أصواتا مرتفعة فإذا هو شبث بن ربعي و معه خيل عظيم فأتى إليهم إبراهيم بن الأشتر و حمل عليهم حملة عظيمة و قتل منهم جماعة كثيرة حتّى أدخلهم الدور و حصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر حصره إبراهيم،فلمّا ضاق عليه الحصار خرج في زيّ امرأة حتّى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآووه،و أمّا أصحابه فطلبوا الأمان و خرجوا و بايعوا و دخل المختار إلى القصر ثمّ خرج إلى الجامع و أمر بالنداء الصلاة جامعة فاجتمع الناس،ثمّ رقى المنبر و خطب و قال في خطبته:و ربّ العالمين لأقتلنّ أعوان الظالمين و بقايا القاسطين و لأحرقنّ بالمصر دورا و لأنبشنّ بها قبورا و لأشفينّ بها صدورا و لأقتلنّ بها جبّارا كفورا،ثمّ نزل و دخل قصر الإمارة و انعكف عليه الناس بالبيعة و وجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف ففرّقها على أصحابه.

و لمّا علم أنّ ابن مطيع في دار أبي موسى أرسل إليه عشرة آلاف درهم يستعين بها على خروجه إلى ابن الزبير ثمّ إنّ المختار فرّق[الدراهم]على أصحابه و عزل شريحا عن القضاء و ولّى عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و كان مروان بن الحكم لمّا استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى المختار و الآخر إلى العراق مع ابن زياد لينهب الكوفة ثلاثة أيّام فاجتاز بالجزيرة و عاملها من قبل ابن الزبير قيس غيلان ثمّ قدم الموصل و عامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعد فوجه عبيد اللّه إليه خيله و رجله فانحاز عبد الرحمن إلى تكريت و كتب إلى المختار يعرفه ذلك فكتب الجواب أن لا يفارق مكانه حتّى يأتيه أمره ثمّ دعى المختار يزيد بن أنس و عرفه صورة الحال و ضمّ إليه ثلاثة آلاف فارس ثمّ خرج من الكوفة و شيّعه المختار.

ص: 299

ثمّ كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعدان:خلّ بين يزيد و بين البلاد إن شاء اللّه، فسار حتّى بلغ أرض الموصل و بلغ خبره إلى ابن زياد و عرف عدّتهم فقال:ارسل إلى كلّ ألف ألفين فبعث ستّة آلاف فارس،فجاؤوا و يزيد مريض مدنف فأركبوه حمارا مصريّا و الرّجال يمسكونه فيقف على الرّجال و يحثّهم على القتال و قال:إن هلكت فأميركم و رقاء بن غارب الأسدي.

و وقع القتال قبل شروق الشمس فلم يرتفع الضحى حتّى هزمهم عسكر العراق و أتوا يزيد بثلاثمائة أسير و قد أشفى على الموت فأشار بيده أن اضربوا رقابهم فقتلوهم جميعا ثمّ مات يزيد بن أنس و اغتمّ عسكر العراق لموته و انصرفوا في جوف الليل إلى المختار.

و كان مع ابن زياد ثمانون ألفا من أهل الشام،ثمّ إنّ المختار أمر إبراهيم الأشتر بالمسير إلى ابن زياد فخرج في جموع كثيرة حتّى نزل ساباط فتوسّم أهل الكوفة في المختار القلّة و الضعف فخرجوا عليه و جاهروه بالعداوة،ثمّ إنّه أرسل إلى إبراهيم بالرجوع مع عسكره إلى الكوفة،فرجع و حارب أهل الكوفة و قتل منهم خلقا كثيرا ممّن حضر قتل الحسين و غيرهم،ثمّ علم أنّ شمر بن ذي الجوشن خرج هاربا و معه نفر ممّن شرك في دم الحسين فأمر عبدا له أسود يقال له رزين و معه عشرة و كان شجاعا،فبلغ إلى شمر و تقاتل معه و قتله و جاء برأسه و من معه إلى المختار و كان المختار قد تجرّد لقتلة الحسين فأوّل من بدأ به الذين وطئوا الحسين عليه السّلام بخيلهم فأنامهم على ظهورهم و ضرب سكك الحديد في أيديهم و أرجلهم و أجرى الخيل عليهم حتّى قطعتهم و حرقهم بالنار،ثمّ أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل فضرب أعناقهما ثمّ أحرقهما بالنار.

و بعث أبا عمرة فأحاط بدار خولي الأصبحي و هو حامل رأس الحسين إلى ابن زياد، فخرجت امرأته إليهم و هي النوار بنت مالك و كانت محبّة لأهل البيت قالت:لا أدري أين هو و أشارت بيدها إلى بيت الخلاء فوجدوه و على رأسه قوسرة فأخذوه و قتلوه ثمّ أمر بحرقه و بعث إلى حكيم ابن الطفيل و كان قد أخذ سلب العبّاس فجعلوه هدفا و رموه بالسّهام و بعث إلى قاتل عليّ بن الحسين و هو مرّة العبدي فأحرقوه و هرب سنان بن أنس،ثمّ أخذه بين العذيب و القادسية فقطع أنامله ثمّ يديه و رجليه و غلى له زيتا و رماه فيها و كلّ من قتله هدم

ص: 300

داره حتّى هدم في الكوفة دورا كثيرة،فلمّا خلى خاطره اهتمّ بعمر بن سعد و ابنه حفص،فقال يوما:و اللّه لأقتلنّ رجلا عظيم القدمين مشرف الحاجبين يهزّ الأرض برجله،فسمع الهيثم قوله و وقع في نفسه أنّه عمر بن سعد فأرسل إلى ابن سعد و عرّفه قول المختار و قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا أمان المختار لعمر بن سعد إنّك آمن بأمان اللّه إلاّ أن يحدث حدثا.

قال الباقر عليه السّلام:إنّما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء فيحدث،و لمّا علم ابن سعد أنّ قول المختار عنه عزم على الخروج من الكوفة فركب ناقته و خرج ثمّ نام على ظهر ناقته،فرجعت و هو لا يدري حتّى ردّته إلى الكوفة فأخبروا المختار فقال:و فينا له و غدر بنا فأرسل إليه و ضرب عنقه و أتى برأسه و ابنه حفص عند المختار،فلمّا وضع الرأس قال لابنه:تعرفه؟

قال:نعم،و لا خير في العيش بعده،فقال:إنّك لا تعيش بعده و أمر بقتله،فقال المختار:عمر بالحسين و حفص بعليّ بن الحسين و لا سواء،و قال:لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السّلام و كان محمّد بن الحنفيّة يعتب على المختار بتأخيره قتل ابن سعد،فأرسل بالرأسين إلى مكّة فما تمّ كلامه إلاّ و الرأسان عنده فخرّ ساجدا و بسط كفّيه و قال:اللّهم لا تنس هذا اليوم للمختار و أجزه عن أهل بيتك محمّد خير الجزاء،فو اللّه ما على المختار بعد هذا من عتب.

ثمّ قال المختار:لم يبق عليّ أعظم من ابن زياد فأمر إبراهيم بن الأشتر بالمسير إليه فسار إلى تكريت و نزل بها و سار إلى ما بقي أربعة فراسخ من الموصل و ابن زياد بها،فخرج إليه ابن زياد في ثلاثة و ثمانين ألفا حتّى نزل قريبا من عسكر العراق و كان مع الأشتر أقلّ من عشرين ألفا،فلمّا كان في السحر عبّأ إبراهيم أصحابه فزحفوا إلى أهل الشام و التقى الجمعان فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم ثمّ تقدّم إبراهيم و نادى:ألا يا أنصار الدّين قاتلوا أولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين،ثمّ حمل على أهل الشام و ضرب فيهم بسيفه و اختلط العسكران و شبّت فيهم نار الحرب إلى أن صلّوا بالإيماء صلاة الظهر و اشتغلوا بالقتال إلى أن تجلى صدر الدجا بالأنجم الزهر و انقضّ

ص: 301

عليهم أهل العراق انقضاض العقبان على الرخم و جالوا فيهم جولان الذئب على الغنم،فولّى عسكر الشام و صبغ الأرض بدمائهم.

قال إبراهيم:و احمرّ رجل أحمر في كبكبة فدنى منّي فضربت يده فسقط فوجدت رائحة المسك تفور منه فاحتزّوا رأسه و إذا هو ابن زياد فقال إبراهيم:الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي في يوم عاشوراء و عمره دون الأربعين و أصبح الناس فغنموا غنيمة عظيمة و كان المختار قد سار من الكوفة يتطلّع أحوال إبراهيم فأتته البشرى بقتل ابن زياد و أصحابه فكاد يطير فرحا و رجع إلى الكوفة مسرورا،و قال أبو عمر البزّاز:كنت مع إبراهيم الأشتر لمّا لقى ابن زياد بالخارز فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم فكانوا سبعين ألفا و صلب عبيد اللّه بن زياد منكسا،فكأنّي أنظر إلى خصيه كأنّهمنا جعلان و بعث إبراهيم برأس ابن زياد و أهل الشام و في آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه و هو يتغدّى فوطأ وجه ابن زياد بنعله،ثمّ أمر بحمل الرؤوس إلى مكّة إلى محمّد بن الحنفيّة و عليّ بن الحسين (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما اكتحلت هاشميّة و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخّان خمس سنين،و كانت ولاية المختار ثمانية عشر شهرا أوّلها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ستّ و ستّين،و آخرها النصف من شهر رمضان سنة سبع و ستّين و عمره سبع و ستّون سنة (2).7.

ص: 302


1- -بحار الأنوار:385/45،و العوالم:706.
2- -بحار الأنوار:386/45،و العوالم:707.
خاتمة

فيما وقع على قبره الشريف من أهل الظلم و العدوان

عن يحيى الحماني قال:خرجت أيّام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفي فلقيني أبو بكر بن عيّاش فقال لي:امض بنا إلى هذا و كان راكبا حمارا له فجعلت أمشي في ركابه فقال:إنّما جررتك معي لأسمعك ما أقول لهذا الكافر موسى بن عيسى،فمضى و أنا أتبعه حتّى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى دخل على حماره فناداني فدخل الإيوان،فبصر بنا موسى و هو قاعد في صدر الإيوان فرحّبه و أقعده على سريره و ناداني فأجلسني بين يديه فقال أبو بكر:جئت بهذا شاهدا عليك قال:فبماذا؟

قال:إنّي رأيتك و ما صنعت بقبر الحسين بن عليّ ابن فاطمة،و كان موسى قد وجّه إليه من كربه و كرب جميع أرض الحائر و حرثها للزرع،فانتفخ موسى حتّى كاد أن ينقدّ،ثمّ قال:

و ما أنت و ذا؟

قال:اسمع حتّى أخبرك؛إعلم أنّي رأيت في منامي كأنّي خرجت إلى بني غاضرة، فلمّا صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني فأغاثني اللّه برجل كنت أعرفه فدفعها عنّي فمضيت لوجهي،فلمّا صرت إلى شاهي ضللت الطريق فرأيت هناك عجوزا دلّتني عن الطريق،فلمّا صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير فقال:أنا من أهل هذه القرية، فقلت:كم تعدّ من السنين؟

فقال:أذكر إنّي رأيت الحسين و من كان معه يمنعون الماء الذي لا تمنعه الكلاب و لا الوحوش،ثمّ قال:ما في الدّنيا مسلم أيكرب قبر ابن النبيّ و تحرث أرضه؟قلت:و أين القبر؟

قال:هذا هو أنت واقف في أرضه،فأمّا القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال أبو بكر:و ما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قطّ،فقلت:لا أعرفه،فمضى معي الشيخ حتّى وقف بي على مكان له باب و حاجب،و إذا جماعة كثيرة على الباب فقلت

ص: 303

للحاجب:اريد الدخول على ابن رسول اللّه.

قال:لا تقدر على الوصول إليه هذا الوقت لأنّه وقت زيارة إبراهيم خليل اللّه و محمّد رسول اللّه و معهما جبرائيل و ميكائيل و جماعة من الملائكة فانتبهت و قد دخلني روع شديد و بكاء و حزن و مضت بي الأيّام حتّى كدت أن أنسى المنام ثمّ اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي حتّى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص،فحين رأيتهم ذكرت الحديث فقالوا لي:الق ما معك و انج بنفسك،فقلت:و يحكم أنا أبو بكر شديد الضيافة للناس،فنادى رجل منهم:مولاي و ربّ الكعبة لا تعرض له فدلّوني على الطريق فجعلت أتذكّر ما رأيته في المنام حتّى صرت إلى نينوى فرأيت الشيخ الذي رأيته في منامي بصورته ثمّ سألته كمسألتي إيّاه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثمّ قال لي:امض بنا فمضيت فوقفت يده على الموضع و هو مكروب،فاتّق اللّه أيّها الرجل فإنّ موضعا يأمّه إبراهيم و محمّد و جبرئيل و ميكائيل لحقيق بأن يرغب في زيارته،فإنّ أبا حصين حدّثني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:من رآني في المنام فإيّاي رآني فإنّ الشيطان لا يتشبّه بي،فقال له موسى:ان بلغني أنّك بهذا لأضربنّ عنقك و عنق هذا الذي جئت به شاهدا عليّ،فقال له أبو بكر:إذا يمنعني و إيّاه منك،فقال له:تراجعني و شتمه،فقال له أبو بكر:اسكت أخزاك اللّه و قطع لسانك،فقال موسى:خذوه فأخذونا سحبا على الأحجار فصيّرونا إلى الحبس ثمّ أمر بإخراجنا و قال:لا تعودوا لهذا،الحديث (1).

و عن إبراهيم الديزج قال:بعثني المتوكّل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه السّلام و نبشه، فعرضت على المتوكّل إنّي نبشت القبر فلم أجد شيئا ولكنّي لمّا نبشت وجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين فأمرت بطرح التراب عليها و أطلقت عليه الماء و أمرت البقر لتحرثه فلم تطأه البقر،و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه فحلفت لغلماني لئن ذكر أحد هذه إلاّ قتلته (2).

و روي أنّ الديزج هذا اسودّ وجهه بعد البياض،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جاءه في المنام4.

ص: 304


1- -بحار الأنوار:244/58،و العوالم:722.
2- -بحار الأنوار:394/45،و العوالم:724.

و لطمه و تفل في وجهه.

و عن الفضل بن محمّد قال:دخلت على إبراهيم الديزج في مرضه الذي مات فيه فوجدته كالمدهوش و عنده الطبيب،فلم يعرف الطبيب ما يصف له من الدواء فخرج الطبيب و خلى الموضع فقال:اخبرك أنّ المتوكّل أمرني بالخروج إلى قبر الحسين فأمرنا أن نكريه و نطمس أثر القلب فخرجت بالفعله و معهم المساحي و المرور فأمرت أصحابي أن يأمروا الفعلة بخراب القبر و حرث أرضه فطرحت نفسي لما نالني من التعب،فإذا أصوات عالية فنبهوني و قالوا:إنّ بموضع القبر قوما يرمونا بالنشّاب فقمت لأتبيّن الأمر فوجدته كما وصفوا و كان ذلك أوّل الليل،فقلت:ارموهم فرموهم فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منّا إلاّ في صاحبه الذي رمي به فقتله فجزعت و أخذتني الحمّى و رحلت عن القبر و وطّنت نفسي على أن يقتلني المتوكّل،فقيل له:قد كفيت ما تحذر من المتوكّل قد قتل بارحة الاولى و أعان عليه المنتصر؟

فقال لي:قد سمعت بذلك و قد نالني جسمي ما لا أرجو معه البقاء و كان هذا في أوّل النهار،فما أمسى الديزج حتّى مات.

قال أبو المفضل:إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة،فسأل رجلا من الناس عن ذلك، فقال:قد وجب عليه القتل إلاّ أنّ من قتل أباه لم يطل له عمر.

قال:ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر فقتله و مات بعده بسبعة أشهر (1).3.

ص: 305


1- -أمالي الطوسي:328،و العوالم:726 ح 3.
حديث قاطع السدرة

و في كتاب الأمالي عن يحيى الرازي قال:كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس،فقال:تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السّلام و أمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت قال:فرفع جرير يديه و قال:اللّه أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّه قال:لعن اللّه قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف على معناه حتّى الآن،لأنّ القصد بقطعه تعيير مصرع الحسين عليه السّلام حتّى لا يقف الناس على قبره (1).

و عن محمّد بن فرج عن أبيه عن عمّه قال:أنفذني المتوكّل في تخريب قبر الحسين فصرت إليه و أمرت بالبقر فمرّ بها على القبور كلّها،فلمّا بلغت قبر الحسين لم تمرّ عليه.

قال عمّي:فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتّى انكسرت العصا في يدي فو اللّه ما جازت على قبره و لا تخطّته (2).

و في ذلك الكتاب عن موسى بن عبد العزيز قال:لقيني يوحنا النصراني المتطيّب فقال لي:بحقّ دينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟قلت:هو ابن بنته عليه السّلام،فقال:له عندي حديث طريف و هو أنّه وجّه إلى سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل إليه و مضينا حتّى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي،فوجدناه زايل العقل متّكئا على و سادة و إذا بين يديه طشت فيها حشو جوفه و كان الرشيد استحضره من الكوفة فأقبل سابور على خادم كان من خاصّة موسى فقال له:ويحك ما خبره؟

فقال له:أخبرك إنّه كان من ساعته جالسا و حوله ندماؤه و هو من أصحّ الناس جسما و أطيبهم نفسا إذ جرى ذكر الحسين بن علي.

قال يوحنّا:هذا الذي سألتك عنه،فقال موسى:إنّ الرافضة ليغلون فيه حتّى أنّهم

ص: 306


1- -أمالي الطوسي:325،و بحار الأنوار:398/45.
2- -أمالي الطوسي:325،و بحار الأنوار:399/45.

يجعلون تربته دواء يتداوون به،فقال له رجل من بني هاشم:قد كانت بي علّة فتعالجت لها بكلّ علاج فما نفعني حتّى وصف لي كاتبي لآخذ من هذه التربة،فأخذتها فنفعني اللّه بها و زال عنّي ما كنت أجده قال:فبقي عندك منها شيء؟

قال:نعم،فوجّه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها عيسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن يتداوى بها و احتقارا و تصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته- يعني الحسين عليه السّلام-فما هو إلاّ أن استدخلها دبره حتّى صاح النار النار الطشت الطشت فجئناه بالطشت فأخرج فيها ما ترى،فانصرف الندماء و صار المجلس مأتما فأقبل على سابور فقال:انظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و رئّته و فؤاده خرج منه في الطشت،فنظرت إلى أمر عظيم فقال لي سابور:كن هاهنا في الدار إلى أن يظهر أمره فبتّ عندهم فمات في وقت السحر،ثمّ كان يوحنّا يزور قبر الحسين و هو على دينه ثمّ أسلم بعد هذا و حسن إسلامه.

أخذ المسترشد العبّاسي من مال الحائر و كربلاء و قال:إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة و أنفق على العسكر،فلمّا خرج قتل هو و ابنه الراشد (1).

و عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة (2).

و روى جماعة من الثقاة:أنّه لمّا أمر المتوكّل بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يجرى الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون و بهلول المجنون إلى كربلاء،فنظرا إلى القبر و إذا هو معلّق بالقدرة في الهواء فقال زيد: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (3).

و ذلك أنّ الحرّاث حرث سبع عشرة مرّة و القبر يرجع إلى حاله،فلمّا نظر الحرّاث إلى8.

ص: 307


1- -الحدائق الناظرة:45/2،و الخرائج و الجرائح:874/2.
2- -المناقب:220/3،و بحار الأنوار:401/45 ح 11.
3- -سورة الصف:8.

ذلك آمن باللّه و حلّ البقر،فأخبر المتوكّل فأمر بقتله (1).

و عن سليمان الأعمش قال:كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار من النواصب فقلت:آتيه ليلة الجمعة و اكلّمه في فضائل الحسين،فإن رأيته مصرّا على حاله قتلته،فلمّا كان السحر أتيته فقالت لي امرأته:إنّه خرج إلى زيارة الحسين من أوّل الليل فسرت في إثره إلى زيارة الحسين عليه السّلام،فلمّا دخلت إلى القبر فإذا بالشيخ ساجد يدعو و يسأل اللّه التوبة ثمّ رفع رأسه فقلت له:يا شيخ كنت تقول بالأمس:زيارة الحسين بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار و اليوم تزوره؟

فقال:يا سليمان لا تلمني فإنّي ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتّى كانت ليلتي تلك فرأيت رؤيا هالتني رأيت رجلا جليل القدر لا أقدر أصفه من عظم جماله و جلاله و بين يديه فارس على رأسه تاج و التاج له أربعة أركان في كلّ ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيّام، فقلت لبعض خدّامه:من هذا؟

قال:هذا محمّد المصطفى و الآخر عليّ المرتضى،ثمّ نظرت فإذا أنا بناقة من نور عليها هودج من نور و فيه امرأتان و الناقة تطير بين السماء و الأرض،فقلت:لمن هذه الناقة؟

فقال:لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء و هذا الغلام الحسن بن عليّ،يريدون زيارة المقتول ظلما شهيد كربلاء الحسين بن عليّ،ثمّ قصدت نحو الهودج الذي فيه الزهراء عليها السّلام و إذا برقاع مكتوبة تسقط من السماء فقيل هذه رقاع فيها أمان من النار لزوّار الحسين في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي:إنّك تقول زيارته بدعة فإنّك لا تنالها حتّى تزور الحسين و تعتقد فضله و شرفه،فانتبهت من نومي فزعا و قصدت إلى زيارة سيّدي الحسين و أنا تائب إلى اللّه و لا افارق قبر الحسين حتّى تفارق روحي جسدي (2).

و روى الثقاة عن دعبل الخزاعي قال:لمّا انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام بقصيدتي التائية نزلت بالريّ و أنّي في ليلة أصوغ قصيدة و قد ذهب من الليل شطره فإذا طارق يطرق الباب،فقلت:من هذا؟5.

ص: 308


1- -بحار الأنوار:401/45 ح 11،و العوالم:727.
2- -بحار الأنوار:402/45 ح 12،و العوالم:715.

قال:أخ لك،ففتحت الباب،فدخل رجل اقشعرّ منه بدني،فقال لي:لا تخف أنا أخوك من الجنّ ولدت في الليلة التي ولدت فيها و نشأت معك و أنّي جئت احدّثك بما يسرّك و يقوّي بصيرتك،فقال:يا دعبل إنّي كنت من أشدّ الناس عداوة لعليّ بن أبي طالب فخرجت في نفر من الجنّ المردة العتاة فمررت بنفر يريدون زيارة الحسين قد جنّهم الليل فهممنا بهم و إذا ملائكة تزجرنا من السماء و ملائكة في الأرض تزجر عنهم هوامها فكأنّي كنت نائما فانتبهت،و علمت أنّ ذلك لعناية اللّه تعالى بمن تشرّفوا بزيارته فأحدثت توبة و زرت مع القوم و دعوت بدعائهم و حججت بحجّهم تلك السنة و زرت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و مررت برجل حوله جماعة فقلت:من هذا؟

قالوا:هذا ابن رسول اللّه الصادق عليه السّلام فدنوت منه و سلّمت عليه فقال لي:مرحبا بك يا أهل العراق أتذكر ليلتك ببطن كربلاء و ما رأيت من كرامة اللّه تعالى لأوليائنا؛إنّ اللّه قد قبل توبتك،فقلت:الحمد للّه الذي منّ عليّ بكم،فحدّثني يا ابن رسول اللّه بحديث أنصرف به إلى أهلي و قومي،فقال:حدّثني أبي عن أبيه عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا عليّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى أدخلها أنا،و على الأوصياء حتّى تدخلها أنت،و على الأمم حتّى تدخلها أمّتي،و على أمّتي حتّى يقرّوا بولايتك،يا عليّ و الذي بعثني بالحقّ لا يدخل الجنّة أحد إلاّ من أخذ منك بسبب أو نسب.

ثمّ قال:خذها يا دعبل فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ثمّ ابتلعته الأرض فلم أره (1).

و روي أنّ المتوكّل العبّاسي كان شديد العداوة لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و هو الذي أمر الحارث بحرث قبر الحسين عليه السّلام و أن يخربوا بنيانه و يخفوا آثاره و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي حتّى لا يبقى له أثر،و توعّد الناس ممّن زار قبره و جعل رصدا من أجناده يقتلون كلّ من يزور الحسين ليطفئوا نور اللّه،فبلغ الخبر رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون ولكنّه ذو عقل سديد و إنّما لقّب بالمجنون لأنّه أفحم كلّ لبيب و قطع حجّة كلّ أديب فعظم ذلك عليه و اشتدّ حزنه و تجدّد مصابه بالحسين و كان يسكن مصر،فلمّا سمع بحرث قبر الإمام خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه حتّى بلغ الكوفة و كان البهلول بها،فلقيه زيد المجنون3.

ص: 309


1- -العوالم:713.

و سلّم عليه فردّ عليه السلام.

فقال له البهلول:من أين لك معرفتي و لم ترني؟

فقال زيد:قلوب المؤمنين جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، فقال له البهلول:ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابّة و لا مركوب؟

فقال:بلغني أنّ هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين و خراب بنيانه و قتل زوّاره فهذا الذي أخرجني و أجرى دموعي.

فقال له البهلول:و أنا و اللّه كذلك،فقال له:قم إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد عليّ المرتضى،فوصلا إلى قبر الحسين و إذا هو على حاله لم يتغيّر و قد هدّموا بنيانه و كلّما أجروا عليه الماء غار و حار و استدار،و كان القبر إذا جاءه الماء ترتفع أرضه بإذن اللّه تعالى فقال زيد المجنون:انظر يا بهلول يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ ،و لم يزل المتوكّل يأمر بحرث قبر الحسين مدّة عشرين سنة و القبر على حاله لم يتغيّر و لا يعلوه قطرة من الماء.

فلمّا نظر الحارث إلى ذلك قال:آمنت باللّه و بمحمّد رسول اللّه،و اللّه لأهربن على وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين و أنّ لي مدّة عشرين سنة اشاهد براهين آل بيت رسول اللّه و لا أتّعظ،ثمّ إنّه حلّ الثيران و طرح الفدان و أقبل نحو زيد المجنون و قال:يا شيخ لأيّ شيء جئت إلى هنا و أنّي لأخشى عليك من القتل؟

فبكى زيد و قال:و اللّه قد بلغني حرث قبر الحسين فأحزنني فانكبّ الحارث على أقدام زيد يقبّلهما و يقول:فداك أبي و أمّي،فو اللّه يا شيخ من حين أقبلت إلي أقبلت إليّ الرحمة و استنار قلبي بنور اللّه و أنّ لي مدّة عشرين سنة أحرث هذه الأرض و كلّما أجريت الماء غار و حار و استدار و لم يصل إلى القبر منه قطرة و كأنّي كنت في سكر و أفقت الآن ببركة قدومك، فبكى زيد و قال له الحارث:ها أنا الآن ماض إلى المتوكّل بسرّ من رأى أعرّفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني و إن شاء أن يتركني.

فقال له زيد:و أنا أسير معك.

فلمّا دخل الحارث على المتوكّل و أخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السّلام ازداد بغضا لأهل البيت و أمر بقتل الحارث و صلبه،و أمّا زيد فازداد حزنه و صبره حتّى أنزلوه من

ص: 310

الصلب و ألقوه على مزبلة فاحتمله زيد إلى الدجلة و غسّله و كفّنه و صلّى عليه و دفنه و بقي ثلاثة أيّام يتلو عنده القرآن،فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا و نساء منشرات الشعور و الناس كافّة في اضطراب شديد و إذا بجنازة محمولة على أعناق الرّجال و قد نشرت لها الأعلام و انسدّت الطرق من الرجال و النساء.

قال زيد:ظننت أنّ المتوكّل مات،فسألت فقيل لي:هذه جارية المتوكّل ماتت؛ جارية سوداء حبشية و اسمها ريحانة و كان المتوكّل يحبّها،فلمّا نظر زيد إلى ذلك زادت أحزانه و جعل يلطم وجهه و يقول:وا أسفاه يا حسين أتقتل بالطفّ غريبا و تسبى نساؤك و بناتك و تذبح أطفالك و لم يبك عليك أحد من الناس و تدفن بغير غسل و لا كفن و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك،و أنت ابن عليّ المرتضى و ابن فاطمة الزهراء و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء!و لم يزل يبكي حتّى غشي عليه،فلمّا أفاق أنشد يقول،شعر:

أيحرث بالطف قبر الحسين *** و يعمر قبر بني الزانية

لعلّ الزمان بهم قد يعود *** و يأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن اللّه أهل الفساد *** و من يأمن الدنية الفانية

فكتب هذه الأبيات في ورقة و سلّمها لبعض حجّاب المتوكّل،فلمّا قرأها المتوكّل أمر بقتله.

فلمّا مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو استحقارا له،فقال:و اللّه إنّك عارف به و بفضله و لا يجحده إلاّ كلّ كافر،فأمر المتوكّل بحبسه،فلمّا أسدل الظلام جاء إلى المتوكّل هاتف و رفسه برجله و قال له:قم و اخرج زيدا من حبسه و إلاّ أهلكك اللّه عاجلا،فقام بنفسه و أخرج زيدا و خلع عليه خلعة سنية و قال له:اطلب ما تريد؟

قال:اريد عمارة قبر الحسين عليه السّلام و أن لا يتعرّض أحد لزوّاره،فأمر له بذلك فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان و يقول:من أراد زيارة الحسين عليه السّلام فله الأمان طول الأزمان (1).

و في كتاب بحار الأنوار عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال:خرجت في آخر1.

ص: 311


1- -بحار الأنوار:407/45،و العوالم:731.

زمان بني مروان إلى قبر الحسين عليه السّلام مستخفيا من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية،حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحوه حتّى إذا دنوت منه خرج إليّ رجل فقال:يا هذا إنّك لن تصل إليه فقلت له:عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة اريد زيارته فلا تحل بيني و بينه و أنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام.

فقال:اصبر قليلا فإنّ موسى بن عمران صلوات اللّه عليه سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أوّل الليل ينتظرون طلوع الفجر ثمّ يعرجون إلى السماء،فقلت:من أنت؟

قال:أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين و الاستغفار لزوّاره فانصرفت،فقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه.

فلمّا طلع الفجر أقبلت نحوه و دعوت اللّه على قتلته و صلّيت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام (1).

و روي عن الأعمش قال:أحدث رجل على قبر الحسين عليه السّلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص و هم يتوارثون الجذام إلى الساعة (2).

و لنختم أحوال الحسين عليه السّلام بفائدتين:

الفائدة الأولى:حدّثني من أثق به من الطائفة المحقّة أنّ رجلا كان في الكوفة من أعيان أهلها من امراء الكوفة و جنودها و كان له ديانة و ميل إلى الشيعة قال:و كان ذات ليلة نائما على سطح داره،فلمّا أصبح تخيّل إليه أنّ يستخير اللّه سبحانه في طريق النزول،فاستخار أن ينزل من الدرج فكانت الاستخارة نهيا و كذلك استخار على وضع درج ينزل منه و كلّما يستخير اللّه سبحانه على طريق تأتي الاستخارة نهيا حتّى استخار أن يرمي بنفسه من فوق السطح فجاءت موافقة الأمر،فرمى بنفسه و انكسرت رجله فحمل إلى داخل منزله و شدّ عليها الجباير و بقي يداويها،فاتّفق في ذلك الوقت أنّ ابن زياد أرسل عساكر الكوفة لقتال الحسين عليه السّلام فأرسل إلى ذلك الرجل يكون مع الجند،فقيل له:إنّه مريض و أنّ رجله مكسورة5.

ص: 312


1- -بحار الأنوار:408/45،و العوالم:714.
2- -المناقب:220/3،و بحار الأنوار:401/45.

لا يقدر على الركوب.

فقال:إذا لم يقدر على المسير فليحمل و يوضع على باب الكوفة يكتب العساكر التي تخرج إلى قتال الحسين،فحمل على بساط و وضع على باب الكوفة و أحصى في دفتر أسماء الخارجين إلى القتال و كان ذلك الدفتر عنده حتّى طابت رجله و خرج المختار و كان يتبع من خرج في العسكر فتارة يعرفهم و تارة لا يعرفهم لكثرتهم لأنّه كما سبق كانوا سبعين ألفا،فأتى ذلك الرجل إلى المختار و طلب منه الأمان و دفع إليه ذلك الدفتر فكان يقتل بني أميّة و من خرج من ذلك الدفتر حتّى أتى على آخرهم.

فلينظر العاقل أسرار الاستخارة،و أنّ خيرة ذلك الرجل في الدّين و الدّنيا كانت في كسر رجله فلا يتّهم أحد ربّه فيما قضى عليه و خار له لأنّه الحكيم و الطبيب يداوي كلّ مريض بمقتضى علّته.

الفائدة الثانية:في زيارة خاصّة اشتملت على أسماء الشهداء و بعض أحوالهم و أسماء من قتلهم أوردها السيّد ابن طاووس رحمه اللّه في كتاب الإقبال قال:روينا بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي عن محمّد بن أحمد بن عيّاش عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم البغدادي رحمه اللّه قال:خرج من الناحية سنة اثنتين و خمسين و مائتين على يد الشيخ محمّد بن طالب الاصفهاني حين وفاة أبي و كنت حديث السنّ و كتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد اللّه عليه السّلام و زيارة الشهداء رضوان اللّه عليهم فخرج إلى منه:بسم اللّه الرحمن الرحيم إذا أردت زيارة الشهداء رضوان اللّه عليهم فقف عند رجلي الحسين و هو على قبر عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما،فاستقبل القبلة بوجهك،فإنّ هناك حومة الشهداء عليهم السّلام و أوم و أشر إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام.

ص: 313

زيارة خاصّة للشهداء

و قل:السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلّى اللّه عليك و على أبيك إذ قال فيك قتل اللّه قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن و على انتهاك حرمة الرسول،على الدّنيا بعدك العفا.كأنّي بك بين يديه ماثلا و للكافرين قاتلا تقول، شعر:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني *** أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشميّ عربيّ *** و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعيّ

حتّى قضيت نحبك و لقيت ربّك،أشهد أنّك أولى باللّه و برسوله و أنّك ابن رسوله و حجّته و دينه و ابن حجّته و أمينه،حكم اللّه على قاتلك مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه اللّه و أخزاه و من شركه في قتلك و كانوا عليك ظهيرا أصلاهم اللّه جهنّم و ساءت مصيرا، و جعلنا اللّه من ملاقيك و مرافقيك و مرافقي جدّك و أبيك و عمّك و أخيك و امّك المظلومة و أبرأ إلى اللّه من أعدائك أولي الجحود،و السلام عليك و رحمة اللّه.

و السلام على عبد اللّه بن الحسين الطفل الرضيع المرميّ الصريع المتشحّط دما المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه،لعن اللّه راميه حرملة بن كاهل الأسدي و ذويه.

السلام على عبد اللّه بن أمير المؤمنين مبلي البلاء و المنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا و مدبرا،لعن اللّه قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي.

السلام على أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الغازي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه،لعن اللّه قاتله يزيد بن الحيني و حكيم بن الطفيل الطائي.

ص: 314

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسبا و النائي عن الأوطان مغتربا المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور بالرّجال،لعن اللّه قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي.

السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون،و لعن اللّه راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الإيادي و الاباني الداري.

السلام على محمّد بن أمير المؤمنين قتيل الإيادي الداري لعنه اللّه و ضاعف عليه العذاب الأليم،و صلّى اللّه عليك يا محمّد و على أهل بيتك الصابرين.

السلام على أبي بكر ابن الحسن بن علي الزكي الوليّ المرميّ بالسهم الردي لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن العقبة الغنوي.

السلام على عبد اللّه الحسن الزكي لعن اللّه قاتله و راميه حرملة بن كاهل الأسدي، السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لامته حين نادى الحسين عمّه فجاءه كالصقر و هو يفحص برجليه التراب و الحسين يقول:بعدا لقوم قتلوك و من خصمهم يوم القيامة جدّك و أبوك ثمّ قال:عزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك و أنت قتيل جديل،فلا ينفعك هذا و اللّه يوم كثر واتره و قلّ ناصره جعلني اللّه معكما يوم جمعكما و بوّأني مبوّأكما،و لعن اللّه قاتلك عمر بن سعد ابن مروة بن نفيل الأزدي و أصلاه جحيما و أعدّ له عذابا أليما.

السلام على عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار في الجنان حليف الإيمان و منازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني و القرآن،لعن اللّه قاتله عبد اللّه بن قطبة النبهاني،السلام على محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الشاهد مكان أبيه و التالي لأخيه و واقيه ببدنه،لعن اللّه قاتله عامر بن نهشل التميمي.

السلام على جعفر بن عقيل لعن اللّه قاتله و راميه بشر بن خوط الهمداني،السلام على عبد الرحمن بن عقيل،لعن اللّه قاتله و راميه عمر بن خالد بن الأسد الجهني.

السلام على القتيل ابن القتيل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل،و لعن اللّه قاتله و راميه عامر بن صعصعة و قيل أسد بن مالك.

السلام على أبي عبيد اللّه بن مسلم بن عقيل،و لعن اللّه قاتله و راميه عمرو بن صبيح

ص: 315

الصيداوي.

السلام على محمّد بن أبي سعيد بن عقيل،و لعن اللّه قاتله لقيط بن ناشر الجهني.

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين،و لعن اللّه قاتله سليمان بن عوف الحضرمي.

السلام على قارب مولى الحسين بن عليّ.

السلام على منجح مولى الحسين بن علي.

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين و قد أذن له في الانصراف:

أنحن نخلّي عنك و بم نعتذر عند اللّه من أداء حقّك،لا و اللّه حتّى أكسر في صدورهم رمحي هذا و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لا افارقك و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم لقذفتهم بالحجارة،و لن أفارقك حتّى أموت معك و كنت أوّل من شرى نفسه و أوّل شهيد شهد اللّه و قضى نحبه،ففزت و ربّ الكعبة شكرا للّه استقدامك و مواساتك إمامك إذ مشى إليك و أنت صريع فقال:يرحمك اللّه يا مسلم بن عوسجة و قرأ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لعن اللّه المشركين في قتلك عبد اللّه الضبابي و عبد اللّه بن خشكارة البجلي.

السلام على سعد بن عبد اللّه الحنفي القائل للحسين عليه السّلام و قد أذن له في الانصراف:

و اللّه لا نخليك حتّى يعلم اللّه إنّا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيك،و اللّه لو أعلم إنّي اقتل ثمّ احيا ثمّ أحرق ثمّ أذرّى و يفعل فيّ ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك،و كيف أفعل ذلك و إنّما هي موتة أو قتلة واحدة ثمّ هي بعدها الكرامة في دار المقامة،حشرنا اللّه معكم في المستشهدين و رزقنا مرافقتكم في أعلى عليّين،السلام على سعد بن بشر بن عمر الحضرمي،شكر اللّه لك قولك للحسين عليه السّلام و قد أذن لك في الانصراف أكلتني إذن السباع حيّا إن فارقتك و أسأل عنك الركبان و أخذلك مع قلّة الأعوان،لا يكون هذا أبدا.

السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرفي القارئ المجدّل بالمشرفي.

السلام على عمر بن كعب الأنصاري.

ص: 316

السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري،السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين عليه السّلام و قد أذن له في الانصراف؛لا و اللّه لا يكون ذلك أبدا أترك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أسيرا في يد الأعداء و أنجو،لا أراني اللّه ذلك اليوم.

السلام على عمرو بن قرطة الأنصاري.

السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي.

السلام على الحرّ بن يزيد الرياحي.

السلام على عبد اللّه بن عمير الكلبي.

السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي.

السلام على أنس بن كاهل الأسدي.

السلام على قيس بن مسهر الصيداوي.

السلام على عبد اللّه و عبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاري.

السلام على عون بن حوى ولي أبي ذرّ الغفاري.

السلام على شبيب بن عبد اللّه النهشلي.

السلام على الحجّاج بن زيد السعدي.

السلام على قاسط و كرش ابني ظهير التغلبي.

السلام على كنانة بن عتيق.

السلام على ضرغامة بن مالك.

السلام على حوى بن مالك الضبعي.

السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي.

السلام على زيد بن ثبيت القيسي.

السلام على عبد اللّه و عبيد اللّه ابني يزيد بن ثبيت القيسي.

السلام على عامر بن مسلم.

السلام على قعنب بن عمر الثمري.

السلام على سالم مولى عامر بن مسلم.

ص: 317

السلام على سيف بن مالك.

السلام على زهير بن بشر الخثعمي.

السلام على زيد بن معقل الجعفي.

السلام على الحجّاج بن مسروق الجعفي.

السلام على مسعود بن الحجّاج و ابنه.

السلام على مجمع بن عبد اللّه العابدي.

السلام على عمّار بن حسّان بن شريح الطائي.

السلام على حيان بن الحارث السلماني الأزدي.

السلام على جندب بن حجر الخولاني.

السلام على عمر بن خالد الصيداوي.

السلام على سعيد مولاه.

السلام على يزيد بن زياد بن المظاهر الكندي.

السلام على زاهد مولى عمر بن الحمق الخزاعي.

السلام على جبلة بن علي الشيباني.

السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي.

السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج.

السلام على زهير بن سليم الأزدي.

السلام على قاسم بن حبيب الأزدي.

السلام على عمر بن جندب الحضرمي.

السلام على أبي ثمامة عمر بن عبد اللّه الصائدي.

السلام على حنظلة بن أسعد الشيباني.

السلام على عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الكدر الأرحبي.

السلام على عمّار بن أبي سلامة الهمداني.

السلام على عابس بن أبي شبيب الشاكري.

ص: 318

السلام على شوذب مولى شاكر.

السلام على شبيب بن الحارث بن سريع.

السلام على مالك بن عبد بن سريع.

السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير بن الفهمي الهمداني.

السلام على المرتب معه عمرو بن عبد اللّه الجندعي.

السلام عليكم يا أعيان أنصار.

السلام عليكم بما صبرتم،فنعم عقبى الدار بوّأكم اللّه مبوء الأبرار،أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء و مهّد لكم الوطاء و أجزل لكم العطاء و كنتم عن الحقّ غير بطاء و أنتم لنا فرطاء و نحن لكم خلطاء في دار البقاء و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

هذا ما أردنا تحريره و تهذيبه من أحوال سيّد الشهداء مولانا أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب من الأبرار و يتلوه إن شاء اللّه تعالى أحوال ابنه الإمام المطهّر سيّد الساجدين زين العابدين عليّ بن الحسين سلام اللّه عليه.

و كان الفراغ من تنميق هذه الكلمات رابع شهر رمضان المبارك عام الثامن بعد المائة و الألف الهجرية في دار الملك اصفهان صانها اللّه تعالى عن بوائق الزمان.

قال هذه الكلمات مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الموسوي الحسيني الجزائري عفى اللّه تعالى عن ذنوبه و سيّئاته و حشره اللّه مع أئمّته و ساداته.

تمّت

ص: 319

فهرس الآيات

(إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) 110

(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) 134

(اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 87

(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) 144

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) 133

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) 42

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ) 87

(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً) 280

(أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) 133

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ) 164

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) 244-259

(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) 207

(سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 259

(طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) 87

(عامِلَةٌ) 133

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) 87

(فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) 174

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ) 208

ص: 320

(فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) 23

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ) 263

(فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) 223-316

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) 165

(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) 72

(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) 72

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 87

(قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) 164

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 234

(كُلٌّ مِنْ) 72

(لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 148

(لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً) 24

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) 73

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) 19

(مِنْ جُوعٍ) 134

(نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) 73

(وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) 58

(وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) 134

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا) 169

(وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً) 164

(وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً) 135

(وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) 134

(وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) 41

ص: 321

(وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) 164

(وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) 73

(وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 280

(وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ) 136

(وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) 168

(وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ) 258

(وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 277

(وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ) 104

(وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ) 108-161

(وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) 208

(وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 182

(وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 182

(وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً) 96

(وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) 184

(وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى) 41

(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) 170

(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) 71

(وَ يَحْيى وَ عِيسى) 71

(وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) 103

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) 165

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) 105

ص: 322

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 144-148

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ) 19

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) 139-310-307

ص: 323

فهرس الأشعار

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات 275 ***

ابشر بالولد ***

أشبه شيء بالأسد 292

ابن المفضّل في السماء و أرضها ***

سبط النبيّ و هادم الأوثان 245

إذا اشتكى بثّه و غصّته ***

أجابه اللّه ثمّ لبّاه 159

إذا العين قرّت في الحياة و أنتم ***

تخافون في الدّنيا فأظلم نورها 276

إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها ***

على الناس طرّا قبل أن تتفلّت 159

إذا فخروا يوما أتوا بمحمّد ***

و جبريل و القرآن و السورات 277

إذ الرجال في كبد ***

تقاتلوا على بلد 292

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده ***

و أجريت دمع العين في الوجنات 277

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه ***

إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا 276

ص: 324

اشبه أباك يا حسن ***

و اخلع عن الحقّ الرّسن 85

اصبروا آل الرسول ***

قتل الفرخ الفحول 177

الجسم منه بكربلا مضرّج ***

و الرأس منه على القناة يدار 252

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكره ***

سقتني بكأس الثكل و القصعات 277

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه ***

و آخر يهوى من جدار قتيل 214

إلى قوم تسوقهم المنايا ***

بمقدار إلى إنجاز وعد 217

اليوم ألقى مسلما و هو أبي ***

و فتية بادوا على دين النبيّ 225

اليوم نلقى جدّك النبيّا ***

و حسنا و المرتضى عليا 204

املأ ركابي ذهبا و فضّة ***

أنا قتلت السيّد المحجّبا 246

املأ ركابي فضّة و ذهبا ***

إنّي قتلت الملك المحجّبا 205

إنّ الذين لقيتهم و صحبتهم ***

صاروا جميعا في القبور ترابا 109

إنّ الرماح الواردات صدورها ***

نحو الحسين تقاتل التنزيلا 275

ص: 325

إنّ السخاء على العباد فريضة ***

للّه يقرأ في كتاب محكم 110

إن تنكروني فأنا ابن الحسن ***

سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن 226

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة ***

ضرغام اجام و ليث قسورة 226

إنّ حزني عليك حزن جديد ***

و فؤادي و اللّه صب عتيد 61

إنّ حزني عليك حزن جديد ***

و فؤادي و اللّه صب عتيد 62

إنّ حسينا أحد السبطين ***

من عترة البرّ التقيّ الزينيّ 225

إن عادت العقرب عدنا لها ***

و كانت النعل لها حاضرة 164

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم ***

أذلّ رقابا من قريش فذلّت 236

إنّ قلبا عليك بألف صبرا ***

أو عزاء فإنّه لجليد 61

إنّ قلبا عليك بألف صبرا ***

أو عزاء فإنّه لجليد 62

أبي عقيل فاعرفوا مكاني ***

من هاشم و هاشم اخواني 225

أترجوا أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 245

ص: 326

أترجو امّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 167

أترجو أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 258

أترجو أمّة قتلت حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 265

أرجوا بذاك الفوز عند المورد ***

من الإله الواحد الموحّد 224

أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة ***

و صاحبها حتّى الممات عليل 63

أضرب في أعناقكم بالسيف ***

عن خير من حلّ بلاد الخيف 203

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني ***

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي 314

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي ***

نجوم سماوات بأرض فلاة 277

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا ***

و قد مات عطشانا بشطّ فرات 277

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا ***

و إن وجدت الموت شيئا مرّا 204

أكره أن ادّعى جبانا فرّا ***

إنّ الجبان من عصى و فرّا 204

ألا لعن اللّه أهل الفساد ***

و من يأمن الدنية الفانية 311

ص: 327

ألا يا عين فاحتفلي بجهد ***

و من يبكي على الشهداء بعدي 217

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة ***

لفقد حسين و البلاد اقشعرّت 277

أما كانت الزهراء امّي دونكم ***

أما كان من خير البرية أحمد 227

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا ***

أما نحن من نجل النبيّ المسدّد 227

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ ***

من معشر في هاشم و غالب 225

أنا حبيب و أبي مظاهر ***

لنحن أزكى منكم و أطهر 204

أنا زهير و أنا ابن القين ***

أذودكم بالسيف عن حسيني 225

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ ***

نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ 204

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ ***

نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ 314

أنت جواد و أنت معتمد ***

أبوك قد كان قاتل الفسقة 157

أيحرث بالطف قبر الحسين ***

و يعمر قبر بني الزانية 311

أيرجو معشر قتلوا حسينا ***

شفاعة جدّه يوم الحساب 167

ص: 328

أيقظت أجفانا و كنت لها كرى ***

و أنمت عينا لم يكن بك تهجع 243

أيّها العينان فيضا و استهلاّ ***

لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا 273

أيّها القاتلون جهلا حسينا ***

ابشروا بالعذاب و التنكيل 244

بالسيف صلنا عن بني محمّد ***

أذبّ عنهم باللّسان و اليد 224

بأيّ حكم بنوه يتبعونكم ***

و فخركم أنّكم صحب له تبع 250

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي ***

منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم 244

بغات الطير أكثرها فراخا ***

و امّ الصقر مقلاة نزور 164

بكت المشارق و المغارب بعدما ***

بكت الأنام له بكلّ لسان 245

تبيت السكارى من أميّة نوّما ***

و بالطفّ قتلى ما ينام حميمها 296

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه ***

قتيلا و لا كان مريضا 273

تسيّرونا على الأقتاب عارية ***

كأنّنا لم نشيد فيكم دينا 243

تصفقون علينا كفّكم فرحا ***

و أنتم في فجاج الأرض تسبونا 243

ص: 329

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم ***

و خالفتموا دين النبيّ محمّد 227

توافوا عطاشا بالعراء فليتني ***

توفّيت فيهم قبل يوم وفاتي 277

خذها و إنّي إليك معتذر ***

و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة 157

خيرة اللّه من الخلق أبي ***

ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين 228

دعاك منّي يحول في حجب ***

فحسبك الستر قد سفرناه 159

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها ***

تولى بأيام السرور الذواهب 109

رأس ابن بنت محمّد و وصيّه ***

للناظرين على قناة يرفع 243

سأبكيهم للّه ما حجّ راكب ***

و ما ناح قمري على الشجرات 277

سأمضي فما بالموت عار على الفتى ***

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما 200

سرن بعون اللّه جاراتي ***

و اشكرنه في كلّ حالات 51

سلام على أهل القبور بكربلاء ***

و قل لها منّي سلام يزورها 276

سلني بلا رغبة و لا رهب ***

و لا حساب إنّي أنا اللّه 159

ص: 330

صلّى الإله على جسم تضمّنه ***

قبر الحسين حليف الخير مقبورا 275

صوتك تشتاقه ملائكتي ***

فحسبك الصوت قد سمعناه 159

ضرب غلام هاشميّ عربيّ ***

و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعيّ 314

طوبى لمن كان خادما ارقا ***

يشكو إلى ذي الجلال بلواه 159

عبد اللّه غلاما يافعا ***

و قريش يعبدون الوثنين 229

على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه ***

و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا 252

على من دعى عرش الجليل فأفزعا ***

فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا 252

غداة حسين يطلب بذل نصري ***

على أهل الضلالة و الشقاق 294

غداة يقول لي بالقصر قولا ***

أتتركنا و تزمع بالفراق 294

فاطم الزهراء امّي و أبي ***

قاصم الكفر ببدر و حنين 229

فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة ***

فدار ثواب اللّه أعلى و أنبل 218

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ***

إلى هاني في السوق و ابن عقيل 213

ص: 331

فإن يكن الزمان أتى علينا ***

بقتل الترك و الموت الوحي 198

فأبي شمس و امّي قمر ***

فأنا الكوكب و ابن القمرين 229

فألقت عصاها و استقرّ بها النوى ***

كما قرّ عينا بالإياب المسافر 147

فتى كان أحيا من فتاة حبيبة ***

و أقطع من ذي شفرتين صقيل 214

فصبر لأمر اللّه جلّ جلاله ***

فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع 212

فضّة قد خلصت من ذهب ***

فأنا الفضّة و ابن الذهبين 229

فعاقني قدر و اللّه بالغه ***

و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا 275

فعيناي جودا بالدموع و اسكبا ***

وجودا بدمع بعد دمعكما معا 252

ففازوا بجنّات النّعيم و طيبها ***

و ذلك خير من لجين و عسجد 299

فقد فاز الأولى نصروا حسينا ***

و خاب الآخرون إلى النفاق 294

فقد قتل الدّعي و عبد كلب ***

بأرض الطّف أولاد النبيّي 198

فقد هدانا بعد كفر و قد ***

أنعشنا ربّ السماوات 51

ص: 332

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا ***

صلّى عليه اللّه أو جبريلا 275

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ***

و لا البخل يبقيها إذا ما تولت 159

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي ***

اصيب حسين كان ذلك أعظما 242

فلا و اللّه ليس لهم شفيع ***

و هم يوم القيامة في العذاب 258

فلو فلق التلهّف قلب حيّ ***

لهم اليوم قلبي بانفلاق 294

فما زلت أرثيه و أبكي لشجوه ***

و يسعد عيني دمعها و زفيرها 276

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته ***

فأقتل فيهم كلّ باغ و معتدي 299

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة ***

فقد آن للتسكاب و العبرات 277

فيالك حسرة ما دمت حيّا ***

تردّد بين حلقي و التراقي 294

قبور ببطن النهر من جنب كربلا ***

معرّسهم فيها بشط فرات 277

قبور بكوفان و اخرى بطيبة ***

و اخرى بفخّ نالها صلوات 277

قتلت خير الناس امّا و أبا ***

و خيرهم إذ ينسبون نسبا 205

ص: 333

قتلت خير الناس أمّا و أبا ***

إذ ينسبون النسبا 246

قتلت شرار بني اميّة سيّدا ***

خير البرية ماجدا ذا شأني 245

قتلتم خير من ركب المطايا ***

و خير الشيب طرّا و الشباب 266

قتيل بشط النهر روحي فداءه ***

جزاء الذي أرداه نار جهنّما 242

قد بكتك الجبال و الوحش جمعا ***

و الطير و الأرض بعد بكى السماء 61

قد علم العقرب و استيقنت ***

ليس لها دنيا و لا آخرة 164

قد لعنتم على لسان ابن داود ***

و موسى و صاحب الإنجيل 244

قدما تداعوا زنيما ثمّ سادهم ***

لولا خمول بني سعد لما سادوا 198

قلّ صبري و بان عنّي عزائي ***

بعد فقدي لخاتم الأنبياء 61

قل للمقيم بغير دار إقامة ***

حان الرحيل فودّع الأحبابا 109

كان الحسين سراجا يستضاء به ***

اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا 275

كحلت بمنظرك العيون عماتة ***

و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع 243

ص: 334

كلّ أهل السماء يدعو عليكم ***

من نبيّ و مرسل و قبيل 244

كهول صدق سادة الأقران ***

هذا حسين شامخ البنيان 225

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود ***

بالمشرفي القاطع المهنّد 224

لا تجزعي نفسي فكلّ فاني ***

اليوم تلقين ذرى الجنان 204

لا يخب الآن من رجاك ***

و من حرّك من بابك الحلقة 157

لبّيك لبّيك أنت في كنفي ***

و كلّما قلت قد علمناه 159

لعلّ الزمان بهم قد يعود ***

و يأتي بدولتهم ثانية 311

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا ***

فسوف تلاقوا حرّ نار توقد 227

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات ***

و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات 275

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني ***

و شربة من قراح الماء تكفيني 109

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ***

و إنّ بقائي بعدكم لقليل 63

لكن ريب الزمان ذو غبرة ***

و الكفّ منّي قليلة النفقة 157

ص: 335

لنعم الحرّ حرّ بني رياح ***

صبور عند مختلف الرّماح 203

لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا ***

يوم القيامة ما كنتم تقولونا 243

لو علم البحر فضل نائلنا ***

لغاض من بعد فيضه خجل 109

لو كان في سيرنا الغداة عصا ***

أمست سمانا عليك مندفقة 157

لولا الذي كان من أوايلكم ***

كانت علينا الجحيم منطبقة 157

لو هبّت الريح من جوانبه ***

خرّ صريعا لما تغشاه 159

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب ***

لكن خيار و كرام النسب 225

ما أذلّ اليتيم حين ينادي ***

بأبيه و لا يراه مجيبا 243

ما توهّمت يا شقيق فؤادي ***

كان هذا مقدّرا مكتوبا 243

ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ***

ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم 244

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها ***

لك حفرة و لخط قبرك مضجع 243

ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم ***

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي 244

ص: 336

مجاورا لرسول اللّه في غرف ***

و للوصيّ و للطيّار مسرورا 275

مررت على أبيات آل محمّد ***

فلم أرها أمثالها يوم حلّت 277

مررت على قبر الحسين بكربلا ***

فغاض عليه دموعي غزيرها 276

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود ***

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود 252

مع ابن المصطفى نفسي فداه ***

تولّى ثمّ ودّع بانطلاق 294

معاذ اللّه لا نلتم يقينا ***

شفاعة أحمد و أبي تراب 266

من طالب و صاحب قتيل ***

و الدهر لا يقنع بالبديل 201

من طالب و صاحب قتيل ***

و الدهر لا يقنع بالبديل 221

من كان لا تندبي يداه بنائل ***

للرّاغبين فليس ذاك بمسلم 110

من له جدّ كجدّي في الورى ***

أو كشيخي فأنا ابن العلمين 229

نجود قبل السؤال بأنفسنا ***

خوفا على ماء وجه من يسل 109

نحن أناس نوالنا خضل ***

يرتع فيه الرّجاء و الآمل 109

ص: 337

نزل الروح الأمين ***

ببكاء و عويل 177

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب ***

قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب 254

نعلّق هامات من أناس أعزّة ***

علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما 247

نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا ***

و أمرضني ناع نعاه فأفجعا 252

و اذكرن ما أنعم ربّ العلى ***

من كشف مكروه و آفات 51

و اعبد إلها ذا منن ***

و لا توال ذا الإحن 85

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به ***

بالطف منعفر الخدّين منحورا 275

و المسلمون بمنظر و بمسمع ***

لا منكر منهم و لا متفجّع 243

و إنّ افتقادي فاطم بعد أحمد ***

دليل على أن لا يدوم خليل 63

و إن تكن الأبدان للموت انشئت ***

فقتل امرء بالسيف في اللّه أفضل 218

و إن تكن الأموال للترك جمعها ***

فما بال متروك به الحرّ يبخل 218

و إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم ***

أذلّ رقاب المسلمين فذلّت 277

ص: 338

و إنّما الأمر إلى الجليل ***

و كلّ حيّ سالك سبيلي 201

و إنّما الأمر إلى الجليل ***

و كلّ حيّ سالك سبيلي 221

و إن يكن الأرزاق قسما مقدّرا ***

فقلّة حرص المرء في الرزق أجمل 218

و أضحت قناة الدّين في كفّ ظالم ***

إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها 296

و بكيت من بعد الحسين عصابيا ***

أطاقت به من جانبيها قبورها 276

و تمرة من رقيق الثوب تسترني ***

حيّا و إن متّ تكفيني لتكفيني 109

و حمزة و العبّاس ذو الدّين و التّقى ***

و جعفرها الطيّار و الحجبات 277

و حوله فتية تدمى نحورهم ***

مثل المصابيح يملون الدجا نورا 275

و سرن مع خير نساء الورى ***

تفدى بعمّات و خالات 51

وعد العباد الأسخياء جنانه ***

و أعدّ للبخلاء نار جهنّم 110

وعدوا عليّا ذا المناقب و العلى ***

و فاطمة الزهراء خير بنات 277

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم ***

و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا 276

ص: 339

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم ***

من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا 275

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه ***

و قد شربت بكأس كان مغرورا 276

و قد قتلوا الحسين بحكم جور ***

و خالف حكمهم حكم الكتاب 258

و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم ***

و خاضوا بحار الموت في كلّ مشهد 299

و كانوا رجالا ثمّ عادوا ***

رزية لقد عظمت تلك الرزايا و جلّت 277

و كيف يعزّ الدهر من كان بينه ***

و بين الليالي محكمات التجارب 109

و لا برح الوفّاد زوّار قبره ***

يفوح عليهم مسكها و عبيرها 276

و لما دعى المختار للثأر ***

و أقبلت كتايب من أشياع آل محمّد 298

و لو أنّني يوم الهياج لدى الوغا ***

لأعملت حدّ المشرفي المهنّد 299

و لو أنّي اواسيه بنفسي ***

لنلت كرامة يوم التلاق 294

و ما به علّة و لا سقم ***

أكثر من حبّه لمولاه 159

و نعم الحرّ إذا ساوى حسينا ***

فجاد بنفسه عند الصياح 203

ص: 340

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما ***

قتلوا بك التكبير و التهليلا 275

هم نصروا سبط النبيّ و رهطه ***

و دانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد 299

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع ***

فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع 212

يا إلهي عجّل وفاتي سريعا ***

قد تنغّصت بالحياة يا مولاي 61

يا امّة السوء لا سقيا لربعكم ***

يا امّة لم تراعى جدّنا فينا 243

يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها ***

فقد كاد قلبها أن يذوبا 243

يا أخي قلبك الشفيق علينا ***

ماله قد قسى و صار صليبا 243

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها ***

إنّ المقام بظلّ زائل حمق 109

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ***

قتل الحسين فأدمعي مدرار 252

يابن الشهيد و يا شهيدا ***

عمّه خير العمومة جعفر الطيّار 274

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ ***

و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا 274

يا بنت أبا بكر لا كان و لا كنت ***

لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت 147

ص: 341

يا بنت من فضّله ذو العلى ***

بالوحي منه و الرسالات 51

يا حار همدان من يمت يرني ***

من مؤمن أو منافق قبلا 27

يا دهر اف لك من خليل ***

كم لك في الإشراق و الأصيل 201

يا دهر اف لك من خليل ***

كم لك في الإشراق و الأصيل 221

ياذا المعالي عليك معتمدي ***

طوبى لمن كنت أنت مولاه 159

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه ***

فارحم عبيدا أنت ملجاه 159

يا من يقول بفضل آل محمّد ***

بلّغ رسالتنا بغير تواني 245

يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا ***

و اللّه يهتك أستار المسيئينا 243

يا هلالا لما استتمّ كمالا ***

غاله خسفه فزيد غروبا 243

يعظّمون له أعواد منبره ***

و تحت أرجلهم أولاده وضعوا 250

ص: 342

فهرس المحتويات

صور المخطوط 5

أحوال فاطمة الزهراء 12

الباب الأوّل

في ولادة فاطمة و أسمائها و بعض معجزاتها و مكارم أخلاقها و مجمل أحوالها 12

الباب الثاني

في تزويج فاطمة صلوات اللّه عليها 44

الباب الثالث

فيما جرى على فاطمة من الظلم بعد أبيها و في كيفيّة محبّيها يوم القيامة 59

[إحراق بيت فاطمة عليها السلام] 66

أبواب مناقب الإمامين المعصومين و أحوالهما 75

الفصل الأوّل

في ولادة الحسن و الحسين و ما يشتركان فيه و نقش خواتيمهما 75

حديث الجام 87

لعبة المداحي 89

ص: 343

تعويذ الحسن و الحسين عليهما السّلام 91

حديث الغزالة 95

في كيفيّة الإرشاد 97

الفصل الثاني

فيما يخصّ الإمام المجتبى أبي محمّد الحسن صلوات اللّه عليهما 99

سؤالات معاوية 101

كيفيّة تحليف الكاذب 102

إخبار الحسن عليه السلام عن الشهادة 103

معنى (وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) 103

معجزة للحسن عليه السلام 104

ما هو مكتوب على جناح الجرادة 107

شعر الحسن عليه السلام 109

معنى (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) 110

معنى أنّ الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر 113

نهي القسم في الطعام 115

جلوس الحسن عليه السلام مع الفقراء 116

فيه علّة التكبير في العيدين 117

فيه أنّ العطاء لستر العرض صدقة 117

علّة مصالحة الحسن عليه السلام معاوية لعنه اللّه 119

صورة كتاب الصلح 127

مباحثة شديدة 128

مثل البعوضة و النخلة 132

نسب عمرو بن العاص 133

ص: 344

في معنى شركة الشيطان 136

تهنئة الولد و الحمّام 137

الفصل الثالث

في مجمل أحوال الحسن و تواريخه و عمره و شهادته عليه السلام 142

مباحثة فضّال مع أبي حنيفة 148

أولاد الحسن عليه السلام 150

باب فيما يختصّ بالحسين عليه السلام 153

الفصل الأوّل

في معجزات الحسين عليه السلام و احتجاجه على معاوية و غيره 153

و في الآيات الواردة في شهادته و أخبار الأنبياء عليهم السّلام بها و ما يتبع ذلك 153

هرب الحمى و كلامه مع الحسين عليه السّلام 155

حديث الأعرابي 160

مولد الحسين عليه السلام و مدّة عمره 162

سورة الفجر للحسين عليه السلام 165

تأويل كهيعص 166

تفسير (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) 174

ثواب زيارة الحسين عليه السلام 179

الفصل الثاني

في عظم المصيبة و ثواب البكاء عليها 181

و في ثواب اللّعن على قاتله و فيما صار إليه أمره بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته صلوات اللّه عليه 181

ص: 345

عليه تسلّط الأعداء على الأولياء 183

ثواب البكاء على الحسين عليه السلام 185

أبواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام 187

علّة حبّ الشهداء للقتل 192

أصحاب الحسين عليه السّلام نظروا إلى منازلهم في الجنّة 192

القول عند ذكر الحسين عليه السلام 194

ثواب لعن قاتل الحسين عليه السّلام 194

الحمام الرّاغبية يلعن قتلة الحسين عليه السلام 196

نسب يزيد و ابن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه 198

سبب تخلف ابن الحنفية عن أخيه الحسين عليه السلام 206

مجيء الملائكة و الجنّ لنصرة الحسين عليه السلام 207

الفصل الثالث

في مقتله عليه السلام و ما لحقه بعد ذلك 215

شهادة ولدي مسلم بن عقيل رضي اللّه عنهما 237

الفصل الرابع

في الوقائع المتأخّرة عن مقتله عليه السلام 241

الأقوال في الرأس 251

حديث عجيب 257

ثواب التسبيح و إن لم يسبّح 263

كلّ شيء يبكي على الحسين عليه السلام 265

بكاء البومة على الحسين عليه السلام 268

فيه ملاقاة الملائكة عليهم السلام 271

ص: 346

الفصل الخامس

في أحوال المختار و جملة من أحوال الحسين عليه السلام 284

تأويل القدح في المختار 290

خاتمة

فيما وقع على قبره الشريف من أهل الظلم و العدوان 303

حديث قاطع السدرة 306

زيارة خاصّة للشهداء 314

فهرس الآيات 320

فهرس الأشعار 324

فهرس المحتويات 343

ص: 347

المجلد 2

هویة الکتاب

سرشناسه:جزایری ، نعمة الله بن عبدالله

عنوان و نام پديدآور:ریاض الابرار فی مناقب الائمة الاطهار

مشخصات ظاهري:3ج

ناشر: موسسه التاریخ العربی - بیروت - لبنان

معرفی نسخه:معرفی کتاب: در سه مجلد بزرگ تنظیم یافته است كه :

ج1 - در معرفت و صفات حضرت باری و زندگانی و فضائل و مناقب و غزوات نبی اكرم و حضرت علی (ع) درسه باب و فصول و مقاصد است .

ج2 - در بیان حالات حضرت صدیقه طاهره و اولاد دهگانه معصومش از امام مجتبی تا امام عسكری (ع) و

ج3 - درباره حضرت قائم (عج) و غیبت شریف آن بزرگوار است.

موضوع :تاریخ معصومین علیهم السلام

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

كتاب رياض الابرار في مناقب الأئمة الأطهار

تاريخ الأئمة الأبرار عليهم السّلام

من الإمام علي بن الحسين إلى الامام الحسن العسكري

تأليف: السّيّد نعمة اللّه الجزائري

1050-1112 ه-ق

مؤسّسة التاريخ العربي

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

ص: 4

صور من الكتاب

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

الصورة

ص: 9

الصورة

ص: 10

باب فيما يختصّ بالإمام الهمام أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أسمائه و سببها و نقش خواتيمه و تاريخ ولادته و أحوال أمّه

و النصّ عليه و بعض معجزاته و استجابة دعواته و مكارم أخلاقه

و أحواله مع عشائره و ما جرى له مع خلفاء زمانه

تسميته زين العابدين عليه السلام

في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عمران بن سليم قال:كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين قال:حدّثني زين العابدين عليّ بن الحسين فقال له سفيان بن عيينة:و لم تقول له:زين العابدين؟

قال:لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:

إذا كان يوم القيامة ينادي مناد:أين زين العابدين،فكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف يعني يتمايل في مشيته كالمعجب بنفسه (1).

و في مناقب ابن عبد العزيز أنّه قال يوما و قد قام من عنده عليّ بن الحسين عليهما السّلام:من أشرف الناس؟

ص: 11


1- -علل الشرائع:230/1،و بحار الأنوار:3/46 ح 1.

فقالوا:أنتم،فقال:كلاّ،إنّ أشرف الناس؟هذا القائم من عندي،من أحبّ الناس أن يكونوا منه و لم يحبّ أن يكون من أحد (1).

و في ربيع الأبرار عن الزمخشري روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:للّه من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس،و كان يقول عليّ بن الحسين:أنا ابن الخيرتين لأنّ جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمّه بنت يزدجر الملك،و أنشأ أبو الأسود شعر:

و إنّ غلاما بين كسرى و هاشم *** لأكرم من نيطت عليه التمايم (2)

أقول: التمايم خرزات كانت العرب تعلّقها على أولادها يتّقون بها العين أو الأعمّ منها و من العوذ و الغرض التعميم بأنّه أفضل الخلق.

ألقاه و كناه عليه السلام

و في كتاب المناقب لقبه عليه السّلام زين العابدين و سيّد الساجدين و زين الصالحين و وارث علم النبيّين و وصيّ الوصيّين و خازن وصايا المرسلين و إمام المؤمنين و منار القانتين و الخاشع و المتهجّد و الزاهد و العابد و العدل و البكّاء و السجّاد و ذو الثفنات و إمام الأمّة و أبو الأئمّة و كنيته أبو الحسن و أبو محمّد و أبو القاسم (3).

و روي أنّه يكنّى بأبي بكر.

و في كتاب كشف الغمة أنّ من ألقابه الزكي و الأمين،و قيل:كان السبب في لقبه بزين العابدين إنّه كان ليلة في محرابه قائما في تهجّده فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته.

فلمّا فرغ منها و علم أنّه الشيطان سبّه و لطمه و قال:إخسأ يا ملعون فذهب و قام إلى تمام ورده فسمع صوتا و لا يرى قائله و هو يقول:أنت زين العابدين ثلاثا فظهرت هذه

ص: 12


1- -المناقب:304/3،و بحار الأنوار:3/46 ح 4.
2- -المناقب:304/3،و درر الأخبار:324.
3- -المناقب:310/3،و بحار الأنوار:4/46 ح 5.

الكلمة و اشتهرت له لقبا (1).

في خاتمه

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:كان في خاتم عليّ بن الحسين:الحمد للّه العليّ.

و عن أبي الحسن عليه السّلام:كان خاتم عليّ بن الحسين عليهما السّلام:خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه (2).

علّة لقب سيّد الساجدين

و في كتاب العلل عن الباقر عليه السّلام إنّ أبي عليّ بن الحسين ما ذكر للّه عزّ و جلّ نعمة عليه إلاّ سجد و لا قرأ آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فيها سجود إلاّ سجد و لا دفع اللّه عزّ و جلّ عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد،و لا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد،و لا وفق بين اثنين إلاّ سجد و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجّاد لذلك (3).

و عنه عليه السّلام كان أبي عليه السّلام في موضع سجوده آثار ناتئة و كان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات فسمّي ذا الثفنات (4).

و عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره.

و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه (5).

و عن الباقر عليه السّلام؛كان نقش خاتم أبي:العزّة للّه (6).

ص: 13


1- -بحار الأنوار:5/46،و كشف الغمة:286/2.
2- -الكافي:473/6 ح 2،و بحار الأنوار:5/46 ح 7.
3- -علل الشرائع:233/1 ح 166،و بحار الأنوار:368/17.
4- -علل الشرائع:233/1،و بحار الأنوار:6/46 ح 12.
5- -الكافي:474/6 ح 8،و وسائل الشيعة:100/5.
6- -الكافي:473/6 ح 1،و عيون أخبار الرضا:61/1.
حال امّه عليه السلام

و في كتاب كشف الغمة:ولد عليه السّلام بالمدينة في الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام بسنتين و امّه امّ ولد اسمها غزالة و قيل شاه زنان بنت يزدجر و كان عمره سبع و خمسين سنة (1).

و في رواية إنّه ولد سنة سبع و ثلاثين و قبض و هو ابن سبع و خمسين سنة أربع و تسعين و كان بقاؤه بعد أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة (2).

و في كتاب عيون الأخبار مسندا إلى سهل بن القاسم النوشجاني قال:قال لي الرضا عليه السّلام بخراسان:إنّ بيننا و بينكم نسبا،قلت:و ما هو؟

قال:إنّ عامر بن عبد اللّه بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجر ملك الأعاجم فبعث بهما إلى عثمان بن عفّان فوهب إحداهما للحسن و الاخرى للحسين عليهما السّلام، فماتتا عندهما نفساوين و كانت صاحبة الحسين عليه السّلام نفست بعليّ بن الحسين فكفل عليّا بعض امّهات ولد أبيه فنشأ و هو لا يعرف امّا غيرها ثمّ علم إنّها مولاته و كان الناس يسمّونها امّه و زعموا أنّه زوج امّه،و معاذ اللّه إنّما زوج هذه على ما ذكرناه و كان سبب ذلك إنّه واقع بعض نسائه ثمّ خرج يغتسل فلقيته امّه هذه فقال لها:إن كان في نفسك من هذا الأمر شيء فاتّق اللّه و اعلميني،فقالت:نعم،فزوّجها،فقال ناس:زوّج عليّ بن الحسين امّه.

قال سهل بن القاسم:ما بقى طالبي عندنا إلاّ كتب هذا الحديث عن الرضا عليه السّلام (3).

و في كتاب الخرائج روى عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا قدمت ابنة يزدجر المدينة على عمر أمر أن ينادي عليها،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يجوز بيع بنات الملوك و إن كنّ كافرات و لكن أعرض عليها أن تختار رجلا من المسلمين فوضعت يدها على منكب

ص: 14


1- -كشف الغمة:286/2،و تهذيب العمال:384/20.
2- -بحار الأنوار:8/46،و كشف الغمة:317/2.
3- -عيون أخبار الرضا:136/1،و بحار الأنوار:8/46.

الحسين عليه السّلام فقال:چه نام دارى اى كينزك يعني ما اسمك يا صبيّة؟

قالت:جهانشاه،فقال:بل شهربانويه،قالت:تلك اختي،قال:راست گفتى،أي صدقت،ثمّ التفت إلى الحسين عليه السّلام و قال:احتفظ بها و احسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك فولدت عليّ بن الحسين.

و يروى أنّها ماتت في نفاسها به و إنّما اختارت الحسين عليه السّلام لأنّها رأت فاطمة و أسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين و لها قصّة و هي أنّها قالت:رأيت في المنام قبل ورود عسكر المسلمين كأنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل دارنا و قعد مع الحسين و خطبني له و زوّجني منه.

فلمّا أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي و ما كان لي خاطر غير هذا فلمّا كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمّد قد أتتني و عرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثمّ قالت:إنّ الغلبة تكون للمسلمين و انّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين سالمة قالت:و كان من الحال أن خرجت من المدينة ما مسّ يدي إنسان (1).

و في كتاب الإرشاد سأل أمير المؤمنين عليه السّلام شاه زنان بنت كسرى حين أسرت ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

قالت:حفظت عنه أنه كان يقول:إذا غلب اللّه على أمر ذلّت المطامع دونه و إذا انقضت المدّة كان الحتف في الحيلة،فقال عليه السّلام:ما أحسن ما قال أبوك تذلّ الامور للمقادير حتّى يكون الحتف في التقدير (2).46

ص: 15


1- -الخرائج و الجرائح:750/2،و بحار الأنوار:10/46.
2- -الإرشاد:302/1،و بحار الأنوار:/11/46
تولّده عليه السلام و مدّة عمره

و في كتاب المناقب كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة و كان في سني إمامته بقيّة ملك يزيد و ملك معاوية بن يزيد و ملك مروان و عبد الملك و توفّي في الملك الوليد سمّه الوليد بن عبد الملك (1).

و في كتاب الدران:بابه يحيى ابن امّ الطويل ابن دايته المدفون بواسط قتله الحجّاج (2).

و في الأمالي عن محمّد بن مسلم قال:سألت الصادق عليه السّلام عن خاتم الحسين عليه السّلام إلى من صار و ذكرت له أنّي سمعت أنه أخذ من اصبعه فيما اخذ،قال عليه السّلام:ليس كما قالوا:

إنّ الحسين عليه السّلام أوصى إلى ابنه عليّ بن الحسين و جعل خاتمه في إصبعه و فوّض إليه أمره كما فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأمير المؤمنين و هو بالحسن و الحسن بالحسين ثمّ صار ذلك الخاتم إلى أبي و منه إليّ و أبى لابسه في كلّ جمعة،فرأيته في إصبعه يوم الجمعة نقشه:لا إله إلاّ اللّه عدّة للقاء اللّه (3).

و في كتاب البصائر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ الحسين عليه السّلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا[و وصية ظاهرة و وصية باطنة و كان علي بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به] (4)فدفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين و إنّما دفعه إلى فاطمة،لأنّ عليّ بن الحسين كان مبطونا لا يرون انّه إلاّ لما به ثمّ صار ذلك الكتاب إلينا فقلت:فما في ذلك الكتاب؟

فقال:و اللّه جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدّنيا (5).

و عن الفضيل قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:لمّا توجّه الحسين إلى العراق دفع إلى امّ

ص: 16


1- -المناقب:311/3،و بحار الأنوار:13/46.
2- -دلائل الأمامة:193،و بحار الأنوار:16/46.
3- -الأمالي:208،و بحار الأنوار:17/46.
4- -زيادة من المصدر.
5- -بصائر الدرجات:168،و الأمامة و التبصرة:64.

سلمة الوصية و الكتب و غير ذلك و قال لها؛إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك.

فلمّا قتل الحسين عليه السّلام أتى عليّ بن الحسين امّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السّلام (1).

فيه حديث القرصين

و روى الثقة عليّ بن إبراهيم مسندا إلى الزهري قال:كنت عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجاءه رجل من أصحابه و قال:يا ابن رسول اللّه إنّي أصبحت و عليّ أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها و لي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به،فبكى بكاء شديدا فقلت:ما يبكيك؟

قال:و هل يعد البكاء إلاّ للمحن الكبار،و أيّ محنة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن حاجة فلا يمكنه سدّها قال فتفرّقوا عن مجلسهم،فقال بعض المخالفين و هو يطعن على عليّ بن الحسين:عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء و الأرض و كلّ شيء يعطيهم اللّه و لا يردهم عن شيء من طلباتهم ثمّ يعترفون اخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم.

فاتّصل ذلك بالرجل صاحب القصة فجاء إلى عليّ بن الحسين فقال:بلغني عن فلان كذا و كذا و كان ذلك عليّ من محنتي،فقال عليه السّلام:قد أذن اللّه في فرجك يا فلان احملي سحوري و فطوري فحملت قرصتين،فقال:خذهما ليس عندنا غيرهما و اللّه يعطيك بهما خيرا واسعا فأخذهما و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما،فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة و قد أراحت فقال له:سمكتك بائرة عليك و إحدى قرصتي بائرة علي فأعطني سمكتك البائرة و خذ قرصي فأعطاه السمكة و أخذ القرصة ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل فأعطاه القرصة الاخرى و أخذ منه ملحا يصلح به السمكة.

فلمّا شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد اللّه ثمّ بعد ساعة قرع الباب قارع فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقول كلّ واحد له:يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا من هذا القرص فلم تعمل فيه أسنانا و ما نظنّك إلاّ فقيرا و قد رددنا

ص: 17


1- -بحار الأنوار:1846 ح 3.

عليك هذا الخبز و طيّبنا لك ما أخذت منّا فأخذ القرصين.

فلمّا انصرفا قرع الباب قارع فإذا رسول عليّ بن الحسين فقال:يقول لك إنّ اللّه آتاك الفرج فاردد إلينا طعامنا فإنّه لا يأكله غيرنا،و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه و حسنت حاله،فقال بعض المخالفين:ما أشدّ هذا التفاوت بينا عليّ بن الحسين لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم،فقال عليه السّلام:قالت قريش للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله؛كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد فيه من آثار الأنبياء من مكّة و يرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلاّ في اثنا عشر يوما و ذلك حين هاجر منها،ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:جهلوا أمر اللّه و أمر أوليائه إنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه و ترك الاقتراح عليه و الرضا بما يدبّرهم به،إنّ أولياء اللّه صبروا على المكاره فجازاهم اللّه بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلاّ ما يريده لهم (1).8.

ص: 18


1- -بحار الأنوار:20/46،و أمالي الصدوق:538.
حال عمر بن عبد العزيز

و في بصائر الدرجات مسندا إلى عبد اللّه التميمي قال:كنت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المسجد فمرّ عمر بن عبد العزيز عليه شراك فضّة و كان شابّا،فقال عليه السّلام:

أترى هذا المترف إنّه لن يموت حتّى يلي الناس،[قلت إنا للّه و إنا إليه راجعون] (1)هذا الفاسق؟

قال:نعم،فلا يلبث فيهم إلاّ يسيرا حتّى يموت فإذا هو مات لعنه أهل السماء و استغفر له أهل الأرض.

أقول: قد روى السيّد ابن طاووس طاب ثراه في كتاب الفتن و غيره عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام أخبارا كثيرة تضمّنت الثناء عليه (2).

و في ذلك الكتاب عن الثمالي قال؛كنت مع عليّ بن الحسين في داره و فيها شجرة فيها عصافير فطارت و صوّتت فقال:إنّها تقدّس ربّها و تسأله قوت يومها (3).

و في خبر آخر:أنّ لهنّ وقتا يسألن فيه قوتهن،يا أبا حمزة لا تنام قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك؛إنّ اللّه يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد و على أيدينا يجريها.

أقول: هذا لا ينافي ما روي في العصافير انّها من الطيور الخبيثة التي لم تصدق بولاية أهل البيت و إنّما تحبّ فلانا و فلانا و أنّ القنبرة ممّن أذعن بالولاية و صدّق بها.

و أمّا أنّ الأرزاق تقسم قبل طلوع الشمس فمن نام ذلك الوقت نام عن رزقه كما كان في بني إسرائيل،فذلك وارد في الحديث فإنّه يقاص من رزقه ليوم آخر فيعطى في هذا اليوم بعض رزق يوم الآخر (4).

ص: 19


1- -زيادة من المصدر.
2- -بصائر الدرجات:190،و الثاقب في المناقب:360 ح 298.
3- -بصائر الدرجات:361،و بحار الأنوار:23/46.
4- -بصائر الدرجات:363،و بحار الأنوار:24/46.
فيه أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة

و فيه أيضا عن أبي بصير عن رجل قال:خرجت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى مكّة فرأى غنما و إذا نعجة تخلّفت عن الغنم و هي تثغوا ثغاء شديدا و تلتفت و إذا سخلة خلفها تثغوا و تشتدّ في طلبها فقال عليه السّلام:أتدري ما قالت النعجة؟

قلت:لا،قال:يقول لها الحقي بالغنم فإنّ اختها عام أوّل تخلّفت في هذا الموضع فأكلها الذئب.

أقول: في هذا الحديث و فيما سيأتي دلالة على أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة تدرك ما يدركه الإنسان و هذا مذهب قدماء الحكماء و رجّحناه في كتاب مقامات النجاة و كتاب زهر الربيع و أقمنا عليه كثيرا من الدلائل (1).

و في كتاب الاختصاص بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين مع أصحابه في طريق مكّة فمرّ ثعلب و هم يتغدّون فقال لهم:اعطوني موثقا من اللّه لا تهيجون هذا الثعلب و دعوه حتّى يجيئني فحلفوا له،فقال:يا ثعلب تعال،فجاء حتّى أقعى بين يديه فطرح له عظما فيه لحم فولى به يأكله (2).

و فيه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال:بينا عليّ بن الحسين مع أصحابه إذا أقبلت ظبية من الصحراء حتّى أقامت حذاءه و صوّتت،فقال بعضهم:ما تقول هذه الظبية؟قال:تزعم أنّ فلانا القرشي أخذ خشفها بالأمس و انّها لم ترضعه من أمس،فبعث إليه عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ابعث إليّ بالخشف.

فلمّا رأته صوّتت و ضربت بيديها ثمّ أرضعته فوهبه عليّ بن الحسين لها و كلّمها بنحو من كلامها و انطلقت و الخشف معها،فقالوا:يا ابن رسول اللّه ما لذي قالت:قال يقول:ردّ اللّه

ص: 20


1- -الأختصاص:295،و بحار الأنوار:24/46 ح 6.
2- -الأختصاص:298،و بصائر الدرجات:369.

عليكم كلّ غائب و غفر لعليّ بن الحسين كما ردّ عليّ ولدي (1).

أقول: حديث الظبية تكرّر في الأخبار على هيئات مختلفة لتكرّر المرّات فلا منافاة.

تعدّد العوالم

و في كتابي الاختصاص و البصائر مسندا إلى عبد الصمد بن علي قال:دخل رجل على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:من أنت؟

قال:منجّم،قال:فأنت عرّاف ثمّ قال:هل أدلّك على رجل قد مرّ مذ دخلت علينا في أربع عشر عالما كلّ عالم أكبر من الدّنيا ثلاث مرّات لم يتحرّك عن مكانه،قال:من هو؟ قال:أنا و إن شئت أنبأتك بما أكلت و ما ادّخرت في بيتك (2).

أقول: العرّاف الكاهن و هو إشارة إلى قول مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار،و الكاهن هو الذي يستخدم بعض الجنّ أو الشياطين يأتيه ببعض أخبار السماوات فيضيف إليها أكاذيب و يخبر الناس بها كما كان في عصور الجاهلية،و في وقت ولادته صلّى اللّه عليه و اله منع الشياطين من استراق السمع و حرست السماء بملك يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك يرمون الشياطين بالشهب يحرقون أجنحتهم فهم و إن منعوا من القرب إلى السماء إلاّ أنّهم يطيرون إلى الهوى و ربّما وقع إليهم بعض الأخبار الغريبة يلقونهم إلى أوليائهم هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ (3).

و أمّا دخوله عليه السّلام في تلك العوالم فيمكن أن يكون على طريق الحقيقة بالأبدان المثالية أو على طريق لا نعلمه لكن يجب علينا الإذعان لما لا نتحقّقه و يمكن أن يكون على طريق المجاز و يراد به العلم و الاطّلاع التامّ.

و قوله عليه السّلام:قد مرّ،ربّما كان فيه إشارة إليه و سيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالى في تحقيق هذه العوالم من الأخبار الصحيحة.

ص: 21


1- -الأختصاص:299،و بحار الأنوار:25/46.
2- -الأختصاص:320،و دلائل الأمامة:210 ح 23.
3- -سورة الشعراء:221-222.

و في كتاب كمال الدّين مسندا إلى محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام:إنّ حبّابة الوالبية دعا لها عليّ بن الحسين عليهما السّلام فردّ اللّه عليها شبابها و أشار إليه بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة سنة و ثلاثة عشر سنة (1).

موت الفجأة و غيره

و في الخرائج:عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام إن موت الفجأة تخفيف على المؤمن و أسف على الكافر و أنّ المؤمن ليعرف غاسله و حامله فإن كان له عند ربّه خير ناشد حملته أن يعجّلوا به و إن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به.

فقال ضمرة بن سمرة:لو كان كما يقول،وثب من السرير،و ضحك و أضحك فقال عليه السّلام:اللّهم إنّ ضمرة ضحك و أضحك لحديث رسول اللّه فخذه أخذة أسف فمات فجأة فأتى مولى لضمرة زين العابدين عليه السّلام فقال:آجرك اللّه في ضمرة مات فجأة إنّي لأقسم لك إنّي سمعت صوته و أنا أعرفه كما كنت أعرفه في حياته في الدّنيا و هو يقول:الويل لضمرة حللت بدار الجحيم و بها مبيتي و المقيل،فقال عليّ بن الحسين:اللّه أكبر هذا جزاء من ضحك و أضحك من حديث رسول اللّه (2).

أقول: أمّا إنّ موت الفجأة تخفيف على المؤمن فلأنّه راحة معجّلة و دليل على أنّ المؤمن لم يبق عليه من الذنب ما يحتاج إلى تكفيره،كما ورد في أنّ الأمراض كفّارات للذنوب و أنّ ما يصيب المؤمن من المرض و الوجع قبل حلول الموت فهو كفّارة له،و أمّا إنّه أسف على الكافر فلأنّ الأمراض تبعث إلى الرجوع إلى الحقّ و التوبة عن القبيح فلو لم يمت فجأة لربما دخل في الإسلام فهو يأسف و يندم بعد الموت على ما قصر فيه.نعم،ورد الاستعاذة من موت الفجأة لفوت الأجر المترتّب على المرض و لعدم تدارك الوصية المأمور بها و في تركها تضييع مال الوارث أو مال الناس و لتمتّع أهله بالنظر إليه أيّام المرض و انّهم يرفعون نفوسهم عن حياته شيئا بعد شيء إلى أن يسهل عليهم حكاية موته و موت الفجأة يهجم عليهم بقطع حياته و حلول الموت به.

ص: 22


1- -كمال الدين:537 ح 2،و بحار الأنوار:178/25.
2- -الخرائج و الجرائح:586/2،و مختصر بصائر الدرجات:91.

و في كتاب الخرائج:إنّ زين العابدين عليه السّلام كان يخرج إلى ضيعة له فإذا هو بذئب أمعط ليس عليه شعر قد قطع على الصادر و الوارد فدنا منه و وعوع فقال:انصرف فإنّي أفعل إن شاء اللّه فانصرف الذئب فقيل:ما شأن الذئب؟

قال:أتاني و قال:زوجتي عسر عليها ولادتها فأغثني و أغثها بأن تدعو بتخليصها و لك و اللّه أن لا أتعرّض أنا و لا شيء من نسلي لأحد من شيعتك،ففعلت (1).

و فيه أيضا:أنّ أبا بصير قال:حدّثني الباقر عليه السّلام أنّ عليّ بن الحسين قال:رأيت الشيطان في النوم فواثبني فرفعت يدي فكسرت أنفه فأصبحت و أنا على ثوبي كأثر دم (2).

أقول: روي أيضا أنّ موسى عليه السّلام لطمه على وجهه فاعورّت عينه.

و روي أيضا أنّ إدريس عليه السّلام لمّا كان يخيّط في مسجد الكوفة و أتاه إبليس و سأله حديث البيضة فقال:ادن منّي.

فلمّا دنى منه الشيطان غرز الابرة في عينيه،فقال:ربّي قادر على مثل هذا فاعورّت عينه فهو أعور على كلّ حال.

و فيه أيضا أنّ يدي رجل و امرأة التصقتا على الحجر و هما في الطواف و جهد كلّ أحد على نزعهما فلم يقدر فقال الناس:اقطعوهما،فبينما هم كذلك إذ دخل زين العابدين عليه السّلام و وضع يده عليهما فانحلّتا و افترقتا (3).

أقول: رأيت في مرّة من زياراتي لقبر مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّ يدي رجل التصقت بالشبّاك الشريف و ما انفصلت إلاّ بعد مدّة و طول تضرّع و بكاء من ذلك الرجل و من الزوّار حتّى نوى التوبة النصوح و الظاهر أنّه كان عشّارا.

و فيه أيضا أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان:إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين فكتب إليه عبد الملك:أمّا بعد،فجنّبني دماء بني هاشم و احقنها فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللّه الملك منهم،و بعث بالكتاب أيضا سرّا إليه،فكتب عليّ بن الحسين إلى عبد الملك في الساعة التي أنفذ فيها8.

ص: 23


1- -الخرائج و الجرائح:587/2 ح 9،و مدينة المعاجز:417/4.
2- -الخرائج و الجرائح:584/2 ح 3،و بحار الأنوار:28/46 ح 18.
3- -بحار الأنوار:28/46 ح 18.

الكتاب إلى الحجّاج:وقفت على ما كتبت في دماء بني هاشم و قد شكر اللّه لك ذلك و ثبّت لك ملكك و زاد في عمرك،و بعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجّاج.

فلمّا قدم الغلام و نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقا لتاريخ كتابه فلم يشكّ في صدق زين العابدين ففرح بذلك و بعث إليه بوقر دنانير و سأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه.

و كان في كتابه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتاني في النوم فعرّفني ما كتبت به إليك و ما شكر من ذلك (1).

جزاء الأعمال

أقول: أقسم اللّه سبحانه على نفسه أن لا يضيع عمل عامل و من يرد حرث الدّنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من خلاق،و عبد الملك و أمثاله ممّن لا يرجى لهم جزاء في الآخرة فلا ريب في إيصال الجزاء إليهم في الدّنيا كما قال عليه السّلام من زيادة الملك و طول العمر و ما اشتهر في الكتاب و السنّة و اتّفق عليه أهل العلم من بطلان الطاعات إذا وقعت على غير قانون الشريعة كصلاة الرياء و العبادة بقصد غير وجهه عزّ شأنه،فالمراد بطلان الجزاء الأخروي و إلاّ فما مدّت يد إلى اللّه و رجعت صفرا،ألا ترى أنّ الشيطان لمّا عبد اللّه تعالى في السماوات ستّة آلاف سنة و كان قصده بتلك الصلاة عاجل الدّنيا لما اطلع اللّه عليه في الألواح من أنّه سبحانه لا يضيع عمل عامل بل يجازي إمّا بالدّنيا أو العقبى فرّغ نفسه للطاعة بنيّة الجزاء الدنيوي و إلاّ لو كان مقصده الطاعة الحقيقيّة لما و كّله اللّه إلى نفسه حتّى يختار الشقاوة بل كانت ألطافه سبحانه ترفع بيده إلى أوج الامتثال.

و روي أيضا أنّ من ترك شرب الخمر لغير وجه اللّه سبحانه بل حياء من الناس أو خوفا على بدنه أو نحو ذلك سقاه اللّه تعالى من أنهار الجنّة و شرابها و على هذا ينزل ما ترى من كفّار الهند و نحوهم فإنّهم يرتاضون رياضات يحسبونها عبادات فعند الفراغ منها يترتّب عليها ما أرادوه منها من إقبال الناس عليهم و اخبارهم ببعض الامور الغائبة و غير ذلك.

ص: 24


1- -بحار الأنوار:29/46 ح 19.

و كذلك أيضا عبادات المخالفين و طاعاتهم من الصلاة و الزكاة و الحجّ و نحوها،و لهذا ترى مشايخهم تارة يصنعون الذكر الذي يزعمونه عبادة و يوقدون النار في تلك الحلقة و يدخلون فيها و تارة يأكلون العقارب و الحيات و تارة اخرى يخبرون بالغائبات فربما كان كما قال:و الجاهل يحسب أنّ ذلك من قربهم عند اللّه سبحانه،كلاّ و لكن مشابهة لأخيهم الشيطان.

و كذلك الصوفية من هذا المذهب فإنّهم ينطقون بكلمة الإيمان و يبرؤن من فلان و فلان إلاّ أنّ أعمالهم و أذكارهم من مخترعات الشيطان فهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا أولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.

حكاية المصروع

و في كتاب المناقب عن الباقر عليه السّلام قال:خدم أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام برهة من الزمان ثمّ شكى شدّة شوقه إلى والدته و سأله الإذن في الخروج إليها،فقال عليه السّلام؛يا كنكر إنّه يقدم علينا رجل من أهل الشام له قدر و جاه و مال و ابنة له قد أصابها عارض من الجنّ و هو يطلب معالجا يعالجها و يبذل في ذلك ماله فإذا قدم فصر إليه و قل له:أنا اعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم فإنّه يرضى بقولك.

فلمّا كان من الغد قدم الشامي و طلب معالجا لابنته فقال له أبو خالد:أنا اعالجها بعشرة آلاف درهم فضمن أبوها له ذلك،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّه سيغدر بك ثمّ قال:انطلق فخذ بإذن الجارية اليسرى و قل:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين اخرج من هذه الجارية و لا تعد إليها ففعل،ففاقت الجارية من جنونها فطالبه بالمال فدافعه فرجع إلى عليّ بن الحسين فقال:يا أبا خالد غدر بك و لكن سيعود إليها فإذا أتاك فقل إنّما عاد إليها لأنّك لم تف بما ضمنت فإن وضعت عشرة آلاف على يدي عليّ بن الحسين فإنّي اعالجها، فوضع المال على يد عليّ بن الحسين و ذهب أبو خالد إلى الجارية فأخذ باذنها اليسرى و قال:يا خبيث يقول لك عليّ بن الحسين:اخرج من هذه الجارية و إن عدت أحرقتك بنار اللّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة،و أفاقت الجارية و لم يعد إليها فأخذ المال حتّى قدم

ص: 25

على والدته (1).

أقول: ذهب الحكماء و متابعوهم من علماء المسلمين إلى أنّ المصروع و ما يرى من الجنّ كلّها خيالات و أخلاط سودائية تحترق حتّى يخيل إليه الجنّ،و الأخبار المتواترة أبطلت هذا الرأي.

و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت و هو يلقط شيئا فناوله من وراء الستر،فقلت:أيّ شيء هذا؟قال:

فضلة من زغب الملائكة و انّهم ليزاحمونا على متكائنا (2).

و في كتاب الأنوار أنّه عليه السّلام كان قائما يصلّي فوقف ابنه على بئر في داره بعيدة القعر و سقط فيها فصرخت امّه و قالت:يا ابن رسول اللّه غرق ولدك محمّد و هو لا يلتفت و يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر.

فلمّا طال عليها ذلك قالت:ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول اللّه.

فلمّا فرغ من الصلاة مدّ يده إلى البئر و كانت لا تنال إلاّ بالرشا الطويل فأخرج ابنه محمّد على يديه يناغي و يضحك لم يبتل له ثوب فقال:هاك يا ضعيفة اليقين لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي (3).

أقول: صرّح الفقهاء طيّب ثراهم بوجوب قطع الصلاة عند سقوط نفس محترمة في البئر و نحوه،و الإمام عليه السّلام هنا لم يقطع صلاته،و هل يجوز لغيره أن يقتدي به في مثل هذه الحالة؟

قلنا:لا يجوز،و ذلك أنّ عدم قطعه عليه السّلام للصلاة إمّا لأنّه لم يشعر و لم يعلم بوقوعه في البئر،و إمّا لأنّ توكّله على اللّه سبحانه بلغ إلى حدّ حصل معه العلم القطعي بأنّ اللّه سبحانه سيحفظ ولده في البئر كما حفظ يوسف و هذا المقام لا يحصل لغيره،و لو اتّفق حصوله لأحد لم يجب عليه قطع الصلاة بل يجوز له.

و عن الكابلي قال:أتيت عليّ بن الحسين عليه السّلام أسأله هل عندك سلاح رسول اللّه؟3.

ص: 26


1- -المناقب:286/3،و بحار الأنوار:31/46.
2- -المناقب:277/3،و بحار الأنوار:353/26.
3- -بحار الأنوار:34/46،و المناقب:278/3.

فلمّا بصر بي قال:يا أبا خالد أتريد أن اريك سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدعى بحق كبير و سفط فأخرج لي خاتم رسول اللّه و درعه و سيفه ذا الفقار و عمامته و قال:هذه السحاب و قضيبه السكب و نعليه و رداءه الذي كان يرتدي به يوم الجمعة و أخرج لي شيئا كثيرا (1).

و في كتاب الإرشاد للزهري قال سعيد بن المسيب:كان الناس لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام فخرج و خرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلّى ركعتين سبّح في سجوده فلم يبق مدر و لا شجر إلاّ سبّحوا معه ففزعت منه فرفع رأسه فقال:

يا سعيد فزعت؟

قلت:نعم يابن رسول اللّه،قال:هذا التسبيح الأعظم (2).

أقول: الذي يظهر من الأحاديث و الآيات أنّ الجمادات لها شعور التسبيح و التنزيه لخالقها حتّى قيل:إنّ تسبيح الحصا بيده صلّى اللّه عليه و اله ليس معجزة له وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ (3)إنّما الإعجاز في سماع الحاضرين.

و من الحكمماء الشيخ أبو علي بن سينا ذكر في رسالة له:أنّ كلّ شيء يعشق حتّى الجماد و النبات و المعادن،و قد حكينا في كتاب المقامات عن كتب الفلاحة أشياء كثيرة تدلّ على أنّ الأشجار تعشق بعضها بعضا،و أمّا الحيوانات فلا يشكّ فيه أحد و كذلك الطيور و هذا الكتاب لا يناسب ذكرها فيه.

و روي عن إبراهيم بن أدهم و فتح الموصلي قال كلّ واحد منهم:كنت أسيح في البادية فتنحّيت عن القافلة فإذا بصبي يمشي فقلت:سبحان اللّه بادية بيداء و صبي يمشي فدنوت منه و سلّمت عليه فقلت:إلى أين تريد؟

فقال:اريد بيت ربّي،فقلت:إنّك صغير ليس عليك فرض و لا سنّة،فقال:يا شيخ ما رأيت من هو أصغر منّي مات؟

فقلت:أين الزاد و الراحلة؟

قال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:ما أرى شيئا من لطعام4.

ص: 27


1- -بحار الأنوار:35/46،و المناقب:278/3.
2- -الصراط المستقيم:246/3.
3- -سورة الأسراء:44.

معك،فقال:هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلى دعوة فتحمل من بيتك الطعام،الذي دعاني إلى بيته يطعمني و يسقيني،فقلت:ارفع رجلك حتّى تدرك،فقال عليّ الجهاد و عليه الإبلاغ أما سمعت قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (1)فبينا نحن كذلك إذ أقبل شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض فعانق الصبي و سلّم عليه فقلت للشاب:من هذا الصبي؟

فقال:هذا عليّ بن الحسين،و قلت للصبي:من هذا الشابّ؟قال:هذا أخي الخضر يأتينا كلّ يوم يسلّم علينا،فقلت:أسألك بحقّ آبائك بما تجوز المفاوز بلا زاد؟

قال:بلى أجوز بزاد و زادي فيها أربعة أشياء أرى الدّنيا كلّها مملكة اللّه و أرى الخلق كلّهم عبيد اللّه و إمائه و أرى الأسباب و الأرزاق بيد اللّه و أرى قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه، فقلت:نعم الزاد زادك يا زين العابدين و أنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدّنيا (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى إنّه ورد في الروايات إنّه عليه السّلام كان إذا سافر إلى الحجّ و العمرة تزوّد من أطيب الزاد من اللوز و السكّر و السويق المحمض و المحلى و هذه المرّة إمّا أنّه عليه السّلام أراد الرياضة على نفسه في ذلك الطريق و تعليما للخلق بأنّه كان يصنع تارة كذا و تارة كذا،و إمّا أنّ محامله و زاده كانت معه لكنّه كما ورد في الأخبار كان يمشي جانبا من الطريق لئلاّ يمشي الناس كلّهم معه فيشقّ عليهم.

و أمّا جوابه في تفسير الزاد و ما وقع منه لإبراهيم بن أدهم و فتح الموصلي فإشارة إلى معنى الزاد الحقيقي المأمور بأخذه من هذه الدّنيا فإنّ خير الزاد التقوى،و إبراهيم و فتح كانا من أهل الرياضة فأرادا إرشادهم إليها.

و في كتاب الكشي عن أبي حمزة الثمالي إنّه دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين عليه السّلام و قال:يابن الحسين أنت الذي تقول إنّ يونس بن متى إنّما لقى من الحوت ما لقى لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها؟

قال:بلى ثكلتك امّك،قال:فأرني ذلك إن كنت من الصادقين،فأمر بشدّ عينيه بعصابة و شدّ عيني بعصابة ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ بحر تضطرب6.

ص: 28


1- -سورة العنكبوت:69.
2- -المناقب:280/3،و بحار الانوار:38/46.

أمواجه فقال ابن عمر:يا سيّدي دمّي في رقبتك اللّه اللّه في نفسي،فقال:هيه و أريه إن كنت من الصادقين،ثمّ قال:يا أيّتها الحوت،فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول:لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه فقال:من أنت؟

قال:أنا حوت يونس،قال:انبأنا بالخبر،قال:يا سيّدي إنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّا إلى أن صار جدّك محمّد إلاّ و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلّص و من توقّف عنها و تتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية و ما لقى نوح من الغرق و ما لقى إبراهيم من النار و ما لقى يوسف من الجبّ و ما لقى أيّوب من البلاء و ما لقى داود من الخطيئة إلى أن بعث اللّه يونس فأوحى إليه:يا يونس تولّى أمير المؤمنين عليّا و الأئمّة الراشدين من صلبه قال:كيف أتولّى من لم أره و أعرفه و ذهب مغتاظا،فأوحى اللّه تعالى إليّ:أن التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب و الأئمّة الراشدين من ولده.

فلمّا ان آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته على ساحل البحر،فقال زين العابدين عليه السّلام:ارجع أيّها الحوت إلى و كرك و استوى الماء (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:نوح و إبراهيم على نبيّنا و آله و عليهم السلام من أولوا العزم،و في الأخبار أنّ معنى أولوا العزم انّهم لمّا عرض عليهم ولاية أهل البيت عليهم السّلام بادروا إليها و عزموا عليها و أنّ آدم عليه السّلام لم يكن ممّن بادر إليها مثل مبادرة أولي العزم جاء القرآن فيه فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً أي ترك المبادرة إلى الولاية بهم و لم يكن له عزما مثل عزم غيره،و حينئذ فإدخال نوح و إبراهيم في التوقّف عن الولاية ما معناه.

و يمكن أن يقال كما روي أنّ أخذ الميثاق على العباد و على الأنبياء عليهم السّلام كان في مرّات متعدّدة؛فالمرّة الاولى أخذ فيها على الأنبياء و عرض عليهم ولاية أهل البيت قبل أن يروا أنوارهم فتوقّف عنها بعضهم يعني لم يبادر إليها،و لمّا ظهرت أنوارهم عليه السّلام بادر إليها أولوا العزم و عزموا و قطعوا عليها أعظم و أشدّ من غيرهم حتّى صار هذا القطع أعظم من مبادرة غيرهم أوّلا.5.

ص: 29


1- -المناقب:281/3،و بحار الأنوار:402/14 ح 15.

و يقال:إنّهم بادروا إلى قبولها في كلّ المرّات لكنّهم توقّفوا عمّا هو الأولى في أحوالهم من شدّة العقد عليها و الأنبياء عليه السّلام يؤاخذون على ترك الأولى و لا يلزم من هذا أن يكون غير أولي العزم أفضل منهم لأنّهم فضّلوا على غيرهم بالمبادرة،و يمكن أن يقال فيه وجوه كثيرة ليس هذا محلّها سيأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى في أبواب النبوّات.

و في أمالي الشيخ طاب ثراه قال:خرج عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى مكّة حاجّا حتّى انتهى إلى واد فإذا هو برجل يقطع الطريق فقال لعليّ بن الحسين:انزل اريد أن أقتلك و آخذ مالك،قال:أنا اقاسمك ما معي و أحللك،فقال اللصّ:لا،قال:فدع معي ما أتبلغ به فأبى، قال:فأين ربّك؟

قال:نائم،فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه و هذا برجله قال:زعمت أنّ ربّك عنك نائم (1)؟

و روي أنّ رجلا أتى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:أنا منجّم قائف عرّاف فقال:هل أدلّك على رجل قد مرّ منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم؟

قال:من هو؟

قال:أمّا الرجل فلا أذكره لك و لكن إن شئت أخبرتك بما أكلت و ادّخرت في بيتك قال:نبّأني،قال:أكلت هذا اليوم جبنا و في بيتك عشرون دينارا منها ثلاثة دنانير وازنة يعني صحيحة الوزن،فقال له الرجل:أشهد أنّك الحجّة العظمى و المثل الأعلى و كلمة التقوى، فقال له:و أنت صدّيق امتحن اللّه قلبك بالايمان و أثبت (2).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه؛لعلّ هذا الرجل هو الخضر عليه السّلام أو ما شاكله،و المراد من العرّاف قريب من معنى القايف.

و في كتاب الدلائل لعبد اللّه الحميري:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام في سفر يتغدّى فأقبل غزال في ناحية يتقمم فقال:ادن فكل فأنت آمن،فدنى و أكل فأخذ رجل حصاة رمى بها ظهره فنفر الغزال،فقال عليه السّلام:نقضت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا (3).6.

ص: 30


1- -أمالي الطوسي:673،و بحار الأنوار:41/46.
2- -بحار الأنوار:42/46 ح 40.
3- -كشف الغمة:320/2،و وسائل الشيعة:285/6.

و في كتاب الدلائل للطبري قال:خرج عليّ بن الحسين عليه السّلام إلى مكّة في جماعة معه فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها فقال لمواليه:كيف ضربتم هذا الموضع و هذا موضع قوم من الجنّ هم شيعتنا و ذلك يضيق عليهم؟فقلنا:ما علمنا ذلك و عمدوا إلى قلع الفسطاط و إذا هاتف نسمع صوته و لا نرى شخصه يقول:يا ابن رسول اللّه لا تحوّل فسطاطك فإنّا نحتمل لك ذلك و هذا الطبق قد أهديناه إليك و نحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك،فإذا جانب الفسطاط طبق عظيم و أطباق معه فيها عنب و رمّان و موز و فاكهة كثيرة فدعى عليه السّلام من كان معه فأكل و أكلوا من تلك الفاكهة (1).

أقول: ظاهره أنّ للجنّ بساتين و فواكه لا أنّهم يأخذونها من أموال الإنس.

و في كتاب البحار روى أنّ رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحجّ البيت في أكثر الأعوام و كان يزور عليّ بن الحسين بالمدينة و يحمل إليه الهدايا و التحف و يأخذ منه مصالح دينه ثمّ يرجع،فقالت له زوجته:أراك تهدي تحفا كثيرة و لا أراه يجاريك عنها بشيء؟

فقال:الذي نهدي إليه هو ملك الدّنيا و الآخرة و جميع ما في أيدي الناس تحت ملكه و هو ابن رسول اللّه و إمامنا فكفّت عن ملامته،ثمّ إنّه تهيّأ للحجّ و قصد دار عليّ بن الحسين عليهما السّلام فدخل و سلّم و قبّل يديه و وجد بين يديه طعاما فأمر بالأكل فأكل،ثمّ دعى بطشت و ابريق فقام الرجل و صبّ الماء على يديه عليه السّلام فقال:يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصبّ الماء على يدي؟

فقال:إنّي لأحبّ ذلك،فقال:إذا أحببت ذلك لأريك ما تحبّ و ترضى،فصبّ الرجل على يديه الماء حتّى امتلأ ثلث الطشت فقال للرجل:ما هذا؟قال:ماء،فقال عليه السّلام بل هو ياقوت أحمر،فنظر الرجل فإذا هو قد صار ياقوتا أحمر بإذن اللّه ثمّ قال له:صبّ الماء فصبّ فامتلأ ثلث الطشت فإذا هو زمرد أخضر ثمّ صبّ على الثلث فإذا هو درّ أبيض فامتلأ الطشت من ثلاثة ألوان درّ و ياقوت و زمرّد فتعجّب الرجل و انكب على يديه فقال:يا شيخ خذ هذه الجواهر عوضا عن هديّتك و اعتذر لنا عند زوجتك لأنّها عتبت علينا،فقال:

يا سيّدي من أنبأك بكلام زوجتي لا أشكّ أنّك من أهل بيت النبوّة:ثمّ صار بالجواهر إلى زوجته و حدّثها بالقصّة فسجدت للّه شكرا و أقسمت على بعلها أن يحملها إليه فحملها معه5.

ص: 31


1- -دلائل الأمامة:212 ح 135.

في السنة القابلة فمرضت في الطريق و ماتت قريبا من المدينة فأتى الرجل باكيا و أخبر الإمام عليه السّلام فقام و صلّى ركعتين و دعى بدعوات ثمّ قال له:ارجع إلى زوجتك فإنّ اللّه تعالى أحياها.

فلمّا دخل الرجل خيمته وجد زوجته جالسة مثل حال صحّتها فقال:كيف أحياك اللّه؟

قالت:لقد جاءني ملك الموت و قبض روحي و همّ أن يصعد بها و إذا برجل صفته كذا و كذا و جعلت تعدّد أوصافه عليه السّلام و بعلها يقول:نعم صدقت هذه صفة سيّدي عليّ بن الحسين.

فلمّا رآه ملك الموت مقبلا انكبّ على قدميه و قال:السلام عليك يا حجّة اللّه في أرضه،السلام عليك يا زين العابدين،فقال:يا ملك الموت أعد روح هذه المرأة في جسدها فإنّها كانت قاصدة إلينا و إنّي قد سألت ربّي أن يبقيها ثلاثين سنة اخرى،فقال الملك:سمعا و طاعة ثمّ أعاد روحي إلى جسدي و أنا أنظر إلى ملك الموت قبّل يده عليه السّلام و خرج عنّي فأخذ الرجل بيد زوجته و أدخلها إليه عليه السّلام و هو ما بين أصحابه فانكبّت على ركبتيه تقبّلهما و هي تقول:هذا و اللّه سيّدي و مولاي،هذا الذي أحياني ببركة دعائه فلم تزل المرأة مع بعلها مجاورين له عليه السّلام بقيّة أعمارهما إلى أن ماتا رحمة اللّه عليهما.

و في كتاب مشارق الأنوار أنّ رجلا قال لعليّ بن الحسين:بماذا فضّلنا على أعدائنا و فيهم من هو أجمل منّا؟

فقال عليه السّلام:تحبّ أن ترى فضلك عليهم؟

قال:نعم،فمسح يده على وجهه فقال:انظر فنظر و اضطرب و قال:جعلت فداك ردّني إلى ما كنت فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا و قردا و كلبا فمسح يده فعاد إلى حاله.

يقول مؤلّف الكتاب أعانه اللّه تعالى على طاعته:إنّ اللّه سبحانه رفع عن هذه الامّة بدعاء نبيّها صلّى اللّه عليه و اله المسخ و الخسف و هذا المسخ يكون لها يوم القيامة فأراهم الرجل على ما يكونون عليه يوم القيامة الكبرى و يوم القيامة الصغرى (1).

كما ورد أنّ رجل نسي هميانه بعرفات فرجع إليه بعد انصراف الحاج فرأى أرض6.

ص: 32


1- -بحار الأنوار:49/46.

عرفات كلّها خنازير و قردا و كلابا و حيات و عقارب و صورا هائلة فخاف و رجع فصاح به رجل لا تخف و امض إلى هميانك هذه ذنوب الحاجّ نطفوها،لأنّ اللّه غفرها لهم بسبب هذا الوقوف و لو بقيت عليهم لأتتهم في القبور بهذه الصور.

في كتاب الاحتجاج عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة عبّاد البصري مثل أيّوب السجستاني و حبيب الفارسي.

فلمّا دخلنا مكّة رأينا الماء قليلا لقلّة الغيث ففزع إلينا الناس يسألونا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متذلّلين فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل قد أكربته أحزانه و أقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا و قال:يا مالك بن دينار و يا فلان و يا فلان.

قلنا:لبّيك يا فتى،فقال:ما فيكم أحد يجيبه الرحمن؟فقلنا:يا فتى علينا الدّعاء و عليه الإجابة،فقال:ابعدوا عن الكعبة فأتى الكعبة و خرّ ساجدا فقال في سجوده:سيّدي بحبّك لي لأسقيتهم الغيث،فما استتمّ الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب،فقلت:يا فتى من أين علمت أنّه يحبّك؟

قال:لو لم يحببني لم يستزرني.

فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني فسألته بحبّه لي فأجابني ثمّ ولّى و أنشأ يقول، شعر:

من عرف الربّ فلم تغنه *** معرفة الربّ فذاك الشقيّ

ما ضرّ في الطاعة ما ناله *** في طاعة اللّه و ماذا لقى

ما يصنع العبد بغير التّقى *** و العزّ كلّ العزّ للمتّقي

فقلت:يا أهل مكّة من هذا الفتى؟

قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (1).

أقول: لمّا كان أكثر هؤلاء من صوفية أهل الخلاف الذين يدّعون محبّة اللّه سبحانه لهم و أنّهم ممّن يستجاب دعاءهم بيّن لهم عليه السّلام أنّ اللّه لا يحبّهم و لا يقبل لهم دعاء؛لأنّ القبول فرع المحبّة و إلاّ فما يترتّب على دعاء من لا يحبّه اللّه مثل المخالفين في الأديان6.

ص: 33


1- -الاحتجاج:48/2،و بحار الأنوار:51/46.

و المذاهب ليس من باب القبول بل هو إمّا استدراج لهم أو لأنّه سبحانه لا يحب أن ترفع إليه أصواتهم.

كما جاء في الرواية من تأخير إجابة المؤمن،لأنّ اللّه سبحانه يحبّ أن يسمع صوته و قوله:لم يستزرني فيه طعن عليهم بأنّ اللّه سبحانه لم يأمرهم و لم يطلب منهم زيارة بيته، ثمّ انظر إلى تفاوت مقامات زين العابدين عليه السّلام حيث يقول هنا:سيّدي بحبّك لي و يقول في أدعية الصحيفة:لو قمت لك حتّى ينخلع صلبي و بكيت لك حتّى تتفقّأ حدقتاي إلى قوله:

ما استحققت محو سيّئة واحدة من سيّئاتي و هذه الطريقة أخذها من جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام فإنّه كان يقرب نفسه و ينبسط معها إلى ربّه حتّى يقول:ما عبدتك خوفا من نارك و يبعدها في مقام آخر حتّى ترى أنّه فعل ذنوبا تبلغ به حدّ الاياس و هذه طريقة تخصّهم و ليست هي مورد لكلّ وارد و تحقيق الكلام في المقامين يطلب من محاله و قد كشفنا عنها في شرح كتاب التوحيد لابن بابويه طيّب اللّه ثراه (1).

في كتاب بشائر المصطفى عن محمّد بن جعفر و غيره قالوا:وقف على عليّ بن الحسين عليهما السّلام رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلّمه.

فلمّا انصرف قال لجلسائه:لقد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه،فقالوا له:نفعل و لقد كنّا نحبّ أن تقول له و يقول فمشى و هو يقول:و الكاظمين الغيظ و العافين عن النّاس و اللّه يحبّ المحسنين،فعلمنا أنّه لا يقول له شيئا فأتى منزل الرجل و صرخ به و قال:قولوا له هذا عليّ بن الحسين،فخرج إلينا طالبا للشرّ و هو لا يشكّ إنّه إنّما جاء مكافيا له على بعض ما كان،فقال له عليّ بن الحسين:يا أخي إنّك قد وقفت عليّ و قلت و قلت فإن كنت قلت،ما فيّ فأستغفر اللّه منه و إن كنت قلت ليس ما فيّ فغفر اللّه لك،فقبّل الرجل بين عينيه و قال:بل قلت ما ليس فيك و أنا أحقّ به.و ذلك الرجل هو الحسن بن الحسن رضى اللّه عنه (2).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:مرّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام على المجذومين و هو راكب حمار و هم يتغدّون فدعوه إلى الغذاء فقال:لولا أنّي صائم لفعلت.6.

ص: 34


1- -بحار الأنوار:58/46 ح 12.
2- -الإرشاد:145/2،و بحار الأنوار:54/46.

فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام و أن يتنوقوا فيه ثمّ دعاهم فتغدوه عنده و تغدّى معهم (1).

أقول: و روي مثل هذا عن الحسن عليه السّلام و هذا لا ينافي ما ورد من قوله عليه السّلام:فرّ من المجذوم فرارك الأسد لأنّه مخصوص بنا باعتبار ضعف التوكّل و غلبة الوهم و الجذام من الأمراض المسرية،و أمّا الأئمّة الأطهار عليهم السّلام فهم قاطعون بأنّه لا يتعدّى إليهم.

و في اعلام الورى أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه.

فلمّا أجابه في الثالثة قال له:يا بني أما سمعت صوتي؟

قال:بلى،قال:فما لك لم تجبني؟

قال:امنتك،قال:الحمد للّه الذي جعل مملوكي يأمنني (2).

عن الزهري قال:دخلت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام على عبد الملك بن مروان فاستعظم ما رأى من آثار السجود بين عينيّ عليّ بن الحسين فقال:يا أبا محمّد لقد تبيّن عليك الاجتهاد و لقد سبق لك من اللّه الحسنى و أنت من رسول اللّه ثمّ أطرى عليه فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام كلّما ذكرته و وصفته من فضل اللّه فأين شكره على ما أنعم؛كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقف في الصلاة حتّى تورم قدماه و يظمأ في الصيام حتّى يعصب فوه فقيل له:

يا رسول اللّه ألم يغفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟

فقال:أفلا أكون عبدا شكورا،الحمد للّه على ما أولى،و اللّه لو تقطّعت أعضائي و سالت مقلتاي على صدري أن أقوم للّه بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون لا و اللّه أو يراني اللّه لا يشغلني عن شكره و ذكره في ليل و لا نهار و لا سرّ و لا علانية و لولا أنّ لأهلي حقّا عليّ و لسائر الناس من خاصّهم و عامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع و الطاقة حتّى أؤدّيها إليهم لرميت بطرفي إلى السماء و بقلبي إلى اللّه ثمّ لم أرددهما حتّى يقضي اللّه على نفسي و هو خير الحاكمين و بكى عليه السّلام و بكى عبد الملك و قال:شتّان بين عبد طلب الآخرة و سعى لها سعيها و بين من طلب الدّنيا من أين جاءته،ما له في الآخرة من خلاق،ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته و عمّا قصد له فوصله2.

ص: 35


1- -الكافي:123/2 ح 8،و بحار الأنوار:130/72 ح 30.
2- -أعلام الورى:491/1،و كشف الغمة:299/2.

بمال و شفّعه فيمن شفع به (1).

و في كتاب الأنوار:إنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و هو قائم يصلّي في صورة أفعى له عشرة رؤوس محدّدة الأنياب متقلّبة الأعين بحمرة فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك و لم يكسر طرفه إليه فانقضّ على رؤوس أصابعه يعضّها بأنيابه و ينفخ عليها من نار جوفه و هو لا يكسر طرفه إليه و لا يختلجه شكّ و لا و هم في صلاته و لا في قراءته فلم يلبس إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء.

فلمّا أحسّ به صرخ و قام إلى جانب عليّ بن الحسين في صورته الاولى ثمّ قال:يا عليّ أنت سيّد العابدين كما سمّيت و أنا إبليس و اللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد آدم إليك فما رأيت مثلك و لا مثل عبادتك ثمّ تركه و ولّى في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها (2).

و روي أنّه كانت له قارورة مسك في مسجده فإذا دخل إلى الصلاة أخذ منه و تمسّح به (3).

و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ عليّ بن الحسين استقبله مولى له في ليلة باردة و عليه جبّة خزّ و مطرف (4)خزّ و عمامة خزّ و هو متعطّر بالغالية فقال:جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟

فقال:إلى مسجد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخطب الحور العين إلى اللّه عزّ و جلّ.

و عنه عليه السّلام قال:مرض عليّ بن الحسين ثلاث مرضات في كلّ مرضة يوصي بوصيّة فإذا أفاق أمضى وصيّته (5).

و في الأمالي مسندا إلى الباقر عليه السّلام أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب لمّا نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها عليّ بن الحسين عليه السّلام بنفسه من التعب في العبادة قالت لجابر الأنصاري:يا3.

ص: 36


1- -بحار الأنوار:57/46،و مستدرك سفينة البحار:25/6.
2- -بحار الأنوار:58/46 ح 11،و مدينة المعاجز:411/4.
3- -بحار الأنوار:58/46.
4- -أي الرداء.
5- -الكافي:516/6 ح 3،و بحار الأنوار:59/46 ح 13.

صاحب رسول اللّه إنّ لنا عليكم حقوقا من حقّنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا في العبادة أن تذكروه اللّه و تدعوه إلى البقيا على نفسه و هذا عليّ بن الحسين بقيّة أبيه قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه اجتهادا في العبادة،فأتى جابر باب عليّ بن الحسين و باب أبي جعفر محمّد بن عليّ في غلمان بني هاشم فنظر إليه مقبلا فقال:هذه مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سجيته فمن أنت يا غلام؟

قال:أنا محمّد بن عليّ،فبكى جابر ثمّ قال:أنت و اللّه الباقر عن العلم حقّا،فدنى منه جابر و حلّ أزراره و وضع يده على صدره فقبّله و جعل عليه وجهه و خدّه و قال له:ائذن لي على أبيك فدخل و أخبره بما فعل معه فدخل عليه فوجده في محرابه قد أنضته العبادة فنهض عليّ عليه السّلام و سأله عن حاله سؤالا حفيّا ثمّ أجلسه بجنبه فقال جابر:يا ابن رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالى خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟

قال:يا صاحب رسول اللّه أما علمت أنّ اللّه تعالى غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر فلم يدع الاجتهاد و تعبّد حتّى انتفخ السّاق و ورم القدم و قيل له:أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك الذنوب؟

قال:أفلا أكون عبدا شكورا،يا جابر لا أزال على منهاج أبوي حتّى ألقاهما؟

فقال جابر:ما أرى في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين إلاّ يوسف بن يعقوب و ذريّة عليّ بن الحسين أفضل من ذرّية يوسف إنّ منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السّلام كانت له خمسمائة نخل كان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين.

و لقد صلّى ذات يوم فسقط الرداء عن منكبيه فلم يسوه حتّى فرغ فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال:ويحك أتدري بين يديّ من كنت؟إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه،فقال الرجل:هلكنا،فقال:كلاّ،إنّ اللّه عزّ وّ جلّ متمّم ذلك بالنوافل.8.

ص: 37


1- -أمالي الطوسي:636 ح 16،و بحار الأنوار:60/46 ح 18.

و كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره و فيه الصرر من الدنانير و الدراهم و ربما حمل على ظهره الطعام و الحطب حتّى يأتي بابا بابا فيقرعه ثمّ يناول من يخرج إليه و كان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه.

فلمّا توفّي فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان عليّ بن الحسين.

و لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى وجهه و عليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء.

و لقد كان عليه السّلام يأبى أن يواكل امّه فسئل عن ذلك فقال:إنّي أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون عاقّا لها (1).

و روي أنّه كان بعد ذلك يضع على الفواكه و نحوها غطاء و يأكل مع امّه و لقد سألت عنه خادمة له بعد موته فقالت:أطنب أو أختصر؟فقيل لها؛بل اختصري،فقالت:ما أتيته بطعام نهارا قطّ و ما فرشت له فراشا بليل قط.

و قد انتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال:إن كنتم صادقين فغفر اللّه لي و إن كنتم كاذبين فغفر اللّه لكم.

و كان إذا جاءه طالب علم فقال:مرحبا بوصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعني من أوصى به رسول اللّه ثمّ يقول:إنّ طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب و لا يابس من الأرض إلاّ سبّحت له إلى الأرضين السابعة و لقد كان يعول مائة بيت و قيل خمسمائة من فقراء المدينة.

و كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى و الزمنى و المساكين و كان يناولهم بيده و من كان منهم له عيال حمل له إلى عياله.

و لقد كان تسقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من سجوده لكثرة صلاته و كان يجمعها فإذا مات دفنت معه.

و لقد بكى على أبيه عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولى له:يا ابن رسول اللّه أما آن لحزنك أن ينقضي؟

فقال له:ويحك إنّ يعقوب النبيّ عليه السّلام كان له اثنا عشر ابنا فغيّب اللّه عنه واحدا منهم9.

ص: 38


1- -الخصال:517 ح 4،و بحار الأنوار:61/46 ح 19.

فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه و شاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و كان ابنه حيّا في الدّنيا و أنا نظرت إلى أبي و أخي و عمّي و سبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني (1)؟

و عن الزهري قال:و اللّه ما علمت لعليّ بن الحسين صديقا في السرّ و لا عدوّا في العلانية لأنّي لم أر أحدا و إن كان يحبّه إلاّ و هو لشدّة معرفته بفضله يحسده و لا رأيت أحدا و إن كان يبغضه إلاّ و هو لشدّة مداراته له يداريه.

و روى الشيخ رحمه اللّه عن الثمالي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أتى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّى فيه أربع ركعات ثمّ عاد حتّى ركب راحلته و أخذ الطريق (2).

و في كتاب العلل قال:رأى الزهري علي بن الحسين عليهما السّلام ليلة باردة مطيرة و على ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقال له:يا ابن رسول اللّه ما هذا؟

قال:اريد سفرا أعدّ له زادا لحمله إلى موضع حريز،فقال الزهري:هذا غلامي يحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله،قال:لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري أسألك بحقّ اللّه لما مضيت و تركتني فانصرف عنه.

فلمّا كان بعد أيّام قال له:يا ابن رسول اللّه لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا؟ قال:بلى يا زهري ليس ما ظننت،و لكنّه الموت و له أستعدّ إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام و بذل الندى في الخير.

و قال عليه السّلام:لئن أدخل السوق و معي دراهم أبتاع به لعيالي لحما و قد اشتاقوا إليه أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة (3).

و في دعوات الراوندي عن الباقر عليه السّلام قال:قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي عليه السّلام:ما تشتهي؟

فقلت:أشتهي أن أكون ممّن لا اقترح على اللّه ربّي ما يدبّره لي،فقال لي:أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليه حيث قال له جبرئيل:هل من حاجة؟7.

ص: 39


1- -الخصال:519 ح 4،و بحار الأنوار:149/45.
2- -علل الشرائع:230/1،و بحار الأنوار:64/46 ح 21.
3- -علل الشرائع:231/1،و بحار الأنوار:65/46 ح 27.

فقال:لا أقترح إلى ربّي بل حسبي اللّه و نعم الوكيل (1).

و في الأمالي عن عبد الرزّاق يقول:جعلت جارية لعليّ بن الحسين عليهما السّلام تسكب الماء عليه و هو يتوضّأ للصلاة فنعست فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجّه فرفع رأسه إليها فقالت:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:و الكاظمين الغيظ فقال:قد كظمت غيظي،قالت:

و العافين عن الناس،قال لها:عفى اللّه عنك،قالت:و اللّه يحبّ المحسنين،قال:اذهبي فأنت حرّة (2).

و في عيون الأخبار عن الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرّة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم:هذا عليّ بن الحسين فوثبوا إليه و قبّلوا يده و رجله و قالوا:

يا ابن رسول اللّه أردت أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت منّا إليك يد أو لسان أما كنّا هلكنا إلى آخر الدهر،فما الذي يحملك على هذا؟

قال:إنّي كنت سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما لا أستحقّ فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ إليّ.

و روي أنّه قيل لعليّ بن الحسين عليهما السّلام:كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟قال:

أصبحت بثمان،اللّه تعالى يطلبني بالزواج و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالسنة و العيال بالقوت و النفس بالشهوة و الشيطان باتّباعه و الحافظان بصدق العمل و ملك الموت بالروح و القبر بالجسد فأنا بين هذه الخصال مطلوب (3).

و في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عليهما السّلام:أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يقرأ القرآن فربما مرّ به المارّ فصعق من حسن صوته و أنّ الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس فقيل له:ألم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟

فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يحمل من خلفه ما يطيقون (4).6.

ص: 40


1- -بحار الأنوار:67/46 ح 34،و الأنوار البهية:115.
2- -أمالي الصدوق:269 ح 15،و بحار الأنوار:68/46 ح 36.
3- -عيون أخبار الرضا:156/1،و بحار الأنوار:69/46.
4- -الأحتجاج:170/2،و بحار الأنوار:187/16.

و في كتاب المحاسن مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح و تطبخ و إذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتّى يجد ريح المرق و هو صائم ثمّ يقول:هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان و اغرفوا لآل فلان حتّى يأتي على آخر القدور ثمّ يؤتى بخبز و تمر فيكون ذلك عشاءه.

و فيه أيضا عن هشام بن سالم قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يعجبه العنب فكان ذات يوم صائما.

فلمّا أفطر كان أوّل ما جاءت العنب أتته امّ ولد له بعنقود فوضعته بين يديه فجاء سائل فدفعه إليه فدسّت إلى السائل فاشترته منه فوضعته بين يديه،فجاء سائل آخر فأعطاه ففعلت امّ الولد مثل ذلك حتّى فعل ثلاث مرّات.

فلمّا كان في الرابعة لم يأت سائل فأكله.

و كان عليه السّلام يبتاع الراحلة بمائة دينار يكرم بها نفسه.

و قال عليه السّلام للشيعة:ما زال حبّكم لنا حتّى صار شينا علينا.

أقول: لعلّ المراد النهي عن الغلوّ فإنّ الغلاة لمّا فرطوا في المحبّة بزعمهم كان حبّهم عيبا على دين الشيعة،لأنّ أهل الخلاف ينسبونه إلينا (1).

و روي أنّه عليه السّلام كان يمرّ على المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابّته حتّى ينحيها بيده عن الطريق.

و قد دخل أبو جعفر ابنه عليه فإذا هو قد اصفرّ لونه من السهر و رمصت عيناه من البكاء و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السجود و ورمت قدماه من القيام في الصلاة،قال:

فبكيت رحمة له فالتفت إليّ و قال:يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا ثمّ تركها من يده تضجّرا و قال:من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (2).

و عن طاووس قال:دخلت الحجر في الليل،فإذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام قد دخل فقام يصلّي ثمّ سجد فسمعته يقول في سجوده:عبيدك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك6.

ص: 41


1- -المحاسن:547/2 ح 863،و الكافي:350/6 ح 3.
2- -مستدرك سفينة البحار:385/12،و بحار الأنوار:74/46.

بفنائك.قال طاووس:ما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج اللّه عنّي.

و عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال:حججت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام فالتاثت الناقة عليه في سيرها فأشار إليها بالقضيب ثمّ قال:آه لولا القصاص و ردّ يده عنها و وقع حريق في بيت هو فيه ساجد فجعلوا يقولون:يا ابن رسول اللّه النار النار فما رفع رأسه حتّى أطفيت فقيل له بعد قعوده:ما الذي ألهاك عنها؟

قال:ألهتني عنها النار الكبرى (1).

و قال الأصمعي:كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب طريف الشمائل و عليه ذوابتان و هو متعلّق بأستار الكعبة و هو يقول:نامت العيون و غارت النجوم و أنت الملك الحيّ القيّوم،غلقت الملوك أبوابها و أقامت عليها حرّاسها و بابك مفتوح للسائلين،جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين،ثمّ أنشأ يقول،شعر:

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم *** يا كاشف الضرّ و البلوى مع السقم

قد نام و فدك حول البيت قاطبة *** و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنّعم

فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السّلام (2).

و قال طاووس الفقيه:رأيته يطوف من العشاء إلى السحر و يتعبّد.

فلمّا لم ير أحدا رمق السماء بطرفه فقال:إلهي غارت نجوم سماواتك و هجعت عيون أنامك و أبوابك مفتّحات للسائلين،جئتك لتغفر لي و ترحمني و تريني وجه جدّي محمّد صلّى اللّه عليه و اله في عرصات القيامة؟ثمّ بكى ثمّ قال:و عزّتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك و ما عصيتك و أنا بك شاكّ و لا بنكالك جاهل و لا لعقوبتك متعرّض و لكن سوّلت لي نفسي و أعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ فأنا الآن عن عذابك من يستنقذني و بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي،فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفّين جوزوا و للمثقلين حطّوا،أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحط،و يلي كلّما طال1.

ص: 42


1- -المناقب:290/3،و بحار الأنوار:80/46.
2- -الصحيفة السجادية:513،و بحار الأنوار:224/41.

عمري كثرت خطاياي و لم أتب،أما آن لي أن أستحيي من ربّي ثمّ بكى و قال:أتحرقني بالنار يا غاية المنى،فأين رجائي ثمّ أين محبّتي أتيت بأعمال قباح رزيّة و ما في الورى خلقا جنا كجنايتي ثمّ بكى و قال عليه السّلام:سبحانك تعصى كأنّك لا ترى و تحلم كأنّك لم تعص تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم و أنت يا سيّدي الغنيّ عنهم،ثمّ خرّ إلى الأرض ساجدا فدنوت منه و وضعت رأسه على ركبتي و بكيت حتّى جرت دموعه على خدّيه فاستوى جالسا و قال عليه السّلام:من الذي أشغلني عن ذكر ربّي؟فقلت:أنا طاووس يا ابن رسول اللّه ما هذا الجزع و الفزع و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جافون،[أبوك] (1)الحسين بن عليّ و امّك فاطمة الزهراء و جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فقال:

هيهات يا طاووس دع عنّي حديث أبي و امّي و جدّي خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبدا حبشيّا و خلق النار لمن عصاه و لو كان ولدا قرشيّا،أما سمعت قوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (2)و اللّه لا ينفعك غدا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح (3).

و من مناجاته عليه السّلام بعد أن ذكر الأسلاف و الأحباب،شعر:

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنهم فيها بوالي ذو أثر

خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم *** و ساقهم نحو المنايا المقادر

و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها *** و ضمّهم تحت التراب الحفائر (4)

و في كتاب سوق العروس عن أبي عبد اللّه الدامغاني أنّه كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يتصدّق بالسكّر و اللوز فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ و أنا أحبّ السكّر و اللّوز فأحببت أن أنفق منه.

و كان عليه السّلام إذا انقضى الشتاء تصدّق بكسوته و إذا انقضى الصيف تصدّق بكسوته و كان يلبس من خزّ اللباس فقيل له:تعطيها من لا يعرف قيمتها و لا يليق به لباسها فلو بعتها3.

ص: 43


1- -زيادة من المصدر.
2- -سورة المؤمنون:10.
3- -الصحيفة السجادية:177،و المناقب:292/3.
4- -الصحيفة السجادية:507،و المناقب:292/3.

و تصدّقت بثمنها؟

فقال:إنّي أكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه (1).

و قال عبد اللّه بن المبارك:حججت إلى مكّة فبينما أنا سائر في عرض الحاج و إذا صبيّ سباعي أو ثماني و هو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد و لا راحلة فسلّمت عليه و قلت له:مع من قطعت البرّ؟

قال:مع البار،فكبر في عيني فقلت:أين زادك و راحلتك؟

فقال:زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي،فقلت:يا ولدي ممّن تكون؟

فقال:مطلّبي،فقال:ابن لي قال:هاشمي فقلت أبن لي قال:علوي فاطمي فقلت:يا سيّدي هل قلت شيئا من الشعر؟فأنشدني شعر: (2)

لنحن على الحوض روّاده *** نذود و نسقي ورّاده

و ما فاز من فاز إلاّ بنا *** و ما خاب من حبّنا زاده

و من سرّنا نال منّا السرور *** و من ساءنا ساء ميلاده

و ما كان غاصبنا حقّنا *** فيوم القيامة ميعاده

ثمّ غاب عن عيني فلمّا أتيت الأبطح رأيته في حلقة مستديرة فسألت عنه فقالوا:

زين العابدين بن الحسين عليه السّلام و يرى له عليه السّلام شعر:

نحن بنو المصطفى ذو غصص *** يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى و آخرنا

يفرح هذا بعيدهم *** و نحن أعيادنا مآتمنا

و الناس في الأمن و السرور و ما *** يأمن طول الزمان خائفنا

و ما خصصنا به من الشرف *** الطائل بين الأنام افتنا

يحكم فينا و الحكم فيه لنا *** جاحدنا حقّنا و غاصبنا (3)

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ أبي ضرب غلاما له قرعه بسوط و كان بعثه في حاجة6.

ص: 44


1- -شرح الأخبار:263/3،و المناقب:294/3.
2- -معجم رجال الحديث:311/11،و بحار الأنوار:92/46.
3- -المناقب:295/3،و بحار الأنوار:92/46.

فأبطأ عليه فبكى الغلام و قال:يا عليّ بن الحسين تبعثني في حاجتك ثمّ تضربني قال:

فبكى أبي و قال:يا بني اذهب إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فصلّ ركعتين ثمّ قل:اللّهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدّين ثمّ قال للغلام:اذهب فأنت حرّ لوجه اللّه فقال أبو بصير:

فقلت له:جعلت فداك كان العتق كفّارة الضرب،فسكت (1).

و روي أنّه عليه السّلام ضرب مملوكا ثمّ دخل إلى منزله فأخرج السوط ثمّ تجرّد له و قال:

اجلد عليّ بن الحسين فأبى عليه فأعطاه خمسين دينارا و قال عليه السّلام:ما عرض لي قط أمران للدنيا و الآخرة فآثرت الدّنيا إلاّ رأيت ما أكره قبل أن أمسي.

و كان عليه السّلام يدعو خدمه كلّ شهر و يقول:إنّي قد كبرت و لا أقدر على النساء فمن أراد منكنّ التزويج أو البيع بعتها أو العتق أعتقتها،فإذا قالت إحداهنّ:لا،قال:اللّهم اشهد حتّى يقول ثلاثا و إن سكتت واحدة منهنّ قال لنسائه:سلوها ما تريد و عمل على مرادها (2).

و في رواية أنّه تنزّه عن الأكل مع المجذومين لمّا عزموا عليه لأنّه كان كسرا من الصدقة لكونه حراما عليه ثمّ صنع طعاما تأنّق فيه و دعاهم فتغدّا معهم.

و قال عليه السّلام لابنه:يا بني لا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعته له (3).

و روي أنّ بعضهم شتم زين العابدين عليه السّلام فقصده غلمانه فقال:دعوه فإنّ ما خفى منّا أكثر ممّا قال،فقال له:ألك حاجة يا رجل؟فخجل الرجل فأعطاه ثوبه و أمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول:أشهد أنّك ابن رسول اللّه.

و شتمه آخر فقال:يا فتى إنّ بين أيدينا عقبة كؤودا فإن جزت منها فلا ابالي بما تقول و إن أتحيّر فيها فأنا شرّ ممّا تقول (4).

و روي أنّ مولى له كان يتولّى عمارة ضيعة له فأفسد عمارتها فقرعه بسوط ثمّ ندم على ذلك فأرسل في طلب المولى فأتاه فوجده عاريا و السوط بين يديه فخاف أن يعاقبه6.

ص: 45


1- -بحار الأنوار:92/46،و درر الأخبار:628.
2- -المناقب:301/3،و بحار الأنوار:93/46 ح 83.
3- -المناقب:301/3،و بحار الأنوار:94/46.
4- -المناقب:296/3،و بحار الأنوار:96/46.

فقال للمولى:خذ السوط و قد كانت منّي هفوة و زلّة فخذ السوط و اقتصّ منّي،فقال:يا مولاي ظننت أنّك تريد عقوبتي و أنا مستحقّ للعقوبة فكيف أقتصّ منك؟

فقال:ويحك اقتص،قال:معاذ اللّه أنت في حلّ وسعة فكرّر ذلك عليه مرارا و هو يحلّله،فقال:أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك و أعطاه إيّاها (1).

[و عن]الأصمي[أنه] (2)قال:كنت بالبادية و إذا أنا بشابّ في أطمار رثّة و عليه سيماء الهيبة فقلت:لو شكوت حالك إلى هؤلاء يعني الرفقاء لأصلحوا حالك فأنشأ يقول،شعر:

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر *** و لبسي للاخرى البشاشة و الصبر

إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا *** لأنّي من القوم الذين لهم فخر

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله *** و أنّ الندى و الجود ضمّهما قبر

على الجود و العرف السلام فما بقى *** من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر (3)

فتعرّفته فإذا هو عليّ بن الحسين.

و كان عنده عليه السّلام قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنوّر فسقط السفود على رأس بني لعليّ بن لحسين تحت الدرجة فقتله فقال عليه السّلام للغلام و قد تحيّر:أنت حرّ فإنّك لم تعتمده و أخذ في جهازه و دفنه.

و في كشف اليقين عن اسباط قال:دخلت مسجد الكوفة فإذا شاب يناجي ربّه و يقول في سجوده؛سجد وجهي متعفّرا في التراب لخالقي و حقّ له فقمت إليه فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقلت له:يا ابن رسول اللّه تعذّب نفسك و قد فضّلك اللّه بما فضّلك،فبكى و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ أربعة:عين بكت من خشية اللّه و عين فقأت في سبيل اللّه،و عين غضّت عن محارم اللّه،و عين باتت ساهرة ساجدة يباهي اللّه بها الملائكة يقول:انظروا إلى عبدي روحه عندي و جسده على طاعتي قد جافى بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي و طمعا في رحمتي اشهدوا أنّي قد غفرت له (4).6.

ص: 46


1- -المناقب:297/3،و بحار الأنوار:96/46.
2- -زيادة من المصدر.
3- -المناقب:304/3،و بحار الأنوار:97/46.
4- -الصحيفة السجادية:532،و بحار الأنوار:99/46.

و فيه أيضا عن طاووس قال:رأيت رجلا في المسجد الحرام يصلّي تحت الميزاب و يبكي في دعائه فإذا هو عليّ بن الحسين فقلت له:يا ابن رسول اللّه رأيتك على حالة كذا و كذا و لك ثلاثة أرجو أن تأمنك من الخوف أحدها ابن رسول اللّه و الثاني شفاعة جدّك و الثالث رحمة اللّه فقال:يا طاووس أمّا انّني ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلا يؤمنني و قد سمعت اللّه تعالى يقول: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ (1).

و أمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنّني لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى (2)و أمّا رحمة اللّه،فإنّ اللّه تعالى يقول (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) و لا أعلم أنّي محسن (3).4.

ص: 47


1- -سورة المؤمنون:10.
2- -سورة الأنبياء:28.
3- -بحار الأنوار:102/46 ح 89،و ميزان الحكمة:3257/4.
غرائب أحواله عليه السلام

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما يقول:إنّي لأحبّ أن أقدم على ربّي و عملي مستو (1).

أقول: معنى الاستواء ما تقدّم من استحباب المداومة على العمل.

و في كتاب عيون المعجزات للمرتضى رحمه اللّه عن أبي خالد كنكر الكابلي أنّه قال:لقيني يحيى بن امّ الطويل رفع اللّه درجته و هو ابن داية زين العابدين عليه السّلام فأخذ بيدي و صرت معه إليه فرأيته جالسا في بيت مفروش بالمعصفر مزيّن الحيطان عليه ثياب مصبّغة فلم أطل عنده الجلوس.

فلمّا أن نهضت قال:سر إليّ غدا إن شاء اللّه فخرجت من عنده و قلت ليحيى:

أدخلتني على رجل يلبس الصبغات و عزت علي أن لا أرجع إليه ثمّ فكّرت في أنّ رجوعي غير ضائر فرجعت إليه في غد فوجدت الباب مفتوحا فناداني من داخل الدار يا كنكر و هذا اسم سمّتني به امّي لا يعلم أحد فوجدته جالسا في بيت مطين على حصير من البردي و عليه قميص كرابيس و عنده يحيى فقال لي:يا أبا خالد إنّي قريب العهد بعروس و أنّ الذي رأيت بالأمس من رأى المرأة و لم أرد مخالفتها ثمّ قام و أخذ بيدي و يد يحيى و مضى بنا إلى بعض الغدران فوقفنا ننظر إليه فقال:بسم اللّه الرحمن الرحيم و مشى على الماء حتّى رأينا كعبه يلوج فوق الماء فقلت:اللّه أكبر اللّه أكبر أنت الكلمة الكبرى و الحجّة العظمى صلوات اللّه عليك ثمّ قال عليه السّلام:ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم:

المدخل فينا من ليس منّا و المخرج منّا من هو منّا و القائل إنّ لهما في الإسلام نصيبا أعني هذين الصفتين.

أقول: و يحتمل أنّ المراد فلان و فلان (2).

ص: 48


1- -الكافي:83/2 ح 5،و بحار الأنوار:108/46 ح 90.
2- -عيون المعجزات:64،و بحار الأنوار:103/46.
ما يفعله مع عبيده عليه السلام

و عن محمّد بن عجلان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا دخل شهر رمضان لا يقرب عبدا له و لا أمة و كان إذا أذنب العبد و الأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا و كذا و لم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب حتّى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم و جمعهم حوله ثمّ أظهر الكتاب ثمّ قال:يا فلان فعلت كذا و لم أؤدّبك أتذكر ذلك؟فيقول:بلى يا ابن رسول اللّه حتّى يأتي على آخرهم ثمّ يقوم وسطهم و يقول لهم:ارفعوا أصواتكم و قولوا:يا عليّ بن الحسين إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت كما أحصيت علينا كلّما عملنا ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ لا يغادر صغيرة و لا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها و تجد كلّما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلّما عملنا حاضرا لديك فاعف و اصفح كما ترجو من المليك العفو فاعف عنّا تجده عفوّا و بك رحيما و لك غفورا،فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك العدل فاعف و اصفح يعف عنك المليك و هو ينادي بذلك و ينوح على نفسه و يلقّنهم إلى أن يقولون:قد عفونا عنك يا سيّدنا و ما أسأت فيقول لهم:قولوا:اللّهم اعف[عن] (1)عليّ بن الحسين كما عفا عنّا و اعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ ثمّ يقول:اذهبوا فقد عفوت عنكم و أعتقت رقابكم رجاء للعفو عنّي.

فإذا كان يوم الفطر أعطاهم ما يغنيهم عن الناس و ما من سنة إلاّ كان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين عشرين رأسا إلى أقلّ و أكثر و كان يقول:إنّ اللّه تعالى في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلاّ قد استوجب النار.

فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه و إنّي أحبّ أن يراني اللّه و قد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدّنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.

و ما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أوّل السنة أو وسطها إذا كان ليلة

ص: 49


1- -زيادة من المصدر.

الفطر أعتقهم و استبدل سواهم في الحول الثاني،و هكذا حتّى لحق باللّه تعالى.

و لقدن كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسدّ بهم تلك الفرج و الخلال فإذا أفاض أعتقهم و أجاز لهم (1).

و في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كانت لعليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه و سائد (2)و أنماط (3)فيها تمثايل يجلس عليها (4).

أقول: جلوسه عليها استهانة بها و هو الذي رفع الكراهة أو خفقها.

و فيه أيضا عن الزهري قال:قال عليّ بن الحسين:لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي و كان إذا قرىء مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكرّرها حتّى كاد أن يموت (5).

و كان يقول في مناجاته:يا سيّدي تعذّبني و حبّك في قلبي أما و عزّتك لئن فعلت لتجمعنّ بيني و بين قوم طال ما عاديتهم فيك (6).

و في دعوات الراوندي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يلبس الصوف و أغلظ ثيابه إذا قام إلى الصلاة و كان إذا صلّى برز إلى موضع خشن فيصلّي فيه و يسجد على الأرض (7).2.

ص: 50


1- -إقبال الأعمال:444/1،و بحار الأنوار:104/46.
2- -و سد المخدّة.
3- -نمط ضرب من البسط و جمعه أنماط.
4- -الكافي:477/6 ح 4،و وسائل الشيعة:309/5 ح 4.
5- -الكافي:602/2 ح 13،و بحار الأنوار:107/46 ح 101.
6- -الكافي:580/2 ح 10،و بحار الأنوار:297/86.
7- -دعوات الراوندي:32.

الفصل الثاني

اشارة

فيما بقي من أحواله عليه السلام

في كتاب المناقب عن الصادق عليه السّلام:بكى عليّ بن الحسين عليهما السّلام عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولاه:جعلت فداك يا ابن رسول اللّه إنّي أخاف أن تكون من الهالكين،قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون،إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة و كيف لا أبكي و قد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع و الوحوش (1).

و في رواية اخرى:و اللّه لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ما رأيت حتّى قال:يا أسفا على يوسف و انّه فقد ابنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة من أهل بيتي يذبحون حولي.

و كان عليه السّلام يميل إلى ولد عقيل فقيل له:ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟

فقال:إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين فأرقّ لهم (2).

و في الكافي عن أبان بن تغلب قال:لمّا هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها فلمّا صاروا إلى بنائها خرجت إليهم حيّة فمنعتهم عن البناء فصعد الحجّاج المنبر و قال:رحم اللّه عبدا عنده علم ممّا ابتلينا به،فقام إليه شيخ و قال:علمها عند عليّ ابن الحسين،فقال:

معدن ذلك،فبعث إليه و أخبره بخبر الحيّة فقال له:يا حجّاج عمدت إلى بناء إبراهيم و إسماعيل فألقيته في الطريق و انتهبته كأنّك ترى أنّه تراث لك،اصعد المنبر و انشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ من ترابها إلاّ ردّه.

فلمّا رجع التراب وضع عليه الأساس و أمرهم أن يحفروا فغابت عنهم الحيّة فلمّا

ص: 51


1- -المناقب:303/3،و بحار الأنوار:109/46 ح 1.
2- -كامل الزيارات:214،و بحار الأنوار:110/46.

انتهوا إلى موضع القواعد قال لهم:تنحّوا فدنا منها و غطّاها بثوبه ثمّ بكى و غطّاها بالتراب ثمّ دعلى لفعله فقال:ضعوا بناءكم فوضعوا البناء.

فلمّا ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج (1).

أقول: هدم الحجّاج الكعبة لمّا قاتل ابن الزبير من قبل عبد الملك بن مروان لأنّه لمّا هلك يزيد بن معاوية لعنة اللّه عليهما بايع أهل الحجاز لعبد اللّه بن الزبير و كان الخليفة في الحجاز.

فلمّا استقلّ الأمر لعبد الملك في الشام سيّر الحجّاج على الحجاز فقاتل ابن الزبير بمكّة شرّفها اللّه تعالى و قتل من قتل من عسكر ابن الزبير و طلب الباقون الأمان من الحجّاج حتّى ولدي ابن الزبير و لمّا أخذوا عليه الطرقات التجأ إلى دخول الكعبة فدخلها و سلّ سيفه و سار يقتل كلّ من دخل إليه فقال الحجّاج:انصبوا على الكعبة المنجنيق فرموها و هدّموا سقفها على ابن الزبير فمات فأمر بإخراجه و صلبه على الخشبة أيّاما كثيرة ينتظر التماس امّ عبد اللّه لأنّها كانت معه بمكّة و هي التي حرّضته على الحرب و أن لا يسالم القوم و هي تراه على الخشبة كلّ ساعة فما طلبت من الحجّاج نزله.

فلمّا طالت الأيّام قالت يوما:ما بال هذا الإمام لم ينزل عن خشبته،فبلغ الحجّاج فأنزله و أرسله إليها فوضعته بين يديها.

و من حبّها له درّ لبنها عليه.

و في الحديث:إنّ اللّه سبحانه لم يجر ابن الزبير لأنّه كان مثل الحجّاج في الفساد و الانحراف عن أهل البيت عليهم السّلام و هو الذي حمل أباه الزبير على حرب الجمل حتّى قال أمير المؤمنين عليه السّلام:ما زال الزبير رجلا منّا حتّى نشأ ولده عبد اللّه فأخرجه منّا.

و ذلك أنّ عائشة خالته فأخذته على مذهبها و جرّ هو أباه (2).1.

ص: 52


1- -الكافي:222/4 ح 8،و علل الشرائع:448/2.
2- -بحار الأنوار:145/41.
حال الحسن البصري

و في الاحتجاج روى أنّ زين العابدين عليه السّلام مرّ بالحسن البصري و هو يعظ الناس بمنى فوقف عليه ثمّ قال له:امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم أترضاها لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟

قال:لا،قال:أفتحدّث نفسك بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟فأطرق مليّا ثمّ قال:إنّي أقول ذلك بلا حقيقة،فقال:أفترجوا نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و اله يكون لك معه سابقة؟

قال:لا،قال:أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟

قال:لا،قال:أفرأيت أحدا فيه مسكة عقل رضى لنفسه من نفسه بهذا أنّك على حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة و لا ترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و اله و لا دارا غير الدار التي أنت فيها فتردّ إليها فتعمل فيها و أنت تعظ الناس.

فلمّا ولّى عليه السّلام قال الحسن البصري:من هذا؟

قالوا؛عليّ بن الحسين،قال:أهل بيت علم،فما رأى الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس (1).

أقول: الحسن البصري هو الذي ابتدع مذهب التصوّف و كان يعارض أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه و نشأ بعده الصوفية في أعصار الأئمّة عليهم السّلام و كانوا يعارضونهم بمعاونة خلفاء الجور و عمّالهم يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم،و نشأ بعدهم الصوفية في أعصار العلماء إلى الآن و شرّهم على الدّين أكثر من شرّ الكفّار على الدّين لأنّهم يقولون القول فيصدقون عليه لدخولهم في المذهب و تقرّبهم إلى العوام من جهة الطاعة و العبادة التي اخترعوها.

و في كتاب الاختصاص أنّ أبا إسحاق الهمداني كان من ثقاة عليّ بن الحسين عليهما السّلام

ص: 53


1- -الأحتجاج:43/2،و بحار الأنوار:146/10.

صلّى أربعين سنة صلاة الغداء بوضوء العتمة و كان يختم القرآن في كلّ ليلة و قبض و له تسعون سنة (1).

فيه حال معاوية بن يزيد بن معاوية لعنهم اللّه

و روي أنّه لمّا نزع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال:أيّها الناس إنّا بلينا بكم و بليتم بنا ألاّ إنّ جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قدمه و سابقته عليّ بن أبي طالب فركب جدّي منه ما تعلمون و ركبتم معه ما لا تجهلون حتّى صار رهين عمله و ضجيع حفرته تجاوز اللّه عنه ثمّ صار الأمر إلى أبي و لقد كان خليقا أن لا يركب سنته إذ كان غير خليق بالخلافة فقلّت مدّته و انقطعت آثاره و خمدت ناره و لقد أنسانا الحزن له على الحزن عليه ثمّ أخفت يترحّم على أبيه و صرت أنا الثالث و ما كنت لأتحمّل آثامكم، شأنكم و أمركم ولّوه من شئتم،فقال له مروان بن الحكم:يا أبا ليلى سنّة عمرية،فقال:يا مروان أتخدعني عن ديني أئتني برجال كرجال عمر أجعلها بينهم شورى و اللّه إن كانت الخلافة مغنما فقد أصبنا منها حظّنا و لئن كانت شرّا فحسب آل أبي سفيان و ما أصابوا منها ثمّ نزل فقالت له امّه:ليتك كنت حيضة،فقال:أنا وددت ذلك و لم أعلم أنّ للّه نارا يعذّب بها من عصاه و أخذ من غير حقّه.

و هلك يزيد و هو ابن ثلاثة و ستّين سنة و ولّى الأمر أربع سنين و هلك معاوية بن يزيد و هو ابن إحدى و عشرين سنة و ولّي الأمر أربعين ليلة (2).

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ذهب بعض علمائنا من نزعه نفسه عن الخلافة إلى حسن حاله و أنّه من أهل النجاة و هو كلام لا حقيقة له،فإنّ الواجب عليه أمران:عزل نفسه عن الخلافة و تسليم الخلافة إلى أهلها كما هو مقتضى إرجاع الغصب باعترافه إنّ جدّه و أبيه كانا غاصبين لها من أهلها و هو غصبها بعد أبيه أربعين يوما و لا تبرأ ذمّة الغاصب برفع يده عن العين المغصوبة بل لابدّ من إرجاعها إلى صاحبها على أنّه كان متمكّنا من ذلك و مع ذلك كلّه فقد كان على مذهب أسلافه في حبّ من أحبّوا و بغض من أبغضوا خصوصا

ص: 54


1- -الأختصاص:83،و بحار الأنوار:265/4.
2- -بحار الأنوار:119/46 ح 7،و درر الأخبار:330.

الإفراط في حبّ الشيخين.

و في الحديث:أنّ جبرئيل و ميكائيل لو أحبّوهما لأكبّهما اللّه في النار على وجوههما (1).

و في كتاب فرحة الغري:روى هشام الكلبي عن أبيه قال:أدركت بني أود و هم يعلّمون أبناءهم و نساءهم سبّ عليّ بن أبي طالب و فيهم رجل دخل على الحجّاج يوما فأغلظ له الحجّاج في الجواب فقال:لا تقل هذا أيّها الأمير فلا لقريش و لا لثقيف منقبة يعتدّون بها إلاّ و نحن نعتدّ بمثلها قال له:و ما مناقبكم؟

قال:ما ينقص عثمان و لا يذكر بسوء في مجالسنا قط،قال:هذه منقبة،قال:و ما رأى بنا خارجي قط يعني من الذين خرجوا على الحجّاج و قاتلوه،قال:و منقبة قال:و ما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل واحد فأسقطه ذلك عندنا و أخمله فما له عندنا قدر و لا قيمة قال:و منقبة قال:و ما أراد منّا رجل قط أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير.

فإن قيل إنّها تفعل ذلك اجتنبها فلم يتزوّجها قال:و منقبة قال:فما ولد فينا ذكر فسمّي عليّا و لا حسنا و لا حسينا و لا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة قال:و منقبة قال:

و نذرت امرأة منّا حين أقبل الحسين إلى العراق إن قتله اللّه أن تنحر جزورا.

فلمّا قتل وفت بنذرها قال:و منقبة قال:و دعى رجل منّا إلى البراءة من عليّ و لعنه فقال:نعم و أزيدكم حسنا و حسينا قال:و منقبة و اللّه قال لنا أمير المؤمنين عبد الملك:أنتم الشعار دون الدثار و أنتم الأنصار بعد الأنصار،قال:و منقبة قال:و ما بالكوفة ملاحة إلاّ ملاحة بني أود فضحك الحجّاج.قال هشام بن الكلبي:قال لي أبي:فسلبهم اللّه ملاحتهم (2).

و في الخرائج روي عن الباقر عليه السّلام:كان عبد الملك يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين يطوف بين يديه و لا يلتفت إليه فقال:من هذا الذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت إلينا؟فقيل له:عليّ بن الحسين فقال:ردّوه إلي فردّوه فقال:يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك6.

ص: 55


1- -السرائر:567/3،و درر الأخبار:322.
2- -فرحة الغري:50،و بحار الأنوار:120/46.

فما يمنعك من المصير إليّ،قال:إنّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه و أفسد أبي عليه بذلك آخرته فإن أحببت أن تكون كهو فكن،فقال:كلاّ و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا، فجلس زين العابدين عليه السّلام و بسط رداءه و قال:اللّهم أره حرمة أوليائك عندك فإذا ازاره مملوّة دررا شعاعها يخطف الأبصار،فقال له:من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج إلى دنياك؟ثمّ قال:اللّهم خذها فلا حاجة لي فيها (1).6.

ص: 56


1- -الخرائج و الجرائح:255/1،و بحار الأنوار:120/46.
دعاء دفع البلاء

و في كتاب بشائر المصطفى عن زين العابدين عليه السّلام قال:لم أر مثل التقدّم في الدّعاء و كان ممّا حفظ عنه عليه السّلام من الدعاء حين بلغه توجّه مسرف بن عقبة إلى المدينة:ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري و كم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني و قلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني،يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا و يا ذا النعماء التي لا تحصى عددا صلّ على محمّد و آل محمّد و ادفع عنّي شرّه فإنّي أدرأبك في نحره و أستعيذ بك من شرّه،فقدم مسرف بن عقبة المدينة و كان يقال لا يريد غير عليّ بن الحسين فسلّم عليه فأكرمه و وصله (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:مسرف هو مسلم بن عقبة الذي بعثه يزيد لعنه اللّه لوقعة الحرّة حول المدينة فسمّي بعدها مسرفا لإسرافه في إهراق الدماء،لأنّ يزيد أمره بنهب المدينة و إباحتها للجند ثلاثة أيّام فأفسدوا فيها و أهرق الدماء حتّى جرت الدماء تحت المنبر،ثمّ لمّا رفع السيف عنهم أخذ عليهم البيعة ليزيد أنّهم عبيده و أموالهم و ذراريهم ماله يتصرّف بهم كيف شاء من بيع و شراء،و من أبى عن هذه البيعة قتله حتّى ورد أنّه أخذ البيعة على زين العابدين عليه السّلام بمثل ذلك و كانت هذه الواقعة على أهل المدينة و على الإسلام لا تقصر عن واقعة الطفوف لأنّهم استحلّوا بها فروج النساء و كانت بعد واقعة الطفوف.

و في كتاب المناقب نقلا عن كتاب الحلية و الأغاني و غيرهما:أنّه حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه و أطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليهما السّلام من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة بين عينيه سجّادة من طول العبادة فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له فقال شاميّ:من هذا يا أمير المؤمنين؟

ص: 57


1- -الصحيفة السجادية:365،و الإرشاد:152/2.

فقال:لا أعرفه لئلاّ يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق:و لكنّي أعرفه فقال الشامي:

من هو يا أبا فراس فأنشد قصيدته و هي قصيدة:

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم *** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء و طأته *** و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده *** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه *** لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم

هذا على رسول اللّه والده *** أمست بنور هداه تهتدي الامم

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر *** و المقتول حمزة ليث حبّه قسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة *** و ابن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف إن أنكرت و العجم

ينمى إلى ذروة العزّ التي حصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم

يفضي حياء و يغضي من مهابته *** فما يكلّم إلاّ حين يبتسم

ينجاب نور الدّجى عن نور عزّته *** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكفّه خيزران ريحه عبق *** من كفّ أروع في عرنينه شمم

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده *** لولا التشهّد كانت لاءه نعم

مشتقّة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره و الخيم و الشيم

حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما يهوى جميعهم *** و إن تكلّم يوما زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا

اللّه فضّله قدما و شرّفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم

من جدّه دان فضل الأنبياء له *** و فضل آبائه دانت لها الامم

عمّ البرية بالإحسان و انقشعت *** عنها العماية و الإملاق و الظلم

ص: 58

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستو كفّان و لا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره *** يزينه خصلتان الحلّ و الكرم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفنا أريب حين يعترم

من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر *** و قربهم منجا و معتصم

يستدفع السوء و البلوى بحبّهم *** و يستزاد به الإحسان و النّعم

مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كلّ فرض و محتوم به الكلم

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هموا

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** و لا يدانيهم قوم و لا كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم

يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهم *** خيم كريم و أيد بالندى هضم

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم *** سيّان ذلك إن اثروا و إن عدموا

أهل القبائل ليست في رقابهم *** لأولية هذا أو له نعم

من يعرف اللّه يعرف أولية ذا *** فالدّين من بيت هذا ناله الامم

بيوتهم في قريش يستضاء بها *** و في النايبات و عند الحكم إن حكموا

بجدّه من قريش في ارومتها *** محمّد و عليّ بعده علم

بدر له شاهد و الشعب من احد *** و الخندقان و يوم الفتح قد علموا

و خيبر و حنين يشهدان له *** و في قريضة يوم صيلم قتم

مواطن قد علت في كلّ نايبة *** على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام و قال:هلاّ قلت فينا مثلها،قال:هات جدّا كجدّه و أبا كأبيه و امّا كامّه حتّى أقول فيكم مثلها،فحبسه بعسفان بين مكّة و المدينة فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهما السّلام فبعث إليه باثنا عشر ألف درهم و قال:اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردّها و قال:يا ابن رسول اللّه ما قلت الذي قلت إلاّ غضبا للّه و رسوله و ما كنت لآخذ عليه شيئا،فردّها إليه و قال:بحقّي عليك لمّا قبلتها فقد رأى اللّه مكانك و علم نيّتك فقبلها فجعل الفرزدق يهجو هشاما فكان ممّا هجاه،شعر:

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد *** و عينا له حولى باد غيوبها

ص: 59

فأخبر هشام بذلك و أطلقه (1).

يقول المؤلّف عفى اللّه تعالى عنه:و روى الكشّي هذه القصّة و أمّا الكشف عن ألفاظها:

فقوله:تعرف البطحاء المراد به هذا الصحراء و إلاّ فالبطحاء مسيل الماء فيه الحصا و الوطأة هنا بمعنى البأس و الشدّة كقوله صلّى اللّه عليه و اله:اللّهم اشدد و طأتك على مضر،و يجوز أن يراد المشي عليها،تعرفه عرفان بالنصب مفعول له يعني يمسكه لأجل معرفته به أو لأجل العرف أي الطيّب الموجود في راحته و الإغضاء أو ماء الجفون،و الخيزران بضمّ(الزاء) شجر هندي و هو عروق ممتدّة في الأرض،و عبق به الطيب أي لزق به و لم يذهب عنه أيّاما،و الأروع من يعجبك بحسنه و منظره،و العرنين بالكسر الأنف،و الشمم محرّكة ارتفاع قصبة الأنف و حسنها و استواء أعلاها.

و قوله:من كف على طريق التجريد،و(الخيم)بالكسر السجيّة و الطبيعة،و(الشيم) بكسر(الشين)و فتح(الياء)جمع شيمة بالكسر و هي الطبيعة،و فدحه الدين أثقله، استوكف استقطر و البوادر جمع بادرة و هي ما يبدو من حدتك فيى الغضب من قول أو فعل،و النقيبة النفس و العقل و المشورة،و الأريب العاقل و يعترم على المجهول من العرام بمعنى الشدّة يعني أنّه عاقل عند عروض الشدائد و بعد غايتهم بضمّ(الباء)،و الأزمة الشدّة و أزمت بمعنى لزمت،و الشرى كعلى طريق في سلمى كثير الأسد،و احتدم عليه غيظا تحرّق و النار التهبت و في بعض النسخ البأس(بالباء)الموحّدة و في بعضها(بالنون)فعلى الأوّل المراد أنّ شدّتهم و غيظهم ملتهب في الحرب،و على الثاني المراد أنّ الناس محتدمون عليهم حسدا و خيم أي لهم خيم و الندا المطر و يستعار للعطاء الكثير،و هضم ككتب جمع هضوم يقال:يد هضوم أي تجود بما لديها،و يقال أثرى الرجل كثر ماله، و الأرومة الأصل،و قوله:الخندقان يعني به غزوة الخندق،و قال بعض أهل الحديث:لعلّ التثنية باعتبار أنّه محيط بالبلد أو لأنّه كان على قسمين حفر بعضه المهاجرون و الآخر الأنصار،و الضيلم الأمر الشديد،و القتام الغبار و الأقتم الأسود و قتم الغبار ارتفع.و قوله:

مواطن أي له أو هذه،و قوله رزاؤه أي أخذ من ماله.4.

ص: 60


1- -المناقب:307/3،و مدينة المعاجز:397/4.

و قال الزمخشري في الفائق:عليّ بن الحسين مدحه الفرزدق،فقال:في كفّه جهنى ريحه عبق البيت قال القتيبي الجهني:الخيزران و معرفتي هذه الكلمة عجيبة.

و ذلك أنّ رجلا من أصحاب الغريب سألني عنه فلم أعرفه.

فلمّا أخذت من الليل مضجعي أتاني آت في المنام يقول:ألا أخبرته عن الجهني؟ قلت:لم أعرفه،قال:هو الخيزران،فسألته شاهدا فقال:هدية ظريفة في طبق محبه فانتبهت و أنا أكثر التعجّب فلم يلبث إلاّ يسيرا حتّى سمعت من ينشد:في كفّه جهني و كنت أعرفه في كفّه خيزران (1).

و في كتاب الاختصاص عن فرعان من رواة الفرزدق قال:حججت سنة مع عبد الملك بن مروان فنظر إلى عليّ بن الحسين فأراد الاحتقار به فقال:من هو؟

فقال الفرزدق:فقلت على البديهة القصيدة المعروفة و كان عبد الملك يصله كلّ سنة بألف دينار فحرمه تلك السنة فشكى إلى عليّ بن الحسين و سأله أن يكلّمه فقال:أنا أصلك من مالي مثل الذي كان يصلك به عبد الملك وصني عن كلامه،فقال:يا ابن رسول اللّه لا آخذ من مالك شيئا و ثواب اللّه في الآجل أحبّ إليّ من ثواب الدّنيا في العاجل فاتّصل ذلك بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار و كان كريما فقال:يا أبا فراس كم تقدّر الذي بقي من عمرك؟

قال:قدر عشرين سنة قال:فهذه عشرون ألف دينار أعطيكها من مالي و اعف أبا محمّد أعزّه اللّه عن المسألة في أمرك،فقال:لقد لقيت أبا محمّد و بذل لي ماله فأعلمته إنّي أخّرت ثواب ذلك لأجر الآخرة (2).

و روى صاحب الخرائج:أنّ عليّ بن لحسين عليهما السّلام أعطاه لأربعين سنة و قال:لو علمت أنّك تحتاج إلى أكثر من هذا أعطيتك فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة (3).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:يجوز تعدّد الواقعة بأن يكون أنشد القصيدة تارة لعبد الملك و اخرى لابنه هشام.6.

ص: 61


1- -بحار الأنوار:130/46.
2- -الأختصاص:195،و بحار الأنوار:131/46 ح 20.
3- -الخرائج و الجرائح:268/1 ح 10،و بحار الأنوار:141/46.

و قد حدّثني من أثق به أنّ هذه القصيدة أنشدها الفرزدق أوّلا في مدح الحسين عليه السّلام و لمّا رأى المقام مناسبا لإنشادها أنشدها للخليفة في مدح عليّ بن الحسين عليهما السّلام لأنّ صفات المدح متّحدة فيهما.

و في كتاب المناقب نقلا عن الروضة قال:سألت ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن انهاب المدينة قال:نعم،شدّوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و انتهبت المدينة ثلاثا فكنت أنا و عليّ بن الحسين آتى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيتكلّم بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا و بين القوم و نصلّي و هم لا يروننا،و قال رجل:و عليه حلل خضر على فرس بيده حربة مع علي بن الحسين عليهما السّلام فكان إذا أومى الرجل إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت من غير أن يصيبه.

فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل عليّ بن الحسين عليهما السّلام على النساء فلم يترك قرطا في اذن صبي و لا حليا على امرأة و لا ثوبا إلاّ أخرجه إلى الفارس فقال له الفارس:يا ابن رسول اللّه إنّي ملك من الملائكة من شيعتك و شيعة أبيك لمّا أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربّي في نصرتكم آل محمّد فأذن لي لأن أدّخرها يدا عند اللّه و عند رسوله صلّى اللّه عليه و اله و عندكم أهل البيت إلى يوم القيامة.

و فيه أيضا نقلا من كتاب العقد أنّه كتب الروم إلى عبد الملك:أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة لأغزونّك بجنود مائة ألف و مائة ألف و مائة ألف فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى زين العابدين يتهدّده و يتوعّده و يكتب إليه ما يقول، ففعل،فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ للّه لوحا محفوظا يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ليس منها لحظة إلاّ يحيى فيها و يميت و يعزّ و يذلّ و يفعل ما يشاء و إنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة فكتب بها الحجّاج إلى عبد الملك فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم.

فلمّا قرأه قال:ما خرج هذا إلاّ من كلام النبوّة.

قال صاحب المناقب:و من رجاله عليه السّلام من التابعين أبو محمّد سعيد بن جبير نزيل مكّة و كان يسمّى جهيد العلماء و يقرأ القرآن في ركعتين.

قيل:و ما على الأرض أحد إلاّ و هو محتاج إلى علمه و كان يأتمّ بعليّ بن الحسين

ص: 62

فكان يثني عليه و ما كان سبب قتل الحجّاج له إلاّ على هذا الأمر.

و ذكر أنّه لمّا دخل على الحجّاج قال:أنت شقيّ بن كسير قال:امّي كانت أعرف بي سمّتني سعيد بن جبير،قال:ما تقول في أبي بكر و عمر هما في الجنّة أو في النار؟قال:لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها،و لو ركبت النار لعلمت من فيها،قال:فما قولك في الخلفاء؟

قال:لست عليهم بوكيل،قال:أيّهم أحبّ إليك؟

قال:أبيت أن تصدقني قال:بل لم أحبّ أن أكذبك.

أقول: تقدّم أنّ الحجّاج قتل ثلاثمائة ألف و عشرين ألفا و كان آخر من قتل سعيد ابن جبير و لمّا قتله خرجت جراحة من دبره مات منها (1).

و في كتاب فضائل ابن شاذان و كتاب الروضة عن جماعة من الثقاة:أنّه لمّا وردت حرّة بنت حليمة السعدية على الحجّاج قال لها:أنت حرّة بنت حليمة السعدية؟

قالت له:فراسة من غير مؤمن،فقال لها:اللّه جاء بك فقد قيل عنك إنّك تفضّلين عليّا على أبي بكر و عمر و عثمان؟

فقالت:لقد كذب الذي قال إنّي أفضّله على هؤلاء خاصة أنا أفضّله على آدم و نوح و لوط و إبراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى ابن مريم،فقال:ويلك تفضّليه على الصحابة و تزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من اولي العزم؟إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقك،فقالت:ما أنا فضّلته على هؤلاء الأنبياء و لكنّ اللّه فضّله عليهم في القرآن بقوله عزّ و جلّ في حقّ آدم وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (2)و قال في حقّ عليّ: كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً .

فقال:أحسنت يا حرّة،فبما تفضّليه على نوح و لوط؟

فقالت:اللّه تعالى فضّله عليهما بقوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ1.

ص: 63


1- -المناقب:299/3،و بحار الأنوار:133/46.
2- -سورة طه:121.

اَلنّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (1) و عليّ بن أبي طالب[كانت] (2)املاكه تحت سدرة المنتهى زوجته الزهراء التي يرضى اللّه لرضاها و يسخط لسخطها،فقال:أحسنت يا حرّة فبم تفضّليه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل اللّه؟

فقالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (3)،و مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين:لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا و هذه كلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده،قال:

أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على موسى كليم اللّه؟

قالت:بقول اللّه عزّ و جلّ: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ (4).

و عليّ بن أبي طالب بات على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم تخف حتّى أنزل اللّه في حقّه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ،قال الحجّاج:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على داود و سليمان عليهما السّلام؟

قالت:اللّه تعالى فضّله عليهما بقوله عزّ و جلّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (5)قال لها:في أيّ شيء كانت حكومته؟

قالت:في رجلين رجل كان له كرم و الآخر له غنم فوقعت الغنم في الكرم فرعته فاحتكما إلى داود عليه السّلام فقال:تباع الغنم و ينفق ثمنها على الكرم حتّى يعود على ما كان عليه،فقال له ولده:لا يا أبت بل يؤخذ من لبنها و صوفها قال اللّه تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ و أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:سلوني عمّا فوق العرش سلوني عمّا تحت العرش قبل أن تفقدوني،و أنّه دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم فتح خيبر،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله للحاضرين:أفضلكم و أعلمكم و أقضاكم عليّ،فقال لها:أحسنت،فبم تفضّليه على سليمان؟6.

ص: 64


1- -سورة التحريم:10.
2- -زيادة من المصدر.
3- -سورة البقرة:260.
4- -سورة القصص:21.
5- -سورة ص:26.

فقالت:اللّه تعالى فضّله عليه بقوله تعالى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:طلّقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك فعند ذلك أنزل اللّه تعالى فيه: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً (1)،فقال:أحسنت يا حرّة،فبم تفضّليه على عيسى ابن مريم؟

قالت:اللّه فضّله بقوله: وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ* (2)ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ الآية فأخّر الحكومة إلى يوم القيامة،و عليّ بن أبي طالب لمّا ادّعوا فيه النصيرية ما ادّعوه لم يعاتبه و لم يؤخّر حكومتهم قال:أحسنت يا حرّة خرجت من جوابك ثمّ أجازها و أعطاها و سرّحها سراحا حسنا رحمة اللّه عليها (3).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ قول الحجّاج لها إنّك تفضّلين عليّا على أبي بكر و عمر ليس إلاّ من باب قولهم:السيف أمضى من العصا و هذا ممّا يعاب به السيف إذ لا اشتراك في فضيلة معهما حتّى تزيد عليهم.

و في الكافي عن العبّاس بن عيسى قال:ضاق عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأتى مولى له فقال له:اقرضني عشرة آلاف درهم فقال:اريد وثيقة فنتف له من ردائه هدبة و قال:هذه الوثيقة فكان مولاه كره ذلك فغضب و قال:أنا أولى بالوفاء من حاجب بن زرارة رهن قوسا و هي خشبة على مائة حماله و هو كافر فأعطاه الدراهم و جعل الهدبة في حقّ فسهّل اللّه المال فحمله إلى الرجل ثمّ قال:هات وثيقتي،قال:ضيّعتها،قال:إذا لم تأخذ مالك منّي ليس مثلي يستخفّ بذمّته فأخرج الرجل الحق فإذا فيه الهدبة فأعطاها عليّ بن الحسين فأعطاه الدراهم و أخذ الهدبة فرمى بها و انصرف.

و في كتاب البصائر عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام ناقة قد حجّ عليها اثنين و عشرين حجّة ما قرعها بمقرعة قطّ،قال:فجاءت1.

ص: 65


1- -سورة القصص:83.
2- -سورة المائدة:116.
3- -بحار الأنوار:134/46،و مواقف الشيعة:88/1.

بعد موته فما شعرت بها حتّى جاءني بعض الموالي فقال:إنّ الناقة قد خرجت فأتت قبر عليّ ابن الحسين فبركت عليه و هملت عيناها و دلكت برقبتها القبر فقلت:ادركوها فجاؤوني بها و ما كانت رأت القبر فلم تلبث إلاّ ثلاثة أيّام حتّى ماتت فدفنها عليه السّلام لأنّها من نعم الجنّة كما ورد في الرواية.

و في كتاب كشف القمة توفّي عليه السّلام في ثامن عشر من المحرّم سنة أربع و تسعين و قيل:خمس و تسعين و كان عمره عليه السّلام سبعا و خمسين سنة كان منها مع جدّه سنتين و مع عمّه الحسن عشر سنين و أقام مع أبيه بعد عمّه عشر سنين و بعد قتل أبيه تتمّة ذلك (1).

أقول: و قيل فيه غير هذا،و قد سمّه الوليد بن عبد الملك على ما تظافرت به الروايات و في بعضها أنّ هشاما سمّه في خلافة أخيه الوليد عليهما لعاين اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.

و في كتاب العدد:أنّ السنة التي مات فيها عليه السّلام تسمّى سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء و كان زين العابدين عليه السّلام سيّد الفقهاء مات في أوّلها و تنال الناس بعده سعيد بن المسيّب و عروة بن الزبير و سعيد بن جبير و عامّة فقهاء المدينة (2).

ثلاثة أعوام

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عن جرائمه:أشدّ ما وقع في الإسلام بموت أولياء اللّه سبحانه ثلاثة أعوام:الأوّل سمّاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عام الحزن أو عام الأحزان و هو الذي مات فيه عمّه أبو طالب و زوجته خديجة و بعض أعاظم المسلمين.

الثاني:عام الفقهاء و هو هذا العام المذكور،و الثالث العام الذي مات فيه أكابر أهل الحديث مثل الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني و غيره و سمّوه عام تناثر النجوم لتكثر من مات فيه.

ص: 66


1- -كشف الغمة:294/2،و بحار الأنوار:151/46.
2- -العدد:315،و بحار الأنوار:154/46.

الفصل الثالث

اشارة

في أحوال أولاده و أزواجه و أقاربه من الذين خرجوا على بني اميّة

و بني العبّاس و شيء من أحوالهم عليهم السّلام

في كتاب الأمالي قال:سمع عامر بن عبد اللّه بن الزبير و كان من عقلاء قريش ابنا له ينتقص عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له:يا بني لا تنتقص عليّا فإنّ الدّين لم يبن شيئا فاستطاعت الدّنيا أن تهدمه و أنّ الدّنيا لم تبن شيئا إلاّ هدمه الدّين،يا بني إنّ بني اميّة لهجوا بسبّ عليّ بن أبي طالب في مجالسهم و لعنوه على منابرهم فكأنّما يأخذون و اللّه بضبعيه إلى السماء و أنّهم لهجوا بمدايح أقوامهم فكأنّهم يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف فأنهاك عن سبّه (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:تقدّم في أحوال مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه أنّ بني اميّة سبّوه على منابرهم ثمانين سنة إلى خلافة ابن عبد العزيز و كانوا يقتلون على من اتّهم بحبّه أو مدحه و مع ذلك كلّه كان بين الكتمانين ملأ الخافقين.

و ذلك أنّ اللّه سبحانه أراد أن يوضح لهم أنّ من أعزّه اللّه لا خاذل له،كما أنّ قريش لمّا بذلوا المهج و الأطوال في إطفاء نور محمّد صلّى اللّه عليه و اله ما كان يزداد على ذلك إلاّ ظهورا.

و وجه آخر و هو أنّ الإنسان حريص على ما منع منه فلا منع بنو اميّة من التجاهر بمناقبه عليه السّلام ازداد الناس ولوعا بنقلها و إظهارها و إن وقع القتل عليهم و به فسّر معنى ما ورد في قوله عليه السّلام على ما رواه صاحب نهج البلاغة أمّا أنّه سيليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد و يطلب ما لا يجد ألا فاقتلوه و لن تقتلوه،أما أنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي،أمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة و لكم نجاة،و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي فإنّي

ص: 67


1- -أمالي الطوسي:588 ح 6،و بحار الأنوار:314/39 ح 8.

ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإسلام و الهجرة،بأنّ معنى قوله عليه السّلام:لي زكاة يعني أنّه باعث لنموّ مناقبي و زيادة نشر فضائلي من حيث المنع منه كما تقدّم.

و في كتاب المناقب:أبناؤه عشر من امّهات الأولاد إلاّ اثنين محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر امّهما امّ عبد اللّه بن الحسن بن علي و أبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة و عمر توأم الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان توأم و الحسن و الحسين و عبيد اللّه توأم و محمّد الأصغر فرد و علي و هو أصغر ولده و خديجة فرد،و يقال:لم يكن له بنت،و يقال:ولدت له فاطمة و عليّة و امّ كلثوم أعقب منهم محمّد الباقر و عبد اللّه الباهر و زيد بن علي و عمر بن عليّ و عليّ بن عليّ و الحسن الأصغر.

و قيل:كان له من الأولاد عشر رجال و أربع نسوة (1).

و في كتاب الدرّ:ولد عليّ بن الحسين عليهما السّلام خمسة عشر ولدا ثمّ عدّدهم و الاختلاف كثير في تعدادهم (2).

العيّاشي في التفسير عن المفضّل بن عمر قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (3)فقال:هذه نزلت فينا خاصّة إنّه ليس رجل من ولد فاطمة يموت و لا يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ للإمام بإمامته كما أقرّ ولد يعقوب ليوسف حين قالوا:إنّا للّه لقد آثرك اللّه علينا (4).

أقول: يجوز أن يراد أولاد الأئمّة عليهم السّلام كالذين نازعوا اخوتهم و أعمامهم في الإمامة و أنكروا إمامة الإمام منهم فهؤلاء لا يخرجون من الدّنيا حتّى يتوفّقوا للإيمان بهم و الاعتراف بإمامتهم قبل المعاينة حتّى لا يكون الإمام ضروريّا جبريا فإنّه لا ثواب عليه و يجوز أن يراد مطلق الذريّة و هم السادة فإنّه ربّما يوجد فيهم من ينكر الإمامة.

و أمّا جماعة في هذه الأعصار شاهدنا خلقا كثيرا منهم في العراق سيما البصرة و هم من أهل الخلاف و يزعمون السيادة فليس من السادة و لا من ذرّية فاطمة عليهما السّلام و قد تحقّقنا1.

ص: 68


1- -المناقب:311/3،و مستدرك سفينة البحار:319/7.
2- -بحار الأنوار:155/46.
3- -سورة النساء:159.
4- -تفسير العياشي:284/1،و مستدرك سفينة البحار:216/1.

و ذلك بالتتبّع لأحوالهم و ما صار إليه سوء مآلهم مثل قاضي الحرمين الشريفي ابن بنت السيّد شريف على زعمه صاحب نواقض الروافض فإنّه لا يرتاب أحد ممّن نظر في مقاله و عرف حاله إنّه كان واحدا من الاثنين اللّذين قال صلّى اللّه عليه و اله:لا يبغضك يا عليّ إلاّ من ولد من الزنا أو في الحيض الظاهر أنّه من القسم الأوّل.

و في كتاب الأمالي عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام إنّه أقبل زيد بن علي فلمّا نظر إليه و هو مقبل قال:هذا سيّد من أهل بيته و الطالب بأوتارهم لقد أنجبت أمة ولدتك يا زيد (1).

و عن أبي سيابة قال:دفع إليّ الصادق عليه السّلام ألف دينار أمرني أن أقسمها في عيال من اصيب مع زيد بن علي فقسّمتها فأصاب كلّ واحد أربعة دنانير (2).

و في ذلك الكتاب عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله للحسين عليه السّلام:يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطا هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجّلين يدخلون الجنّة بلا حساب (3).

و في عيون الأخبار مسندا إلى الفضيل قال:انتهيت إلى زيد بن علي صبيحة خرج بالكوفة فقال:من يعينني على قتال أنباط الشام فأدخله الجنّة بإذن اللّه.

فلمّا قتل توجّهت نحو المدينة فدخلت على الصادق عليه السّلام فقال:يا فضيل ما فعل عمّي زيد؟

قال:فخنقتني العبرة فقال لي:قتلوه؟

قلت:اي و اللّه،قال:فصلبوه؟

قلت:اي و اللّه،فأقبل يبكي فقال:شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟

قلت:نعم،قال:كم قتلت منهم؟

قلت:ستّة،قال:فلعلّك شاكّ في دمائهم؟

فقلت:لو كنت شاكّا لما قتلتهم،فسمعته و هو يقول:أشركني اللّه في تلك الدماء، مضى و اللّه عمّي زيد و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب و أصحابه.6.

ص: 69


1- -أمالي الصدوق:415 ح 11،و بحار الأنوار:170/46 ح 17.
2- -أمالي الصدوق:416 ح 13،و الإرشاد:173/2.
3- -أمالي الصدوق:409 ح 9،و بحار الأنوار:170/46.

و في كتاب المحاسن روى السيّاري عن رجل من أصحابه قال:ذكر بين يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام من خرج من آل محمّد فقال عليه السّلام:لا زال و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمّد و لوددت أنّ الخارجي من آل محمّد و عليّ نفقة عياله (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:فيه إشعار بأنّ كلّ من خرج على بني اميّة و بني العبّاس من آل محمّد كان محقّا في خروجه و توجيهه أنّ من خرج إن كان مثل زيد فهو كما جاء مستفيضا في الأخبار إنّما دعى إلى أخذ الثأر و إلى الرضا من آل محمّد بأن يرجع الأمر إلى أهله و إن كان طالبا للخلافة فهو أحقّ منهم بها،لأنّ فيه مع الأخذ بالثأر كفّ أيديهم و ظلمهم عن الامّة،و امّا نهي الأئمّة عليهم السّلام لهم عن الخروج فباعتبار ما علموا من عدم تمام الأمر في خروجهم لأنّ بني اميّة كانت مدّة دولتهم ثمانين سنة و كانوا فيها كما قال عليه السّلام:لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه بزوال ملكهم فيكون ذلك النهي اتّقاء على الخارجين،و يجوز أن يكون تقيّة من خلفاء الجور لأنّهم يزعمون أنّ الأئمّة عليهم السّلام يأمرونهم بالخروج عليهم.6.

ص: 70


1- -عيون أخبار الرضا:228/2،و بحار الأنوار:171/46.
فيه حقّية كلّ من خرج من آل محمّد عليهم السلام

الأمالي عن حمزة بن حمران قال:دخلت إلى الصادق عليه السّلام فقال لي:يا حمزة من أين أقبلت؟

قلت:من الكوفة،فبكى،ثمّ قال:ذكرت ما صنع بعمّي زيد ذكرت مقتله و قد أصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيى فقال له:ابشر يا أبتاه فإنّك ترد على رسول اللّه و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قال:أجل يا بني ثمّ دعى بحدّاد فنزع السهم فكانت نفسه معه فجيء به إلى ساقية تجري فحفر له فيها و دفن و أجرى عليه الماء و كان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب إلى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إيّاه فأخرجه فصلبه في الكناسة أربع سنين ثمّ أمر به فأحرق بالنار و ذرى في الرياح فلعن اللّه قاتله و خاذله و إلى اللّه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيّه بعد موته و به نستعين.

عيون الأخبار عن ابن عبدون عن أبيه قال:لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون و قد كان خرج بالبصرة و أحرق دور ولد العبّاس وهب المأمون جرمه لأخيه عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام و قال له:يا أبا الحسن لئن خرج أخوك و فعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن عليّ فقتل و لولا مكانك منّي لقتلته فليس ما أتاه بصغير،فقال عليه السّلام:يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيد بزيد بن عليّ بن الحسين فإنّه كان من علماء آل محمّد غضب للّه عزّ و جلّ فجاهد أعداءه حتّى قتل في سبيله و كان عمّي جعفر عليه السّلام يقول:رحم اللّه عمّي زيد إنّه دعى إلى الرضا من آل محمّد و لو ظفر لوفى بما دعى إليه و قد استشارني في خروجه فقلت له:يا عمّ إن رضيت أن يكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك،فلمّا ولى قال جعفر بن محمّد:

ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه،فقال المأمون:يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟

فقال عليه السّلام:إنّ زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحقّ و أنّه كان أتقى من ذاك إنّه قال:

أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد و إنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ اللّه نصّ عليه ثمّ يدعو إلى

ص: 71

غير دين اللّه و يضلّ عن سبيله بغير علم و كان زيد و اللّه ممّن خوطب بهذه الآية: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ (1)(2).

أقول: يستفاد من هذا الحديث أنّ كلّ من خرج من آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله لم يكن مبطلا لأنّه ما كان يعتقد أنّه منصوص على إمامته و ما كان يدعو إلى غير دين اللّه و لا يضلّ أحدا بل كان مقصده دفع خلفاء الجور عن الخلافة في الحقيقة فكلّهم إمّا طالب الإمامة لأهلها كزيد أو طالب الخلافة ليعمل بأحكام اللّه كغيره.

و منهم زيد بن موسى فإنّه لمّا خرج بالبصرة أوّل ما بدا به إحراق دور بني العبّاس من أهل الجور و معيني الظالمين لكنّه عليه السّلام اتّقى المأمون في إظهار بعض الكلمات،لأنّ من كلامه عليه السّلام استشعر المأمون لنفسه إنّه غير مبطل في أمر الخلافة لأنّه لم يدّع النصّ عليه لكنّه ما لحظ أنّه خارج بقوله عليه السّلام:و يضلّ عن سبيل اللّه.

و فيه أيضا عن الرضا عليه السّلام:إنّ إسماعيل قال للصادق عليه السّلام:يا أبتاه ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا؟

فقال عليه السّلام: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (3)(4).

و عنه عليه السّلام:من أحبّ عاصيا فهو عاص و من أحبّ مطيعا فهو مطيع و من أعان ظالما فهو ظالم و من خذل عادلا فهو خاذل إنّه ليس بين أحد و بين اللّه قرابة و لا ينال أحد ولاية اللّه إلاّ بالطاعة.

و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لبني عبد المطّلب:ائتوني بأعمالكم لا بأنسابكم و أحسابكم،قال اللّه تعالى: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) (5).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:قوله عليه السّلام:من أحبّ عاصيا فهو عاص ممّا تكثر مضمونه في الأخبار و بليّة عامّة،لأنّ النفوس تحبّ و تميل إلى من أحسن عليها سواء كان صالحا أو طالحا و لهذا قال عليه السّلام:اللّهم لا تجعل لفاجر و لا كافر عليّ نعمة و لا له عندي6.

ص: 72


1- -سورة الحج:78.
2- -أمالي الصدوق:477 ح 3،و بحار الأنوار:172/46.
3- -سورة النساء:123.
4- -عيون أخبار الرضا:260/1 ح 5،و بحار الأنوار:176/46.
5- -بحار الأنوار:241/7،و وسادل الشيعة:185/16.

يدا و أوّله كثيرون بإرادة محبّة العاصي لأجل العصيان كما أوّلوا إعانة الظالم بما لا دخل له في الظلم،و سياق الكلام يأباه على أنّك لو تحقّقت الحال في شأن إعانة الظالم لوجدت مطلق الإعانة معينة على الظلم.

و في كتاب العلل عن الصادق عليه السّلام في حديث قال فيه:إن أتاكم منّا آت يدعوكم إلى الرضا منّا فنحن نستشهدكم انّا لا نرضى أنّه لا يطيعنا اليوم و هو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات و الأعلام (1).

و عن أبي سعيد المكاري قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكر زيد و من خرج معه فهمّ بعض أهل المجلس أن يتناوله فانتهره أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:مهلا ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ و تدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه و لو بفواق ناقة يعني مقدار ضمان حلبها (2).

و عنه عليه السّلام قال:ليس بينكم و بين من خالفكم إلاّ المطمر[قلت:رأي شيىء المطمر؟ قال:] (3)و هو الذي تسمّونه التر يعني خيط البناء فمن خالفكم و جازه فابرأوا منه و إن كان علويّا فاطميّا (4).

و في حديث آخر فهو زنديق.

[في]الاحتجاج قيل للصادق عليه السّلام:ما زال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل و يقتل معه خلق كثير؟

قال:إنّ فيهم الكذّابين و في غيرهم المكذّبين.

و عنه صلوات اللّه عليه:ليس منّا أحد إلاّ و له عدوّ من أهل بيته،فقيل له:بنو الحسن لا يعرفون لمن الحقّ؟

قال:بلى و لكن يمنعهم الحسد (5).

و فيه أيضا عن مؤمن الطاق:إنّ زيد بن عليّ بن الحسين بعث إليه و هو مختف قال:0.

ص: 73


1- -علل الشرائع:578/2 ح 2،و بحار الأنوار:178/46 ح 35.
2- -عماني الأخبار:392 ح 39،و بحار الأنوار:179/46 ح 36.
3- -زيادة من المصدر.
4- -معاني الأخبار:213 ح 2،و بحار الأنوار:179/46 ح 38.
5- -بحار الأنوار:180/46 ح 40.

فقال لي:يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منّا أتخرج معه؟

قال:إن كان أبوك أو أخوك خرجت معه،فقال:أنا أريد أن أخرج فتخرج معي؟ قلت:لا،جعلت فداك إنّما هي نفس واحدة فإن كان للّه عزّ و جلّ في الأرض معك حجّة فالمتخلّف عنك ناج و الخارج معك هالك و إن لم يكن للّه معك حجّة فالمتخلّف عنك و الخارج سواء،ثمّ قال:كنت أجلس مع أبي إلى الخوان فيلقمني اللقمة السمينة و يبرد لي اللقمة الحارّة حتّى يبرد شفقة عليّ و لم يشفق عليّ من حرّ النار إذ أخبرك بالدين و لم يخبرني به،فقلت له:من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني فإن قبلته نجوت و إن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثمّ قلت له:أنتم أفضل أم الأنبياء؟

قال:بل الأنبياء،قلت:لم يقول يعقوب ليوسف: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً (1)لم لم يخبرهم حتّى لا يكيدونه و لكن كتمهم و كذلك أبوك كتمك لأنّه خاف عليك،فقال:أما و اللّه لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة إنّي اقتل و اصلب بالكناسة و أنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي فحدّثت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمقالة زيد و ما قلت له فقال لي:أخذته من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن يساره و من فوق رأسه و من تحت قدميه و لم تترك له مسلكا يسلكه (2).

عن البزنطي قال:ذكر عند الرضا عليه السّلام بعض أهل بيته فقلت له:الجاحد منكم و من غيركم واحد؟

فقال:لا،كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:لمحسننا حسنتان و لمسيّئنا ذنبان.

عن أبي اليقظان قال:كنّا جماعة عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أيّكم له علم بعمّي زيد إلى أن قال مسجد السهلة كان بيت إبراهيم الذي خرج منه إلى العمالقة و كان بيت إدريس عليه السّلام الذي كان يخيط به و فيه صخرة خضراء فيها صورة وجوه النبيّين و فيه مناخ الراكب يعني الخضر عليه السّلام و لو أنّ عمّي أتاه حين خرج فصلّى فيه و استجار باللّه لأجاره عشرين سنة و ما أتاه مكروب فصلّى فيه ما بين العشائين و دعى اللّه إلاّ فرّج عنه.5.

ص: 74


1- -سورة يوسف:5.
2- -شرح أصول الكافي:104/5.

و عن الوليد بن صبيح قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في ليلة إذ طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:هذا عمّك عبد اللّه بن علي فقال:ادخليه،فقال لنا؛ادخلوا البيت فدخلنا بيتا.

فلمّا دخل لم يدع شيئا من القبيح إلاّ قاله في أبي عبد اللّه عليه السّلام ثمّ خرج و خرجنا فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه فقال بعضنا:لقد استقبلك هذا بشيء حتّى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به،فقال:مه لا تدخلوا فيما بيننا.

فلمّا مضى من الليل ما مضى طرق الباب طارق فخرجت الجارية و قالت:عمّك عبد اللّه بن عليّ فقال لنا:عودوا إلى مواضعكم ثمّ أذن له فدخل بنحيب و بكاء و هو يقول:

يا ابن أخي اغفر لي غفر اللّه لك اصفح عنّي صفح اللّه عنك،فقال:غفر اللّه لك يا عمّ ما الذي أحوجك إلى هذا؟

قال:إنّي لمّا آويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ثمّ قال أحدهما للآخر:انطلق به إلى النار فانطلق بي فمررت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت:يا رسول اللّه لا أعود فأمرهما فخلّى عنّي و أنّي لأجد ألم الوثاق،فقال عليه السّلام:اوص،قال:بما أوصي ما لي مال و أن لي عيالا كثيرا و عليّ دين،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:دينك عليّ و عيالك إلى عيالي فأوصى فما خرجنا من المدينة حتّى مات و ضمّ أبو عبد اللّه عليه السّلام عياله إليه و قضى دينه و زوّج ابنه ابنته (1).6.

ص: 75


1- -الخرائج و الجرائح:620/2،و بحار الأنوار:185/46.
أسباب خروج زيد بن عليّ

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في الأخبار أنّ السبب في خروج زيد امور:

الأوّل: إنّه كان يدعو إلى الرضا من آل محمّد و كان يعتقد و يعلم أنّ الإمام كان أخوه ثمّ من بعده ابن أخيه و كان يريد له الخلافة التي كانت حقّه.

الثاني: الطلب بدم الحسين عليه السّلام فإنّ تلك الواقعة الكبرى ما أبقت لأحد من بني هاشم و لا من غيرهم تمتّعا في الحياة و كانوا يطلبون به الموت و يأسفون على ما فرط منهم من التقصير في الجهاد و هي الرزية التي أرغمت الانوف و قرّبت الحتوف.

الثالث: إنّه دخل على هشام بن عبد الملك و قد جمع له أهل الشام و أمرهم أن يتضايقوا له في المجالس حتّى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه فقال له زيد:أوصيك بتقوى اللّه،فقال له هشام:أنت المؤهّل نفسك للخلافة و ما أنت و ذاك لا امّ لك و إنّما أنت ابن أمة فقال له زيد:إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه و هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام فالنبوّة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة؟و بعد فما يقصر برجل أبوه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن عليّ بن أبي طالب،فوثب هشام و قال لقهرمانه:لا يبيتنّ هذا في عسكري فخرج زيد و هو يقول:إنّه لم يكره قوم قط السيف إلاّ ذلّوا.

فلمّا وصل الكوفة بايعه أهلها ثمّ نقضوا بيعته و أسلموه فقتل و صلب بينهم أربع سنين لم ينكر ذلك أحد منهم و لا دفع عنه بيد و لا لسان.

الرابع: إنّ هشاما كان يستهزء بزيد بل روي أنّه قذفه بأمّه حتّى أنّ السفّاح لمّا أخرج بني اميّة من قبورهم لإحراق عظامهم أمر بجثّة هشام فضربوها حدّ القذف قال:إنّه قذف زيد بن علي و لم يحدّ.

الخامس: ما رواه الحميري في كتاب الدلائل عن جابر قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:لا يخرج على هشام أحد إلاّ قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال:إنّي شهدت هشاما و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسبّ عنده فلم ينكر ذلك و لم يغيّره فو اللّه لو لم يكن إلاّ أنا و آخر لخرجت

ص: 76

عليه.

و في كتاب أبي القاسم بن قولويه قال:روى بعض أصحابنا قال:كنت عند عليّ ابن الحسين عليهما السّلام و لم يتكلّم حتّى تطلع الشمس فبشّروه بولادة زيد بعد صلاة الفجر فالتفت إلى أصحابه و قال:أيّ شيء اسمّي هذا المولود؟

فقال كلّ رجل منهم اسما فقال:يا غلام عليّ بالمصحف فوضعه في حجره ثمّ فتحه فنظر إلى أوّل الورقة و إذا فيه وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ثمّ طبقه ثمّ فتحه فإذا في أوّل الورقة: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1)ثمّ قال:هو و اللّه زيد هو و اللّه زيد فسمّي زيدا.

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لزيد بن حارثة:المقتول في اللّه و المصلوب في امّتي و المظلوم من أهل بيتي سميّ هذا،و يقول له:يا زيد زاد اسمك عندي حبّا فأنت سميّ الحبيب من أهل بيتي (2).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:في هذا الحديث دلالة على جواز[التفاؤل] (3)في القرآن لمثل هذا الأمر من تسمية المولود و نحوه حتّى يسمّى بما يناسب الآية فإنّ حكاية الجهاد تناسب الشجاع و زيد كان معروفا بالشجاعة بين العرب و حينئذ فيحمل ما روي من النّهي عن التفاؤل بالقرآن إمّا على الكراهة أو على ما إذا كان لاستكشاف الغايبات جزما كما إذا كان للتفاؤل عن حال غائب أهو حيّ أم لا،و متى يكون قدومه و كذلك التفاؤل لبرء المريض و متى يبرء و متى يموت و متى يهلك اللّه فلانا،فإنّ هذه الامور إذا لم تقع على وفق التفاؤل يكون فيها نوعا من الوهن في اعتقاد شأن القرآن للّه المثل الأعلى.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أمّا الباكي على زيد فمعه في الجنّة و أمّا الشامت به فشريكر.

ص: 77


1- -سورة التوبة:111.
2- -السرائر:638/3،و بحار الأنوار:192/46.
3- -زيادة في المصدر.

في دمه (1).

أقول: هذا جار على عمومه كما جاء في الرواية و ذلك أنّ من رضي بإراقة دم على غير قانون الشريعة كان شريكا للقاتل في العقاب و إن كان القاتل في المشرق و الراضي في المغرب و هذه مقدّمة عامّة البلوى.

و روى الكشّي عن سليمان بن خالد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا ما قدر أن يسير بكتاب اللّه ساعة من نهار،يا سليمان ما كان عدوّكم عندكم؟

قلنا؛كفّار،قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (2)فجعل المن بعد الإثخان أسرتم قوما ثمّ خلّيتم سبيلهم قبل الإثخان و إنّما جعل اللّه المن بعد الإثخان حتّى خرجوا عليكم من وجه آخر فقاتلوكم (3).

و عنه عليه السّلام:رحم اللّه عمّي زيدا لو ظفر لوفى إنّما دعى إلى الرضا من آل محمّد و أنا الرضا.

و قال عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ ذكره أذن في هلاك بني اميّة بعد إحراقهم زيد بسبعة أيّام (4).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إنّ الأحاديث الناطقة بحسن حال زيد و أنّه من أهل السعادة و كان محقّا في خروجه مستفيضة بل متواترة،فلا ينبغي التعرّض له و لمن خرج بعده إلاّ بخير إلاّ أن يكون حاله ظاهرا كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى.6.

ص: 78


1- -الغدير:70/3.
2- -سورة محمد:4.
3- -بحار الأنوار:7196/46 ح 6.
4- -شرح الأخبار:287/3،و بحار الأنوار:199/46.

باب في أحوال أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين باقر العلوم صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين و أولاده الغرّ الميامين

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أحوال ولادته و وفاته و مناقبه و النصّ عليه

[في]اعلام الورى[أنه] (1):ولد عليه السّلام بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة غرّة رجب و قيل:الثالث من صفر و قبض عليه السّلام سنة أربع عشرة و مائة في ذي الحجّة و قيل:في شهر ربيع الأوّل و قد تمّ عمره سبعا و خمسين سنة و امّه امّ عبد اللّه فاطمة بنت الحسن فعاش مع جدّه الحسين عليه السّلام أربع سنين و مع أبيه تسعا و ثلاثين سنة و كان مدّة إمامته ثماني عشر سنة.

و كان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبد الملك و ملك سليمان بن عبد الملك و عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك و هشام بن عبد الملك و توفّى في ملكه (2).

أقول: و قيل في التاريخ غير هذا أيضا إلاّ أنّ هذا أضبط.

و في السرائر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله و كفنه و دخوله قبره قال:قلت:يا أبتاه ما أرى عليك أثر الموت؟

قال:يا بني أما سمعت عليّ بن الحسين ناداني من وراء الجدران:يا محمّد تعال

ص: 79


1- -زيادة من المصدر.
2- -أعلام الورى:40/2.

عجّل (1).

و في الكافي عنه عليه السّلام قال:إنّ أبي قال لي ذات يوم في مرضه:يا بني ادخل اناسا من قريش من أهل المدينة حتّى أشهدهم قال:فأدخلت عليه اناسا منهم فقال:يا جعفر إذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و ارفع قبري أربع أصابع و رشّه بالماء.

فلمّا خرجوا قلت:يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته و لم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم،قال:يا بني أردت أن لا تنازع يعني في سنن الغسل أو في الإمامة،لأنّ هذه الوصيّة مستلزمة لتلك الوصية (2).

و روي أنّه عليه السّلام أوصى بثمانمائة درهم لمأتمه و كان يرى ذلك من السنّة،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:اتّخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا (3).

و روي أنّه انقلع ضرسان من أضراسه و خفت عليها الضياع فدفنت واحدا في مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام و واحدا في الحائر الحسيني على من حلّ به أفضل السلام و دفنت الثالث في مشهد الرضا عليه السّلام لأنّي أحببت أن تقسّم أعضائي على أبوابهم و بقي عندي رابع انقلع وقت رجوعي من زيارة مولانا الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه أفضل الصلوات في بلدة استرآباد في القلعة المباركة و يحفظه اللّه لي لأعمل بهذه السنّة.

[في]المناقب،[أن] (4)الباقر عليه السّلام أوّل هاشمي من هاشميّين و علويّ من علويّين و فاطمي من فاطميّين لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين عليهم السّلام.

و كانت امّه امّ عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ عليهم السّلام.

و قال أبو جعفر بن بابويه و السيّد ابن طاووس:سمه إبراهيم بن الوليد (5).

و في حديث آخر سمّه هشام بن عبد الملك،و لا منافاة لأنّه يمكن أن إبراهيم سمّه بأمر الخليفة هشام عمّه عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين (6).6.

ص: 80


1- -كشف الغمة:352/2،و الكافى:260/1.
2- -الكافي:2003 ح 5،و بحار الأنوار:214/46.
3- -الكافي:217 ح 4،و بحار الأنوار:215/46 ح 10.
4- -زيادة من المصدر.
5- -المناقب:338/3،و بحار الأنوار:215/46 ح 13.
6- -بحار الأنوار:153/46.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:قال لي أبي جعفر:اوقف من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:إنّ منى لمّا كانت موضعا لاجتماع الشيعة أراد عليه السّلام أن يناح و يبكى في ذلك المحلّ إعزازا و احتراما له و تحصيلا للثواب لشيعته الباكين عليه،و لعلّ وجه التخصيص بالعشر سنين إرادة استقصاء شيعته النائين في البلاد لإمكانه في امتداد هذا الوقت غالبا.

نقش خواتيمه عليه السلام

[في]عيون الأخبار و الأمالي عن الرضا عليه السّلام:كان نقش خاتم الحسين عليه السّلام:إنّ اللّه بالغ أمره،و كان عليّ بن الحسين يتختّم بخاتم أبيه الحسين عليهما السّلام و كان محمّد بن عليّ يتختّم بخاتم الحسين عليه السّلام (2).

و عنه عليه السّلام(في عيون الأخبار):كان على خاتم محمّد بن عليّ عليهما السّلام:ظنّي باللّه حسن و بالنبي المؤتمن و بالوصيّ ذي المنن و بالحسين و الحسن (3).

و في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نقش خاتم أبي العزّة للّه جميعا (4).

[في](بشائر المصطفى)عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولدا من الحسين يقال له محمّد الباقر يبقر علم الدّين بقرا،فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام.

و في القاموس:بقره شقّه و وسعه،و الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين لتبحّره في العلم (5).

في فصول المهمّة:كان عليه السّلام أسمر معتدلا.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:تقدّم في تضاعيف أبواب هذا الكتاب أنّ الإمام

ص: 81


1- -بحار الأنوار:220/46 ح 25.
2- -أمالي الصدوق:543،و بحار الأنوار:221/46 ح 3.
3- -مسند الأمام الرضا:364/2 ح 21،و بحار الأنوار:221/46.
4- -التهذيب:32/1،و وسائل الشيعة:332/1.
5- -الإرشاد:159/2،و بحار الأنوار:222/46 ح 6.

يجب أن يكون أصبح الناس و أحسنهم خلقا و خلقا و هذه السمرة إمّا أنّها لا تنافي الحسن الفايق و إمّا أن يكون راجعا إلى ما سبق تحقيقه في الأخبار من أنّ أغلب الناس كانوا يشاهدونه على هذه الصفة لحكم و مصالح،و الواقع غير هذا كما سيأتي في حديث الجواد عليه السّلام مع زوجته امّ الفضل بنت المأمون.

[في]الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال ذات يوم لجابر:إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام،فدخل جابر إلى عليّ بن الحسين فوجد محمّد بن عليّ عنده غلاما فقال له:يا غلام اقبل فأقبل ثمّ قال له:ادبر،فقال جابر:شمائل رسول اللّه و ربّ الكعبة.قال عليّ ابن الحسين:هذا ابني محمّد الباقر فوقع على قدميه يقبّلهما و يقول:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقرأ عليك السلام فقال:يا جابر على رسول اللّه السلام و عليك بما بلّغت (1).

و في حديث آخر أنّه لقيه في بعض سكك المدينة.

و في رواية اخرى أنّه رآه مع الصبيان في المكتب و أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام أمره بالاحتجاب بعد ذلك خوفا عليه من الشهرة و الحسد.

و في كتاب الخرائج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ جابر بن عبد اللّه:كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد الرسول فيقول:

يا باقر يا باقر و أهل المدينة يقولون:جابر يهجر،فيقول:لا و اللّه لا أهجر و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول:إنّك ستدرك رجلا منّي اسمه اسمي و شمايله شمايلي يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلى ما أقول،ثمّ إنّه أدركه و أبلغه سلام جدّه و كان جابر يأتيه طرفي النهار فلم يلبث أن مضى عليّ بن الحسين عليهما السّلام و كان محمّد بن علي يأتيه لصحبته لرسول للّه:صلّى اللّه عليه و اله فجلس الباقر يحدّثهم عن اللّه فقال أهل المدينة:ما رأينا أحدا قط أجرىء من هذا، فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال أهل المدينة:ما رأينا أحد أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره.

فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه فصدّقوه و كان جابر و اللّه يأتيه فيتعلّم6.

ص: 82


1- -أمالي الصدوق:434 ح 9،و بحار الأنوار:223/46.

منه (1).

يقول مؤلّف الكتاب وفّقه اللّه تعالى:ينبغي أن يحمل قوله:حدّثهم عن جابر يعني عن علومه التي تحملها عن المعصومين عليهم السّلام كان يقول عن جابر و لا يقول حدّثني جابر، لأنّ كلّما كان يحدّث به عليه السّلام لم يسمعه عن جابر و يجوز أن يكون أخذ منه إجازة عامة كأن يكون قال له:إنّي احدّث عنك تلطّفا إلى تصديق الناس و هذا جائز في علم الدراية و حمله على ظاهره ممكن أيضا بأن يكون عليه السّلام سمع من جابر كلّما كان يحدّث به أوّل الأمر و ذلك أنّ الناس من أهل المدينة و غيرهم إنّما قالوا ذلك القول في ابتداء الأمر.

فلمّا تحقّقوا وسعة علمه و اعتراف جابر بالعجز عنه و انّه كان يأخذ العلم عنه،أقبلوا إلى تصديقه ممّا يحكيه عن اللّه و رسوله و عن عليّ بن أبي طالب و الحسين عليهما السّلام.

و يرشد إليه ما رواه أبو جعفر بن بابويه في حديث طويل قال فيه:بما كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلم فربما غلط جابر فيما يحدّث به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيرد عليه و يذكره فيقبل ذلك منه و يرجع إلى قوله و كان يقول:يا باقر يا باقر أشهد باللّه إنّك قد أوتيت الحكم صبيّا.

[في]البصائر عن الصادق قال:لمّا حضر عليّ بن الحسين الموت أخرج السفط أو الصندوق عنده فقال:يا محمّد احمل هذا الصندوق فحمل بين أربعة.

فلمّا توفّى جاء اخوته يدعون في الصندوق،فقالوا:اعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال:و اللّه ما لكم فيه شيء و كان في الصندوق سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كتبه (2).

و في كتاب النصوص مسندا إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّه قال في مرض موته:

و اعلم يا بني إنّ صلاح الدّنيا بحذافيرها في كلمتين:إصلاح شأن المعايش ملؤ مكيال ثلثاه فطنة و ثلثه تغافل،لأنّ الإنسان لا يتغافل إلاّ عن شيء قد عرفه ففطن له.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:روي مثل هذا في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لابنه إلاّ أنّه قال هناك ثلثان استحسان و ثلثه تغافل،و هذا يكشف عن أنّه ليس المراد من الاستحسان المداراة بل ما تستحسنه العقول و العادات و ينطبق على قوانين الحكمة الإلهية1.

ص: 83


1- -الجرائح و الخرائج:279/1،و المناقب:328/3.
2- -بصائر الدرجات:200،و الكافي:305/1 ح 1.

و ذلك أنّ امور المعاش إذا خرجت عن نظام الشريعة عرض له الزوال و الفساد و كما إذا دخل فيه أخذ الربا و مزجه بمحرمات البيع مثلا فإنّه لا يبقى فينبغي لمن أراد إصلاح شأن معاشه أن يحيل الفكر و الفطنة في أسبابه حتّى يتميّز له الحلال من الحرام و الطاهر من النجس و الواجب من المستحبّ و غير ذلك.نعم،كثيرا من الامور ينبغي التغافل عنها لأنّ في الاستقصاء عليها يكون فسادا في امور المعاش و ربما انجرّ إلى الفساد في امور المعاد.

فضل الهندباء و البنفسج

و في كتاب النصوص عن الظهري قال:دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المرض الذي توفّي فيه إذ قدّم إليه طبق فيه الخبز و الهندباء فقال لي:كله و ما من ورقة من الهندباء إلاّ عليها قطرة من ماء الجنّة فيه شفاء من كلّ داء ثمّ رفع الطعام و أتى بدهن البنفسج فقال:ادهن إنّ فضله على سائر الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان ثمّ دخل عليه محمّد ابنه فحدّثه طويلا ثمّ قال:هذا وصيّي و وارثي و عية علمي باقر العلم يختلف إليه خلّص شيعتي و يبقر العلم عليهم بقرا (1).

[في]الأمالي،كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السّلام و يقول:يا محمّد لا ترى أنّي آتى مجلسك حبّا لك و لا أقول أنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت و اعلم أنّ طاعة اللّه و رسوله و أمير المؤمنين في بغضكم و لكن أراك رجلا فصيحا لك أدب و حسن لفظ فإنّما اختلافي إليك لهذا،و كان أبو جعفر عليه السّلام يقول له خيرا فلم يلبث الشامي حتّى مرض.

فلمّا ثقل دعى وليّه و قال له:إذا أنا متّ فأت محمّد بن عليّ و سله أن يصلّي عليّ و اعلمه أنّي أمرتك بذلك.

فلمّا كان نصف الليل مات و برد جسده.

فلمّا أصبح أتى إليه و قال:يا أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد مات و سألك أن تصلّي عليه فقال:كلاّ،إنّ بلاد الشام باردة و الحجاز بلاد حرّ فلا تعجلن حتّى آتيكم،فصلّى ركعتين ثمّ دعى اللّه تعالى ثمّ سجد حتّى طلعت الشمس ثمّ قام إلى منزل الشامي فدعاه فأجابه ثمّ

ص: 84


1- -بحار الأنوار:232/46،و مستدرك سفينة البحار:560/10.

أجلسه و دعى له بسويق فسقاه و قال لأهله:املأوا جوفه و برّدوا صدره بالطعام البارد ثمّ انصرف فعوفي الشامي فأتى أبا جعفر عليه السّلام فقال:اخلني فأخلاه،فقال:أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه و من أتى غيرك خسر و ضلّ أشهد أنّي عهدت بروحي و عاينت بعيني و سمعت مناديا ينادي ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّ فقال له:أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد و يبغض عمله و يبغض العبد و يحبّ عمله قال:فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه سبحانه:ما معنى قوله عليه السّلام:كلاّ،أي أنّه لم يمت مع أنّ الرجل قد كان مات و رجع إلى الدّنيا بدعائه عليه السّلام قلت:لعلّ معناه راجع إلى التورية يعني أنّه لم يمت موتا لا يمكن معه الرجوع إلى الدّنيا كما في موت غيره أو يكون قوله:كلاّ،راجعا إلى الصلاة أي لم اصلّ عليه لعدم الحاجة إليها لأنّه كان يعلم برجوعه و هذه الدرجة التي نالها الشامي إنّما كانت بسبب تردّده إلى مجلسه عليه السّلام و طلبه الصلاة عليه،و فيه إشعار بأنّ مجالسة أهل الخير خير و إن لم يكن معتقدا فيهم ما لهم من الدرجة بل كان غرضه مجرّد المسامرة و الكلام معهم.

و قوله عليه السّلام:إنّ اللّه يحبّ العبد.الخ،يجوز تطبيق كلّ من الفقرتين على حال الشامي؛ إمّا الاولى فباعتبار أنّ اللّه سبحانه يحبّه لما سبق له في العلم القديم بأن حاله يؤول إلى خير و أنّه من الشيعة و لكن اعترضه الشيطان فصدّه أيّاما و ارتكب الأعمال القبيحة فهو سبحانه يبغضها،و امّا الثانية فباعتبار أنّ اللّه سبحانه يبغضه لخروجه عن الإيمان و يحبّ عمله و هو الاختلاف و التردّد إلى مجلسه عليه السّلام و الوصيّة للصلاة عليه.

تحقيق حسن في تشبيهه عليه السلام بالصخرتين

[في]البصائر،عن سدير قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فمرّبنا رجل من أهل اليمن فقال له:هل تعرف دار كذا و كذا؟

فقال:نعم،و رأيتها قال:هل تعرف صخرة عندها في موضع كذا و كذا؟

قال:نعم و رأيتها.

ص: 85


1- -أمالي الطوسي:411،و مدينة المعاجز:107/5.

فلمّا قام قال لي أبو جعفر عليه السّلام:تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الألواح.

فلمّا ذهب من التوراة التقمته الصخرة.

فلمّا بعث اللّه رسوله أدّته إليه و هي عندنا (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:الذي ذهب من التوراة ما كان مكتوبا على رضاض الألواح التي تكسّرت بسبب ضرب موسى عليه السّلام لها على الصخرة و فيه دلالة على أنّ كتاب التوراة لم يكن كلّه بأيدي امّة موسى عليه السّلام بل سقط منه ما كان في تلك الصخرة،و أمّا التحريف فقد وقع في التوراة بعد موسى عليه السّلام حرّفه علماؤهم،لأنّ أحكام التوراة كانت شاقّة عليهم بسبب تعنّتهم و اقتراحهم على نبيّهم موسى عليه السّلام فكان علماء السوء منهم يأخذن أجرا من الملوك و عوام الناس و يثبتون لهم في التوراة مكان الأحكام الشاقّة أحكاما خفيفة التناول.

و بعموم قوله صلّى اللّه عليه و اله:يجري في هذه الامّة مثل ما جرى في الامم السابقة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة وقع في القرآن الكريم سقط و تحريف في أعصار الثلاثة و من بعدهم حتّى في أعصار القرّاء كما أوضحناه في شرح تهذيب الحديث،و كما كانت الصخرة حافظة لما سقط من التوراة كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام حافظا لما أسقطوه من القرآن و مصحفه الذي جمعه بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يزيد على ما في أيدي الناس بكثير و ما وقع هذا من تشبيه أمير المؤمنين عليه السّلام التشبيه التقديري بالصخرة الحافظة لما سقط من التوراة و ما وقع له من التشبيه التحقيقي بأنّ قاتله كعاقر ناقة صالح إشارة إلى سرّ لطيف؛أمّا الأوّل فبأنّه تواتر عنه عليه السّلام قوله:أنا كتاب اللّه الناطق و القرآن كتاب اللّه الصامت،و كان تولّده عليه السّلام على ما روته المسلمون في كتبهم بطن الكعبة و هي صخور اللّه سبحانه فتلك الصخرة حفظت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الذي هو الكتاب الناطق حتى انشقّت بعد ثلاثة أيّام أو أقلّ و دفعته إلى من قام بحفظه و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أبو طالب،فصخرة التوراة حفظت الكتاب الصامت لأنّها كالقرآن و صخرة الكعبة حفظت الكتاب الناطق.

و أمّا الثاني فباعتبار أنّ ناقة صالح كانت آية لصالح اقترحوها عليه حتّى أخرجها من الصخرة و هي و فصيلها و أمير المؤمنين عليه السّلام كان آية اللّه في هذه الامّة أخرجها اللّه سبحانه3.

ص: 86


1- -بصائر الدرجات:157،و بحار الأنوار:224/13.

إليهم من صخرة الكعبة فضلّ و هلك قوم قتلوا الآيتين و تقاربوا في الشبه.

و أمّا الحسين عليه السّلام فهو فصيل أمير المؤمنين عليه السّلام قتلته هذه الامّة كما قتلت قوم صالح فصيل الناقة و لو أنّهم استبقوا الحسين عليه السّلام و ندموا إلى ما أتوا إلى أبيه من الخذلان و قاموا معه إلى الجهاد لعفى اللّه سبحانه عن قديم ذنوبهم كما كان يعفو عن قوم صالح لو استبقوا الفصيل و ندموا على قتل الناقة على أنّ الناقة كانت لهم محض خير كانت تأتي إلى أبوابهم واحد بعد واحد طرفي النهار و تقف حتّى يأخذوا منها ما يكفيهم من اللبن فما عقروها إلاّ تعنّتا على نبيّهم و عنادا له،و كذا كان مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام كما وصف نفسه طبيب دوّار بطبّه قد أحكم مراهمه و أحمى مواسمه فإنّه عليه السّلام كان يدور عليهم بمراهم علمه يشفي به سقام جهلهم و من كان لا ينتفع به لعناده كان دواءه السيف و السوط التي هي مواسمه عليه السّلام فيقوى الشبه من هذا الوجه.و من جهة اخرى و هو أنّ الحامل لمن عقر الناقة امرأة شمطاء زرقاء و كان الحامل على قتله عليه السّلام قطامة اختها في الكفر و الشبه.وجهة اخرى أيضا و هو أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام كما كان آية للّه بقوله:و أيّ آية للّه أعظم منّي كان آية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان أعظم دلائل النبوّة سيفه عليه السّلام الذي قام به منابر الإسلام و محاريبها و خاف سطوته أهل الملك و الملكوت و أرعد عالم الأمر و عالم الخلق و مع ذلك كلّه كان يقول:أنا عبد من عبيد محمّد.

قال أبو جعفر بن بابويه:يعني عبد طاعة لا عبد رقّ و هو حسن و قد تمّ به ذلك المقام نعم،يبقى الكلام مع الصدوق رحمه اللّه في تأويله و متابعة الأكثر له على الحاجة إليه و هو أنّا نفرض الكلام في محلّ آخر و يظهر منه بنوع من التقريب عدم الحاجة إلى هذا التأويل و هو أنّه ورد عن السادة الأطهار عليهم السّلام:الناس عبيدنا و بنا على الحاجة إلى ذلك التأويل هناك يحتاج إليه هنا،لأنّ الناس ليسوا عبيدا رقاق.

و قال صلّى اللّه عليه و اله يوم الغدير:«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»،و يحمل على ذلك أيضا و عند التحقيق لا حاجة إلى ذلك التأويل و ذلك أنّ عبد الرق يجب طاعته لمولاه لا مطلقا بل موارد خاصّة،و أمّا نحن فيجب علينا طاعتهم عليهم السّلام في جميع الموارد و لو كان بما فيه سفك المهج و خوض الحجج.

و إن قلت:إنّ عبد الرق هو الذي يكون من خواصّه قبول العتق و نحوه؟فنقول:إنّ من

ص: 87

كان مختارا في عتق رقابنا من النار و إبقائها في عذاب الجبّار كان له هذا العتق الظاهري المجازي و إن كان جواز البيع من خصائص عبد الرق؟

قلنا:لا دليل على أنّه لا يجوز بيعنا لهم عليهم السّلام بل الدليل قائم على أنّهم أولى منّا بأنفسنا و أهلينا و أولادنا،و أولادنا فمن كان أولى بالنفس جاز له التصرّف فيها على ما أراد و على أيّ ضرب شاء و منه جواز البيع.

و إن قلت:إنّ الرق له أسباب خاصّة كالشراء و الاستنقاذ من أيدي الكفّار و الاعتراف من المجهول؟

قلنا:هذه الأسباب كلّها حاصلة فينا؛أمّا الأوّل:فما ورد في الأخبار من أنّ الشيعة زمن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام لمّا أذاعوا أسرار الأئمّة عليهم السّلام و أعانوا على قتلهم أراد اللّه سبحانه أن يأخذهم بالموت و العذاب فأوحى ذلك إليه عليه السّلام فقال عليه السّلام:أمّا إذا كان ذلك فأنا أشري شيعتي بنفسي و أقيهم بروحي فقبضه اللّه تلك السنة إليه بدلا عن الشيعة و لا ثمن أعلى و أغلى من هذا الثمن.

و أمّا الثاني:فهم عليه السّلام استنقذونا من كفّار الجنّ و الإنس و مردة الشياطين و أدخلونا دار الإسلام و محلّ الأمان.

و أمّا الثالث فما أعلم أنّ أحدا من الشيعة يعترف بغير ذلك بل يقطع على أنّه عبد رق لهم على أنّ عبوديّتنا للّه سبحانه ليس إلاّ من قبيل عبوديّتنا لهم عليهم السّلام و هناك لا تأويل فليكن هنا أيضا.

و بالجملة فالذي أتحقّقه من تتبّع الأخبار أنّ الناس كلّهم عبيد رقّ لهم عليهم السّلام يجري عليهم ما يجري عليهم.

و أمّا قوله عليه السّلام:أنا عبد من عبيد محمّد؛فإن شئت له تأويل الصدوق طاب ثراه فلا مشاحة و قد تقدّم حسنه.

[في]البصائر،عن ابن حنظلة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ لي إليك حاجة،قال:

و ما هي؟قلت؛تعلّمني الاسم الأعظم قال:و تطيقه؟

قلت:نعم،قال:فدخل البيت فوضع يده على الأرض فاظلمّ البيت فأرعدت فرائص عمر بن حنظلة فقال:ما تقول أعلّمك؟

ص: 88

فقال:لا،فرفع يده فرجع البيت كما كان (1).

أقول: قد أخفى اللّه سبحانه الاسم الأعظم في جملة أسمائه الحسنى كما أخفى كثيرا من الامور لحكم و مصالح لا يخفى بعضها كليلة القدر و وليّ اللّه.

و ورد في بعض الأخبار أنّ الاسم الأعظم هو اللّه يعني هذا اللفظ،و في بعض آخر أنّه في بسم اللّه الرحمن الرحيم،و في بعضها أنّه في سورة التوحيد إلى غير ذلك،و لعلّ حكمة منه المحافظة على كلّ الأسماء الحسنى حتّى يدخل هو تحتها كما أخفى ليلة القدر في الثلاث المعروفة حتّى يحافظ على العبادة فيها كلّها و كما أخفى وليّه بين الخلق حتى يحترم الجميع إلى غير ذلك.

[في]الخرائج و الجرائح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نزل أبو جعفر عليه السّلام بواد خباه و خرج يمشي حتّى انتهى إلى نخلة يابسة فحمد اللّه عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ثمّ قال:

أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك قال:فتساقط رطب أحمر و أصفر فأكل و معه أبو اميّة الأنصاري فأكل منه و قال؛هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا (2).

و في حديث آخر ثمّ انحنت النخلة فأخذ منها رطبا فيكون أرجح من آية مريم عليه السّلام.

و فيه أيضا عن أبي بصير قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام فقلت لهما:أنتما ورثة رسول اللّه؟

قال:نعم،قلت:فرسول اللّه وارث الأنبياء علم كما علموا؟

فقال:نعم،فقلت:تقدرون على أن تحيوا الموتى و تبرأوا الأكمه و الأبرص؟

قال:نعم،فقال:ادن منّي يا أبا محمّد فمسح على عيني و وجهي فأبصرت السماء و الأرض و كلّ شيء في الدار قال:أفتحبّ أن تكون هكذا و لك ما للناس و عليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت و لك الجنّة خالصا؟

قلت:أعودكما كنت،فمسح على عينيّ فعدت كما كنت (3).3.

ص: 89


1- -بصائر الدرجات:230،و بحار الأنوار:27/27 ح 6.
2- -المناقب:321/3،و الخرائج و الجرائح:299/1.
3- -بحار الأنوار:237/46،و الكافي:470/1 ح 3.

أقول: فيه إشعار بأنّ العمى و أمثاله ممّا يكفّر الذنوب كلّها الصغائر منها و الكبائر.

الورشان

و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنت عنده يوما إذ وقع عليه زوج ورشان فهد لا هديلهما فرد عليهما كلامهما ثمّ نهضا.

فلمّا صارا على الحائط هدل الذكر على الانثى ساعة ثمّ نهضا،فقلت:جعلت فداك ما حال هذا الطير؟

فقال عليه السّلام:يا ابن مسلم كلّ شيء خلقه اللّه من طير و بهيمة أو شيء فيه روح هو أطوع لنا من ابن آدم إنّ هذان الورشان جاء الذكر يتّهم انثاه بالسوء فحلفت له ما فعلت فلم يقبل فقالت:ترضى بمحمّد بن عليّ فرضيا بي و أخبرته أنّه لها ظالم فصدّقها.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:مرّ أبو جعفر عليه السّلام بالهجين و معه أبو اميّة الأنصاري زميله في محمله فنظر و إذا ورشان في جانب المحمل فرفع يده ليذبّه عنه فقال عليه السّلام:يا أبا اميّة إنّ هذا طائر جاء يستجير بنا أهل البيت و أنّي دعوت اللّه فانصرفت عنه حيّة كانت تأتيه كلّ سنة فتأكل فراخه (1).

مجيء الذئب إليه عليه السلام

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت مع أبي جعفر عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذ أقبل ذئب حتّى دنى إليه و وضع يده على قربوس السرج و مدّ عنقه إلى اذنه ساعة ثمّ قال له:امض فقد فعلت،فرجع مهرولا قال:أتدري ما قلت؟

قلت:لا،قال:قال لي:يا ابن رسول اللّه زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع اللّه أن يخلّصها و لا يسلّط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم،فقلت:قد فعلت،فمرّ عليه السّلام فمكث في ضيعته شهرا.

فلمّا رجع فإذا هو بالذئب و زوجته و جرو عووا في وجهه عليه السّلام فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه ثمّ قال لنا عليه السّلام:قد ولد له جرو ذكر و كانوا يدعون اللّه لي و لكم بحسن الصحابة

ص: 90


1- -مستدرك الوسائل:291/8،و بحار الأنوار:24/62 ح 39.

و دعوت لهم بمثل ما دعوا لي و أمرتهم أن لا يؤذوا لي وليّا و لا لأهل بيتي ففعلوا و ضمنوا لي ذلك (1).

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة فقال:يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فأنشده قصيدة فقال:يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت ثمّ أنشده قصيدة اخرى فأمر له ببدرة ثمّ أنشده قصيدة ثالثة فأمر له ببدرة من ذلك البيت فقال الكميت:جعلت فداك ما أحبّكم لغرض الدّنيا و ما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدعا له أبو جعفر عليه السّلام ثمّ قال:يا غلام ردّها مكانها فوجدت في نفسي،و قلت:قال ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم فخرج الكميت و قلت له:كيف قلت ما عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم؟

فقال:يا جابر قم و ادخل البيت فدخلت فلم أجد شيئا فخرجت إليه فقال:يا جابر ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا لكم فأخذ بيدي و أدخلني البيت و ضرب برجله الأرض فإذا شبه عنق البعير قد خرجت من ذهب ثمّ قال:انظر إلى هذا و لا تخبر به أحدا إلاّ من تثق به من إخوانك إنّ اللّه أقدرنا على ما نريد و لو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها (2).

فيه عذاب ابن آدم

و عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:إنّ رجلا بالمدينة-يعني نفسه-عليه السّلام قد أتى المكان الذي به ابن آدم فرآه معقولا معه عشرة متوكلين به يستقبلون به الشمس حيث ما دارت بالصيف يوقدون حوله النار،فإذا كان الشتاء صبّوا عليه الماء البارد كلّما هلك رجل من العشرة أقام أهل القرية رجلا مكانه و هو يعذّب في الدّنيا و الآخرة (3).

و في كتاب الاختصاص عن سدير قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا أبا الفضل إنّي لأعرف رجلا من أهل المدينة أخذ قبل مطلع الشمس و قبل مغربها إلى البقية الذين قال اللّه: وَ مِنْ

ص: 91


1- -دلائل الأمامة:260،و المناقب:322/3.
2- -بصائر الدرجات:396،و دلائل الأمامة:224.
3- -الأختصاص:316،و بحار الأنوار:239/11.

قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (1) لمشاجرة كانت بينهم فأصلح فيما بينهم و رجع و لم يقعد فمر بنطفكم-يعني الفرات-فشرب منه و مرّ على بابك فدق عليك حلقة بابك ثمّ رجع إلى منزله و لم يقعد (2).

أقول: المراد بهما أهل جابلقا و جابرصا الذين تطلع الشمس من دونهما و تغرب قبل الوصول إليهما كما سيأتي بيان أحوالهما إن شاء اللّه تعالى.

حديث درجان

[في]الخرائج،روى ابن عتيبة قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فدخل رجل فقال:أنا من أهل الشام أتولاّكم و أبي كان يتولّى بني اميّة و كان له مال كثير و لم يكن له غيري و كان مسكنه بالرملة و كان له مكان يتحلى فيه.

فلمّا مات طلبت المال و لم أظفر به و لا شكّ أنّه دفنه و أخفاه منّي،قال عليه السّلام:أتحبّ أن تراه و تسأله أين موضع ماله؟

قال:إي و اللّه إنّي لفقير محتاج،فكتب عليه السّلام كتابا و ختمه بخاتم ثمّ قال:انطلق الليلة إلى البقيع ثمّ ناد يا درجان فإنّه يأتيك رجل معتمّ فادفع كتابي و قل أنا رسول محمّد بن عليّ فإنّه سيأتيك فسله عمّا بدا لك،فانطلق بالكتاب.

فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر عليه السّلام لأنظر ما حال الرجل فرأيت الرجل على الباب فدخلنا جميعا فقال الرجل:انطلقت البارحة و فعلت ما أمرت فأتاني الرجل فقال:لا تبرح من موضعك حتّى آتيك به فأتاني برجل أسود فقال:هذا أبوك؟

قلت:ما هو أبي،قال:غيّره اللهب و دخّان الجحيم و العذاب الأليم قلت:أنت أبي؟ قال:نعم كنت أتولّى بني اميّة فعذّبني اللّه بذلك و كنت أنت تتولّى بأهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فكنت أبغضك على ذلك و حرمتك مالي فزويته عنك و أنا من النادمين فانطلق يا بني إلى بستاني و احفر تحت الزيتونة و خذ المال مائة ألف درهم و ادفع إلى محمّد بن عليّ خمسين ألفا و الباقي لك،و أنا منطلق حتّى آخذ المال و آتيك بمالك.

ص: 92


1- -سورة الأعراف:159.
2- -الأختصاص:318،و بحار الأنوار:243/11.

فلمّا كان من قابل أتى بخمسين ألف درهم أنفقها عليه السّلام على نفسه و على أهل الحاجة من أهل البيت (1).

و عن أبي بصير قال:كنت أقرأ امرأة القرآن بالكوفة فمازحتها بشيء.

فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السّلام عاتبني و قال:من ارتكب الذنب في الخلا لم يعبأ اللّه به أيّ شيء قلت للمرأة؟فغطّيت وجهي حياء و تبت،فقال أبو جعفر عليه السّلام؛لا تعد (2).

و عن أبي الصباح الكناني قال:صرت يوما إلى دار أبي جعفر عليه السّلام فقرعت الباب فخرجت إليّ و صيفة ناهد-يعني ارتفع ثديها-فضربت بيدي على رأس ثديها فقلت لها:

قولي لمولاك إنّي بالباب،فصاح من آخر الدار ادخل لا امّ لك،فدخلت و قلت:و اللّه ما قصدت ريبة،فقال:صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذا لا فرق بيننا و بينكم،فإيّاك أن تعاود لمثلها (3).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:ورد في تفسير قوله تعالى: قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (4)إنّ المؤمنين هم أهل البيت عليهم السّلام و أنّ كلّ من يعمل منّا عملا و من غيرنا في مشارق الأرض و مغاربها يرونه وقت ذلك العمل و هذا العصر لصاحب الزمان عليه السّلام فهو الذي يرانا وقت العمل و ينظر إلينا نظر اطّلاع لا خبر،و الويل لنا من هذه الخجالة التي لا يقوم لها قائم.

و روي أيضا في الأحاديث الصحيحة أنّ الملكين اللذين يكتبان أعمال ابن آدم في وقت المساء و الصباح و إذا أرادا العروج بعمل العبد إلى السماء عرضوها أوّلا على أرواح الأئمّة عليهم السّلام واحدا واحدا بعد عرضها على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله حتّى ينتهوا بها إلى إمام العصر عليه السّلام فيقرأها و يصلح ما كان قابلا للإصلاح منها و يستغفر لمن كان من أهل الإستغفار و هذا أيضا تفسير للآية،و الظاهر أنّ عامل القبيح لو تحقّق هذا المعنى بعين بصيرته لكان له زاجرا كما أنّه لو تحقّقه عند نيّة العمل الصالح كان له باعثا.5.

ص: 93


1- -الخرائج و الجرائح:598/2،و بحار الأنوار:245/46.
2- -بحار الأنوار:247/46 ح 35.
3- -الخرائج و الجرائح:273/1 ح 2.
4- -سورة المؤمنون:105.

و عن جابر الجعفي قال:كنّا عند الباقر عليه السّلام نحوا من خمسين رجلا فدخل عليه كثير النوا و كان من المغيرية فجلس و قال:إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملكا يعرّفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك؟

قال:ما حرفتك؟

قال:أبيع الحنطة،قال:كذبت قال:و ربما أبيع الشعير قال:ليس كما قلت،بل تبيع النوا،قال:من أخبرك بهذا؟

قال:الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي لست تموت إلاّ تائها يعني فاسد العقل.

فلمّا صرنا إلى الكوفة مات بعد ثلاثة.

أقول: المغيريّة أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادّعى أنّ الإمامة بعد محمّد بن عليّ بن الحسين لمحمّد بن عبد اللّه بن لحسن و زعم أنّه حيّ لم يمت و كان من البترية بتقديم(الباء)الموحّدة لقول الصادق عليه السّلام فيهم:بترونا حقّنا بتر اللّه أعمارهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت مع الباقر في المسجد إذ دخل عمر بن عبد العزيز متّكئا على مولى له فقال عليه السّلام:ليلينّ هذا الغلام فيظهر العدل و يعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهل الأرض و يلعنه أهل السماء،يجلس مجلس لا حقّ له فيه ثمّ ملك و أظهر العدل جهده (2).

يقول المؤلّف عفى اللّه تعالى عنه:تقدّم الكلام في حال ابن عبد العزيز و أنّ الأخبار متعارضة في حاله و نحن من المتوقّفين فيه.

و عن سعد الاسكاف قال:طلبت الإذن على أبي جعفر عليه السّلام فقيل لي:لا تعجل فعنده قوم من إخوانكم فلم ألبث أن خرج اثنا عشر رجلا يشبهون الزط عليهم أقبية طيبات و بتوت و خفاف فسلّموا و مرّوا فدخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقلت:ما أعرف هؤلاء الذين خرجوا،فقال:هؤلاء أقوام من اخوانكم الجنّ،قلت:و يظهرون لكم؟

قال:هل يفدون علينا في حلالهم و حرامهم كما تفدون.6.

ص: 94


1- -الخرائج و الجرائح:275/1،و بحار الأنوار:250/46.
2- -مدينة المعاجز:180/5،و بحار الأنوار:251/46.

أقول: الزط بالفتح جيل من الهند و البت الطيلسان (1).

[عن]محمّد بن مسلم قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:هل ظننتم انّا لا نراكم و لا نسمع كلامكم لبئس ما ظننتم؟

قلت:أرني بعض ما أستدلّ به،قال:وقع بينك و بين زميلك بالربذة حتّى عيّرك بنا و بحبّنا و معرفتنا،قلت:إي و اللّه لقد كان ذلك،قلت:من يحدّثكم بما نحن عليه قال:

أحيانا ينكث في قلوبنا و يوقر في آذاننا و مع ذلك فإنّ لنا خدما من الجنّ مؤمنين و هم لنا شيعة و هم لنا أطوع منكم.

قلنا:مع كلّ رجل واحد منهم؟

قال:نعم يخبرنا بجميع ما أنتم عليه (2).6.

ص: 95


1- -بصائر الدرجات:117،و الخرائج و الجرائح:283/1 ح 16.
2- -الخرائج و الجرائح:288/1،و بحار الأنوار:255/46.
كيفية اقتدارهم عليهم السلام على الأرض

و في كتاب الخرائج عن الأسد بن سعيد قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال:نحن حجّة اللّه و نحن وجه اللّه و نحن عين اللّه في خلقه و نحن ولاة أمر اللّه في عباده ثمّ قال:إنّ بيننا و بين كلّ أرض ترا مثل تر البنا،فإذا أمرنا على الأرض بأمر أخذنا ذلك التر فأقبلت إلينا الأرض بكلتيها و أسواقها و كورها حتّى تتعذ فيها من أمر اللّه ما أمرنا و أنّ الريح كما كانت مسخّرة لسليمان فقد سخّرها اللّه لمحمّد و آله صلّى اللّه عليه و اله (1).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عنه:التر بالضمّ خيط البنا و الكورة بالضمّ المدينة و الصقح و الجمع كور بضمّ(الكاف)و فتح(الواو).

و في المناقب في حديث جابر الجعفي:أنّه لمّا شكت الشيعة إلى زين العابدين عليه السّلام ما يلقونه من بني اميّة دعى الباقر عليه السّلام و أمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و يحرّكه تحريكا فمضى إلى المسجد فصلّى و دعى و أخرج من كمّه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك و أعطاني طرفا منه فمشيت رويدا فقال عليه السّلام:قف يا جابر فحرّك الخيط تحريكا خفيفا ثمّ قال عليه السّلام:اخرج فانظر ما حال الناس،فخرجت و إذا صياح و صراخ من كلّ ناحية و إذا زلزلة شديدة قد أخربت عامّة دور المدينة و هلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان.

فلمّا خرجنا من المسجد قال عليه السّلام:هذا الخيط من بقيّة ما ترك آل موسى و هارون تحمله الملائكة و يضعه جبرئيل لدينا (2).

أقول: البيوت التي خرّبت بالزلزلة دور بني اميّة و محبّيهم و الّذين ماتوا تحتها منهم لعنة اللّه عليهم.

ص: 96


1- -الخرائج و الجرائح:288/1،و بصائر الدرجات:81.
2- -المناقب:317/3،و نوادر المعجزات:122.
مسخ هذه الامّة

و عن أبي بصير قال:قلت للباقر عليه السّلام:ما أكثر الحجيج و أعظم الضجيج،فقال:بل ما أكثر الضجيج و أقلّ الحجيج،أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله و تراه عيانا؟فمسح يده على عينيه فعاد بصيرا فقال:انظر فنظرت فإذا أكثر الناس قردة و خنازير و المؤمن منهم مثل الكوكب اللاّمع في الظلماء،فقال:صدقت يا مولاي ثمّ دعا فعاد ضريرا فقال:ما بخلنا عليك و إن كان اللّه تعالى ما ظلمك و إنّما خار لك و خشينا فتنة الناس بنا و أن يجهلوا فضل اللّه علينا و يجعلونا أربابا من دون اللّه و نحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته (1).

حكاية الوزغة

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ أبي كان قاعدا في الحجر و معه يحدّثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال:أبى للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ؟

فقال الرجل:لا علم لي بما يقول،فقال:يقول:و اللّه لئن ذكرت الثالث لأسبنّ عليّا حتّى يقوم من هاهنا (2).

و عن أبي بكر الحضرمي قال:لمّا حمل أبو جعفر عليه السّلام إلى الشام إلى هشام و صار ببابه فقال لأصحابه:إذا سكت عن توبيخه فوبّخوه أنتم.

فلمّا دخل عليه قال بيده السلام عليكم،فعمّهم بالسلام ثمّ جلس و لم يسلّم عليه بالخلافة و جلس بغير إذنه فازداد هشام حنقا فقال:يا محمّد بن علي لا تزال تدّعي الإمامة سفها و قلّة علم ثمّ وبّخه القوم.

فلمّا أسكتوا نهض قائما فقال:أين تذهبون و أين يراد بكم؟بنا هدى اللّه أوّلكم و بنا يختم آخركم فإن يكن لكم ملك معجل فإنّ لنا ملكا مؤجّلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنّا أهل العاقبة يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فأمر به إلى الحبس.

فلمّا صار بالحبس تكلّم فلم يبق فيه أحد إلاّ ترشفه فحكوا لهشام فأمر به و بأصحابه

ص: 97


1- -المناقب:318/3،و بحار الأنوار:261/46.
2- -الحدائق الناظرة:195/4،و الكافي:323/8 ح 305.

بأن يحمل على البريد ليردّ إلى المدينة و أمر أن لا تخرج لهم الأسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما و لا شرابا حتّى انتهوا إلى باب المدينة فأغلق باب المدينة دونهم فشكى أصحابه العطش و الجوع فصعد جبلا أشرف عليهم، فقال عليه السّلام بأعلى صوته:يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ و كان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال:يا قوم هذه و اللّه دعوة شعيب عليه السّلام و اللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم و من تحت أرجلكم فصدّقوني هذه المرّة و أطيعوني و كذّبوني فيما تستأنفون فإنّي ناصح لكم فبادروا و أخرجوا له الأسواق (1).

صحيفة الشيعة

علي بن أبي حمزة و أبو بصير قالا:كان لنا موعد[مع] (2)أبي جعفر عليه السّلام فدخلنا عليه فقال:يا سكينة هلمي بالمصباح هلمي بالسفط الذي في موضع كذا،فأتت بسفط هندي أو سندي ففضّ خاتمه ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء فأخذ يدرجها من أعلاها و ينشرها من أسفلها حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ فأرعدت فرائصي فقال:لا بأس عليك ثمّ قال:

ادنه فدنوت فقال لي:ما ترى؟

قلت:اسمي و اسم أبي و أسماء أولاد لي لا أعرفهم،فقال لي:يا عليّ لولا لك عندي ما ليس لغيرك ما أطلعتك،امّا أنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا.قال عليّ بن أبي حمزة:فمكثت بعد ذلك عشرين سنة ثمّ ولد لي الأولاد بعد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة (3).

ص: 98


1- -بحار الأنوار:264/46،و مستدرك سفينة البحار:352/9.
2- -زيادة من المصدر.
3- -المناقب:325/3،و بحار الأنوار:266/46.
حقيقة ملكوت السماوات و الأرض

و عن جابر بن يزيد قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ فدفع عليه السّلام بيده و قال:ارفع رأسك فرفعت فوجدت السقف متفرّقا و رمق ناظري في ثلمة حتّى رأيت نورا حاد عنه بصري فقال:هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات،و انظر إلى الأرض ثمّ ارفع رأسك.

فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان ثمّ أخذ بيدي و أخرجني من الدار و ألبسني ثوبا و قال:أغمض عينيك ساعة،ثمّ قال:أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ففتحت عيني فلم أر شيئا ثمّ تخطّا خطا و قال:أنت على رأس عين الحياة للخضر ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتّى تجاوزنا خمسه فقال:هذه ملكوت الأرض،ثمّ قال:أغمض عينيك و أخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها و خلع عنّي ما كان ألبسنيه فقلت:جعلت فداك كم ذهب من اليوم؟

فقال:ثلاث ساعات (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان في دار أبي جعفر عليه السّلام فاختة فسمعها و هي تصيح، فقال:تدرون ما تقول هذه الفاختة؟

قالوا:لا،قال:تقول:فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن يفقدنا ثمّ أمر بذبحها.

الكشي عن إسماعيل بن أبي حمزة قال:ركب أبو جعفر عليه السّلام يوما إلى حائط له من حيطان المدينة فركبت معه و معنا سليمان بن خالد فقال له سليمان:جعلت فداك يعلم الإمام ما في يومه؟

فقال عليه السّلام:يعلم ما في يومه و شهره و سنته؛أما علمت أنّ روحا ينزل عليه ليلة القدر فيعلم ما في تلك السنة إلى مثلها من قابل و ما يحدث في الليل و النهار و السّاعة ترى ما يطمئن إليه قلبك فما سرنا إلاّ نحو ميل حتّى قال:الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة

ص: 99


1- -المناقب:326/3،و بحار الأنوار:268/46.

فما سرنا حتّى استقبلنا الرجلان،فقال لغلمانه:عليكم بالسارقين فأتوا بهما فحلفا ما سرقنا فقال:لئن لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما و لأبعثنّ إلى الذي سرقتماه حتّى يرفعكما إلى والي المدينة فأبيا أن يردّا ما سرقا قال:فانطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل و اصعد أنت و هؤلاء الغلمان فإنّ في قلّة الجبل كهفا و ادخل و استخرج ما فيه فإنّ فيه سرقة لرجل سوف يأتي،فصعدت إلى الكهف و استخرجت منه عيبتين و قر الرجلين فأتيت بهما إليه فرجعنا إلى المدينة.

فلمّا أصبحنا أخذ بأيدينا و أدخلنا على والي المدينة و قد دخل المسروق منه برجال براء فقال:هؤلاء سرقوني فقال عليه السّلام:هؤلاء براء و سرّاقه عندي،ثمّ قال للرجل:ما ذهب لك قال:عيبة فيها كذا و كذا فادّعى ما ليس له فقال عليه السّلام:لم تكذب؟

فقال:أنت أعلم بما ذهب منّي فأمر بعيبته و سلّموها إليه و قال للوالي:عندي عيبة اخرى لرجل آخر من أهل بربر سيأتيك بعد أيّام فارشده إليّ،و أمّا هذان السارقان فاقطعهما فقال أحدهما:لم تقطعنا و لم نقرّ على أنفسنا بشيء؟

فقال:ويلكما شهد عليكما من لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته فلمّا قطعهما قال أحدهما:و اللّه يا أبا جعفر لقد قطعتني بحقّ و ما سرّني أنّ اللّه جلّ و علا أجرى توبتي على يد غيرك و انّ لي جائزة المدينة و أنتم أهل بيت النبوّة تنزل عليكم الملائكة، فرقّ له أبو جعفر عليه السّلام و قال:أنت على خير ثمّ قال:و اللّه لقد سبقته يده قبله إلى الجنّة بعشرين سنة فما لبثنا حتّى جاء البربري إلى الوالي فأرشده إلى أبي جعفر عليه السّلام فأتاه فقال له:

ألا أرشدك إلى ما في عيبتك قبل أن تخبرني؟

فقال:إن أنت أخبرتني علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك،فقال عليه السّلام:ألف دينار لك و ألف دينار لغيرك و من الثياب كذا و كذا و اسم الرجل محمّد بن عبد الرحمن و هو على الباب ينتظرك.فقال البربري:أشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنكم الرجس و طهّركم تطهيرا،فقال أبو جعفر عليه السّلام:رحمك اللّه،فقال سليمان:حججت بعد ذلك بعشر سنين و كنت أرى الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام (1).6.

ص: 100


1- -المناقب:319/3،و بحار الأنوار:272/46.
حال معاوية بعد موته لعنه اللّه

[في]كتاب الاختصاص عن الصادق عليه السّلام قال:كنت أسير مع أبي في طريق مكّة فلمّا صرنا بوادي ضجنان خرج علينا رجل في عنقه سلسلة يسحبها فقال:يا ابن رسول اللّه أسقني سقاك اللّه فتبعه رجل آخر فاجتذب السلسلة و قال:يا ابن رسول اللّه لا تسقه لا سقاه اللّه،فقال:يا جعفر عرفت هذا؟هذا معاوية لعنه اللّه (1).

[و عن]جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كنّا عنده و ذكروا سلطان بني اميّة فقال:لا يخرج على هشام أحد إلاّ قتله و ذكر ملكه عشرين سنة فجزعنا فقال:ما لكم إذا أراد اللّه عزّ و جلّ يهلك سلطان قوم أمر الملك فأسرع بسير الفلك فقدر على ما يريد (2).

أقول: و روي عنه عليه السّلام في حديث آخر:أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق منذ خلق السماوات سنين و لا أيّاما أقصر من سنينهم و أيّامهم إنّ اللّه عزّ و جلّ يأمر الملك الذي في يده الفلك فيطويه طيّا.

قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:يمكن أن يكون طيّ الفلك و سرعته في السير كناية عن تهيئة أسباب زوال ملكهم و أن يكون لكلّ ملك دولة فلك غير الأفلاك المعروفة السير و يكون الإسراء و الإبطاء في حركة ذلك الفلك ليوافق ما قدر لهم من عدد دورانه، انتهى (3).

و يمكن أن يقال:إنّ سرعة الدوران في هذه الأفلاك و أنّ ما ينقص من أعمار غيرهم في مدّة ملكهم يزاد لهم في أعوام اخر حتّى ينتهي العمر كمّا و كيفا،و أمّا الذي يقوله المنجّمون من أنّ الفلك إذا زال عن هذه الحركة اختلط النظام فهو قول الزنادقة كما قال عليه السّلام في بعض الأخبار.

ص: 101


1- -الأختصاص:275،و بحار الأنوار:248/6.
2- -مدينة المعاجز:208.
3- -الكافي:341/8 ح 538،و بحار الأنوار:534/31 ح 41.

[في]الكافي عن النعمان بن بشير قال:كنت مزاملا لجابر الجعفي.

فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السّلام فودّعه،و خرج من عنده و هو مسرور حتّى قربنا الكوفة فإذا نحن برجل طوال أدم معه كتاب فناوله جابرا فقبّله و وضعه على عينيه فإذا هو من محمّد بن علي إلى جابر بن يزيد و عليه طين أسود رطب فقال له:متى عهدك بسيّدي؟

قال:الساعة بعد الصلاة ففكّ الخاتم و أقبل يقرأه و يقبض وجهه حتّى أتى على آخره فما رأيته ضاحكا حتّى دخل الكوفة فبتّ ليلتي فأصبحت و أتيته و قد خرج إليّ و في عنقه كعاب علّقها و قد ركب قصبة و هو يقول:أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور،و أبياتا من نحو هذا فنظر و نظرت إليه و أقبلت أبكي و قد اجتمع علينا الصبيان و الناس و أقبل يدور مع الصبيان و الناس يقولون جنّ جابر فو اللّه ما مضت الأيّام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى و اليه أن انظر رجلا يقال له جابر الجعفي فابعث إليّ برأسه،فقال لجلسائه:من جابر؟

قالوا:كان رجلا له علم و فضل و هو ذا مع الصبيان يلعب و قد جنّ فأشرف عليه و قال:الحمد للّه الذي عافاني من قتله و لم تمض الأيّام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة و صنع ما كان يقول جابر و لمّا مات هشام رجع إلى حاله الأوّل من العلم و الصلاح (1).6.

ص: 102


1- -الكافي:396/1 ح 7،و بحار الأنوار:282/46.

الفصل الثاني

اشارة

في مكارم أخلاقه و خروجه إلى الشام و أحوال أصحابه عليه السلام

و جملة من مناقبه صلوات اللّه عليه

[في]كتاب الإرشاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ محمّد بن المنكدر قال:أردت أن أعظ محمّد ابن علي فوعظني؛إنّي خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمّد بن علي و كان رجلا بدينا و هو متّك على غلامين أسودين فقلت في نفسي:

شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدّنيا لأعظنّه،فسلّمت عليه و قد تصبّب عرقا فقلت:اللّه أصلحك اللّه شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدّنيا لو جاءك الموت و أنت على هذا الحال؟

فقال عليه السّلام:لو جاءني الموت و أنا على هذا الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه تعالى كفّ بها نفسي عنك و عن الناس و إنّما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا على معصية من معاصي اللّه،فقلت:يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني (1).

و روي عنه عليه السّلام إنّه سئل عن الحديث ترسله و لا تسنده فقال:إذا حدّثت الحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ.

[عن]أبو نعيم في الحلية قالوا:الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و كذلك السيّد ابن السيّد ابن السيّد ابن السيّد محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليه السّلام (2).

و قال له نصراني:أنت بقر،قال:لا،أنا باقر،فقال:أنت ابن الطبّاخة،قال:ذاك

ص: 103


1- -الإرشاد:161/2،و بحار الأنوار:287/46.
2- -مسند الرضا:14،و الإرشاد:167/2.

حرفتها،قال:أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة،قال:إن كنت صدقت غفر اللّه لها و إن كنت كذبت غفر اللّه لك،قال:فأسلم النصراني (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:فقد أبي بغلة له فقال:لئن ردّها اللّه تعالى لأحمدنّه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بها بسرجها و لجامها.

فلمّا استوى عليها و ضمّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال:الحمد للّه،ثمّ قال:ما تركت و لا بقيت شيئا جعلت كلّ أنواع المحامد للّه عزّ و جلّ فما من حمد إلاّ و هو داخل فيما قلت.

و كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون حتّى يطعمهم الطعام الطيّب و يكسوهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم و يقول:ما حسنة الدّنيا إلاّ صلة الإخوان و المعارف و كان يجيز بالخمسمائة إلى الألف و قال:اعرف المودّة لك في قلب أخيك بما له في قلبك و كان لا يسمع من داره:يا سائل بورك و لا يا سائل خذ هذا و كان يقول:سمّوهم بأحسن أسمائهم (2).

أحاديث محمّد بن مسلم

[عن]الكشّي،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ثلاثين ألف حديث و سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ستّة عشر ألف حديث (3).

[في]الكافي عن الحكم بن عتيبة قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو في بيت مزيّن و عليه قميص رطب ملحفة مصبوغة و أثر الصبغ على عاتقه فجعلت أنظر إلى البيت و أنظر إلى هيئته فقال:ما تقول في هذا؟

قلت:ما تقول و أنا أراه عليك فإنّما عندنا فإنّما يفعله الشاب المراهق أي المقارب بالذنوب فقال:يا حكم من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده،فأمّا هذا البيت الذي ترى فهو

ص: 104


1- -المناقب:337/3،و بحار الأنوار:289/46 ح 12.
2- -بحار الأنوار:190/46 ح 15،و و تفسير القرآن:288/1.
3- -كتاب الطهارة:248/3،و الأختصاص:201.

بيت المرأة و أنا قريب العهد بالعرس و بيتي البيت الذي تعرف (1).

و عن مالك بن أعين قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و عليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسّمت حين دخلت فقال:اعلم أنّك ضحكت من هذا الثوب الذي عليّ،إنّ الثقفيّة أكرهتني عليه و أنا أحبّها فأكرهتني على لبسها،ثمّ قال:إنّا لا نصلّي في هذا و لا تصلّوا في المشبع المضرج يعني شديد الحمرة ثمّ دخلت عليه و قد طلّقها.قال:سمعتها تبرأ من عليّ عليه السّلام فطلّقتها.

[عن]الحسن الزيّات،قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام أنا و صاحب لي فإذا هو في بيت مزيّن و عليه ملحفة وردية و قد حفّ لحيته و اكتحل فسألناه عن مسائل و خرجنا فقال:

إذا كان غدا ائت أنت و صاحبك فدخلت عليه من الغد و إذا هو في بيت ليس فيه حصير و إذا عليه قميص غليظ فقال لصاحبي:يا أخا أهل البصرة إنّك دخلت عليّ أمس و أنا في بيت المرأة و كان أمس يومها و البيت بيتها و المتاع متاعها فتزيّنت لي على أن أزيّن لها كما تزيّنت لي فلا يدخل في قلبك شيء،فقال:كان و اللّه دخل في قلبي،فأمّا الآن فقد ذهب و قد علمت أنّ الحقّ فيما قلت (2).

و عن بزيع قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو يأكل خلاّ و زيتا في قصعة سوداء مكتوب في وسطها بصفره:قل هو اللّه أحد فأكلت معه ثمّ حسى من المايلات حسيات حين لم يبق من الخبز شيء ثمّ ناولني فحسوت البقية (3).

أقول: فيه إشعار بأنّه يستحبّ كتابة قل هو اللّه أحد في الإناء الذي يؤكل فيه.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان أبي عليه السّلام إذا أحزنه أمر جمع النساء و الصبيان ثمّ دعا و أمّنوا (4).

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:دخل قوم على أبي جعفر عليه السّلام فرأوه مختضبا فقال:إنّي رجل أحبّ النساء فأتصنّع لهنّ (5).1.

ص: 105


1- -الكافي:446/6 ح 1،و بحار الأنوار:292/46 ح 18.
2- -الكافي:448/6 ح 13،و بحار الأنوار:293/46.
3- -الدعوات:146 ح 381،و الكافي:298/6 ح 14.
4- -الدعوات:29 ح 44،و الكافي:487 ح 3.
5- -منتقى الجمان:122/1.
شدّ الأسنان بالذهب

و عن محمّد بن مسلم قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمضغ علكا فقال:يا محمّد نقضت الوسمة أضراسي فمضغت هذا العلك لأشدّها قال:و كانت استرخت فشدّها بالذهب (1).

و عن عبد اللّه بن سليمان قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن العاج،فقال:لا بأس و أنّ لي منه لمشطا (2).

و عن الحكم بن عتيبة قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد أخذ الحنّاء و جعل على أظافيره فقال:يا حكم ما تقول في هذا؟

فقال:ما عسيت أن أقول فيه و أنت تفعله و أنّ عندنا يفعله الشبّان فقال:إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرتها حتّى تشبه أظافير الموتى فغيّرها بالحنّاء (3).

و عن أحمد بن عبدوس قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد خرج من الحمّام و هو من قرنه إلى قدمه مثل الوردة من أثر الحنّاء (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أعتق أبو جعفر عليه السّلام من غلمانه عند موته شرارهم و أمسك خيارهم فقلت:يا أبة تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء؟

فقال:إنّهم قد أصابوا منّي ضربا فيكون هذا بهذا (5).

و عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابنا قال:كان قوم أتوا أبا جعفر عليه السّلام فوافقوا صبيّا له مريضا فرأوا منه اهتماما و غمّا و جعل لا يقرّ فقالوا:و اللّه لئن أصابه شيء إنّا لنتخوّف أن نرى منه ما نكره فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحالة التي كان عليها فقالوا له:قد كنّا نخاف ممّا نرى منك ما يغمّنا فقال:إنّا لنحبّ أن نعافى فيمن نحبّ فإذا جاء أمر اللّه سلّمنا فيمن نحبّ (6).

ص: 106


1- -كتاب الصلاة:353،و الكافي:483/6 ح 3.
2- -الحدائق الناظرة:564/5،و الكافي:489/6 ح 6.
3- -الكافي:509/6 ح 2،و بحار الأنوار:299/46 ح 38.
4- -الكافي:509/6 ح 4،و الحدائق الناظرة:547/5.
5- -الكافي:56/7 ح 13،و الحدائق الناظرة:639/22.
6- -الكافي:226/3 ح 14،و بحار الأنوار:301/46 ح 44.

و عن أبي عبيدة قال:كنت زميل أبي جعفر عليه السّلام و كنت أبدأ بالركوب ثمّ يركب هو فإذا استوينا سلّم و سأل مسائله من لا عهد له بصاحبه فقلت:يا ابن رسول اللّه إنّك لتفعل شيئا ما يفعله من قبلنا و إن فعل مرّة فكثير فقال:أما علمت ما في المصافحة إنّ المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فما تزال الذنوب تتحات عنهما كما تتحات الورق عن الشجر و اللّه ينظر إليهما حتّى يفترقا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:في كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إذا استعملتم ما ملكت أيمانكم في شيء فيشقّ عليهم فاعملوا معهم فيه قال:كان أبي ليأمرهم فيقول كما أنتم فيأتي فينظر فإن كان ثقيلا قال:بسم اللّه ثمّ عمل معهم و إن كان خفيفا تنحّى عنهم (2).

غسل الميّت غسل الجنابة

[في]الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل:سئل عن الميّت لم يغسل غسل الجنابة؟

قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمّت له أربعة أشهر قالوا؛يا ربّ تخلق ماذا؟فيأمرهم بما يريد من ذكر أو انثى،أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه لنطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو انثى فلذلك يغسّل الميّت غسل الجنابة (3).

حديث خروجه إلى الشام

و روى السيّد ابن طاووس رحمه اللّه في كتاب أمان الأخطار مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:حجّ هشام بن عبد الملك و كان قد حجّ تلك السنة محمّد بن علي الباقر و ابنه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام فقال جعفر بن محمّد عليه السّلام:الحمد للّه الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا

ص: 107


1- -الكافي:179/2 ح 1،و بحار الأنوار:302/46 ح 47.
2- -مستدرك الوسائل:459/15 ح 10،و بحار الأنوار:303/46.
3- -الحدائق الناظرة:74/3،و الكافي:162/3.

و أكرمنا به فنحن صفوة اللّه على خلقه و خيرته من عباده و خلفاؤه،فالسعيد من اتّبعنا و الشقيّ من عادانا و خالفنا فسمعه مسلمة أخو هشام فأخبر هشام.

فلمّا انصرف إلى دمشق أرسل إلى عالم المدينة باشخاص أبي و إشخاصي،فلمّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثا ثمّ أذن لنا فدخلنا و هو على سرير الملك و جنده و خواصّه وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان و قد نصب الغرض حذاه و أشياخ قومه يرمون فقال:يا محمّد ارم مع أشياخ قومك.

فقال أبي:قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني،فقال:لا أعفيك ثمّ أومى إلى شيخ من بني اميّة اعطه قوسك فأعطاه و أخذ منه سهما و رمى وسط الغرض فنصبه فيه ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلى نصله ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضا في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه فقال:أجدت يا أبا جعفر و أنت أرمى العرب و العجم ثمّ أدركته ندامة على ما قال،فهمّ بأبي و أطرق إلى الأرض يتروّى و أنا و أبي واقف حذاه.

فلمّا طال وقوفنا غضب أبي و كان إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه.

فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي قال:إليّ يا محمّد فصعد أبي السرير و أنا أتبعه فقام إليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه ثمّ اعتنقني و أقعدني عن يمين أبي ثمّ قال:يا محمّد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك للّه درّك من علّمك هذا الرمي و في كم تعلّمته؟

فقال أبي:قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته فلمّا أراد منّي أمير المؤمنين ذلك عدّت فيه فقال له:ما رأيت مثل هذا الرمي قط منذ عقلت و ما ظننت أنّ أحدا في الأرض أحدا[يرمي] (1)مثل هذا الرمي،أيرمي جعفر مثل رميك؟

فقال:إنّا نحن نتوارث الكمال و التمام اللذين أنزلهما اللّه على نبيّه في قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و الأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الامور التي يقصر غيرنا عنها،فانقلبت عين هشام الحولاء و احمرّ وجهه و كان ذلك علامة غضبه ثمّر.

ص: 108


1- -زيادة من المصدر.

أطرق هنيهة و رفع رأسه فقال لأبي:ألسنا بنو عبد مناف نسبنا و نسبكم واحد؟

فقال أبي:نحن كذلك و لكنّ اللّه خصّنا من مكنون سرّه و خالص علمه بما لم يخصّ به أحدا به غيرنا،فقال:أليس اللّه جلّ ثناؤه بعث محمّدا إلى كافّة الخلق،فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم من العلم؟

فقال:من قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا أمره اللّه أن يخصّنا به فلذلك ناجا عليّا من دون أصحابه فأنزل اللّه بذلك: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:سألت اللّه أن يجعلها اذنك يا علي،فلذلك قال علي بالكوفة:

علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ألف باب من العلم ففتح كلّ باب ألف باب فكما خصّ اللّه نبيّه عليه السّلام خصّ نبيّه أخاه عليّا من مكنون سرّه فتوارثناه من دون أهلنا،فقال هشام:إنّ عليّا كان يدّعي علم الغيب و اللّه لم يطلع على غيبه أحدا،فمن أين ادّعى ذلك؟

فقال أبي:إنّ اللّه جلّ ذكره أنزل على رسوله كتابا بيّن فيه ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و في قوله: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ و في قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و أوحى اللّه إلى نبيّه أن لا يبقي في غيبه و سرّه و مكنون علمه شيئا إلاّ يناجي به عليّا و أمره أن يؤلف القرآن من بعده و يتولّى تجهيز موته.

و قال لأصحابه:عليّ بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، و لم يكن عند أحد تأويل القرآن بتمامه إلاّ عند عليّ و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:أقضاكم عليّ يعني قاضيكم و قال عمر:لولا عليّ لهلك عمر فأطرق هشام طويلا ثمّ رفع رأسه فقال:

سل حاجتك،فقال:خلّفت أهلي و عيالي مستوحشين لخروجي،فقال:قد آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم و لا تقم أكثر من يومك،فنهض أبي و نهضت معه و خرجنا إلى بابه؛إذا ميدان ببابه و في آخر الميدان اناس قعود عدد كثير فقال أبي:من هؤلاء؟

قيل:القسيسون و الرهبان و هذا عالم لهم يقعد لهم في كلّ سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم،فلفّ أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه و فعلت أنا مثل أبي فأقبل حتى قعد نحوهم و رفع ذلك الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي،فأقبل عدد من المسلمين أحاطوا بنا و أقبل عالم النصارى قد شدّ حاجبيه بخرقة صفراء حتّى

ص: 109

توسطنا فقام إليه جميع القسيسين و الرهبان مسلّمين عليه فجاء إلى صدر المجلس و قعد فيه و أحاط به أصحابه و أبي و أنا بينهم فأدار نظره ثمّ قال:امنّا امّن هذه الامّة المرحومة فقال:

من الامّة المرحومة؟

فقال:أمن علمائها أم من جهّالها؟

فقال:لست من جهّالها فاضرب اضطرابا شديدا ثمّ قال له:أسألك؟قال أبي:سل، فقال:من أين ادّعيتم أنّ أهل الجنّة يطعمون و يشربون و لا يحدثون و لا يبولون و ما الدليل فيما تدّعونه من شاهد لا يجهل؟فقال أبي:الجنين في بطن امّه يطعم و لا يحدث فاضطرب النصراني فقال:هلاّ زعمت أنّك لست من علمائها؟

فقال له أبي:و لا من جهّالها،فقال:أسألك عن مسألة اخرى،فقال أبي:سل،فقال:

من أين ادّعيتم أنّ فاكهة الجنّة أبدا غضّة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنّة و ما الدليل عليه من مشاهد لا يجهل؟

فقال له أبي:دليل ما ندّعي أنّ سراجنا أبدا يكون غضّا طريّا موجود غير معدوم عند جميع أهل الدّنيا لا ينقطع فاضطرب اضطرابا شديدا فقال له:أسألك عن مسألة فقال له:

سل،فقال:أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار؟

فقال له أبي:هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلا و يرقد فيها الساهر و يفيق المغمى عليه جعلها اللّه في الدّنيا رغبة للرّاغبين و في الآخرة للعاملين فصاح النصراني صيحة فقال:بقيت مسألة واحدة لا يهتدى إلى الجواب عنها أبدا قال له أبي:سل.

فقال:أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة و عمر الآخرة مائة و خمسون سنة في دار الدّنيا فقال له أبي:ذلك عزير و عزيرة ولدا في يوم واحد.

فلمّا بلغا مبلغ الرّجال خمسة و عشرين عاما مرّ عزير راكبا على حماره على قرية بانطاكية و هي خاوية على عروشها فقال:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها و قد كان اصطفاه و هداه.

فلمّا كان قال ذلك القول غضب اللّه عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال ثمّ بعثه على حماره بعينه و طعامه و شرابه و عاد إلى داره و عزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه

ص: 110

و بعث إليه ولد عزيرة و ولد ولده و قد شاخوا و عزير شاب في سنّ خمس و عشرين سنة فلم يزل عزير يذكّر أخاه و ولده و هم يذكرون ما يذكّرهم و يقولون:ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور حتّى تعارفا فقال:يا عزيرة أنا عزير سخط اللّه عليّ فأماتني مائة سنة ثمّ بعثني لنزداد بذلك يقينا إنّ اللّه على كلّ شيء قدير و هاهو فا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده اللّه تعالى كما كان فعندها أيقنوا فأعاشه اللّه بينهم خمس و عشرين سنة ثمّ قبضه اللّه و أخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما و قام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم:

جئتموني بأعلم منّي و أقعدتموه معكم حتّى هتكني و فضحني و أعلم المسلمين بأنّ لهم من أحاط بعلومنا و عنده ما ليس عندنا لا و اللّه لا كلّمتكم من رأسي كلمة واحدة و لا قعدت لكم إن عشت سنة،فتفرّقوا و أبي قاعد مكانه.

و رفع الخبر إلى هشام فأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا،لأنّ الناس ماجوا و خاضوا فيما دار بين أبي و بين عالم النصارى فركبنا و قد سبقنا بريد من هشام إلى عامل المدينة على طريقنا إنّ ابني أبي تراب الساحرين محمّد بن علي و جعفر بن محمّد الكذّابين فيما يظهران من الإسلام ما لا إلى الرهبان من النصارى و مرقا من الإسلام إلى الكفر فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي فناد في الناس برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يسلّم عليهما فإنّهما ارتدّا عن الإسلام،فورد البريد إلى مدينة مدين.

فلمّا شارفناها قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا و يشروا لدوابنا علفا و لنا طعاما فأغلقوا الباب في وجوهنا و شتمونا و قالوا:أنتم مرتدّون فكلّمهم أبي و قال لهم:اتّقوا اللّه فلسنا كما بلغكم افتحوا الباب في وجوهنا و بايعونا كما تبايعون الكفّار،فقالوا:و لا كرامة لكم حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعا،فصعد أبي الجبل المطلّ على مدينة مدين ينظرون إليه ما يصنع.

فلمّا صار في أعلاه استقبل المدينة و وضع اصبعيه في اذنيه ثمّ نادى بأعلى صوته وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (1)إلى قوله: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ4.

ص: 111


1- -سورة هود:84.

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) .

نحن و اللّه بقيّة اللّه في أرضه فأمر اللّه ريحا سوداء مظلمة فهبّت و احتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرّجال و النساء فصعدوا السطوح و صعد فيهم شيخ من أهل مدين فنظر إلى أبي على الجبل فنادى بأعلى صوته:اتّقوا اللّه يا أهل مدين فإنّه وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السّلام حين دعى على قومه فإن أنتم لم تفتحوا الباب جاءكم من اللّه العذاب ففزعوا و فتحوا الباب و أنزلونا و كتب جميع ذلك إلى هشام فكتب هشام إلى عامل مدين بقتل الشيخ فقتله و كتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب فمضى هشام و لم يتهيّأ في أبي من ذلك شيء (2).

يقول مؤلّف الكتاب أعانه اللّه في طاعته:إنّ صاحب الخرائج روى أنّ الديراني أسلم مع أصحابه على يديه عليه السّلام و ما تضمّنه هذا الخبر من أنّ تلك الساعة ليست من ساعات الليل و لا النهار مع وقوع الإجماع من الشيعة على أنّها من ساعات النهار،فأوّل تارة بإرادة أنّها لا تشبه ساعات الليل و لا ساعات النهار لاعتدال الهواء و الوقت فيها فهي تشبه ساعات الجنّة،و اخرى بأنّه عليه السّلام أجابه على ما هو معتقده و ثابت عنده و هذا جار في كثير من الموارد.

[في]الخرائج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يقول:أنا من ولد الحسن و أولى بذلك لأنّي من ولد الأكبر فقاسمني ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فخاصمه إلى القاضي إلى أن قال:فقال أبي:يا زيد إنّ معك سكّينة قد أخفيتها أرأيت إن نطقت هذه السكّينة فشهدت أنّي أولى بالحقّ منك فتكفّ؟

قال:نعم،و حلف له فقال أبي:أيّتها السكّينة انطقي بإذن اللّه فوثبت السكّينة من يد زيد على الأرض ثمّ قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ منك و لئن لم تكفّ لأقتلنّك فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقام ثمّ قال:يا زيد إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟

قال:نعم،فنطقت الصخرة و قالت:يا زيد أنت ظالم و محمّد أولى بالأمر منك فكفّ6.

ص: 112


1- -سورة هود:86.
2- -مستدرك الوسائل:79/14،و بحار الأنوار:307/46.

عنه و إلاّ قتلتك،فخرّ زيد مغشيّا عليه فأخذ أبي بيده فأقامه ثمّ قال:يا زيد أرأيت إن نطقت هذه الشجرة أتكفّ؟

قال:نعم،فدعى أبي الشجرة فأقبلت تحذ الأرض حتّى أظلّتهم ثمّ قال:يا زيد أنت ظالم و محمّد أحقّ بالأمر منك فكفّ عنه و إلاّ قتلتك فغشي على زيد فأقامه أبي و انصرفت الشجرة إلى موضعها،فحلف زيد أن لا يتعرّض لأبي و لا يخاصمه و خرج زيد من يومه إلى عبد الملك و قال:أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه و قصّ ما رأى و كتب عبد الملك إلى عامل المدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّدا و قال لزيد:أرأيتك إن ولّيتك قتله قتلته؟

قال:نعم،فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب أنّ الرجل الذي أردته ليس على وجه الأرض أعفّ منه و لا أزهد و لا أورع و كرهت لأمير المؤمنين التعرّض له.

فلمّا ورد الكتاب على عبد الملك سرّ بما انهي إليه الوالي و علم أنّه قد نصحه فدعى بزيد بن الحسن فأقرأه الكتاب فقال:أعطاه و أرضاه فقال عبد الملك:فهل تعرف أمرا غير هذا؟

قال:نعم عنده سلاح رسول اللّه و سيفه و درعه و خاتمه و عصاه و تركته فاكتب إليه فيه،فإن هو لم يبعث به وجدت إلى قتله سبيلا،فكتب عبد الملك إلى العامل أن احمل إلى محمّد بن علي ألف ألف درهم و ليعطك ما عنده من ميراث رسول اللّه،فأتى العامل منزل أبي فأقرأه الكتاب فقال:أجّلني أيّاما،قال:نعم،فهيّأ أبي متاعا ثمّ حمله و دفعه إلى العامل فبعث به إلى عبد الملك و سرّ به سرورا شديدا فأرسل إلى زيد فعرض عليه،فقال زيد:و اللّه ما بعث إليك من متاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قليلا و لا كثيرا.

فكتب عبد الملك إلى أبي:أنّك أخذت مالنا و لم ترسل إلينا بما طلبنا فكتب إليه أبي:إنّي قد بعثت إليك بما قد رأيت فصدّقه عبد الملك و أهل الشام و قالوا:هذا متاع رسول اللّه ثمّ أخذ زيدا و قيّده و بعث به و قال:لولا أنّي اريد أن لا أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك،و كتب إلى أبي:بعثت إليك بابن عمّك فاحسن أدبه،فلمّا أتى به قال له أبي:

ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به.

و قال:إنّ عبد الملك إلى الباقر عليه السّلام سرجا مسموما فركب عليه و نزل متورّما فأمر

ص: 113

بأكفان له و مات بعد ثلاثة أيّام و ذلك السرج عند آل محمّد معلّق (1).

أقول: لا يخفى ما فيه من الإشكال و ذلك أنّ الذي سمّه عليه السّلام إنّما كان هشام بن عبد الملك و لذلك قيل:يحتمل أنّه سقط من الرواة أو النسّاخ.

و فيه أيضا عن الباقر عليه السّلام قال:إنّ عبد الملك لمّا نزل به الموت مسخ وزغا فكان عنده أولاده و لم يدروا كيف يصنعون و ذهب ثمّ فقدوه فأجمعوا على أن أخذوا جذعا وضعوه كهيئة رجل و ألبسوا الجذع ثمّ كفّنوه بالأكفان و لم يطّلع عليه أحد إلاّ أولاده و أنا (2).

[في]الاختصاص عن أبي حمزة قال:دخل سعد بن عبد الملك و كان أبو جعفر عليه السّلام يسمّيه سعد الخير و هو من ولد عبد العزيز بن مروان على أبي جعفر عليه السّلام فبينا هو ينشج كما تنشج النساء قال له أبو جعفر عليه السّلام:ما يبكيك يا سعد؟

قال:كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له:لست منهم أنت اموي منّا أهل البيت أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ يحكي عن إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (3)(4).

[في]المناقب،قال الباقر عليه السّلام لكثير:امتدحت عبد الملك؟

فقال:ما قلت له يا إمام الهدى و إنّما قلت يا أسد و الأسد كلب و يا جبل و إنّما هو حجر أصمّ،فتبسّم عليه السّلام و أنشأ الكميت بين يديه شعر:

من لقلب متيّم مستهام *** غير ما صبوة و لا أحلام

فلمّا بلغ إلى قوله:

أخلص اللّه لي هواي *** فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي

فقال عليه السّلام:فقد أغرق ترعا و ما تطيش سهامي،فقال:يا مولاي أنت أشعر منّي في هذا المعنى (5).7.

ص: 114


1- -الثاقب في المناقب:389،و الخرائج و الجرائح:602/2.
2- -الخرائج و الجرائح:284/1،و الكافي:232/8 ح 305.
3- -سورة إبراهيم:36.
4- -الأختصاص:85،و بحار الأنوار:337/46 ح 25.
5- -المناقب:337/3،و بحار الأنوار:3378/46 ح 27.
معنى شعر الكميت

أقول: معناه جعل اللّه محبّتي خالصة لكم فما أبالغ في المدح و لا تخطي سهامي فيه،يقال:أغرق النازع في القوس إذا استوفى مدها ثمّ يقال لكلّ من بالغ في شيء قيل إنّما غيّر عليه السّلام شعره لإبهامه التقصير و عدم الاعتناء بمدحهم عليهم السّلام على أنّ المعنى اللطيف هو ما قصده عليه السّلام و ذلك أنّ المادح إذا غرق في المدح تجاوز الحدّ و ارتكب الكذب و طاشت سهامه عن الهدف،أمّا الذي يمدحهم عليهم السّلام فكلّما بالغ و استغرق في مدحهم يكون به صادقا و سهامه صائبة للشيخ كما قال عليه السّلام:قولوا ما شئتم فينا إلاّ الربوبيّة.

حال عبد اللّه بن المبارك

و عن بكر بن صالح:أنّ عبد اللّه بن المبارك أتى أبا جعفر عليه السّلام فقال:إنّي رويت عن آبائك عليهم السّلام أنّ كلّ فتح بضلال فهو للإمام،فقال:نعم،قلت:جعلت فداك انّهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال و قد تخلّصت ممّن ملكوني بسبب و قد أتيتك مسترقا مستعبدا، قال عليه السّلام:قد قبلت ثمّ أعتقه و كتب له كتابا:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب محمّد بن عليّ الهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه إنّي أعتقتك لوجه اللّه و الدار الآخرة لا ربّ لك إلاّ اللّه و ليس عليك سيّد و أنت مولاي و مولى عقبي من بعدي،و كتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة و مائة و وقّع فيه محمّد بن عليّ بخط يده و ختمه بخاتمه (1).

[في]الكافي عن رجل من بني حنيفة من أهل سجستان قال:رافقت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها أوّل خلافة المعتصم فقلت له:إنّ والينا-جعلت فداك-رجل يتولاّكم أهل البيت و يحبّكم و عليّ في ديوانه خراج فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ،فقال:لا أعرفه،فقلت:جعلت فداك هو على ما ذكرت من محبّته لكم فأخذ القرطاس فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و أنّ مالك من عملك ما أحسنت فيه فاحسن إلى اخوانك و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ سائلك عن مثاقيل الذرّ و الخردل.

ص: 115


1- -بحار الأنوار:339/46.

فلمّا ورد سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد اللّه النيشابوري و هو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله و وضعه على عينيه و قال لي:حاجتك،قلت:خراج عليّ في ديوانك،فأمر بطرحه عنّي و قال:لا تؤدّ خراجا ما دام لي عمل،ثمّ سألني عن عيالي فأخبرته عنهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا فما أدّيت في عمله خراجا و لا قطع عنّي صلته حتّى مات (1).

[في]الاختصاص،عن جابر الجعفي قال:حدّثني أبو جعفر عليه السّلام سبعين ألف حديث لم أحدّث أحدا قط و لا أحدّث أحدا،فقلت له:جعلت فداك إنّك حملتني وقرا عظيما بما حدّثتني به من سرّكم الذي لا احدّث به أحدا و ربما جاش في صدري حتّى يأخذني منه شبه الجنون،قال عليه السّلام:يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبّانة و احفر حفيرة و دل رأسك فيها ثمّ قل:حدّثني محمّد بن علي بكذا و كذا (2).

و في حديث الكافي:ثمّ طمّه،فإنّ الأرض تستر عليك.قال جابر:ففعلت ذلك فخفّف عنّي ما كنت أجده (3).

[في]الفصول المهمّة:صفة الباقر عليه السّلام أسمر معتدل شاعره الكميت و السيّد الحميري و بوّابه جابر الجعفي و نقش خاتمه ربّ لا تذرني فردا (4).

عليك السلام تحيّة الأموات

[عن]ابن فهد الحلّي قيل:إنّ رجلا ورد على الباقر عليه السّلام بقصيدة مطلعها:عليك السلام أبا جعفر،فلم يمنحه شيئا،فقال:لا تمنحني و قد مدحتك؟

فقال:حييتني تحيّة الأموات؛أما سمعت قول الشاعر:

ألا طرقتنا آخر الليل زينب *** عليك سلام لما فات مطلب

فقلت لها حييت زينب خدنكم *** تحيّة ميّت و هو في الحيّ مشرب

ص: 116


1- -الكافي:111/5 ح 6،و بحار الأنوار:340/46.
2- -الأختصاص:67،و بحار الأنوار:340/46.
3- -الكافي:157/8 ح 149،و بحار الأنوار:344/46.
4- -بحار الأنوار:345/46 ح 29،و مستدرك سفينة البحار:؟

مع أنّه كان يكفيك أن تقول:سلام عليك أبا جعفر (1).

مباحثة الخارجي

[في]الكافي عن الأسدي و محمّد بن مبشر:أنّ عبد اللّه بن نافع الأزرق كان يقول:لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أنّ عليّا قتل النهروان و هو غير ظالم لهم لرحلت إليه،فقيل له:ولده،فقال:في ولده عالم،فقيل:هذا أوّل جهلك عالمهم اليوم محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي،فرحل إليه في صناديد أصحابه إلى المدينة فاستأذن عليه فقيل له:هذا عبد اللّه بن نافع فقال:و ما يصنع بي و هو يبرأ منّي و من أبي طرفي النهار فقيل له:جاء مناظرا فقال:يا غلام اخرج فحط رحله و قل له:إذا كان الغد فأتنا.

فلمّا أصبح غدا في أصحابه و بعث أبو جعفر عليه السّلام إلى جميع أبناء المهاجرين و الأنصار فجمعهم ثمّ خرج إلى الناس في ثوبين أحمرين كأنّه فلقة قمر فخطب و قال في خطبته:يا معشر أبناء المهاجرين و الأنصار من كانت عنده منقبة لعليّ بن أبي طالب فليقم و ليتحدّث،فقام الناس:فسردوا تلك المناقب،فقال عبد اللّه:أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء،و إنّما أحدث على الكفر بعد تحكيمه الحكمين حتّى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر:لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه،فقال عليه السّلام:ما تقول في هذا الحديث؟

فقال:هو حقّ لا شكّ فيه و لكن أحدث الكفر بعد،فقال:ثكلتك امّك أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أحبّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه و هو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ قال:فإن قلت:لا،كفرت،قال:فقال:قد علم قال:فأحبّه اللّه على أن يعمل بطاعته أو يعمل بمعصيته؟

فقال:على أن يعمل بطاعته،فقال عليه السّلام:فقم مخصوما،فقام و هو يقول:حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (2).

أقول: حاصل إلزامه عليه السّلام له أنّ اللّه لا يحبّ من يعلم بزعمك الفاسد أنّه يكفر و يحبط

ص: 117


1- -بحار الأنوار:345/46 ح 29.
2- -الكافي:349/8 ح 548،و بحار الأنوار:157/10.

جميع أعماله.

و عن زيد الشحّام قال:دخل قتادة على أبي جعفر عليه السّلام فقال:يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟

فقال:هكذا يزعمون،قال:بلغني أنّك تفسّر القرآن؟

قال:نعم أفسّره بعلم،قال:أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في قصّة سبأ وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1)؟

قال قتادة:ذاك من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتّى يرجع إلى أهله،فقال عليه السّلام:هل تعلم أنّه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و كرا حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق و تذهب نفقته و يضرب مع ذلك ضربة فيها هلاكه؟

فقال قتادة:نعم،فقال:ويحك يا قتادة من خرج من بيته بزاد و راحلة و كرا حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (2)فنحن دعوة إبراهيم من هوانا قلبه قبلت حجّته و إلاّ فلا،فإذا كان ذلك أمن من عذاب جهنّم يوم القيامة.

قال قتادة:و اللّه لا فسّرتها إلاّ هكذا،فقال:ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به (3).

مذهب الاخباريّين

أقول: قتادة من مشاهير المخالفين في الحديث و التفسير و المشهور بين المفسّرين أنّ هذه الآية لبيان حال تلك القرى في زمان قوم سبأ أي قدّرنا سيرهم في القرى على قدر مقيلهم و مبيتهم لا يحتاجون إلى ماء و لا زاد لقرب المنازل و الأمر في قوله:سيروا،متوجّه إليهم على إرادة القول بلسان الحال أو المقال،و يظهر من هذا الحديث و غيره أنّ الأمر

ص: 118


1- -سورة سبأ:18.
2- -سورة إبراهيم:37.
3- -الكافي:312/8،و بحار الأنوار:238/24.

متوجّه إلى هذه الامّة أو إنّه خطاب عام يشملهم أيضا و في ظاهر هذا الحديث دلالة على ما قاله الاخباريّون من أصحابنا من أنّه لا يجوز تفسير القرآن مطلقا محكما و متشابها إلاّ بالنصّ من الحديث و جوّز الفقهاء منهم تفسير المحكم الظاهر الدلالة بما يوافق اللغة و هي معركة عظيمة بينهم و قد حكينا المحاكمة بينهم عن مقالة ذكرها شيخ الطائفة طاب ثراه في التبيان في شرحينا على التهذيب و الاستبصار و لعلّنا نذكرها في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.

ص: 119

مسائل متفرّقة

[في]الاحتجاج للطبرسي قال:كان مولانا الباقر عليه السّلام جالسا في الحرم إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه فقال لأبي جعفر عليه السّلام:ائذن لي في السؤال،قال:

أذنا لك،قال:متى هلك ثلث الناس؟

قال:وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس و ذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة آدم و حواء و قابيل و هابيل فهلك ربعهم فقال:وهمت أنا فأيّهما كان أبا الناس القاتل أو المقتول؟

قال:و لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن آدم قال:فلم سمّي آدم؟

قال:لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى،قال:فلم سمّيت حواء؟

قال:لأنّها خلقت من ضلع حيّ يعني ضلع آدم،قال:فلم سمّي إبليس؟

قال:لأنّه أيئس من رحمة اللّه فلم يرجوها،قال:فلم سمّي الجنّ جنّا؟

قال:لأنّهم استجنوا فلم يروا،قال:فأخبرني عن أوّل كذبة كذبت من صاحبها؟

قال:إبليس حين قال:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين،قال:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ و كانوا كاذبين؟

قال:المنافقين حين قالوا:نشهد أنّك لرسول اللّه فأنزل اللّه إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلى قوله: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)قال:فأخبرني عن طير طار مرّة و لم يطر قبلها و لا بعدها ذكره اللّه في القرآن ما هو؟

قال:طور سيناء أطاره اللّه على بني إسرائيل حين أظلمهم يحتاج منه فيه ألوان العذاب حتّى قبلوا التوراة و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (2)الآية قال:فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره

ص: 120


1- -سورة المنافقون:1.
2- -سورة الأعراف:171.

اللّه في كتابه،فقال الغراب:حين بعثه اللّه ليرى قابيل كيف يواري سوءة أخيه هابيل حين قتله قال اللّه عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ (1)

قال:أخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟

قال:النملة حين قالت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ (2)قال:فأخبرني من كذب عليه ليس من الجنّ و لا الإنس و لا الملائكة ذكره اللّه في كتابه؟قال:الذئب الذي كذب عليه اخوة يوسف،قال:فأخبرني عن شيء قليله حلال و كثيره حرام ذكره اللّه عزّ و جلّ في القرآن؟

قال النهر الذي قال: إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (3)قال:أخبرني عن صلاة مفروضة تصلّى بغير وضوء و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟

قال:أمّا الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبيّ و آله عليه و عليهم السلام،و أمّا الصوم فقوله عزّ و جلّ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (4)قال:فأخبرني عن شيء يزيد و لا ينقص و عن شيء ينقص و لا يزيد؟

فقال عليه السّلام:أمّا الشيء الذي يزيد و ينقص فهو القمر و الشيء الذي يزيد و لا ينقص فهو البحر و الشيء الذي ينقص و لا يزيد فهو العمر (5).

[في]المناقب،قال الأبرش الكلبي لهشام مشيرا إلى الباقر عليه السّلام:من هذا الذي احتوشه أهل العراق؟

قال:هذا نبي الكوفة و هو يزعم أنّه ابن رسول اللّه و باقر العلم و مفسّر القرآن فاسأله مسألة لا يعرفها،فأتاه و قال:يا ابن عليّ كم الفترة التي كانت بين محمّد و عيسى عليهما السّلام؟

قال:أمّا في قولنا فسبعمائة سنة،و أمّا في قولك فستّمائة سنة.

قال:فأخبرني عن قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ما الذي يأكل الناس6.

ص: 121


1- -سورة المائدة:31.
2- -سورة النمل:18.
3- -سورة البقرة:249.
4- -سورة مريم:26.
5- -الأحتجاج:64/2،و بحار الأنوار:323/46.

و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

قال:يحشر الناس على مثل قرصة التقى فيها أنهار منفجرة يأكلون و يشربون حتّى يفرغ من الحساب.

قال هشام:قل له:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟

قال:هم في النار اشغل و لم يشغلوا عن أن قالوا:أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه،فنهض الأبرش و هو يقول:أنت ابن بنت رسول اللّه حقّا،ثمّ صار إلى هشام فقال:دعونا منكم يا بني اميّة فإنّ هذا أعلم أهل الأرض فهذا ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله (1).

و في شرح حجج أهل السنّة:إنّه قال أبو جعفر عليه السّلام لأبي حنيفة:أنت رجل مشهور و لا أحبّ أن تجلس إليّ فلم يلتفت و جلس فقال لأبي جعفر:أنت الإمام؟

قال:لا،قال:فإنّ قوما بالكوفة يزعمون إنّك إمام؟

قال:فما أصنع بهم؟

قال:تكتب إليهم تخبرهم،قال:لا يطيعون إنّما نستدلّ على من غاب عنّا بمن حضر قد أمرتك أن لا تجلس فلم تطعني و كذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني فلم يقدر أبو حنيفة أن يدخل في الكلام (2).

[في]كشف اليقين،روي أنّ عبد اللّه الليثي قال لأبي جعفر عليه السّلام:بلغني أنّك تفتي في المتعة؟قال:أحلّها اللّه في كتابه و سنّها رسول اللّه و عمل بها أصحابه،فقال:قد نهى عنها عمر؟

قال:فأنت على قول صاحبك و أنا على قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قال عبد اللّه:فيسرّك أنّ نساؤك فعلن ذلك؟

قال:و ما ذكر النساء هنا يا أحمق إنّ الذي أحلّها في كتابه و أباحها أغير منك و ممّن نهى عنها تكلفا بل يسرك أنّ بعض حرئك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا؟قال:لا، قال:فلم تحرّم ما أحلّ اللّه؟

قال:لا أحرّم و لكن الحائك ما هو لي بكفؤ،قال:فإنّ اللّه ارتضى عمله و رغّب فيه6.

ص: 122


1- -المناقب:329/3.
2- -المناقب:331/3،و بحار الأنوار:356/46.

و زوّجه حورا أفترغب عمّن رغب اللّه فيه و تستنكف عمّن هو كفؤ لحور الجنان كبرا و عتوّا، فضحك عبد اللّه و قال:ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره و للناس ورقه (1).

[في]الكافي،سأل شاب أبا جعفر عليه السّلام قال:يا عمّ ما أكبر الكبائر؟

قال:شرب الخمر؛إنّه يدخل صاحبه في الزنا و السرقة و قتل النفس التي حرّم اللّه و في الشرك باللّه و أفاعيل الخمر تعلو على كلّ ذنب كما يعلو شجرها على كلّ الشجر (2).6.

ص: 123


1- -كشف الغمة:362/2،و بحار الأنوار:356/46.
2- -الكافي:429/6 ح 3،و بحار الأنوار:358/46.

الفصل الثالث

اشارة

في نوادر أخباره و تاريخ أولاده و أزواجه عليه السلام

و ما يتبع ذلك

[في]الأمالي عن المنهال بن عمر قال:جاء رجل إلى الباقر عليه السّلام فقال:و اللّه إنّي لأحبّكم أهل البيت،قال:فاتّخذ للبلاء جلبابا فو اللّه إنّه لأسرع إلينا و إلى شيعتنا من السيل و بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم و بنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم (1).

أقول: روى هذا الحديث في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله:من أحبّنا أهل البيت فليعدّ للفقر جلبابا أي ليزهد في الدّنيا و ليصبر على الفقر و القلّة،و الجلباب الإزار و الرداء.

و قيل:هو كالمقنعة تغطّي بها رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابيب كنّى به عن الصبر لأنّه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن.

و قيل:إنّما كنّى بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي،فليلبس إزار الفقر و يكون منه على حالة تعمّه و تشمله،لأنّ الغنا من أحوال أهل الدّنيا و لا يتهيّأ الجمع كذا في النهاية و المعنى الأخير هو الأقرب.

[في]الكافي،عن الحكم بن عتيبة قال:بينا أنا مع أبي جعفر عليه السّلام و البيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخ يتوكّأ على عنزه فقال:السلام عليك يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته فقال أبو جعفر عليه السّلام:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ أقبل على أهل البيت و قال:

السلام عليكم فردّوا عليه السلام ثمّ قال:يا ابن رسول اللّه ادنني منك جعلني اللّه فداك فو اللّه إنّي لأحبّكم و أحبّ من يحبّكم و أبغض عدوّكم و أحلّ حلالكم و احرّم حرامكم،و أنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني اللّه فداك؟فأقعده إلى جنبه ثمّ قال:إنّ أبي عليّ بن الحسين أتاه رجل فسأله عن مثل هذا فقال:إن تمت ترد على رسول اللّه و على عليّ و الحسن و الحسين

ص: 124


1- -أمالي الطوسي:154 ح 7،و بحار الأنوار:360/46.

و على عليّ بن الحسين و يثلج قلبك و يبرد فؤادك و تقرّ عينك و تستقبل بالروح و الريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا و أهوى بيده إلى حلقه و إن تعش ترى ما يقرّ اللّه به عينك و تكون معنا في السنام الأعلى يعني أهل الجنّة،فقال الشيخ:كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فأقبل الشيخ ينتحب هاهاها حتّى لصق بالأرض و أقبل أهل البيت ينتحبون لما يرون من حال الشيخ و أقبل أبو جعفر عليه السّلام يمسح دموع الشيخ بإصبعه ثمّ رفع رأسه فقال:يا ابن رسول اللّه ناولني يدك جعلني اللّه فداك فناوله يده فقبّلها و وضعها على عينه و خدّه ثمّ حسر عن بطنه و صدره فوضع يده عليهما ثمّ قام فقال:السلام عليكم و أقبل أبو جعفر عليه السّلام ينظر في قفاه و هو مدبر فقال:من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا،فقال الحكم:لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس،انتهى ملخّصا لفظه (1).

أولاده عليه السّلام

[في]الإرشاد:كان أولاده عليه السّلام سبعة منهم أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد و كان يكنّى به و عبد اللّه بن محمّد امّهما امّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر،و إبراهيم و عبيد اللّه ماتا في حياته عليه السّلام امّهما امّ حكيم الثقفية و عليّ و زينب لامّ ولد و امّ سلمة لامّ ولد (2).

و في كتاب البشائر:إنّه لم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلاّ في الصادق عليه السّلام خاصّة و كان أخوه عبد اللّه يشار إليه بالفضل و الصلاح و دخل على بعض بني اميّة فأراد قتله فقال:لا تقتلني أكن للّه عليك عونا و اتركني أكن لك على اللّه عونا يريد بذلك أنّه ممّن يشفع إلى اللّه فيشفعه فلم يقبل ذلك منه و قال:لست هناك و سقاه السمّ (3).

و في المناقب له أولاد سبعة درجوا كلّهم إلاّ أولاد الصادق عليه السّلام (4).

ص: 125


1- -الكافي:76/8 ح 30،و بحار الأنوار:361/46.
2- -كشف الغمة:343/2،و الإرشاد:176/2.
3- -كشف الغمة:344/2،و مستدرك سفينة البحار:400/2.
4- -المناقب:340/3،و بحار الأنوار:366/46.

ص: 126

باب أحوال الإمام الصادق مظهر علوم آبائه الطاهرين جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في ولادته و وفاته و مدّة عمره الشريف و أسمائه و نقش خواتيمه

و النصّ عليه و مكارم أخلاقه و استجابة دعواته

[في]الكافي،ولد أبو عبد اللّه عليه السّلام سنة ثلاث و ثمانين و مضى عليه السّلام في شوّال من سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستّون سنة و دفع بالبقيع،و امّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد و امّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (1).

و في الدروس:ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين و قبض في شوّال،و قيل:في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان و أربعين و مائة عن خمس و ستّين سنة،امّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد.و قال الجعفي:اسمها فاطمة و كنيتها امّ فروة.و في مصباح الكفعمي:ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين و كانت ولادته زمن عبد الملك بن مروان،توفّي عليه السّلام يوم الاثنين في النصف من رجب سنة ثمان و أربعين و مائة مسموما في عنب (2).

ص: 127


1- -الكافي:472/1 ح 6،و بحار الأنوار:3/47.
2- -الأنوار البهية:168.

[في]المناقب عن الجوزي قال:بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه و في يده كتاب فرمى الكتاب إليّ و هو يبكي و قال:هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد قد مات فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون ثلاثا،و أين مثل جعفر؟ ثمّ قال لي:اكتب إن كان قد أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه و اضرب عنقه،فرجع الجواب إليه إنّه أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور و محمّد بن سليمان و عبد اللّه و موسى ابني جعفر و حميدة.فقال المنصور:ليس على قتل هؤلاء سبيل،و كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة أقام مع جدّه اثنتي عشرة سنة و مع أبيه تسع عشرة سنة.

و كان في سني إمامته ملك إبراهيم بن الوليد و مروان الحمار ثمّ صارت المسودة في أرض خراسان مع أبي مسلم سنة اثنى و ثلاثين و مائة و انتزعوا الملك من بني اميّة و قتلوا مروان الحمار.

ثمّ ملك أبو العبّاس السفّاح أربع سنين و ستّة أشهر و أيّاما ثمّ ملك أخوه أبو جعفر المنصور إحدى و عشرين سنة واحد عشر شهرا و أيّاما و قبض بعد مضيّ سنتين من ملكه و قيل عمره خمسين سنة و قيل:ثمان و ستّين سنة و قيل:إحدى و سبعين سنة،و في أدعية شهر رمضان:و ضاعف العذاب على من أشرك في دمه و هو المنصور (1).

[في]الأمالي،عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم جعفر بن محمّد عليهما السّلام:اللّه وليّي و عصمتي من خلقه (2).

[في]الخرائج:عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام إنّه قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد فسمّوه الصادق فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة كاذبا،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في حفظ اللّه فكان كما ذكر (3).

[في]المناقب،كان الصادق عليه السّلام ربع القامة أزهر الوجه حالك الشعر يعني أسوده أشمّ الأنف أي أحسنه و هو ارتفاع قصبة الأنف و حسنها،رقيق البشرة على خدّه خال أسود2.

ص: 128


1- -المناقب:435/3،و الكافي:310/1 ح 13.
2- -أمالي الصدوق:543 ح 5،و الكافي:474/6 ح 8.
3- -الخرائج و الجرائح:269/2 ح 12،و الأحتجاج:49/2.

و على جسده حبلان حمرة و كان اسمه جعفر و يكنّى أبا عبد اللّه و أبا إسماعيل و الخاص أبو موسى،و ألقابه:الصادق و الفاضل و الطاهر و القائم و الكافل و المنجي،و إليه تنسب الشيعة الجعفرية و مسجده في الحلّة (1).

و في الفصول المهمّة:نقش خاتمه ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه أستغفر اللّه (2).

و في الكفعمي:نقش خاتمه:اللّه خالق كلّ شيء (3).

و في المكارم،عن أبي الحسن عليه السّلام:كان نقشه:أنت ثقتي فاعصمني من خلقك (4).

و عن إسماعيل بن موسى:يا ثقتي قني شرّ جميع خلقك (5).

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:في خاتمي مكتوب:اللّه خالق كلّ شيء (6).

و عن إبراهيم بن عبد الحميد:أنت ثقتي فقني شرّ خلقك (7).

و في الكافي عن الرضا عليه السّلام:أنت ثقتي فاعصمني من الناس،و قيل غير ذلك و لا منافاة،لأنّ خواتيمه عليه السّلام كانت متعدّدة على تعداد الخواتيم المسنونة بل يوجد منها ما هو مكرّر (8).

[في]بشائر المصطفى عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا حضرت أبي الوفاة قال:يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا،قلت:جعلت فداك و اللّه لادعنهم و الرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا (9).6.

ص: 129


1- -المناقب:400/3،و بحار الأنوار:9/47 ح 5.
2- -الكافي:473/6.
3- -بحار الأنوار:10/47 ح 7.
4- -مكارم الأخلاق:89،و دلائل الأمامة:247.
5- -مكارم الأخلاق:91،و بحار الأنوار:10/47.
6- -الكافي:473/6 ح 2،و بحار الأنوار:10/47.
7- -الكافي:473/6 ح 3،و بحار الأنوار:11/47.
8- -الكافي:473/6 ح 4،و بحار الأنوار:11/47.
9- -الكافي:306/1 ح 1،و شرح أصول الكافي 172/66.
فيه مخرج الضحك و العقل و الحزن و النفس

[في]كتاب النصوص عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند الباقر عليه السّلام إذ دخل ابنه جعفر و على رأسه ذؤابة و في يده عصا يلعب بها فأخذه الباقر عليه السّلام و ضمّه إليه ثمّ قال:بأبي أنت و امّي لا تلهو و لا تلعب،ثمّ قال:يا محمّد هذا إمامك بعدي فاقتد به و اقتبس من علمه و هو الصادق الذي وصفه لنا رسول اللّه و أنّ شيعته منصورون و أعداءه ملعونون على لسان كلّ نبيّ،فضحك جعفر عليه السّلام و احمرّ وجهه فالتفت إليّ أبو جعفر عليه السّلام و قال لي:سله،قلت:

يابن رسول اللّه من أين الضحك؟

قال:يا محمّد العقل من القلب و الحزن من الكبد و النفس من الرئّة و الضحك من الطحال،فقمت و قبّلت رأسه (1).

[في]الأمالي،عن محمّد الأزدي قال:سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول:

كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام فيقدّم لي مخدّة و يعرف لي قدرا و كان لا يخلو من أحد ثلاث خصال؛إمّا صائما و إمّا قائما و إمّا ذاكرا،و لقد حججت معه سنة.

فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخرّ من راحلته فقلت:قل يا ابن رسول اللّه،و لابدّ أن يقول،فقال:يابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللّهم لبّيك و أخشى أن يقول عزّ و جلّ:لا لبّيك و لا سعديك.

[في]العلل،عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ترك أبو عبد اللّه عليه السّلام السواك قبل أن يقبض بسنتين و ذلك أنّ أسنانه ضعفت (2).

و عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:نعي إلى الصادق عليه السّلام ابنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه فتبسّم ثمّ دعى بطعامه و قطع ندمائه و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيّام و يحدثّ ندماؤه و يضع بين أيديهم و يعجبون منه أن لا يروا

ص: 130


1- -مستدرك سفينة البحار:235/1،و بحار الأنوار:15/47.
2- -أمالي الصدوق:234،و بحار الأنوار:16/47.

للحزن أثرا.

فلمّا فرغ قالوا:يا ابن رسول اللّه لقد رأينا عجبا أصبت بمثل هذا الابن و أنت كما ترى؟

قال:و ما لي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين إنّي ميّت و إيّاكم،إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم و سلّموا الأمر لخالقهم (1).

و عن معلّى بن خنيس قال:خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام في ليلة قد رشت السماء و هو يريد ظلّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا هو قد سقط منه شيء،فقال:بسم اللّه اللّهم ردّه علينا،فأتيته فسلّمت عليه فقال معلى:قلت:نعم،جعلت فداك،فقال:التمس بيدك فما وجدت من شيء فأدفعه إليّ فإذا أنا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب من خبز فقلت:جعلت فداك أحمله عنك فقال:لا،أنا أولى به منك و لكن امض معي فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ الرغيف و الرغيفين تحت ثوب كلّ واحد حتّى أتى على آخرهم ثمّ انصرفنا،فقلت:جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ فقال:لو عرفوا لواسيناهم بالدقّة يعني الملح المدقوق (2).

أقول: لعلّهم كانوا من المستضعفين لا يعاندون على الحقّ و لا يعرفونه.

و في بعض الأخبار:أنّ هؤلاء ممّن يرجى لهم النجاة إمّا لضعف عقولهم أو لعدم إتمام الحجّة عليهم.

[في]بصائر الدرجات،عن معاوية بن وهب قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة و هو راكب حماره فنزل و قد كنّا صرنا إلى السوق فنزل و سجد و أطال السجود و أنا أنتظره ثمّ رفع رأسه فقلت:جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت؟

قال:إنّي ذكرت نعمة اللّه عليّ،قلت:قرب السوق و الناس يجيئون و يذهبون؟قال:

إنّه لم يرني أحد (3).

أقول: سجدة الشكر مستحبّة عند كلّ نعمة و دفع كلّ نقمة حتّى أنّه ورد في الحديث7.

ص: 131


1- -مشكاة الأنوار:526،و بحار الأنوار:18/47.
2- -بحار الأنوار:20/47،و ثواب الأعمال:144.
3- -بصائر الدرجات:515،و الخرائج و الجرائح:757/2 و بحار الأنوار:21/47.

إذا كنت في مجالس المخالفين و ذكرت نعمة للّه عليك و لم تتمكّن من سجود الشكر لأنّهم يذهبون إلى أنّها بدعة فضع يدك على بطنك و انحن توهم أنّ في بطنك وجعا،و كذلك إذا كنت راكبا تضع بطنك على القربوس منحنيا و أوّل من فعلها أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا أمره النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالمبيت على فراشه ليفديه بنفسه فسجد شكرا للّه سبحانه على وقايته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنفسه و مع ذلك قال أهل السنّة سجدة الشكر بعد الصلاة و غيرها بدعة و هي مذهب اليهود و الرافضة.

[في]الخرائج:روى أنّ الباقر عليه السّلام كان في الحجّ و معه ابنه جعفر عليه السّلام إذ أتاه رجل فسلّم عليه و قال:اريد أن أسألك،فقال:سل ابني جعفرا،فتحوّل إليه و قال:أسألك عن رجل أذنب ذنبا عظيما أفطر يوما في شهر رمضان متعمّدا،قال:أعظم من ذلك؟

قال:زنا في شهر رمضان،قال:أعظم من ذلك؟

قال:قتل النفس،قال:إن كان من شيعة عليّ عليه السّلام مشى إلى بيت اللّه الحرام و حلف أن لا يعود و إن لم يكن من شيعته فلا بأس،فقال له الرجل:رحمكم اللّه يا ولد فاطمة ثلاثا هكذا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،ثمّ إنّ الرجل ذهب فالتفت أبو جعفر عليه السّلام[إلى جعفر] (1)فقال:عرفت الرجل؟[قال:لا قال:] (2)ذلك الخضر إنّما أردت أن أعرفكه (3).

أقول: قوله عليه السّلام؛لا بأس،يعني إنّه ليس له كفّارة و لا تنفعه الكفّارة فهو من باب و من عاد فينتقم اللّه منه،و ذلك لأنّ ما هو عليه من ترك الإيمان أعظم ممّا أتى به من الذنب،و أمّا المشي إلى بيت اللّه الحرام فهو من مكمّلات هذه التوبة لعظم الذنب.

[في]الخرائج:روى أنّ أبا عمارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رأيت في النوم كأنّ معي قناة،قال:كان فيها زج؟

قلت:لا،قال عليه السّلام:لو رأيت فيها زجّا لولد لك غلام لكنّه يولد لك جارية ثمّ مكث ساعة ثمّ قال:كم في القناة من كعب؟

قلت:اثنا عشر كعبا،قال:تلد الجارية اثنتي عشرة بنتا،فحدّثت بهذا الحديث7.

ص: 132


1- -زيادة في المصدر.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الخرائج و الجرائح:632/2،.و بحار الأنوار:21/47.

العبّاس بن الوليد فقال:أنا من واحدة منهنّ (1).

أقول: فيه دلالة على أنّ تعبير الرؤيا ليس له قانون كلّي يرجع إليه،و لا يعرفه على حقيقته إلاّ من عرف مواليد الخلق و طباعهم و أمزجتهم و لا يكون إلاّ الإمام عليه السّلام،و أمّا أهل تعبير الرؤيا كابن سيرين و نحوه فتعبيرهم للرؤيا إنّما هو بالقياسات و الاعتبارات و هي تصيب تارة و تخطئ اخرى،و لو أنّ أحدا رأى هذه الرؤيا غير أبي عمارة لم يكن فيه هذا التعبير بعينه لاختلاف حالات الأشخاص.نعم،ورد في الحديث إنّ الرؤيا على ما تعبّر.

و روي أيضا أنّ المنام طائر إذا قصّ وقع فلعلّ وقوع ما يوافق التعبير مبنيّ على هذا و قد حقّقنا الكلام في هذا المقام في المجلّدة الثانية من كتاب كشف الأسرار لشرح الاستبصار و القناة و الرمح و الزج بالضم الحديد في أسفله (2).

[في]المحاسن:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام ربّما[أطعما] (3)الغرابي و الأخبصة ثمّ يطعم الخبز و الزيت فقيل له:لو دبّرت أمرك حتّى يعتدل؟

فقال:إنّما تدبيرنا من اللّه إذا وسّع اللّه علينا وسعنا و إذا أقتر قتّرنا.

أقول: الغرابي الخبز فيه السكّر و الخبيص طعام معمول من التمر و السمن.

و عن عبد الأعلى قال:أكلت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فدعى و أتى بدجاجة محشوّة و بخبيص فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:هذه أهديت لفاطمة ثمّ قال:يا جارية ائتينا بطعامنا المعروف،فجاءت بثريد خلّ و زيت (4).

و عن أبي الهياج قال:كان جعفر بن محمّد يطعم حتّى لا يبقي لعياله شيء.

أقول: هذا محمول على طعام خاصّ يتصدّق منه و يبقي لهم من غيره.

[في]كتاب الفنون:نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم فتوهمّ أنّ هميانه سرق فخرج فرأى جعفر الصادق عليه السّلام مصلّيا و لم يعرفه فتعلّق به و قال له:أنت أخذت همياني قال:ما كان فيه (5)؟7.

ص: 133


1- -الخرائج و الجرائح:639/2،و بحار الأنوار:22/47.
2- -التحفة السنية:319.
3- -زيادة من المصدر.
4- -المحاسن:400/2،و بحار الأنوار:22/47 ح 22.
5- -مستدرك الوسائل:206/7،و بحار الأنوار:23/47.

قال:ألف دينار فحمله إلى منزله و وزن له ألف دينار و عاد إلى منزله و وجد هميانه فعاد إلى جعفر عليه السّلام معتذرا بالمال فأبى قبوله،قال:شيء خرج من يدي لا يعود إليّ فسأل الرجل عنه فقيل:هذا جعفر الصادق،قال:لا جرم هذا فعال مثله.

دخل السلمي على الصادق عليه السّلام فوجده عليلا فدعا له فأعطاه أربعمائة و سأله سائل حاجة فقضاها فجعل الرجل يشكر،فقال عليه السّلام،شعر:

إذا ما طلبت خصال الندى *** و قد عظك الدهر من جهده

فلا تطلبنّ إلى كالح *** أصاب اليساره من كدّه

و لكن عليك بأهل العلى *** و من ورث المجد عن جدّه (1)

أقول: هذا الذي أصاب الغنا من التعب و الكدّ يكون شحيحا لأنّه جديد الغنا،و يقال بالفارسية نوكيسه.

و في الحديث عنه عليه السّلام:لئن أدخل يدي في فم التنين إلى المرفق خير من أن أسأل من لم يكن فكان (2).

[في]كتاب الروضة:دخل سفيان الثوري على الصادق عليه السّلام فرآه متغيّر اللون سأله عن ذلك،فقال:كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت فدخلت فإذا جارية من جواري ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم و الصبي معها.

فلمّا أبصرت بي ارتعدت و تحيّرت و سقط الصبي إلى الأرض فمات فما تغيّر لوني لموت الصبي و إنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب،فقال لها:أنت حرّة لوجه اللّه تعالى لا بأس عليك مرّتين (3).

و عنه عليه السّلام،شعر:

تعصي الأله و أنت تظهر حبه *** هذا لعمر كله في الفعال قبيح

لو كان حبك صادقا لأطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع

و عنه عليه السّلام،شعر:7.

ص: 134


1- -المناقب:395/3،و بحار الأنوار:24/47.
2- -السرائر:622/3،و الحدائق الناظرة:40/18.
3- -المناقب:395/3،و بحار الأنوار:24/47.

علم المحبّة واضح لمريده *** و أرى القلوب عن المحجّة في عما

و لقد عجبت لهالك و نجاته *** موجودة و لقد عجبت لمن نجا (1)

و قال عليه السّلام،شعر:

اعمل على مهل فإنّك ميّت *** و اختر لنفسك أيّها الإنسانا

فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى *** و كأنّما هو كائن قد كانا (2)

و له عليه السّلام،شعر:

في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا *** و للبرية نحن اليوم برهان

نحن البحور التي فيها لغايصكم *** درّ ثمين و ياقوت و مرجان

مساكن القدس و الفردوس نملكها *** و نحن للقدس و الفردوس خزّان

من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه *** و من أتانا فجنّات و ولدان (3)

قال الصادق عليه السّلام لضريس الكناسي:لم سمّاك أبوك ضريسا؟

قال:كما سمّاك أبوك جعفرا،قال:إنّما سمّاك أبوك ضريسا بجهل،لأنّ لإبليس ابنا يقال له ضريس و إنّ أبي سمّاني جعفرا بعلم على اسم نهر في الجنّة (4).

[عن]ابن أبي حفصة قال:لمّا مات الباقر عليه السّلام قلت لأصحابي:انتظروني حتّى أدخل على جعفر بن محمّد فأعزّيه فدخلت عليه فعزّيته فقلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ذهب و اللّه من كان يقول:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،فلا يسأل عمّن بينه و بين رسول اللّه،فسكت ساعة ثمّ قال عليه السّلام:قال اللّه عزّ و جلّ:إنّ من يتصدّق بشقّ تمرة فأربيها له كما يربّي أحدكم فلوه حتّى أجعلها له مثل أحد فخرجت إلى أصحابي فقلت:ما رأيت أعجب من هذا كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بلا واسطة فقال لي أبو عبد اللّه:قال اللّه عزّ و جلّ بلا واسطة (5).

[في]المناقب،ينقل عن الصادق عليه السّلام ما لا ينقل عن أحد و قد جمع أصحاب7.

ص: 135


1- -أمالي الصدوق:578 ح 5،و بحار الأنوار:180/2 ح 2.
2- -أمالي الصدوق:578 ح 6،و بحار الأنوار:180/2 ح 2.
3- -المناقب:397/3،و بحار الأنوار:25/47.
4- -المناقب:397/3،و بحار الأنوار:26/47.
5- -بحار الأنوار:27/47 ح 27.

الحديث أسماء الرواة من الثقاة على اختلافهم في الآراء و المقالات و كانوا أربعة آلاف رجل (1).

و روى عنه مالك و الشافعي و أبو حنيفة.

و كانت امّ أبي حنيفة في حبالة الصادق عليه السّلام.و جاء إليه أبو حنيفة يوما ليسمع منه فخرج عليه السّلام يتوكّأ على عصاء،فقال له أبو حنيفة:يا ابن رسول اللّه ما بلغت من السنّ ما يحتاج معه إلى العصا؟

قال:هو كذلك و لكنّها عصا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أردت التبرّك بها،فوثب أبو حنيفة و قال:اقبّلها يا ابن رسول اللّه،فحسر عليه السّلام عن ذراعه و قال له:و اللّه لقد علمت أنّ هذا بشر رسول اللّه و هذا من شعره فما قبّلته و تقبّل عصاه (2).

و كان أبو يزيد البسطامي خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة.

و قال أبو جعفر الطوسي:كان إبراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه عليه السّلام.

و دخل إليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال:هذا و اللّه يا ابن رسول اللّه الجوهر،فقال له:بل هذا خير من الجوهر و هل الجوهر إلاّ حجر (3).

[في]الكافي عن حفص بن غياث قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يتخلّل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضّأ عندها ثمّ ركع و سجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثمّ استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثمّ قال:يا حفص إنّها و اللّه النخلة التي قال اللّه جلّ ذكره لمريم عليها السّلام وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (4).

أقول: مريم عليها السّلام كانت في البيت المقدّس.

فلمّا فاجآها المخاض خرجت من المسجد قالت لها الملائكة:هذا بيت العبادة لا بيت الولادة فأتت تلك الساعة إلى الكوفة طويت لها الأرض حتّى وضعت حملها و حملته معها و رجعت إلى بيت المقدس،و أمّا مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام فكانت امّه فاطمة بنت5.

ص: 136


1- -المناقب:373/3،و اسماء المقال في علم الرجال:152/2،و بحار الأنوار:2747 ح 27.
2- -بحار الأنوار:323/75،و المناقب:373/3.
3- -المناقب:373/3،و بحار الأنوار:29/47.
4- -سورة مريم:25.

أسد تطوف حول الكعبة.

فلمّا جاءها المخاض انشقّ البيت و نوديت ادخلي وضعي الحمل فدخلت الكعبة و وضعت أمير المؤمنين عليه السّلام فهذا فضل أمير المؤمنين عليه السّلام على غيره (1).

و عن محمّد بن راشد قال:حضرت عشاء جعفر بن محمّد عليهما السّلام الصيف فأتي بخوان عليه خبز و أتي بجفنة فيها ثريد و لحم يفور فوضع يده فيها فوجدها حارّة ثمّ رفعها و هو يقول:نستجير باللّه من النار نعوذ باللّه من النار نحن لا نقوى على هذا فكيف النار فجعل يكرّر هذا الكلام حتّى أمكنت القصعة فوضع يده فيها و وضعنا أيدينا فأكلنا ثمّ إنّ الخوان رفع فقال:يا غلام ائتنا بشيء فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فإذا هو تمر،فقلت:

أصلحك اللّه هذا زمان الأعناب و الفاكهة فقال:إنّه تمر،ثمّ قال:ارفع هذا و أتنا بشيء فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فقلت:هذا تمر،فقال:إنّه طيّب.

و عن هشام بن سالم قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا ذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز و لحم و دراهم فحمله على عاتقه ثمّ ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم و لا يعرفونه.

فلمّا مضى أبو عبد اللّه عليه السّلام فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان أبو عبد اللّه عليه السّلام (2).

و عن هارون بن خارجة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لمحمّد ابنه:يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟

قال:أربعون دينارا،قال:اخرج فتصدّق بها قال:إنّه لم يبق معي غيرها قال:إنّ اللّه يخلفها أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها ففعل فما لبث أبو عبد اللّه عليه السّلام عشرة حتّى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار فقال:يا بني اعطينا للّه أربعين دينارا فأعطانا اللّه أربعة آلاف دينار (3).

و عن ابن المقدام قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام قد أتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه.7.

ص: 137


1- -الكافي:143/8 ح 111،و بحار الأنوار:208/14 ح 5.
2- -الكافي:164/8 ح 147،و بحار الأنوار:37/47.
3- -الكافي:9/4 ح 3،و بحار الأنوار:38/47.

أقول: الضبّة الفضّة تلصق بالشيء (1).

و عن هارون بن الجهم قال؛كنّا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة فختن بعض القوّاد ابنا له و صنع طعاما و دعى الناس و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام فيمن دعا فبينما هم على المائدة إذ استسقى رجل منهم ماء فأتي بقدح فيه شراب،فقام أبو عبد اللّه عليه السّلام من المائدة و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر.

و قال عليه السّلام لأصحابه:أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا.

و نهى عليه السّلام عن استخدام الضيف و كان يقول:الخلّ و الزيت طعامنا و طعام الأنبياء (2).

[في]الكافي،عن بعض أصحابنا قال:شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام الوجع فقال:إذا آويت إلى فراشك فكل سكّرتين ففعلت ذلك فبرأت فأخبرت بعض المتطيبين و كان أعرف أهل بلادنا فقال:من أين عرف أبو عبد اللّه عليه السّلام هذا؟هذا من مخزون علمنا أمّا انّه صاحب كتب فينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه.

و كان عليه السّلام يعجبه الجبن و قال عليه السّلام:نعم الطعام الأرز يوسع الأمعاء و يقطع البواسير و إنّا لنغبط أهل العراق على الارز و البسر فإنّهما يوسّعان الأمعاء و يقطعان البواسير (3).

و عن محمّد بن الحسين الخزّاز عن أبيه قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه و فوقه جبّة صوف و فوقها قميص غليظ فقلت:جعلت فداك إنّ الناس يكرهون لباس الصوف فقال:كلاّ،كان أبي محمّد بن عليّ عليهما السّلام يلبسها و كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه يلبسها و كانوا عليهم السّلام يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة و نحن نفعل ذلك (4).

و عن مسمع بن عبد الملك قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمنى و بين أيدينا عنب نأكله فجاء سائل فسأله فأمر له بعنقود فأعطاه فقال السائل:لا حاجة لي في هذا،قال:يسع4.

ص: 138


1- -الكافي:267/6 ح 6،و بحار الأنوار:39/47 ح 43.
2- -الكافي:278/6 ح 2،و بحار الأنوار:40/47.
3- -مستدرك سفينة البحار:108/1،و الكافي:333/6 ح 5.
4- -بحار الأنوار:256/81 ح 54.

اللّه عليك فذهب ثمّ رجع فقال:ردّوا العنقود فقال:يسع اللّه لك و لم يعطه شيئا ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد اللّه عليه السّلام ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه فأخذها السائل من يده ثمّ قال:الحمد للّه ربّ العالمين.

فقال عليه السّلام:مكانك،فحثا ملأ كفّيه عنبا فناولها فأخذها إيّاه السائل من يده ثمّ قال:

الحمد للّه ربّ العالمين،فقال عليه السّلام:مكانك يا غلام أيّ شيء معك من الدراهم فإذا معه نحو عشرين درهما فناولها إيّاه فأخذها ثمّ قال:الحمد للّه هذا منك وحدك لا شريك لك، فقال عليه السّلام:مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال:البس هذا فلبسه فقال:الحمد للّه الذي كساني و سترني يا أبا عبد اللّه جزاك اللّه خيرا ثمّ انصرف و ذهب قال:فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد اللّه أعطاه (1).

و عن بعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:خرج علينا أبو عبد اللّه عليه السّلام و هو مغضب فقال:إنّي خرجت فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبّيك يا جعفر بن محمّد لبّيك فرجعت إلى منزلي خائفا و سجدت لربّي و عفّرت له وجهي و برئت إليه ممّا هتف بي ثمّ قال:لعن اللّه أبا الخطّاب و قتله بالحديد (2).

أقول: أبو الخطّاب هو الذي خرج بالكوفة و ادّعى الإلهية للصادق عليه السّلام و أنّه أرسله إلى أهل الكوفة.7.

ص: 139


1- -وسائل الشيعة:391/9،و بحار الأنوار:135/93.
2- -شرح أصول الكافي:301/12 ح 286،و بحار الأنوار:43/47.
صورة كتاب العتق

[عن]إبراهيم بن أبي البلاد قال:قرأت عتق أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا شرحه:هذا ما أعتق جعفر ابن محمّد أعتق فلانا غلامه لوجه اللّه لا يريد عنه جزاء و لا شكورا على أن يقيم الصلاة و يؤدّي الزكاة و يحجّ البيت و يصوم شهر رمضان و يتوالى أولياء اللّه و يتبرّأ من أعداء اللّه شهد فلان و فلان و فلان ثلاثة.

أقول: يستحبّ لمن أعتق مملوكه أن يكتب كتاب عتقه على هذا الوجه (1).

و روى في الكافي أطول من هذا عنه عليه السّلام[أن]حذيفة بن منصور قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العبّاس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أمّا إنّي ألبسه و أنا أعلم إنّه لباس أهل النار (2).

كراهة لبس السواد

أقول: السواد لباس بني العبّاس اخترعه لهم أبو مسلم الخراساني أوّل خروجه على بني اميّة لأنّه كان أشدّ هيبة على العدوّ و استمرّ الحال إلى خلافة المأمون فلمّا جعل الرضا عليه السّلام وليّ العهد أمر بلبس البياض و لمّا سمّ الرضا عليه السّلام أرجع السواد إلى حاله و يكره الصلاة في السواد إلاّ الكساء و الخفّ و العمامة.

[عن]الحسين بن المختار:قال أبي عبد اللّه عليه السّلام:اعمل لي قلانس بيضاء و لا تكسرها فإنّ السيّد مثلي لا يلبس المكسر (3).

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصا فيه قبّ أي رقعة فجعل ينظر إليه فقال عليه السّلام:ما لك تنظر؟

ص: 140


1- -تتمة الحدائق الناظرة:184/1،و الكافي:182/6 ح 2.
2- -الكافي:449/6 ح 2،و بحار الأنوار:45/47 ح 61.
3- -الكافي:462/6 ح 3،و بحار الأنوار:45/47 ح 62.

فقال:قب في قميصك فقال عليه السّلام:لا إيمان لمن لا حياء له و لا مال لمن لا تقدير له و لا جديد لمن لا خلق له (1).

أقول: معناه أنّ من لا خلق له لا يبقى له ثوب جديد بل تصير كلّها خلقانا بابتذالها كلّ يوم و يجوز أن يكون معناه أنّه مأمور بلبس الخلق فإذا لم يلبسه لم يرزقه اللّه الجديد.

[عن]ابن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و هو رافع يده إلى السماء:

ربّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا لا أقلّ من ذلك و لا أكثر،و تحدّرت دموعه على لحيته فقال:يابن أبي يعفور إنّ يونس بن متى و كله اللّه عزّ و جلّ إلى نفسه أقلّ من طرفة عين و أحدث ذلك الذنب،قلت:فبلغ به كفرا؟

قال:لا،و لكن الموت على تلك الحال هلاك (2).

تحيّة الخارج من الحمّام

[عن]عبد اللّه مسكان قال:لقينا أبو عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة خرجنا من الحمّام فقال:أنقى اللّه غسلكم فقلنا له:جعلنا اللّه فداك فدخل الحمّام و نحن ننتظره.

فلمّا خرج قلنا له:أنقى اللّه غسلك،فقال:طهّركم اللّه (3).

[عن]عبد اللّه بن عثمان:إنّه رأى أبا عبد اللّه عليه السّلام أحفى شاربه حتّى ألصقه بالعسيب يعني منبت الشعر (4).

[عن]أبو بصير قال:دخل أبو عبد اللّه عليه السّلام الحمّام،فقال له صاحب الحمّام:اخليه لك؟قال:لا حاجة لي في ذلك،المؤمن أخفّ من ذلك (5).

[عن]حسين بن عبد اللّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:في كم أقرأ القرآن؟

فقال:اقرأه أخماسا اقرأه أسباعا أمّا إنّ عندي مصحفا مجزئ أربعة عشر جزءا (6).

ص: 141


1- -بحار الأنوار:45/47 ح 62،و الأنوار البهية:159.
2- -الكافي:581/2 ح 15،و بحار الأنوار:387/14 ح 6.
3- -الحدائق الناظرة:539/5،و الكافي:500/6 ح 20.
4- -الكافي:487/6 ح 9،و بحار الأنوار:47/47 ح 68.
5- -الكافي:503/6 ح 37،و بحار الأنوار:47/47 ح 69.
6- -وسائل الشيعة:215/6،و بحار الأنوار:47/47 ح 70.
العطسة و أسبابها

عن رجل من العامّة قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين تخرج العطسة؟

قلت:من الأنف،فقال لي:أصبت الخطأ،فقلت:جعلت فداك من أين تخرج؟ قال:من جميع البدن كما أنّ النطفة تخرج من جميع البدن و مخرجها من الإحليل أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاؤه و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيّام.

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى:ورد في الأخبار عن السادة الأطهار صلوات اللّه عليهم أنّ الإنسان إذا غفل عن ربّه و عن حمده بعث اللّه عزّ و جلّ ملكا يدخل في جوفه و يسوق الرياح المعقدة الفاسدة المضرّة بالأبدان فإذا خرجت ذكر اللّه و حمده على تلك النّعمة و صلّى على محمّد و أهل بيته فيكون في العطسة فوائد متعدّدة؛منها:إخراج ما فيه أضرار بالبدن كالريح.

و منها:تذكّر الربّ عزّ جلاله و حمده على ذلك.

و منها:أنّها علامة صدق الكلام المقارنة له كما جاء في الرواية.

و منها:اخبار الإنسان بامتداد عمره إلى سبعة أيّام و إلاّ فالموت متوقّع في كلّ طرفة عين كما قال عليه السّلام:لا غائب أقرب من الموت (1).

جلسة التورّك

[عن]حمّاد بن عثمان قال:جلس أبو عبد اللّه عليه السّلام متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى فقال له رجل:جعلت فداك هذه جلسة مكروهة فقال:لا،إنّما هو شيء قالته اليهود لمّا أن فرغ اللّه عزّ و جلّ من خلق السماوات و الأرض و استوى على العرش جلس هذه الجلسة ليستريح فأنزل اللّه عزّ و جلّ: اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ (2)و بقي أبو عبد اللّه عليه السّلام متورّكا كما هو.

أقول: هذه الجلسة ورد في خبر آخر أنّها جلسة الجبابرة و ورد في وجه الجمع أنّ من

ص: 142


1- -الكافي:657/2 ح 23،و بحار الأنوار:47/47 ح 71.
2- -سورة البقرة:255.

قصد بها التكبير كما هو المعتاد منها كانت مكروهة و إن قصد منها الاستراحة لم تكن مكروهة (1).

[عن]مرازم بن حكيم قال:أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بكتاب في حاجة فكتب ثمّ عرض عليه و لم يكن فيه استثناء فقال:كيف رجوتم أن يتمّ هذا و ليس فيه استثناء انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.

أقول: الاستثناء هنا المراد منه مشيئة التبرّك و التعليق الواقعي (2).

دواء الشقاق

شكى رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام شقاقا في يديه و رجليه فقال له:خذ قطنة و اجعل فيها نار وضعها في سرّتك،فقال إسحاق بن عمّار:جعلت فداك يجعل البان في قطنة و يجعلها في سرّته؟

فقال:أمّا أنت يا إسحاق فصب البان في سرّتك فإنّها كبيرة.

قال ابن اذينة:لقيت الرجل بعد ذلك فأخبرني أنّه فعله مرّة واحدة فذهب عنه.

[عن]حمزة بن حمران قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يصلّي فعددنا في ركوعه سبحان ربي العظيم و بحمده أربعا و ثلاثين أو ثلاثا و ثلاثين مرّة (3).

[عن]موسى بن أشيم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأوّل فدخلني من ذلك ما شاء اللّه،فقلت في نفسي:تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في (الواو)و شبهه و جئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه،فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني و أخبر صاحبي فسكنت نفسي و علمت أنّ ذلك تقيّة ثمّ التفت إليّ،فقال:يابن أشيم إنّ اللّه عزّ و جلّ فوضّ إلى سليمان بن داود عليهما السّلام فقال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ و فوّض إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و اله فقال: ما آتاكُمُ

ص: 143


1- -الكافي:661/2 ح 5،و بحار الأنوار:48/47.
2- -السرائر:630/3،و الكافي:673/2 ح 7.
3- -الكافي:523/6 ح 2،و وسائل الشيعة:166/2 ح 3.

اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1) فما فوّض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقد فوّضه إلينا.

أقول: جاء في الحديث إنّه عليه السّلام كان يخالف بين أصحابه في الفتوى باعتبار اختلاف أهل المذاهب من العامّة و أنّ أصحابه كلّ جماعة في بلد من بلدان المخالفين يحتاجون إلى العمل بالتقيّة فيما يوافق مذهب أهل الخلاف في ذلك البلد (2).

قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك بلغني أنّك تفعل في غلّة عين زياد شيئا و أنا أحبّ أن أسمعه منك،فقال لي:نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا و كنت آمرّ في كلّ يوم أن يوضع عشرة قداح يقعد على كلّ قدح عشرة كلّما أكل عشرة جاء عشرة اخرى يلقى لكلّ نفس منهم مدّ من رطب و كنت أمرّ الجيران الضيعة كلّهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر أن يجيء فيأكل منها لكلّ إنسان منهم مدّ،فإذا كان الجداد وفيت القوّام و الوكلاء و الرجال أجرتهم و أحمل الباقي إلى المدينة ففرعت في أهل البيوتات و المستحقّين الراحلتين و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر على قدر استحقاقهم و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلّتها أربعة آلاف دينار (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان بيني و بين رجل قسمة أرض و كان الرجل صاحب نجوم و كان يتوخّى ساعة السعود فيخرج فيها و أخرج أنا في ساعة النحوس،فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين فضرب الرجل بيده اليمنى على اليسرى ثمّ قال:ما رأيت كاليوم قط إنّي أخرجتك في ساعة النحوس و خرجت أنا في ساعة السعود فاقتمسنا فخرج لك خير القسمين،فقلت:حدّثني أبي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من سرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يوم فليفتتح يومه بصدقة يذهب اللّه بها عنه نحس يومه،و من أحبّ أن يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه نحس ليلته فقلت:إنّي افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم (4).4.

ص: 144


1- -سورة الحشر:7.
2- -الكافي:265/1 ح 2،و بحار الأنوار:50/47.
3- -جواهر الكلام:229/15،و الكافي:569/3 ح 2.
4- -وسائل الشيعة:392/9،و بحار الأنوار:52/47 ح 84.

و عنه عليه السّلام قال:المعروف ابتدا و أمّا من أعطيته بعد المسألة فإنّما كافيته بما بذل لك من وجهه يبيت ليلته ارقا متململا يمثل بين الرجاء و الإياس لا يدري أنّ يتوجّه لحاجته ثمّ يعزم القصد لها فيأتيك و قلبه يرجف و فرائصه ترعد قد ترى دمعه في وجهه لا يدري أيرجع بكآبة أم بفرح (1).

و عنه عليه السّلام إنّه كان يتصدّق بالسكّر[فقيل له:أتتصدق بالسكر؟فقال:نعم،] (2)قال:

إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ.أقول:و ذلك كما جاء في الحديث نظرا إلى قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (3)(4).

[عن]حمّاد بن عثمان قال:قال رجل للصادق عليه السّلام:ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس الخشن و يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك،و نرى عليك اللباس الجديد فقال:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السّلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السّلام و سار بسيرة عليّ عليه السّلام (5).

أقول: جاء في حديث دخول الصوفيّة عليه و اعتراضهم بمثل هذا جوابات كثيرة، منها:إنّ المسلمين في صدر الإسلام كانوا في ضيق من العيش و الآن قد اتّسع الوقت و طابت المعيشة و أحقّ الناس بها الأبرار و نحن قوم إذا وسّع اللّه علينا وسّعنا على أنفسنا و إذا ضيّق علينا ضيّقنا على أنفسنا.

و منها:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان خليفة و سلطانا و سلك في وقته مثل فقراء رعيّته و نحن إذا جاءنا الأمر كنّا مثله كما ذكره في هذا الحديث من قوله:غير أنّ قائمنا أهل البيت.

و منها:امتثال قوله تعالى: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أنّ المراد كما جاء في الحديث التحديث بالفعل بأن يرى اللّه تعالى و يرى الخلق آثار نعمة اللّه سبحانه على عبده و من أعطاه8.

ص: 145


1- -الكافي:23/4 ح 2،و وسائل الشيعة:456/9 ح 1.
2- -زيادة من المصدر.
3- -سورة آل عمران:92.
4- -الكافي:61/4 ح 3،و بحار الأنوار:53/47 ح 86.
5- -الكافي:411/1 ح 4،و بحار الأنوار:336/40 ح 18.

اللّه سبحانه نعمة و لم ير من آثارها عليه كان كعبد يشكو من مولاه عدم العطاء و كان عليه السّلام يلبس ثوبا خشنا تحت ثيابه الجديدة و يقول:هذا تواضعا للّه تعالى و هذا إظهار النعمة.

و عنه عليه السّلام قال:مرّ بي أبي و أنا بالطواف و أنا حدث و قد اجتهدت بالعبادة قرآني و أنا أتصاب عرقا فقال:يا جعفر يا بني إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا أدخله الجنّة و رضي منه باليسير (1).

أقول: جاء في الحديث النهي عن الإنهماك في العبادة و الطاعة و ذكر لها سببان:

الأوّل: إنّه باعث إلى ضعف القوى و انقطاع الاستمرار على تلك العبادة كما قال عليه السّلام:

لا تكن كالمنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى،و المنبت المجدّ في السير المبالغ فيه و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أوائل النبوّة يصلّي الليل كلّه حتّى و رمت قدماه فأنزل عليه قوله عزّ و جلّ: طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2)أي لتتعب هذا التعب الذي أضرّ ببدنك ثمّ فرض عليه القيام لصلاة الليل لا الليل كلّه.2.

ص: 146


1- -بحار الأنوار:55/47 ح 94.
2- -سورة طه:2.
لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم

الثاني: إنّه يكره العبادة إلى النفس ورد في الحديث:لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم، لأنّ الإنهماك في الأمر و المبالغة فيه يدعو إلى[الملل]و ما يدعو إلى[الملل]يكون مكروها و إذا فعل يكون على وجه التكلّف لا على وجه الإقبال،و من ثمّ قال سيّد الموحّدين أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه:إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا فإذا أقبلت فأقبلوا على النوافل و إذا أدبرت فدعوها.

و كان الصادق عليه السّلام إذا عرض له الهمّ أو الغمّ ترك النوافل،و ذلك لما قلناه.

و جاء في الأخبار ضروب العبادات و الأدعية المأثورة في وقت لا يتّسع لها و السبب فيه يرجع إلى هذا،و ذلك إنّ رغبة الخلائق و طباعهم في الميل إلى فنون العبادات مختلف فيكون كلّ من يحبّ عبادة و يميل إليها يفعلها حتّى تكون الطاعات قد أتى بها على وجه الرغبة إليها (1).

و جاء في نوادر الأخبار قوله عليه السّلام:اخش اللّه خشية ليست بتعذير،يعني إنّه إذا أتى أحد بفعل و طاعة من باب الخوف فهي خشية تعذير و خشية كراهة فإن رضي به فهي خشية رضاء و خشية محبّة.و حاصل المعنى:أنّه لا يكون خوفك من اللّه عذرا من أمره بالخشية بل يكون من باب التعظيم و الرضا و استحقاقه للخشية فيرجع إلى قوله عليه السّلام:ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك (2).

و قوله عليه السّلام:لو لم يخلق جنّة و لا نارا أما كان يستحقّ العبادة،و ينبغي أن يعلم أنّ الأصل في الطاعات التي يستحقّ بها دخول الجنّة هو إيقاع العبادة على وجه الإخلاص و المحبّة لا التكثّر من العبادة كما ورد أنّه لمّا نزل قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً

ص: 147


1- -شرح أصول الكافي:298/9 ح 17،و بحار الأنوار:293/69.
2- -مستدرك الوسائل:258/7 ح 6،و شرح الأخبار:346/2.

حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ (1) في شأن غزوة تبوك عند تجهيز عسكره صلّى اللّه عليه و اله و مسيره إلى هرقل ملك الرّوم و جاء أهل المدينة بما جاؤوا به من الأموال و كان في المدينة رجل فقير و قد جاء بتمرة واحدة كانت في بيته نفضها من التراب و ألقاها بين التمور التي أتى بها أهل المدينة،و ما نزل قرآن إلاّ في الثناء عليه لأنّه أتى بها على وجه المحبّة و الإخلاص.

و كان أبو بكر يقول:إنّي تصدّقت في الصلاة بسبعين خاتما على أن ينزل فيّ ما نزل بعليّ بن أبي طالب فلم ينزل أيضا (2).

و جاء أيضا في الرواية استحباب تفريق الصلوات و العبادات على البقاع و الأمكنة لتشهد له يوم القيامة كلّها،و لأنّ تفريقها على البقاع يبعث على النشاط في إيقاعها على وجه المحبّة و الإقبال،لأنّ المداومة على إيقاع الشيء في المكان الواحد يدعو إلى[الملل] و السآمة و ينكس الطباع عن الرغبة و الإقبال.

و قال عليه السّلام:إنّ الأرواح تكلّ كما تكلّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة (3).

و كان ابن عبّاس إذا فرغ من التدريس و رواية الأحاديث يقول لتلاميذه:حمضونا حمضونا فيخوضون عند ذلك في الأخبار و الأشعار و الطرائف و الحكم.

و كان صلّى اللّه عليه و اله ينبسط مع أصحابه في المزاح.

و كذلك الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل الصلوات و أكمل التسليمات.

[في]الكافي،عن حفص قال:بعث أبو عبد اللّه عليه السّلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج عليه السّلام في اثره فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتّى انتبه فقال له:يا فلان و اللّه ما ذلك لك تنام الليل و النهار،لك الليل و لنا منك النهار (4).

أقول: هذا على وجه الاستحباب و الأولويّة يعني يستحبّ للمولى أن لا يستخدم مملوكه بالليل سيما الاستخدام الطويل بطول الجلوس.

و كان أوثق مشايخنا يأمر عبده أوّل الليل بتهيئة بعض الامور التي يحتاج إليها في أثناء7.

ص: 148


1- -سورة البقرة:245.
2- -مستدرك الوسائل:258/7 ح 6،و شرح الأخبار:346/2.
3- -اللمعة البيضاء:475.
4- -الكافي:112/2 ح 7،و بحار الأنوار:405/67.

المطالعة ثمّ يقول له:اذهب في شأنك النهار لنا و الليل لك.

و كان الصادق عليه السّلام يعطي البضاعة من ماله يتّجر له بها و يقول:ليس لي رغبة في ربحها و لكنّي أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده.

و كان إذا أتى بربح فرح بذلك فرحا شديدا (1).

أقول: ورد أنّ تسعة أعشار الرزق في التجارة.

و روي أيضا أنّ تسعة أعشار الرزق في الزراعة و الجمع بينهما إمّا بإدخال الزراعة في التجارة،و إمّا بالحمل على معنى أنّ من يرتكب التجارة أو الزراعة يحصل له من الرزق ما يوازي تسعة أعشار لو ارتكب غيرهما من حرف الكسب.

[في]الكافي،عن أبي حنيفة سايق الحاج قال:مرّ بنا المفضل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فقال لنا؛تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها من عنده و قال:أمّا أنّها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابي في شيء أن أصلح بينهما و أفتديهما من ماله،فهذا من مال أبي عبد اللّه عليه السّلام.

أقول: خاف عليه السّلام على شيعته إنّهم إذا تنازعوا يصل بهم النزاع و الخصام إلى قضاة العامّة و حكّامهم (2).

و روي أنّه عليه السّلام كان يتلو القرآن في صلاته فغشي عليه.

فلمّا أفاق سئل ما الذي أوجب هذا؟

فقال:ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّى كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها (3).

أقول: روي أنّه عليه السّلام كان يقرأ سورة فاتحة الكتاب في صلاته.

فلمّا بلغ إيّاك نعبد ما زال يكرّرها حتّى قال بعد ذلك:ما زلت أكرّرها حتّى سمعتها من قائلها،و الصوفية لمّا سمعوا هذا الحديث طاروا من الطرب و استفزّهم الفرح و قالوا:إنّ الاتّصال بالحضرة الإلهية واقع للمشايخ من أهل السلوك حتّى أنّ أبا زيد البسطامي كان يقول:انتزعت من جلدي انتزاع الحيّة من اهابها فإذا أنا هو.4.

ص: 149


1- -الكفي:76/5 ح 12،و بحار الأنوار:56/47.
2- -الكافي:209/2 ح 4،و بحار الأنوار:58/47 ح 106.
3- -مستدرك الوسائل:107/4.

و حكي عن الشيخ العطّار أنّه كان يقول:ليس في جبّتي سوى اللّه (1).

و حكى أصحاب عبد القادر الجيلاني أنّ رجلا سأله:لأيّ سبب ما حججت الكعبة؟

فقال له:غمّض عينك فغمّضها ثمّ قال له:افتح عينك.

فلمّا فتحها نظر إلى الكعبة و هي تطوف حول عبد القادر فقال:إذا كان المطاف يطوف حولي كيف أمضي إليه و قد صحّ عندهم هذا الكلام و يلزم من صحّته أن يكون عبد القادر أفضل من الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام لأنّهم بأجمعهم حجّوا البيت و قصدوه من الأمكنة البعيدة و طلبوا الفضل و البركة و قبول الدّعاء في مناسكه و مشاعره.

و أمّا شيخهم و محيّي دينهم ابن عربي،فكان يسمّي إبليس رئيس الموحّدين لأنّه ما أبى عن سجود آدم ترفّعا و تكبّرا على الحضرة الإلهية بل كان مقصده أنّه لا يسجد إلاّ للّه تعالى،و ذكر نكتة اخرى في امتناع إبليس عن السجود و هي أنّه استشعر أنّ الغرض من الأمر بالسجود لآدم أنّ الملائكة إذا اشتغلوا به علّم اللّه سبحانه آدم عليه السّلام الأسماء كلّها و هو أراد تعلّم ذلك العلم،فلذا أبى عن السجود و وقع على ما أراد من العلم و قد ذكرنا جملة وافية من أقوالهم التي لا تنطبق إلاّ على مذاهب الزنادقة و الكفرة في مجلّدات شرح تهذيب الحديث و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

و أمّا الصادق عليه السّلام الذي هو وارث علوم رسول اللّه و أمير المؤمنين و آبائه الطاهرين عليهم أفضل الصلوات فكلامه هذا من باب:لو كشف الغطاء[...ألخ] (2)و قائلها الذي ألقاها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هو الملك جبرئيل عليه السّلام و نحوه و سماعها منه ليس بمستغرب،لأنّ الملائكة كانت تزاحمهم على تكاياهم و كانت تخدمهم و تسعى في حوائجهم.

و أمّا الجهلة من الصوفية و أضرابهم فهم جنود الشيطان لإضلال الإنسان.

[عن]عمر بن يزيد قال:أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام يقتضيه فقال له:ليس عندنا اليوم شيء لكنّه يأتينا خطر و وسم فيباع و نعطيك إن شاء اللّه تعالى،فقال له الرجل:عدني، فقال:كيف أعدك و أنا لما لا أرجو أرجى منّي لما أرجو (3).5.

ص: 150


1- -نور البراهين:104/1،و كتاب الطهارة:81/2.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الحدائق الناظرة:198/20،و الكافي:96/5 ح 5.
فيه معنى رزق المؤمن من حيث لا يحتسب

أقول: يستفاد منه أنّ ترك الوعدة في قضاء الدّين أولى منها فيه،و في الحديث:أبى اللّه أن يرزق المؤمن إلاّ من حيث لا يحتسب و لا يدري و له أسباب منها إنّ الإنسان إذا علم بوصول رزقه إليه من جهة خاصّة و سبب خاص اعتمد على تلك الجهة و أعرض عن سؤال الرزق و التضرّع إلى اللّه تعالى بطلبه و هو سبحانه و تعالى يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج و يطلب منه الرزق.و في الحديث القدسي:يا موسى سلني كلّ شيء حتّى ملح الطين.

و منها:أن يعلم أنّ أسباب التقدير لا تجري على ما يوافق التدبير فإنّه دبّر في رزقه أن يجري من ذلك السبب الخاص،و جاء التقدير من غيره فيعلم من هذا أنّ زيادة السعي في طلب الأرزاق لا مدخل له في تحصيلها.و في الحديث القدسي:ابن آدم لو ركضت مثل ركض الغزلان في البرية لم تقع من الرزق إلاّ على ما قدّرت لك.

و جاء في الحديث:إنّ اللّه سبحانه وسّع أرزاق الحمقى ليعلم العاقل أنّ الرزق لا يحصل بالحيلة و التدبير (1).

و منها:ترك الاهتمام في طلب الرزق فإنّ عبيد أهل الدّنيا لا يهتمّون لأرزاقهم بل يعلمون مجملا أنّ مواليهم متكفّلون لأحوالهم فلا غرض لهم إلاّ خدمتهم و السعي في تحصيل مراضيهم و ما يتقرّبون به إلى رضاهم.

[في]الكافي عن معتب قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام و قد تزايد السعر بالمدينة:كم عندنا من طعام؟

قلت:عندنا ما يكفينا أشهر كثيرة،قال:اخرجه و بعه،قلت:ليس بالمدينة طعام، قال:بعه.

فلمّا بعته قال:اشتر مع الناس يوما بيوم.و قال:يا معتب اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا و نصفا حنطة فإنّ اللّه يعلم أنّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها و لكنّي أحبّ أن

ص: 151


1- -ميزان الحكمة:1069/2،و الأمام جعفر الصادق:357.

يراني اللّه قد أحسنت تقدير المعيشة (1).

أقول: ورد في حديث آخر عن سلمان الفارسي أنّ النفس إذا أحرزت قوت سنتها استقرّت خصوصا في سنة الغلاء و تزايد الأسعار.

و أمّا هو عليه السّلام.

فلمّا كان مستقرّ النفس على كلّ حال و أراد المساواة مع الناس أمر وكيله معتب بما أمره به تطييبا لقلوب الناس و استجلابا لصبرهم على تحمّل مشاق المعيشة كما كان جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام يفعله زمن خلافته،فإنّه ما كان يأكل إلاّ سدّ الرمق و يقول:لعلّ باليمامة و نحوها من أطراف البلاد من لا يتمكّن من شبع بطنه،أيبيت عليّ بن أبي طالب شبعانا و في سلطانه من لا يقدر على الشبع،و كان يقول:أفعل هذا حتّى لا يتبيّغ بالفقير فقره،حتّى لا يغلبه الفقر فيخرجه إلى سوء الظنّ باللّه تعالى نظرا إلى قوله عليه السّلام:كاد الفقر أن يكون كفرا.

و أمّا غيره عليه السّلام فإنّ عرف من نفسه الاستقرار و اطمئنان النفس كان الأولى به أن يقتدي بالصادق عليه السّلام في مساواة الناس و ان عرف من نفسه الاضطراب و عدم الاستقرار و انّه لا يتوجّه في طاعاته إلى جناب الحقّ سبحانه فإن عمل بما يوجب اطمئنان نفسه فلا بأس عليه.

[عن]معمر بن خلاّد قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:إنّ رجلا أتى جعفرا عليه السّلام ناصحا له فقال:يا أبا عبد اللّه كيف صرت اتّخذت الأموال قطعا متفرّقة و لو كانت في موضع واحد كان أيسر لمنفعتها،فقال عليه السّلام:اتّخذتها متفرّقة فإن أصاب هذا المال شيء سلم هذا و الصرّة تجمع هذا كلّه (2).

أقول: هذا في معايش الدّنيا و أسباب تحصيلها و ورد هذا مثله في تحصيل المثوبات الاخروية و اجورها و انّه ينبغي أن يكون الإنسان كالعطّار يجمع كلّ طيّب و عطر لاختلاف الدّواع في شراء أنواع الطيب و كذلك التاجر فإنّه ينبغي أن يكون عنده المتاع المختلف إن لم يربح في هذا ربح في ذاك،و حينئذ فإذا أتى بالأعمال المتفرّقة كان إذا لم يقبل منه عمل قبل منه آخر و لو كان قليلا كما ورد أنّ من قبل اللّه منه صلاة ركعتين لم يحاسبه بعد ذلك9.

ص: 152


1- -الكافي:166/5 ح 2،و بحار الأنوار:60/47 ح 112.
2- -الكافي:91/5 ح 1،و بحار الأنوار:58/47 ح 109.

على شيء لأنّه سبحانه يقبل القليل و يجازي بالكثير.

روي أنّ رجلين دخلا الجنّة بحجر واحد و هو أنّه كان في طريق المارّة ماء قليل فوضع رجل حجرا يتردّد عليه الناس فدخل الناس بوضعه و لمّا جفّ الماء كان ذلك الحجر مضرّا بالطريق فرفعه رجل آخر فدخل الجنّة برفعه.

و مع هذا فالأعمال المقبولة أعزّ من الكبريت الأحمر.

حدّثني من أثق به أنّ المولى العالم الزاهد أحمد الأردبيلي تغمّده اللّه بغفرانه و أسكنه وسط جنانه لمّا درج إلى رحمة اللّه رآه بعض المجتهدين في المنام على أحسن الحال خارجا من زيارة ضريح أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:يا أحمد أيّ الأعمال بلغ بك إلى هذا الحال حتّى نلزمه و نداوم عليه؟

فقال:يا أخي إنّ سوق الأعمال كاسد في هذا الجانب و المشتري قليل و إنّما بلغ بنا إلى ما ترى هو حبّ صاحب هذا القبر.

[عن]الفضل بن أبي قرّة قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يبسط رداءه و فيه صرر الدنانير فيقول للرسول اذهب بها إلى فلان و فلان من أهل بيته و قلّ لهم:هذه بعث بها إليكم من العراق فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال فيقولون:أمّا أنت فجزاك اللّه خيرا بصلتك قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و أمّا جعفر فحكم اللّه بيننا و بينه.قال:فيخرّ أبو عبد اللّه عليه السّلام ساجدا و يقول:اللّهم أذلّ رقبتي لولد أبي (1).

أقول: غرضه عليه السّلام امتثال أفضل الصدقة،الصدقة على ذي الرحم الكاشح أي المعادي و ذلك أنّ الصدقة على مثله إنّما المنظور بها وجه اللّه سبحانه من غير تعلّق لها بالمحبّة البشرية و هو عليه السّلام كان يخفيها عن أقاربه فيحصل له ثواب إخفاء الصدقة،لأنّ الصدقة سرّا أفضل منها جهرا لأنّها تطفئ غضب الربّ،و أمّا كلامهم و أخذهم من عرضه عليه السّلام فله فيه ثواب ثالث و هو عليه السّلام يحلّهم منه حتّى يكون له الأجر و لا يكون عليهم الوزر،و ثواب رابع و هو الانقياد لأوامره سبحانه و الصبر على أذاهم له،و أمّا غيره عليه السّلام فمن عرف من نفسه ذلك الحال كان الأولى به أن يفعل مثل فعله و إلاّ كان الأفضل له إظهارها لهم دفعا للشحناء و جلبا للمحبّة و الائتلاف.4.

ص: 153


1- -بحار الأنوار:60/47 ح 114.

[في]مشارق الأنوار:أنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام[حاجة]فقال لعبده:ما عندك؟قال:

أربعمائة درهم قال:اعطه إيّاها فأخذها و ولّى شاكرا فقال لعبده:ارجعه،فقال:يا سيّدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟

فقال له:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:خير الصدقة ما أبقت غنى و أنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (1).

شكر من أنعم عليك

أقول: شكر ذلك الرجل إن كان للّه تعالى فهو عليه السّلام قد عمل بقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و إن كان له عليه السّلام فالسائل قد امتثل قوله عليه السّلام:أشكركم لربّه أشكركم لمن اصطنع إليكم المعروف.

حتّى أنّه جاء في الحديث:إنّ رجلا يؤتى به يوم القيامة فيقول اللّه عزّ و جلّ:عبدي أنعمت عليك فلم تشكرني،فيقول:يا ربّ أنعمت عليّ بكذا فشكرتك بكذا و أنعمت عليّ بكذا فشكرتك يوم كذا فما يزال يعدّد النّعم[و يحصي الشكر] (2)فيقول اللّه سبحانه:نعم عبدي شكرتني ولكنّك ما شكرت من أجريت لك من نعمتي على يديه فكأنّك لم تشكرني.

و قال صلّى اللّه عليه و اله:لعن اللّه قاطعي طريق المعروف و هو أنّ الرجل يصطنع إلى أخيه الإحسان فلا يكافيه و لا يشكره فيقطع ذلك الرجل إحسانه إلى الخلق بسبب منع شكره (3).

ص: 154


1- -مستدرك الوسائل:178/7 ح 4،و بحار الأنوار:61/47 ح 116.
2- -زيادة من المصدر.
3- -أمالي الطوسي:450،و بحار الأنوار:224/7 ح 141.

الفصل الثاني

اشارة

في معجزاته و معالي اموره و جملة من أحواله عليه السلام

و كيفيّة اطّلاع الأئمّة عليهم السّلام على أعمال الخلائق

[في]الأمالي،عن صدير الصيرفي قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فيما يرى النائم و بين يديه مغطّى بمنديل فدنوت منه و سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت:يا رسول اللّه ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها ثمّ قلت:يا رسول اللّه ناولني اخرى فناولنيها فأكلتها و جعلت كلّما أكلت واحدة سألته اخرى حتّى أعطاني ثمان رطبات فأكلتها ثمّ طلبت منه اخرى فقال:حسبك، فانتبهت من منامي.

فلمّا كان من الغد دخلت على الصادق عليه السّلام و بين يديه طبق مغطّى بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب،فجعل يأكل منه فعجبت من ذلك و قلت:جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثمّ طلبت اخرى فناولني فأكلتها حتّى أكلت ثماني رطبات ثمّ طلبت اخرى فقال:لو زادك جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لزدناك فأخبرته الخبر فتبسّم تبسّم عارف بما كان (1).

و عن داود الرقي قال:كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه:يا داود لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان فسرني ذلك إنّي علمت أنّ صلتك له أسرع لفناء عمره و قطع أجله، قال داود:و كان لي ابن عمّ معاندا خبيثا بلغني عنه و عن عياله سوء حال فكتبت له نفقة قبل خروجي إلى مكّة.

ص: 155


1- -أمالي المفيد:335،و بحار الأنوار:64/47.

فلمّا صرت بالمدينة خبّرني أبو عبد اللّه عليه السّلام بذلك (1).

أقول: ورد في الأخبار أنّ أعمال العباد تعرض كلّ يوم صباحا و مساء على روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأئمّة الماضين و إمام الزمان عليهم السّلام كما مرّ في تفسير قوله وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ ،و للإمام عليه السّلام علم بوقوع العمل مقارن لوقوعه،لأنّ الجدران و بعد المسافة لا يحجبه عن النظر،بل الدّنيا و ما فيها بين يدي الإمام عليه السّلام كالدرهم في يد الرجل يقلّبه كيف شاء كما جاء في أحاديث المعراج من أنّه كشف لأمير المؤمنين عليه السّلام حتّى أنّه كان في الأرض و شاهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في معراجه ما وضع قدما و لا رفعه إلاّ كان ناظرا إليه،و كان المعراج مسير خمسين ألف سنة و قد كشف اللّه هذا الحال للخليل عليه السّلام في قوله: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (2)،و الفرق أنّ ذلك كان مرّة واحدة،و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمّة عليهم السّلام فكان ذلك لهم دائما و بذلك كان مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات يقول:

سلوني عمّا فرق العرش و ما تحت الثرى فإنّي أعلم ذلك علم معاينة لا علم خبر.

و على هذا يمكن تنزيل قوله عليه السّلام:لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا،و ذلك أنّ الناس يوم القيامة يكشف لهم عن غطاء الأعين فيبصرون و يشاهدون ما كان مخفيّا مستورا عنهم في الدّنيا كما قال سبحانه: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (3)،و أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فلم يزل الغطاء مكشوفا عنه ناظرا بالبصر و البصيرة إلى جميع مخلوقات اللّه سبحانه منذ خلق المخلوقات.

و في كتاب القدسيات أنّه قال جبرئيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه بعث عليّا معك ظاهرا و بعثه مع الأنبياء باطنا كما قال عليه السّلام في خطبه:أنا نجّيت نوح من الغرق و إبراهيم من نار النمرود و يوسف من الجبّ و علمت موسى التوراة و عيسى الإنجيل و هو في المهد و سخّرت الرياح لسليمان و نصرت محمّدا صلّى اللّه عليه و اله.

[في]بصائر الدرجات عن المفضّل بن عمر قال:حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام مال من2.

ص: 156


1- -أمالي الطوسي:413 ح 77،و بحار الأنوار:339/23.
2- -سورة الأنعام:75.
3- -سورة ق:22.

خراسان رجلين من أصحابه[لم يزالا يتفقدان المال] (1)حتى مرّا بالرّي فدفع إليهما رجل [من أصحابهما] (2)كيسا فيه ألفا درهم.

فلمّا قربا من المدينة فقدا الكيس،فقال أحدهما:ما نقول لأبي عبد اللّه عليه السّلام؟

فلمّا دخلا المدينة دخلا عليه بالمال فقال لهما:أين كيس الرازي فأخبراه بالقصّة فقال لهما:إن رأيتما الكيس تعرفانه؟قالا:نعم،قال:يا جارية عليّ بكيس كذا و كذا فأخرجت الكيس فقالا:هو ذاك،قال:إنّي احتجت في جوف الليل إلى مال فوجّهت رجلا من الجنّ من شيعتنا فأتاني بهذا الكيس من متاعكما (3).

و عن ابن أبي حمزة قال:خرجت بأبي بصير إلى باب أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا دخلنا فإذا سفط بين يديه مفتوح فجعلت أرتعد فكلّما نظر في الصحيفة ازدادت رعدتي.

فلمّا خرجنا حكيت لأبي بصير فضرب يده على جبهته و قال:ويحك ألا أخبرتني قبلك،و اللّه الصحيفة التي فيها أسامي الشيعة و لو أخبرتني لسألته أن يريك اسمك فيها.

و عن ابن سنان قال:كنّا بالمدينة حين بعث داود بن علي إلى المعلى بن خنيس فقتله فجلس أبو عبد اللّه عليه السّلام في بيته شهرا لم يأته فبعث إليه خمس نفر من الحرس فقال:ائتوني به و إلاّ فبرأسه فدخلوا و نحن نصلّي معه الزوال فقالوا:أجب و إلاّ أمرنا أن نأتيه برأسك، فقال:ما أظنّكم تقتلون ابن رسول اللّه.

قالوا:ما ندري و ما نعرف إلاّ الطاعة،ثمّ لمّا رآهم لا يرجعون رفع يديه فوضعهما على منكبيه ثمّ بسطهما ثمّ دعا بسبّابته فسمعناه يقول:الساعة الساعة فسمعنا صراخا عاليا فقال لهم:أمّا أنّ صاحبكم قد مات و هذا الصراخ عليه فبعثوا رجلا و رجع فقال:قد مات صاحبكم فانصرفوا،فقلت له:جعلنا اللّه فداك ما حاله؟

قال:قتل مولاي المعلى بن خنيس و بعث إلي الآن ليضرب عنقي فدعوت اللّه باسمه الأعظم فبعث إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله،فقلت له:فرفع اليدين ما0.

ص: 157


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر.
3- -بصائر الدرجات:119،و بحار الأنوار:20/27 ح 10.

هو؟

قال:الابتهال،فقلت:فوضع يديك و جمعهما؟

فقال:التضرّع،قلت:فرفع الاصبع؟

قال:البصبصة (1).

أقول: معلّى بن خنيس كان وكيله عليه السّلام و القائم بخاص خدمته أرسل إليه داود والي المدينة ليدلّه على الشيعة فأبى ثمّ قتله و كان الصادق عليه السّلام إذا ذكره يقول:اف للدّنيا سلّط اللّه فيها عدوّه على وليّه و أنّ للمؤمن دار راحة عنها،فيقال له:و أين تلك الدار؟فيقول:تحت هذه الأرض.

و عن الحارث الأزدي قال:قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّد ففرقة أجابت و فرقة ورعت و وقفت فخرج من كلّ فرقة رجل حتّى دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان المتكلّم منهم الذي ورع و وقف،قد كان مع بعض القوم جارية فخلا بها الرجل و وقع عليها.

فلمّا تكلّم قال عليه السّلام:أنت من أيّ فرقة؟

قال:أنا من الفرقة التي ورعت و وقفت قال:فأين كان ورعك ليلة كذا و كذا؟فارتاب الرجل (2).

و عن أبي عمير الدياري قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان له أخ جارودي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:كيف أخوك؟

قلت:هو مرضي في جميع حالاته إلاّ أنّه لا يقول بكم،قال:و ما يمنعه؟

قلت:يتورّع من ذلك،فقال:إذا رجعت إليه فقل له:أين ورعك ليلة نهر بلخ أن تتورّع؟فرجعت و قلت لأخي ما كانت قصّة ليلة نهر بلخ أن تتورّع من أن تقول بإمامة جعفر عليه السّلام و لا تتورّع من ليلة نهر بلخ،قال:و من أخبرك؟

قلت:أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا أخي كلّمه لا يجوز أن تذكر و اللّه ما علم به أحد من خلق اللّه و ذلك إنّي لمّا فرغت من تجارتي و أنا اريد نهر بلخ صحبني رجل معه جارية حسناء4.

ص: 158


1- -بصائر الدرجات:238،و المناقب:357/3.
2- -مدينة المعاجز:316/5،و بصائر الدرجات:264.

حتّى عبرنا نهر بلخ ليلا فذهب مولى الجارية يحصل لنا شيئا و يقتبس لنا نارا فأخذت الجارية إلى غيظة كانت هناك و واقعتها و انصرفت إلى موضعي ثمّ أتى مولاها و قدمنا العراق و ما علم به أحد ثمّ حججنا من قابل فأدخلته عليه فقال:نستغفر اللّه و لا نعود فاستقامت طريقته (1).

أقول: هذا حاله عليه السّلام في اطّلاعه على كلّ واحد من شيعته و غيرهم،و لعلّ من يتذكّر هذا الحال وقت اكتساب الذنب يرجع عنه و إن كان العالم على الإطلاق موجودا في السرّ و العلن إلاّ أنّ كثيرا من الناس يلاحظ اطّلاع البشر و يخاف منه أشدّ من خوفه من اللّه سبحانه.

و عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان أبو عبد اللّه البلخي معه فانتهى إلى نخلة خاوية فقال:أيّتها النخلة السامعة المطيعة لربّها أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك،قال:

فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه فأكلنا حتّى شبعنا فقال البلخي:جعلت فداك كسنة فيكم سنة مريم (2).

أقول: في خطابه سبحانه للنخلة بالسمع و الطاعة لربّها دلالة على أنّ الجمادات من الأشجار و غيرها لها نوع من المعرفة لخالقها و الإطاعة لربّها عزّ شأنه وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (3)حتّى قالوا:إنّ الإعجاز في تسبيح الحصا بيده صلّى اللّه عليه و اله إنّما كان في إسماع الصحابة لا في أصل التسبيح،و قد صنّف الحكيم أبو علي بن سينا رسالة في أنّ الحيوان يعشق و النبات و الجمادات تعشق و أكثر عليه من الدلائل،و لا شكّ أنّ علم العشق علم خاص فوق كثير من العلوم فمن كان له علم العشق كيف لا يكون له علم المعرفة بالخالق و قد حقّقنا هذا المقام في كتاب زهر الربيع بما لا مزيد عليه و نقلنا الأخبار الدالّة عليه و كلام الحكماء من المتقدّمين و المتأخّرين القائلين به.

و عن أبي بصير قال:حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا كنّا في الطواف قلت:يا ابن رسول اللّه يغفر اللّه لهذا الخلق؟

فقال عليه السّلام:يا أبا بصير أكثر من ترى قردة و خنازير،فقلت:أرينيهم،فتكلّم بكلمات4.

ص: 159


1- -بصائر الدرجات:269،و بحار الأنوار:75/47.
2- -دلائل الأمامة:268 ح 35،و بحار الأنوار:76/47 ح 45.
3- -سورة الإسراء:44.

ثمّ مرّ يده على بصري فرأيتهم قردة و خنازير فهالني ذلك ثمّ مرّ يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرّة الاولى ثمّ قال:يا أبا محمّد أنتم في الجنّة تحبرون و بين أطباق النار تطلبون فلا توجدون و اللّه لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا و اللّه و لا اثنان لا و اللّه و لا واحد (1).

مسخ المخالفين

أقول: ورد في الحديث أنّ اللّه سبحانه رفع عن هذه الامّة ببركة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله المسخ و الخسف لكنّه يكون فيهم في القيامة الصغرى و الكبرى،و هذا المسخ باطنا باعتبار ما يؤول إليه حالهم.

[عن]عمر بن يزيد قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فبسط رجليه و قال:اغمزها، فأضمرت في نفسي[أن]أسأله عن الإمام بعده فقال:يا عمر ألا أخبرك عن الإمام بعدي؟

ص: 160


1- -بصائر الدرجات:290،و دلائل الأمامة:282.
دعاء ردّ الأموات

[في]الكافي عن جميل بن درّاج قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخلت عليه امرأة فذكرت أنّها تركت ابنها بالملحفة على وجهه ميّتا،قال لها:لعلّه لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي و صلّي ركعتين و ادعي و قولي:يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدّد لي هبته، ثمّ حرّكيه و لا تخبري بذلك أحدا قال:ففعلت فجاءت فحرّكته فإذا هو قد بكى (1).

و عن داود الرقي قال:حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال فداك أبي و امّي إنّ أهلي قد توفّيت و بقيت وحيدا،فقال عليه السّلام:أفكنت تحبّها؟

قال:نعم،قال:ارجع إلى منزلك فإنّك سترجع إلى المنزل و هي تأكل.

فلمّا رجعت من حجّتي و دخلت منزلي رأيتها و بين يديها طبق عليه تمر و زبيب و هي تأكل (2).

أقول: أخصّ معجزات المسيح عليه السّلام هو إحياء الموتى و مباشرته بنفسه له.

و قد ورد في صحيح الأخبار أنّ اللّه سبحانه أحيا الأموات لمن يرسله أمير المؤمنين عليه السّلام و هذان الخبران من ذلك القبيل،و العجب ممّا حكى عن بعض علمائنا أنّه كان يتوقّف في تفضيل أمير المؤمنين عليه السّلام على أولي العزم صلوات اللّه عليهم مع أنّ الأخبار في ذلك متواترة و أولوا العزم سلام اللّه عليهم فضّلوا أمير المؤمنين عليه السّلام على أنفسهم في كثير من الروايات فلا مجال للتوقّف في ذلك،و أمّا من فضّلهم على أمير المؤمنين عليه السّلام فقد أغرب و أعجب.

[في]البصائر عن العبدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنّه قال لبعض غلمانه في شيء جرى:

لئن انتهيت و إلاّ ضربتك ضرب الحمار،قال:جعلت فداك و ما ضرب الحمار؟

قال:إنّ نوحا عليه السّلام لمّا أدخل السفينة من كلّ زوجين اثنين جاء إلى الحمار فأبى أن

ص: 161


1- -الكافي:479/3 ح 11،و بصائر الدرجات:292.
2- -المناقب:365/3،و بحار الأنوار:80/47 ح 64.

يدخل فأخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة و قال له:عبساشاطا أي ادخل يا شيطان (1).

نصائح الشيطان

أقول: ورد في الروايات أنّه لمّا قال نوح عليه السّلام للحمار يا شيطان ادخل تعلّق الشيطان بذنبه و ركب معه في السفينة و نوح عليه السّلام كان مشغولا عنه.

فلمّا جرت السفينة على وجه الماء و أخذ الطوفان الأرض و طبقها نظر و إذا الشيطان قاعد صدر السفينة فقال له نوح عليه السّلام:من أمرك بالركوب؟

قال:أنت قلت يا شيطان ادخل،قال:إنّما قلت للحمار،قال:الحمار ليس اسمه الشيطان،و لكن يا نوح لك عندي معروف اريد أن اكافيك عليه،قال:و ما هو؟

قال:دعوت أنت على قومك بدعوة واحدة فأغرقتهم و دخلوا النار و لو كنت أنا الذي أضلّهم و أدخلهم جهنّم لبقيت على هذا زمانا طويلا،فعلم نوح عليه السّلام أنّ الشيطان شمت به فناح على نفسه أربعين سنة و من ذلك سمّي نوح،ثمّ قال له:لا اريد مكافاتك فأوحى اللّه سبحانه إليه:يا نوح اسمع ما يقول و اقبله فإنّي أجري لك الحقّ على لسانه،فقال و ما المكافات؟

قال: النصيحة الأولى أن لا تكون حريصا طامعا،قال:أباك آدم أباح اللّه سبحانه له كلّها[الجنة] (2)و نهاه عن شجرة واحدة منها فدعاه الحرص و الطمع في الخلود بالجنّة إلى أن أكل منها حتّى اخرج من الجنّة.

النصيحة الثانية: أن لا تكون متكبّرا فإنّ اللّه سبحانه أصعدني إلى سماواته و جعل طائفة من الملائكة تبعا لي ثمّ أمرني بالسجود لآدم فتكبّرت على أمره و أبيت و قلت:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين فرماني بعين الغضب و اخرجت من جوار القرب و جعلت هدفا للعن اللاّعنين إلى يوم القيامة فإيّاك الكبر و العجب فإنّ من أبى عن الأمر الإلهي أصابه ما أصابني.

ص: 162


1- -بصائر الدرجات:355،و بحار الأنوار:329/11 ح 50.
2- -زيادة من المصدر.

النصيحة الثالثة: أن لا تعاهد ربّك على فعل من الأفعال فإنّي أمنعك من فعله و لو أنّ أحدا عاهد ربّه أن لا يضرب رأسه بالجدار سوّلت له الأمر و زيّنته له حتّى يضرب رأسه بالجدار.

النصيحة الرابعة: أن لا تخلو بامرأة ليس من محارمك إلاّ و يكون معكما ثالث فإنّك إذا خلوت بها كنت أنا ثالثكم فما أزال أوقعها في قلبك و أزيّنها في نظرك حتّى تأتي بالفعل القبيح،فأوحى اللّه سبحانه:يا نوح اسمع ما قال إبليس.

و عن محمّد بن أحمد قال:دخل قوم من أهل خراسان على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:

ابتداء:من جمع مالا من مهاوش أذهبه اللّه في نهابر،فقالوا:جعلنا فداك لا نفهم هذا الكلام،فقال عليه السّلام:هر مال كه از بادايد بدم شود (1).

أقول: المهاوش ما غصب و سرق و النهاير المهالك،و حاصل المعنى كلّ مال حصل ظلما و تعدّيا يذهب من غير فائدة ينتفع بها منه كما هو واقع في التجارب.

كلامه ذكر الحمام

و عن فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنت قاعدا عنده إذ نظرت إلى زوج حمام عنده فهدر الذكر على الانثى فقال لي:أتدري ما يقول؟

قلت:لا،قال:يقول يا سكني و عرسي ما خلق أحبّ إليّ منك إلاّ أن يكون مولاي جعفر بن محمّد عليهما السّلام (2).

[عن]سليمان بن خالد قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا بظبي يثغو و يحرّك ذنبه، فقال عليه السّلام:أفعل إن شاء اللّه تعالى،فقال:يقول الظبي إنّ بعض أهل المدينة نصب شبكة لانثاه فأخذها و لها خشفان لم يقويا للرعي فيسألني أن أسألهم أن يطلقوها و ضمن لي إنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن يردّها عليهم فاستحلفته فقال:برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف و أنا فاعل به ذلك إن شاء اللّه فقال البلخي:سنّة فيكم كسنّة عيسى ابن

ص: 163


1- -بصائر الدرجات:356،و بحار الأنوار:84/47 ح 77.
2- -دلائل الأمامة:283 ح 65،و الأختصاص:293.

مريم عليهما السّلام (1).

[عن]ابن أبي فاختة قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لنا:خزائن الأرض و مفاتيحها لو شئت أن أقول بإحدى رجلي اخرجي ما فيك من الذهب و قال بإحدى رجليه و خطّها في الأرض فانفجرت الأرض فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها فقال:انظروا فيها حتّى لا تشكّوا فنظروا في الأرض فإذا سبابك في الأرض كثيرة بعضها على بعض تتلألأ فقال له بعضنا:جعلنا فداك أعطيتم كلّ هذا و شيعتكم محتاجون؟

فقال:إنّ اللّه سيجمع لنا و لشيعتنا الدّنيا و الآخرة يدخلهم جنان النعيم و يدخل عدوّنا الجحيم (2).

و عن حفص التمّار قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّام صلب المعلّى بن خنيس فقال:يا حفص إنّي أمرت المعلّى بن خنيس بأمر فخالفني فابتلي بالحديد؛إنّي نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت له:كأنّك ذكرت أهلك و ولدك؟

قال:أجل،قلت:ادن منّي فمسحت وجهه فقلت:أين تراك؟

فقال:أراني في بيتي و هذه زوجتي و هذا ولدي فتركته حتّى تملأ منهم و استترت عنهم حتّى نال منها ما ينال الرجل من أهله ثمّ قلت له:يا معلّى إنّ لنا حديثا من حفظ علينا حفظ اللّه دينه و دنياه و من كتم الصعب من حديثنا جعله اللّه نورا بين عينيه و رزقه اللّه العزّة في الناس و من أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتّى يعضه السلاح،يا معلّى و أنت مقتول فاستعدّ (3).

أقول: الأمر الذي خالفه معلّى هو ما في الحديث من أمره له بالكتمان،فإنّ معلّى كان من الذي ألقى إليهم عليه السّلام الأسرار الغامضة و الأحاديث الصعبة التي لا تحتملها العقول و الأسرار الدقيقة و الامور الصعبة إذا تزاحمت في القلب يصعب تحمّلها و كتمانها.

فلمّا أظهر بعضها و اتّصل الخبر بوالي المدينة أمر بقتله كما مرّ.

[عن]عبد اللّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكوثر،فقال:حوض ما بين4.

ص: 164


1- -الأختصاص:298،و بحار الأنوار:265/27.
2- -الكافي:474/1 ح 4،و الأختصاص:269.
3- -الأختصاص:321،و بحار الأنوار:72/2 ح 34.

بصرى و صنعاء يعني الشام و اليمن،أتحبّ أن تراه؟

قلت:نعم،فأخرجني إلى ظهر المدينة ثمّ ضرب برجله فنظرت إلى نهر يجري لا يدرك حافيته إلاّ الموضع الذي أنا فيه فإنّه شبيه بالجزيرة يجري جانبه ماء أبيض من الثلج و من جانبه لبن أبيض من الثلج و في وسطه خمر أحسن من الخمر بين الماء و اللّبن،فقلت:

من أين يخرج هذا[و من أين مجراه] (1)؟

فقال:هذه العيون التي ذكرها اللّه في كتابه أنهار في الجنّة عين من ماء و عين من لبن و عين من خمر تجري في هذا النهر،و رأيت على حافّته شجرا فيهنّ حور معلّقات و بأيديهنّ آنية لم ير أحسن منها في الدّنيا،فأومى إلى إحداهنّ لتسقيه فمالت لتغرف من النهر فمالت الشجر معها فاغترفت و ناولته فشرب ثمّ أومى إليها فاغترفت و ناولته فناولني فشربت و ما رأيت مثله فنظرت في الكأس و إذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب فقال:هذا أقلّ ما جعله اللّه لشيعتنا إنّ المؤمن إذا توفّى صارت روحه إلى هذا النهر و رعت في رياضه و شربت من شرابه،و إنّ عدوّنا إذا توفّى صارت روحه إلى برهوت فأخلدت في عذابه و أطعمت من زقّومه و اسقيت من حميمه فاستعيذوا باللّه من ذلك الوادي (2).

[في]كتاب الاختصاص للمفيد عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده رجل من أهل خراسان و هو يكلّمه بلسان لا أفهمه ثمّ رجع إلى شيء أفهمه فسمعته يقول:

اركض برجلك الأرض فإذا نحن بتلك الأرض على حافّتيها فرسان قد وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم فقال عليه السّلام:هؤلاء من أصحاب القائم عليه السّلام (3).

و عن الحسن بن عطية قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام واقفا على الصفا فقال له عبّاد البصري:أنت قلت:حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البلية؟

قال:قد قلت ذلك،إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال اقبلي أقبلت قال:فنظرت إلى الجبال قد أقبلت فقال لها:قفي على رسلك إنّي لم أردك (4).5.

ص: 165


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأختصاص:322،و بحار الأنوار:287/6.
3- -الأختصاص:325.
4- -مدينة المعاجز:16/6،و بحار الأنوار:90/47 ح 95.
ملكوت السماوات و الأرض

و في الاختصاص و البصائر عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال لي:ارفع رأسك فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه فقال:هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض هكذا،ثمّ قال لي:اطرق فأطرقت فقال:ارفع رأسك فإذا السقف على حاله ثمّ أدخلني بيتا آخر و لبس ثيابا غير ثيابه و قال لي:غمّض بصرك فغضضت طرفي ساعة،فقال لي:أنت في الظلمة التي دخلها ذو القرنين،فقال لي:افتح عينك فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها شيئا،فقال:أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر عليه السّلام و خرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه و ساكنه و أهله ثمّ خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأوّل و الثاني حتّى وردنا خمس عوالم فقال:هذه ملكوت الأرض و لم يرها إبراهيم و إنّما رأى ملكوت السماوات و هو اثنا عشر عالما في كلّ عالم كهيئة ما رأيت كلّما مضى منّا إمام سكن أحد هذه العوالم حتّى يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه،فقال:غضّ بصرك فغمضت بصري فأخذ بيدي فإذا نحن في البيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب و لبس التي كانت عليه و عدنا إلى مجلسنا فقلت:

جعلت فداك كم مضى من النهار؟

فقال عليه السّلام:ثلاث ساعات (1).

أقول: ينبغي أن يحمل على أنّ الخليل عليه السّلام لم ير ملكوت جميع الأرض بل رأى أرضا واحدة هي هذا العالم و لذا أتى لفظ الأرض في الآية بصيغة الافراد.

و قيل:يجوز أن تكون الأرض بالنصب في قراءة أهل البيت عليهم السّلام.

[في]البصائر عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فركض برجله الأرض فإذا بحرفيه سفن من فضة فركب و ركبت معه حتتى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضّة فدخلها ثمّ خرج فقال:رأيت الخيمة التي دخلتها أوّلا؟

فقلت:نعم،قال:تلك خيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الاخرى خيمة أمير المؤمنين و الثالثة

ص: 166


1- -الأختصاص:323،و بحار الأنوار:268/46 ح 65.

خيمة فاطمة و الرابعة خيمة الحسن و الخامسة خيمة الحسين و السادسة خيمة عليّ ابن الحسين و السابعة خيمة أبي و الثامنة خيمتي و ليس أحد منّا يموت إلاّ و له خيمة يسكن فيها (1).

[في]الخرائج عن جابر قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا نحن برجل قد أضجع جديا ليذبحبه فصاح الجدي فقال عليه السّلام:كم ثمن هذا الجدي؟

فقال:أربعة دراهم فحلّها من كمه و دفعها إليه و قال:خلّ سبيله قال:فسرنا فإذا الصقر قد انقض على دراجة فصاحت فأومى عليه السّلام إلى الصقر بكمه فرجع عن الدراجة فقلت:لقد رأينا عجبا من أمرك قال:إنّ الجدي لمّا اضجعه الرجل و بصر بي قال:أستجير باللّه و بكم أهل البيت ممّا يراد منّي،و كذلك قالت الدرّاجة و لو أنّ شيعتنا استقامت لأسمعتكم منطق الطير (2).

أقول: معنى قوله:استقامت يعني لم يحدثوا بما رأوا مخالفينا،لأنّ فيه إيقاع الضرر بنا و بهم،و معنى لأسمعتكم يعني فهمتكم حتّى إذا سمعتم منطق الطير عرفتموه بمجرّد السماع.6.

ص: 167


1- -بصائر الدرجات:425،و بحار الأنوار:245/6.
2- -الخرائج و الجرائح:616/2،و مدينة المعاجز:44/6.
معجزات عظيمة

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه المعلّى بن خنيس باكيا،قال:و ما يبكيك؟

قال:بالباب قوم يزعمون أنّه ليس لكم علينا فضل و إنّكم و هم شيء واحد،فدعا بطبق من تمر فأخذ تمرة فشقّها نصفين و أكل التمر و غرس النوى في الأرض فنبتت فحملت بسرا و أخذ منها واحدة فشقّها و أخرج منها رقا و دفعه إلى المعلى و قال:اقرأ فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ المرتضى الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين واحدا واحدا إلى الحسن بن عليّ و ابنه (1).

و روي أنّ إبراهيم المدني قال:خرجت إلى الحجّ و كنت أسير تحت محمل أبي عبد اللّه عليه السّلام فرآني كثير الاختلاف فقال:أبك بطن؟

قلت:نعم،قال:أكلت البارحة سمكا؟

قلت:نعم،قال:فأتبعتها بتمرات؟

قلت:لا،قال:أمّا إنّك لو أتبعتها بتمرات ما ضرّك فسرنا حتّى إذا كان وقت الزوال نزل و توضّأ فإذا هو بجذع نخلة فقال:يا جذع أطعمنا ممّا خلق اللّه فيك،قال:رأيت الجذع يهتزّ ثمّ اخضرّ ثمّ اطلع ثمّ اصفرّ فأكل منه و أطعمني كلّ ذلك أسرع من طرفة عين (2).

و روى عن سيّاف بني العبّاس قال:لمّا جاء أبو الدوانيق بأبي عبد اللّه و إسماعيل يعني ابنه أمر بقتلهما و هما في بيت محبوسان فأتى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخرجه و ضربه بسيفه حتّى قتله ثمّ أخذ إسماعيل ليقتله فقاتله ساعة ثمّ قتله فجاء إليه و قال:قتلتهما و أرحتك منهما.

فلمّا أصبح أبو عبد اللّه و إسماعيل جالسان فاستأذنا،فقال أبو الدوانيق للرجل:

ص: 168


1- -الخرائج و الجرائح:624/2،و بحار الأنوار:102/47.
2- -الخرائج و الجرائح:625/2،و بحار الأنوار:102/47.

ألست زعمت أنّك قتلتهما؟

قال:بلى لقد أعرفهما كما أعرفك،قال:فاذهب إلى موضع قتلهما،فجاء فإذا جزورين منحورين فبهت و رجع و حكى له فنكس رأسه و قال:لا يسمعن منك هذا أحد فكان كقوله تعالى في عيسى: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (1)(2).

و روي أنّ عيسى بن مهران قال:كان رجل من أهل خراسان موسرا و كان محبّا لأهل البيت و كان يحجّ في كلّ سنة و قد قرّر من ماله لأبي عبد اللّه عليه السّلام ألف دينار و كان تحته ابنة عمّ له مثله في اليسار و الديانة فتجهّزت معه في بعض السنين للحجّ و حملت لعيال أبي عبد اللّه عليه السّلام هدايا كثيرة و جعلت ألف دينار في كيس لأبي عبد اللّه عليه السّلام فورد على المدينة و أعلمه عليه السّلام أنّه حجّ بأهله و سأله الإذن لأهله على أهله عليه السّلام فصارت إليهم و فرّقت عليهم.

فلمّا خرجت قال لها زوجها:احضري الألف دينار التي لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقالت:في موضع كذا،فأتى فلم يجدها فاستقرض ألف دينار و رهن حليّ أهله و صار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:وصلت إلينا الألف وجّهنا إليها من أتى بها من شيعتنا من الجنّ فاسترجع الحليّ ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله فوجد أهله في سكرات الموت فقالوا:أصابها وجع في فؤادها فغمّضها و سجّاها و تقدّم في إحضار الكفن و الكافور و أتى إليه عليه السّلام للصلاة عليها فصلّى عليه السّلام ركعتين و دعا ثمّ قال:انصرف إلى رحلك فإنّ أهلك لم تمت و ستجدها تأمر و تنهى،فرجع فوجدها كما وصف عليه السّلام،ثمّ خرج يريد مكّة و خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام للحجّ فبينما المرأة تطوف بالبيت إذ رأت أبا عبد اللّه عليه السّلام يطوف فقالت لزوجها:من هذا الرجل؟

قال:أبو عبد اللّه قالت:هذا و اللّه الرجل الذي رأيته يشفع لي إلى اللّه حتّى ردّ روحي إلى جسدي (3).

و روي أنّ داود الرقّي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل شاب يبكي و يقول:

إنّي نذرت على أن أحجّ بأهلي.

فلمّا أن دخلت المدينة ماتت قال:اذهب فإنّها لم تمت فخرج و رجع ضاحكا قال:8.

ص: 169


1- -سورة النساء:157.
2- -مستدرك سفينة البحار:419/8.
3- -الثاقب في المناقب:180 ح 8،و الخرائج:629/2 ح 28.

دخلت عليها و هي جالسة قال:يا داود أولم تؤمن؟

قال:بلى و ليطمئن قلبي (1).

[عن]عثمان بن عيسى قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:ضيّق عليّ اخوتي و بنو عمّي الدار فلو تكلمت،قال:اصبر سيجعل اللّه لك فرجا فانصرفت من سنتي و عدت من قابل فشكوتهم إليه فقال:اصبر،ثمّ عدت في السفرة الثالثة فماتوا كلّهم فقال:ما فعل أهل بيتك؟

قلت:ماتوا،قال:بما صنعوا لك و لعقوقهم إيّاك و قطعهم رحمك (2).

[عن]العلاء بن سيابة قال:جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يصلّي فجاء هدهد حتّى وقع عند رأسه حتّى فرغ فقال:جاءني الهدهد فشكى إليه حيّة تأكل فراخه فدعوت اللّه عليها فأماتها،قلت:يا مولاي إنّي لا يعيش لي ولد،قال:هذا ليس من ذلك الجنس و لكن إذا رجعت إلى منزلك فإنّه تدخل كلبة إليك فتريد امرأتك أن تطعمها فقل للكلبة:إنّ أبا عبد اللّه أمرني أن أقول:أميطي عنّا لعنك اللّه فإنّه يعيش ولدك إن شاء اللّه فعاش أولادي و خلّفت غلمانا ثلاثة (3).

[عن]عليّ بن أبي حمزة قال:خرجت مع الصادق عليه السّلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة فحرّك شفتيه و قال:يا نخلة أطعمينا،فتمايلت إليه و عليها أوراقها و فيها الرطب فأكلنا فإذا نحن بأعرابي يقول:ما رأيت سحرا أعظم من هذا،فقال عليه السّلام:نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر بل ندعو اللّه فيجيب فإن أحببت أن أدعو اللّه فيمسخك كلبا تهتدي إلى منزلك و تدخل عليهم و تبصبص لأهلك،فقال بجهله:فادع،فصار كلبا في وقته و مضى على وجهه،فقال عليه السّلام:اتبعه،فصار إلى منزله فجعل يبصبص لأهله و ولده فأخذوا له عصا فأخرجوه فأخبرت الصادق عليه السّلام فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يديه، و جعلت دموعه تسيل و تمرّغ في التراب يعوي فرحمه فدعا اللّه فعاد أعرابيّا فقال:هل آمنت يا أعرابي؟1.

ص: 170


1- -بحار الأنوار:104/47.
2- -الخرائج و الجرائح:638/2 ح 41،و بحار الأنوار:107/47 ح 134.
3- -الخرائج و الجرائح:643/2 ح 51،و بحار الأنوار:108/47 ح 141.

قال:نعم ألفا و ألفا (1).6.

ص: 171


1- -الخرائج و الجرائح:296.
إحياء الطيور الأربعة

و في الخرائج أيضا عن يونس بن ظبيان قال:كنت عند الصادق عليه السّلام مع جماعة فقلت:قول اللّه لإبراهيم: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس؟

قال:تحبّون أن أريكم مثله؟

قلنا:بلى،قال:يا طاووس فإذا طاووس طار إلى حضرته ثمّ قال:يا غراب فإذا غراب بين يديه ثمّ قال:يا بازي فإذا بازي بين يديه ثمّ قال:يا حمامة فإذا حمامة بين يديه ثمّ أمر بذبحها كلّها و بتقطيعها و نتف ريشها و أن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ثمّ أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه و عظامه و ريشه يتميّز من غيرها حتّى ألصق ذلك كلّه برأسه و قام الطاووس بين يديه حيّا ثمّ صاح بالغراب كذلك و بالبازي و الحمامة كذلك فقامت كلّها أحياء بين يديه (1).

و فيه عن أبي الصلت الهروي عن الرّضا عليه السّلام قال:قال لي أبي موسى عليه السّلام:كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا فقال:في الباب ركب كثير يريدون الدخول عليك،فقال لي:انظر،فإذا جمال كثيرة عليها صناديق و رجل ركب فرسا فقال:أنا رجل من الهند أردت الإمام جعفر بن محمّد،فأعلمت والدي بذلك،فقال:لا تأذن للخائن فلم يدخل مرة حول حتّى تشفّع له يزيد بن سليمان و محمّد بن سليمان فدخل و جثى بين يديه فقال:أنا رجل من الهند من قبل ملكها بعثني إليك بكتاب مختوم و كنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي هكذا يفعل أولاد الأنبياء؟

فقال:و لتعلمنّ نبأه بعد حين،قال موسى عليه السّلام:فأمرني أبي بأخذ الكتاب و فكّه فإذا فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس من ملك الهند؛أمّا بعد فقد هداني اللّه على يديك و أنّه أهدى إلي جارية لم أر أحسن منها و لم أجد أحدا

ص: 172


1- -الثاقب في المناقب:199،و بحار الأنوار:417/2.

يستاهلها غيرك فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ و الجوهر و الطيب ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة و اخترت من الألف مائة و من المائة عشرة و اخترت من العشرة واحدا و هو ميزاب بن حبّاب لم أر أوثق منه فبعثت على يده هذه، فقال جعفر عليه السّلام:ارجع أيّها الخائن فما أقبلها لأنّك خنت فيها فحلف أنّه ما خان، فقال عليه السّلام:إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه؟قال:

أو تعفيني من ذلك؟

قال:اكتب إلى صاحبك بما فعلت قال الهندي:إن علمت شيئا فاكتب،فكان عليه فروة فأمره بخلعها فقام و ركع ركعتين ثمّ سجد و دعا اللّه تعالى بأن يأذن لفرو الهندي أن ينطق بفعله بلسان عربيّ مبين ثمّ قال:أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي،فانقبضت الفرو و صارت كالكبش و قالت:يا ابن رسول اللّه ائتمنه الملك على هذه الجارية و ما معها حتّى إذا صرنا إلى بعض الصحاري أصابنا المطر و ابتلّ جميع ما معنا ثمّ طلعت الشمس فنادى خادما كان مع الجارية يخدمها يقال به بشر فقال له:لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام.

فلمّا مضى أمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب ضرب في الشمس فخرجت و كشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض و حل فنظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته و فجر بها و خانك فخرّ الهندي فقال:ارحمني فقد أخطأت و أقرّ بذلك ثمّ صارت فروة كما كانت و أمره أن يلبسها.

فلمّا لبسها انضمّت في حلقه و خنقته حتّى اسودّ وجهه فقال عليه السّلام:أيّها الفرو خلّ عنه حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون هو أولى به منّا فانحلّ الفرو و قال الهندي:اللّه اللّه فيّ فإنّك إن رددت الهدية خشيت أن ينكر ذلك عليّ،فقال:اسلم أعطك الجارية فأبى فقبل الهدية وردّ الجارية.

فلمّا رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر فيه مكتوب:بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد الإمام من ملك الهند؛أمّا بعد فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ورددت الجارية فأنكر ذلك قلبي و علمت أنّ الأنبياء و أولاد الأنبياء معهم فراسة فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة فاخترعت كتابا و أعلمته أنّه أتاني منك الخيانة و حلفت أنّه

ص: 173

لا ينجيه إلاّ الصدق فأقرّ بما فعل و أقرّت الجارية و أخبرت بما كان من الفروة فتعجّبت من ذلك و ضربت أعناقهما و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و اعلم أنّي في أثر الكتاب،فترك ملك الهند و أسلم و حسن إسلامه (1).

[في]الخرائج،عن الفضل بن عمر قال:كنت أمشي مع الصادق عليه السّلام بمكّة أو منى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميّتة و هي مع صبيّة لها تبكيان فقال عليه السّلام:ما شأنك؟قالت:و كنت و صبياي نعيش من هذه البقرة و قد ماتت،قال:أفتحبّين أن يحييها اللّه لك؟

قالت:أو تسخر منّي مع مصيبتي؟

قال:ما أردت ذلك ثمّ دعا بدعاء ثمّ ركضها برجله و صاح بها فقامت البقرة مسرعة سويّة فقالت:عيسى ابن مريم و ربّ الكعبة،فدخل الصادق بين الناس فلم تعرفه المرأة (2).

[في]الخرائج،روي أنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادق عليه السّلام أن يدعو اللّه ليرزقه ما يحجّ به كثيرا و أن يرزقه ضياعا حسنة و دارا حسناء و زوجة من أهل البيوتات صالحة و أولادا أبرارا،فقال عليه السّلام:اللّهم ارزق حمّاد بن عيسى ما يحجّ به خمسين حجّة و ارزقه ضياعا و دارا حسناء و زوجة صالحة من قوم كرام و أولادا أبرارا،قال بعض من حضره:دخلت على حمّاد بن عيسى بعد سنين في داره بالبصرة فقال لي؛أتذكر دعاء الصادق عليه السّلام لي؟

قلت:نعم،قال:هذه داري ليس في البلد مثلها و ضياعي أحسن الضياع و زوجتي تعرفها من كرام الناس و أولادي تعرفهم و قد حججت ثمانيا و أربعين حجّة،قال:فحجّ حمّاد بعد ذلك حجّتين.

فلمّا حجّ في الحادية و الخمسين و وصل إلى الجحفة و أراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل فأخذه السيل و مرّ به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميّتا فسمّي حماد غريق الجحفة (3).

و عن أبي الصامت الحلواني قال:قلت للصادق عليه السّلام:اعطني شيئا ينفي الشكّ عن قلبي،قال عليه السّلام:هات المفتاح الذي في كمّك فناولته فإذا المفتاح أسد فخفت قال:خذ لا3.

ص: 174


1- -الخرائج و الجرائح:302/1،و بحار الأنوار:114/47.
2- -الخرائج و الجرائح:294/1،و مدينة المعاجز:394/5.
3- -الخرائج و الجرائح:305/1،و بحار الأنوار:117/47 ح 153.

تخف فأخذته فعاد مفتاحا كما كان (1).

و روي أنّ رجلا شكى إليه الحاجة فقال:إنّ اللّه يسهّل الأمر فخرج فلقي في طريقه هميانا فيه سبعمائة دينار فرجع و أخبر الصادق عليه السّلام بما رأى فقال:اخرج و ناد عليه سنة لعلّك تظفر بصاحبه فخرج الرجل و قال؛لا انادي في الأسواق و لا في مجمع الناس و خرج إلى آخر البلد و قال:من ضاع له شيء؟فإذا رجل قال:ذهب منّي سبعمائة دينار في كذا، قال:معي ذلك فأخذه الرجل و أعطاه سبعين منها فأتى الصادق عليه السّلام فتبسّم و قال لجاريته:

هاتي الصرّة فإذا فيها ستّمائة و ثلاثون فقال عليه السّلام:سبعون حلالا خير من سبعمائة حراما (2).

[عن]محمّد بن راشد عن جدّه قال:قصدت إلى جعفر بن محمّد عليهما السّلام أسأله عن مسألة فقالوا في جنازة الحميري فمضيت إلى المقابر و قلت له:أنت إمام هذا الزمان؟

قال:نعم،قلت:فدليل أو علامة،قال:سلني عمّا شئت أخبرك إن شاء اللّه،قال:

إنّي أصبت بأخ لي قد دفنته في هذه المقابر فأحيه لي بإذن اللّه تعالى قال:ما أنت بأهل لذلك و لكن أخوك كان مؤمنا و كان عندنا اسمه أحمد ثمّ دنا من قبره فانشقّ عنه قبره و خرج إليّ و هو يقول:يا أخي اتبعه و لا تفارقه ثمّ عاد إلى قبره و استحلفني على أن لا أخبر أحدا (3).

[في]كتاب المناقب عن مأمون الرقّي قال:دخل سهل بن الحسن الخراساني على الصادق عليه السّلام فقال:أنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك عن حقّك و أنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بالسيف فقال:اجلس يا خراساني فقال لجاريته:أسجري التنوّر فسجرته حتى صار كالجمر و علا لهبه فقال:يا خراساني قم فاجلس في التنوّر،فقال:يا سيّدي لا تعذّبني بالنار،اعفني،فقال:أعفيتك فأقبل هارون المكّي و نعله في سبّابته فقال عليه السّلام:الق النعل و اجلس في التنوّر فجلس في التنوّر فأقبل عليه السّلام يحدّث الخراساني،ثمّ قال:يا خراساني انظر ما في التنوّر فنظر فإذا الرجل متربّع فخرج إلينا و سلّم علينا فقال:كم تجد بخراسان مثل هذا،فقلت:و لا واحدا،فقال:أمّا أنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة9.

ص: 175


1- -الخرائج و الجرائح:306/1،و بحار الأنوار:117/47 ح 154.
2- -الخرائج و الجرائح:709/2،و بحار الأنوار:117/47 ح 155.
3- -الخرائج و الجرائح:743/2،و بحار الأنوار:117/47 ح 159.

معاضدين لنا (1).

و عن ابن أبي كثير الكوفي قال:كنت لا أختم صلاتي و لا أستفتحها إلاّ بلعنهما فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق فنزل إلى بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثمّ ردّهما إلى الضريح و عاد مرتفعا فسألت:من هذا الطائر و ما هذا الخلوق؟فقيل:هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلقهما فأزعجني ما رأيت و أصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما فدخلت على الصادق عليه السّلام.

فلمّا رآني ضحك و قال:رأيت الطائر؟

فقلت:نعم يا سيّدي،فقال:اقرأ إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها،و اللّه ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما بل هو ملك موكّل بمشارق الأرض و مغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لأنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا (2).

أقول: كون هذه النجوى من الشيطان باعتبار أنّه خيّل إليه أنّ ذلك الطائر ملك جاء لإكرامهما كما وقع في الجواب لمّا سئل في المنام و ذلك الذي أجابه شيطان،لأنّ قوله يخلقهما يعني يطيّبهما بالخلوق و هو طيب خاص مركّب من أنواع من الطيب و أكثر ما يطيب به الكعبة.

كلام الحمام و الورشان

و عن مغيث قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام و رآه يضحك في بيته:جعلت فداك لست أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا بجلوسك في بيتي أو ضحكك،قال:إنّه هدر الحمام الذكر على الانثى فقال:أنت سكني و عرسي ما خلق اللّه أحبّ إليّ منك إلاّ هذا الجالس على الفراش و ما حرصي عليك هذا الحرص إلاّ طمعا أن يرزقني اللّه ولدا منك يحبّون أهل البيت.

ص: 176


1- -المناقب:363/3،و مدينة المعاجز:115/6.
2- -المناقب:363/3،و بحار الأنوار:617/31 ح 93.

و عنه عليه السّلام قال:يقول الورشان لأهل ذلك البيت قدستم قدستم (1).

المناقب و الخرائج عن هشام بن الحكم قال:كان رجل من ملوك أهل الجبل.

دار الهمداني في الجنّة

يأتي الصادق عليه السّلام في حجّة كلّ سنة فينزله عليه السّلام في دار من دوره بالمدينة و طال حجّه و نزوله فأعطى أبا عبد اللّه عليه السّلام عشرة آلاف درهم ليشترى له دارا و خرج إلى الحجّ.

فلمّا انصرف قال:جعلت فداك اشتريت لي الدار؟

قال:نعم و أتى بصك فيه:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمّد لفلان بن فلان الجبلي اشترى له دارا في الفردوس حدّها الأوّل دار رسول اللّه و الحدّ الثاني دار أمير المؤمنين و الحدّ الثالث دار الحسن بن عليّ و الرابع دار الحسين بن عليّ.

فلمّا قرأ الرجل ذلك قال:قد رضيت جعلني اللّه فداك،فقال عليه السّلام:إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن و الحسين و أرجو أن يتقبّل اللّه ذلك و يثيبك به الجنّة فانصرف الرجل إلى منزله و كان الصكّ معه ثمّ اعتلّ علّة الموت.

فلمّا حضرته الوفاة جمع أهله و حلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه ففعلوا ذلك فلمّا أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصّك على ظهر القبر مكتوب عليه:وفا لي و اللّه جعفر بن محمّد بما قال (2).

ص: 177


1- -مدينة المعاجز:89/6،و بحار الأنوار:124/47.
2- -المناقب:359/3،و بحار الأنوار:134/47.
فيه توبة الأموي

[عن]عليّ بن أبي حمزة قال:كان لي صديق من كتّاب بني اميّة فقال لي:استأذن لي على أبي عبد اللّه فاستأذنت له فدخل و سلّم و جلس و قال:جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا أغمضت في مطالبه،فقال أبو عبد اللّه:لولا أنّ بني اميّة وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا،فقال الفتى:جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟

قال:إپن قلت لك تفعل؟

قال:أفعل،قال:اخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرفه تصدّقت به و أنا أضمن لك على اللّه الجنّة،فأطرق الفتى طويلا فقال:فعلت جعلت فداك،قال ابن أبي حمزة:فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا إلاّ خرج منه حتّى ثيابه التي كانت على بدنه فقسّمنا له قسمة و اشترينا له ثيابا و بعثنا له بنفقة فما أتى عليه أشهر قلائل حتّى مرض فكنّا نعوده فدخلت عليه يوما و هو في السياق ففتح عينيه ثمّ قال:يا علي وفا لي و اللّه صاحبك،ثمّ مات فولّينا أمره فخرجت حتّى دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا نظر إليّ قال:يا عليّ وفينا و اللّه لصاحبك،فقلت:صدقت جعلت فداك هكذا قال لي و اللّه عند موته (1).

[عن]داود الرقي قال:خرج اخوان يريدان مزار قبر أمير المؤمنين أو الحسين عليه السّلام فعطش أحدهما عطشا شديدا حتّى سقط من الحمار فقام الآخر و صلّى و دعا اللّه سبحانه و محمّدا و الأئمّة واحدا واحدا إلى جعفر بن محمّد فلم يزل يدعوه و يلوذ به فإذا هو برجل قد قام عليه فناوله قطعة عود و قال:ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه و استوى جالسا و لا عطش به فمضى حتى زار القبر.

ص: 178


1- -الكافي:106/5 ح 4،و تهذيب الأحكام:332/6 ح 41.

فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدّعاء المدينة فدخل على الصادق عليه السّلام فقال له:ما حال أخيك أين العود؟

فقال:يا سيّدي نسيت العود من الفرح فقال عليه السّلام:أتاني الخضر فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى ثمّ التفت إلى خادم له فأتاه بسفط ففتحه و أخرج منه قطعة العود بعينها فعرفها ثمّ ردّها إلى السّفط.

[عن]داود النيلي قال:خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إلى الحجّ فلمّا كان الظهر قال:

اعدل بنا عن الطريق للصلاة،فقلت:إنّها أرض قفر لا ماء فيها،فقال:اسكت،فعدلنا و نزلنا فركض الأرض برجله فنبع منها عين ماء فصلّينا.

فلمّا أردنا المسير التفت فإذا بجذع نخل فهزّه فاخضرّ من أسفله إلى أعلاه فأطعمنا اثنين و ثلاثين نوعا من أنواع الرطب ثمّ قال:عد نخرا بإذن اللّه تعالى فعاد كسيرته الاولى (1).

[في]أمالي أبو الفضل قال أبو حازم:قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة و أنا معه على عهد المنصور و قدمها جعفر بن محمّد عليهما السّلام فخرج جعفر يريد الرجوع إلى المدينة فشيّعه العلماء و أهل الفضل من أهل الكوفة و كان فيهم سفيان الثوري و إبراهيم بن أدهم فتقدّم المشيّعون له فإذا هم بأسد على الطريق فقال لهم إبراهيم:قفوا حتّى يأتي جعفر فننظر ما يصنع فجاء جعفر عليه السّلام فدنا من الأسد فأخذ باذنه فنحّاه عن الطريق فقال:أمّا أنّ الناس لو أطاعوا اللّه حقّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم (2).

[في]كتاب الدلائل للحميري عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال:

هل تعرف إمامك؟

قلت:إي و اللّه[الذي لا إله إلا هو] (3)أنت هو،فقال:صدقت فاستمسك به،قلت:

اريد أن تعطيني علامة الإمام لأزداد يقينا،قال:ترجع إلى الكوفة و قد ولد لك عيسى و من بعد عيسى محمّد و من بعدهما ابنتان و اعلم أنّ ابنيك مكتوبان عندنا في الصحيفة الجامعة مع أسماء شيعتنا و أسماء آبائهم و امّهاتهم و أجدادهم و أنسابهم و ما يلدون إلى يوم القيامةر.

ص: 179


1- -دلائل الأمامة:298 ح 90،و بحار الأنوار:139/47.
2- -المناقب:367/3،و بحار الأنوار:139/47.
3- -زيادة من المصدر.

و أخرجها فإذا هي صفراء مدرجة (1).

و عن أبي بصير قال:كان لي جار يتبع السلطان فأصاب مالا فاتّخذ قيانا و كان يشرب المسكر و يؤذيني فشكوته إلى نفسه غير مرّة فلم ينته.

فلمّا ألححت عليه قال:يا هذا أنا رجل مبتلى و أنت رجل معافا فلو عرفّتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني اللّه بك،فوقع ذلك في قلبي.

فلمّا صرت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ذكرت له حاله فقال لي:إذا رجعت إلى الكوفة فإنّه سيأتيك فقل له:يقول لك جعفر بن محمّد:دع ما أنت عليه و أضمن لك على اللّه الجنّة، فلمّا رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى فاحتبسته حتّى خلا منزلي فقلت:يا هذا إنّي ذكرتك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:اقرأه السلام و قل له يترك ما هو عليه و أضمن له على اللّه الجنّة،فبكى ثمّ قال اللّه قال لك جعفر هذا؟

قال:فحلفت له أنّه قال لي ما قلت لك فقال لي:حسبك و مضى.

فلمّا كان بعد أيّام بعث إليّ و دعاني فإذا هو خلف باب داره عريان فقال:ما بقي في منزلي شيء إلاّ و خرجت منه و أنا كما ترى فمشيت إلى اخواني فجمعت له ما كسوته ثمّ لم يأت عليه إلاّ أيّام يسيرة حتّى بعث إلي أنّي عليل فأتني فجعلت أختلف إليه و اعالجه حتّى نزل به الموت فكنت عنده جالسا و هو يجود بنفسه ثمّ غشي عليه غشية ثمّ أفاق فقال:يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا ثمّ مات،فحججت فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت عليه.

فلمّا دخلت قال لي مبتدئا من داخل البيت:يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك (2).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذا التفت عن يساره فرأى كلبا أسود فقال:ما لك قبّحك اللّه ما أشدّ مسارعتك فإذا هو شبيه الطائر فقال:هذا عثم بريد الجنّ مات هشام الساعة و هو يطير ببغاه في كلّ بلد (3).

أقول: الامور الغريبة مثل موت الأعاظم و وقوع عجائب الامور تنقله الجنّ إلى البلدان و يتصوّرون بصور الرّجال لحكاية ذلك الخبر ثمّ إذا أخذ التأريخ يوجد موافقا8.

ص: 180


1- -دلائل الأمامة:263 ح 29،و مدينة المعاجز:436/5.
2- -الكافي:475/1 ح 5،و مدينة المعاجز:311/5 ح 67.
3- -دلائل الأمامة:279 ح 52،و وسائل الشيعة:388/8.

لوقوعه.

و قد يتّفق مثل هذا كثيرا في قوافل الحاجّ فإنّهم في الطريق يخبرون بما يقع في النواحي البعيدة موافقا لوقوعه.

[في]الكشي بإسناده إلى داود الرقي قال:دخلت على الصادق عليه السّلام فسألته عن الطهارة فقال:واحدة و أضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله واحدة لضعف الناس و من يتوضّأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له،ثمّ دخل داود بن زربى فسأله عن عدّة الطهارة فقال:ثلاثا ثلاثا من نقض فلا صلاة له فارتعدت فرائصي و كاد يدخلني الشيطان،فقال عليه السّلام:اسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق،فخرجنا من عنده و كان ابن زربى إلى جوار بستان المنصور العبّاسي و كان ألقي إليه أنّ ابن زربى رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد،فقال المنصور:

إنّي مطّلع إلى طهارته فإن توضّأ وضوء جعفر بن محمّد قتلته فاطّلع و هو يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ الوضوء ثلاثا ثلاثا من حيث لا يراه فما تمّ وضوءه حتّى بعث إليه المنصور.

فلمّا دخل عليه قال:يا داود قيل فيك شيء باطل إنّي اطّلعت على طهارتك و ليست طهارة الرافضة فاجعلني في حلّ و أمر له بمائة ألف درهم فقال الرقي:لقيت ابن زربى عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدّنيا و نرجوا أن ندخل ببركتك الجنّة،فقال:فعل اللّه ذلك بك و بإخوانك من المؤمنين فقال:يا داود بن زربى حدّث داود الرقي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته فحدّثه بالأمر كلّه،فقال عليه السّلام:لهذا أفتيته لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ،ثمّ قال:يا داود بن زربى توضّأ مثنى مثنى و لا تزد عليه فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك (1).

أقول: إذا كان الرجل من الشيعة في بلاد المخالفين و هو يتطهّر و يصلّي في بيته أو في موضع يأمن بحسب ظنّه اطّلاعهم عليه،فهل يجب عليه ملازمة التقيّة في السرّ أم لا؟ذهب جماعة من علمائنا المتأخّرين إلى الأوّل و في بعض الروايات دلالة عليه لأنّه قد يتّفق اطّلاعهم عليه من حيث لا يشعركما وقع كثيرا فهو غير جازم بحصول السلامة.

و حدّثني بعض مشايخي أنّ بعض المجتهدين من علمائنا كان قاطنا بمكّة زادها اللّه2.

ص: 181


1- -مدينة المعاجز:130/6 ح 336،و بحار الأنوار:153/47 ح 212.

شرفا و بقي ثلاثين سنة يتطهّر و يصلّي في منزله على طريق الشيعة لظنّه السلامة ثمّ إنّه قضى تلك الأعوام كلّها لأنّه ظهر له من دليل الحكم أنّ الواجب عليه في تلك الأعوام الكثيرة هو الإتيان بطريقة التقيّة.

و عندي في هذا توقّف و لا يمكن الأخذ بالاحتياط هنا إلاّ أنّ أكثر أصحابنا رضوان اللّه عليهم فعلوا العبادات في منازلهم و نحوها في بلاد أهل الخلاف على قانون الشريعة و لعلّ هذا هو الأقوى و الأخبار إن ورد شيء منها دالاّ على الأوّل كان سبيله التأويل بما يرجع إلى هذا الحديث.

[في]الكافي عن إسماعيل القرشي قال:أتى إلى الصادق عليه السّلام رجل فقال:رأيت في منامي كأنّي خارج من الكوفة و كأنّ رجلا منحوتا من خشب يلوح بسيفه و أنا اشاهده فزعا مرعوبا فقال عليه السّلام:أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته فاتّق اللّه،فقال الرجل:أشهد أنّك اوتيت علما من معدنه؛إنّ رجلا من جيراني جاءني و عرض عليّ ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير يعني بنقص عن قيمتها لما عرفت أنّه ليس لها طالب غيري،فقال عليه السّلام:

و صاحبك يتولاّنا و يبرء من عدوّنا؟

فقال:نعم لو كان ناصبيا حلّ لي اغتياله؟

فقال:أدّ الأمانة لمن ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين عليه السّلام (1).

أقول: لا تناسب ظاهرا بين التعبير إلاّ أنّ الدّنيا و معايشها لمّا كانت خيالات و أضغاث أحلام و كان الاغتيال و الغدر هنا واقعا بها جاء التخويف بالشيخ من الخشب و لو كان الاغتيال واقعا في النفوس لكان التخويف بالرجل و الحيوان و نحوهما.

[في]مشارق الأنوار:روي أنّ المنصور العبّاسي دعاه عليه السّلام يوما فركب معه إلى بعض النواحي فجلس المنصور إلى تلّ هناك و هو عليه السّلام إلى جانبه فجاء رجل و همّ أن يسأل المنصور ثمّ أعرض عنه و سأل الصادق عليه السّلام فحثى له من رمل هناك ملأ يده ثلاث مرّات و قال له:اذهب و اغل،فقال له بعض حاشية المنصور:أعرضت عن الملك و سألت فقيرا لا يملك شيئا؟

فقال الرجل:إنّي سألت من أنا واثق بعطائه فجاء بالتراب إلى بيته فقالت له زوجته:8.

ص: 182


1- -الكافي:293/8،و بحار الأنوار:155/47 ح 218.

من أعطاك هذا؟

فقال:جعفر و قال لي:اغل،فقالت:إنّه صادق فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغنا،فأخذ الرجل جزوا و مرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيه عشرة آلاف درهم و قال:ائتني بباقيه على هذه القيمة (1).

[في]عيون المعجزات للسيّد المرتضى طاب ثراه عن داود الرقي قال:كنّا في منزل أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن نتذاكر فضائل الأنبياء فقال مجيبا لنا؛ما خلق اللّه نبيّا إلاّ محمّد صلّى اللّه عليه و اله أفضل منه ثمّ خلع خاتمه و وضعه على الأرض و تكلّم بشيء فانشقّت الأرض بقدرة اللّه تعالى فإذا نحن ببحر عجاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء في وسطها قبّة من درّة بيضاء حولها دار خضراء مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين،بشّر القائم فإنّه يقاتل الأعداء و ينصره اللّه بالملائكة عدد نجوم السماء،ثمّ تكلّم بكلام فقال:ادخلوا القبّة التي في وسط السفينة فدخلناها فإذا فيها أربعة كراسي من ألوان الجواهر فقعد هو على أحدها و أجلس موسى و إسماعيل كلّ واحد على كرسيّ ثمّ قال للسفينة:سيري بقدرة اللّه تعالى،فسارت في بحر عجاج بين جبال الدرّ و الياقوت ثمّ أدخل يده في البحر و أخرج دررا و ياقوتا و قال:يا داود إن كنت تريد الدّنيا فخذ حاجتك،فقلت:

لا حاجة لي في الدّنيا فرمى به في البحر و سارت السفينة حتّى انتهينا إلى جزيرة عظيمة و إذا فيها قباب من الدرّ الأبيض مفروشة بالسندس و الاستبرق محفوفة بالملائكة فأقرّوا له بالولاية،فقلت:لمن هذه القباب؟

قال:للأئمّة من ذرّية محمّد صلّى اللّه عليه و اله كان إذا قبض إمام صار إلى هذا الموضع إلى الوقت المعلوم،ثمّ قال:قوموا بنا فقمنا و وقفنا بباب إحدى القباب المزيّنة و هي أجلّها و أعظمها و سلّمنا على أمير المؤمنين عليه السّلام و هو قاعد فيها ثمّ عدل بنا إلى قبّة اخرى فسلّمنا على الحسن بن عليّ عليهما السّلام و عدلنا إلى قبّة بإزائها فسلّمنا على الحسين بن عليّ عليهما السّلام ثمّ على عليّ ابن الحسين ثمّ على محمّد بن عليّ ثمّ عدل إلى بيته بالجزيرة و إذا فيها قبّة عظيمة من درّة بيضاء مزيّنة بفنون الفرش و الستور و إذا فيها سرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر، فقلت:يا مولاي لمن هذه القبّة؟7.

ص: 183


1- -بحار الأنوار:156/47.

فقال:للقائم منّا أهل البيت صاحب الزمان عليه السّلام ثمّ تكلّم بشيء فإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزله عليه السّلام و أخرج خاتمه و ختم الأرض بين يديه فلم أر فيها صدعا.

أقول: هذا البحر و القباب و ما شاهدوا يجوز أن يكون من جملة وادي السلام جنّة الدّنيا الذي مبدءه ظهر الكوفة،و يجوز أن يكون في غيرها ممّا كان مخصوصا بهم عليهم السّلام و هذه الأسرار و نحوها لا يحتملها عقول أكثر شيعتهم فمن ثمّ ذهبوا فيهم إلى المذاهب البعيدة كالربوبيّة و النبوّة و غير ذلك (1).7.

ص: 184


1- -وفيات الأئمة:229،و بحار الأنوار:159/47.

الفصل الثالث

اشارة

فيما جرى بينه و بين ولاة المخالفين و علمائهم و ما يتبع ذلك

[في]الأمالي،قال:بعث المنصور الدوانيقي إلى الصادق عليه السّلام فقال:حديث حدّثتنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي،قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها اللّه ثلاثين سنة و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها اللّه ثلاثة سنين ثمّ تلا قوله تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1)قال:هذا حسن يا أبا عبد اللّه و ليس إيّاه أردت،قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:صلة الرحم تعمّر الديار و تزيد في الأعمار و إن كان أهلها غير أخيار.قال:

هذا أحسن يا أبا عبد اللّه و ليس هذا أردت،فقال:نعم،حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:صلة الرحم تهون الحساب و تقي ميتة السوء،قال:

نعم،هذا أردت (2).

و عن الربيع قال:دعاني المنصور يوما فقال:يا ربيع احضر جعفر بن محمّد و اللّه لأقتلنّه،فوجّهت إليه.

فلمّا وافى قلت:يا ابن رسول اللّه إن كان لك وصيّة أو عهد تعهده،فافعل فقال:

استأذن لي عليه.

فلمّا دخل على المنصور رأيته يحرّك شفتيه فقام إليه المنصور و اعتنقه و قال له:ارفع حوائجك فأخرج رقاعا لأقوام و قضيت حوائجه،فقال له المنصور:ارفع حوائج نفسك، فقال:لا تدعني حتّى أجيئك،فقال:ما لي إلى ذلك سبيل و أنت تزعم للناس أنّك تعلم الغيب فقال:من أخبرك بهذا؟

ص: 185


1- -سورة الرعد:39.
2- -أمالي الطوسي:480،و بحار الأنوار:163/47.

قال:هذا الشيخ القاعد،فقال عليه السّلام:أنت سمعتني أقول هذا؟

قال:نعم،قال جعفر للمنصور:أيحلف؟

فقال له المنصور:احلف.

فلمّا بدأ الشيخ في اليمين قال عليه السّلام للمنصور:حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّ العبد إذا حلف باليمين التي ينزّه اللّه عزّ و جلّ فيها و هو كاذب امتنع اللّه عزّ و جلّ عن عقوبته عليها في عاجلته لما نزّه اللّه عزّ و جلّ و لكنّي أنا أستحلفه،فقال المنصور ذلك لك،فقال عليه السّلام للشيخ:قل أبرأ إلى اللّه من حوله و قوّته و ألجأ إلى حولي و قوّتي إن لم أكن أسمعك تقول هذا القول،فتلكّأ الشيخ فرفع المنصور عمودا كان في يده فقال:لئن لم تحلف لأعلونّك بهذا العمود فحلف الشيخ فما أتمّ اليمين حتّى دلع لسانه كما يدلع الكلب و مات لوقته و نهض جعفر (1).

دعاء ردّ القتل

قال الربيع:فقال لي المنصور:ويلك اكتمها الناس لا يفتتنون،فقلت:يا ابن رسول اللّه إنّ المنصور كان قد همّ بأمر عظيم.

فلمّا رآك زال ذلك،فقال:إنّي رأيت البارحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في النوم فقال لي:يا جعفر خفته؟

قلت:نعم يا رسول اللّه،فقال:إذا وقعت عينك عليه فقل ببسم اللّه أستفتح و ببسم اللّه أستنجح و بمحمّد صلّى اللّه عليه و اله أتوجّه،اللّهمّ ذلّل إلي صعوبة أمري و كلّ صعوبة و سهّل حزونة أمري و كلّ حزونة و اكفني مؤونة أمري و كلّ مؤونة (2).

و روى الصدوق في كتاب صفات الشيعة بإسناده قال:قال أبو جعفر الدوانيقي بالحيرة للصادق عليه السّلام:يا أبا عبد اللّه ما بال الرجل من شيعتكم يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد حتّى يعرف مذهبه؟

ص: 186


1- -أمالي الطوسي:461،و بحار الأنوار:164/47.
2- -أمالي الطوسي:461،و بحار الأنوار:164/47.

قال عليه السّلام:ذلك لحلاوة الإيمان في صدورهم من حلاوته يبدو تبديا (1).

و عن الربيع صاحب المنصور قال يوما المنصور لأبي عبد اللّه عليه السّلام و قد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه ثمّ وقع عليه و هكذا ثلاثا فقال:يا أبا عبد اللّه لأيّ شيء خلق اللّه عزّ و جلّ الذباب؟

قال:ليذلّ به الجبّارين.

أقول: سمّي الذباب لأنّه كلّما ذب آب (2).

[في]العلل عن الصادق عليه السّلام قال:كنت عند زياد بن عبيد اللّه و جماعة من أهل بيتي فقال:يا بني عليّ و فاطمة ما فضلكم على الناس؟فسكتوا،فقلت:إنّ من فضلنا على الناس إنّا لا نحبّ أن نكون من أحد سوانا و ليس أحد من الناس لا يحبّ أن لا يكون منّا إلاّ أشرك ثمّ قال:ارووا هذا الحديث (3).

الخلق الذين يسكنون الهواء

[في]الخرائج عن صفوان الجمّال قال:كنت بالحيرة مع أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ أقبل الربيع و قال:أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد،قلت:أسرعت الانصراف؟

قال:اسأل الربيع فخرجت إلى الربيع و سألته فقال:أخبرك العجب إنّ الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البرّ خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على الخليفة فلمّا رآه قال:نحه و ادع جعفرا فدعوته فقال:يا أبا عبد اللّه أخبرني عن الهوى ما فيه؟

قال في الهوى موج مكفوف،قال:فيه سكّان؟

قال:نعم،قال:فما سكّانه؟

قال:خلق أبدانهم كأبدان الحيتان و رؤوسهم رؤوس الطيور و لهم أعراف كأعراف الديكة و بغابغ كبغابغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشدّ بياضا من الفضّة المجلوّة،فقال الخليفة:هلم الطشت،فجئت بها و فيها ذلك الخلق و إذا هو و اللّه كما وصفه

ص: 187


1- -صفات الشيعة:15،و بحار الأنوار:166/47.
2- -علل الشرائع:496/2،و بحار الأنوار:166/47 ح 6.
3- -علل الشرائع:583/2 ح 24،و بحار الأنوار:241/26 ح 4.

جعفر.

فلمّا نظر إليه جعفر قال:هذا هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف فأذن له بالانصراف.

فلمّا خرج قال:ويلك يا ربيع هذا الشجى المعترض في حلقي من أعلم الناس (1).

صلة الأرحام و كيف فعلها في الأعمار

و في كتاب المهج حديث طويل و فيه:أنّ المنصور العبّاسي أشخص الصادق عليه السّلام من المدينة إلى العراق قاصدا قتله فدخل عليه و هو يدعو.

فلمّا وصل إليه سكن غضبه و أجلسه معه على السرير و قال له:يا أبا عبد اللّه إنّما أحضرتك لأشكو إليك أهلك قطعوا رحمي و ألّبوا الناس عليّ،فقال جعفر:يا أمير المؤمنين فأين يعدل بك عن سلفك الصالح؛إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلى فصبر و أنّ يوسف ظلم فغفر و أنّ سليمان أعطى فشكر،فقال المنصور:قد صبرت و غفرت و شكرت ثمّ قال:يا أبا عبد اللّه حدّثنا حديثا كنت سمعته منك في صلة الأرحام،قال:نعم حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:البرّ و صلة الأرحام عمارة الدّنيا و زيادة الأعمار.

قال:ليس هذا هو قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:من أحبّ أن ينسأ في أجله و يعافا في بدنه فليصل رحمه قال:ليس هذا،قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:رأيت رحما متعلّقة بالعرش تشكو إلى اللّه تعالى قاطعها،فقلت:يا جبرئيل كم بينهم؟

قال:سبعة آباء،قال:ليس هذا قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:احتضر بار و في جواره رجل عاق فقال اللّه عزّ و جلّ لملك الموت:كم بقي من أجل العاق؟

قال:ثلاثون سنة قال:حوّلها إلى هذا البار،فقال المنصور:يا غلام ائتني بالغالية يعني الطيب فعطّره بيده و أركبه دابّته و سرّحه إلى منزله،و الدّعاء موجود في ذلك الكتاب (2).

ص: 188


1- -الخرائج و الجرائح:640/2،و بحار الأنوار:170/47 ح 14.
2- -مستدرك الوسائل:244/15 ح 30،و بحار الأنوار:194/47.
دخول الصادق عليه السلام على المنصور العبّاسي لعنه اللّه

و في ذلك الكتاب أيضا عن محمّد بن الربيع الحاجب قال:قعد المنصور يوما في قصره في القبّة الخضراء و كانت قبل قتل محمّد و إبراهيم تدعا الحمراء و كان له يوم يقعد فيه يسمّى يوم الذبح و قد كان أشخص جعفر بن محمّد من المدينة فلم يزل في الحمراء نهاره كلّه حتى مضى أكثر الليل فدعى أبي الربيع فقال:يا ربيع إنّك تعرف موضعك منّي و أنّى يكون لك الخير فسر الساعة إلى جعفر بن محمّد فائتني به على الحال الذي تجده عليه لا تغيّر شيئا ممّا هو عليه،فقلت:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و إن أتيت به على ما أراه من غضبه قتله و ذهبت الآخرة و إن لم آت به قتلني و قتل نسلي فمالت نفسي إلى الدّنيا.

قال محمّد بن الربيع:فدعاني أبي و كنت أغلظ أولاده قلبا،فقال:امض إلى جعفر ابن محمّد فتسلّق على حائطه و لا تستفتح عليه بابا فيغيّر بعض ما هو عليه فأت به على الحال التي هو فيها فأتيته و قد ذهب الليل إلاّ أقلّه فأمرت بنصب السلاليم و تسلّقت الحائط فوجدته قائما يصلّي و عليه قميص و منديل قد ائتزر به.

فلمّا سلّم من صلاته قلت:أجب أمير المؤمنين فقال:دعني أدعو و ألبس ثيابي، فقلت:ليس إلى[تركك و] (1)ذلك سبيل،قال:فأدخل المغتسل فأتطهر،قلت:لا، فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه و منديله و كان قد جاوز السبعين.

فلمّا مضى بعض الطريق ضعف فرحمته و نعلته نعل رجل كان معنا ثمّ صرنا إلى الربيع فسمعته و هو يقول له:ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل.

فلمّا أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمّد بكى و كان الربيع يتشّيع فقال له عليه السّلام:يا ربيع أعلم ميلك إلينا فدعني اصلّي ركعتين و أدعو،قال:شأنك و ما تشاء،فصلّى ركعتين خفّفهما ثمّ دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه.

فلمّا فرغ أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور.

ص: 189


1- -زيادة من المصدر.

فلمّا صار في صحن الايوان حرّك شفتيه فقال له:يا جعفر ما تدع حسدك و إفسادك على بني العبّاس،فقال:يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا و لقد كنت في ولاية بني اميّة و أنت تعلم أنّهم أعدى الخلق لنا و لكم و لا حقّ لهم في هذا الأمر فما بغيت عليهم و كيف أصنع الآن و أنت ابن عمّي و أكثر الناس بي عطاء و برّا؟فأطرق المنصور ساعة و كان تحت لبدها سيف كان لا يفارقه إذا قعد في القبّة فأخرجه و أخرج إليه كتبا و قال:هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي فقال:ما فعلت و لا أستحلّ ذلك و إنّي لمن يعتقد طاعتك على كلّ حال و قد بلغت من السنّ ما أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض جيوشك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب،فقال:لا و لا كرامة ثمّ ضرب يده إلى السيف و سلّ منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه فقلت:إنّا للّه ذهب و اللّه الرجل ثمّ ردّ السيف ثمّ قال:يا جعفر أما تستحيي مع هذه الشيبة أن تنطق بالباطل و تشقّ عصا المسلمين و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟

فقال:ما فعلت و لا هذه كتبي و لا خطّي فانتضئ من السيف ذراعا فقلت:في نفسي إن أمرني بقتله عصيته و ضربت المنصور و إن أتى ذلك عليّ و على ولدي،فأقبل يعاتبه و جعفر يعتذر ثمّ انتضئ السيف و أطرق ساعة ثمّ رفع رأسه و قال:أظنّك صادقا يا ربيع هات الطيب فطيّبه،و أعطاه عشرة آلاف درهم و قال لي:شيّعه إلى منزله مكرّما و خيّره بين المقام عندنا فنكرمه و بين الانصراف إلى مدينة جدّه،فخرجنا من عنده و أنا مسرور بسلامة جعفر عليه السّلام و متعجّب ما أراده به و ما صار إليه من كفايته فلمّا صرنا في الصحن قلت له:يا ابن رسول اللّه إنّي لأعجب ممّا صار إليه أمرك و قد سمعتك تدعو عقيب الركعتين و رأيتك قد حرّكت شفتيك في الصحن،فقال:أمّا الأوّل فدعاء الكرب و الشدائد،و أمّا الذي حرّكت به شفتي فهو دعاء رسول اللّه يوم الأحزاب،فسرت معه إلى المنزل فأملأ عليّ الدّعاء الأوّل و الثاني و وهبني أرضا بالمدينة أعطي بها عشرة آلاف دينار.

قال الربيع:

فلمّا كان بعد أيّام و وجدت خلوة من المنصور قلت:يا أمير المؤمنين رأيت غضبك على جعفر حتّى هممت بقتله ثمّ انجلى عنك ذلك كلّه حتّى طيّبته بالغالية التي لا يتطيّب بها إلاّ أنت؟

ص: 190

فقال:ويحك يا ربيع لا أحبّ أن يبلغ هذا ولد فاطمة فيفتخرون به علينا و لكن لا أكتمك شيئا اخرج من في الدار فأخرجتهم فقال:لئن ألقيت ما أقول لك إلى أحد لأقتلنّك و ولدك و أهلك،قلت؛أعوذ باللّه،قال:كنت مصرّا على قتل جعفر و أن لا أسمع له قولا و لا أقبل له عذرا و كان أمره و إن كان ممّن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهمّ عليّ من أمر عبد اللّه بن الحسن و قد كنت أعلم هذا منه و من آبائه على عهد بني اميّة.

فلمّا هممت به في المرّة الاولى فإذا أنا برسول اللّه متمثّلا لي حائلا بيني و بينه باسط كفّيه حاسر عن ذراعيه قد عبس و قطب في وجهي ثمّ هممت به في المرّة الثانية و انتضيت من السيف أكثر ممّا انتضيت منه في المرّة الاولى فإذا أنا برسول اللّه قد قرب منّي و همّ بي أن لو فعلت لفعل ثمّ تجاسرت و قلت:هذا بعض أفعال الجنّ ثمّ انتضيت السيف في الثالثة فتمثّل لي رسول اللّه باسط ذراعيه حتّى كاد أن يضع يده عليّ فخفت و اللّه لو فعلت لفعل و كان منّي ما رأيت و هؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة فإيّاك أن يسمع هذا منك أحد.

قال محمّد بن الربيع:فما حدّثني به أبي حتى مات المنصور و ما حدّثت أنا به حتّى مات المهدي و موسى و هارون و قتل محمّد،انتهى ملخّصا بألفاظه (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن محمّد الكندر قال:كنت من جملة ندماء المنصور و خواصّه فرأيته يوما مغتّما فقلت:ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين؟

فقال:لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة و قد بقي سيّدهم و إمامهم جعفر الصادق،فقلت:إنّه رجل أنحلته العبادة و اشتغل باللّه عن طلب الخلافة،فقال:يا محمّد و قد علمت أنّك تقول به و بإمامته و لكنّ الملك عقيم و قد آليت على نفسي أن لا أمسي عشيّتي هذه حتّى أقتله،قال محمّد:و اللّه لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها.ثمّ دعى سيّافا و قال له:إذا أنا أحضرت الصادق و شغلته بالحديث و وضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني و بينك فاضرب عنقه،ثمّ حضر أبا عبد اللّه عليه السّلام في تلك الساعة و لحقته بالدار و هو يحرّك شفتيه فرأيت القصر يموج كأنّه سفينة في لجج البحار فرأيت المنصور و هو يمشي بين يديه حافيا مكشوف الرأس قد اصطكّت أسنانه و ارتعدت فرائصه يحمرّ ساعة5.

ص: 191


1- -بحار الأنوار:289/91،و الأنوار البهية:165.

و يصفرّ اخرى و أخذ بعضد أبي عبد اللّه عليه السّلام و أجلسه على سرير ملكه و جثا بين يديه كالعبد بين يدي مولاه،ثمّ قال:يا ابن رسول اللّه ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟

قال:جئتك يا أمير المؤمنين طاعة للّه عزّ و جلّ و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لأمير المؤمنين أدام اللّه عزّه،قال:ما دعوتك و الغلط من الرسول ثمّ قال:سل حاجتك،قال:أن لا تدعوني لغير شغل،قال:لك ذلك و غير ذلك،ثمّ انصرف و حمدت اللّه كثيرا فنام المنصور إلى نصف الليل.

فلمّا انتبه قال:احدّثك لمّا أحضرت الصادق و هممت بقتله،رأيت تنينا قد حوى بذنبه جميع داري و قد وضع شفته العليا في أعلاها و السفلى في أسفلها و هو يكلّمني بلسان عربيّ:يا منصور إنّ اللّه تعالى بعثني إليك إن أنت أحدثت في أبا عبد اللّه عليه السّلام حدثا فأنا أبتلعك و من في دارك،فطاش عقلي و ارتعدت فرائصي.

قال محمّد:قلت:هذا ليس بعجب يا أمير المؤمنين و عنده من الأسماء و الدعوات التي لو قرأها على الليل لأنار و لو قرأها على النهار لأظلم و لو قرأها على الأمواج في البحور لسكنت.

قال محمّد:فقلت له بعد أيّام:أتأذن لي في زيارة الصادق؟فأجاب،فدخلت عليه و قلت:سألتك باللّه يا مولاي أن تعلّمني الدّعاء الذي كنت تقرأه عند دخولك إلى المنصور.

قال:ذلك لك،فعلّمه الدّعاء و هو مذكور في ذلك الكتاب (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن الربيع الحاجب قال:دعاني المنصور يوما فقال:ما ترى ما يبلغني عن جعفر بن محمّد و اللّه لأقتلنّه فدعا بقائد من قوّاده فقال:انطلق إلى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمّد و خذ رأسه و رأس ابنه موسى،فخرج القائد حتّى قدم المدينة فأخبر جعفر بن محمّد فأمر فأتى بناقتين فأوثقهما على باب البيت و دعا بأولاده موسى و إسماعيل و محمّد و عبد اللّه فجمعهم و قعد في المحراب و جعل يهمهم.

قال أبو نصر:فحدّثني سيّدي موسى بن جعفر أنّ القائد هجم عليه و هو يدعو فقال:

خذوا رأسيّ هذين القائمين ففعلوا و انطلقوا إلى المنصور.

فلمّا دخلوا عليه اطّلع المنصور إلى المخلاة التي كان فيها الرأسان فإذا هما رأسا2.

ص: 192


1- -بحار الأنوار:203/47 ح 42.

ناقتين،فقال:أيّ شيء هذا؟

قال:يا سيّدي ما كان بأسرع من أنّي دخلت البيت الذي فيه جعفر فرأيت شخصين قائمين خيّل لي أنّهما جعفر و موسى فأخذت رأسيهما،فقال المنصور:اكتم علي فما حدّث به أحدا حتّى مات.

قال الربيع:فسألت موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الدّعاء فقال:هو دعاء الحجاب و ذكر الدعاء (1).

فيه الرقعة التي كتبها الصادق عليه السلام

[في]اعلام الورى للديلمي روى عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أبيه عن جدّه قال:ولّي علينا بالأهواز رجل من كتّاب يحيى بن خالد و كان عليّ بقايا من خراج كان فيها زوال نعمتي و خروجي من ملكي فقيل له:إنّه ينتحل هذا الأمر فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقّا فيكون فيه زوال نعمتي فهربت و أتيت إلى الصادق عليه السّلام مستجيرا فكتب إليه رقعة صغيرة فيها:بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّ للّه في ظلّ عرشه ظلالا لا يسكنه إلاّ من نفّس عن أخيه كربة و أعانه بنفسه أو صنع إليه معروفا و لو بشقّ تمرة و هذا أخوك المسلم ثمّ ختمها و دفعها إليّ و أمرني أن أوصلها إليه.

فلمّا رجعت إلى بلدي استأذنت عليه و قلت:رسول الصادق بالباب فإذا أنا به و قد خرج إليّ حافيا.

فلمّا بصر بي سلّم عليّ و قبّل ما بين عينيّ،ثمّ قال:يا سيّدي أنت رسول مولاي؟ فقلت:نعم،فقال:هذا عتقي من النار إن كنت صادقا،فأخذني و أجلسني مجلسه و قعد بين يدي ثمّ قال:يا سيّدي كيف خلفت مولاي؟

فقلت:بخير،قال:اللّه اللّه ثمّ ناولته الرقعة فقرأها و قبّلها و وضعها على عينيه ثمّ قال:

يا أخي مر بأمرك فقلت:في ديوانك عليّ كذا و كذا ألف درهم و فيها هلاكي فدعا بالدفتر و محى عنّي كلّما كان عليّ فيه و أعطاني براءة منها ثمّ دعى بصناديق ماله فناصفني عليها ثمّ دعى بدوابه فجعل يأخذ دابّة و يعطيني دابّة ثمّ دعا بغلمانه فجعل يعطيني غلاما و يأخذ

ص: 193


1- -بحار الأنوار:205/47 ح 46.

غلاما ثمّ دعى بكسوته فجعل يأخذ ثوبا و يعطيني ثوبا حتّى شاطرني جميع ما يملك و يقول:هل سررتك؟و أقول:إي و اللّه وزدت على السرور.

فلمّا كان في الموسم،قلت:و اللّه لا كان جزاء هذا الفرج بشيء أحبّ إلى اللّه و إلى رسوله من الخروج إلى الحجّ و الدّعاء له و المصير إلى مولاي الصادق عليه السّلام و شكره عنده و أسأله الدّعاء له فخرجت إلى مكّة و جعلت طريقي إلى مولاي فدخلت عليه و رأيت السرور في وجهه فقلت:يا سيّدي هل سررت بما كان منه إليّ؟

فقال عليه السّلام:إي و اللّه سرّني،إيّ و اللّه لقد سرّ آبائي،إي و اللّه لقد سرّ أمير المؤمنين، إي و اللّه لقد سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،إي و اللّه لقد سرّ اللّه في عرشه (1).

شدّة التقيّة

[في]الكافي عن الصادق عليه السّلام إنّه قال و هو بالحيرة في زمان أبي العبّاس:إنّي دخلت عليه و قد شكّ الناس في الصوم و هو و اللّه من شهر رمضان فقال:يا أبا عبد اللّه أصمت اليوم؟

فقلت:لا و المائدة بين يديه قال:فأدن فكل،قال:فدنوت فأكلت و قلت:الصوم معك و الفطر معك،فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:تفطر يوما من شهر رمضان؟

فقال:إي و اللّه أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه (2).

[في]الاحتجاج،قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم بين المشرق و المغرب؟قال:

مسيرة يوم بل أقلّ من ذلك فاستعظمه فقال:يا عاجز لم تنكر هذا إنّ الشمس تطلع من المشرق و تغرب من المغرب في أقلّ من يوم (3).

ص: 194


1- -بحار الأنوار:207/47 ح 49.
2- -الكافي:83/4 ح 9،و وسائل الشيعة:95/7.
3- -الأحتجاج:118/2،و بحار الأنوار:213/47 ح 1.
عدد العظام و العروق و الأعصاب

روى سالم الضرير أنّ نصرانيّا سأل الصادق عليه السّلام عن تفصيل الجسم فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تعالى خلق الإنسان على اثنى عشر وصلا و على مائتين و ستّة و أربعين عظما و على ثلاثة مائة و ستّين عرقا،فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه و العظام تمسكها و اللحم يمسك العظام و العصب يمسك اللحم و جعل في يديه اثنين و ثمانين عظما في كلّ يد أحد و أربعون عظما منها في كفّه خمسة و ثلاثون عظما و في ساعده اثنان و في عضده واحد و في كفّه ثلاثة و أربعون عظما و كذلك في الاخرى و في رجله ثلاثة و أربعون عظما منها في قدمه خمسة و ثلاثون و في ساقه اثنان و في ركبتيه ثلاثة و في فخذه واحد و في وركه اثنان و كذلك في الاخرى و في صلبه ثماني عشرة فقرة و في كلّ واحد من جنبيه تسعة أضلاع و في وقصته ثمانية و في رأسه ستّة و ثلاثون عظما و في فيه ثمانية و عشرون و اثنان و ثلاثون (1).

أقول: يعني بالعظام التي في فيه الأضراس و هي تكون في قوم ثمانية و عشرون و في آخرين اثنان و ثلاثون،و يدلّ الحديث على أنّ السنّ عظم.

فيه اختلاف الطبائع

و حدّث أبو هفان و ابن ماسويه حاضران جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال:الطبائع أربع الدم و هو عبد و ربّما قتل العبد سيّده و الريح و هو عدوّ إذا سددت له بابا أتاك من آخر،و البلغم و هو ملك يدارى،و المرّة و هي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها،فقال:أعد عليّ فو اللّه ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف (2).

و فيه أنّ زنديقا سأل الصادق عليه السّلام فقال:ما علّة الغسل من الجنابة،و إنّما أتى حلالا و ليس في الحلال تدنيس؟

ص: 195


1- -المناقب:379/3،و بحار الأنوار:218/47.
2- -بحار الأنوار:219/47 ح 5.

فقال عليه السّلام:لأنّ الجنابة بمنزلة الحيض و ذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلاّ بحركة غالبة فإذا فرغ تنفّس البدن و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك غسل الجنابة (1).

الكتاب الذي كتب على آدم عليه السلام

[في]الكافي عن عبد اللّه بن سنان قال:لمّا قدم الصادق عليه السّلام على أبي العبّاس و هو بالحيرة خرج يوما يريد عيسى بن موسى فاستقبله بين الحيرة و الكوفة و معه ابن شبرمة القاضي فقال له ابن شبرمة:ما تقول يا أبا عبد اللّه في شيء سألني عنه الأمير فلم يكن عندي فيه شيء؟

قال:و ما هو؟

قال:سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض،قال:نعم،إنّ اللّه عزّ و جلّ عرض على آدم ذرّيته عرض العين في صور الذرّ نبيّا فنبيّا و ملكا فملكا و مؤمنا فمؤمنا و كافرا فكافرا.

فلمّا انتهى إلى داود عليه السّلام قال:من هذا الذي نبأته و كرّمته و قصرت عمره؟فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة و إنّي كتبت الآجال و قسّمت الأرزاق و أنا أمحو ما أشاء و أثبت و عندي امّ الكتاب فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له،قال:يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنة تمام المائة فقال اللّه عزّ و جلّ لجبرئيل و ميكائيل و ملك الموت:اكتبوا عليه كتابا فإنّه سينسى،فكتبوا عليه كتابا ختموه بأجنحتهم من طينة علّيين.

فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال آدم:ما جاء بك؟

قال:جئت أقبض روحك قال:قد بقي من عمري ستّون سنة فقال:إنّك جعلتها لابنك داود و نزل جبرئيل و أخرج له الكتاب فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فمن أجل ذلك إذا خرج الصّك على المديون ذلّ المديون فقبض روحه.

أقول: و في حديث آخر أنّ اللّه سبحانه وفاها داود و لم ينقص من آدم شيئا (2).

ص: 196


1- -المناقب:387/3،و بحار الأنوار:220/47 ح 6.
2- -الكافي:378/7 ح 1،و بحار الأنوار:223/47.
تعبير الرؤيا من الصادق عليه السلام

و عن محمّد بن مسلم قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده أبو حنيفة فقلت:

جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال:يا ابن مسلم هاتها فإنّ العالم بها جالس يعني أبا حنيفة فقلت:رأيت كأنّي دخلت داري و إذا أهلي قد خرجت عليّ فكسرت جوزا كثيرا و نثرته عليّ فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة:أنت رجل تخاصم و تجادل في مواريث أهلك فبعد تعب شديد تنال حاجتك إن شاء اللّه تعالى،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أصبت و اللّه يا أبا حنيفة ثمّ خرج أبو حنيفة من عنده فقلت:جعلت فداك إنّي كرهت تعبير هذا الناصب،فقال:

يا ابن مسلم لا يسؤك فما يوافق تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبّره فقلت له:جعلت فداك فقولك أصبت و تحلف عليه و هو مخطئ؟

قال:نعم،حلفت أنّه أصاب الخطأ،فقلت:فما تأويلها؟

قال:إنّك تتمتّع بامرأة فتعلم بها أهلك فتخرق عليك ثيابا جددا فإنّ القشر كسوة اللبّ.قال:فو اللّه ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا إلاّ صبيحة الجمعة.

فلمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرّت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردّها ثمّ أدخلها داري فتمتّعت بها فأحسّت بي و بها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب فبقيت أنا فمزّقت عليّ ثيابا جددا كنت ألبسها في الأعياد (1).

و روى نوح بن شعيب قال:سئل ابن العوجاء هشام بن الحكم فقال:أليس اللّه حكيما؟

قال:بلى أحكم الحاكمين،قال:فأخبرني عن قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2)أليس هذا فرض؟قال؛بلى،قال:

فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ؛ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا

ص: 197


1- -شرح أصول الكافي:253/12،و الكافي:292/8 ح 447.
2- -سورة النساء:3.

كُلَّ الْمَيْلِ (1) أي حكيم يتكلّم بهذا؟فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا هشام في غير وقت حجّ و لا عمرة؟

قال:نعم جعلت فداك لأمر أهمّني؛إنّ ابن أبي العوجا سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء فأخبره بالقصّة،فقال عليه السّلام:أمّا قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (2)يعني في النفقة،و أمّا قوله: لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ (3)يعني في المودّة.

فلمّا قدم هشام بهذا الجواب أخبره قال:و اللّه ما هذا من عندك (4).

أقول: ابن أبي العوجاء من رؤساء الزنادقة و حاصل الاعتراض أنّ العدل في الآية الاولى واجب و في الثانية ذكر أنّه غير ممكن فكيف يكون واجبا؟

و أمّا هشام بن الحكم فهو من أفاضل تلاميذه عليه السّلام و كان يمكنه أن يعدّ جوابا من عند نفسه لكن لمّا لم يسمع الجواب من الإمام عليه السّلام لم يقدم على جواب من عنده و يعلم منه أنّ القول في تفسير القرآن من غير نصّ لا يجوز و قد سافر من الكوفة إلى المدينة لتحصيل الجواب عن مسألة واحدة مع أنّه كان يمكنه المكاتبة و هكذا كان العلم عزيزا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّي لذات يوم عند زياد بن عبيد اللّه الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال:أصلح اللّه الأمير أبي زوّج ابنتي بغير اذني فقال زياد لجلسائه:ما تقولون؟

قالوا:نكاحه باطل ثمّ سألني فقلت للذين أجابوه:أليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إنّ رجلا جاء يستعدي على أبيه في مثل هذا فقال رسول اللّه:أنت و مالك لأبيك؟

فقالوا:بلى،فقلت لهم:كيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟قال:

فأخذ بقولهم و ترك قولي (5).7.

ص: 198


1- -سورة النساء:129.
2- -سورة النساء:3.
3- -سورة النساء:129.
4- -بحار الأنوار:225/47 ح 13،و تهذيب الأحكام:421/7.
5- -الكافي:395/5 ح 3،و بحار الأنوار:226/47.
علّة كميّة الزكاة

و عن أبي جعفر الأحول قال:سألني رجل من الزنادقة كيف صارت الزكاة من كلّ ألف خمسة و عشرين درهما؟

فقلت له:إنّما ذلك مثل الصلاة ثلاثا و اثنتين و أربعا فقبل منّي،فلقيت بعد ذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام فسألته فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ حسب الأموال و المساكين فوجد ما يكفيهم من كلّ ألف خمسة و عشرين و لو لم يكفيهم لزادهم.

قال:فرجعت إليه فأخبرته فقال:جاءت هذه المسألة على الإبل من الحجاز ثمّ قال:

لو أنّي أعطيت أحدا طاعة لأعطيت صاحب هذا الكلام (1).

دخول الصوفية على أبي عبد اللّه عليه السلام

[في]الكافي عن مسعدة بن صدقة قال:دخل سفيان الثوري على أبي عبد اللّه عليه السّلام فرأى عليه ثيابا بيضاء كأنّها غرقى البيض يعني قشره الأسفل،فقال له:إنّ هذا اللباس ليس من لباسك،فقال له:اسمع ما أقول لك فإنّه خير لك عاجلا و آجلا إن أنت متّ على السنّة و الحقّ و لم تمت على بدعة أخبرك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان في زمان جدب مقفر،فأمّا إذا أقبلت فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها و مؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفّارها فما أنكرت يا ثوري فو اللّه إنّني لمع ما ترى ما أتى عليّ مذ عقلت صباح و لا مساء و للّه في مالي حقّ أمرني أضعه موضعا إلاّ وضعته،قال:و أتاه قوم ممّن يظهر التزهّد و يدعو الناس أن يكونوا على مثل الذي هم عليه من التقشّف فقالوا له:إنّ صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحصره حججه فقال لهم:فهاتوا حججكم؟

فقالوا:إنّ حججنا من كتاب اللّه يقول اللّه تبارك و تعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2)فمدح فعلهم.و قال في موضع آخر: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً

ص: 199


1- -الكافي:509/3 ح 4،و بحار الأنوار:228/47 ح 18.
2- -سورة الحشر:9.

وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (1) فنحن نكتفي بهذا،فقال رجل من الجلساء:إنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتّى تتمتّعوا أنتم منها،فقال عليه السّلام:

دعوا عنكم ما لا ينتفع به أخبروني ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله هلك من هلك من هذه الامّة؟

قالوا:و بعضه،فأمّا كلّه فلا،فقال لهم:فمن هاهنا أتيتم و كذلك أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأمّا ما ذكرتم من اخبار اللّه أمانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه على اللّه عزّ و جلّ،و ذلك أنّ اللّه سبحانه أمر بخلاف ما عملوا فصار أمره ناسخا لفعلهم و كان نهي اللّه تبارك و تعالى رحمة للمؤمنين لئلا يضرّوا بأنفسهم و عيالاتهم منهما لضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفاني و العجوز الكبيرة الذين لا يبصرون على الجوع فإن تصدّقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،خمس ثمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه ثمّ الثانية على نفسه و عياله ثمّ الثالثة على قرابته الفقراء ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء ثمّ الخامسة في سبيل اللّه و هو أخسّها أجر،و قال صلّى اللّه عليه و اله للأنصاري حين اعتق عند موته خمسة أو ستّة من الرقيق و لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين يترك صبية صغارا يتكفّفون الناس.

ثمّ قال:حدّثني أبي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثمّ هنا ما نطق به الكتاب ردّا لقولكم و نهيا عنه مفروضا من العزيز الحكيم قال: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً أفلا ترون أنّ اللّه تبارك و تعالى قال غير ما أريكم تدعون الناس إليه من الإثرة على أنفسهم و سمّى من فعل ما تدعون إليه مسرفا،و في غير آية من كتاب اللّه يقول (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فنهاهم عن الإسراف و نهاهم عن التقتير و لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه فلا يستجيب له (2).7.

ص: 200


1- -سورة الأنسان:8.
2- -الكافي:66/5،و بحار الأنوار:234/47.
أصناف من لا يستجاب دعاؤهم

للحديث الذي جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ أصنافا من امّتي لا يستجاب دعاؤهم؛رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه و رجل يدعو على امرأته و جعل اللّه عزّ و جلّ تخلية سبيلها بيده و رجل يقعد في بيته و يقول:

ربّ ارزقني و لا يخرج و لا يطلب الرزق فيقول اللّه عزّ و جلّ له:عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فيكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لا تباع أمري و لكيلا يكون كلاّ على أهلك فإن شئت رزقتك و إن شئت قتّرت عليك و أنت غير معذور عندي،و رجل رزقه اللّه عزّ و جلّ رزقا فأنفقه كلّه فيدعو فيقول اللّه سبحانه:

ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف كما نهيتك عن الإسراف، و رجل يدعو في قطيعة رحم ثمّ علم اللّه سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله كيف ينفق و ذلك أنّه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فأصبح و ليس عنده شيء و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رفيقا فأدّب اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله بأمره فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (1)يقول:إنّ الناس قد يسألونك و لا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت عن المال،فهذه أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يصدقها الكتاب و الكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.

و قال أبو بكر عند موته حيث قيل له:أوص،فقال:أوصي بالخمس و الخمس كثير فإنّ اللّه قد رضي بالخمس و هو كثير فأوصى بالخمس و قد جعل اللّه عزّ و جلّ له الثلث عند موته،و لو علم أنّ الثلث خير له أوصى به ثمّ من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان و أبو ذرّ رضي اللّه عنهما (2).

ص: 201


1- -سورة الإسراء:29.
2- -الكافي:68/5،و بحار الأنوار:235/47.
سلوك سلمان و أبي ذرّ رضي اللّه عنهما

فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتّى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له:يا أبا عبد اللّه أنت في زهدك تصنع هذا و أنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا؟ فكان جوابه أن قال:ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت،أما أبو ذر فكانت له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها إذا اشتهى اللحم أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة يجز لهم الجزور أو الشاة على قدر ما يحتاجون من اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ هو كنصيب واحد منهم و من أزهد من هؤلاء و قد قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم و يؤثرون على أنفسهم و عيالاتهم.

و اعلموا أنّي سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال يوما:ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن إن قرض جسده في دار الدّنيا بالمقاريض كان خيرا له و إن ملك مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له و كلّ ما يصنع اللّه عزّ و جلّ به فهو خير له، فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم.

أما علمتم أنّ اللّه عزّ وجلّ قد فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من الكافرين ليس له أن يولّي وجهه عنهم و من وليهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة،و أخبروني أيضا عن القضاء أجوره هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال:إنّي زاهد و إنّي لا شيء لي فإن قلتم جورة ظللكم أهل الإسلام،و إن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم و حيث يردون صدقة من تصدّق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث.أخبروني لو كان الناس كلّهم زهادا كالذين تريدون لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يصدّق بكفّارات الايمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة من الذهب و الفضّة و التمر و الزبيب و سائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحد أن

ص: 202

يحبس شيئا من عرض الدّنيا إلاّ قدّمه و إن كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم فيه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و اله و أحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل و ردّكم إيّاها بجهالتكم،و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالتاريخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي.

و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود عليهما السّلام حيث سأل اللّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللّه عزّ و جلّ و كان يقول الحق و يعمل به ثمّ لم نجد اللّه عزّ و جلّ عاب عليه ذلك و لا أحدا من المؤمنين،و داود النبي قبله في ملكه و شدّة سلطانه ثمّ يوسف النبي عليه السّلام حيث قال لملك مصر: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك و ما حولها إلى اليمن و كانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم و كان يقول الحقّ و يعمل به فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه،ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللّه فأحبّه طوى له الأسباب و ملّكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول الحقّ به و يعمل به، فتأدّبوا أيّها البقر بآداب اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين و اقتصروا على أمر اللّه و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به وردّوا العلم إلى أهله تؤجروا و تعذروا عند اللّه تبارك و تعالى و كونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما أحلّ اللّه فيه ممّا حرّم فإنّه أقرب لكم من اللّه و أبعد لكم من الجهل و دعوا الجهالة لأهلها فإنّ أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (1)(2).7.

ص: 203


1- -سورة يوسف:76.
2- -الكافي:69/5،و بحار الأنوار:236/47.
بعض أحوال سفيان الثوري

أقول: سفيان الثوري كان من مشايخ الصوفية و لشدّة جهله سمّاه الباقر عليه السّلام بالثوري نسبة إلى الثور في كثرة الجهل كما هو المشهور بين الناس و إلاّ فالثور أعقل منه كما نطق به القرآن العزيز،و كان هذا الرجل معاندا و معارضا للإمامين الصادق و الباقر عليهما السّلام و في كلّ عصر من أعصار الأئمّة عليهم السّلام من زمن خلافة مولانا الإمام أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى آخر أعصارهم كان الصوفية على طرف العناد و الخلاف لهم و بعدهم عارضوا علمائهم و رواة أخبارهم إلى وقتنا هذا.

نعم في هذا العصر خذلهم اللّه تعالى و نكس أعلام ضلالهم و أمر السلطان العادل أن يخرجوا من الأمصار الشاهية و أن لا يعملوا بالبدع التي يزعمونها سننا و ضررهم على أهل الدّين أشدّ من الشياطين و الكافرين،لأنّ عوام المذهب يصدقونهم على أقوالهم بسبب تركهم الدّنيا ظاهرا لأنّهم أرادوا التوصّل إلى تحصيلها بتركها كما قال عليه السّلام:ويلك يا ابن الخطّاب تركت الدّنيا للدّنيا.

و كان أوّل الصوفية عمر بن الخطّاب زمن خلافته و قبلها و الثاني الحسن البصري ثمّ استمرّوا في الدولة الأموية و العبّاسية و عظّمهم الخلفاء و العمّال و بنوا لهم أماكن الرقص و الغناء في الأذكار المبتدعة و وقفوا لهم الأموال و قطعوهم الأراضي و البساتين كلّ ذلك ليعارضوا أئمّة الدّين و يطفئوا نور اللّه بأفواههم( وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) و آخر الصوفية عبد السلام البصري و من عاصره.

و أمّا ما يدّعي التشيّع منهم و هو بريء منه فقد دخل في أعمالهم و حاذاهم بأعظم اعتقادهم فهو في الآخرة معهم في درك الجحيم يصلى من عذاب اللّه الأليم.

و روي في آخر هذا الحديث من طريق آخر أنّه عليه السّلام لمّا ألزم سفيان و أصحابه الحجّة كشف ردن جبّته فإذا تحتها جبّة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن و قال:يا ثوري لبسنا هذا للّه تعالى و هذا لكم و ما كان للّه أخفيناه و ما كان لكم أبديناه،ثمّ

ص: 204

إنّه عليه السّلام جذب سفيان إليه فأخرج من تحت ثيابه الخشنة ثوبا ناعما رقيقا يلي بدنه فقال:ما هذا يا ثوري؟و كان ذلك الثوب لا يرى من تحت ثيابه،فقال:أخفيت هذا لتنعم بذلك و أظهرت هذه الثياب الخشنة جلبا لقلوب العوام،ففضحه اللّه تعالى على يدي خيار خلقه (1).

الذي تصدّق من سرقته

[في]الاحتجاج عن الصادق عليه السّلام قال:(اهدنا الصراط المستقيم)يقول:ارشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلى محبّتك و المبلغ إلى جنّتك من أن نتّبع أهواءنا فنعطب فإنّ من اتّبع هواه و أعجب به:كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه و تصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محلّه فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامّة فوقفت مغشيا بلثام أنظر إليه و إليهم فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم و فارقهم فتفرّقت العوام عنه و تبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفّله فأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة ثمّ مرّ من بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّى تغفله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة،ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين و الرمّانتين بين يديه و مضى و تبعته حتّى استقرّ في بقعة من صحراء،فقلت له:يا عبد اللّه لقد سمعت بك و أحببت لقاك فلقيتك لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي و أنّي سائلك عنه ليزول شغل قلبي،فقال:ما هو؟

قلت:رأيتك مررت بخبّاز فسرقت منه رغيفين ثمّ بصاحب الرمّان فسرقت منه رمّانتين،فقال لي:قبل كلّ شيء حدّثني من أنت؟

قلت:رجل من ولد آدم من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله،قال:حدّثني ممّن أنت؟

قلت:رجل من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،قال:أين بلدك؟

قلت:المدينة،قال:لعلّك جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب؟

قلت:بلى،قال:فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم

ص: 205


1- -بحار الأنوار:221/47 ح 7،و كشف الغمة:369/2.

جدّك و أبيك،لأنّ لا شكر ما يجب أن يحمد و يمدح فاعله،قلت:فما هو؟

قال:القرآن،قلت:و ما الذي جهلت؟

قال:قول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها (1)و إنّي لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين فهذه أربع سيّئات.

فلمّا تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات بقي لي ستّ و ثلاثون،قلت:ثكلتك امّك أنت الجاهل بكتاب اللّه أما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ إنّك لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين و لمّا دفعتهما إلى غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنّما أضفت أربع سيّئات و لم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيّئات فجعل يلاحيني فانصرفت و تركته (2).

أقول: ورد في حديث آخر أنّ مثل هذه التأويلات كان معاوية لعنه اللّه يجريها في آيات القرآن و يصدّقه أهل الشام عليها و يجعلونها أسبابا لحروب علي عليه السّلام و للغلبة على أموال المسلمين.

اللاّ شيء ما هو؟

[في]كتاب الاختصاص للمفيد عن سماعة قال:سأل رجل أبا حنيفة عن اللاّشيء و عن الذي لا يقبل اللّه غيره فعجز عن لا شيء فقال:اذهب بهذه البغلة إلى إمام الرافضة فبعها منه بلا شيء و اقبض الثمن فأخذ بعذارها و أتى بها أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال عليه السّلام له:هل استأمرت أبا حنيفة في بيع هذه البغلة؟

قال:نعم،أمرني ببيعها،قال:بكم؟

قال:بلا شيء،قال:اشتريتها منك بلا شيء،فأمر غلامه أن يدخلها المربط،فقال:

إذا كان الغداة من غد فتعال لقبض الثمن فرجع إلى أبي حنيفة فأخبره و سرّ بذلك،فلمّا كان

ص: 206


1- -سورة الأنعام:16.
2- -الأحتجاج:129/2،و معاني الأخبار:34.

من الغد أتى أبو حنيفة فقال عليه السّلام:جئت تقبض ثمن البغلة؟

قال:نعم،فركب عليه السّلام البغلة و ركب أبو حنيفة بعض الدواب فتصحرا جميعا.

فلمّا ارتفع النهار نظر أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى السراب يجري قد ارتفع كأنّه الماء الجاري فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا أبا حنيفة ما هذا الذي عند الميل كأنّه يجري؟

قال:ذاك الماء يا ابن رسول اللّه.

فلمّا وافيا الميل و جداه أمامهما فتباعد،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:اقبض ثمن البغلة، قال اللّه تعالى: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ (1)قال:فخرج أبو حنيفة إلى أصحابه حزينا فقالوا له:ما لك يا أبا حنيفة؟

قال:ذهبت البغلة هدرا و كان قد اعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم (2).

أقول: كان السائل لأبي حنيفة كان من أهل الكتاب،و كان في كتابهم تفسير اللاّشيء بالسراب كما هو الوارد في القرآن العزيز و فيه دلالة على جواز أن يكون الثمن من قبيل اللاّشيء و به يصحّ البيع و تملك السلعة لأنّه يؤول إلى كون الثمن تعليم مسألة علمية فيدخل تحت الإجارات و إن وقع بصيغة البيع.

[في]كنز الفوائد ذكروا أنّ أبا حنيفة أكل طعاما مع الصادق عليه السّلام.

فلمّا فرغ من الأكل قال:الحمد للّه ربّ العالمين اللّهم إنّ هذا منك و من رسولك فقال أبو حنيفة:يا أبا عبد اللّه أجعلت مع اللّه شريكا؟

فقال له؛ويلك إنّ اللّه يقول في كتابه: وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (3)و يقول في موضع آخر: وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ (4)فقال أبو حنيفة:و اللّه لكأنّي ما قرأتهما قط من كتاب اللّه و لا سمعتهما إلاّ في هذا الوقت.فقال عليه السّلام:بل قرأتهما و لكن اللّه تعالى أنزل فيك و في أشباهك أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها و قال: كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (5).4.

ص: 207


1- -سورة النور:39.
2- -الأختصاص:190.
3- -سورة التوبة:74.
4- -سورة التوبة:59.
5- -سورة المطفيفين:14.

الفصل الرابع

اشارة

في أحوال أولاده و أزواجه و أقربائه و مدائحه عليه السلام

و أحوال أصحابه و تفاضلهم في المراتب

في كتاب كشف الغمة عن محمّد بن طلحة؛و أمّا أولاده فكانوا سبعة ستّة ذكور و بنت واحدة و قيل أكثر من ذلك و أسماء أولاده موسى و هو الكاظم و إسماعيل و محمد و علي و عبد اللّه و إسحاق و امّ فروة.

و قال عبد العزيز بن الأخضر:ولد جعفر بن محمّد إسماعيل الأعرج و عبد اللّه و امّ فروة و امّهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن حسن بن علي بن أبي طالب،و موسى بن جعفر الإمام و امّه حميدة امّ ولد و إسحاق و محمّد و فاطمة امّهم امّ ولد و يحيى و العبّاس و أسماء و فاطمة الصغرى و هم لامّهات أولاد شتّى (1).

و في كتاب بشائر المصطفى:كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام عشرة أولاد إسماعيل و عبد اللّه و امّ فروة امّهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و موسى و إسحاق و محمّد لامّ ولد و العبّاس و علي و أسماء و فاطمة لامّهات أولاد شتّى.

و كان إسماعيل أكبر اخوته و كان أبوه شديد المحبّة له و كان قوم من الشيعة يظنّون أنّه القائم بعد أبيه إذ كان أكبر اخوته سنّا و لإكرام أبيه له،فمات في حياة أبيه بالعريض و حمل على رقاب الرّجال إلى المدينة و دفن بالبقيع و جزع عليه أبوه جزعا شديدا و تقدّم سريره بغير حذاء و لا رداء و أمر بوضع سريره على الأرض مرارا كثيرة و كان يكشف عن وجهه و ينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانّين خلافته له من بعده و إزالة الشبهة عنه في حياته،و لمّا مات إسماعيل رحمه اللّه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ به ذلك

ص: 208


1- -كشف الغمة:373/2،و بحار الأنوار:241/47 ح 1.

و أقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه و لا من الرواة عنه بل كانوا من الأباعد و الأطراف.

فلمّا مات الصادق عليه السّلام انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى عليه السّلام و افترق الباقون فرقتين فريق منهم رجعوا إلى حياة إسماعيل و قالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل بظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه و أنّ الابن أحقّ بها من الأخ،و فريق ثبتوا على حياة إسماعيل و هم اليوم شذاذ لا يعرف أحد منهم و هذان الفريقان يسمّيان الإسماعيلية و المعروف أنهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده و ولد ولده إلى آخر الزمان.

و كان عبد اللّه بن جعفر أكبر اخوته بعد إسماعيل و لم يكن له منزلة عند أبيه مثل اخوته و كان متّهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد فيقال أنّه كان يخالط الحشوية و يميل إلى مذاهب المرجئة و ادّعى بعد أبيه الإمامة و احتجّ بأنّه أكبر اخوته الباقين فتابعه جماعة من أصحاب أبيه،ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى عليه السّلام لقوّة برهانه و أقام نفر يسير منهم و هم الملقبة بالفطحية،لأنّ عبد اللّه كان أفطح الرجلين،أو لأنّ داعيهم إلى إمامة عبد اللّه رجل يقال له عبد اللّه بن أفطح.

و كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل و الصلاح يقول بإمامة أخيه موسى.

و كان محمّد بن جعفر سخيّا شجاعا يصوم يوما و يفطر يوما و يرى رأي الزيدية بالخروج بالسيف و قالت زوجته:ما خرج من عندنا محمّد يوما في ثوب فرجع به حتّى يكسوه و كان يذبح في كلّ يوم كبشا لضيوفه و خرج على المأمون بمكّة و اتّبعته الزيدية الجارودية فظفر به المأمون ثمّ بعد ذلك أكرمه و احترمه و كان معه في خراسان و توفي محمّد بن جعفر في خراسان مع المأمون فخرج المأمون في جنازته و صلّى عليه و دفنه و بنى عليه و قضى دينه و هو خمسة و عشرون ألف دينار و أوصى إلى ابنه يحيى.

و كان علي بن جعفر رضى اللّه عنه راوية للحديث شديد الورع كثير الفضل و لزم موسى أخاه و روى عنه.

و كان العبّاس بن جعفر فاضلا.

و أمّا موسى عليه السّلام فكان هو الإمام و فيه اجتمع براهين الإمامة (1).1.

ص: 209


1- -الغيبة:225،و بحار الأنوار:213/51.

و عن عنبسة بن بجاد قال:لمّا مات إسماعيل بن جعفر و فرغنا من جنازته جلس الصادق عليه السّلام و جلسنا حوله و هو مطرق ثمّ رفع رأسه فقال:أيّها الناس إنّ هذه الدّنيا دار فراق و دار التواء لا دار استواء على أنّ لفراق المألوف حرقة لا تدفع و لوعة لا تردّ و إنّما يتفاضل بحسن العزاء و صحّة الفكرة فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه و من لم يقدم ولدا كان هو المقدّم ثمّ تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه مرثية:

و لا تحسبي إنّي تناسيت عهده *** و لكنّ صبري يا اميم جميل (1)

و في عيون الأخبار عن عمير بن بريد قال:كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السّلام فذكر محمّد بن جعفر فقال:إنّي جعلت على نفسي أن لا يظلّني و إيّاه سقف بيت،فقلت في نفسي:هذا يأمرنا بالبرّ و الصلة و يقول هذا لعمّه فنظر إليّ فقال:هذا من البرّ و الصلة إنّه متى يأتيني و يدخل عليّ فيقول فيّ فيصدّقه الناس و إذا لم يدخل عليّ و لم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال (2).

أقول: يستفاد منه أنّ مثل هذا الفرض اليمين لأجل مثل هذا الغرض ينعقد لرجحانه شرعا و دينا،لأنّ هذه المهاجرة تحمله على عدم الكلام فيه لأنّه لم يجد مصدقا و إن تكلّم فيه لم يصدّقه أحد لمكان المهاجرة،و محمد بن جعفر هذا مات بجرجان يعني استراباد.

و عن الوليد بن صبيح قال:جاءني رجل فقال لي:تعال اريك ابن الرجل فذهبت معه فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة بدموعه فرجعت أشتدّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه،قال:

فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل في صورته (3).

أقول: اقتدار الشيطان على التمثيل بصورته دليل على إنّه ليس بإمام.

و عن الحسن بن راشد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إسماعيل فقال:عاص لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي.6.

ص: 210


1- -أمالي الصدوق:309 ح 4،و بحار الأنوار:246/47 ح 3.
2- -عيون الأخبار:221/1 ح 1،و بصائر الدرجات:257.
3- -الأمامة و التبصرة:71 ح 59،و بحار الأنوار:247/47 ح 6.

أقول: أراد عليه السّلام بهذا الكلام نفي الإمامة عنه لا ذمّه يعني إنّه ممّن يصدر عنه العصيان كغيره فلا يشبهني أنا و لا يشبه آبائي الأئمّة عليهم السّلام في العصمة من الذنوب.

و عن سعيد الأعرج قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لمّا مات إسماعيل أمرت به و هو مسجّى بأن يكشف عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و أمرت به فغطّى ثمّ قلت:اكشفوا فقبّلت أيضا جبهته و ذقنه و نحره ثمّ أمرتهم فغطّوه ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه و قد كفّن فقلت:اكشفوا عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و عوّذته بالقرآن ثمّ قلت:

ادرجوه (1).

قال الصدوق طاب ثراه:قوله عليه السّلام:أمرت به فغسّل يبطل إمامة إسماعيل،لأنّ الإمام لا يغسله إلاّ امام إذا حضره.

و روي أنّه عليه السّلام كتب في حاشية الكفن:إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه (2).

أقول: ثمّ زاد الأصحاب رضوان اللّه عليهم في الكتابة و المكتوب و هو خير و زيادة الخير خير.

و في كتاب كمال الدّين عن الحسن بن زيد قال:ماتت ابنة لأبي عبد اللّه عليه السّلام فناح عليها سنة ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أصلحك اللّه يناح في دارك فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:لكن حمزة لا بواكي عليه (3).

و فيه أيضا إنّه لمّا حضر إسماعيل الوفاة جزع أبو عبد اللّه عليه السّلام جزعا شديدا.

فلمّا أن غمّضه دعا بقميص جديد فلبسه ثمّ تشرّح و خرج يأمر و ينهى فقال له بعض أصحابه:لقد ظننا أنّا لا ننتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك،قال:إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا (4).

أقول: لعلّ من أسباب الجزع استرحام اللّه سبحانه على كشف النازلة فإذا وقع الأمر4.

ص: 211


1- -من لا يحضره الفقيه:161/1،و بحار الأنوار:247/47 ح 10.
2- -شرح اللمعة:423/1،و الحدائق الناظرة:49/4.
3- -كمال الدين:73،و الحدائق الناظرة:166/4.
4- -كمال الدين:73،و الحدائق الناظرة:166/4.

كان الأولى هو الصبر،و جزعهم عليهم السّلام ليس من قبيل جزعنا عند المصيبة التي يحبط الأجر كخدش الوجه و الضرب على الفخذ و نتف الشعر و نحو ذلك و الكلام بما لا يرضاه اللّه عزّ و جلّ بل هو من باب البكاء و الحزن و الأسف و نحو ذلك ممّا فعله الأنبياء عليهم السّلام.

و روي أنّ الصادق عليه السّلام تقدّم سرير إسماعيل بلا حذاء و لا رداء.

ص: 212

دخول النار للكاظم عليه السلام

[في]الخرائج عن الفضل بن عمر قال:لمّا مات الصادق عليه السّلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى الكاظم عليه السّلام فادّعى أخوه عبد اللّه الإمامة و كان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك و هو المعروف بالأفطح فأمر موسى عليه السّلام بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه.

فلمّا صار عنده و مع موسى جماعة من وجوه الإمامية.

فلمّا جلس إليه أخوه عبد اللّه أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب فاحترق كلّه و لا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب جمرا ثمّ قام موسى و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدّث الناس ساعة ثمّ قام فنفض ثوبه و رجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد اللّه:

إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس،قالوا:فرأينا عبد اللّه قد تغيّر لونه فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسى (1).

أقول: تعارف في هذه الأعصار أنّ طوائف من المخالفين بل و من الشيعة يدخلون النار و يقبضون الحيّات و الأفاعي و يأتون بمثل هذه الأفعال الغريبة و هو محمول على ما إذا لم يقارن تحدّي دلائل الإمامة فإنّه إذا قارنه كما في هذا الحال لم يمكن جريانه على أيديهم فرقا بين الإمام و المدّعي و النبيّ و المتنبّي.

و حدّثني جماعة أنّ رجلا من صوفية المخالفين ممّن تعوّد دخول النار افتخر على رجل من الإمامية و أنّ مذهبه هو الصحيح بسبب دخول النار فأوقدوا نارا و دخلوها فاحترق المخالف و بقي المؤمن فيها حتّى خرج و النار عليه برد و سلام و ذلك لأنّه كان الغرض من ذلك الدخول تمييز الأديان لا مفارقة الأبدان.

و روى الكشي عن علي بن جعفر قال:قال لي رجل أحسبه من الواقفة:ما فعل أخوك أبو الحسن؟

ص: 213


1- -الخرائج و الجرائح:309/1،و بحار الأنوار:251/47.

قال:قد مات و نطق الناطق من بعده،قال:و من الناطق من بعده؟

قلت:ابنه علي،قال:فما فعل؟

قلت:قد مات و نطق الناطق من بعده،قال:و من الناطق؟

قلت؛أبو جعفر ابنه فقال:أنت في سنّك و قدرك و أبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام؟

قال:قلت:ما أراك إلاّ شيطانا[قال:] (1)ثمّ أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء ثمّ قال:

فما حيلتي إن كان اللّه رآه أهلا لهذا و لم ير هذه الشيبة أهلا لهذا،يعني الإمامة (2).

و روي أنّ الطبيب أتى إلى أبي جعفر عليه السّلام يفصده و كان علي بن جعفر عنده فقال:يا سيّدي الطبيب يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك ففصده قبله (3).

أقول: علي بن جعفر رحمه اللّه كان على طرف الخلاف من عقيل لقول أمير المؤمنين عليه السّلام:ما زلت مظلوما حتّى من أخي عقيل كان أرمد فقال:لا تذروني حتّى تذروا عليا و كانوا يذروني و ما بي رمد.

[في]التهذيب في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأ عليه فقال:ادن هذه امّ إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي احيط اللّه فيه حجّها عام أوّل كنت أردت الإحرام فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها فقلت:اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذ لزوجة (4)الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها:هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك.

أقول: فيه دلالة على وقوع الإحباط أي إبطال الأعمال بعضها بعضا الطاعة بالمعصيةء.

ص: 214


1- -زيادة من المصدر.
2- -مسائل علي بن جعفر 7:24،و بحار الأنوار:263/47.
3- -وسائل الشيعة:259/20.
4- -أي لزجة،صفة للماء.

و المعصية بالطاعة،و نقول إنّ كلّ متأخّر يسقط متقدّمه كما ذهبت إليه طائفة من علماء المسلمين لما يلزم من الظلم تعالى اللّه عن ذلك فإنّ من عبد اللّه تعالى مائة سنة صائما نهاره قائما ليله ثمّ شرب آخر عمره قطرة من الخمر أو كذب مرّة يلزم أن يبطل جميع عباداته التي وقعت في الأعصار المتمادية،و من هذا صرّح جماعة من علمائنا المتكلّمين بأنّ الإحباط باطل و أنّ من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره بل نقول معنى الإحباط كما قاله طائفة من المعتزلة هو الموازنة بين الأعمال فيبطل ما وقع التعارض فيه و يبقى الزائد لصاحبه أو عليه و يصدق على هذا العامل أنّه رأى خير عمله بإسقاط ما قابله من الشرّ و شرّ عمله بمنعه ذلك الخير الساقط و الآيات و الأخبار دالّة على وقوع الإحباط فلا معنى لإنكاره.

ص: 215

أحوال شارب الخمر

[في]الكافي في الصحيح عن حريز قال:كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السّلام دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال إسماعيل:يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن و عندي كذا و كذا دينارا أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟

فقال عليه السّلام:أما بلغك إنّه يشرب الخمر؟

فقال إسماعيل:هكذا يقول الناس،فقال:يا بنيّ لا تفعل،فعصى إسماعيل أباه و دفع إليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشيء منها،فخرج إسماعيل و قضى أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام حجّ و حجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول:اللّهم أجرني و اخلف عليّ فلحقه أبو عبد اللّه عليه السّلام فهمزه بيده من خلفه و قال له:مه يا بني فلا و اللّه ما لك على اللّه هذا و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنّه يشرب الخمر،فقال له:يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون،فقال:يا بني إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه:

يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يقول:يصدق اللّه و يصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم و لا تأتمن شارب الخمر فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ و أيّ سفيه أسفه من شارب الخمر إنّ شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب و لا يشفّع إذا شفع و لا يؤتمن على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على اللّه أن يأجره و لا يخلف عليه (1).

و في كتاب التمحيص عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت معتبا يحدّث أنّ إسماعيل ابن أبي عبد اللّه عليه السّلام حمّ حماء شديدة فأعلموا أبا عبد اللّه عليه السّلام بحماه فقال:آتيه فسله أيّ شيء عملت اليوم من سوء فجعل اللّه عليك العقوبة؟

قال:فأتيته فإذا هو موعوك فسألته عمّا عمل فسكت و قيل لي:إنّه ضرب بنت زلفى اليوم بيده فوقعت على دراعة الباب فعقر وجهها فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بما قالوا،

ص: 216


1- -الكافي:300/5 ح 1،و وسائل الشيعة:83/19.

فقال:الحمد للّه إنّا أهل بيت يعجّل لأولادنا العقوبة في الدّنيا ثمّ دعى بالجارية فقال:

اجعلي إسماعيل في حلّ فوهب لها أبو عبد اللّه عليه السّلام شيئا ثمّ قال لي:اذهب فانظر ما حاله، فأتيته و قد تركته الحمّى (1).2.

ص: 217


1- -كتاب التمحيص:37 ح 32.
حال أولاد الحسن الذين خرجوا على الدوانيقي

[في]الكافي عن معتب قال:بعث عبد اللّه بن الحسن إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول لك أبو محمّد أنا أشجع منك و أنا أسخى منك و أنا أعلم منك،فقال لرسوله:أمّا الشجاعة فما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك،و أمّا السخي فهو الذي يأخذ الشيء فيضعه في حقّه،و أمّا العلم فقد أعتق أبوك عليّ بن أبي طالب ألف مملوك فسم لنا خمسة منهم و أنت عالم فعاد إليه فأعلمه ثمّ عاد إليه فقال:ما يقول إنّك رجل صحفي،فقال عليه السّلام؛قل اي و اللّه صحف إبراهيم و موسى و عيسى ورثتها عن آبائي (1).

أقول: الذين خرجوا على المنصور العبّاسي من آل الحسن نهاهم الصادق عليه السّلام النهي البليغ و حملوا نهيه لهم تارة على الحسد و اخرى على التقية و منهم من آذاه عليه السّلام حتّى أنّهم حبسوه عندهم لمّا لم يوافقهم على الخروج و لم يبايع لمحمّد بن عبد اللّه بن الحسن لمّا أراد الخروج على المنصور و نهبوا أكثر أمواله و مع ذلك فإنّه عليه السّلام لمّا وقع الحرب و أخذهم جنود المنصور و حملوهم على الحامل كالاسراء بكى عليه السّلام على أحوالهم و لعن الأنصار حيث لم يعاونوهم و حم بعد رجوعه إلى منزله عشرين يوما و كتب إليهم كتابا في الصبر و التعزية على حكم القضاء و وصفهم بأوصاف الأولياء و الصالحين و بالجملة فلا يجوز لنا الخوض في أعراضهم و لا الكلام فيها إلاّ بالتي هي أحسن و من أقلّ من تتبّع الأحاديث أكثر في الطعن عليهم و هو جرءة على أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و من الأخبار الدالّة عليه ما رواه أبو الفرج الاصفهاني عن يحيى بن عبد اللّه الذي سلم من الذين تخلّفوا في الحبس من بني الحسن فقال:حدّثنا عبد اللّه بن فاطمة الصغرى عن فاطمة عن أبيها عن جدّتها فاطمة بنت رسول اللّه قالت؛قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأوّلون و لم يدركهم الآخرون،فقلت:نحن ثمانية فقال:هكذا سمعت.

ص: 218


1- -الكافي:364/8 ح 553،و بحار الأنوار:298/47.

فلمّا فتحوا الباب وجدوهم موتى و أصابوني و بي رمق و سقوني ماء و أخرجوني فعشت (1).

[في]عيون الأخبار عن محمّد النيشابوري ذكر بسنده أنّه لمّا بنى المنصور الأبنية ببغداد و جعل يطلب العلوية طلبا شديدا و يحمل من ظفر به منهم في الاسطوانات المجوّفة من الجص و الآجر فظفر بغلام منهم حسن الوجه من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام فسلّمه إلى البنّاء الذي كان يبني له و أمره أن يجعله في جوف اسطوانة و يبني عليه و وكّل به من ثقاته من يراعي ذلك حتّى يجعله في جوف اسطوانة بمشهده فجعله البنّاء في الاسطوانة فدخلته رقّة عليه و رحمة له فترك في الاسطوانة فرجة يدخل منها الروح،و قال للغلام:لا بأس عليك فاصبر فإنّي سأخرجك من جوف هذه الاسطوانة إذا جنّ الليل،و لمّا جنّ الليل جاء البنّاء و أخرج ذلك العلوي من جوف تلك الاسطوانة و قال له:اتّق اللّه في دمي و دم الفعلة الذين معي و غيّب شخصك فإنّي إنّما أخرجتك لأنّي خفت إن تركتك يكون رسول اللّه يوم القيامة خصمي ثمّ أخذ من شعره و قال له:انج بنفسك و لا ترجع إلى امّك.قال الغلام:فإن كان هذا هكذا فعرّف امّي إنّي قد نجوت و هربت لتطيب نفسها و يقلّ جزعها و بكاءها و إن لم يكن لعودي إليها وجه،فهرب الغلام و لا يدرى أين قصد من أرض اللّه و لا إلى أي بلد وقع قال ذلك البنّاء و قد كان الغلام عرّفني مكان امّه و أعطاني العلامة من شعره فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلّني عليه فسمعت دويّا كدويّ النحل من البكاء فعلمت أنّها امّه فدنوت منها و عرّفتها خبر ابنها و أعطيتها شعره و انصرفت.

أقول: المنصور العبّاسي لعنه اللّه باب من أبواب جهنّم (2).7.

ص: 219


1- -دلائل الأمامة:72 ح 11،و بحار الأنوار:302/47.
2- -عيون أخبار الرضا:102/2،و بحار الأنوار:306/47.
أبواب جهنّم السبعة و أركانها

روى صاحب كتاب الاستدراك بإسناده إلى الأعمش أنّ المنصور حين طلبه فتطهّر و تكفّن و تحنّط قال له:حدّثني بحديث سمعته أنا و أنت جعفر بن محمّد في بني حمان، قال:قلت له:أي الأحاديث؟

قال:حديث أركان جهنّم،قال:قلت:أو تعفيني؟

قال:ليس إلى ذلك سبيل،قال:قلت:حدّثنا جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن لجهنّم سبعة أبواب و هي الأركان لسبعة فراعنة ثمّ ذكر الأعمش نمرود بن كنعان فرعون الخليل و مصعب الوليد فرعون موسى و أبا جهل بن هشام و الأوّل و الثاني و السادس يزيد قاتل ولدي،ثمّ سكت فقال لي الفرعون السابع؟

قلت:رجل من ولد العبّاس يلي الخلافة يلقّب بالدوانيقي اسمه المنصور قال:فقال لي:صدقت هكذا حدّثنا جعفر بن محمّد قال:فرفع رأسه و إذا على رأسه غلام أمرد ما رأيت أحسن وجها منه فقال:إن كنت أحد أبواب جهنّم فلم أستبق هذا و كان الغلام علويا حسينيا فقال له الغلام:سألتك يا أمير المؤمنين بحقّ آبائي ألا عفوت عنّي فأبى ذلك و أمر المرزبان به.

فلمّا مدّ يده حرّك شفتيه بكلام لم أعلمه فإذا هو كأنّه طير قد طار عنه.

قال الأعمش:فمرّ عليّ بعد أيّام فقلت:أقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين لمّا علّمتني الكلام،قال:ذاك دعاء المحنة لنا أهل البيت و هو الذي دعا به أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا نام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ ذكر الدعاء (1).

دعاء النجاة

قال الأعمش:و أمر المنصور في رجل بأمر غليظ فحبس في بيت لينفذ فيه أمره ثمّ

ص: 220


1- -بحار الأنوار:309/47 ح 29.

فتح عنه فلم يوجد فقال المنصور:أسمعتموه يقول شيئا؟

فقال الموكّل:سمعته يقول:يا من لا إله غيره فأدعوه و لا ربّ سواه فأرجوه نجّني الساعة،فقال:و اللّه لقد استغاث بكريم فنجّاه (1).

فوائد هذه الآية

و في الأمالي عن العسكري عليه السّلام إنّ أشجع السلمي دخل على الصادق عليه السّلام و مدحه بأشعار و أجازه ثمّ قال له السلمي:يا سيّدي قد أغنيتني و أنا كثير الأسفار و أحصل في المواضع المفزعة فتعلّمني ما آمن به على نفسي،قال:فإذا خفت أمرا فاترك يمينك على امّ رأسك و اقرأ برفيع صوتك أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2).

قال أشجع:فحصلت في واد نعتت فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول؛خذوه فقرءتها فقال قائل:تأخذوه و قد احتجزنا بآية طيّبة (3).

ص: 221


1- -بحار الأنوار:309/47 ح 29.
2- -سورة آل عمران:83.
3- -أمالي الطوسي:282،و بحار الأنوار:311/47 ح 1.
حال السيّد الحميري عند الموت

و فيه أيضا عن الحسين بن أبي حرب قال:دخلت على السيّد الحميري عائدا في علّته التي مات فيها فوجدته يساق به و وجدت عنده جماعة من جيرانه كانوا عثمانية و كان السيّد جميل الوجه فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثمّ لم تزل تزيد و تنمي حتّى طبقت وجهه سوادا فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة و ظهر من الناصبية سرور و شماتة فلم يلبث بذلك إلاّ قليلا حتّى بدت في ذلك المكان في وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا حتّى أسفر وجهه و أشرق و افتر السيّد ضاحكا و أنشأ يقول شعر:

كذب الزاعمون أنّ عليّا *** لن ينجي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنّة عدن *** و عفا لي الإله عن سيّئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليّ *** و تولّوا عليّ حتّى الممات

ثمّ من بعده تولّوا بنيه *** واحدا بعد واحد بتلك الصفات

ثمّ أتبع قوله هذا:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه حقّا حقّا أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا حقّا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ثمّ غمض عينه لنفسه فكأنّما كانت روحه ذبالة طفيت فانتشر هذا القول في الناس فشهدوا جنازته (1).

أقول: أمّا السبب في اسوداد وجهه فيما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار عن السيّد الحميري قال:كنت أقول بالغلوّ و أعتقد غيبة محمّد بن الحنفية قد ضللت في ذلك زمانا فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام و أنقذني به من النار حتّى قال قصيدة أوّلها، شعر:

فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا *** استجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر

القصيدة.

و روى في المناقب عن داود الرقي أنّه ذكر عند الصادق عليه السّلام فقال السيّد كافر فأتاه

ص: 222


1- -أمالي الطوسي:628،و المناقب:23/3.

و قال:يا سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم و معاداتي الناس فيكم؟

قال:و ما ينفعك و أنت كافر بحجّة الدهر و الزمان ثمّ أخذ بيده و أدخله بيتا و إذا في البيت قبر فصلّى ركعتين ثمّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه و لحيته فقال له الصادق عليه السّلام:من أنت؟

قال:أنا محمّد بن علي المسمّى بابن الحنفية،فقال:فمن أنا؟

قال:جعفر بن محمّد حجّة الدهر و الزمان،فخرج السيّد يقول:تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا (1).

و روي أيضا أنّه كان يشرب الخمور لكنّه تاب بعد ذلك.

و روي أنّ الباقر عليه السّلام دعا للكميت لمّا أراد أعداء آل محمّد أخذه و إهلاكه و كان متواريا فخرج في ظلمة الليل هاربا و قد أقعدوا على كلّ طريق جماعة.

فلمّا أراد أن يسلك الطريق المأخوذ عليه أتاه أسد و منعه منه حتّى دلّه على طريق الأمان و كذلك كان السيّد الحميري دعا له الصادق عليه السّلام لمّا هرب من أبويه و قد خرشا السلطان عليه لنصبهما فدلّه سبع على طريق و نجا منهما (2).

و روى الكشي قال:دخل الكميت على الصادق عليه السّلام فقال:يا سيّدي أسألك عن مسألة،فقال:سل،فقال:أسألك عن الرجلين فقال:يا كميت بن زيد ما اهريق في الإسلام محجمة من دم و لا اكتسب مال من غير حلّه و لا نكح فرج حرام إلاّ و ذلك في أعناقهم إلى يوم القيامة حتّى يقوم قائمنا و نحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا و صغارنا بسبّهما و البراءة منهما.

أقول: الرجلان هما رمع و صاحبه (3).7.

ص: 223


1- -المناقب:370/3،و مدينة المعاجز:376/5 ح 155.
2- -الخرائج و الجرائح:942/2،و بحار الأنوار:20/47 ح 10.
3- -وسائل الشيعة:47/12،و بحار الأنوار:323/47 ح 17.
السبب في لحوق الذنوب للشيخين الفاسقين

و أمّا السبب في أنّ ما وقع في الدّنيا من عظائم الذنوب فهو في أعناقهما فله وجوه:

الأوّل:إنّهما السبب في وقوع هذه الامور،لأنّ الخلافة لو بقيت لأهلها لاستقام الناس على طريق الهداية و انتظم نظام الإسلام على قانون العدل و ارتفع الفسوق و العصيان.

فلمّا غصبا الخلافة و شاع الظلم و الجهل كانا هما السبب في كلّ ما يقع من الفساد.

الأسباب في لحوق العذاب لفلان و فلان بسبب لعن اللاّعنين

الوجه الثاني:إنّ اللّه سبحانه قرّر عذابا لمن غصب الخلافة بازاء غصبه لها و ذنبا آخر بشراكة المذنبين و أسمعهما ذلك على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله فمن ثمّ كان ما يقع من الذنوب عقابه عليهما من غير أن ينقص الفاعل لشيء و بهذا يجاب عمّا ورد من الإشكال في أنّه كيف يكون سببا لزيادة عذابه و حاصله أنّه سبحانه قرّر لهم عذابين عذابا بإزاء ظلمهم و عذابا بإزاء لعن اللاّعنين لهم فليس هاهنا ظلم و لا جور،و جواب آخر و هو أنّ كلّ من يلعنهم فقد ظلموه بأنواع متعدّدة منها استتار الإمام عليه السّلام و شيوع الجهل و ترك من يرجع إليه في الأحكام حتّى حصل الخلاف و الاختلاف في أكثر المسائل و بقي الناس حيارى في سكرات الجهل،فلعن اللاّعن لهم من باب دعاء المظلوم على ظالمه فلم يكن هنا جور و لا وزر غيرهم لحقهم بل تحمّلوا وزر أنفسهم و يدخل تحت هذا الكلام الجواب عمّا روي من أنّ المهدي عليه السّلام إذا ظهر أخرجهما من قبريهما و ألزمهما بقتل قابيل هابيل و برمي إبراهيم عليه السّلام في النار و طرح اخوة يوسف له في الجب إلى غير ذلك ممّا جرى على الأنبياء و الأئمّة و الأولياء و الصلحاء و ذلك لأنّهم سمعوا أنّ من وثب على حقوق آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله جرى عليه مثل هذا فهو قد كان مقترفه و كان السبب في تحصيله و أن ليس للأنسان إلاّ ما سعى.

الوجه الثالث:إنّهم نصبوا خلفاء و حكّاما و قضاة و عمّالا و أئمّة جور كمعاوية و عثمان و أضرابهم هتكوا حجاب اللّه أحلّوا المحارم و حرّموا المحللات ثمّ تتابعت بدايعهم حتّى

ص: 224

حصل منها الفقهاء الأربعة أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل الذين خربوا الدّين بآرائهم و اجتهادهم خصوصا أبي حنيفة في قياساته و تلوّنه في ضروب الاجتهاد حتّى قيل إنّ قوله:و بوله سواء و قد تتبّعت في بلاد المخالفين كبغداد و البصرة أنواع الظلم و الفساد الذي يجري من حكّامهم فما كان من واقعة ظلم إلاّ و كانت منوطة بفتوى من فتاوى أبي حنيفة و ناهيك بأبي حنيفة إنّه كان يفتي في مسجد الكوفة يقول:قال عليّ و أنا أقول يعني الخلاف عليه،و لا ريب أنّ قول عليّ عليه السّلام هو قول اللّه سبحانه،فإذن أبو حنيفة شريك للّه سبحانه في الأحكام الإلهية.؟!

و من ثمّ جاء في الآيات و الأخبار إطلاق الشرك على المخالفين و انّهم يحشرون يوم القيامة معهم.و وجه آخر لإطلاق الشرك عليهم ورد في الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم و هو أنّهم عزلوا الإمام الذي نصّبه النبي صلّى اللّه عليه و اله بالوحي و نصبوا أئمّة من عند أنفسهم فهم قد أشركوا في الإمامة و بهذا المعنى ورد إطلاق المشركين على سائر فرق المخالفين.

[في]الكشي عن كميل الشاعر الأسدي قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال:و اللّه يا كميت لو كان عندنا مالا لأعطيناك منه و لكن لك ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لحسّان:لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا (1).9.

ص: 225


1- -وسائل الشيعة:594/14 ح 2،و بحار الأنوار:324/47 ح 19.
قصيدة امّ عمر و منام الرضا عليه السلام

و فيه أيضا عن فضيل الرسان قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ما قتل زيد بن علي فقال لي:يا فضيل قتل عمّي زيد رحمه اللّه أما أنّه كان مؤمنا و لو ملك لعرف كيف يضعها، لت:يا سيّدي ألا أنشدك شعرا؟

قال:امهل ثمّ أمر بستور فسدلت و بأبواب ففتحت ثمّ قال:انشد،فأنشدته:

لامّ عمر باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

إلى آخرها.

فلمّا بلغت إلى قوله؛

و راية قائدها حيدر *** كأنّه الشمس إذا تطلع

سمعت نحيبا من وراء الستر قال:من قال هذا الشعر؟

قلت:السيّد الحميري.

قال:رحمه اللّه،فقلت:إنّي رأيته يشرب النبيذ،قال:رحمه اللّه،قلت؛إنّي رأيته يشرب نبيذ الرستاق،قال:يعني الخمر،قلت:نعم،قال:رحمه اللّه و ما ذلك على اللّه أن يغفر لمحبّ علي (1).

و في كتاب بحار الأنوار وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روى بإسناده عن سهيل بن ذبيان قال:دخلت على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام فقال لي:مرحبا بك الساعة أراد رسولنا أن يأتيك فقلت:لماذا يا ابن رسول اللّه؟

فقال:المنام رأيته البارحة و قد أزعجني و أرقني،قلت:خيرا يكون إن شاء اللّه فقال:

يا ابن ذبيان رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة فصعدت إلى أعلاه فقلت:يا مولاي اهنيك بطول العمر و ربما تعيش مائة سنة لكلّ مرقاة سنة،فقال عليه السّلام:ما شاء اللّه كان ثمّ قال:

ص: 226


1- -مستدرك الوسائل:391/10،و بحار الأنوار:326/47.

فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها و رأيت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا فيها و إلى يمينه و شماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما و رأيت امرأة بهيّة الخلقة و رأيت بين يديه شخصا بهيّ الخلقة جالسا عنده و رأيت رجلا واقفا بين يديه و هو يقرأ هذه القصيدة:لامّ عمرو باللوى مربع.

فلمّا رآني النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا سلّم على أبيك عليّ فسلّمت عليه ثمّ قال:سلّم على امّك فاطمة الزهراء فسلّمت عليها ثمّ قال لي:

سلّم على أبويك الحسن و الحسين فسلّمت عليهما ثمّ قال لي:و سلّم على شاعرنا و مادحنا في دار الدّنيا السيّد إسماعيل الحميري فسلّمت عليه و جلست،فالتفت النبيّ إلى السيّد إسماعيل و قال له:عد إلى ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة فأنشد يقول:

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

فلمّا بلغ إلى قوله:و وجهه كالشمس إذ تطلع،بكى النبيّ و فاطمة عليهما السّلام و من معه، فلمّا بلغ إلى قوله:قالوا له لو شئت أعلمتنا إلى من الغاية و المفزع رفع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يديه و قال:

إلهي أنت الشاهد عليّ و عليهم إنّي أعلمتهم بأنّ الغاية و المفزع عليّ بن أبي طالب و أشار بيده إليه و هو جالس بين يديه.

قال الرضا عليه السّلام:

فلمّا فرغ السيّد الحميري من إنشاد القصيدة التفت لنبيّ صلّى اللّه عليه و اله إليّ و قال:يا علي بن موسى احفظ هذه القصيدة و مر شيعتنا بحفظها و اعلمهم أنّ من حفظها و أد من قراءتها ضمنت له الجنّة على اللّه تعالى.

قال الرضا عليه السّلام؛و لم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه و القصيدة،هذه قصيدة:

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع

تروح عنه الطير وحشية *** و الأسد من خيفته تفزع

برسم دار ما بها مؤنس *** إلاّ صلال في الثرى وقع

رقش يخاف الموت نفثاتها *** و السمّ في أنيابها منقع

لمّا وقفنا العيس من في رسمها *** و العين من عرفانه تدمع

ص: 227

ذكرت من كنت ألهو به *** فبتّ و انقلب شج موجع

كأنّ بالنار لمّا تنضّى *** من حبّ أروى كبد تلذع

عجبت من قوم أتوا أحمدا *** بخطبة ليس لها موضع

قالوا له لو شئت أعلمتنا *** إلى من الغاية و المفزع

إذا توفّيت و فارقتنا *** و فيهم في الملك من يطمع

فقال لو أعلمتكم مفزعا *** كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ فارقوا *** هارون فالترك له أودع

و في الذي قال بيان لمن *** كان اذن يعقل أو يسمع

ثمّ أتته بعد ذا عزمة *** من ربّه ليس لها مدفع

أبلغ و إلاّ لم تكن مبلّغا *** و اللّه منهم عاصم يمنع

فعندها قام النبي الذي *** كان بما يأمره يصدع

يخطب مأمورا و في كفّه *** كفّ عليّ ظاهرا يلمع

رافعها أكرم بكفّ الذي *** يرفع و الكفّ الذي ترفع

يقول و الأملاك من حوله *** و اللّه فيهم شاهد يسمع

من كنت مولاه فهذا له مولى *** فلم يرضوا و لم يقنعوا

فاتّهموه و خبت فيهم *** على خلاف الصادق الأصلع

و ضلّ قوم غاظهم فعله *** كأنّما أنافهم تجدع

حتّى إذا واروه في قبره *** و انصرفوا عن دفنه ضيّعوا

ما قال بالأمس و أوصى به *** و اشتروا الضرّ بما ينفع

و قطعوا أرحامه بعده *** فسوف يجزون بما قطعوا

و أزمعوا غدرا بمولاهم *** تبّا بما كان به أزمعوا

لا هم عليه يردوا حوضه غدا *** و لا هو فيهم يشفع

حوض له ما بين صنعا إلى ايلة *** و العرض به أوسع ينصب

فيه علم للهدى *** و الحوض من ماء له منزع

يفيض من رحمته كوثر *** أبيض كالفضّة أو أنصع

ص: 228

حصاه ياقوت و مرجانة *** و لؤلؤ لم تجنه اصبع

بطحائه مسك و حافاته *** يهتزّ منها مونق مربع

أخضر ما دون الورى ناضر *** وفاقع أصفر أو أنصع

فيه أباريق و قدحانه *** يذبّ عنها الرجل الأصلع

يذبّ عنها ابن أبي طالب *** ذبك كجربا إبل شرّع

و العطر و الريحان أنواعه *** ذاك و قد هبّت به زعزع

ريح من الجنّة مأمورة *** ذاهبة ليس لها مرجع

إذا دنوا منه لكي يشربوا *** قال لهم تبّا لكم فارجعوا

دونكم فالتمسوا منهلا *** يرويكم أو مطمعا يشبع

هذا لمن والى بني أحمد *** و لم يكن غيرهم يتبع

فالفوز للشارب من حوضه *** و الويل و الذلّ لمن يمنع

و الناس يوم الحشر راياتهم خمس *** فنهاها لك أربع

فرايته العجل و فرعونها *** و سامري الامّة المشنع

و راية يقدمها أدلم *** عبد لئيم لكع أكوع

و راية يقدمها جنتر *** للزور و البهتان قد أبدعوا

و راية يقدمها نعثل *** لا برّد اللّه له مضجع

أربعة في سقر أودعوا *** ليس لهم من قعرها مطلع

و راية يقدمها حيدر *** و وجهه كالشمس إذ تطلع

غدا يلاقي المصطفى حيدر *** و راية الحمد له ترفع

مولى له الجنّة مأمورة *** و النار من إجلاله تفزع

إمام صدق له شيعة *** يرووا من الحوض و لم يمنعوا

بذاك جاء الوحي من ربّنا *** يا شيعة الحقّ فلا تجزع

الحميري مادحكم لم يزل *** و لو يقطع اصبع اصبع

و بعدها صلّوا على المصطفى *** و صنوه حيدر الأصلع (1)5.

ص: 229


1- -بحار الأنوار:329/47 و مستدرك سفينة البحار:492/5.

أقول: روى هذه القصيدة بهذا الإسناد من أصحابنا المتأخّرين السيّد الجليل الفاضل جامع العلوم نور اللّه الشوشتري طيّب اللّه ثراه في كتابه مجالس المؤمنين،و امّ عمرو يكنّى به عن مطلق الحبيبة

يا امّ عمرو جزاك اللّه مكرمة *** ردّي عليّ فؤادي أينما كانا

و اللوى ما استدقّ من الرمل و المربع منزل القوم في الربيع و الطموس الدروس و الانمحاء و البلقع الأرض القفراء،و كنّى بامّ عمرو هنا عن أهل البيت عليه السّلام عليهم السّلام فإنّهم معشوق الأنام و بالمربع و اللوى و ما في البيت عن منازلهم و مدارس علومهم التي كانت مهبطا للوحي و محلاّ لنزول الملائكة و ما كان لهم من الملك و السلطان و وجوب الطاعة على الخاص و العام فيكون هذا من باب قول دعبل:مدارس آيات خلت من تلاوة..البيت، و قوله:يروا فيئهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات،و من أجل هذا بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عند إنشاد السيّد هذا البيت تذكّرا لما جرى على أولاده و أهل بيته من بعده.

و قوله:تروح عنه الطير وحشية البيت فالرواح هو الوقت من زوال الشمس إلى الليل سمّي به لاستراحة الناس فيه عن الأعمال غالبا و اتّسع فيه فقيل راح القوم و تروّحوا إذا ساروا أيّ وقت كان.

قال الأزهري:يقال:راح إلى المسجد أي مضى و يتوهّم كثير من الناس أنّ الرواح لا يكون إلاّ في آخر النهار و ليس ذلك بشيء،لأنّ الرواح و الغدوّ عند العرب يستعملان في السير أي وقت كان من ليل أو نهار،انتهى.

و قوله:وحشية حال عن الطير أي حال كونها مستوحشة منه فيكون المراد كلّ الطيور،لأنّ الطير جمع محلّى با(للاّم)جمع طاير كصحب و صاحب و يجوز أن يكون حالا بمعنى الصفة أي الطير الوحشية التي لا تسكن إلاّ الخراب دائما كالبوم و نحوه فإذا كانت الطيور الوحشية لا تألفه فالطيور الانسية بالطريق الأولى فيكون أبلغ في القفار و الخلوّ.

قيل:و يحتمل أن يراد بالطير الملائكة فإنّها قد نفرت عن مهابط الوحي و منازل لرسول صلّى اللّه عليه و اله و أهل بيته لما نزلها و تمكن فيها أئمّة الجور و غاصبوا الخلافة فتكون(الألف) و(اللاّم)في الطير للعهد الخارجي.

و قوله:و الأسد أي و كذلك الأسد تفزع من خيفته مع كونها غاية في الجرأة.

ص: 230

قيل:و يحتمل أن يراد بالأسد الأئمّة عليهم السّلام أو هم مع خيار شيعتهم فإنّهم كانوا يتّقون من أعدائهم الغاصبين للخلافة و استمرّ الحال إلى هذا الآن و جملة هذا البيت صفة اخرى لمربع.

و قوله:برسم دار ما بها مؤنس،البيت(الباء)إمّا للمصاحبة أو للظرفية أي أنّ ذلك المربع الخالي مصاحبا لما بقي من رسوم الدار و آثارها أو أنّ ذلك المربع كائنا في تلك الدار التي لم يبق إلاّ رسومها.

و قوله:الاصلال يجوز فيه الاتّصال و الانقطاع و الصلال جمع صل بالكسر و هو الحيّة الرقيقة الصفراء أو التي لا ينفع فيها الرقي و هي شديدة الفساد و تحرق كلّما مرّت عليه و لا ينبت حول حجرها شيء من الزرع و إذا حاذى مسكنها طائر سقط و تقتل بصفيرها على غلوة سهم و من وقع عليه بصرها و لو من بعد هلك و يحكى أنّ فارسا ضربها برمحه فمات هو و فرسه و يقال:إنّها كثيرة في بلاد الترك.

و في حياة الحيوان أنّها الملكة و هي حيّة طولها شبر على رأسها خطوط بيض يشبه التاج إذا صفرت يموت من صفيرها كلّ حيوان يسمع ذلك بعد ما ينتفخ و يسيل منه الصديد.قال جالينوس:إنّها حيّة شعراء على رأسها ثلاث قنازع كالتاج و هي قليلة الظهور للناس و الثرى الأرض الندية و وقع جمع واقع أي أنّ الحيات ساقطة في تلك الأرض لا تدخل إلى جحورها لأمنها من مرور الناس عليها.

و قيل:المراد أنّها من جوعها ساقطة على الأرض لا تقدر على دخول الأجحار أو أنّها واقعة على الأرض للوثوب على من يمرّ عليها،و لعلّه أشار بذلك إلى من غصب الخلافة من الامويّة و العبّاسية و حكّامهم و عمّالهم الذين كان ضررهم على الدّين و أهله أشدّ من ضرر سموم الحيات على من قرب منها.

و قوله:رقش يخاف الموت نفثاتها البيت،رقش جمع أرقش الحيّة المنقّطة خصّها لكثرة السمّ فيها و النفث النفخ مع الريق القليل و منه النفاثات في العقد يعني أنّ الموت الذي يهلك الناس و يخافه كلّ أحد يخاف من السمّ الناقع في أنيابها و هذا منطبق على شرار أهل الخلاف الذين توقّى شرّهم مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام مع أنّه كان في حروبه هو الموت الأحمر و ما دخل في حرب إلاّ كان ملك الموت في ركابه.

ص: 231

و قوله:لمّا وقفت العيس في رسمها البيت،وقفت من وقف يتعدّى و لا يتعدّى يقال:

وقفته وقفا و(التاء)ضمير المتكلّم و العيس بالكسر الإبل البيض التي يخالط بياضها شيء من الشقرة.

و قوله:و العين أي عيني أي أنّ عيني تبكي من معرفة حال ذلك الرسم.

و قوله:ذكرت من قد كنت ألهو به البيت،أي ذكرت الحبيب الذي كان في تلك الدار و كان مورد شغلي و سروري.

و قوله:كان بالنار لما شفني البيت،أي كان قلبي يحرق بالنار لما شفني أي أحزنني من تذكّر الحبيبة التي اسمها أروى و أروى هنا مثل أمّ عمرو كناية عن كلّ معشوقة و إن أردت تطبيقه على الحقيقة فليكن المراد بأروى أهل البيت عليهم السّلام لأنّهم المحبوب الحقيقي.

و قوله:عجبت من قوم أتوا أحمد البيت أحمد من أعلام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و هو منقول من افعل الذي هو اسم تفضيل من لفعل المجهول أي أكثر محمودية لكثرة خصاله الحميدة أو المعلوم أي أكثر حمدا للّه سبحانه أو بمعنى أكسب للحمد لكثرة الخصالة المحمودة.

و قوله:بخطبه بالضم بمعنى الكلام الطويل أي أنّ ذلك الكلام الذي كلّموا به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من تعيين الخليفة و النصّ عليه ممّا لا يحتاج إليه لأنّهم سمعوا منه صلّى اللّه عليه و اله في مدّة عمره الشريف النصّ عليه بالخلافة و غيرها،و لأنّ صفات الخلافة التي ورد بها النصّ من الكتاب و السنّة ما كانت موجودة إلاّ فيه و إن كان مرادهم من ذلك الكلام النصّ على أحدهم فأعجب لأنّه لم يكن فيهم من صفات الخلافة و لوازمها شيء فكيف يسألونه تعيين أحدهم لها و في قوله بخطبة إشارة إلى سوء أدبهم،لأنّ الخطبة ما اشتمل على المواعظ و النصائح.

و قوله:كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا أي كنتم عسيتم أي أتوقّع أمركم أن تصنعوا في شأن ذلك الملجأ مثل صنيع عبدة العجل حين فارقوا هارون الذي جعله موسى خليفة له و جعله مفزعهم ففارقوه إلى عبادة العجل و هذه الامّة فعلت مثل ما فعله بنو إسرائيل فإنّهم التجأوا بعد مفارقة موسى إلى صاحب العجل و هو السامريّ و تركوا أخاه و وصيّه هارون و هذه الامّة تركت وصيّه عليه السّلام و التجأوا إلى أبي الفصيل و هو أبو بكر،لأنّ البكر الفصيل من الإبل أعني الجمل الصغير فذاك أبو الثور الصغير و هذا أبو الجمل الصغير.

و قوله:فالترك له أودع من الدعة بمعنى الخفض و السعة أي إذا كان الأمر كذلك فترك

ص: 232

الأعلام أوسع لكم من الاعلام إن فرض فيه سعة و ذلك أنّ تارك الخليفة المنصوص عليه كافر مرتدّ كما وقع ذلك الأمر بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فإنّ الناس كلّهم ارتدّوا ما خلا ثمانية أو خمسة.

روى أخطب خوارزم عن ابن مسعود قال:كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد أصحر فتنفّس الصعداء فقلت:يا رسول اللّه ما لك تتنفّس؟

قال:يا ابن مسعود نعيت إليّ نفسي،قلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:أبا بكر،فسكت،ثمّ تنفّس فقلت:ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟

قال:نعيت إليّ نفسي،فقلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:عمر،فسكت،ثمّ تنفّس فقلت:ما لي أراك تتنفّس يا رسول اللّه؟

قال:نعيت إليّ نفسي،فقلت:استخلف يا رسول اللّه،قال:من؟

قلت:عليّ بن أبي طالب قال:اواه لن تفعلوه إذا أبدا و اللّه لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة (1).

و قوله:و في الذي قال بيان لمن البيت حاصله أنّه صلّى اللّه عليه و اله ردّهم بما يتضمّن النصّ على ما سألوه عنه من المفزع بعده و ذلك لأنّه لمّا قال إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما صنعت عبدة العجل بهارون دلّ على أنّ خليفته من هو من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بمنزلة هارون من موسى و ما هو إلاّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و النصوص عليه متواترة بين الطرفين، لكن إبليس أغواهم و صيّرهم عميا و بكما فلا سمعا و لا بصرا.و حديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى متواتر لفظا و معنى.

و قوله:ثمّ أتته بعد ذا عزمة البيت؛العزم و العزيمة الإرادة المتأكّدة لفعل و عقد القلب عليه و المراد هنا الكلام المشتمل عليها و بمعناه قوله في قصيدته البائية التي شرحها المرتضى قدّس اللّه ضريحه شعر:

و نجم إذ قال الإله بعزمه *** قم يا محمّد بالولاية فاخطب

و العزمة هنا هي قوله تعالى في حكاية غدير خمّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ9.

ص: 233


1- -المناقب:582/2،و مائة منقبة:29.

إِلَيْكَ (1) في عليّ الآية،و هكذا نزلت.

و قوله:ليس لها مدفع إشارة إلى أنّه أتاه عزمة و تأكيد و قد كان دفعه جائزا له كما سيأتي بيانه.

و قوله:ابلغ و إلاّ لم تكن مبلغا إلى قوله:فلم يرضوا و لم يقنعوا إمّا ما اشتمل عليه من لفظ المولى فقد ورد له في كلام العرب معاني كثيرة؛منها الأولى بالشيء و هو أصل معانيها و عمادها و الأكثر وقوعا في كلامهم،و منها:مالك الرق،و منها المعتق،و منها ابن العمّ، و منها الناصر،و منها ضامن الجريرة،و منها الحليف،و منها الجار،و منها السيّد المطاع، و منها العاقبة و عليه حمل قوله تعالى: مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ (2)،و منها العبد،و منها الصاحب،و منها القريب،و منها الابن،و منها العمّ،و منها النزيل،و منها الشريك،و منها ابن الاخت،و منها الربّ،و منها المنعم،و منها المنعم عليه،و منها المحبّ،و منها التابع، و منها الصهر،و منها ما يلي الشيء مثل خلفه و قدّامه و لا يناسب المراد هنا إلاّ الأوّل كما سيأتي بيانه.

و تفصيل هذه الجملة ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج بإسناده إلى محمّد بن علي الباقر عليه السّلام أنّه قال:حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من المدينة و قد بلّغ جميع الشرائع قومه غير الحجّ و الولاية فأتاه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني و كثير حجّتي و قد بقي عليك فريضتان فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن أخليها أبدا فإنّ اللّه جلّ ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ تحجّ معك كلّ من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب و يعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم و توقفهم من ذلك على مثال الذي وقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع.

قال:فنادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الناس؛ألا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يريد الحجّ و أن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرائع دينكم و يوقفكم من ذلك على مثل ما5.

ص: 234


1- -سورة المائدة:67.
2- -سورة الحديد:15.

أوقفكم عليه من غيره،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خرج معه الناس فحجّ بهم و بلغ من حجّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى عليه السّلام السبعين ألفا الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل و السامري،و كذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالخلافة على عدد أصحاب موسى عليه السّلام فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل سنّة بسنّة و مثلا بمثل و اتّصلت التلبية ما بين مكّة و المدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السّلام عن اللّه تعالى فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:إنّه قد دنى أجلك و أنا مستقدمك على ما لابدّ منه فاعهد عهدك و قدّم وصيّتك و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلّمها إلى وصيّك و خليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب،فأقمه للناس علما و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم به و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلاّ من بعد إكمال ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي و طاعته،و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكون حجّة لي على خلقي،فاليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي بوليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة على عبدي و وصيّ نبيّي و الخليفة من بعده و حجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي.

من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني و أنّي جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من أشرك ببيعته كان مشركا و من لقيني بولايته دخل الجنّة و من لقيني بعداوته دخل النار،فأقم يا محمّد عليّا علما و خذ عليهم البيعة و جدّد عهدي و ميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ،قال:

فخشى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرّقوا و يرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السّلام من البغضة و الشحناء.

و سأل جبرئيل أن يسأل ربّه عزّ و جلّ العصمة من الناس و انتظر أن يأتيه جبرئيل عليه السّلام

ص: 235

بالعصمة من الناس من اللّه جلّ اسمه فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده و يقيم عليّا علما للناس يهتدون به و لمّا لم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله بالذي أراد حتّى أتى كراع الغميم موضع بين مكّة و المدينة فأتاه جبرئيل و أمره بالذي أتاه به من قبل اللّه سبحانه و لم يأته أيضا بالعصمة فقال:يا جبرئيل إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني و لا يقبلوا قولي في عليّ أخي و ابن عمّي قال:فرحل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلمّا بلغ غدير خمّ و هو قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السّلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس فقال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في علي و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللّه يعصمك من الناس.

و كان أوائلهم قريبا من الجحفة فأمره بأن يرد من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّا للناس علما و يبلغهم ما أنزل اللّه تعالى في علي،و أخبره أنّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من الناس فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي بالناس الصلاة جامعة و يردّ من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر و تنحّى عن يمين الطريق و نزل إلى جنب مسجد الغدير و كان في الموضع سلمان فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجارا كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس و احتبس أوائلهم على آخرهم في ذلك المكان لا يزولون فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فوق تلك الأحجار ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه فقال:الحمد للّه الذي على في توحيده إلى آخر الخطبة.

و هي خطبة طويلة تشتمل على أمره تعالى بإقامة علي عليه السّلام بالخلافة بعده فقبضه بيده و رفعه حتّى كانت أرجل علي عليه السّلام عند ركبتيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:ألست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا:بلى،قال:من كنت مولاه فعليّ مولاه إلى آخره،و نصّ عليه نصّا لا يحتمل التأويل (1).

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من هذه الخطبة رؤى في الناس رجل جميل طيّب الرائحة فقال:تاللّه ما رأيت كاليوم ما أشدّ ما يؤكّد لابن عمّه و أنّه لعقد له عقدا لا يحلّه إلاّ كافر باللّه العظيم و برسوله ويل طويل لمن حلّ عقده قال:فالتفت إليه عمر7.

ص: 236


1- -بحار الأنوار:132/37.

فأعجبته هيئته ثمّ التفت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و قال له:ما سمعت ما قال هذا الرجل؟

قال:كذا و كذا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أتدري من ذلك الرجل؟

قال:لا،قال:ذاك الروح الأمين جبرئيل فإيّاك أن تحلّه فإنّك إن فعلت فاللّه و رسوله و الملائكة و المؤمنون منك برآء و قد تقدّم في المجلّد الأوّل تمام الكلام في هذا المقام (1).

و قوله؛فاتّهموه و خبت فيهم البيت،و خبت با(لخاء)المعجمة و(الباء)الموحّدة التحتانيه من الخبو و هو سكون لهب النار و المعنى أنّهم لمّا لم يرضوا بما قاله لهم اتّهموه و قالوا ليس ذلك عن وحي و إنّما كان هوى من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سكنت أضلاعهم على هذا الخلاف.

قيل:و يجوز أن يكون ما في البيت حنت بالمعجمة و(النون)الموحّدة الفوقانية من الحنوّ و هو الإعوجاج أي أنّ أضلاعهم كان إعوجاجها على خلافه صلّى اللّه عليه و اله و هذا كناية مشهورة عن شدّة العداوة و البغضاء.

و عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ و قال:من كنت مولاه فعليّ مولاه،شاع ذلك في البلاد فبلغ الحارث الفهري فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على ناقته فقال:يا محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه فقبلناه منك و أمرتنا بالصلاة و الصوم و الحجّ فقبلناه ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا و قلت:من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا شيء منك أم من اللّه فقال:و اللّه الذي لا إله إلاّ هو أنّه من اللّه فولّى الحارث و هو يقول:اللّهم إن كان ما يقوله محمّد حقّا فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما وصل إلى راحلته حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره و أنزل اللّه تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)(3).

و قوله:و ظلّ قوم غاظه فعله إلى قوله:تبّا لما كان به أزمعوا ظلّ هنا بمعنى صار.

و قوله:حتّى إذا واروه في قبره إلى آخره،يظهر منه أنّ تضييعهم لقوله عليه السّلام إنّما كان1.

ص: 237


1- -الأحتجاج:84/1،و بحار الأنوار:219/37.
2- -سورة المعارج:1-2.
3- -المناقب:241/2،و العمدة:101.

بعد الدفن و أنّهم كانوا حاضرين وقت الدفن و ليس كذلك فإنّهم اجتمعوا في السقيفة و غصبوا الخلافة و بايعوا أبا بكر قبل دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم يحضروا دفنه و لا الصلاة عليه، و حينئذ فيحمل على أنّ تمام الأمر لهم و غصب الخلافة كان بعد الدفن فإنّ كثيرا من الناس ما بايع إلاّ بعد الدفن و في الزمن الطويل.

و قوله:لا هم عليه يردوا حوضه إلى قوله:ذاهبة ليس لها مرجع صنعاء بالمدّ قصبة من اليمن وايلة جبل بين مكّة و المدينة قرب ينبع و موضع بين ينبع و مصر و قال:محيي السنّة هي بلدة على الساحل من آخر بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن و المراد بالكوثر حوض الكوثر.

و عن ابن عبّاس قال:لمّا نزل إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1)قال عليّ عليه السّلام:ما الكوثر يا رسول اللّه؟قال:نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى ماؤه أشدّ بياضا من اللبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد حصاه الزبرجد و الياقوت و المرجان حشيشه الزعفران ترابه المسك الأذفر قواعده تحت عرش اللّه تعالى ثمّ ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يده على جنب أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:يا علي إنّ هذا النهر لي و لك و لمحبّيك من بعدي و الناصع الخالص من كلّ شيء (2).

و قوله؛لم تجنه من جنى الثمرة و المراد هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف و مونق من أنق بمعنى أعجب و مربع أي مخصب يقال:ربع فلان إذا أخصب أي نال الخصب.

و قوله:اخضر(ما)دون ما هنا موصولة أو موصوفة و دون يقال هذا دون فلان أي أدنى مكانا منه و الورى الخلق و النضر الحسن و البهاء و الفقوع شدّة الصفرة و الصلع محرّكة انحسار شعر مقدّم الرأس و المراد به هنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.و عنه عليه السّلام:إذا أراد اللّه بعبد خيرا رماه بالصلع فتحات الشعر عن رأسه و ها أنا ذا.

و قال عليه السّلام:لا تجد في أربعين كوسجا رجلا صالحا و لا تجد في أربعين أصلعا رجل سوء و أصلع سوء أحبّ إليّ من كوسج صالح.

و قال عليه السّلام:و أمّا صلع رأس فمن إدمان الحديد و مجالدة الأقران و الزعزعة تحريك5.

ص: 238


1- -سورة الكوثر:1.
2- -التفسير الصافي:382/5.

الريح الشجرة،و قوله:اخضر صفة اخرى لمونق أو لمربع و ما دون الورى تأكيد الضمير المستكن في اخضر فإنّه بمعنى كلّه و دون الورى ظرف مستقرّ صلة أو صفة(لما)و(ما)ان كانت موصوفة كانت في التقدير مضافا إليها لكلّ و نحوه أي كلّ شيء يكون دون الورى و لابدّ من تقدير ضمير يرجع إلى ما رجع إليه ضمير اخضر أي ما دون الورى منه إذ لابدّ في التأكيد ممّا يرجع إلى المأكد.

و قوله:ذاك اسم إشارة مبتدأ محذوف الخبر أي ذاك كذلك و الإشارة إلى ما ذكر من أوصاف الحوض.

و معنى قوله؛بطحاؤه مسك البيت و ما بعده أنّ مسيله مسك و أطرافه كذلك حال كونها تتحرّك من الغضارة مبتديا منها أو عندها نبات أو مكان معجب موقع للخلق في الخصب أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة و شديد الصفرة أو خالص اللون أصفر فاقع أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر.

و قوله:ليس لها مرجع أي لا ترجع عمّا أمرت به.

و قيل:إنّه إشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الذي تهب فيه الريح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها إلاّ إذا سكنت فكأنّه قال:إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون لا ترجع.

ص: 239

حوض الكوثر

و في كامل الزيارة بإسناده عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتّى يرد علينا الحوض،و أنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، و من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل أحلى من العسل و ألين من الزبد و أصفى من الدمع و أذكى من العنبر،يخرج من تسنيم و يمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدرّ و الياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب و الفضّة و ألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فايحة حتّى يقول الشارب منه ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا و لا عنه تحويلا،أمّا أنّك يا كردين ممّن تروى منه و ما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقيت منه من أحبّنا و أنّ الشارب منه ليعطى من اللذّة و الطعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام و في يده عصاء من عوسج يحطّمن بها أعداءنا فيقول الرجل منهم:إنّي أشهد الشهادتين فيقول:انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاّه و تقدّمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع فيقول:إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك اللّه ظمأ و عطشا،قلت:

جعلت فداك و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ترك أشياء اجترئ عليها غيره و ليس ذلك لحبّنا و لا لهوى منه لنا و لكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته و لما قد شغل به نفسه من ذكر الناس فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و أتّباعه أهل النصب و ولاية الماضين و تقديمه لهما على كلّ واحد (1).

ص: 240


1- -كامل الزيارات:205 ح 1،و بحار الأنوار:23/8.

و في حديث آخر عنه صلّى اللّه عليه و اله:أنّ الكوثر نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ (1).

و عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ عليه السّلام فقال:يا علي ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟

قال:يا رسول اللّه أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي و لم أصبّ الماء.

فلمّا ولّيت ناداني مناديا يا أمير المؤمنين فالتفتّ فإذا ابريق مملو من ماء فاغتسلت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أمّا المنادي فجبرئيل و الماء من نهر الكوثر عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة و ستّون غصنا،فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح فما من شجرة و لا غصن إلاّ و هو أحلى صوتا من الآخر و لولا أنّ اللّه كتب على أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحا من شدّة حلاوة تلك الأصوات و هذا النهر في جنّة عدن و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين و ليس لأحد فيه شيء (2).

أقول: لعلّ المعنى أنّه ليس لأحد من غير هذه الامّة أو من غير الشيعة بقرينة ما تقدّم.

-و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب أنّ الكوثر نهر في الجنّة طوله و عرضه ما بين المشرق و المغرب.

أقول: اختلفت الأخبار في تحديده و الجمع بوجوه:

منها:أن يكون كلّها كناية عن السّعة كما أنّ السبعين عندهم كناية عن الكثرة.

و منها:أنّ نهر الكوثر يجري على أمكنة لا يحصى لأنّه يجيء من أرض القيامة جاريا إلى أن يدخل الجنّة فيكون له في كلّ مكان يجري فيه نوع من التحديد.

و منها:أن يكون المراد من العرض أقصر الامتدادات فيكون طوله أطول من عرضه فاختلاف التحديد لذلك أيضا.

و منها:ما قيل:إنّ لكلّ واحد من الشيعة حظّا منه و يختلف ذلك باختلاف الأعمال7.

ص: 241


1- -بحار الأنوار:25/8 ح 24.
2- -مدينة المعاجز:451/2،و بحار الأنوار:26/8 ح 27.

فيختلف تحديده باختلاف العاملين له.

و منها:أن يراد بالعرض الجانب و يكون له جوانب شتّى متفاوتة (1).

و قوله:فالتمسوا منهلا البيت،المنهل المورد و في البيت دلالة على أنّ ماء الكوثر يشبع و يروى كما جاء في الأخبار.

و قوله:و الويل في الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:الويل واد في جهنّم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا ثمّ يهوى فيه كذلك أبدا.

و قوله:و الناس يوم الحشر راياتهم إلى قوله:و وجهه كالشمس إذ تطلع و المراد بالعجل كما قاله جماعة من أهل الحديث أبو بكر لأنّه خالف الوصي أوّلا و هو عجل و ثور في الحمق و الجهالة فهو كالعجل الذي اتّخذه السامري.

و عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام:الأوّل بمنزلة العجل و الثاني بمنزلة السامري (2).

و عنه صلّى اللّه عليه و اله في خبر طويل:يا علي إنّ أصحاب موسى اتّخذوا بعده عجلا و خالفوا خليفته و ستتّخذ امّتي بعدي عجلا ثمّ عجلا ثمّ عجلا و يخالفونك و أنت خليفتي و فيه تسمية الثلاثة بالعجل و وجه الشبه ظاهر و فرعون لقب لمن ملك مصر و غلب على فرعون موسى،و السامري رجل منافق كان في بني إسرائيل أغواهم بعبادة العجل منسوب إلى سامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض الأحكام (3).

و قيل:كان من قوم يعبدون البقر و المراد به عمر بن الخطّاب على ما نطق به الخبر لأنّه أغوى هذه الامّة هو أبو موسى الأشعري لأنّه كان يقول:لا قتال كما كان يقول السامري:

لا مساس.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:المراد بسامري هذه الامّة الحسن البصري لأنّه كان يقول:لا قتال،كما كان السامري يقول:لا مساس و لا تنافي بين هذه الأخبار و لا أخبار العجل فإنّ هذا من باب التشبيه،فكلّ من يكون له شبه بالمسمّى جاز أن يطلق عليه كما يطلق حاتم على9.

ص: 242


1- -المناقب:12/2،و بحار الأنوار:24/8 ح 20.
2- -مجمع النورين:103،و مستدرك سفينة البحار:106/7.
3- -تفسير الأمام العسكري:409.

الجواد و يجوز أن يكون إطلاق السامري على الحسن البصري مثلا باعتبار أنّه سامري أهل البصرة و على أبي موسى باعتبار أنّه سامري أهل الكوفة و من حضر صفّين و على أبي بكر و عمر لأنّهما سامري جميع الامّة،و حينئذ فيمكن أن يريد الناظم رحمه اللّه بالثلاثة واحدا و أن يراد بكلّ منها غير ما يراد من الآخران يريد بالاثنين واحدا و الباقي غيره (1).

و قوله:المشنع على صيغة الفاعل من أشنعت الناقة إذا أسرعت في السير أي المسرع في الفساد و الشرّ أو بمعنى الداخل في الشناعة و القباحة أو على صيغة المفعول بمعنى المشنع عليه و المنسوب إلى القبح و الشناعة.

و الأدلم الطويل الشديد السواد و اللكع كصرد اللئيم البخيل.

و الأكوع المعوج و يراد به هنا الاعوجاج في الدّين لا في الجوارح و الأعضاء و هو في اللغة بمعنى المعوج كوعه أي طرف الزند منه.

قيل:و لعلّ المراد به هنا يزيد بن أبيه الذي ذكره الحسين عليه السّلام لمعاوية في كتاب كتبه إليه و أنّه سلّطه على أهل الكوفة فقتل و أفسد و ظلم.

و في ذلك الكتاب:أو لست المدّعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:الولد للفراش و للعاهر الحجر،و في بعض الأخبار نصّ على أنّ إحدى الرايات راية زياد (2).

و قوله:حبتر،الحبتر الثعلب و هو معروف بالمكر و الحيلة و الجبن فسمّى به من يشابهه.

قيل:الظاهر أنّ المراد به هنا أبو موسى الأشعري للخبر الناصّ على أنّ إحدى الرايات رايته.

و النعثل الذكر من الضباع و الشيخ الأحمق و أسلم يهودي كان بالمدينة فأسلم،طويل اللحية و المراد به في البيت عثمان لأنّه كان يقال له ذلك إذا عيّر و كانت عائشة تسمّيه به و تقول:اقتلوا نعثلا قتله اللّه،شبّهته بذلك اليهودي في طول لحيته و حمقه و في الأغلب أنّهما مثلا زمان أو لعظم بطنه لأنّه كان يأكل أموال المسلمين و لا يشبع حتّى قتل.0.

ص: 243


1- -مستدرك سفينة البحار:386/5.
2- -العوالم:91،و الغدير:161/10.

و المضجع مكان الاضطجاع و المراد القبر و ينبغي أن يكون منصوبا و رفعه للضرورة.

و قوله:في سقر قيل:اسم لجهنّم نار خاصّة و قيل:اسم للنار ثمّ قيل:إنّه اسم أعجمي فلم يصرف للعجمية و العلمية و قيل:بل عربي من صقرته النار إذا لوحته فعدم الانصراف للتأنيث و العلمية.

و عن الصادق عليه السّلام:إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكى إلى اللّه شدّة حرّه و سأله أن يأذن له أن يتنفّس فتنفّس فأحرق جهنّم (1).

و في حديث آخر عن الباقر عليه السّلام:إنّ في جهنّم لجبلا يقال له الصعدي و أنّ في صعدى لواديا يقال له سقر و أنّ في سقر لجبّا يقال له هبهب كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النار من حرّه و ذلك منازل الجبّارين (2).

و قوله:و راية يقدمها حيدر الحيدير و الحيدرة الأسد و هو من أسماء أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.

و في معاني الأخبار:معناه الحازم الرأي الحبر النقاب النظار في دقائق الأشياء،و أمّا أخبار الرايات فرويت من طرق كثيرة منها ما رواه السيّد الأجلّ رضيّ الدّين علي ابن طاووس نوّر اللّه ضريحه بإسناده إلى أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:امّتي ترد على الحوض على خمس رايات أولها راية العجل فأقوم فآخذ بيده فيسودّ وجهه و ترجف أقدامه و كذلك من تبعه فأقول ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟فيقولون:كذّبنا الأكبر و مزّقناه و اضطهدنا الأصغر و ابتززنا حقّه،فأقول:اسلكوا ذات الشمال فيصرفون ظماء مسودّة وجوههم،ثمّ ترد على راية فرعون امّتي فيهم أكثر الناس فأخذ بيد صاحبهم فيسودّ وجهه و ترجف قدماه و كذلك أتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟

فيقولون:مزّقنا الأكبر و قاتلنا الأصغر فقتلناه،فأقول:اسلكوا طريق أصحابكم فيصرفون عطاشا مسودّة وجوههم.

ثمّ ترد عليّ راية فلان و هو إمام خمسين ألفا من امّتي فأقوم فآخذ بيده فيسودّ وجهه و ترجف قدماه و كذلك بأتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟فيقولون:كذبنا9.

ص: 244


1- -المحاسن:123/1،و بحار الأنوار:294/8 ح 38.
2- -المحاسن:123/1 ح 138،و بحار الأنوار:297/8 ح 49.

الأكبر و عصيناه و خذلنا الأصغر و خذلنا عنه،فأقول:اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون مسودّة وجوههم ثمّ يرد على المخدج برايته و هو امام سبعين ألفا من امّتي فإذا أخذت بيده اسودّ وجهه و رجفت قدماه و كذلك أتباعه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فأقول:كذبنا الأكبر و عصيناه و قاتلنا الأصغر و قتلناه،فأقول:اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون عطاشا مسودّة وجوههم ثمّ يرد عليّ أمير المؤمنين و قائد الغرّ المحجّلين فأقوم فآخذ بيده فيبيض وجهه و وجوه أصحابه فأقول:ماذا خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون:اتّبعنا الأكبر و صدّقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قتلنا معه،فأقول لهم:اشربوا فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبدا امامهم كالشمس الطالعة و وجوههم كالقمر ليلة البدر (1).

و في رواية اخرى لأبي ذرّ أيضا إنّ الراية الثالثة راية ذو الثدية إمام الخوارج و يفعل بهم صلّى اللّه عليه و اله كما فعل بأهل الرايتين الأولتين.

و عن أبي ذرّ أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ شرّ الأوّلين و الآخرين اثنا عشر ستة من الأوّلين و ستّة من الآخرين ثمّ سمّى من الأوّلين ابن آدم الذي قتل أخاه و فرعون و هامان و قارون و السامري و الدجّال اسمه في الأوّلين و يخرج في الأخيرين و سمّى من الآخرين ستّة العجل و هو عثمان و فرعون و هو معاوية و هامان و هو زياد بن أبي سفيان و قارون و هو سعد بن أبي وقّاص و السامري و هو أبو موسى الأشعري يقول:لا قتال و السامري يقول:لا مساس و الأبتر و هو عمرو بن العاص لا دين له و لا نسب ثمّ ذكر في هذا الحديث الرايات الخمس لكن ذكر الراية الثالثة باسم عبد اللّه بن قيس و هو أبو موسى الأشعري (2).

و قوله:و راية الحمد له ترفع أي لأمير المؤمنين عليه السّلام أو للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله و حاملها على التقديرين هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

روى صاحب المناقب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل و معه لواء الحمد و هو سبعون شقّة،الشقّة منه أوسع من الشمس و القمر و أنا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فآخذه و أدفعه إلى عليّ بن أبي طالب،فوثب عمر7.

ص: 245


1- -معاني الأخبار:167/2،و بحار الأنوار:15/8.
2- -بحار الأنوار:342/37.

و قال:يا رسول اللّه كيف يطيق علي حمل اللواء؟

فقال عليه السّلام:إذا كان يوم القيامة يعطي اللّه عليّا من القوّة مثل قوّة جبرئيل، الحديث (1).

و في رواية أحمد بن حنبل عنه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت أوّل من يدعى بك لقرابتك و منزلتك عندي و يدفع إليك لوائي و طوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء له ثلاث ذوائب من نور ذوابة في المشرق و ثلاثة في المغرب و الثالثة وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر الأوّل بسم اللّه لا إله إلاّ اللّه الرحمن الرحيم،الثاني الحمد للّه ربّ العالمين،الثالث لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه طول كلّ سطر ألف سنة فتسير باللواء و الحسن عن يمينك و الحسين عن يسارك حتّى تقف بيني و بين إبراهيم في ظلّ العرش ثمّ تكسى حلّة خضراء من الجنّة ثمّ ينادي مناد تحت العرش نعم الأب أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك عليّ، الحديث (2).

و عن معاذ بن جبل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أعطاني في علي:أنّي أعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي و أدفع لواء التهليل إلى عليّ عليه السّلام و أوجّهه في أوّل فوج و هم الذين يحاسبون حسابا يسيرا و أدفع لواء التكبير إلى حمزة و أوجّهه في الفوج الثاني و أدفع لواء التسبيح إلى جعفر و أوجّهه في الفوج الثالث و لا تعارض بين الأخبار،لأنّ للقيامة مواقف كثيرة فيمكن أن يكون هذا في بعض مواطنها و ما تقدّم من دفع لواء الحمد إلى عليّ عليه السّلام في البعض الآخر (3).

و قوله:مولى له الجنّة مأمورة البيت،يعني أنّ الجنّة و النار يوم القيامة مأمورتان بإطاعته.

روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى بإسناده إلى ابن عبّاس.

و ذكر حديث الجارية التي نام عليه السّلام و رأسه في حجرها فرأته فاطمة و اتّهمته بذلك8.

ص: 246


1- -المناقب:27/3،و بحار الأنوار:3/8 ح 3.
2- -بحار الأنوار:341/38،و المناقب:140.
3- -بحار الأنوار:7/8 ح 11،و تفسير فرات الكوفي:548.

الأمر و شكته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأتى جبرائيل عليه السّلام و نزهه مما ظننت به فلما رجعت تقول أرغم أنفي لرضاك،قال:شكوتني إلى حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و احياءه فأعتق الجارية لرضا فاطمة و تصدّق بخمسمائة درهم كانت عنده لا يجد غيرها فقال جبرائيل:وهبه اللّه الجنّة بحذافيرها بعتقه الجارية في مرضاة فاطمة فيدخل من يشاء و يمنع من يشاء و وهبت له النار بحذافيرها بالصدقة في مرضاة فاطمة فإذا كان يوم القيامة يدخل من يشاء و يمنع من يشاء، فهو قسيم الجنّة و النار (1).2.

ص: 247


1- -الجواهر السنية:277،و مستدرك سفينة البحار:56/2.
مفاتيح الجنّة و النار بيد علي عليه السلام

روى ابن شيرويه الديلمي في الفردوس عن كتاب الإحن و المحن للصفواني في خبر طويل عن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال؛ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:و ينزل الملكان يعني رضوان و مالكا فيقول مالك:إنّ اللّه أمرني بلطفه أن أسعر النيران فسعرتها و أن أغلق أبوابها فغلقتها و أن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد، فأقول:قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ثمّ أدفعها إلى علي عليه السّلام ثمّ يقول رضوان إنّ اللّه أمرني بمنّه و لطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها و أن أغلق أبوابها فغلقتها و أن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد فأقول:قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ثمّ أدفعها إلى علي،فينزل علي و معه مفاتيح الجنّة و مقاليد النار فيقف عندها و يأخذ بزمامها و قد تطاير شررها و علا زفيرها و تلاطمت أمواجها فتناديه النار:جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي فيقول لها علي عليه السّلام:اتركي هذا وليّي و خذي هذا عدوّي و أنّ جهنّم يومئذ لأطوع لعليّ من غلام أحدكم لصاحبه.و الأخبار بهذا المعنى كثيرة.

ص: 248

معنى الشيعة

و قوله:إمام حقّ و له شيعة..البيت،شيعة الرجل أعوانه و أنصاره و شيعة عليّ عليه السّلام له معنيان مستفادان من النصوص:

الأوّل:و هو المشهور أنّه من والاه و اعتقد أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و الثاني:و هو الذي دلّت عليه الأخبار الكثيرة أنّه من تابعه في الأقوال و الأفعال و لم يخالف أوامره و نواهيه.

ففي تفسير الإمام العسكري عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حديث طويل يذكر فيه أنّ من محبّيه و محبّي علي صلوات اللّه عليهما من يدخل جهنّم،قال في آخره ليس هؤلاء يسمّون بشيعتنا و لكنّهم يسمّون بمحبّينا و الموالين لأوليائنا و المعادين لأعدائنا،انّ شيعتنا من شيّعنا و اتّبع آثارنا و اقتدى بأعمالنا.

و يمضمون هذا الخبر أخبار كثيرة في ذلك الكتاب و غيره و لا منافاة،لأنّ التشيّع هو الإيمان.

و جاء في الأخبار الصحيحة:أنّ للأيمان درجات فيكون المعنى الثاني من أعلى تلك الدرجات،و أمّا المعنى الأوّل فهو داخل تحت الإيمان و التشيّع و صدق سلبه عنه لسلب الدرجة العالية عنه.

و قوله:يا شيعة الحقّ فلا تجزعوا،يعني لا تحزنوا لما أصابكم في الدنيا من النكبات هذا آخر ما تعلّق بشرح هذه القصيدة على سبيل الاختصار،و قد كتب عليها بعض الأفاضل من المعاصرين شرحا مبسوطا وافيا حقّق فيه ألفاظها و معانيها و ما تعلّق بها من فنون العلوم.

و روى الكشّي عن محمّد بن النعمان قال:دخلت على السيّد الحميري و هو لمّا به قد اسودّ وجهه و ازرقت عيناه و عطش كبده و هو يومئذ يقول بمحمّد بن الحنفية و كان ممّن يشرب المسكر و جئت و قد قدم أبو عبد اللّه عليه السّلام الكوفة فدخلت عليه فقلت:جعلت فداك

ص: 249

قد فارقت السيّد الحميري قد اسودّ وجهه و عطش كبده و سلب الكلام فإنّه كان يشرب المسكر فقال عليه السّلام:اسرجوا حماري،فركب و مضيت معه حتّى دخل على السيّد فقال:يا سيّد،ففتح عينه ينظر إليه و لا يمكنه الكلام قد اسودّ وجهه فحرّك عليه السّلام شفتيه فنطق السيّد فقال:جعلني اللّه فداك بأوليائك يفعل هذا؟

فقال عليه السّلام:يا سيّد قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك و يدخلك الجنّة،فقال في ذلك:

تجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر،فلم يبرح عليه السّلام حتّى قعد السيّد (1).

و روي أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لقى السيّد الحميري فقال:سمّتك امّك سيّدا و وفقت في ذلك و أنت سيّد الشعراء ثمّ أنشد السيّد في ذلك شعر:

و لقد عجبت لقائل لي مرّة *** علامة فهم من الفقهاء

سمّتك امّك سيّدا صدقت به *** أنت الموفّق سيّد الشعراء

ما أنت حين تخصّ آل محمّد *** بالمدح منك و شاعر بسواء

مدح الملوك ذوي الغنا لعطائهم *** و المدح منك لهم بغير عطاء

فابشر فإنّك فايز في حبّهم *** لو قد وردت عليهم بجزاء

ما يعدل الدّنيا جميعا كلّها *** من حوض أحمد شربة من ماء (2)

و روى ابن بابويه طاب ثراه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء و أمواتا:بريد العجلي وزارة بن أعين و محمّد بن مسلم و الأحول أحبّ الناس إلي أحياء و أمواتا (3).1.

ص: 250


1- -بحار الأنوار:327 ح 23،و معجم رجال الحديث:93/4.
2- -بحار الأنوار:328/47،و الغدير:232/20.
3- -بحار الأنوار:357/47،و مستدرك سفينة البحار:362/1.
لعن أرض البصرة

و روى الكشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ عليّا عليه السّلام لمّا أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها ثمّ قال:لعنك اللّه يا أنتن الأرض ترابا و أسرعها خرابا و أشدّها عذابا،فيك الدوي،قيل:يا أمير المؤمنين ما هو؟

قال:كلام القدر فيه الفرية على اللّه و بغضنا أهل البيت.

حديث الجارية التي عفّ عنها الرجل

و في الكافي عن زرعة قال:كان رجل بالمدينة و كان له جارية نفيسة فوقعت في قلب رجل و أعجب بها فشكى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له:تعرض لرؤيتها و كلّما رأيتها فقلت:

أسأل اللّه من فضله ففعل فما لبث إلاّ يسيرا حتّى عرض لوليّها سفر فجاء إلى الرجل فقال:يا فلان أنت جاري و أوثق الناس عندي و قد عرض لي سفر و أنا أحبّ أن أودعك فلانة جاريتي تكون عندك،فقال الرجل:ليس لي امرأة فكيف تكون جاريتك عندي؟

فقال:اقوّمها عليك بالثمن و تضمنه لي يكون لي عندك فإذا قدمت فبعنيها أشتريها منك و إن نلت منها نلت ما يحلّ لك ففعل و غلظ عليه في الثمن و خرج الرجل و مكثت عنده ما شاء اللّه حتّى قضى و طره منها ثمّ قدم رسول لبعض خلفاء بني اميّة يشتري له جواري فكانت هي فيمن يسمّى أن يشترى فبعث الوالي إليه فقال له:جارية فلان،فقال:

فلان غايب فقهره على بيعها و أعطاه من الثمن ما كان فيه ربح.

فلمّا أخذت الجارية و أخرج بها من المدينة قدم مولاها فسأله عن الجارية فأخبره بخبرها و أخرج إليه المال كلّه الذي قوّمه عليه و الذي ربح فقال:هذا ثمنها فخذه فأبى الرجل،فقال:لا آخذ إلاّ ما قوّمت عليك و ما كان من فضل فخذه لك هنيئا فصنع اللّه له بحسن نيّته (1).

ص: 251


1- -الكافي:560/5،و بحار الأنوار:359/47.
في قضاء الدّين

و فيه أيضا قال:دخل محمّد بن بشر الوشاء على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله أن يكلّم شهابا أن يخفّف عنه حتّى ينقضي الموسم و كان له عليه ألف دينار لم تذهب في بطن و لا فرج و إنّما ذهبت دينا على الرجال و وضايع وضعها و أنا أحبّ أن تجعله في حلّ فقال:لا أجعله في حلّ،فقال:لعلّك ممّن يزعم أنّه يقتصّ من حسناته فتعطاها فقال:كذلك في أيدينا فقال عليه السّلام:اللّه أكرم و أعدل من أن يتقرّب إليه عبده فيقوم في الليلة الباردة أو يصوم في اليوم الحار أو يطوف بهذا البيت ثمّ يسلبه ذلك فتعطاه،و لكن للّه فضل كثير يكافئ المؤمن،فقال:فهو في حلّ (1).

أقول: لعلّ هذا الدّين لمّا لم يكن مصرفه في المعاصي بل و لا في المباحات كالأكل و النكاح لم يرد التقاص عليه يوم القيامة كما ورد على غيره من الديون روى أنّه يوم القيامة تؤخذ سبعمائة صلاة على درهم واحد.

و قال عليه السّلام:الدين مذلّة بالنهار مفكرة بالليل قضاء في الدّنيا قضاء في الآخرة و قدموا السؤال بالكفّ عليه،نعم،جوّزوه لمن كان له وجه يقضي منه دينه أو وليّ يثق به في القضاء كما كان في الأئمّة عليهم السّلام عند موتهم و بقاء الدّين عليهم فإنّهم واثقون بأوليائهم في القضاء.

[عن]كمال الدّين عن الهمداني قال:قلت للرضا عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقّ أبيك عليه السّلام؟

فقال:نعم،فقلت له:فلم بعث ابنه عبيدا ليتعرّف الخبر إلى من أوصى هل كان يعرف حقّ أبيك عليه السّلام؟

فقال:زرارة كان يعرف أمر أبي عليه و إنّما بعث ابنه ليعرف من أبي عليه السّلام هل يجوز أن يرفع التقية في إظهار أمره و نصّ أبيه عليه و أنّه لمّا أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السّلام فلم يجب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف و قال:اللّهم إنّ إمامي من

ص: 252


1- -الكافي:36/4 ح 2،و بحار الأنوار:364/47 ح 80.

أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليه السّلام (1).

أقول: زرارة من جملة الأركان الأربعة الذين قال الصادق عليه السّلام فيهم:إنّهم امناء اللّه على حلاله و حرامه و علمه لولاهم اندرست آثار النبوّة،زرارة بن أعين و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و بريد العجلي.

و كان الصادق عليه السّلام يطلعهم على أسماء الأئمّة عليهم السّلام في الصحائف و الكتب التي كانت مخزونة عنده،فكيف يشتبه على زرارة أنّ الإمام بعد الصادق عليه السّلام هل هو موسى الكاظم عليه السّلام أو عبد اللّه يعني الأفطح؟

و روى الشيخ محمّد بن الحسن بإسناده إلى أبي الطيّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّه كان في يدي شيء فتفرّق قال لي:ألك حانوت في السوق؟

فقلت:نعم و قد تركته،قال:إذا أردت أن تخرج إلى سوقك فصلّ ركعتين أو أربع ركعات ثمّ قل في دبر صلاتك:توجّهت بلا حول منّي و لا قوّة و لكن بحولك يا ربّ و قوّتك و أبرأ من الحول و القوّة إلاّ بك فأنت حولي و منك قوّتي اللّهمّ فارزقني من فضلك الواسع رزقا كثيرا طيّبا و أنا خافض في عافيتك فإنّه لا يملكها أحد غيرك،قال:ففعلت ذلك و كنت أخرج إلى دكّاني حتّى خفت أن يأخذني الجابي بأجرة دكّاني و ما عندي شيء قال:فجاء حالب بمتاع فقال لي:تكريني نصف بيتك فأكريته نصف بيتي بكري البيت كلّه قال:

و عرض متاعه فأعطى به شيئا لم يبعه فقلت له:هل لك أن تبيعني عدلا من متاعك هذا أبيعه و آخذ فضله و أدفع إليك ثمنه؟

قال:خذ عدلا منها فأخذته[و رقمته] (2)و جاء برد شديد فبعت المتاع من يومي و دفعت إليه الثمن فأخذت الفضل فما زلت آخذ عدلا و أبيعه و آخذ فضله و أردّ عليه رأس المال حتّى ركبت الدواب و اشتريت الرقيق و بنيت الدور (3).

و في الكافي عن محمّد بن جمهور قال:كان النجاشي و هو رجل من أهل الدهاقين عاملا على الأهواز و فارس،فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ في ديوان النجاشي4.

ص: 253


1- -كمال الدين:75،و بحار الأنوار:338/47 ح 18.
2- -زيادة من المصدر.
3- -الكافي:474/3 ح 3،و بحار الأنوار:368/47 ح 84.

عليّ خراج و هو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن يكتب لي إليه كتابا فكتب إليه عليه السّلام:بسم اللّه الرحمن الرحيم سرّ أخاك يسرّك اللّه فدخل عليه و هو في مجلسه و قال:هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبّله و وضعه على عينيه و قال له:ما حاجتك؟

قال:خراج عليّ في ديوانك فقال:و كم هو؟

قال:عشرة آلاف درهم فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه ثمّ أخرجه منها و أمره أن يثبتها له لقابل ثمّ قال:سررتك؟

فقال:نعم جعلت فداك،ثمّ أمر بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول:هل سررتك؟فيقول:نعم،فكلّما قال نعم زاده زاده حتّى فرغ ثمّ قال له:احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه و ارفع إليّ حوائجك ففعل و خرج الرجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد ذلك فحدّثه بالحديث على جهته فجعل يسرّ بما فعل فقال الرجل:يا ابن رسول اللّه كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟

فقال:إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله (1).1.

ص: 254


1- -الكافي:190/2 ح 9،و وسائل الشيعة:572/11.
فيه عدد الشيعة الكاملين

و عن سدير الصيرفي قال:دخلت على أبي عبد اللّه فقلت له:و اللّه ما يسعك القعود لكثرة مواليك و شيعتك و لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الأنصار ما طمع فيه تيم و لا عدي فقال:يا سدير و كم عسى أن تكونوا؟

قلت:مائة ألف و نمائتي ألف و نصف الدّنيا فسكت ثمّ قال:يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟

قلت:نعم،فأمر بحمار و بغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال:يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار؟

قلت:البغل أزين قال:الحمار أرفق بي،فركب الحمار و ركبت البغل و مضينا فسرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال:و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود،و نزلنا و صلّينا.

فلمّا فرغنا من الصلاة عطفت إلى الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.

فأقول:المراد هنا من الشيعة من يوطّن نفسه على الجهاد و القتل في الطاعة كما مرّ في خبر الذي ادّعى أنّه من أنصاره و شيعته فأمر عليه السّلام بالتنوّر فأسجر ثمّ قال له:ادخل التنوّر، فقال:اعفني يا ابن رسول اللّه فجاء الرجل المكّي و أمره عليه السّلام بدخوله فدخله و نعله بيده إلى أن طفيت النار (1).

و في حديث آخر عنه عليه السّلام أنّه قال:و اللّه ما لناصب لنا حربا بأشدّ علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره يعني به مراعاة التقيّة في القول (2).

[في]الكافي عن زكريا بن إبراهيم قال:كنت نصرانيا فأسلمت و حججت فلمّا دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت:كنت على النصرانية و أسلمت فقال:أيّ شيء رأيت في

ص: 255


1- -بحار الأنوار:373/47 ح 93.
2- -الكافي:223/2،و شرح الأخبار:507/3.

الإسلام؟

قلت:قول اللّه عزّ و جلّ: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ فقال:لقد هداك اللّه ثمّ قال:اللّهم اهده ثلاثا سل عمّا شئت يا بني، فقلت:إنّ أبي و امّي على النصرانية و أهل بيتي،و امّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم؟فقال:يأكلون لحم الخنزير؟

فقلت:لا و لا يمسّونه،فقال:لا بأس فانظر امّك فبرّها فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك كن أنت الذي تقوم بشأنها و لا تخبر أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمنى إن شاء اللّه تعالى،قال:

فأتيته بمنى و الناس حوله كأنّه معلّم صبيان هذا يسأله و هذا يسأله.

فلمّا قدمت الكوفة لطفت لامّي و كنت أطعمها و أفلي ثوبها و رأسها و أخدمها فقالت لي:يا بني ما كنت تصنع بي هذا و أنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟

فقلت:رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا،فقالت:هذا الرجل هو نبيّ؟

فقلت:لا،و لكنّه ابن نبي فقالت:يا بني هذه وصايا الأنبياء،فقلت:يا امه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنه ابنه فقالت:يا بني دينك خير دين اعرضه عليّ فعرضته عليها فدخلت في الإسلام و علّمتها فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة ثمّ عرض لها عارض في الليل فقالت:يا بني أعد عليّ ما علّمتني فأعدته عليها فأقرّت به و ماتت.

فلمّا أصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها و كنت أنا الذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها (1).7.

ص: 256


1- -الكافي:161/2،و بحار الأنوار:347/47 ح 97.
حديث التي عثرت

و في بعض كتب أصحابنا المتقدّمين و كتب بعض المتأخّرين حديث رووه بأسانيد متعدّدة تنتهي كلّها إلى بشّار المكاري قال:دخلت على الصادق عليه السّلام الكوفة و قد تقدّم له طبق رطب و هو يأكل فقال:يا بشّار ادن فكل فقلت:هنأك اللّه و جعلني فداك قال:أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي و بلغ منّي فقال لي:بحقّي لما دنوت فأكلت فقال لي:حديثك قلت:رأيت جلوازا (1)يضرب رأس امرأة و يسوقها إلى الحبس و هي تنادي بأعلى صوتها المستغاث باللّه و رسوله و لا يغيثها أحد،قال:و لم فعل بها ذلك؟

قال:سمعت الناس يقولون:إنّها عثرت فقالت:لعن اللّه ظالميك يا فاطمة فارتكب منها ما ارتكب.

قال:فقطع الأكل و لم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله و لحيته و صدره بالدموع ثمّ قال:يا بشّار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا اللّه عزّ و جلّ و نسأله خلاص هذه المرأة،و وجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان ليأتي بالخبر فصرنا إلى مسجد السهلة و صلّى كلّ واحد منّا ركعتين ثمّ رفع الصادق عليه السّلام يده إلى السماء و قال:أنت اللّه،الخ فخرّ ساجدا فرفع رأسه ثمّ قال:

أطلقت المرأة فخرجنا ثمّ آتانا الرجل الذي وجّهناه إلى باب السلطان و قال:اطلق عنها لأنّه خرج حاجب السلطان و قال لها:ما الذي تكلّمت؟قالت:عثرت فقلت:لعن اللّه ظالميك يا فاطمة ففعل بي ما فعل،قال:فأخرج مائتي درهم و قال:خذي هذه و اجعلي الأمير في حلّ فأبت أن تأخذهما.

فلمّا رأى ذلك منها قال:انصرفي إلى بيتك فانصرفت و قال:اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقريها منّي السلام فادفع إليها هذه الدنانير فذهبنا فأقرأناها السلام فقالت:باللّه اقرأني جعفر بن محمّد السلام فقلت لها:و اللّه نعم فشقّت جيبها و وقعت مغشيّة عليها فصبرنا حتّى أفاقت و قالت:أعدها عليّ فأعدناها عليها حتّى فعلت ذلك ثلاثا ثمّ قلنا لها

ص: 257


1- -جلواز:أعوان الظلمة.

خذي ما أرسل إليك فأخذته منّا و قالت:سلوه أن يستوهب أمته من اللّه فما أعرف أحدا أتوسّل به إلى اللّه أكثر منه و من آبائه و أجداده عليهم السّلام،قال:فرجعنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فجعلنا نحدّثه بما كان منها فجعل يبكي و يدعو لها ثمّ قلت:ليت شعري متى أرى فرج آل محمّد؟

قال:يا بشّار إذا توفّى وليّ اللّه و هو الرابع من ولدي في أشدّ البقاع بين أشرار العباد فعند ذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة سوداء فإذا رأيت ذلك التقت حلقة البطان و لا مردّ لأمر اللّه.

أقول: المخالفون يعلمون أنّ أبا بكر و عمر ظلما فاطمة عليهما السّلام و أنّ لعن ظالميها متوجّه إليهما (1).7.

ص: 258


1- -بحار الأنوار:442/97.
حديث فاطمة بضعة منّي و حديث أنّها خرجت غاضبة عليهما

و قد حدّثني أوثق مشايخي عن بهاء الملّة و الدّين أنّه لمّا كان بالشام متنكّرا و يظهر أنّه على مذهب الشافعي قال له يوما بعض أئمّتهم من أهل العلم:ما يقول علماء الرافضة في الشيخين؟

فقال:القول كثير،قال:قل بعضه؟

قال:يقولون إنّه في صحيح البخاري حديث صحيح عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و من آذى اللّه فهو كافر ثمّ نقل بعده بخمس أوراق حديثا آخر أنّ فاطمة عليها السّلام خرجت من الدنيا و هي غاضبة عليهما يعني أبا بكر و عمر فكيف يكون حالهما؟

فقال:دعني هذه الليلة اراجع صحيح البخاري فإنّ الرافضة تكذب في روايتها،قال:

فأتيه في اليوم الثاني فتبسّم ضاحكا و قال:ألم أقل لك أنّ الرافضة تكذب في نقل الحديث راجعت الكتاب فكان بين الحديثين سبع ورقات و كان هذا هو الجواب في تناقض الخبرين و أمّا علماؤهم أهل التأويل فيعلمون ذلك و لكن ما يقدرون على التصريح بأنّهما ظلماها و بعضهم و إن صرّح به إلاّ أنّه يقول إنّهما تابا إليها عند موتها و قبلت توبتهما فخرجا من ظلمها.

و روي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سأله رجل عن الشيخين فقال عليه السّلام:كانت لنا امّ صالحة خرجت من الدنيا غاضبة عليهما و لم يبلغنا خبر أنّها رضيت عنهما و نقول أيضا إنّ ظلمهما لها دراية و توبتهما إليها رواية و عند الكلّ أنّ الرواية لا تعارض الدراية فالناس يلعنونهما على هذا الظلم حتى يثبت عندهم قبولها عليها السّلام توبتهما و ثبوتها محال،لأنّ المخبر الصادق أخبر به فلا ينبغي أن يؤاخذ الشيعة به على اعتقادكم،و المراد ببني فلان بني العبّاس،و كان ابتداء ضعف دولتهم عند وفاة أبي الحسن العسكري عليه السّلام و البطان للقتب الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير و يقال:التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتدّ.

ص: 259

[في]كتاب التمحيص عن فرات بن أحنف قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال:و اللّه لأسوءنّه في شيعته،فقال:يا أبا عبد اللّه أقبل إليّ فلم يقبل إليه قالها ثلاثا فقال:قل و لن تقول خيرا فقال:إنّ شيعتك يشربون النبيذ المسكر فقال:إنّ شيعتنا أزكى و أطهر من تن يجري للشيطان في أمعائهم شيء و إن فعل ذلك المخذول بهم فيجدوا ربّا رؤوفا عطوفا و وليّا و كوفا و أصحابك ببرهوت مكوفا يعني مجموعون فيه فأفحم الرجل و سكت (1).

[في]الكافي عن جعفر البجلي:قال:شكوت إلى أبي عبد اللّه حالي فقال لي:إذا قدمت الكوفة فبع و سادة من بيتك بعشرة دراهم و ادع اخوانك و أعد لهم طعاما و سلهم يدعون اللّه لك قال:ففعلت و ما أمكنني ذلك حتى بعت و سادة و اتّخذت طعاما كما أمرني و سألتهم أن يدعوا اللّه تعالى فو اللّه ما مكثت إلاّ قليلا حتى أتاني غريم لي و صالحني من مال كثير كنت أحسبه نحوا من عشرة آلاف درهم قال:ثمّ أقبلت الأشياء إليّ (2).

و عن سعيد الجعفي قال:خرجت إلى مكّة و أنا من أشدّ الناس حالا فشكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فلمّا خرجت من عنده وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار فرجعت إليه فأخبرته فقال:يا سعيد اتّق اللّه و عرفه في المشاهد و كنت رجوت أن يرخص لي فخرجت و أنا مغتمّ فأتيت منّى و تنحّيت عن الناس في بيت بعيد ثمّ قلت:من يعرف الكيس فأوّل صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول:أنا صاحب الكيس،فقلت في نفسي:أنت فلا كنت و أخبرني بعلامة الكيس فدفعته إليه ثمّ أعطاني سبعين دينارا و قال:خذها حلالا خير من سبعمائة حراما فأخذتها ثمّ دخلت على الصادق عليه السّلام فأخبرته كيف تنحّيت و كيف صنعت؟

فقال:أمّا أنّك حين شكوت إليّ أمرنا لك بثلاثين دينارا يا جارية هاتيها فأخذتها و أنا من أحسن الناس حالا (3).6.

ص: 260


1- -بحار الأنوار:381/47.
2- -الكافي:314/5 ح 42،و بحار الأنوار:382/47 ح 104.
3- -تذكرة الفقهاء:261/2،و الكافي:138/5 ح 6.

و في الكافي أيضا عن سماعة قال:تعرض رجل من ولد عمر بن الخطّاب لجارية رجل عقيلي فقالت له:إنّ هذا العمري قد آذاني فقال لها:عديه و ادخليه الدهليز فأدخلته و شدّ عليه فقتله و ألقاه في الطريق فاجتمع البكريون و العمريّون و العثمانيّون و قالوا ما لصاحبنا كفؤ لن نقتل به إلاّ جعفر بن محمّد و ما قتل صاحبنا غيره و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال:دعهم فجاؤوا إليه و قالوا:ما نقتل بصاحبنا أحدا غيرك فأخذ بأيدي جماعة منهم و أدخلهم المسجد فخرجوا و هم يقولون:شيخنا جعفر بن محمّد معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا انصرفوا فمضيت معه فقلت:جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم،فقال:نعم دعوتهم،فقلت:امسكوا و إلاّ أخرجت الصحيفة فقلت:و ما هذه الصحيفة؟

فقال:إنّ امّ الخطّاب كانت أمة للزبير بن عبد المطّلب فشطر بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه ثمّ خرج إلى الشام و خرج الزبير في تجارة إلى الشام فدخل على ملك الرّوم فقال له الملك:لي إليك حاجة و هو أنّ رجلا من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه قال:ليظهر لي حتّى أعرفه.

فلمّا كان من الغد دخل إلى الملك.

فلمّا رآه الملك ضحك فقال:ما يضحك الملك؟

قال:ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلته لم يملك استه أن جعل يضرط فقال:أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك.

فلمّا قدم الزبير تحمل إليه ببطون قريش أن يدفع إليه ابنه فأبى ثمّ تحمل عليه بعبد المطّلب فقال:أما علمتم ما فعل في ابني-يعني العبّاس-و لكن امضوا أنتم إليه فكلّموه، فقال لهم الزبير:إنّ الشيطان له دولة و أنّ ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا و لكن ادخلوه من باب المسجد على أن أحمي له حديدة و أخطّ في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه أن لا يتصدّر في مجلس و لا يتآمر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم ففعلوا،و خطّ وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب و ذلك الكتاب عندنا،فقلت لهم:إن أمسكتم و إلاّ أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا (1).2.

ص: 261


1- -الكافي:259/8،و بحار الأنوار:269/22.
نسب العبّاس و امّه

و توفّى مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العبّاس أبا عبد اللّه عليه السّلام و كان هشام بن عبد الملك حجّ في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي:الولاء لنا و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بل الولاء لي،فقال داود بن علي:إنّ أباك قاتل معاوية فقال:إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر ثمّ فرّ بجنايته فقال:لأطوّقنّك و اللّه غدا طوق الحمامة فقال له داود بن علي:كلامك هذا أهون عليّ من بعرة في وادي الأزرق،فقال:أمّا أنّه واد ليس لك و لا لأبيك فيه حقّ،قال هشام:إذا كان غدا جلست لكم.

فلمّا أن كان من الغد خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام و معه كتاب في كرباسة و جلس لهم هشام فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام الكتاب بين يديه.

فلمّا قرأه قال:ادعوا جندل الخزاعي و عكاشة الضميري و كانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى الكتاب إليهما فقال:تعرفان هذه الخطوط؟قالا:نعم هذا خطّ العاص بن اميّة و هذا خط فلان و فلان من قريش و هذا خط حرب بن اميّة فقال هشام:يا أبا عبد اللّه أرى خطوط أجدادي عندكم،فقال:نعم،قال:قد قضيت بالولاء لك،قال:فخرج و هو يقول:

إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة قال:فقلت:ما هذا الكتاب جعلت فداك؟

قال:فإنّ نثيلة كانت أمة لامّ الزبير و لأبي طالب و عبد اللّه فأخذها عبد المطّلب و أولدها فلانا يعني العبّاس،فقال له الزبير:هذه الجارية ورثناها من امّنا و ابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش قال:فقال:قد أجبتك على خلّة على أن لا يتصدّر ابنك هذا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا و أشهد عليه فهو هذا الكتاب.

أقول: جلالة شأن عبد المطّلب لا يناسب هذا المعنى،نعم يمكن أن يقال إنّ امّ الزبير أحلّتها له و أباحتها و كانت حلالا عليه في الواقع و لم يعلم به الزبير و عامله بالظاهر و مع هذا ففي الخاطر خدشة من نسب العبّاس و قد ظهرت في أولاده الخلفاء بل و غيرهم (1).

ص: 262


1- -الكافي:259/8،و بحار الأنوار:269/22.
الرافضة اسم للشيعة

[في]كتاب الاختصاص عن أبي بصير قال:أتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك إنّا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا و ماتت له أفئدتنا و استحلّت به الولاة دماءنا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء،فقال:الرافضة؟

قلت:نعم فقال:و اللّه ما سمّوكم بل اللّه سمّاكم أما علمت أنّه كان مع فرعون سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينونه بدينه.

فلمّا استبان لهم ضلال فرعون و هدى موسى رفضوا فرعون و لحقوا بموسى فكانوا في عسكر موسى أشدّ أهل ذلك العسكر عبادة و أشدّهم اجتهادا إلاّ أنّهم رفضوا فرعون فأوحى اللّه بطاعة العالم و وجدنا الإجماع واقع على عليّ عليه السّلام بأنّه كان أعلم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كان جميع الناس يسألونه و يحتاجون إليه و كان مستغنيا عنهم هاذ من الشاهد و الدليل عليه من القرآن قوله عزّ و جلّ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1)فما اتّفق يوما أحسن منه و دخل في هذا الأمر عالم كثير (2).

ص: 263


1- -سورة يونس:35.
2- -الأخنصاص:104،و الكافي:34/8.
مكالمات مؤمن الطاق لأبي حنيفة

و قد كان لمؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة؛فمن ذلك ما روي أنّه قال يوما:إنّكم تقولون بالرجعة؟

قال:نعم،قال أبو حنيفة:فاعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذا رجعت،فقال الطاقي:اعطني كفيلا بأنّك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا.

و قال له يوما آخر:لم لم يطالب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بحقّه بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إن كان له حقّ؟

فقال مؤمن الطاق:خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة ابن شعبة.

و كان أبو حنيفة يمشي مع مؤمن الطاق في سكّ من سكك الكوفة إذا بمنادي ينادي من يدلّني على صبيّ ضال فقال مؤمن الطاق:أمّا الصبيّ الضال فلم نره و إن أردت شيخا مضلاّ فخذ هذا يعني أبا حنيفة.

و لمّا مات الصادق عليه السّلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له:مات إمامك،قال:نعم أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم (1).

ص: 264


1- -بحار الأنوار:399/47،و مواقف الشعية:332/1.
مباحثة فضال مع أبي حنيفة

و فيه أيضا أنّه مرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه فقال لصاحب كان معه:و اللّه لا أبرح أو أخجل أبو حنيفة،فقال صاحبه:إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله و ظهرت حجّته قال:مه هل رأيت حجّة ضال علت حجّة مؤمن؟

ثمّ دنا منه فقال:يا أبا حنيفة إنّ أخا لي يقول:إنّ خير الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب و أنا أقول أبو بكر خير الناس و بعده عمر فما تقول أنت؟فأطرق مليّا ثمّ قال:

كفى بمكانهما من رسول اللّه كرما و فخرا أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره فأي حجّة تريد أوضح من هذا؟

فقال له فضّال:إنّي قد قلت ذلك لأخي فقال:إن كان الموضع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقد أساؤوا ما أحسنا إذ رجعا في هبتهما و نسيا عهدهما،فأطرق أبو حنيفة ساعة ثمّ قال:لم يكن له و لا لهما خاصّة و لكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.

فقال له فضال:قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مات عن تسع نساء و نظرنا و إذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك و بعد ذلك فما بال عائشة و حفصة يرثان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة بنته تمنع الإرث.

فقال أبو حنيفة:يا قوم نحّوه عنّي فإنّه رافضي خبيث (1).

[في]كتاب المناقب قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحشكم:الدليل على صحّة معتقدنا و بطلان معتقدكم ككثرتنا و قلّتكم مع كثرة أولاد علي و ادّعائهم،فقال هشام:لست

ص: 265


1- -بحار الأنوار:400/47 ح 2،و اللمعة البيضاء:804.

إيّانا أردت بهذا القول إنّما أردت الطعن على نوح عليه السّلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا و نهارا و ما آمن معه إلاّ قليل (1).

و سأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلّمين فقال:أخبروني حين بعث اللّه محمّدا بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة؟

فقالوا:بنعمة تامّة،قال:فأيّما أهم أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة و خلافة أو يكون نبوّة بلا خلافة؟

قالوا:بل يكون نبوّة و خلافة قال:فلم ذا جعلتموها في غيرهم فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف،فأفحموا.

و عن محمّد بن نوفل قال؛دخل علينا أبو حنيفة فدار بيننا الكلام في أمير المؤمنين فقال أبو حنيفة:قد قلت لأصحابنا لا تقرّوا لهم بحديث غدير خمّ فيخصموكم فقال الهيثم:

يا نعمان أمّا هو عندك؟

قال:هو عندي و قد رويته لكنّك تعلم أنّ الناس قد غلا فيهم قوم فقال الهيثم يقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يخطب به و ننفيه نحن لغلوّ غال أو قول قائل فقطع الحديث.

[في]الكشي عن الأحمسي قال:خرج الضحّاك من الخوارج فحكم و تسمّى بإمرة المؤمنين فأتاه مؤمن الطاق فقال:إنّي على بصيرة من ربّي و سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك.

فقال الضحّاك لأصحابه:إن كان هذا معكم نفعكم ثمّ أقبل مؤمن الطاق على الضحّاك فقال:لم تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب و استحللتم قتله و قتاله و البراءة منه.قال:نعم بسبب التحكيم يوم صفّين قال:فأخبرني عن الدّين الذي جئت أناظرك عليه لأدخل معك فيه إن غلبت حجّتي حجّتك أو حجّتك حجّتي من يوقف المخطئ على خطأه و يحكم للمصيب بصوابه فلابدّ لنا من إنسان يحكم بيننا.

قال؛فأشار الضحّاك إلى رجل من أصحابه فقال:هذا الحكم بيننا فهو عالم بالدّين، قال:و قد حكّمت هذا في الدين الذي جئت اناظرك فيه؟

قال:نعم،فأقبل مؤمن الطاق على أصحابه فقال:إنّ هذا صاحبكم قد حكم في دين3.

ص: 266


1- -المناقب:236/1،و بحار الأنوار:401/47 ح 3.

اللّه فشأنكم به فضربوا الضحّاك بأسيافهم حتّى سكت (1).

و عن مؤمن الطاق قال:قال ابن أبي العوجاء مرّة:أ ليس من صنع شيئا و أحدثه حتّى يعلم أنّه من صنعته فهو خالقه،قلت:بلى،قال:فأجّلني شهرا أو شهرين ثمّ تعال حتّى أريك فحججت فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أمّا أنّه قد هيّأ لك شاتين و هو جاء معه بعده من أصحابه ثمّ نخرج لك الشاتين قد امتلأ دودا و يقول لك هذا الدود يحدث من فعلي فقل له:إن كان من صنعك و أنت أحدثته فميّز ذكوره من إناثه و أخرج إلي الدود فقلت له:

ميّز الذكور من الإناث فقال:هذه و اللّه ليست من إبزارك هذه التي حملتها الإبل من الحجاز، الحديث (2).

[في]الكافي أنّه سأل أبو حنيفة مؤمن الطاق قال:يا أبا جعفر ما تقول في المتعة تزعم أنّها حلال؟

قال:نعم،قال:فما منعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن و يكتسبن عليك؟قال:ليس كلّ الصناعات يرغب فيها و إن كانت حلالا و للناس أقدار و مراتب يرفعون أقدارهم،و لكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنّه حلال؟قال:نعم،قال:فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكسبن عليك؟قال أبو حنيفة:واحدة بواحدة و سهمك أنفذ (3).

و عن شريك القاضي قال:حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها فبينا أنا عنده إذ دخل ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و أبو حنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديدا و أدركته رقّة من الذنوب فبكى فقال له أبو حنيفة:يا أبا محمّد اتّق اللّه فإنّك في آخر يوم من أيّام الدّنيا و قد كنت تحدّث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك،قال الأعمش:مثل ماذا يا نعمان؟

قال:مثل حديث عباية:«أنا قسيم النار»قال:أو لمثلي تقول هذا يا يهودي اقعدوني سنّدوني؛حدّثني موسى بن طريف عن جارية بن ربعي قال:سمعت عليّا أمير المؤمنين يقول:أنا قسيم النار أقول هذا وليّي دعيه و هذا عدوّي خذيه.7.

ص: 267


1- -بحار الأنوار:401 ح 3،و مواقف الشيعة:333/1.
2- -اختيار معرفة الرجال:430/2،و معجم رجال الحديث:39/18.
3- -الكافي:45/5 ح 8،و بحار الأنوار:411/47 ح 17.

و عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إذا كان يوم القيامة أقعد أنا و عليّ على الصراط و يقال لنا:ادخلا الجنّة من آمن بي و أحبّكما و ادخلا النار من كفر بي و أبغضكما.

فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه و قال:قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم من هذا (1).9.

ص: 268


1- -المناقب:528/2،و أمالي الطوسي:629.

باب في بيان أحوال الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام عليه و على آبائه أفضل الصلوات

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في تاريخ ولادته و أسمائه و نقش خواتيمه و النصّ عليه و معجزاته

و غرائب اموره و عبادته و علمه و ما يتبع ذلك

[في]اعلام الورى:ولد عليه السّلام بالأبواء-منزل بين مكّة و المدينة-لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة و قبض عليه السّلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب.

و قيل:لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة و له يومئذ خمس و خمسون سنة و امّه امّ ولد يقال لها حميدة البربرية،و كانت مدّة إمامته عليه السّلام خمسا و ثلاثين سنة و قام بالأمر و له عشرون سنة و كانت في أيّام إقامته بقيّة ملك المنصور ثمّ ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا،ثمّ ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة و شهرا ثمّ ملك الرشيد و استشهد بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموما و دفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش (1).

[في]البصائر عن أبي بصير قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى.

ص: 269


1- -أعلام الورى:6/2،و مستدرك سفينة البحار:318/10.

فلمّا نزلنا الأبواء وضع أبو عبد اللّه عليه السّلام لنا الغداء و أكثر و أطاب فبينا،نحن نتغدّى إذ أتاه رسول حميدة أنّ الطلق قد ضربني و أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا فقام فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّة فقلنا:أضحك اللّه سنّك و أقرّ عينك ما صنعت حميدة؟

قال:وضعت غلاما و هو خير من خلق اللّه و لقد خبّرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها ذكرت أنّه لمّا وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأخبرتها أنّ تلك أمارة الإمام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقلنا؛و كيف تلك علامة الإمام؟

فقال:إنّه لمّا كان في الليلة التي علق بجدي فيها أتى آت جد أبي و هو راقد فأتاه بكأس فيها شربة أرقّ من الماء و أبيض من اللبن و ألين من الزبد و أحلى من الشهد و أبرد من الثلج فسقاه إيّاه و أمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدّي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدّي فسقاه كما سقا جدّ أبي و أمره بالجماع فجامع فعلق بأبي و لمّا كان في الليلة التي علق بي فيها أتى آت أبي فسقاه و أمره كما أمرهم فجامع و علق بي و لمّا كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا أتاني آت كما أتاهم فسقاني و أمرني كما أمرهم فعلق بابني هذا،فدونكم فهو و اللّه صاحبكم من بعدي (1).

[في]الخرائج قال:دخل ابن عكاشة على أبي جعفر عليه السّلام و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قائما عنده فقدّم إليه عنبا،فقال:حبّة حبّة تأكله الشيخ الكبير أو الصبي الصغير و ثلاثة و أربعة من يظنّ أنّه لا يشبع فكله حبّتين حبّتين فإنّه يستحبّ فقال لأبي جعفر:لأي شيء لا تزوّج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج و بين يديه صرّة مختومة فقال:سيجيء نخّاس من أهل بربر ينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرّة جارية فدخلنا بعد ذلك يوما فقال النخّاس الذي ذكرت لكم قدم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية فأتينا النخّاس فقال:بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين أحدهما أمثل من الاخرى فأخرجهما فقلنا:بكم تبيع هذه الجارية؟

قال:بسبعين دينارا،فقلنا:نشتريها بهذه الصرّة ففكنا الخاتم و إذا الدنانير سبعون لا تزيد و لا تنقص فأدخلنا الجارية على أبي جعفر عليه السّلام و أبو عبد اللّه عليه السّلام عنده فقال لها:ما اسمك؟5.

ص: 270


1- -بصائر الدرجات:460،و بحار الأنوار:42/25.

قالت:حميدة فقال:حميدة في الدّنيا محمودة في الآخرة أخبريني عنك أبكر أم ثيّب؟

قالت:بكر لأنّ النخّاس كان يجيء فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس و اللحيّة فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي ففعل بي مرارا و فعل به الشيخ مرارا،فقال:يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر،و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الاملاك تحرسها حتّى أدّيت إليّ كرامة من اللّه لي و الحجّة من بعدي (1).

[في]العلل عن ربيع بن عبد الرحمن:كان و اللّه موسى بن جعفر من المتوسّمين يعلم من يقف عليه بعد موته و يجحد الإمام بعده إمامته فكان يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فسمّي الكاظم لذلك (2).

[في]الكافي عن الرضا عليه السّلام قال:كان نقش خاتم أبي الحسن عليه السّلام:حسبي اللّه و فيه وردة و هلال في أعلاه (3).

و في بشائر المصطفى:كان يكنّى بأبي إبراهيم و أبي الحسن و أبي علي و يعرف بالعبد الصالح و الكاظم عليه السّلام (4).

و في المناقب:كنيته عليه السّلام أبو الحسن الأوّل و أبو الحسن الماضي و يعرف بالنفس الزكيّة و زين المجتهدين و الوفي و الصابر و الأمين و الزاهر سمّي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة (5).

و في الفصول المهمّة:صفته أسمر،نقش خاتمه:الملك للّه وحده (6).

و عن طاهر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:رأيته يلوم عبد اللّه ولده و يعظه و يقول له:ما يمنعك أن تكون مثل أخيك فو اللّه إنّي لأعرف النور في وجهه فقال عبد اللّه:و كيف8.

ص: 271


1- -الخرائج و الجرائح:286/1،و بحار الأنوار:42/25.
2- -علل الشرائع:235/1،و وسائل الشيعة:179/12.
3- -الكافي:473/6 ح 4،و وسائل الشيعة:443/4 ح 1.
4- -بحار الأنوار:11/48 ح 7.
5- -المناقب:437/3،و مستدرك سفينة البحار:319/10.
6- -بحار الأنوار:11/48.

أليس أبي و أبوه واحدا،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّه من نفسي و أنت ابني (1).

[في]بشائر المصطفى عن أبي السرّاج قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى و هو في المهد فجعل يساره طويلا.

فلمّا فرغ قال:ادن إلى مولاك فسلّم عليه فسلّمت عليه فردّ عليّ بلسان فصيح ثمّ قال لي:اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس فإنّه اسم يبغضه اللّه و كانت ولدت لي بنت فسمّيتها بالحميراء فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:انته إلى أمره ترشد فغيّرت اسمها (2).

و عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صاحب هذا الأمر يعني بعده عليه السّلام فقال:صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب،و أقبل أبو الحسن عليه السّلام و هو صغير و معه بهمة و يقول لها:اسجدي لربّك فأخذه أبو عبد اللّه عليه السّلام و ضمّه إلى صدره و قال:بأبي و امّي من لا يلهو و لا يلعب (3).

و عن الرضا عليه السّلام:أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام تكلّم يوما بين يدي أبيه عليه السّلام فأحسن فقال له:يا بني الحمد للّه الذي جعلك خلفا من الآباء و سرورا من الأبناء و عوضا عن الأصدقاء (4).

و عن عيسى شلقان قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب،فقال لي مبتدئا قبل أن أجلس قال:يا عيسى ما منعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسى:فذهبت إلى العبد الصالح و هو قاعد في الكتاب و على شفتيه أثر المداد فقال لي مبتدئا:يا عيسى إنّ اللّه أعار قوما الإيمان زمانا ثمّ سلبهم إيّاه و أنّ أبا الخطّاب ممّن اعير الإيمان ثمّ سلبه اللّه فقبّلت ما بين عينيه فقلت:بأبي أنت و امّي ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم،ثمّ رجعت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و حكيت له و علمت أنّه صاحب هذا الأمر بعد أبيه (5).1.

ص: 272


1- -الأمامة و التبصرة:37 ح 2،و الخرائج و الجرائح:896/2.
2- -شرح أصول الكافي:180/6 ح 11،و وسائل الشيعة:389/21 ح 3.
3- -الكافي:311/1 ح 15،و دلائل الأمامة:509.
4- -بحار الأنوار:24/48 ح 39،و مسند الإمام الرضا:154/1 ح 217.
5- -قرب الأسناد:335،و دلائل الأمامة:330 ح 31.
كتاب الوصية مع الخواتيم

[في]الكافي مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ الوصية نزلت من السماء على محمّد صلّى اللّه عليه و آله كتابا لم ينزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله كتابا مختوما إلاّ الوصية فقال جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد هذه وصيّتك في امّتك عند أهل بيتك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أي أهل بيتي يا جبرئيل؟

فقال:عليّ و ذريّتك من صلبه و كان عليها خواتيم ففتح عليّ عليه السّلام الخاتم الأوّل و مضى لما فيها ثمّ فتح الحسن عليه السّلام الخاتم الثاني و مضى لما أمر به فيها.

فلمّا توفي الحسن عليه السّلام فتح الحسين عليه السّلام الخاتم الثالث فوجد فيها:أن قاتل فتقتل و تقتل و يخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلاّ معك ففعل عليه السّلام.

فلمّا مضى دفعها إلى عليّ بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها:أن اصمت و اطرق لما حجب العلم.

فلمّا توفّي دفعها إلى محمّد بن عليّ عليه السّلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها:أن فسّر كتاب اللّه و صدّق أباك و ورّث ابنك و اصطنع آلامه و قم بحقّ اللّه عزّ و جلّ و قل الحقّ في الخوف و الأمن و لا تخش إلاّ اللّه،ففعل ثمّ دفعها إلى الذي يليه قال:قلت جعلت فداك فأنت هو؟قال:فقال ما بي إلاّ أن تذهب[يا معاذ] (1)فتروي علي،فقلت:أسأل اللّه الذي رزقك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات،قال:قد فعل اللّه ذلك،قلت:

و من هو جعلت فداك؟

قال:هو هذا الراقد فأشار بيده إلى العبد الصالح و هو راقد (2).

أقول: هذا الحديث المشتمل على هذه الوصية المتضمّنة للخواتيم و أنّ كلّ إمام مأمور بأمور خاصة يكشف عن سبب تعدّد حالاتهم عليهم السّلام في ارتكاب تعدّد الأعمال و أنّ كلّ إمام كان له عمل خاص من القيام بالجهاد أو القيام بنشر العلوم أو ملازمة العبادة و الصمت أو مخالطة خلفاء الجور و الدخول معهم.

ص: 273


1- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
2- -الكافي:279/1 ح 1،و بحار الأنوار:27/48 ح 46.
دعاء ردّ الضالّة

[في]دلائل الحميري عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنّا مع أبي الحسن عليه السّلام حين قدم به البصرة و كان خلفنا سفينة فيها امرأة تزفّ إلى زوجها فما لبثنا أن سمعنا صيحة قالوا؛ ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت فقال:احبسوا فحبسنا و حبس ملاّحهم فاتّكأ على السفينة و همس قليلا و قالوا قولوا لملاّحهم يتّزر و ينزل يتناول السوار فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض و إذا ماء قليل فنزل الملاّح فأخذ السوار و قال:

اعطها و قل لها فلتحمد اللّه ثمّ سرنا فقال له أخوه إسحاق جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علّمنيه قال:لا تعلّمه إلاّ من كان من شيعتنا ثمّ قال:اكتب يا سابق كلّ فوت يا سامعا لكلّ صوت قويّ أو خفيّ يا محيي النفوس بعد الموت لا يشغله دعوة داع من السماء يا من له عند كلّ شيء من خلقه سمع سامع و بصر نافذ يا من لا تغلطه كثرة المسائل و لا يبرمه إلحاح الملحّين،يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه و بقائه يا من سكن العلى و احتجب عن خلقه بنوره يا من أشرقت لنوره دجاء الظّلم أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك صلّ على محمّد و أهل بيته ثمّ اسأل حاجتك (1).

دعاء لبس الثوب الجديد

و عن خالد قال:خرجت و أنا أريد أبا الحسن عليه السّلام فدخلت عليه في عرصة داره و قد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت إليّ و قال:

ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه و يقول:الحمد للّه الذي كساني ما اواري به عورتي و أتجمّل به بين الناس،و إذا أعجبه شيء فلا يكثر ذكره فإنّ ذلك ممّا يهده، و إذا كانت لأحدكم إلى أخيه حاجة و وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره إلاّ بخير فإنّ اللّه يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته.

أقول: كثرة ذكر ما يعجبه و يحبّه يؤذن برفع قدره في نظره حتّى أنّه يوافق قلبه و لسانه

ص: 274


1- -بحار الأنوار:30/48،و كشف القمة:32/3.

على تعظيمه (1).

و في الحديث:ما رفعتم من شيء إلاّ وضعه اللّه،و لهذا تسرع العين إلى التأثير في الأعيان المستحسنة لعظم وقعها في تلك العيون فيحقرها اللّه سبحانه إمّا بالتلف أو النقصان بعيب و نحوه ليعلم أنّ الكمال على الإطلاق و الحسن الذي لا نقص فيه ليس هو إلاّ ذاته تعالى،و لو تصفّحت الامور الكائنة في الدّنيا لوجدت التلف و النقصان إنّما يعرض غالبا للامور التي لها وقع في الأنظار فلو كان عندك من الأولاد سبعة مثلا لا يموت غالبا و لا يعرض له العيب من الجدري مثلا إلاّ من كان القلب إليه أميل و لو كان لك ألف كتاب ترى الأرضة لا تأكل إلاّ من تعبت في تصحيحه و حواشيه و لو كان لك أربع نساء لما أسرع التلف غالبا إلاّ إلى صغيرتهنّ محبوبة القلب و كذلك احمل على هذا جميع محبوبات الناس فلا تهوى شيئا إلاّ هو سبحانه و من أمر بحبّه و الميل إليه و هذا مجمل فصّلناه في كتاب مقامات النجاة،و أمّا الحاجة التي لا يقضيها لك أخوك المؤمن فليس السبب غالبا إلاّ منافرة القلوب و تباعد الهوى فإذا ميّلته إلى قلبك بذكر الخير و تعوّدت ذلك على لسانك مال إليه قلبك،لأنّ الجوارح و إن كانت من توابع القلب و جنوده إلاّ أنّها إذا تعوّدت فعل شيء يميل القلب إليه تدريجيا فيحصل ذلك الأثر في قلب أخيك المؤمن فيحبّك كما تحبّه فيبادر إلى قضاء حاجتك.

و كان بعض الأعاظم من الأفاضل يقول لولده:احمل نفسك على التسبّب إلى وقوع محبّة الأكابر في قلبك حتّى يحبّوك و ذلك أنّ من الامور الثابتة بالبرهان و الشرع و العادة و الطباع أنّه لا يكون العشق من جانب واحد و لابدّ من ميل المعشوق إلى العاشق و ان تفاوت زيادة و نقصانا و كتمانا و إسرارا.

[في]اعلام الورى عن محمّد بن الفضل قال:اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء:هو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع؟فكتب علي ابن يقطين إلى الكاظم عليه السّلام:أنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه فكتب إليه عليه السّلام:الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تمسح رأسك2.

ص: 275


1- -بحار الأنوار:31/48،و مستدرك سفينة البحار:460/2.

كلّه و تمسح ظاهر اذنيك و باطنها و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك إلى غيره.

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم فيه ممّا أجمع العصابة على خلافه ثمّ قال:مولاي اعلم بما قال و أنا ممتثل أمره و كان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و يخالف الشيعة امتثالا لأمره عليه السّلام و سعى بعليّ بن يقطين إلى الرشيد.

و قيل:إنّه رافضي مخالف لك،فقال الرشيد:لقد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين و ميله إلى الرفض و لست ترى في خدمته تقصيرا و أحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر،فقيل له:إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فامتحنه من حيث لا يعلم فقال:

أجل ثمّ تركه مدّة و ناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة و كان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته.

فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حايط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين و هو لا يراه فتوضّأ كما أمره أبو الحسن عليه السّلام و الرشيد ينظر إليه.

فلمّا رآه و قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه:كذب يا عليّ بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة و صلحت حاله عنده ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:ابتدأ من الآن يا عليّ بن يقطين فتوضّأ كما أمر اللّه و اغسل وجهك مرّة فريضة و اخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوءك فقد زال ما كان يخالف عليك و السلام (1).

المرأة التي صار وجهها قفاها

[في]العيّاشي عن سليمان بن عبد اللّه قال:كنت عند الكاظم عليه السّلام فإذا بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمنى في جنبها و يده اليسرى في خلف ذلك ثمّ عصر وجهها ثمّ قال:إنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم فرجع وجهها فقال:احذري أن تفعلين كما فعلت،قالوا:يا ابن رسول اللّه و ما فعلت؟

فقال:ذلك مستور إلاّ أن تتكلّم به فسألوها فقالت:كانت لي ضرّة فقمت اصلّي

ص: 276


1- -أعلام الورى:21/2،و بحار الأنوار:38/48 ح 14.

فظننت أنّ زوجي معها فالتفت إليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها فرجع وجهها على ما كان (1).

حكاية الطالقاني

و فيه أيضا عن خالد السمّان أنّه دعى الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني و قال له:أنت الذي يقول:إنّ السحاب حملتك من بلاد الصين إلى طالقان؟

قال:نعم،قال:فحدّثنا كيف كان،قال:كسر مركبي في لجّة البحر فبقيت ثلاثة أيّام على لوح تضربني الأمواج فألقتني إلى البرّ فإذا أنا بأنهار و أشجار فنمت تحت ظلّ شجرة فسمعت صوتا هائلا فانتبهت فإذا بدابّتين يقتتلان على هيئة الفرس.

فلمّا بصرا بي دخلا في البحر ثمّ رأيت طائرا عظيم الخلق فوقع في كهف جبل فدنوت منه لأتأمّله فطار فجعلت أقفوا أثره.

فلمّا قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تلاوة قرآن فناداني مناد من الكهف ادخل يا عليّ بن صالح الطالقاني رحمك اللّه فدخلت و سلّمت فإذا رجل فقال لي:

يا علي أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لولا أنّ اللّه رحمك في هذا اليوم فأنجاك و سقاك و لقد علمت الساعة التي ركبت فيها و كم أقمت في البحر و حين كسر بك المركب و كم لبثت تضربك الأمواج و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك و الساعة التي نجوت فيها و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين و اتّباعك للطائر الذي رأيته واقعا.

فلمّا رآك صعد طائرا إلى السماء،فهلم فاقعد فقلت:سألتك باللّه من علّمك بحالي؟ قال:عالم الغيب و الشهادة،ثمّ قال:أنت جائع،فتكلّم بكلام فإذا بمائدة عليها منديل فكشفه و قال:هلم إلى ما رزقك اللّه فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ثمّ سقاني ماء ما رأيت ألذّ منه و لا أعذب ثمّ صلّى ركعتين و قال:يا عليّ أتحبّ الرجوع إلى بلدك؟

فقلت:و من لي بذلك،فقال:و كرامة بأوليائنا أن نفعل بهم ذلك ثمّ دعا بدعوات و رفع يده إلى السماء و قال:الساعة الساعة فإذا سحاب قد أظلّت باب الكهف قطعا قطعا

ص: 277


1- -تفسير العياشي:205/2،و بحار الأنوار:56/6 ح 3.

و كلّما وافت سحابة قالت:سلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته فيقول:و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته أيّتها السحابة المطيعة ثمّ يقول لها:أين تريدين؟فتقول:أرض كذا فيقول:

لرحمة أو سخط؟فتقول:لرحمة أو سخط،فتمضي حتّى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت:السلام عليك يا وليّ اللّه و حجّته قال:و عليك السلام أين تريدين؟

قالت:أرض طالقان فقال:لرحمة أو سخط؟

قالت:لرحمة،فقال لها:احملي ما حملت مودعا في اللّه فقالت:سمعا و طاعة قال لها:فاستقرّي بإذن اللّه على وجه الأرض فاستقرّت فأخذ بعضدي فأجلسني عليها فعند ذلك قلت له:سألتك باللّه العظيم و بحقّ محمّد خاتم النبيّين و عليّ سيّد الوصيّين و الأئمّة الطاهرين من أنت؟

فقال:ويحك يا عليّ بن صالح إنّ اللّه لا يخلي أرضه من حجّة طرفة عين إمّا باطن و إمّا ظاهر و أنا حجّة اللّه الظاهرة و حجّته الباطنة أنا المؤدّي الناطق عن الرسول في وقتي هذا أنا موسى بن جعفر فذكرت إمامته و إمامة آبائه و أمر السحاب بالطيران فطارت،فو اللّه ما وجدت ألما و لا فزعت فما كان بأسرع من طرفة عين حتّى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية فقتله الرشيد و قال:لا يسمع بهذا أحد.

ص: 278

الصورة التي أكلت الساحر

[في]الأمالي و عيون الأخبار مسندا إلى عليّ بن يقطين قال:استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام و يقطعه و يخجله في المجلس فانتدب له رجل مغرم.

فلمّا حضرت المائدة عمل ناموسا أي صورة على الخبز فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السّلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه و ضحك هارون و فرح فلم يلبث أبو الحسن عليه السّلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض التكايا فقال:يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه قال:فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المغرم فخرّ هارون و ندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فلمّا أفاقوا بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه السّلام:أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل فقال:إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل فكان ذلك أعمل الأشياء في أفاته نفسه (1).

و عن أبي بصير عن الكاظم عليه السّلام:أنّ من علامات الإمام أن يكلّم الناس بكلّ لسان،فما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية فقال له الخراساني:أصلحك اللّه ما منعني أن أكلّمك بكلامي إلاّ انّي ظننت أنّه لا تحسن فقال:سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك (2).

[في]البصائر عن بعض أصحابنا قال:دخلت على أبي الحسن الماضي عليه السّلام و هو محموم و وجهه إلى الحائط فتناول بعض أهل بيته يذكره فقلت في نفسي:هذا خير خلق اللّه في زمانه يوصينا بالبرّ و يقول في رجل من أهل بيته هذا القول،قال:فحوّل وجهه فقال:إنّ

ص: 279


1- -أمالي الطوسي:212،و مدينة المعاجز:316/6 ح 97.
2- -الكافي:285/1 ح 7،و شرح أصول الكافي:106/6 ح 7.

الذي سمعت من البراني إذا قلت هذا لم يصدقوا قوله و إن لم أقل هذا صدّقوا قوله عليّ (1).

و فيه أيضا عن محمّد الرافعي قال:كان لي ابن عمّ يقال له الحسن بن عبد اللّه و كان من أعبد أهل زمانه و دخل أبو الحسن عليه السّلام يوما المسجد فرآه فأدنى إليه و قال:ما أسرّني بك إلاّ أنّك ليست لك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة فلم يزل يترصّد أبا الحسن عليه السّلام حتّى خرج إلى ضيعة له فتبعه و لحقه في الطريق إلى أن قال:فمن الإمام اليوم؟

قال:أنا هو،قال:فشيء أستدلّ به؟

قال:اذهب إلى تلك الشجرة و أشار إلى امّ غيلان فقال:يقول لك موسى بن جعفر اقبلي،قال:فرأيتها و اللّه تجبّ الأرض جبوبا حتّى وقفت بين يديه ثمّ أشار إليها فرجعت فأقربه ثمّ لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك و كان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة و ترى له ثمّ انقطعت عنه الرؤيا فرأى ليلة أبا عبد اللّه عليه السّلام فيما يرى النائم فشكى إليه انقطاع الرؤيا فقال:لا تغتمّ فإنّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفعت عنه الرؤيا.انتهى ملخّصا (2).

أقول: في هذا إشارة إلى أنّ أعمال غير المؤمن يجازي صاحبها عليها في دار الدّنيا و من جملة جزاء أعمال ذلك الرجل أنّه كان يرى الرؤيا الحسنة و تارة يراها غيره له و يحكيها له و للناس فيرتفع اعتبارا في الأنظار و لمّا منّ اللّه عليه بالإيمان كان جزاء أعماله ذخيرة له يوم القيامة،و من هنا يظهر أنّ الطاعات و العبادات الواقعة على غير القانون المستحسن شرعا كأن لا يكون مؤمنا أو يوقعه بقصد نيّة فاسدة لا يمنع أن يثاب عليه في الدنيا و أن يجري اللّه سبحانه له ما يوجب له رفعة و شأنا في الدنيا،و من تصفّح أحوال كفّار الهند في عباداتهم و الثواب عليها يتّضح له هذا المعنى.5.

ص: 280


1- -بصائر الدرجات:258،و بحار الأنوار:50/48 ح 43.
2- -الصراط المستقيم:193/2 ح 23،و بصائر الدرجات:275.
البقرة التي أحياها الكاظم عليه السلام

[في]البصائر عن علي بن المغيرة قال:مرّ العبد الصالح عليه السّلام بامرأة بمنى و هي تبكي و صبيانها حولها يبكون و قد ماتت بقرة لها فقال:ما يبكيك يا أمة اللّه؟

قالت:يا عبد اللّه إنّ لي صبيانا أيتاما فكانت لي بقرة معيشتي و معيشة صبياني كان منها و قد ماتت فقال:يا أمة اللّه هل لك أن أحييها؟

قالت:نعم،فصلّى ركعتين و حرّك شفتيه ثمّ ضرب البقرة برجله فقامت فصاحت المرأة:عيسى ابن مريم و ربّ الكعبة فخالط الناس و مضى بينهم (1).

كلام الحمام

و فيه أيضا قال:دخل رجل على أبي الحسن عليه السّلام فقال:جعلت فداك أحبّ أن تتغدّى عندي فمضى معه و جلس على سرير في البيت و تحت السرير زوج حمام فهدر الذكر على الانثى فضحك عليه السّلام و قال:إنّ الذكر يقول لها:يا سكني و عرسي و اللّه ما على وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد على السرير،قلت:جعلت فداك تفهم كلام الطير؟

قال:نعم علمنا منطق الطير و اوتينا من كلّ شيء (2).

كلام الفرس

و عن هارون بن موفّق مولى أبي الحسن عليه السّلام قال:كنّا معه عليه السّلام في متنزّه على جدول ماء فحمحم فرسه عليه السّلام فضحك عليه السّلام و نطق بالفارسية فأخذ بغرفها و قال:اذهبي فمرّ يتخطّا الجداول و الزرع إلى براح يعني أرضا خالية حتّى بال و رجع فقال:إنّه لم يعط داود و آل داود

ص: 281


1- -بصائر الدرجات:292 و الدعوات:69 ح 167،و الكافي:484.
2- -دلائل الأمامة:283 ح 65،و البصائر:362.

شيئا إلاّ و قد أعطي محمّد و آل محمّد أكثر منه (1).

كلام الأسد

[في]الخرائج و بشائر المصطفى قال:خرج موسى بن جعفر عليه السّلام في بعض الأيّام إلى ضيعة له فصحبته و كان على بغلة و أنا راكب على حمار.

فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فخفت و قدم أبو الحسن عليه السّلام فرأيت الأسد يتذلّل له ويهمهم و وضع يده على كفل بغلته ثمّ حرّك عليه السّلام شفتيه بدعاء لم أفهمه ثمّ أومى إلى الأسد أن امض فهمهم الأسد طويلا و أبو الحسن يقول:آمين آمين،فقلت:

جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته عليك؟

قال:إنّه جاء يشكو عسر الولادة على لبوته و سألني أن أدعوا اللّه ليفرّج عنها ففعلت ذلك و ألقي في روعي أنّها ولدت له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي:امض في حفظ اللّه فلا سلّط اللّه عليك و لا على ذرّيتك و لا على أحد من شيعتك شيئا من السباع،فقلت:آمين (2).

حكاية علي بن يقطين مع الرشيد

و في الخرائج أيضا عن ابن يقطين قال:كنت واقفا عند الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم و كان فيها دراعة ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها فرآني أنظر إليها فوهبها لي و بعثتها إلى أبي الحسن و مضت لها تسعة أشهر و انصرفت يوما من عند هارون.

فلمّا دخلت داري جاءني خادمي بمنديل و كتاب لطيف ختمه رطب ففضضت الكتاب فإذا هو كتاب مولاي أبي الحسن عليه السّلام و فيه:يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدّراعة و قد بعثتها إليك فرأيتها و عرفتها و دخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال:أجب أمير المؤمنين،فركبت و دخلت عليه و عنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه فقال:ما فعلت الدّراعة الرومية التي وهبتك؟

فقلت:ألبسها في أوقات و اصلّي فيها ركعات و قد كنت دعوت بها عند منصرفي من

ص: 282


1- -المناقب:447/3،و بحار الأنوار:57/49 ح 72.
2- -الخرائج و الجرائح:649/2،و الإرشاد:229/2.

دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها فنظر إلى عمر بن بزيع فقال:قل له يحضرها،فأرسلت خادمي جاء بها.

فلمّا رآها قال:يا عمر ما ينبغي أن تنقل على عليّ بعد هذا شيئا،قال:فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدّراعة إلى داري و كان الساعي ابن عمّ لي فسوّد اللّه وجهه.

و في حديث آخر أنّ أبا الحسن عليه السّلام طلب منه الدراعة بعد ذلك فأرسلها إليه مع الدراهم (1).

و فيه أيضا عن عليّ بن أبي حمزة قال:بعثني أبو الحسن عليه السّلام في حاجة فجئت و إذا معتب على الباب فقلت:اعلم مولاي بمكاني فدخل معتب و مرّت بي امرأة فقلت:لولا أنّ معتب دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتّبعت هذه المرأة فتمتعت بها فخرج معتب و قال:

ادخل فدخلت عليه و هو على مصلاّه فأخرج من تحته صرّة فناولنيها و قال:الحق المرأة فإنّها على دكّان العلاّف تقول:يا عبد اللّه قد حبستني فذهبت إليها و تمتّعت بها (2).1.

ص: 283


1- -الخرائج و الجرائح:656/2.
2- -الخرائج و الجرائح:319/1،و بحار الأنوار:6248 ح 81.
إحياء الحمار

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:أخذ بيدي موسى بن جعفر عليه السّلام يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فإذا نحن برجل يبكي و بين يديه حمار ميّت و رحله مطروح فقال عليه السّلام:ما شأنك؟

قال:كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا و بقيت متحيّرا،فقال:لعلّه لم يمت،قال:أما ترحمني حتّى تلهو بي قال:إنّ عندي رقية جيّدة قال:تستهزء بي فدنا من الحمار و نطق بشيء لم أسمعه و أخذ قضيبا فضربه فوثب الحمار صحيحا سليما فقال:يا مغربي ترى هنا شيئا من الاستهزاء و الحق بأصحابك،قال علي بن أبي حمزة:فكنت واقفا على بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك فأقبل إليّ و قبّل يديّ فرحا مسرورا فقلت له:ما حال حمارك؟

فقال:هو و اللّه صحيح و ما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ اللّه عليّ به فأحيا حماري بعد موته؟

فقلت له:قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته (1).

[في]كتاب المناقب عن شقيق البلخي قال:خرجت حاجّا سنة تسع و أربعين و مائة فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم و كثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان و قد جلس منفردا،فقلت في نفسي:هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم لأمضينّ إليه و لأوبّخنّه.

فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم و مضى، فقلت في نفسي:إنّ هذا لأمر عظيم تكلّم بما في نفسي و نطق باسمي و ما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنّه و لأسألنّه أن يحللني فأسرعت في اثره فغاب عن عيني.

ص: 284


1- -الخرائج و الجرائح:314/1،و بحار الأنوار:71/48 ح 95.

فلمّا نزلنا واقصة فإذا به يصلّي و دموعه تجري فقلت:هذا صاحبي أمضي أستحلّه.

فلمّا رآني مقبلا قال:يا شقيق اتل وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (1)و مضى.

فقلت:إنّ هذا لمن الأبدال لقد تكلّم على سرّي مرّتين.

فلمّا نزلنا زبالة إذا بالفتى قائم على البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة في البئر فرمق السماء و قال:أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء و قوتي إذا أردت الطعام، اللّهم سيّدي مالي غيرها فرأيت ماء البئر ارتفع حتّى مدّ يده و أخذ الركوة و ملأها فتوضّأ و صلّى أربع ركعات ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يطرح من الرمل في الركوة و يشرب فسلّمت عليه و قلت:اطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك فقال:يا شقيق لم تزل نعم اللّه علينا ظاهرة و باطنة فأحسن ظنّك بربّك ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هي سويق و سكّر فما شربت ألذّ منه و أقمت أيّاما لا أشتهي طعاما و لا شرابا ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته إلى جنب قبّة الشراب قائما يصلّي بخشوع و أنين و بكاء فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل.

فلمّا صلّى الغداة و إذا له موال و غواش و هو على خلاف ما رأيته في الطريق و دار به الناس يسلّمون عليه فقلت لرجل:من هذا الفتى؟

قال:هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فقلت:قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد و نظمه بعضهم في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال شعر:

غسل شقيق البلخي عنه و ما *** عاين منه و ما الذي كان أبصر

قال:لمّا حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم أسمر سائرا وحده و ليس له زاد فما زلت دائما أتفكّر و توهّمت أنّه يسأل الناس و لم أدر أنّه الحجّ الأكبر،ثمّ عاينته و نحن نزول دون قيد على الكثيب الأحمر يضع الرمل في الإناء و يشربه فناديته و عقلي متحيّر اسقني شربة فناولني منه فعاينته سويقا و سكّر فسألت الحجيج من يك هذا؟ قيل:هذا الإمام موسى بن جعفر (2).2.

ص: 285


1- -سورة طه:82.
2- -المناقب:275،و بحار الأنوار:80/48 ح 102.

[في]كشف الغمّة قال:لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة،و هي أنّ من عظماء الخلفاء من كان له نايب في ممالكه و كان ذا سطوة و جبروت فلمّا مات دفنه الخليفة قرب ضريح الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام و كان بالمشهد المقدّس نقيب معروف بالصلاح فذكر النقيب أنّه بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أنّ القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و رائحة خبيثة ملأت المشهد و أنّ الإمام موسى عليه السّلام واقف فصاح بالنقيب و قال:قل لهذا الخليفة لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم فاستيقظ النقيب و هو يرعد خوفا فكتب ورقة فيها صورة الواقعة إلى الخليفة فلمّا جنّ الليل جاء الخليفة إلى المشهد بنفسه و دخل الضريح مع النقيب و أمر بكشف ذلك القبر و نقل المدفون إلى موضع آخر فلمّا كشفوه و جدوا به رماد الحريق و لم يجدوا للميّت أثرا (1).3.

ص: 286


1- -كشف القمة:6/3،و بحار الأنوار:83/48 ح 103.
مكان المخالفين

-عيون المعجزات عن داود الرّقي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عن أعداء أمير المؤمنين و أهل بيت النبوّة عليهم السّلام فقال:الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟

فقال لأبي الحسن عليه السّلام:ايتني بالقضيب فأحضره فقال:يا موسى اضرب به الأرض و أرهم أعداء أمير المؤمنين فضرب به الأرض فانشقّت عن بحر أسود ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء فضرب الصخرة فانفتح منها باب فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم و وجوههم مسودّة و أعينهم زرق كلّ واحد مصفّد مشدود في جانب من الصخرة و هم ينادون يا محمّد و الزبانية تضرب وجوههم و تقول لهم:كذبتم ليس محمّد لكم و لا أنتم له فقلت:جعلت فداك من هؤلاء؟

فقال:الجبت و الطاغوت و الرجس و اللعين ابن اللعين و لم يزل يعدّدهم حتّى أتى على أصحاب السقيفة و أصحاب الفتنة و بني الأزرق و الأوزاع و بني اميّة جدّد اللّه عليهم العذاب بكرة و أصيلا،ثمّ قال عليه السّلام للصخرة:انطبقي عليهم إلى يوم الوقت المعلوم.

أقول: يجوز أن تكون هذه الصخرة مكانا لبعض الأعداء و المخالفين لما ورد من أنّ مكانهم برهوت واد في حضرموت و يجوز أن تكون هذه الصخرة من صخر ذلك الوادي نقلت إلى ذلك البحر وقت الرّوية و ضرب الأرض و يجوز أن يكون ملائكة العذاب يحوّلونهم و ينقلونهم إلى الأمكنة المختلفة و لهم في كلّ مكان نوع من أنواع العذاب،و أمّا أصحاب الفتنة فهم طلحة و الزبير و فلانة و أتباعهم و بنو الأزرق معاوية و أصحابه و الأوزاع الجماعات المختلفة (1).

ص: 287


1- -عيون المعجزات:86،و بحار الأنوار:629/31 ح 129.
حجتّه عليه السلام لعليّ بن يقطين

و من ذلك الكتاب أنّ إبراهيم الجمّال استأذن على عليّ بن يقطين فحجبه فحجّ عليّ ابن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه السّلام فحجبه فرآه ثاني يومه و قال:يا سيّدي ما ذنبي؟قال:حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال و قد أبى اللّه أن يشكر سعيك حتّى يغفر لك إبراهيم الجمّال.

فقلت:سيّدي و مولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت و أنا بالمدينة و هو بالكوفة؟

فقال:إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك و اركب نجيبا هناك مسرّجا فوافى البقيع و ركب النجيب و لم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة فقرع الباب و قال:أنا عليّ بن يقطين فقال إبراهيم:و ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟

فقال عليّ بن يقطين:أمري عظيم و أقسم عليه أن يأذن له فلمّا دخل قال لإبراهيم:

إنّ المولى عليه السّلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي فقال:يغفر اللّه لك.فآلى عليّ بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم فآلى عليه ثانيا ففعل،فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه و علي بن يقطين يقول:اللّهم اشهد،ثمّ انصرف و ركب النجيب و أناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السّلام بالمدينة فأذن له و دخل عليه فقبّله (1).

و في مشارق الأنوار عن صفوان بن مهران قال:أمرني سيّدي أبو عبد اللّه عليه السّلام يوما أن أقدّم ناقته إلى باب الدار فجئت بها فخرج أبو الحسن موسى عليه السّلام مسرعا و هو ابن ستّ سنين فاستوى على ظهر الناقة و أثارها،و غاب عن بصري فقلت:إنّا للّه و انّا إليه راجعون و ما أقول لمولاي إذا خرج يريد الناقة فلمّا مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنّها شهاب و هي ترفض عرقا فنزل عنها و دخل الدار فخرج الخادم و قال:أعد الناقة مكانها و أجب مولاك ففعلت ما أمرني فدخلت عليه فقال:يا صفوان إنّما أمرتك بإحضار الناقة

ص: 288


1- -عيون المعجزات:90،و بحار الأنوار:85/48 ح 105.

ليركبها مولاك أبو الحسن،فقلت في نفسك:كذا و كذا،فهل علمت يا صفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين و جاوزه أضعافا مضاعفة و أبلغ كلّ مؤمن و مؤمنة سلامي (1).

و عن إبراهيم بن عبد الحميد قال:دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام بيته الذي كان يصلّي فيه،فإذا ليس في البيت شيء إلاّ خصفة يعني بورية و سيف معلّق و مصحف و اعتمر أربع عمر بعياله و كان يمشي فيها من المدينة إلى مكّة و كان يتفقّد فقراء المدينة ليلا فيحمل إليهم الزبيل فيه العين و الورق و الادقة و التمور فيوصل إليهم ذلك و لا يعلمون من أيّ جهة هو (2).

[في]اعلام الورى:أنّ رجلا من أولاد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي الكاظم عليه السّلام و يسبّه إذا رآه و يشتم عليا،فقال له بعض حاشيته يوما:دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك و سئل عن العمري،فذكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب إليه فوجده في مزرعته فجلس عنده و باسطه و ضاحكه قال:كم تصيب بزرعك هذا؟قال:أقدر مائة دينار فأخرج عليه السّلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار و قال:هذا زرعك هذا على حاله و اللّه يرزقك فيه ما ترجو،فقام العمري فقبّل رأسه و سأله أن يصفح عن فارطه،فراح إلى المسجد فوجد العمري فلمّا نظر إليه قال: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (3)فوثب إليه أصحابه و قالوا:ما قصّتك كنت تقول غير هذا؟

فقال لهم:قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السّلام فخاصموه و خاصمهم،فلمّا رجع أبو الحسن عليه السّلام إلى داره،قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري أيما كان خيرا ما أردتم أم ما أردت إنّي أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم و كفيت به شرّه و كان يصل بالمأتي دينار إلى الثلاثمائة و كان صرار موسى عليه السّلام مثلا.

و لمّا حجّ الرشيد تقدّم إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا ابن عمّ مفتخرا بذلك على غيره،فتقدّم أبو الحسن عليه السّلام فقال:السلام عليك4.

ص: 289


1- -مدينة المعاجز:381/6،و بحار الأنوار:99/48.
2- -بحار الأنوار:102/48 ح 5،و مستدرك سفينة البحار:186/3.
3- -سورة الأنعام:124.

يا رسول اللّه،السلام عليك يا أبت،فخجل الرشيد.

و يقال:إنّ هذا كان ممّا أعان على قتله (1).

و كان عليه السّلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير.

[في]المناقب عن هشام بن الحكم،قال موسى بن جعفر عليه السّلام لأبرهة النصراني:كيف علمك بكتابك؟قال:أنا عالم به و بتأويله،فابتدأ موسى عليه السّلام يقرأ الإنجيل،فقال ابرهة:

و المسيح لقد كان يقرأها هكذا و ما قرأ هكذا إلاّ المسيح و أنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة فأسلم على يديه (2).

و روى أنّه حجّ المهدي العبّاسي فلمّا صار في قصر العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بلغوا قريبا من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم فأعطى عليّ بن يقطين الرجلين عطاء كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطآ ثمّ خرجا مرعوبين قد ذهب ألوانهما فسألهما عن الخبر فقالا:رأينا آثارا و أثاثا و رجالا و نساء فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء فصار المهدي يسأل عن ذلك،فقال موسى بن جعفر عليه السّلام:هؤلاء أصحاب الأحقاف غضب اللّه عليهم فساحت بهم ديارهم و أموالهم.

و سأله أبو حنيفة و هو صغير السنّ،فقال:ممّن المعصية؟

فقال:إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعا،فإن كانت من اللّه تعالى فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولى بإنصاف عبده الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجّه النهي و له حقّ الثواب و العقاب و وجبت الجنّة و النار،فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الآية (3).

أقول: ردّ عليه السّلام بهذا القول الحقّ على أبي حنيفة و أصحابه،فإنّ الجمهور أطبقوا على أنّ أفعال العباد كلّها من اللّه و هم مجبورون على فعلها و مع ذلك يستحقّون العذاب عليها و نفوا الحسن و القبح العقليّين و لمّا رأوا شناعة هذا المذهب التجأوا إلى القول بالكسب8.

ص: 290


1- -أعلام الورى:26/2،و بحار الأنوار:103/48.
2- -المناقب:426/3،و الكافي:227/1.
3- -المناقب:426/3،و بحار الأنوار:105/48.

الذي حكوه عن أبي موسى الأشعري و هو معنى لا يعقل له معنى عندهم كما قاله المفيد طيّب اللّه ثراه و لا يخرج عن حدّ الجبر و لذا قالوا:إنّ فرار الأشعري من الجبر إلى الكسب مثل من فرّ من المطر إلى الميزاب و من الدّخان إلى النار،لأنّه قول بالجبر مع زيادة معنى لا يعقل و لا يفهمه حتّى القائل به.

[عن]الخطيب في تاريخ بغداد و غيره قال:كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السّلام لما روى عنه قال:حدّثني موسى بن جعفر قال:حدّثني أبي جعفر بن محمّد و هكذا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله ثمّ قال أحمد:و هذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق.

و لقيه أبو نؤاس يوما فقال شعر:

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ ركبا يمّموك لقادهم *** نسمّيك حتّى يستدلّ بك الركب

جعلتك حسبي في اموري كلّها *** و ما خاب من أضحى و أنت له حسب (1)8.

ص: 291


1- -مناقب آل أبي طالب:432/3،و بحار الأنوار:107/48 ح 8.
أحوال الكاظم عليه السلام في الحبس

و عن أحمد بن عبد اللّه عن أبيه قال:دخلت على الفضل بن الربيع و هو جالس على سطح،فقال لي:اشرف على هذا البيت و انظر ما ترى،فقلت:ثوبا مطروحا فقال:انظر حسنا،فتأمّلت فقلت:رجل ساجد فقال:هو موسى بن جعفر أتفقّده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة إنّه يصلّي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس و قد و كلّ من يترصّد أوقات الصلوات فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء و هو دأبه،فإذا صلّى العتمة أفطر ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر.

و قال بعض عيونه:كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه:اللّهم إنّك تعلم أنّني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك اللّهم و قد فعلت،فلك الحمد.و هذا كلّه كان و هو في المحبس لأنّه حبس أوّلا عند الفضل بن الربيع (1).

[في]المناقب:حكى أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل إليه،فقال عليه السّلام:إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلم أجد لهذا العيد خبرا و أنّه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ اللّه أن تحيي ما محاه الإسلام فقال المنصور:إنّما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست فجلس و دخلت عليه الملوك و الامراء و الجند يهنّونه و يحملون إليه الهدايا و التحف و على رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل إليه،فدخل في آخر الناس شيخ كبير السنّ فقال:يابن بنت رسول اللّه إنّي رجل لا مال لي أتحفك،و لكن أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه السّلام شعر:

عجبت لمصقول علاك فريدة *** يوم الهياج و قد علاك غبار

و لا سهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدّك و الدموع غزار

ص: 292


1- -عيون أخبار الرضا:98/2،و المناقب:433/3.

الاّ تفضضت السهام و عاقها *** عن جسمك الإجلال و الإكبار

قال:قبلت هديتك اجلس بارك اللّه فيك،و قال للخادم:امض إلى أمير المؤمنين و عرّفه بهذا المال و ما يصنع به،فمضى الخادم و عاد و هو يقول كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد،فقال موسى عليه السّلام للشيخ:اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك (1).

أقول: قوله عليه السّلام:لم أجد لهذا العيد خبرا محمول على التقية،لأنّ العامة أنكروه و جحدوا ما ورد في فضله من الأخبار،و ستأتي الأحاديث الواردة في فضائل ما ورد فيه إن شاء اللّه تعالى.

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال:دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي فأجلسني أبي بين يديه و قال:يا بني اكتب:تنح عن القبيح و لا ترده،ثمّ قال:اجزه-يعني أتمّه- فقلت:و من أوليته حسنا فزده ثمّ قال:ستلقى من عدوّك كلّ كيد فقلت:إذا كان العدوّ فلا تكده فقال: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2).

[في]الكافي عن بعض أصحابنا قال:أولم أبو الحسن عليه السّلام على بعض ولده فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيّام الفالوذجات في الجفان في المساجد و الأزقّة،الحديث (3).

و عن موسى بن بكر قال:كان أبو الحسن الأوّل عليه السّلام كثيرا ما يأكل السكّر عند النوم.

و كان عليه السّلام إذا أراد دخول الحمّام أمر أن يوقد عليه ثلاثا فكان لا يمكنه دخوله حتّى يدخله السودان فيلقون له السود،فإذا دخله فمرّة قاعد و مرّة قائم فخرج يوما من الحمّام فاستقبله رجل من آل الزبير و بيده أثر حنّاء،فقال:ما هذا الأثر بيدك؟

فقال:أثر حنّاء ويلك حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من دخل الحمّام فأطلى ثمّ اتبعه بالحنّاء من قرنه إلى قدمه كان أمانا له من الجنون و الجذام و البرص و الأكلة إلى مثله من النورة (4).

[في]الكافي عن عاصم عن أبيه قال:دخلت على أبي إبراهيم عليه السّلام و في يده مشط1.

ص: 293


1- -المناقب:219/3،و مستدرك الوسائل:386/10.
2- -المناقب:434/3،و بحار الأنوار:109/48 ح 10.
3- -الكافي:271/6 ح 1،و بحار الأنوار:110/48 ح 12.
4- -وسائل الشيعة:73/2 ح 1،و الكافي:509/6 ح 1.

عاج يتمشّط به،فقلت له:جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج قال:و لم،قد كان لأبي مشط أو مشطان،فقال:تمشّطوا بالعاج فإنّ العاج يذهب بالوباء (1).1.

ص: 294


1- -الكافي:488/6 ح 3،و وسائل الشيعة:123/2 ح 1.
فيه كيفيّة البخور

و عن أحمد مولاه قال:كنّ نساء أبي الحسن إذا تخبرن أخذن نواة من نوى الصيحاني ممسوحة من التمر و القشارة فألقينها على النار قبل البخور،فإذا دخّنت النواة أدنى دخّان رمين النواة و تبخرن من بعد و كن يقلن:هو أعبق و أطيب للبخور و كن يأمرن بذلك.

أنواع طعام الأئمّة عليهم السلام

و عن العاصمي أيضا قال:حججت مع جماعة من أصحابي فأتيت المدينة فاستقبلنا أبو الحسن عليه السّلام على حمار أخضر يتبعه طعام و نزلنا بين النخل و أتى بالطشت و الماء فبدأ بغسل يديه و أدير عن يمينه حتّى بلغ آخرنا،ثمّ اعيد على يساره حتّى أتى إلى آخرنا ثمّ قدّم الملح فبدأ بالملح ثمّ قال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،ثمّ ثنّى بالخلّ ثمّ أتى بكتف مشوي فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ أتي بالخل و الزيت فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها السّلام ثمّ أتي بسكباج فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه السّلام،ثمّ اتي بلحم مقلي فيه باذنجان فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسن عليه السّلام،ثمّ اتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسين عليه السّلام،ثمّ اتي بجبن مبرز فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب على بن الحسين عليه السّلام،ثمّ أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام كان يعجب أبا جعفر عليه السّلام،ثمّ اتي بحلواء فقال:كلوا بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإنّ هذا طعام يعجبني و رفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه السّلام:إنّما ذلك في المنازل تحت السقوف،فأمّا في مثل هذا الموضع فهو للطير و البهائم،ثمّ اتي بالخلال فقال:من حقّ الخلال أن تدير لسانك في فمك فما أجابك ابتلعته و ما امتنع أخرجته بالخلال ألقطه،و اتي بالطشت و الماء فابتدئ

ص: 295

بأوّل من على يساره حتّى انتهى إليه فغسل ثمّ غسل من على يمينه حتّى أتى على آخرهم ثمّ قال:يا عاصم كيف أنتم في التبار و التواصل،فقال:على أفضل ما كان عليه فقال:يأتي أحدكم عن الضيقة منزل أخيه فلا يجده فيأمر بإخراج كيسه فيخرج فينفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته فلا ينكر عليه قال:لا قال:لستم على ما أحبّ من التواصل و الضيقة و الفقر (1).

و عن الحسين بن أبي العرند قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام بمنى و هو متكئ على يمينه فأتي بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل و هو متكئ على يمينه،فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا فقال:لقد حدّثني سليمان بن خالد أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:صاحب هذا الأمر[كلتا يديه] (2)يمين (3).

[في]عيون الأخبار عن سفيان بن نزار قال:كنت يوما على رأس المأمون فقال:

أتدرون من علّمني التشيّع؟علّمنيه الرشيد،قيل:و كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟قال:كان يقتلهم على الملك و لقد حججت معه سنة فلمّا صار إلى المدينة تقدّم إلى حجابه و قال:لا يدخلن عليّ رجل إلاّ نسب نفسه،فكان الرجل إذا دخل قال:أنا فلان بن فلان حتّى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري فيصله على قدر شرفه فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال:يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،فأقبل علينا و نحن قيام على رأسه و الأمين و المؤتمن و سائر القوّاد فقال:احفظوا على أنفسكم ثمّ قال:

ائذن له و لا ينزل إلاّ على فراشي،فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد أنهكته العبادة كأنّه شن بال قد كلم السجود وجهه و أنفه.

فلمّا رأى الرشيد رمى بنفسه عن الحمار،فصاح الرشيد:لا و اللّه إلاّ على بساطي فسار إلى البساط و الحجاب و القوّاد محدقون به،فقام إليه الرشيد و استقبله و قبّل وجهه و عينه فأجلسه في مكانه و جعل يحدّثه عن أحواله فقال:يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟ قال:يزيدون على الخمسمائة أكثرهم موالي و حشم،و أمّا الولد فلي نيف و ثلاثون الذكران7.

ص: 296


1- -مكارم الأخلاق:145،و بحار الأنوار:118/48.
2- -زيادة من المصدر.
3- -جواهر الكلام:466/36،و بحار الأنوار:119/48 ح 37.

منهم كذا و النسوان منهم كذا،قال:فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ؟قال:اليد تقصر عن ذلك إلى أن قال:أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران و النسوان و تقضي الدّين؟

فقال عليه السّلام:وصلتك رحم يا ابن عمّ ثمّ تكلّم و أراد القيام فقام الرشيد لقيامه و قبّل وجهه،ثمّ أقبل عليّ و على الأمين و المؤتمن فقال:امضوا مع عمّكم خذوا بركابه و شيّعوه إلى منزله فأقبل أبو الحسن عليه السّلام سرّا بيني و بينه و بشّرني بالخلافة و قال لي:إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي،ثمّ انصرفنا فلمّا خلا المجلس قلت:يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظّمته و أجللته و أمرتنا بأخذ الركاب له؟قال:هذا إمام الناس و حجّة اللّه على خلقه و خليفته في عباده فقلت:يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟

فقال:أنا إمام بالغلبة و القهر و موسى بن جعفر إمام حقّ و هو أحقّ بمقام رسول اللّه منّي و من الخلق جميعا،و و اللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإنّ الملك عقيم،فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكّة أمر له بصرّة فيها مائة دينار و أرسلها مع الفضل ابن الربيع،فقلت:يا أمير المؤمنين تعطي ما لا يعرف حسبه خمسة آلاف دينار و تعطي موسى بن جعفر و قد أعظمته و أجللته أخسّ عطيّة؟

فقال:اسكت لا امّ لك لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمن أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه،و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم،فلمّا نظر إلى ذلك مخارق المغنّي دخله من ذلك غيظ،فقام إلى الرشيد و قال:يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة و أكثر أهلها يطلبون منّي شيئا و ان خرجت و لم أقسم فيهم شيئا لم يظهر لهم تفضّل أمير المؤمنين عليّ و منزلتي عنده فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال:

هذا لأهل المدينة و عليّ دين أحتاج أن أقضيه،فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى ثمّ قال:يا أمير المؤمنين بناتي اريد أن أزوّجهنّ فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى فقال:يا أمير المؤمنين لابدّ من غلّة تعطينيها تردّ عليّ و على بناتي و أزواجهنّ القوت،فأمر له باقطاع ما تبلغ غلّته في السنة عشرة آلاف دينار و أمر أن يعجّل له ذلك من ساعته ثمّ قصد مخارق من فوره و قصد موسى بن جعفر و قال له:قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون و ما أمر لك به و قد احتلت عليه لك و أخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار و اقطاعا تغل في السنة عشرة

ص: 297

آلاف دينار،و لا و اللّه ما أحتاج إلى شيء من ذلك و ما أخذته إلاّ لك و أنا أشهد لك بهذه الاقطاع و قد حملت المال إليك،فقال:بارك اللّه لك في مالك و أحسن جزاك ما كنت آخذ منه درهما واحدا و لا من هذه الاقطاع و قد قبلت صلتك و برّك،فانصرف راشدا و لا تراجعني في ذلك فقبّل يده و انصرف (1).

و فيه أيضا مختصرا إلى العبدي بإسناده رفعه إلى موسى بن جعفر عليه السّلام قال:لمّا دخلت على الرشيد قال:يا موسى بن جعفر خليفتي يجبي إليهما الخراج،فقلت:أعيذك باللّه أن تبوء بإثمي و إثمك و تقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت أنّه كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتأذن لي أن أحدّثك؟

فقال:نعم،فقلت:أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إنّ الرحم إذا مسّت تحرّكت و اضطربت،فناولني يدك جعلني اللّه فداك فأخذ بيدي و جذبني إلى نفسه و عانقني و قال:اجلس يا موسى فلا بأس عليك،فنظرت فإذا قد دمعت عيناه و قال:

صدقت و صدق جدّك رسول اللّه لقد تحرّك دمي و اضطربت عروقي حتّى غلبت عليّ الرقّة و فاضت عيناي و أنا أريد عن أشياء تتلجلج في صدري فإن أجبتني خلّيت عنك و لم أقبل قول أحد فيك و عليك الأمان إن تركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة،فقال:

أخبرني لم فضّلتم علينا و نحن شجرة عبد المطّلب إنّا بنو العبّاس و أنتم ولد أبي طالب و هما عمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قرابتهما منه سواء؟

قلت:نحن أقرب لأنّ عبد اللّه و أبا طالب لأب و أمّ و أبوكم العبّاس ليس من امّهما، قال:فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ و العمّ يحجب ابن العمّ؟

فقلت؛لقول علي بن أبي طالب:إنّه ليس مع ولد الصلب لأحد سهم إلاّ للأبوين و الزوج أو الزوجة،و العمّ ليس له ميراث مع الولد إلاّ أنّ تيما وعديا و بني اميّة قالوا:العم والد رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء هذا نوح بن دراج قاضي المصرين البصرة و الكوفة يقول بقول عليّ، و ذكر غيره من العلماء و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:عليّ أقضاكم.

قال:زدني يا موسى قلت:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية8.

ص: 298


1- -مستدرك الوسائل:271/8،و بحار الأنوار:130/48.

حتّى يهاجر لقوله سبحانه: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا (1)

و أنّ عمّي العبّاس لم يهاجر.ثمّ قال:لم جوّزتم للعامّة و الخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه و يقولون لكم يا بني رسول اللّه و أنتم بنو عليّ و إنّما ينسب المرء إلى أبيه،و فاطمة إنّما هي وعاء و النبي جدّكم من قبل امّكم فقلت:لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

فقال:نعم و أفتخر به على العرب و العجم،فقلت:لكنّه لا يخطب إليّ و لا ازوّجه لأنّه ولدني و لم يلدك،فقال:أحسنت يا موسى ثمّ قال:كيف قلتم إنّا ذرّية النبيّ و النبي لم يعقب و إنّما العقب للذكر لا للانثى و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب؟فقلت:أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى (2)من أبو عيسى؟

فقال:ليس له أب،فقلت:إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم عليها السّلام و كذلك ألحقنا بذراري النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من قبل امّنا فاطمة،أزيدك يا أمير المؤمنين قول اللّه عزّ و جلّ:

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ (3) و لم يدع أحد أنّه أدخل تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكان تأويل أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب،فقال:أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك،فقلت:أن تأذن لي بالرجوع إلى حرم جدّي،فقال:ننظر إن شاء اللّه (4).

فروي أنّه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنّه توفّى عنده.

[في]كتاب قضاء حقوق المؤمنين قال:استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له فقال:لا تفعل فإنّ لنا بك انسا و لإخوانك بك عزّا و عسى8.

ص: 299


1- -سورة الأنفال:72.
2- -سورة الأنعام:84-85.
3- -سورة آل عمران:61.
4- -بحار الأنوار:129/48.

أن يجبر اللّه بك كسرا و يكسر بك نايرة المخالفين عن أوليائه،يا عليّ كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة و أضمن لك ثلاثا؛اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائك إلاّ قضيت حاجته و أكرمته و اضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبدا و لا ينالك حدّ سيف أبدا و لا يدخل الفقر بيتك أبدا،يا عليّ من سرّ مؤمنا فباللّه بدأ و بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله ثنا و بنا ثلث.

أقول: في حديث آخر ضمن له الجنّة (1).

[في]المناقب:لمّا بويع محمّد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال:إنّ إخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف،فقال:أفديك بالمال و النفس،فقال هذا لسائر الناس،قال:أفديك بالروح و المال و الأهل و الولد،فلم يجبه المهدي،قال:أفديك بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين،فقال:للّه درّك فعاهده على ذلك و أمره بقتل الكاظم عليه السّلام في السجن بغتة فنام فرأى في منامه عليّا عليه السّلام يشير إليه و يقرأ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (2)فانتبه مذعورا و نهى حميدا عمّا أمره و أكرم الكاظم و وصله (3).6.

ص: 300


1- -بحار الأنوار:136/48 ح 10.
2- -سورة محمد:22.
3- -المناقب:418/3،و مدينة المعاجز:426/6.
حديث الصورة

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:كان يتقدّم الرشيد إلى خدمه:إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه و كانوا يهمّون به فيتداخلهم من الهيبة،فلمّا طال ذلك أمرهم بتمثال من خشب و جعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر و كانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين فكانوا يفعلون ذلك أبدا،فلمّا كان في بعض الأيّام جمعهم في الموضع و هم سكارى و أخرج سيّدي إليهم فلمّا بصروا به همّوا به على رسم الصورة فلمّا علم منهم ما يريدون كلّمهم بالخزرية و التركية فرموا من أيديهم السكاكين و وثبوا إلى قدميه فقبّلوها و تضرّعوا إليه و تبعوه و شيّعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه،فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا:إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كلّ عام فيقضي أحكامنا و يرضي بعضنا عن بعض و نستسقي به إذا قحط بلدنا و إذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه فعاهدهم أن لا يأمرهم بذلك فرجعوا (1).

و عن أيّوب الهاشمي:أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له نقيع الأنصاري و حضر موسى بن جعفر عليه السّلام على حمار له فتلقّاه الحاجب بالإكرام،فقال الأنصاري:من هذا الشيخ؟قال:موسى بن جعفر،قال:إن خرج لأسوءنّه،فقال له عبد العزيز:لا تفعل فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم في الخطاب إلاّ و سموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر،قال:و خرج موسى و أخذ الأنصاري بلجام حماره و قال:من أنت يا هذا؟ قال:إن كنت تريد النسب أنا ابن محمّد حبيب اللّه بن إسماعيل ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه،و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه على المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه،و إن كنت تريد المفاخرة فو اللّه ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفّاء لهم حتّى قالوا؛يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش،و إن كنت تريد الاسم و الصيت فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات المفروضات بقول:اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد،خل عن الحمار،فخلّى عنه و يده ترعد فانصرف مخزى،فقال له عبد العزيز:ألم أقل لك (2).

ص: 301


1- -مدينة المعاجز:426/6،و بحار الأنوار:140/48.
2- -بحار الأنوار:144/48 ح 19.
حدود فدك و الجمع بينها

و في كتاب أخبار الخلفاء:أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر:حدّ فدك حتّى أردّها عليك فيأبى حتّى ألحّ عليه فقال عليه السّلام:لا أحدّها إلاّ بحدودها قال:و ما حدودها؟قال:إن حدّدتها لم تردّدها قال:بحقّ جدّك ألا فعلت،قال:أمّا الحدّ الأوّل فعدن فتغيّر وجه الرشيد قال:و الحدّ الثاني سمرقند فاغبر وجهه،قال:و الحدّ الثالث افريقية فاسودّ وجهه قال:و الرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر و أرمينيّة.قال الرشيد:فلم يبق لنا شيء فتحوّل إلى مجلسي،قال موسى عليه السّلام:قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها فعند ذلك عزم على قتله (1).

و في رواية ابن أسباط أنّه قال:أمّا الحدّ الأوّل فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال:هذا كلّه هذه الدّنيا فقال عليه السّلام:هذا كان في أيدي اليهود فأفاءها اللّه على رسوله بلا خيل و لا ركاب و أمره اللّه أن يدفعه إلى فاطمة عليها السّلام.

أقول: المشهور في التحديد هو الثاني و لعلّ التحديد الأوّل إشارة إلى أنّ تلك البلدان الكثيرة حكمها حكم فدك في أنّها مال أولاد فاطمة الأئمّة عليهم السّلام لأنّها فتحت في أعصار الخلفاء المتقدّمين (2).

[في]كتاب نزهة الكرام و بستان العوام لمحمّد بن الحسين الرازي:روى أنّ الرشيد أرسل إلى موسى بن جعفر عليه السّلام فلمّا حضر عنده قال:إنّ الناس ينسبونكم يا أبن فاطمة إلى علم النجوم،و فقهاء العامّة يقولون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إذا ذكر أصحابي فاسكتوا و إذا ذكر القدر فاسكتوا و إذا ذكر النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذرّيته الأئمّة كانوا عارفين بها،فقال له موسى عليه السّلام:هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و اللّه تعالى قد مدح النجوم و لولا أنّ النجوم صحيحة لما مدحها اللّه عزّ و جلّ، و الأنبياء عليهم السّلام كانوا عالمين بها و قد قال اللّه سبحانه في حقّ إبراهيم: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ

ص: 302


1- -المناقب:435/3،و بحار الأنوار:200/29.
2- -المناقب:435/3،و بحار الأنوار:201/29.

مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1) .

و قال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (2)فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال:إنّي سقيم،و إدريس عليه السّلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و اللّه تعالى أقسم بمواقع النجوم و نحن نعرف هذا العلم،فقال له هارون:يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهّال و عوام الناس حتّى لا يشنّعوا عليك به و بحقّ قرابتك من رسول اللّه،أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك؟لأنّك تعرف هذا من علم النجوم،فقال عليه السّلام:أنا أموت قبلك و وفاتي قريب،فقال هارون:قد بقي مسألة اخرى خبرني أنّكم تقولون:إنّ جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا و أنّكم تقولون من يكون لنا عليه حقّ و لا يوصله إلينا فليس بمسلم،فقال عليه السّلام:كذب الذين زعموا أنّنا نقول ذلك و إذا كان الأمر كذلك فكيف يصحّ البيع و الشراء عليهم و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم و نشتري المملوك و نقول له:يا بني و للجارية يا أبنتي،فلو أنّهم عبيد و جواري ما صحّ البيع و الشراء و هذا الذي سمعته دعوى باطلة،و لكن نحن ندّعي ولاء جميع الخلائق لنا يعني ولاء الدين و هؤلاء الجهّال يظنّونه ولاء الملك و نحن ندّعي ذلك لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم غدير خمّ:«من كنت مولاه»فعليّ مولاه و ما كان يطلب بذلك إلاّ ولاء الدّين و الذي يوصلونه إلينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا،و أمّا الغنائم و الخمس بعد موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقد منعونا ذلك و نحن محتاجون إلى ما في أيدي بني آدم الذين لنا ولاءهم بولاء الدّين ليس بولاء الملك،فإن أنفد إلينا أحد هدية و لا يقول إنّها صدقة نقبلها لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:«لو دعيت إلى كراع لأجبت»و لو اهدي إليّ كراع لقبلت.

و الكراع اسم القرية و الكراع يد الشاة و ذلك سنّة إلى يوم القيامة،ثمّ إنّ هارون أذن له في الانصراف فتوجّه إلى الرقّة،ثمّ تقوّلوا عليه أشياء فاستعاده هارون و أطعمه السمّ فتوفّى صلّى اللّه عليه (3).

أقول: قوله:إذا ذكر أصحابي فاسكنوا(بالنون)أي اسكنوا إلى قولهم أو اسكنوا عن4.

ص: 303


1- -سورة الأنعام:75.
2- -سورة الصافات:88-89.
3- -فقه الصادق:162/16،و منهاج الفقاهة:276/4.

الكلام فيهم،و الأوضح أنّه با(لتاء)المثنّاة مثل الأخيرين،و قد وضعوا هذا الحديث لعجزهم عن الجواب في السؤال الوارد عليهم بحروب الصحابة مع أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه يلزمهم أنّ أحدهم محقّ و الآخر مبطل و لا يقولون إنّ عليّا عليه السّلام مبطل لأنّه خلاف البراهين القاطعة و لا يذهبون إلى محاربة مبطل لأنّه خلاف المذهب،و إنّما يقبلون بهذا الحديث و أمثاله و يقولون.

و أمّا عن حروب الصحابة فلا نتكلّم فيه و هم أعرف بما فعلوا و بعضهم لمّا حاول الجواب أجاب،أمّا عن حروب البصرة فبأنّ الزبير خرج من المعركة و قتل من غير حرب و أمّا طلحة فقد بايع لمّا أشرف على الموت و السهام في بدنه.

و أمّا عائشة فقد تابت و ندمت على ما فعلت.

و أمّا حروب صفّين فالجمهور منهم على أنّهما محقّان في تلك الحروب و قد اجتهدا فيه إلاّ أنّ عليّا عليه السّلام كان اجتهاده صوابا و معاوية كان اجتهاده خطأ و المجتهد المخطئ لا عقاب عليه بل هو مثاب في الجملة و إن لم يكن على حدّ المصيب و هذا كلّه ظاهر البطلان كما اعترف به جماعة منهم و قد تقدّم الكلام فيه.

و أمّا ما دلّ عليه هذا الحديث من حقّية علم النجوم و أنّه من العلوم السماوية و من جملة علوم الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الامّة.نعم،وقع الخلاف في جواز تعلّمه و تعليمه و النظر في أحكامه و العمل بما أدّت إليه فأكثر الأخبار دالّة على النهي عن ذلك حتّى أنّه قال أمير المؤمنين عليه السّلام فيما تواتر عنه:المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا على اسم اللّه.

و ذكر بعض المحقّقين:أنّه يجوز أن تكون العلّة فيه رعاية احترام معجزات الأنبياء و كرامات الأولياء لئلا تستحقر في أنظار العوام،لأنّ المنجّم يشاركهم في الأخبار بالمغيبات و جماعة من أصحابنا جمعوا بين الأخبار بحمل ما دلّ على النهي على اعتقاد تأثيرها في هذا العالم كما يقوله كثير من أهل النجوم،أمّا اعتقاد أنّها علامات على أوضاع مخصوصة جعلها اللّه سبحانه بقدرته أسبابا خاصّة على مسبّبات خاصّة،فلا حرج فيه و لا منع منه و الاحتياط في الدّين يقتضي الإعراض عن هذا العلم رأسا إلاّ ما رخّص فيه ممّا يهتدى به في برّ أو بحر و معرفة برج العقرب و نحو ذلك ممّا وردت به الأخبار.

ص: 304

و أمّا قوله عليه السّلام:إنّ لنا ولاء الدّين لا ولاء الملك،فهذا هو المعروف من المذهب و قد سبق في تضاعيف أبواب هذا الكتاب أنّ لهم عليهم السّلام ولاء الملك و أنّهم أحقّ من الناس بأنفسهم و أموالهم و ذراريهم و أنّ طاعتهم على الخلق أشدّ من الذي أوجبه اللّه على العبيد بالنسبة إلى مواليهم،فيكون هذا الحديث محمولا على التقية كما هو الظاهر منه.

[في]المهج قال أبو الوضّاح:حدّثني أبي قال:كان جماعة من خاصّة الكاظم عليه السّلام من أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف و أميال،فإذا نطق أبو الحسن عليه السّلام بكلمة و أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك (1).

و فيه أيضا قال الفضل بن الربيع:سكر الرشيد يوما فاستدعى حاجبه و قال له:امض إلى عليّ بن موسى الرضا و اخرجه من الحبس و ألقه في بركة السباع و قال:لئن لم تلقه لألقينّك عوضه،قال:فمضيت إليه و قلت له:إنّ أمير المؤمنين أمرني بكذا و كذا.

قال:افعل و أقبل بهذه العوذة و هو يمشي إلى أن انتهيت إلى البركة ففتحت بابها و أدخلته فيها و فيها أربعون سبعا و عندي من الغمّ و القلق أن يكون قتل مثله على يدي،فلمّا انتصف الليل أتاني خادم الرشيد فصرت إليه فقال:لعلّي أخطأت البارحة فإنّي رأيت مناما هالني و ذلك إنّي رأيت جماعة من الرجال في أيديهم السلاح دخلوا عليّ و في أوسطهم رجل كأنّه القمر فقيل لي:هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فتقدّمت إليه لأقبّل قدميه فصرفني عنه و قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (2)ثمّ حوّل وجهه و انتبهت مذعورا،فقلت:إنّك أمرتني أن ألقى علي بن موسى للسباع و قد ألقيته.

فقال:امض و انظر ما حاله،فرأيته قائما يصلّي و السباع حوله فأخبرته فلم يصدّقني فمضى معي فشاهده في تلك الحال،فقال:السلام عليك يا ابن عمّ،قال:و عليك السلام يابن عمّ قال:أقلني فإنّي معتذر إليك،قال:قد نجّانا اللّه تعالى بلطفه ثمّ أمر بإخراجه فعانقه و حمله إلى مجلسه و سيّره إلى المدينة فقلت:يا سيّدي إن رأيت أن تطول عليّ بالعوذة، قال:فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر و شددتها في منديل في كمّي فما دخلت على الرشيد إلاّ2.

ص: 305


1- -الأنوار البهية:187،و بحار الأنوار:153/48.
2- -سورة محمد:22.

ضحك إليّ و قضى حوائجي،و لا سافرت إلاّ كانت حرزا و أمانا من كلّ مخوف،و لا وقعت في شدّة إلاّ دعوت اللّه بها ففرّج عنّي ثمّ ذكرها و هي في ذلك الكتاب.

و قال السيّد رحمه اللّه:لربّما كان هذا الحديث عن الكاظم عليه السّلام لأنّه كان محبوسا عند الرشيد،لكنّي ذكرت هذا كما وجدته،انتهى ملخّصا (1).

و عن علي بن يقطين قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في أعمال هؤلاء؟قال:

إن كنت لابدّ فاعلا فاتّق أموال الشيعة.

قال إبراهيم بن أبي محمود:فأخبرني علي أنّه كان يأخذها من الشيعة علانية و يردّها عليهم في السرّ (2).2.

ص: 306


1- -بحار الأنوار:155/48،و وفيات الأئمة:284.
2- -الكافي:110/5،و جواهر الكلام:194/22.

الفصل الثاني

اشارة

في أحوال عشائره و أصحابه عليه السلام

و في إحتجاجات هشام بن الحكم

[عن]الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادّا يديه إلى السماء و دموعه تسيل على خدّه حتّى تبلغ الأرض،فلمّا انصرف الناس قلت له:يا أبا محمّد ما رأيت موقفا أحسن من موقفك،قال:

و اللّه ما دعوت إلاّ لاخواني.

و في ذلك:أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام أخبرني أنّه من دعى لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله،فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونه لواحد لا أدري يستجاب أم لا (1).

أقول: ورد في قبول دعاء المؤمن لأخيه:أنّ المدعو له لم يعص اللّه تعالى بلسان الداعي و إنّما عصاه بلسانه و الذنوب هي الحائلة في قبول الدعاء.

[في]المهج،قال أبو الوضّاح أخبرني أبي قال:لمّا قتل الحسين بن علي صاحب فخ و هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن[بن الحسن] (2)بفخ و تفرّق الناس عنه حمل رأسه و الأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي-يعني به الهادي الخليفة-قبل الرشيد و هو أخوه الأكبر قتل جماعة من ولد أمير المؤمنين عليه السّلام و جعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر عليه السّلام فنال منه و قال:و اللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني اللّه إن أبقيت عليه و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل لنبشت قبره و أحرقته بالنار.

ص: 307


1- -الكافي:508/2 ح 6،و أمالي الصدوق:540.
2- -زيادة من المصدر.

فقال أبو يوسف القاضي:نساؤه طوالق و عتق جميع ما يملك و عليه المشي إلى بيت اللّه إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج و لا هو مذهب أحد من ولده،و أمّا هذه العصابة من الزيدية فقد خرجوا مع حسين و ظفر بهم أمير المؤمنين و لم يزل يرفق به حتّى سكن غضبه،قال:و كتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام بصورة الأمر،فلمّا ورد الكتاب أحضر أهل بيته و شيعته فاطلعهم على الخبر و قال لهم:ما تشيرون؟قالوا:نشير أنّ تباعد شخصك عن هذا الجبّار فإنّه لا يؤمن شرّه،فتبسّم عليه السّلام ثمّ تمثّل ببيت كعب بن مالك:

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها *** فليطلبن مغالب الغلاّب

ثمّ أقبل على من حضره،فقال:لا تخافوا إنّه لا يرد أوّل كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي و حرمة هذا القبر مات في يومه هذا سأخبركم بذلك،بينما أنا جالس في مصلاّي بعد فراغي من وردي إذ تنوّمت عيناي فسنح جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي و ذكرت ما جرى منه في أهل بيته و أنا مشفق من غوائله فقال لي:لتطب نفسك يا موسى فما جعل اللّه لموسى عليك سبيلا و قد أهلك اللّه عدوّك فليحسن للّه شكرك،ثمّ استقبل أبو الحسن عليه السّلام القبلة و جعل يدعو و ذكر الدعاء قال:ثمّ قمنا إلى الصلاة و تفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي و البيعة لهارون الرشيد (1).

و في الكافي عن عبد اللّه بن المفضّل قال:لمّا خرج الحسين بن علي المقتول بفخ و احتوى على المدينة دعى موسى بن جعفر عليه السّلام إلى البيعة فأتاه،فقال:يابن عمّ لا تكلّفني ما كلّف ابن عمّك أبا عبد اللّه،فقال له الحسين:إن كرهته لم أحملك عليه،و لما ودّعه قال له أبو الحسن عليه السّلام:يابن عمّ إنّك مقتول فأجد الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيمانا و يسرّون شركا و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أحتسبكم عند اللّه من عصبة،ثمّ خرج الحسين فقتلوا كلّهم.

و لمّا قتل الحسين هذا نعاه الجنّ و رثوه بأبيات (2).

و عن محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال:مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بفخ فنزل فصلّى ركعتين و لمّا صلّى الثانية بكى و هو في الصلاة فبكى الناس و قالوا:بكينا لبكائك يا رسول اللّه قال:نزل8.

ص: 308


1- -أمالي الصدوق:459،و بحار الأنوار:150/48.
2- -الكافي:366/1 ح 18،و بحار الأنوار:161/48.

على جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الاولى،فقال لي:يا محمّد إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين (1).

و عن النضر بن قرواش قال:أكريت جعفر بن محمّد عليه السّلام من المدينة،فلمّا رحلنا من بطن مر،قال لي:إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني فإنّي أخشى أن تغلبني عيني،فلمّا بلغت حركت المحمل فجلس فقال:حلّ محملي فتنحّيت عن الجادّة و أنخت بعيره فتوضّأ و صلّى ثمّ ركب فقلت:جعلت فداك أفهو من مناسك الحجّ؟قال:لا و لكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم في الجنّة (2).

أقول: هذه الأخبار دالّة على أنّهم محقّون في الخروج و إن سبق إليهم نهي من الإمام عليه السّلام فإنّما هو اتّقاء عليهم لعلمه بأنّهم يقتلون و أنّه لا يتمّ لهم الأمر،و حينئذ فالتكلّم في أعراض من خرج من الذرّية العلوية جرأة على اللّه و رسوله و على أهل البيت عليهم السّلام كما تقدّم الكلام فيه.

و روى عن أبي حنيفة قال:أتيت الصادق عليه السّلام لأسأله عن مسائل،فقيل لي:نايم فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيّا جميل المنظر ذا هيئة حسنة قالوا:

هذا موسى بن جعفر فقلت:يا ابن رسول اللّه ما تقول في أفعال العباد ممّن هي؟فجلس ثمّ تربّع و جعل كمّه الأيمن على الأيسر و قال:يا نعمان قد سألت فاسمع و إذا سمعت فعه و إذا وعيت فاعمل:إنّ أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال:

إمّا من اللّه بانفراده أو من اللّه و العبد شركة أو من العبد بانفراده،فإن كانت من اللّه بانفراده فما له سبحانه يعذّب عبده على ما لم يفعله مع عدله و رحمته و حكمته،و إن كانت من اللّه و العبد شركة فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه على ما قد شركه فيه و أعانه عليه فاستحال الوجهان يا نعمان قال:نعم،فقال له:فلم يبق إلاّ أن يكون من العبد على انفراده ثمّ أنشأ يقول شعر:

لم تخل أعمالنا الآتي نرم بها *** إحدى ثلاث خصال حين تبديها

اما تفرّد بارينا بصنعتها *** فيسقط اللوم عنها حين نأتيها8.

ص: 309


1- -مقاتل الطالبيين:290،و شرح الأخبار:328/3.
2- -مقاتل الطالبيين:290،و بحار الأنوار:170/48.

أو كان يشركنا فينا فيلحقه *** ما كان يلحقنا من لايم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب *** فما الذنب إلاّ ذنب جانيها (1)

أقول: الكلام في أنّ هذا ردّ على أبي حنيفة و جمهور المخالفين القائلين بأنّ أفعال العباد من اللّه تعالى و العبد لا مدخل له في أفعاله،و أمّا أنّه يعذّبه عليها مع أنّها ليست من فعل العبد فاستندوا فيه إلى قوله تعالى: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ و هذه الآية حجّة عليهم و دليل لنا لأنّ قوله تعالى: وَ هُمْ يُسْئَلُونَ يعني عن أفعالهم فدلّ على أنّ لهم أفعالا يسألون عنها فيكون له سبحانه أفعالا و لهم أفعال،و الفرق إنّما هو بالسؤال و عدمه.8.

ص: 310


1- -بحار الأنوار:175/48 ح 18.
حديث الطوسي في قتل العلويّين

[في]عيون الأخبار عن عبيد اللّه النيشابوري قال:كان بيني و بين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت إليه في بعض الأيّام فبلغه خبر قدومي فطلبني و عليّ ثياب السفر و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر،فلمّا دخلت عليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فجلست و أتي بطشت و ابريق فغسل يديه ثمّ أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة و ذهب عنّي إنّي صائم و أنّي في شهر رمضان ثمّ ذكرت و أمسكت يدي،فقال لي حميد:ما لك لا تأكل؟فقلت:أيّها الأمير هذا شهر رمضان و ليس بي علّة توجب الإفطار و لعلّ الأمير له عذر في ذلك،أو علّة توجب الإفطار ثمّ دمعت عيناه و بكى فقلت:ما يبكيك؟قال:أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب،فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تنقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف فلمّا قمت بين يديه قال لي:

كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:بالنفس و المال،فأطرق ثمّ أذن لي في الانصراف فلم ألبث في منزلي حتّى عاد الرسول إليّ و قال:أجب أمير المؤمنين،فقلت في نفسي:إنّا للّه أخاف أن يكون قد عزم على قتلي و أنّه لمّا رآني استحيا منّي فعدت إلى بين يديه فرفع رأسه فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد فتبسّم ضاحكا ثمّ أذن في الاصراف،فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال:أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه و هو على حاله فرفع رأسه إليّ فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟

فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين فضحك ثمّ قال:خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم،فأخذ السيف و ناولنيه و جاء إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه و ثلاث بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور و الذوائب شيوخ و كهول و شبّان مقيّدون،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء و كانوا كلّهم علوية من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام فجعل يخرج إليّ واحدا بعد

ص: 311

واحد فأضرب عنقه حتّى أتيت على آخرهم ثمّ رمى بأجسادهم و رؤوسهم في تلك البئر ثمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه عشرون نفسا من العلوية من ولد علي و فاطمة مقيّدون،فقال:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء،فقتلتهم كلّهم و رمى بهم في البئر ثمّ فتح البيت الثالث فإذا فيه عشرون نفسا من ولد علي و فاطمة مقيّدون عليهم الشعور،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضا فقتلت منهم تسعة عشر و بقي منهم شيخ عليه شعر،فقال لي:تبّا يا مشؤوم أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قد قتلت من أولاده ستّين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي،فنظر إليّ الخادم مغضبا و زبرني فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته و رمى به في تلك البئر،فإذا كان فعلي هذا و قد قتلت ستّين نفسا من ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فما ينفعني صومي و صلاتي و أنا لا أشكّ أنّي مخلّد في النار (1).

أقول: هذا الرجل الفاجر ممّن طبع اللّه على قلبه و أغفله عن أنّ التوبة مفتوحة للمذنبين على تعاظم ذنوبهم،و لو أنّه تاب و علم اللّه منه التوبة لكان فيمن يرجى له النجاة لمّا روى أنّ امرأة قتلت ولدها فأتت تائبة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال لها:و الذي بعثني بالحقّ نبيّا لو أنّ رجلا قتل سبعين نبيّا و تاب إلى اللّه تعالى و علم منه التوبة لقبل توبته لكن أمثال هذا الرجل لا يوفّق للتوبة و لذا وقع منه القنوط و الإياس،فعامله اللّه سبحانه معاملة من يظنّ باللّه ظنّ السوء.

و روي أيضا أنّ اللّه سبحانه يقبل الشفاعة و التوبة بمن أتى بذنوب الثقلين ما[عدا] (2)قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب.

[في]كتاب الاختصاص قال أبو حنيفة يوما لموسى بن جعفر عليه السّلام:أخبرني أيّ شيء أحبّ إلى أبيك العود أم الطنبور؟فسأل عن ذلك،فقال:يحبّ عود البخور و يبغض الطنبور.

للكشي عن عمر بن يزيد قال:كان ابن أخي و هو هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم،فسألني أن أدخله على أبي عبد اللّه عليه السّلام ليناظره فاستأذنته عليه السّلام فأذن فقمت و خطوت خطوات و رجعت فذكرت رداءته و خبثه فانصرفت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلامر.

ص: 312


1- -عيون الأخبار:100/2.
2- -زيادة من المصدر.

فحدّثته برداءته و خبثه فقال عليه السّلام:يا عمر تتخوّف عليّ،فخجلت من قولي و علمت أنّي قد عثرت فخرجت مستحثّا لهشام فبادر هشام فدخل عليه فسأله عليه السّلام عن مسألة،فحار فيها هشام و سأله أن يؤجّله فخرج و اضطرب في طلب الجواب أيّاما فلم يقف عليه فرجع فأخبره عليه السّلام بها و سأله عن مسائل اخرى فيها فساد دينه و عقد مذهبه فخرج هشام من عنده مغتّما متحيّرا،قال:فبقيت أيّاما لا أفيق من حيرتي.

قال عمر بن يزيد:فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخلت فقال عليه السّلام:لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة لألتقي معه غدا،فأخبرت هشام فسبقه إلى الموضع ثمّ رأيت هشاما فسألته بعد ذلك فأخبرني أنّه كان في ذلك الموضع فإذا أبو عبد اللّه عليه السّلام على بغلة قال:فلمّا قرب منّي هالني منظره و أرعبني حتّى بقيت لا أجد شيئا أتكلّم به و لا انطلق لساني لمّا أردت مناطقته و وقف عليه السّلام طويلا ينتظر ما اكلّمه و كان وقوفه لا يزيدني إلاّ هيبة و تحيّرا،فلمّا رأى ذلك منّي ضرب بغلته و سار و تيقّنت أنّ ما أصابني من هيبته لم يكن إلاّ من قبل اللّه عزّ و جلّ من عظم موقعه و مكانه من الربّ الجليل.

قال عمر:فانصرف هشام إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و ترك مذهبه و دان بالحقّ وفاق أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام كلّهم.

و اعتلّ هشام بن الحكم علّته التي مات فيها،و كان يقول للأطبّاء:علّتي قرع القلب ممّا أصابني من الخوف و كان قدّم ليضرب عنقه،ففزع قلبه من ذلك حتّى مات (1).2.

ص: 313


1- -الأختصاص:90،و بحار الأنوار:179/48 ح 22.
مناظرات هشام بن الحكم

أقول: الأخبار الواردة في ذمّ هشام و الطعن على مذهبه محمولة على هذا المذهب الذي كان عليه قبل التشيّع مثل ما رواه الصقر بن دلف قال:سألت الرضا عليه السّلام عن التوحيد و قلت له:إنّي أقول بقول هشام بن الحكم فغضب عليه السّلام ثمّ قال:ما لكم و لقول هشام إنّه ليس منّا من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ جسم و نحن منه براء في الدّنيا و الآخرة.

[عن]علي الأسواري قال:كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلّ فرقة و ملّة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم فبلغ ذلك الرشيد،فقال ليحيى:ما هذا المجلس الذي يحضره المتكلّمون؟

فقال:يا أمير المؤمنين ما عندي أحسن منه و أنّه يحضره كلّ قوم مع اختلاف مذاهبهم و يعرف المحقّ منهم،فقال الرشيد:أحبّ أن أحضر هذا المجلس و أسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري و لا يظهرون مذاهبهم،فبلغ الخبر إلى المعتزلة فتشاوروا في ما بينهم و عزموا أن لا يكلّموا هشاما إلاّ في الإمامة لعلمهم بإنكار الرشيد على من قال بالإمامة فحضروا و حضر هشام و حضر عبد اللّه بن يزيد الأباضي و كان من أصدق الناس لهشام و شريكا له في التجارة،فلمّا دخل سلّم على عبد اللّه بن يزيد من بينهم،فقال يحيى لعبد اللّه:

كلّم هشاما و ما اختلفتم فيه من الإمامة،فقال هشام:أيّها الوزير ليس لهم علينا جواب و لا مسألة،هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ثمّ فارقونا بلا علم و لا معرفة،فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقّ و لا حين فارقونا علمونا على ما فارقونا فليس لهم علينا مسألة و لا جواب،فقال بيان،و كان من الحرورية:أنا أسألك يا هشام أخبرني عن أصحاب علي يوم حكّموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟

قال هشام:كانوا ثلاثة أصناف صنف مؤمنون و صنف مشركون و صنف ضلاّل،فأمّا المؤمنون،فمن قال مثل قولي الذين قالوا إنّ عليّا إمام من عند اللّه و معاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال اللّه عزّ و جلّ في عليّ و أقرّوا به.

ص: 314

و أمّا المشركون،فقوم قالوا علي إمام و معاوية يصلح لها فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع عليّ.

و أمّا الضلاّل فقوم خرجوا على الحمية و العصبية للقبائل و العشائر لم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهّال،قال:و أصحاب معاوية ما كانوا؟

قال:كانوا ثلاثة أصناف؛صنف كافرون و صنف مشركون و صنف ضلاّل؛فأمّا الكافرون فالذين قالوا:إنّ معاوية إمام و علي لا يصلح لها فكفروا من جهتين:

أن جحدوا إماما من اللّه و نصبوا إماما ليس من اللّه.

و أمّا المشركون فقوم قالوا:معاوية إمام و علي يصلح لها،فأشركوا معاوية مع علي، و أمّا الضلاّل:فعلى سبيل ذلك خرجوا للحمية و العصبية للقبائل و العشائر،فانقطع بيان عند ذلك فقال ضرار:أنا أسألك يا هشام في هذا،فقال هشام:أخطأت لأنّكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي و قد سألني هذا عن مسألة و ليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليّ حتّى أسألك يا ضرار عن مذهب في هذا الباب،قال ضرار:فسل،قال نقول:إنّ اللّه عدل لا يجور،قال:

نعم.

قال:فلو كلّف الأعمى قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان عادلا أم جائرا؟قال:لو فعل ذلك لكان جائرا قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ كلّف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه و لا يقبل لهم إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم قال:بلى قال:فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدّين أو كلّفهم ما لا دليل على وجوده فيكون بمنزلة الأعمى قراءة الكتب،فسكت ضرار ساعة ثمّ قال:لابدّ من دليل و ليس بصاحبك،قال:فضحك هشام و قال:تشيّع شطرك و صرت إلى الحقّ ضرورة و لا خلاف بيني و بينك إلاّ في التسمية،قال ضرار:فإنّي أرجع إليك في هذا القول،قال:هات،قال ضرار:و كيف تعقد الإمامة على عليّ؟قال هشام:كما عقد اللّه النبوّة،قال:فإذا هو نبي.

قال هشام:لا،لأنّ النبوّة يعقدها أهل السماء و الإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوّة بالملائكة و عقد الإمامة بالنبي و العقدان جميعا بإذن اللّه عزّ و جلّ،قال ضرار:فما الدليل على ذلك؟

قال هشام:الاضطرار،لأنّ الكلام في هذا لا يخلو من أحد ثلاثة وجوه:

ص: 315

إمّا أن يكون عزّ و جلّ رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلّى اللّه عليه و اله فلم يأمرهم و لم ينهاهم و صاروا بمنزلة البهائم التي لا تكليف عليها،أتقول هذا يا ضرار؟قال:لا أقول هذا.

قال هشام و الوجه الثاني:ينبغي أن يكون الناس المكلّفون قد استحالوا بعد الرسول علما في مثل حدّ الرسول في العلم حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد فيكونوا كلّهم قد إستغنوا بأنفسهم و أصابوا الحقّ الذي لا اختلاف فيه،أتقول هذا يا ضرار.

قال:لا أقول هذا قال:فبقي الوجه الثالث:و هو أنّه لابدّ لهم من علم يقيمه الرسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف معصوم من الذنوب يحتاج إليه و لا يحتاج إلى أحد،قال:

فما الدليل عليه.

قال هشام:ثمان دلالات أربع في نعت لنسبه و أربع في نعت نفسه؛فأمّا الأربع التي في نعت نسبه بأن يكون معروف الجنس معروف القبيلة معروف البيت و أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة،فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملّة و الدعوة الذي ينادى باسمه في كلّ يوم خمس مرّات على الصوامع:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّد رسول اللّه،فتصل دعوته إلى كلّ برّ و فاجر و عالم و جاهل و مقرّ و منكر في شرق الأرض و غربها.

و لو جاز أن يكون الحجّة من اللّه على هذا الخلق من غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده و لجاز أن يطلبه في أجناس هذا الخلق من العجم و غيرهم و كان من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا و لا يجوز هذا في حكم اللّه تعالى و عدله أن يفرض على الناس فريضة لا توجد،فلمّا لم يحز ذلك إلاّ أن يكون في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الدعوة لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملّة و هي قريش،و لمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلاّ في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملّة و الدعوة،و لمّا كثر من أهل هذا البيت و تشاجروا في الإمامة لعلوّها و شرفها ادّعاها كلّ واحد منهم فلم يجز إلاّ أن يكون من صاحب الملّة و الدعوة إليه إشارة بعينه و اسمه و نسبه لئلاّ يطمع فيها غيره.

و أمّا الأربع التي في نعت نفسه فبأن يكون أعلم الناس كلّهم بفرائض اللّه و أحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق و لا جليل،و أن يكون معصوما من الذنوب كلّها،و أن يكون

ص: 316

أشجع الناس،و أن يكون أسخى الناس.

قال:من أين قلت إنّه أعلم الناس؟قال:لأنّه إن لم يكن عالما بجميع أحكام اللّه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود،فمن وجب عليه القطع حدّه و من وجب عليه الحدّ قطعه فلا يقيم حدّ اللّه على ما أمره به فيكون من حيث أراد اللّه صلاحا أن يكون فسادا.

قال:فمن أين قلت إنّه معصوم من الذنوب؟

قال:لأنّه إن لم يكن معصوما دخل في الخطأ،فلا يؤمن أن يكتم على نفسه و يكتم على حميمه و قريبه و لا يحتج اللّه عزّ و جلّ بمثل هذا على خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أشجع الناس؟

قال:لأنّه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحروب و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ (1)فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من اللّه حجّة للّه على خلقه.

قال:فمن أين قلت:إنّه أسخى الناس؟قال:لأنّه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيّا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائنا،و لا يجوز أن يحتجّ اللّه على خلقه بخائن.

قال ضرار:فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟

فقال صاحب القصر أمير المؤمنين-يعني الرشيد-و كان هارون قد سمع الكلام كلّه قال فعند ذلك قال:أعطانا و اللّه من جراب النورة،ويحك يا جعفر من يعني بهذا؟

قال:يعني موسى بن جعفر قال:ما عنى بها غير أهلها ثمّ عضّ على شفته،و قال:

مثل هذا حي و يبقى لي ملكي ساعة واحدة،فو اللّه للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف و علم يحيى أنّ هشاما قد هلك ثمّ خرج إلى هشام فغمزه فعلم هشام أنّ الرشيد يريد قتله فقام كأنّه يقضي حاجة و انسل و مرّ بأولاده و أمرهم بالتواري و هرب إلى الكوفة و نزل على بشير النبّال فأخبره الخبر ثمّ اعتلّ علّة شديدة،فلمّا حضره الموت قال لبشير:إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل:هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه.

و كان هارون قد بعث إلى إخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به،فلمّا أصبح أهل الكوفة6.

ص: 317


1- -سورة الأنفال:16.

رأوه و حضر القاضي و العامل و المعدلون بالكوفة و كتبوا إلى الرشيد بذلك.

فقال:الحمد للّه الذي كفانا أمره فخلى عمّن كان أخذ به. (1)

أقول: مناظرات هشام كثيرة مع أهل الخلاف مذكورة في محالّها.8.

ص: 318


1- -كمال الدين:364،و بحار الأنوار:199/48.

الفصل الثالث

اشارة

في شهادته و ما تقدّمها من أحوال حبسه عليه السلام

و إبطال مذهب الواقفة بعد موته عليه السّلام

[في]المصباح:في الخامس و العشرين من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام (1).

[في]الكافي:قبض عليه السّلام لستّ خلون من رجب من سنة ثلاث و ثمانين و مائة و هو ابن أربع أو خمس و خمسين سنة،و قبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك.

و كان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع و سبعين و مائة، و قد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ثمّ شخص هارون إلى الحجّ و حمله معه ثمّ انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ثمّ أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك،فتوفّى عليه السّلام في حبسه و دفن ببغداد في مقبرة قريش.

أقول: الذين سعوا بموسى بن جعفر عليه السّلام إلى الرشيد جماعة منهم يحيى بن خالد البرمكي و كان أشدّهم عليه،و منهم عليّ بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السّلام و ذلك أنّ يحيى ابن خالد أعطاه مالا على إظهار حال عمّه عليه السّلام فأظهر له أنّ الشيعة تعطيه الأموال و تسلّم عليه بالإمامة و الخلافة و بلّغه إلى هارون،و منهم أخوه محمّد بن جعفر (2).

روى الصدوق طاب ثراه في عيون الأخبار عن علي بن جعفر قال:جاء محمّد بن إسماعيل بن جعفر و ذكر لي أنّ محمّد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلّم عليه بالخلافة.

ثمّ قال له:ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلّم

ص: 319


1- -مصباح المجتهد:812،و بحار الأنوار:206/48 ح 1.
2- -الكافي:476/1،و بحار الأنوار:206/48 ح 2.

عليه بالخلافة،و ممّن سعى بموسى عليه السّلام يعقوب بن داود و كان يرى رأي الزيدية (1).

و روى ابن بابويه طاب ثراه عن إبراهيم بن أبي البلاد عن يعقوب بن داود:أنّه أخبره في الليلة التي أخذ في صبيحتها موسى بن جعفر قال:كنت عند الوزير يحيى بن خالد فحدّثني أنّه سمع الرشيد يقول عند رسول اللّه كالمخاطب له:بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه إنّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأنّي خشيت أن يلقى بين امّتك حربا يسفك فيها دماءهم و أنا أحسب أنّه سيأخذه غدا،فلمّا كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع و هو قائم في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأمر بالقبض عليه و حبسه (2).

و في عيون الأخبار عن الفضل بن الربيع قال:كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري،فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك،فإذا مسرور الكبير قد فتح الباب و دخل علي،فقال لي:أجب و لم يسلّم عليّ،فيأست من نفسي و قلت:

ما هو إلاّ القتل و كنت جنبا،فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتّى أغتسل فأتيت فسلّمت على الرشيد و هو في مرقده فردّ عليّ السلام فسقطت فقال:تداخلك رعب؟قلت:نعم،فقال:

صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر و ادفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع و احمله على ثلاثة مراكب و خيّره بين المقام عندنا أو الرحيل أين شاء،فقلت:تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ثلاثا؟

فقال لي:نعم أتريد أن أنكث العهد؟فقلت:و ما العهد؟قال:بينا أنا في مرقدي هذا إذ وثب عليّ أسود ما رأيت أعظم منه فقعد على صدري و قبض على حلقي و قال:حبست موسى بن جعفر ظالما له؟فقلت:أطلقه و أخلع عليه،فأخذ عليّ عهد اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج فوافيت موسى بن جعفر و هو في حبسه قائما يصلّي و أعلمته بالذي أمرني به الرشيد،فقال:إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله، فقلت:لا و حقّ جدّك رسول اللّه،فقال:لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال إذا كانت فيه حقوق الأمة.3.

ص: 320


1- -عيون أخبار الرضا:73/2 ح 3،و بحار الأنوار:21/48،و مسائل علي بن جعفر:315.
2- -حياة الأمام الرضا:79/1،و بحار الأنوار:213/48 ح 13.

فقلت:ناشدتك باللّه ألا تردّه فيغتاظ.

فقال:اعمل ما أحببت فأخرجته من السجن.

أقول: ثمّ علّمه الدعاء و العمل الذي عمله حتّى جاء الأسود إلى هارون.

و في ذلك الكتاب أيضا عن الفضل بن الربيع قال:كنت أحجب الرشيد فأقبل عليّ يوما غضبانا و بيده سيف يقلّبه،فقال:يا فضل بقرابتي من رسول اللّه لئن لم تأتني بموسى بن جعفر لأقتلنّك.

فقلت:أفعل،ثمّ قال:ائتني بسوطين و جلاّدين،فأتيته بذلك و مضيت إلى منزل موسى عليه السّلام فأتيت إلى كوخ من جرائد النخل في خربة،فإذا بغلام أسود فقلت:استأذن لي على مولاك فقال لي:ادخل ليس له حاجب و لا بوّاب،فدخلت عليه فإذا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود فقلت:السلام عليك يابن رسول اللّه أجب الرشيد فقال:ما للرشيد،و مالي أما تشغله نعمته عنّي،فقام مسرعا فقلت له:

استعدّ للعقوبة فقال:أليس معي من يملك الدّنيا و الآخرة و لم يقدر اليوم على سوء بي إن شاء اللّه تعالى،فرأيته قد دار يده يلوّح بها على رأسه ثلاث مرّات فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنّه امرأة ثكلى قائم حيران فلمّا رآني قال:جئتني بابن عمّي؟قلت:نعم،قال:لا تكون أزعجته؟

قلت:لا.

قال:إنّي هيّجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول،فلمّا دخل عليه وثب إليه قائما و عانقه و قال:مرحبا بابن عمّي و أخي و وارث نعمتي ثمّ أمر بالطيب فطيّبه و أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير،فقال عليه السّلام:لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثمّ تولّى و هو يقول:الحمد للّه ربّ العالمين،فقال الفضل:يا أمير المؤمنين أردت تعاقبه فخلعت عليه فقال:يا فضل إنّك لمّا خرجت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون:إن آذى ابن رسول اللّه خسفنا به و إن أحسن إليه انصرفنا عنه،فتبعته عليه السّلام فقلت:ما الذي قلت حتّى كفيت أمر الرشيد؟

فقال:دعاء جدّي علي بن أبي طالب عليه السّلام كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه

ص: 321

و لا إلى فارس إلاّ قهره و هو دعاء كفاية البلاء،قلت:و ما هو؟قال:قلت:اللّهم بك اساور و بك احاول و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا،أسلمت نفسي إليك و فوّضت أمري إليك لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،اللّهم إنّك خلقتني و رزقتني و سترتني و عن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني،و إذا هويت رددتني و إذا عثرت قوّمتني و إذا مرضت شفيتني و إذا دعوت أجبتني،يا سيّدي ارض عنّي فقد أرضيتني (1).

أقول: و روى أنّه قبض على موسى بن جعفر عليه السّلام عند رأس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و هو قائم يصلّي،فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول:إليك أشكو ما ألقى يا رسول اللّه،و أقبل الناس من كلّ جانب يبكون و يضجّون،فلمّا حمل إلى ما بين يدي الرشيد شتمه و جفاه و لمّا جنّ عليه الليل أرسله في قبّة خفية إلى البصرة مع حسّان السروري و وجّه قبّة اخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ليعمى على الناس أمر موسى عليه السّلام فقدم حسّان البصرة فدفعه إلى عيسى بن جعفر و كان أميرها دفعه علانية حتّى شاع أمره،فحبسه عيسى في بيوت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه و أقفل عليه و شغله عنه العيد لأنّه أدخل التروية بيوم فكان لا يفتح عنه الباب إلاّ في حالتين:حال يخرج فيها إلى الطهور،و حال يدخل إليه فيها الطعام،فما مضت إلاّ أيّام يسيرة حتّى حمل عليه السّلام سرّا إلى بغداد و حبس ثمّ أطلق ثمّ حبس لدى السندي بن شاهك فحبسه و ضيّق عليه ثمّ بعث إليه الرشيد بسمّ في رطب و أمره أن يقدّمه إليه و يحتم عليه في الأكل منه،ففعل فمات عليه السّلام.

[في]عيون الأخبار عن عمر بن واقد:أنّ الرشيد لمّا ضاق صدره ممّا كان يظهر له من فضل موسى عليه السّلام و ما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته و اختلافهم إليه سرّا خشية على نفسه و ملكه،ففكّر في قتله بالسمّ فدعا برطب و أكل منه ثمّ أخذ صينيّة فوضع فيها عشرين رطبة و أخذ خيطا فدلكه بالسمّ و أدخله في سمّ الخياط و أخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل الردد إليه ذلك السمّ بذلك الخيط حتّى علم أنّه قد حصل السمّ فيها،فاستكثر منه ثمّ ردّها في ذلك الرطب و قال لخادم له:احمل هذه الصينيّة إلى موسى بن جعفر و قل له:إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب و تنغص لك به و هو يقسم عليك بحقّه لما أكلتها عن آخر رطبة فإنّي اخترتها لك بيدي و لا تتركه يبقي منه شيئا و لا يطعم منها أحدا،فأتاه الخادم بها و أبلغه6.

ص: 322


1- -عيون أخبار الرضا:76/2،و مدينة المعاجز:320/6.

الرسالة فقال له:ائتني بخلال،فناوله خلالا و هو قائم بإزائه،و كانت للرشيد كلبة تعزّ عليه فجذبت نفسها و خرجت تجرّ سلاسلها من جوهر و ذهبت حتّى حاذت موسى عليه السّلام فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة و رمى بها إلى الكلبة فأكلتها،ثمّ تهرت قطعة قطعة و استوفى باقي الرطب و حمل الغلام الصينيّة و قال:إنّه أكل الرطب عن آخره قال:ما أنكرت عليه شيئا؟

قال:لا ثمّ ورد عليه خبر الكلبة و أنّها ماتت،فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا و وقف على الكلبة فوجدها متهرية بالسمّ،فأحضر الخادم و استخبره فحكى له أنّه رمى بالرطبة إلى الكلبة فأكلتها و أكل هو باقي الرطب.

فقال الرشيد:ما ربحنا من موسى إلاّ انّا أطعمناه جيّد الرطب وضيّعنا سمّنا و قتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة،ثمّ إنّه عليه السّلام دعا بالمسيب و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام و كان موكلا به،فقال له:يا مسيب قال:لبّيك يا مولاي قال:إنّي ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأعهد إلى ابني ما عهده أبي إليّ و أجعله وصيّي و خليفتي،قلت:

الأبواب مغلقة و الحرس معي على الأبواب فقال:يا مسيب ضعف يقينك في اللّه عزّ و جلّ و فينا.

فقلت:لا يا سيّدي ادع اللّه أن يثبّتني فقال:اللّهم ثبّته ثمّ قال:ادعوا اللّه باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتّى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل أن يرتدّ إليه طرفه حتّى يجمع بيني و بين ابني عليّ بالمدينة فدعا عليه السّلام،ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيته قد عاد إلى مكانه و أعاد الحديد إلى رجليه فقال:يا مسبّب إنّي راحل إلى اللّه عزّ و جلّ في ثالث هذا اليوم فبكيت،فقال:لا تبك فإنّ عليّا ابني هو إمامك و مولاك بعدي ثمّ دعاني في الليلة اليوم الثالث،فقال:إنّي على ما عرّفتك من الرحيل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها و ارتفع بطني و اصفرّ لوني و اخضرّ و تلوّن ألوانا فخبّر الطاغية بوفاتي،فإذا رأيت بي هذا الحدث فإيّاك أن تظهر عليه أحدا إلاّ بعد وفاتي فلم أزل أرقب وعده حتّى دعا بالشربة فشربها ثمّ قال:يا مسيب أنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي و دفني و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا،فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا

ص: 323

تأخذوا من تربتي شيئا لتتبرّكوا به،فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي بن أبي طالب،فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعلها شفاء لشيعتنا.

قال:ثمّ رأيت شخصا أشبه الأشخاص به عليه السّلام جالسا إلى جانبه و كان عهدي بسيّدي الرضا عليه السّلام و هو غلام فأردت سؤاله،فصاح بي سيّدي موسى عليه السّلام و قال لي:أليس قد نهيتك يا مسيّب،فلم أزل صابرا حتّى مضى و غاب الشخص ثمّ أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك،فو اللّه لقد رأيتهم بعيني و هم يظنّون أنّهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه و يظنّون أنّهم يحنّطونه و يكفّنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت ذلك الشخص يتولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و لا يعرفونه،فلمّا فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص:يا مسيّب مهما شككت فيه فلا تشكّن فيّ،فإنّي إمامك حجّة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيّب مثلي مثل يوسف الصدّيق عليه السّلام و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون ثمّ حمل عليه السّلام حتّى دفن في مقابر قريش و لم يرفع قبره أكثر ممّا أمر به،ثمّ رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه (1).

أقول: هذا يكشف عن كلية الحديث الوارد بأنّه لا يغسل الإمام إلاّ إمام مثله،و ذلك أنّ علي بن موسى عليه السّلام و إن كان وقت موت أبيه بالمدينة إلاّ أنّه حضر عنده بأن طويت له الأرض بالاسم الأعظم و التقت أرض المدينة و أرض بغداد كما وقع ذلك في إحضار سرير بلقيس،و حينئذ فاستبعاد بعض علمائنا حضور من بالمدينة عند من ببغداد في لحظة واحدة لا وجه له و لا يحتاج إلى تخصيص ذلك الحديث بحالة الإمكان،و سيأتي تمام الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى في أحوال الرضا عليه السّلام لمّا حضر عنده ابنه الجواد بطوس مع أنّه كان بالمدينة.

و عن عمر بن واقد قال:أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني،فلمّا وصلت إليه قال لي:أتعرف موسى بن جعفر؟

فقلت:نعم و بيني و بينه صداقة فقال:من هاهنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟ فسمّيت له أقواما فجاء بهم فأصبحنا في الدار نيف و خمسون رجلا فدخل كاتبه و كتب أسماءنا فخرج السندي،فقال لي:قم فدخلنا فقال:اكشف الثوب عن وجه موسى بن7.

ص: 324


1- -عيون أخبار الرضا:96/2،و مدينة المعاجز:109/7.

جعفر،فكشفته فرأيته ميّتا فبكيت و استرجعت ثمّ قال للقوم:انظروا إليه فنظروا ثمّ كشف عن بدنه فقال:أترون به أثرا[تنكرونه] (1)؟قالوا:لا ما نراه إلاّ ميّتا،قال:فلا تبرحوا حتّى تغسلوه و أكفّنه و أدفنه،ففعلنا حتّى دفناه و كان عمر بن واقد يقول:ما أحد أعلم بموسى بن جعفر منّي كيف يقولون إنّه حيّ و أنا دفنته (2).

و عن عبد اللّه الصيرفي قال:توفّى موسى بن جعفر عليه السّلام في يد السندي بن شاهك فحمل على نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه،فلمّا أتى به مجلس الجند أقام أربعة نفر فنادوا:ألا من أراد أن يرى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج و خرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط فسمع الصياح،فقال لولده و غلمانه:ما هذا؟ قالوا:السندي بن شاهك ينادي على نعش موسى بن جعفر،فقال لولده و غلمانه:يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد يعني ثيابهم،فلمّا عبروا نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا ثيابهم و وضعوه في مفرق أربعة طرق و أقام المنادي ينادون:

ألا من أراد أن ينظر إلى الطيّب بن الطيّب فلينظر إلى موسى بن جعفر،فخرج الناس فغسّل و خنّط بحنوط فاخر و كفّن بكفن فيه حبرة استعمل له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كلّه و احتفى و مشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك و كتب بخبره إلى الرشيد،فكتب إلى سليمان:وصلتك رحم يا عمّ و أحسن اللّه جزاك و اللّه ما فعل السندي لعنه اللّه ما فعل عن أمرنا (3).

و روي أنّهم لمّا رأوه بعد الموت كان في رجله أثر الحنّاء (4).

أقول: فيه دلالة على جواز كتابة القرآن على الكفن بل استحبابه و لا يقدح في ذلك وضعه على التراب،فإنّ الغرض تحصيل البركة لا الاستحقاق.

[في]المناقب،عن محمّد المهلبي قال:لمّا حبس الرشيد موسى عليه السّلام و أظهر2.

ص: 325


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأنوار البهية:200،و بحار الأنوار:226/48.
3- -بحار الأنوار:227/48،و كمال الدين:38.
4- -مستدرك سفينة البحار:444/2.

الدلائل و المعجزات و هو في الحبس تحيّر الرشيد،فقال ليحيى بن خالد البرمكي:يا أبا علي ما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ألاّ تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمّه.

فقال له يحيى:أرى أن تمنّ عليه و تصل رحمه و كان يحيى يتولاّه و هارون لا يعلم ذلك فقال هارون:انطلق إليه و أطلق عنه الحديد و ابلغه عنّي السلام و قل له:يقول لك ابن عمّك إنّه قد سبق منّي فيك يمين الاّ أخليك حتّى تقرّ لي بالإساءة و تسألني عمّا سلف منك و هذا يحيى وزيري فسله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا.

،فلمّا بلغه يحيى قال له:يا أبا علي أنا ميّت و إنّما بقي من أجلي اسبوع أكتم موتي و أتني يوم الجمعة عند الزوال و صلّ عليّ أنت و أوليائي فرادى فانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقّة و عاد إلى العراق لا يراك و لا تراه و احذر لنفسك فإنّي رأيت في نجمك و نجمه إنّه يأتي عليكم فاحذروه.

ثمّ قال:يا أبا علي ابلغه عنّي يقول لك موسى بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى و ستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي اللّه من الظالم و المتعدّي على صاحبه و السلام،فخرج يحيى من عنده و احمرّت عيناه من البكاء حتّى دخل على هارون فأخبره بقصّته و ما ورد عليه.

فقال هارون لعنه اللّه:إن لم يدع النبوّة بعد أيّام فما أحسن حالنا،فلمّا كان يوم الجمعة توفّى عليه السّلام و قد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك فأخرج إلى الناس حتّى نظروا إليه ثمّ دفن و رجع الناس،فافترقوا فرقتين:فرقة تقول مات و فرقة تقول لم يمت (1).

[في]البصائر،[عن]عبّاد بن سليمان عن سعد بن سعد عن أحمد بن عمر قال:

سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول:إنّي طلّقت امّ فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي بيوم،قلت له:جعلت فداك طلّقتها و قد علمت موت أبي الحسن؟

قال:نعم (2).

أقول: هذا لا يخلو من إشكال و قد ذكر له أهل الحديث وجوها:6.

ص: 326


1- -الغيبة:25،و بحار الأنوار:230/48.
2- -بصائر الدرجات:487،و دلائل الأمامة:370 ح 26.

الأوّل: إنّ هذا الطلاق بعد الموت مبني على أنّ العلم الذي هو مناط الأحكام الشرعية هو العلم الظاهر على الوجه المتعارف.

الثاني: إنّه من خصائصهم عليهم السّلام لإزالة شرف الزوجية كما طلّق أمير المؤمنين عليه السّلام عائشة يوم الجمل لتخرج من عداد امّهات المؤمنين و لعلّه عليه السّلام إنّما طلّقها لعلمه بإرادتها التزويج و لا يمكنه منعها عن ذلك تقيّة،فطلّقها ليجوز لها ذلك.

الثالث: أن يكون المراد من الطلاق هنا معناه اللغوي أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شاءت.

الرابع: إنّه عليه السّلام علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتدّ عدّة الوفاة و طلّقها ظاهرا لعدم تشنيع العامّة في ذلك.

و في ذلك الكتاب أيضا عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرضا عليه السّلام:الإمام يعلم إذا مات؟

قال:نعم يعلم بالتعليم حتّى يتقدّم في الأمر.

قلت:علم أبو الحسن بالرطب و الريحان المسمومين بعث إليه يحيى بن خالد؟

قال:نعم،قلت:يعلم فيكون معينا؟قال:أنسأه لينفذ فيه الحكم (1).

أقول: ما روي في هذا الخبر يكون وجها للجمع بين ما دلّ على أنّهم عليهم السّلام يعلمون بموتهم و أسبابه مع أنّهم يتعرّضون لها و يفعلونها و بين ما ورد من عدم جواز إلقاء النفس إلى التهلكة،و حاصله أنّه وقت تناول ذلك السبب المؤدّي إلى الهلاك يغفلهم اللّه تعالى و ينسيهم أنّه ذلك السبب حتّى تجري مقادير اللّه سبحانه على أنّ المستفاد من الأخبار أن تكاليفهم عليهم السّلام مغايرة لتكاليفنا و أنّهم مكلّفون بأن يقدموا على ما يعلمونه و إن كان فيه موتهم كما وقع ذلك للحسين عليه السّلام حين وروده إلى العراق،فإنّه عليه السّلام كان عالما بما صار إليه أمره و كان يقول شاء اللّه أن تكون نسائي أسارى.

و في لفظ آخر أن يرى نسائي أسارى و هم عليهم السّلام كانوا عالمين بجميع الحوادث التي صدرت عليهم،فلو كان الاحتراز واجبا عليهم لما كان ينبغي أن يصل إليهم مكروها و محتومات اللّه سبحانه و مقدّراته لابدّ أن تجري عليهم كما تجري على غيرهم،و الفرق بيننا1.

ص: 327


1- -بصائر الدرجات:501،و بحار الأنوار:285/27 ح 1.

و بينهم بالعلم و الجهل لا يرد القضاء المحتوم على أنّه عليهم السّلام لو احترز عن ذلك السمّ الذي كان في الرطب لكان الملعون هارون يقتله بطريق آخر أشدّ و أفحش من هذا لأنّه كان عازما جازما على قتله و احترازه عليه السّلام عن خصوص ذلك السمّ ما كان يرفع عنه القتل بالكلّية مع أنّه عليه السّلام معصوم من الذنوب و هو أعلم بأفعاله كما هو أعلم بأفعال غيره،و هذا الكلام كلّه توجيه لتحرير الكلام و إلاّ فالعصمة كافية في الجواب.

ص: 328

الجارية التي أرسلها الرشيد لموسى عليه السلام

[في]المناقب،قال العامري:إنّ الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن،فقال عليه السّلام:قل له:بل أنتم بهديّتكم تفرحون لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها،قال:فاستطار هارون غضبا و قال:ارجع إليه و قل له:ليس برضاك حبسناك و اترك الجارية عنده و انصرف،قال:فمضى و رجع ثمّ قام هارون عن مجلسه و أنفد الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول:قدّوس قدّوس سبحانك سبحانك،فقال هارون:سحرها و اللّه موسى بن جعفر بسحره،عليّ بها،فأتى بها و هي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها،فقال:ما شأنك؟قالت:شأني الشأن البديع إنّي كنت عنده واقفة و هو يصلّي ليله و نهاره،فلمّا انصرف عن صلاته و هو يسبّح اللّه و يقدّسه قلت:يا سيّدي هل لك حاجة أعطيكها؟قال:و ما حاجتي إليك و ما بال هؤلاء،فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري،فيها مجالس مفروشة بالوشا و الديباج و عليها وضعا و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا و لا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الاخضر و الأكاليل و الدرّ و الياقوت و في أيديهم الأباريق و المناديل و من كلّ الطعام فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم،فرأيت نفسي حيث كنت،قال هارون:يا خبيثة لعلّك سجدت فرأيت هذا في منامك،قالت:لا و اللّه يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك،فقال الرشيد:اقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد،ثمّ قالت:إنّي لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتّى ندخل عليه فنحن له دونك،فما زالت كذلك حتّى ماتت قبل موت موسى بأيّام يسيرة (1).

[في]الكشي،عن عبد اللّه بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر؟قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة و قلت:فما كان يعلم أنّها مسمومة؟ قال:غاب عنه المحدث قلت:و من المحدث؟قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان

ص: 329


1- -المناقب:415/3،و مدينة المعاجز:423/6.

مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد ثمّ قال:إنّك ستعمّر فعاش مائة سنة (1).

أقول: هذا هو معنى ما سبق من قوله:أنساه لينفذ فيه الحكم،لأنّ المحدث لمّا لم يوجد وقت أكل الرطب كان باعثا للغفلة عن أكل الرطب و هذا الملك هو إمّا روح القدس الذي كان مع النبيّ و أهل بيته صلوات اللّه عليهم يعلّمهم و يسدّدهم عن الخطأ في الأقوال و الأفعال و الروح المراد من قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ و يحتمل الاتّحاد كما قيل.

[في]الكافي،عن مسافر قال:إنّ موسى بن جعفر عليه السّلام-حين أخرج به-أمر ابنه عليّ الرضا أن ينام على بابه في كلّ ليلة أبدا مادام حيّا إلى أن يأتيه خبره،قال:فكنّا كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن عليه السّلام في الدهليز ثمّ يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله فمكث على هذه الحال أربع سنين،فلمّا كان ليلة ما أتى كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا و دخلنا أمر عظيم من إبطائه،فلمّا كان الغد أتى الدار و دخل إلى العيال و قصد إلى امّ أحمد فقال لها:هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت وجهها و شقّت جيبها و قالت:

مات و اللّه سيّدي فكفّها و قال:لا تكلّمي بشيء حتّى يجيء الخبر إلى الوالي فأخرجت إليه سفطا و ألفي دينار فدفعته إليه دون غيره و قالت:إنّه قال لي فيما بيني و بينه-و كانت أثيرة عنده-احتفظي بهذه الوديعة لا تطلعي عليها أحدا حتّى أموت فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه و اعلمي أنّه قد متّ،فقبض ذلك منها و أمرهم بالإمساك إلى أن ورد الخبر و لم يعد إلى المبيت كما كان يفعل،فلمّا جاء الخبر بنعيه كان في ذلك الوقت الذي قبض فيه الوديعة (2).

[في]عيون المعجزات،عن الصيمري:أنّ السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين يديه السمّ في الرطب و أنّه عليه السّلام أكل منها عشر رطبات،فقال له السندي:تزداد قال:حسبك بلغت ما تحتاج إليه فيما أمرت به ثمّ إنّه أحضر القضاة و العدول قبل وفاته بأيّام و أخرجه إليهم و قال:إنّ الناس يقولون:إنّ أبا الحسن موسى في ضنك و ضرّوها هو لا علّة به و لا8.

ص: 330


1- -بحار الأنوار:242/48،و مسند الأمام الرضا:444/2 ح 23.
2- -الكافي:381/1 ح 6،و بحار الأنوار:246/48.

مرض و لا ضرّ،فالتفت عليه السّلام فقال:اشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسمّ منذ ثلاثة أيّام اشهدوا إنّي صحيح الظاهر لكنّي مسموم و سأحمرّ في آخر هذا اليوم حمرة شديدة و أبيضّ بعد غد و أمضي إلى رحمة اللّه و رضوانه،فمضى عليه السّلام كما قال في آخر اليوم الثالث سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و كان سنّة عليه السّلام أربعا و خمسين سنة أقام منها مع أبيه عليه السّلام عشرين سنة و تفرّد بالإمامة أربعا و ثلاثين سنة (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:إنّ اللّه ينتقم لأوليائه من أعدائه،أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك و ما انتقم اللّه لأبي الحسن عليه السّلام (2).

أقول: تقدّم في الأخبار أنّ آل برمك سيّما يحيى هو الذي سعى في قتل الكاظم عليه السّلام لعلل و أغراض كثيرة.

و روى محمّد بن يعقوب بإسناده إلى يوسف بن عبد الرحمن قال:مات أبو إبراهيم عليه السّلام و ليس من قومه أحد إلاّ و عنده المال الكثير و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته طمعا في الأموال،كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار و عند علي بن أبي حمزة البطاني ثلاثون ألف دينار،ثمّ قال يونس:إنّهما ضمنا لي على الوقف عشرة آلاف دينار فلم أقبل (3).

و روى الثقاة أنّ أوّل من أظهر الوقف علي بن أبي حمزة البطائني و زياد بن مروان القندي و عثمان بن عيسى الرواسي مالوا إلى حطام الدّنيا و استمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال نحو حمزة بن بزيع و ابن المكاري و كرام الخثعمي و أمثالهم.

و قال الصدوق رحمه اللّه:لم يكن موسى بن جعفر عليه السّلام ممّن يجمع المال و لكنّه قد حصل في وقت الرشيد و كثر أعداؤه و لم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاّ على القليل ممّن يثق بهم في كتمان السرّ،فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك و أراد أن لا يحقّق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد و يقول:إنّه تحمل إليه الأموال و تعقد له الإمامة و يحمل على الخروج عليه و لولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال على أنّها لم تكن أموال الفقراء2.

ص: 331


1- -الأنوار البهية:197،و بحار الأنوار:247/48.
2- -الكافي:224/2 ح 10،و وسائل الشيعة:492/11.
3- -حياة الأمام الرضا:214/2.

و إنّما كانت أمواله يصل بها مواليه إكراما منه لهم (1).

و قال في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام بعد ذكر الأخبار الدالّة على وفاته عليه السّلام:إنّما أوردت هذه الأخبار ردّا على الواقفة على موسى بن جعفر،فإنّهم يزعمون أنّه حيّ و ينكرون إمامة الرضا عليه السّلام و إمامة من بعده و في صحّة وفاة موسى عليه السّلام إبطال مذهبهم و لهم في هذه الأخبار كلام،يقولون:إنّ الصادق عليه السّلام قال:الإمام لا يغسله إلاّ إمام،فلو كان الرضا عليه السّلام إماما لغسّله.

و في هذه الأخبار أنّ موسى عليه السّلام غسّله غيره و لا حجّة لهم علينا في ذلك،لأنّ الصادق عليه السّلام إنّما نهى أن يغسل الإمام إلاّ من يكون إماما،فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده و لم يقل عليه السّلام إنّ الإمام لا يكون إلاّ الذي يغسل من قبله من الأئمّة رحمه اللّه فبطل تعلّقهم علينا بذلك على أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار أنّ الرضا عليه السّلام غسّل أباه موسى بن جعفر عليه السّلام من حيث خفي على الحاضرين لغسله غير من اطّلع عليه و لا تنكر الواقفة أنّ الإمام يجوز أن يطوي اللّه له البعد حتّى يقطع المسافة البعيدة في المدّة اليسيرة (2).8.

ص: 332


1- -عيون أخبار الرضا:104/2،و علل الشرائع:236/1.
2- -عيون أخبار الرضا:97/2،و بحار الأنوار:254/48.
خاتمة

في بيان أولاده عليه السلام

[في]كتاب بشائر المصطفى:كان لأبي الحسن عليه السّلام سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و انثى منهم علي بن موسى الرضا عليه السّلام و إبراهيم و العبّاس و القاسم لامّهات أولاد،و إسماعيل و جعفر و هارون و الحسن لامّ ولد و عبد اللّه و إسحاق و عبيد اللّه و زيد و الحسن و الفضل و سليمان لامّهات أولاد،و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و رقية و حكيمة و امّ أبيها و رقية الصغرى و كلثم و امّ جعفر و لبانة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عائشة و امّ سلمة و ميمونة و امّ كلثوم،و كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان أحمد كريما جليلا ورعا و كان أبوه يحبّه و يقدّمه و يقال:إنّ أحمد أعتق ألف مملوك و كان محمّد بن موسى صاحب صلاة و كان إبراهيم بن موسى سخيّا كريما،و لكلّ واحد من ولد موسى عليه السّلام فضل و منقبة مشهورة (1).

و في كتاب المناقب:أنّ أولاده عليه السّلام ثلاثون فأبناؤه ثمانية عشر و الباقي بنات (2).

و في عمدة الطالب ولد عليه السّلام ستّين ولدا سبعا و ثلاثين بنتا و ثلاثا و عشرين ابنا درج منهم خمسة لم يعقبوا و هم عبد الرحمن و عقيل و القاسم و يحيى و داود،و منهم ثلاثة لهم إناث و ليس لأحد منهم ذكر و هم سليمان و الفضل و أحمد و منهم خمسة في أعقابهم خلاف و هم الحسين و إبراهيم الأكبر و هارون و زيد و الحسن و منهم عشرة أعقبوا بغير خلاف و هم علي و إبراهيم الأصغر و العبّاس و إسماعيل و محمّد و إسحاق و حمزة و عبد اللّه و عبيد اللّه و جعفر هكذا قال شيخنا أبو نصر البخاري.

و قال النقيب تاج الدّين:أعقب موسى الكاظم منه ثلاثة عشر رجلا أربعة منهم

ص: 333


1- -الإرشاد:244/2،و بحار الأنوار:283/48 ح 1.
2- -المناقب:438/3،و بحار الأنوار:288/48 ح 4.

مكثرون و هم علي الرضا و إبراهيم المرتضى و محمّد العابد و جعفر،و أربعة متوسّطون و هم، زيد النار و عبد اللّه و عبيد اللّه و حمزة،و خمسة مقلّون و هم العبّاس و هارون و إسحاق و إسماعيل و الحسن و قد تمّ ما أردنا نقله من أحوال الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السّلام و يتلوه إن شاء اللّه تعالى أحوال ولده الرضا علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه و بتمام أحواله و مناقبه عليه السّلام و أحوال الجواد و الهادي و العسكري عليهم أفضل الصلوات يتمّ المجلّد الثاني من كتاب رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبّار ما اعتقب الليل و النهار.

قال هذه الأحرف بلسانه و حرّرها ببنانه مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الموسوي الحسيني الجزائري عفى اللّه تعالى عن سيّئاته في دار السلطنة اصفهان عصر يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة الحرام من عام الثامن بعد المائة و الألف الهجرية على مشرّفها و آله ألف ألف صلاة و ألف ألف تحية حامدا مصلّيا مسلّما (1).5.

ص: 334


1- -عمدة الطالب:197،و الفوائد الرجالية:425.

باب في مناقب الإمام مولانا الرضا أبي الحسن عليه السلام علي بن موسى الرضا سلام اللّه عليه

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في ولادته و ألقابه و نقش خاتمه و النصّ عليه و غرائب معجزاته

في الكافي عن الرضا عليه السّلام قال:نقش خاتمي ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه.و فيه أنّه عليه السّلام ولد سنة ثمان و أربعين و مائة و قبض عليه السّلام في صفر من سنة ثلاث و مائتين و هو ابن خمس و خمسين سنة،و قد اختلف في تاريخه إلاّ أنّ هذا التاريخ هو الأقصد إن شاء اللّه و امّه امّ ولد يقال لها امّ البنين (1).

و قال كمال الدّين بن طلحة:عمره تسعا و أربعين سنة و مدّة بقائه مع أبيه عليهما السّلام أربعا و عشرين سنة و أشهر و بعده خمسا و عشرين سنة،و امّه سبيكة النوبية.

و في اعلام الورى:ولد عليه السّلام بالمدينة لإحدى عشر ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث و خمسين و مائة و امّه امّ ولد اسمها نجمة و يقال:سكن،و يقال:تكتم، و كان في أيّام إمامته بقيّة ملك الرشيد و ملك محمّد الأمين بعده ثلاث سنين و خمسة و عشرين يوما ثمّ خلع الأمين و أجلس عمّه إبراهيم بن المهدي أربعة و عشرين يوما،ثمّ أخرج محمّد ثانية و بويع له و بقي بعد ذلك سنة و سبعة أشهر و قتله طاهر بن الحسين ثمّ

ص: 335


1- -الكافي:486/1 ح 9،و بحار الأنوار:2/49 ح 2.

ملك المأمون عشرين سنة و استشهد عليه السّلام في أيّام ملكه (1).

[في]عيون الأخبار مسندا إلى البزنطي قال:قلت لأبي جعفر محمّد بن علي بن موسى عليه السّلام:إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك عليه السّلام إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده،فقال:كذبوا و اللّه و فجروا بل اللّه تبارك و تعالى سمّاه الرضا لأنّه عليه السّلام كان رضا للّه عزّ و جلّ في سمائه و أرضه و رضا لرسول اللّه و الأئمّة من بعده عليهم السّلام في أرضه،فقلت:ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين رضا للّه عزّ و جلّ و لرسوله و للأئمّة؟

فقال:بلى،فقلت:فلم سمّي أبوك بالرضا من بينهم؟قال:إنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه،و لم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السّلام فلذلك سمّي من بينهم بالرضا (2).

و فيه أيضا عن علي بن ميثم قال:اشترت حميدة المصفّاة و هي امّ أبي الحسن موسى ابن جعفر و كانت من أشراف العجم جارية مولدة و اسمها تكتم و كانت أديبة مع مولاتها فقالت لابنها موسى عليه السّلام:يا بني إنّ تكتم،ما رأيت جارية أفضل منها و لست أشكّ أنّ اللّه تعالى سيظهر نسلها و قد وهبتها لك فاستوص بها خيرا،فلمّا ولدت الرضا عليه السّلام سمّاها الطاهرة (3).

و فيه أيضا عن هشام بن أحمد قال:قال أبو الحسن الأوّل عليه السّلام:هل علمت أحدا من أهل المغرب قد قدم؟قلت:بلى،قال:فانطلق معنا حتّى أتينا إلى الرجل فإذا هو من أهل المغرب معه رقيق فعرض علينا تسع جوار.

فقال عليه السّلام:لا حاجة لي فيها ثمّ قال:ما عندي إلاّ جارية مريضة و أبى أن يعرضها فأرسلني من الغد إليه،فقال لي:قل له:كم غايتك فيها فإذا قال:كذا و كذا فخذها منه فأتيته و أخذتها بما قال،ثمّ قال:من الرجل الذي كان معك بالأمس؟فقلت:رجل من بني هاشم فقال:أخبرك عن هذه الوصيفة إنّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب،فقالت:ما هذه الوصيفة معك؟فقلت:اشتريتها لنفسي فقالت:ما ينبغي أن يكون9.

ص: 336


1- -أعلام الورى:40/2.
2- -علل الشرائع:237/1،و مسند الأمام الرضا:10/1.
3- -عيون أخبار الرضا:24/2،و بحار الأنوار:5/49.

هذه عند مثلك إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلاّ قليلا حتّى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض و غربها،قال:فأتيته بها فلم تلبث عنده إلاّ قليلا حتّى ولدت عليا عليه السّلام.

و كان يقال له:الرضا و الصادق و الصابر و الفاضل و قرّة أعين المؤمنين و غيظ الملحدين و الرضي و الوفي (1).

و فيه أيضا عن عليّ بن ميثم عن أبيه قال:سمعت امّي تقول؛سمعت نجمة امّ الرضا عليه السّلام تقول:لمّا حملت بابني عليّ لم أشعر بثقل الحمل و كنت أسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا،فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السّلام فقال:هنيئا لك يا نجمة كرامة ربّك،فناولته إيّاه في خرقة بيضاء فأذّن في اذنه الأيمن و أقام في الأيسر و دعا بماء الفرات فحنّكه به ثمّ ردّه إليّ و قال:خذيه فإنّه بقية اللّه تعالى في أرضه (2).

[في]عيون الأخبار عن يزيد بن سليط الزيدي قال:لقيت الكاظم عليه السّلام فقلت:

أخبرني عن الإمام بعدك بمثل ما أخبر به أبوك،فقال:كان أبي في زمن ليس هذا مثله قال يزيد:فقلت:من يرضى منك بهذا فعليه لعنة اللّه،فضحك ثمّ قال:إنّي خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنيّ و أشركتهم مع عليّ ابني و أفردته بوصيّتي في الباطن و لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام و أمير المؤمنين عليه السّلام معه و معه خاتم و سيف و عصاء و كتاب و عمامة فقلت له:ما هذا؟

فقال:أمّا العمامة فسلطان اللّه عزّ و جلّ،و أمّا السيف فعزّة اللّه عزّ و جلّ،و أمّا الكتاب فنور اللّه عزّ و جلّ،و أمّا العصا فقوّة اللّه عزّ و جلّ،و أمّا الخاتم فجامع هذه الامور،ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:الأمر يخرج إلى عليّ ابنك ثمّ قال بعد كلام:يا يزيد إنّي أوخذ في هذه السنة و عليّ ابني سمّي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و سمّي علي بن الحسين عليه السّلام أعطى فهم الأوّل و علمه و بصره و رداءه و ليس له أن يتكلّم إلاّ بعد هارون بأربع سنين،فإذا مضت أربع9.

ص: 337


1- -مسند الأمام الرضا:13/1،و المناقب:471/3.
2- -مسند الأمام الرضا:13/1،و بحار الأنوار:9/49.

سنين فسله عمّا شئت يجبك إن شاء اللّه تعالى (1).

أقول: لعلّ المراد بالرداء الأخلاق الجميلة لاشتمالها على صاحبها و أنّها تزيّنه كما أنّ الأخلاق القبيحة تشينه.

و في الحديث القدسي نصّ على إمامة الرضا عليه السّلام من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و من علي و من أبيه موسى بن جعفر عليه السّلام و النصوص عليه متواترة و مذكورة في محالّها.

و عن الريان بن الصلت قال:كنت بباب الرضا عليه السّلام بخراسان فقلت لمعمر:إن رأيت أن تسأل سيّدي أن يكسوني ثوبا من ثيابه و يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه فأخبرني معمّر أنّه دخل على أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:فابتدأني فقال:يا معمر ألا يريد الريان أن نكسوه من ثيابنا أو نهب له من دراهمنا؟

قال:فقلت:سبحان اللّه هذا كان قوله لي الساعة بالباب،قال؛فضحك ثمّ قال:

المؤمن موفّق قل له فليدخل،فأدخلني عليه فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام و دعا لي بثوبين من ثيابه فدفعهما إليّ،فلمّا قمت وضع في يدي ثلاثين درهما.

[في]عيون الأخبار عن عبد اللّه الهاشمي قال:دخلت على المأمون يوما فأجلسني و أخرج من كان عنده ثمّ دعا بالطعام فطعمنا ثمّ دعا بستارة فضربت،فقال لبعض من كان في الستارة باللّه لما رثيت لنا من بطوس،فأخذت تقول شعر:

سقيا لطوس من أضحى بها قطنا *** من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

ثمّ بكى و قال لي:يا عبد اللّه يلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا علما فو اللّه لأحدّثنك بحديث تعجب منه،يوما جئته فقلت:جعلت فداك إنّ أباك موسى و جعفرا و محمّدا و علي بن الحسين كان عندهم علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و أنت وصيّ القوم و وارثهم و عندك علمهم ولي إليك حاجة قال:هاتها،فقلت:هذه الزاهرية جاريتي لا أقدّم عليها أحدا من جواري و قد حملت غير مرّة و أسقطت و هي الآن حامل فدلّني على ما تعالج به فتسلم،فقال:لا تخف من إسقاطها فأنّها تسلم و تلد غلاما أشبه الناس بامّه و يكون له خنصر زائدة في يده اليمنى ليست بالمدّة و في رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة،فقلت في نفسي:أشهد أنّ اللّه على كلّ شيء قدير،فولدت الزاهرية1.

ص: 338


1- -عيون أخبار الرضا:34/2،و الكافي:314/1.

غلاما أشبه الناس بامّه و كان كما وصفه الرضا عليه السّلام فمن يلومني على نصبي إيّاه.

أقول: من هذا الحديث و ما بمعناه ذهب بعض علمائنا إلى أنّ المأمون ما فعل مع الرضا عليه السّلام مكروها و لا اغتاله بالسمّ و لا غيره،و هذا القول غريب مع تواتر الأخبار و كتب السير و التواريخ على أنّه سمّ الرضا عليه السّلام (1).

و في ذلك الكتاب عن البزنطي قال:بعث الرضا عليه السّلام إليّ بحماره فركبته و أتيته و أقمت عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء اللّه،فلمّا أراد أن ينهض قال لي:لا أراك تقدر على الرجوع فبت عندنا الليلة،قلت:أجل جعلت فداك فقال:يا جارية افرشي له فراشي و اطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها وضعي تحت رأسه مخدّتي،فقلت في نفسي:من أصاب مثل ما أصبت في ليلتي هذه لقد جعل لي من المنزلة عنده و أعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا بعث لي حماره و فرش لي فراشه،فقال و هو قاعد معي و أنا احدّث نفسي:يا أحمد أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتى زيد بن صوحان في مرضه يعوده فأكرمه و وضع يده على جبهته و جعل يلاطفه فلمّا أراد النهوض قال:يا صعصعة لا تفخرن على إخوانك بما فعلت،فإنّي إنّما فعلت جميع ذلك لأنّه كان تكليفا لي فلا تذهبن نفسك إلى الفخر و تذلّل للّه عزّ و جلّ،و اعتمد على يده فقام (2).

أقول: فيه دلالة على أنّ الافتخار بتوجّه الإمام عليه السّلام ممّا لا ينبغي،نعم،لو كان الغرض من الإظهار إظهار نعمة اللّه سبحانه و الشكر عليها كان حسنا بل مأمورا به،و أمّا بنعمة ربّك فحدّث،و لا ريب أنّ ما فعله عليه السّلام مع البزنطي ممّا لا تعاد لها نعمة و قوله:فاعتمد على يده فقام فيه إشعار باستحباب هذه الكيفيّة،لأنّ فيها نوعا من التذلّل و الانكسار و إلاّ فهو عليه السّلام ما كان محتاجا إليها لعدم بلوغه ذلك السنّ.

و عن محمّد بن الفضيل قال:نزلت ببطن مر فأصابني العرق المدني في جنبي و في رجلي فدخلت على الرضا عليه السّلام بالمدينة،فقال:ما لي أراك متوجّعا؟فحكيت له فأشار إلى الذي في جنبي و تكلّم بكلام و تفل عليه و قال:ليس عليك بأس من هذا و نظر إلى الذي في رجلي،فقال:قال أبو جعفر عليه السّلام:من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب اللّه عزّ و جلّ له مثل7.

ص: 339


1- -عيون أخبار الرضا:241/1،و بحار الأنوار:29/49.
2- -عيون أخبار الرضا:230/1،و مدينة المعاجز:68/7.

أجر ألف شهيد،فقلت في نفسي:لا أبرء و اللّه من رجلي أبدا،فما زال يعرج منها حتّى مات (1).

و عن مسافر قال:كنت مع الرضا عليه السّلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من البرمك فقال:مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة ثمّ قال:هاه و أعجب من هذا هارون و أناكهاتين و ضمّ بإصبعيه.قال مسافر:فو اللّه ما عرفت معنى حديثه حتّى دفناه معه.

[في]البصائر،عن إبراهيم بن موسى قال:ألححت على أبي الحسن الرضا عليه السّلام في شيء أطلبه منه و كان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة و كنت معه أنا و ليس معنا ثالث فقلت:جعلت فداك هذا العيد قد أظلّنا و لا و اللّه ما أملك درهما،فحك بسوطه الأرض ثمّ ضرب بيده فتناول بيده سبيكة ذهب.

فقال:انتفع بها و اكتم ما رأيت (2).

[في]الخرائج عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت في مجلس الرضا فعطشت عطشا شديدا و تهيبته أن أستسقي في مجلسه فدعا بماء فشرب منه جرعة ثمّ قال:يا أبا هاشم اشرب فشربت ثمّ عطشت عطشة اخرى فنظر إلى الخادم و قال:شربة من ماء سويق سكر، قال له:بلّ السويق و انثر عليه السكّر بعد بلّه و قال:اشرب يا أبا هاشم فإنّه يقطع العطش (3).

و عن إسماعيل بن الحسن قال:كنت مع الرضا عليه السّلام و قد مال بيده إلى الأرض كأنّه يكشف شيئا فظهرت سبايك ذهب ثمّ مسح بيده على الأرض فغابت،فقلت في نفسي:لو أعطاني واحدة منها،قال:لا إنّ هذا الأمر لم يأت وقته (4).

أقول: هذه السبائك من معادن الأرض و خزائنها التي يخرجها اللّه سبحانه لمولانا المهدي عليه السّلام و هو المراد من قوله:لم يأت وقته.

و عن أحمد بن عمر قال:خرجت إلى الرضا عليه السّلام و امرأتي حبلى فقلت له:إنّي قد خلّفت أهلي و هي حامل فادع اللّه أن يجعله ذكرا،فقال لي:و هو ذكر فسمّه عمر،فقلت:3.

ص: 340


1- -عيون أخبار الرضا:239/1،و مدينة المعاجز:88/7.
2- -الكافي:491/1 ح 9،و عيون أخبار الرضا:245/1 ح 2.
3- -الخرائج و الجرائح:661/2 ح 3،و بحار الأنوار:18/49 ح 47.
4- -كشف الغمة:97/3.

نويت أن اسمه عليّا و أمرت الأهل به قال عليه السّلام:سمه عمر فوردت الكوفة و قد ولد لي ابن و سمّي عليّا فسمّتيه عمر،فقال لي جيراني:لا نصدّق بعد هذا أحدا عليك بشيء،فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسي (1).

أقول: سمّى الأئمّة عليهم السّلام أولادهم بأسماء لا يحبّونها كعمر و عثمان و نحوهما لفوائد كثيرة منها رعاية التورية و التقية عند الحاجة إليها،و منها ترغيب الشيعة في هذه التسمية إبقاء عليهم و دفعا عنهم،و إلاّ فأيّ أحد من الشيعة يقدم على تلك الأسماء الخبيثة و لو قطّع إربا إربا و حكاية أبو بكر سبزوار مشهورة.

و عن الوشاء عن الرضا عليه السّلام قال لي بخراسان:إنّي حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّى أسمع ثمّ فرّقت فيهم اثنى عشر ألف دينار ثمّ قال:أمّا إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا (2).

و عن عبد اللّه بن سرمة قال:مرّ بنا الرضا عليه السّلام فاختصمنا في إمامته،فلمّا خرج خرجت أنا و تميم بن يعقوب و نحن مخالفون له نرى رأي الزيدية فلمّا صرنا بالصحراء و إذا نحن بظباء فأومأ عليه السّلام إلى خشف منها فجاء حتّى وقف بين يديه فأخذ عليه السّلام يمسح رأسه و دفعه إلى غلام فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه فكلّمه الرضا عليه السّلام بكلام لا نفهم فسكن،ثمّ قال:يا عبد اللّه أو لم تؤمن؟

قلت:بلى يا سيّدي أنت حجّة اللّه على خلقه و أنا تائب إلى اللّه،ثمّ قال للظبي:

اذهب فجاء الظبي و عيناه تدمعان فتمسّح بأبي الحسن عليه السّلام ورعى،فقال عليه السّلام:تدري ما يقول؟قلنا:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم قال:يقول دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك و أحزنتني حين أمرتني بالذهاب (3).1.

ص: 341


1- -بحار الأنوار:52/49 ح 55،و مسند الأمام الرضا:249/1.
2- -عيون أخبار الرضا:235/1 ح 28،و الخرائج و الجرائح:363/1.
3- -الثاقب في المناقب:176،و الخرائج و الجرائح:364/1.
النمل يحمي الذهب

و عن أحمد بن عمر الحلال قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّي أخاف عليك من صاحب الرقّة قال:ليس عليّ منه بأس إنّ للّه بلاد أنبتت الذهب قد حماها بأضعف خلقه بالذر،فلو رأتها الفيلة ما وصلت إليها،قال الوشاء:إنّي سألته عن هذه البلاد و قد سمعت الحديث قبل مساءلتي فأخبرت أنّه بين بلخ (1)و التبت (2)و أنّها تنبت الذهب و فيها نمل كبار اشباه الكلاب على خلقها،فليس يمرّ بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها و تظهر بالنهار فربّما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة فيوقرون أحمالهم و يخرجون و إذا النمل خرجت في الطلب فلا يلحق شيئا إلاّ قطعته تشبه بالريح من سرعتها و ربما شغلوهم باللحم يتّخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق و إن لحقتهم قطعتهم و دوابّهم (3).

و عن محمّد الرازي قال:كنت في خدمة الرضا عليه السّلام لمّا جعله المأمون ولي عهده فأتاه رجل من الخوارج في كفّه مدية مسمومة و قد قال لأصحابه:لآتين هذا الذي يزعم أنّه ابن رسول اللّه و قد دخل لهذه الطاغية فيما دخل فأسأله عن حجّته،فإن كان له حجّة و إلاّ أرحت الناس منه،فدخل عليه،فقال:أجيبك عن مساءلتك بشرط إن أقنعتك أن تكسر الذي في كمّك،فتحيّر الخارجي و أخرج المدية و كسرها ثمّ قال:أخبرني عن دخولك لهذه الطاغية فيما دخلت له و هم عندك كفّار و أنت ابن رسول اللّه ما حملك على هذا؟

فقال عليه السّلام:أرأيتك هؤلاء أكفر أم عزيز مصر و أهل مملكته،أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحّدون و أولئك لم يوحّدوا اللّه و لم يعرفوه و يوسف بن يعقوب نبيّ ابن نبيّ قال لعزيز مصر و هو كافر اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ كان يجالس الفراعنة

ص: 342


1- -مدينة بخرسان.
2- -هي مملكة متاخمة للصين و بالتبت جبل يقال له جبل السمّ إذا مر به أحد يضيق نفسه فمنهم من يموت و منهم من يثقل لسانه،معجم البلدان:101/1.
3- -الخرائج و الجرائح:269/1 ح 27،و بحار الأنوار:54/49.

و أنا رجل من ولد رسول اللّه أجبرني على هذا الأمر و أكرهني عليه،فما الذي أنكرت و نقمت عليّ فقال:لا عتب عليك أنّي أشهد أنّك ابن نبيّ اللّه و أنّك صادق (1).

في المناقب قال:أتى رجل من ولد الأنصار بحقّة فضّة مقفل عليها و قال:لم يتحفك أحد بمثلها ففتحها عليه السّلام و أخرج منها سبع شعرات،و قال:هذا شعر النبيّ عليه السّلام فميز الرضا عليه السّلام أربع طاقات منها.

قال:هذا شعره،فقبل في ظاهره دون باطنه فأخرجه الرضا عليه السّلام من الشبهة بأن وضع الثلاثة على النار فاحترقت ثمّ وضع الأربعة فصارت كالذهب (2).

و عن مفيد بن جنيد الشامي قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقلت له:قد كثر الخوض فيك و في عجايبك فلو شئت أتيت بشيء و حدّثته عنك،فقال:و ما تشاء؟قال:تحيي إليّ أبي و امّي فقال:انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما،فانصرفت و اللّه و هما في البيت أحياء فأقاما عندي عشرة أيّام ثمّ قبضهما اللّه تبارك و تعالى (3).

[في]كشف الغمة قال محمّد بن طلحة من مناقبه عليه السّلام:أنّه لمّا جعل المأمون الرضا عليه السّلام ولي عهده كان في حاشية المأمون اناس كرهوا ذلك و خافوا خروج الخلافة من بني العبّاس إلى بني فاطمة فحصل عندهم من الرضا نفور و كان إذا جاء إلى دار المأمون يبادر من بالدهليز إلى السلام عليه و رفع الستر ليدخل فتواصوا[فيما بينهم] (4)و قالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه و لا ترفعوا الستر فجاء عليه السّلام فلم يملكوا أنفسهم أن سلّموا عليه و رفعوا الستر[على عادتهم،فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتفقوا عليه،و قالوا:التوبة] (5)الآتية.

فلمّا كان في ذلك اليوم جاء و لم يرفعوا الستر فأرسل اللّه ريحا شديدة دخلت الستر، فرفعته أكثر ممّا كانت ثمّ دخل فسكنت الريح فلمّا خرج رفعته الريح،فقالوا:هذا رجل له عند اللّه منزلة و سخّر له الريح كما سخّرها لسليمان لخدمته فرجعوا و زادت عقيدتهم فيه.ر.

ص: 343


1- -بحار الأنوار:55/49 ح 67.
2- -المناقب:458/3،و مدينة المعاجز:236/7.
3- -نوادر المعجزات:168 ح 6،و دلائل الأمامة:363 ح 11.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زيادة من المصدر.

و كان بخراسان امرأة تسمّى زينب فادّعت أنّها من سلالة فاطمة عليها السّلام و كانت تصول على أهل خراسان بنسبها و لم يعرفها الرضا عليه السّلام،فلمّا حضرت ردّ نسبها و قال:هذه كذّابة فقالت:كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك،فقال عليه السّلام لوالي خراسان و كان له موضع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين:هذه المرأة كذّابة و ليست من نسل علي و فاطمة فإنّ من كان حقّا فإنّ لحمه حرام على السباع فالقوها في بركة السباع قالت:فأنزل أنت إلى السباع،فقام عليه السّلام و الناس معه فنزل إلى السباع فأقعت على أذنابها و مسح يده على وجه كلّ واحد و رأسه فطلع و الناس يبصرونه ثمّ قال للسلطان:انزل هذه الكذّابة فامتنعت ثمّ القوها إلى السباع و افترسوها و شاع اسمها بزينب الكذّابة (1).

و عن علي بن محمّد القاشاني قال:أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى الرضا عليه السّلام مالا له خطر فلم أره سرّ به فاغتممت و قلت في نفسي:قد حملت هذا المال و ما سرّ به فقال:يا غلام الطشت و الماء و قعد على كرسي و قال للغلام صبّ علي الماء فجعل يسيل من بين أصابعه في الطشت ذهب ثمّ التفت إليّ و قال:من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه (2).

و روى الكشي بإسناده إلى عبد اللّه بن طاووس قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهما؟

قال:نعم سمّه في ثلاثين رطبة قلت له:فما كان يعلم أنّها مسمومة قال قد غاب عنه المحدّث،قلت:و من المحدّث؟قال:ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو مع الأئمّة عليهم السّلام و ليس كلّما طلب وجد ثم قال:إنّك ستعمّر فعاش مائة سنة (3).

أقول: تقدّم الكلام في هذا المطلب و أنّ هذا الحديث و ما بمعناه يكشف عن جواب الشبهة الواردة في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .

[في]عيون المعجزات،عن الحسن بن علي الوشاء قال:شخصت إلى خراسان3.

ص: 344


1- -كشف الغمة:53/3،و بحار الأنوار:61/49.
2- -الكافي:491/1 ح 10،و بحار الأنوار:63/49.
3- -بحار الأنوار:242/48 ح 50،و اختيار معرفة الرجال:864/2 ح 1123.

و معي حلل و شيء للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا و كنت أقول بالوقف على موسى بن جعفر عليه السّلام فوافق نزولي غلام أسود كأنّه من أهل المدينة،فقال لي:يقول لك:سيّدي:وجّه إليّ الحبرة التي معك لأكفّن بها مولى لنا قد توفّي،فقلت:و من سيّدك؟قال:علي بن موسى الرضا،فقلت:ما معي حبرة و لا حلّة إلاّ و قد بعتها في الطريق،فمضى ثمّ عاد إليّ فقال لي:قد بقيت الحبرة قبلك فقلت له:إنّي ما أعلمها معي،فمضى و عاد الثالثة فقال لي:

هي في عرض السفط الفلاني،فقلت في نفسي:إن صحّ قوله فهي دلالة و كانت ابنتي قد دفعت إليّ حبرة و قالت لي:ابتع بثمنها شيئا من الفيروزج و الشيح من خراسان و نسيتها فقلت لغلامي:هات هذا السفط الذي ذكره فأخرجه إليّ و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه فدفعتها إليه و قلت:لا آخذ لها ثمنا فعاد إليّ و قال:تهدي ما ليس لك؟دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا و شيحا فابتع لها ما سألت.

و وجّه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان فعجبت ممّا ورد عليّ و قلت:

و اللّه لأكتبنّ له مسائل أنا شاكّ فيها و لأمتحنّنه بمسائل سئل أبوه عنها،فأثبتت تلك المسائل في درج وعدت إلى بابه و المسائل في كمّي فلمّا وافيت بابه رأيت العرب و القوّاد و الجند يدخلون إليه فجلست ناحية داره و قلت في نفسي:متى أنا أصل إلى هذا و طال قعودي فخرج خادم يتصفّح الوجوه و يقول:أين ابن بنت الياس؟فقلت:ها أنا ذا فأخرج من كمّه درجا و قال:هذا جواب مسائلك و تفسيرها ففتحته و إذا فيه المسائل التي في كمّي و جوابها و تفسيرها،فقلت:اشهد اللّه و رسوله على نفسي أنّك حجّة اللّه و أستغفر اللّه و أتوب إليه و قمت (1).

[في]الخرائج قال:إنّ الرضا عليه السّلام لمّا قدم من خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف و كان علي بن اسباط قد توجّه إليه بهدايا و تحف،فأخذت القافلة و أخذ ماله و هداياه و ضرب على فيه فانتثرت نواجده فرجع إلى قرية هناك فنام فرأى الرضا عليه السّلام في منامه و هو يقول:لا تحزن إنّ هداياك و مالك وصلت إلينا،و أمّا فمك بثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك،فانتبه مسرورا و أخذ من السعد وحشى به فاه فردّ اللّه عليه5.

ص: 345


1- -عيون المعجزات:98،و دلائل الأمامة:374 ح 35.

نواجده،فلمّا دخل على الرضا عليه السّلام قال:قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا،فادخل هذه الخزانة فانظر فدخل،فإذا ماله و هداياه كلّها على حدّته (1).

[في]دعوات الراوندي عن محمّد بن علي عليه السّلام قال:مرض رجل من أصحاب الرضا عليه السّلام فعاده،فقال:كيف نجدك؟

قال:لقيت الموت بعدك يعني شدّة المرض قال:ما لقيت الموت إنّما لقيت ما يتقدّمه و يعرفك بعض حاله إنّما الناس رجلان[رجل]مستريح[و رجل]مستراح منه فجدّد الإيمان باللّه و بالولاية تكن مستريحا،ففعل الرجل ذلك ثمّ قال:يابن رسول اللّه هذه ملائكة ربّي بالتحيّات و التحف يسلّمون عليك و هم قيام بين يديك فأذن لهم في الجلوس فقال الرضا عليه السّلام:اجلسوا ملائكة ربّي،ثمّ قال للمريض:سلهم ثمّ أمروا بالقيام بحضرتي،فقال المريض:سألتهم فذكروا أنّه لو حضرك كلّ من خلقه اللّه من ملائكته لقاموا لك و لم يجلسوا حتّى تأذن لهم هكذا أمرهم اللّه عزّ و جلّ ثمّ غمض عينيه و قال:السلام عليك يابن رسول اللّه هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص محمّد و من بعده من الأئمّة عليهم السّلام و قضى الرجل.

أقول: يستفاد منه أنّ الذي يحضر الميّت هو مثالهم عليهم السّلام لا هم أنفسهم و أشخاصهم و أمثلتهم كثيرة كلّ واحد منهم له نفس قويّة عالمة فاضلة تدبر أشباحا متعدّدة،فمن هذا قال أمير المؤمنين عليه السّلام شعر:

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

و قد سبق الكلام فيه (2).6.

ص: 346


1- -مدينة المعاجز:231/7 ح 182،و بحار الأنوار:72/49 ح 95.
2- -دعوات الراوني:248 ح 698،و بحار الأنوار:155/6.

الفصل الثاني

اشارة

في كيفيّة وروده عليه السلام البصرة و الكوفة

و في استجابة دعواته و علمه بجميع اللغات و مكارم أخلاقه

و ما أنشده من الأشعار الحكميّة

[في]الخرائج،عن محمّد بن الفضل الهاشمي قال:لمّا توفّى موسى بن جعفر أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السّلام فسلّمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي و قلت:إنّي صائر إلى البصرة و عرفت كثرة خلاف الناس و قد نعي إليهم موسى و ما أشكّ أنّهم سيسألوني عن براهين الإمام و لو أريتني شيئا من ذلك،فقال الرضا عليه السّلام:لم يخف عليّ هذا فابلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها إنّي قادم عليهم و لا قوّة إلاّ باللّه،ثمّ أخرج إلي جميع ما كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله عند الأئمّة عليهم السّلام من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك،فقلت:و متى تقدم عليهم؟قال:بعد ثلاثة أيّام من وصولك و دخولك البصرة،فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم:إنّي أتيت موسى بن جعفر قبل وفاته بيوم واحد،فقال:إنّي ميّت لا محالة فإذا و اريتني في لحدي فلا تقيمن و توجّه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني علي بن موسى فهو وصيّي و صاحب الأمر بعدي،ففعلت ما أمرني به و هو يوافيكم إلى ثلاثة أيّام من يومي هذا فاسألوه عمّا شئتم،فابتدر الكلام عمرو بن هذاب من القوم و كان ناصبيّا ينحو نحو التزيد و الاعتزال فقال:يا محمّد أنّ الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه و علمه و سنّه و ليس هو شاب مثل علي بن موسى و لعلّه لو سئل عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك،فقال الحسن بن محمّد و كان حاضرا:لا تقل ذلك فإنّ عليّا على ما وصفه من الفضل يقول إنّه يقدم إلى ثلاثة أيّام و كفاك به دليلا و تفرّقوا،فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا عليه السّلام قد وافى،فقصد منزل الحسن بن محمد

ص: 347

و أخلا له داره و قام بين يديه بأمره و نهيه.

فقال:يا محمّد أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا و احضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت و مر القوم يسألوا عمّا بدا لهم،فجعمهم كلّهم و الزيدية و المعتزلة و هم لا يعلمون لما يريدهم الحسن بن محمّد،فلمّا تكاملوا أثنى للرضا عليه السّلام و سادة جلس عليها ثمّ قال:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟

قالوا:لا،قال:لتطمئن أنفسكم،قالوا:من أنت يرحمك اللّه؟قال:أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن رسول اللّه، صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مع والي المدينة و اقراني بعد أن صلّينا كتاب صاحبه إليه و استشارني في كثير من اموره،فأشرت عليه بما فيه الحظّ له و وعدته أن يصير إلى بعد العصر من هذا اليوم ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه و أنا واف له بما وعدته فقالت الجماعة:يابن رسول اللّه مع هذا الدليل برهانا و أنت عندنا الصادق القول،فقاموا لينصرفوا فقال:لا تتفرّقوا فإنّي إنّما جمعتكم لتسألوا عمّا شئتم من آثار النبوّة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت فهلمّوا مسائلكم،فابتدأ عمرو بن هذاب فقال:

إنّ محمّد بن الفضل الهاشمي ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب أخبرنا عنك أنّك تعرف كلّما أنزله اللّه و أنّك تعرف كلّ لسان و لغة.

فقال عليه السّلام:صدق.

قال:فإنّا نختبرك بالألسن و اللغات و هذا روميّ و هذا هندي و فارسي و تركي، فأحضرناهم فقال:فليتكلّموا فتكلّموا فأجابهم بلغاتهم ثمّ نظر إلى ابن هذاب فقال:إن أنا اختبرتك إنّك ستبتلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك كنت مصدّقا؟قال:لا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه،قال عليه السّلام:أو ليس اللّه يقول: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فرسول اللّه عند اللّه مرتضى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللّه على ما يشاء من غيبه فعلّمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة و أنّ الذي أخبرتك يابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام،فإن لم يصحّ ما قلت فإنّي كاذب و إن صح فتعلم أنّك الكاذب على اللّه و رسوله،و دلالة اخرى أمّا أنّك ستصاب ببصرك و تكون أعمى و هذا كائن بعد أيّام،

ص: 348

و دلالة اخرى أنّك تحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص.

قال محمّد بن الفضل:تاللّه لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب،فقيل له:صدق الرضا أم كذب؟قال:و اللّه لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن و لكنّي كنت أتجلّد،ثمّ إنّه عليه السّلام التفت إلى الجاثليق فقال:هل دلّ الإنجيل على نبوة محمد؟.

قال:لو دلّ ما جحدناه.

فقال:أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث؟

فقال الجاثليق:اسم من أسماء اللّه و لا يجوز لنا أن نظهره.

قال عليه السّلام:فإن قررتك أنّه اسم محمّد و ذكره و أقرّ به عيسى و أنّه بشّر بني إسرائيل بمحمّد لتقرّ به و لا تنكر به.قال الجاثليق:إن فعلت أقررت،قال عليه السّلام:فخذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمّد و بشارة عيسى بمحمّد،قال الجاثليق:هات،فأقبل الرضا عليه السّلام يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتّى بلغ ذكر محمّد،فقال:يا جاثليق من هذا الموصوف؟ قال:صفه،قال:لا أصفه إلاّ بما وصفه اللّه هو صاحب الناقة و العصا و الكساء اَلنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ (1)يهدي إلى الطريق الأقصد و المنهاج الأعدل و الصراط الأقوم،سألتك يا جاثليق بحقّ عيسى روح اللّه و كلمته هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيّ؟فأطرق الجاثليق مليّا و علم أنّه إن جحد الإنجيل كفر،فقال:نعم هذه الصفة في الإنجيل و قد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبيّ و لم يصحّ عند النصارى أنّه صاحبكم.

فقال الرضا عليه السّلام:أمّا إذا لم تكفر بجحود الإنجيل و أقررت بما فيه من صفة محمّد فخذ عليّ في السفر الثالث،فإنّي أوجدك ذكره و ذكر وصيّه و ذكر ابنته فاطمة و ذكر الحسن و الحسين؟

فلمّا سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا عليه السّلام عالم بالتوراة و الإنجيل فقالا:و اللّه قد أتى بما لا يمكننا ردّه إلاّ بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور و لقد بشّر به موسى و عيسى جميعا و لكن لم يتقرّر عندنا بالصحّة أنّه محمّد هذا،فأمّا اسمه فمحمّد فلا يجوز لنا7.

ص: 349


1- -سورة الأعراف:157.

أن نقرّ لكم بنبوّته و نحن شاكّون أنّه محمّدكم أو غيره.

فقال الرضا عليه السّلام:احتججتم بالشكّ فهل بعث اللّه قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّا اسمه محمّد أو تجدونه في شيء من الكتب الذي أنزلها اللّه على جميع الأنبياء غير محمّد؟فأحجموا عن جوابه و قالوا:لا يجوز لنا أن نقرّ لك بأنّ محمّدا هو محمّدكم،لأنّا إن أقررنا لك بمحمّد و وصيّه و ابنته و ابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها،فقال الرضا عليه السّلام:أنت يا جاثليق آمن في ذمّة اللّه و ذمّة رسوله انّه لا يبدءك منّا شيء تكرهه،قال:

أمّا إذا آمنتني فإنّ هذا النبيّ الذي اسمه محمّد و هذا الوصيّ الذي اسمه علي و هذه البنت التي اسمها فاطمة و هذان السبطان اللّذان اسمهما الحسن و الحسين في التوراة و الإنجيل و الزبور،فلمّا أخذ عليه السّلام إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت:فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود.

قال:هات بارك اللّه عليك و على من ولدك فتلا عليه السّلام السفر الأوّل من الزبور حتّى انتهى إلى ذكر محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين،فقال لرأس الجالوت:سألتك باللّه هذا في زبور داود و لك منّي الأمان و الذمّة و العهد ما قد أعطيته الجاثليق،فقال:نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم،قال الرضا عليه السّلام:بحقّ العشر الآيات التي أنزلها اللّه على موسى ابن عمران هل تجد في التوراة صفة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين منسوبين إلى العدل و الفضل؟قال:نعم،قال:فخذ الآن في سفر كذا من التوراة،فأقبل الرضا عليه السّلام ليتلو التوراة و رأس الجالوت يتعجّب من تلاوته و بيانه و فصاحته حتى إذا بلغ ذكر محمّد قال رأس الجالوت:نعم هذا احماد و اليا و بنت احماد و شبير و شبّر و تفسيرها بالعربية محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين.

فلمّا فرغ من تلاوته قال رأس الجالوت:و اللّه يابن محمّد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد و اتّبعت أمرك فما رأيت أقرأ للتوراة و الإنجيل و الزبور منك،فلم يزل الرضا عليه السّلام معهم إلى وقت الزوال فقال:أنا اصلّي و أصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه و أعود إليكم بكرة إن شاء اللّه،فصلّى و انصرف،فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية و الجاثليق يسمع،فقال الرضا عليه السّلام بالرومية:أيّما أحبّ إليك عيسى أم محمد؟فقالت فيما مضى:

ص: 350

عيسى حين لم أكن عرفت محمّدا فبعد أن عرفته صار أحبّ إليّ من كلّ نبيّ فدخلت في دين محمّد.

ثمّ قال الجاثليق:يابن محمّد هذا رجل سندي نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسندية فاحضره و تكلّم معه بالسندية،فحاجّه و نقله من شيء إلى شيء في النصرانية فسمعناه يقول:ثبطي ثبطله،فقال الرضا عليه السّلام:قد وحّد اللّه بالسندية ثمّ كلّمه في عيسى و مريم فدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و قطع الرضا عليه السّلام زناره بيده.

و قال لمحمّد بن الفضل الهاشمي:خذ السندي إلى الحمّام و طهّره و اكسه و عياله و احملهم جميعا إلى المدينة،فلمّا فرغ من كلام القوم،قال:قد صحّ عندكم صدق ما كان محمّد بن الفضل يقول.فلمّا أصبح و دّع الجماعة و أوصاني بما أراد و مضى و تبعته حتّى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق ثمّ قال:غمّض طرفك فغمضته ثمّ قال:افتح عينيك ففتحتها،فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة و لم أر الرضا عليه السّلام و كان فيما أوصاني في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي:صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك و اعلمهم أنّي قادم عليهم،فصرت إلى الكوفة و أعلمت الشيعة أنّ الرضا عليه السّلام قادم عليكم فرأيت يوما سلام خادم الرضا عليه السّلام فعلمت أنّه قد قدم فبادرت إليه،فقال لي عليه السّلام:احتشد من طعام تصلحه للشيعة،فقلت:قد فعلت فجمعنا الشيعة،فلمّا أكلوا قال عليه السّلام:يا محمّد انظر من بالكوفة من المتكلّمين و العلماء فأحضرناهم،فقال لهم:إنّي اريد أن أجعل لكم حظّا من نفسي كما جعلته لأهل البصرة و أنّ اللّه قد علّمني كلّ كتاب أنزله ثمّ أقبل على الجاثليق و كان معروفا بالجدل و العلم و الإنجيل،فقال عليه السّلام:يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلّقها في عنقه إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على اللّه باسم واحد من الخمسة الأسماء أن تطوى له الأرض فيصير من المغرب إلى المشرق و من المشرق إلى المغرب في لحظة،فقال الجاثليق:لا علم لي فيها،و أمّا الأسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل اللّه بها أو بواحد منها يعطيه اللّه ما يسأله قال:اللّه أكبر إذ لم تنكر الأسماء،فأمّا الصحيفة فلا يضرّ أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله ثمّ قال:يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاجّ خصمه بملّته و كتابه و نبيّه و شريعته؟

ص: 351

قالوا:نعم،قال عليه السّلام:فاعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمّد إلاّ من قام بما قام به محمّد حين يفضي الأمر إليه،و لا يصلح للإمامة إلاّ من حاجّ الامم بالبراهين للإمامة.

فقال رأس الجالوت:و ما الدليل على الإمام؟قال:أن يكون عالما بالتوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن الحكيم فيحاجّ أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل القرآن بقرآنهم و أن يكون عالما بجيمع اللغات حتّى لا يخفى عليه لسان واحد فيحاجّ كلّ قوم بلغتهم ثمّ يكون مع هذه الخصال تقيّا نقيّا من كلّ دنس طاهرا من كلّ عيب عادلا منصفا حكيما رؤوفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارّا طاهرا أمينا مأمونا راتقا فاتقا،فقام إليه نصر بن مزاحم فقال:ما تقول في جعفر بن محمّد؟

فقال:ما أقول في إمام شهدت امّة محمّد قاطبة بأنّه كان أعلم أهل زمانه،قال:فما تقول في موسى بن جعفر؟قال:كان مثله قال:فإنّ الناس قد تحيّروا في أمره،قال:إنّ موسى بن جعفر عمّر برهة من الزمان فكان يكلّم الناس بلغاتهم و كتبهم،فلمّا نفدت مدّته و كان وقت وفاته أتاني مولى له برسالته يقول:يا بني إنّ الأجل قد نفد و المدّة قد انقضت و أنت وصيّ أبيك،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لمّا كان وقت وفاته دعى عليا و أوصاه و دفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خصّ اللّه بها الأنبياء و الأوصياء ثمّ قال:يا علي ادن منّي فغطّى رأس علي عليه السّلام ثمّ قال له:اخرج لسانك فأخرجه فختمه بخاتمه ثمّ قال:يا علي اجعل لساني في فمك فمصّه و أبلغ عنّي كلّ ما تجد في فيك،ففعل عليّ ذلك،فقال:إنّ اللّه قد فهمك ما فهّمني و بصّرك ما بصّرني و أعطاك من العلم ما أعطاني إلاّ النبوّة فإنّه لا نبيّ بعدي ثمّ كذلك إمام بعد إمام،فلمّا مضى موسى علمت كلّ لسان و كلّ كتاب (1).

[في]عيون الأخبار مسندا إلى الهروي قال:رفع إلى المأمون أنّ الرضا عليه السّلام يعقد مجالس الكلام و الناس يفتتنون بعلمه فأمر حاجبه فطرد الناس عن مجلسه و أحضره،فلمّا نظر إليه زبره و استخف به فخرج عليه السّلام مغضبا و هو يدمدم بشفتيه و يقول:و حقّ المصطفى و المرتضى و سيّدة النساء لأستنزلن من حول اللّه عزّ و جلّ بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إيّاه و استخفافهم به و بخاصّته و عامّته،ثمّ توضّأ و صلّى ركعتين و دعا في قنوته دعاء طويلا فما استتمه حتّى ارتجّ البلد و ارتفعت الصيحة،فقال عليه السّلام:اصعد7.

ص: 352


1- -الخرائج و الجرائح:351/1،و مدينة المعاجز:215/7.

السطح فإنّك سترى امرأة بغيّة مهيجة الأشرار يسمّيها أهل هذه الكورة سمانة لتهتكها قد اسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا و هي تقود الجيوش إلى قصر المأمون و منازل قوّاده فصعدت السطح فلم أر إلاّ نفوسا تنزع بالعصيّ و هامات ترضخ بالأحجار و لقد رأيت المأمون متدرّعا قد برز من قصره متوجّها للهرب،فما شعرت إلاّ بشاجرد الحجّام قد رمى من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقّت جلدة هامته.

فقال لقاذف اللبنة بعض من عرف المأمون:ويلك أمير المؤمنين،فسمعته سمانة فقالت:اسكت لا امّ لك ليس هذا يوم التميّز و المحاباة و لا يوم أنزل الناس على طبقاتهم، فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلّط ذكور الفجّار على فروج الأبكار و طرد المأمون و جنوده أسوء طرد بعد إذلال و استخفاف شديد (1).

و في المناقب في آخر الحديث:و نهبوا أمواله فصلب المأمون أربعين غلاما و علم ذلك من الاستخفاف بالرضا عليه السّلام فانصرف و دخل عليه و حلّفه أن لا يقوم و قبّل رأسه و جلس بين يديه و قال:لم تطب نفسي بعد مع هؤلاء فما ترى؟

فقال عليه السّلام:اتّق اللّه في امّة محمّد و ما ولاّك من هذا الأمر و خصّك به،فإنّك قد ضيّعت امور المسلمين و فوّضت ذلك إلى غيرك (2).

و فيه أيضا عن الهروي قال:كان الرضا عليه السّلام يكلّم الناس بلغاتهم و كان و اللّه أفصح الناس و أعلمهم بكلّ لسان و لغة،فقلت له يوما:يابن رسول اللّه إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها،فقال:يا أبا الصلت أنا حجّة اللّه على خلقه و ما كان اللّه ليتّخذ حجّة على قوم و هو لا يعرف لغاتهم،أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السّلام:اوتينا فصل الخطاب،فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات (3).

أقول: كلّما ورد في تفسير فصل الخطاب يرجع عند التحقيق إلى معرفة اللغات لأنّه ليس المراد معرفة التكلّم و النطق بها فقط بل هذا مع بيانها و تميّز الحقّ منها من الباطل7.

ص: 353


1- -عيون أخبار الرضا:184/1،و مدينة المعاجز:146/7.
2- -عيون أخبار الرضا:170/1،و بحار الأنوار:84/49 ح 2.
3- -عيون أخبار الرضا:251/1،و مدينة المعاجز:124/7.

و البلاغة الراجعة إليها و فصاحتها إلى غير ذلك ممّا يتعلّق بها.

[في]البصائر،عن الجعفري قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقال:يا أبا هاشم كلّم هذا الخادم بالفارسية فإنّه يزعم أنّه يحسنها،فقلت للخادم:(زانويت چيست)؟فلم يجبني.

فقال عليه السّلام:يقول ركبتك،ثمّ قلت:(نافت چيست)؟فلم يجبني،فقال عليه السّلام:يقول سرّتك.

و فيه أيضا عن سليمان الجعفري قال:كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حايط له إذ جاءت عصفورة فوقعت بين يديه و أخذت تكثر الصياح،فقال:تدري ما تقول؟فقلت:اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم،قال:إنّها تقول أنّ حيّة تريد أكل فراخي في البيت،فقم فخذ تلك العصا و ادخل البيت و اقتل الحيّة،فأخذت العصا و دخلت البيت و إذا حيّة تجول في البيت،فقتلتها (1).

[في]الأمالي عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام يختم القرآن في كلّ ثلاث و يقول:لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت و لكنّي ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها و في أيّ شيء انزلت و في أيّ وقت،فلذلك صرت أختم في كلّ ثلاث (2).

[في]عيون الأخبار عن رجاء بن الضحّاك قال:بعثني المأمون في إشخاص الرضا عليه السّلام من المدينة و أمرني أن أخذ به على طريق البصرة و الأهواز و فارس و لا آخذ به على طريق قم فكنت معه من المدينة إلى مرو،ثمّ ذكر عبادته في الطريق في حديث طويل نقي الألفاظ مهذّب العبارات ما رأيت حديثا مثله في التهذيب و التحرير و الطول يشتمل على الفرائض و النوافل و الأوقات و كيفيّات الصلاة و جملة من أحكام الصلاة ذكرها بعض فقهائنا و اعترف آخرون بأنّها خالية من النصّ و لا دليل عليها مع أنّ دليلها في هذا الحديث و هو مذكور بتمامه في الكتاب المذكور،و بعض المعاصرين من مشايخنا الثقاة أفرده بكتاب على حدته لكثرة ما فيه من الفوائد (3).1.

ص: 354


1- -بصائر الدرجات:358،و مسند الأمام الرضا:254/1.
2- -أمالي الصدوق:758 ح 14،و أخبار الرضا:193/1
3- -عيون أخبار الرضا:194/1،و مسند الأمام الرضا:40/1.

و فيه أيضا عن إبراهيم بن العبّاس قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:حلفت بالعتق و لا أحلف بالعتق إلاّ أعتقت رقبة و أعتقت بعدها جميع ما أملك إن كنت أرى أنّي خير من هذا و أومى إلى عبد أسود من غلمانه،بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلاّ أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه (1).

أقول: روى هذا الحديث بألفاظ غير هذه الألفاظ و قد حصل منه تعقيد احتاج أصحاب الحديث إلى تأويله و التكلّف له و ما هنا هو الأصحّ،نعم فيه الإشكال من جهة الحلف بالعتق و هو ليس من مذهبنا،نعم هو من مذهب المخالفين فيحمل على التقية،و أمّا عتق باقي المماليك فيكون تبرّعا منه عليه السّلام أو كفّارة لذلك الحلف.

[في]المناقب،عن اليقطيني قال:لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام جمعت من مسائله ممّا سئل عنه و أجاب عنه ثمانية عشر ألف مسألة (2).9.

ص: 355


1- -عيون أخبار الرضا:262/1،و بحار الأنوار:95/49 ح 9.
2- -المناقب:461/3،و غيبة الطوسي:73 ح 79.
كيفيّة أكل الكاظم عليه السلام

[في]المحاسن،عن أبي خلاّد قال:كان أبو الحسن الرضا عليه السّلام إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به،فيأخذ من كلّ شيء شيئا فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ثمّ يقول:علم اللّه عزّ و جلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنّة (1).

و عن موسى بن سيّار قال عليه السّلام:أما علمت انّا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا و مساء،فما كان من التقصير في أعمالنا سألنا اللّه تعالى الصفح لصاحبه و ما كان من العلو سألنا اللّه الشكر لصاحبه (2).

و في المناقب:أنّ الرضا عليه السّلام دخل الحمّام،فقال له بعض الناس:دلّكني فجعل يدلكه فعرفوه،فجعل الرجل يستعذر منه و هو يطيّب قلبه و يدلكه (3).

و مرّ رجل بأبي الحسن الرضا عليه السّلام فقال له:اعطني على قدر مروّتك قال:لا يسعني ذلك،فقال:على قدر مروّتي،فقال:أمّا ذا،فنعم،ثمّ قال:يا غلام اعطه مائتي دينار، و فرّق عليه السّلام بخراسان ماله كلّه يوم عرفة،فقال له الفضل بن سهل:إنّ هذا المغرم أي الإسراف فقال:بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجرا و كرما (4).

[في]الكافي،عن اليسع بن حمزة قال:دخل على الرضا عليه السّلام رجل طوال أدم فقال:

أنا من محبّيك مصدري من الحجّ و قد افتقدت نفقتي فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تعطيني عنك فلست موضع صدقة،فقال:اجلس رحمك اللّه فجلس حتّى تفرّق الناس و بقى سليمان الجعفري و خيثمة و أنا،فدخل الحجرة و أخرج يده

ص: 356


1- -المحاسن:392/2،و الكافي:52/4 ح 12.
2- -المناقب:452/2،و مدينة المعاجز:229/7 ح 179.
3- -المناقب:471/3،و بحار الأنوار:99/49 ح 16.
4- -المناقب:470/3،و بحار الأنوار:100/49 ح 16.

من أعلى الباب و قال:أين الخراساني؟فناوله مائتي دينار،فقال:اخرجها في نفقتك و لا تصدق بها عنّي و اخرج فلا أراك و لا تراني ثمّ خرج،فقال سليمان:لقد أجزلت و رحمت فلم ذا سترت وجهك عنه؟

فقال:مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته،أما سمعت حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة و المذيع بالسيّئة مخذول و المستتر بها مغفور،أما سمعت قول الأوّل شعر:

متى آته يوما لأطلب حاجة *** رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه

انتهى ملخّصا (1).

و فيه عن البغدادي عمّن أخبره قال:نزل بالرضا عليه السّلام ضيف و كان يحدّثه في بعض الليل فتغيّر السّراج فمدّ الرجل يده ليصلحه فزبره أبو الحسن عليه السّلام ثمّ بادر بنفسه فأصلحه و قال:إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا (2).

و عن ياسر الخادم قال:أكل الغلمان يوما فلم[يستقصوا] (3)أكلها و رموا بها فقال عليه السّلام:سبحان اللّه إن كنتم استغنيتم،فإنّ اناسا لم يستغنوا اطعموا من يحتاج إليه.

و عنه قال:قال لنا الرضا عليه السّلام:إن قمت على رؤوسكم و أنتم تأكلون فلا تقوموا حتّى تفرغوا (4).

و فيه عن الجعفري قال:دخلت على الرضا عليه السّلام و بين يديه تمر برني و هو يأكله بشهوة،فقال:ادن و كل فأكلت معه فقلت:إنّك تأكل هذا التمر بشهوة؟قال:نعم إنّي لأحبّه، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان تمريا و كان سيّد العابدين عليه السّلام تمريا و كان أبو جعفر عليه السّلام تمريا و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام تمريا و كان أبي تمريا و إنّي تمريّ و شيعتنا يحبّون التمر،لأنّهم خلقوا من طينتنا و أعداؤنا يحبّون المسكر لأنّهم خلقوا من مارج من نار (5).

و فيه عن البزنطي:أنّ الرضا عليه السّلام كان يترب الكتاب.3.

ص: 357


1- -الكافي:24/4 ح 3،و المناقب:470/3.
2- -الكافي:283/6 ح 2،و بحار الأنوار:102/49 ح 20.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الكافي:297/6 ح 8،و بحار الأنوار:102/49 ح 21.
5- -وسائل الشيعة:136/25 ح 3،و بحار الأنوار:103/49 ح 23.

أقول: معناه أنّه يذر التراب على الكتاب قبل جفاف المداد ليجفّ و قيل:كناية عن التواضع فيه و قيل:معناه جعله على الأرض عند تسليمه إلى الحامل و هما بعيدان.

و عن محمّد بن الفضيل عن الرضا عليه السّلام أنّه قال لبعض مواليه يوم الفطر و هو يدعو له:

يا فلان تقبّل اللّه منك و منّا،ثمّ أقام حتّى إذا كان يوم الأضحى فقال له:يا فلان تقبّل اللّه منّا و منك،قال:فقلت له:يابن رسول اللّه قلت في الفطر شيئا و تقول في الأضحى غيره؟

فقال:نعم،إنّي قلت في الفطر تقبّل اللّه منك و منّا لأنّه فعل مثل فعلي و تواسينا في الفعل،و قلت له في الأضحى:تقبّل منّا و منك لأنّا يمكنّا أن نضحى فقد فعلنا نحن غير فعله (1).

و عن سليمان الجعفري قال:دخلت مع الرضا عليه السّلام داره فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين المعالف أو غيرها و فيهم أسود ليس منهم،فقال:ما هذا الرجل؟قالوا:يعاوننا و نعطيه شيئا،قال:قاطعتموه على اجرته؟قالوا:لا،يرضى منّا بما نعطيه،فأقبل عليهم يضربهم بالسّوط و غضب لذلك غضبا شديدا و قال:إنّي نهيتهم عن هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد حتّى يقاطعوه اجرته و اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته ثلاثة أضعاف على اجرته إلاّ ظنّ أنّك نقصته اجرته و إذا قاطعته ثمّ أعطيته اجرته حمدك على الوفاء،فإن زدته حبّة عرف ذلك و رأى أنّك قد زدته (2).

[في]عيون الأخبار،عن الرضا عليه السّلام إنّ المأمون قال له:هل رويت من الشعر شيئا؟

فقال:قد رويت منه الكثير،فقال:انشدني أحسن ما رويته في الحلم،فقال عليه السّلام شعر:

إذا كان دوني من بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

و إن كان مثلي في محلّي من النهىّ *** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى *** عرفت له حقّ التقدّم و الفضل

قال له المأمون:ما أحسن هذا،هذا من قاله؟قال بعض فتياننا،قال:فانشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل و ترك عتاب الصديق،فقال عليه السّلام شعر:4.

ص: 358


1- -الكافي:181/4 ح 4،و بحار الأنوار:105/49 ح 33.
2- -الكافي:288/5 ح 1،و بحار الأنوار:106/49 ح 34.

إنّي ليهجرني الصديق بحبّنا *** فأراه أنّ لهجره أسبابا

و أراه إن عاتبته أغريته *** و أرى له ترك العتاب عتابا

و إذا بليت بجاهل متحكّم *** يجد المحال من الامور صوابا

أوليته منّي السكوت و ربّما *** كان السكوت عن الجواب جوابا

فقال له المأمون:ما أحسن هذا من قاله؟

فقال عليه السّلام:بعض فتياننا،قال:انشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدوّ حتّى يكون صديقا فقال عليه السّلام شعر:

و ذي علّة سالمته فقهرته *** فأوقرته منّي بعفو التجمّل

و من لا يدافع سيّئات عدوّه بإحسانه *** لم يأخذ الطول من عليّ

و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا *** لغمر قديم من وداد معجّل

فقال له المأمون:ما أحسن هذا،من قاله؟قال:بعض فتياننا،قال:فانشدني أحسن ما رويته في كتمان السرّ،فقال عليه السّلام شعر:

و انّي لأنسى السرّ كيلا أذيعه *** فيا من رأى سرّا يصان بأن ينسا

مخافة أن يجري ببالي ذكره *** فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا

فيوشك من لم يفش سرّا و جال فيّ خواطره *** أن لا يطيق له حبسا

فأمر له المأمون بثلاثمائة ألف درهم (1).

قال الصدوق رحمه اللّه بعد إيراد هذا الخبر:كان سبيل ما يقبله الرضا عليه السّلام من المأمون سبيل ما كان يقبله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من الملوك و سبيل ما كان يقبله الحسن عليه السّلام من معاوية و سبيل ما كان يقبله الأئمّة من آبائه عليهم السّلام من الخلفاء و ما كانت الدّنيا كلّها له فغلب عليها ثمّ أعطى بعضها،فجائز له أن يأخذه.

أقول: لعلّ الأشعار المذكورة له عليه السّلام و قوله:بعض فتياننا في الكلّ مشعر به كما لا يخفى.

و فيه أيضا عن ابن المغيرة قال:سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول شعر:

إنّك في دار لها مدّة *** يقبل فيها عمل العامل9.

ص: 359


1- -عيون أخبار الرضا:188/1،و بحار الأنوار:108/49.

ألا ترى الموت محيطا بها *** يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذنب لما تنتهي *** و تأمل التوبة في قابل

و الموت يأتي أهله بغتة *** ما ذاك فعل الحازم العاقل (1)

و قال الريّان:أنشدني الرضا عليه السّلام لعبد المطّلب شعر:

يعيب الناس كلّهم زمانا *** و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا *** و لو نطق الزمان بنا هجانا

و أنّ الذئب يترك لحم ذئب *** و يأكل بعضنا بعضا عيانا (2)

و عن إبراهيم بن العبّاس قال:كان الرضا عليه السّلام ينشد كثيرا شعر:

إذا كنت في خير فلا تغترر به *** و لكن قل اللّهم سلّم و تمّم (3)9.

ص: 360


1- -عيون أخبار الرضا:189/1،و الأختصاص:98.
2- -عيون أخبار الرضا:190/1،و بحار الأنوار:111/49.
3- -عيون أخبار الرضا:191/1،و بحار الأنوار:111/49 ح 9.

الفصل الثالث

اشارة

فيما جرى بينه و بين هارون و أتباعه في كيفيّة طلب المأمون له

من المدينة و في وروده نيسابور و في ولاية العهد و قبوله عليه السّلام لها

و فيما جرى بينه و بين المأمون

[في]عيون الأخبار عن صفوان بن يحيى قال:لمّا مضى الكاظم عليه السّلام و تكلّم الرضا عليه السّلام خفنا عليه من ذلك،فقلت له:إنّك قد أظهرت أمرا عظيما و إنّما نخاف عليك هذا الطاغي فقال:ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ،قال صفوان:فأخبرنا الثقة أنّ يحيى بن خالد قال للطاغي:هذا عليّ ابنه قد قعد و ادّعى الأمر لنفسه فقال:ما يكفينا ما صنعنا بأبيه تريد أن نقتلهم جميعا و لقد كانت البرامكة مبغضين لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مظهرين العداوة لهم (1).

و فيه عن أبي الحسن الطّبيّب قال:لمّا توفّي الكاظم عليه السّلام دخل الرضا عليه السّلام السوق فاشترى كلبا و كبشا و ديكا،فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون قال:قد أمنا جانبه و كتب الزبيري:أنّ علي بن موسى قد فتح بابه و دعى إلى نفسه،فقال هارون:و اعجبا من هذا يكتب أنّ عليّ بن موسى قد اشترى كلبا و ديكا و كبشا و يكتب فيه ما يكتب (2).

[عن]حمزة الارجاني قال:خرج هارون من المسجد الحرام مرّتان و خرج الرضا عليه السّلام مرّتان فقال عليه السّلام:ما أبعد الدار و أقرب اللقاء يا طوس ستجمعني و إيّاه (3).

[في]الكافي عن محمّد بن سنان قال:قلت لأبي الحسن الرضا في أيّام هارون:إنّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر و جلست مجلس أبيك و سيف هارون يقطر الدم قال:جرّأني

ص: 361


1- -عيون أخبار الرضا:246/1،و الكافي:487/1 ح 2.
2- -مناقب آل أبي طالب:478/3،و عيون أخبار الرضا:222/1.
3- -الثاقب في المناقب:492 ح 7،و مدينة المعاجز:78/7.

على هذا ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بنبيّ و أنا أقول لكم:إن أخذ هارون من رأسي شعرة،فاشهدوا أنّي لست بإمام (1).

[في]عيون الأخبار عن أبي الحسن الصايغ عن عمّه قال:خرجت مع الرضا عليه السّلام إلى خراسان أو آمره في قتل رجاء بن أبي الضحّاك الذي حمله إلى خراسان فنهاني عن ذلك فقال:تريد أن تقتل نفسا مؤمنة بنفس كافرة فلمّا صار إلى الأهواز مرض و قال لأهل الأهواز:

اطلبوا لي قصب سكّر،فقال بعض أهل الأهواز ممّن لا يعقل:اعرابي لا يعلم أنّ القصب لا يوجد في الصيف،فقالوا:يا سيّدنا القصب لا يكون في هذا الوقت إنّما يكون في الشتاء، فقال:بلى اطلبوه فإنّكم ستجدونه،فقال إسحاق بن محمّد:و اللّه ما طلب سيّدي إلاّ موجودا،فأرسلوا إلى جميع النواحي فجاء أكرة إسحاق فقالوا:عندنا شيء ادّخرناه لبذره نزرعه و كانت هذه إحدى براهينه (2).

و عن خديجة بنت حمدان بن بسنده قالت:لمّا دخل الرضا عليه السّلام نيشابور نزل محلّة العزفى ناحية تعرف بلاشاباد في دار جدّي بسنده،و إنّما سمّي بسنده لأنّ الرضا عليه السّلام ارتضاه من بين الناس،و بسنده هي كلمة فارسية معناها مرضيّ،فلمّا نزل عليه السّلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار فأثمرت في سنة فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة فمن أصابته علّة تبرّك بالتناول من ذلك اللوز فعوفي،و من أصابه رمد جعل ذلك اللوز على عينه فعوفي و كانت الحامل إذا عسر عليها ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخفّ عليها الولادة و تضع من ساعتها،و إذا أخذ دابّة القولنج أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمرّ على بطنها فتعافى،فمضت الأيّام على تلك الشجرة و يبست فجاء جدّي حمدان فقطع أغضانها فعمى،و جاء ابن لحمدان و قطع تلك الشجرة من وجه الأرض فذهب ماله كلّه، و كان لولد حمدان ولدان فأرادا عمارة تلك الأرض و قلعا الباقي من أصل الشجرة و هما لا يعلمان ما يتولّد عليهما،فماتا جميعا في أقلّ من سنة (3).

و فيه عن الصفواني قال:خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم1.

ص: 362


1- -الكافي:257/8 ح 371،و بحار الأنوار:59/49.
2- -عيون أخبار الرضا:222/1،و مدينة المعاجز:53/7 ح 52.
3- -عيون أخبار الرضا:141/1 ح 1.

الطريق فأخذوا منهم رجلا اتّهموه بكثرة المال فبقي في أيديهم مدّة يعذّبونه ليفتدى منهم نفسه و أقاموه في الثلج فشدّوه و ملأوا فاه من ذلك الثلج،فرحمته امرأة من نسائه فأطلقته و هرب فانفسد فمه و لسانه حتّى لم يقدر على الكلام،ثمّ انصرف إلى خراسان و سمع أنّ الرضا عليه السّلام بنيشابور فرأى فيما يرى النائم أنّه شكى إلى الرضا عليه السّلام علّته فقال له:خذ الكمّون و السعتر و الملح و دقّه و خذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثا فإنّك تعافى،فانتبه الرجل و لم يعتدّ بما رأى حتّى قصد الرضا عليه السّلام و دخل عليه و حكى له علّته،فقال عليه السّلام:اذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك و هو الملح و السعتر و الكمّون فإنّك ستعافى فاستعمله الرجل مرّتين أو ثلاثا فعوفي (1).

قدور خراسان و البركة فيها

و عن الهروي قال:لمّا خرج الرضا عليه السّلام من نيشابور إلى المأمون فبلغ القرب القرية الحمراء قيل له:يابن رسول اللّه قد زالت الشمس أفلا تصلّي؟فنزل و قال:ائتوني بماء، فقيل:ما معنا ماء فبحث عليه السّلام بيده الأرض فنبع الماء فتوضّأ هو و من معه و أثره باق إلى اليوم فلمّا دخل سناباد استند إلى الجبل الذي ينحت منه القدور،فقال:اللّهم انفع به و بارك فيما يجعل فيما ينحت منه ثمّ أمر عليه السّلام فنحت له قدور من الجبل و قال:لا يطبخ ما آكله إلاّ فيها و كان عليه السّلام خفيف الأكل قليل الطعم فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم و قد ظهرت بركة دعائه فيه،ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبّة التي فيها قبر هارون ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ثمّ قال:هذه تربتي و فيها أدفن و سيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي و أهل محبّتي و اللّه ما يزورني منهم زائر و لا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلاّ وجب اللّه له غفران اللّه و رحمته (2).

ص: 363


1- -بحار الأنوار:124/49 ح 6.
2- -عيون أخبار الرضا:147/1 ح 1،و بحار الأنوار:125/49 ح 1.
حديث خروجه من نيشابور

[في]كشف الغمّة عن المولى السعيد عماد الدّين الوزّان:أنّ الرضا عليه السّلام لمّا دخل إلى نيشابور كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضّة و ذهب فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية:أبو زرعة و محمد بن أسلم الطوسي رحمهما اللّه، فقالا:أيّها السيّد ابن السادة بحقّ آبائك الأطهرين ألاّ أريتنا وجهك المبارك و رويت لنا حديثا عن آبائك،فرفع المظلّة و الناس على طبقاتهم قيام بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرّغ في التراب و مقيل حزام بغلته إلى أن انتصف النهار و جرت الدموع كالأنهار و سكنت الأصوات و صاحت الأئمّة و القضاة:معاشر الناس اسمعوا و عوا و لا تؤذوا رسول اللّه في عترته فأملى صلوات اللّه عليه هذا الحديث و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا سوى الدّوي و المستملي أبو زرعة الرازي و محمّد بن أسلم الطوسي،فقال:حدّثني أبي موسى بن جعفر الكاظم قال:

حدّثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال:حدّثني أبي محمّد بن علي الباقر قال:حدّثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين قال:حدّثني أبي الحسين بن علي الشهيد بأرض كربلاء قال:حدّثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد الكوفة قال:حدّثني أخي و ابن عمّي محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:حدّثني جبرئيل عليه السّلام قال:سمعت ربّ العزّة سبحانه و تعالى يقول:كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني فمن قالها دخل حصني،و من دخل حصني أمن من عذابي.

قال الاستاذ أبو القاسم القشيري:إنّ هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض امراء السّامانية فكتبه بالذهب و أوصى أن يدفن معه،فلمّا مات رأي في المنام فقيل:ما فعل اللّه بك؟

فقال:غفر اللّه لي بتلفّظي بلا إله إلاّ اللّه و تصديقي محمّدا رسول اللّه مخلصا و أنّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما و احتراما (1).

ص: 364


1- -كشف الغمة:102/3،و مستدرك الوسائل:485/2.

أقول: روى في حديث الأمالي من قال:لا إله إلاّ اللّه مخلصا بها دخل حصني،قالوا:

يابن رسول اللّه و ما إخلاص الشهادة للّه؟قال:طاعة اللّه و طاعة رسوله و ولاية أهل بيته عليه السّلام عليهم السّلام.

و في حديث آخر:فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها و أنا من شروطها،فدلّ على أنّ كلمة التوحيد لا تكون منجية من النار إلاّ بولاية الأئمّة عليهم السّلام و اعتقاد أنّهم أئمّة تجب إطاعتهم كطاعة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيكون من خالفنا في الاعتقاد غير داخل في التوحيد و إذا لم يدخل في التوحيد يكون داخلا في الشرك و الكفر كما مرّ الكلام عليه.

و روينا في شرح كتاب توحيد الصدوق أنّ الحديث بهذا السند ما قرئ على مصروع إلاّ برئ و لا على مريض إلاّ عوفي و قد جرّب في المصروع و المريض،فإذا كانت هذه الأسماء المباركة تشفي من أسقام الأبدان فيكون شفاؤها من أسقام الذنوب و الأرواح بالطريق الأولى لشدّة المناسبة بينها و بين الأرواح.

و من ثمّ لم يقبل اللّه سبحانه التوبة من آدم عليه السّلام إلاّ لمّا توسّل إليه بها،و هي الكلمات التي تلقّاها من ربّه فتاب عليه (1).6.

ص: 365


1- -مستمسك العروة:183/4،و بحار الأنوار:7/3 ح 16.
سبب قبول ولاية العهد

[في]علل الشرائع عن أبي الصلت الهروي قال:إنّ المأمون قال للرضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و عبادتك و أراك أحقّ بالخلافة منّي،إلى أن قال:فإنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و ابايعك،فقال عليه السّلام:إن كانت هذه الخلافة لك و جعلها اللّه لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسك اللّه و تجعله لغيرك،و إن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك،فقال له المأمون:يابن رسول اللّه لابدّ لك من قبول هذا الأمر،فقال:لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أيّاما حتّى يئس من قبوله،فقال له:فإن لم تقبل الخلافة و لم تحبّ مبايعتي فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي،فقال عليه السّلام:لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّي أخرج من الدّنيا قبلك مقتولا بالسمّ مظلوما تبكي عليّ ملائكة السماوات و ملائكة الأرض و ادفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد،فبكى المأمون ثمّ قال له:و من ذا الذي يقدر على قتلك و أنا حيّ،فقال:أمّا أنّي لو أشاء أن أقول من ذا الذي يقتلني لقلت،فقال:يابن رسول اللّه إنّما تريد بقولك هذا دفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنّك زاهد في الدّنيا؟

فقال الرضا عليه السّلام:و اللّه ما كذبت منذ خلقني ربّي و ما زهدت في الدنيا للدنيا و أنّي لأعلم ما تريد،فقال المأمون:و ما اريد؟قال:الأمان على الصدق؟قال:لك الأمان،قال:

تريد بذلك أن يقول الناس إنّ عليّ بن موسى لم يزهد في الدّنيا بل زهدت الدّنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة،فغضب المأمون و قال:إنّك تلقّاني أبدا بما أكرهه و قد أمنت سطواتي فباللّه أقسم لئن قبلت ولاية العهد و إلاّ أجبرتك على ذلك،فإن فعلت و إلاّ ضربت عنقك،فقال عليه السّلام:قد نهاني اللّه عزّ و جلّه أن ألقي بيدي إلى التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدالك و أنا أقبل ذلك على أنّي لا أولّي أحدا و لا أعزل أحدا و لا أنقض رسما و لا سنّة و أكون في الأمر من بعيد مشيرا،فرضي منه بذلك و جعله وليّ عهده

ص: 366

على كراهة منه عليه السّلام لذلك (1).

[في]الأمالي عن الريان قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقلت:يابن رسول اللّه إنّ الناس يقولون:إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدّنيا؟

فقال عليه السّلام:قد علم اللّه كراهتي لذلك،فلمّا خيّرت بين قبول ذلك و بين القتل اخترت القبول على القتل،ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السّلام كان نبيّا رسولا فلمّا رفعته الضرورة تولّى خزائن العزيز،فقال له: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (2)و دفعتني الضرورةإلى قبول ذلك على إكراه و إجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه فإلى اللّه المشتكى و هو المستعان (3).

و فيه عن الحسن بن الجهم عن أبيه قال:صعد المأمون المنبر ليبايع الرضا عليه السّلام فقال:

أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و اللّه لو قرئت هذه الأسماء على الصمّ و البكم لبرئوا بإذن اللّه عزّ و جلّ.

[في]عيون الأخبار عن أبي طاهر قال:أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرّب إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله صلّى اللّه عليه و اله بصلة رحمه بالبيعة لعليّ بن موسى ليمحو بذلك ما كان من أمر الرشيد فيهم و ما كان يقدر على خلافه في شيء فوجّه من خراسان و أشخص الرضا عليه السّلام إلى مرو و ولاّه العهد من بعده و أمر للجند برزق سنة و كتب إلى الآفاق بذلك و سمّاه الرضا عليه السّلام و ضرب الدراهم باسمه و أمر الناس بلبس الخضرة و ترك السواد و زوّجه ابنته امّ حبيبة و زوّج ابنه محمّد بن عليّ عليه السّلام ابنته امّ الفضل بنت المأمون و تزوّج هو بنوران بنت الحسن بن سهل كلّ هذا في يوم واحد و ما كان يحب أن يتمّ العهد للرضا عليه السّلام بعده.

أقول: و وجه ذلك أنّ الفضل النوبختي كان عالما بالنجوم فكتب إلى المأمون سرّا أنّ البيعة و عقدها هذا الوقت لا يتمّ من جهة علم النجوم فكتب المأمون إليّ إيّاك أن تخبر به أحدا و قل للفضل ذي الرياستين أن يعقد البيعة هذا الوقت،فعرفت أنّ المأمون لا يريد تمام الأمر في البيعة للرضا عليه السّلام و يدلّ عليه أنّه بعد عقد البيعة للرضا عليه السّلام من الناس حضر العيد1.

ص: 367


1- -علل الشرائع:237/1 ح 1،و أمالي الصدوق:126.
2- -سورة يوسف:55.
3- -أمالي الصدوق:130 ح 3،و علل الشرائع:239/1.

فبعث المأمون إلى الرضا عليه السّلام يسأله أن يحضر العيد للصلاة و يخطب لتطمئن قلوب الناس و يعرفوا فضله فبعث إليه الرضا عليه السّلام قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر.

فقال المأمون:إنّما أريد بهذا الأمر أن يرسخ في قلوب العامّة و الجند هذا الأمر فلم يزل يراده الكلام في ذلك،فلمّا ألحّ عليه قال:إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ و إن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أمير المؤمنين عليه السّلام قال المأمون:اخرج كما تحبّ و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يبكروا إلى باب الرضا عليه السّلام فقعد الناس في الطرقات و السطوح من الرجال و النساء و الصبيان و اجتمع القوّاد على بابه،فلمّا طلعت الشمس اغتسل عليه السّلام و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و تشمّر و أمر مواليه بمثل فعله و أخذ بيده عكازة و خرج و نحن بين يديه و هو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة،فلمّا قام و مشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء و كبّر أربع تكبيرات فخيّل إلينا أنّ الهوى و الحيطان تجاوبه و القوّاد و الناس على الباب قد تزيّنوا و لبسوا السلاح[و تهيئوا بأحسن هيئة] (1)فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة[حفاة قد تشمرنا و طلع الرضا عليه السّلام] (2)و وقف الرضا عليه السّلام وقفة على الباب و رفع صوته و رفعنا أصواتنا بالتكبير تزعزعت مرو من البكاء و الصياح،قالها ثلاث مرّات فسقط القوّاد عن دوابّهم و رموا بخفافهم و صارت مرو ضجّة واحدة و كان عليه السّلام يمشي و يقف في كلّ عشر خطوات وقفة و يكبّر اللّه أربع مرّات فيتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه و بلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل:يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السّلام المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس فالرأي أن تسأله الرجوع،فسأله الرجوع فدعا عليه السّلام بخفّه و لبسه و رجع.

رواه ابن بابويه طاب ثراه في عيون الأخبار و فيه كثير من الآداب و السنن في كيفيّة الخروج إلى صلاة العيد لم يذكرها الأصحاب قدّس اللّه أرواحهم في كتبهم،و قوله في المواضع السابقة:يتخيّل إلينا أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه،ليس على ما ظنّه خيالا بل هو على الحقيقة و إنّ من شيء إلاّ يسبّح بحمده و يكون اسماعهم تكبير السماء و الأرضر.

ص: 368


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر.

و الحيطان و نحوها من معجزاته عليه السّلام كما كان إسماع الحاضرين تسبيح الحصى من معجزات النبيّ صلّى اللّه عليه و اله (1).

و في عيون الأخبار أيضا عن الريّان بن الصلت:قال أكثر الناس في بيعة الرضا عليه السّلام من القوّاد و العامّة و من لا يحبّ ذلك و قالوا:إنّ هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين سمّي به لأنّه كان وزيرا و تولّى رياسة الجند فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ،فقال ريان:بلغني أنّ الناس يقولون إنّ بيعة الرضا عليه السّلام من تدبير الفضل،فقلت:نعم،فقال:ويحك أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة استقامت له الامور فيقول له:ادفع الخلافة إلى غيرك؟قلت:لا، قال:سأخبرك بالسبب و ذلك أنّه كتب إلى محمّد أخي بالقدوم عليه أبيت فعقد لعليّ بن عيسى و أمره أن يقيّدني و يجعل الغلّ في عنقي فورد عليّ الخبر و فسدت عليّ الامور و ما كان لي قوّة على مقاومته فأردت أن ألحق بحاكم كابل ثمّ قلت:رجل كافر إذا بذل له الامور يدفعني إليه،فلم أجد وجها من أن أتوب إلى اللّه من ذنوبي و أستعين على هذه الامور فصببت الماء على بدني و لبست ثوبين أبيضين و صلّيت أربع ركعات و دعوت اللّه عزّ و جلّ و عاهدته عهدا وثيقا ان أفضى اللّه بهذا الأمر إلى أن أضعه في موضعه الذي وضعه اللّه فيه، ثمّ قوى قلبي فأحببت أن أفي اللّه بما عاهدته عليه و لم أر أحدا أحقّ بهذا الأمر من الرضا عليه السّلام فوضعتها فيه،فلم يقبلها إلاّ على ما قد علمت فهذا كان سببها،الحديث (2).

أقول: ما ذكره من السبب هو أحد الأسباب للمأمون في جعله الرضا عليه السّلام ولي عهده لأنّه أراد أن يفي للّه بعهده كيلا يخرج اللّه سبحانه الأمر منه إلى غيره بهذه الحيلة التي تخيّلها حيلة شرعية،و هو أن يجعله وليّ عهده مدّة قليلة و يحتال عليه في القتل مضافا إلى ما سمع من الرضا عليه السّلام أنّه يموت قبله و هو عنده صادق فتكون حيلة على اللّه سبحانه،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

و من الأسباب:أنّ العلويّين كانوا يخرجون عليه في ملكه،فأراد أن يوهمهم رجوع الخلافة إليهم ليسكنوا عن الخروج عليه و قد اتّفق له ذلك و منها ما صرّح به عليه السّلام له من قصده أن يقول الناس زهدت الرضا في الرضا عليه السّلام و لم يزهد فيها و لهذا وثب عليها لمّا2.

ص: 369


1- -عيون أخبار الرضا:162/1،و الكافي:489/1.
2- -عيون أخبار الرضا:162/1،و بحار الأنوار:137/49 ح 12.

تمكّن منها.

و منها غيض بني العبّاس،فإنّ بعضهم وافق أخاه محمّد الأمين،و بعضهم كإبراهيم عمّه خرج إليه فأراد أن يوهمهم بأنّ أفعالهم معه كانت باعثة إلى إخراجه الأمر عنهم إلى غير ذلك من الأغراض الفاسدة.

و عن ياسر الخادم قال:كان الرضا عليه السّلام إذا رجع يوم الجمعة من الجامع و قد أصابه العرق و الغبار رفع يديه و قال:اللّهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة و لم يزل مغموما مكروبا إلى أن قبض (1).

و عن محمّد بن عرنة قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟

فقال:ما حمل جدّي أمير المؤمنين عليه السّلام على الدخول في الشورى (2).

أقول: ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا سئل عن دخوله في الشورى قال:أردت تكذيبهم لأنّهم رووا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:لا تجتمع النبوّة و الخلافة في بيت واحد،و بهذا الحديث وثبوا على الخلافة فيكون المعنى هنا أن يعلم الناس أنّ المخالفين مقرّون و معترفون باستحقاقهم عليهم السّلام الخلافة و قيل:يحتمل أن يكون التشبيه في أصل الاشتمال على المصالح الخفيّة على الناس.

و عن معمّر بن خلاّد أنّه قال المأمون للرضا عليه السّلام:انظر بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي قد فسدت علينا،قال الرضا عليه السّلام:فقلت له:تفي لي و أفي لك،فإنّي إنّما دخلت فيما دخلت على أنّي لا آمر فيه و لا أنهي و لا أعزل و لا أولّي و لا أشير حتّى يقدمني اللّه قبلك فو اللّه أنّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي و لقد كنت في المدينة أتردّد في طرقها على دابّتي و أنّ أهلها و غيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم فيصيرون كالأعمام لي و أنّ كتبي لنافذة في الأمصار و ما زدتني في نعمة هي عليّ من ربّي،فقال:أفي لك (3).

[في]علل الشرائع عن الريّان قال:لمّا أراد المأمون أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة0.

ص: 370


1- -بحار الأنوار:140/49 ح 13،و حياة الأمام الرضا:372/2.
2- -عيون أخبار الرضا:152/1 ح 4،و بحار الأنوار:140/49 ح 14.
3- -بحار الأنوار:144/49 ح 20.

المؤمنين و للرضا عليه السّلام بولاية العهد و للفضل بن سهل بالوزراة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم و قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر و يخرجون حتّى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى الأعلى فتبسّم الرضا عليه السّلام و قال:كلّ من بايعنا[بايع] (1)بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنّه بايعنا بعقدها،فقال المأمون:و ما يفسخ البيعة من عقدها؟قال:عقد البيعة من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام و فسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر،قال:فماج الناس في ذلك و أمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه الرضا عليه السّلام و قال الناس:

كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة،فحمل المأمون ذلك على ما فعله من سمّه (2).

أقول: و في بشائر المصطفى أنّ العبّاس بن المأمون أوّل من بايع فرفع الرضا عليه السّلام يده فتلقّى بظهرها وجه نفسه و بطنها وجوههم،فقال له المأمون:ابسط يدك للبيعة،قال عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هكذا كان يبايع فبايعه الناس و يده فوق أيديهم و وضعت البدر و قامت الخطباء و الشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السّلام و ما كان من المؤمن في أمره و أنشد دعبل قصيدته المشهورة،شعر:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

و أنشده إبراهيم بن العبّاس شعر:

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد *** مصارع أولاد النبيّ محمّد (3)

و أنشد أبو نؤاس شعر:

مطهّرات نقيّات ثيابهم *** تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويّا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر

اللّه لمّا برا خلقا فأتقنه *** صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم *** علم الكتاب و ما جاءت به السور7.

ص: 371


1- -زيادة من المصدر.
2- -علل الشرائع:239/1،و عيون أخبار الرضا:265/1.
3- -عيون أخبار الرضا:154/1،و دلائل الأمامة:357.

قال الرضا عليه السّلام:قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها،يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟

فقال:ثلاثمائة دينار،فقال:اعطها إيّاه،ثمّ قال:يا غلام سق إليه البغلة (1).

و قال المرتضى رضى اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل:كيف تولّى عليه السّلام العهد للمأمون و تلك جهة لا يستحقّ الإمامة منها أو ليس هذا إيهاما فيما يتعلّق بالدّين؟

قلنا:قد مضى من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين عليه السّلام في الشورى ما هو أصل لهذا الباب،و جملته:أنّ ذا الحقّ له أن يتوصّل إليه من كلّ جهة و سبب لا سيّما إذا كان يتعلّق بذلك الحقّ تكليف عليه فإنّه يصير واجبا عليه التوصّل و التمحل بالتصرّف و الإمامة يستحقّها الرضا عليه السّلام بالنصّ من آبائه عليهم السّلام فإذا دفع عن ذلك و جعل إليه من وجه آخر وجب عليه أن يجيب إلى ذلك الوجه ليصل منه إلى حقّه و ليس في هذا إيهام،لأنّ الأدلّة الدالّة على استحقاقه عليه السّلام للإمامة بنفسه يمنع من دخول الشبهة بذلك و إن كان فيه بعض الإيهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته و آبائه على إظهار مبايعة الظالمين و القول بإمامتهم، و لعلّه عليه السّلام أجاب إلى ولاية العهد للتقيّة و الخوف لأنّه لم يؤثر الامتناع على من ألزمه ذلك و حمله عليه فيفضي الأمر إلى المجاهرة و المباينة و الحال لا يقتضيهما و هذا بيّن (2).

[في]عيون الأخبار عن إبراهيم الحسني قال:بعث المأمون إلى الرضا عليه السّلام جارية فلمّا دخلت عليه اشمأزت من الشيب،فلمّا رأى كراهتها ردّها إلى المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات،شعر:

نعى نفسي إلى نفسي المشيب *** و عند الشيب يتّعظ اللبيب

فقد ولّى الشباب إلى مداه *** فلست أرى مواضعه تؤوب

سأبكيه و أندبه طويلا *** و أدعوه إلي عسى يجيب

و هيهات الذي قد فات منّي *** تمنيني به النفس الكذوب

وراع الغانيات بياض رأسي *** و من مدّ البقاء له يشيب

أرى البيض الحسان يحدن عنّي *** و في هجرانهنّ لنا نصيب9.

ص: 372


1- -عيون أخبار الرضا:155/1،و بحار الأنوار:148/49 ح 24.
2- -تنزيه الأنبياء:232،و بحار الأنوار:156/49.

فإن يكن الشباب مضى حبيبا *** فإنّ الشيب أيضا لي حبيب

سأصحبه بتقوى اللّه حتّى *** يفرّق بيننا الأجل القريب (1)

و عن ياسر الخادم قال:كان الرضا عليه السّلام إذا خلا جمع حشمه كلّهم عنده الصغير و الكبير فيحدّثهم و يأنس بهم و يؤنسهم،و كان عليه السّلام إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا إلاّ أقعده معه على مائدته (2).

و عن ياسر الخادم أنّ الرضا عليه السّلام أشار على المأمون بالخروج من مرو إلى العراق و أشار عليه ذو الرياستين بترك الخروج و قال له:هاهنا مشايخ قد خدموا الرشيد و عرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك مثل علي بن أبي عمران و ابن مونس و الجلودي و هؤلاء هم الذين نقموا بيعة الرضا عليه السّلام فحبسهم المأمون بهذا السبب،فلمّا كان من الغد جاء أبو الحسن عليه السّلام إلى المأمون و حكى له المأمون قول ذي الرياستين و دعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس فأوّل من دخل عليه علي بن أبي عمران فنظر إلى الرضا عليه السّلام بجنب المأمون،فقال:

أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله اللّه لكم و خصّكم به إلى أعدائكم و من كان آباؤك يقتلونهم و يشرّدونهم في البلاد،قال المأمون له:و أنت يابن الزانية بعد على هذا قدّمه يا حرسي و اضرب عنقه فضربت عنقه و دخل ابن مونس،فلمّا نظر إلى الرضا عليه السّلام بجنب المأمون قال:يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك و اللّه صنم يعبد من دون اللّه.

قال المأمون:و أنت يابن الزانية بعد على هذا يا حرسي اضرب عنقه،فضربت عنقه ثمّ ادخل الجلودي و كان الجلودي في خلافة الرشيد لمّا خرج محمّد بن جعفر بن محمّد بالمدينة بعثه الرشيد و أمره أن يضرب عنقه إذا ظفر به و أن يغير على دور آل أبي طالب و أن يسلب نساءهم و لا يدع على واحدة منهنّ إلاّ ثوبا واحدا،ففعل الجلودي ذلك فهجم على دار الرضا عليه السّلام مع خيله،فلمّا نظر إليه جعل عليه السّلام النساء كلّهن في بيت و وقف على باب البيت فقال الجلودي:لابدّ من أن أدخل البيت فأسلبهنّ كما أمرني الرشيد.

فقال عليه السّلام:أنا أسلبهنّ لك و أحلف أنّي لا أدع عليهنّ شيئا إلاّ أخذته،فلم يزل يطلب5.

ص: 373


1- -عيون أخبار الرضا:191/1 ح 8،و بحار الأنوار:164/49 ح 4.
2- -عيون أخبار الرضا:170/1 ح 24،و بحار الأنوار:164/49 ح 5.

إليه و يحلف له حتّى سكن و دخل الرضا عليه السّلام فلم يدع عليهنّ شيئا حتّى أقراطهنّ و خلاخيلهنّ و أزرهنّ إلاّ أخذه منهنّ و جميع ما كان من قليل و كثير،فلمّا كان في هذا اليوم و أدخل الجلودي على المأمون قال الرضا عليه السّلام:يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ.

فقال المأمون:يا سيّدي هذا الذي فعل ببنات رسول اللّه ما فعل من سلبهنّ،فنظر الجلودي يكلّم المأمون و يسأله أن يعفو عنه و يهبه له فظنّ أنّه يعين عليه لما كان الجلودي فعله معه،فقال:يا أمير المؤمنين أسألك باللّه و بخدمتي الرشيد أن لا تقبل قول هذا فيّ.

فقال المأمون:يا أبا الحسن قد استعفى و نحن نبرّ قسمه،ثمّ قال:لا و اللّه لا أقبل فيك قوله الحقوه بصاحبيه فقدّم و ضرب عنقه،فلمّا قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنّه قد عزم على الخروج،فلمّا كانوا في بعض المنازل ورد على ذي الرياستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل:إنّي نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم و وجدت فيه أنّك تذوق حرّ الحديد و حرّ النار في شهر كذا يوم الأربعاء و أرى أن تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم فتحتم فيه و تصبّ الدم على بدنك لزوال نحسه عنك،فبعث الفضل إلى المأمون و سأله أن يدخل الحمّام معه و يسأل الرضا عليه السّلام ذلك،فكتب المأمون إلى الرضا عليه السّلام رقعة في ذلك،فكتب عليه السّلام إليه:لست بداخل غدا الحمّام و لا أرى لك و لا للفضل دخول الحمّام غدا.

فكتب المأمون إلى الرضا عليه السّلام:لست بداخل و الفضل أعلم بما يفعله.

قال ياسر:فلمّا غابت الشمس قال لنا الرضا عليه السّلام؛قولوا:نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذه الليلة و كذلك قال لنا لمّا أصبح.فلمّا قرب طلوع الشمس قال عليه السّلام:اصعد السطح فاستمع الضجّة و النحيب فأتى المأمون يقول:يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل و كان دخل الحمّام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و كانوا ثلاثة أحدهم ابن خالة الفضل ذو القلمين.

قال:و اجتمع القوّاد و الجند و من كان من رجال ذي الرياستين على باب المأمون فقالوا:اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه،فقال المأمون للرضا عليه السّلام:يا سيّدي ترى أن تخرج إليهم و تفرّقهم؟

قال ياسر:فركب الرضا عليه السّلام فلمّا خرج من الباب نظر إليهم و قد اجتمعوا و جاؤوا

ص: 374

بالنيران ليحرقوا الباب،فصاح بهم بأن تفرّقوا فأقبل الناس يقع بعضهم على بعض و قال:إنّه لمّا قتل الفضل جاء المأمون إلى الرضا عليه السّلام و قال:هذا وقت حاجتي إليك فتنظر في الأمر و تقيني،فقال:عليك التدبير و علينا الدعاء،فلمّا خرج قال محمّد بن أبي عبادة للرضا عليه السّلام:

لم أبيت أعزّك اللّه؟

فقال:لو آل الأمر إلى ما تقول و أنت منّي كما أنت ما كان نفقتك إلاّ في كمك و كنت كواحد من الناس.

أقول: قوله عليه السّلام:ما كانت نفقتك إلاّ في كمك،كناية عن قلّتها لأنّه عليه السّلام يساوي بين الناس في العطاء من غير فرق بين صديق و غيره،و أمّا الخلفاء فهم يفضّلون في العطاء و أوّل من ابتدعه عمر بن الخطّاب و وضع ديوان العطاء أوقد عدّ من جملة مطاعنه لخلافه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و على أخيه أبي بكر ثمّ اقتدي من بعده بسنّة من بني اميّة و بني العبّاس و هو الذي جرئ أهل الشام على أهل العراق،لأنّ معاوية كان يفضّل الشريف على الوضيع و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يساوي بينهم في العطاء و ما كان الشرفاء يجدون للقتال و الوضيع تبع للشريف و لأنّهم كانوا يعلمون أنّ معاوية إذا استولى على العراق فعل بهم مثل فعله بأهل الشام من تنزيل الناس على الرتب اللائقة بها حتّى آل الأمر في أواخر حرب صفّين أنّهم أرادوا تسليمه عليه السّلام إلى معاوية إن لم يرض بالمصالحة،فصالحه على الكره منه لذلك الصلح.

[في]كشف الغمّة،أتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية،فلمّا رآه أسلم فغاضه ذلك و سأل الفقهاء فقالوا:هدر الإسلام ما قبله،فسأل الرضا عليه السّلام فقال له:اقتله لأنّه أسلم حين رأى البأس،قال اللّه عزّ و جلّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ (1)إلى آخر السورة.

و قال المأمون:أخبرني عن جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بأيّ وجه هو قسيم الجنّة و النار؟

فقال:ألم ترو عن آبائك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:حبّ عليّ إيمان و بغضه كفر؟

فقال:بلى،قال عليه السّلام:فهو قسيم الجنّة و النار،فقال المأمون:لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا4.

ص: 375


1- -سورة غافر:84.

الحسن،أشهد أنّك وارث علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

قال الهروي:فلمّا رجع عليه السّلام إلى منزله أتيته فقلت:يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به المأمون فقال:يا أبا الصلت أنا كلّمته من حيث هو و لقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ عليه السّلام قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا علي أنت قسيم الجنّة و النار يوم القيامة تقول للنار:هذا لي و هذا لك (1).

أقول: تقدّم السبب في استحقاقه عليه السّلام كونه قسيم الجنّة و النار.

[في]عيون الأخبار عن الحسن النوفلي قال:لمّا قدم الرضا عليه السّلام على المأمون أمر الفضل ابن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين و الهربذ الأكبر و أصحاب زرهشت و نسطاس الرومي و المتكلّمين،فجمعهم الفضل و أدخلهم على المأمون،فقال لهم:إذا كان غدا فبكّروا عليّ لتناظروا ابن عمّي المدني، فدخل ياسر على الرضا عليه السّلام و يقول:إنّ ابن عمّك أمير المؤمنين يقول:اجتمع إليّ أهل المقالات من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم،فقال عليه السّلام:أجيء إن شاء اللّه.

قال النوفلي:فالتفت إلينا و قال:يا نوفلي أنت عراقي ورية العراقي غير غليظة يعني أنّه ذو فهم لا بلاهة و غباوة فما عندك في جمع المأمون علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟

فقلت:يريد الامتحان و لقد بنى على أساس غير وثيق،فقال:و ما بناؤه في هذا الباب؟

قلت:إنّ أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات أصحاب إنكار و مباهية فاحذرهم جعلت فداك،فتبسّم و قال:أتخاف أن يقطعوني على حجّتي؟قلت:و اللّه ما خفت عليك قط و إنّي لأرجو أن يظفرك اللّه بهم، فقال:أتحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟

قلت:نعم قال عليه السّلام:إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الإنجيل بإنجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على أهل الصابئين بعبرايتهم و على أهل2.

ص: 376


1- -بحار الأنوار:194/39،و مسند الأمام الرضا عليه السّلام:132/2.

الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميّتهم و على أصحاب المقالات بلغاتهم،فإذا قطعت كلّ صنف و دحضت حجّته و رجع إلى قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو فيه لا يستحقّه فعند ذلك تكون الندامة و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،فلمّا أصبحنا توضّأ وضوء الصلاة و أتينا جميعا إلى المأمون فإذا المجلس غاصّ بأهله و محمّد بن جعفر في جماعة الطالبيّين و القوّاد حضور،فقام المأمون و بنو هاشم و القوّاد فما زالوا وقوفا و الرضا عليه السّلام جالس مع المأمون حتّى أمرهم بالجلوس فالتفت المأمون إلى الجاثليق فقال:

هذا ابن عمّي علي ابن موسى من ولد فاطمة بنت نبيّنا و عليّ بن أبي طالب فأحبّ أن تحاجّه،فقال:كيف احاجّ رجلا يحتجّ بكتاب أنا منكره و نبيّ لا أؤمن به؟

فقال:يا نصراني،فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟

قال:و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل،فقرأ عليه السّلام الإنجيل و أثبت عليه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مذكور فيه و أخبره به بعدد حواري عيسى عليه السّلام و أحوالهم و احتجّ عليه بحجج كثيرة أقرّ بها و قرأ عليه كتاب شعيا و غيره إلى أن قال الجاثليق:ليسألك غيري،فلا و حقّ المسيح ما ظننت أنّ في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت عليه السّلام إلى رأس الجالوت و احتجّ عليه بالتوراة و الزبور و كتاب شعيا و حيقوق حتّى أفحم و احتجّ على الهربذ الأكبر و احتجّ عليه حتّى انقطع مكانه.ك

فقال عليه السّلام:يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي و كان واحدا في المتكلّمين،فقال:يا عالم الناس لقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلّمين،فلم أقع على أحد يثبت التوحيد، قال عليه السّلام:إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو،قال:أنا هو قال:سل،فازدحم الناس و ضمّ بعضهم إلى بعض فاحتجّ عليه السّلام و طال الكلام بينهما إلى الزوال،فقال عليه السّلام للمأمون:حضرت الصلاة،قال عمران:يا سيّدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي قال عليه السّلام:نعود بعد الصلاة ثمّ عاد إلى مجلسه و دعا بعمران فسئل عن الصانع و صفاته فأجابه عليه السّلام إلى أن قال:أفهمت يا عمران؟

قال:نعم يا سيّدي و أشهد أنّ اللّه على ما وصفت و أنّ محمّدا عبده المنعوت بالهدى

ص: 377

ثمّ أسلم.

فلمّا نظر المتكلّمون إلى عمران الصابي و كان جدلا لم يقطعه أحدا عن حجّته لم يدن من الرضا أحد منهم فانصرف الناس و دخل الرضا عليه السّلام و المأمون،فبعث إليّ محمّد بن جعفر و أتيته فقال:يا نوفلي ما رأيت ما جاء به صديقك ما ظننت أنّ عليّ بن موسى خاض في شيء من هذا قطّ و لا عرفناه أنّه كان يتكلّم بالمدينة.

قلت:قد كان الحاج يسألونه عن الحلال و الحرام فيجيبهم،فقال:إنّي أخاف أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة،فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء.

فقلت:لا يقبل منّي و ما أراد المأمون إلاّ امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه قال:قل له:إنّ ابن عمّك قد كره هذا الباب،فأتيت إليه و أخبرته بقول عمّه فتبسّم ثمّ قال:

حفظ اللّه عمّي ما أعرفني به لم كره ذلك،ثمّ أرسلني إلى عمران الصابي فأتيته به فخلع عليه خلعة و وصله بعشرة آلاف درهم،فقلت:حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

هكذا يحبّ،فتعشّينا و قال لعمران:بكّر علينا نطعمك طعام المدينة،فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم،و ولاّه الرضا عليه السّلام صدقات بلخ فأصاب الرغايب (1).

و فيه أيضا أنّه قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فوصله و قال له:إنّ ابن عمّي علي بن موسى يحبّ الكلام و أصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته،فقال سليمان:إنّي أكره أن أسأله في مجلسك فينتقص عند القوم[إذا كلمني و لا يجوز الأستقصاء عليه] (2).

فقال المأمون:ليس مرادي إلاّ هذا فوجّه المأمون إلى الرضا عليه السّلام و استدعاه، فقال عليه السّلام لي و لعمران:تقدّما فأتينا و دخلنا على المأمون و قلنا:خلّفنا الرضا عليه السّلام يلبس ثيابه ثمّ قال لعمران:يا عمران لم تمت حتّى صرت من بني هاشم،فقال:الحمد للّه الذي شرّفني بكم،فتكلّم مع سليمان في مسألة البداء و أطالا الكلام حتّى دخل الرضا عليه السّلام فاحتجّ على سليمان و قطع حجّته.ر.

ص: 378


1- -حياة الأمام الرضا:103/1،و التوحيد:427.
2- -زيادة من المصدر.

قال الصدوق رحمه اللّه:كان المأمون يجلب على الرضا عليه السّلام من متكلّمي العراق و أهل الأهواء حرصا على انقطاع الرضا عليه السّلام عن الحجّة و قال:لا يكلّمه أحد إلاّ أقرّ له بالفضل و جلب عليه علي بن الجهم فسأله عن عصمة الأنبياء و ما ورد في ظاهر القرآن فأجابه عليه السّلام و أوّل له الآيات تأويلات اعترف بقبولها هو و المأمون (1).

و في كتاب العيون أيضا عن العسكري عليه السّلام أنّ الرضا عليه السّلام:لمّا جعله المأمون وليّ عهده احتبس المطر،فقال المعاندون:لمّا صار علي بن موسى ولي العهد احتبس عنّا المطر فاشتدّ ذلك على المأمون،فقال للرضا عليه السّلام:قد احتبس المطر فلو دعوت اللّه عزّ و جلّ أن يمطر الناس.

قال الرضا عليه السّلام:نعم،أفعل يوم الاثنين،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:يا بني ابرز إلى الصحراء يوم الاثنين،فلمّا كان يوم الاثنين غدا إلى الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر و دعى اللّه ثمّ قال:و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم و مقامهم فو اللّه لقد نسجت الرياح الغيوم و أرعدت و أبرقت و تحرّك الناس يريدون التنحّي عن المطر،فقال:قفوا ليس هذا الغيم لكم إنّما هو لأهل بلد كذا فعبرت السحابة ثمّ جاءت سحابة اخرى تشتمل على رعد و برق فتحرّكوا،فقال:قفوا إنّما هي لأهل بلد كذا،فما زال حتّى جاء عشر سحابات و غبرت و هو يقول:قفوا ثمّ جاءت سحابة حادية عشر،فقال:أيّها الناس هذه بعثها اللّه لكم فاشكروا اللّه و قوموا إلى منازلكم فإنّها تمكّنكم أن تدخلوا منازلكم،فلمّا قربوا من منازلهم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية و الحياض و الغدران،فجعل الناس يقولون:هنيئا لولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كرامات اللّه عزّ و جلّ ثمّ برز إليهم و قال:اتّقوا اللّه في نعم اللّه فلا تنفروها عنكم بمعاصيه و عاونوا إخوانكم فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قيل له:هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:قد نجا و لا يختم اللّه عمله إلاّ بالحسنى و سيمحوا اللّه عنه السيّئات و يبدلها له حسنات؛أنّه كان مرّة يمرّ في طريق فعرض له مؤمن قد انكشفت عورته و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن يخجل،ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه فقال له:0.

ص: 379


1- -مسند الأمام الرضا:105/2،و بحار الأنوار:329/10.

أجزل اللّه لك الثواب و أكرم لك المآب و لا ناقشك اللّه الحساب فاستجاب اللّه له فيه فهذا العبد لا يختم له إلاّ بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتّصل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بهذا الرجل فتاب و أقبل على طاعة اللّه،فلم يأت عليه سبعة أيّام حتّى اغير على سرح المدينة فوجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أثرهم فاستشهد فيهم،ثمّ إنّه كان للرضا عليه السّلام من يحسده على ولاية العهد، فقال بعضهم للمأمون:أعيذك باللّه أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف من بيت العبّاس إلى بيت علي و لقد أعنت على نفسك جئت بهذا الساحر ولد السحرة و قد كان خاملا فأظهرته و منسيّا فذكرته قد ملأ الدّنيا مخرفة بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى زوال نعمتك.

فقال المأمون:قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا و ليعترف بالملك و الخلافة لنا و ليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس ممّا ادعى في قليل و لا كثير و أنّ هذا الأمر لنا من دونه،و قد خشينا إن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا فسده و الآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا و أخطأنا في أمره بما أخطأنا فليس يجوز التهاون في أمره لكنّنا نحتاج أن نضعه بالتدريج حتّى نصوّره عند الرعية بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه.

قال الرجل:ولّني يا أمير المؤمنين مجادلته فإنّي أفحمه و أضع من قدره.

قال المأمون:ما شيء أحبّ إليّ من هذا قال:فاجمع وجوه أهل المملكة و القوّاد و القضاة لأبيّن نقصه بحضرتهم،فأمر بإحضارهم و أقعد الرضا عليه السّلام في مرتبته.

فقال ذلك الحاجب:إنّ الناس قد أسرفوا في وصفك بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إليهم منه فأوّل ذلك أنّك دعوت اللّه في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه معجزة لك و أنّه لا نظير لك في الدّنيا و هذا أمير المؤمنين لا يوازن بأحد إلاّ رجح و قد أحلك المحلّ الذي عرفت فليس من حقّه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذّبونه،فقال الرضا عليه السّلام:ما أدفع عباد اللّه عن التحدّث بنعم اللّه عليّ و إن كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا، و أمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني فما أحلّني إلى المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السّلام و كانت حالهما ما قد علمت.

فغضب الحاجب و قال:يابن موسى لقد عدوت طورك أن بعث اللّه تعالى بمطر مقدّر

ص: 380

وقته و جعلته آية تستطيل بها كأنّك جئت بمثل آية الخليل عليه السّلام في إحياء الطير،فإن كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين و سلّطهما عليّ،و أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون و كانا متقابلين على المسند فغضب الرضا عليه السّلام و صاح بالصورتين دونكما الفاجر فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا،فوثبت الصورتان و قد عدتا صورتين فتنا و لا الحاجب و عضاه و رضّاه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيّرين،فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السّلام و قالا:يا وليّ اللّه ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟يشيران إلى المأمون،فغشي عليه فقال عليه السّلام:قفا فوقفا.

فقال عليه السّلام:صبّوا عليه ماء ورد و طيّبوه ففعل ذلك به و عاد الأسدان يقولان:أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟قال:لا،فإنّ للّه عزّ و جلّ فيه تدبيرا هو ممضيه،فقالا:ماذا تأمرنا؟قال:عودا إلى مقرّكما،فعادا إلى المسند و صارا صورتين كما كانتا،فقال المأمون:

الحمد للّه الذي كفاني شرّ حميد بن مهران يعني الرجل المفترس،ثمّ قال عليه السّلام للمأمون:لو شئت لما ناظرتك فإنّ اللّه أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين الا جهّال بني آدم فإنّهم و إن خسروا حظوظهم فللّه عزّ و جلّ فيهم تدبير،و قد أمرني بترك الاعتراض عليك و إظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف عليه السّلام بالعمل من تحت يد فرعون مصر،فما زال المأمون خائفا إلى أن قضى في أمر الرضا عليه السّلام ما قضى،انتهى ملخّصا (1).

و فيه أيضا عن هرثمة بن أعين قال:دخلت على سيّدي الرضا عليه السّلام في دار المأمون و كان قد ظهر في دار المأمون أنّ الرضا عليه السّلام قد توفّي و لم يصحّ هذا القول،فدخلت أريد الإذن عليه،و كان في بعض ثقاة خدم المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي و كان يتولّى الرضا عليه السّلام فلمّا رآني قال لي:يا هرثمة ألست تعلم أنّي ثقة المأمون على سرّه و علانيّته؟

قلت:بلى.

قال:إنّ المأمون دعاني و ثلاثين غلاما من ثقاته في الثلث الأوّل من الليل فدخلنا عليه و بين يديه الشموع و سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعانا غلاما غلاما و أخذ علينا العهد و الميثاق فحلفنا له قال:فليأخذ كلّ واحد منكم سيفا و ادخلوا على الرضا في حجرته1.

ص: 381


1- -عيون أخبار الرضا:183/1،و دلائل الأمامة:381.

فإن وجدتموه قاعدا أو قائما فلا تكلّموه وضعوا أسيافكم عليه اخلطوا لحمه و دمه ثمّ اقلبوا عليه بساطه و امسحوا أسيافكم به و صيّروا إليّ و قد جعلت لكلّ واحد عشر بدر دراهم و عشر ضياع منتخبة،فأخذنا الأسياف بأيدينا و دخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلّب يديه و يتكلّم بكلام لا نعرفه،فبادر الغلمان إليه بالسيوف و وضعت سيفي و أنا قائم أنظر إليه و كأنّه قد علم بمصيرنا إليه فلبس على بدنه ما لا يعمل فيه السيوف فطووا عليه بساطه و خرجوا حتّى دخلوا على المأمون و قالوا:فعلنا ما أمرتنا به.

فقال:اكتموا فلمّا طلع الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلول الإزار و أظهر وفاته وقعد للتعزية ثمّ قام حافيا فمشى لينظر إليه و أنا بين يديه،فلمّا دخل عليه حجرته سمع همهمة فأرعد ثمّ قال من عنده؟قلت:لا علم لنا،فقال:اسرعوا و انظروا،قال صبيح:فأسرعنا إلى البيت فإذا سيّدي جالس في محرابه يصلّي و يسبّح فقلت:يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصا في محرابه يصلّي و يصبح،فانتفض المأمون و ارتعد ثمّ قال:غررتموني لعنكم اللّه فالتفت إليّ و قال:يا صبيح أنت تعرفه فانظر إليه فدخلت و رجع المأمون،فلمّا صرت عند عتبة الباب قال لي:يا صبيح.

قلت:لبّيك يا مولاي.فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1)فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل،فقلت له:هذا الرضا جالس في حجرته فشدّ إزاره و أمر بردّ أثوابه و قال:قولوا إنّه غشي عليه و أنّه أفاق.

قال هرثمة:فشكرت اللّه عزّ و جلّ ثمّ دخلت على سيّدي فقال:يا هرثمة لا تحدّث بما حدّثك به صبيح أحدا إلاّ من امتحن اللّه قلبه للايمان بمحبّتنا و ولايتنا،فقلت:نعم يا سيّدي،ثمّ قال:يا هرثمة لا يضرّنا كيدهم شيئا حتّى يبلغ الكتاب أجله (2).

و عن الشيخ المفيد طاب ثراه قال:روي أنّه لمّا سار المأمون إلى خراسان و كان معه الرضا عليه السّلام فقال له:يا أبا الحسن إنّي فكّرت في أمرنا و أمركم و نسبنا و نسبكم فوجدت الفضيلة واحدة و رأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على العصبية،فقال عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام جوابا،فقال:قل الجواب،قال:أنشدك اللّه لو أنّ اللّه تعالى بعث نبيّه أحمدا صلّى اللّه عليه و اله1.

ص: 382


1- -سورة التوبة:32.
2- -عيون أخبار الرضا:232/1،و دلائل الأمامة:361.

فخرج علينا من وراء هذه الآكام يخطب إليك ابنتك،أكنت مزوّجه إيّاها؟

فقال:أفخر بذلك،قال الرضا عليه السّلام:أفتراه كان يحلّ له أن يخطب إليّ؟قال:فسكت المأمون ثمّ قال:أنتم أمسّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رحما (1).

و قال يوما:أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ عليها القرآن؟

فقال قول اللّه جلّ جلاله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ الآية،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الحسن و الحسين فكانا ابنيه و دعا فاطمة فكانت في هذا الموضع نساءه و دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فكان نفسه بحكم اللّه عزّ و جلّ،و ثبت أنّه ليس أحد من خلق اللّه تعالى أجلّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أفضل،فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بحكم اللّه عزّ و جلّ.

فقال المأمون:أليس قد ذكر اللّه تعالى الأبناء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابنيه خاصّة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنّما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ابنته وحدها،فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السّلام ما ذكرت من الفضل؟

فقال عليه السّلام:ليس يصحّ ما ذكرت،و ذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعيا لغيره كما أنّ الآمر آمر لغيره و لا يصحّ أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رجلا في المباهلة إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها اللّه سبحانه في كتابه و جعل حكمه ذلك في تنزيله،فقال المأمون:إذا ورد الجواب سقط السؤال (2).

و عن إسحاق بن حمّاد قال:كان المأمون يعقد مجالس النظر و يجمع المخالفين لأهل البيت عليهم السّلام و يكلّمهم في إمامة علي بن أبي طالب و تفضيله على جميع الصحابة تقرّبا إلى الرضا عليه السّلام،و كان الرضا عليه السّلام يقول لأصحابه الذين يثق بهم لا تغترّوا بقوله فما يقتلني و اللّه غيره،و لكنّه لابدّ لي من الصبر حتّى يبلغ الكتاب أجله (3).2.

ص: 383


1- -الفصول المختارة:37،و بحار الأنوار:242/25.
2- -الفصول المختارة:38،و بحار الأنوار:350/10.
3- -بحار الأنوار:189/49 ح 1،و حياة الأمام الرضا:274/2.
مباحثات المأمون مع المخالفين

[في]عيون الأخبار عن إسحاق بن حمّاد قال:جمعنا يحيى بن أكثم القاضي،قال:

أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث و من أهل الكلام و النظر،فجمعت له أربعين رجلا و أدخلتهم عليه،فقال:إنّي اريد أن أجعلكم بيني و بين اللّه تعالى في يومي هذا حجّة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إليّ حاجته و سلوا أخفافكم وضعوا أرديتكم،ففعلوا ما أمروا به فقال لهم:إنّما استحضرتكم لأحتجّ بكم عند اللّه فاتّقوا اللّه و لا تمنعكم جلالتي من قول الحقّ و اشفقوا على أنفسكم من النار و ناظروني بجميع عقولكم إنّي رجل أزعم أنّ عليّا خير البشر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله،فإن كنت مصيبا فصوّبوا قولي و إن كنت مخطئا فردّوا عليّ و هلمّوا فإن شئتم سألتكم و إن شئتم سألتموني،فقال أهل الحديث:بل نسأل،فقال:هاتوا و قلّدوا رجلا منكم فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتى بخلل فسدّدوه،فقال قائل منهم:أمّا نحن فنزعم أنّ خير الناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أبو بكر من قبل أنّ الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر و هو لا يأمر إلاّ بالاقتداء بخير الناس.

فقال المأمون:الرواية كثيرة و لابدّ من أن تكون كلّها باطلا أو كلّها حقّا أو بعضها حقّا و بعضها باطلا،فلو كانت كلّها حقّا كانت كلّها باطلا من قبل أن ينقض بعضها بعضا و لو كانت كلّها باطلا كان في بطلانها بطلان الدّين،فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث و إذا كان كذلك فلابدّ من دليل على ما يحقّ منها،فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقّا كان أولى ما اعتقد و أخذ به و روايتك هذه من الأخبار التي أدلّتها باطلة في أنفسها و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أولى الخلق بالصدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل الناس على التديّن بالخلاف و ذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين،فإن كانا متّفقين من كلّ جهة كانا واحدا في العدد و الصورة و الجسم و هذا معدوم في الوجود،و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما لأنّه تكليف ما لا يطاق لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر،و الدليل

ص: 384

على اختلافهما أنّ أبا بكر سبى أهل الردّة و ردّهم عمر أحرارا و أشار عمر على أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه،و حرّم عمر المتعة و لم يفعل ذلك أبو بكر و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله أبو بكر،و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر و لهذا نظائر كثيرة.

قال الصدوق رضى اللّه عنه:في هذا فضل لم يذكره المأمون لخصمه و هو أنّهم لم يرووا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر،و إنّما رووا أبو بكر و عمر و منهم من روى أبا بكر و عمر،فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب:اقتدوا بالذين من بعدي كتاب اللّه و العترة يا أبا بكر و عمر،و معنى قوله بالرفع:اقتدوا أيّها الناس و أبو بكر و عمر بالذين من بعدي كتاب اللّه و العترة،رجعنا إلى حديث المأمون،فقال آخر من أصحاب الحديث:فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا.

فقال المأمون:هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم أنّه عليه السّلام آخا بين أصحابه و أخّر عليّا عليه السّلام،فقال له في ذلك فقال:ما أخّرتك إلاّ لنفسي،فأيّ الروايتين تثبت بطلت الاخرى.

قال آخر:إنّ عليّا قال على المنبر:«خير هذه الامّة بعد نبيّها أبو بكر و عمر».

قال المأمون:هذا مستحيل من قبل،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لو علم أنّهما أفضل ما ولّى عليهما مرّة عمرو بن العاص و مرّة اسامة بن زيد،و ممّا يكذب هذه الرواية قول عليّ عليه السّلام:قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و أنا بمجلسه أولى منّي بقميصي و لكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّارا.

و قوله عليه السّلام:أنّى يكونان خير امّتي و قد عبدت اللّه عزّ و جلّ قبلهما و عبدته بعدهما.

قال آخر:فإنّ أبا بكر أغلق بابه و قال:هل من مستقيل فأقيله؟

فقال عليّ عليه السّلام:قدّمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فمن ذا يؤخّرك.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّ عليّا عليه السّلام قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنّه قعد عنها حتّى قبضت فاطمة و أنّها أوصت أن تدفن ليلا لئلاّ يشهدا جنازتها،و وجه آخر و هو أنّه إن كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله استخلفه،فكيف جاز له أن يستقبل و هو يقول:الأنصار قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر.

قال آخر:إنّ عمرو بن العاص قال:يا نبيّ اللّه من أحبّ الناس إليك من النساء؟

ص: 385

فقال:عائشة،قال:من الرجال؟

فقال:أبوها.

فقال المأمون:هذا باطل من قبل أنّكم رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله وضع بين يديه طائر مشويّ،فقال:اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك فكان عليّ عليه السّلام،فأي روايتكم تقبل؟

فقال آخر:فإنّ عليّا عليه السّلام قال:من فضّلني على أبي بكر و عمر جلدته حدّ المفتري.

قال المأمون:كيف يجوز أن يقول علي أجلد الحدّ من لا يجب الحدّ عليه،فيكون متعدّيا لحدود اللّه عزّ و جلّ عاملا بخلاف أمره و ليس تفضيل من فضّله عليهما فرية و قد رويتم عن إمامكم أنّه قال:ولّيتكم و لست بخيركم،فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو عليّ عليه السّلام على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه و لابدّ له في نفسه من أن يكون صادقا أو كاذبا،فإن كان صادقا فأنّى عرف ذلك أبو حي،فالوحي منقطع أو بالنظر فالنظر متحيّر،و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين كذّاب.

قال آخر:فقد جاء،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أبو بكر و عمر سيّدا كهول أهل الجنّة.

قال المأمون:هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل و يروى أنّ أشجعية كانت عند النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال:لا يدخل الجنّة عجوز فبكت،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً (1).

فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شابّا إذا دخل الجنّة فقد رويتم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال للحسن و الحسين إنّهما شباب أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين و أبوهما خير منهما.

قال آخر:قد جاء أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

قال المأمون:هذا محال لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (2)و قال عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (3)فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثا و من أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخّرا؟7.

ص: 386


1- -سورة الواقعة:35-37.
2- -سورة النساء:163.
3- -سورة الأحزاب:7.

قال آخر:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نظر إلى عمر يوم عرفة،فتبسّم و قال:إنّ اللّه تعالى باهى بعباده عامّة و بعمر خاصّة.

فقال المأمون:فهذا مستحيل من قبل،أنّ اللّه تعالى لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيّه عليه السّلام فيكون عمر في الخاصّة و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في العامّة و ليست هذه الرواية بأعجب من روايتكم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:دخلت الجنّة فسمعت خفق نعلين،فإذا بلال مولى أبي بكر قد سبقني إلى الجنّة و إنّما قالت الشيعة:عليّ خير من أبي بكر،فقلتم:مولى أبي بكر خير من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لأنّ السابق أفضل من المسبوق،و كما رويتم أنّ الشيطان يفرّ من حسّ عمر و ألقى على لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّهنّ الغرانيق العلى،ففرّ من عمر و ألقى على لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بزعمكم الكفر.

قال آخر:قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطّاب.

قال المأمون:هذا خلاف الكتاب نصّا لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (1)فجعلتم عمر مثل الرسول.

قال آخر:فقد شهد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لعمر بالجنّة في عشرة من الصحابة.

فقال:لو كان هذا كما زعمت كان لا يقول لحذيفة:نشدتك باللّه أمن المنافقين أنا فإن كان قد قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:أنت من أهل الجنّة و لم يصدقه حتّى زكّاه حذيفة و صدق حذيفة و لم يصدّق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله،فهذا على غير الإسلام و إن كان قد صدّق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم سأل حذيفة و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما.

فقال آخر:فقد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:وضعت امّتي في كفّة الميزان و وضعت في اخرى فرجحت بهم ثمّ وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثمّ عمر فرجح بهم ثمّ رفع الميزان.

فقال المأمون:هذا محال من قبل أنّه لا يخلو من أن تكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فهو محال لأنّه لا ترجّح أجسامهم بأجسام الامّة و إن كانت أعمالهم فلم يكن بعد،فكيف يرجّح بما ليس.

ثمّ قال:انظروا فيما روت أئمّتكم في فضائل علي عليه السّلام و قايسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنّة،فإن كانت جزء من أجزاء كثيرة فالقول قولكم3.

ص: 387


1- -سورة الأنفال:33.

و إن كانوا قد رووا في فضائل عليّ عليه السّلام أكثر فخذوا عن أئمّتكم ما رووا،فأطرق القوم جميعا فقال:ما لكم سكتّم؟قالوا:قد استقصينا.

قال المأمون:فإنّي أسألكم خبّروني أيّ الأعمال كان أفضل يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله؟

قالوا؛السبق إلى الإسلام لأنّ اللّه تعالى يقول: اَلسّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (1)قال:فهل علمتم أحدا أسبق من عليّ عليه السّلام إلى الإسلام؟قالوا:إنّه سبق حدثا لم يجز عليه حكم و أبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم و بين هاتين الحالتين فرق.

قال المأمون:فخبّروني عن إسلام علي عليه السّلام بإلهام من قبل اللّه عزّ و جلّ أم بدعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله؛فإن قلتم:بإلهام فقد فضّلتموه على النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ داعيا و معرفا.

و إن قلتم:بدعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فهل دعاه من قبل نفسه أم بأمر اللّه عزّ و جلّ،فإن قلتم من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف اللّه به نبيّه صلّى اللّه عليه و اله في قوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى و إن كان من قبل اللّه عزّ و جلّ،فقد أمر اللّه سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و اله بدعاء عليّ عليه السّلام من بين صبيان الناس ثقة به و علما بتأييد اللّه تعالى إيّاه،ثمّ قال:و خلّة اخرى هل رأيتم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله دعا أحدا من صبيان أهله و غيرهم فيكون اسوة علي عليه السّلام فإن زعمتم أنّه لم يدع غيره فهذه فضيلة له على جميع الصبيان،ثمّ قال:أيّ الأعمال أفضل بعد السبق إلى الإيمان؟قالوا:الجهاد في سبيل اللّه،قال:فهل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي عليه السّلام في جميع مواقف النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هذه بدر قتل فيها نيفا و عشرين و أربعون لسائر الناس فقال قائل:كان أبو بكر مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في عريشه يدبّرها.

فقال المأمون:لقد جئت بها عجيبة أكان يدبّر دون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو معه فيشركه أو لحاجة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى رأي أبي بكر أي الثلاث أحبّ إليك؟

فقال:أعوذ باللّه من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو يشركه أو بافتقار من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

قال:فما الفضيلة في العريش،فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب فيجب أن يكون كلّ متخلّف فاضلا أفضل من المجاهدين و اللّه عزّ و جلّ يقول: لا يَسْتَوِي1.

ص: 388


1- -سورة الواقعة:10-11.

اَلْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (1) الآية.

قال إسحاق:ثمّ قال لي:اقرأ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (2)فقرأت حتّى بلغت: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (3)إلى قوله: وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (4).

فقال:فيمن نزلت هذه الآيات؟

قلت:في عليّ عليه السّلام قال:فهل بلغك أنّ عليّا عليه السّلام قال حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير:إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء و لا شكورا،فقلت:لا،قال:فإنّ اللّه عزّ و جلّ عرف سريرة عليّ عليه السّلام و نيّته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه،فهل علمت أن اللّه عزّ و جلّ وصف في شيء ممّا وصف في الجنّة ما في هذه السورة،قلت:لا،ثمّ قال:ألست يا إسحاق ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنّة؟فقلت:بلى،قال:أرأيت لو أنّ رجلا قال:ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا كان عندك كافرا؟قلت:لا،قال:أفرأيت لو قال:ما أدري أهذه السورة قرآن أم لا أكان عندك كافرا؟قلت:بلى،قال:أرى فضل الرجل يتأكّد.

أخبرني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك؟قلت:بلى،قال:بان و اللّه عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو يكون مردودا أو عرف اللّه الفاضل من خلقه و كان المفضول أحبّ إليه أو تزعم أنّ اللّه لم يعرف الفاضل من المفضول فأيّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول به؟

قال إسحاق:فأطرقت ساعة ثمّ قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في أبي بكر: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا (5)فنسبه اللّه سبحانه إلى صحبة نبيّه عليه السّلام.

فقال:سبحان اللّه ما أقلّ علمكم باللغة و الكتاب أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن؟أما0.

ص: 389


1- -سورة النساء:95.
2- -سورة الأنسان:1.
3- -سورة الأنسان:3.
4- -سورة الأنسان:22.
5- -سورة التوبة:40.

سمعت قوله تعالى: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ (1)فقد جعله له صاحبا و قال الهذلي شعر:

و لقد غدوت لصاحبي وحشية *** تحت الرداء بصيرة بالمشرق

و أمّا قوله: إِنَّ اللّهَ مَعَنا فإنّه تعالى مع البرّ و الفاجر،أما سمعت قوله عزّ و جلّ: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ (2)الآية،و أمّا قوله: لا تَحْزَنْ ،فخبّرني عن حزن أبي بكر كان طاعة أو معصية،فإن زعمت أنّه كان طاعة فقد جعلت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله نهى عن الطاعة و إن زعمت أنّه معصية فأيّ فضيلة للعاصي.

و خبّرني عن قوله عزّ و جلّ: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (3)على من؟قلت:على أبي بكر؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان مستغنيا عن السكينة.

قال:فخبّرني عن قوله عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (4).

و المراد به هنا سبعة من بني هاشم لمّا انهزم الناس يوم حنين و همّ علي عليه السّلام يضرب بسيفه و العبّاس آخذ بلجام بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الخمسة محدقون به خوفا من أن يناله سلاح الكفّار حتّى أعطى اللّه رسوله الظفر،فمن كان أفضل من كان مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و نزلت السكينة على النبيّ و عليه أو من كان في الغار أو من كان على مهاده و وقاه بنفسه حتّى تمّ للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله ما عزم عليه من الهجرة إنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و اله أن يأمر عليّا بالنوم على فراشه و وقايته بنفسه فأمره بذلك،فقال عليّ عليه السّلام:أتسلم إذن يا نبيّ اللّه؟

قال:نعم،قال:سمعا و طاعة،ثمّ أتى مضجعه و تسجّى بثوبه و أحدق المشركون به لا يشكّون في أنّه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و قد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطن من قريش رجل ضربة لئلاّ يطالب الهاشميّون بدمه و عليّ عليه السّلام يسمع ما القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه6.

ص: 390


1- -سورة الكهف:37.
2- -سورة المجادلة:7.
3- -سورة التوبة:40.
4- -سورة التوبة:25-26.

ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار و هو مع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و علي عليه السّلام وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث اللّه تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلمّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا:أين محمّد؟

قال:و ما علمي به،قالوا:أنت غررتنا ثمّ لحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم يزل يتزايد على الفضل خيرا حتّى قبضه اللّه إليه،ثمّ أطال في الاستدلال على فضيلة أمير المؤمنين عليه السّلام بالأخبار القاطعة،ثمّ أقبل على أصحاب النظر و الكلام و ناظرهم حتّى اعترفوا بالقصور إلى أن قال:أليس روت الامّة بإجماع منها أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:من كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النار؟

قالوا:بلى و رووا عنه عليه السّلام أنّه قال:من عصى اللّه بمعصية صغرت أو كبرت ثمّ اتّخذها دينا و مضى مصرّا عليها فهو مخلّد بين أطباق الجحيم؟قالوا:بلى،قال:فخبّروني عن رجل يختاره العامّة فتنصبه خليفة هل يجوز أن يقال له خليفة رسول اللّه و من قبل اللّه و لم يستخلفه الرسول فإن قلتم:نعم،كابرتم و إن قلتم:لا،وجب أنّ أبا بكر لم يكن خليفة رسول اللّه و أنّكم تكذبون على نبيّ اللّه و أنّكم متعرّضون لدخول النار،و خبّروني في أيّ قولكم صدقتم مضى صلّى اللّه عليه و اله و لم يستخلف أوفي قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول اللّه،فإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر فاتّقوا اللّه و دعوا التقليد.

ثمّ قال؛خبّروني عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هل استخلف حين مضى أم لا؟فقالوا:لم يستخلف.

قال:فتركه هذا هدى أم ضلال؟قالوا:هدى،قال:فعلى الناس أن يتّبعوا الهدى و يتنكّبوا الضلالة فلم استخلف الناس بعده فإنّ أبا بكر استخلف و لم يفعله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و لم جعل عمر الأمر شورى بين المسلمين فخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خالف صاحبه،فخبّروني أيّهما أفضل ما فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف،و هل يجوز أن يكون تركه من الرسول صلّى اللّه عليه و اله هدى و فعله من غيره هدى فيكون هدى ضدّ هدى فأين الضلال حينئذ،فسكت القوم،فقال لهم:لم سكتمّ؟

قالوا:لا ندري ما نقول.

قال:يكفيني هذه الحجّة عليكم ثمّ أمر بإخراجهم.

ص: 391

قال؛فخرجنا متحيّرين خجلين،فنظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال:هذا أقصى ما عند القوم فلا يظنّ ظانّ أنّ جلالتي منعتهم من النقض عليّ (1).

أقول: هذا محصّل المناظرة و تمامها مذكور في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام.9.

ص: 392


1- -عيون أخبار الرضا:215/1،و بحار الأنوار:208/49.

الفصل الرابع

اشارة

في أحوال أزواجه و أولاده و عشائره و مدائحه و أحوال أهل زمانه

و مناظراتهم و أخبار آبائه عليهم السّلام بشهادته و ما يتبع ذلك

[في]عيون الأخبار عن ابن أبي عبدون عن أبيه قال:لمّا جيء بزيد بن موسى أخي الرضا عليه السّلام إلى المأمون و قد خرج في البصرة و أحرق دور العبّاسيّين فسمّي زيد النار،قال له المأمون:يا زيد خرجت بالبصرة و تركت أن تبدأ بدور أعدائنا من اميّة و ثقيف و آل زياد و قصدت دور بني عمّك؟

فقال و كان مزّاحا:أخطأت يا أمير المؤمنين من كلّ جهة و إن عدت بدأت بأعدائنا، فضحك المأمون و بعث به إلى أخيه الرضا عليه السّلام و قال:قد وهبت جرمه لك،فلمّا جاؤوا به عنّفه و خلّى سبيله و حلف أن لا يكلّمه أبدا ما عاش (1).

و في حديث آخر:أنّه لمّا ادخل على الرضا قال عليه السّلام:يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة،إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيتها على النار و اللّه ما ذاك إلاّ للحسن و الحسين و ولد بطنها خاصّة،و إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه و تدخل الجنّة و موسى بن جعفر أطاع اللّه و دخل الجنّة فأنت أكرم على اللّه من موسى بن جعفر،فقال له زيد:أنا أخوك و ابن أبيك،فقال عليه السّلام:أنت أخي ما أطعت اللّه إنّ نوحا قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ فقال: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (2)فأخرجه اللّه من أن يكون من أهله بمعصيته و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:لمحسننا كفلان من الأجر و لمسيّئنا ضعفان من العذاب (3).

ص: 393


1- -عيون أخبار الرضا:258/1 ح 2،و بحار الأنوار:286/48.
2- -سورة هود:45.
3- -عيون أخبار الرضا:257/1 ح 1،و بحار الأنوار:230/43 ح 2.

[في]كشف الغمّة؛له من الولد خمسة رجال و ابنة واحدة،هم:محمّد الإمام و أبو محمّد الحسن و جعفر و إبراهيم و الحسين و عائشة (1).

و في كتاب الدّر:مضى الرضا عليه السّلام و لم يترك ولدا إلاّ أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام و كان سنّة يوم وفاة أبيه سبع سنين و أشهر (2).

و في كتاب الكشي:أنّ الرضا عليه السّلام دخل على عليّ بن عبيد اللّه بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فلمّا خرج و كانت امّ سلمة امرأة علي بن عبيد اللّه من وراء الستر تنظر إليه خرجت و انكبّت على الموضع الذي كان أبو الحسن فيه جالسا تقبّله و تتمسّح به،قال سليمان الجعفري:فأخبرت الرضا عليه السّلام بما صنعت امّ سلمة،فقال:يا سليمان إنّ علي بن عبيد اللّه و امرأته و ولده من أهل الجنّة،يا سليمان إنّ ولد عليّ و فاطمة إذا عرفهم اللّه هذا الأمر لم يكونوا كالناس (3).

أقول: قوله:لم يكونوا كالناس،يعني في الثواب كما تقدّم من قوله عليه السّلام:لمحسننا كفلان من الأجر،و يجوز أن يكون المعنى أنّهم يزيدون على الناس في الإخلاص و المحبّة كما فعلت امّ سلمة.

[في]عيون الأخبار عن النوفلي قال:قال إنّ المأمون لمّا جعل الرضا عليه السّلام ولي عهده و أنّ الشعراء قصدوا المأمون و وصلهم بأموال جمّة حين مدحوا الرضا عليه السّلام و صوّبوا رأي المأمون دون أبي نواس فإنّه لم يقصده و لم يمدحه و دخل على المأمون،فقال له:يا أبا نواس قد علمت مكان الرضا منّي و ما أكرمته به،فلماذا ادّخرت مدحه و أنت شاعر زمانك و سيّد دهرك؟فأنشأ يقول:شعر:

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا *** في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدرّ في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** و الخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادما لأبيه9.

ص: 394


1- -كشف الغمة:60/3،و بحار الأنوار:221/49 ح 11.
2- -بحار الأنوار:222/49 ح 13،و مسند الأمام الرضا:141/1.
3- -وسائل الشيعة:267/20،و بحار الأنوار:223/49.

فقال المأمون:أحسنت،و وصله من المال بمثل الذي وصل به كافّة الشعراء و فضّله عليهم (1).

و عن محمّد بن يزيد المبرّد قال:خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر راكب و قد حاذاه،فسأل عنه و لم ير وجهه فقيل:إنّه عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام فأنشأ يقول شعر:

إذا أبصرتك العين من بعد غاية *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب

و لو أنّ قوما أمّموك لقادهم *** نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب

(2) و روي أنّه دخل عبد اللّه بن مطرف على المأمون يوما و عنده الرضا عليه السّلام فقال له المأمون:ما تقول في أهل البيت؟

فقال عبد اللّه:ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة و غرست بماء الوحي هل ينفخ منها إلاّ مسك الهدى و عنبر التّقى،قال:فدعا المأمون بحقّة فيها لؤلؤ فحشا فاه (3).

و عن الهروي قال:سمعت دعبل الخزاعي يقول:أنشدت الرضا عليه السّلام قصيدتي التي أوّلها:مدارس آيات،فلمّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات

يميز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النّعماء و النقمات

بكى الرضا عليه السّلام بكاء شديدا،ثمّ قال لي:يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين،فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم؟فقلت:لا يا مولاي إلاّ إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلا،فقال:يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني و بعد محمّد ابنه علي و بعد علي ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجّة المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلاكما ملئت جورا،و أمّا متى فاخبار عن الوقت (4).

و لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السّلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قيل له:يا رسول اللّه6.

ص: 395


1- -عيون أخبار الرضا:154/1 ح 9،و بحار الأنوار:235/49.
2- -المناقب:432/3،و بحار الأنوار:8107/48.
3- -عيون أخبار الرضا:155/1 ح 10،و بحار الأنوار:237/49 ح 5.
4- -عيون أخبار الرضا:297/1 ح 35،و كمال الدين:372 ح 6.

متى يخرج القائم من ذرّيتك؟

فقال:مثله مثل الساعة(لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة) (1).

و عن أخي دعبل الخزاعي قال:خلع سيّدي الرضا عليه السّلام على أخي دعبل قميص خزّ أخضر و خاتما فضّة عقيق و دفع إليه دراهم رضوية و قال له:احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة في كلّ ليلة ألف ركعة و ختمت فيه القرآن ألف ختمة.

و عن الهروي قال دعبل بن علي الخزاعي دخلت على الرضا عليه السّلام بمرو،فقال له:

يابن رسول اللّه إنّي قد قلت فيك قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقال عليه السّلام:هاتها فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

فلمّا بلغ إلى قوله هذا بكى الرضا عليه السّلام و قال له:صدقت يا خزاعي،فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا و تروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل عليه السّلام يقلّب كفّيه و يقول:أجل و اللّه منقبضات،فلمّا بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي

قال الرضا عليه السّلام:آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر،فلما انتهى الى قوله:

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنّها الرحمن بالغرفات

قال الرضا عليه السّلام أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال:بلى يابن رسول اللّه،فقال عليه السّلام:

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** تتوقّد بالاحشاء في الحرقات

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الهمّ و الكربات

فقال دعبل:يابن رسول اللّه هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا عليه السّلام:قبري و لا تنقضي الأيّام و الليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي6.

ص: 396


1- -عيون أخبار الرضا:297/1 ح 5،و بحار الأنوار:238/49 ح 6.

و زوّاري،ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له،ثمّ نهض الرضا عليه السّلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة فدخل الدار و خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية،فقال له:يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك.

فقال دعبل:و اللّه ما لهذا جئت و لا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء وردّ الصرّة و سأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السّلام ليتبرّك به و يتشرّف به فأرسل إليه جبّة خزّ مع الصرّة و قال للخادم:قل له خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها و لا تراجعني فيها،فأخذ دعبل الصرّة و الجبّة و انصرف و سار من مرو في قافلة فلمّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة كلّها و كتّفوا أهلها و كان دعبل فيمن كتّف و ملك اللصوص القافلة و جعلوا يقسّمونها بينهم،فقال رجل من القوم متمثّلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل،فقال لهم:لمن هذا البيت؟

فقال:لرجل من من خزاعة يقال له دعبل بن علي،قال دعبل:فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت،فوثب الرجل إلى رئيسهم و كان يصلّي على رأس تل و كان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل فقال:انشدني القصيدة فأنشدها فحلّ كتافه و كتاف أهل القافلة وردّ عليهم أموالهم لكرامة دعبل،و صار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة،فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فاجتمعوا فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال و الخلع بشيء كثير و اتّصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك.

فقالوا له:بعنا شيئا منها بألف دينار فأبى عليهم و سار من قم،فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب و أخذوا الجبّة فرجع دعبل إلى قم و سألهم ردّ الجبّة عليه،فامتنع الاحداث من ذلك و عصوا المشايخ في أمرها و قالوا له:لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم فلمّا يئس من ردّهم الجبّة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأعطوه بعضها و دفعوا إليه ثمن الباقي ألف دينار و انصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة دينار من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم و ذكر قول الرضا عليه السّلام:إنّك ستحتاج إليها و كانت له جارية يحبّها فرمدت،فقال أهل الطبّ

ص: 397

أمّا العين اليمنى فقد ذهبت و أمّا اليسرى فنجتهد في معالجتها فاغتمّ لذلك دعبل،ثمّ ذكر فضل الجبّة فعصّبها بعصابة منها فأصبحت و عيناها أصحّ ممّا كانتا ببركة الرضا عليه السّلام (1).

و عن داود البكري قال:سمعت علي بن دعبل الخزاعي يقول:لمّا حضر أبي الوفاة تغيّر لونه و انعقد لسانه و اسودّ وجهه فكدت أن أرجع عن مذهبه فرأيته بعد ثلاث فيما يرى النائم و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء،فقلت له:يا أبه ما فعل اللّه بك؟

فقال:يا بني إنّ الذي رأيته من اسوداد وجهي و انعقاد لساني كان من شرب الخمر في دار الدّنيا و لم أزل كذلك حتّى لقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليه ثياب بيض و قلنسوة بيضاء فقال لي:أنت دعبل؟قلت:نعم يا رسول اللّه قال:فانشدني قولك في أولادي،فأنشدته قولي:

لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت *** يوما و آل رسول اللّه قد قهروا

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم *** كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر

فقال لي:أحسنت و شفع فيّ و أعطاني ثيابه و هاهي،و أشار إلى ثياب بدنه (2).

[في]كشف الغمّة،عن أبي الصلت الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا عليه السّلام بمرو،فقال له:يابن رسول اللّه إنّي قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك،فقال الرضا عليه السّلام:هاتها فأنشد قصيدة:

تجاوبن بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات

يخبّرن بالأنفاس عن سرّ أنفس *** اسارى هوى ماض و آخرات

فأسعدن أو اسعفن حتّى تقرّضت *** صفوف الدّجى بالفجر منهزمات

على العرصات الخاليات من المها *** سلام شجّ صبّ على العرصات

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا *** من العطرات البيض و الخطرات

ليالي يعدين الوصال على القلى *** و تعدى تدانينا على الغربات

و إذ هنّ يلحظن العيون سوافرا *** و يسترن بالأيدي على الوجنات

و إذ كلّ يوم لي بلحظى نشوة *** يبيت بها قلبي على نشواتي6.

ص: 398


1- -عيون أخبار الرضا:296/1،و بحار الأنوار:241/49.
2- -عيون أخبار الرضا:298/1 ح 36.

فكم حسرات هاجها بمحسر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات

ألم تر للأيّام ما جرّ جورها *** على الناس من نقص و طول شتات

و من دول المستهزئين و من غدا *** بهم طالبا للنور في الظلمات

فكيف و من أنّى بطالب زلفة *** إلى اللّه بعد الصوم و الصلوات

سوى حبّ أبناء النبيّ و رهطه *** و بغض بني الزرقاء و العبلات

و هند و ما أدّت سميّة و ابنها *** أولوا الكفر في الإسلام و الفجرات

هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه *** و محكمه بالزور و الشبهات

و لم تك إلاّ محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن و هنات

تراث بلا قربى و ملك بلا هدى *** و حكم بلا شورى بغير هدات

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة *** وردت اجاجا طعم كلّ فرات

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلاّ بيعة الفلتات

و ما قبل أصحاب السقيفة جهرة *** بدعوى تراث في الضلال ثبات

و لو قدروا الموصى إليه امورها *** لزمّت بمأمون على العثرات

أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى *** و مفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** و بدر و احد شامخ الهضبات

و آي من القرآن تتلى بفضله *** و إيثاره بالقوت في اللزبات

و عز خلال أدركته بسبقها *** مناقب كانت فيه موتنقات

مناقب لم تدرك بخير و لم تنل *** بشيء سوى حدّ القنا الذربات

نجى لجبريل الأمين و أنتم *** عكوف على العزى معا و منات

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و أذريت دمع العين بالعبرات

و بان عزى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار قد عفت و عرات

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول اللّه بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات

ديار لعبد اللّه بالخيف من منى *** و للسيّد الداعي إلى الصلوات

ديار عليّ و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجّاد ذو الثفنات

ص: 399

ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه *** نجيّ رسول اللّه في الخلوات

و سبطي رسول اللّه و ابني وصيّه *** و وارث علم اللّه و الحسنات

منازل وحي اللّه ينزل بيتها *** على أحمد المذكور في الصلوات

منازل قوم يهتدى بهداهم *** فيؤمن منهم زلّة العثرات

منازل كانت للصلاة و للتّقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات

منازل لا تيم تحلّ بربعها *** و لا ابن صهّاك فاتك الحرمات

ديار عفاها جور كلّ منابذ *** و لم تعف للأيّام و السنوات

قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها *** متى عهدها بالصوم و الصلوات

و أين الاولى شطّت بهم غربة النوى *** أفانين في الأقطار مفترقات

هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا *** و هم خير سادات و خير حمات

إذا لم نناج اللّه في صلواتنا *** بأسمائهم لم يقبل الصلوات

مطاعيم للاعصار في كلّ مشهد *** لقد شرّفوا بالفضل و البركات

و ما الناس إلاّ غاضب و مكذّب *** و مضطغن ذو إحنة و ترات

إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر *** و يوم حنين أسبلوا العبرات

فكيف يحبّون النبيّ و رهطه *** و هم تركوا أحشاءهم و غرات

لقد لا ينوه في المقال و أضمروا *** قلوبا على الأحقاد منطويات

فإن لم يكن إلاّ بقربى محمّد *** فهاشم أولى من هن و هنات

سقى اللّه قبرا بالمدينة غيثه *** فقد حلّ فيه الأمن و البركات

نبيّ الهدى صلّى عليه مليكه *** و بلغ عنّا روحه التحفات

و صلّى عليه اللّه ما درّ شارق *** و لاحت نجوم الليل مبتدرات

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلات

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخ نالها صلوات

و اخرى بأرض الجوزجان محلّها *** و قبر بباخمرى لدى الغربات

ص: 400

و قبر ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنها الرحمن في الغرفات

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الغمّ و الكربات

علي بن موسى أرشد اللّه أمره *** و صلّى عليه أفضل الصلوات

فأمّا الممضات التي لست بالغا *** مبالغها منّي بكنه صفات

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم منها بشط فرات

توفّوا عطاشا بالفرات فليتني *** توفّيت فيهم قبل حين وفات

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الثكل و القطعات

أخاف بأن إذ دارهم فتشوقني *** مصارعهم بالجزع في النحلات

تغشاهم ريب المنون فما ترى *** لهم عقرة مغشية الحجرات

خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة *** مدينين انضاء من اللزبات

قليلة زوّار سوى أنّ زوّرا *** من الضبع و العقبان و الرخمات

لهم كلّ يوم تربة بمضاجع *** ثوت في نواحي الأرض مفترقات

تنكّب لاواء السنين جوارهم *** و لا تصطليهم جمرة الجمرات

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها *** مفاوير نحارون في الأزمات

حمى لم تزره المذنبات و أوجه *** تضيء لدى الأستار و الظلمات

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب أفحموا العمرات

فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و الفرقان و السورات

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات

و حمزة و العبّاس ذا الهدى و التّقى *** و جعفرها الطيّار في الحجبات

أولئك لا ملقوح هند و خربها *** سميّة من نوكى و من قذرات

ستسأل تيم عنهم و عدّيها *** و هم تركوا الأبناء رهن شتات

و هم عدلوها عن وصيّ محمّد *** فبيعتهم جاءت على العذرات

وليّهم صنو النبيّ محمّد *** أبو الحسن الفرّاج للغمرات

ملامك في آل النبي فإنّهم *** أحبّاي ما داموا و أهل ثقات

ص: 401

تحيرتهم رشد التقسي أنّهم *** على كلّ خير خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودّة صادقا *** و سلمت نفسي طايعا لولاتي

فيارب زدني في هواي بصيرة *** و زد حبّهم يا ربّ في حسنات

سأبكيهم ما حجّ للّه راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات

و أنّي لمولاهم و قال عدوّهم *** و أنّي لمحزون بطول حيات

بنفسي أنتم من كهول و فتية *** لفك عناة أو لحمل ديات

و للخيل لما قيد الموت خطوها *** فأطلقتم منهنّ بالذربات

أحبّ قصي الرحم من أجل حبّكم *** و أهجر فيكم زوجتي و بنات

و أكتم حميكم مخافة كاشح عنيد *** لأهل الحقّ غير موات

فيا عين بكيّهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و الهملات

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الامن بعد وفات

ألم تراني مذ ثلاثون حجّة *** أروح و أغدو دائم الحسرات

أر فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات

و كيف أداوي من جوى بي و الجوى *** أمية أهل الكفر و اللّعنات

و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول اللّه منهتكات

سأبيكيهم ما ذرّ في الأفق شارق *** و نادى مناد الخير بالصلوات

و ما طلعت شمس و حان غروبها *** و بالليل أبكيهم و بالغدوات

ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا *** و آل زياد تسكن الحجرات

و آل رسول اللّه تدمى نحورهم *** و آل زياد ربة الحجلات

و آل رسول اللّه تسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّا عن الأوتار منقبضات

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد *** تقطّع نفسي اثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري *** فغير بعيد كلّما هو آت

ص: 402

و لا تجزعي من مدّة الجور أنّني *** أرى قوتي قد أذنت بثبات

فإن قرب الرحمن من تلك مدّتي *** و أخّر من عمري و وقت وفات

شفيت و لم أترك لنفسي غصّة *** و رويت منهم منصل و قنات

فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم *** حياة لدى الفردوس غير تبات

عسى اللّه أن يرتاح للخلق أنّه *** إلى كلّ قوم دائم اللحظات

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر *** و عظوا على التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات

أحاول نقل الصمّ عن مستقرّها *** و إسماع أحجار من الصلدات

فحسبي منهم أن أبوء بغصّة *** تردّد في صدري و في لهوات

فمن عارف لم ينتفع و معاند *** تميل به الأهواء للشهوات

كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدّة الزفرات

أقول: في شرح بعض أبيات القصيدة:قوله:عجم اللفظ؛الأعجم الذي لا يفصح و لا يبيّن كلامه و منه الحيوانات العجم و به سمّي العجم و هم خلاف العرب لأنّهم لا يفهمون اللغة العربية التي هي الأصل في لغات هذا الدّين المحمّدي على مشرّفه و على آله أفضل الصلوات،و المراد هنا الطيور و نغماتها التي تتجاوب بالرنّة و النوح في أطلال ديار الأحباب.

و قوله:اسارى هوا ماض...الخ،يعني أنّ تلك الأنفس أسيرات في عشق الأحباب الماضين و الآتين،و لعلّ المراد من الآتي هذا الدولة المهدوية على القائم بها أفضل الصلوات (1).

و قوله:و اسعدن أو اسعفن...الخ؛الإسعاد الإعانة و الإسعاف الإيصال إلى البغية و الضمير يرجع إلى الطيور النايحة و قيل إلى العشّاق و هو بعيد،قيل:و الأصوب فاصعدن و أسففن من اسف الطائر إذا دنى من الأرض في طيرانه يعني،يطرن تارة صعودا و اخرى هبوطا و التقوّض التفرّق.

و قوله:على العرصات الخاليات من المها...الخ،المها بقر الوحش و رجل شج أي حزين و الصب العاشق المشتاق.1.

ص: 403


1- -كشف الغمة:11/3،و مسند الأمام الرضا:186/1.

و قوله:على العرصات ثانيا تأكيد للأوّل أو متعلّق بشج و صب و هو الأولى.

و قوله:خضر المعاهد...الخ؛أي كنت أعهد أماكنها خضرة و هي مألف للنساء البيض و الحقر بالتحريك شدّة الحياء[نصبا] (1)على التمييز.

و قوله:يعدين الوصال على القلى...الخ؛من أعداه عليه أي أعانه عليه أي،يجعلن الوصل غالبا على الهجر لما يكون فيها من أسباب الوصال و كذلك تلك الليالي تعين القرب على الاغتراب و تجعل الأحباب في الأوطان،و الغربات مفارقة الديار،و لعلّ المراد هنا ما كان الأئمّة عليهم السّلام عليه من الاجتماع في أعصار النبوّة و في أعصار خلافة أمير المؤمنين ثمّ وقع عليهم التفرّق و الاغتراب من واقعة الطفوف حتّى«تفرّقوا أيدي سبأ» (2).

و قوله:يلحظن العيون...الخ؛العيون،و قوله:نشوة أي سكرة،و قوله:بمحسر أراد به وادي المحسر المشهور،و قوله:ما جر جورها...الخ،قيل:إنّ ما جرّ من الجريرة و هي الجناية العظيمة و الظاهر أنّه فعل ماض من الجرّ و هو السحب في الأرض.

و قوله؛طالبا للنور الخ،يعني أنّ الناس يطلبون الهداية من أئمّة الجور و أعوانهم و هم ظلمات و شبهات فكيف يطلب منها نور الهداية.

و قوله:بني الزرقاء و العبلات،الزرقة أبغض الألوان إلى العرب لأنّه لون أعدائهم الروم و عبله اسم اميّة الصغرى و هم من قريش يقال لهم العبلات بالتحريك و سميّة أم زياد ابن أبيه.

و قوله:و لم تلك إلاّ محنة...الخ،أي لم يكن ما وقع بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلاّ امتحانا ظهر به كفرهم و نفاقهم بدعوى الضلال من الشيء القبيح،لأنّ هن و هنات كناية عنه.

و قوله:و ما قيل أصحاب السقيفة جهرة...الخ،(ما)مصدرية و(هو)و ما بعده مصدر خبره نتات من النتو بمعنى الارتفاع أي،قول أصحاب السقيفة الذي وقع عقد البيعة بها لأبي بكر و هو ادّعاء الخلافة بالوراثة و هو احتجاجهم على الأنصار بأنّهم من قريش و من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بعائشة و حفصة قول غريب،لأنّ هذا الاحتجاج أين مبلغه من بنوّة الحسنين و فاطمة و اخوة أمير المؤمنين عليه السّلام و عمومته.ق.

ص: 404


1- -زيادة من المصدر.
2- -هو مثل يضرب للتفرّق.

و قوله:لزمت...الخ،من الزمام و هو كناية عن انتظام الامور و اتّساقها.

و قوله:شامخ الهضبات،الشامخ العالي،و الهضبات الجبال المنبسطة على وجه الأرض،و اللزيات جمع لزية بالتحريك و هو الشدّة و القحط.

و قوله:موتنفات أي،طريات جديدات لم يسبق إليها من قولهم روضة أنف كعنق أي لم ترع و كاس أنف أي لم يشرب و أمر انف مستأنف،و قوله:لم تدرك بخير أي بمال أي أنّها مناقبة إلهية ذاتية ليست مثل مناقب الملوك و السلاطين التي يدركونها ببذل الأموال.

و الذربات جمع ذربة و هي الحدّة.

و قوله:و أذريت دمع العين،أي سكبته و صببته و الذرى اسم الدمع المصبوب.

و قوله:قفا نسأل الدار،قد شاع في أشعار العرب هذا النوع من الخطاب قيل:إنّ العرب تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين و قيل:هو للتأكيد من قبيل لبّيك أي قف،و قيل خطاب إلى أقلّ ما يكون معه من جمل و عبد.

و قوله:شطت،أي بعدت و النوى الوجه الذي ينويه المسافر و الأفانين الأغصان، و المطاعيم جمع المطعام و هو كثير الاطعام.

و قوله:و مضطفن ذو احنة و ترات،المضطفن المنطوي على الأحقاد،و الاحنة بالكسر الحقد و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.

و قوله:و غرات أي تغلي غليان القدر.

و قوله:الا بقربى محمّد،إشارة إلى ما احتجّ به المهاجرون على الأنصار في السقيفة بكونهم أقرب من الرسول صلّى اللّه عليه و اله.

و قوله:و اخرى بفخّ،إشارة إلى القتل بفخ في زمن الهادي العبّاسي أخي الرشيد فإنّه تولّى الخلافة قبله و قتل في ذلك المكان الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و سليمان بن عبد اللّه بن الحسن و أتباعهما لمّا خرجوا في زمنه.

و قوله:بأرض الجوزجان،إشارة إلى قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليه السّلام فإنّه قتل بجوزجان و صلب بها في زمن الوليد و كان مصلوبا على ظهر أبو مسلم فأنزله و دفنه.

و باخمرا:اسم موضع على ستّة عشر فرسخا من الكوفة قتل فيه إبراهيم بن عبد اللّه ابن الحسن.

ص: 405

و الممضات من قولهم امضه الجرح أي أوجعه يعني لا أبلغ كنه صفاتي أن أصف أنّها بلغت منّي أي مبلغ من الحزن.

و لوعة الحبّ حرقته،و ازدار افتعل من الزيارة،و شاقني حبّها أهاجني يعني إنّي أخاف من زيارتهم أن لا أصبر عند رؤية مصارعهم فيورث جزعي و تحول جسمي.

و العقر بالضم و الفتح محلّة القوم و وسط الدار و أصلها أي ليس لهم دار و ساحة تأتي الناس حجراتها.

و قوله:مدينين أي مقيمين أيضا أي مهزولين أو مجرّدين.

و العقبان جمع العقاب و الرخمات جمع الرخمة أي لا يزور قبورهم سوى هذه الطيور.

و اللاء و الشدّة أي لا يجاورهم لاواء السنين لسرعة فراقهم الدّنيا.و رجل مغوار كثير الغارات و غارهم اللّه بخير أصابهم بخصب و مطر.

و قوله:لم تزره المذنبات أي لم تقربه إلاّ المطهّرات من الذنوب،و المسعر بكسر (الميم)الخشب الذي تسعر به النار و منه قيل للرجل إنّه مسعر حرب أي تحمى به الحرب.

و النوكى الحمقى.و قوله:ملامك بالنصب أي كفّ عنّي ملامك.و قوله:عناة أي أسارى أي كانوا معدين مرجوّين لفكّ الأسارى و حمل الديات عن القوم.

قوله:قصيّ الرحم،أي أحبّ من كان بعيدا من جهة الرحم إذا كان محبّا لكم و اهجر زوجتي و بناتي إذا كنّ مخالفات لكم.

و قوله:حبيكم،أي حبّي إيّاكم،و المواطاة المطاوعة المثافقة و هملت عينه فاضت.

و الجوى:الحرقة،و شدّة الوجد من عشق أو حزن،و البلقع الأرض الخالية.

و ربّة الحجلات المربوبة فيها و فلان آمن في سربه أي في نفسه و فلان واسع السرب أي رخي البال.

و قوله:إذا وتروا البيت،معناه إذا قتل منهم قتيل و أرادوا الأخذ بدمه مدّوا أيديا ممنوعات عن أخذ الثأر لعدم تمكّنهم منه،و قيل:منقبضات عن أوتار الملاهي فيكون وصف أيديهم بالطهارة.

قوله:غير بتات،أي غير منقطع و يقال:ارتاح اللّه لفلان أي رحمه و يقال:باء بغضب

ص: 406

أي رجع به.

قال صاحب الأغاني:إنّ دعبل الخزاعي كتب قصيدته هذه على ثوب و أحرم فيه و أمر بأن يكون في كفنه،و لم يزل دعبل مرهوب اللّسان و يخاف من هجائه الخلفاء.قال ابن المدبر:لقيت دعبلا،فقلت له:أنت أجسر الناس حيث تقول للمأمون شعر:

إنّي من القوم الذين سيوفهم *** قتلت أخاك و شرّفتك بمقعد

رفعوا محلّك بعد طول خموله *** و استنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال:يا أبا إسحاق إنّي أجد خشبتي مذ أربعين سنة و لا أجد من يصلبني عليها (1).

أقول: أراد بالقوم الذين قتلوا أخاه الأمين عبد اللّه بن طاهر الخزاعي،فإنّه كان مقدم عساكر المأمون و هو الذي فتح له البلدان و قتل أخاه الأمين و مكّنه من الملك و الخلافة و كانت قبائل خزاعة معه.

[في]كتاب العلل عن محمّد بن إبراهيم قال:إنّما كانت عداوة ابن حنبل مع علي بن أبي طالب عليه السّلام:أنّ جدّه ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب عليه السّلام يوم النهروان كان رئيس الخوارج (2).

و قال علي بن حشرم:كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب عليه السّلام،فقال:لا يكون الرجل سنيّا يبغض عليا قليلا،قال علي بن حشرم:فقلت:لا يكون الرجل سنيا حتّى يحبّ عليّا كثيرا فضربوني و طردوني من المجلس.

و في كتاب مناقب الأبرار:أنّ معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان أبواه نصرانيين سلّما معروفا إلى المعلم و هو صبي،فكان المعلّم يقول له:

قل ثالث ثلاثة و هو يقول بل هو الواحد فضربه المعلّم ضربا مبرحا فهرب و مضى إلى الرضا عليه السّلام و أسلم على يده،ثمّ إنّه أتى داره فدقّ الباب،فقال أبوه:من بالباب؟

فقال:معروف،فقال:على أيّ دين؟قال:على دين الحنفي،فأسلم أبوه ببركات الرضا عليه السّلام،قال معروف:فعشت زمانا ثمّ تركت كلّما كنت فيه إلاّ خدمة مولاي علي بن3.

ص: 407


1- -بحار الأنوار:260/49 ح 14،و العدد القوية:292 ح 16.
2- -بحار الأنوار:261/49 ح 1،و علل الشرائع:467/2 ح 23.

موسى الرضا عليه السّلام (1).

و عن الريّان بن الصلت قال:قلت للرضا عليه السّلام:إنّ العبّاسي أخبرني أنّك رخّصت في سماع الغناء؟

فقال:كذب الزنديق ما هكذا كان إنّما سألني عن سماع الغناء،فأخبرته أنّ رجلا أتى أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليه السّلام فسأله عن سماع الغناء،فقال له:أخبرني إذا ميّز اللّه تبارك و تعالى بين الحقّ و الباطل مع أيّهما يكون الغناء؟

فقال الرجل:مع الباطل.

فقال له أبو جعفر عليه السّلام:حسبك فقد حكمت على نفسك فهكذا كان قولي له (2).

أقول: لم يذهب أحد من الإمامية رضوان اللّه عليهم إلى جواز سماع الغناء سوى صاحب الوافي من المعاصرين،فإنّه صرّح بجوازه و هو عجيب.8.

ص: 408


1- -المناقب:471/3،و بحار الأنوار:262/49 ح 4.
2- -بحار الأنوار:263/49 ح 6،و مستدرك سفينة البحار:31/8.
حديث سعوط المجانين

[في]عيون الأخبار عن محمّد بن عبد اللّه بن طاهر قال:كنت واقفا على رأس أبي و عنده أبو الصلت الهروي و إسحاق بن راهويه و أحمد بن محمّد بن حنبل،فقال أبي:

ليحدّثني كلّ رجل منكم بحديث،فقال أبو الصلت:حدّثني علي بن موسى الرضا عليه السّلام -و كان و اللّه رضي سمّي-عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

الإيمان قول و عمل،فلمّا خرجنا قال أحمد بن محمّد بن حنبل:ما هذا الاسناد؟

فقال له أبي:هذا سعوط المجانين إذا سعّط بن المجنون أفاق (1)

صفوان الجمّال كان يعمل عن أصحابه

[في]كتاب الاختصاص للمفيد طاب ثراه قال:ذكر محمّد بن جعفر المؤدّب:أنّ صفوان بن يحيى كان من أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث و كان يصلّي كلّ يوم خمسين و مائة ركعة و يصوم في السنة ثلاثة أشهر و يخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرّات، و ذلك أنّه اشترك هو و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان في بيت اللّه الحرام،فتعاقدوا جميعا إن مات واحد منهم صلّى من بقي منهم صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه و يزكّي عنه ما دام حيّا فمات صاحباه و بقي صفوان بعدهما و كان يفي لهما بذلك يصلّي عنهما و يزكّي عنهما و يحجّ عنهما و كلّ شيء من البرّ و الصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعله لصاحبيه.

و قال بعض جيرانه من أهل الكوفة بمكّة:يا أبا محمّد تحمل لي إلى المنزل دينارين فقال له:إنّ جمالي بكرى حتّى أستأمر فيه جمالي (2).

أقول: قد وقع مثل هذا الورع من الفاضل الزاهد المولى أحمد الأردبيلي قدّس اللّه

ص: 409


1- -مسند الأمام الرضا:259/1 ح 10،و بحار الأنوار:270/49 ح 13.
2- -الأختصاص:88،و بحار الأنوار:273/49.

ضريحه فإنّه استأجر حمارا من النجف الى مشهد الكاظم عليه السّلام فلما رجع أودعه رجل من أهل بغداد رسالة الى أهله في النجف فوضعها في جيبه و ساق الحمار من بغداد الى النجف و لم يركبه فقيل له في ذلك قال:كيف أركب الحمار و الخط في جيبي و ما استأمرت صاحبه.

حال محمّد بن سنان

و عن عبد اللّه بن جندب و كان وكيلا للكاظم و الرضا عليهما السّلام قال:دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسمعته يقول:جزى اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفى لي (1).

و عن علي بن الحسين بن داود قال:سمعت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يقول:رضى اللّه عن محمّد بن سنان برضاي عنه،فما خالفني و لا خالف أبي قط (2).

و في كتاب الكشي:ثمّ سمعت من يذكر طعنا على محمّد بن سنان و لعلّه لم يقف إلاّ على الطعن عليه و لم يقف على تزكيته و الثناء عليه و كذلك يحتمل أكثر الطعون.

فقال شيخنا المعظّم المأمون المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب كمال شهر رمضان لمّا ذكر محمّد بن سنان،ما هذا لفظه:على أنّ المشهور عن السادة عليهم السّلام من الوصف لهذا الرجل خلاف ما به شيخنا أتاه و وصفه و الظاهر من القول ضدّ ما له به ذكر كقول أبي جعفر عليه السّلام فما رواه عبد اللّه بن الصلت القمي قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فسمعته يقول:جزى اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد وفا لي،و كقوله عليه السّلام:رضى اللّه عن محمّد ابن سنان برضاي عنه فما خالفني و لا خالف أبي قط هذا مع جلالته في الشيعة و علوّ شأنه و رياسته و عظم قدره و لقائه من الأئمّة عليهم السّلام ثلاثة،و روايته عنهم و كونه بالمحلّ الرفيع منهم الكاظم و الرضا و الجواد عليهم أفضل الصلوات و مع معجز أبي جعفر عليه السّلام التي أكرمه بها،فيما رواه محمّد بن الحسين بن الخطّاب:أنّ محمّد بن سنان كان ضرير البصر فتمسّح بأبي جعفر الثاني عليه السّلام فعاد إليه بصره بعد ما كان افتقده (3).

أقول: فمن جملة أخطار الطعون على الأخبار:أن يقف الإنسان على طعن و لم

ص: 410


1- -موسوعة الأمام الجواد:473/1،و الفوائد الرجالية:254/3.
2- -وسائل الشيعة:330/20 ح 1049،و بحار الأنوار:276/49.
3- -بحار الأنوار:277/49،و الفوائد الرجالية:254/3.

يستوف النظر في أخبار المطعون عليه كما ذكرناه عن محمّد بن سنان رحمة اللّه عليه فلا يعجل طاعن فيما أشرنا إليه أو يقف من كتبنا عليه،فلعلّ لنا عذرا ما اطلع الطاعن عليه.

أقول: رويت بإسنادي عن الحسين المالكي قال:قلت لأحمد الكرخي:أخبرني عمّا يقول في محمّد بن سنان من أمر الغلوّ،فقال:معاذ اللّه هو و اللّه علّمني الطهور و حبس العيال و كان متقشّفا متعبّدا،انتهى.

أقول: طعن أكثر أصحابنا من أهل الرجال في محمّد بن سنان و نسبوه إلى الغلو و ارتفاع القول و ضعفوا الأسانيد الواقع فيها و وثّقه المفيد و السيّد ابن طاووس و الكشي كما عرفت و هو الأصحّ؛و ذلك أنّ جماعة من خواص الأئمّة عليهم السّلام كالمفضل بن عمر و محمّد ابن سنان و جابر بن يزيد الجعفي و أضرابهمن كانوا عليهم السلام يلقون إليهم من أسرار علومهم و مشكلات أخبارهم ما لا يلقونه إلى غيرهم و كانوا يتّهمونهم عن رواية أكثر الأخبار، لأنّ الناس لا يتحمّلونها،و قد مرّ أنّ الجعفي روى عن محمّد بن علي الباقر عليه السّلام سبعين ألف حديث لم يحدّث بها إلاّ الأرض،فإذا سمع الشيعة منهم أخبارا من النوادر لم يروها غيرهم اتّهموهم و نسبوهم إلى الغلوّ سيّما إذا كان ذلك الحديث في بواطن أسرار الأئمّة عليهم السّلام و امورهم الغريبة كما قالوا عليهم السّلام:أمرنا صعب مستصعب.

و في لفظ آخر:حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبي مرسل أو ملك مقرّب أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان.

و في الكافي عن الحسن الأنباري قال:كتبت إلى الرضا عليه السّلام أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان،فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خيط عنقي و أنّ السلطان يقول:إنّك رافضي و لسنا نشكّ في أنّك تركت العمل للسلطان للترفّض،فكتب إلي أبو الحسن عليه السّلام قد فهمت كتبك و ما ذكرت من الخوف على نفسك،فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ثمّ يصير أعوانك و كتابك أهل ملّتك،فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى يكون واحدا منهم كان ذا بذا و إلاّ فلا (1).

أقول: فيه إشارة إلى عدم الرخصة له في عمل السلطان و إن أدّى إلى الخوف على النفس،و ذلك أنّ شرطه عليه السّلام لا يتّفق إلاّ نادرا.6.

ص: 411


1- -الكافي:111/5 ح 4،و تهذيب:335/6.

[في]كشف الغمّة من كتاب نثر الدرّ قال:دخل على الرضا عليه السّلام بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له:إنّ أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاّه اللّه من الأمر فرآكم أهل البيت أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك و الامّة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض،قال:و كان الرضا عليه السّلام متّكئا فاستوى جالسا ثمّ قال:

كان يوسف نبيّا يلبس أقبية الديباج المزرّرة بالذهب و يجلس على متكئات آل فرعون و يحكم،إنّما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز،إنّ اللّه لم يحرّم لبوسا و لا مطعما و تلى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ (1)(2).

أقول: الصوفية هذا ديدانهم في معارضة الأئمّة عليهم السّلام في أعصارهم ثمّ عارضوا العلماء في أعصارهم و استمرّوا على الخلاف و العناد معهم إلى هذا العصر و ما بعده إلى يوم القيامة.

و يعجبني نقل لطيفة في هذا الموضع،و هي:أنّ رجلا سأل الفاضل قاضي عضد هل ذكر اللّه المشايخ في القرآن؟

فقال:نعم ذكرهم مع العلماء في آية واحدة و هي قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (3).

[في]الاحتجاج عن أبي الهذيل العلاّف أنّه قال:دخلت الرقة فذكر لي أنّ الدير فيه مجنون حسن الكلام فأتيته،فإذا أنا برجل حسن الهيئة جالسا على و سادة يسرّح رأسه و لحيته فسلّمت عليه وردّ عليّ،ثمّ قال لي:ممّن يكون الرجل؟قلت:من أهل العراق، قال:نعم أهل الطرب و الأدب،قال:من أيّها أنت؟قلت:من أهل البصرة،قال:أهل التجارب و العلم،و قال:أيّهم أنت؟قلت:أبو الهذيل العلاّف،قال:المتكلّم؟قلت:بلى، فوثب عن و سادته و أجلسني عليها ثمّ قال:ما تقول في الإمامة؟قلت:أيّ الإمامة تريد؟ قال:من تقدّم بعد النبيّ عليه السّلام؟9.

ص: 412


1- -كشف الغمة:103/3،و بحار الأنوار:120/67.
2- -سورة الأعراف:32.
3- -سورة الزمر:9.

قلت:من قدّمه رسول اللّه،قال:و من هو؟قلت:أبو بكر قال:و لم قدّمتموه؟

قلت:لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:قدّموا خيركم و ولّوا أفضلكم و تراض الناس به جميعا، قال:يا أبا الهذيل هاهنا وقعت،أمّا قولك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:قدّموا خيركم فإنّي أوجدك أنّ أبا بكر صعد المنبر و قال:ولّيتكم و لست بخيركم،فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله و إن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لا يصعده الكذّابون،و أمّا قولك إنّ الناس تراضوا به فإنّ أكثر الأنصار قالوا:منّا أمير و منكم أمير،و أمّا المهاجرون فإنّ الزبير ابن العوّام قال:لا ابايع إلاّ عليّا فأمر به فكسر سيفه و جاء أبو سفيان بن حرب فقال:يا أبا الحسن إن شئت لأملانّها خيلا و رجالا يعني المدينة،فخرج سلمان،فقال:كردند و نه كردند و ندانند كه چه كردند و المقداد و أبو ذرّ لم يرضوا.

أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر و قوله:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني لا أقع في اشعاركم و ابشاركم،فهو يخبركم على المنبر أنّه مجنون و كيف يحلّ لكم أن تولّوا مجنونا،و أخبرني يا أبا هذيل عن قيام عمر على المنبر و قوله:وددت أنّي شعرة في صدر أبي بكر،ثمّ قال بعدها بجمعة،فقال:إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فبينا هو يودّ أن يكون شعرة في صدر أبي بكر و بينا هو يقتل من بايع مثله،فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يستخلف و أنّ أبا بكر استخلف عمر و أنّ عمر لم يستخلف،فأرى أمركم بينكم متناقضا (1).

و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيّرها شورى في ستّة و زعم أنّهم من أهل الجنّة فقال:إن خالف الاثنان الأربعة فاقتلوا الاثنين و إن خالف ثلاثة الثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف،فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنّة،و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لمّا طعن دخل عليه عبد اللّه بن العبّاس قال:فرأيته جزعا،فقلت:يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع؟

فقال:يابن عبّاس ما جزعي لأجلي و لكن لهذا الأمر من يليه بعدي،قال:قلت:و لّها طلحة بن عبيد اللّه،قال رجل له حدّة كان النبي يعرفه:فلا أولي أمور المسلمين حديدا قال:

قلت:و لها الزبير بن العوّام قال:رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل فلا أولي5.

ص: 413


1- -الأحتجاج:152/2،و بحار الأنوار:280/49 ح 35.

أمور المسلمين بخيلا قال:قلت:ولّها سعد بن أبي وقّاص،قال:رجل صاحب فرس و قوس و ليس من رجال الخلافة،قلت:ولّها عبد الرحمن بن عوف قال:رجل ليس يحسن أن يكفي عياله،قال:قلت:ولّها عبد اللّه بن عمر قال:أولّي رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته، قلت:ولها عثمان بن عفّان قال:و اللّه لئن ولّيته ليحملن آل أبي معيط على رقاب المسلمين و أوشك إن فعلنا أن يقتلوه قالها ثلاثا،قال:ثمّ سكت لما أعرف من معاندته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ قال لي:يابن عبّاس أذكر صاحبك قال:قلت:ولها عليّا قال:و اللّه ما جزعي إلاّ لما أخذنا الحقّ من أربابه و اللّه لئن ولّيته ليحملنّهم على المحجّة العظمى و إن يطيعوه يدخلهم الجنّة،فهو يقول هذا ثمّ صيّرها شورى بين الستّة،فويل له من ربّه.

قال أبو الهذيل:بينا هو يكلّمني إذ اختلط و ذهب عقله فأخبرت المأمون بقصّته، و كان من قصّته أن ذهب بماله و ضياعه حيلة و غدرا فبعث إليه المأمون فجاء به و عالجه و كان قد ذهب عقله بما صنع به فردّ عليه ماله و ضياعه و صيّره نديما،فكان المأمون يتشيّع لذلك و الحمد للّه ربّ العالمين على كلّ حال (1).

[في]الكشي محمّد بن مسعود عن أبي علي المحمودي عن أبيه قال:قلت لأبي الهذيل العلاّف أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال أبو الهذيل:

قد أكمل لنا الدّين،فقال شيخي:فخبّرني إن سألتك عن مسألة لا تجدها في كتاب اللّه و لا في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لا في قول الصحابة و لا في حيلة فقهائهم ما أنت صانع؟

فقال:هات،فقال شيخي:خبّرني عن عشرة كلّهم وقعوا في طهر واحد بامرأة و هم مختلفوا الأمر،فمنهم من وصل إلى نصف حاجته و منهم من قارب حسب الإمكان منه هل في خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطبة فيقيم عليه الحدّ في الدنيا و يطهّره منه في الآخرة و لنعلم ما يقول في أنّ الدّين قد أكمل لك، فقال:هيهات خرج آخرها في الإمامة (2).

أقول: هذه الآية الشريفة باتّفاق جمهور المفسّرين نزلت في حكاية الغدير ما نصب عليّا عليه السّلام علما للناس و حكى الفاضل النيشابوري أنّه لمّا نزلت هذه الآية اهتمّ أعاظم6.

ص: 414


1- -الأحتجاج:154/2،و بحار الأنوار:354/31.
2- -المناقب:214/1،و بحار الأنوار:282/49 ح 36.

الصحابة و قالوا:إنّه ما تمّ أمر إلاّ بدا نقصه ثمّ توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد ثمانين ليلة،و ظنّي أنّ أعاظم الصحابة إنّما عرض لهم الهمّ،لأنّ الآية نزلت في خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام لا لما أظهروه فإنّه تمويه على الناس.

[في]الأمالي عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه:قال رجل من أهل خراسان للرضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام كأنّه يقول لي:كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي و استحفظتم وديعتي و غيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا عليه السّلام:أنا المدفون في أرضكم و أنا بضعة من نبيّكم و أنا الوديعة و النجم،ألا فمن زارني و هو يعرف ما أوجب اللّه تبارك و تعالى من حقّي و طاعتي،فأنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة و من كنّا شفعاؤه يوم القيامة نجا و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ و الإنس (1).

و لقد حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رآني في منامه فقد رآني،لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صورة أحد من شيعتهم و أنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوّة (2).

و عن الهروي قال:سمعت الرضا عليه السّلام يقول:و اللّه ما منّا إلاّ مقتول شهيد،فقيل له:

فمن يقتلك يابن رسول اللّه؟قال:شرّ خلق اللّه في زماني يقتلني بالسمّ ثمّ يدفنني في دار مضيقة و بلاد غربة،ألا فمن زارني في غربتي كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد و مائة ألف صدّيق و مائة ألف حاج و معتمر و مائة ألف مجاهد و حشر في زمرتنا و جعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا (3).

و عن النعمان بن سعد قال:قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلما اسمه اسمي و اسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السّلام ألا فمن زاره في غربته غفر اللّه له ذنوبه ما تقدّم منها و ما تأخّر و لو كانت مثل عدد النجوم8.

ص: 415


1- -أمالي الصدوق:121،و بحار الأنوار:283 ح 1.
2- -من لا يحضره الفقيه:585/2،و أمالي الصدوق:121 ح 10.
3- -من لا يحضره الفقيه:585/2،و أمالي الصدوق:120 ح 8.

و قطر الأمطار و ورق الأشجار (1).

أقول: قد سبق الفضل في ثواب زيارته عليه السّلام بل روي أنّ ثوابها أفضل من ثواب زيارة الحسين عليه السّلام لأنّ الحسين عليه السّلام يزوره كلّ الناس و الرضا عليه السّلام لا يزوره إلاّ الكاملون من الشيعة و ذلك أنّ كلّ من قال بإمامة الرضا عليه السّلام قال بباقي الأئمّة عليهم السّلام،و أمّا باقي فرق الشيعة من أهل الضلال فهم الواقفون على إمامة من قبله من الأئمّة عليهم السّلام أو من أولادهم.5.

ص: 416


1- -من لا يحضره الفقيه:584/2،و أمالي الصدوق:182 ح 5.

الفصل الخامس

اشارة

في شهادته عليه السلام و أسبابها و فيما أنشد فيه من المراثي

و ما ظهر من بركات الروضة المقدّسة

[في]علل الشرائع،عن محمّد بن سنان قال:كنت عند مولاي الرضا عليه السّلام بخراسان فبينا هو قاعد مع المأمون إذ رفع إليه أنّ رجلا من الصوفية سرق،فلمّا نظر إليه رأى بين عينيه آثار السجود،فقال:سوءة لهذه الآثار الجميلة و لهذا الفعل القبيح،قال:فعلت ذلك اضطرارا حين منعتني حقّي من الفيء و الخمس و ذكر له آية الفيء و آية الخمس،فقال المأمون:أعطّل حدّا من حدود اللّه لأجل أساطيرك،فقال الصوفي:ابدأ بنفسك فطهّرها ثمّ طهّر غيرك و أقم حدّ اللّه عليها ثمّ على غيرها،فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السّلام فقال:ما يقول؟قال:يقول سرقت،فسرق!فغضب المأمون شديدا ثمّ قال للصوفي:لأقطعنّك،فقال الصوفي:تقطعني و أنت عبد؟؟

فقال المأمون:و من أين؟

قال:لأنّ امّك اشتريت من مال المسلمين،فأنت عبد من في المشرق و المغرب حتّى يعتقوك و أنا لم أعتقك،و الاخرى أنّ الخبيث لا يطهر خبيثا مثله إنّما يطهّره طاهر و من في جنبه حدّ لا يقيم الحدّ على غيره حتّى يبدأ بنفسه أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السّلام فقال:ما ترى في أمره؟

فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله قال:(فللّه الحجّة البالغة)و هي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه و الدّنيا و الآخرة قائمتان بالحجّة و قد احتجّ الرجل،فعند ذلك أمر المأمون بإطلاق الصوفي و احتجب عن الناس و اشتغل بالرضا عليه السّلام حتّى سمّه فقتله،

ص: 417

و قد كان قتل الفضل بن سهل و جماعة من الشيعة (1).

و عن أحمد الأنصاري قال:سألت أبو الصلت الهروي فقلت:كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه السّلام مع إكرامه و محبّته له و ما جعل له من ولاية العهد بعده؟

فقال:إنّ المأمون إنّما كان يكرمه و يحبّه لمعرفته بفضله و جعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنّه راغب في الدّنيا فيسقط محلّه من نفوسهم،فلمّا لم يظهر منه إلاّ ما ازداد به فضلا عند الناس جلب عليه من المتكلّمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محلّه عند العلماء و يشتهر نقصه عند العامّة فكان لا يكلّمه أحد إلاّ قطعه عن حجّته و كان الناس يقولون إنّه أولى بالخلافة من المأمون و كانوا يرفعون ذلك إلى المأمون فيغتاظ و يشتدّ حسده و كان الرضا عليه السّلام لا يحابي المأمون من حقّ و كان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيحقده عليه و لا يظهره،فلمّا أعيته الحيلة اغتاله فقتله بالسمّ (2).

و عن القاسم بن إسماعيل قال:سمعت إبراهيم بن العبّاس يقول:لمّا عقد المأمون البيعة للرضا عليه السّلام قال له الرضا:يا أمير المؤمنين إنّ النصح واجب لك و الغشّ لا ينبغي لمؤمن إنّ العامّة تكره ما فعلت بي و الخاصّة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل و الرأي لك أن تبعدنا عنك حتّى يصلح لك أمرك،قال إبراهيم:فكان و اللّه قوله هذا السبب في الذي آل الأمر إليه (3).

[في]بشائر المصطفى:قبض الرضا عليه السّلام بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث و مائتين و له يومئذ خمس و خمسون سنة و مدّة إمامته بعد أبيه عشرون سنة (4).

و في الكافي:توفّي و هو ابن تسع و أربعين سنة (5).

و قال الشيخ الكفعمي طاب ثراه:توفّي عليه السّلام سابع عشر شهر صفر يوم الثلاثة سنة ثلاث و مائتين سمّه المأمون في عنب و كان له إحدى و خمسون سنة.و قيل:توفّي عليه السّلام في9.

ص: 418


1- -علل الشرائع:240/1،و بحار الأنوار:288/49 ح 1.
2- -عيون أخبار الرضا:265/1 ح 3،و بحار الأنوار:290/49 ح 2.
3- -عيون أخبار الرضا:157/1 ح 15،و مسند الأمام الرضا:70/1.
4- -مسند الأمام الرضا:131/1.
5- -الكافي:492/1 ح 11،و بحار الأنوار:292/49.

الثالث و العشرين من ذي القعدة (1).

و في كتاب المناقب:يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان و قيل غير ذلك م (2).

[في]عيون الأخبار عن هرثمة بن أعين قال:دعاني مولاي الرضا عليه السّلام نصف الليل فدخلت عليه و هو جالس في صحن داره،فقال:يا هرثمة اسمع وع هذا أوان رحيلي إلى اللّه و لحوقي بجدّي و آبائي عليهم السّلام و قد بلغ الكتاب أجله و قد عزم هذا الطاغية على سمّي في عنب و رمّان،فأمّا العنب فإنّه يغمس السلك في السمّ و يجذبه بالخيط في العنب،و أمّا الرمّان فإنّه يطرح السمّ في كفّ بعض غلمانه و يفرك الرمّان بيده ليلطخ به في ذلك السمّ و أنّه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرّب إليّ الرمّان و العنب و يسألني أكلهما فآكلهما،ثمّ يحضر القضاة فإذا أنا متّ فسيقول:أنا أغسله بيدي،فإذا قال ذلك فقل له:إنّه قال لي لا تتعرّض لغسلي و لا تكفيني و لا دفني فإنّك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخّر عنك فإنّه سينتهي،فإذا خلّى بينك و بين غسلي فيجلس في علوّ من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتّى ترى فسطاطا أبيض قد ضربت في جانب الدار،فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه و لا تكشف عن الفسطاط حتّى تراني فتهلك،فإنّه سيشرف عليك و يقول لك:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام مثله فمن يغسل الرضا و ابنه محمّد بالمدينة، فقل له:إنّا نقول إنّ الإمام لا يجب أن يغسله إلاّ إمام فإن تعدّى متعدّ فغسّل الإمام لا تبطل إمامته لتعدّي غاسله و لا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك الرضا عليه السّلام بالمدينة لغسّله ابنه محمّد ظاهرا مكشوفا و لا يغسله الآن أيضا إلاّ هو من حيث يخفى،فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعش فاحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون قبلة لقبري و لن يكون ذلك أبدا،فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض فإذا صعب عليهم،فقل له عنّي:إنّي أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر هارون فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور و ضريح قائم فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلي منه ذلك القبر ثمّ1.

ص: 419


1- -بحار الأنوار:293/49 ح 4،و مسند الأمام الرضا:132/1.
2- -مسند الأمام الرضا:132/1.

يضطرب فيه حوت بطوله،فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلاّ إذا غاب الحوت و غار الماء فانزلني في ذلك القبر و الحدني في ذلك الضريح و لا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه عليّ فإنّ القبر ينطبق من نفسه و يمتلي.

قلت:نعم يا سيّدي.

قال هرثمة:فخرجت باكيا حزينا،فدعاني المأمون فدخلت و قمت إلى ضحى النهار فقال:امض إلى أبي الحسن الرضا و قل له يصير إلينا فأتيت إليه و أخبرته،فقال:قدّموا نعلي فقد علمت ما أرسلك به فلمّا دخل المجلس قام إليه المأمون و عانقه و أجلسه على سريره و جعل يحادثه ساعة،ثمّ قال لبعض غلمانه:يؤتى بعنب و رمّان.

قال هرثمة:فلمّا سمعت ذلك رأيت الرعدة أخذت بدني فخرجت و رميت بنفسي في موضع من الدار،فلمّا زالت الشمس خرج مولاي إلى داره،ثمّ رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطبّاء،و قالوا:علّة عرضت للرضا عليه السّلام فكان الناس في شكّ و أنا في يقين لما أعرف منه،فلمّا كان الثلث الثاني من الليل علا الصياح و سمعت الأصوات من الدار فأسرعت فإذا أنا بالمأمون مكشوف الرأس محلّل الأزرار قائما على قدميه ينتحب و يبكي فوقفت أتنفّس الصعداء،ثمّ أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثمّ قام و مشى إلى الموضع الذي فيه الرضا عليه السّلام فقال:اصلحوا لنا موضعا فإنّي اريد أن أغسله،فدنوت منه فقلت له ما قاله سيّدي بسبب الغسل و التكفين و الدفن،.

فقال:لست أعرض لذلك ثمّ قال:شأنك يا هرثمة فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره و كلّ من في الدار دوني و أنا أسمع التكبير و التهليل و التسبيح و تردّد الأواني و صبّ الماء و تضوّع الطبيب الذي لم أشمّ أطيب منه،فإذا أنا بالمأمون قد أشرف عليّ من بعض أعالي داره فصاح بي:يا هرثمة أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسله إلاّ مثله فأين محمّد ابنه و هو بالمدينة؟فأجبته بما قال لي مولاي،فسكت عنّي ثمّ ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيّدي مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثمّ حملناه،فصلّى عليه المأمون و جميع من حضر ثمّ رجعنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون بالمعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره و المعاول تنبو عنه،فقال لي:ويحك يا هرثمة أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟

ص: 420

فقلت له:إنّه أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك لا أضرب غيره،قال:

فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا؟قلت:إنّه أخبر أنّه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإن أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه،فقال المأمون:لأعجب من أمر أبي الحسن فاضرب يا هرثمة حتى نرى،فأخذت المعول و ضربت في قبلة قبر هارون فنفذ إلى قبر محفور و لحد ظاهر في وسطه و الناس ينظرون إليه،فقال:انزله يا هرثمة.

فقلت:إنّ سيّدي أمرني أن لا أنزل إليه حتّى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتّى يكون الماء مع وجه الأرض ثمّ يضطرب فيه حوت بطول القبر،فإذا غاب الحوت و غار الماء وضعته على جانب قبره و خلّيت بينه و بين لحده،قال:فافعل يا هرثمة،فانتظرت ظهور الماء و الحوت فظهر ثمّ غاب و غار الماء و الناس ينظرون إليه ثمّ جعلت النعش إلى جانب قبره فغطّى قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثمّ انزل به إلى قبره بغير يدي و لا يد أحد ممّن حضر.

فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا التراب بأيديكم فاطرحوه فيه،فقلت:لا تفعل أخبرني أنّ القبر يمتلي من ذات نفسه ثمّ ينطبق و يتربّع على وجه الأرض فكفّ الناس،ثمّ امتلأ القبر و انطبق و تربّع على وجه الأرض فانصرف المأمون و انصرفنا ثمّ دعاني المأمون و خلا بي ثمّ قال:سألتك باللّه يا هرثمة لمّا صدقتني عن أبي الحسن عليه السّلام بما سمعته،قلت:

قد أخبرتك قال:غير هذا،فقلت:أي شيء؟

قال:يا هرثمة هل أسرّ إليك غير هذا؟

قلت:نعم خبر العنب و الرمّان،فصار المأمون يتلوّن ألوانا يصفرّ و يحمرّ و يسودّ ثمّ تمدّد مغشيا عليه فسمعته في غشيته و هو يهجر و يقول:ويل للمأمون من اللّه،ويل له من رسوله،ويل له من عليّ ويل للمأمون من فاطمة،ويل له من الحسن و الحسين،ويل للمأمون من عليّ بن الحسين،ويل له من محمّد بن علي،ويل للمأمون من جعفر بن محمّد،ويل له من موسى بن جعفر،ويل له من عليّ بن موسى الرضا،هذا و اللّه هو الخسران المبين،يقول هذا القول و يكرّره،فولّيت عنه و جلست في بعض نواحي الدار فدعاني و هو جالس كالسكران،فقال:ما أنت أعزّ عليّ منه و اللّه لئن بلغني أنّك أعدت

ص: 421

بعد ما سمعت ليكوننّ هلاكك فيه.

فقلت:لك ذلك،فأخذ منّي عهدا و أكّده عليّ،فلمّا ولّيت عنه صفق بيديه و قال:

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (1) ،انتهى ملخّصا (2).

و عن ياسر الخادم قال:لمّا كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتلّ الرضا عليه السّلام فدخلنا و قد اشتدّت به العلّة فبقينا بطوس أيّاما فكان المأمون يأتيه في كلّ يوم مرّتين،فلمّا كان في آخر اليوم الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم،فقال لي بعدما صلّى الظهر:يا ياسر أكل الناس شيئا؟قلت:يا سيّدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه فانتصب ثمّ قال:هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه أحدا إلاّ أقعده معه على المائدة يتفقّد واحدا واحدا،فلمّا أكلوا قال:

ابعثوا إلى النساء بالطعام،فحمل الطعام إلى النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه و ضعف فوقعت الصيحة و جاء جواري المأمون و نساؤه حافيات حاسرات و وقعت الصيحة بطوس و جاء المأمون حافيا حاسرا يضرب على رأسه و يقبض على لحيته و يتأسّف و يبكي،فوقف على الرضا عليه السّلام و قد أفاق،فقال:يا سيّدي و اللّه ما أدري أيّ المصيبتين أعظم عليّ فقدي لك و فراقي إيّاك و تهمة الناس لي إنّي اغتلتك و قتلتك فرفع طرفه إليه ثمّ قال:أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر،فإنّ عمرك و عمره هكذا و جمع بين سبّابتيه،فلمّا كان من تلك الليلة قضى عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه،فلمّا أصبح اجتمع الخلق و قالوا:هذا قتله و اغتاله يعني المأمون و قالوا:قتل ابن رسول اللّه و أكثروا القول.

و كان محمّد بن جعفر عمّ الرضا عليه السّلام مع المأمون،فقال له:اخرج إلى الناس و اعلمهم أنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم و كره أن يخرجه فتقع الفتنة،فخرج محمّد بن جعفر إلى الناس فقال:أيّها الناس تفرّقوا فإنّ أبا الحسن لا يخرج اليوم،فتفرّق الناس و غسّل في الليل و دفن.

و عن أبي الصلت الهروي قال:بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليه السّلام إذ قال لي:يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون و ائتني بتراب من أربعة جوانبها،فأتيت به و هو من عند الباب فأخذه و شمّه ثمّ رمى به و قال:سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع7.

ص: 422


1- -سورة النساء:108.
2- -عيون أخبار الرضا:279/1،و مدينة المعاجز:175/7.

عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها و الذي عند الرأس مثل ذلك ثمّ قال:ناولني من هذا التراب فهو من تربتي،ثمّ قال:سيحفر لي في هذا الموضع،فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل و أن تشقّ لي ضريحا فإن أبوا إلاّ أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا فإنّ اللّه تعالى سيوسعه ما يشاء،فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة فتكلّم بالكلام الذي أعلمك فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلي اللحد و ترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنّها تلتقطه،فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء فإنّه ينضب و لا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون،ثمّ قال:يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك،و إن خرجت و أنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني، فلمّا أصبحنا من الغد دخل عليه غلام المأمون،فقال له:أجب أمير المؤمنين.

فقام و أنا معه حتّى دخل على المأمون و بين يديه طبق عليه عنب و أطباق فاكهة و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه،فقام إلى الرضا عليه السّلام و عانقه و أجلسه معه ناوله العنقود و قال:ما رأيت عنبا أحسن من هذا فكل منه،قال عليه السّلام:تعفيني منه،فقال:لابدّ من ذلك و ما يمنعك لعلّك تتّهمنا بشيء،فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبّات ثمّ رمى به و قام،فقال المأمون:إلى أين؟

فقال:إلى حيث وجّهتني،و خرج مغطّى الرأس فلم أكلّمه حتّى دخل الدرا فأمر أن يغلق الباب ثمّ نام على فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار محزونا،فبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا عليه السّلام فبادرت إليه و قلت:من أين دخلت الدار و الباب مغلق؟

فقال:الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق،فقلت له:و من أنت؟

قال:أنا حجّة اللّه عليك يا أبا الصلت أنا محمّد بن علي ثمّ مضى نحو أبيه فدخل و أمرني بالدخول معه،فلمّا نظر إليه الرضا عليه السّلام وثب عليه و عانقه و ضمّه إلى صدره ثمّ سحبه سحبا في فراشه و أكبّ عليه محمّد بن علي يقبّله و يساره بشيء لم أفهمه و رأيت إلى شفتي الرضا عليه السّلام زبدا أشدّ بياضا من الثلج و رأيت أبا جعفر عليه السّلام يلحسه بلسانه ثمّ أدخل

ص: 423

يده بين ثوبه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر عليه السّلام و مضى الرضا عليه السّلام،فقال أبو جعفر:يا أبا الصلت قم ائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة،فقلت:ما في الخزانة مغتسل و لا ماء،فقال لي:انته إلى ما آمرك به،فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل و ماء فأخرجته و شمّرت ثيابي لأغسله معه،فقال لي:تنح يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك فغسّله ثمّ قال لي:ادخل الخزانة فاخرج إلي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه و صلّى عليه ثمّ قال:ائتني بالتابوت،فقلت:أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت قال:قم فإنّ في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدت تابوتا لم أره قط،فأتيته به،فأخذ الرضا عليه السّلام بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت وصفّ قدميه و صلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت فانشقّ السقف فخرج منها التابوت و مضى،فقلت:يابن رسول اللّه الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه السّلام فما نصنع؟

فقال لي:اسكت،فإنّه سيعود يا أبا الصلت ما من نبيّ يموت بالمشرق و يموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع اللّه تعالى بين أجسادهما و أرواحهما،فما أتمّ الحديث حتّى انشق السقف و نزل التابوت فقام عليه السّلام فاستخرج الرضا عليه السّلام من التابوت و وضعه على فراشه كأنّه لم يغسّل و لم يكفّن ثمّ قال لي:قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه و لطم رأسه و هو يقول:يا سيّداه فجعت بك يا سيّدي ثمّ دخل و جلس عند رأسه و قال:خذوا في تجهيزه فحفروا فلم تعمل المعاول إلى أن قال:انتهوا إلى قول أبي الصلت فحفروا،فلمّا رؤوا ما ظهر من النداوة و الحيتان و غير ذلك قال المأمون:لم يزل الرضا عليه السّلام يرينا عجايبه في حياته حتّى أرايناها بعد وفاته أيضا، فقال له وزير كان معه:أتدري ما أخبرك بها الرضا عليه السّلام؟

قال:لا.

قال:إنّه أخبرك أنّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّى إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلّط اللّه تعالى عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم،قال له:صدقت ثمّ قال لي:يا أبا الصلت علّمني الكلام التي تكلّمت به،قلت:و اللّه لقد نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت،فأمر بحبسي و دفن

ص: 424

الرضا عليه السّلام فحبست سنة فضاق عليّ الحبس و سهرت الليلة و دعوت اللّه بدعاء ذكرت فيه محمّدا و آله صلوات اللّه عليهم و سألت اللّه تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي،فلم أستتمّ الدعاء حتّى دخل عليّ أبو جعفر عليه السّلام فقال:يا أبا الصلت ضاق صدرك؟قلت؛إي و اللّه قال:قم فاخرجني ثم ضرب بيده إلى القيود ففكّها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة و الغلمة يروني فلم يستطيعوا أن يكلّموني و خرجت من باب الدار،ثمّ قال لي:امض في ودايع اللّه فإنّك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا،قال أبو الصلت:فلم التق مع المأمون إلى هذا الوقت (1).

و عن عليّ بن الحسين الكاتب:أنّ الرضا عليه السّلام حمّ فعزم على الفصد فركب المأمون و قد كان قال لغلام له:فت هذا بيدك لشيء أخرجه من تربته و هي إناء من خزف ففته في صينية ثمّ قال:كن معي و لا تغسل يدك و ركب إلى الرضا عليه السّلام و جلس حتّى فصد بين يديه و قيل بل أخّر فصده و قال المأمون لذلك الغلام:هات من ذلك الرمّان و كان الرمّان في شجرة في دار الرضا عليه السّلام فقطف منه.

فقال:اجلس ففته ففت منه في جام فأمر بغسله ثمّ قال للرضا عليه السّلام:مصّ منه شيئا، فقال حتّى يخرج أمير المؤمنين،فقال:لا و اللّه إلاّ بحضرتي و لولا خوفي أن يرطّب معدتي لمصصته معك،فمصّ منه ملاعق و خرج المأمون فما صلّيت العصر حتّى قام الرضا عليه السّلام خمسين مجلسا و زاد الأمر في الليل فأصبح عليه السّلام ميّتا فكان آخر ما تكلّم به قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ (2)و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.

و بكّر المأمون من الغد فأمر بغسله و تكفينه و مشى خلف جنازته حافيا حاسرا يقول:

يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك و غلب القدر تقديري فيك،فشقّ لحد الرشيد فدفنه معه و قال:أرجو أن ينفعه اللّه تبارك و تعالى بقربه (3).

و عن الحسن بن عبّاد كاتب الرضا عليه السّلام في حديث قال فيه أنّ الرضا عليه السّلام قال:إنّكم ستحفرون قبري و تجدون صورة سمكة من نحاس و عليها كتابة بالعبرانية قال:فوجدنا1.

ص: 425


1- -عيون أخبار الرضا:274/1،و مسند الأمام الرضا:196/1 ح 319.
2- -سورة آل عمران:154.
3- -عيون أخبار الرضا:267/1،و مسند الأمام الرضا:129/1.

السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية:هذه روضة عليّ بن موسى عليه السّلام و تلك حفرة هارون الجبّار فدفناها معه في لحده كما قال (1).

[في]بشائر المصطفى،عن عبد اللّه بن بشر قال:أمرني المأمون أن أطوّل أظفاري على العادة و لا أظهر ذلك لأحد،ففعلت ثمّ استدعاني فأخرج إليّ شيئا يشبه التمر الهندي، فقال لي:اعجن هذا بيديك جميعا،ففعلت ثمّ قام و تركني و دخل على الرضا عليه السّلام و قال له:

ما خبرك،لأنّه أكل معه طعاما فاعتلّ الرضا عليه السّلام و تمارض هو،فقال عليه السّلام:أرجو أن أكون صالحا قال له:أنا اليوم بحمد اللّه أيضا صالح،فهل جاءك أحد من الأطبّاء في هذا اليوم؟ قال:لا،فغضب المأمون فصاح على غلمانه ثمّ قال:فخذ ماء الرمّان الساعة فإنّه ممّا لا يستغنى عنه ثمّ دعاني فقال:ائتني برمّان فأتيته به،فقال لي:اعصر بيديك،ففعلت و سقاه المأمون الرضا عليه السّلام.و كان ذلك سبب وفاته فلم يلبث إلاّ يومين حتّى مات عليه السّلام (2).

و روي عن محمّد بن الجهم قال:كان الرضا عليه السّلام يعجبه العنب فأخذ له منه شيئا فجعل في موضع أعماقه الإبر أيّاما ثمّ نزع وجيء به إليه فأكل منه و هو في علّته التي ذكرنا فقتله و ذكر أنّ ذلك من لطيف السموم (3).

[في]كشف الغمّة عن ابن علي قال:قال أبو جعفر:يا معمّر اركب فركبت معه و انتهينا إلى واد،فقال لي:قف هاهنا فوقفت فأتاني،فقلت له:جعلت فداك أين كنت؟ قال:دفنت أبي الساعة و كان بخراسان (4).

[في]اعلام الورى،عن اميّة بن علي قال:كنت بالمدينة أختلف إلى أبي جعفر عليه السّلام و الرضا عليه السّلام بخراسان فدعا يوما الجارية،فقال:قولي لهم يتهيّأون للمآتم و كان أهل بيته و عمومته يأتونه و يسلّمون عليه،فلمّا تفرّقوا قالوا:ألا سألناه مأتم من؟فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك،فقالوا:مأتم من.

قال:مأتم خير من على ظهرها،فأتانا خبر أبي الحسن عليه السّلام بعد ذلك بأيّام فإذا هو قد0.

ص: 426


1- -بحار الأنوار:324/49.
2- -المناقب:481/3،و الأنوار البهية:234.
3- -روضة الواعظين:232،و مقاتل الطلبين:378.
4- -كشف الغمة:156/3،و بحار الأنوار:310/49 ح 20.

مات في ذلك اليوم (1).

أقول: يظهر من هذه الأخبار أنّ المأمون لعنه اللّه سمّ الرضا عليه السّلام مرارا كثيرة.

و قال دعبل في مراثيه عليه السّلام مرثية:

ألا يا لعين بالدموع استهلت *** و لو نقرت ماء الشؤون لقلت

على من بكته الأرض فاسترجعت *** له رؤوس الجبال الشامخات و ذلّت

و قد اعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمها ناحت عليه و كلّت

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكاء *** لمرزية عزت علينا و جلّت

رزينا رضي اللّه سبط نبيّنا *** فأخلفت الدنيا له و تولّت

و ما خير دنيا بعد آل محمّد *** ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّت

تجلّت مصيبات الزمان و لا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلّت (2)

و قال أيضا مرثية:

اميّة معذورين إن قتلوا *** مولى أرى لبني العبّاس من عذر

أولاد حرب و مروان و اسرتهم *** بنو معيط ولاة الحقد و الوغر

قوم قتلتم على الإسلام أوّلهم *** حتّى إذا استمسكوا جازوا على الكفر

أربع بطوس على قبر الزكيّ به *** إن كنت تربع من دين علي وطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم *** و قبر شرّهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ و ما *** على الزكيّ يقرب النجس من ضرر

هيهات كلّ امرىء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر (3)

و عن عليّ بن الحسن قال:لقبت رجلا من أهل مصر،فذكر أنّه خرج زائرا إلى مشهد الرضا عليه السّلام و أنّه لمّا دخل المشهد ليلا و زار و صلّى سأل الخادم أن يغلق عليه الباب و يدعه في المشهد ليصلّي فيه،فغلق عليه الباب و كان يصلّي وحده إلى أن أعيا فجلس و وضع رأسه على ركبتيه ليستريح ساعة فلمّا رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها6.

ص: 427


1- -أعلام الورى:100/2،و دلائل الأمامة:401 ح 19.
2- -المناقب:484/3،و مسند الأمام الرضا:175/1.
3- -عيون أخبار الرضا:281/1،و أمالي الصدوق:759 ح 16.

هذان البيتان،شعر:

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته *** يفرّج اللّه عمّن زاره كربة

فليأت ذا القبر إنّ اللّه أسكنه *** سلالة من نبيّ اللّه منتجبة

قال:فقمت و أخذت في الصلاة إلى وقت السحر ثمّ جلست كجلستي الاولى و وضعت رأسي على ركبتي،فلمّا رفعت رأسي لم أر ما على الجدار شيئا و كان الذي أراه مكتوبا رطبا كأنّه كتب في تلك الساعة،فانفجر الصبح و فتح الباب (1).

و في عيون الأخبار عن علي بن أحمد المعدل قال:رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم الرسول صلّى اللّه عليه و اله فقال له:يا رسول اللّه من أزور من أولادك؟

فقال:إنّ من أولادي من أتاني مسموما و أنّ من أولادي من أتاني مقتولا،فقلت له:

فمن أزور منهم يا رسول اللّه مع تشتّت أماكنهم؟

قال:من هو أقرب منك بالمجاورة و هو مدفون بأرض الغربة،فقلت:يا رسول اللّه يعني الرضا،فقال:قل صلّى اللّه عليه و آله قل:صلّى اللّه عليه و آله قل:صلّى اللّه عليه و آله (2).

و عن محمّد بن عبد اللّه الحكمي،قال:دخل رجل من أهل الري إلى زيارة قبر الرضا عليه السّلام و قال لخدّام المشهد:اخلوا لي المشهد هذه الليلة و ادفعوا إليّ مفاتحه ففعلوا ذلك،قال:فصلّيت ما شاء اللّه و ابتدأت في قراءة القرآن من أوّله فكنت أسمع صوتا بالقرآن كما أقرأ فقطعت صلاتي وزرت المشهد كلّه و طلبت نواحيه فلم أر أحدا فعدت إلى مكاني و أخذت في القرآن من أوّل القرآن فكنت أسمع الصوت كما أقرأ لا ينقطع فسكت هنيهة و أصيغت باذني،فإذا الصوت من القبر فكنت أسمع مثل ما أقرأ حتّى بلغت آخر سورة مريم عليها السّلام فقرأت: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً* وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (3)فسمعت الصوت من القبر«يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا و نسوق المجرمون إلى جهنم وردا»حتى ختمت القرآن و ختم فلما أصبحت رجعت الى توقان6.

ص: 428


1- -عيون أخبار الرضا:313/1،و مسند الأمام الرضا:158/1.
2- -عيون الأخبار:314/1 ح 5،و مسند الأمام الرضا:159/1.
3- -سورة مريم:85-86.

فسألت من بها من القراء عن هذه القراءة فقال هذا في اللفظ و المعنى مستقيم لكنا لا نعرف في قراءة أحد.

قال:فرجعت الى نيشابور فسألت من بها من القراء عن هذه القراءة فقلت:من قرأ (يوم يحشر المتّقون الى الرحمن وفدا و نسوق المجرمون الى جهنم وردا)فقال لي:من أين جئت بهذا؟

فقلت:وقع لي احتياج بمعرفتها في أمر حدث.

فقال:هذه قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من رواية أهل البيت عليهم السّلام ثمّ استحكاني السبب الذي من أجله سألت عن هذه القراءة فقصصت عليه القصّة و صحّت لي القراءة (1).

و عن محمّد الهروي قال:حضر المشهد رجل من أهل بلخ و معه مملوك له،فقام الرجل عند رأس الرضا عليه السّلام يصلّي و قام مملوكه عند رجليه،فلمّا فرغا من الصلاة سجدا و أطالا السجود فرفع الرجل رأسه من السجود و دعا بالمملوك،فقال:تريد الحرية؟قال:

نعم،قال:أنت حرّ لوجه اللّه تعالى و مملوكتي فلانة حرّة لوجه اللّه تعالى و قد زوّجتها منك بكذا و كذا من الصّداق و ضمنت لها ذلك عنك وضيعتي الفلانية وقف عليكما و على أولادكما و أولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام عليه السّلام:فبكى الغلام و حلف باللّه و بالإمام أنّه ما كان يسأل في سجوده إلاّ هذه الحاجة بعينها و قد تعرّفت الإجابة من اللّه عزّ و جلّ بهذه السرعة (2).

و عن محمّد بن أحمد النيسابوري قال:كنت في خدمة الأمير أبي نصر الصغاني و كان محسنا إليّ و كان أصحابه يحسدونني على ميله إليّ،فسلّم إليّ يوما كيسا مختوما فيه ثلاثة آلاف درهم و أمرني أن أسلّمه في خزانته فخرجت من عنده و جلست في المكان الذي يجلس فيه الحجّاب فسرق الكيس منّي و كان للأمير غلام يقال له:خطلخ ناش و كان حاضرا و قال الحاضرون:ما نعلم الكيس و لا خبره،فكرهت تعريف الأمير ذلك خشية أن يتّهمني و كان أبي إذا وقع له أمر يحزنه فزع إلى مشهد الرضا عليه السّلام:يفرّج عنه،فقلت للأمير:تأذن لي بالخروج إلى طوس،لأنّ غلامي الطوسي هرب منّي و قد فقدت الكيس و أنا أتّهمه به،فقال:1.

ص: 429


1- -عيون الأخبار:314/1 ح 6،و مسند الأمام الرضا:160/1.
2- -عيون الأخبار:315/1 ح 7،و مسند الأمام الرضا:161/1.

و من يضمن لي الكيس إن تأخّرت؟

فقلت:إن لم أعد بعد أربعين يوما فمنزلي و ملكي بين يديك،فكتب عليّ كتابا و أذن لي فأتيت حتّى وافيت المشهد فدعوت اللّه عند رأس القبر أن يطلعني على موضع الكيس فذهب بي النوم فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المنام،فقال لي:الكيس سرقة خطلخ ناش و دفنه تحت الكانون في بيته و هو هناك بختم الأمير،فانصرفت إلى الأمير قبل الميعاد بثلاثة أيّام،فلمّا دخلت عليه قلت:قد قضيت حاجتي،فقال:الحمد للّه،فقلت:الكيس مع خطلخ تاش فقال:من أين علمت؟

قلت:أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في منامي عند قبر الرضا عليه السّلام،فاقشعرّ بدنه لذلك و أمر بإحضار خطلخ تاش،فقال له:أين الكيس؟فأنكر و كان من أعزّ غلمانه فأمر أن يهدّد بالضرب،فقلت:أيّها الأمير لا تأمر بضربه فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخبرني بموضع الكيس قال:

و أين هو؟قلت:في بيته مدفون تحت الكانون،فوجّه إلى منزله و حفروا فوجدوه بختم الأمير فوضع بين يديه،فقال:يا أبا نصر لم أكن عرفت فضلك قبل هذا الوقت و سأزيدك في برّك و إكرامك،ثمّ خفت من الأتراك أن يحقدوا عليّ بما جرى فجلست في الحانوت أبيع التين (1).

و عن محمّد بن أبي الفضل قال:خرج حمويه صاحب جيش خراسان ذات يوم بنيشابور لينظر إلى من كان معه من القوّاد فمرّ به رجل،فقال لغلامه:ردّه إلى الدار حتّى أعوده فلمّا عاد مع قوّاده و حضر الطعام استدعى بالرجل فأكل على المائدة،فلمّا فرغ قال له:معك حمار؟قال:لا،فأمر له بحمار ثمّ قال له:معك دراهم النفقة؟قال:لا فأمر له بألف درهم و بزوج جواليق خوزبه و بسفرة و آلات ذكرها ثمّ التفت الأمير إلى القوّاد،فقال:

اعلموا أنّي كنت في شبابي زرت الرضا عليه السّلام و علي اطمار رثة و رأيت هذا الرجل هناك و كنت أدعوا اللّه عزّ و جلّ عند القبر أن يرزقني ولاية خراسان و سمعت هذا الرجل يسأل اللّه عزّ و جلّ ما قد أمرت له به،فرأيت حسن إجابة اللّه سبحانه لي ببركة ذلك المشهد فأحببت أن أرى حسن إجابة اللّه تعالى لهذا الرجل على يدي و لكن بيني و بينه قصاص و هو أنّ هذا الرجل لمّا رآني و عليّ تلك الأطمار الرثة و سمع طلبي لشيء عظيم فصغر عنده محلّى في9.

ص: 430


1- -بحار الأنوار:332/49.

الوقت و ركلني برجله و قال لي:مثلك بهذا الحال يطمع في ولاية خراسان و قود الجيش؟

فقال له القوّاد:أيّها الأمير اعف عنه حتّى تكون قد أكملت الصنيعة إليه،فقال:قد فعلت (1).

و عن عامر بن عبد اللّه و كان من أصحاب الحديث قال:حضرت مشهد الرضا عليه السّلام فرأيت رجلا تركيا قد دخل القبّة و وقف عند الرأس و جعل يبكي و يدعو بالتركية و يقول:

يا ربّ إن كان ابني حيّا فاجمع بيني و بينه و إن كان ميّتا فاجعلني من خبره على علم،فقلت له بالتركية:أيّها الرجل ما لك؟قال:كان معي ابني في حرب إسحاقاباد ففقدته و لا أعرف خبره و لم أزل أديم البكاء عليه فأنا أدعو اللّه تعالى هاهنا لأنّي سمعت أنّ الدّعاء في هذا المشهد الشريف مستجاب،فرحمته و أخذت بيده و أخرجته لأضيّفه ذلك اليوم فلمّا خرجنا من المسجد لقينا رجلا طويلا مخيطا عليه مرقعة،فلمّا بصر بذلك التركي وثب إليه و عانقه و بكى و عرف كلّ واحد منهما صاحبه فإذا هو ابنه،فسألته كيف وقعت إلى هذا الموضع؟

فقال:قد وقعت إلى طبرستان بعد حرب اسحاقاباد و ربّاني ديلمي هناك و الآن لمّا كبرت خرجت في طلب أبي و امّي،فقال التركي:قد ظهر لي من أمر هذا المشهد ما صحّ لي به يقيني،و قد آليت على نفسي أن لا افارق هذا المشهد ما بقيت (2).1.

ص: 431


1- -عيون الأخبار:319/1 ح 13،و مسند الأمام الرضا:165/1.
2- -عيون الأخبار:320/1 ح 13،و مسند الأمام الرضا:166/1.
حكاية غريبة

يقول مؤلّف الكتاب نعمت اللّه الحسيني الموسوي أعانه اللّه سبحانه على طاعته:إنّه وقت تأليف هذا الكتاب و هو سنة ثمان بعد المائة و الألف الهجرية كنت قاصدا إلى زيارة المشهد الرضوي على ساكنه من الصلوات أكملها و من التحيّات أسناها و أجزلها،و لمّا منّ اللّه سبحانه بحصول المطلوب رجعت على طريق استراباد فأقمت فيه أيّاما و كان ذلك بعد أن غار الأتراك على تلك البلاد و نهبوا الأموال و أسروا الأولاد و النساء و كان ذلك في عشر الثمانين بعد الألف غار عليهم الملعون انوشه حاكم اركبخ،و كان أهل تلك البلاد يمضون إلى بلاد الترك يشترون أولادهم و نساءهم.

و حدّثني رجل من أفاضل السادة و صلحائها في تلك البلدة أنّ امرأة كانت لها صبيّة أسرت في جملة الاسارى و بقيت تبكي عليها أيّاما و شهورا ثمّ قالت يوما:إنّ الرضا عليه السّلام ضمن الجنّة لمن زاره فأنا أمضي إلى زيارته و أدعو اللّه تحت قبّته أن يرد عليّ ابنتي، فقصدت المشهد الشريف و صارت تدعو اللّه سبحانه،و أمّا ابنتها فإنّها لمّا أسرتها الترك اشتراها تاجر من أهل بخارى فوقعت هناك و كان في بخارى رجل مؤمن من التجّار فرأى ليلة في المنام كأنّه وقع في لجّة بحر محيط و هو يسبّح فبعد أن أعيا وقع إلى الجرف و ما استطاع الخروج فرأى صبيّة واقفة على الجرف فمدّت يدها إليه و أخرجته من البحر فتأمّلها في المنام و عرف صورتها فانتبه مذعورا،فلمّا صار الصباح غدا إلى الخان ليشتري متاعا، فقال له رجل تاجر:إنّ عندي جارية أسيرة و اريد بيعها فمضى معه ينظر إليها،فلمّا كشف عن وجهها تحقّق أنّها التي رآها في المنام و قد أخرجته من البحر فاشتراها و أتى بها منزله فرحا مسرورا،فقال لها:من أيّ الأسارى أنت؟

قالت:من أسارى استراباد،فرقّ لها و بكى و قال لها:عندي أولاد فمن أردتيه أزوّجك به و تكونين عندي بمنزلة البنت،قالت:كلّ من يشرط لي أن يحملني إلى زيارة مشهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام أرضين به،فقبل ذلك الشرط واحد من أولاده و زوّجه بها

ص: 432

ثمّ حملها معه إلى المشهد الرضوي فتمرّضت في الطريق و لمّا دخل البلد الشريف استأجر دارا و كان يمرّض الجارية و بقى على ذلك أيّاما حتّى أعياه ذلك الحال،فدعى اللّه تعالى تحت القبّة أن يقع على امرأة تقوم بتمريضها و تحتاج إليه فلمّا خرج من القبّة المباركة رأى عجوزا تمشي في المشهد فأظهر لها الالتماس بأن تأتي معه إلى داره و تقوم على امرأته أيّام مرضها و أن يحسن إليها.

فقالت له:أنا امرأة غريبة و أنت رجل غريب،فأقوم بتمريض امرأتك لأجل هذا الإمام المفترض الطاعة،فأخذها معه إلى منزله و كانت امرأته نائمة من الألم و على وجهها ثوب،فلمّا دخلت العجوز عليها كشفت الثوب عن وجهها،فلمّا نظرت إليها غشي عليها، و أمّا الجارية فإنّها لمّا فتحت عينها نظرت إلى العجوز فعرفتها أنّها امّها فتعارفا و تباكيا فتحيّر الرجل،فلمّا أفاقا أطلعاه على حالهما ففرح الرجل و سرّ بذلك و بقيت المرأة مع ابنتها و زوجها،و أمّا الملعون انوشا فإنّه لمّا فعل ذلك الفعل الشنيع سلّط اللّه عليه ولده ففقأ عينيه و أخرجه من الملك و تملّك ثمّ غار الترك على الولد و قتلوه و ملك بعده ولده الآخر فقتلوه أيضا،و انتقل الملك إلى غيرهم و أحوجه اللّه سبحانه حتّى جاء إلى تبريز و كان بها يتجرّع غصّة الزمان إلى هذا الوقت و هو أوائل عام التاسع بعد المائة و الألف،ثمّ مضى إلى جوار الزبانية في أشدّ العذاب و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 433

ص: 434

باب في أحوال الإمام التاسع و السيّد الشافع حجّة اللّه على العباد أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليه و على آبائه و أبنائه أفضل الصلوات إلى يوم التناد

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

في مولده و وفاته و أسمائه و أولاده و النصّ عليه

و شيء من معجزاته

[في]الكافي:ولد عليه السّلام في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض عليه السّلام سنة عشرين و مائتين في آخر ذي القعدة و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما،و دفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسى عليه السّلام.و كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّى فيها،و امّه امّ ولد يقال لها سبيكة نوبية و قيل إنّ اسمها كان خيزران،و روي أنّها كانت من أهل بيت مارية امّ إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و في كتاب الروضة:ولد عليه السّلام بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان،و يقال:للنصف من شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة و قيل:وفاته يوم السبت لستّ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مائتين (1).

[عن]العياشي زرقان صاحب ابن أبي داود قال:رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند

ص: 435


1- -الكافي:492/1 ح 11،و بحار الأنوار:1/5 ح 1.

المعتصم و هو مغتمّ،فقلت له في ذلك،فقال:وددت اليوم أنّي قد متّ منذ عشرين سنة، قلت:و لم ذاك؟قال:لمّا كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين قال:قلت:و كيف ذلك؟قال:إنّ سارقا أقرّ على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه،فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمّد بن عليّ فسألني عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟قال:فقلت:من الكرسوع (1)قال:

و ما الحجّة في ذلك؟

قال:قلت:لأنّ اليد هي الأصابع و الكفّ إلى الكرسوع لقول اللّه في التيمّم:

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ (2) و اتّفق معي على ذلك قوم و قال قوم:بل يجب القطع من المرفق قال:و ما الدليل على ذلك؟قالوا:لأنّ اللّه لمّا قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (3)في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق،فالتفت إلى محمّد بن علي،فقال:ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال عليه السّلام:قد تكلّم القوم يا أمير المؤمنين،قال:دعني ممّا تكلّموا به،قال عليه السّلام:

أعفني عن هذا،قال:أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه،فقال عليه السّلام:أمّا إذا أقسمت عليّ باللّه إنّي أقول:إنّهم أخطأوا فيه السنّة،فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصل الأصابع فيترك الكفّ قال:و ما الحجّة في ذلك؟قال:قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:السجود على سبعة أعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين،فإذا قطع يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها،و قال اللّه تبارك و تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (4)يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعو مع اللّه أحدا و ما كان للّه لم يقطع،فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع.

قال ابن أبي داود:تمنّيت أنّي لم أك حيّا فصرت إلى المعتصم بعد ثالثة،فقلت:إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليه السّلام عليّ واجبة و أنا اكلّمه بما أعلم إنّي أدخل به النار،قال:و ما هو؟8.

ص: 436


1- -الكرسوع:طرف رأس الزند أعلى الخنصر.
2- -سورة النساء:43.
3- -سورة المائدة:6.
4- -سورة الجن:18.

قلت:إذا جمع أمير المؤمنين مجلسه فقهاء رعيّته لأمر واقع من امور الدّين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك،و قد حضر مجلسه أهل بيته و قوّاده و وزراءه و قد تسامع الناس بذلك،ثمّ تترك أقاويلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامّة بإمامته و يدّعون أنّه أولى منه بمقامه ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء،فتغيّر لونه و انتبه لما نبّهته له،فقال:جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا،فأمر اليوم الرابع فلانا من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه و قال عليه السّلام:لا أحضر مجالسكم.

فقال:إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام و أحبّ أن تدخل منزلي فأتبرّك بذلك فقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه،فلمّا طعم منها أحسّ بالسمّ،فدعى بدابّته فسأله ربّ المنزل أن يقيم قال عليه السّلام:خروجي من دارك خير لك فلم،يزل يومه ذلك و ليلته حتّى قبض عليه السّلام (1).

و في المناقب:أنّه أقام مع أبيه سبع سنين و أربعة أشهر و يومين و بعده ثمانية عشر سنة إلاّ عشرين يوما،و كان سني إمامته بقيّة ملك المأمون ثمّ ملك المعتصم و الواثق و في ملك الواثق استشهد (2).

و قال ابن بابويه:سمّ المعتصم محمّد بن علي،و أولاده عليّ الإمام و موسى و حكيمة و خديجة و امّ كلثوم،و قد كان زوّجه المأمون و لم يكن له منها ولد.

و لمّا بويع المعتصم جعل يتفقّد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيّات أن ينفذ إليه التقى و امّ الفضل،فأنفذهما إليه و بعث إليه شراب حماض الاترج و ألحّ عليه بالشرب منه على يدي الرسول فشربها عالما بفعلهم (3).

و كان عليه السّلام شديد الأدمة فشكّ فيه المرتابون و هو بمكّة فعرضوه على القافة فلمّا نظروا إليه خرّوا لوجوههم سجّدا ثمّ قاموا،فقالوا:يا ويحكم أمثل هذا الكوكب الدّري و النور الظاهر تعرضون علينا هذا و اللّه الحسب الزكيّ و النسب المهذّب الطاهر ولدته النجوم الزواهر و الأرحام الطواهر و اللّه ما هو إلاّ من ذرّية النبيّ و أمير المؤمنين و هو في ذلك الوقت2.

ص: 437


1- -تفسير العياشي:320/1،و مدينة المعاجز:405/7.
2- -المناقب:487/3.
3- -بحار الأنوار:8/50 ح 1،و مستدرك سفينة البحار:404/2.

ابن خمس و عشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف بقول:الحمد للّه الذي خلقنا من نوره و اصطفانا من بريّته و جعلنا امناء على خلقه و وحيه عاشر الناس أنا محمّد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن فاطمة الزهراء بن محمّد المصطفى عليهم السلام أجمعين،في مثلي يشكّ و على اللّه تبارك و تعالى و على جدّي يفترى، فأعرض على القافة أنّي أعلم ما في سرائرهم و خواطرهم ثمّ ذكر كلاما آخر (1).

و روي أنّ امرأته امّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل،فلمّا أحسّ بذلك قال لها:أبلاك اللّه ببلاء لا دواء له،فوقعت الاكلة في فرجها و كانت ترجع إلى الأطبّاء و يشيرون بالدواء عليها،فلا ينفع ذلك حتّى ماتت من علّتها (2).

و عن حكيمة بنت الكاظم عليه السّلام قالت:لمّا حضرت ولادة الخيزران امّ أبي جعفر عليه السّلام دعاني الرضا عليه السّلام فقال:يا حكيمة احضري ولادتها و أدخلني و إيّاها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا و أغلق الباب علينا،فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح و بين يديها طشت فاغتمّت بطفئ المصباح فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السّلام في الطشت و إذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت فأخذته و وضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء،فجاء الرضا عليه السّلام ففتح الباب و قد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد و قال لي:

يا حكيمة الزمي مهده،فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ نظر يمينه و يساره ثمّ قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه السّلام فقلت له:لقد سمعت من هذا الصبي عجبا و أخبرته الخبر،فقال:يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر (3).

و في تاريخ أبي شجاع الوزير:أنّه لمّا حرقوا القبور بمقابر قريش حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمّد بن علي عليه السّلام و إخراج رمّته و تحويلها إلى مقابر أحمد،فحال تراب الهدم8.

ص: 438


1- -المناقب:487/3.
2- -المناقب:497/3،و بحار الأنوار:10/50 ح 9.
3- -المناقب:499/3،و بحار الأنوار:316/48.

و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره (1).

و في المصباح قال ابن عيّاش:خرج على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضى اللّه عنه:اللّهم إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمّد بن علي الثاني و ابنه علي بن محمّد المنتجب الدعاء (2).

و ذكر ابن عيّاش:أنّه كان يوم العاشر من رجب مولد أبي جعفر الثاني عليه السّلام.

و ذكر الكفعمي في حواشي بلد الأمين بعد ذكر كلام الشيخ و بعض أصحابنا كأنّهم لم يقفوا على هذه الرواية فأوردوا هنا سؤالا و أجابوا عنه و صفتهما ان قلت:إنّ الجواد و الهادي عليهما السّلام لم يلدا في شهر رجب،فكيف يقوم الإمام الحجّة عليه السّلام في رجب؟قلت:إنّه أراد التوسّل بهما في هذا الشهر لكونهما ولدا فيه،قلت:و ما ذكروه غير صحيح أمّا أوّلا:

فلأنّه إنّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش و قد ذكرها الشيخ.

و أمّا ثانيا: فلأنّ تخصيص التوسّل بهما في رجب ترجيح من غير مرجّح لولا الولادة.

و أمّا ثالثا: فلأنّه لو كان كما ذكره لقال عليه السّلام الإمامين و لم يقل المولودين،انتهى ملخّص كلامه رحمه اللّه (3).

[في]معاني الأخبار:سمّي محمّد بن علي الثاني عليه السّلام التقيّ،لأنّه اتّقى اللّه عزّ و جلّ فوقاه شرّ المأمون لمّا دخل عليه بالليل سكران فضربه بسيفه حتّى ظنّ أنّه قد قتله فوقاه اللّه شرّه (4).

[في]عيون المعجزات:لمّا خرج أبو جعفر عليه السّلام و زوجته ابنة المأمون حاجّا و خلّف ابنه عليّا في المدينة و سلّم إليه المواريث و السلاح و نصّ عليه بمشهد ثقاته و أصحابه،و كان خرج المأمون إلى بلاد الروم فمات بالبدندون في رجب سنة ثمان عشرة و مائتين و بويع المعتصم أبو إسحاق محمّد بن هارون في شعبان،ثمّ إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه السّلام و أشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن3.

ص: 439


1- -بحار الأنوار:11/50 ح 10،و موسوعة الأمام الجواد:95/1.
2- -مصباح المتهجد:805،و بحار الأنوار:116/50.
3- -بحار الأنوار:1450 ح 14.
4- -معاني الأخبار:65،و بحار الأنوار:16/50 ح 23.

أبي جعفر عليه السّلام و شدّة غيرتها عليه لتفضيله امّ أبي الحسن ابنه عليها و لأنّه لم يرزق منها ولد فأجابته إلى ذلك و جعلت سمّا في عنب رازقي و وضعته بين يديه،فلمّا أكل منه ندمت و جعلت تبكي،فقال عليه السّلام:ما بكاؤك و اللّه ليضربنّك اللّه ببلاء لا يداوى،فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا فأنفقت مالها و جميع ما ملكته على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى الاسترفاد،و روي أنّ الناصور كان في فرجها (1).

[في]بشائر المصطفى،عن صفوان بن يحيى قال:قلت للرضا عليه السّلام:قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر،فكنت تقول:يهب اللّه لي غلاما،فقد وهب اللّه لك و أقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك فإن كان كون فإلى من؟فأشار بيده إلى أبي جعفر و هو قائم بين يديه،فقلت له:جعلت فداك هو ابن ثلاث سنين؟قال:و ما يضرّ من ذلك قد قام عيسى بالحجّة و هو ابن أقلّ من ثلاث سنين (2).

و عن الحسن بن الجهم قال:كنت مع الرضا عليه السّلام جالسا فدعا بابنه و هو صغير فأجلسه في حجري و قال لي:جرّده و انزع قميصه فنزعته،فقال لي:انظر بين كتفيه،فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم ثمّ قال لي:أترى هذا مثله في هذا الموضع كان من أبي عليه السّلام (3).

[في]الكافي عن محمّد بن الحسن بن عمّار قال:كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالسا بالمدينة أكتب عنه ما سمعه من أخيه موسى عليه السّلام إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرضا مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء و لا رداء فقبّل يده و عظمه،فقال له أبو جعفر:يا عمّ اجلس رحمك اللّه،فقال:يا سيّدي كيف أجلس و أنت قائم،فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه و يقولون:أنت عمّ أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل،فقال:اسكتوا إذا كان اللّه عزّ و جلّ و قبض لحيته لم يؤهل هذه الشيبة و أهل هذا الفتى و وضعه حيث وضعه أنكر فضله نعوذ باللّه ممّا تقولون بل أنا له5.

ص: 440


1- -عيون المعجزات:117،و بحار الأنوار:16/50 ح 26.
2- -الكافي:321/1 ح 10،و الإرشاد:276/2.
3- -الكافي:321/1 ح 8،و بحار الأنوار:120/25.

عبد (1).

[في]بصائر الدرجات عن علي بن خالد و كان زيديّا قال:كنت في العسكر-يعني سرّ من رأى-فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا بالحديد،و قالوا:إنّه تنبّأ فتوصّلت إليه فإذا رجل له فهم،فقلت:ما قصّتك؟قال:كنت رجلا بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال له موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام فبينا أنا في عبادتي إذ أتاني شخص،فقال:قم بنا فقمت معه فبينا أنا معه إذ أنا بمكّة فلم أزل معه حتّى قضى مناسكه و قضيت مناسكي معه فبينا أنا معه إذ أنا بموضعي الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام و مضى الرجل،فلمّا كان عام قابل أيّام الموسم إذ أتاني و فعل بي مثل فعلته الاولى فلمّا فرغنا من مناسكنا و ردّني إلى الشام و همّ بمفارقتي،قلت:سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت ألا أخبرتني من أنت؟فأطرق مليّا ثمّ قال:أنا محمّد بن عليّ بن موسى فتراقى الخبر حتّى انتهى إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فأخذني و قيّدني بالحديد و حملني إلى العراق و حبسني كما ترى،فقلت له:ارفع قصّتك إلى محمّد بن عبد الملك،فذكر في قصّته ما كان فوقع في القصة[قال] (2):قل للذي أخرجك في ليلة من الشام إلى الكوفة و من الكوفة إلى المدينة و من المدينة إلى مكّة و من مكّة إلى مكانك أن يخرجك من حبسك،قال علي:

فغمّني أمره و رققت له و أمرته بالصبر ثمّ بكّرت عليه يوما فإذا الجند و صاحب السجن يتفحّصون عن حاله،فقلت:ما هذا؟قالوا:المحمول من الشام الذي تنبّأ افتقد البارحة لا ندري خسف به الأرض و اختطفه الطير في الهواء و كان عليّ بن خالد هذا زيديا،فقال بالإمامة بعد ذلك و حسن اعتقاده (3).

أقول: اقتدارهم عليهم السّلام على قطع المسافة البعيدة بالمدّة القليلة يكون على وجوه:

منها:أنّ الأرض تطوى لهم كما ورد في إحضار عرش بلقيس بين يدي سليمان عليه السّلام بما تلاه آصف بن برخيا من الأسم الأعظم فانخسفت التي بين سليمان عليه السّلام و عرش بلقيس حتى تلاقت الأرضان،و آصف كان عنده بعض حروف ذلك الاسم و هم عليهم السّلام يعلمون كلّ1.

ص: 441


1- -الكافي:322/1 ح 12،و بحار الأنوار:266/49 ح 35.
2- -زيادة من المصدر.
3- -بصائر الدرجات:422،و الكافي:492/1 ح 1.

حروفه و هو ثلاثة و سبعون حرفا فقد استأثر اللّه سبحانه بحرف واحد.

و منها:أنّ اللّه سبحانه أقدرهم على قطع تلك المسافة البعيدة بالمدّة القليلة كما أقدر الأمين جبرئيل عليه السّلام يقطع ما بين العرش و مجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في أقلّ من ساعة مع أنّ المسافة مقدار خمسين ألف سنة و هم عليهم السّلام كانوا أفضل من جبرئيل و أعلم منه،لأنّ جبرئيل عليه السّلام نوع من أنواع علومهم،و قد وقع مثل هذا في حكاية المعراج.

و منها:أنّ اللّه سبحانه قد سخّر لهم أجراما خفيفة تحملهم إلى الأماكن القاصية في طرفة العين و ما فوقها كالهواء و السحاب و الملائكة كما ورد في حديث حمل جماعة من الصحابة على السحابة إلى أهل الكهف بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.

و منها:أنّ اللّه سبحانه قد سخّر لهم جميع مخلوقاته بالطاعة لهم و الحضور بين يديهم كما كانت الجبال و الأشجار و نحوها من الأجرام العلوية و السفلية تنقلع و تنتقل من أماكنها و تحضر بين يديهم،فيكون قطعهم المسافات المتباعدة عبارة عن انتقالها من مواضعها و حضورها عندهم،و هذه الطرق الأربعة و غيرها كلّها وقعت بالنسبة إليهم عليهم السّلام.

[في]الخرائج،قال أبو هاشم:جاء رجل إلى محمّد بن علي بن موسى،فقال:يابن رسول اللّه أنّ أبي قد مات و كان له مال و لست أقف على ماله و لي عيال كثيرون و أنا من مواليكم فأغثني،فقال أبو جعفر عليه السّلام:إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد،و آل محمّد فإنّ أباك يأتيك بالنوم و يخبرك بأمر المال ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم، فقال:يا بنيّ مالي في موضع كذا فخذه و اذهب إلى ابن رسول اللّه فأخبره أنّي دللتك على المال،فذهب الرجل فأخذ المال و أخبر الإمام عليه السّلام بأمر المال و قال:الحمد للّه الذي أكرمك و اصطفاك.

أقول: يجوز أن يكون هذا على طريق العموم و أنّ كلّ من أراد رؤية الميّت ليدلّه على أمر من الامور،فليعمل هذا العمل و يكون تخلّفه إن وقع باعتبار فقد شرط من شرائطه مثل غيره ممّا ورد في الأخبار،و يجوز أن تكون مشافهته عليه السّلام لذلك الرجل له مدخل في وجوده بنوع من الإعجاز يختصّ به (1).

و عن صالح اليعقوبي قال:لمّا توجّهنا في استقبال المأمون إلى ناحية الشام أمر أبو8.

ص: 442


1- -الخرائج و الجرائح:665/2،و بحار الأنوار:42/50 ح 8.

جعفر عليه السّلام أن يعقد أبو جعفر ذنب دابّته و ذلك في يوم صائف شديد الحرّ لا يوجد الماء فقال بعض من كان معه:لا عهد له بركوب الدّواب،فإنّ موضع عقد ذنب البرذون غير هذا، قال:فما مررنا إلاّ يسيرا حتّى ضللنا الطريق بمكان كذا و وقعنا في و حل كثير ففسدت ثيابنا و ما معنا و لم يصبه شيء من ذلك (1).

أقول: الذي علم بالوحل كان يعلم الطريق لكنّه عليه السّلام أراد إظهار نوع من الإعجاز أظهر من نوع آخر إذ دلالة الطريق لا إعجاز فيه عرفا.

و عن ابن ارومة قال:إنّ المعتصم دعى جماعة من وزرائه،فقال:اشهدوا لي على محمّد بن علي بن موسى زورا و اكتبوا أنّه أراد أن يخرج ثمّ دعاه،فقال:إنّك أردت أن تخرج عليّ،فقال:و اللّه ما فعلت شيئا من ذلك قال:إنّ فلانا و فلانا و فلانا شهدوا عليك فأحضروا، فقالوا:نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك،قال:و كان جالسا في بيت فرفع عليه السّلام يده و قال:اللّهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم،فنظرنا إلى ذلك البيت كيف يرجف و يذهب و يجيء و كلّما قام واحد وقع.فقال المعتصم:يابن رسول اللّه إنّي تائب ممّا قلت،فادع ربّك أن يسكنه،فقال:اللّهم سكّنه إنّك تعلم أنّهم أعداؤك و أعدائي،فسكن (2).

و عن القاسم بن المحسن قال:كنت بين مكّة و المدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال فسألني فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه،فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت و لا أين مرّت،فلمّا دخلت المدينة أتيت إلى أبي جعفر الرضا عليه السّلام فقال لي:يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟قلت:نعم،قال:يا غلام اخرج إليه عمامته فأخرج إليّ عمامتي بعينها،قلت:يابن رسول اللّه كيف صارت إليك؟ قال:تصدّقت على أعرابي فشكره اللّه لك،فردّ إليك عمامتك و أنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين (3).

و في كتاب المناقب:قال عسكر مولى أبي جعفر عليه السّلام:دخلت عليه،فقلت في نفسي:ما أشدّ سمرة مولاي و أضوى جسده قال:فو اللّه ما استتمت الكلام في نفسي حتّى4.

ص: 443


1- -مدينة المعاجز:381/7،و بحار الأنوار:45/50 ح 15.
2- -الخرائج و الجرائح:671/2،و مدينة المعاجز:383/7.
3- -الخرائج و الجرائح:377/1،و بحار الأنوار:47/50 ح 24.

تطاول و عرض جسده و امتلأ به الايوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه ثمّ رأيت لونه و قد اظلّم حتّى صار كالليل المظلم ثمّ صار كأبيض ما يكون من الثلج ثمّ احمرّ حتّى صار كالعلق المحمرّ ثمّ اخضرّ حتّى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة ثمّ تناقص جسمه حتّى صار في صورته الاولى و عاد لونه الأوّل و سقطت لوجهي ممّا رأيت،فصاح بي:يا عسكر تشكّون فننبّئكم و تضعفون فنقوّيكم،و اللّه لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلاّ من منّ اللّه علينا و ارتضاه لنا وليّا (1).

و في ذلك الكتاب أيضا:أنّ المأمون اجتاز بابن الرضا عليه السّلام و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال:عليّ به،فقال له:مالك لا هربت في جملة الصبيان قال:ما لي ذنب فأفرّ منه و لا الطريق ضيّق فأوسعه عليك سرّ حيث شئت،فقال:من تكون أنت؟قال:محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،فقال:ما تعرف من العلوم؟

قال:سلني عن أخبار السماوات،فودّعه و مضى و على يده باز أشهب يطلب به الصيد،فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا و الباز يثب عن يده فأرسله فطار يطلب الافق حتّى غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه فقد صاد حيّة فوضع الحيّة في بيت الطعم و قال لأصحابه:قد دنى حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ثمّ عاد و ابن الرضا في جملة الصبيان،فقال:ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال:نعم يا أمير المؤمنين،حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عن جبرئيل عن ربّ العالمين أنّه قال:بين السماء و الهواء بحر عجاج تتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء،فقال:صدقت و صدق أبوك و صدق جدّك و صدق ربّك،فأركبه ثمّ زوّجه امّ الفضل (2).

و روي أنّه عليه السّلام استدعى فاصدا في أيّام المأمون،فقال له:افصدني في العرق الزاهر فقال له:ما أعرف هذا العرق يا سيّدي و لا سمعت به فأراه إيّاه،فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر فجرى حتّى امتلأ الطشت ثمّ قال له:امسكه فأمر بتفريغ الطشت ثمّ قال:حلّ عنه0.

ص: 444


1- -المناقب:493/3،و بحار الأنوار:55/50 ح 31.
2- -المناقب:494/3،و بحار الأنوار:56/50.

فخرج دون ذلك،فقال:شدّه الآن فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار فأخذه و جاء إلى يوحنّا بن يختيشوع فحكى له ذلك،فقال:و اللّه ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ و لكن هنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه و إلاّ لم نقدر على من يعلمه،فمضيا و دخلا عليه و قصّا عليه القصّة فأطرق مليّا ثمّ قال:يوشك أن يكون هذا الرجل نبيّا أو من ذرّية نبيّ (1).

و روي أنّ أبا جعفر عليه السّلام لمّا صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيّب و كان في صحّته نبقة لا تحمل فدعى بكوز فيه ماء فتوضّأ في أسفل النبقة و قام فصلّى بالناس المغرب و العشاء الآخرة و سجد سجدتي الشكر ثمّ خرج،فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا فتعجّبوا من ذلك و أكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له و ودّعوه و مضى إلى المدينة.قال الشيخ المفيد:و قد أكلت ثمرها و كان لا عجم له (2).

[في]الخرائج،عن حكيمة بنت الرضا عليه السّلام قالت:لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا عليه السّلام صرت يوما إلى امرأته امّ الفضل فبينما نحن نتذاكر فضل محمّد و كرمه و علمه إذ قالت امرأته امّ الفضل:يا حكيمة أخبرك عنه بإعجوبة لم يسمع أحد بمثلها،قلت:و ما ذاك؟

قالت:إنّه ربّما كان أغارني مرّة بجارية و مرّة بتزويج فكنت أشكوه إلى المأمون، فيقول:يا بنيّة احتملي فإنّه ابن رسول اللّه،فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة،فقلت:

من أنت؟فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران؟قالت:أنا زوجة لأبي جعفر بن الرضا و أنا امرأة من ولد عمّار بن ياسر،فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من ساعتي و صرت إلى المأمون و قد كان ثملا من الشراب و قد مضى من الليل ساعات فأخبرته بحالي و قلت له:يشتمني و يشتمك و يشتم العبّاس و ولده،و قلت ما لم يكن،فغاظه ذلك منّي جدّا و لم يملك نفسه من السكر و قام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنّه يقطعه بهذا السيف و صار إليه.

قالت:فندمت عند ذلك و قلت في نفسي:ما صنعت هلكت و أهلكت فعدوت0.

ص: 445


1- -مدينة المعاجز:389/7 ح 86،و بحار الأنوار:57/50.
2- -مدينة المعاجز:358/7،و بحار الأنوار:57/50.

خلفه لأنظر ما يصنع فدخل إليه و هو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه قطعة قطعة ثمّ وضع سيفه على حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم،و انصرف و هو يزيد مثل الجمل فلمّا رأيت ذلك هربت على وجهي إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت فلمّا أصبحت دخلت إليه و هو يصلّي و قد أفاق من السكر،فقلت له:يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة؟قال:لا و اللّه،قلت:فإنّك صرت إلى ابن الرضا و هو نائم فقطعته إربا إربا و ذبحته بسيفك.قال:ويلك ما تقولين؟فصاح:يا ياسر ما تقول هذه الملعونة؟

قال:صدقت فيما قالت،قال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون هلكنا و افتضحنا بادر إليه و ائتني بخبر فركض ثمّ عاد مسرعا،فقال:يا أمير المؤمنين البشرى،دخلت فإذا هو قاعد يستاك و عليه قميص فبقيت متحيّرا في أمره ثمّ أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر فقلت له:أحبّ أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرّك به فنظر إليّ و تبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك،فقال:أكسوك كسوة فاخرة،فقلت:لست أريد غير هذا القميص الذي عليك،فخلعه و كشف لي بدنه كلّه فو اللّه ما رأيت أثرا،فخرّ المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار و قال:الحمد للّه الذي لم يبتليني بدمه ثمّ قال:يا ياسر كلّما كان من مجيء هذه الملعونة إليّ و بكائها بين يديّ فأذكره،و أمّا مصيري إليه فلست أذكره.

فقال ياسر:و اللّه ما زلت تضربه بالسيف و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتّى قطّعته قطعة قطعة ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته و أنت تزبد كما يزبد البعير،فقال:الحمد للّه ثمّ قال لي:و اللّه لئن عدت بعدها في شيء ممّا جرى لأقتلنّك ثمّ قال لياسر:احمل إليه عشرة آلاف دينار و برذوني الفلاني و سله الركوب إليّ مع بني هاشم،فلمّا دخل عليه تلقّاه و قبّل ما بين عينيه و أقعده على المقعد في الصدر فجعل يعتذر إليه،فقال له أبو جعفر عليه السّلام:لك عندي نصيحة فاسمعها منّي،قال:هاتها قال:اشير عليك بترك المسكر،قال:فداك ابن عمّك قد قبل نصيحتك.

أقول: حيث إنّ عليّ بن عيسى صاحب كتاب كشف الغمّة صار إلى أنّ المأمون لم يوقع مكروها لا بالرضا عليه السّلام و لا بابنه أبي جعفر ردّ هذه القصّة و استبعدها بوجوه بعيدة مع رواية أهل الحديث لها في أكثر الكتب و تصحيحهم لها (1).7.

ص: 446


1- -الخرائج و الجرائح:375/1،و مدينة المعاجز:370/7.

الفصل الثاني

في تزويجه امّ الفضل بنت المأمون و فيما جرى في المجلس

[في]مهج الدعوات،عن النوفلي و كان خادما للرضا عليه السّلام قال:لمّا زوّج المأمون أبا جعفر محمّد بن الرضا عليه السّلام ابنته كتب إليه:إنّ لكلّ زوجة صداقا من مال زوجها و قد جعل اللّه أموالنا في الآخرة مؤجّلة مذخورة هناك كما جعل أموالكم معجّلة في الدّنيا و كنزها هاهنا و قد أمهرت ابنتك الوسايل إلى المسايل و هي مناجاة دفعها إليّ أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ أبي موسى.

قال عليه السّلام:دفعها إليّ أبي جعفر،قال عليه السّلام:دفعها إليّ محمّد أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ عليّ بن الحسين.

قال عليه السّلام:دفعها إليّ الحسين أبي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ الحسن أخي،قال عليه السّلام:دفعها إليّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:دفعها إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال عليه السّلام:دفعها إليّ جبرئيل عليه السّلام قال:يا محمّد ربّ العزّة يقرئك السلام و يقول لك:هذه مفاتيح كنوز الدّنيا و الآخرة فاجعلها و سائلك إلى مسائلك تصل إلى بغيتك و تنجح في طلبتك فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ من آخرتك و هي عشر وسائل تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح و تطلب بها الحاجات فتنجح و هذه نسختها،ثمّ ذكر الأدعية و هي مذكورة في ذلك الكتاب (1).

أقول: أمهرها مهرين هذا أحدهما و سيأتي الآخر.

و في الاحتجاج عن الريّان بن شبيب قال:لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته محمّد بن علي غلظ ذلك على العبّاسيّين و خافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السّلام فقالوا له:ننشدك اللّه أن يقيم على هذا الأمر من تزويج ابن الرضا،فإنّا نخاف أن يخرج به أمر قد ملّكناه اللّه و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من

ص: 447


1- -موسوعة الأمام الجواد:141/2،و بحار الأنوار:74/50.

تحقيرهم و تبعيدهم و قد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا فكفانا اللّه المهمّ من ذلك فإنّ للّه أن تردّنا إلى غمّ رفعه اللّه عنّا و اصرف رأيك عن ابن الرضا إلى من تراه من أهل بيتك.

فقال المأمون:أمّا ما بينكم و بين آل أبي اطلب فأنتم السبب فيه و لو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم،و أمّا ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم و أعوذ باللّه من ذلك و واللّه ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبى و كان أمر اللّه قدرا مقدورا،و أمّا أبو جعفر محمّد بن علي فقد اخترته لشرفه على كافّة أهل الفضل مع صغر سنّة و الاعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلمون أنّ الرأي ما رأيت.

فقالوا:إنّ هذا الفتى و إن أعجبك منه هديه فإنّه صبيّ لا معرفة له و لا فقه فامهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك،فقال لهم:ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم و أنّ أهل هذا البيت علمهم من اللّه تعالى و مواده و إلهامه لم تزل آباؤه أغنياء في الدّين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال،فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر عليه السّلام بما يظهر لكم حاله،قالوا؛ قد رضينا لك و لأنفسنا بامتحانه فخلّ بيننا و بينه لنصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة،فإن أصاب في الجواب لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصّة و العامّة سديد رأيك فيه و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه،فقال لهم المأمون:شأنكم و ذلك،فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها و وعدوه بأموال نفيسة و سألوا المأمون يوما للاجتماع فاجتمعوا في ذلك اليوم و حضر معهم يحيى و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست و يجعل فيه مسورتان ففعل ذلك و خرج أبو جعفر عليه السّلام و هو يومئذ ابن تسع سنين فجلس و جلسوا و قام الناس في مراتبهم،فقال يحيى بن أكثم للمأمون:يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟

فقال:استأذنه في ذلك فاستأذنه فأقبل عليه و أذن له،فقال:ما تقول يا أبا جعفر في محرم قتل صيدا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حلّ أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ حرّا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان

ص: 448

الصيد أم من غيرها أمن صغار الصيد أم من كبارها مصرّا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد أم في النهار محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما،فتحيّر يحيى و بان الاحتجاج بوجهه حتّى عرفه الحاضرون.

فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة،فقال لأهل بيته:أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟

ثمّ أقبل على أبي جعفر عليه السّلام فقال له:اخطب لنفسك و إنّي مزوّجك ابنتي امّ الفضل و إن رغم قوم لذلك،فخطب و أمهرها مهر جدّته فاطمة عليها السّلام خمسمائة درهم جياد.

قال الريان:فسمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاّحين،فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضّة مشدودة بالحبال من الابريسم على عجلة يعني عرابة مملؤّة من الطيّب فتطيّب الخاصّة و العامّة و وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم،فلمّا تفرّق الناس و بقي من الخاصّة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك إن رأيت أن تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه و نستفيده، ففصّلها عليه السّلام و ذكر جميع شقوق المسألة،فقال المأمون:أحسنت يا أبا جعفر فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك،فقال عليه السّلام ليحيى:أسألك؟

قال:ذلك إليك جعلت فداك فإن عرفته و إلاّ استفدته منك.

فقال عليه السّلام:أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له فلمّا زالت الشمس حرمت عليه فلمّا كان وقت العصر حلّت له فلمّا غربت الشمس حرمت عليه فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له،فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه،فلمّا طلع الفجر حلّت له ما حال هذه المرأة و بما حلّت له و حرمت عليه؟

فقال له يحيى:لا و اللّه لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال فإن رأيت أن تفيدناه، فقال عليه السّلام:هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النهار و ابتاعها من مولاها فحلّت له فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان عند العصر تزوّجها فحلّت له،فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له فلمّا كان نصف الليل طلّقها

ص: 449

واحدة فحرمت عليه فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.

فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته،فقال لهم:هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟قالوا:لا و اللّه إنّ أمير المؤمنين أعلم و ما رأى،فقال:ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا بما ترون من الفضل و أنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال،أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و هو ابن عشر سنين و قبل منه الإسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنّة غيره و بايع الحسن و الحسين و هما دون الستّ سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما،أو لا تعلمون ما اختصّ اللّه به هؤلاء القوم و أنّهم ذرّية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟

فقالوا:صدقت يا أمير المؤمنين ثمّ نهض القوم،فلمّا كان من الغد أحضر الناس و حضر أبو جعفر عليه السّلام و صار القوّاد و الحجّاب و الخاصّة و العمّال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السّلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و اقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم فكان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها فأعطي ما فيها و انصرف الناس و هم أغنياء بالعطايا،و تقدّم المأمون بالصدقة على كافّة المسلمين و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السّلام مدّة حياته يؤثره على ولده و جماعة أهل بيته (1).

و في كتاب الاحتجاج:روى أنّ المأمون بعدما زوّج ابنته امّ الفضل أبا جعفر عليه السّلام كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة،فقال له يحيى:ما تقول يابن رسول اللّه في الخبر الذي روي أنّه نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قال:يا محمّد إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:سل أبا بكر هل هو عنّي راض فإنّي عنه راض،فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في حجّة الوداع:«قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار،فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّتي فما وافق كتاب اللّه و سنّتي فخذوا به و ما خالف كتاب اللّه و سنّتي فلا تأخذوا به»و ليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه،قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما7.

ص: 450


1- -الأحتجاج:242/2،و مدينة المعاجز:351/7.

تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فاللّه عزّ و جلّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه؟هذا مستحيل في العقول.

ثمّ قال يحيى بن أكثم:و قد روي أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء،فقال:و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه،لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان للّه مقرّبان لم يعصيا اللّه قط و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة،و هما قد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك فمحال أن يشبههما بهما (1).

و قد روي أيضا أنّهما سيّدا كهول الجنّة فما تقول فيه؟ (2)

فقال عليه السّلام:و هذا الخبر محال أيضا،لأنّ أهل الجنّة يكونون كلّهم شبابا و لا يكون فيهم كهل،و هذا الخبر وضعه بنو اميّة لمضادّة الخبر الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الحسن و الحسين:أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال يحيى بن أكثم:و روي أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة،فقال عليه السّلام:و هذا أيضا محال،لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقرّبين و آدم و نوح و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضيء بأنوارهم حتّى تضيء بنور عمر.

فقال يحيى:و قد روي أنّ السكينة تنطق بلسان عمر،فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل عمر و لكن أبا بكر أفضل من عمر و قال على رأس المنبر:إنّ لي شيطانا يعتريني فإذا ملت فسدّدوني.

فقال يحيى:و قد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو لم أبعث لبعث عمر،فقال عليه السّلام:كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث يقول اللّه في كتابه: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه و كان الأنبياء عليهم السّلام لم يشكّوا طرفة عين،فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك و كان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:نبّأت و آدم بين الروح و الجسد.

فقال يحيى:و قد روي أيضا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:ما احتبس الوحي عنّي قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب،فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا فإنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ في2.

ص: 451


1- -الأحتجاج:246/2،و بحار الأنوار:80/50 ح 6.
2- -الأحتجاج:247/2.

نبوّته،قال اللّه تعالى: يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.

قال يحيى:روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر،قال عليه السّلام:

و هذا أيضا محال إنّ اللّه تعالى يقول: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ،فأخبر أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما داموا يستغفرون اللّه تعالى (1).

و في مشارق الأنوار عن أبي جعفر الهاشمي قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام ببغداد،فدخل عليه ياسر الخادم يوما و قال:يا سيّدنا إنّ سيّدتنا امّ جعفر تستأذنك أن تصير إليها،فقال للخادم:ارجع فإنّي في الأثر ثمّ قام و ركب البغلة حتّى قدم الباب فخرجت امّ جعفر اخت المأمون و سلّمت عليه و سألته الدخول على امّ الفضل بنت المأمون و قالت:

يا سيّدي أحبّ أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقرّ عيني فدخل و الستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ثمّ جلس و خرجت امّ جعفر تعثر في ذيولها،فقالت:يا سيّدي أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها،فقال لها: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ أنّه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى امّ الفضل فاستخبريها عنه فرجعت امّ جعفر فأعادت عليها ما قال.

فقالت:يا عمّة و ما أعلمه بذاك؟

ثمّ قالت:كيف لا أدعو على أبي و قد زوّجني ساحرا؟ثمّ قالت:و اللّه يا عمّة أنّه لمّا طلع عليّ جماله أحدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي و ضممتها،فبهتت امّ جعفر من قولها ثمّ خرجت مذعورة و قالت:يا سيّدي ما حدثت لها؟قال:هو من أسرار النساء.

فقالت:يا سيّدي تعلم الغيب؟قال:لا،قالت:فنزل إليك الوحي؟قال:لا،قالت:

فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ اللّه و هي؟

فقال:و أنا أيضا أعلمه من علم اللّه،فلمّا رجعت امّ جعفر قالت:يا سيّدي و ما كان4.

ص: 452


1- -الأحتجاج:247/2،و درر الأخبار:374.

إكبار النسوة؟قال:هو ما حصل لامّ الفضل من الحيض (1).

أقول: هذا نصّ فيما قلناه من أنّهم عليهم السّلام يظهرون للناس على ما تحتمله عقولهم من الصور و الحالات و أنّ الجواد عليه السّلام لمّا ظهر لامّ الفضل على غير الحالة المعتادة أخذها الشوق و أتاها ما يأتي النساء عند رؤية الصور الحسان كما وقع للنسوة لمّا رأين الصدّيق عليه السّلام و هذه الرؤية ترجع إلى سرّ خفيّ،و هو أنّ الذي رأته امّ الفضل من الجمال إمّا أنّه هو الصورة التي كان عليها لكنّها تختلف بالتشكّلات على ما يريده عليه السّلام كتشكّل الملائكة و نحوهم،و إمّا أنّها صورة اخرى نورانية من صورة عليه السّلام الملكوتية تدبّرها نفسه البشرية و غوامض أحوالهم عليهم السّلام من أجل أن تتلوّث بخواطر البشر.0.

ص: 453


1- -مدينة المعاجز:403/7 ح 103،و بحار الأنوار:84/50.

الفصل الثالث

في جوامع أحواله عليه السلام

[في]كتاب الاختصاص للمفيد طاب ثراه عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال:لمّا مات الرضا عليه السّلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السّلام و قد حضر خلق من الشيعة من كلّ بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السّلام فدخل عمّه عبد اللّه بن موسى و كان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب حسنة و بين عينيه سجّادة،فجلس و خرج أبو جعفر عليه السّلام من الحجرة و عليه قميص قصب ورداء قصب و نعل حذو بيضاء فقام عبد اللّه فاستقبله و قبّل بين عينيه و قامت الشيعة و قعد أبو جعفر عليه السّلام على كرسيّ و نظر الناس بعضهم إلى بعض تحيّرا لصغر سنّة فانتدب رجل من القوم،فقال لعمّه:أصلحك اللّه ما تقول في رجل أتى بهيمة؟

فقال:يقطع يمينه و يضرب الحدّ،فغضب أبو جعفر عليه السّلام ثمّ نظر إليه و قال:يا عمّ اتّق اللّه إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عزّ و جلّ،فيقول لك:لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟

فقال له عمّه:يا سيّدي أليس قال هذا أبوك صلوات اللّه عليه؟

فقال عليه السّلام:إنّما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها،فقال أبي:يقطع يمينه للنبش و يضرب حدّ الزنا فإنّ حرمة الميتة كحرمة الحيّة،فقال:صدقت يا سيّدي و أنا أستغفر اللّه،فتعجّب الناس و قالوا:يا سيّدنا أتأذن لنا أن نسألك؟

فقال:نعم،فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها و له تسع سنين (1).

[في]الخرائج و الجرائح،عن الكرماني قال:أتيت ابن الرضا عليه السّلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا،فجلست عند مسافر حتّى زالت الشمس فلمّا صلّيت إذا أبو

ص: 454


1- -الأختصاص:102،و بحار الأنوار:85/5.

جعفر عليه السّلام[فسرت اليه] (1)فقبّلت كفّه ثمّ جلس و قال:سلّم،فقلت:قد سلّمت فأعاد عليّ فقلت:سلّمت و رضيته فأجلى اللّه ما كان في قلبي من الشكّ فعدت من الغد فارتفعت من الباب الأوّل فلم أجد أحدا يرشدني إليه حتّى اشتدّ الحرّ و الجوع،فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام و غلام آخر عليه طشت و ابريق حتّى وضع بين يديّ و قالا:آمرك أن تأكل فأكلت فلمّا فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل فأكلت، فقال للغلام:كل معه ينشط حتّى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام فقال:مه و مه ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة و ما كان في البيت فالقطه،ثمّ قال:سل،قلت:جعلت فداك ما تقول في المسك؟قال:إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في قارورة فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس يعيبون ذلك عليه،فكتب:يا فضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجا مزرّرا بالذهب و يجلس على كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا و كذلك سليمان ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم،ثمّ قلت:ما لمواليكم في موالاتكم.

فقال:إنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس و معه بغلته إذ أقبلت رفقة من خراسان،فقال له رجل من الرفقة:هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا و أجعل لك مالي كلّه فإنّي كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه و أنا مقيم معه مكانك،فقال:اسأله ذلك،فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:جعلت فداك تعرف صحبتي و طول صحبتي فإن ساق اللّه لي خيرا تمنعنيه.

قال:أعطيك من عندي و أمنعك من غيري؟فحكى له قول الرجل،فقال:إن زهدت في خدمتنا و رغب الرجل فينا قبلناه و أرسلناك فلمّا ولّى عنه دعاه،فقال له:أنصحك لطول الصحبة فإذا كان يوم القيامة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله متعلّقا بنور اللّه و كان أمير المؤمنين متعلّقا برسول اللّه و كان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين عليه السّلام و كان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون مدخلنا و يردون موردنا،فقال الغلام:بل اقيم في خدمتك و أؤثر الآخرة على الدّنيا و خرج الغلام إلى الرجل و حكى له قوله و أدخله على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقبل ولاءه و ألف للغلامر.

ص: 455


1- -زيادة من المصدر.

بألف دينار الحديث (1).

و في كتاب المناقب:أنّه قام إليه رجل،فقال:ما تقول في رجل أتى حمارة؟قال:

يضرب دون الحدّ و يغرم ثمنها و يحرم ظهرها و نتاجها و تخرج إلى البرية حتّى تأتي عليها منيّتها سبع أكلها ذئب أكلها (2).

[في]كشف الغمّة،قال محمّد بن طلحة:إنّ محمّد بن علي لمّا توفّي والده الرضا عليه السّلام و قدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتّفق أنّه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه و الصبيان يلعبون و محمّد واقف معهم و كان عمره يومئذ إحدى عشر سنة، فلمّا أقبل المأمون هرب الصبيان و وقف أبو جعفر مكانه فنظر إليه و كان عليه مسحة من الجمال،فقال له:يا غلام ما منعك من الانصراف؟

فقال:لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي و لم يكن لي جريمة فأخشاها و ظنّي بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت،فأعجبه كلامه و وجهه،فقال له:ما اسمك؟قال:محمّد بن علي الرضا،فترحّم على أبيه و ساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة فلمّا بعد عن العمارة أرسل بازا على دراجة فغاب عن عينه ثمّ عاد من الجوّ و في منقاره سمكة صغيرة و بها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك ثمّ أخذها في يده و عاد إلى داره في الطريق،فلمّا وصل ذلك المكان انصرف الصبيان إلاّ ذلك الصبي،فقال له:يا محمّد ما في يدي؟

فقال:إنّ اللّه تعالى خلق بمشيّئته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك فيختبرون بها سلالة أهل النبوّة،فعجب من كلامه و قال:أنت ابن الرضا حقّا و ضاعف إحسانه (3).

أقول: لا منافاة بين هذا الحديث و ما تقدّمه من حكاية الحيّة لأنّه يجوز أن يكون امتحان المأمون له عليه السّلام وقع مرّتين.

[في]التهذيب،روى علي بن مهزيار قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام و شكوت إليه0.

ص: 456


1- -الخرائج و الجرائح:389/1،و من لا يحضره الفقيه:356/3.
2- -المناقب:490/3،و بحار الأنوار:91/50.
3- -كشف الغمة:136/3،و بحار الأنوار:92/50.

كثرة الزلازل في الأهواز و قلت:ترى في التحوّل عنها؟فكتب عليه السّلام:لا تتحوّلوا عنها و صوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسلوا و طهّروا ثيابكم و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا اللّه فإنّه يدفع عنكم،قال:ففعلنا فسكنت الزلازل (1).

[في]مشارق الأنوار:روى أنّه جيء بأبي جعفر عليه السّلام إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد أبيه و هو طفل،فجاء إلى المنبر و رقى منه درجة ثمّ نطق فقال:أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم و ما أنتم صائرون إليه علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين و بعد فناء السماوات و الأرضين،و لو تظاهر أهل الباطل و دولة أهل الضلال و وثوب أهل الشكّ لقلت قولا تعجّب منه الأوّلون و الآخرون،ثمّ وضع يده الشريفة على فيه و قال:يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل (2).2.

ص: 457


1- -التهذيب:294/3 ح 18،و مستدرك سفينة البحار:303/4.
2- -بحار الأنوار:108/50،و مستدرك سفينة البحار:403/2.

ص: 458

باب أحوال الإمام العاشر و النور الزاهر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد التقي الهادي صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

اشارة

في أسمائه الشريفة و ميلاده المبارك و النصّ عليه بالخصوص

و مكارم أخلاقه و مناقبه

[في]علل الشرائع:سمعت مشايخنا رضي اللّه عنهم يقولون:إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد و الحسن بن عليّ عليهما السّلام بسرّ من رأى تسمّى عسكر،فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري (1).

أقول: و في القاموس إنّ بلدة سرّ من رأى تسمّى بالعسكر فنسب إليها العسكريان، و بعض المعاصرين توهّم غير هذا،و سيأتي الكلام فيه.

و في كتاب المناقب:اسمه عليّ و كنيته أبو الحسن لا غيرهما و ألقابه النجيب المرتضى الهادي النقي العالم الفقيه الأمين المؤتمن الطيّب المتوكّل العسكري،و كان أطيب الناس مهجة و أصدقهم لهجة و أملحهم من قريب و أكلمهم من بعيد إذا صمت عليه هيبة الوقار و إذا تكلّم سيماء البهاء،و هو من بيت الرسالة و الإمامة و مقرّ الوصية و الخلافة شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة و ثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة ولد بصريا من المدينة النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة و مائتين (2).

ص: 459


1- -بحار الأنوار:113/50،و علل الشرائع:241/1.
2- -المناقب:505/3،و بحار الأنوار:113/50 ح 2.

[عن]ابن عيّاش ولد يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة،و قبض بسرّ من رأى الثالث من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و قيل يوم الاثنين ثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار و ليس عنده إلاّ ابنه أبو محمّد و له يومئذ أربعون سنة و قيل:

أحد و أربعون و سبعة أشهر،امّه امّ ولد يقال لها سمانة المغربيّة أقام مع أبيه ستّ سنين و خمسة أشهر و بعده مدّة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و يقال:تسعة أشهر و مدّة مقامه بسرّ من رأى عشرين سنة.

و توفّي فيها و قبره في داره،و كان في سنّي إمامته بقيّة ملك المعتصم ثمّ الواثق و المتوكّل و المنتصر و المستعين و المعتزّ،و في آخر ملك المعتزّ استشهد مسموما سمّه المعتزّ لعنه اللّه (1).

أقول: و روي في الكتب الاختلاف في ميلاده و وفاته و مدّة عمره الشريف،كما روي في أحوال آبائه عليهم السّلام إلاّ أنّ المعتمد ما ذكرناه.

[في]الفصول المهمّة صفته أسمر اللون،نقش خاتمه:اللّه ربّي و هو عصمتي من خلقه.

و قال الكفعمي:نقش خاتمه حفظ العهود من أخلاق المعبود،كانت له سرية لا غير و كان له خمسة أولاد،سمّه المعتزّ و بابه عثمان بن سعيد (2).

و في كتاب كمال الدين عن الصقر بن دلف قال:سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا عليه السّلام يقول:إنّ الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي و الإمامة بعده في ابنه الحسن (3).

أقول: الأخبار الواردة بالنصّ عليه من آبائه من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مستفيضة بل متواترة.

[في]الأمالي عن كافور الخادم قال:كان يونس النقّاش يخدم الإمام عليه السّلام فجاء يوما يرعد فقال:يا سيّدي أوصيك بأهلي خيرا،قال:و ما الخبر؟قال:عزمت على الرحيل، قال:و لم يا يونس؟1.

ص: 460


1- -بحار الأنوار:84/50 ح 2،و المناقب:505/3.
2- -دلائل الأمامة:411،و بحار الأنوار:117/50.
3- -كمال الدين:378،و بحار الأنوار:239/50 ح 1.

قال:إنّ موسى بن بغا وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته باثنين و موعده غدا إمّا ألف سوط أو القتل،قال:امض إلى منزلك إلى غد فما يكون إلاّ خيرا،فلمّا كان من الغد وافى بكرة يرعد،فقال:قد جاء الرجل يلتمس الفصّ،قال:امض إليه فما ترى إلاّ خيرا فمضى و عاد يضحك قال:قال لي:يا سيّدي الجواري اختصموا فيمكنك أن تجعله نصفين حتّى تغنيك،فقال عليه السّلام:لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّا فأيش قلت له؟ قال:قلت له:امهلني حتّى أتأمّل أمره كيف أعمله،فقال:أصبت (1).

خراب سرّ من رأى و تدارك عمارتها

و فيه عن الفحّام عن النصوري عن عمّ أبيه قال:قال يوما الإمام عليّ بن محمّد عليه السّلام:

يا موسى أخرجت إلى سرّ من رأى كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها،قال:قلت:و لم يا سيّدي؟

قال:لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلّة دائها،ثمّ قال:تخرب سرّ من رأى حتّى يكون فيها خان و بقال للمارة و علامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهد من بعدي.

أقول: سرّ من رأى هي خراب و ما فيها سوى سور المشهد و هو خراب أيضا و مدارس الخلفاء،و قبل تاريخ كتابة هذه الكلمات بعامين احترق الضريح المقدّس و المحجّر و الصندوق و لم يبق في القبّة الشريفة شيء من آثار القبور.

و في هذه الأوقات أمر السلطان العادل شاه سلطان حسين شيّد اللّه قواعد ملكه و سلطانه و أفاض على الأنام بحار جوده و إحسانه أن يصنع المحجّر و الصندوق و أن يعمّر الضريح المقدّس و يتبعه إن شاء اللّه تعالى تعمير القبّة و المشهد،و لعلّه يكون إن شاء اللّه تعالى من علامات ظهور المهدوية أو استيلاء سلطان الشيعة المذكور على بغداد و ما والاها و قد كان تاريخ كتابة هذه الكلمات أوائل العام التاسع بعد المائة و الألف الهجرية (2).

[في]بصائر الدرجات،عن صالح بن سعيد قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقلت:جعلت فداك في كلّ الامور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان

ص: 461


1- -أمالي الطوسي:288،و المناقب:528/3.
2- -أمالي الطوسي:281،و المناقب:519/3.

الأشنع خان الصعاليك يعني الفقراء أو اللصوص؟

فقال:هاهنا أنت يابن سعيد ثمّ أومئ بيده،فقال:انظر فنظرت،فإذا بروضات ناضرات فيهنّ حوريّات عطرات و ولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون و أطيار و ظباء و أنهار تفور، فحار بصري،فقال:حيث كنّا فهذا لنا موجود و لسنا في خان الصعاليك (1).

و عن أبي هاشم الجعفري قال:دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه و كان بين يديه حصا فتناول حصاة و وضعها في فيه و مصّها مليّا ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي،فو اللّه ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة و سبعين لسانا أوّلها الهندية (2).

و عنه أيضا قال:كنت عند أبي الحسن عليه السّلام و هو مجدر،فقلت للمتطّيب:آب گرفت ثمّ التفت إليّ و تبسّم و قال:تظنّ أنه لا يحسن الفارسية غيرك؟

فقال له المتطيّب:جعلت فداك تحسنها؟

فقال:أمّا فارسية هذا فنعم،قال لك:احتمل الجدري ماء (3).

و روى أنّ أبا هاشم الجعفري كان منقطعا إلى أبي الحسن عليه السّلام بعد أبيه أبي جعفر و جدّه الرضا عليهم السّلام فشكى إلى أبي الحسن عليه السّلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد،ثمّ قال:يا سيّدي ادع اللّه لي فربّما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك على الظهر و ما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه،فادع اللّه أن يقوّيني على زيارتك، فقال:قوّاك اللّه يا أبا هاشم و قوّى برذونك.

قال الراوي:كان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد و يسير على ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأى و يعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون،فكان هذا من عجيب الدلائل التي شوهدت (4).

[في]الخراج عن أبي هاشم الجعفري قال:خرجت مع أبي الحسن عليه السّلام إلى ظاهر0.

ص: 462


1- -بصائر الدرجات:426،و الأختصاص:324.
2- -المناقب:512/3،و بحار الأنوار:136/50 ح 17.
3- -الخرائج و الجرائح:675/2 ح 5،و بحار الأنوار:137/50 ح 18.
4- -الخرائج و الجرائح:672/2،و بحار الأنوار:138/50.

سرّ من رأى فطرح لأبي الحسن عليه السّلام غاشية السرج فجلس عليها و نزلت عن دابّتي فجلست بين يديه فشكوت إليه ضيق حالي فمدّ يده إلى رمل كان جالسا عليه فناولني منه كفّا و قال:

اتسع بهذا يا أبا هاشم و اكتم ما رأيت فخبأته معي و رجعنا فأبصرته فإذا هو ينقد كالنيران ذهبا أحمر،فدعوت صايغا إلى منزلي و قلت له:اسبك لي هذه السبيكة فسبكها و قال:ما رأيت ذهبا أجود من هذا و هو كهيئة الرمل،فمن أين لك هذا؟

قلت:كان عندي قديما.

و عن محمّد بن علوية قال:كان باصفهان رجل يتشيّع يقال له عبد الرحمن،فقيل له:

ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي دون غيره من أهل الزمان؟قال:

شاهدت ما أوجب عليّ ذلك و ذلك أنّي كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين،فكنّا بباب المتوكّل يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا،فقلت لبعض من حضر:من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟

فقيل:هذا رجل علوي يقول الرافضة بإمامته ثمّ قيل:إنّ المتوكّل يحضره للقتل، فأقبل راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين ينظرون إليه،فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل،فأقبل يسير بين الناس لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء،فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه و قال:استجاب اللّه دعاك و طوّل عمرك و كثّر مالك و ولدك،فارتعدت و وقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك؟ فلم أخبر بذلك فانصرفنا إلى اصفهان ففتح اللّه عليّ وجوها من المال حتّى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى ما لي خارج داري و رزقت عشرة من الأولاد و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي و استجاب اللّه دعاؤه فيّ ولي (1).

أقول: قوله كان باصفهان رجل يتشيّع،يدلّ على ما تقدّم في تضاعيف هذا الكتاب من أنّ أهل اصفهان كانوا كلّهم على دين الخلاف و لم يكن بينهم أحد من الشيعة.

و قد روي أنّ رجلا من علماء الإمامية رضوان اللّه عليهم ألّف كتابا في مناقب أمير0.

ص: 463


1- -الخرائج و الجرائح:393/1،و بحار الأنوار:142/50.

المؤمنين عليه السّلام و تعهّد أنّه لا يباحث في ذلك الكتاب إلاّ في بلدة لا يوجد فيها أحد من الشيعة،فقال له أصحابه:عليك باصفهان،فأتى إليها فوجدها كما قالوا ليس فيها من يتشيّع فخاف القتل لو أظهر ذلك الكتاب،فوقع الخبر إلى أهل قم فأرسلوا من أخذه مع كتابه خوفا عليه،و أمّا الآن فبحمد اللّه اصفهان مجمع علماء الإماميّة و صلحائهم و أهل الفضل و الكمال منهم و منها انتشر العلم في أقطار الأرض و ما ذلك إلاّ بسبب الدولة الصفويّة ثبّت اللّه قواعدها إلى يوم النفخة الصوريّة.

و قد روى عنه صلّى اللّه عليه و اله:«طائفتان إذا صلحتا صلحت أمّتي و إذا فسدت فسدت أمّتي، العلماء و الأمراء» (1).

و من ثمّ ورد في صحيح الأخبار:أنّه يغفر للجاهل سبعين ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد،و ذلك أنّ العالم إذا زلّ زلّة زلّ بها عالم كثير،و إنّه يموت و آثاره من الخير و الشرّ باق إلى يوم القيامة (2).

و جاء في الحديث:«إنّ الشيطان ربّما أطال البكاء و التعزية على موت بعض العلماء، فيقول له أولاده لم تبكي على هذا و هو من العلماء؟

فيقول:إنّه كان شريكي في اغواء الناس،و من أجل هذا جاء في الرواية أنّ نوم العالم خير من عبادة العابد،و إنّه يوم القيامة يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء فيرجح مداد العلماء،و ذلك أنّ العابد إنّما يكون سعيه في نجاة نفسه و العالم يكون كدّه و جهده في إنقاذ الناس من النار الموجودين منهم و من سيوجد إلى يوم القيامة،و أمّا الشهيد فهو،و إن كان جهاده يدفع به غلبة الكافرين على المسلمين إلاّ أنّ معظم القصد هو حفظ الأبدان و أمّا العلماء فهم محافظون على الأديان،يمنعون الشياطين من إضلال الخلق و هلاكهم بنار اللّه الموقدة،و العلماء كما جاء في الحديث مرابطون في ثغور المسلمين يمنعون الأبالسة و الشياطين من الجنّ و الأنس من أن يدخلوا حصن الإسلام فيثلموا منه ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة كما قال عليه السّلام:«إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة»لأنّ كلّ من يأتي من العلماء فإنّما يسدّ الثلمة التي تليه،و أمّا مداد العلماء فأثره باق9.

ص: 464


1- -أمالي الصدوق:448 ح 11،و مستدرك الوسائل:253/4 ح 13.
2- -خاتمة المستدرك:247/5،و سعد السعود:89.

بعدهم،بخلاف دماء الشهداء،فمن ثمّ رجح عليه (1).

و أمّا ما جاء في الخبر من قوله صلّى اللّه عليه و اله:«علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل»، فالظاهر أنّ المراد من العلماء في الحديث الأئمّة المعصومين(صلوات اللّه عليهم)،و في ذلك الكتاب أيضا عن يحيى بن هرثمة قال:دعاني المتوكّل قال اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و أخرجوا على طريق المدينة فاحضروا علي بن محمد بن الرضا إلى عندي مكرما معظّما.

ففعلت فخرجنا،و كان في أصحابنا قائد من الشراة أي الخوارج و كان لي كاتب يتشيّع و أنا على مذهب الحشويّة و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب في الطريق،قال الشاري للكاتب:أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب أنّه ليس من الأرض بقعة إلاّ و هي قبر أو ستكون قبرا،فانظر إلى هذه التربة أين من يموت فيها حتّى يمتلي قبورا،و تضاحكنا ساعة إذا انخذل الكاتب في أيدينا و سرنا حتّى دخلنا المدينة،فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد الرضا فقرأ كتاب المتوكّل،فقال انزلوا و ليس من جهتي خلاف،فلمّا صرت إليه من الغد و كنّا في تمّوز أشد ما يكون من الحرّ،فإذا بين يديه خيّاط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه.

ثمّ قال للخيّاط:إجمع عليها جماعة من الخيّاطين و اعمد إلى الفراغ منها يومك هذا و بكّر بها إليّ في هذا الوقت،ثمّ نظر إليّ و قال:يا يحيى اقضوا و طركم من المدينة في هذا اليوم و الرحيل غدا.

فخرجت من عنده و أنا أتعجب من الخفاتين و أقول في نفسي:نحن في تمّوز و الحجاز و إنّما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام:فيما يصنع بهذه الثياب؟

ثمّ قلت في نفسي:هذا رجل لم يسافر و هو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب و العجب من الرافضة حيث يقولون بإمامته هذه مع فهمه هذا فعدت عليه في الغد، فإذا الثياب قد أحضرت.

فقال لغلمانه:ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس.

ثمّ قال الرجل:ارحل يا يحيى.1.

ص: 465


1- -الذريعة:56/21.

فقلت في نفسي هذا أعجب من الأوّل أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتّى أخذ معه اللبابيد و البرانس فخرجت و أنا استصغر فهمه،فعبرنا حتّى وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور و ارتفعت سحابة و أسودّت و أرعدت و أبرقت حتّى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور و قد شدّ على نفسه و على غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس.

فقال لغلمانه:ادفعوا إلى يحيى لبّادة و إلى الكاتب برنسا و يجمعنا و البرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت،و رجع الحرّ كما كان.

فقال لي:يا يحيى انزل من بقى من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك،فهكذا يملأ اللّه البريّة قبورا.

فرميت نفسي عن دابتي و عدت إليه،فقبّلت ركابه و رجله و قلت:أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّكم خلفاء اللّه في أرضه،و قد كنت كافرا و إنّي الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي.

قال يحيى:و تشيّعت و لزمت خدمته إلى أن مضى (1).

و روى هبة اللّه الموصلي أنّه كان بدار ربيعة كاتب نصراني يسمّى يوسف بن يعقوب فوافى منزل والدي لصداقة بينهما،فقال له:ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟

قال:دعيت إلى حضرة المتوكّل و لا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي أشتريت نفسي من اللّه بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن الرضا.

فقال له والدي:قد وفّقت في هذا،و خرج إلى حضرة المتوكّل و انصرف إلينا بعد أيام مستبشرا.

فقال له والدي:حدّثني حديثك،قال:سرت إلى سرّ من رأى و ما دخلتها قط،فنزلت في دار و قلت:أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى باب المتوكّل،فعرفت أنّ المتوكّل قد منعه من الركوب،فقلت:كيف أصنع،رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا،فخفت ففكّرت فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد و لا أمنعه من حيث يذهب،لعليّ أقف على داره من غير أن أسأل أحدا فجعلت الدنانير في كاغذه في كمي0.

ص: 466


1- -الثاقب في المناقب:552،و بحار الأنوار:143/50.

و ركبت،فكان الحمار يتخرّق الشوارع و الأسواق إلى أن صرت إلى باب دار فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل،فقلت للغلام:سل لمن هذه الدار؟فقيل:هذه دار ابن الرضا، فقلت:اللّه أكبر دلالة و اللّه مقنعة،قال:و إذا خادم أسود،فقال:أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت:نعم،قال:انزل فأقعدني في الدهليز فدخل،فقلت:هذا دلالة اخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي،ثمّ خرج الخادم،فقال:المائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها فناولته إيّاها،قلت؛و هذه ثالثة ثمّ رجع إليّ و قال:ادخل فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده.

قال عليه السّلام:يا يوسف،ما آن لك؟فقلت:يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية، فقال عليه السّلام:هيهات أنّك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا،يا يوسف إنّ أقواما يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم كذبوا و اللّه إنّها تنفع أمثالك،امض فيما وافيت له فإنّك سترى ما تحبّ،قال:فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت:فنلت أردت فانصرفت.

قال هبة:فلقيت ابنه بعد موت والده و اللّه و هو مسلم حسن التشيّع،فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانية و أنّه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول:أنا بشارة مولاي عليه السّلام (1).

و روى أبو القاسم البغدادي عن زرارة حاجب المتوكّل أنّه قال:وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكّل يلعب بلعب الحقّ لم ير مثله و كان المتوكّل لعّابا،فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا،فقال لذلك الرجل:إن أنت خجلته أعطيك ألف دينار،قال:تقدّم بأن تخبز رقاق خفاف و اجعلها على المائدة،و أقعدني إلى جنبه ففعل،و أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كانت له مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاّعب إلى جنب المسورة فمدّ علي بن محمّد عليه السّلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلى اخرى فطيّرها ذلك الرجل و مدّ يده إلى اخرى فطيّرها فتضاحك الناس،فضرب علي بن محمّد عليه السّلام على تلك الصورة.

فقال عليه السّلام:خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل و عادت في المسورة كما كانت فتحيّر الجميع و نهض علي بن محمّد عليه السّلام فقال له المتوكّل:سألتك إلاّ جلست ورددته،فقال:و اللّه لا يرى بعدها،أتسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه و خرج من عنده0.

ص: 467


1- -الخرائج و الجرائح:397/1،و بحار الأنوار:145/50.

فلم ير الرجل بعد (1).

و عن زرارة حاجب المتوكّل قال:أراد المتوكّل أن يمشي علي بن محمّد الرضا عليه السّلام فقال له وزيره:إنّ في هذا شناعة عليك فلا تفعل،قال:لابدّ من هذا،قال:فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد و الأشراف كلّهم حتّى لا يظنّ الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره ففعل و مشى عليه السّلام و كان الصيف،فوافى الدهليز و قد عرق فأجلسته و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تغضب عليه،فقال:إيها عنك أي اسكت و كفّ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (2).

قال زرارة:و كان عندي معلّم يتشيّع و كنت كثيرا امازحه بالرافضي،فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء و قلت:تعال يا رافضي حتّى أحدّثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي:و ما سمعت؟فأخبرته بما قال.

فقال:أقول لك فاقبل نصيحتي قلت:هاتها،قال:إن كان علي بن محمّد قال بما قلت فاحترز و اخزن كلّ ما تملكه فإنّ المتوكّل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيّام،فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يديّ فخرج،فلمّا خلوت بنفسي تفكّرت و قلت:ما يضرّني أن آخذ بالحزم،فركبت إلى دار المتوكّل فأخرجت كلّ ما كان لي فيها و فرّقت كلّما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري سوى حصيرا أقعد عليه،فلمّا كانت الليلة الرابعة قتل المتوكّل و سلمت أنا و مالي و تشيّعت عند ذلك فصرت إليه و لزمت خدمته و سألته أن يدعو لي و تواليته حقّ الولاية (3).

و في ذلك الكتاب أيضا عن أبي القاسم بن القاسم عن خادم علي بن محمّد عليه السّلام قال:كان المتوكّل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن محمّد فخرجت يوما و هو في دار المتوكّل فإذا جماعة من الشيعة جلوس خلف الدار،فقلت:ما شأنكم؟قالوا:ننتظر مولانا لنسلّم عليه،فقلت لهم:إذا رأيتموه تعرفونه؟قالوا:كلّنا نعرفه،فلمّا وافى قاموا و سلّموا عليه و نزل فدخل داره و أرادوا الانصراف فقلت؛أليس قد رأيتم مولاكم؟قالوا:نعم،قلت:1.

ص: 468


1- -بحار الأنوار:146/50 ح 30.
2- -سورة هود:65.
3- -الخرائج و الجرائح:402/1.

فصفوه،فقال واحد:هو شيخ أبيض الرأس أبيض مشرب بحمرة و قال آخر:لا تكذب ما هو إلاّ أسود أسمر اللحية و قال الآخر:لا لعمري ما هو كذلك هو كهل ما بين البياض و السمرة،فقلت:أليس زعمتم أنّكم تعرفونه انصرفوا في حفظ اللّه (1).

أقول: هذا يوضح ما تقدّم غير مرّة في هذا الكتاب من أنّهم صلوات اللّه عليهم يظهرون على الناس بالصور المختلفة بما يناسب أحوال الناس و تحتمله عقولهم لحكم و مصالح لا تبلغها عقولنا.

و عن أحمد بن هارون قال:كنت جالسا أعلّم غلاما من غلمانه في مفازة داره إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السّلام راكبا على فرس له،فقمنا إليه فسبقنا فنزل قبل أن ندنوا منه فأخذ عنان فرسه بيده فعلّقه في طنب من أطناب الخيمة و أقبل يسألني عن انصرافي إلى المدينة متى يكون و أنّه أراد أن يكتب معي كتابا إلى بعض التجّار فأرسل غلاما يأتيه بالدواة و القرطاس، فلمّا غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه،فقال له بالفارسية:ما هذا القلق؟فصهل الثانية فضرب بيده،فقال له بالفارسية:اقلع فامض إلى ناحية البستان و بل هناك ورث و ارجع وقف مكانك،فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ثمّ مضى إلى ناحية البستان حتّى لا نراه في ظهر الخيمة فبال وراث و عاد إلى مكانه فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم و وسوس الشيطان في قلبي،فقال:يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت إنّ ما أعطى اللّه محمّدا و آل محمّد أكثر ممّا أعطى داود و آل داود.

قلت:صدق ابن رسول اللّه فما قال لك و ما قلت له فقد فهمته فقال:قال لي الفرس:

قم فاركب إلى البيت حتّى تفرغ عنّي،قلت:ما هذا القلق،قال:قد تعبت،قلت:لي حاجة اريد أن أكتب كتابا إلى المدينة،فإذا فرغت ركبتك قال:إنّي اريد أن أروث و أبول و أكره أن أفعل ذلك بين يديك،فقلت:اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ثمّ عد إلى مكانك ففعل الذي رأيت،الحديث (2).

أقول: في هذا الحديث دلالة على أنّ الحيوانات لها شعور و كلام و لغة يفهم بعضها من بعض و أنّ لها نفوسا ناطقة كما ذهب إليه قدماء الحكماء و الأخبار الصحيحة صريحة به.7.

ص: 469


1- -الخرائج و الجرائح:403/1،و بحار الأنوار:148/50.
2- -الخرائج و الجرائح:409/1،و مدينة المعاجز:480/7.

و عن محمّد بن الفرج قال:قال لي عليّ بن محمّد عليه السّلام:إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك و دعه ساعة ثمّ اخرجه و انظر قال:ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه (1).

و في كتاب الوسائل للكليني:عمّن سمّاه قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أنّ الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي إلى ربّه،قال:فكتب إن كان لك حاجة فحرّك شفتيك فإنّ الجواب يأتيك (2).

[في]الخرائج:روي أنّ المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى أن يملأ كلّ واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك ففعلوا،فلمّا صار مثل الجبل العظيم و اسمه تلّ المخالي صعد فوقه و استدعى أبا الحسن عليه السّلام و استصعده و قال:استحضرتك لنظارة خيولي و قد كان أمرهم أن يلبسوا التخافيف و يحملوا الأسلحة و قد عرضوا بأحسن زينة و أتمّ عدّة و أعظم هيبة و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه و كان خوفه من أبي الحسن عليه السّلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج إلى الخليفة،فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

و هل أعرض عليك عسكري؟قال:نعم،فدعى اللّه سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق و المغرب ملائكة لابسون الصلاح فغشي على الخليفة،فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السّلام:نحن لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظنّ (3).

أقول: توهّم بعضهم من هذا الحديث أنّه عليه السّلام سمّي العسكري لهذا و هو توهّم فاسد، لأنّ النسبة سابقة على هذا و هي حكاية عن أبي الحسن وحده و النسبة إليه و إلى ابنه عليه السّلام.

و روى أبو محمّد البصري عن ابن العبّاس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمّد قال:كنّا أجرينا ذكر أبي الحسن عليه السّلام فقال لي:يا أبا محمّد لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي و على أهل هذا القول بالذمّ و الشتم إلى أن كنت بالوفد الذين أوفد المتوكّل0.

ص: 470


1- -الخرائج و الجرائح:419/1،و بحار الأنوار:155/50 ح 41.
2- -بحار الأنوار:155/50 ح 42.
3- -الخرائج و الجرائح:415/1 ح 19،و بحار الأنوار:156/50.

إلى المدينة في إحضار أبي الحسن،فلمّا خرج و صرنا في بعض الطريق طوينا المنزل و كان منزلا صايفا شديد الحرّ فسألناه أن ينزل.

فقال:لا،فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب فلمّا اشتدّ الحرّ و الجوع و العطش و نحن إذ ذلك في ملساء لا نرى شيئا و لا ظلاّ و لا ماء فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه،قال:ما لكم أحسبكم جياعا و قد عطشتم؟

فقلنا:إي و اللّه يا سيّدي قد عيينا قال:انزلوا و كلوا و اشربوا فتعجّبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه و لا نرى ماء و لا ظلاّ فقالوا:ما لكم انزلوا فابتدرت إلى القطار لأنج فإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظلّ تحتهما عالم من الناس و إنّي لأعرف موضعهما أنّه أرض براح قفر و إذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا،و أنّ فينا من سلك ذلك الطريق مرارا فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب و جعلت أحد النظر إليه و إذا نظرت إليه تبسّم و زوى وجهه عنّي،فقلت في نفسي:و اللّه لأعرفنّ هذا كيف هو؟فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرين و تغوّطت في ذلك الموضع و تهيّأت للصلاة،فقال أبو الحسن:استرحتم؟قلنا:

نعم.

قال:فارتحلوا على اسم اللّه فارتحلنا،فلمّا أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فرأيت الموضع فوجدت الأثر و السيف كما وضعت و العلامة و كأنّ اللّه لم يخلق ثمّ شجرة و لا ماء و لا ظلالا و لا بللا فتعجّبت من ذلك و رفعت يدي إلى السماء فسألت اللّه الثبات على المحبّة و الإيمان به و المعرفة منه و أخذت الأثر فلحقت القوم،فالتفت لي أبو الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا العبّاس فعلتها؟قلت:نعم يا سيّدي لقد كنت شاكّا و أصبحت أنا عند نفسي من أغنى الناس في الدّنيا و الآخرة قال:هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل و لا ينقص (1).

أقول: المراد أنّ شيعتنا معدودون عندنا مكتوبة أسماءهم في كتاب لا يزيدون و لا ينقصون و أنّك كنت منهم،و أمّا أنّ الشيطان أوقعك في الشكّ زمانا ثمّ رجعت إلى ما كنت عليه،فلا يقدح في كونك من الشيعة كما روي في الأخبار.

و في كتاب المناقب:قال أبو عبد اللّه الزيادي:لمّا سمّ المتوكّل نذر للّه إن رزقه العافية0.

ص: 471


1- -الخرائج و الجرائح:416/1،و بحار الأنوار:157/50.

أن يتصدّق بمال كثير،فلمّا عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه:إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك؟قال:عشرة آلاف درهم و إلاّ ضربتك مائة مقرعة،قال:قد رضيت فأتى أبا الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال:قل له يتصدّق بثمانين درهما،فأخبر المتوكّل فسأله ما العلّة؟فأتاه فسأله قال:إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (1)فعددنا مواطن رسول اللّه فبلغت ثمانين موطنا فرجع إليه فأخبره ففرح و أعطاه عشرة آلاف درهم (2).

و قال المتوكّل لابن السكيت:سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال:لم بعث اللّه موسى بالعصا و اليد البيضاء و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى و بعث محمّدا بالقرآن و السيف؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:بعث اللّه موسى بالعصا و اليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر،فأتاهم من ذلك ما قهرهم و بهرهم و أثبت الحجّة عليهم.و بعث عيسى بإبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن اللّه في زمان الغالب على أهله الطبّ فأتاهم من إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى بإذن اللّه فقهرهم و بهرهم.

و بعث محمّدا بالقرآن و السيف في زمان الغالب على أهله السيف و الشعر فأتاهم من القرآن الزاهر و السيف القاهر ما بهر به شعرهم و بهر سيفهم و أثبت الحجّة به عليهم.

قال ابن السكيت:فما الحجّة الآن؟قال:العقل يعرف به الكاذب على اللّه فيكذب فقال يحيى بن أكثم:ما لابن السكيت و مناظرته و إنّما هو صاحب نحو و شعر و لغة و رفع قرطاسا فيه مسائل،فأملى علي بن محمّد عليه السّلام على ابن السكيت جوابها و أمره أن يكتب:

سألت عن قول للّه تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ (3)فهو آصف بن برخيا و لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف و لكنّه أحبّ أن يعرّف امّته من الجنّ و الإنس أنّه الحجّة من بعده و ذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ففهمه ذلك لئلاّ يختلف في إمامته و ولايته من بعده و لتأكيد الحجّة على الخلق،ثمّ ذكر مسائل كثيرة و الجواب عنها.0.

ص: 472


1- -سورة التوبة:25.
2- -المناقب:506/3،و بحار الأنوار:162/50.
3- -سورة النمل:40.

ثمّ قال يحيى بن أكثم للمتوكّل:ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي فإنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها و في ظهور علمه تقوية للرافضة (1).

و روى جعفر بن رزق اللّه قال:قدم إلى المتوكّل رجل نصراني فجرّ بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم،فقال يحيى بن أكثم:الإيمان يمحو ما قبله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود،فكتب المتوكّل إلى علي بن محمّد يسأله،فلمّا قرأ الكتاب كتب:«يضرب حتّى يموت»فأنكر الفقهاء ذلك،فكتب إليه يسأله عن العلّة فقال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ (2)السورة.فأمر المتوكّل، فضرب حتّى مات (3).

[في]كشف الغمة قال محمّد بن طلحة:خرج عليه السّلام يوما من سرّ من رأى إلى قرية فجاء إليه رجل من الأعراب و قال:أنا رجل من أعراب الكوفة المستمسكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد ركبني دين فادح،فقال عليه السّلام:طب نفسا فأنزله،فلمّا أصبح قال عليه السّلام له:اريد منك حاجة لا تخالفني فيها قال:لا،فكتب عليه السّلام ورقة بخطّه معترفا فيها أنّ عليه للأعرابي مالا عيّنه فيها يرجح على دينه،فقال:خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سرّ من رأى احضر إليّ و عندي جماعة فطالبني به و أغلظ القول عليّ في ترك إبقائك إيّاه،فقال:

أفعل و أخذ الخط فلمّا وصل أبو الحسن عليه السّلام إلى سرّ من رأى و حضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر ذلك الرجل و أخرج الخطّ و طالبه و قال كما أوصاه فألان أبو الحسن عليه السّلام القول له و وعده بالوفاء فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكّل،فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه السّلام ثلاثون ألف درهم،جاء الرجل فحملت إليه فقال:اقض منه دينك و انفق الباقي على عيالك و اعذرنا،فقال الأعرابي:و اللّه يابن رسول اللّه إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا و لكنّ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته،و أخذ المال و انصرف (4).

[في]عيون المعجزات عن أبي جعفر بن حرير الطبري عن عبد اللّه بن محمّد البلوي3.

ص: 473


1- -المناقب:509/3،و بحار الأنوار:172/50.
2- -سورة غافر:84.
3- -الكافي:238/7 ح 2،و بحار الأنوار:172/50.
4- -كشف الغمة:167/3.

عن هاشم بن زيد قال:رأيت علي بن محمّد صاحب العسكر و قد أتي بأكمه فأبراه و رأيته يهيّىء من الطين كهيئة الطير و ينفخ فيه فيطير،فقلت له:لا فرق بينك و بين عيسى عليه السّلام فقال:أنا منه و هو منّي (1).

و عن محمّد بن سنان الرامزي رفع اللّه درجته قال:كان أبو الحسن علي بن محمّد عليه السّلام حاجّا و لمّا كان في انصرافه إلى المدينة وجد رجلا خراسانيا واقفا على حمار له ميّت يبكي و يقول:على ماذا أحمل رحلي فاجتاز به عليه السّلام فقيل له:هذا الرجل الخراساني ممّن يتولاّكم أهل البيت فدنا عليه السّلام من الحمار الميّت،فقال:لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم على اللّه تعالى منّي و قد ضربوا ببعضها الميّت فعاش ثمّ ركزه برجله اليمنى و قال:قم بإذن اللّه،فتحرّك الحمار ثمّ قام فوضع الخراساني رحله عليه و أتى به المدينة و كلّما مرّ عليه السّلام أشاروا إليه بإصبعهم و قالوا:هذا الذي أحيا حمار الخراساني (2).

و روي أنّ رجلا من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من ملك المتوكّل فكتب عليه السّلام قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ (3)،فقتل في أوّل الخامس عشر (4).3.

ص: 474


1- -مدينة المعاجز:458/7،و عيون المعجزات:120.
2- -بحار الأنوار:185/50 ح 63.
3- -سورة يوسف:49.
4- -مدينة المعاجز:461/7 ح 46،و بحار الأنوار:186/50 ح 63.

الفصل الثاني

اشارة

فيما جرى بينه و بين الخلفاء و تاريخ وفاته

و أحوال أصحابه و أهل زمانه

[في]اعلام الورى عن الحسين بن محمّد،قال:كان لي صديق مؤدّب لولد بغا،فقال لي:قال لي الأمير عند منصرفه من دار الخليفة:حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرضا اليوم و دفعه إلى علي بن كركر فسمعته يقول:أنا أكرم على اللّه من ناقة صالح تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ و ليس يفصح بالآية و لا بالكلام أي شيء هنا؟ قال:قلت:أعزّك اللّه توعدا انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام،فلمّا كان من الغد أطلقه و اعتذر إليه،فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز و يغلون و تامش و جماعة معهم فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة (1).

[في]المناقب أبو محمّد الفحّام قال:سأل المتوكّل بن الجهم:من أشعر الناس؟فذكر شعراء الجاهلية و الإسلام،ثمّ إنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام،فقال:الحماني حيث يقول شعر:

لقد شاعرتنا من قريش عصابة *** بمطّ خدود و امتداد أصابع

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا *** شهيد بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا *** عليهم جهير الصوت في كلّ جامع

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا *** و نحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال:و ما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،جدّي أم جدّك؟فضحك المتوكّل ثمّ قال:هو جدّك لا ندفعك عنه (2).

ص: 475


1- -أعلام الورى:122/2،و بحار الأنوار:189/50.
2- -المناقب:510/3،و بحار الأنوار:190/50 ح 2.

[عن]الكشي،عن ابن مشمون قال:خرج أبو محمّد عليه السّلام في جنازة أبي الحسن عليه السّلام و قميصه مشقوق،فكتب إليه ابن عون الأبرش:من رأيت أو بلغك من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذا،فكتب إليه أبو محمّد عليه السّلام:يا أحمق و ما يدريك ما هذا قد شقّ موسى على هارون (1).

و في كتاب المصباح عن أبي هاشم القمّي قال:توفّي أبو الحسن علي بن محمّد صاحب العسكر عليه السّلام يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له إحدى و أربعون سنة (2).

و عن الصقر الكرخي قال:سألت عن الحسن العسكري عليه السّلام فقلت:يا سيّدي حديث يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لا أعرف معناه،قال:و ما هو؟قال:قلت:قوله:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم،فقال:نعم،الأيّام نحن ما قامت السماوات و الأرض،فالسبت اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و الاثنين الحسن و الحسين و الثلاثاء عليّ بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و الأربعاء موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمّد بن علي و أنا و الخميس ابني الحسن بن علي و الجمعة ابن ابني تجمع عصابة الحقّ و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فهذا معنى الأيّام فلا تعادوهم في الدّنيا فيعادوكم في الآخرة (3).

تحقيق في هذا الباب

أقول: هذا الحديث روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الناس لا يفهمون إلاّ ظاهره حتّى فسّره العسكري عليه السّلام و هذا ينافي ما تقرّر في الاصول و برهن عليه من أنّ الحكيم لا يجوز أن يخاطب بما لا يفهم و لا يراد ظاهره إلاّ بالقريبة المفهمة لمعناه،و ثبت أيضا أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز أيضا و قد تضمّن حكما شرعيا و هو النهي عن المعاداة فكيف جاز تأخيره من أعصار النبوّة إلى آخر أعصار الإمامة،و من هذا الباب كثير من الأخبار و بعض

ص: 476


1- -بحار الأنوار:191/50 ح 3،و الأنوار البهية:299.
2- -بحار الأنوار:192/50 ح 5.
3- -مستدرك سفينة البحار:623/10،و أدب الضيافة:175.

أهل الحديث لمّا نظر إلى ما قلناه طعن في الحديث و قال:إنّه من الموضوعات لكن لمّا كان مشهورا بين الناس خصوصا العامّة طلب له عليه السّلام طويلا يخرجه عن الكذب و لم يصرّح بوضعه إمّا للتقية أو لغيرها من الحكم،و جعل من هذا الباب كثيرا من الأحاديث و أيّد هذا بما روى في يوم الاثنين من أنّه عيد بني اميّة و في الأربعاء لا تدور إلى غير ذلك ممّا يجوز معاداة الأيّام،فيكون معارضة لحديث:«لا تعادوا الأيّام فتعاديكم»،و الأولى عندي في هذا المقام هو أن نقول:إنّه ورد في الأخبار أنّ كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مثل القرآن له ظاهر و باطن و محكم و متشابه و عام و خاصّ و مطلق و مقيّد و ناسخ و منسوخ و مجمل و مبيّن إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة،فقوله صلّى اللّه عليه و اله:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم،و أمثاله لا نحكم عليه بالوضع،لأنّ فتح هذا الباب يؤدّي إلى طرح كثير من الأخبار بل نقول:إنّ الحديث له ظاهر و له باطن،فالظاهر هو المفهوم المراد من ظاهر اللفظ و يكون معناه أنّ معاداة الأيّام كما يفعله أهل النجوم و مقلّدوهم يصير باعثا على التضرّر و وقوعه في ذلك الأيّام و ذلك أنّ القوّة الوهمية إذا قدمت على أمر تخافه و يتوهّم منه الضرر جريا على امور العادات من تأثّر النفوس من الامور التي يتوهّم منها كما يشاهد فيمن توهّم من فعل شيء و القمر في العقرب مثلا و فعله فإنّ في الغالب أنّه يتضرّر به،و أمّا من قويت نفسه في التوكّل الإلهي فإنّه لا يتأذّى بأمر من تلك الامور و حينئذ فما ذكره أبو الحسن عليه السّلام من معنى الحديث هو تأويله و باطنه و يرشد إليه أنّ صاحب كتاب الخرائج رواه عن ابن أورمة هكذا قلت لأبي الحسن عليه السّلام حديث رسول اللّه:لا تعادوا الأيّام فتعاديكم؟

قال:نعم إنّ لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تأويلا،أمّا السبب فرسول اللّه إلى آخره،فقوله:

تأويلا،يعني باطنا فكأنّه هذا و هو لا ينافي إرادة الظاهر كما هو الجاري في آيات القرآن فاجعل هذا قانونا لك و اعمل عليه في كلّما يرد عليك من أشباهه.

[في]الخرائج،روى أبو سعيد سهل بن زياد قال:حدّثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد الكاتب و نحن في داره بسامرة فجرى ذكر أبي الحسن،فقال:يا أبا سعيد إنّي احدّثك بشيء حدّثني به أبي قال:كنّا مع المعتزّ و كان أبي كاتبه فدخلنا الدار فإذا المتوكّل على سريره قاعد،فسلّم المعتزّ و وقف و وقفت خلفه و كان عهدي به إذا دخل رحّب به و يأمره بالقعود فأطال القيام و هو لا يأذن له بالقعود و نظرت إلى وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة و يقبل على

ص: 477

الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي فيه ما تقول و يردّد القول و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظّى و يقول:و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق و هو يدّعي الكذب و يطعن في دولتي ثمّ قال:جئني بأربعة من الخزر فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن و يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه و هو يقول:و اللّه لأحرقنّه بعد القتل،فدخل أبو الحسن و بادر الناس قدّامه و قالوا:

قد جاء،فنظرت فإذا شفتاه يتحرّكان و هو غير مكروب و لا جازع فلمّا بصر به المتوكّل رمى بنفسه عن السرير إليه و انكبّ عليه يقبل بين عينيه و يده و سيفه بيده و هو يقول:يا سيّدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن،و أبو الحسن يقول:أعيذك يا أمير المؤمنين باللّه من هذا،فقال:ما جاء بك يا سيّدي في هذا الوقت؟قال:جاءني رسولك قال:كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيّدي[من حيث جئت] (1).

يا فتح!يا عبيد اللّه!يا معتزّ شيّعوا سيّدكم و سيّدي،فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين،فلمّا خرج دعاهم المتوكّل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون،ثمّ قال لهم:لم لم تفعلوا ما أمرتم؟قالوا:هيبة منه رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم فمنعنا ذلك عمّا أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك،فقال المتوكّل:يا فتح هذا صاحبك،و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال:الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنا رجحته (2).7.

ص: 478


1- -زيادة من المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:418/1،و مدينة المعاجز:490/7.
دواء المتوكّل و نذر امّه

[في]اعلام الورى،عن إبراهيم الطاهري قال:مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف فلم يجرؤ أحد أن يمسّه بحديدة،فنذرت امّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمّد مالا جليلا من مالها و قال الفتح بن خاقان:لو بعثت إلى أبي الحسن فسألته فإنّه ربّما عنده صفة شيء يفرّج اللّه به عنك.

قال:ابعثوا إليه،فمضى الرسول و رجع و قال:خذوا كسب الغنم يعني بعرها المتلبّد فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن اللّه،فجعل من بحضرته يهزء من قوله فقال لهم الفتح:و ما يضرّ من تجربة ما قال،فو اللّه إنّي لأرجو الصلاح به فعمل و وضع على الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه و بشّرت امّ المتوكّل بعافيته،فحملت إلى أبي الحسن عشرة آلاف دينار تحت ختمها و عوفي المتوكّل فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن إلى المتوكّل فقال:عنده سلاح و أموال فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه و يأخذ ما يجد عنده من الأموال و السلاح و يحمل إليه.

فقال الحاجب:صرت إلى دار أبي الحسن بالليل و معي سلّم فصعدت منه على السطح و نزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلم فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن من الدار:يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة،فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف و قلنسوة منها و سجّادة على حصير بين يديه و هو مقبل على القبلة،فقال لي:دونك البيوت،فدخلتها و فتّشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم امّ المتوكّل و كيسا مختوما معها.

فقال عليه السّلام:دونك المصلّى فرفعته فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس فأخذت ذلك و صرت إليه،فلمّا نظر إلى خاتم امّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة فأخبرت أنّها قالت له:كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي على الكيس و فتح الكيس الآخر و كان فيه أربعمائة دينار

ص: 479

فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرّة اخرى،و قال لي:احمل ذلك إلى أبي الحسن و اردد عليه السيف و الكيس بما فيه،فحملت ذلك إليه و استحييت منه و قلت:يا سيّدي عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك و لكنّي مأمور به،فقال لي: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (1)(2).

[في]المناقب،عن أبي شعيب الحنّاط قال:كانت زينب الكذّابة تزعم أنّها بنت علي بن أبي طالب فأحضرها المتوكّل و قال:اذكري نسبك،فقالت:أنا زينب بنت علي و أنّها كانت حملت إلى الشام فوقعت إلى بادية من بني كلب فأقامت بين ظهرانيهم،فقال لها المتوكّل:إنّ زينب بنت علي قديمة و أنت شابّة.

فقالت:لحقتني دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأن يردّ شبابي في كلّ خمسين سنة،فدعى المتوكّل وجوه آل أبي طالب،فقال:كيف يعلم كذبها؟

فقال الفتح:لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرضا،فأمر بإحضاره و سأله فقال عليه السّلام:إنّ في ولد عليّ علامة قال:و ما هي؟

قال:لا تعرض لهم السباع فالقها إلى السباع فإن لم تعرض لها فهي صادقة،فقالت:يا أمير المؤمنين اللّه اللّه فيّ فإنّما أراد قتلي و ركبت الحمار و جعلت تنادي ألا أنّني زينب الكذّابة (3).

و في رواية أنّه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسّباع فأكلتها،فقال علي بن الجهم:جرّب هذا على قائله،فاجيعت السباع ثلاثة أيّام ثمّ دعى الإمام عليه السّلام فلمّا رأته لاذت و تبصبصت بأذانها فلم يلتفت الإمام إليها و صعد السقف و قعد عند المتوكّل ثمّ نزل من عنده و السباع تلوذ به و تبصبص حتّى خرج عليه السّلام و قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:حرّم لحوم أولادي على السباع (4).

أقول: ظاهر الرواية أنّ لحوم الذرّية العلوية حرام على جميع السباع و ما سمعنا و لا رأينا السباع أكلت لحم علويّ أو حسيني أو حسني و إن تعرّضت لواحد أو لاثنين بجرح3.

ص: 480


1- -أعلام الورى:121/2،و الخرائج و الجرائح:678/2.
2- -سورة الشعراء:227.
3- -المناقب:518/3،و بحار الأنوار:204/50 ح 14.
4- -المناقب:518/3.

و نحوه و إن كان فيه زهاق الروح.

و قال أبو جنيد:أمرني أبو الحسن العسكري عليه السّلام بقتل فارس بن حاتم القزويني فناولني دراهم و قال:اشتر بها سلاحا و اعرضها عليّ فاشتريت سيفا فعرضته عليه،فقال:

ردّ هذا و خذ غيره قال:و رددته و أخذت مكانه ساطورا فعرضته عليه،فقال:هذا نعم فجئت إلى فارس و قد خرج من المسجد بين صلاتيّ المغرب و العشاء فضربته على رأسه فسقط ميّتا و رميت الساطور و اجتمع الناس و أخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري فلم يروا معي سلاحا و لا سكّينا و لا أثر الساطور و لم يروا بعد ذلك فخلّيت (1).

أقول: كان فارس القزويني وضّاعا للحديث.

و في المناقب في آخر ملك المعتمد:استشهد مسموما و قال ابن بابويه:و سمّه المعتزّ (2).

و في أدعية شهر رمضان:و ضاعف العذاب على من أشرك في دمه و هو المتوكّل (3).

[في]اعلام الورى:قبض عليه السّلام بسرّ من رأى في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له أحد و أربعون سنة و أشهر،و كان المتوكّل أشخصه من المدينة إلى سرّ من رأى فأقام بها حتّى مضى لسبيله.

و كانت مدّة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة كان في أيّام إمامته بقيّة ملك المعتصم ثمّ الملك الواثق خمسين سنة و سبعة أشهر ثمّ الملك المتوكّل أربع عشرة سنة ثمّ ملك المنتصر أشهرا ثمّ ملك المستعين أحمد بن محمّد بن المعتصم سنتين و تسعة أشهر ثمّ ملك المعتزّ و هو الزبيري المتوكّل ثمان سنين و ستّة أشهر.و في آخر ملكه استشهد وليّ اللّه علي بن محمّد عليه السّلام و دفن بداره،و كان مقامه بسرّ من رأى عشرين سنة و أشهرا (4).

و قال المسعودي في مروج الذهب:إنّ المتوكّل أحضر علي بن محمّد عليه السّلام و كأس الشراب في يده،فقال له:انشدني شعرا،فقال عليه السّلام:إنّي قليل الرواية للشعر،فقال:لابدّ،3.

ص: 481


1- -مدينة المعاجز:508/7 ح 83.
2- -المناقب:506/3،و بحار الأنوار:114/50 ح 2.
3- -بحار الأنوار:216/27.
4- -أعلام الورى:109/2،و كشف الغمة:169/3.

فأنشده شعرا:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم *** و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارح من بعد دفنهم *** أين الأساور و التيجان و الحلل

أين الوجوه التي كانت منعّة *** من دونها تضرب الأستار و الكلل

فأفصح القبر عنها حين سائله *** تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا قدما و قد شربوا *** و أصبح اليوم بعد الأكل قد اكلوا

قال:فبكى المتوكّل حتّى بلّت لحيته دموع عينيه،و بكى الحاضرون و دفع إلى عليّ عليه السّلام أربعة آلاف دينار وردّه إلى منزله مكرّما (1).

[في]كتاب الاستدراك عن البختري قال:كنت بحضرة المتوكّل إذ دخل عليه رجل من أولاد محمّد بن الحنفية حلو العينين حسن الثياب فوقف بين يديه و المتوكّل مقبل على الفتح يحدّثه،فلمّا طال وقوف الفتى بين يديه و هو لا ينظر إليه قال له:يا أمير المؤمنين إن [كنت قد] (2)أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب و إن كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا،فقال له المتوكّل:و اللّه يا حنفي لولا ما يثنيني عليك من اوصال الرحم و يعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي و لفرّقت بين رأسك و جسدك،و لو كان بمكانك محمّد أبوك،ثمّ التفت إلى الفتح فقال:أما تراه ما تلقاه من آل أبي طالب،اما حسني يجذب إلى نفسه تاج عزّ نقله اللّه إلينا أو حسينيّ يسعى في بعض ما أنزله اللّه إلينا أو حنفي يدلّ بجهله أسيافنا على سفك دمه.

فقال له الفتى:و أي حلم تركته لك الخمور و إدمانها أم العيدان و فتيانها و متى عطفك الرحم على أهلي و قد ابتززتهم فدكا إرثهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فورثها أبو حرملة،و أمّا ذكرك محمّد أبي فقد طفقت تضع من عزّ رفع اللّه و رسوله و تطاول شرفا تقصر عنه و لا تطوله، فأنت كما قال الشاعر،شعر:

فغض الطرف إنّك من نمير *** فلا كعبا بلغت و لا كلابار.

ص: 482


1- -بحار الأنوار:211/50،و مستدرك الوسائل:180/13 ح 14.
2- -زيادة من المصدر.

ثمّ ها أنت تشكو إلى ملجأك هذا ما تلقاه من الحسنيّ و الحسينيّ و الحنفيّ فلبئس المولى و لبئس العشير،ثمّ مدّ رجله و قال:هاتان رجلاي لقيدك و هذه عنقي لسيفك فبوء بظلمي و تحمل ظلمي فليس هذا أوّل مكروه أوقعته أنت و سلفك بهم،يقول اللّه تعالى:

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (1) فو اللّه ما أجبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عن مسألته و لقد عطفت بالمودّة على غير قرابته فعمّا قليل ترد الحوض فيذودك أبي و يمنعك جدّي صلوات اللّه عليهما،فبكى المتوكّل ثمّ قام فدخل إلى قصر جواريه،فلمّا كان من الغد أحضره و أحسن جائزته و خلّى سبيله (2).

و عن ابن المتوكّل قيل له:إنّ أبا الحسن يعني علي بن محمّد بن علي الرضا يفسّر قول اللّه تعالى: يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ (3)الآيتين في الأوّل و الثاني،قال:فكيف الوجه في أمره؟

قالوا:تجمع له الناس و تسأله بحضرتهم،فإن فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره و إن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه،قال:فوجّه إلى القضاة و بني هاشم و الأولياء و سئل عليه السّلام فقال:هذان رجلان كنّى اللّه عنهما و منّ بالستر عليهما،أفيحبّ أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره اللّه؟

فقال:لا أحبّ (4).

أقول: ورد في الحديث:إنّ الظالم أبو بكر يعضّ بعد الموت على ما فعله من غصب الخلافة و يقول:ليتني في الدّنيا لم أتّخذ عمر معاونا و خليلا.

[في]الأمالي عن سهل بن يعقوب الملقّب بأبي نواس المؤدّب بسرّ من رأى،لأنّه كان يتخالع و يتطيّب مع الناس و يظهر التشيّع على الطيبة فيأمن على نفسه،قال:فلمّا سمع الإمام عليه السّلام لقبي بأبي نواس قال:يا أبا السّرى أنت أبو نواس الحقّ و من تقدّمك أبو نواس الباطل،قال:فقلت له ذات يوم:يا سيّدي قد وقع إليّ اختيارات الأيّام عن سيّدنا3.

ص: 483


1- -سورة الشورى:23.
2- -بحار الأنوار:213/50 ح 26،و مواقف الشيعة:230/1.
3- -سورة الفرقان:27.
4- -بحار الأنوار:246/30 ح 113.

الصادق عليه السّلام في كلّ شهر فأعرضه عليك،فقال لي:افعل فلمّا عرضته عليه و صحّحته قلت:يا سيّدي في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من التحذير و المخاوف فتدلّني عن الاحتراز عن المخاوف فيها فإنّما تدعوني الضرورة إلى التوجّه في الحوائج فيها، فقال لي:يا سهل إنّ لشيعتنا بولايتنا العصمة لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة و سباسب البيد الغايرة بين سباع و ذئاب و أعادي الجنّ و الإنس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا،فثق باللّه عزّ و جلّ و اخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين فتوجّه حيث شئت (1).

أقول: حاصله أنّ توكّل المؤمن على اللّه و اعتماده على ولاية أهل البيت عليهم السّلام تدفع عنه نحوسات الأيّام.

و كذلك روي أنّ الصدقة تدفعه و قراءة آية الكرسي أمام السعي في الحاجة تذهبه أيضا.

و في القاموس:النوّاس ككتّان المضطرب المسترخي.

[في]الأمالي،الفحّام قال:كان أبو الطيّب أحمد بن محمّد بن بوطير رجلا من أصحابنا و كان جدّه غلام الإمام أبي الحسن علي بن محمّد و هو سمّاه بهذا الاسم،و كان ممّن لا يدخل المشهد و يزوره من وراء الشبّاك و يقول:للدار صاحب حتّى يأذن له و كان متأدّبا يحضر الديوان،و كان إذا طلب من الإنسان حاجة فإن أنجزها شكر و سرّ و إن وعده عاد إليه ثانية فإن أنجزها و إلاّ عاد الثالثة فإن أنجزها و إلاّ قام في مجلسه إن كان ممّن له مجلس أو جمع الناس فأنشد شعرا:

على الصراط تريد رعية ذمّتي *** أم في المعاد تجود بالإنعام

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه *** يا سيّدي من رقدة النوّام (2)6.

ص: 484


1- -أمالي الطوسي:276 ح 67،و بحار الأنوار:215/50.
2- -أمالي الطوسي:299 ح 37،و بحار الأنوار:219/50 ح 6.

الفصل الثالث

في أحوال جعفر و أولاده عليهم السلام

[في]الاحتجاج للكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه أن يوصل إليه عليه السّلام[كتاب] (1)سألته فيه عن مسائل أشكلت عليّ،فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام:أمّا ما سألت عنه ثبّتك اللّه و أرشدك من أمر المنكرين من أهل بيتنا و بني عمّنا،فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة و من أنكرني فليس منّي و سبيله سبيل ابن نوح،و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده فسبيل اخوة يوسف عليه السّلام (2).

و عن أبي خالد الكابلي قال:سألت عليّ بن الحسين عليه السّلام:من الحجّة و الإمام بعدك؟

فقال:ابني محمّد و اسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا هو الحجّة و الإمام بعدي و من بعد محمّد ابنه جعفر و اسمه عند أهل السماء الصادق،فقلت له:يا سيّدي كيف صار اسمه الصادق و كلّكم صادقون فقال:حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق،فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه و كذب عليه فهو عند اللّه جعفر الكذّاب المفتري على اللّه المدّعي لما ليس له بأهل،المخالف عليه أبيه و الحاسد لأخيه ذلك الذي يكشف سرّ اللّه عند غيبتة وليّ اللّه،ثمّ بكى عليّ بن الحسين بكاء شديدا،ثمّ قال:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه و المغيّب في حفظ اللّه و التوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته و حرصا على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه،الحديث (3).

ص: 485


1- -زيادة من المصدر.
2- -الأحتجاج:283/2،و بحار الأنوار:227/50.
3- -بحار الأنوار:386/36،و أعلام الورى:195/2.

و عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق الأشعري رحمة اللّه عليه،أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه بأنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه و يعلمه أنّه القيّم بعد أخيه و أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه،و غير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق:فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السّلام و صيّرت كتاب جعفر في درجه،فخرج إليّ الجواب في ذلك:بسم اللّه الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك اللّه و الكتاب الذي في درجه و أحاطت معرفتي بما تضمّنه على اختلاف ألفاظه و تكرّر الخطأ فيه و لو تدبّرته لوقفت على ما بعض ما وقفت عليه منه،و الحمد للّه ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا و فضله علينا أبي اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّ تماما و للباطل إلاّ زهوقا و هو شاهد عليّ بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا بيوم لا ريب فيه و سألنا عمّا نحن فيه مختلفون و أنّه لم نجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه و لا عليك و لا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة و لا طاعة و لا ذمّة،و سأبيّن لكم جملة يكتفون بها إن شاء اللّه يا هذا يرحمك اللّه.

إنّ اللّه تعالى لم يخلق الخلق عبثا و لا أمهلهم سدا بل خلقهم بقدرته و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا ثمّ بعث إليهم النبيّين عليهم السّلام مبشّرين و منذرين يأمرونهم بطاعته و ينهونهم عن معصيته و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا و بعث إليهم ملائكة و باين بينهم و بين من بعثهم إليه بالفضل الذي لهم عليه و ما آتاهم من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة و الآيات الغالبة،فمنهم من جعل عليه النار بردا و سلاما و اتّخذه خليلا و منهم من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا و منهم من أحيا الموتى بإذن اللّه،و منهم من علّمه منطق الطير و اوتي من كلّ شيء،ثمّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و اله رحمة للعالمين و تمّم به نعمته و ختم به أنبياءه و أرسله إلى الناس و أظهر من صدقه ما ظهر و بيّن من آياته و علاماته ما بيّن.

ثمّ قبضه حميدا سعيدا و جعل الأمر من بعده إلى أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه علي بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحد بعد واحد أحيا بهم دينه و أتمّ بهم نوره و جعل بينهم و بين اخوتهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج و الإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب و برءهم من

ص: 486

العيوب و طهّرهم من الدنس و نزّههم من اللبس و جعلهم خزّان علمه و مستودع حكمته و موضع سرّه و أيّدهم بالدلائل،و لولا ذلك لكان الناس على سواء و لادّعى أمر اللّه عزّ و جلّ كلّ واحد و لما عرف الحقّ من الباطل و لا العلم من الجهل،و قد ادّعى هذا المبطل المدّعي على اللّه الكذب بما ادّعاه فلا أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ دعواه أبفقه في دين اللّه فو اللّه ما يعرف حلالا من حرام و لا يفرّق بين خطأ و صواب،أم بعلم فما يعلم حقّا من باطل و لا محكما من متشابه و لا يعرف حدّ الصلاة و وقتها،أم بورع فاللّه شهيد على تركه لصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعبذة و لعلّ خبره تأدّى إليكم و هاتيك ظروف مسكره منصوبة و آثار عصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية فليأت بها أم بحجّة فليقمها أم بدلالة فليذكرها،قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه العزيز: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (1)فالتمس تولّى اللّه توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت له و امتحنه و اسأله آية من كتاب اللّه يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها و ما يجب فيها لتعلم حاله و مقداره و يظهر لك عواره و نقصانه و اللّه حسبه حفظ اللّه الحقّ على أهله و أقرّه في مستقرّه،و قد أبى اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ و اضمحل الباطل و انحسر عنكم،و إلى اللّه أرغب في الكفاية و جميل الصنع و الولاية و حسبنا اللّه و نعم الوكيل (2).

في اعلام الورى:[و له عليه السلام من الأولاد:ابنه] (3)محمد ابنه و هو الإمام بعده و الحسين و محمّد و جعفر[الملقب] (4)الكذّاب[و ابنته عالية] (5)(6).2.

ص: 487


1- -سورة الأحقاف:1-4.
2- -الغيبة:289،و بحار الأنوار:230/50.
3- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
4- -زيادة من المصدر.
5- -زياد من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ.
6- -اعلام الورى:127/2.

و الأخبار الواردة في ذمّ جعفر الكذّاب مستفيضة و مع هذا فلا ينبغي التجرّي على لعنه و الحكم عليه بالكفر و دخول النار لما تقدّم من قوله عليه السّلام:إنّ سبيله سبيل اخوة يوسف عليه السّلام،و يظهر أنّ أولاد الأئمّة عليهم السّلام من غير فاصل لهم من الاحترام بتلك النسبة بما لا يجوز معه تناول أعراضهم،و الأولى أن نكل امورهم و أحوالهم إلى اللّه سبحانه و رسوله و الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين.

ص: 488

باب في أحوال الإمام الحادي عشر السيّد الرضي الزكي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه و على آبائه الكرام و على ابنه خاتم الأئمّة عليهم السّلام

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل

في ولادته و أسمائه و جملة من أحواله و النصّ عليه

[في]بشائر المصطفى:كان مولد أبي محمّد عليه السّلام بالمدينة شهر ربيع الأوّل سنة ثلاثين و مائتين و امّه امّ ولد يقال لها حديث،و كانت مدّة خلافته ستّ سنين (1).

و في المناقب:ألقابه الصامت الهادي الرفيق الزكي التقي،كنيته أبو محمّد و كان هو و أبوه و جدّه يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا و ولده القائم لا غير،ميلاده يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الآخر بالمدينة و قيل ولد بسرّ من رأى سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين، مقامه مع أبيه ثلاث و عشرون سنة و بعد أبيه ستّ سنين و كان في سني إمامته بقيّة أيّام المعتزّ أشهر ثمّ ملك المهتدي و المعتمد،و بعد مضيّ خمس سنين من ملك المعتمد قبض و يقال:استشهد،و دفن مع أبيه بسرّ من رأى و قد كمل عمره تسعة و عشرين سنة و يقال:

ثمان و عشرين،مرض أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستّين و مائتين و توفّي يوم الجمعة لثمان

ص: 489


1- -كشف الغمة:226/3،و بحار الأنوار:238/50.

خلون منه (1).

و في اعلام الورى:ذهب كثير من أصحابنا إلى أنّه عليه السّلام قتل مسموما و كذلك أبوه و جدّه و جميع الأئمّة عليهم السّلام خرجوا من الدّنيا على الشهادة و استدلّوا في ذلك بما روي عن الصادق عليه السّلام من قوله:و اللّه ما منّا إلاّ مقتول شهيد (2).

[في]الفصول المهمّة:صفته عليه السّلام بين السمرة و البياض،خاتمه سبحان من له مقاليد السماوات و الأرض (3).

و قال الشيخ الكفعمي:ولد عليه السّلام يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين و قيل:في عاشر ربيع الثاني،نقش خاتمه:أنا للّه شهيد،بابه عثمان بن سعيد (4).

و في كتاب التوحيد:عن عبد العظيم الحسين عن علي بن محمّد عليه السّلام أنّه قال:الإمام من بعدي الحسن ابني،فكيف الناس بالخلف من بعده (5).

و في حديث آخر،فقلت:و لم جعلني اللّه فداك؟

فقال:لأنّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه،قلت؛فكيف نذكره؟قال:

قولوا الحجّة من آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله (6).

أقول: اختلف العلماء في جواز ذكره باسمه فبعضهم على المنع مطلقا حتّى يظهر كما هو الوارد في كثير من الأخبار و بعضهم قيّده بحال التقية في أعصار الخلافة و نحوها فالاحتياط في الدين أن لا يذكر مطلقا[كما يأتي] (7)في بابه عليه السّلام.

و عن أبي هاشم الجعفري قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أواخذ إلا في هذا.

فقلت في نفسي:هذا لهو الدقيق ينبغي للرجل أن يتفقّد من أمره و من نفسه كلّص.

ص: 490


1- -المناقب:523/3،و بحار الأنوار:236/50 ح 6.
2- -اعلام الورى:132/2،و بحار الأنوار:209/27 ح 7.
3- -بحار الأنوار:238/50 ح 9،و مستدرك سفينة البحار:307/2.
4- -بحار الأنوار:238/50 ح 12.
5- -التوحيد:82،و تفسير نور الثقلين:564/4.
6- -التوحيد:82،و بحار الأنوار:268/3.
7- -زياد لتقويم النص.

شيء،فقال لي أبو محمّد:[إن]ما حدّثت به نفسك فإنّ الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفاء في الليلة المظلمة[و من دبيب الذر على المسح الأسود] (1).

أقول: قوله:لا تغفر،يعني إلاّ بالتوبة و العلّة فيه أنّ استصغار المعصية يتضمّن [إهانة] (2)من تعصيه.و لذا ورد في الحديث:لا تنظر إلى صغر معصيتك و لكن انظر إلى من عصيت.

..... (3)و محقّرات الذنوب و هو قول الرجل:طوبى الي لو لم يكن لي غير هذا ...... (4)يدلّ على أنّ الشرك أنواع كثيرة منها جليّ و منها خفيّ كما نطقت به الأخبار و أشار إليه المحقّقون من العلماء الأخيار.

النوع الأوّل: من أشرك مع اللّه تعالى معبودا يعبده كمشركي الكفّار،فإنّ منهم من يعبد الأصنام و منهم من يعبد الكواكب على اختلافها و اختلاف تلك الفرق،و منهم من يعبد الماء،و منهم عبدة الأشجار و الحيوانات و غير ذلك.

الثاني: كفرة أهل الكتاب من اليهود و النصارى و المجوس القائلين عزيز بن اللّه و المسيح ابن اللّه،و عبدة النار منهم كالمجوس و شرك آخر أشار إليه القرآن في قوله تعالى:

اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ (5) إلى قوله: فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ .

الثالث: جماهير المسلمين الذين قدّموا على الإمام المنصوب من اللّه و رسوله و هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام من لم يكن إماما و دانوا لهم بالإمامة و الطاعة،فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنّهم مشركون و أنّهم في الآخرة يحشرون مع من تقدّم من أهل الشرك و ضرر هؤلاء على دين الإسلام أشدّ من ضرر اليهود و المشركين لأنّهم يقولون القول و يصدقون عليه لإظهارهم كلمتي الشهادة.

الرابع: من ينتسب إلى الشيعة من الفرق غير الإمامية المحقّة،فإنّه جاء في الرواية أنّ من أنكر إماما من اللّه كان كمن أنكر الأئمّة عليهم السّلام جميعا و في إنكارهم إنكار النبوّة و جحد4.

ص: 491


1- -مستدرك الوسائل:351/11 ح 3،و بحار الأنوار:359/70 ح 78.
2- -زيادة لتقويم النص و مصورة المخطوط لا تقرأ.
3- -كلام غير مقروء.
4- -كلام غير مقروء.
5- -سورة آل عمران:64.

الإلهية.

الخامس: الشرك في صفاته تعالى شأنه كمن قال بزيادة الصفات من فرق المسلمين فإنّ هذا القول ينتهي إلى تعدّد القديم و هو أقبح من شرك اليهود و النصارى،فإنهم قالوا بقديمين و هؤلاء يقولون بثمانية لذات الصفات.

السادس: الرياء في الطاعات فإنّه من أعظم الشرك،و جاء في الروايات إنّ اللّه سبحانه يقول:ابن آدم عملت هذا العمل لي و لغيري و أنا أسمح الشريكين،فليكن عملك لشريكي و خذ ثوابك منه.

السابع: العجب بالعمل فإنّه و إن لم يقارن العمل إلاّ أنّه شرك متأخّر عنه.

الثامن: الشرك في القول كأن يقول الرجل:لولا فلان لمتّ جوعا أو عرى أو لما بقيت أو نحو ذلك من العبارات الموهمة،أمّا لو قال:لو لم يمنّ اللّه عليّ بفلان لمتّ أو لتعبت أو نحو ذلك لم يكن شركا و كان جائزا كما جاء في الرواية.

التاسع: الشرك في الجوارح كالسجود لغير اللّه تعالى كما يفعله الناس للسلاطين و الملوك،قال اللّه تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (1).

عن الصادق عليه السّلام:إنّ المراد من المساجد الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا يجوز استعمالها لغير اللّه تعالى،و لو انحنى و تطأطأ للغير في المواضعة حتّى وصل إلى حدّ الرّاكع فلا أستحسنه،بل قيل:إنّه داخل تحت نوع من أنواع الشرك.

العاشر: الشرك بالاستعانة بغير اللّه سبحانه قال اللّه سبحانه تعالى: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ (2)أي نخصّك بالعبادة لا تطلب الاستعانة إلاّ منك فمن استعان في مهمّاته بأحد غير اللّه سبحانه و زعم أنّه القاضي لها كان قد جعله شريكا له تعالى في قضائها،أمّا لو اعتقد أنّ اللّه سبحانه أجرى قضاءها على يده كان جائزا و خرج من حدّ الشرك،لأنّ ذلك الغير آلة لقضاء اللّه سبحانه ذلك الأمر كالمنشار و القدوم.

و في الأثر:أنّ محمود بن عمر الخوارزمي لمّا صنّف كتاب الكشّاف حمله إلى الغزالي لينظره بعين الاستحسان و المدح،قال له؛كيف فسّرت إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ؟5.

ص: 492


1- -سورة الجن:18.
2- -سورة الفاتحة:5.

فقال:ذكرت أنّ تقديم المفعول للاختصاص أي لا نستعين في امورنا و مهمّاتنا إلاّ بك،فقال له الغزالي:إذن أنت من علماء القشر فحمّله كتابه و قام.

الحادي عشر: الشرك في المكروهات،كما جاء في الحديث:«إنّ الرضا عليه السّلام كان يتوضّأ فقام رجل ليصبّ عليه الماء،فنهاه و قال:أما قرأت قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (1)و له أنواع كثيرة و مداخل ضيّقة و استقصاءها يوجب الإطناب و الإملال.

و عن أبي الهيثم بن سيابة عن محمّد الشاكري و كان خادما للحسن العسكري عليه السّلام قال:كان أستاذي أصلح من رأيت من العلويّين و الهاشميّين،كان يجلس في المحراب و يسجد فأنام و أنتبه و أنام[و أنتبه] (2)،و هو ساجد و كان قليل الأكل كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما شاكله فيأكل منه الواحدة و الاثنتين و يقول:احمل يا محمّد هذا إلى صبيانك، فأقول:هذا كلّه؟فيقول:خذه و قد أكثر في هذا الحديث من قوله:قال أستاذي و فعل أستاذي و حكى أستاذي-يعني به الإمام عليه السّلام-و لم أر إطلاق هذا اللفظ على الإمام عليه السّلام في حديث آخر و لا بأس به (3).

و عن محمّد الأنصاري قال:دخلت على سيّدي أبي محمّد فنظرت إلى ثياب بيضاء ناعمة عليه،فقلت في نفسي:وليّ اللّه و حجّته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الاخوان و ينهاها عن لبس مثله،فقال متبسّما و حسر عن ذراعيه فإذا مسح اسود خشن على جلده،فقال:هذا للّه و هذا لكم (4).

أقول: شأن الأئمّة عليهم السّلام هذا إذا لبسوا ناعم الثياب و قد مرّ مثله عند دخول الصوفية على الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام.

[في]الخرائج قال أبو هاشم:قلت في نفسي:أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد في القرآن أهو مخلوق[أو إنه غير مخلوق] (5)؟ر.

ص: 493


1- -سورة الكهف:110.
2- -زيادة من المصدر.
3- -دلائل الأمامة:431،و بحار الأنوار:253/50.
4- -وسائل الشيعة:21/5 ح 2،و دلائل الأمامة:505 ح 95.
5- -زيادة من المصدر.

فأقبل عليّ،فقال:أما بلغك ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا نزلت: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ خلق لها أربعة آلاف جناح،فما كانت تمرّ بملأ من الملائكة إلاّ خشعوا لها و قال هذه نسبة الربّ تبارك و تعالى (1).

أقول: ذهب الأشاعرة على أنّ القرآن قديم لأنّه كلام اللّه و كلام اللّه عندهم قديم قائم بذاته تعالى و المفاسد اللازمة على هذا القول كثيرة جدّا مذكورة في علم الكلام،و ذهب الإمامية رضوان اللّه عليهم و المعتزلة إلى أنّ كلام اللّه سبحانه حادث مخلوق يخلقه اللّه تعالى في جسم من الأجسام كشجرة الطور التي سمع الكليم عليه السّلام الكلام منها من جميع الجهات.

و قال أبو هاشم:سأله الفهفكي:ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين؟

قال:لأنّ المرأة ليس لها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنّما ذلك على الرجال،فقلت في نفسي:قد كان قيل لي إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب،فأقبل عليّ،فقال:نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا،و أوّلنا و آخرنا في العلم و الأمر سواء و لرسول اللّه و أمير المؤمنين فضلهما.

قال أبو هاشم:سمعته يقول:إنّ في الجنّة بابا يقال له المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف،فحمدت اللّه في نفسي و فرحت بما أتكلّف من حوائج الناس،فنظر إليّ،و قال:

نعم فدم على ما أنت عليه،فإنّ أهل المعروف في الدّنيا أهل المعروف في الآخرة جعلك منهم يا أبا هاشم و رحمك (2).

أقول: أهل المعروف هم أهل الإحسان إلى الناس بقضاء حوائجهم وصلتهم بالمال و الأخلاق و نحو ذلك.

و قد روي في حديث آخر:أنّ معنى كون أهل المعروف في الدّنيا هم أهل المعروف في الآخرة أنّهم يعطون حسناتهم للمذنبين كرما على الناس كما كانوا في الدنيا و يعوّضهم6.

ص: 494


1- -الخرائج و الجرائح:686/2 ح 6،و مدينة المعاجز:631/7.
2- -الخرائج و الجرائح:689/2 ح 12،و بحار الأنوار:258/50 ح 16.

اللّه تعالى،فهم الأسخياء في الدّنيا و الآخرة.

و روى أبو هاشم أنّه ركب أبو محمّد عليه السّلام يوما إلى الصحراء و ركبت معه فبينما هو يسير قدّامي و أنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكّر في أيّ وجه قضاؤه،فالتفت إليّ و قال عليه السّلام:اللّه يقضيه ثمّ انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض،فقال عليه السّلام:يا أبا هاشم انزل فخذ و اكتم فنزلت و إذا سبيكة ذهب فوضعتها في خفّي و سرنا فعرض لي الفكر،فقلت:إن كان فيها تمام الدّين و إلاّ فإنّي أرضى صاحبه بها و نحبّ أن ننظر في وجه نفقة الشتاء و ما نحتاج إليه فيه من كسوة و غيرها فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الاولى ثمّ قال عليه السّلام:انزل و خذ و اكتم قال:فنزلت فإذا سبيكة من ذهب فجعلتها في الخفّ الآخر فوصلت إلى منزلي فخرجت سبيكة الدين بقسط الدين ما زادت و لا نقصت و كذلك سبيكة نفقة الشتاء (1).

و في ذلك الكتاب:عن بطريق متطبّب بالرّي قد أتى عليه مائة سنة و نيف قال:كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكّل و كان يصطفيني:فبعث إليه الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن الرضا عليه السّلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده فاختارني و قال:قد طلب منّي ابن الرضا من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به،فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة و قال:كن إلى أن أطلبك.

قال:و كان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّد محمود للفصد،فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طشتا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطشت.

ثمّ قال لي:اقطع فقطعت و غسل يده و شدّها و ردّني إلى الحجرة و قدّم من الطعام الحارّ و البارد شيئا كثيرا و بقيت إلى العصر ثمّ دعاني،فقال:صرّح و دعا بذلك الطشت فسرحت و خرج الدم إلى أن امتلأ الطشت،فقال:اقطع فقطعت و شدّ يده و ردّني إلى الحجرة فبتّ بها،فلمّا أصبحت و ظهرت الشمس دعاني و أحضر ذلك الطشت و قال:سرح فسرّحت فخرج مثل اللّبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت،فقال:اقطع فقطعت و شدّ يده و قدّم لي تخت ثيابه و خمسين دينارا و قال:خذ هذا و اعذر و انصرف،فأخذت و قلت4.

ص: 495


1- -الخرائج و الجرائح:421/1،و مدينة المعاجز:637/7 ح 104.

يأمرني السيّد بخدمة؟قال:نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول،فصرت إلى يختيشوع و قلت له القصّة فقال:اجتمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة امنا من الدم و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا و أعجب ما فيه اللبن، ففكّر ساعة ثمّ مكث ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصّة ذكرا في العالم فلم نجد،ثمّ قال:لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول،فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى فخرجت و ناديته فأشرف عليّ و قال:من أنت؟قلت:صاحب بختيشوع قال:معك كتابه؟قلت:نعم،فأرخى لي زبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب و نزل من ساعته فقال:أنت الرجل الذي فصدت؟قلت:نعم،قال:طوبى لامّك، و ركب بغلا و مرّ فوافينا سرّ من رأى و قد بقي من الليل ثلاثة،قلت:أين تحبّ دار استادنا أو دار الرجل؟قال:دار الرجل،فصرنا إلى بابه قبل الأذان ففتح الباب و خرج إلينا غلام أسود و قال:أيّكما راهب دير العاقول؟

فقال:أنا جعلت فداك،فقال:انزل،و قال لي الخادم:احتفظ بالبغلتين و أخذ بيده فدخلا،فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النهار ثمّ خرج الراهب و قد رمى بثياب الرهبانية و لبس ثيابا بيضاء و قد أسلم،فقال:خذني الآن إلى دار استادك فصرنا إلى دار بختيشوع فلمّا رآه بادر يعدو إليه ثمّ قال:ما الذي أزالك عن دينك؟قال:وجدت المسيح فأسلمت على يده فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها إلاّ المسيح و هذا نظيره في آياته و براهينه،ثمّ انصرف إليه و لزم خدمته إلى أن مات (1).

و عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال:حججت سنة فدخلت على أبي محمّد عليه السّلام بسرّ من رأى و قلت:إنّ شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام قال:أو لست منصرفا بعد فراغك من الحجّ؟

قلت:بلى،قال:فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و سبعين يوما و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أوّل النهار،فأعلمهم أنّي اوافيهم في ذلك اليوم لآخر النهار،قال:فسرت و وافيت جرجان ذلك اليوم و جاءني أصحابنا يهنّوني فوعدتهم أنّ الإمام وعدني أن يوافيكم آخر هذا اليوم[فتناهبوا ما]0.

ص: 496


1- -بحار الأنوار:262/50.

تحتاجون إليه من المسائل و الحوائج،فلمّا صلّوا الظهر و العصر اجتمعوا كلّهم في داري فو اللّه ما شعرنا إلاّ و قد وافانا أبو محمّد عليه السّلام فدخل إلينا و نحن مجتمعون فسلّم علينا فاستقبلناه و قبّلنا يده،ثمّ قال:إنّي وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم هذا اليوم فصلّيت الظهر و العصر بسرّ من رأى و صرت إليكم لأجدّد بكم عهدا و ها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلّها،فأوّل من ابتدأ المسألة النضر بن جابر،قال:يابن رسول اللّه إنّ ابني جابرا اصيب ببصره منذ شهر فادع اللّه أن يردّ عليه عينيه،قال:فهاته فمسح على عينيه فعاد بصيرا ثمّ تقدّم رجل فرجل يسألونه حوائجهم و أجابهم إلى كلّ ما سألوه حتّى قضى حوائج الجميع و دعا لهم بخير و انصرف من يومه ذلك،انتهى ملخّصا (1).

أقول: هذا نوع من أنواع التبليغ إلى الامّة يجري من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الأئمّة عليهم السّلام بأن تطوى لهم الأرض فيحضرون البلد الذي يحتاج أهله إلى تبليغ الأحكام،لأنّ تبليغ الدعوة واجب على صاحب الشرع و النبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليهم لم ينتقلوا من أماكنهم ظاهرا فكيف بلغوا من في أقطار الأرض إلاّ بهذا و أشباهه.

[في]كتاب المناقب عن الحسن بن ظريف قال:اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمّد،فكتبت أسأله عن القائم إذا قام[بالناس بم] (2)يقضي؟ [يقضي] (3)بعلمه كقضاء داود و لا يسأل البيّنة.

و كنت أردت أن تسأل عن حمى الربع،فاكتب ورقة و علّقها على المحموم:يا نار كوني بردا و سلاما،فكتبت و علّقت على المحموم فبرأ (4).

و عن أحمد القزويني قال:كنت مع أبي بسرّ من رأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمّد عليه السّلام و كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا و كبرا،و كان يمنع ظهره و اللجام و جمع الرواض فلم يكن لهم حيلة في ركوبه،فقال له بعض ندمائه:ألا تبعت إلى الحسن بن الرضا حتّى يجيء فإمّا أن يركبه و إمّا أن يقتله فبعث إلى أبي محمّد عليه السّلام و مضى3.

ص: 497


1- -الخرائج و الجرائح:426/1 ح 4.
2- -زيادة من المصدر.
3- -زيادة من المصدر.
4- -الثاقب في المناقب:565،و المناقب:531/3.

معه أبي،فلمّا دخل الدار نظر أبو محمّد عليه السّلام إلى البغل في صحن الدار فوضع يده على كتفه فعرف البغل ثمّ صار إلى المستعين فرحّب به و قال:إلجم هذا البغل،فقال أبو محمد عليه السّلام لأبي:إلجمه،فقال المستعين:إلجمه أنت فقام عليه السّلام فألجمه ثم رجع الى مجلسه،فقال يا أبا محمد أسرجه.

فقال أبو محمّد لأبي:اسرجه،فقال المستعين:اسرجه أنت يا أبا محمّد فقام ثانية و أسرجه،فقال:ترى أن تركبه؟

فقال:نعم،فركبه أبو محمّد عليه السّلام من غير أن يمتنع عليه ثمّ ركضه[في الدار] (1)ثمّ حمله على[الهملجة] (2)فمشى أحسن مشي ثمّ نزل فرجع إليه،فقال المستعين:قد حملك عليه أمير المؤمنين،فقال أبو محمّد لأبي:خذه فأخذه و قاده (3).

و عن علي بن زيد قال:كان لي فرس و كنت معجبا به أذكره في المجالس فدخلت على أبي محمّد عليه السّلام يوما،فقال:ما فعل فرسك؟قلت:هو ذا على بابك،فقال:استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخّر ذلك،قال:فقمت مفكّرا و مضيت إلى منزلي و أخبرت أخي بذلك،فقال:لا أدري ما أقول في هذا و شححت به فلمّا صلّيت العتمة جاءني السايس و قال:نفق فرسك الساعة فاغتممت و علمت أنّه عنى هذا ثمّ دخلت على أبي محمّد و أنا أقول في نفسي:ليته أخلف على دابة،فقال قبل أن أتحدّث:نعم نخلف عليك،يا غلام اعطه برذوني الكميت ثمّ قال:هذا خير من فرسك و أطول عمرا و أوطأ (4).

أقول: إذا علم عليه السّلام موته تلك الليلة فكيف يجوّز عليه السّلام بيعه و يكون التلف على المشتري،و اجيب تارة بأنّه عليه السّلام يعلم أنّه لا يبيعه و يكون الغرض إظهار علمه و إعجازه و اخرى بأنّه لو باعه لم يمت عند المشتري أو أنّ ذلك المشتري يكون من المخالفين.

و في الخرائج عن علي بن الحسن بن سابور قال:قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخير عليه السّلام فأمر الخليفة الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء2.

ص: 498


1- -زيادة من المصدر.
2- -زيادة من المصدر و مصورة المخطوط لا تقرأ،و الهملجة:ضرب من المشي،معرب فارسي.
3- -الكافي:507/1 ح 4،و بحار الأنوار:265/50 ح 25.
4- -الإرشاد:333/2،و إعلام الورى:138/2.

فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية يستسقون و يدعون فما سقوا،فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء و معه النصارى و الرهبان و كان فيهم راهب فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر فشكّ أكثر الناس و تعجّبوا و مالوا إلى دين النصرانية فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السّلام و كان محبوسا فاستخرجه من محبسه و قال:إلحق امّة جدّك فقد هلكت،فقال:إنّي خارج في الغد و مزيل الشكّ إن شاء اللّه فخرج الجاثليق في اليوم الثالث و الرهبان معه و خرج الحسن عليه السّلام في نفر من أصحابه،فلمّا بصر بالراهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين اصبعيه ففعل و أخذ من بين سبّابتيه عظما أسود و أخذه الحسن بيده ثمّ قال له:استسق الآن فاستسقى و كان السماء متغيّما فتقشّعت و طلعت الشمس بيضاء،فقال الخليفة:ما هذا العظم يا أبا محمّد؟قال:هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع إلى يده هذا العظم و ما كشف عن عظم نبيّ إلاّ و هطلت السماء بالمطر (1).

أقول: و روى مثله أنّ أهل الشوش-و هو الآن من أعمال الجويزة-شكوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله أو إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كثرة الأمطار،فكتب عليه السّلام إليهم:إنّ عظام أخي دانيال عندكم تحت السماء،و السماء تبكي عليه فوروها في القبر و دلّهم عليها فلمّا دفنوها سكنت الأمطار و قبره الآن معروف في الشوش على جرف النهر الذي حفره شابور وصلنا إلى زيارته مرارا و الناس يتبرّكون به.

و عن محمّد بن عبد اللّه قال:وقع أبو محمّد عليه السّلام و هو صغير في بئر الماء و أبو الحسن في الصلاة و النسوان يصرخن،فلمّا سلم قال:لا بأس فرأوه و قد ارتفع الماء إلى رأس البئر و أبو محمّد على رأس الماء يلعب بالماء (2).

و من معجزاته عليه السّلام:أنّ قبور الخلفاء من بني العبّاس بسرّ من رأى عليها من ذرق الخفافيش و الطيور ما لا يحصى و تنقى منها كلّ يوم و من الغد تكون القبور مملؤّة ذرقا و لا يرى على رأس قبّة العسكريين و لا علي قباب مشاهد آبائهما ذرق طير فضلا على قبورهم إلهاما للحيوانات،و إجلالا لهم،صلوات اللّه عليهم. (3)4.

ص: 499


1- -الخرائج و الجرائح:441/1 ح 23،و بحار الأنوار:270/50.
2- -الخرائج و الجرائح:451/1،و بحار الأنوار:274/50 ح 45.
3- -الخرائج و الجرائح:454/1،و مدينة المعاجز:629/7 ح 94.

و عن عيسى بن صبيح قال:دخل الحسن العسكري علينا الحبس،فقال:هل رزقت من ولد؟قلت:لا،قال:اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثمّ تمثّل،شعر:

من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إنّ الذليل الذي ليست له عضد

قلت:ألك ولد؟قال:إي و اللّه سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا و عدلا،فأمّا الآن فلا،ثمّ تمثّل شعر:

لعلّك يوما أن تراني كأنّما *** بنى حوالي الأسود اللوابد

فإن تميما قبل أن يلد الحصا *** أقام زمانا و هو في الناس واحد (1)5.

ص: 500


1- -الخرائج و الجرائح:479/1،و وسائل الشيعة:99/15.

الفصل الثاني

اشارة

في مناقبه و شيء من معاني أخلاقه عليه السلام

[في]بشائر المصطفى:محمّد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال:ضاق بنا الأمر فقال لي أبي:امض بنا إلى أبي محمّد فإنّه قد وصف عنه سماحة،فقلت:تعرفه؟قال:

أعرفه و لا رأيته فقصدناه،فقال أبي و هو في طريقه:ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتي درهم للكسوة و مائتي درهم للدقيق و مائة درهم للنفقة،و قلت في نفسي:ليته أمر لي بثلاثمائة درهم؛مائة أشتري منه حمارا و مائة للنفقة و مائة للكسوة و أخرج إلى الجبل،فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلامه و قال:يدخل علي بن إبراهيم و ابنه محمّد فلمّا دخلنا عليه و سلّمنا قال لأبي:يا علي ما خلفك عنّا في هذا الوقت؟قال:يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحالة،فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة و قال:هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة و مائتان للدقيق و مائة للنفقة و أعطاني صرّة و قال:هذه ثلاثمائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار و مائة للكسوة و مائة للنفقة و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سورا قال:فصار إلى سورا و تزوّج امرأة منها فدخله اليوم أربعة آلاف دينار و مع هذا يقول بالوقف.

قال محمّد بن إبراهيم الكردي:أتريد أمرا أبين من هذا؟

فقال:صدقت و لكنّا على أمر قد جرينا عليه (1).

و عن إسماعيل بن محمّد قال:قعدت لأبي محمّد عليه السّلام على ظهر الطريق فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة و حلفت أنّه ليس عندي درهم فما فوقه و لا غداء و لا عشاء،فقال:

تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مائتي دينار و ليس قولي هذا دفعا لك على العطية،اعطه يا غلام ما معك.

ص: 501


1- -بحار الأنوار:278/50 ح 52،و وفيات الأئمة:407.

فأعطاني غلامه مائة دينار ثمّ أقبل عليّ،فقال:إنّك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها و صدق عليه السّلام و ذلك أنّني أنفقت ما وصلني به و اضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرت،فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب فما قدرت على شيء منها (1).

[في]كتاب الدلائل،حدث محمّد بن الأقرع قال:كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الإمام هل يحتلم؟و قلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب:الاحتلام شيطنة و قد أعاذ اللّه أولياءه من ذلك،فورد الكتاب:الأئمّة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغيّر النوم منهم شيئا قد أعاذ اللّه أولياءه من لمّة الشيطان كما حدّثتك نفسك (2).

و عن محمّد بن صالح الخثعمي قال:كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن البطيخ و كنت به مشغوفا،فكتب إليّ:لا تأكله على الريق فإنّه يولد الفالج،و كنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة فنسبت حتّى نفذ كتابي إليه فوقع صاحب الزنج ليس من أهل البيت (3).

أقول: صاحب الزنج هو الذي أشار إلى خروجه مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في ملاحمه المذكورة في نهج البلاغة،و خروجه كان في زمن دولة بني العبّاس خرج عليهم في شرقي البصرة و بنى بها القلاع و بقي يحاربهم عشرين سنة و استولى على البصرة و الأهواز و نواحيها و خرّب البلدان و بالغ في إراقة الدماء و أوّل من بايعه العبيد الزنوج و ملّكهم نساء مواليهم و جعل مواليهم عبيدهم،و كان خراب الأهواز منه لأنّهم لم يرجعوا بعدما هربوا و بقيت أموالهم و ما كان يعزّ عليهم و إلى الآن أهل تلك النواحي إذا وردوا الأهواز خصوصا وقت المطر يلقطون منها الذهب و الفضّة و الصفر و نحو ذلك لأنّها خرّبت فجأة على أهلها و لم يتمكّنوا من نقل أموالهم،نعم تمكّنوا من دفنها و بقيت تحت الأرض إلى يومنا هذا و الناس يظنّون أنّ خراب الأهواز من العقارب الجرّارة التي تحصل من ثفل قصب السكّر و هو غلط.5.

ص: 502


1- -الكافي:510/1 ح 14،و المناقب:532/3.
2- -جواهر الكلام:73/13،و كشف الغمة:219/3.
3- -وسائل الشيعة:177/25.

و حدّثني من أثق به من العلويّين أنّه لقط من الأهواز درهما عريضا ثقيلا منقوش عليه السلطان ابن السلطان،ابن السلطان السلطان العادل عماد الدّين خان،فقال:فحفظته إلى أن اتّصلت بصحبة سلطان البصرة لأجل الطبّ و هو علي باشا فحكيت له يوما صفة ذلك الدرهم و أنّه موجود عندي،فقال لي:إن كان نقشه ما ذكرت فهو ذهب مموّه بالفضّة فأرسل من يأتي به،فلمّا حضر ورآه أمر الصايغ أن يذيبه،فلمّا أذابه كان كما قال:من أنّ داخله ذهب و خارجه فضّة فسألته،فقال:إنّ سلطانا كان في زمن عماد الدّين خان يغشّ الدراهم بالصفر فأمر عماد الدين خان أن يجعل في دراهمه موضع الصفر ذهبا و جرت دراهمه في أعصاره على ذلك الحال و هذا الدرهم منها.

صفة الكحل

[في]كشف الغمّة:قال محمّد بن الحسن:لقيت من علّة عيني شدّة فكتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أسأله أن يدعو لي،فلمّا نفذ الكتاب قلت في نفسي:ليتني كنت سألته أن يصف لي كحلا أكحلها فوقّع بخطّه يدعو لي بسلامتها و كتب بعده:أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع الأثمد و كافورا و توتيا فإنّه يجلو ما فيها من الغشا و ييبس الرطوبة،قال:

فاستعملت ما أمرني به فصحّت و الحمد للّه (1).

دعاء شريف

و عن أبي إبراهيم قال:كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاء،فكتب إليه أن ادع بهذا الدعاء:يا أسمع السامعين و يا أبصر المبصرين و يا عزّ الناظرين و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين و يا أحكم الحاكمين صلّ على محمّد و آل محمّد و اوسع لي في زرقي و مدّ لي في عمري و امنن عليّ برحمتك و اجعلني ممّن تنتصر به لدينك و لا تستبدل بي غيري.

قال أبو هاشم:فقلت في نفسي:اللّهم اجعلني في حزبك و في زمرتك،فأقبل عليّ أبو محمّد عليه السّلام فقال:أنت في حزبه و في زمرته إذ كنت باللّه مؤمنا و لرسوله مصدّقا و لأوليائه

ص: 503


1- -المناقب:534/3،و مدينة المعاجز:605/7.

عارفا و لهم تابعا،فأبشر ثمّ أبشر (1).

[في]عيون المعجزات عن أبي هاشم قال:دخلت على أبي محمّد عليه السّلام و كان يكتب كتابا فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده و قام عليه السّلام إلى الصلاة فرأيت القلم يمرّ على باقي القرطاس من الكتاب و يكتب حتّى انتهى إلى آخره فخررت ساجدا،فلمّا انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده و أذن للناس (2).

يقول مؤلّف الكتاب عفى اللّه تعالى عن جرائمه:إنّي قبل الاطّلاع على هذا الحديث بيوم كنت أفكّر كثيرا بأنّ الأئمّة صلوات اللّه عليهم لهم فنون المعجزات و كلّ شيء كان يطيعهم و يقوم بأمرهم،و لم يتّفق هذا النوع من الاعجاز و هو كتابة القلم بنفسه و كنت كثير الشوق إلى الاطّلاع على مثله حتّى منّ اللّه سبحانه بإعجازهم على الاطّلاع على هذا الحديث بعده بيوم.

و عن إسحاق بن أبان قال:كان أبو محمّد عليه السّلام و هو في الحبس يبعث إلى أصحابه و شيعته صيروا إلى موضع كذا و كذا و إلى دار فلان بن فلان العشاء و العتمة في ليلة كذا فإنّكم تجدوني هناك و كان الموكّلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه السّلام بالليل و النهار و كان يعزل في كلّ خمسة أيّام الموكلين به و يولّي آخرين بعد أن يجدّد عليهم الوصية بحفظه،فكان أصحابه و شيعته يصيرون إلى الموضع و كان عليه السّلام قد سبقهم إليه فيرفعون حوائجهم إليه فيقضيها لهم على منازلهم و طبقاتهم و ينصرفون إلى أماكنهم بالآيات و المعجزات و هو في حبس الأضداد (3).

[في]مشارق الأنوار عن علي بن عاصم الأعمى الكوفي قال:دخلت على أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام فقال لي:يا علي بن عاصم انظر ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس فيه من النبيّين و المرسلين و الأئمّة الراشدين قال:فقلت:يا سيّدي لا أتنعّل ما دمت في الدّنيا إكراما لهذا البساط،فقال:يا علي أنّ هذا النعل الذي في رجلك نعل نجس ملعون لا يقرّ بولايتنا قال:فقلت في نفسي:ليتني أرى هذا البساط،فعلم ما في0.

ص: 504


1- -مدينة المعاجز:571// ح 38،و بحار الأنوار:299/50.
2- -عيون المعجزات:123،و بحار الأنوار:304/50 ح 80.
3- -مدينة المعاجز:602/7،و بحار الأنوار:304/50 ح 80.

ضميري،فقال:ادن منّي فدنوت منه فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا قال:

فرأيت في البساط أقداما و صورا،فقال:هذا قدم آدم و موضع جلوسه و هذا أثر هابيل و هذا أثر شيث و هذا أثر نوح و هذا أثر قيذار و هذا أثر مهلائيل و هذا أثر ياره و هذا أثر اخنوخ و هذا أثر إدريس و هذا أثر متوش و هذا أثر سام و هذا أثر فخشد و هذا أثر هود و هذا أثر صالح و هذا أثر لقمان و هذا أثر إبراهيم و هذا أثر لوط و هذا أثر إسماعيل و هذا أثر الياس و هذا أثر إسحاق و هذا أثر يعقوب و هذا أثر يوسف و هذا أثر شعيب و هذا أثر موسى و هذا أثر يوشع بن نون و هذا أثر طالوت و هذا أثر داود و هذا أثر سليمان و و هذا أثر الخضر و هذا أثر دانيال و هذا أثر اليسع و هذا أثر ذا القرنين الاسكندر و هذا أثر شابور ابن أردشير و هذا أثر لؤي و هذا أثر كلاب و هذا أثر قصيّ و هذا أثر عدنان و هذا أثر عبد مناف و هذا أثر عبد المطّلب و هذا أثر عبد اللّه و هذا أثر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هذا أثر أمير المؤمنين عليه السّلام و هذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي عليه السّلام لأنّه قد وطأه و جلس عليه ثمّ قال:انظر الآثار،و اعلم أنّها آثار دين اللّه و أنّ الشاكّ فيهم كالشاك في اللّه و من جحدهم كمن جحد اللّه ثمّ قال:اخفض يا علي فرجعت محجوبا كما كنت (1).

أقول: قوله لا يقرّ بولايتنا لعلّه كان من جلد حيوان غير مأكول اللحم فإنّه روي أنّ كثيرا من الحيوانات التي لا تزكّى لم تقرّ بالولاية حين عرضت ولاية الأئمّة عليهم السّلام على المخلوقات كلّها و كان فيهم من أقرّ و فيهم من أنكر و لمّا دخلوا هذا العالم كان إيمانهم و إنكارهم على وفق ما جرى لهم في عالم الأرواح و قد سبق تحقيقه فارجع إليه لئلا يزلّ بك القدم.

ثواب اللعن

و روى هذا الحديث بطريق آخر،و في آخره قال علي بن عاصم فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها و قبّلت يد الإمام عليه السّلام و قلت له إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي و ليس أملك غير موالاتكم و البراءة من أعدائكم و اللّعن لهم في خلواتي،فكيف حالي يا سيّدي؟

فقال:حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من ضعف عن نصرتنا أهل البيت و لعن في خلواته أعداءنا بلغ اللّه صوته إلى جميع الملائكة فكلّما لعن أحدكم أعداءنا

ص: 505


1- -بحار الأنوار:34/11 ح 27،و قصص الأنبياء:7.

عدته الملائكة و لعنوا من لا يلعنهم،فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له و أثنوا عليه و قال:اللّهم صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده و لو قدر على أكثر من ذلك لفعل،فإذا النداء من قبل اللّه يقول:يا ملائكتي إنّي قد أجبت دعاءكم في عبدي و صلّيت على روحه مع أرواح الأبرار و جعلته من المصطفين الأخيار (1).9.

ص: 506


1- -بحار الأنوار:316/50،و مستدرك سفينة البحار:264/9.

الفصل الثالث

في نوادر أحواله عليه السّلام

رسالته عليه السلام إلى علي بن بابويه

[في]كتاب المناقب:ذكر فيه رسالة كتبها عليه السّلام إلى أهل قم و أثنى عليهم بالمدح بالإيمان و حسن الاخلاص من سلف منهم و من كان موجودا ثمّ قال:و ممّا كتب عليه السّلام إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمي:اعتصمت بحبل اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم و الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتّقين و الجنّة للموحّدين و النار للملحدين و لا عدوان إلاّ على الظالمين و لا إله إلاّ اللّه أحسن الخالقين و الصلاة على خير خلقه محمّد و عترته الطاهرين و عليك بالصبر و انتظار الفرج،فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال:أفضل أعمال امّتي انتظار الفرج و لا تزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي و أمر جميع شيعتي بالصبر،فإنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين و السلام عليك و على جميع شيعتنا و رحمة اللّه و بركاته و صلّى اللّه على محمّد و آله (1).

[في]الكشي عن أحمد المراغي قال:ورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال و كان ابتداء ذلك أن كتب عليه السّلام إلى قوّامه بالعراق:احذروا الصوفي المتصنّع قال:و كان من شأن أحمد بن هلال أنّه قد كان حجّ أربعا و خمسين حجّة عشرون منها على قدميه،و ذكر عليه السّلام في هذا الحديث لعنه و البراءة منه و أمر الشيعة باجتنابه و لعنه و فيه دلالة على أنّ الأعمال لا تنفع إلاّ قارنت الاعتقاد الصحيح و النيّة المستقيمة (2).

و عن أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان و هو عامل السلطان على الخراج بقم قال:لمّا اعتلّ

ص: 507


1- -المناقب:527/3،و بحار الأنوار:318/50.
2- -مستدرك الوسائل:318/12،و بحار الأنوار:318/50 ح 15.

الحسن بن علي بعث السلطان إلى أبي أنّ ابن الرضا قد اعتلّ.فركب إلى دار الخلافة ثمّ رجع و معه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين من ثقاته و خاصّته فمنهم نحرير،و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي و تعرّف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطبّبين بلزومه و بعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به فبعث بهم إلى دار الحسن و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا.

فلم يزالوا هناك حتّى توفي عليه السّلام لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين و مائتين فصارت سرّ من رأى ضجّة واحدة مات ابن الرضا و بعث السلطان إلى داره من يفتّش حجرها و ختم على جميع ما فيها و طلبوا أثر ولده و جاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهنّ و ذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة و وكّل بها نحرير الخادم و أصحابه و نسوة معهم،ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته و عطّلت الأسواق و ركب الناس إلى جنازته فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيها بالقيامة،فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى فأمره بالصلاة عليه فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العبّاسية و القوّاد و الكتّاب و القضاة و قال:هذا الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من المتطبّبين فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان ثمّ غطّى وجهه و قام فصلّى عليه و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.

فلمّا تفرّق الناس اضطرب السلطان في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور و توقّفوا عن قسمة ميراثه و لم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتّى تبيّن لهم بطلان الحبل فقسّم ميراثه بين امّه و أخيه جعفر و ادّعت امّه وصيّته و ثبت ذلك عند القاضي و السلطان على ذلك بطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي و قال له:اجعل لي مرتبة أبي و أخي و أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار فزبره أبي و قال:يا أحمق إنّ السلطان أعزّه اللّه جرّد سيفه و سوطه في الذين زعموا أنّ أباك و أخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه و لم يتهيّأ له صرفهم عن هذا القول فيها و جهد أن يزيل أباك و أخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيّأ له ذلك،فإن كنت عند

ص: 508

شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها و استقلّه عند ذلك و أمر أن يحجب و لم يأذن له بالدخول عليه و خرجنا و الأمر على تلك الحال و السلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم (1).

[في]كمال الدين،حدّثنا أبو الأديان قال:كنت أخدم الحسن بن علي عليه السّلام و أحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها،فكتب معي كتابا و قال:تمضي بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري و تجدني على المغتسل فقلت:يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟

قال:من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي.

فقلت:زدني،فقال:من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي،فقلت:زدني،فقال:من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان و خرجت بالكتب إلى المدائن و أخذت جواباتها و دخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السّلام فإذا أنا بالواعية في داره و إذا أنا بجعفر أخيه بباب الدار و الشيعة حوله يعزّونه و يهنّونه،فقلت في نفسي:إن يكن هذا الإمام فقد حالة الإمامة لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ و يلعب بالطنبور فعزّيت و هنّيت فلم يسألني عن شيء ثمّ خرج عقيد.

فقال:يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي و الشيعة من حوله يقدمهم السمان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه السّلام على نعشه فتقدّم جعفر ليصلّى على أخيه،فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر و قال:تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي فتأخّر جعفر فتقدّم الصبي فصلّى عليه ثمّ قال:يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه و قلت في نفسي هذه اثنتان بقي الهميان ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي و هو يزفر،فقال له الوشاء:يا سيّدي من الصبي؟

فقال:و اللّه ما رأيته قط و لا عرفته،و نحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته فقالوا:فمن[نعزي] (2)؟ر.

ص: 509


1- -الكافي:506/1 ح 1،و بحار الأنوار:329/50 ح 1.
2- -زيادة من المصدر.

فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه و عزّوه و هنّوه و قالوا:معنا كتب و مال.

فقالوا:ممّن الكتب و كم المال؟فقام ينفض أثوابه و يقول:يريدون منّا أن نعلم الغيب،قال:فخرج الخادم فقال:معكم كتب فلان و فلان و هميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلية،فدفعوا الكتب و المال و قالوا الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام فدخل جعفر بن علي على المعتمد و كشف له ذلك فوجّه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية و طالبوها بالصبي فأنكرته و ادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي و بغتهم موت ابن خاقان و خروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية،فخرجت عن أيديهم و الحمد للّه ربّ العالمين (1).

[في]بشائر المصطفى:مرض أبو محمّد الحسن في أوّل شهر ربيع الأوّل سنة ستّين و مات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر و له يوم وفاته ثمان و عشرون سنة و خلّف ابنه المنتظر لدولة الحقّ و كان قد أخفى مولده لصعوبة الوقت و شدّة طلب سلطان الزمان و اجتهاده في البحث عن أمره لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه و عرف من انتظارهم له،فلم يظهر ولده عليه السّلام في حياته و لا عرفه الجمهور بعد وفاته و تولّى جعفر أخذ تركته و سعى في حبس جواري أبي محمّد عليه السّلام و اعتقال حلائله و شنّع على أصحابه بانتظارهم لولده و قطعهم بوجوده و القول بإمامته و أغرى بالقوم حتّى أخافهم و جرى على مخلفي أبي الحسن عليه السّلام بسبب ذلك كلّ عظيمة من اعتقال و حبس و استخفاف و لم يظفر السلطان منهم بطايل و حاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد عليه السّلام و اجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك و لا اعتقدوه فيه،فصار جعفر إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه و بذل مالا جليلا و تقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك و لجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى (2).

[في]كتاب النصوص،عن أبي غانم قال:سمعت أبا محمّد عليه السّلام يقول في سنة مائتين و ستّين تفترق شيعتي و فيها قبض عليه السّلام و تفرّقت شيعته و أنصاره،فمنهم من انتهى إلى جعفر و منهم من أتاه و شكّ و منهم من وقف على الحيرة و منهم من ثبت على دينه بتوفيق2.

ص: 510


1- -كمال الدين:476،و بحار الأنوار:68/52.
2- -روضة الواعظين:266،و الإرشاد:336/2.

اللّه عزّ و جلّ (1).

و قال الشيخ الكفعمي:توفّى عليه السّلام أوّل يوم من ربيع الأوّل،سمّه المعتمد لعنه اللّه تعالى و كان من مولده إلى وقت مضيّه تسع و عشرون سنة (2).

و قد تمّ هنا المجلّد الثاني من كتاب رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار سلام اللّه عليهم و المرجوّ من اللّه سبحانه أن تشفعهم في مؤلّفه كاتب هذه الكلمات،و كان الفراغ يوم الأحد تاسع عشر ربيع الأوّل من شهور السنة التاسعة بعد المائة و الألف في محروسة دار السلطنة اصفهان حفظت من طوارق الزمان زمن دولة السلطان المؤيّد الشاه سلطان حسين زاد اللّه سبحانه في عمره و ملكه و أجرى في بحار التأييد فلكه،و الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.

فرغت من كتابته يوم الثلاثاء ثالث شهر ذي حجّة الحرام من شهور سنة الثالثة و العشرين بعد المائة و الألف من الهجرة النبوية المحمّدية على مهاجرها ألف من الثناء و التحية،و أنا المحتاج إلى رحمة اللّه الغنيّ ابن عنايت اللّه القاضي محمّد تقي.0.

ص: 511


1- -كمال الدين:408 ح 6،و بحار الأنوار:334/50 ح 6،و المحاسن:14/1.
2- -الأنوار البهية:322،و بحار الأنوار:335/50.

الفهارس

فهرس الآيات

(اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) 203-342-367

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) 120

(إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) 121

(السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) 388

(اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) 289

(اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ) 142

(النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ) 349

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) 108-414

(إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) 238

(إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً) 386

(إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) 386

(إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) 393

(إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) 77

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) 200

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) 176

(إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) 206

(إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) 47

(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) 121

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) 205

(إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ) 492

(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) 417

(أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) 452

(أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً) 221

(أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ) 263

(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ

ص: 512

وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى) 487

(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 112

(تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا) 65

(تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) 468-47

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ) 330

(ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا) 389

(حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا) 78

(فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ) 172

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) 290

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) 293

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) 65

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) 237

(سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) 480

(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ) 63

(طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) 146

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) 348

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) 118

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 72

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 43

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) 436

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ) 198-197

(فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) 390

(فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) 121

(فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) 491

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) 64

(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) 64

(فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) 156

(فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) 356

(فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ) 47

ص: 513

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ) 375

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ) 473

(فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) 452

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) 114

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا) 299-383

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) 493

(فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) 29

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) 303

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) 300-305

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) 472

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً) 474

(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) 390

(قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) 93

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 483

(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) 425

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ) 412

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) 412

(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) 494

(كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) 207

(كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) 207

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) 154

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ) 109

(لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) 74

(لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ) 310

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) 389

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) 472

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ) 43-145

(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) 72

ص: 514

(ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) 144

(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) 109

(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) 256

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) 50

(مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) 234

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى) 206

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) 148

(وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ) 386

(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ) 64

(وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي) 65

(وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) 120

(وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى) 299

(وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) 200

(وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) 28

(وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 97

(وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) 120

(وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا) 111

(وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) 68

(وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ) 27

(وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) 159

(وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) 285

(وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) 145

(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ) 436

(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً) 492

(وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) 436

(وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) 109

(وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ) 72

(وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) 77

(وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) 203

ص: 515

(وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ) 118

(وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) 156

(وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) 389

(كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) 63

(وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ) 99

(وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 156-166-303

(وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ) 201

(وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) 344

(وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) 216

(وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى) 47

(وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ) 451

(وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا) 197

(وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ) 207

(وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) 169

(وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ) 387-452

(وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ) 207

(وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) 388

(وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ) 64

(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ) 299

(وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ) 91

(وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ) 317

(وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) 136

(وَ هُمْ يُسْئَلُونَ) 310

(وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) 204

(وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً) 200

(وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) 390

(وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ) 199

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) 389

ص: 516

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ) 21

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) 234

(يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ) 121

(يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) 64

(يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) 393

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ) 382

(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا) 422

(يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ) فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة)452

(يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) 185

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) 121

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً* وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ) 428-428

(يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) 483

(يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) 216

ص: 517

فهرس الأشعار

و إنّ غلاما بين كسرى و هاشم *** لأكرم من نيطت عليه التمايم 12

من عرف الربّ فلم تغنه *** معرفة الربّ فذاك الشقيّ 33

ما ضرّ في الطاعة ما ناله *** في طاعة اللّه و ماذا لقى 33

ما يصنع العبد بغير التّقى *** و العزّ كلّ العزّ للمتّقي 33

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظلم *** يا كاشف الضرّ و البلوى مع السقم 42

قد نام وفدك حول البيت قاطبة *** و أنت وحدك يا قيّوم لم تنم 42

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحقّ البيت و الحرم 42

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنّعم 42

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنهم فيها بوالي ذو أثر 43

خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم *** و ساقهم نحو المنايا المقادر 43

و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها *** و ضمّهم تحت التراب الحفائر 43

لنحن على الحوض روّاده *** نذود و نسقي ورّاده 44

و ما فاز من فاز إلاّ بنا *** و ما خاب من حبّنا زاده 44

و من سرّنا نال منّا السرور *** و من ساءنا ساء ميلاده 44

و ما كان غاصبنا حقّنا *** فيوم القيامة ميعاده 44

نحن بنو المصطفى ذو غصص *** يجرعها في الأنام كاظمنا 44

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى و آخرنا 44

يفرح هذا بعيدهم *** و نحن أعيادنا مآتمنا 44

و الناس في الأمن و السرور و ما *** يأمن طول الزمان خائفنا 44

و ما خصصنا به من الشرف *** الطائل بين الأنام افتنا 44

يحكم فينا و الحكم فيه لنا *** جاحدنا حقّنا و غاصبنا 44

لباسي للدّنيا التجلّد و الصبر *** و لبسي للاخرى البشاشة و الصبر 46

إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا *** لأنّي من القوم الذين لهم فخر 46

ألم تر أنّ العرف قد مات أهله *** و أنّ الندى و الجود ضمّهما قبر 46

على الجود و العرف السلام فما بقى *** من العرف إلاّ الرّسم في الناس و الذكر 46

ص: 518

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم *** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا 59

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم 59

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم 59

هذا الذي أحمد المختار والده *** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم 59

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه *** لخرّ يلثم منه ما وطىء القدم 59

هذا على رسول اللّه والده *** أمست بنور هداه تهتدي الامم 59

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر *** و المقتول حمزة ليث حبّه قسم 59

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة *** و ابن الوصي الذي في سيفه نقم 59

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم 59

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم 59

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف إن أنكرت و العجم 59

ينمى إلى ذروة العزّ التي حصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم 59

يفضي حياء و يغضي من مهابته *** فما يكلّم إلاّ حين يبتسم 59

ينجاب نور الدّجى عن نور عزّته *** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم 59

بكفّه خيزران ريحه عبق *** من كفّ أروع في عرنينه شمم 59

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده *** لولا التشهّد كانت لاءه نعم 59

مشتقّة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره و الخيم و الشيم 59

حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم 59

إن قال قال بما يهوى جميعهم *** و إن تكلّم يوما زانه الكلم 59

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا 59

اللّه فضّله قدما و شرّفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم 59

من جدّه دان فضل الأنبياء له *** و فضل آبائه دانت لها الامم 59

عمّ البرية بالإحسان و انقشعت *** عنها العماية و الإملاق و الظلم 59

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستو كفّان و لا يعروهما عدم 59

سهل الخليقة لا تخشى بوادره *** يزينه خصلتان الحلّ و الكرم 59

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفنا أريب حين يعترم 59

من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر *** و قربهم منجا و معتصم 59

يستدفع السوء و البلوى بحبّهم *** و يستزاد به الإحسان و النّعم 59

مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كلّ فرض و محتوم به الكلم 59

ص: 519

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هموا 59

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** و لا يدانيهم قوم و لا كرموا 59

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم 59

يأبى لهم أن يحلّ الذم ساحتهم *** خيم كريم و أيد بالندى هضم 59

لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم *** سيّان ذلك إن اثروا و إن عدموا 59

أهل القبائل ليست في رقابهم *** لأولية هذا أو له نعم 59

من يعرف اللّه يعرف أولية ذا *** فالدّين من بيت هذا ناله الامم 59

بيوتهم في قريش يستضاء بها *** و في النايبات و عند الحكم إن حكموا 59

بجدّه من قريش في ارومتها *** محمّد و عليّ بعده علم 59

بدر له شاهد و الشعب من احد *** و الخندقان و يوم الفتح قد علموا 59

و خيبر و حنين يشهدان له *** و في قريضة يوم صيلم قتم 59

مواطن قد علت في كلّ نايبة *** على الصحابة لم أكتم كما كتموا 59

من لقلب متيّم مستهام *** غير ما صبوة و لا أحلام 114

أخلص اللّه لي هواي *** فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي 114

ألا طرقتنا آخر الليل زينب *** عليك سلام لما فات مطلب 116

فقلت لها حييت زينب خدنكم *** تحيّة ميّت و هو في الحيّ مشرب 116

تعصي الأله و أنت تظهر حبه *** هذا لعمر كله في الفعال قبيح 134

لو كان حبك صادقا لأطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع 134

علم المحبّة واضح لمريده *** و أرى القلوب عن المحجّة في عما 135

و لقد عجبت لهالك و نجاته *** موجودة و لقد عجبت لمن نجا 135

اعمل على مهل فإنّك ميّت *** و اختر لنفسك أيّها الإنسانا 135

فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى *** و كأنّما هو كائن قد كانا 135

في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا *** و للبرية نحن اليوم برهان 135

نحن البحور التي فيها لغايصكم *** درّ ثمين و ياقوت و مرجان 135

مساكن القدس و الفردوس نملكها *** و نحن للقدس و الفردوس خزّان 135

من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه *** و من أتانا فجنّات و ولدان 135

و لا تحسبي إنّي تناسيت عهده *** و لكنّ صبري يا اميم جميل 210

كذب الزاعمون أنّ عليّا *** لن ينجي محبّه من هنات 222

قد و ربّي دخلت جنّة عدن *** و عفا لي الإله عن سيّئاتي 222

ص: 520

فابشروا اليوم أولياء عليّ *** و تولّوا عليّ حتّى الممات 222

ثمّ من بعده تولّوا بنيه *** واحدا بعد واحد بتلك الصفات 222

فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا *** استجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر 222

لامّ عمر باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع 226

و راية قائدها حيدر *** كأنّه الشمس إذا تطلع 226

لامّ عمرو باللوى مربع *** طامسة أعلامه بلقع 227

تروح عنه الطير وحشية *** و الأسد من خيفته تفزع 227

برسم دار ما بها مؤنس *** إلاّ صلال في الثرى وقع 227

رقش يخاف الموت نفثاتها *** و السمّ في أنيابها منقع 227

لمّا وقفنا العيس من في رسمها *** و العين من عرفانه تدمع 227

ذكرت من كنت ألهو به *** فبتّ و انقلب شج موجع 228

كأنّ بالنار لمّا تنضّى *** من حبّ أروى كبد تلذع 228

عجبت من قوم أتوا أحمدا *** بخطبة ليس لها موضع 228

قالوا له لو شئت أعلمتنا *** إلى من الغاية و المفزع 228

إذا توفّيت و فارقتنا *** و فيهم في الملك من يطمع 228

فقال لو أعلمتكم مفزعا *** كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا 228

صنيع أهل العجل إذ فارقوا *** هارون فالترك له أودع 228

و في الذي قال بيان لمن *** كان اذن يعقل أو يسمع 228

ثمّ أتته بعد ذا عزمة *** من ربّه ليس لها مدفع 228

أبلغ و إلاّ لم تكن مبلّغا *** و اللّه منهم عاصم يمنع 228

فعندها قام النبي الذي *** كان بما يأمره يصدع 228

يخطب مأمورا و في كفّه *** كفّ عليّ ظاهرا يلمع 228

رافعها أكرم بكفّ الذي *** يرفع و الكفّ الذي ترفع 228

يقول و الأملاك من حوله *** و اللّه فيهم شاهد يسمع 228

من كنت مولاه فهذا له مولى *** فلم يرضوا و لم يقنعوا 228

فاتّهموه و خبت فيهم *** على خلاف الصادق الأصلع 228

و ضلّ قوم غاظهم فعله *** كأنّما أنافهم تجدع 228

حتّى إذا واروه في قبره *** و انصرفوا عن دفنه ضيّعوا228

ما قال بالأمس و أوصى به *** و اشتروا الضرّ بما ينفع 228

ص: 521

و قطعوا أرحامه بعده *** فسوف يجزون بما قطعوا 228

و أزمعوا غدرا بمولاهم *** تبّا بما كان به أزمعوا 228

لا هم عليه يردوا حوضه غدا *** و لا هو فيهم يشفع 228

حوض له ما بين صنعا إلى ايلة *** و العرض به أوسع ينصب 228

فيه علم للهدى *** و الحوض من ماء له منزع 228

يفيض من رحمته كوثر *** أبيض كالفضّة أو أنصع 228

حصاه ياقوت و مرجانة *** و لؤلؤ لم تجنه اصبع 229

بطحائه مسك و حافاته *** يهتزّ منها مونق مربع 229

أخضر ما دون الورى ناضر *** و فاقع أصفر أو أنصع 229

فيه أباريق و قد حانه *** يذبّ عنها الرجل الأصلع 229

يذبّ عنها ابن أبي طالب *** ذبك كجربا إبل شرّع 229

و العطر و الريحان أنواعه *** ذاك و قد هبّت به زعزع 229

ريح من الجنّة مأمورة *** ذاهبة ليس لها مرجع 229

إذا دنوا منه لكي يشربوا *** قال لهم تبّا لكم فارجعوا 229

دونكم فالتمسوا منهلا *** يرويكم أو مطمعا يشبع 229

هذا لمن والى بني أحمد *** و لم يكن غيرهم يتبع 229

فالفوز للشارب من حوضه *** و الويل و الذلّ لمن يمنع 229

و الناس يوم الحشر راياتهم خمس *** فنهاها لك أربع 229

فرايته العجل و فرعونها *** و سامري الامّة المشنع 229

و راية يقدمها أدلم *** عبد لئيم لكع أكوع 229

و راية يقدمها جنتر *** للزور و البهتان قد أبدعوا 229

و راية يقدمها نعثل *** لا برّد اللّه له مضجع 229

أربعة في سقر أودعوا *** ليس لهم من قعرها مطلع 229

و راية يقدمها حيدر *** و وجهه كالشمس إذ تطلع 229

غدا يلاقي المصطفى حيدر *** و راية الحمد له ترفع 229

مولى له الجنّة مأمورة *** و النار من إجلاله تفزع 229

إمام صدق له شيعة *** يرووا من الحوض و لم يمنعوا 229

بذاك جاء الوحي من ربّنا *** يا شيعة الحقّ فلا تجزع 229

الحميري مادحكم لم يزل *** و لو يقطع اصبع اصبع 229

ص: 522

و بعدها صلّوا على المصطفى *** و صنوه حيدر الأصلع 229

يا امّ عمرو جزاك اللّه مكرمة *** ردّي عليّ فؤادي أينما كانا 230

و نجم إذ قال الإله بعزمه *** قم يا محمّد بالولاية فاخطب 233

و لقد عجبت لقائل لي مرّة *** علامة فهم من الفقهاء 250

سمّتك امّك سيّدا صدقت به *** أنت الموفّق سيّد الشعراء 250

ما أنت حين تخصّ آل محمّد *** بالمدح منك و شاعر بسواء 250

مدح الملوك ذوي الغنا لعطائهم *** و المدح منك لهم بغير عطاء 250

فابشر فإنّك فايز في حبّهم *** لو قد وردت عليهم بجزاء 250

ما يعدل الدّنيا جميعا كلّها *** من حوض أحمد شربة من ماء 250

غسل شقيق البلخي عنه و ما *** عاين منه و ما الذي كان أبصر 285

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب 291

و لو أنّ ركبا يمّموك لقادهم *** نسمّيك حتّى يستدلّ بك الركب 291

جعلتك حسبي في اموري كلّها *** و ما خاب من أضحى و أنت له حسب 291

عجبت لمصقول علاك فريدة *** يوم الهياج و قد علاك غبار 292

و لا سهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدّك و الدموع غزار 292

الاّ تفضضت السهام و عاقها *** عن جسمك الإجلال و الإكبار 293

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها *** فليطلبن مغالب الغلاّب 308

لم تخل أعمالنا الآتي نرم بها *** إحدى ثلاث خصال حين تبديها 309

اما تفرّد بارينا بصنعتها *** فيسقط اللوم عنها حين نأتيها 309

أو كان يشركنا فينا فيلحقه *** ما كان يلحقنا من لايم فيها 310

أو لم يكن لإلهى في جنايتها ذنب *** فما الذنب إلاّ ذنب جانيها 310

سقيا لطوس من أضحى بها قطنا *** من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا 338

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا 346

متى آته يوما لأطلب حاجة *** رجعت إلى أهلي و وجهي بمائه 357

إذا كان دوني من بليت بجهله *** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل 358

و إن كان مثلي في محلّي من النهىّ *** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل 358

و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى *** عرفت له حقّ التقدّم و الفضل 358

إنّي ليهجرني الصديق بحبّنا *** فأراه أنّ لهجره أسبابا 359

و أراه إن عاتبته أغريته *** و أرى له ترك العتاب عتابا 359

ص: 523

و إذا بليت بجاهل متحكّم *** يجد المحال من الامور صوابا359

أوليته منّي السكوت و ربّما *** كان السكوت عن الجواب جوابا359

و ذي علّة سالمته فقهرته *** فأوقرته منّي بعفو التجمّل 359

و من لا يدافع سيّئات عدوّه بإحسانه *** لم يأخذ الطول من عليّ 359

و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا *** لغمر قديم من وداد معجّل 359

و انّي لأنسى السرّ كيلا أذيعه *** فيا من رأى سرّا يصان بأن ينسا 359

مخافة أن يجري ببالي ذكره *** فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا 359

فيوشك من لم يفش سرّا و جال فيّ خواطره *** أن لا يطيق له حبسا 359

إنّك في دار لها مدّة *** يقبل فيها عمل العامل 359

ألا ترى الموت محيطا بها *** يكذب فيها أمل الآمل 360

تعجّل الذنب لما تنتهي *** و تأمل التوبة في قابل 360

و الموت يأتي أهله بغتة *** ما ذاك فعل الحازم العاقل 360

يعيب الناس كلّهم زمانا *** و ما لزماننا عيب سوانا 360

نعيب زماننا و العيب فينا *** و لو نطق الزمان بنا هجانا 360

و أنّ الذئب يترك لحم ذئب *** و يأكل بعضنا بعضا عيانا 360

إذا كنت في خير فلا تغترر به *** ولكن قل اللّهم سلّم و تمّم 360

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 371

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد *** مصارع أولاد النبيّ محمّد 371

مطهّرات نقيّات ثيابهم *** تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا 371

من لم يكن علويّا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر 371

اللّه لمّا برا خلقا فأتقنه *** صفاكم و اصطفاكم أيّها البشر 371

فأنتم الملأ الأعلى و عندكم *** علم الكتاب و ما جاءت به السور 371

نعى نفسي إلى نفسي المشيب *** و عند الشيب يتّعظ اللبيب 372

فقد ولّى الشباب إلى مداه *** فلست أرى مواضعه تؤوب 372

سأبكيه و أندبه طويلا *** و أدعوه إلي عسى يجيب 372

و هيهات الذي قد فات منّي *** تمنيني به النفس الكذوب 372

وراع الغانيات بياض رأسي *** و من مدّ البقاء له يشيب 372

أرى البيض الحسان يحدن عنّي *** و في هجرانهنّ لنا نصيب 372

فإن يكن الشباب مضى حبيبا *** فإنّ الشيب أيضا لي حبيب 373

ص: 524

سأصحبه بتقوى اللّه حتّى *** يفرّق بيننا الأجل القريب 373

و لقد غدوت لصاحبي وحشية *** تحت الرداء بصيرة بالمشرق 390

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا *** في فنون من الكلام النبيه 394

لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدرّ في يدي مجتنيه 394

فعلى ما تركت مدح ابن موسى *** و الخصال التي تجمّعن فيه 394

قلت لا أهتدي لمدح إمام *** كان جبريل خادما لأبيه 394

إذا أبصرتك العين من بعد غاية *** و عارض فيك الشكّ أثبتك القلب 395

و لو أنّ قوما أمّموك لقادهم *** نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب 395

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات 395

يميز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النّعماء و النقمات 395

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 396

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 396

إذا و تروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفا عن الأوتار منقبضات 396

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي 396

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنّها الرحمن بالغرفات 396

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** تتوقّد بالاحشاء في الحرقات 396

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الهمّ و الكربات 396

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 397

لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت *** يوما و آل رسول اللّه قد قهروا 398

مشرّدون نفوا عن عقر دارهم *** كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر 398

تجاوبن بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات 398

يخبّرون بالأرنان و الزفرات *** نوايح عجم اللفظ و النطقات 398

فأسعدن أو اسعفن حتّى تقرّضت *** صفوف الدّجى بالفجر منهزمات 398

على العرصات الخاليات من المها *** سلام شجّ صبّ على العرصات 398

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا *** من العطرات البيض و الخطرات 398

ليالي يعدين الوصال على القلى *** و تعدى تدانينا على الغربات 398

و إذ هنّ يلحظن العيون سوافرا *** و يسترن بالأيدي على الوجنات 398

و إذ كلّ يوم لي بلحظى نشوة *** يبيت بها قلبي على نشواتي 398

فكم حسرات هاجها بمحسر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات 399

ص: 525

ألم تر للأيّام ما جرّ جورها *** على الناس من نقص و طول شتات 399

و من دول المستهزئين و من غدا *** بهم طالبا للنور في الظلمات 399

فكيف و من أنّى بطالب زلفة *** إلى اللّه بعد الصوم و الصلوات 399

سوى حبّ أبناء النبيّ و رهطه *** و بغض بني الزرقاء و العبلات 399

و هند و ما أدّت سميّة و ابنها *** أولوا الكفر في الإسلام و الفجرات 399

هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه *** و محكمه بالزور و الشبهات 399

و لم تك إلاّ محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن و هنات 399

تراث بلا قربى و ملك بلا هدى *** و حكم بلا شورى بغير هدات 399

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة *** وردت اجاجا طعم كلّ فرات 399

و ما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلاّ بيعة الفلتات 399

و ما قبل أصحاب السقيفة جهرة *** بدعوى تراث في الضلال ثبات 399

و لو قدروا الموصى إليه امورها *** لزمّت بمأمون على العثرات 399

أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى *** و مفترس الأبطال في الغمرات 399

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** و بدر و احد شامخ الهضبات 399

و آي من القرآن تتلى بفضله *** و إيثاره بالقوت في اللزبات 399

و عز خلال أدركته بسبفها *** منناقب كانت فيه موتنقات 399

مناقب لم تدرك بخير و لم تنل *** بشيء سوى حدّ القنا الذربات 399

نجى لجبريل الأمين و أنتم *** عكوف على العزى معا و منات 399

بكيت لرسم الدار من عرفات *** و أذريت دمع العين بالعبرات 399

و بان عزى صبري و هاجت صبابتي *** رسوم ديار قد عفت و عرات 399

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات 399

لآل رسول اللّه بالخيف من منى *** و بالبيت و التعريف و الجمرات 399

ديار لعبد اللّه بالخيف من منى *** و للسيّد الداعي إلى الصلوات 399

ديار عليّ و الحسين و جعفر *** و حمزة و السجّاد ذو الثفنات 399

ديار لعبد اللّه و الفضل صنوه *** نجيّ رسول اللّه في الخلوات 400

و سبطي رسول اللّه و ابني وصيّه *** و وارث علم اللّه و الحسنات 400

منازل وحي اللّه ينزل بيتها *** على أحمد المذكور في الصلوات 400

منازل قوم يهتدي بهداهم *** فيؤمن منهم زلّة العثرات 400

منازل كانت للصلاة و للتّقى *** و للصوم و التطهير و الحسنات 400

ص: 526

منازل لا تيم تحلّ بربعها *** و لا ابن صهّاك فاتك الحرمات 400

ديار عفاها جور كلّ منابذ *** و لم تعف للأيّام و السنوات 400

قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها *** متى عهدها بالصوم و الصلوات 400

و أين الاولى شطّت بهم غربة النوى *** أفانين في الأقطار مفترقات 400

هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا *** و هم خير سادات و خير حمات 400

إذا لم نناج اللّه في صلواتنا *** بأسمائهم لم يقبل الصلوات 400

مطاعيم للاعصار في كلّ مشهد *** لقد شرّفوا بالفضل و البركات 400

و ما الناس إلاّ غاضب و مكذّب *** و مضطغن ذو إحنة و ترات 400

إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر *** و يوم حنين أسبلوا العبرات 400

فكيف يحبّون النبيّ و رهطه *** و هم تركوا أحشاءهم و غرات 400

لقد لا ينوه في المقال و أضمروا *** قلوبا على الأحقاد منطويات 400

فإن لم يكن إلاّ بقربى محمّد *** فهاشم أولى من هن و هنات 400

سقى اللّه قبرا بالمدينة غيثه *** فقد حلّ فيه الأمن و البركات 400

نبيّ الهدى صلّى عليه مليكه *** و بلغ عنّا روحه التحفات 400

و صلّى عليه اللّه ما درّ شارق *** و لاحت نجوم الليل مبتدرات 400

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا *** و قد مات عطشانا بشطّ فرات 400

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين في الوجنات 400

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي *** نجوم سماوات بأرض فلات 400

قبور بكوفان و اخرى بطيبة *** و اخرى بفخ نالها صلوات 400

و اخرى بأرض الجوزجان محلّها *** و قبر بباخمرى لدى الغربات 400

و قبر ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنها الرحمن في الغرفات 401

و قبر بطوس يالها من مصيبة *** ألحّت على الأحشاء بالزفرات 401

إلى الحشر حتّى يبعث اللّه قائما *** يفرّج عنّا الغمّ و الكربات 401

علي بن موسى أرشد اللّه أمره *** و صلّى عليه أفضل الصلوات 401

فأمّا الممضات التي لست بالغا *** مبالغها منّي بكنه صفات 401

قبور ببطن النهر من جنب كربلا *** معرّسهم منها بشط فرات 401

توفّوا عطاشا بالفرات فليتني *** توفّيت فيهم قبل حين وفات 401

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الثكل و القطعات 401

أخاف بأن إذ دارهم فتشوقني *** مصارعهم بالجزع في النحلات 401

ص: 527

تغشاهم ريب المنون فما ترى *** لهم عقرة مغشية الحجرات 401

خلا أنّ منهم بالمدينة عصبة *** مدينين انضاء من اللزبات 401

قليلة زوّار سوى أنّ زوّرا *** من الضبع و العقبان و الرخمات 401

لهم كلّ يوم تربة بمضاجع *** ثوت في نواحي الأرض مفترقات 401

تنكّب لاواء السنين جوارهم *** و لا تصطليهم جمرة الجمرات 401

و قد كان منهم بالحجاز و أرضها *** مفاوير نحارون في الأزمات 401

حمى لم تزره المذنبات و أوجه *** تضيء لدى الأستار و الظلمات 401

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب أفحموا العمرات 401

فإن فخروا يوما أتوا بمحمّد *** و جبريل و الفرقان و السورات 401

و عدوا عليّا ذا المناقب و العلى *** و فاطمة الزهراء خير بنات 401

و حمزة و العبّاس ذا الهدى و التّقى *** و جعفرها الطيّار في الحجبات 401

أولئك لا ملقوح هند و خربها *** سميّة من نوكى و من قذرات 401

ستسأل تيم عنهم و عديّها *** و هم تركوا الأبناء رهن شتات 401

و هم عدلوها عن وصيّ محمّد *** فبيعتهم جاءت على العذرات 401

وليّهم صنو النبيّ محمّد *** أبو الحسن الفرّاج للغمرات 401

ملامك في آل النبي فإنّهم *** أحبّاي ما داموا و أهل ثقات 401

تحيرتهم رشد التقسي أنّهم *** على كلّ خير خيرة الخيرات 402

نبذت إليهم بالمودّة صادقا *** و سلمت نفسي طايعا لولاتي 402

فيارب زدني في هواي بصيرة *** و زد حبّهم يا ربّ في حسنات 402

سأبكيهم ما حجّ للّه راكب *** و ما ناح قمري على الشجرات 402

و أنّي لمولاهم و قال عدوّهم *** و أنّي لمحزون بطول حيات 402

بنفسي أنتم من كهول وفتية *** لفك عناة أو لحمل ديات 402

و للخيل لما قيد الموت خطوها *** فأطلقتم منهنّ بالذربات 402

أحبّ قصي الرحم من أجل حبّكم *** و أهجر فيكم زوجتي و بنات 402

و أكتم حميكم مخافة كاشح عنيد *** لأهل الحقّ غير موات 402

فيا عين بكيّهم و جودي بعبرة *** فقد آن للتسكاب و الهملات 402

لقد خفت في الدّنيا و أيّام سغبها *** و أنّي لأرجو الامن بعد وفات 402

ألم تراني مذ ثلاثون حجّة *** أروح و أغدو دائم الحسرات 402

أر فيئهم في غيرهم متقسّما *** و أيديهم من فيئهم صفرات 402

ص: 528

و كيف أداوي من جوى بي و الجوى *** أمية أهل الكفر و اللّعنات 402

و آل زياد في القصور مصونة *** و آل رسول اللّه منهتكات 402

سأبيكهم ما ذرّ في الأفق شارق *** و نادى مناد الخير بالصلوات 402

و ما طلعت شمس و حان غروبها *** و بالليل أبكيهم و بالغدوات 402

ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا *** و آل زياد تسكن الحجرات 402

و آل رسول اللّه تدمى نحورهم *** و آل زياد ربة الحجلات 402

و آل رسول اللّه تسبى حريمهم *** و آل زياد آمنوا السربات 402

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم *** أكفّا عن الأوتار منقبضات 402

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد *** تقطّع نفسي اثرهم حسرات 402

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه و البركات 402

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النعماء و النقمات 402

فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري *** فغير بعيد كلّما هو آت 402

و لا تجزعي من مدّة الجور أنّني *** أرى قوتي قد أذنت بثبات 403

فإن قرب الرحمن من تلك مدّتي *** و أخّر من عمري و وقت وفات 403

شفيت ولم أترك لنفسي غصّة *** و رويت منهم منصل و قنات 403

فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم *** حياة لدى الفردوس غير تبات 403

عسى اللّه أن يرتاح للخلق أنّه *** إلى كلّ قوم دائم اللحظات 403

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر *** وعظوا على التحقيق بالشبهات 403

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات 403

أحاول نقل الصمّ عن مستقرّها *** و إسماع أحجار من الصلدات 403

فحسبي منهم أن أبوء بغصّة *** تردّد في صدري و في لهوات 403

فمن عارف لم ينتفع و معاند *** تميل به الأهواء للشهوات 403

كأنّك بالأضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدّة الزفرات 403

إنّي من القوم الذين سيوفهم *** قلت أخاك و شرّفتك بمقعد 407

رفعوا محلّك بعد طول خموله *** و استنقذوك من الحضيض الأوهد 407

ألا يا لعين بالدموع استهلت *** و لو نقرت ماء الشؤون لقلت 427

على من بكته الأرض فاسترجعت *** له رؤوس الجبال الشامخات و ذلّت 427

و قد اعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمها ناحت عليه و كلّت 427

فنحن عليه اليوم أجدر بالبكاء *** لمرزية عزت علينا و جلّت 427

ص: 529

رزينا رضيّ اللّه سبط نبيّنا *** فأخلفت الدنيا له و تولّت 427

و ما خير دنيا بعد آل محمّد *** ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّت 427

تجلّت مصيبات الزمان و لا أرى *** مصيبتنا بالمصطفين تجلّت 427

اميّة معذورين إن قتلوا *** مولى أرى لبني العبّاس من عذر 427

أولاد حرب و مروان و اسرتهم *** بنو معيط ولاة الحقد و الوغر 427

قوم قتلتم على الإسلام أوّلهم *** حتّى إذا استمسكوا جازوا على الكفر 427

أربع بطوس على قبر الزكيّ به *** إن كنت تربع من دين علي وطر 427

قبران في طوس خير الناس كلّهم *** و قبر شرّهم هذا من العبر 427

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ و ما *** على الزكيّ يقرب النجس من ضرر 427

هيهات كلّ امرىء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر 427

من سرّه أن يرى قبرا برؤيته *** يفرّج اللّه عمّن زاره كربة 428

فليأت ذا القبر إنّ اللّه أسكنه *** سلالة من نبيّ اللّه منتجبة ب 428

لقد شاعرتنا من قريش عصابة *** بمطّ خدود و امتداد أصابع 475

فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا *** شهيد بما نهوى نداء الصوامع 475

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا *** عليهم جهير الصوت في كلّ جامع 475

فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا *** و نحن بنوه كالنجوم الطوالع 475

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم *** غلب الرجال فلم تنفعهم القلل 482

و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم *** و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا 482

ناداهم صارح من بعد دفنهم *** أين الأساور و التيجان و الحلل 482

أين الوجوه التي كانت منعّمة *** من دونها تضرب الأستار و الكلل 482

فأفصح القبر عنها حين سائله *** تلك الوجوه عليها الدود تقتتل 482

قد طال ما أكلوا قدما و قد شربوا *** و أصبح اليوم بعد الأكل قد اكلوا 482

فغض الطرف إنّك من نمير *** فلا كعبا بلغت و لا كلابا 482

على الصراط تريد رعية ذمّتي *** أم في المعاد تجود بالإنعام 484

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه *** يا سيّدي من رقدة النوّام 484

من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إنّ الذليل الذي ليست له عضد 500

لعلّك يوما أن تراني كأنّما *** بنى حوالي الأسود اللوابد 500

فإن تميما قبل أن يلد الحصا *** أقام زمانا و هو في الناس واحد 500

ص: 530

فهرس الموضوعات

باب فيما يختصّ بالإمام الهمام أبي محمّد زين العابدين

الفصل الأوّل

في أسمائه و سببها و نقش خواتيمه و تاريخ ولادته و أحوال امّه 11

تسميته زين العابدين عليه السلام 11

ألقاه و كناه عليه السلام 12

في خاتمه 13

علّة لقب سيّد الساجدين 13

حال امّه عليه السلام 14

تولّده عليه السلام و مدّة عمره 16

فيه حديث القرصين 17

حال عمر بن عبد العزيز 19

فيه أنّ الحيوانات لها نفوس ناطقة 20

تعدّد العوالم 21

موت الفجأة و غيره 22

جزاء الأعمال 24

حكاية المصروع 25

غرائب أحواله عليه السلام 48

ما يفعله مع عبيده عليه السلام 49

الفصل الثاني

فيما بقي من أحواله عليه السلام 51

حال الحسن البصري 53

فيه حال معاوية بن يزيد بن معاوية لعنهم اللّه 54

دعاء دفع البلاء 57

ص: 531

ثلاثة أعوام 66

الفصل الثالث

في أحوال أولاده و أزواجه و أقاربه من الذين خرجوا على بني اميّة 67

فيه حقّية كلّ من خرج من آل محمّد عليهم السلام 71

أسباب خروج زيد بن عليّ 76

باب في أحوال أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين

الفصل الأوّل:

في أحوال ولادته و وفاته و مناقبه و النصّ عليه 79

نقش خواتيمه عليه السلام 81

فضل الهندباء و البنفسج 84

تحقيق حسن في تشبيه عليه السلام بالصخرتين 85

الورشان 90

مجيء الذئب إليه عليه السلام 90

فيه عذاب ابن آدم 91

حديث درجان 92

كيفية اقتدارهم عليهم السلام على الأرض 96

مسخ هذه الامّة 97

حكاية الوزغة 97

صحيفة الشيعة 98

حقيقة ملكوت السماوات و الأرض 99

حال معاوية بعد موته لعنه اللّه 101

الفصل الثاني

في مكارم أخلاقه و خروجه إلى الشام و أحوال أصحابه عليه السلام 103

أحاديث محمّد بن مسلم 104

شدّ الأسنان بالذهب 106

غسل الميّت غسل الجنابة 107

ص: 532

حديث خروجه إلى الشام 107

معنى شعر الكميت 115

حال عبد اللّه بن المبارك 115

عليك السلام تحيّة الأموات 116

مباحثة الخارجي 117

مذهب الاخباريّين 118

مسائل متفرّقة 120

الفصل الثالث

في نوادر أخباره و تاريخ أولاده و أزواجه عليه السلام 124

أولاده عليه السّلام 125

باب أحوال الإمام الصادق مظهر علوم آبائه الطاهرين

الفصل الأوّل

في ولادته و وفاته و مدّة عمره الشريف و أسمائه و نقش خواتيمه 127

فيه مخرج الضحك و العقل و الحزن و النفس 130

صورة كتاب العتق 140

كراهة لبس السواد 140

تحيّة الخارج من الحمّام 141

العطسة و أسبابها 142

جلسة التورّك 142

دواء الشقاق 143

لا تكرهوا العبادة إلى أنفسكم 147

فيه معنى رزق المؤمن من حيث لا يحتسب 151

شكر من أنعم عليك 154

الفصل الثاني

في معجزاته و معالي اموره و جملة من أحواله عليه السلام 155

مسخ المخالفين 160

ص: 533

دعاء ردّ الأموات 161

نصائح الشيطان 162

كلامه ذكر الحمام 163

ملكوت السماوات و الأرض 166

معجزات عظيمة 168

إحياء الطيور الأربعة 172

كلام الحمام و الورشان 176

دار الهمداني في الجنّة 177

فيه توبة الأموي 178

الفصل الثالث

فيما جرى بينه و بين ولاة المخالفين و علمائهم و ما يتبع ذلك 185

دعاء ردّ القتل 186

الخلق الذين يسكنون الهواء 187

صلة الأرحام و كيف فعلها في الأعمار 188

دخول الصادق عليه السلام على المنصور العبّاسي لعنه اللّه 189

فيه الرقعة التي كتبها الصادق عليه السلام 193

شدّة التقيّة 194

عدد العظام و العروق و الأعصاب 195

فيه اختلاف الطبائع 195

الكتاب الذي كتب على آدم عليه السلام 196

تعبير الرؤيا من الصادق عليه السلام 197

علّة كمّية الزكاة 199

دخول الصوفية على أبي عبد اللّه عليه السلام 199

أصناف من لا يستجاب دعاؤهم 201

سلوك سلمان و أبي ذرّ رضي اللّه عنهما 202

بعض أحوال سفيان الثوري 204

الذي تصدّق من سرقته 205

اللاّ شيء ما هو؟ 206

ص: 534

الفصل الرابع

في أحوال أولاده و أزواجه و أقربائه و مدائحه عليه السلام

دخول النار للكاظم عليه السلام 213

أحوال شارب الخمر 216

حال أولاد الحسن الذين خرجوا على الدوانيقي 218

أبواب جهنّم السبعة و أركانها 220

دعاء النجاة 220

فوائد هذه الآية 221

حال السيّد الحميري عند الموت 222

السبب في لحوق الذنوب للشيخين الفاسقين 224

الأسباب في لحوق العذاب لفلان و فلان بسبب لعن اللاّعنين 224

قصيدة امّ عمر و منام الرضا عليه السلام 226

حوض الكوثر 240

مفاتيح الجنّة و النار بيد علي عليه السلام 248

معنى الشيعة 249

لعن أرض البصرة 251

حديث الجارية التي عفّ عنها الرجل 251

في قضاء الدّين 252

فيه عدد الشيعة الكاملين 255

حديث التي عثرت 257

حديث فاطمة بضعة منّي و حديث أنّها خرجت غاضبة عليهما 259

نسب العبّاس و امّه 262

الرافضة اسم للشيعة 263

مكالمات مؤمن الطاق لأبي حنيفة 264

مباحثة فضال مع أبي حنيفة 265

باب في بيان أحوال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

ص: 535

الفصل الأوّل

في تاريخ ولادته و أسمائه و نقش خواتيمه و النصّ عليه و معجزاته 269

كتاب الوصية مع الخواتيم 273

دعاء ردّ الضالّة 274

دعاء لبس الثوب الجديد 274

المرأة التي صار وجهها قفاها 276

حكاية الطالقاني 277

الصورة التي أكلت الساحر 279

البقرة التي أحياها الكاظم عليه السلام 281

كلام الحمام 281

كلام الفرس 281

كلام الأسد 282

حكاية علي بن يقطين مع الرشيد 282

إحياء الحمار 284

مكان المخالفين 287

حجتّه عليه السلام لعليّ بن يقطين 288

أحوال الكاظم عليه السلام في الحبس 292

فيه كيفيّة البخور 295

أنواع طعام الأئمّة عليهم السلام 295

حديث الصورة 301

حدود فدك و الجمع بينها 302

الفصل الثاني

في أحوال عشائره و أصحابه عليه السلام 307

حديث الطوسي في قتل العلويّين 311

مناظرات هشام بن الحكم 314

الفصل الثالث

في شهادته و ما تقدّمها من أحوال حبسه عليه السلام 319

ص: 536

الجارية التي أرسلها الرشيد لموسى عليه السلام 329

خاتمة

في بيان أولاده عليه السلام 333

باب في مناقب الإمام مولانا الرضا أبي الحسن عليه السلام

الفصل الأوّل

في ولادته و ألقابه و نقش خاتمه و النصّ عليه و غرائب معجزاته 335

النمل يحمي الذهب 342

الفصل الثاني

في كيفيّة وروده عليه السلام البصرة و الكوفة 347

كيفيّة أكل الكاظم عليه السلام 356

الفصل الثالث

فيما جرى بينه و بين هارون و أتباعه في كيفيّة طلب المأمون له 361

قدور خراسان و البركة فيها 363

حديث خروجه من نيشابور 364

سبب قبول ولاية العهد 366

مباحثات المأمون مع المخالفين 384

الفصل الرابع

في أحوال أزواجه و أولاده و عشائره و مدائحه و أحوال أهل زمانه 393

حديث سعوط المجانين 409

صفوان الجمّال كان يعمل عن أصحابه 409

حال محمّد بن سنان 410

الفصل الخامس

في شهادته عليه السلام و أسبابها و فيما أنشد فيه من المراثي 417

ص: 537

حكاية غريبة 432

باب في أحوال الإمام التاسع و السيّد الشافع حجّة اللّه على العباد

الفصل الأوّل

في مولده و وفاته و أسمائه و أولاده و النصّ عليه 435

الفصل الثاني

في تزويجه امّ الفضل بنت المأمون و فيما جرى في المجلس 447

الفصل الثالث

في جوامع أحواله عليه السلام 454

باب أحوال الإمام العاشر و النور الزاهر أبي الحسن الثالث علي بن محمّد

الفصل الأوّل

في أسمائه الشريفة و ميلاده المبارك و النصّ عليه بالخصوص 459

خراب سرّ من رأى و تدارك عمارتها 461

الفصل الثاني

فيما جرى بينه و بين الخلفاء و تاريخ وفاته 475

تحقيق في هذا الباب 476

دواء المتوكّل و نذر امّه 479

الفصل الثالث

في أحوال جعفر و أولاده عليهم السلام 485

باب في أحوال الإمام الحادي عشر السيّد الرضي الزكي أبي محمّد

الفصل الأوّل

ص: 538

في ولادته و أسمائه و جملة من أحواله و النصّ عليه 489

الفصل الثاني

في مناقبه و شيء من معاني أخلاقه عليه السلام 501

صفة الكحل 503

دعاء شريف 503

ثواب اللعن 505

الفصل الثالث

في نوادر أحواله عليه السّلام 507

رسالته عليه السلام إلى علي بن بابويه 507

فهرس الآيات 512

فهرس الأشعار 518

فهرس الموضوعات 531

ص: 539

المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه:جزایری ، نعمة الله بن عبدالله

عنوان و نام پديدآور:ریاض الابرار فی مناقب الائمة الاطهار

مشخصات ظاهري:3ج

ناشر: موسسه التاریخ العربی - بیروت - لبنان

معرفی نسخه:معرفی کتاب: در سه مجلد بزرگ تنظیم یافته است كه :

ج1 - در معرفت و صفات حضرت باری و زندگانی و فضائل و مناقب و غزوات نبی اكرم و حضرت علی (ع) درسه باب و فصول و مقاصد است .

ج2 - در بیان حالات حضرت صدیقه طاهره و اولاد دهگانه معصومش از امام مجتبی تا امام عسكری (ع) و

ج3 - درباره حضرت قائم (عج) و غیبت شریف آن بزرگوار است.

موضوع :تاریخ معصومین علیهم السلام

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

كتاب رياض الابرار في مناقب الأئمة الأطهار

تاريخ الأئمة الأبرار عليهم السّلام

من الإمام علي بن الحسين إلى الامام الحسن العسكري

تأليف: السّيّد نعمة اللّه الجزائري

1050-1112 ه-ق

مؤسّسة التاريخ العربي

ص: 3

حقوق الطّبع محفوظة

الطّبعة الأولى

1247 ه-2006 م

ص: 4

صور من الكتاب

الصورة

ص: 5

الصورة

ص: 6

الصورة

ص: 7

الصورة

ص: 8

الصورة

ص: 9

الصورة

ص: 10

مقدمة المصنف:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي وصل حججه إماما بعد إمام من لدن آدم عليه السّلام إلى يوم القيامة،و جعل خاتمهم الإمام ابن الإمام ابن الإمام،مولانا الإمام المهدي عليه و على آبائه أفضل الصلوات و السلام.

و بعد:

فيقول المذنب الجاني نعمة اللّه الحسيني الموسوي وفّقه اللّه تعالى لمراضيه،و جعل ما يأتي من أحواله خيرا من ماضيه،إنه لمّا وفّق اللّه سبحانه الفراغ من المجلدين الأولين من كتابنا(رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار)صلوات الملك الجبّار ما تعاقب الليل و النهار،و وقع الشروع في بيان أحوال الإمام المنتظر،و العلم المشتهر،شريك القرآن،و قاطع البرهان،مولانا صاحب الزمان،عليه و على آبائه التحيات و الإكرام.

و فيه فصول:

ص: 11

الفصل الأول

في ولادة الإمام المهدي و أحوال أمّه و أسمائه و ألقابه عليه السلام

و النهي عن تسميته،و بيان صفاته،و الآيات المأوّلة بقيامه

[1] في الكافي:ولد عليه السّلام للنصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين (1).

[2] و في كمال الدين:عن علاّن الرازي:قال:أخبرني بعض أصحابنا أنه لمّا حملت جارية أبي محمد عليه السّلام قال:«ستحملين ذكرا و اسمه محمد و هو القائم من بعدي» (2).

[3] و فيه:عن موسى بن محمد بن القاسم قال:حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليه السّلام قالت:بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي عليه السّلام فقال:«يا عمّة اجعلي افطارك الليلة عندنا،فإنها ليلة النصف من شعبان،فإن اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة،و هو حجة اللّه في أرضه».

قالت:فقلت:و من أمّه؟

قال لي:«نرجس».

فقلت له:جعلني اللّه فداك ما بها أثر؟

فقال:«هو ما أقول لك».

قالت:فجئت فلمّا سلمت و جلست جاءت تنزع خفّي و قالت:يا سيّدتي كيف أمسيت؟

فقلت:بل أنت سيّدتي و سيّدة أهلي.

فأنكرت قولي و قالت:ما هذا يا عمّة؟

فقلت لها:يا بنيّة إن اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا

ص: 12


1- -الكافي:514/1،و مستدرك سفينة البحار:503/10.
2- -كمال الدين:408 ح 4،و كفاية الأثر:294.

و الآخرة.

قالت:فخجلت و استحيت،فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي و رقدت و كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة و هي نائمة ليس بها حادث،ثم جلست معقّبة،ثم اضطجعت،ثم انتبهت فزعة و قامت و صلّت.

قالت حكيمة:فدخلتني الشكوك،فصاح بي أبو محمد عليه السّلام من المجلس قال:«لا تعجلي يا عمّة فإن الأمر قد قرب».

قالت:فقرأت آلم السجدة و يس،فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة،فوثبت إليها فقلت:اسم اللّه عليك.

ثم قلت لها:أتحسّين شيئا؟

قالت:نعم يا عمّة.

فقلت لها:اجمعي نفسك،فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة:ثم أخذتني فترة و أخذتها فترة،فانتبهت بحسّ سيّدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السّلام ساجدا يتلقى الأرض بمساجده،فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف منظّف.

فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«هلمي بابني يا عمّة».

فجئت به إليه،فوضع يديه تحت إليتيه و ظهره و وضع قدميه على صدره،ثم أدخل لسانه في فيه و أمرّ يده على سمعه و بصره و مفاصله ثم قال:«تكلم يا بني».

فقال:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

ثم صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثم سكت،فقال أبو محمد عليه السّلام:«يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها و أئتني به».

فذهبت به،فسلّم عليها فرددته و وضعته في المجلس ثم قال:«يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا».

قالت حكيمة:فلمّا أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه السّلام فكشفت الستر لأفتقد سيّدي عليه السّلام فلم أره فقلت له:جعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال:«يا عمّاه استودعناه الذي استودعته أم موسى عليه السّلام».

ص: 13

قالت حكيمة:فلمّا كان في اليوم السابع جئت و سلّمت و جلست فقال:«هلمي إلي ابني».

فجئت بسيدي في الخرقة،ففعل به كفعلته الأولى،ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبنا أو عسلا،ثم قال:«تكلم يا بني».

فقال عليه السّلام:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه»و ثنّى بالصلاة على محمد و على أمير المؤمنين و الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،حتى وقف على أبيه ثم تلا هذه الآية: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1)(2).

[4] و عن نسيم و مارية:أنه عليه السّلام لمّا سقط في الأرض من بطن أمّه،سقط جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال:«الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله زعمت الظلمة أن حجة اللّه داحضة،و لو أذن لنا في الكلام لزال الشك» (3).

[5] و قالت نسيم خادم أبي محمد عليه السّلام:دخلت على صاحب الزمان عليه السّلام بعد مولده بليلة فعطست،فقال لي:«يرحمك اللّه».

قالت نسيم:ففرحت بذلك.

فقال عليه السّلام:«ألا أبشرك في العطاس؟»

فقلت:بلى[يا مولاي] (4).

قال:«هو أمان من الموت ثلاثة أيام» (5).

[6] و عن أبي جعفر العمري قال:لمّا ولد السيد عليه السّلام قال أبو محمد عليه السّلام:«ابعثوا إلى أبي عمرو».1.

ص: 14


1- -سورة القصص:5.
2- -كمال الدين:424،و البحار:2/51.
3- -الخرائج و الجرائح:457/1 ح 2،و البحار:4/51.
4- -زيادة عن نسخة أخرى.
5- -كمال الدين:430 ح 5،و الخرائج و الجرائح:466/1 ح 11.

فبعث إليه،فصار إليه فقال:«اشتر عشرة آلاف رطل خبزا و عشرة آلاف رطل لحما و فرّقه في بني هاشم،و عقّ عنه بكذا و كذا شاة» (1).

[7] و عن جارية له عليه السّلام:أنه لمّا ولد السيّد عليه السّلام رأت له نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ في أفق السماء،و رأت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها على رأسه و وجهه و سائر بدنه ثم تطير.

قالت:فأخبرنا أبا محمد عليه السّلام بذلك.

فضحك ثم قال:«تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرك به،و هي أنصاره إذا خرج» (2).

[8] و فيه أيضا:عن محمد بن يحيى الشيباني قال:وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين،وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم رجعت إلى بغداد،فلمّا وصلت إلى مشهد الكاظم عليه السّلام و استنشقت نسيم تربته بكيت،و إذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه و ثفنت جبهته و هو يقول لآخر معه عند القبر:يابن أخي،لقد نال عمّك شرفا بما حمّله السيدان من شرائف العلوم،و قد أشرف عمّك على انقضاء المدة،و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه.

قلت:يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك بأتعاب الخف و الحافر في طلب العلم،و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم،فقلت:أيها الشيخ و من السيّدان؟

قال:النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى.

فقلت:إني أقسم بشرفهما إني خاطب علماهما و باذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما.

قال:إن كنت صادقا فيما تقول،فاحضر ما صحبك من أخبارهم.

فلمّا فتش الكتب قال:صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام و جارهما بسرّ من رأى.0.

ص: 15


1- -كمال الدين:431 ح 6،و البحار:5/51 ح 9.
2- -كمال الدين:431 ح 7،و البحار:5/51 ح 10.

قلت:فاكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال:كان مولاي أبو الحسن فقّهني في علم الرقيق و اجتنبت بذلك موارد الشبهات،فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا،فإذا بكافور الخادم رسول أبي الحسن علي بن محمد عليه السّلام يدعوني إليه،فلمّا دخلت عليه رأيته يحدّث ابنه أبا محمد عليه السّلام و أخته حكيمة من وراء الستر.

فلمّا جلست قال:«يا بشر إنك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف و أنتم ثقاتنا أهل البيت،و أني مشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها،بسرّ أطلعك عليه و أنفذك فيه في ابتياع أمة».

فكتب كتابا لطيفا بخط رومي و لغة رومية و طبع عليه خاتمه و أخرج خريطة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا،فقال:«خذها و توجّه بها إلى بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا،فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا و برزن الجواري تستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شرذمة من فتيان العرب،فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك،إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا لابسة حريرتين صفيقتين،تمتنع من العرض و الانقياد لمن يحاول لمسها و تصرخ صرخة رومية من وراء ستر رقيق،فاعلم أنها تقول:واهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين:عليّ بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية:لو برزت في زي سليمان بن داود على شبه ملكه،ما بدت لي فيك رغبة،فاشفق على مالك.

فيقول النخاس:فما الحيلة و لا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية:و ما العجلة و لا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه و إلى وفائه و أمانته.

فعند ذلك قم إلى النخاس و قل له:أن معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي و وصف فيه كرمه و وفاه،فناولها تتأمل منه أخلاق صاحبه،فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

ص: 16

قال بشر:فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السّلام في أمر الجارية،فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءا شديدا و قالت للنخاس:بعني من صاحب هذا الكتاب،و حلفت أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت اشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير،فاستوفاه و تسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة،و انصرفت بها إلى حجرتي ببغداد،فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا عليه السّلام من جيبها و هي تلثمه و تطبقه على جفنها و تضعه على خدّها و تمسحه على بدنها.

فقلت تعجبا منها:تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟

فقالت:أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء اعرني سمعك و فرّغ قلبك،أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم و أمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون أخبرك بالعجب،جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاثة عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين و الرهبان ثلثمائة رجل و من ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل،و جمع من أمراء الأجناد و ملوك العشائر أربعة آلاف و أبرز من بهيّ ملكه عرشا مصاغا من أصناف الجوهر و رفعه فوق أربعين مرقاة،فلمّا صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكّفا و نشرت أسفار الإنجيل،تساقطت الصلب من الأعلى و تقوضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار و خرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه،فتغيرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي:أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي.

فتطير جدّي من ذلك و قال للأساقفة:اقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و احضروا أخا هذا المدبر المنكوس جدّه لأزوجه هذه الصبية،فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

و لمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الاول و تفرق الناس،و قام جدّي قيصر مغتما فدخل منزل النساء و ارخيت الستور.

و رأيت في تلك الليلة كأن المسيح و شمعون و عدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر

ص: 17

جدّي و نصبوا فيه منبرا من نوريباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه،و دخل عليه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و ختنه بختنه و وصيه عليه السّلام و عدّة من أبنائه عليهما السّلام فتقدم المسيح إليه و اعتنقه،فيقول له محمد صلّى اللّه عليه و آله:يا روح اللّه إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لإبني هذا،و أومي بيده إلى أبي محمد عليه السّلام ابن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون و قال له:قد أتاك الشرف،فصل رحمك برحم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.

قال:قد فعلت.

و صعدوا ذلك المنبر،فخطب محمد صلّى اللّه عليه و آله و زوجني من ابنه و شهد المسيح و شهد أبناء محمد عليهم السّلام و الحواريون.

فلمّا استيقظت اشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي و جدّي مخافة القتل فكنت أسرّها،و ضرب صدري بمحبة أبي محمد عليه السّلام حتى امتنعت من الطعام و الشراب فضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا،فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي و سأله عن دوائي.

فلمّا برح به اليأس قال:يا قرّة عيني هل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟ فقلت:يا جدّي أرى أبواب الفرح عليّ مغلقة،فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و منيتهم بالخلاص،رجوت أن يهب المسيح و أمّه[لي] (1)عافية.

فلمّا فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة من بدني قليلا و تناولت يسيرا من الطعام،فسرّ بذلك و أقبل على إكرام الأسارى و اعزازهم.

فأريت أيضا بعد أربع عشرة ليلة كأن سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السّلام قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم:هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد عليه السّلام فأتعلق بها و أبكي و أشكو إليها امتناع أبي محمد عليه السّلام من زيارتي.

فقالت سيدة النساء عليها السّلام:إن ابني أبا محمد لا يزورك و أنت مشركة باللّه على مذهبى.

ص: 18


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

النصارى و هذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه من دينك،فإن ملت إلى رضا اللّه و رضا المسيح و مريم و زيارة أبي محمد إياك،فقولي:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن أبي محمد رسول اللّه.

فلمّا تكلمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين و طيّبت نفسي و قالت:الآن توقعي زيارة أبي محمد و أني منفذته إليك.

فانتبهت و أنا أقول:و آشوقاه إلى لقاء أبي محمد.

ثم زارني بعد ذلك فكأني أقول له:لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك.

فقال:«ما كان تأخري إلاّ لشركك،فقد أسلمت و أنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان».

فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر:فقلت لها:و كيف وقعت في الأسارى؟

فقالت:أخبرني أبو محمد عليه السّلام ليلة من الليالي أن جدّك سيسيّر جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا و كذا ثم يتبعهم،فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت ذلك فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت و ما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك باطلاعي إياك عليه،و لقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته و قلت:نرجس.

فقال:اسم الجواري.

قلت:العجب أنك رومية و لسانك عربي.

قالت:نعم،من ولوع جدّي و حمله إياي على تعلم الآداب،أن أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ،و كانت تقصدني صباحا و مساءا و تفيدني العربية حتى استمر لساني عليها.

قال بشر:فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليه السّلام.

فقال:«كيف أراك اللّه عزّ الإسلام و ذل النصرانية و شرف محمد و أهل بيته عليهم السّلام».

ص: 19

قالت:كيف أصف لك يابن رسول اللّه،ما أنت أعلم به مني؟

قال:«فإني أحبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك،عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟»

قالت:بشرى بولد لي.

قال لها:«أبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا».

قالت:ممّن؟

قال:«ممّن خطبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة كذا في شهر كذا في سنة كذا بالرومية».

قال لها:«ممّن زوجك المسيح و وصيه؟»

قالت:من ابنك أبي محمد عليه السّلام.

فقال:«هل تعرفينه؟»

قالت:و هل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء صلوات اللّه عليها.

قال:فقال مولانا:«يا كافور ادع اختي حكيمة».

فلمّا دخلت قال لها:«ها هيه».

فاعتنقتها طويلا،فقال لها أبو الحسن عليه السّلام:«يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك و علميها الفرائض و السنن،فإنها زوجة أبي محمد و أم القائم عليه السّلام» (1).

[9] و في ذلك الكتاب أيضا:حديث طويل رواه عن محمد بن عبد اللّه المطهري عن حكيمة و فيه صفة ولادة القائم عليه السّلام و ساق الحديث إلى قول أبي محمد عليه السّلام لحكيمة:«إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل،لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل إلى وقت ولادتها،لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى و هذا نظير موسى».

قالت حكيمة:فلم أزل أرقبها إلى طلوع الفجر،ثم و ثبت و ضممتها إلى صدري و صاح بي أبو محمد:«اقرأي عليها إنا أنزلناه».6.

ص: 20


1- -كمال الدين:423،و دلائل الإمامة:496.

فأقبلت أقرأ عليها،فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ،و سلّم عليّ ففزعت لما سمعت،فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«لا تعجبي من أمر اللّه عزّ و جل،إن اللّه تبارك و تعالى ينطقنا بالحكمة صغارا و يجعلنا حجة في أرضه كبارا».

فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس،فلم أرها كأنه ضرب بيني و بينها حجاب،فعدوت نحو أبي محمد و أنا صارخة.

فقال:«ارجعي يا عمّة فإنك ستجديها في مكانها».

فرجعت و كشف الحجاب بيني و بينها،و إذا أنا بصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء و هو يتشهد،ثم عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال:«اللهم أنجز لي وعدي و اتمم لي أمري و ثبّت و طأتي و املأ الأرض بي عدلا و قسطا».

فصاح بي أبو محمد عليه السّلام:«تناوليه فهاتيه».

فأتيت به نحوه،فلمّا مثلت بين يدي أبيه و هو على يدي سلّم على أبيه فتناوله و الطير ترفرف على رأسه،فصاح بطير منها فقال له:«احمله و احفظه و ردّه إلينا في كل أربعين يوما».

فتناوله الطائر و طار به في جو السماء و اتبعه سائر الطير.

فقال أبوه:«استودعك الذي استودعته أم موسى».

فبكت نرجس،فقال لها:«اسكتي فإن الرضاع محرّم إلاّ من ثديك و سيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه و ذلك قوله عزّ و جلّ: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ (1)».

فقالت:ما هذا الطائر؟

قال:«هذا روح القدس الموكّل بالأئمة عليهم السّلام يوفّقهم و يسدّدهم و يربّيهم بالعلم».

فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام و وجّه إلي ابن أخي،فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي يمشي بين يديه فقلت:سيّدي هذا ابن سنتين؟

فتبسم عليه السّلام و قال:«إن أولاد الأنبياء و الأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم،و أن الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة و أن الصبي منّا ليتكلم في بطن أمّه و يقرأ القرآن و يعبد ربّه عزّ و جلّ و عند الرضاع تطيعه الملائكة و تنزل عليه صباحا3.

ص: 21


1- -سورة القصص:13.

و مساءا».

فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد عليه السّلام بأيام قلائل فلم أعرفه،فقلت لأبي محمد:من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟

فقال:«ابن نرجس و هو خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني و و اللّه إني لأراه صباحا و مساءا و إنه ليخبرني قبل أن أسأله،و قد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ و أمرني أن أخبرك بالحق» (1).

[10] و في حديث غياث بن أسد:أن مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست و خمسين و مائتين.

و وكيله عثمان بن سعيد،فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان،و أوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح،و أوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي اللّه عنهم.

فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي.

فقال:للّه أمر هو بالغه.

فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد[مضي] (2)السمري قدّس سرّه (3).

[11] و في حديث ابن نوبخت:أنه ولد ليلة الجمعة من شهر رمضان من سنة أربع و خمسين و مائتين.

يكنى:أبا القاسم،و يقال:أبو جعفر.

و لقبه:المهدي.

أقول:المشهور حتى صار كالمتواتر،أن ولادته عليه السّلام ليلة النصف من شعبان،و هذا الاختلاف لإجمال الأمور رعاية لجانب التقية (4).2.

ص: 22


1- -كمال الدين:429،و البحار:14/51.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -كمال الدين:433 ح 12،و البحار:360/51.
4- -كمال الدين:432.

[12] و عن حمزة بن نصر غلام أبي الحسن عليه السّلام عن أبيه قال:لمّا ولد السيد عليه السّلام[يعني المهدي] (1)تباشر أهل الدار بذلك،فلمّا نشأ خرج الأمر إلى أن ابتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ،و قيل:إن هذا لمولانا الصغير عليه السّلام (2).

[13] و في كتاب الأوصياء:رواه الحسن الصيمري،و مؤلفه علي بن محمد الصيمري،و كانت له مكاتبات إلى الهادي و العسكري عليهما السّلام[و جوابهما إليه] (3)،و هو ثقة معتمد عليه،فقال ما هذا لفظه:حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق و قال له:قد ولد مولود في وقت كذا و كذا،فخذ الطالع و اعمل له ميلادا.

فأخذ الطالع و نظر فيه و عمل له عملا،و قال لأحمد بن إسحاق:لست أرى النجوم تدلني فيما يوجبه الحساب،إن هذا المولود لك و لا يكون مثل هذا المولود إلاّ نبيا أو وصي نبي،و أن النظر ليدل على أنه يملك الدنيا شرقا و غربا و برا و بحرا و سهلا و جبلا:حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلاّ دان بدينه و قال بولايته (4).

[14] و في بحار الأنوار:حديثا عن سيدنا أبي الحسن و أبي محمد عليهما السّلام قالا:«إن اللّه عزّ و جلّ إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة في المزن فتسقط في ثمرة من ثمار الأرض فيأكلها الحجة في الزمان،فإذا استقرت فيه فيمضي له أربعون يوما سمع الصوت،فإذا أتت له أربعة أشهر و قد حمل كتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5).

فإذا ولد قام بأمر اللّه و رفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه إلى الخلائق و أعمالهم و ينزل أمر اللّه إليه في ذلك العمود و العمود نصب عينه حيث تولى و نظر».

ثم ساق الحديث في كيفية تولده عن حكيمة إلى أن قالت:لمّا تولد أخذه أبوه فقال:«يا5.

ص: 23


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -وسائل الشيعة:31/25،و البحار:22/51 ح 31.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -فرج الهموم:37،و البحار:23/51.
5- -سورة الأنعام:115.

بني اقرأ ممّا أنزل اللّه على أنبيائه و رسله.

فابتدأ بصحف آدم،فقرأها بالسريانية و كتاب إدريس و كتاب نوح[و كتاب هود] (1)و كتاب صالح و صحف إبراهيم و توراة موسى و زبور داود و انجيل عيسى و فرقان جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قصّ قصص الأنبياء و المرسلين إلى عهده».

ثم قالت:فعدت بعد أربعين يوما فلم أره،فقال أبو محمد عليه السّلام:«استودعناه الذي استودعته أم موسى».

ثم قال عليه السّلام:«لمّا وهب لي ربّي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقفا بين يدي اللّه عزّ و جلّ،فقال له:مرحبا بك عبدي لنصرة ديني و اظهار أمري و مهدي عبادي،آليت أني بك آخذ و بك أعطي و بك أغفر و بك أعذب،رداه أيها الملكان على أبيه ردا رفيقا و أبلغاه أنه في ضماني و كنفي و بعيني إلى أن أحق به الحق و أزهق به الباطل و يكون الدين واصبا» (2).

[15] علل الشرائع:مسندا إلى الثمالي قال:سألت الباقر عليه السّلام:يابن رسول اللّه ألستم كلكم قائمين بالحق؟

قال:«بلى».

قلت:فلم سمّي القائم قائما؟

قال:«لمّا قتل جدي الحسين عليه السّلام ضجت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب و قالوا:إلهنا و سيّدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك و خيرتك من خلقك؟

فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليهم:قرّوا ملائكتي،فوعزتي و جلالي لانتقمنّ منهم و لو بعد حين.

ثم كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلي.8.

ص: 24


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -البحار:27/51،و مدينة المعاجز:26/8.

فقال اللّه عزّ و جلّ:بذلك القائم أنتقم منهم» (1).

[16] و فيه:عن عمرو بن شمر عن جابر عن الباقر عليه السّلام قال:«إنّما سمّي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي،يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه من غار بأنطاكية،فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الانجيل بالانجيل و بين أهل الزبور بالزبور و بين أهل الفرقان بالفرقان و تجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض و ظهرها،فيقول للناس:تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدماء و ركبتم فيه محارم اللّه.

فيعطى شيئا لم يعط أحدا كان قبله».

أقول:قوله عليه السّلام:«يحكم بين أهل التوراة...الخ»:لا ينافي ما سيأتي من أنه عليه السّلام لا يقبل من أحد إلاّ الإسلام،لأن هذا كما قيل:محمول على أنه يقيم الحجة عليهم بكتبهم حتى يسلموا أو يفعل ذلك في بدء الأمر قبل أن يعلو أمره و تتم حجته (2).

[17] معاني الأخبار:أنه إنّما سمّي القائم قائما،لأنه يقوم بعد موت ذكره.

[18] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«سمّي القائم لقيامه بالحق» (3).

[19] و عن أبي خالد الكابلي قال:دخلت على الباقر عليه السّلام فقلت له:قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفته لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده.

قال:«فتريد ماذا؟»

قال:أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه.

فقال:«سألتني يا أبا خالد عن أمر (4)لو كنت محدّثا به أحدا لحدّثتك،و لقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة» (5).

[20] علل الشرائع:عن الجعفري قال:سمعت أبا الحسن العسكري عليه السّلام8.

ص: 25


1- -علل الشرائع:160/1 ح 1،و البحار:294/37 ح 8.
2- -علل الشرائع:161/1 ح 3،و البحار:29/51.
3- -روضة الواعظين:265،و البحار:30/51 ح 7.
4- -في المصدر زيادة:ما كنت محدثا به أحد،و.
5- -كتاب الغيبة:288.

يقول:«الخلف من بعدي الحسن ابني،فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟»

قلت:لم جعلني اللّه فداك؟

فقال:«لأنكم لا ترون شخصه و لا يحل لكم ذكره».

قلت:فكيف نذكره؟

قال:«قولوا الحجة من آل محمد صلوات اللّه عليهم» (1).

[21] التوحيد،عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام أنه قال في القائم عليه السّلام:«لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[22] و عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام قال:«المهدي من ولدي الخامس من ولدي السابع يغيب عنكم شخصه و لا يحل لكم تسميته» (3).

[23] و كذلك رواه في كتاب كمال الدين.

[24] و روي أيضا عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي عليه السّلام قال:«القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته،و هو سمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه» (4).

[25] و عن الحميري في حديث قال:قلت للعمري:فالاسم؟

قال:إيّاك أن تبحث عن هذا،فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع (5).

[26] الكافي:عن الصالحي قال:سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد عليه السّلام عن الاسم و المكان فخرج الجواب:«إن دللتهم على الاسم أذاعوه و إن عرفوا المكان دلّوا عليه» (6).

[27] و في كمال الدين:عن علي بن عاصم الكوفي قال:خرج في توقيعات صاحب2.

ص: 26


1- -علل الشرائع:245/1 ح 5،و الصراط المستقيم:170/2.
2- -التوحيد:82،و البحار:32/51 ح 3.
3- -كمال الدين:333 ح 1،البحار:32/51 ح 4.
4- -البحار:157/51،و الإحتجاج:250/2.
5- -كمال الدين:442 ح 14،و البحار:/33/51ح 7.
6- -الكافي:333/1 ح 2.

الزمان عليه السّلام:«ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس»

[28] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صاحب هذا الأمر رجل لا يسمّيه باسمه إلاّ كافر» (1).

[29] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سأل عمر أمير المؤمنين عليه السّلام عن المهدي فقال:يا بن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه؟

قال:أمّا اسمه فلا،لأن حبيبي و خليلي عهد إليّ أن لا أحدّث باسمه حتى يبعثه اللّه عزّ و جلّ و هو ممّا استودع اللّه عزّ و جلّ رسوله في علمه» (2).

[30] و في كتاب المحتضر:عن الحسين بن علوان[أن]الصادق عليه السّلام قال:أشار إلى ابنه موسى عليه السّلام فقال:«و الخامس من ولده يغيب شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه».

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:إن الأحاديث الواردة في النهي الأكيد عن تسميته عليه السّلام مستفيضة،و جمهور علمائنا رضوان اللّه عليهم على هذا،خصوصا القدماء من أهل الحديث،حتى أنه جاء في بعض أخبار اللوح التصريح باسمه عليه السّلام فقال الصدوق رحمه اللّه:جاء هذا الحديث هكذا بتسميته القائم عليه السّلام و الذي أذهب إليه النهي عن تسميته عليه السّلام.

و قد بالغ صاحب كشف الغمة،حتى أنه ردّ على الشيخ المفيد طاب ثراه في قوله:(إن اسمه كاسم النبي صلّى اللّه عليه و آله.

قال:إن هذا أيضا تسمية للمهدي عليه السّلام فكيف يجوّزه مع أن مذهبه المنع؟

لكن الظاهر أن هذا من باب التفهيم لا من باب التسمية.

و في بعض الأخبار المتقدمة دلالة عليه.

و ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن النهي مخصوص بزمان الغيبة الصغرى و مقدارها ستون سنة لاشتداد الخوف و التقية.

و بعض المعاصرين من أهل الحديث،أوّل الأخبار الدالة على تحديد النهي بخروجه عليه السّلام بحملها على وجود التقية إلى أن يظهر،يعني إذا وجدت التقيّة في هذه الأعصار1.

ص: 27


1- -الإمامة و التبصرة:117 ح 109،و الكافي:333/1 ح 4.
2- -كمال الدين:648 ح 3،و البحار:34/51.

السابقة على أعصار ظهوره عليه السّلام حرمت التسمية و إلاّ فلا.

و بعض الأخبار و إن استفيد منها الإشارة إلى تعليل النهي بالخوف و التقية،إلاّ أن الكثير منها مطلق،و الأولى هو العمل بأخبار النهي المطلق لوضوحها و استفاضتها و إن أريد تسميته عليه السّلام فلتكن بالحروف المقطعة م ح م د كما ورد في النصوص الصحيحة (1).3.

ص: 28


1- -انظر البحار:309/26 ح 73.

[31] و روي:أن التسليم على القائم عليه السّلام أن يقال:«السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه» (1).

[32] تفسير علي بن إبراهيم: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ (2).

قال:«أيام اللّه ثلاثة:يوم القائم صلوات اللّه عليه،و يوم الموت،و يوم القيامة».

أقول:معنى أيام اللّه،أيام عذابه و سطوته،كما يقال:أيام العرب،و يراد وقائعها و حروبها (3).

[33] و فيه أيضا: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يعني بني أمية إذا أحسّوا بالقائم من آل محمد إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (4).

يعني:عن الكنوز التي كنزوها.

قال:فيدخل بنو أمية إلى الروم إذا طلبهم القائم عليه السّلام ثم يخرجهم من الروم و يطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولون كما حكى اللّه: يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (5).

قال:بالسيف و تحت ظلال السيوف.

و هذا كله ممّا لفظه ماض و معناه مستقبل،و هو ما ذكرناه ممّا تأويله بعد تنزيله (6).

[34] و قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (7).

فإني حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تخضع رقابهم4.

ص: 29


1- -كمال الدين:331 ح 16،و البحار:212/24.
2- -سورة إبراهيم:5.
3- -تفسير القمي:367/1،و تفسير الصافي:80/3.
4- -سورة:الأنبياء:11-13.
5- -سورة الأنبياء:15.
6- -تفسير القمي:68/2،و البحار:46/51 ح 4.
7- -سورة الشعراء:4.

يعني بني أمية و هي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السّلام» (1).

[35] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ (2).

قال:«يتصل ما بين مكة و المدينة نخلا» (3).

[36] و عن محمد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى .

قال:«الليل في هذا الموضع الثاني،غشي أمير المؤمنين عليه السّلام في دولته التي جرت له عليه و أمر أمير المؤمنين أن يصبر في دولتهم حتى تنقضي».

قال: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى .

قال:«النهار هو القائم منّا أهل البيت عليه السّلام إذا قام غلب دولة الباطل،و القرآن ضرب فيه الأمثال للناس و خاطب نبيّه به و نحن،فليس يعلمه غيرنا» (4).

[37] كمال الدين:عن ابن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (5).

فقال:«الآيات،هم الأئمة،و الآية المنتظرة هو القائم عليه السّلام،فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السّلام» (6).

[38] تأويل الآيات:عن ابن عباس في قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (7).

قال:لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني و لا صاحب ملّة إلاّ دخل في الإسلام حتى يأمن الشاة و الذئب و البقر و الأسد و الإنسان و الحيّة و حتى لا تعرض فأرة جرابا،3.

ص: 30


1- -تفسير القمي:118/2،و البحار:228/9.
2- -سورة الرحمن:64.
3- -تفسير القمي:346/2،و تفسير نور الثقلين:200/5 ح 68.
4- -البحار:72/24،و تفسير نور الثقلين:588/5.
5- -سورة الأنعام:158.
6- -مستدرك سفينة البحار:265/1،و شرح أصول الكافي:262/5.
7- -سورة التوبة:33.

و حتى توضع الجزية و يكسر الصليب و يقتل الخنزير و ذلك قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و ذلك يكون عند قيام القائم عليه السّلام (1).2.

ص: 31


1- -البحار:61/51،و تأويل الآيات:689/2.

الفصل الثاني

فيما ورد من إخبار اللّه عزّ و جلّ و رسوله و الأئمة و غيرهم عن القائم

[39] الأمالي:مسندا إلى محمد بن حمران قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لمّا كان من أمر الحسين بن علي عليه السّلام ما كان،ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ و قالت:يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيّك و ابن نبيّك؟

فأقام اللّه لهم ظل القائم عليه السّلام و قال:بهذا انتقم له من ظالميه» (1).

[40] كمال الدين:عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لمّا عرج بي ربّي جلّ جلاله قال لي:يا محمد هلاّ اتخذت من الآدميين وزيرا و أخا و وصيا من بعدك؟

فقلت:إلهي و من أتخذ؟تخيّر لي أنت يا إلهي.

فقال:اخترت لك من الآدميين عليّا.

فقلت:إلهي ابن عمّي.

فأوحى اللّه إليّ:يا محمد إن عليّا وارثك و وارث العلم من بعدك و صاحب لوائك،لواء الحمد يوم القيامة و صاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك،و لأدخلن الجنّة جميع أمتك إلاّ من أبى.

فقلت:إلهي و أحد يأبى دخول الجنة؟

فقال اللّه عزّ و جلّ:بلى.

فقلت:و كيف يأبى؟

قال:إني أخترتك من خلقي و أخترت لك وصيّا من بعدك و جعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدك،و جعلته أبا ولدك،فحقه بعدك على أمتك كحقك

ص: 32


1- -أمالي الطوسي:418 ح 89،و البحار:221/45 ح 3.

عليهم في حياتك،فمن جحد حقه فقد جحد حقك،و من أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك،و من أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة.

فخررت للّه ساجدا شكرا لما أنعم عليّ،فإذا مناد ينادي:ارفع يا محمد رأسك و سلني أعطك.

فقلت:إلهي اجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعا على حوضي يوم القيامة.

فأوحى اللّه إليّ:يا محمد إني قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم و قضاي ماض فيهم،لأهلك به من أشاء و أهدي به من أشاء،و قد آتيته علمك من بعدك و جعلته وزيرك و خليفتك من بعدك على أهلك و أمتك،عزيمة منّي لأدخل الجنة من أحبّه و لا أدخل الجنة من أبغضه و عاداه و أنكر ولايته بعدك،فمن أبغضه أبغضك و من أبغضك أبغضني،و من عاداه فقد عاداني،و من أحبّه فقد أحبّني،و أعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا كلهم من البكر البتول،و آخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم،يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا،أنجي به من الهلكة و أهدي به من الضلالة،و أبرىء به من العمى،و أشفي به المريض.

فقلت:إلهي متى يكون ذلك؟

فأوحى إليّ:إذا رفع العلم و ظهر الجهل،و كثر القرّاء،و قلّ العمل،و كثر القتل،و قلّ الفقهاء الهادون و كثر فقهاء الضلالة و الخونة،و كثر الشعراء،و اتخذ أمتك قبورهم مساجد،و حليت المصاحف،و زخرفت المساجد،و كثر الجور و الفساد،و ظهر المنكر و أمر أمتك به و نهوا عن المعروف،و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء،و صار الأمراء كفرة،و أولياؤهم فجرة و أعوانهم ظلمة،و ذوو الرأي منهم فسقة،و عند ذلك ثلاث خسوف:خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب،و خراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج،و خروج رجل من ولد الحسين بن علي،و ظهور الدجال يخرج من المشرق من سجستان و ظهور السفياني.

فقلت:إلهي ما يكون بعدي من الفتن؟

ص: 33

فأخبرني ببلاء بني أمية لعنهم اللّه و فتنة ولد عمّي و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة،فأوصيت بذلك ابن عمي حين هبطت إلى الأرض و أديت الرسالة».انتهى ملخصا.

أقول:قوله تعالى:«و خراب البصرة»اشارة إلى قصة صاحب الزنج الذي خرج في البصرة سنة ست أو خمس و خمسين و مائتين،و وعد كل من أتى إليه من السودان بالاعتاق و الاكرام،فاجتمع إليه منهم خلق كثير و بذلك علا أمره.

و لقّب بصاحب الزنج و كان يزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام.

و قال ابن أبي الحديد:و أكثر الناس يقدحون في نسبه،و خصوصا الطالبيين و جمهور النسابين على أنه من عبد القيس،و أنه علي بن محمد بن عبد الرحيم و أمّه أسديّه من أسد بني خزيمة،جدّها محمد بن حكيم الأسدي من أهل الكوفة.

و مثله قال ابن الأثير في الكامل و المسعودي في مروج الذهب.

و يظهر من هذا الخبر أن نسبه كان صحيحا،و لكن تقدم ما يعارضه و أنه ليس من العلويين و هذه العلامات لا يلزم كونها مقارنة لظهوره عليه السّلام،إذ الغرض كما قيل:كون هذه العلامات تحدث قبل ظهوره،كما أن أشراط الساعة التي روتها العامة و الخاصة ظهرت قبل ذلك بأعوام كثيرة،و قصة صاحب الزنج كما تقدم كانت مقارنة لولادته عليه السّلام هي أول العلامات إلى أن يظهر.

و قيل:الغرض أنها من علامات تولده عليه السّلام،و هو بعيد.

و يحتمل أن يراد خراب البصرة:بعد هذا مقارنا لزمان ظهوره عليه السّلام و يتبع الخارج لخرابها الزنوج أيضا كما تبعوا صاحب الزنج.

و قد شاهدنا خراب البصرة مرة في عشر السبعين بعد الألف،لمّا أتى عسكر السلطان محمد علي و اليها،و هاجت بينهم فتن و حروب لا يمكن وصفها،فأمر و اليها بخرابها حتى لم يبق بها كلب و لا نحوه و أحرقها،و أوّل ما أحرق قصوره و منازله و كنت ممّن حضر تلك الواقعة،و في وقت كتابة هذه الكلمات كانت أيضا في معرض الخراب و فيها الفتن و الوقائع و لا يعلم أين ينتهي حالها،و كلما ينتهي إليه أمرها نكتبه في الحاشية أو نلحقه بالكتاب،و ما زالت

ص: 34

الفتن بها منذ خرج و اليها عنها إلى بلاد الهند،تقريبا من ثلاثين سنة إلى يومنا هذا (1).

[41] و عن جابر الأنصاري قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«المهدي من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا و خلقا،تكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأمم،ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[42] كشف الغمة:وقع إليّ أربعون حديثا جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه رحمه اللّه في أمر المهدي عليه السّلام أوردتها سردا كما أوردها و اقتصرت على ذكر الراوي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (3)

الأول:عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«يكون من أمتي المهدي، إن قصر عمره فسبع سنين و إلاّ فثمان و إلاّ فتسع،تتنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعموا مثله قط البر و الفاجر،يرسل السماء عليهم مدرارا و لا تدخر الأرض شيئا من نباتها» (4).

أقول:المراد من الفاجر هنا:فسّاق المؤمنين.

[43] و من الأحاديث الأربعين:«المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي و جسمه جسم إسرائيلي على خدّه الأيمن خال كأنه كوكب درّي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض و أهل السماء و الطير في الجو» (5).

أقول:مشابهته عليه السّلام لبني إسرائيل في طول القامة و عظم البدن و امتيازه عن أهل هذا العصر.

[44] و منها:قوله صلّى اللّه عليه و آله:«المهدي من ولدي ابن أربعين سنة».

أقول:يعني أنه عليه السّلام إذا ظهر كأنه ابن أربعين سنة في الشباب و القوة.

[45] و منها:قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود،فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما0.

ص: 35


1- -كمال الدين:250 ح 1،و البحار:69/51 ح 9.
2- -البحار:72/45 ح 13،و كفاية الأثر:67.
3- -كشف الغمة:267/3،و البحار:78/51 ح 37.
4- -البحار:369/36.
5- -البحار:37/50.

سألوا،فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا،فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثلج».

أقول:ذكر بعض أهل الحديث:أن المراد بمن يخرج من قبل المشرق سلاطين الصفوية.

و أوّل من خرج منهم و غلب،الشاه إسماعيل الموسوي الحسيني أنار اللّه برهانه،و أن هذه الدولة المؤيدة متصلة بظهور المهدي عليه السّلام.

[46] و فيه:عن زر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي» (1).

و قال:و زاد زائدة في روايته:و اسم أبيه اسم أبي.

قال الكنجي:و قد ذكر الترمذي الحديث في جامعه و لم يذكر اسم أبيه اسم أبي؟

و ذكره أبو داود في معظم روايات الحفّاظ و الثقات من نقلة الأخبار:اسمه اسمي فقط، و الذي روى:اسم أبيه اسم أبي،فهو زائدة و هو يزيد في الحديث.

و إن صحّ فمعناه:و اسم أبيه اسم أبي الحسين عليه السّلام،و كنيته:أبو عبد اللّه،فجعل الكنية اسما كناية عن أنه من ولد الحسين دون الحسن،و يحتمل أن يكون الراوي توهم قول:«ابني» فصحّفه فقال:«أبي»فوجب حمله على هذا جمعا بين الروايات.

قال علي بن عيسى عفى اللّه عنه:أمّا أصحابنا الشيعة،فلا يصحّحون هذا الحديث،لما ثبت عندهم من اسمه و اسم أبيه عليهما السّلام.

و أمّا الجمهور،فقد نقلوا أن زائدا كان يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنه من زياداته ليكون جمعا بين الأقوال و الروايات،انتهى.

[47] في كتاب كفاية الطالب:بإسناده عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لن تهلك6.

ص: 36


1- -شرح أصول الكافي:256/6.

أمة أنا في أولها و عيسى في آخرها و المهدي في وسطها».

قال:هذا حديث حسن.

و معنى قوله:«و عيسى آخرها»لم يرد به صلّى اللّه عليه و آله أن عيسى يبقى بعد المهدي عليه السّلام لأن ذلك لا يجوز لوجوه:

منها:أنه قال صلّى اللّه عليه و آله:«لا خير في الحياة بعده»،و في رواية:«لا خير في العيش بعده».

و منها:أن المهدي عليه السّلام إذا كان إمام آخر الزمان و لا إمام بعده مذكور في رواية أحد من الأئمة و هذا غير ممكن أن الخلق يبقى بغير إمام،فإن قيل:إن عيسى يبقى بعده إمام الأمة.

قلت:لا يجوز هذا القول و ذلك أنه صلّى اللّه عليه و آله صرح أنه لا خير بعده و إذا كان في قوم لا يجوز أن يقال:لا خير فيهم و أيضا لا يجوز أن يقال:إنه نائبه،لأنه جلّ منصبه عن ذلك.

و لا يجوز أن يقال:إنه يستقل بالأمة،لأن ذلك يوهم العوام انتقال الملة المحمدية إلى الملة العيسوية و هذا كفر،فوجب حمله على الصواب و هو أنه صلّى اللّه عليه و آله أول داع إلى ملة الإسلام و المهدي أوسط داع و المسيح آخر داع،فهذا معنى الخبر عندي.

و يحتمل أن يكون معناه:المهدي أوسط هذه الأمة،يعني خيرها إذ هو إمامها و بعده ينزل عيسى مصدقا للإمام و عونا له و مبيّنا للأمة صحة ما يدّعيه الإمام،فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدقين على وفق النص.

قال الفقير إلى اللّه تعالى علي بن عيسى أثابه اللّه بمنّه و كرمه:قوله:«المهدي أوسط الأمة»،يعني خيرها،يوهم أن المهدي عليه السّلام خير من عليّ عليه السّلام و هذا لا قائل به،و الذي أراه:أنه صلّى اللّه عليه و آله أول داع و المهدي عليه السّلام لمّا كان تابعا و من أهل ملته جعل وسطا لقربه ممّن هو تابعه و على شريعته،و عيسى عليه السّلام لمّا كان صاحب ملة أخرى و دعا في آخر زمانه إلى شريعة غير شريعته حسن أن يكون آخرها و اللّه أعلم.

أقول:نزول عيسى عليه السّلام من السماء ليس مقارنا حقيقة لخروج المهدي عليه السّلام كما سيأتي في الأخبار المفصّلة،بل نزوله بعد ظهوره عليه السّلام بزمان فيصحّ أنه آخر الأمة،و يظهر قوة الوجه الأول.

[48] ثم قال الشافعي في ذلك الكتاب:الباب الخامس و العشرون في الدلالة على كون

ص: 37

المهدي حيّا باقيا مذ غيبته إلى الآن،و لا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى و الخضر و الياس من أولياء اللّه تعالى،و بقاء الدجال و إبليس اللعين من أعداء اللّه تعالى،و هؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب و السنّة و قد اتفقوا عليه ثم أنكروا جواز إبقاء المهدي من وجهين:أحدهما طول الزمان،و الثاني:أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بإطعامه و شرابه و هذا ممتنع عادة.

قال مؤلف الكتاب محمد بن يوسف:أمّا عيسى فالدليل على بقائه قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)و لم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا و لا بدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.

و أمّا السنّة:

[49] فما رواه مسلم في صحيحه:في قصة الدجال قال:«فينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيّه على أجنحة ملكين» (2).

[50] و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم».

و أمّا الخضر و الياس،فقال الطبري:باقيان يسيران في الأرض (3).

[51] و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«الدجال يأتي و هو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة،فيخرج إليه يومئذ رجل و هو خير الناس فيقول له:أشهد أنك الدجال الذي حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حديثه.

فيقول الدجال:أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟

فيقولون:لا.

فيقتله ثم يحيه،فيقول حين يحييه:و اللّه ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن.

قال:فيريد الدجال أن يقتله ثانيا،فلا يسلط عليه».

قال أبو إسحق إبراهيم بن سعيد:يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه السّلام.

قال:هذا لفظ مسلم في صحيحه.1.

ص: 38


1- -سورة النساء:159.
2- -البحار:98/51،و معجم أحاديث الإمام المهدي:528/1.
3- -البحار:301/6،و معجم أحاديث الإمام المهدي:520/1.

أمّا الدليل على بقاء الدجال،فقد أورد حديثا صحيحا يدل عليه،و أمّا الدليل على إبقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ .

و أمّا بقاء المهدي عليه السّلام فقد جاء في الكتاب و السنّة:

أمّا الكتاب:

[52] فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزّ و جلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1).

قال:هو المهدي من عترة فاطمة.

و أمّا من قال:إنه عيسى،فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم.

و أمّا الجواب عن طول الزمان،فمن حيث النص و المعنى.

أمّا النص،فما تقدم من الأخبار على أنه لابدّ من وجود الثلاثة في آخر الزمان و أنه ليس فيهم متبوع غير المهدي بدليل أنه إمام الأمة في آخر الزمان،و أن عيسى عليه السّلام يصلي خلفه كما ورد في الصحاح و يصدقه دعواه.

و الثالث:هو الدجال اللعين،و قد ثبت أنه حي موجود،و أمّا المعنى في بقائهم فلا يخلو من أحد قسمين:إمّا أن يكون بقاؤهم في مقدور اللّه تعالى أو لا يكون،و مستحيل أن يخرج عن مقدور اللّه تعالى،ثم أطال في تفاصيل الفوائد الإلهية في بقاء من سبق.

أمّا عيسى عليه السّلام فليؤمن به أهل الكتاب و يعاون المهدي عليه السّلام،و أمّا الدجال و إبليس فللإبتلاء و الاختبار،و أمّا المهدي عليه السّلام فليظهره على الدين كله.

و أجاب عن حكاية الأكل و الشرب،مع أن المهدي عليه السّلام في السرداب:بأن الدجال في الدير على ما تقدم بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.

و في رواية:في بئر موثوق.

فإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي عليه السّلام[مكرما من غير الوثاق إذا الكل في مقدور اللّه تعالى،فثبت أنه غير] (2)ممتنع شرعاى.

ص: 39


1- -سورة التوبة:33.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.

و لا عادة (1).

[53] و روى أبو داود و الترمذي في صحيحهيما:يرفعانه إلى عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث اللّه رجلا منّي أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» (2).

[54] قال ابن طلحة:فإقيل هذه الصفات لا تنطبق على الخلف الصالح،فإن اسم أبيه لا يوافق اسم والد النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم أجاب بعد تمهيد مقدمتين:

الأول:أنه شايع في لسان العرب اطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى كقوله تعالى: أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ .

و الثاني:أن لفظة الاسم تطلق على الكنية و على الصفة كما روى البخاري و مسلم:أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمّى عليا أبا تراب و لم يكن اسم أحبّ إليه منه،فاطلق لفظ الاسم على الكنية.

و لمّا كان الحجة من ولد أبي عبد اللّه الحسين فاطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله على الكنية لفظ الاسم اشارة إلى أنه من ولد الحسين عليه السّلام بطريق جامع موجز،انتهى.

و ذكر بعض المتأخرين وجها آخر و هو:أن كنية الحسن العسكري عليه السّلام أبو محمد،و عبد اللّه أبو النبي صلّى اللّه عليه و آله أبو محمد،فتتوافق الكنيتان و الكنية داخلة تحت الاسم.

و قد تقدم أن الأولى هو كون«أبي»مصحّف ابني (3).

[55] و ذكر الثعلبي في تفسير: حم عسق بإسناده قال:«السين»:سناء المهدي، و«القاف»:قوة عيسى حين ينزل،فيقتل النصارى و يخرّب البيع (4).

[56] و عنه:في قصة أصحاب الكهف عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«أن المهدي عليه السّلام يسلّم عليهم2.

ص: 40


1- -البحار:98/51،و كشف الغمة:292/3.
2- -الإمامة و التبصرة:153،و كمال الدين:280 ح 27.
3- -كتاب الغيبة:181،و البحار:103/51.
4- -البحار:367/36،و مستدرك سفينة البحار:440/2.

و يحيهم اللّه عزّ و جلّ له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة» (1).

[57] و روى صاحب كتاب المخفي في مناقب المهدي:مائة و عشرة أحاديث من طرق رجال الأربعة المذاهب من صحيح مسلم و غيره.

و أمّا الذي ورد من طريق الشيعة،فلا يسعه إلاّ مجلدات و نقل إلينا سلفنا نقلا متواترا:أن المهدي المشار إليه ولد ولادة متواترة،لأن حديث تملّكه و دولته و ظهوره على كافة الممالك و العباد و البلاد كان قد ظهر للناس فخيف عليه كما جرت الحال في ولادة إبراهيم و موسى عليهما السّلام و غيرهما.

و أن الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه عليهم السّلام فإن كل من تلزم بقوم كان أعرف بأحوالهم و أسرارهم من الاجانب،كما أن أصحاب الشافعي أعرف بحاله من أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.

و قد كان المهدي عليه السّلام ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري عليه السّلام و نقلوا عنه أخبارا و أحكاما شرعية و أسبابا مرضية،و كان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم و أنسابهم و أوطانهم يخبرون عنه بالمعجزات و الكرامات و جواب المشكلات بكثير ممّا ينقله عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الغائبات،منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بالجانب الغربي من بغداد بقطقطان،و منهم أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري،و منهم أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي،و منهم علي بن محمد السمري رضي اللّه عنهم.

و قد ذكر نصر بن علي الجهضمي رواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء و أسمائهم و أنهم كانوا وكلاء المهدي،و لقد لقى المهدي عليه السّلام بعد ذلك خلق كثير من الشيعة و غيرهم،و ظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنه هو عليه السّلام.

و إذا كان عليه السّلام الآن غير ظاهر لجميع شيعته فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه و ينتفعون بمقاله و فعاله و يكتمونه كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء و الأولياء حيث غابوا عن كثير من الأمة لمصالح دينية أوجبت ذلك.

و أمّا استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف،فما يمنع من ذلك إلاّ جاهل6.

ص: 41


1- -العمدة:373 ح 733،و البحار:367/36.

باللّه و بقدرته و بأخبار نبيّنا و عترته،كيف و قد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء و غيرهم من المعمرين،و هذا الخضر باق على طول السنين و هو عبد صالح ليس بنبي و لا حافظ شريعة و لا بلطف في بقاء التكليف،فكيف يستبعد طول حياة المهدي عليه السّلام و هو حافظ شريعة جدّه صلّى اللّه عليه و آله و لطف في بقاء التكليف و المنفعة ببقائه في حال ظهوره و خفائه أعظم من المنفعة بالخضر،و كيف يستبعد ذلك من يصدّق بقصة أصحاب الكهف لأنه مضى لهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا و هم أحياء كالنيام بغير طعام و لا شراب،و بقوا إلى زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث بعث الصحابة ليسملوا عليهم،انتهى كلام السيد قدّس اللّه ضريحه (1).

[58] و في كتاب النصوص:عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لعلي عليه السّلام:«بأبي و أمي سميي و شبيه ابن عمران عليه جيوب النور،تتوقد من شعاع القدس كأني بهم آيس ما كانوا نودوا بنداء [يسمع من البعد كما]يسمع من القرب يكون رحمة على المؤمنين و عذابا على المنافقين».

قال علي عليه السّلام:«و ما ذاك النداء؟».

قال:«ثلاثة أصواب في رجب:الأول:ألا لعنة اللّه على الظالمين،الثاني:أزفة الأزفة،الثالث:يرون بدنا بارزا مع قرن الشمس ينادي:ألا إن اللّه قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي عليه السّلام فيه هلاك الظالمين،فعند ذلك يأتي الفرج و يشفي اللّه صدورهم و يذهب غيظ قلوبهم».

قلت:«يا رسول اللّه كم يكون بعدي من الأئمة؟»

قال:«بعد الحسين تسعة و التاسع قائمهم» (2).

[59] كمال الدين:مسندا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه،إلاّ فمن ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه،فهو معي في درجتي يوم القيامة»

ثم قال عليه السّلام:«إن القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته1.

ص: 42


1- -الطرائف:183،و البحار:107/51.
2- -كفاية الأثر:159،و دلائل الإمامة:461.

و يغيب شخصه» (1).

[60] كتاب المقتضب لابن عيّاش:بإسناده إلى الحارث الهمداني قال:كنّا عند علي بن أبي طالب عليه السّلام فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السّلام يقول:«مرحبا بابن رسول اللّه».

و إذا أقبل الحسين عليه السّلام يقول:«بأبي أنت و أمي يا أبا ابن خيرة الإماء».

فقيل:يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن و تقول هذا للحسين؟

و من ابن خيرة الإماء؟

فقال:«ذاك الفقيد الطريد الشريد م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا»و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام (2).

[61] نهج البلاغة:قال عليه السّلام:«قد لبس للحكمة جنتها،و أخذها بجميع أدبها،من الاقبال عليها و المعرفة بها و التفرغ لها،و هي عند نفسه ضالته التي يطلبها و حاجته التي يسأل عنها،فهو مغترب إذا اغترب الإسلام و ضرب بعسيب ذنبه و الصق الأرض بجرانه،بقية من بقايا حجته،خليفته من خلائف أنبيائه».

أقول:قوله:مغترب،أي كالغريب يخفي نفسه إذا ظهر الفسق و الجور و اغترب الإسلام بفقد العدل و الصلاح.

و العسيب:عظم الذنب.

و الصاق الأرض بجرانه:كناية عن ضعفه و قلة نفعه،فإن البعير أقل ما يكون نفعه حال بروكه.

و قال ابن أبي الحديد المعتزلي:قالت الإمامية:المراد به الإمام المنتظر عليه السّلام،و الصوفية يزعمون أنه ولي اللّه،و عندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال و هم أربعون و عن الأوتاد و هم سبعة و عن القطب و هو واحد،و الفلاسفة يزعمون أن المراد به العارف.

و عند أهل السنّة:هو المهدي الذي سيخلق.

و قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين على أن الدنيا و التكليف لا ينقضي إلاّ على المهدي...

ص: 43


1- -كمال الدين:303 ح 14،و البحار:109/51.
2- -البحار:110/51،و معجم المهدي:43/3..

و قال في موضع آخر من الشرح:فإن قيل:من هذا الرجل الموعود؟

قيل:إن الإمامية يزعمون أنه إمامهم الثاني عشر و أنه ابن أمة اسمها نرجس.

و أمّا أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد و ليس بموجود الآن.

فإن قيل:فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجودا حتى يقول عليه السّلام في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم؟

قيل:أمّا الإمامية فيقولون بالرجعة،فيزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية و غيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر،و أنه يقطع أيدي أقوام و أرجلهم و يسمل عيون بعضهم و يصلب قوما آخرين و ينتقم من أعداء آل محمد عليهم السّلام المتقدمين و المتأخرين.

و أمّا أصحابنا،فيزعمون أنه سيخلق اللّه تعالى في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة ينتقم و يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا من الجائرين و ينكل بهم أشد النكال،و أن اسمه كاسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنه يظهر بعد أن يستولي على كثير من الإسلام ملك من أعقاب بني أمية و هو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية،و أن الفاطمي يقتله و أشياعه من بني أمية و غيرهم،و حينئذ ينزل المسيح عليه السّلام من السماء و تبدو أشراط الساعة و تظهر دابة الأرض و يبطل التكليف و يتحقق قيام الأجساد عند نفخ الصور كما نطق به الكتاب العزيز.

يقول مؤلف الكتاب أعانه اللّه على طاعته:يزعم بعض أصحابنا أن ابن أبي الحديد من الإمامية،نظر إلى قصائده السبع و أشعاره،و عدّه مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و انتقاص الشيخين و ذكره بعض صفاتهم القبيحة الموجودة فيهم بالاجماع و الاتفاق.

و هذا زعم بعيد،لأن من طالع شرح نهج البلاغة لا يعتريه ريب في أنه من أهل السنّة.

و أمّا قصائده السبع،فقد وجدنا في الكتب أنه أنشأها للتقرب إلى سلطان البصرة و كان من الإمامية و أعطاه صلة جزيلة (1).

روي أنه أعطاه خراج الجزيرة سبع سنين بإزاء كل قصيدة سنة،و مع ذلك فهو معتزلي تفضيلي،و من مذهب الاعتزال تفضيل علي عليه السّلام على المتقدمين و كل فضيلة أنفرد عليه السّلام بها1.

ص: 44


1- -شرح نهج البلاغة:59/7،و البحار:121/51.

فهي طعن على الثلاثة و أضرابه،فمدحه عليه السّلام يستلزم ذمهم لعنهم اللّه و أخزاهم،و في الديوان المنسوب إليه عليه السّلام:

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر *** ولاية مهدي يقوم فيعدل

و ذل ملوك الأرض من آل هاشم *** و بويع منهم من يلذ و يهزل

صبي من الصبيان لا رأي عنده *** و لا عنده جدّ و لا هو يعقل

فثم يقوم القائم الحق منكم *** و بالحق يأتيكم و بالحق يعمل

سمي نبي اللّه نفسي فداؤه *** فلا تخذلوه يا بني و عجلوا (1).

[62] كمال الدين:مسندا إلى الحسين عليه السّلام قال:«في التاسع من ولدي سنّة من يوسف و سنّة من موسى بن عمران،و هو قائمنا أهل البيت يصلح اللّه تبارك و تعالى أمره في ليلة واحدة».

أقول:أمّا سنّة موسى و هي خفاء الولادة و قد تقدمت،و أمّا سنّة يوسف فهو قد عرف إخوته و ما عرفوه،و كذلك قائم أهل البيت عليهم السّلام يمشي بين الناس و يخالطهم و لا يعرفونه (2).

[63] و فيه:بإسناده إلى الحسن عليه السّلام قال:«القائم من ولد أخي الحسين عليه السّلام ابن سيدة الإماء يطيل اللّه عمره في غيبته ثم يظهر بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة،و ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير» (3).

[64] و بإسناده:عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«فينا نزلت هذه الآية: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (4)و الإمامة في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة،و أن للقائم منّا غيبتين:إحداهما أطول من الأخرى،أمّا الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين،و أمّا الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به».

أقول:الترديد في الست،يجوز أن يكون إشارة إلى ما وقع في الغيبة من البداء كما رواه:8.

ص: 45


1- -الصراط المستقيم:264/2،و البحار:102/51.
2- -كمال الدين:28،و البحار:133/51 ح 2.
3- -كمال الدين:316،و البحار:19/44.
4- -سورة الزخرف:28.

[65] الكليني:بإسناده عن الأصبغ في حديث طويل،و فيه:قلت:يا أمير المؤمنين و كم تكون الحيرة و الغيبة؟

فقال:«ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين».

فقلت:و إن هذا لكائن؟

فقال:«نعم كما أنه مخلوق و أنّا لك بهذا الأمر يا أصبغ،أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة».

قلت:ثم ما يكون بعد ذلك؟

فقال:«ثم يفعل اللّه ما يشاء،فإن له بداءات و إرادات و غايات» (1).

و فيه دلالة على أن هذا الأمر قابل للبداء و الترديد قرينة ذلك.

و ذكر شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:أنه إشارة إلى اختلاف أحواله عليه السّلام في غيبته،فإنه في ستة أيام لم يطلع عليه خواص شيعته،و بعد ست سنين لمّا توفى أبوه عليه السّلام أطلع عليه كثير من شيعته أو أنه بعد إمامته لم يطلع على خبره أحد إلى ستة أيام،ثم أنه بعد ستة أشهر أنتشر أمره و بعد ست سنين ظهر للسفراء و غيرهم (2).

[66] و قال عليه السّلام:«كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا،جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و إسرافيل أمامه،معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نشرها لا يهوي بها إلى قوم إلاّ أهلكهم اللّه عزّ و جلّ» (3).

[67] و عن أبي جعفر عليه السّلام مسندا قال:«يا أبا الجارود إذا دار الفلك و قال الناس:مات القائم أو هلك بأي واد سلك،و قال الطالب:أنّى يكون ذلك و قد بليت عظامه فعند ذلك فارجوه،فإذا سمعتم به فاتوه و لو حبوا على الثلج» (4).

أقول:لعل المراد بدور الفلك عكس دوره كما ورد أن الشمس يوم ظهوره عليه السّلام أو ما1.

ص: 46


1- -الكافي:338/1 ح 7،و كمال الدين:324.
2- -الكافي:338/1 ح 7،و كمال الدين:324.
3- -أمالي المفيد:45،و البحار:135/51.
4- -كمال الدين:326 ح 5،و البحار:136/51.

يقرب منه تخرج من المغرب أو تغيب بالمشرق (1).

[68] النعماني في كتاب الغيبة:بإسناده إليه عليه السّلام قال في قوله عزّ و جلّ في محكم كتابه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ (2)و معرفة الشهور-المحرم و صفر و ربيع و ما بعده و الحرم منها هي رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم-[و ذلك]لا يكون دينا قيّما،لأن اليهود و النصارى و المجوس و سائر الملل و الناس جميعا من المنافقين و المخالفين يعرفون هذه الشهور و يعدّونها بأسمائها و ليس هو كذلك،و إنما عنى بهم الأئمة القوّامين بدين اللّه،و الحرم منها أمير المؤمنين عليه السّلام الذي اشتق اللّه سبحانه له اسما من أسمائه العلي كما اشتق لمحمد صلّى اللّه عليه و آله اسما من أسمائه المحمود،و ثلاثة من ولده أسماؤهم علي:علي ابن الحسين و علي بن موسى و علي بن محمد،و لهذا الاسم المشتق من أسماء اللّه عزّ و جلّ حرمة به،يعني أمير المؤمنين عليه السّلام (3).

[69] علل الشرائع:مسندا إلى سدير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«في القائم عليه السّلام سنّة من يوسف».

قلت:كأنك تذكر خبره أو غيبته؟

قال:«و ما تنكر من هذه الأمة أشباه الخنازير،إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا بيوسف و باعوه و خاطبوه و هم إخوته و هو أخوهم،فلم يعرفوه حتى قال لهم يوسف:أنا يوسف،فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون اللّه عزّ و جلّ في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجتة،لقد كان يوسف أحبّ إليه من ملك مصر و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما،فلو أراد اللّه عزّ و جلّ أن يعرّف مكانه لقدر على ذلك،و اللّه لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر،فما تنكر هذه الأمة أن يكون اللّه أن يفعل بحجته ما فعل بيوسف و أن يكون يسير في أسواقهم و يطأ بسطهم و هم لا يعرفونه حتى يأذن اللّه عزّ و جلّ أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال:هل علمتم ما4.

ص: 47


1- -كمال الدين:326 ح 5،و البحار:136/51.
2- -سورة التوبة:36.
3- -غيبة النعماني:87،و البحار:242/24.

فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون.

قالوا:أئنك لأنت يوسف؟

قال:أنا يوسف و هذا أخي» (1).

[70] و قال عليه السّلام:«إن للغائب منّا غيبة يطول أمدها».

فقال سدير:و لم ذلك يابن رسول اللّه؟

قال:«إن اللّه عزّ و جلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم و أنه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدّة غيباتهم قال اللّه عزّ و جلّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (2)أي سننا على سنن من كان قبلكم» (3).

[71] و عنه عليه السّلام مسندا:«من أقرّ بالأئمة من آبائي و ولدي و جحد المهدي من ولدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء عليهم السّلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله نبوته»الحديث.

أقول:جحد المهدي عليه السّلام إمّا بإنكار وجوده الآن كما ذهب إليه أكثر المخالفين،و إنكارهم له مثل إنكار اليهود و النصارى محمدا صلّى اللّه عليه و آله،لأنهم يقولون أنه في الأصلاب،و سيأتي بعد هذا.

و إمّا بإنكاره أصلا كما يقوله جماعة ممّن يزعم الإسلام (4).

[72] النعماني في كتاب الغيبة:بإسناده إلى الصادق عليه السّلام قال:«و اللّه ليغيبنّ القائم(سنينا) من الدهر و ليخملن-يعني ذكره-حتى يقال:مات أو هلك بأي واد سلك؟و لتفيضنّ عليه أعين المؤمنين و ليكفأن (5)كتكفئي السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه و كتب الإيمان في قلبه و أيده بروح منه،و لتعرفنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي».ن.

ص: 48


1- -علل الشرائع:244/1،و كمال الدين:144.
2- -سورة الإنشقاق:19.
3- -علل الشرائع:245/1 ح 7،و البحار:143/51.
4- -كمال الدين:338 ح 12،و البحار:145/51 ح 10.
5- -في بعض المصادر:لتكفأن.

قال المفضّل:فبكيت.

فقال:«و ما يبكيك؟»

قلت:جعلت فداك كيف لا أبكي و أنت تقول:[ترفع] (1)اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي؟

قال:فنظر إلى كوة في البيت الذي تطلع فيها الشمس في مجلسه فقال:«أهذه الشمس مضيئة؟».

قلت:نعم.

قال:«و اللّه لأمرنا أضوء منها» (2).

[73] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن القائم إذا قام يقول الناس:أنى ذلك و قد بليت عظامه» (3).

[74] كتاب مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر:بإسناده إلى وهب بن منبه قال:إن موسى عليه السّلام نظر ليلة الخطاب إلى كل شجرة في الطور و كل حجر و نبات تنطق بذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و أثني عشر وصيا له من بعده،فقال موسى عليه السّلام:«إلهي لا أرى شيئا خلقته إلاّ و هو ناطق بذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و أوصيائه الأثني عشر،فما منزلة هؤلاء عندك؟

قال:«يابن عمران إني خلقتهم قبل خلق الأنوار و جعلتهم في خزانة قدسي يرتعون في رياض مشيئتي،و يتنسّمون من روح جبروتي و يشاهدون أقطار ملكوتي،حتى إذا [شيّئت]مشيئتي أنفذت قضاي و قدري.

يابن عمران إني سبقت بهم استباقا حتى ازخرف بهم جناني.

يابن عمران تمسّك بذكرهم،فإنّهم خزنة علمي و عيبة حكمتي و معدن نوري».

قال حسين بن علوان:فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليه السّلام فقال:«حق ذلك هم اثنا عشر من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله:علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و من4.

ص: 49


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كتاب الغيبة:152،و الكافي:336/1 ح 3.
3- -كمال الدين:326 ح 5،و كتاب الغيبة:12154.

شاء اللّه».

قلت:جعلت فداك إنما سألتك لتفتيني بالحق؟

قال:«أنا و أبني هذا-و أومى إلى ابنه موسى-و الخامس من ولده يغيب شخصه و لا يحل ذكره باسمه» (1).

[75] و عن العباس بن عامر قال:سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام يقول:«صاحب هذا الأمر من يقول الناس:لم يولد بعد» (2).

[76] و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في صفة المهدي صلوات اللّه عليه قال:«شبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس».الحديث.

قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى:لعل المعنى أن جيوب الأشخاص النورانية من كمل المؤمنين و الملائكة المقرّبين و أرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته و حيرة الناس فيه،و إنّما ذلك لنور أيمانهم الساطع من شموس عوالم القدس.

و يحتمل أن يكون المراد بجيوب النور:الجيوب المنسوبة إلى النور و التي يسطع منها أنوار فضله و فيضه تعالى (3).

و الحاصل أن عليه عليه السّلام أثوابا قدسيّة و خلقا ربّانية تتقد من جيوبها أنوار فضله و هدايته تعالى.

و يؤيده ما وقع في رواية محمد بن الحنفية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«عليه جلابيب النور».

و يحتمل أن تكون«على»تعليلية،أي:ببركة هدايته و فيضه عليه السّلام يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم و المعارف الربّانية (4).

[77] كتاب كفاية الأثر:مسندا إلى عبد العظيم الحسني قال:قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهما السّلام:إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما3.

ص: 50


1- -مقتضب الأثر:41،و البحار:309/26.
2- -الإمامة و التبصرة:109،و كمال الدين:360 ح 2.
3- -الإمامة و التبصرة:114،و كمال الدين:371 ح 3.
4- -الإمامة و التبصرة:114،و كمال الدين:371 ح 3.

ملئت ظلما و جورا.

فقال:«يا أبا القاسم ما منّا إلاّ قائم بأمر اللّه و هادي إلى دين اللّه،و لست القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها قسطا و عدلا،و هو الذي يخفى على الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته،و هو سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيته،و هو الذي تطوى له الأرض و يذل له كل صعب،و يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل(الاخلاص)ظهر أمره،فإذا كمل العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللّه،فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه تبارك و تعالى».

قال عبد العظيم:قلت له:يا سيّدي و كيف يعلم أن اللّه قد رضى؟

قال:«يلقي في قلبه الرحمة» (2).

[78] و روى البرسي في مشارق الأنوار:عن كعب بن الحارث قال:إن ذايزن الملك أرسل إلى السطيح لأمر شكّ فيه،فلمّا قدم عليه أراد أن يجرّب علمه قبل حكمه،فخبأله دينارا تحت قدمه ثم أذن له فدخل،فقال له الملك:ما خبأت لك يا سطيح؟

فقال سطيح:حلفت بالبيت و الحرم،و الحجر الأصم،و الليل إذا أظلم،و الصبح إذا تبسّم،و بكل فصيح و أبكم،لقد خبأت لي دينارا بين النعل و القدم.

فقال الملك:من أين علمك هذا؟

فقال:من قبل أخ لي جنّي ينزل معي إن نزلت.

فقال الملك:أخبرني عمّا يكون في الدهور.

فقال سطيح:إذا غارت الأخيار،و فازت الأشرار،و كذب بالأقدار،و حمل المال بالأوقار،و خشعت الأبصار لحامل الأوزار،و قطّعت الأرحام،و ظهرت الطغام المستحلي الحرام في حرمة الإسلام،و اختلفت الكلمة،و خفرت الذمة،و ذلك عند طلوع الكوكب الذي0.

ص: 51


1- -سورة البقرة:148.
2- -كمال الدين:378،و البحار:283/52 ح 10.

يفزغ العرب،و له شبيه الذنب،فهناك تنقطع الأمطار،و تغلو الأسعار في جميع الأقطار،ثم تقبل البربر بالرايات الصفر على البراذين السبر حتى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر فيبدل الرايات السود بالحمر،فيبيح المحرّمات،[و ينزل]النساء بالثدايا معلقات،و هو صاحب نهب الكوفة،فربّ بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفة،قتل زوجها و استحل فرجها،فعندها يظهر ابن النبي المهدي،و ذلك إذا قتل المظلوم بيثرب و ابن عمه في الحرم،فعند ذلك يقبل المشؤوم بجمعة الظلوم،فتظاهر الروم بقتل القروم،فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزحوف و صفّ الصفوف،ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن أبيض كالقطن اسمه حسين أو حسن فيذهب بخروجه غمر الفتن،فهناك يظهر مباركا زكيا و هاديا مهديا و سيّدا علويا،فيكشف بنوره الظلماء،و يظهر به الحق بعد الخفاء،و يفرّق الأموال في الناس بالسواء و يعيش الناس بالهناء،و يغسل بماء عدله عين الدهر من القذى،و يرد الحق على أهل القرى،و يكثر في الناس الضيافة و القرى،كأنه كان غبارا فانجلى،و هو علم للساعة بلا امتراء (1).

[79] و روى ابن عياش في المقتضب:بإسناده إلى النوشجان قال:لمّا جلى الفرس عن القادسية و بلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم و إدالة العرب عليه و ظن أن رستم قد هلك و الفرس جميعا،و جاء مبادر و أخبره بيوم القادسية و انجلائها عن خمسين ألف قتيل،خرج يزدجرد هاربا في أهل بيته و وقف بباب الايوان و قال:السلام عليك أيّها الايوان ها أنا ذا منصرف عنك و راجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه و لا آن أوانه.

قال سليمان الديلمي:فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن ذلك و قلت له:ما قوله أو رجل من ولدي؟

فقال:«ذلك صاحبكم القائم بأمر اللّه عزّ و جلّ،السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده و منه» (2).

[80] بإسناده إلى الشعبي قال:إن عبد الملك بن مروان دعاني فقال:يا أبا عمرو إن3.

ص: 52


1- -البحار:163/51.
2- -البحار:164/51،و معجم أحاديث المهدي:352/3.

موسى بن نصر العبدي كتب إليّ-و كان عامله على المغرب-يقول:بلغني أن مدينة من صفر كان ابتناها نبي اللّه سليمان بن داود عليه السّلام،أمر الجن أن يبنوها له،فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها،و أنها من عين القطر التي ألانها اللّه لسليمان بن داود عليه السّلام و أنها في مفازة الاندلس، و أن فيها من الكنوز التي استودعها سليمان عليه السّلام،و قد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها،فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنه صعب[لا يقطع] (1)إلاّ بالاستعداد من الظهور و الازواد الكثيرة مع بعد المسافة و صعوبتها،و أن أحدا لم يهتم بها إلاّ قصر عن بلوغها إلاّ دارا بن دارا،فلما قتله الاسكندر قال:و اللّه لقد[جئت] (2)الأرض و الأقاليم كلها و دان لي أهلها،و ما أرض إلاّ و قد و طأتها إلاّ هذه الأرض من الأندلس،فقد أدركها دارا بن دارا و أني لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها دارا.

فتجهز الاسكندر و استعد للخروج عاما،فلمّا ظنّ أنه قد استعد لذلك و قد كان بعث روّاده فأعلموه أن موانعا دونها.

فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصر يأمره بالاستعداد و الاستخلاف على عمله،فاستعد و خرج فرآها و ذكر أحوالها،فلما رجع كتب إلى عبد الملك بحالها.

و قال في آخر الكتاب:فلمّا مضت الأيام و فنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر،و سرت مع سور المدينة فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية،فوقفت على قراءته و أمرت بانتساخه فإذا هو شعر:

ليعلم المرء ذو العزّ المنيع و من *** يرجو الخلود و ما حيّ بمخلود

لو أن خلقا ينال الخلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داود

سالت له القطر عين القطر فائضة *** بالقطر سنّة عطاء غير مصدود

فقال للجن:ابنوا لي به أثرا *** يبقى إلى الحشر لا يبلى و لا يودي

فصيّروه صفاحا ثم هيل له *** إلى السماء بأحكام و تجويد

و افرغ القطر فوق السور منصلتا *** فصار أصلب من صمّاء صيخودت.

ص: 53


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -في المخطوط:جبت.

و بثّ فيه كنوز الأرض قاطبة *** و سوف يظهر يوما غير محدود

و صار في قعر بطن الأرض مضطجعا *** مصمّدا بطوابيق الجلاميد

لم يبق من بعده للملك سابقة *** حتى يضمن رمسا غير أخدود

و هذا ليعلم أن الملك منقطع *** إلاّ من اللّه ذي النعماء و الجود

حتى إذا ولدت عدنان صاحبها *** من هاشم كان منها خير مولد

و خصّه اللّه بالآيات منبعثا *** إلى الخليقة منها البيض و السود

له مقاليد أهل الأرض قاطبة *** و الأوصياء له أهل المقاليد

هم الخلائف اثنا عشرة حججا *** من بعدها الأوصياء و السادة الصيد

حتى يقوم بأمر اللّه قائمهم *** من السماء إذا ما باسمه نودي

فلمّا قرأ عبد الملك الكتاب و أخبره طالب بن مدرك-و كان رسوله إليه-بما عاين من ذلك و عنده محمد بن شهاب الزهري قال:ما ترى في هذا الامر العجيب؟

فقال الزهري:أرى و أظن أن جنّا كانوا موكلين بما في تلك المدينة حفظة لها يخيلون إلى من كان صعدها.

قال عبد الملك:فهل علمت من أمر المنادى باسمه من السماء شيئا؟

قال:إله عن هذا يا أمير المؤمنين.

قال عبد الملك:و كيف ألهو عن ذلك و هو أكبر أو طاري،لتقولنّ بأشدّ ما عندك في ذلك ساءني أم سرّني.

فقال الزهري:أخبرني علي بن الحسين عليه السّلام أن هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فقال عبد الملك:كذبتما،لا تزالان تدحضان في بولكما و تكذبان في قولكما،ذلك رجل منّا.

قال الزهري:أمّا أنا فرويته لك عن علي بن الحسين،فإن شئت فاسأله عن ذلك و لا لوم عليّ فيما قلته لك،فإن يك كاذبا فعليه كذبه،و إن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم.

فقال عبد الملك:لا حاجة لي إلى سؤال بني أبي تراب،فخفّض عليك يا زهري بعض

ص: 54

هذا القول فلا يسمعه منك أحد.

قال الزهري:لك عليّ ذلك (1).1.

ص: 55


1- -مقتضب الأثر:45،و البحار:166/51.

الفصل الثالث

في دلائل شيخ الطائفة طاب ثراه على الغيبة

و في غيبات الأنبياء عليهم السّلام و أعمار المعمرين و الاستدلال بها على غيبته عليه السّلام

قال الشيخ رحمه اللّه:اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان عليه السّلام طريقين:

أحدهما:

أن نقول:إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال و أن الخلق مع كونهم غير معصومين،لا يجوز أن يخلو من رئيس في وقت من الأوقات،و أن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته،فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما أو غائبا مستورا،فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته بل ظاهر أحوالهم و أفعالهم تنافي العصمة،علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور،و إذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممّن هو غائب من الكيسانية و الناووسية و الفطحية و الواقفة و غيرهم قولهم باطل،علمنا بذلك صحّة إمامة ابن الحسن عليه السّلام و صحّة غيبته و ولايته،و لا نحتاج إلى تكلّف الكلام في اثبات ولادته و سبب غيبته مع ثبوت ما ذكرناه.

ثم استدل طاب ثراه على وجوب الرئاسة بما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية،فصارت واجبة كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه،لأن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند و يؤدب الجاني وقع الفساد و قل الصلاح،و متى كان لهم رئيس هذه صفته شمل الصلاح و زال الفساد،و العلم بذلك ضروري.

ثم ذكر ما اعترض به بعض المخالفين على كلام المرتضى طاب ثراه:بأن الفائدة في الإمامة هو كونه مبعدا من القبيح على قولكم،و هذا لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل

ص: 56

وجوده من عدمه،و إذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه،لم يقتض دليلهم وجوب وجوده مع الغيبة.

و أجاب طاب ثراه:بأن انبساط يده عليه السّلام و الخوف من تأديبه إنما فات المكلفين بما يرجع إليهم،لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه و لم يمكّنوه،فأتوا من قبل أنفسهم و جرى ذلك مجرى أن يقول قائل:من لم يحصل له معرفة اللّه تعالى في تكليفه وجه قبح،لأنه لم يحصل له ما هو لطف له من المعرفة،فينبغي أن يقبح تكليفه،فما يقولونه هاهنا:من أن الكافر أتى من قبل نفسه،لأن اللّه قد نصب له الدلالة على معرفته و مكّنه من الوصول إليها،فإذا لم ينظر و لم يعرف أتى في ذلك من قبل نفسه و لم يقبح ذلك تكليفه،فكذلك نقول:انبساط يد الإمام و إن فات المكلف فانما أتى من قبل نفسه و لو مكّنه لظهر و انبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه،لأن الحجة عليه لا له.

ثم قال:فإن قيل:لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبة،و هلاّ جاز أن يكون معدوما؟.

قلنا:إنما أوجبنا ذلك من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلاّ بعد وجوده و ايجاده لم يكن في مقدورنا.

قلنا عند ذلك:إنه يجب على اللّه ذلك،و إلاّ أدى إلى أن لا نكون مزاحي العلة بفعل اللطف،فنكون أتينا من قبله تعالى لا من قبلنا،و إذا أوجده و لم نمكّنه من انبساط يده أتينا من قبل نفوسنا،فحسن التكليف و في الأول لم يحسن.

ثم تكلم طاب ثراه على اعتراضات القوم و أجاب عنها و أبطلها ثم قال:فإن قيل:فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟فإن سقطت على الجاني على ما يوجبها الشرع،فهذا نسخ الشريعة و إن كانت باقية فمن يقيمها؟

قلنا:الحدود المستحقة باقية في جنوب مستحقيها،فإن ظهر الإمام و مستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الإقرار،و إن كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام و ألجأه إلى الغيبة،و ليس هذا نسخا لإقامة الحدود،لأن الحدّ إنما يجب إقامته مع التمكّن و زوال المانع و يسقط مع الحيلولة،و إنما يكون ذلك نسخا لو سقط إقامتها مع الإمكان و زوال

ص: 57

المانع،و يقال لهم:ما يقولون في الحال التي لا يتمكن أهل الحل و العقد من اختيار الإمام،ما حكم الحدود؟

فإن قلتم:سقطت فهذا نسخ على ما الزمتموناه،و إن قلتم:هي باقية في جنوب مستحقيها فهو جوابنا بعينه (1).

[81] كمال الدين:بإسناده عن الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن صالحا عليه السّلام غاب عن قومه زمانا،و كان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن حسن الجسم وافر اللحية خميص البطن خفيف العارضين ربعة من الرجال،فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته،فرجع إليهم و هم على ثلاث طبقات:طبقة جاحدة لا ترجع أبدا و أخرى شاكّة فيه و أخرى على يقين،فبدأ عليه السّلام حيث رجع بطبقة الشكاك،فقال لهم:أنا صالح.

فكذبوه و شتموه و زجروه و قالوا:برىء اللّه منك،إن صالحا كان في غير صورتك.

قال:فأتى الجحّاد،فلم يسمعوا منه القول و نفروا منه أشدّ النفور،ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة و هم أهل اليقين فقال لهم:أنا صالح.

فقالوا:أخبرنا خبرا لا نشك فيك معه أنك صالح،فإنّا لا نمتري أن اللّه تبارك و تعالى الخالق ينقل و يحوّل في أي الصور شاء،و قد أخبرنا و تدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء،و إنّما صحّ عندنا إذا أتى الخبر من السماء.

فقال لهم صالح:أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة.

فقالوا:صدقت و هي التي نتدارس،فما علاماتها؟

قال:لها شرب و لكم شرب يوم معلوم.

قالوا:آمنا باللّه و بما جئتنا به.

فعند ذلك قال اللّه تبارك و تعالى:إن صالحا مرسلا من ربّه.

قال أهل اليقين:إنّا بما ارسل به مؤمنون.

قال الذين استكبروا و هم الشكّاك و الجحّاد:إنّا بالذي آمنتم به كافرون».

قلت:هل كان فيهم ذلك اليوم عالم؟1.

ص: 58


1- -كتاب الغيبة:11،و البحار:173/51.

قال:«اللّه أعدل من أن يترك الأرض بغير عالم يدل على اللّه تبارك و تعالى،و لقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما غير أنهم على ما في أيديهم من دين اللّه عزّ و جلّ كلمتهم واحدة.

فلمّا ظهر صالح عليه السّلام اجتمعوا عليه،و إنما مثل القائم عليه السّلام مثل صالح عليه السّلام» (1).

[82] و عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:«في القائم عليه السّلام سنّة من موسى بن عمران عليه السّلام».

فقلت:ما سنّته من موسى بن عمران؟

قال:«خفاء مولده و غيبته عن قومه».

فقلت:و كم غاب موسى عن قومه و أهله؟

قال:«ثماني و عشرين سنة» (2).

[83] و عن أبي بصير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في صاحب هذا الأمر:«أربع سنن من أربعة أنبياء:سنّة من موسى و سنّة من عيسى و سنّة من يوسف و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله.

فأمّا من موسى فخائف يترقّب،و أمّا من يوسف فالسجن،و أمّا من عيسى فيقال أنه مات و لم يمت،و أمّا من محمد صلّى اللّه عليه و آله فالسيف» (3).

[84] و عن سعيد بن جبير عن سيد العابدين عليه السّلام قال:«في القائم منّا سنن من سنن الأنبياء عليهم السّلام سنّة من آدم و نوح و سنّة من إبراهيم و سنّة من موسى و سنّة من عيسى و سنّة من أيوب و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله،فأمّا من آدم و نوح فهو طول العمر و سنّة من إبراهيم عليه السّلام و هو خفاء الولادة و اعتزال الناس و سنّة من موسى و هو الخوف و الغيبة و سنّة من عيسى و هو اختلاف الناس فيه و سنّة من أيوب و هو الفرح بعد البلوى و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله و هو الخروج بالسيف» (4).4.

ص: 59


1- -كمال الدين:136 ح 6،و البحار:387/11.
2- -الإمامة و التبصرة:109 ح 95،و كمال الدين:152 ح 14.
3- -كمال الدين:152 ح 16،و معجم أحاديث المهدي:240/3.
4- -كمال الدين:322،و البحار:217/51 ح 4.

[85] و عن الباقر عليه السّلام:«إن فيه سنّة من يونس،و هو رجوعه من غيبته و هو شاب بعد كبر السن،و سنّة من عيسى و هو اختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم:ما ولد،و قالت طائفة:مات،و قالت طائفة:قتل و صلب.

و أمّا شبهه من جدّه المصطفى صلّى اللّه عليه و آله فخروجه بالسيف و قتله أعداء اللّه و أعداء رسوله و الجبارين و الطواغيت،و أنه ينصر بالسيف و الرعب و أنه لا ترد له راية،و أن من علامات خروجه:

خروج السفياني من الشام،و خروج اليماني،و صيحة من السماء في شهر رمضان، و مناد ينادي من السماء باسمه و اسم أبيه» (1).

[86] كمال الدين:و عن سدير الصيرفي قال:دخلت أنا و جماعة على الصادق عليه السّلام فرأيناه جالسا على التراب يبكي بكاء بالثكلى و يقول:«سيّدي غيبتك نفت رقادي و ضيّقت عليّ مهادي و ابتزت مني راحة فؤادي.

[سيدي:غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد،و فقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع و العدد،فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني و أنيني يفتر من صدري عن دوارج الرزايا و سوالف البلايا إلاّ مثل بعيني عن غوابر أعظمها و أفظعها،و بواقي أشدّها و أنكرها،و نوائب مخلوطة بغضبك و نوازل معجونة بسخطك]».

قال سدير:فاستطارت عقولنا و قلت:لا أبكى اللّه عينيك أي حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال:فزفر زفرة أنتفخ منها جوفه.

و قال:«ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم،و هو الكتاب المشتمل على علم المنايا و البلايا و علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة،الذي خص اللّه به محمدا و الأئمة من بعده عليه و عليهم السلام،و تأملت منه مولد قائمنا و غيبته و ابطاءه و طول عمره و بلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان،و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال اللّه تقدس ذكره: وَ كُلَّ إِنسانٍ1.

ص: 60


1- -كمال الدين:327،و البحار:218/51.

أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ .

يعني الولاية،فأخذتني الرقة و استولت عليّ الأحزان».

قلت:يا بن رسول اللّه شرّفنا في بعض ما أنت تعلمه من ذلك.

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى أدار في القائم منّا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل،قدّر مولده تقدير مولد موسى و قدّر غيبته تقدير غيبة عيسى و قدّر ابطاءه ابطاء نوح،و جعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر عليه السّلام دليلا على عمره».

فقلت له:اكشف لنا يا بن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني.

قال:«و أمّا مولد موسى فإن فرعون لمّا وقف على أن زوال ملكه على يده،أمر بإحضار الكهنة فدلّوه على نسبه و أنه من بني إسرائيل،و لم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود حتى تعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ اللّه تبارك و تعالى إيّاه،و كذلك بنو أمية و بنو العباس لمّا وقفوا على أن زوال ملكهم و ملك الأمراء و الجبابرة على يد القائم منّا،ناصبونا العداوة و وضعوا سيوفهم في[قتل] (1)آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ابادت نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السّلام،و يأبى اللّه أن ينكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره و لو كره المشركون.

و أمّا غيبة عيسى عليه السّلام فإن اليهود و النصارى اتفقت على أنه قتل،فكذبهم اللّه بقوله: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (2).

كذلك غيبة القائم عليه السّلام فإن الإمة تنكرها،فمن قائل بأنه:لم يولد،و قائل يقول:إنه ولد و مات،و قائل يكفر بقوله أن حادي عشرنا كان عقيما،و قائل يمرق بقوله:إنه يتعدى إلى ثلاث عشر فصاعدا،و قائل يعصي اللّه عزّ و جلّ بقوله:إن روح القائم تنطق في هيكل غيره.7.

ص: 61


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -سورة النساء:157.

و أمّا ابطاء نوح عليه السّلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه[من السماء] (1)،بعث اللّه عزّ و جلّ الروح الأمين عليه السّلام بسبعة نويات فقال:يا نبي اللّه إن اللّه تبارك و تعالى يقول لك:إن هؤلاء خلائقي و عبادي و لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأكيد الدعوة و الزام الحجة،فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه،و اغرس هذا النوى فإن لك في نباتها و بلوغها و ادراكها إذا أثمرت الفرح و الخلاص،فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار و بلغت و أثمرت بعد زمن طويل استنجز من اللّه سبحانه و تعالى العدة،فأمر اللّه تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار و يعاود الصبر و الاجتهاد و يؤكد الحجة على قومه،و أخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل و قالوا:لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وعد من وعد ربّه خلف.

ثم إن اللّه تبارك و تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات،فما زالت تلك الطوائف ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف و سبعين رجلا،فأوحى اللّه عزّ و جلّ عند ذلك إليه و قال:الآن أسفر الصبح عند الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه و صفى من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة،فلو أني أهلكت الكفار و أبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك،لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك و أعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض و أمكّن لهم دينهم و أبدّل خوفهم بالأمن،لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم،و كيف يكون الاستخلاف و التمكين و بدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا و خبث طينتهم و سوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق،فلو أنهم تنسموا مني الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا هلكت أعدائهم لنشقوا روائح صفاته و كاشفوا إخوانهم بالعداوة و حاربوهم على طلب الرئاسة، وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا .

و كذلك القائم تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفو الإيمان من الكذبى.

ص: 62


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين في عهد القائم عليه السّلام».

قال المفضل:فقلت يا بن رسول اللّه إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي.

قال:«لا هدى اللّه قلوب النواصب،متى كان الدين الذي ارتضاه اللّه و رسوله متمكّنا بانتشار الأمن في الأمة و ذهاب الخوف من قلوبها و ارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد هؤلاء و عهد علي عليه السّلام مع ارتداد المسلمين و الفتن التي كانت تثور في أيامهم و الحروب التي كانت تنشب بين الكفار و بينهم-ثم تلا الصادق عليه السّلام-: حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا (1).

و أمّا العبد الصالح الخضر عليه السّلام فإن اللّه تعالى ما طول عمره لنبوة قدّرها له و لا لكتاب ينزل عليه و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له،بلى إن اللّه تبارك و تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه السّلام في أيام غيبته ما يقدّر و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول،طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك،إلاّ لعلة الاستدلال به على عمر القائم عليه السّلام و ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل».انتهى ملخصا (2).

[87] و عن أبي سعيد الخراساني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لأي شيء سمّي القائم؟ قال:«لأنه يقوم بعد ما يموت،أنه يقوم بأمر عظيم يقوم بأمر اللّه سبحانه».

يقول مؤلف الكتاب أيّده اللّه تعالى:جاء في أخبار الآحاد ما يوافق هذا الحديث و هو محمول عند علمائنا طيب اللّه ثراهم على معنى:أنه يموت ذكره و يعتقد أكثر الناس على أنه بلى عظامه،ثم يظهره اللّه تعالى كما أظهر عزير صاحب الحمار،أماته اللّه مائة عام ثم بعثه إلاّ أن موت هذا حقيقي.1.

ص: 63


1- -سورة يوسف:110.
2- -كمال الدين:357،و البحار:222/51.

[88] كمال الدين:قال حدثنا عبد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب الشجري عن محمد بن القاسم البرقي و علي بن الحسن اللايكي قال:لقينا بمكة رجلا من المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة و هي سنة تسع و ثلاثمائة،فرأيناه رجلا أسود الرأس و اللحية كأنه شن بال،و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آبائهم حكوا عن آبائهم و أجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمّر و اسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مؤيد،و ذكروا أنه همداني و أن أصله من(صفراء اليمن).

فقلنا له:أنت رأيت علي بن أبي طالب عليه السّلام؟

فقال بيده و فتح عينيه و قد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال:رأيته بعيني هاتين و كنت خادما له،و كنت معه في وقعة صفين و هذه الشجة من دابة علي عليه السّلام.

و أرانا أثرها على حاجبه الأيمن،و شهدوا الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ و من حفدته و أسباطه بطول العمر،و أنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة و كذا سمعنا من آبائنا و أجدادنا،ثم إنّا فاتحناه و سألناه عن قصته و سبب طول عمره،فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له و يجيب عنه بلبّ و عقل.

فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل و قرأها،و قد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان و أنها تجري في الظلمات و أنه من شرب منها طال عمره،فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود حسب ما قدّر أنه يكتفي به في مسيره،و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين بازلين و عدّة جمال لبون و روايا و زادا،و أنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة،فساربنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها،و كنّا نسير بين الليل و النهار،لأن النهار كان أضوء قليلا و أقل ظلمة[من الليل]،فنزلنا بين جبال و أدوية و ذكوات،و قد كان والدي رحمه اللّه [يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنه] (1)وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوانى.

ص: 64


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

في ذلك الموضع،فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فنى الماء الذي كان معنا و أسقيناه جمالنا، و لو لا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا و تلفنا عطشا،و كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.

فكنّا في تلك البقعة نحو خمسة أيام و والدي يطلب النهر فلا يجده،و بعد الاياس عزم على الإنصراف حذرا من التلف لفناء الزاد و الماء،و الخدم الذين كانوا معنا ضجروا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب،فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم،فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار و لا بالكبير يجري جريا ليّنا،فدنوت منه و غرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا،فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء، فحملوا ما كان معنا من القرب و الأدوات لنملأها و لم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر،و كان سروري بوجود الماء لما كنّا فيه من عدم الماء،و كان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب،فجهدنا و طفنا ساعة قويّة في طلب النهر،فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني و قالوا لي:لم تصدق.

فلمّا انصرفت إلى الرحل و انصرف والدي أخبرته القصة فقال لي:يا بني الذي أخرجني إلى ذلك المكان و تحمل الخطر كان لذلك النهر،و لم أرزق أنا و أنت رزقته،و سوف يطول عمرك حتى تملّ الحياة.

و رحلنا منصرفين و عدنا إلى أوطاننا و بلدنا،و عاش والدي بعد ذلك سنيّات ثم مات رحمه اللّه،فلمّا بلغ سنّي قريبا من ثلاثين سنة و كان اتصل بنا وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و وفاة الخليفتين بعده،خرجت حاجّا فلحقت آخر أيام عثمان،فمال قلبي من بين أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى علي بن أبي طالب،فأقمت أخدمه و شهدت معه وقائع و في وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته،فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله عليه السّلام فألح عليّ أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم أقم و انصرفت إلى بلدي،و خرجت أيام بني مروان حاجّا و انصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية،و ما خرجت في سفر إلاّ كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري،فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني و يسألوني عن طول عمري و عمّا شاهدت،و كنت

ص: 65

أتمنى أن أحج حجّة أخرى،فحملوني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي.

و ذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة،فسألناه أن يحدّثنا بما سمع من أمير المؤمنين عليه السّلام فذكر أنه لم يكن له حرص و لا همّة في طلب العلم وقت صحبته لعلي عليه السّلام.

قال:فمن فرط ميلي إلى علي عليه السّلام و محبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته و صحبته،و الذي كنت أتذكره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من الناس ببلاد المغرب و مصر و الحجاز و قد انقرضوا،و هؤلاء أهل بلدي و حفدتي قد دونوه.

فأخرجوا إلينا النسخة،و أخذ يملي علينا من حفظه (1).

[89] حدّثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن سويد الهمداني المعروف بأبي الدنيا المعمّر المغربي رضى اللّه عنه حيّا و ميتا قال:حدّثنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من أعان ملهوفا كتب اللّه له عشر حسنات و محى عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات» (2).

[90] ثم قال عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من سعى في حاجة أخيه المسلم للّه فيها رضى و له فيها صلاح،فكأنما خدم اللّه ألف سنة و لم يقع في معصية طرفة عين» (3).

[91] حدّثنا أبو الدنيا معمّر المغربي قال:سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«أصاب النبي صلّى اللّه عليه و آله جوع شديد و هو في منزل فاطمة.

قال عليّ:فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و آله:يا علي هات المائدة.

فقدمت المائدة،فاذا عليها خبز و لحم مشوي» (4).

[92] حدّثنا أبو الدنيا معمّر قال:سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«جرحت في وقعة خيبر خمسا و عشرين جراحة،فجئت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فلمّا رأى ما1.

ص: 66


1- -كمال الدين:539،و البحار:226/51.
2- -كمال الدين:541،و البحار:228/51.
3- -البحار:228/51،و مستدرك سفينة البحار:456/2.
4- -كمال الدين:542 ح 4،و البحار:228/51.

بي بكى و أخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات،فاسترحت من ساعتي» (1).

[93] و حدّثنا أبو الدنيا قال:حدثني علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من قرأ(قل هو اللّه أحد)مرّة فكأنما قرأ ثلث القرآن،و من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن،و من قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله» (2).

[94] و حدّثنا أبو الدنيا قال:سمعت علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كنت أرعى الغنم،فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق،فقلت:ما تصنع هاهنا؟

فقال لي:و أنت ما تصنع هاهنا؟

قلت:أرعى الغنم.

قال:ذا الطريق.

قال:فسقت الغنم،فلمّا توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شدّ على شاة فقتلها.

قال:فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته و جعلته على يدي و جعلت أسوق الغنم فلمّا سرت غير بعيد إذا أنا بثلاثة أملاك:جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت صلوات اللّه عليهم،فلمّا رأوني قالوا:هذا محمد بارك اللّه فيه.

فاحتملوني و أضجعوني و شقّوا جوفي بسكين كان معهم و أخرجوا قلبي من موضعه،و غسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتى نقى من الدم ثم ردّوا قلبي إلى موضعه و مرّوا أيديهم على جوفي فالتحم الشق باذن اللّه تعالى،فما أحسست بسكين و لا وجع.

قال:و خرجت أعدو إلى أمي-يعني حليمة داية النبي صلّى اللّه عليه و آله-فقالت لي:أين الغنم؟

فخبّرتها الخبر،فقالت:سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة».

و كان هذا الشيخ في زمان المقتدر (3).

[95] ثم قال:و أخبرني الحسن بن محمد الحسيني عن الشريف محمد بن الحسنق.

ص: 67


1- -كمال الدين:542 ح 5،و البحار:228/51.
2- -كمال الدين:542 ح 7.
3- -المصدر السابق.

العلوي أنه قال:حججت في سنة ثلاث عشرة و ثلاثمائة،فدخلت مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فاصبت قافلة المصريين و بها أبو بكر المادرائي و معه رجل من أهل المغرب و ذكر أنه رأى[رجلا من] (1)أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاجتمع عليه الناس يتبركون به،فأمر عمّي طاهر بن يحيى غلمانه فأدخلوه إلى داره فأذن للناس و دخلوا،و كان معه خمسة نفر ذكروا أنهم أولاد أولاده و لم يكن [معه]فيهم من هو أصغر منه،و كان إذا رأيته قلت:ابن ثلاثين سنة أو أربعين سنة أسود الرأس و اللحية.

قال أبو محمد العلوي:فحدّثنا هذا الرجل و اسمه علي بن عثمان بجميع ما كتبناه عنه و سمعناه من لفظه،و هو أن الشيخ المغربي حدثنا بدء خروجه من بلده حضرموت و ذكر:أن أباه خرج هو و عمّه و خرجا به معهما يريدون الحج و زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله فخرجوا من بلادهم حضرموت و ساروا أياما ثم أخطأوا الطريق فأقاموا تائهين ثلاثة أيام،فوقعوا في جبال رمل يقال لها:رمل عالج يتصل برمل إرم ذات العماد،فنظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها،فأشرفنا على واد و إذا برجلين قاعدين على بئر أو عين،فلمّا نظرا إلينا قام أحدهما فأخذ دلوا فأدلاه فاستسقى فيه من تلك العين أو البئر و استقبلنا،فجاء إلى أبي فناوله الدلو.

فقال أبي:قد أمسينا ننيخ على هذا الماء و ننظر إن شاء اللّه.

فصار إلى عمي فقال له:اشرب.

فردّ عليه كما ردّ عليه أبي.

فقال لي:اشرب،فشربت.

فقال لي:هنيئا لك،فإنك ستلقى علي بن أبي طالب عليه السّلام فأخبره أيها الغلام بخبرنا و قل له:الخضر و الياس يقرآنك السلام،و ستعمّر حتى تلقى المهدي و عيسى ابن مريم عليه السّلام فإذا لقيتهما فاقرأهما منّا السلام.

ثم قالا:ما يكون هذان منك؟

فقلت:أبي و عمي.

فقالا:أمّا عمك فلا يبلغ مكة،و أمّا أنت و أبوك فستبلغان،و يموت أبوك و تعمّر أنتى.

ص: 68


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

و لستم تلحقون النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنه قد قرب أجله.

ثم غابا فما أدري أين مرّا أفي السماء أو في الأرض؟

فنظرنا فإذا لا أثر و لا عين و لا ماء،فسرنا متعجبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران، فاعتل عمي و مات بها و حججت مع أبي و وصلنا المدينة فمات بها،و أوصى بي إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام فأخذني و كنت معه أيام أبي بكر و عمر و عثمان و خلافته حتى قتله ابن ملجم لعنه اللّه.

و ذكر:أنه لمّا حوصر عثمان بن عفان في داره،دعاني فدفع إليّ كتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام و كان غائبا بينبع في ضياعه،فأخذت بالكتاب و سرت به إلى موضع يقال له:جدار أبي عبابة فسمعت قرآنا فإذا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يسير مقبلا و هو يقول: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (1).

فلمّا نظر إليّ قال:أبا الدنيا ما وراءك؟

قلت:هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان.

فقرأه فاذا فيه:

فإن كنت مأكولا فكنت أنت آكلي *** و إلاّ فأدركني و لمّا أمزق

فقال:سر،فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان،فمال إلى حديقة بني النجار و جاء الناس إليه ركضا،و قد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد اللّه،فلمّا نظروا إليه أرفضوا إرفضاض الغنم شدّ عليها السبع،فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايعه المهاجرون و الأنصار،فقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل و صفين،و كنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه و أدفعه إليه،و كان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي،فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فتركه عليها،فو اللّه ما وجدت لها ألما و لا وجعا.

ثم أقمت معه حتى قتل عليه السّلام و صحبت الحسن بن علي عليهما السّلام حتى ضرب بساباط المدائن ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه و أخدم الحسين عليه السّلام حتى مات الحسن مسموما سمّته5.

ص: 69


1- -سورة المؤمنون:115.

جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي لعنها اللّه دسّا من معاوية،ثم خرجت مع الحسين بن علي عليه السّلام حتى حضر كربلاء و قتل عليه السّلام و خرجت هاربا من بني أمية،و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي و عيسى ابن مريم عليهم السّلام.

قال أبو محمد العلوي:و من عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان و هو في دار عمي طاهر بن يحيى و هو يحدث بهذه الأعاجيب و بدء خروجه،فنظرت إلى عنفقته و قد أحمرّت ثم ابيضّت،فجعلت أنظر إلى ذلك،لأنه لم يكن في لحيته و لا في رأسه و لا في عنفقته بياض.

فنظر إلى نظري إلى لحيته و عنفقته فقال:أما ترون أن هذا يصيبني إذا جعت،فإذا شبعت رجعت إلى سوادها.

فدعى عمي بطعام و أخرج من داره موائد الطعام،فوضعت واحدة بين يدي الشيخ و كنت أنا أحد من جلس عليها،فأكلت معه و هو يأكل أكل شاب،و أنا أنظر إلى عنفقته و هي تسودّ حتى إذا شبع عادت إلى سوادها.

[96] فحدثنا علي بن عثمان قال:حدثني علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فمن أحبّ أهل اليمن فقد أحبني،و من أبغضهم فقد أبغضني».

[97] حديث عبيد بن شريد الجرهمي:حدّثنا أبو سعيد الشجري:قال:وجدت في كتاب لأخي أبي الحسن بخطه يقول:سمعت بعض أهل العلم ممّن قرأ الكتب و سمع الأخبار أن عبيد بن شريد الجرهمي و هو معروف عاش ثلاثمائة سنة و خمسين سنة فأدرك النبي صلّى اللّه عليه و آله و حسن إسلامه و عمّر بعد ما قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى قدم على معاوية في أيام تغلّبه و ملكه،فقال له معاوية:أخبرني يا عبيد عمّا رأيت و سمعت و من أدركت و كيف رأيت الدهر؟

فقال:أمّا الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت،و لم أدرك أهل زمان إلاّ و هم يذمون زمانهم.

و أمّا ما سمعت:فإنه حدّثني ملك من ملوك حمير أن بعض ملوك التبابعة ممّن دانت له البلاد كان يقال له:ذو سرح،كان أعطي الملك في عنفوان شبابه،و كان حسن السيرة في أهل مملكته،سخيّا فيهم مطاعا،فملكهم سبعمائة سنة،و كان كثيرا ما يخرج في خاصته إلى الصيد

ص: 70

و النزهة،فخرج يوما إلى بعض متنزهه فأتى على حيتين إحداهما بيضاء كلها كأنها سبيكة فضة و الأخرى سوداء كأنها حممة و هما يقتتلان،و قد غلبت السوداء[على]البيضاء و كادت تأتي على أنفاسها،فأمر الملك بالسوداء فقتلت و أمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء يفيء عليها شجرة،فأمر فصب عليها من الماء و سقيت حتى رجع إليها نفسها فأفاقت فخلاّ سبيلها فانسابت الحية و مضت لسبيلها.

و مكث الملك يومئذ في متصيده و نزهته،فلمّا أمسى و رجع إلى منزله و جلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب و لا أحد،فبينا هو كذلك إذ رأى شابا آخذا بعضادتي الباب و عليه من الثياب و الجمال شيء لا يوصف فسلم على الملك،فذعر منه الملك و قال له:من أنت و من أدخلك و أذن لك في الدخول عليّ في هذا الموضع الذي لا يصل إليّ فيه أحدا؟

فقال له الفتى:لا ترع أيها الملك إني لست بإنسي،و لكني فتي من الجن أتيتك لأجازيك على بلائك الحسن الجميل عندي.

فقال الملك:و ما بلائي عندك؟

قال:أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا،و الأسود الذي قتلته و خلصتني منه كان غلاما لنا و قد قتل من أهل بيتي عدة،كان إذا خلا بواحد منّا قتله،فقتلت عدوي و أحييتني،فجئت لأكافئك ببلائك عندي،و نحن أيها الملك الجن لا الجن.

فقال له الملك:و ما الفرق بين الجن و الجن؟

ثم انقطع الحديث الذي كتبه أخي فلم يكن هناك تمامه (1).

[98] و أمّا الربيع بن الفضل الفزازي:فروى الصدوق طاب ثراه بإسناده إلى محمد بن الحسن الأزدي قال:لمّا و فد الناس على عبد الملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الربيع الفزاري و كان أحد المعمرين و معه ابن ابنه وهب بن عبد اللّه بن الربيع شيخا فانيا،قد سقط حاجباه على عينيه و قد عصبهما،فلمّا رآه الآذن-و كانوا يأذنون للناس على أسنانهم-قال له:ادخل أيها الشيخ.3.

ص: 71


1- -كمال الدين:549،و البحار:234/51 ح 3.

فدخل يدبّ على العصا يقيم بها صلبه و لحيته على ركبتيه،فلمّا رآه عبد الملك رقّ له و قال له:اجلس أيها الشيخ.

فقال:كيف يجلس من جدّه على الباب؟

فقال:أنت إذن من ولد الربيع.

قال:نعم أنا وهب بن عبد اللّه بن الربيع.

قال للآذن:أدخل الربيع.

فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى:أين الربيع؟

فقال:ها أنا.

فقام يهرول في مشيته،فلمّا دخل على عبد الملك سلّم.

فقال عبد الملك:و أبيكم إنه لأشبّ الرجلين،يا ربيع أخبرني عمّا أدركت من العمر؟

فقال:عشت مآتي سنة في الفترة بين عيسى و محمد صلّى اللّه عليه و آله،و عشرين و مائة سنة في الجاهلية،و ستين سنة في الإسلام.

أقول:

[99] ثم ذكر الصدوق طاب ثراه كثيرا من المعمّرين و فيهم من عاش ثلاثة آلاف سنة،و كان من ولد عاد،و لمّا أتى على آخرهم قال طاب ثراه:

هذه الأخبار التي ذكرتها في المعمرين،قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي و محمد بن إسحاق بن بشار و عوانة بن الحكم[و عيسى بن يزيد بن رئاب و الهيثم بن عدي الطائي] (1).

و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«كلما كان في الأمم السالفة فيكون في هذه الأمة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».

و قد صحّ هذا التعبير فيمن تقدم،و صحت الغيبات الواقعة بحجج اللّه عليهم السّلام فيما مضى من القرون،فكيف السبيل إلى إنكار القائم عليه السّلام لغيبته و طول عمره مع الأخبار الوارده فيه عنى.

ص: 72


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن الأئمة عليه السّلام (1).

[100] و روى الصدوق قدّس اللّه ضريحه عن الأسواري عن مكي بن أحمد قال:سمعت إسحاق الطوسي يقول-و كان قد أتى عليه سبعة و تسعون سنة-على باب يحيى بن منصور قال:رأيت سربانك ملك الهند في بلد تسمى صوح،فسألناه كم أتى عليك من السنين؟

قال:تسعمائة سنة و خمس و عشرون سنة،و هو مسلم فزعم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنفذ إليه عشرة من أصحابه فأسلم فقلت له:ما طعامك؟

قال:آكل ماء اللحم و الكراث.

و سألته:هل يخرج منك شيء؟

فقال:في كل اسبوع مرة شيء يسير.

و سألته عن أسنانه؟

فقال:أبدلتها عشرين مرة.

و رأيت له في اصطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له:زند فيل.

فقلت:ما تصنع بهذا؟

قال:يحمل ثياب الخدم إلى القصار و مملكته مسيرة أربع سنين في مثلها و مدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها،و على كل باب منها عسكر[في]مائة ألف و عشرين ألفا إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها و هو في وسط المدينة.

و سمعته يقول:دخلت إلى[المغرب] (2)فبلغت رمل عالج و صرت إلى قوم موسى عليه السّلام،فرأيت سطوح بيوتهم مستوية،و بيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت و الباقي يتركونه هناك،و قبورهم في دورهم،و بساتينهم من المدينة على فرسخين،ليس فيهم شيخ و لا شيخة،و لم أرفيهم علة و لا يعتلون إلى أن يموتوا،و لهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه و أخذ ما يصيبه و صاحبه غير حاضر،و إذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا و انصرفوا لا يكون بينهم خصومة و لا كلام يكره إلاّ ذكر اللّه عزّ و جلّ و الصلاةل.

ص: 73


1- -عيون أخبار الرضا:218/1،و الفقيه:203/1،و كمال الدين:23.
2- -في المخطوط:الرمل.

و ذكر الموت.

قال الصدوق رحمه اللّه:اذا كان عند مخالفينا مثل هذا الحال لسربانك ملك الهند،فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلك في حجة اللّه من التعمير،و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.

أقول:و من المعمّرين عمرو بن عامر ملك من ملوك اليمن،زعموا أنه كان يلبس كل يوم حلتين فيمزقهما بالعشي و يكره أن يعود فيهما،و يأنف أن يلبسهما أحد غيره (1).

[101] عوالي اللئالي للفاضل ابن جمهور الأحسائي:باسناده إلى الشيخ صدر الدين الساوي قال:دخلت على الشيخ بابارتن و قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر،فرفعهما عن عينيه و نظر إليّ و قال:ترى عيني هاتين،طالما نظرتا إلى وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قد رأيته يوم حفر الخندق و كان يحمل على ظهره التراب مع الناس،و سمعته يقول في ذلك اليوم:«اللهم إني أسألك عيشة هنيئة و ميتة سوية و مردا غير مخذولا و لا فاضح».

أقول:ذكر في القاموس:أن بابارتن ظهر في الهندسنة ستمائة،و زعم أنه رأى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كثير من الناس يطعن في دينه (2).

[102] و روى السيد علي بن عبد الحميد في الأنوار المضيئة:يرفعه إلى أبي الحسن الكاتب البصري و كان من الأدباء قال:في سنة أثنتين و تسعين و ثلثمائة منع الأمطار سنتين،و كانت البصرة رخيصة فتسامع البدو بذلك و وردوها من الأقطار البعيدة،فخرجت مع جماعة نتصفح أحوالهم و نلتمس فائدة،فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا و حوله جماعة،فسلمنا عليه فرد التحية و قلنا:جئنا نلتمس الفائدة منك لعلو سنّك.

فقال الشيخ:إن الدنيا شغلتنا عمّا تبغونه مني،فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي و ها بيته.

فقصدنا البيت فوجدنا فيه شيخا[منضجعا]و حوله خدم،فسلمنا عليه و أخبرناه بكلام ابنه.1.

ص: 74


1- -كمال الدين:643،و البحار:521/14.
2- -عوالي اللئالي:29/1،و البحار:258/51.

فقال:حيّاكم اللّه إن الذي أشغل ابني هو الذي أشغلني،و لكن الفائدة تجدونها عند والدي و أشار إلى بيت منيف.

فقلنا فيما بيننا:حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني.

فقصدناه فوجدنا حوله عبيدا و إماء،و إذا على الوسادة رأس شيخ قد بلى،فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قلنا له:إن أولادك أرشدونا إليك للفائدة.

فقال للخدم:أجلسوني.

ثم قال:يا بني أخي احفظوا حديثي:كان والدي لا يعيش له ولد فولدت له على كبر ثم مات ولي سبع سنين فكفلني عمّي،فدخل بي يوما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:إن هذا ابن أخي و أنا كفيل بتربيته و إنني أنفس به على الموت،فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها.

فقال:«أين أنت عن ذات القلاقل».

فقال:يا رسول اللّه و ما ذات القلاقل؟

قال:«أن تعوّذه فتقرأ عليه سورة الجحد و سورة الإخلاص و سورة الفلق و سورة الناس».

و أنا إلى اليوم أتعوّذ بها كل غداة فما أصبت و لا أصيب لي مال و لا مرضت و لا افتقرت،و قد انتهى بي السن إلى ما ترون،فحافظوا عليها و استكثروا من التعوّذ بها.

ثم انصرفنا من عنده.

[103] أقول:و قد ذكر الصدوق و المرتضى قدّس اللّه روحيهما من المعمّرين جماعة كثيرة للاحتجاج على المخالفين في إنكارهم طول عمر المهدي عليه السّلام (1).1.

ص: 75


1- -مستدرك الوسائل:392/4،و البحار:260/51.

الفصل الرابع

في معجزاته و في أحوال سفرائه و تكذيب غيرهم و فيمن رآه

[104] الخرائج و الجرائح:عن ابن أبي روح قال:وجهت إليّ امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت:أنت أوثق من في ناحيتنا دينا و ورعا،و أني أريد أن أودعك أمانة.

فقلت:أفعل.

فقالت:هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله[و لا تنظر فيه] (1)حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه،و هذا قرطي يسوى عشرة دنانير،و فيه ثلاث حبات لؤلؤ تسوى عشرة دنانير،ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

قلت:و ما الحاجة؟

قالت:عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممّن استقرضتها،فإن أخبرك عنها فادفعها إلى من يأمرك بها.

فحملت المال إلى سرّ من رأى،فدنوت من دار أبي محمد عليه السّلام فخرج إليّ خادم فقال:أنت أحمد بن أبي روح؟

قلت:نعم.

قال:هذه الرقعة اقرأها.

فإذا فيها مكتوب:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك و هو خلاف ما تظن،و قد أديت فيه الأمانة و لم تحل الكيس و لم تدر ما فيه،و فيه ألف درهم

ص: 76


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

و خمسون دينارا،و معك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين الذين فيه،و فيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير و[هي]تساوي أكثر،فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها،و سر إلى بغداد و ادفع المال إلى الحاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك،و أمّا عشرة الدنانير التي زعمت أن أمّها استقرضتها في عرسها و هي لا تدري من صاحبها،بل هي تعلم لمن هي،لكلثوم بنت أحمد و هي ناصبية فتحرّجت أن تعطيها و أحبّت أن تقسمها في إخوانها فاستأذنتنا في ذلك،فلتفرّقها في ضعفاء إخوانها و ارجع إلى منزلك،فإن عدوك قد مات و قد رزقك اللّه أهله و ماله».

فرجعت إلى بغداد و ناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خمسون دينارا فناولني ثلاثين دينارا و قال:أمرت بدفعها إليك لنفقتك،فأخذتها و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه و قد جاءني من يخبرني أن عمّي قد مات و أهلي يأمروني بالانصراف إليهم،فرجعت فإذا هو قد مات و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم (1).

[105] كتاب الارشاد:عن محمد بن صالح قال:لمّا مات أبي و صار الأمر إليّ كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم-يعني صاحب الأمر عليه السّلام قال الشيخ المفيد:و هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها و يكون خطابها عليه للتقية-.

قال:فكتبت إليه أعلمه.

فكتب إليّ:طالبهم و استقض عليهم.

فقضاني الناس إلاّ رجل واحد و كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار،فجئت إليه أطلبه فاستخف بي ابنه فشكوته إلى أبيه فقال:و كان ماذا؟

فقبضت على لحيته و أخذت برجله و سحبته إلى وسط الدار،فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد يقول:قمّي رافضي قد قتل والدي.

فاجتمع عليّ منهم خلق كثير فركبت دابتي و قلت:أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم،أنا رجل من أهل همدان من أهل السنّة،و هذا ينسبني إلى قم و يرميني بالرفض ليذهب بمالي.1.

ص: 77


1- -الخرائج و الجرائح:700/2،و البحار:296/51.

فمالوا عليه و أرادوا أن يدخلوا[إلى] (1)حانوته حتى سكّنتهم،فطلب إليّ صاحب السفنجة أن آخذ ما فيها و حلف لي بالطلاق أنه يوفيني مالي في الحال فاستوفيت منه (2).

[106] كتاب النجاشي قال:اجتمع علي بن الحسين بن بابويه مع أبي القاسم الحسين بن روح و سأله مسائل،ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه السّلام و يسأله فيها الولد.

فكتب إليه:«قد دعونا اللّه لك بذلك و سترزق ولدين ذكرين خيّرين».

فولد له أبو جعفر و أبو عبد اللّه من أم ولد،و كان الحسين بن عبيد اللّه يقول:سمعت أبا جعفر يقول:أنا ولدت بدعوت صاحب الأمر عليه السّلام و يفتخر بذلك (3).

[107] و عن علي بن أحمد الرازي قال:خرج بعض إخواني من أهل الري مرتادا بعد مضي أبا محمد عليه السّلام فبينا هو في مسجد الكوفة متفكرا يبحث حصى المسجد بيده فخرجت له حصاة فيها مكتوب:محمد،فنظرت فإذا هي كتابة[نابتة] (4)مخلوقة غير منقوشة (5).

[108] و في كتاب المواعظ:مسندا إلى علي بن الحسين الصائغ القمي و محمد بن أحمد الصيرفي القمي و غيرهما من مشايخ أهل قم:أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته ابنة عمّه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا،فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضى اللّه عنه أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه أن يرزقه أولادا فقهاء.

فجاء الجواب:«إنك لا ترزق من هذه،و ستملك جارية ديلمية و ترزق منها ولدين فقيهين».

قال:و قال لي أبو عبد اللّه بن سورة حفظه اللّه:و لأبي الحسن بن بابويه رحمه اللّه ثلاثة أولاد محمد و الحسين فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قم،و لهما أخ6.

ص: 78


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الإرشاد:362/21،و البحار:297/51 ح 13.
3- -معجم أحاديث المهدي:309/4،و البحار:306/51.
4- -في بعض النسخ:ناتئة و في بعض المصادر:ثابتة.
5- -كمال الدين:408 ح 5،و البحار:313/51 ح 36.

اسمه الحسن و هو الأوسط مشتغل بالعبادة و الزهد لا يختلط بالناس و لا فقه له.

قال ابن سورة:كلما روى أبو جعفر و أبو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئا يتعجب الناس من حفظهما و يقولون لهما:هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام عليه السّلام لكما.

و هذا أمر مستفيض في أهل قم (1).

[109] كمال الدين:محمد بن علي الأسود رضى اللّه عنه قال:سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضى اللّه عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رحمه اللّه أن أسأل أبا القاسم الروحي رضى اللّه عنه أن يسأل مولانا صاحب الأمر صلوات اللّه عليه أن يدعو اللّه عزّ و جلّ أن يرزقه ولدا ذكرا.

قال:فسألته فأنهى ذلك،ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي بن الحسين و أنه سيولد له ولد مبارك ينفع اللّه به و بعده أولاده.

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الأسود:و سألته في أمر نفسي أن يدعو اللّه لي أن أرزق ولدا ذكرا.

فلم يجبني إليه و قال:«ليس إلى هذا سبيل».

قال:فولد لعلي بن الحسين رضى اللّه عنه تلك السنة ابنه محمد و بعده أولاد و لم يولد لي.

قال الصدوق رحمه اللّه:كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضى اللّه عنه كثيرا ما يقول لي إذا رآني:اختلف الى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى اللّه عنه و ارغب في كتب العلم و حفظه،ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم و أنت ولدت بدعاء الإمام (2).

[110] و قال أبو عبد اللّه ابن بابويه:عقدت المجلس ولي دون العشرين سنة فربّما كان يحضر مجلسي أبو جعفر محمد بن[علي] (3)الأسود فإذا نظر إلى اسراعي في الأجوبة في الحلال و الحرام يكثر التعجب لصغر سنّي ثم يقول:لا عجب لأنك ولدت بدعاء الإمام عليه السّلام (4).

[111] كمال الدين:قال الحسين بن علي البغدادي:رأيت بمدينة السلام امرأة تسألني عن1.

ص: 79


1- -معجم أحاديث المهدي:310/4،و الإمامة و التبصرة:165.
2- -الأمالي:3،و البحار:335/51.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -معاني الأخبار:74،و البحار:336/51 ح 61.

وكيل مولانا المهدي عليه السّلام فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم بن الحسين بن روح.

فدخلت عليه و أنا عنده فقالت له:أيها الشيخ أي شيء معي؟

فقال:ما معك فألقيه في دجلة ثم أئتيني حتى أخبرك.

قال:فذهبت المرأة فألقته في دجلة ثم دخلت عليه.

فقال لمملوكة له:اخرجي إليّ الحقّة.

فأخرجت إليه حقّة،فقال للمرأة:هذه الحقّة التي كانت معك و رميت بها في دجلة،أخبرك بما فيها أو تخبريني؟

فقالت له:بل أخبرني أنت.

فقال:في هذه الحقّة زوج سوار ذهب و حلقة كبيرة فيها جوهرة و حلقتان صغيرتان فيهما جوهر و خاتمان أحدهما فيروزج و الآخر عقيق.

و كان الأمر كما ذكر[لم يغادر منه شيئا] (1).

ثم فتح الحقّة فعرض عليّ ما فيها.

و نظرت المرأة إليه فقالت:هذا الذي حملته بعينه و رميت به في دجلة.

فغشي عليّ و على المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة (2).

[112] و عن محمد بن عيسى قال:رأيت بسرّ من رأى رجلا شابا و ذكر أنه هاشمي[من ولد عيسى بن موسى لم يذكر أبو جعفر اسمه،و كنت أصلي فلما سلّمت قال لي:أنت قمي أو رازي؟

فقلت:أنا قمي مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين عليه السّلام.

فقال لي:أتعرف دار موسى بن عيسى التي بالكوفة؟

فقلت:نعم.

فقال:أنا من ولده.

قال:كان لي أب و له أخوان و كان أكبر الأخوين ذا مال و لم يكن للصغير مال،فدخل على1.

ص: 80


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:519 ح 47،و البحار:342/51.

أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار.

فقال الأخ الكبير:أدخل على الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السّلام و أسأله أن يلطف للصغير لعله يرد مالي فإنه حلو الكلام.

فلمّا كان وقت السحر بدا لي في الدخول على الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السّلام،و قلت:أدخل على أشناس التركي صاحب السلطان فأشكو إليه.

قال:فدخلت على أشناس التركي و بين يديه نرد يلعب به،فجلست انتظر فراغه فجاءني رسول الحسن بن علي فقال لي:أجب.

فقمت معه،فلمّا دخلت على الحسن بن علي عليهما السّلام قال لي:كان لك إلينا أول الليل حاجة ثم بدا لك عنها وقت السحر،اذهب فإن الكيس الذي أخذ من مالك قد ردّ و لا تشك أخاك و أحسن إليه واعطه فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه.

فلمّا خرج تلقاه غلامه يخبره بوجود الكيس.

قال أبو جعفر:فلمّا كان من الغد حملني الهاشمي الى منزله و أضافني ثم] (1)صاح بجاريته و قال:يا غزال.

فإذا بجارية مسنّة،فقال لها:حدّثي مولاك بحديث الميل و المولود.

فقالت:كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي:ادخلي إلى دار أبي الحسن بن علي عليه السّلام فقولي لحكيمة تعطينا شيئا ليستشفى به مولودنا.

فدخلت عليها و سألتها ذلك،فقالت حكيمة:أئتوني بالميل الذي كحّل به المولود الذي ولد البارحة.يعني ابن الحسن بن علي عليه السّلام.

فأتيت بالميل فدفعته إليّ و حملته إلى مولاتي،فكحّلت به المولود فعوفي و بقي عندنا و كنّا نستشفي به ثم فقدناه.

أقول:حملته الملائكة و الجن من خدامهم عليهم السّلام إلى ما كان فيه من المكان عنده عليه السّلام.

[113] و عن محمد بن صالح الهمداني قال:كتبت إلى صاحب الزمان عليه السّلام:إن أهل بيتي يؤذونني و يقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السّلام أنهم قالوا:«خدّامنا و قوّامنا شرارى.

ص: 81


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

خلق اللّه».

فكتب عليه السّلام:«و يحكم أما تقرؤون ما قال اللّه تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً (1).

فنحن و اللّه القرى التي بارك اللّه فيها،و أنتم القرى الظاهرة» (2).

[114] و في ذلك الكتاب:فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم:من نصبه العسكريان عليهما السّلام و هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه اللّه[و كان أسديّا،و إنما سمي العمري لما رواه أبو نصر هبة اللّه بن محمد بن العمري رحمه اللّه قال أبو نصر:كان أسديّا فنسب الى جدّه فقيل:العمري.

و قد قال قوم من الشيعة:إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السّلام قال:«لا يجمع على امرىء بين عثمان و أبو عمرو»و أمر بكسر كنيته فقيل:العمري.

و يقال له:العسكري أيضا،لأنه كان من عسكر سرّ من رأى] (3).

و يقال له السمّان،لأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر،و كان الشيعة إذا حملوا الى أبي محمد عليه السّلام ما يجب عليهم حمله من الأموال،انفذوا إلى أبي عمرو فيحمله في جراب السمن و زقاقه و يحمله إلى أبي محمد تقية و خوفا.

و قد نصّ الإمام علي بن محمد العسكري عليه السّلام على توثيق عثمان بن سعيد في أخبار كثيرة (4).

[115] و في حديث آخر عن الحسن العسكري عليه السّلام:«اشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي و أن ابنه محمدا وكيل ابني مهديّكم» (5).

و ورد في ابنه محمد توثيق كثير عنه عليه السّلام.5.

ص: 82


1- -سورة سبأ:18.
2- -كمال الدين:483 ح 2،و البحار:343/51 ح 1.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -الغيبة:354 ح 314،و البحار:344/51.
5- -الفقيه:520/2 ح 3115.

[116] قال أبو جعفر محمد بن بابويه:و روى محمد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه أنه قال:و اللّه إن صاحب هذا الأمر عليه السّلام ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه (1).

[117] و عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:سألت محمد بن عثمان رضى اللّه عنه فقلت له:رأيت صاحب هذا الأمر عليه السّلام؟

قال:نعم،و آخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام و هو يقول:«اللهم انجز لي ما وعدتني» (2).

[118] قال محمد بن عثمان:و رأيته صلوات اللّه عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار و هو يقول:«اللهم انتقم لي من أعدائك» (3).

[119] كتاب المواعظ:مسندا إلى علي بن محمد القمي قال:دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضى اللّه عنه يوما لأسلّم عليه،فوجدته و بين يديه ساجة و نقّاش ينقش عليها و يكتب آيا من القرآن و أسماء الأئمة عليهم السّلام على حواشيها،فقلت له:يا سيّدي ما هذه الساجة؟

فقال:هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال:أسند إليها،و أنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فاصعد،فإذا كان يوم كذا و كذا من شهر كذا و كذا من سنة كذا و كذا صرت إلى اللّه عزّ و جلّ و دفنت فيه و هذه الساجة معي.

و كان الأمر كما قال.

و أمّا محمد بن عثمان العمري،فمات في آخر جمادي الأول سنة خمس و ثلاثمائة و دفن في باب الكوفة،و لمّا توفى محمد بن عثمان العمري أقام مقامه أبا القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنهما بأمر الإمام صلوات اللّه عليه،و كان يتولى أخذ أموال الإمام عليه السّلام و تخرج التوقيعات من الإمام عليه السّلام إلى الشيعة على يديه،و لمّا مات الحسين بن روح رحمه اللّه أوصى بأمر الإمام عليه السّلام إلى علي بن محمد السمري،فلمّا حضر علي بن محمد السمري الوفاة سئل أن8.

ص: 83


1- -كمال الدين:390 ح 4،و البحار:350/51 ح 3.
2- -كمال الدين:440 ح 9،و الغيبة:251 ح 222.
3- -الغيبة:251 ح 222،و مدارك الأحكام:476/8.

يوصي.

فقال:للّه أمر هو بالغه.

فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري (1).

[120] كمال الدين:عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال:كنت بمدينة السلام في السنة التي توفى فيها الشيخ أبي الحسن علي بن محمد السمري قدّس اللّه روحه،فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج إلى الناس توقيعا نسخته:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

«يا علي بن محمد السمري أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فإنك ميت ما بينك و بين ستة يام،فاجمع أمرك و لا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة،فلا ظهور حتى يأذن اللّه تعالى ذكره،و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلاء الأرض جورا،و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم»

فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده،فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه فقيل له:من وصيك من بعدك؟

فقال:للّه أمر هو بالغه.

و قضى،فهذا آخر كلام سمع منه (2).

[121] و في كتاب المواعظ:أن أول السفراء المرضيين الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصّبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السّلام ثم ابنه الحسن بن علي فتولى القيام بأمرهما حال حياتهما،ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السّلام فلمّا مضى لسبيله قام ابنه محمد بن عثمان مقامه،فلمّا مضى قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني5.

ص: 84


1- -كمال الدين:433 ح 12،و البحار:360/51.
2- -كمال الدين:516 ح 44،و الغيبة:395 ح 365.

نوبخت مقامه،فلمّا مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري و لم يكن بعده أحد (1).

[122] و ذكر في إعلام الورى:براهين على إثبات الحجة عليه السّلام ثم قال:له غيبان صغرى و كبرى.

أمّا الصغرى:فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين فمنهم:أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري،و محمد بن علي بن بلال،و عثمان بن سعيد السمّان،و ابنه محمد بن عثمان،و عمر الأهوازي،و أحمد بن إسحاق،[و أبو محمد الوجاني] (2)،و إبراهيم بن مهزيار، و محمد بن إبراهيم في جماعة أخر ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة،و كانت مدّة هذه الغيبة أربعا و سبعين سنة،ثم ذكر أحوال السفراء الأربعة نحوا ممّا مرّ.

أقول:الأربعة المذكورون هم السفراء بين الصاحب عليه السّلام و بين الشيعة و غيرهم و كلاؤهم،و تخرج التوقيعات و الأمور منهم إلى غيرهم،و ربّما وقع إليهم التوقيع من الناحية المقدّسة.

و أمّا من أدّعى النيابة و السفارة كذبا و أفتراء.

[123] فقال الشيخ رحمه اللّه في كتاب الغيبة: (3)

أولهم:المعروف بالشريعي:

و كان من أصحاب العسكريين عليهما السّلام،و هو أول من أدّعى مقاما لم يجعله اللّه فيه،و كذّب على اللّه و على حججه عليهم السّلام،و نسب إليهم ما لا يليق بهم،فلعنته الشيعة و تبرأت منه،و خرج التوقيع من الإمام عليه السّلام بلعنه و البراءة منه،ثم ظهر منه القول بالكفر و الالحاد.

و كل هؤلاء المدّعين إنّما يكون كذبهم أولا على الإمام عليه السّلام و يدّعون أنهم و كلاءه فيدّعون الضعف بهذا القول إلى موالاتهم،ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجيّة كما أشتهر من أبي جعفر الشلمغاني و نظرائه عليهم جميعا لعائن اللّه تترى.

و منهم:7.

ص: 85


1- -الإحتجاج:296/2،و البحار:362/51 ح 9.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -كتاب الغيبة:397 ح 367.

[124] محمد بن نصير النميري:كان من أصحاب الحسن العسكري عليه السّلام فلمّا توفي ادّعى مقام محمد بن عثمان العمري و أنه صاحب إمام الزمان عليه السّلام و أدّعى النيابة و فضحه اللّه تعالى بما ظهر له من الإلحاد و الجهل،و كان يدّعي أنه رسول نبي،و أن علي بن محمد عليه السّلام أرسله،و كان يقول بالتناسخ،و يغلو في أبي الحسن عليه السّلام و يقول فيه بالربوبية،و يقول بالاباحة للمحارم،و تحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم،و يزعم أن ذلك من التواضع و الإخبات و التذلل في المفعول به و أنه من الفاعل إحدى الشهوات و الطيبات و أن اللّه عزّ و جلّ لا يحرم شيئا من ذلك.

و كان محمد بن موسى بن الفرات يقوي أسبابه و يعضده (1).

و عن يحيى بن عبد الرحمن:أنه رآه عيانا و غلام له على ظهره قال:فلقيته فعاتبته على ذلك.

فقال:إن هذا من اللذات و هو من التواضع للّه و ترك التجبّر.

و منهم:

[125] أحمد بن هلال الكرخي:و قد خرج التوقيع بلعنه و البراءة منه.

و منهم:

[126] محمد بن علي بن بلال:و كانت عنده أموال الإمام عليه السّلام فامتنع من تسليمها و أدّعى أنه الوكيل حتى لعنه الشيعة،و خرج فيه التوقيع من الإمام عليه السّلام بعد ما أمره عليه السّلام بدفع ما عنده من المال إلى أبي جعفر العمري فامتنع (2).

و منهم:

[127] الحسين بن منصور الحلاج:روي عن هبة اللّه الكاتب قال:لمّا أراد اللّه تعالى أن يكشف أمر الحلاج و يظهر فضيحته،وقع له أن أبا سهل النوبختي ممّن يمكن أن يحتال عليه و ظن أنه مثل غيره من الضعفاء،و قد أراد أن يستجرّه إليه ثم يترقى به إلى غيره من الضعفاء،فكتب إليه:إني وكيل الإمام عليه السّلام و قد أمرت بمراسلتك و إظهار ما تريده من النصرة1.

ص: 86


1- -كتاب الغيبة:398 ح 371،و البحار:368/51.
2- -كتاب الغيبة:398،و البحار:368/51.

لك.

فأرسل إليه أبو سهل:إني أسألك أمرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل و البراهين،و هو أني رجل أحبّ الجواري ولي منهنّ عدّة و الشيب يبعدني عنهنّ و أحتاج أن أخضبه في كل جمعة و أتحمّل منه مشقّة شديدة لأستر عنهنّ ذلك و إلاّ انكشف أمري عنهنّ،و أريد أن تغنيني عن الخضاب و تجعل لحيتي سوادا،فإني صائر إليك وداع إلى مذهبك.

فلمّا سمع ذلك الحلاج علم أنه قد أخطأ في مراسلته و جهل في الخروج إليه بمذهبه فامسك عنه،و صيّره أبو سهل رضى اللّه عنه أحدوثة و مضحكة و شهر أمره عند الصغير و الكبير (1).

[128] و روي أن الحلاج لمّا صار إلى قم،أخرجه الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه منها.

و منهم:

[129] ابن أبي العزاقر:روي عن أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت:كان ابن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام،و ذلك أن الشيخ أبي القاسم رضى اللّه عنه كان قد جعل له عند الناس منزلة و جاها،فكان عند ارتداده يحكي كل كفر و كذب لبني بسطام عن كلامه و أمرهم بلعنه و البراءة منه،فلم ينتهوا و أقاموا على توليه،و ذاك أنه كان يقول لهم:إنني أذعت السرّ و قد أخذ عليّ الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص،لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن،فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر.

فبلغ ذلك أبا القاسم رضى اللّه عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه،فأظهروه له فبكى بكاءا عظيما ثم قال:إن لهذا القول باطنا عظيما،و هو أن اللعنة الإبعاد.

فمعنى قوله:لعنه اللّه،أي باعده اللّه عن العذاب و النار،و الآن قد عرفت منزلتي،و مرّغ خديه على التراب و قال:عليكم بالكتمان لهذا الأمر.

قالت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضى اللّه عنه:و قد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر ابن بسطام قالت لي يوما و قد دخلنا إليها فاستقبلتني وزادت في إعظامي حتى انكبت1.

ص: 87


1- -البحار:368/51.

على رجلي تقبلها فأنكرت ذلك و قلت:مهلا يا ستي فإن هذا أمر عظيم،و أنكببت على يدها فبكت ثم قالت:كيف لا أفعل بك هذا و أنت مولاتي فاطمة عليها السّلام.

فقلت:و كيف ذاك ياستي؟

فقالت لي:إن أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسرّ و كتمانه.

[قالت:فقلت لها:و ما السرّ؟

قالت:قد أخذ علينا كتمانه] (1)،و أخاف إن أنا أذعته عوقبت.

فأعطيتها موثقا أني لا أكشفه لأحد،و أعتقدت في نفسي الاستثناء.

قالت:إن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قال لنا:إن روح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انتقلت إلى أبيك محمد بن عثمان رضى اللّه عنه و روح أمير المؤمنين عليه السّلام انتقلت إلى بدن الحسين بن روح و روح مولاتنا فاطمة عليها السّلام انتقلت إليك،فكيف لا أعظمك يا ستّنا؟

فقلت لها:مهلا لا تفعلي،فإن هذا كذب يا ستّنا.

فقالت لي:سرّ عظيم و قد أخذ علينا أن لا نكشفه لأحد.

فمضيت إلى أبي القاسم بن روح فأخبرته بالقصة.

فقال:يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة،فهذا الذي قالته كفر باللّه و إلحاد و قد أحكمه هذا الرجل الملعون-يعني الشلمغاني-في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا لأن يقول لهم:بأن اللّه تعالى أتحّد به و حلّ فيه،كما يقول النصارى في المسيح عليه السّلام و يعدو إلى قول الحلاج لعنه اللّه.فهجرت بني بسطام و شاع الحديث و لعن الناس الشلمغاني (2).

[130] و كان هذا الملعون يقول بالضد،و معناه:أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة المولى إلاّ بطعن الضد فيه،لأنه يحمل السامع طعنه على طلب فضيلة فإذا هو أفضل من المولى،إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلاّ به.

و ساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع،لأنهم قالوا:سبع عوالم و سبع أوادم،و نزلوا إلى موسى و فرعون و محمد و علي مع أبي بكر و معاوية.4.

ص: 88


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الغيبة:404.

و أمّا في الضد،فقال بعضهم:الولي ينصب الضد و يحمله على ذلك.

كما قال قوم من أصحاب الظاهر:إن علي بن أبي طالب نصّب أبا بكر في ذلك المقام.

فقال بعضهم:لا،و لكن هو قديم معه لم يزل.

قالوا:و القائم الذي ذكروا أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم:معناه إبليس،لأنه قال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ (1)و لم يسجد.

ثم قال: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (2)فدلّ على أنه كان قائما في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك.

و قوله:يقوم القائم،إنّما هو ذلك القائم الذي أمر بالسجود فأبى و هو إبليس (3).

[131] و قال الشلمغاني لعنه اللّه:الحق واحد،و إنما تختلف قمصه،فيوم يكون في أبيض و يوم يكون في أحمر و يوم يكون في أزرق،و هو قول أصحاب الحلول (4).

[132] ثم ذكر الشيخ الطوسي طاب ثراه جماعة من هذا الباب.

[133] و في كتاب المواعظ:عن الأودي قال:بينا أنا في الطواف و قد طفت ستة و أريد أن أطوف السابعة،فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة و شاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب و مع هيبته متقرّب إلى الناس،فتكلم فلم أر أحسن من كلامه و لا أعذب من منطقه،فذهبت أكلمه فزبرني الناس،فسألت بعضهم من هذا؟

فقالوا:هو ابن رسول اللّه يظهر في كل سنة يوما لخواصه فيحدثهم.

فقلت:مسترشدا أتاك فارشدني هداك اللّه.

فناولني حصاة فحولت وجهي،فقال لي بعض جلسائه:ما الذي دفع إليك ابن رسول اللّه؟

فقال:حصاة.1.

ص: 89


1- -سورة الحجر:30.
2- -سورة الأعراف:16.
3- -الغيبة:406 ح 379،و البحار:373/51.
4- -الغيبة:408 ح 480،و البحار:374/51.

فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب،فإذا أنا به قد لحقني فقال:«ثبتت عليك الحجة و ظهر لك الحق و ذهب عنك العمى أ تعرفني؟»

فقلت:اللهم لا.

قال:«أنا المهدي أنا قائم الزمان أنا الذي أملاؤها عدلا كما ملئت جورا،إن الأرض لا تخلو من حجة و لا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل،و قد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحق» (1).

[134] و رواه في كتاب الخرائج و الجرائح مثله.

أقول:قوله:أكثر من تيه بني إسرائيل،و قوله:و قد ظهر أيام خروجي.

ممّا قد وقع فيه البداء،و قيل:إنه أخبر بأمر غير حتمي معلق بشرط.

أو المراد بالخروج:ظهور أمره لأكثر شيعته على يدي سفرائه عليه السّلام.

و في كتاب كمال الدين هذه الفقرة ليست موجودة و هو الأظهر.

[135] الخرائج و الجرائح:مسندا إلى يوسف الجعفري قال:حججت سنة ست و ثلاثمائة و جاورت بمكة تلك السنة و ما بعدها إلى سنة تسع و ثلاثمائة ثم خرجت عنها منصرفا إلى الشام،فبينا أنا في بعض الطريق و قد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل و تهيأت للصلاة،فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم،فقال لي أحدهم:مم تعجب و تركت صلاتك و خالفت مذهبك؟

فقلت للذي يخاطبني:و ما علمك بمذهبي؟

فقال:تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟

فقلت:نعم.

فأومى إلى أحد الأربعة.

فقلت له:إن له دلائل و علامات.

فقال:أيّما أحبّ إليك أن ترى الجمل و ما عليه صاعدا إلى السماء أو ترى المحمل صاعدا إلى السماء؟2.

ص: 90


1- -الغيبة:253 ح 223،و الخرائج و الجرائح:784/2.

فقلت:أيّهما كان فهي دلالة.

فرأيت الجمل و ما عليه يرتفع إلى السماء.

و كان الرجل أومى إلى رجل به سمرة،و كأن لونه الذهب،بين عينيه سجادة.

أقول:لعل الثلاثة الذين كانوا معه عليه السّلام في المحمل سفراءه المذكورون سابقا.

[136] و عن حبيب بن محمد الصغاني قال:دخلت إلى علي بن إبراهيم الأهوازي فسألته عن الإمام عليه السّلام.

فقال:لقد سألت عن أمر عظيم،حججت عشرين حجة كلاّ أطلب عيان الإمام عليه السّلام فلم أجد إلى ذلك سبيلا،فبينا ليلة أنا نائم إذ رأيت قائلا يقول:يا علي بن إبراهيم قد أذن لي في الحج.

فأصبحت مفكّرا في أمري،فلمّا كان وقت الموسم خرجت متوجها إلى المدينة و منها إلى مكة،فأقمت أياما أطوف بالبيت،فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيّب الرائحة يتبختر في مشيته،طائف حول البيت،فحسّ قلبي به،فقمت نحوه فحككته.

فقال لي:«من أين الرجل؟»

فقلت:من الأهواز.

فقال لي:«تعرف علي بن إبراهيم؟»

قلت:أنا علي بن إبراهيم.

قال:«حيّاك اللّه،ما فعلت بالعلامة التي بينك و بين أبي محمد الحسن بن علي عليه السّلام؟»

فقلت:معي.

قال:«اخرجها».

فأخرجتها،فلمّا أن رآها بكى ثم قال:«أذن لك الآن،صر إلى رحلك فإذا اختلط الظلام صر إلى شعب بني عامر،فإنك ستلقاني هناك».

فسرت إلى منزلي و قدمت راحلتي و أقبلت أجدّ في السير حتى وردت الشعب،فإذا أنا بالفتى فأبدأني بالسلام و قال:«سر بنا يا أخ».

فما زال يحدثني و أحدثه حتى خرقنا جبال عرفة و انفجر الفجر و توسطنا جبال الطائف

ص: 91

فقال:«هل ترى شيئا؟»

فقلت:نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا.

فلمّا أن رأيته طابت نفسي و قال لي:«هناك الأمل و الرجاء».

فسرنا إلى أن انحدر من الجبل فقال:«انزل فهاهنا يذل كل صعب و يخضع كل جبار».

فلمّا قربنا من الخباء سبقني بالدخول و أمرني أن أقف حتى يخرج إليّ،ثم قال لي:«ادخل».

فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة و أتزر بأخرى،و هو كأقحوانة أرجوان-يعني في البياض و الحمرة-و إذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان،سمح سخي تقي نقي،ليس بالطويل الشامخ و لا بالقصير اللازق،بل مربوع القامة،مدّور الهامة،صلت الجبين-أي واسعة -أزجّ الحاجبين-أي مقوسهما كالقوس-أقنى الأنف،سهل الخدين،على خدّه الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضه عنبر.

فلمّا أن رأيته بدأته بالسلام فردّ علي و سألني عن أهل العراق.

فقلت:سيّدي قد ألبسوا جلباب الذلة و هم بين القوم أذلاء.

فقال:«لتملكونهم كما ملكوكم و هم يومئذ أذلاء».

فقلت:يا سيّدي لقد بعد الوطن و طال المطلب.

فقال:«إن أبي عهد إليّ أن لا أجاور قوما غضب اللّه عليهم،و أمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ و عرها و من البلاد إلاّ قفرها،و اللّه مولاكم أظهر التقية فوكّلها بي فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج».

فقلت:يا سيّدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال:«إذا حيل بينكم و بين سبيل الكعبة،و اجتمع الشمس و القمر،و استنار بهما الكواكب و النجوم».

فقلت:متى يا بن رسول اللّه؟

فقال لي:«في سنة كذا و كذا تخرج دابة الأرض بين الصفا و المروة،و معه عصا موسى و خاتم سليمان لتسوق الناس إلى المحشر».

ص: 92

فأقمت عنده أياما و أذن لي بالخروج،و خرجت نحو منزلي إلى الكوفة.انتهى ملخصا.

أقول:لعل المراد باجتماع الشمس و القمر كما قال بعض أهل الحديث:رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السّلام.

و بالكواكب و النجوم:الأئمة عليهم السّلام،فإنّهم يظهرون كلهم في عصر المهدي عليه السّلام (1).

[137] و ورد في تفسير قوله تعالى: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (2).

أن المراد بالشمس:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و بالقمر:أمير المؤمنين عليه السّلام،لأن علمه مكتسب من علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس (3).

[138] الأمالي:عن الفحّام عن أبي الطيب أحمد بن محمد بن بطة،و كان لا يدخل المشهد و يزور من وراء الشباك فقال لي:جئت يوم عاشوراء نصف النهار و الشمس تغلي و الطريق خال و أنا خائف من أهل البلاد الجفاة،إلى أن بلغت الحائط الذي أمضي منه إلى(الشباك)فرأيت رجلا جالسا على الباب ظهره إليّ كأنه ينظر في دفتر فقال لي:يا أبا الطيب،بصوت يشبه صوت حسين بن علي بن جعفر بن الرضا،فقلت:هذا حسين قد جاء يزور أخاه.

قلت:يا سيّدي أمضي أزور من الشباك و أجيئك.

قال:و لم لا تدخل يا أبا الطيب؟

فقلت له:الدار لها مالك لا أدخلها من غير أذنه.

فقال:يا أبا الطيب تكون مولانا رقّا و توالينا حقّا و نمنعك تدخل الدار؟أدخل يا أبا الطيب.

فجئت إلى الباب و ليس عليه أحد ففتح الخادم لي الباب فدخلت[فكان يقول] (4):أليس كنت تدخل الباب.

فقال:أمّا أنا فقد أذنوا لي و بقيتم أنتم.ل.

ص: 93


1- -الخرائج و الجرائح:467/1،و الغيبة:266،و البحار:12/52.
2- -سورة الشمس:1-2.
3- -شرح أصول الكافي:369/11.
4- -في نسخة:فكنّا نقول.

أقول:الذي أذن له بالدخول هو مولانا الإمام المهدي عليه السّلام،و فيه دلالة على جواز دخول الشيعة الإمامية على ضرائحهم عليهم السّلام لزيارة قبورهم،و بعض علمائنا من أهل الصلاح يزورون من الباب و يرجعون نظرا إلى عدم الإذن في الدخول.

و المستفاد من كيفيّة الزيارات الواردة لأبي عبد اللّه عليه السّلام و لأمير المؤمنين عليه السّلام هو الجواز و يمكن أن يقال:بالفرق،فإن العسكريين عليهما السّلام في بيوتهما و هي بيوتهم إلى هذا الآن.

و أمّا الحسين عليه السّلام و أمير المؤمنين عليه السّلام فلم يدفنا في بيوتهم و إنما هي قباب مجدّده بناها الناس لزوارهما عليهما السّلام و كذلك الكاظميين عليهما السّلام.

و بالجملة:فالظاهر أنّ الرخصة موجودة في جميع ضرائحهم المطهرة (1).

[139] كمال الدين:بإسناده إلى الحسن بن و جناء النصيبي قال:كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع و خمسين حجة بعد العتمة و أنا أتضرّع في الدعاء،إذ حرّكني محرك فقال:قم يا بن و جناء.

قال:فقمت فإذا جارية صفراء،فمشت بين يدي حتى أتت بي دار خديجة عليها السّلام و فيها بيت بابه في وسط الحائط و له درجة ساج يرتقى إليه،فصعدت الجارية و جاءني النداء:اصعد يا حسن.

فصعدت فوقفت في الباب،فقال لي صاحب الزمان عليه السّلام:«يا حسن أتراك خفيت علي،و اللّه ما من وقت في حجّك إلاّ و أنا معك فيه».

ثم جعل يعدّ علي أوقاتي،فوقعت على وجهي،فحسست بيده قد وقعت عليّ،فقال لي:«يا حسن الزم بالمدينة دار جعفر بن محمد عليه السّلام و لا يهمنّك طعامك و شرابك و لا ما يستر عورتك».

ثم دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج و صلاة عليه.

فقال:«فبهذا فادع و هكذا صل عليّ،فإن اللّه موفقك».

قلت:يا مولاي لا أراك بعدها؟

فقال:«إذا شاء اللّه يا حسن».2.

ص: 94


1- -أمالي الطوسي:288،و البحار:23/52.

فانصرفت من حجتي و لزمت دار جعفر بن محمد عليه السّلام فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلاّ لثلاث خصال:لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار،فأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيب كوزا مملوءا ماء و رغيفا على رأسه عليه ما تشتهي نفسي بالنهار،فآكل ذلك فهو كفاية لي و كسوة الشتاء في وقت الشتاء و كسوة الصيف في وقت الصيف،و أني لأدخل بالنهار فأرش البيت بالماء و أدع الكوز فارغا و أوتى بالطعام و لا حاجة لي فيه،فأتصدق به ليلا لكي لا يعلم بي من معي (1).

[140] و في ذلك الكتاب:سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له أحمد بن فارس يقول:سمعت بهمدان حكاية حكيتها لبعض إخواني،و ذلك أن بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد و هم على مذهب الإمامية،فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان.

فقال لي شيخ منهم صالح:سبب ذلك أن جدي الذي ننسب إليه خرج حاجّا و لمّا صدروا من الحج ساروا منازل في البادية قال:فمشيت حتى تعبت،و قلت في نفسي:أنام نومة تريحني،فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

قال:فما انتبهت إلاّ بحر الشمس و لم أر أحدا فتوحشت و لم أر طريقا و لا أثرا،فتوكلت على اللّه عزّ و جلّ و قلت:أسير حيث وجهني.

فمشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث،و إذا تربتها أطيب تربة،و نظرت في وسط تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف فقلت:ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده و لم أسمع به،فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا ردا جميلا و قالا:اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا.

و قام أحدهما فدخل ثم خرج،فقال:قم فادخل.

فدخلت قصرا لم أر أحسن من بنائه،فتقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثم قال لي:ادخل.

فدخلت البيت،فإذا فتى جالس في وسط البيت و قد علق فوق رأسه سيف طويل و الفتى بدر يلوح في ظلام،فسلمت فردّ السلام بألطف الكلام،ثم قال لي:«أتدري من أنا؟»2.

ص: 95


1- -كمال الدين:444،و الخرائج و الجرائح:962/2.

فقلت:لا و اللّه.

قال:،«أنا القائم من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف فأملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما».

فسقطت على وجهي و تعفرت.

فقال:«لا تفعل ارفع رأسك،أنت فلان من مدينة الجبل يقال لها همدان».

قلت:صدقت يا سيّدي.

قال:«فتحبّ أن تؤوب إلى أهلك؟»

قلت:نعم يا سيّدي و أبشرهم بما أتاح اللّه لي.

فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي و ناولني صرة و مضى و مشى معي خطوات.

فنظرت إلى طلال و أشجار و منارة مسجد فقال:«أتعرف هذا البلد؟»

قلت:إن بقرب بلدنا بلدة تعرف[بأسد آباد] (1)و هي تشبهها.

فقال:«هذه أستد آباد امض راشدا».

فالتفت فلم أره و دخلت[أستد آباد]و إذا في الصرة أربعون أو خمسون دينارا،فوردت همدان و جمعت أهلي و بشرتهم بما قدّره و يسره لي اللّه عزّ و جلّ،و لم نزل بخير ما بقى معنا من تلك الدنانير (2).

[141] و روى كامل بن إبراهيم المدني قال:قلت:للصاحب عليه السّلام و هو ابن أربع سنين:لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك و قال بمقالتك (3).

فقال عليه السّلام:«إذن و اللّه يقلّ داخلها،و اللّه إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّية».

قلت:يا سيّدي و من هم؟

قال:«قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه لا يدرون ما حقّه و فضله» (4).1.

ص: 96


1- -في نسخة:باستأباد.
2- -كمال الدين:454،و مدينة المعاجز:184/8.
3- -في بعض المصادر:معرفتك و مقالتك.
4- -كتاب الغيبة:247،و الخرائج و الجرائح:459/1.

أقول:لعل المراد بهم المستضعفون من الشيعة و قيل:من المخالفين أو الأعم.

[142] و روى في الخرائج و الجرائح:عن رشيق حاجب المادرائي قال:بعث إلينا المعتضد و نحن ثلاثة نفر،فأمرنا أن نركب كل واحد منّا فرسا و قال:الحقوا بسامراء،[و اكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفى و من رأيتم فيه فآتوني برأسه] (1)و وصف لنا محلة و دارا و قال:إذا اتيتموها تجدوا على الباب خادما أسودا فاكبسوا الدار،فمن رأيتم فيها فأتوني برأسه.

فوافينا سامراء فوجدنا الأمر كما وصفه،و في الدهليز خادم أسود و في يده تكة ينسجها،فسألناه عن الدار و من فيها.

فقال:صاحبها.

و ما التفت إلينا و لم يكترث بنا،فكبسنا الدار فوجدناها دارا سرية،و مقابل الدار ستر ما رأيت مثله،و لم يكن في الدار أحد،فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحرا فيه،و في أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء و فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي،فلم يلتفت إلينا فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت إليه يدي فخلصته و أخرجته و غشى عليه و بقى ساعة،و عاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك،و بقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت:المعذرة إلى اللّه و إليك فو اللّه ما علمت كيف الخبر و لا إلى من أجيء و أنا تائب إلى اللّه.

فما التفت إلى شيء ممّا قلنا و ما انتقل عمّا كان فيه،فهالنا ذلك فانصرفنا عنه و قد كان المعتضد ينتظرنا،فرأيناه في بعض الليالي فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا.

فقال:و يحكم لقيكم أحد قبلي؟

قلنا:لا.

فحلف أشدّ أيمان إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا،فما جسرنا أن نحدّث به إلاّ بعد موته (2).

[143] الخرائج:عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال:لمّا وصلت بغداد في3.

ص: 97


1- -زيادة عن المصدر.
2- -الخرائج و الجرائح:460/1،و كشف الغمة:303/3.

السنة التي ردّ القرامطة الحجر إلى مكانه من البيت،كان أكبر همّي من ينصب الحجر،لأن في الكتب لا ينصبه إلاّ الحجة كما في زمان الحجاج نصبه زين العابدين عليه السّلام في مكانه[فاستقر] (1)، فاعتللت علة خفت منها على نفسي و لم يتهيأ لي ما قصدته،فاستنبت ابن هشام و أعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري،و هل يكون الموت في هذه العلة أم لا؟

و قلت:همّي في ايصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه و آخذ جوابه.

فقال ابن هشام:لمّا حصلت بمكة و عزم على اعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه،فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب و لم يستقم،فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله و وضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه،و علت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب،فنهضت من مكاني أتبعه و أدفع الناس حتى انقطع عن الناس،فكنت أسرع المشي خلفه،فلمّا حصل بحيث لا يراه غيري وقف و التفت إليّ و قال:«هات ما معك».

فناولته الرقعة فقال:من غير أن ينظر إليها قل له:«لا خوف عليك في هذه العلة و يكون ما لابدّ منه بعد ثلاثين سنة».

فوقع عليّ الروع و تركني و انصرفت.

قال أبو القاسم:فأعلمني بهذه الجملة،فلما كان ما وعده من السنين اعتلّ و مات رحمه اللّه (2).

[144] و عن أبي أحمد بن راشد عن بعض أصحابه من أهل المدائن قال:كنت مع رفيق لي حاجّا فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء فقومناهما مائة و خمسن دينارا،و في رجله نعل صفراء ما عليها غبار و لا أثر السفر،فدنا منه سائل فتناول من الأرض شيئا فاعطاه،فأكثر السائل الدعاء و قام الشاب و ذهب و غاب،فذنونا من السائل فقلنا:ما أعطاك؟

قال:أعطاني حصاة من ذهب،قدّرناها عشرين مثقالا فقلت لصاحبي:مولانا معنا و لا نعرفه،اذهب بنا في طلبه.

فطلبنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه،و سألنا عنه من كان حوله فقالوا:شاب علوي من2.

ص: 98


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الخرائج و الجرائح:477/1،و البحار:58/52.

المدينة يحج في كل سنة ماشيا (1).

[145] كشف الغمة:قال:و أنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني و حدّثني بهما جماعة من ثقات إخواني:كان في بلد الحلة شخص اسمه إسماعيل بن الحسين الهرقلي من قرية يقال لها هو قل مات في زماني و ما رأيته،حكى لي ولده شمس الدين قال:حكى لي والدي أنه خرج فيه و هو شاب على فخذه الأيسر توثة-و في بعض النسخ لوثة،و هي الجراحة و كانت مقدار قبضة الإنسان-و كانت كل ربيع تتشقق و يخرج منها دم وقيح،و يقطعه ألمها عن كثير من أشغاله و كان مقيما بهرقل،فحضر إلى الحلة يوما و دخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي ابن طاووس رضى اللّه عنه و شكى إليه ما يجده منها و قال:أريد أن أداويها.

فأحضر له أطباء الحلة و أراهم الموضع.

فقالوا:هذه التوثة فوق العرق الأكحل،و متى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين قدّس اللّه روحه:أنا متوجه إلى بغداد و ربّما كان أطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فأصحبني،فاصعد معه و أحضر الأطباء،فقالوا كما قال أولئك،فضاق صدره.

فقال له السيد:إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس و لا تغرر بنفسك،فإن اللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله.

فقال له والدي:إذا كان الأمر هكذا فاتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام،ثم أنحدر إلى أهلي.

فحسّن له ذلك،فتوجه.

قال:دخلت المشهد وزرت الأئمة عليهم السّلام و نزلت السرداب و استغثت باللّه تعالى و بالإمام عليه السّلام،و قضيت بعض الليالي في السرداب،و بقيت في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت إبريقا كان معي و صعدت أريد المشهد،فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور،و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم،فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلد بسيف2.

ص: 99


1- -الخرائج و الجرائح:665/2،و البحار:60/52.

و شيخا منقبا بيده رمح و الآخر متقلد بسيف و عليه فرجيّة ملونة فوق السيف و هو متحنك.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعب رمحه في الأرض و وقف الشابان عن يسار الطريق و بقي صاحب الفرجيّة على الطريق مقابل والدي،ثم سلموا عليه فردّ عليهم السلام فقال له صاحب الفرجيّة:أنت غدا تروح إلى أهلك.

فقال له:نعم.

فقال له:تقدم حتى أبصر ما يوجعك.

قال:فكرهت ملامستهم و قلت:أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة،و أنا خرجت من الماء و قميصي مبلول،ثم إني مع ذلك تقدمت إليه،فلزمني بيده و مدّني إليه و جعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني،ثم استوى في سرج فرسه فقال لي الشيخ:أفلحت يا إسماعيل.

فتعجبت من معرفته باسمي فقلت:أفلحنا و أفلحتم إن شاء اللّه.

فقال لي الشيخ:هذا الإمام عليه السّلام.

فتقدمت إليه و احتضنته و قبّلت فخذه.

ثم إنه ساق و أنا أمشي معه محتضنه،فقال:ارجع.

فقلت:لا أفارقك أبدا.

فقال:المصلحة رجوعك.

فأعدت عليه مثل القول الأول.

فقال الشيخ:يا إسماعيل أما تستحي يقول لك الإمام مرتين و تخالفه.

فجبهني بهذا القول،فوقف و تقدم خطوات و التفت إليّ و قال:إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك الخليفة المستنصر،فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه،و قل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار و أصحابه معه،فلم أزل قائما أبصرهم حتى بعدوا،و حصل عندي أسف لمفارقته،فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد،فاجتمع القوم حولي و قالوا:نرى وجهك متغيرا أوجعك شيء؟

ص: 100

قلت:لا.

قالوا:خاصمك أحد؟

قلت:لا،ليس عندي ممّا تقولون خبر،لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

فقالوا:هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت:بل هو الإمام عليه السّلام.

فقالوا:الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجيّة؟

فقلت:صاحب الفرجيّة.

فقالوا:أريته المرض الذي فيك؟

فقلت:هو قبضه بيده و أوجعني.

ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش،فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا،فانطبق الناس عليّ و مزقوا قميصي،فأدخلني القوّام خزانة و منعوا الناس عني،و كان الناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة و سأل الخبر فعرّفوه،فجاء إلى الخزانة و سألني منذ كم خرجت من بغداد؟

فقلت:أول الأسبوع.

فبتّ في المشهد و صليت الصبح و خرجت و خرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد،فلمّا وصلت إلى بغداد رأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه،فسألوني فعرّفتهم،فاجتمعوا عليّ و مزّقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم،ثم حملوني إلى بغداد،لأن ناظر المشهد الشريف كتب إليهم قصتي فازدحم الناس علي.

و كان الوزير القمي رحمه اللّه قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدم أن يعرّفه صحت الخبر.

قال:فخرج السيد رضي الدين و معه جماعة،فلمّا رآني قال:أعنك يقولون؟

قلت:نعم.

فنزل عن دابته و كشف فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة،و أخذ بيدي و أدخلني على الوزير و هو يبكي و يقول:يا مولانا هذا أخي و أقرب الناس إلى قلبي.

ص: 101

فسألني الوزير عن القصة،فحكيت له،فاحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها.

فقالوا:ما دوائها إلاّ القطع بالحديد و متى قطعها مات.

فقال لهم الوزير:فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ؟

فقالوا:في شهرين،و يبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير:متى رأيتموه؟

قالوا:منذ عشرة أيام.

فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم،فإذا هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا.

فصاح أحد الحكماء:هذا عمل المسيح.

فقال الوزير:حيث لم يكن عملكم،فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر،فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلمّا أحضرت قال:خذ هذه فانفقها.

فقال:ما أجسر أن آخذ منه حبة واحدة.

فقال الخليفة:ممّن تخاف؟

فقال:من الذي فعل معي هذا،قال لي:لا تأخذ من أبي جعفر شيئا.

فبكى الخليفة و تكدّر و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.

قال علي بن عيسى رحمه اللّه:كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي،و كان شمس الدين محمد ولده عندي و أنا لا أعرفه،فلمّا انقضت الحكاية قال:أنا ولده لصلبه.

فتعحبت من هذا الاتفاق فقلت له:هل رأيت فخذه و هي مريضة؟

قال:لا لأني أصبو عن ذلك،و لكني رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها و قد نبت في موضعها شعر و كان والدي بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السّلام حتى أنه جاء إلى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء و كان كل يوم يزور سامراء و يعود إلى بغداد،فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي[مضى أو يقضي له الحظ بما قضى و من الذي أعطاه دهره الرضا أو

ص: 102

ساعده بمطالبته صرف القضا] (1)فمات بحسرته و انتقل إلى الآخرة بغصته (2).

[146] ثم قال صاحب كتاب كشف الغمة:حكى لي السيد باقي بن عطوة الحسني:أن أباه عطوة كان به أدرة و كان زيدي المذهب،و كان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية و يقول:لا أصدقكم و لا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم-يعني المهدي عليه السّلام-فيبرأني من هذا المرض.

و تكرر هذا القول منه،فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا.

فأتيناه مسرعين فقال:الحقوا صاحبكم،فالساعة خرج من عندي.

فخرجنا فلم نر أحدا فعدنا إليه و سألناه.

فقال:إنه دخل إليّ شخص فقال:يا عطوة.

فقلت:من أنت؟

فقال:أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك ممّا بك.

ثم مدّ يده فعصر قروتي و مشى،و مددت يدي فلم أر لها أثرا.

قال لي ولده:و بقي مثل الغزال ليس به علة.و قد اشتهرت هذه القصة.

و الأخبار عنه عليه السّلام في هذا الباب كثيرة،و أنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز و غيرها فخلصهم و أوصلهم إلى حيث أرادوا.

[147] و عن عيسى بن مهدي الجوهري قال:خرجت في سنة ثمان و ستين و مائتين إلى الحج و كان قصدي المدينة،حيث صحّ عندنا أن صاحب الزمان عليه السّلام قد ظهر،فاعتللت فتعلقت نفسي بشهوة السمك و التمر،فلمّا وردت المدينة بشّروني بظهوره عليه السّلام بصابر، فصرت إلى صابر فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا،فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشائين و أنا أدعو،فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي:يا عيسى ادخل.

فكبّرت و أكثرت من حمد اللّه عزّ و جلّ،فلمّا صرت في صحن القصر رأيت مائدة2.

ص: 103


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كشف الغمة:299/3،و البحار:61/52.

منصوبة،فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها و قال لي:مولاك يأمرك[أن]تأكل ما اشتهيت في علتك و أنت خارج من فيد (1).

فقلت:حسبي بهذا برهانا،فكيف آكل و لم أر سيّدي و مولاي؟

فصاح:«يا عيسى كل من طعامنا،فإنك تراني».

فجلست على المائدة فإذا عليها سمك حار يفور و تمر إلى جانبه و بجانب التمر لبن.

فقلت في نفسي:عليل و سمك و تمر و لبن.

فصاح بي:«يا عيسى أتشك في أمرنا؟فأنت أعلم بما ينفعك و يضرك».

فبكيت و استغفرت اللّه تعالى و أكلت من الجميع،و كلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه،فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا،فأكلت منه كثيرا حتى استحيت.

فصاح بي:«لا تستح يا عيسى فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق».

فأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه فقلت:يا مولاي حسبي.

فصاح بي:«اقبل إليّ».

فقلت في نفسي:أتى مولاي و لم أغسل يدي.

فصاح بي:«يا عيسى و هل لما أكلت غمر».

فشممت يدي،فإذا هي أعطر من المسك و الكافور،فدنوت منه عليه السّلام فبدا لي نور غشى بصري و رهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط.

فقال لي:«يا عيسى ما كان[لكم]أن[تروني] (2)لولا المكذبون القائلون:أين هو،و متى كان،و أين ولد،و من رآه،و ما الذي خرج اليكم منه،و بأي شيء نبأكم،و أي معجزاتكم،أما و اللّه لقد دفعوا أمير المؤمنين عليه السّلام مع ما رووه و قدّموا عليه و كادوه و قتلوه،و كذلك آبائي عليهم السّلام و لم يصدقوهم و نسبوهم إلى السحر و خدمة الجن.

يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت و إياك أن تخبر عدونا».

فقلت:يا مولاي ادع لي بالثبات.ي.

ص: 104


1- -فيد:قلعة في طريق مكة،و الفيد الموت،أنظر لسان العرب:342/3،و تاج العروس:457/2.
2- -في المخطوط:لك،تراني.

فقال:«لو لم يثبتك اللّه ما رأيتني».

فخرجت أكثر حمدا للّه و شكرا (1).

[148] و روى السيد علي بن عبد الحميد في كتاب(السلطان المفرّج عن أهل الإيمان) القصة المشهورة،قصة أبو راجح الحمامي بالحلة.

قال:كان الحاكم بالحلة شخصا اسمه مرجان الصغير،فرفع إليه:أن أبا راجح هذا يسبّ الصحابة.

فأحضره و أمر بضربه،فضرب ضربا مهلكا،حتى أنه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، و أخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد،و خرق أنفه و وضع فيه شركة من الشعر،و شدّ فيه حبلا و سلمه إلى جماعة من أصحابه و أمرهم أن يدوروا به أزقة الحلة،و الضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض.

فأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله.

فقال الحاضرون:إنه يموت من هذا الضرب و لا تتقلد بدمه.

فخلاّه و قد انتفخ وجهه و لسانه،و لم يشك أهله أنه يموت من ليلته،فلمّا كان من الغد غدا عليه الناس،فإذا هو قائم يصلي على أتم حال و قد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت و اندملت جراحاته و لم يبق لها أثر و الشجة قد زالت من وجهه.

فعجب الناس من حاله و سألوه عن أمره.

فقال:إني لمّا عاينت الموت و لم يبق لي لسان أسأل اللّه به،فكنت أسأله بقلبي و استغثت إلى سيّدي و مولاي صاحب الزمان عليه السّلام.

فلمّا جنّ الليل،فإذا الدار قد امتلأت نورا،و إذا بمولاي صاحب الزمان قد أمرّ يده الشريفة على وجهي و قال لي:«اخرج و كد على عيالك فقد عافاك اللّه تعالى»،فأصبحت كما ترون.

و كان ضعيفا جدا،ضعيف التركيب،أصفر اللون،شين الوجه،مقرض اللحية،فأصبح و قد اشتدت قوته و انتصبت قامته و طالت لحيته و أحمرّ وجهه و عاد كأنّه ابن عشرين سنة،و لم8.

ص: 105


1- -البحار:69/52،و مدينة المعاجز:132/8.

يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة.

و لمّا شاع هذا الخبر،طلبه الحاكم و أحضره عنده،و قد كان رآه بالأمس على تلك الحالة و هو الآن على ضدها،فداخل الحاكم من ذلك رعب عظيم،فصار بعد ذلك يتلطف بأهل الحلة و يتجاوز عن مسيئهم و لم ينفعه ذلك إلى أن مات.

و من ذلك:ما حدّث به الشيخ المحترم العالم العامل شمس الدين محمد قال:كان من أصحاب السلاطين المعمّر بن شمس يضمن القرية المعروفة ببرس و وقف العلويين،و كان له نائب يقال له:ابن الخطيب،و غلام يتولى نفقاته يدعى:عثمان،و كان ابن الخطيب من أهل الصلاح و الإيمان بالضد من عثمان،و كانا دائما يتجادلان،فاتفقا أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل عليه السّلام بمحضر جماعة من الرعية و العوام،فقال ابن الخطيب لعثمان:يا عثمان الآن اتضح الحق أنا أكتب على يدي من أتولاه و هم:علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و اكتب أنت من تتولاه:أبو بكر و عمر و عثمان،ثم تشد يدي و يدك،فأينا احترقت يده بالنار كان على الباطل،و من سلمت يده كان على الحق.

فنكل عثمان و أبي أن يفعل،فأخذ الحاضرون بالصياح عليه.

هذا و كانت أم عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم،فلعنت الحضور الذين كانوا يصيحون على ولدها و شتمتهم،فعميت في الحال،فلمّا أحسّت بذلك نادت إلى رفائقها فصعدن إليها،فإذا هي صحيحة العينين و لكن لا ترى شيئا،فأنزلوها و مضوا بها إلى الحلة و شاع خبرها،فأحضروا لها الأطباء فلم يقدروا على علاجها.

فقال لها نسوة مؤمنات:إن الذي أعماك هو القائم عليه السّلام فإن تشيعتي و توليتي و تبرأتي ضمنا لك العافية على اللّه تعالى.

فرضيت بذلك،فلمّا كانت ليلة الجمعة أدخلنها القبّة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السّلام و بتن بأجمعهن في باب القبة،فلمّا كان ربع الليل،فإذا هي قد خرجت عليهنّ و قد ذهب العمى عنها و هي تعدّهن و تصف ثيابهن،فسررن بذلك و حمدن اللّه سبحانه و قلن لها:كيف كان ذلك؟

فقالت:لمّا جعلتني في القبّة و خرجتن عني،أحسست بيد قد وضعت على يدي و قائل

ص: 106

يقول:«أخرجي قد عافاك اللّه تعالى».

فانكشف العمى عني و رأيت القبّة قد امتلأت نورا و رأيت الرجل فقلت له:من أنت يا سيّدي؟

فقال:«محمد بن الحسن».

ثم غاب عني،فقمن إلى بيوتهن و تشيعت و تشيع ولدها عثمان و اشتهرت القصة.

فاعتقدوا وجود الإمام،و كان ذلك في سنة أربع و أربعين و سبعمائة (1).

[149] و من ذلك:ما روي عن محي الدين الأربلي:أنه حضر عند أبيه و معه رجل فنعّس فوقعت عمامته من رأسه،فبدت في رأسه ضربة هائلة فسألته عنها فقال:هي من صفين.

فقيل له:و كيف ذلك و وقعة صفين قديمة؟

فقال:كنت مسافرا إلى مصر فصاحبني إنسان،فلمّا كنّا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين،فقال لي الرجل:لو كنت في وقعة صفين لرويت سيفي من علي و أصحابه.

فقلت:لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية و أصحابه،و ها أنا و أنت من أصحاب علي و معاوية،فاعتركنا و اضطربنا،فما أحسست بنفسي إلاّ مرميا لما بي،فبينا أنا مرمي و إذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه،ففتحت عيني فنزل إليّ و مسح الضربة فتلائمت فقال:«البث هنا».

ثم غاب قليلا و عاد و معه رأس مخاصمي مقطوعا و الدواب معه،فقال لي:«هذا رأس عدوك و أنت نصرتنا فنصرناك،و لينصرن اللّه من نصره».

فقلت:من أنت؟

فقال:فلان ابن فلان.يعني صاحب الأمر عليه السّلام.

ثم قال لي:«و إذا سئلت عن هذه الضربة فقل:ضربتها في صفين» (2).

[150] كمال الدين:مسندا إلى سعد بن عبد اللّه القمي قال:كنت حريصا على جمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم معيبا للفرق ذوي الخلاف،إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة2.

ص: 107


1- -البحار:72/52.
2- -البحار:75/52.

و أشنعهم سؤالا.

فقال ذات يوم في المناظرة:تبّا لك و لأصحابك يا سعد،إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهما،و تجحدون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إمامتهما،هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته،أما علمتم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلاّ علما منه بأن الخلافة له من بعده،و أنه هو المقلد للتأويل و الملقى إليه أزمة الأمة،كما أشفق على نبوته أشفق على خلافته،إذ ليس من حكم الاستتار و التواري أن يروم الهارب المساعدة إلى مكان يستخفي فيه،فلما رأينا النبي صلّى اللّه عليه و آله متوجها إلى الاستخفاء و لم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد،استبان لنا أن قصده من استصحابه معه الى الغار العلة المذكورة،و إنما أبات عليّا على فراشه لمّا لم يكن يبالي به و لاستثقاله له،و لعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد:فأوردت عليه أجوبة شتى و نقضها كلها.

ثم قال:يا سعد دونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض،ألستم تزعمون أن الصديق و الفاروق كانا يسرّان النفاق،و استدللتم بليلة العقبة،أخبرني عنهما أسلما طوعا أو كرها؟

قال سعد:فاحتلت لدفع هذه المسألة خوفا من الالزام و حذرا من أني إن أقررت بطواعيتهما للإسلام احتجّ بأن بدو النفاق في القلب لا يكون إلاّ عند القهر و الغلبة و إظهار البأس الشديد في حمل المرء على ما ليس ينقاد له قلبه،نحو قول اللّه عزّ و جلّ: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا .

و إن قلت:أسلما كرها،كان يقصدني بالطعن،إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهم البأس.

قال سعد:فصدرت عنه مزورا قد تقطع كبدي من الكرب،و كنت قد اتخذت طومارا و أثبت فيه نيفا و أربعين مسألة على أن أسأل فيها أحمد بن إسحاق صاحب أبي محمد عليه السّلام فارتحلت خلفه و قد كان قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى،فلمّا تصافحنا قال:لخير لحاقك بي.

قلت:الشوق ثم العادة في الأسئلة.

ص: 108

فقال:و أنا قاصد إلى مولانا للسؤال.

فوردنا بسرّ من رأى فأنتهينا إلى بابه عليه السّلام فأذن لنا بالدخول،و كان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب فيه مائة و ستون صرّة من الدنانير و الدراهم على كل صرّة منها خاتم صاحبها.

قال سعد:فما شبّهت مولانا أبا محمد عليه السّلام حين غشينا نور وجهه إلاّ بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر،و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر،و على رأسه فرق بين و فرتين كأنه(ألف)بين(واوين)،و بين يدي مولانا عليه السّلام رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها،قد كان أهداها إليه بعض رؤساء البصرة و بيده قلم إذا أراد أن يكتب قبض الغلام على إصبعه.

و كان عليه السّلام يدحرج الرمانة بين يديه و يشغله بردها لئلا يصدّه عن كتبة ما أراد عليه السّلام، فسلمنا عليه و ألطف في الجواب و أومى إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبة البياض أخرج أحمد بن اسحاق جرابه و وضعه بين يديه،فنظر عليه السّلام إلى الغلام و قال له:«يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك».

فقال:«يا مولاي أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟»

فقال عليه السّلام:«يابن اسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل و الأحرم منها».

فأول صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام:«هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على الاثنين و ستين دينارا،فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها و كانت إرثا له من أبيه خمسة و أربعون دينارا،و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا،و فيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا عليه السّلام:«صدقت يا بني دلّ الرجل على الحرام منها».

فقال عليه السّلام:«فتش على دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار،و العلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا و ربع من،فاتت على ذلك مدّة فسرق الغزل فأخبر به الحائك صاحبه،فكذّبه و استردّ منه بدل ذلك منّا

ص: 109

و نصف من غزلا أدق ممّا كان دفعه إليه و اتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه».

فلمّا فتح رأس الصرّة،صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه و بمقدارها على حسب ما قال و استخرج الدينار و القراضة بتلك العلامة،ثم اخرج صرّة أخرى فقال الغلام عليه السّلام:«هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم،تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها».

قال:«و كيف ذلك؟»

قال:«لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على إكارة في المقاسمة،و ذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف و كال ما خص الإكار بكيل نجس».

فقال عليه السّلام:«صدقت يا بني».

فقال:«يا ابن إسحاق احملها لتردها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها،و اتنا بثوب العجوز».

قال أحمد:و كان ذلك الثوب في خرج لي،فنسيته.

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب،نظر إليّ مولانا أبو محمد عليه السّلام فقال:«ما جاء بك يا سعد؟»

فقلت:شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا عليه السّلام.

قال:«و المسائل التي أردت أن تسأل عنها».

قلت:على حالها يا مولاي.

قال:«فسل قرّة عيني»،و أومى إلى الغلام.

فقلت له:مولانا و ابن مولانا إنّا روينا عنكم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السّلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة:

«إنك أرهجت على الإسلام بفتنتك و أوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك،فإن كففت عنّي و إلاّ طلقتك».

و نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد كان طلاقهن وفاته صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 110

قال:«ما الطلاق؟»

قلت:تخلية السبيل.

قال:«فإذا كان وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلى لهن السبيل؟»

قلت:فاخبرني يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوضّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام؟

قال:«إن اللّه تبارك و تعالى عظّم شأن نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله فخصهنّ بشرف الأمهات،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهنّ ما دمن للّه على الطاعة،فأيهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج و اسقطها من شرف أمومة المؤمنين».

قلت:فاخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها؟

قال:«الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا،فإن المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن تمنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد،و إذا سحقت وجب عليها الرجم،و الرجم خزي،و من قد أمر اللّه عزّ و جلّ برجمه فقد أخزاه و من أخزاه فقد أبعده و من أبعده فليس لأحد أن يقربه».

قلت:فأخبرني يا بن رسول اللّه عن أمر اللّه تبارك و تعالى لنبيّه موسى عليه السّلام:فاخلع نعليك إنك في الوادي المقدّس طوى،فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنه كانت من أهاب الميتة.

فقال عليه السّلام:«من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السّلام و استجهله في نبوته،لأنه ما خلى الأمر فيها من خطبين:إمّا أن تكون صلاة موسى عليه السّلام فيها جائزة أو غير جائزة،فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة،و إن كانت مقدّسة مطهّرة فليس بأقدس و أطهر من الصلاة،و إن كانت صلاته غير جائزة فيها،فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال[من]الحرام،و علم ما جازت فيه الصلاة و ما لم تجز و هذا كفر».

قلت:فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما.

قال عليه السّلام:«إن موسى عليه السّلام ناجى ربّه بالوادي المقدّس و قال:يا ربّ إني قد أخلصت لك المحبّة مني و غسلت قلبي عمّن سواك.

ص: 111

و كان شديد الحبّ لأهله،فقال اللّه تبارك و تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك[إليّ] (1)خالصة و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا».

قلت:فأخبرني يا بن رسول اللّه عن تأويل: كهيعص .

قال:«هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليها عبده زكريا ثم قصّها على محمد صلّى اللّه عليه و آله و ذلك أن زكريا عليه السّلام سأل ربّه أن يعلمه أسماء الخمسة،فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها فكان زكريا عليه السّلام إذا ذكر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن صلوات اللّه عليهم سرى عنه همّه و انجلى كربه،و إذا ذكر اسم الحسين عليه السّلام خنقته العبرة،فقال ذات يوم:إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين عليه السّلام تدمع عيني و تثور زفرتي؟

فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصته و قال: كهيعص .

ف(الكاف):اسم كربلاء،و(الهاء):هلاك العترة:و(الياء):يزيد و هو ظالم الحسين،و(العين):عطشه،و(الصاد):صبره.

فلمّا سمع ذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيه الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب،و كانت ندبته:

إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟.

ثم كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّبه عيني على الكبر و اجعله وارثا وصيّا و اجعل محله مني محل الحسين،فإذا ارزقتنيه فافتني بحبّه ثم افجعني به كما تفجع محمدا نبيّك بولده.

فرزقه اللّه يحيى عليه السّلام و فجعه به و كان حمل يحيى عليه السّلام ستة أشهر و حمل الحسين عليه السّلام كذلك».

قلت:فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟

قال:«مصلح أو مفسد؟»ي.

ص: 112


1- -في نسخة:لي.

قلت:مصلح.

قال:«فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟».

قلت:بلى.

قال:«فهذه العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك،أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل الكتب عليهم و أيّدهم بالوحي و العصمة إذ هم أعلام الأمم و أهدى إلى الأختيار منهم مثل موسى و عيسى عليهما السّلام هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن؟»

قلت:لا.

قال:«هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشك في إيمانهم و إخلاصهم،فوقعت خيرته على المنافقين قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا إلى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .

فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظن أنه الأصلح دون الأفسد،علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكن الضمائر و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح».

ثم قال مولانا عليه السّلام:«يا سعد و حين ادعى خصمك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلاّ علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو الملقى إليه أزمة الأمة،فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته،إذ لم يكن من حكم الأستتار و التواري أن يروم الهارب من[البشر] (1)مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي به،و إنما أبات عليّا عليه السّلام على فراشه لما لم يكن يكترث به و لاستثقاله إيّاه و علمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصبّ.

ص: 113


1- -في نسخة:الشرّ.

غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها؟فهّلا نقضت عليه دعواه بقولك:أليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الخلافة بعدي ثلاثون سنة،فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم،و كان لا يجد بدّا من قوله بلى.

فكنت تقول له حينئذ:أ ليس كما علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن الخلافة بعده لأبي بكر،علم أنها من بعد أبي بكر لعمر و من بعد عمر لعثمان و من بعد عثمان لعلي،فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك:نعم.

ثم كنت تقول له:فكان الواجب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار و يشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر،و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم و تخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

و لمّا قال:أخبرني عن الصدّيق و الفاروق أسلما طوعا أو كرها؟

لم لم تقل له:بل أسلما طمعا،لأنهما كانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عمّا كانوا يحدثون في التوراة و سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد صلّى اللّه عليه و آله و من عواقب أمره.

فكانت اليهود تذكر أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل و لا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه[أنه نبي] (1)،فأتيا محمد صلّى اللّه عليه و آله فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و تابعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت[أمورهما] (2)،فلمّا أيسا من ذلك تلثّما و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه،فدفع اللّه كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا،كما أتى طلحة و الزبير عليا عليه السّلام فبايعاه و طمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد،فلمّا أيسا نكثا بيعته و خرجا عليه،فصرع اللّه كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين».

قال:ثم قام مولانا الحسن عليه السّلام إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما و طلبت أثر أحمده.

ص: 114


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -زيادة من المصدر و في المخطوط:أموره.

ابن اسحاق فاستقبلني باكيا،فقلت:ما أبطاك و أبكاك؟

قال:قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.

فقلت:لا عليك فأخبره.

فدخل عليه و أنصرف من عنده متبسما.

فقلت:ما الخبر؟

قال:وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السّلام يصلي عليه.

قال سعد:فحمدنا اللّه سبحانه و جعلنا بعد ذلك نختلف إلى[منزل] (1)مولانا عليه السّلام أياما فلا نرى الغلام بين يديه،فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق فقام أحمد بين يديه و قال في كلامه:لا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.

فاستعبر عليه السّلام و بكى ثم قال:«يابن اسحاق إنك ملاق اللّه في صدرك هذا».

فخرّ أحمد مغشيا عليه،فلمّا أفاق قال:سألتك بحرمة جدّك إلاّ شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا.

فأدخل عليه السّلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال:«خذها و لا تنفق على نفسك غيرها».

قال سعد:فلمّا سرنا و بلغنا دون حلوان ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق،فلمّا وردنا حلوان نزلنا في خان بها ثم قال أحمد:تفرقوا عني هذه الليلة و اتركوني وحدي.

فتفرقنا عنه،فلمّا قرب الصبح فتحت عيني،فإذا أنا بكافور خادم أبي محمد عليه السّلام و هو يقول:أحسن اللّه بالخير عزّاكم و جبر بالمحبوب رزيتكم،قد فرغنا من غسل صاحبكم و تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيّدكم.ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و العويل حتى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه.انتهى ملخصا (2).9.

ص: 115


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:457،و دلائل الإمامة:509.

الفصل الخامس

اشارة

في علة غيبته و في النهي عن التوقيت و حصول البداء في ذلك

و في فضل انتظار الفرج و فيمن رآه عليه السّلام في الغيبة الكبرى

[151] علل الشرائع:مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا بدّ للغلام من غيبة».

فقيل له:و لم يا رسول اللّه؟

قال:«يخاف القتل». (1)

[152] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إن اللّه إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم» (2).

[153] و عنه عليه السّلام:«إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها».

فقيل له:و لم ذاك يا بن رسول اللّه؟

قال:«إن اللّه عزّ و جلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم،قال اللّه عزّ و جلّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (3)أي سننا على سنن من كان قبلكم» (4).

[154] كمال الدين:بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال:سمعت الصادق عليه السّلام يقول:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها يرتاب فيها كل مبطل».

فقلت له:و لم جعلت فداك؟

قال:«لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم».

ص: 116


1- -البحار:90/52،و علل الشرائع:243/1.
2- -البحار:90/52.
3- -سورة الإنشقاق:19.
4- -البحار:143/51،و علل الشرائع:245/1 ح 7.

قلت:فما وجه الحكمة في غيبته؟

فقال:«وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه تعالى ذكره،إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلاّ وقت افتراقهما،يا بن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر اللّه و سرّ من سرّ اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علم أن اللّه عزّ و جلّ حكيم،صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف لنا» (1).

[155] الخرائج:الكليني عن اسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان:

«و أمّا علة ما وقع من الغيبة فإن اللّه عزّ و جلّ يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (2)إنه لم يكم أحد من آبائي عليهم السّلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إني أخرج حين أخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي،و أمّا وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب،و إني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء،فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم و لا تتكفلوا علم ما قد كفيتم و اكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم،و السّلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب و على من اتبع الهدى».

أقول:قال شيخنا المحدّث أيده اللّه تعالى:التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يومي إلى:أن نور الوجود و العلم و الهداية يصل إلى الخلق بتوسطه عليه السّلام إذ ثبت بالأخبار أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق،فلولا هم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم،و ببركتهم و الاستشفاع بهم و التوسل إليهم يظهر على الخلق العلوم و المعارف و تنكشف البلايا عنهم،فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب،كما قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ .

و لقد جربنا مرارا لا نحصيها أنه عند انغلاق الأمور و إعضال المسائل و البعد عن جناب1.

ص: 117


1- -كمال الدين:482،و علل الشرائع:246/1.
2- -سورة المائدة:101.

الحق تعالى و انسداد أبواب الفيض،لما استشفعنا بهم و توسلنا بأنوارهم،فيقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم،في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة،و هذا معاين لمن أكحل اللّه عين قلبه بنور الإيمان.

ثم أطال الكلام بتحقيق هذا التشبيه (1).

[156] و ذكر لي شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين:أن من جملة فوائد الإمام في حال استتاره:أنه عليه السّلام لا يترك الأمة على الضلال بل يبيّن لهم الحق في كل باب من غير أن يعرفوه،و أنه هو الذي يوقع الخلاف في المسائل بين العلماء حتى لا يجتمعوا على الضلال،و لهذا كانت الأقوال المجهولة القائل عنه أكثر اعتبارا من غيرها،و يقول:إن القائل بذلك القول هو الإمام عليه السّلام.

[157] العلل:عن ابن أبي عمير عمّن ذكره[عن أبي عبد اللّه عليه السّلام] (2)قال:قلت له:ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل مخالفيه في الأول؟

قال:«لآية في كتاب اللّه عزّ و جلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (3).

قال:قلت:و ما يعني بتزايلهم؟

قال:«ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين،و كذلك القائم عليه السّلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عزّ و جلّ،فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللّه عزّ و جلّ فقتلهم».

قال الشيخ رحمه اللّه:لا علة تمنع من ظهوره عليه السّلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل،لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار و كان يتحمل المشاق و الأذى،فإن منازل الأئمة و الأنبياء عليهم السّلام إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات اللّه تعالى.

فإن قيل:هلاّ منع اللّه من قتله بما يحول بينه و بين من يريد قتله؟

قلنا:المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه و الأمر بوجوب اتباعه و نصرته5.

ص: 118


1- -الغيبة:292،و البحار:181/53.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -سورة الفتح:25.

و التزام الانقياد و كل ذلك فعله تعالى،و أمّا الحيلولة بينهم و بينه فإنه ينافي التكليف و ينقض الغرض،لأن الغرض بالتكليف استحقاق الثواب و الحيلولة تنافي ذلك،و ربّما كان في الحيلولة و المنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق،فلا يحسن من اللّه فعلها.

فإن قيل:أ ليس آباؤه عليهم السّلام كانوا ظاهرين و لم يخافوا و لا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد.

قلنا:آباؤه عليهم السّلام حالهم بخلاف حاله،لأنه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت و غيرهم أنهم لا يرون الخروج عليهم و لا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف و يزيلون الدول،بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهديا لهم،و ليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم،و ليس كذلك صاحب الزمان عليه السّلام،لأن المعلوم منه أنه يقوم بالسيف و يزيل الممالك و يقهر كل سلطان و يبسط العدل و يميت الجور،فمن هذه صفته يخاف جانبه و يتقى فورته فيتبع و يرصد و توضع العيون عليه،فيخاف حينئذ و يحوج إلى التحرّز و الاستظهار،بأن يخفي شخصه عن كل من لا يأمنه من ولي و عدو إلى وقت خروجه.

و أيضا فآباؤه عليهم السّلام إنّما ظهروا،لأنه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه و يسدّ مسدّه من أولادهم،و ليس كذلك صاحب الزمان عليه السّلام،لأن المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف،فلذلك وجب استتاره و غيبته و فارق حاله حال آبائه،و هذا واضح بحمد اللّه.

فإن قيل:بأي شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره،أ بوحي من اللّه؟فالإمام لا يوحى إليه،أو بعلم ضروري؟فذلك ينافي التكليف،أو بإمارة توجب عليه الظن؟ففي ذلك تعذير بالنفس.

قلنا:عن ذلك جوابان:أحدهما:أن اللّه أعلمه على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و آله و أوقفه من جهة آبائه عليهم السّلام زمان غيبته المخوفة و زمان زوال الخوف عنه،فهو يتبع في ذلك ما شرّع له و أوقف عليه،و إنّما أخفي ذلك عنّا لما فيه من المصلحة.

و الثاني:أنه لا يمتنع أن يغلب على ظنه بقوة الإمارات بحسب العادة قوة سلطانه،فيظهر عند ذلك و يكون قد أعلم أنه متى غلب في ظنه كذلك وجب عليه،و يكون الظن شرطا و العلم

ص: 119

عنده معلوما،كما نقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود و العمل على جهات القبلة بسحب الإمارات و الظنون،و إن كان وجوب التنفيذ للحكم و التوجه إلى القبلة معلومين.

و أمّا ما روي في الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة و صعوبة الأمر عليهم و اختبارهم للصبر عليه،فالوجه فيها الأخبار عمّا يتفق[من ذلك] (1)من الصعوبة و المشاق،لأن اللّه تعالى غيّب الإمام ليكون ذلك و كيف يريد اللّه ذلك،بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه و أخبروا بما يتفق في ذلك الحال،و ما للمؤمنين من الثواب على الصبر على ذلك و التمسك بدينه إلى أن يفرج اللّه عنهم.انتهى.

أقول:ما تقدم من علل الغيبة و هو الخوف على نفسه كما دلّت عليه أكثر الأخبار،أو لئلاّ يكون لطاغية زمانه بيعة في عنقه،أو ليخرج المؤمنون من أصلاب الكفار ليكون على سنن الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم،أو ليستكمل سلاطين الجور مدة ملكهم كما ورد في بعض الأخبار،هي العلل الظاهرة التي اقتضت المصلحة اظهارها،و ما تقدم من أن الحكمة في الغيبة خفيّة لا يعلمها إلاّ اللّه سبحانه،فهي الحكمة التي لم يؤمروا عليهم السلام بإظهارها و إن كانت معلومة لهم،و هذا كما ورد في الحكمة الموجودة في تقاعد مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام عن الطلب بحقه من الخلافة،فإن الخوف و قلّة الناصر هي العلة الظاهرة،و أمّا الحكمة الخفيّة فلا يعلمها إلاّ سبحانه و الأئمة عليهم السّلام و لم يأمروا بإظهارها،على أنه إذا ثبتت عصمتهم بالبراهين القاطعة،فيجب علينا القطع بأن أفعالهم كلها واقعة على وجة الحكمة،و إن كانت غير معلومة لنا و لا تصل عقولنا إلى إدراكها (2).

[158] كتاب المواعظ:مسندا إلى الصادق عليه السّلام قال:«و اللّه لتكسرنّ كسر الزجاج و أن الزجاج يعاد فيعود كما كان،و اللّه لتكسرنّ كسر الفخار و أن الفخار لا يعود كما كان،و اللّه لتميزنّ و اللّه لتمحصنّ و اللّه لتغربلنّ كما يغربل الزؤان من القمح،و اللّه لتساطنّ كما يساط القدر فيجعل أعلاكم أسفلكم و أسفلكم أعلاكم».

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:هذا التمييز و التمحيص و الابتلاء يكون مقارنا لزمان1.

ص: 120


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -علل الشرائع:147/1،و كمال الدين:641.

ظهوره عليه السّلام و بعده،فإن كثيرا من الناس يميلون إلى متابعة الدجال لما يكون معه من الطعام و الشراب،و كذلك يميل كثير إلى متابعة السفياني عثمان بن عنبسة من أولاد أبي سفيان،يخرج من الشام و يبعث جنوده إلى مكة و المدينة-كما سيأتي تفصيل حاله في الأخبار-لما يكون معه من الأموال و زينة الدنيا،كما ارتدّ الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميلا إلى الدنيا،فكان موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مميزا بين المؤمنين و المنافقين،و كذلك تكون الفتن في زمان خروج المهدي عليه السّلام (1).

[159] و روي عن علي بن يقطين قال:قال لي أبو الحسن عليه السّلام:«يا علي إن الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة».

و قال يقطين لابنه علي:ما بالنا قيل لنا فكان،و قيل لكم فلم يكن.

فقال له علي:إن الذي قيل لكم و لنا من مخرج واحد،غير أن أمركم حضركم فأعطيتم محضه و كان كما قيل لكم،و أن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني،و لو قيل لنا:إن هذا الأمر لا يكون إلاّ إلى مائتي سنة لقست القلوب و لرجعت عامة الناس عن الإسلام،و لكن قالوا:ما أسرعه و ما أقربه تألفا لقلوب الناس و تقريبا للفرج.

أقول:قوله:تربىّ بالأماني:أي تربيهم و تصلحهم الأئمة عليهم السّلام بأن يمنّوهم بتعجيل الفرج و قرب ظهور دولة القائم عليه السّلام لئلاّ يرتدوا و يحصل لهم الإياس.

و أمّا يقطين،فكان من أتباع بني العباس،و ابنه علي كان من خواص الأئمة عليهم السّلام و من ثم قال عليه السّلام في قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ .

قال:«كما أخرج علي بن يقطين».

و قوله:ما بالنا قيل لنا:يعني أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام أخبروا بظهور دولة بني العباس فكان كما أخبروا،و كذلك أخبروا عن ظهور الدولة المهدية فلم تكن بعد.

فأجابه ابنه علي بالجواب المتين (2).

[160] و عن الفضيل قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام هل لهذا الأمر وقت؟2.

ص: 121


1- -الغيبة:340 ح 289،و البحار:101/52.
2- -الكافي:369/1،و الغيبة:342.

فقال:«كذّب الوقاتون»ثلاثا (1).

[161] و قال عليه السّلام:«ما وقّتنا فيما مضى و لا نوقّت فيما يستقبل» (2).

[162] و قال عليه السّلام لمحمد بن مسلم:«من وقّت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه فلسنا نوقّت لأحد وقتا» (3).

[163] و عن محمد بن الحنفية في حديث طويل قال:إن لبني فلان ملكا مؤجلا حتى إذا أمنوا و اطمأنوا و ظنوا أن ملكهم لا يزول صيح فيهم صيحة،فلم يبق لهم راع حتى يجمعهم و لا داع يسمعهم و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (4).

قلت:جعلت فداك هل لذلك وقت؟

قال:لا،لأن علم اللّه غلب علم الموقتين،إن اللّه وعد موسى ثلاثين ليلة و أتمها بعشر لم يعلمها موسى و لم يعلمها بنو إسرائيل،فلما جاز الوقت قالوا:غرّنا موسى،فعبدوا العجل،و لكن إذا كثرت الحاجة و الفاقة في الناس و أنكر بعضهم بعضا،فعند ذلك توقعوا أمر اللّه صباحا و مساء.

أقول:بني فلان يعني بني العباس،و الصيحة كناية عن نزول الأمر بهم فجأة (5).

[164] و عن أبي حمزة الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام أن عليّا عليه السّلام كان يقول:«إلى السبعين بلاء».

و كان يقول:«بعد البلاء رخاء».

و مضت السبعون و لم نر رخاء.2.

ص: 122


1- -الكافي:368/1.
2- -الغيبة:342 و البحار:103/52 ح 6.
3- -مستدرك سفينة البحار:397/10،و ميزان الحكمة:183/1.
4- -سورة يونس:24.
5- -الغيبة:427 ح 415،و البحار:104/52.

فقال عليه السّلام:«يا ثابت إن اللّه تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين و مائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم قناع الستر،فأخّره اللّه و لم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (1).

قال أبو حمزة:و قلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:«قد كان ذلك» (2).

[165] و عن عثمان النوا قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان هذا الأمر فيّ فأخّره اللّه و يفعل بعد في ذريتي ما يشاء».

أقول:هذه الأخبار نقلتها من كتاب الغيبة للشيخ طاب ثراه.

و قوله:(كان هذا الأمر في)يعني القيام بالسيف و الجهاد و القيام بقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

و هذا لا ينافي ما جاء متواترا في الأخبار من أن القائم عليه السّلام هو المهدي ابن الحسن العسكري عليه السّلام لأن الصادق عليه السّلام إذا قام بالأمر يكون أمره و دولته مستمرة إلى وقت قيام المهدي عليه السّلام فيكون ذلك الزمان كله زمانا لدولتهم عليهم السّلام (3).

[166] تفسير العياشي:أبو لبيد المخزومي قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«يا أبا لبيد إنه يملك من ولد العباس اثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة تصيب أحدهم الذبحة فتذبحه،هم فئة قصيرة أعمارهم قليلة مدتهم خبيثة سريرتهم،منهم الفويسق الملقّب بالهادي و الناطق و الغاوي،يا أبا لبيد إن في حروف القرآن المقطعة لعلما جمّا إن اللّه تعالى أنزل الم ذلِكَ الْكِتابُ فقام محمد صلّى اللّه عليه و آله حتى ظهر نوره و ثبتت كلمته،و ولد يوم ولد و قد مضى من الألف السابع مائة سنة و ثلاث سنين».

ثم قال:«و تبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطعة،إذا عددتها من غير تكرار و ليس من حروف مقطعة حرف:ينقضي الأيام إلاّ و قيام قائم من بني هاشم عند انقضائه».4.

ص: 123


1- -سورة الرعد:39.
2- -الكافي:368/1،و الغيبة:293.
3- -البحار:114/14.

ثم قال:«(لألف)واحد،و(اللام)ثلاثون،و(الميم)أربعون،و(الصاد) تسعون،فذلك مائة واحدى و ستون،ثم كان بدو خروج الحسين بن علي عليه السّلام(الم) اللّه،فلمّا بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند(المص)،و يقوم قائمنا عليه السّلام عند انقضائها ب(آلر)فافهم ذلك و عه و اكتمه».

أقول:الذبحة كهمزة وجع في الحلق،و هذا الحديث من المتشابهات،و من ثم أعرض المحدّثون رضوان اللّه عليهم عن الكلام في شرحه و بيانه،و ما رأينا أحدا حام حول الكلام فيه سوى شيخنا صاحب كتاب بحار الأنوار أبقاه اللّه تعالى،فإنه قال في المجلد الثالث عشر من الكتاب المذكور:إن الإمام عليه السّلام أشار إلى أن الحروف المقطعة التي في فواتح السور إشارة إلى ظهور ملك جماعة من أهل الحق و آخرين من أهل الباطل،فاستخرج عليه السّلام ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله من عدد أسماء الحروف المبسوطة بزبرها[و بيناتها] (1)،كما يتلفظ بها عند قرائتها بحذف المكررات،كأن تعد(ألف لام ميم)تسعة و لا تعد مكررة بتكررها في خمس من السور،فإذا عددتها كذلك تصير مائة و ثلاثة أحرف،و هذ يوافق تاريخ ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله،لأنه كان قد مضى من الألف السابع من ابتداء خلق آدم عليه السّلام مائة سنة و ثلاث سنين و إليه أشار بقوله:(و تبيانه)أي بيان تاريخ ولادته صلّى اللّه عليه و آله.

ثم بيّن عليه السّلام أن كل واحدة من تلك الفواتح إشارة إلى ظهور دولة من بني هاشم عند انقضائها،ف(الم)الذي في سورة البقرة إشارة إلى ظهور دولة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،لأن أول دولة ظهرت في بني هاشم كانت دولة عبد المطلب،فهو مبدأ التاريخ و من ظهور دولة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بعثته كان قريبا من إحدى و سبعين الذي هو عدد(ألم)،ف(ألم)ذلك إشارة إلى ذلك،و بعد ذلك في نظم القرآن(ألم)الذي في آل عمران،فهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السّلام إذ كان خروجه عليه السّلام في أواخر سنة ستين من الهجرة و كان بعثته صلّى اللّه عليه و آله قبل الهجرة نحوا من ثلاثة عشر سنة،و إنّما كان شيوع أمره صلّى اللّه عليه و آله و ظهوره بعد سنتين من البعثة ثم بعد ذلك في نظم القرآن المص و قد ظهرت دولة بني العباس عند انقضائها،و يشكل هذا بأن ظهور دولتهم و ابتداء بيعتهم كان في سنة اثنتين و ثلاثين و مائة و قد مضى من البعثة مائة و خمس و أربعون سنة فلاى.

ص: 124


1- -زيادة عن نسخة أخرى.

يوافق ما في الخبر و يمكن التفصي منه بوجوه:

الأول: أن يكون مبدأ هذا التاريخ غير مبدأ(ألم)بأن يكون مبدؤه ولادة النبي صلّى اللّه عليه و آله مثلا،فإن بدو دعوة بني العباس كان في سنة مائة من الهجرة و ظهور بعض أمرهم في خراسان كان في سنة سبع أو ثمان و مائة،و من ولادته صلّى اللّه عليه و آله إلى ذلك الزمان كان مائة و إحدى و ستين سنة.

الثاني: أن يكون المراد بقيام قائم ولد العباس استقرار دولتهم و تمكنهم،و ذلك كان في أواخر زمن المنصور و هو موافق هذا التاريخ من البعثة.

الثالث: أن يكون هذا الحساب مبنيّا على حساب الأبجد القديم الذي ينسب إلى المغاربة.

و فيه(صعفض قرشت ثخذ ظغش)،ف(الصاد)في حسابهم ستون فيكون مائة و إحدى و ثلاثين،و سيأتي التصريح بأن حساب(المص)مبني على ذلك في خبر رحمة بن صدقة في كتاب القرآن،فيوافق تاريخه تاريخ(الم)،إذ في سنة مائة و سبع عشرة من الهجرة ظهرت دعوتهم في خراسان فأخذوا و قتل بعضهم.

و يحتمل أن يكون مبدأ هذا التاريخ زمان نزول الآية،و هي إن كانت مكيّة كما هو المشهور فيحتمل أن يكون نزولها في زمان قريب من الهجرة فيقرب من بيعتهم الظاهرة،و إن كانت مدنيّة فيمكن أن يكون نزولها في زمان ينطبق على بيعتهم بغير تفاوت.

و إذا رجعت إلى ما حققناه في كتاب القرآن في خبر رحمة بن صدقة،ظهر لك أن الوجه الثالث أظهر الوجوه و مؤيد بالخبر.

و مثل هذا التصحيف كثيرا ما يصدر من النساخ،لعدم معرفتهم بما عليه بناء الخبر، فيزعمون أن ستين غلط لعدم مطابقته لما عندهم من الحساب فيصحفونها على ما يوافق زعمهم.

قوله:«فلمّا بلغت مدته»أي كملت المدة المتعلقة بخروج الحسين عليه السّلام،فإن ما بين شهادته صلوات اللّه عليه إلى خروج بني العباس كان من توابع خروجه،و قد انتقم اللّه له من بني أمية في تلك المدة إلى أن استأصلهم.

قوله عليه السّلام:«و يقوم قائمنا عند انقضائهاب(الر)»هذا يحتمل وجوها:

ص: 125

الأول: أن يكون من الأخبار المشروطة البدائية و لم يتحقق،لعدم تحقق شرطه كما تدل عليه أخبار هذا الباب.

الثاني: أن يكون تصحيف(الر)،و يكون مبتدأ التاريخ ظهور أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله قريبا من البعثة،[كما لم يكن] (1)المراد بقيام القائم قيامه بالإمامة تورية،فإن إمامته عليه السّلام كانت في سنة ستين و مائتين فإذا أضيف عليه إحدى عشر سنة قبل البعثة يوافق ذلك.

الثالث: أن يكون المراد جميع أعداد كل(الم)تكون في القرآن و هي خمس،مجموعها ألف و مائة و خمسة و خمسون،و يؤيده أنه عليه السّلام عند ذكر(الم)لتكرره ذكر ما بعده ليتعين السورة المقصودة و تبيّن أن المراد واحد منها،بخلاف(الر)لكون المراد جميعا فتفطن.

و يؤيده أيضا ما سيأتي في خبر العسكري عليه السّلام.

الرابع: أن يكون المراد انقضاء جميع الحروف مبتدأ ب(الر)بأن يكون الغرض سقوط (المص)من العدد أو(الم)أيضا.

و على الأول يكون ألفا و ستمائة و ستة و تسعين،و على الثاني يكون ألفا و خمسمائة و خمسة و عشرين،و على حساب المغاربة يكون على الأول ألفين و ثلثمائة و خمسة و عشرين،و على الثاني ألفين و مائة و أربعة و تسعين،و هذا أنسب بتلك القاعدة الكلية و هي قوله:و ليس من حرف ينقضي،إذ دولتهم عليهم السّلام آخر الدول لكنه بعيد لفظا و لا نرضى به،رزقنا اللّه تعجيل فرجه عليه السّلام (2).

أقول:ما ذكره أيده اللّه تعالى في حل هذا الحديث إنّما هو على سبيل الاحتمال،و قد سمعته منه مرارا عديدة.

[167] و عن هشام بن سالم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (3).

قال:«إذا أخبر اللّه النبي صلّى اللّه عليه و آله بشيء إلى وقت فهو قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ1.

ص: 126


1- -في نسخة:و يكون.
2- -تفسير العياشي:3/2،و البحار:109/52.
3- -سورة النحل:1.

حتى يأتي ذلك الوقت (1).

و قال:«إن اللّه إذا أخبر شيئا كائن فكأنه قد كان» (2).

[168] كمال الدين:مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى و لا علم،يبرأ بعضكم من بعض،فعند ذلك تميّزون و تمحصّون و تغربلون،و عند ذلك اختلاف السنين»أي القحط أو نزول الحوادث.

[169] و في غيبة النعماني:بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«كونوا كالنحل في الطير ليس شيء من الطير إلاّ و هو يستضعفها،و لو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك،خالطوا الناس بألسنتكم و أبدانكم و زائلوهم بقلوبكم و أعمالكم،فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض،و حتى يسمّي بعضكم بعضا كذابين و حتى لا يبقى منكم إلاّ كالكحل في العين و الملح في الطعام،و سأضرب لكم مثلا:و هو مثل رجل كان له طعام فنقّاه و طيبه ثم أدخله بيتا و تركه فيه ما شاء اللّه،ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه سوس فأخرجه و نقّاه و طيبه،ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء اللّه ثم عاد إليه،و لم يزل كذلك حتى بقيت منه بقية قليلة كبقية البيدر لا يضرّه السوس شيئا،و كذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرها الفتنة شيئا» (3).

[170] كتاب المحتضر:للحسين بن سليمان تلميذ الشهيد رحمة اللّه عليهما قال:روي أنه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري عليه السّلام ما صورته:

«قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة و الولاية-و ساقه إلى أن قال-:و سيسفر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام(ألم)و(طه)و الطواسين من السنين».

أقول:في هذه الأخبار دلالة على أن الامتحان و التمحيص يكون في وقت غيبته عليه السّلام و لا ينافي ما تقدم من أنه يكون في ظهوره،لوجودهما معا كل منهما في وقت.

و قوله:«لتمام(ألم)».2.

ص: 127


1- -كمال الدين:348 ح 36،و الإمامة و التبصرة:130 ح 9.
2- -تفسير العياشي:254/2 ح 2،و البحار:109/52.
3- -غيبة النعماني:210 و البحار:116/52.

قال صاحب بحار الأنوار:يحتمل أن يكون المراد كل(ألم)و كل من اشتمل عليها من المقطعات أي(المص)،و المراد جميعها مع(طه)و الطواسين ترتقي إلى ألف و مائة و تسعة و خمسين و هو قريب من أظهر الوجوه التي ذكرناها في خبر أبي لبيد،ثم إن هذه التوقيتات على تقدير صحة أخبارها لا تنافي النهي عن التوقيت على الحتم،لا على وجه يحتمل البداء كما وقع في الأخبار السابقة أو عن التصريح به،فلا ينافي الرمز و البيان على وجه يحتمل لوجوه كثيرة أو يخصص بغير المعصوم عليه السّلام،و ينافي الأخير بعض الأخبار و الأول أظهر.

و غرضنا من ذكر تلك الوجوه ابداء احتمال لا ينافي ما مرّ من هذا الزمان،فإن مرّ هذا الزمان و لم يظهر الفرج و العياذ باللّه كان من سوء فهمنا و اللّه المستعان،مع أن أحتمال البداء قائم في كل محتملاتها كما مرّت الإشارة إليه في خبر ابن يقطين و الثمالي فأحذر من وساوس الشيطان.انتهى.

و التوقيتات المذكورة في طي تلك الرموز قد أشار إليها بعض من تقدم عصرنا،و هي إنّما تذكر على سبيل الاحتمال و التخمين (1).

[171] عيون الأخبار:عن الرضا عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أفضل أعمال أمتي انتظار فرج اللّه تعالى» (2).

[172] الاحتجاج:عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«تمتد الغيبة بولي اللّه الثاني عشر،و أن أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان،لأن اللّه تعالى أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالسيف،أولئك المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلى دين اللّه سرّا و جهرا» (3).0.

ص: 128


1- -البحار:121/52.
2- -صحيفة الرضا:293،و الإمامة و التبصرة:163.
3- -الإحتجاج:50/2،و كمال الدين:320.

[173] و قال عليه السّلام:«انتظار الفرج من أعظم الفرج» (1).

[174] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية».

فقيل له:جعلت فداك و ما طوبى؟

قال:«شجرة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السّلام و ليس من مؤمن إلاّ و في داره غصن من أغصانها،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ» (2).

[175] البصائر:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و عنده جماعة من أصحابه:اللهم لقّني إخواني».

فقال من حوله من أصحابه:أما نحن إخوانك يا رسول اللّه؟

فقال:«لا،إنكم أصحابي،و إخواني قوم في آخر الزمان آمنوا بي و لم يروني،و لقد عرّفنيهم اللّه بأسمائهم و أسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم» (3).

[176] و عنه عليه السّلام في قوله تعالى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (4).

قال:«[المتّقون:شيعة علي عليه السّلام] (5)،و الغيب:الحجة الغائب» (6).

[177] المحاسن:السندي عن جدّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظرا له؟

قال:«هو بمنزلة من كان مع القائم عليه السّلام في فسطاطه».1.

ص: 129


1- -المصدر السابق.
2- -معاني الأخبار:112،و البحار:123/52 ح 6.
3- -البحار:124/52،و ميزان الحكمة:180/1.
4- -سورة البقرة:2.
5- -زيادة عن نسخة أخرى.
6- -كمال الدين:18،و البحار:52/51.

ثم سكت هنيهة ثم قال:«هو كمن كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:إن ما ورد في هذه الأخبار من أن المنتظر لهذا الأمر إذا مات قبل خروجه عليه السّلام يكتب في ديوان الشهداء معه عليه السّلام:منزّل على ما روي من قوله عليه السّلام:

«نية المؤمن خير من عمله»فإن هذا نوى أنه لو ظهر عليه السّلام جاهد معه،فأثيب على تلك النية، و لو بقى إلى زمان العمل لعله يكون مقصرا فيه بوجه من الوجوه التي تقصر به عن درجة الشهداء (1).

[178] و كان عليه السّلام يقول:«إني لا أخرج نفسي من عداد شهداء كربلاء،لأن في نيتي أني لو شهدت الواقعة لجاهدت مع الحسين عليه السّلام».

و كذلك يورد الجزء الثاني من الحديث و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله:«ونية الكافر شرّ من عمله» و ذلك أنه ورد:أن المهدي عليه السّلام إذا ظهر يخرج من بني أمية و غيرهم من كان في واقعة الطفوف حتى أبنائهم و ذراريهم ممّن شهد الواقعة و يعذبهم بفعال آبائهم،لأنهم سمعوا بفعل آبائهم و رضوا به،و لو كانوا حاضرين معهم لأتوا مثل فعالهم.

و كذلك ينزّل تلك الأخبار على ما روي من أن ثواب الطاعة يكتب بمجرد النيّة لها،و قد نوى صاحب هذا الأمر أنه إذا خرج مولاه المهدي عليه السّلام يجاهد بين يديه (2).

[179] المحاسن:بإسناده إلى الحكم بن عيينة قال:لما قتل أمير المؤمنين عليه السّلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال:[يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف و قتلنا معك هؤلاء الخوارج] (3).

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و الذي فلق الحبة و برىء النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق اللّه آباءهم و لا أجدادهم بعد».

فقال الرجل:و كيف يشهدنا قوم لم يخلقوا؟

قال:«بلى،قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه و يسلمون لنا،ى.

ص: 130


1- -محاسن البرقي:173/1 ح 146،و البحار:125/52 ح 14.
2- -البحار:381/81،و ميزان الحكمة:3417/4.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.

فأولئك شركاؤنا فيما كنّا فيه حقّا حقّا».

أقول:شراكة من لم يأتي بعد إمّا باعتبار التسليم و الانقياد و الرضا بما فعل عليه السّلام،و من رضى بفعل سمعه يشارك أمّا في الثواب أو في العقاب،كما روي:أنه لو قتل رجل ظلما و سمع به من في المشرق و المغرب و رضوا بقتله كانوا كلهم شركاء في الذنب مع القاتل،و هذا الذنب ممّا تعم به البلوى لميل الناس إليه،فإن من سمع أن ظالما قتل رجلا غير محبوب السامع كان ذلك السامع ممّن يرضى لذلك الظالم،بل و يحسن فعله مع أن المقتول من الشيعة الإمامية سيّما إذا أتى ذنبا لا يوجب عليه القتل.

و إمّا باعتبار ما سبق من النية،و أنه لو شهد واقعة الخوارج مثلا لجاهدهم مع أمير المؤمنين عليه السّلام.

و يؤيد الأول قوله:«و يسلمون» (1).

[180] كمال الدين:بإسناده إلى أبي بصير قال:قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً (2).

قال:«يعني يوم خروج القائم عليه السّلام المنتظر منّا».

ثم قال عليه السّلام:«يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته و المطيعين له في ظهوره،أولئك أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون».

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:تفسير الآية على ما ورد في هذا الخبر موجود في كثير من الأخبار،و لا يخفى ما يرد هناك من الإشكال و هو:أن قيامه عليه السّلام إنّما هو لمضمون قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و هو لا يكون إلاّ بدخول الكافرين في الإسلام،فإذا لم ينفع الإيمان ذلك الوقت فما يكون فائدة الجهاد و الخروج بالسيف؟

و يمكن التقصي عنه بوجوه:

منها:ما روي أن اللّه سبحانه يخرج من القبور من كل طائفة جماعة مخصوصين،و هو8.

ص: 131


1- -محاسن البرقي:262/1 ح 322،و البحار:131/52 ح 32.
2- -سورة الأنعام:158.

المراد من قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا و هؤلاء المحشورون[في] (1)القبور لمّا شاهدوا أحوال القبر و عذابه صار الإيمان ضروريا عندهم،و كانوا ملجأون إليه إلى سبيل الاضطرار،فيكون إيمانهم عند خروجه عليه السّلام إيمانا عند رؤية البأس كما آمن فرعون،و هذا إيمان لا ينفع صاحبه.

و منها:أن المراد الإيمان الظاهر كالذي كان في عصر النبوة،فإن أكثرهم كانوا منافقين،حتى أنه جاء في الرواية أن النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا سار في عسكره إلى تبوك و كانوا عشرين ألفا و خمسة آلاف رجل قال لكاتبه:«أتعرف المؤمنين منهم؟»

قال:المؤمنون منهم خمسة و عشرين رجلا.

يعني أن الباقين منافقون،و كان ذلك الإيمان ينفعهم و عليه مدار أمور دنياهم.

و أمّا في عصر المهدي عليه السّلام فذلك الإيمان الظاهري غير نافع لهم و لا مقبول عنده و لا يقبل منهم إلاّ ما يعرفه منهم بعلمه الذي علّمه اللّه تعالى و اطلعه على بواطنهم،و ذلك أن إيمانهم في أعصاره عليه السّلام لا يكون إلاّ بالسيف و الخوف،و مثل هذا الإيمان غير نافع لصاحبه و لا ينجيه من النار و لا يقبل منه حتى يجرى عليه أحكام المؤمنين،بل يعاملهم فيه معاملة الكفّار بالقتل أو أخذ الجزية أو غير ذلك (2).

[181] و فيه عن عبد اللّه بن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى و لا إمام هدى،لا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق».

قلت:و كيف دعاء الغريق؟

قال:«يقول:يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك» (3).

[182] الخرائج:خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري في حديث طويل قال فيه:«و سيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة،ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذّاب مفتر،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم».2.

ص: 132


1- -في المخطوط:من.
2- -كمال الدين:357 ح 54،و البحار:149/52.
3- -كمال الدين:352،و البحار:149/52.

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:قال بعض أهل الحديث:لعله محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة و إيصال الأخبار من جانبه عليه السّلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت،و ستأتي فيمن رآه عليه السّلام،انتهى.

و الأظهر أن يراد:من يدّعي المشاهدة من غير دليل و لا برهان،فإن من تقدم ممّن رآه عليه السّلام أقام على رؤيته الإمارات و الدلائل حتى وقع الجزم بأنه هو عليه السّلام (1).

[183] كمال الدين:بإسناده إلى ابن فضّال عن الرضا عليه السّلام قال:«إن الخضر عليه السّلام شرب من ماء الحياة،فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور،و أنه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه،و أنه ليحضر حيث ذكر،فمن ذكره منكم فليسلّم عليه،و أنه ليحضر الموسم(كل سنة)فيقضي جميع المناسك و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين،و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته».

أقول:قوله عليه السّلام:«و أنه ليحضر حيث ذكر»يستفاد منه أن ما يفعله الناس لا يخلو من نوع صحة و هو:أنهم يعمدون إلى بعض الأوقات الخاصة يصلّون و يصومون و يصنعون نوعا من الحلوى و يأتون بشيء من الطاعات و العبادات باسم الخضر عليه السّلام،و يضعون طحينا خاصا في بيت مغلق بالأقفال في تلك الليلة،فإذا أصبح النهار و فتحوا الباب وجدوا أثر أصابع يد وضعت على ذلك الطحين يقولون:إنها يد الخضر عليه السّلام.

و وجهه:أنهم لمّا كانوا يذكرونه في ذلك الوقت يكون حاضرا،و إذا حضر يجوز أن يضع يديه على ذلك الطحين ليكون أثرا يستدل به على حضوره (2).

[184] كتاب الغيبة للشيخ الطوسي طاب ثراه:بإسناده إلى عبد الأعلى مولى آل سام قال:خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فلمّا نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاّ عليها فقال لي:«ترى هذا الجبل؟هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس،أحبّنا فنقله اللّه إلينا،أما إن فيه كل شجرة مطعم و نعم،أمان للخائف،أما إن لصاحب هذا الأمر غيبتين:واحدة قصيرة3.

ص: 133


1- -الخرائج و الجرائح:1129/3،و كمال الدين:516 ح 44.
2- -كمال الدين:390 ح 4،و الخرائج و الجرائح:1174/3.

و الأخرى طويلة» (1).2.

ص: 134


1- -كتاب الغيبة:163 ح 123،و البحار:153/52.

قصة الجزيرة الخضراء

فأئدة جليلة:.

[185] قال صاحب كتاب بحار الأنوار:وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض،و أورد الرسالة بعينها و لفظها،و نحن نذكرها على طريق التلخيص و الاختصار:

قال صاحب الرسالة بعد الحمد و الصلاة:

و بعد،فقد وجدت في خزانة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بخط الشيخ الفاضل الفضل بن يحيى الكوفي:الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله و سلم و بعد،فيقول الفقير إلى عفو اللّه الفضل بن يحيى الإمامي الكوفي:قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين،الشيخ شمس الدين الحلي و الشيخ جلال الدين الحلي في مشهد أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام سنة تسع و تسعين و ستمائة،حكاية ما سمعاه من الشيخ الفاضل التقي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري،حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين بسرّ من رأى و حكى لهما ما شاهده في البحر الأبيض و الجزيرة الخضراء من الغرائب،فمرّ بي باعث الشوق إلى رؤياه في الاستماع لهذا الخبر منه،فاتفق أن الشيخ زين الدين انحدر إلى الحلة من سرّ من رأى ليمضي إلى المشهد الغروي،فلمّا سمعت بدخوله إلى الحلة قصدته فوجدته راكبا يريد دار السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي،فاتبعته إلى دار السيد فدخلت عليه و طلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان الشيخ شمس الدين و الشيخ جلال الدين الحلّيّان،فقصّ لي القصة بحضور السيد فخر الدين و جماعة من علماء الحلة،و هذا صورة ما سمعته من لفظه:

قال:قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب العلم عند الشيخ زين الدين الأندلسي المالكي،و كان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث و لا في المذهب،فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق إلى الديار المصرية فصحبني معه إلى مصر،فلمّا وصلنا مدينة مصر المعروفة بالفاخرة أقام بالمسجد الأزهر يدرّس مدة تسعة أشهر،و إذا بقافلة من الأندلس و مع

ص: 135

رجل منها كتاب من والده يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له و أنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات.

فرّق الشيخ من كتاب أبيه و بكى،و صمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس،فأخذني معه فحين وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة عرضت لي حمّى منعتني عن الحركة،فرّق لي الشيخ و أعطى خطيب تلك القرية عشرة دراهم و أمره أن يتعاهدني حتى إذا منّ اللّه بالعافية اتبعه إلى بلده،ثم مضى إلى بلاد الأندلس،و مسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام،فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام و في اليوم الثالث فارقتني الحمّى و خرجت أدور في القرية،و رأيت قفلا قد وصل إليها،فسألت عن حالهم.

فقيل:إنهم يجيئون من قريب أرض البربر و هي قريبة من جزائر الرافضة.

فحين سمعت بذلك جذبني باعث الشوق إلى أرضهم.

و قيل لي:إن المسافة خمسة و عشرون يوما و القرى متصلة.

فاكتريت معهم من رجل حمارا،فلمّا وصلنا أرضهم العامرة قيل لي:إن جزيرة الروافض قد بقي بينك و بينها ثلاثة أيام.

فمضيت و وصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة و لها أبراج محكمات شاهقات،و تلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطىء البحر،فدخلت من باب كبيرة يقال لها:باب البربر،و سألت عن المسجد فهديت إليه،و دخلته و جلست لاستريح و إذا بالمؤذن يؤذن للظهر و نادى بحيّ على خير العمل و دعى بالفرج للإمام صاحب الزمان عليه السّلام.

فأخذتني العبرة بالبكاء،فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد و شرعوا في الوضوء،و إذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة عليه السكينة و الوقار،فتقدم إلى المحراب و أقام الصلاة و صلّى بهم إماما صلاة كاملة بالأركان المنقولة عن أئمتنا عليهم السّلام،و من شدّة ما لقيت من تعب السفر لم يمكني أن أصلي معهم الظهر،فلمّا فرغوا و رأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم.

فتوجهوا نحوي بأجمعهم و سألوني عن حالي و عن مذهبي.

فشرحت لهم حالي و أني عراقي الأصل،و أمّا مذهبي فإني رجل مسلم أقول

ص: 136

بالشهادتين:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه.

فقالوا لي:لم تنفعك هاتان الشهادتان إلاّ لحقن دمك في دار الدنيا،لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة؟

فقلت لهم:و ما تلك الشهادة اهدوني إليها؟

فقال لي إمامهم:هي أن تشهد أن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و الأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السّلام أوصياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلفاؤه من بعده بلا فاصلة.

فلمّا سمعت مقالتهم،حمدت اللّه سبحانه على ذلك و عرّفتهم أني على مذهبهم،فتوجهوا إليّ توجه إشفاق و عيّنوا لي مكانا في زوايا المسجد،و ما زالوا يتعاهدوني بالعزّة و الإكرام و صار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا و لا نهارا،فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم،فإني لا أرى لهم أرضا مزروعة؟

فقال:تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض،من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر عليه السّلام.

فقلت له:كم تأتيكم ميرتكم في السنة مرة؟

فقال:مرتين،و قد أتت مرة و بقى الأخرى.

فقلت:كم بقى حتى تأتيكم؟

قال:أربعة أشهر.

فتأثرت لطول المدة و مكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعوا اللّه بتعجيل مجيئها،ففي آخر يوم من الأربعين خرجت إلى شاطىء البحر أنظر إلى الجهة التي تأتي منها ميرتهم،فرأيت شبحا من بعيد يتحرك،فسألت عن ذلك الشبح و قلت:هل يكون في البحر طير أبيض؟

فقالوا لي:لا،فهل رأيت شيئا؟

قلت:نعم.

فاستبشروا و قالوا:هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام عليه السّلام.

فما كان إلاّ قليل حتى قدمت تلك المراكب،و كان مجيئها في غير الميعاد،فقدم مركب كبير و تبعه آخر حتى صارت سبعة،فصعد من المركب الكبير شيخ بهي المنظر حسن الزي

ص: 137

و دخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل و صلّى الظهرين،فلمّا فرغ من صلاته التفت إليّ مسلما،فرددت عليه فقال:ما اسمك؟و أظن أن اسمك عليّ؟

فقلت:صدقت.

فحادثني محادثة من يعرفني فقال:ما اسم أبيك؟و يوشك أن يكون فاضلا؟

قلت:نعم.

و لم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر.

فقلت:أيها الشيخ ما أعرفك بي و بأبي؟هل كنت معنا حين سافرنا من الشام إلى مصر و من مصر إلى الأندلس؟

قال:لا و مولاي صاحب العصر عليه السّلام.

قلت له:و من أين تعرفني باسمي و اسم أبي؟

قال:اعلم أنه قد تقدم إليّ وصفك و أصلك و معرفة اسمك و شخصك و هيئتك و اسم أبيك رحمه اللّه و أنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلك حيث قد ذكرت ولي عندهم اسم،و كان من عادته أن لا يقيم عندهم إلاّ ثلاثة أيام،فأقام أسبوعا و أوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم،فلمّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر و حملني معه و سرنا في البحر،فلمّا كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماءا أبيضا فنظرت إليه،فقال لي الشيخ و أسمه محمد:مالك تنظر إلى هذا الماء؟

فقلت:إنه على غير لون ماء البحر.

فقال لي:هذا هو البحر الأبيض و تلك الجزيرة الخضراء،و هذا الماء يدور حولها مثل السور،و بحكمة اللّه تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت ببركة إمامنا صاحب الزمان عليه السّلام.

فشربت منه فإذا هو كماء الفرات،فوصلنا إلى الجزيرة الخضراء و صعدنا إليها و دخلنا البلد،فرأيته محصّنا بقلاع و أبراج و أسوار سبعة واقعة على شاطىء البحر،ذات أنهار و أشجار مشتملة على أنواع الفواكه،و فيها أسواق كثيرة و حمامات عديدة،و أكثر عمارتها برخام شفاف،و أهلها في أحسن الزي و البهاء،فاستطار قلبي سرورا.

ص: 138

ثم مضى بي محمد إلى الجامع الأعظم،فرأيت فيه جماعة كثيرة و في وسطهم شخص جالس عليه من المهابة و السكينة و الوقار ما لا يوصف،و الناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم،و يقرؤون عليه في القرآن و الفقه و العربية بأقسامها و أصول الدين،و الفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر عليه السّلام مسألة مسألة و قضية قضية و حكما حكما،فلمّا مثلت بين يديه رحّب بي و أجلسني في القرب منه،و أحفى السؤال عن تعبي في الطريق،و عرّفني أنه تقدم إليه كل أحوالي و أن الشيخ محمد رفيقي إنّما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال اللّه بقاه،ثم أمر لي بتخلية بيت في المسجد،فمضيت إلى ذلك الموضع و استرحت فيه إلى وقت العصر،و إذا أنا بالموكّل بي أتى إلىّ و قال لي:لا تبرح حتى يأتيك السيد و أصحابه لأجل العشاء معك.

فأقبل مع أصحابه و مدّت المائدة فأكلنا و نهضنا إلى المسجد لأجل صلاة المغرب و العشاء،فلمّا فرغنا من الصلاة ذهبت إلى مكاني و أقمت في صحبته سلّمه اللّه ثمانية عشر يوما،فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد صلّى ركعتين فريضة واجبة،فلمّا فرغت قلت:يا سيّدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة.

قال:نعم لأن شروطها المعلومة قد حضرت لأني النائب الخاص بأمر الإمام عليه السّلام.

فقلت:يا سيّدي هل رأيت الإمام؟

قال:لا،و لكن حدثني أبي أنه سمع حديثه و لم ير شخصه،و أن جدي رحمه اللّه سمع حديثه و رأى شخصه.

فقلت له:و لم ذاك يا سيّدي يختص بذلك رجل دون آخر؟

فقال:إن اللّه سبحانه يؤتي الفضل من يشاء من عباده،كما اختص جماعة بالنبوة و الإمامة.

ثم إن السيد سلّمه اللّه أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم و سار معي نحو البساتين،فرأيت فيها أنهارا جارية و بساتين كثيرة فيها أنواع الفواكه،فبينما نحن في البساتين إذ رأينا رجلا بهي الصورة مشتمل ببردتين من صوف أبيض فسلّم علينا،فقلت للسيد:من هذا الرجل؟

فقال:انظر إلى هذا الجبل الشاهق إن في وسطه لمكانا حسنا و فيه عين جارية تحت

ص: 139

شجرة و عندها قبّة مبنية،و إن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبّة،و أنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة و أزور الإمام عليه السّلام منها و أصلي ركعتين،و أجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فأعمل به،فينبغي لك أن تذهب إلى هناك و تزور الإمام عليه السّلام من القبّة.

فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي،و وجدت هناك خادمين فرحّب بي الذي مرّ علينا و أنكرني الآخر و قال له:لا تنكره فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم.

فرحّب بي،و حادثاني فسألتهما عن رؤية الإمام عليه السّلام.

فقالا لي:الرؤية غير ممكنة و ليس معنا أذن في إخبار أحد.

فنزلت من ذلك الجبل إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب،فحكيت له مسيري إلى الجبل و إنكار الخادم عليّ.

فقال لي:ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين و أمثاله.

فسألته عن أحوال السيد شمس الدين.

فقال:إنه من أولاد الإمام عليه السّلام و أن بينه و بين الإمام عليه السّلام خمسة آباء،و أنه النائب الخاص عن أمر صدر من الإمام عليه السّلام.

فاستأذنت السيد شمس الدين في نقل بعض المسائل و قراءة القرآن المجيد.

فقال:ابدأ أولا بقراءة القرآن.

فكلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القرّاء أقول له:قرأ حمزة كذا و قرأ الكسائي كذا و قرأ أبو عاصم كذا و أبو عمرو بن كثير كذا.

فقال السيد سلمه اللّه:نحن لا نعرف هؤلاء و إنّما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة،و بعدها لمّا حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمد أتل عليّ القرآن حتى أعرّفك أوائل السور و أواخرها و شأن نزولها.

فاجتمع إليه عليّ بن أبي طالب و ولده الحسن و الحسين عليهم السّلام و أبي بن كعب و عبد اللّه

ص: 140

ابن مسعود و حذيفة بن اليمان و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت،و جماعة من الصحابة من المنتجبين منهم،فقرأ النبي صلّى اللّه عليه و آله القرآن من أوله إلى آخره، و كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل عليه السّلام و أمير المؤمنين عليه السّلام يكتب ذاك في درج من أدم،فالجميع قراءة أمير المؤمنين عليه السّلام.

فقلت له:يا سيّدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها و بما بعدها،و كان فهمي القاصر لم يصل إلى غورية ذلك.

فقال:نعم،الأمر كما رأيته،و ذلك لمّا انتقل سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله من دار الفناء إلى دار البقاء و فعل صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرية،جمع أمير المؤمنين عليه السّلام القرآن كله و وضعه في إزاره و أتى به إليهم و هم في المسجد،فقال لهم:«هذا كتاب اللّه سبحانه أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدي اللّه تعالى».

فقال له فرعون هذه الأمة و نمرودها:لسنا محتاجين إلى قرآنك.

فقال عليه السّلام:«قد أخبرني حبيبي بقولك هذا،و إنّما أردت بهذا إلقاء الحجة عليكم».

فرجع أمير المؤمنين عليه السّلام به إلى منزله و هو يقول:«لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك لا راد لما سبق في علمك و لا مانع لما أقبضته حكمتك،فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك».

فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين و قال لهم:كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها.

فجاءه أبو عبيدة بن الجراح و عثمان و سعد بن أبي وقاص و معاوية بن أبي سفيان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبد اللّه و أبو سعيد الخدري و حسان بن ثابت و جماعات من المسلمين،و جمعوا هذا القرآن و أسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله،فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة،و القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السّلام بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عليه السّلام فيه كل شيء حتى أرش الخدس،و أمّا هذا القران فلا شك و لا شبهة في صحته و أنه كلام اللّه سبحانه،هكذا صدر عن صاحب الأمر عليه السّلام.

و نقلت عن السيد شمس الدين مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة،و هي عندي

ص: 141

جمعتها في مجلد سميتها بالفوائد الشمسية.

فلمّا كانت الجمعة الثانية و فرغنا من الصلاة و جلس السيد في مجلس الإفادة،و إذا أنا أسمع هرجا و جزلة عظيمة خارج المسجد،فقال لي السيد:إن أمراء عسكرنا يركبون كل جمعة من وسط كل شهر و ينتظرون الفرج.

فخرجت لرؤيتهم،فإذا هم جمع كثير يسبحون اللّه و يحمدونه و يهللونه جلّ و عزّ و يدعون بالفرج للإمام عليه السّلام م ح م د صاحب الزمان عليه السّلام،فعدت إلى المسجد،فقال لي السيد:هل رأيت العسكر؟

قلت:نعم.

قال:فهل عددت أمراءهم؟

فقلت:لا.

قال:عدّتهم ثلاثمائة ناصر و بقي ثلاثة عشر ناصرا و يعجّل اللّه الفرج.

قلت:يا سيّدي و متى يكون الفرج؟

قال:يا أخي إنّما العلم عند اللّه،و الأمر متعلق بمشيئته سبحانه و تعالى،حتى أنه ربّما كان الإمام عليه السّلام لا يعرف ذلك،بل له علامات و إمارات تدل على خروجه من جملتها:

أن ينطق ذو الفقار،بأن يخرج من غلافه و يتكلم بلسان عربي مبين:قم يا ولي اللّه على اسم اللّه،فاقتل بي أعداء اللّه.

و منها:ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم،الصوت الأول:أزفة الأزفة يا معشر المؤمنين.

و الصوت الثاني:ألا لعنة اللّه على الظالمين لآل محمد عليهم السّلام،و الثالثة:بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول:إن اللّه بعث صاحب الأمر م ح م د بن الحسن المهدي فاسمعوا له و اطيعوا.

فقلت:يا سيّدي قد روينا عن مشايخنا أحاديثا رويت عن صاحب الأمر عليه السّلام أنه قال:لما أمر بالغيبة الكبرى:«من رآني بعد غيبتي فقد كذب».

فكيف من يراه؟

ص: 142

فقال:صدقت إنه عليه السّلام إنّما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته و غيرهم من فراعنة بني العباس،حتى أن الشيعة يمنع بعضهم بعضا عن التحدث بذكره،و في هذا الزمان تطاولت المدة و أيس منه الأعداء و بلادنا بعيد عنهم و عن ظلمهم و عنادهم،و ببركته عليه السّلام لا يقدر أحد من الأعداء[على]الوصول إلينا.

قلت:يا سيّدي قد روت علماء الشيعة حديثا عن الإمام عليه السّلام أنه عليه السّلام أباح الخمس لشيعته.

قال:نعم أباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السّلام و قال:«هم في حلّ من ذلك».

قلت:و هل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء و العبيد من سبي العامة؟

قال:نعم و من سبي غيرهم لأنه عليه السّلام قال:«عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم».

و قال السيد سلمه اللّه:إنه يخرج من مكة بين الركن و المقام في سنة وتر،فليرتقبها المؤمنون.

فقلت:يا سيّدي قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن اللّه بالفرج.

قال:يا أخي تقدم إليّ كلام تعود إلى وطنك و لا يمكنني و إياك المخالفة،لأنك ذو عيال و قد غبت عنهم مدة مديدة،و لا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا.

فتأثرت من ذلك و بكيت و قلت:يا مولاي،و هل تجوز المراجعة في أمري؟

قال:لا.

قلت:يا مولاي،و هل تأذن لي في أن أحكي كلمّا قد رأيته و سمعته؟

قال:لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم إلاّ كيت و كيت،و عيّن ما لا أقوله.

فقلت:يا سيّدي ما يمكن النظر إلى جماله و إلى بهائه عليه السّلام.

قال:لا،و لكن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام و لا يعرفه.

فقلت:يا سيّدي أنا من جملة عبيده المخلصين و لا رأيته.

فقال لي:بل رأيته مرتين،مرة منها لمّا أتيت إلى سرّ من رأى و هي أول مرة جئتها و سبقك أصحابك و تخلفت عنهم حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه،فحضر عندك فارس على فرس شهباء و بيده رمح طويل و له سنان دمشقي،فلمّا رأيته خفت على ثيابك،فلمّا وصل إليك قال

ص: 143

لك:«لا تخف اذهب إلى أصحابك،فإنّهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة».

فأذكرني و اللّه ما كان فقلت:قد كان ذلك يا سيّدي.

قال:و المرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي و انقطعت عن القافلة و خفت خوفا شديدا،فعارضك فارس على فرس غراء محجّلة و بيده رمح أيضا و قال لك:«سر و لا تخف إلى قرية على يمينك و نم عند أهلها الليلة و أخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه و لا تتق منهم،فإنّهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب و الأئمة المعصومين من ذريته عليه السّلام».

كان ذلك يابن فاضل؟

قلت:نعم،و ذهبت إلى أهل تلك القرية و نمت عندهم فأعزّوني،و سألتهم عن مذهبهم فقالوا من غير تقية:نحن على مذهب أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة المعصومين.

فقلت لهم:من أين لكم هذا المذهب؟

قالوا:أبو ذر الغفاري رضى اللّه عنه حين نفاه عثمان إلى الشام و نفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمتّنا بركته.

فلمّا أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة،فجهزوا معي رجلين الحقاني بها بعد أن صرّحت لهم بمذهبي.

فقلت له:يا سيّدي هل يحج الإمام عليه السّلام في كل مدة؟

قال لي:يا بن فاضل الدنيا خطوة مؤمن،فكيف بمن لم تقم الدنيا إلاّ بوجوده و وجود آبائه عليهم السّلام؟نعم يحج في كل عام و يزور آباءه بالمدينة و العراق و طوس على مشرفيها السلام، و يرجع إلى أرضنا هذه.

ثم إن السيد شمس الدين حث عليّ بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق و عدم الاقامة في بلاد المغرب،و ذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه محمد بن الحسن قائم بأمر اللّه.

و أعطاني السيد منها خمسة دراهم-و هي محفوظة عندي للبركة-ثم إنه وجهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا تلك البلدة،التي أول ما دخلتها من أرض البربر،و كان قد

ص: 144

أعطاني حنطة و شعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة و أربعين دينارا،فتوجهت إلى طرابلس من أرض المغرب و سافرت منها إلى الحج و حججت و جئت إلى العراق و أريد المجاورة في الغري إلى الممات،و لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكرا سوى خمسة:السيد المرتضى الموسوي،و الشيخ أبو جعفر الطوسي،و محمد بن يعقوب الكليني،و ابن بابويه،و الشيخ أبو القاسم جعفر بن[إسماعيل] (1)الحلي قدس اللّه أرواحهم.

و هذا آخر ما سمعته من الشيخ الفاضل التقي علي بن فاضل أدام اللّه أفضاله و كثّر من علماء الدهر و أتقيائه أمثاله.

الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على خير خلقه سيد البرية محمد و على آله الطاهرين المعصومين و سلم تسليما كثيرا (2).

جوهرة عالية:

[186] وجدت في بعض كتب علمائنا قدّس اللّه أرواحهم حكاية مسندة بهذه الألفاظ:عن المولى الفاضل الملقّب بالرضا علي بن فتح اللّه القاشاني رحمه اللّه قال:روى الشريف الزاهد أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي الحسيني في كتابه[التعازي] (3)،بإسناده عن الأجل العالم الحافظ حجة الإسلام سعيد بن أحمد بن الرضي،عن الشيخ الأجل المقريء خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث،أنه حكى في داري بالظفريه بمدينة السلام في ثامن عشر شعبان سنة أربع و أربعين و خمسمائة قال:حدثني شيخي العالم أبو القاسم عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الآخر سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة قال:حدثني الأجل العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث و أربعين و خمسمائة قال:كنّا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدّم ذكرها و عنده جماعة،فلمّا أفطر من كان

ص: 145


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -البحار:173/52.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.

حاضرا أردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده،و كان في مجلسه تلك الليلة شخص لا أعرفه،و رأيت الوزير يكثر إكرامه و يصغي إليه و يسمع قوله دون الحاضرين،فتجارينا الحديث و المذاكرة فتحادثنا في الأديان و المذاهب و رجعنا إلى دين الإسلام و تفرّق المذاهب فيه،فقال الوزير:أقل طائفة مذهب الشيعة.

و أخذ يذم أحوالهم و يحمد اللّه على قلّتهم في أقاصي الأرض.

فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه،فقال:أدام اللّه أيامك أحدّث بما عندي؟

فقال:قل ما عندك.

قال:خرجت مع والدي سنة اثنين و عشرين و خمسمائة من مدينتا و هي المعروفة بالباهية و فيها ضياع كثيرة و كلهم نصارى،و اتفق أننا سرنا في البحر و تعدينا الجهات التي كنا نصل إليها،و وصلنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار،فأول مدينة وصلنا إليها سألنا الناخذاه:أي شيء هذه الجزيرة؟

فقال:لم أصل إليها و لا أعرفها.

فلمّا أرسينا بها و صعد التجّار،سألنا ما اسمها؟

فقيل:هي المباركة،و سلطانها اسمه الطاهر،و سرير ملكه بالزاهرة،و بينكم و بينها مسيرة عشرة ليال في البحر،و هم قوم مسلمون.

فقلنا:من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع و الابتياع؟

قالوا:تحضرون عند نائب السلطان.

فجاء معنا من أدخلنا داره،فرأينا رجلا صالحا عليه عباءة و تحته عباءة مفترشها،فسلّمنا ورد علينا السّلام،فقال:من أين أقبلتم؟

فقلنا:من كذا و كذا.

فقال:كلكم مسلمون؟

فقلنا:لا،بل فينا المسلم و اليهودي و النصراني.

قال:يزن اليهودي جزيته و النصراني جزيته و يناظر المسلم عن مذهبه.

فوزن والدي عن خمسة نفر نصارى عنه و عني و عن ثلاثة نفر كانوا معه،ثم وزن تسعة

ص: 146

نفر كانوا يهودا.

و قال للمسلمين:هاتوا مذاهبكم.

فشرعوا معه في مذاهبهم،فقال:لستم مسلمين و إنما أنتم خوارج و أموالكم تحل للمسلم المؤمن،و ليس بمسلم من لم يؤمن باللّه و رسوله و بالوصي و الأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان عليه السّلام.

فضاقت بهم الأرض و لم يبق إلاّ أخذ أموالهم،ثم قال لنا:يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث أخذت منكم الجزية.

فلمّا عرف أولئك أن أموالهم معرّضة للنهب،سألوه أن يحملهم إلى سلطانهم،فأجاب سؤالهم و تلى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ .

فقلنا للربان-أي الدليل-و الناخذاه:هؤلاء قوم عاشرناهم و ما نحب أن نتخلف عنهم،إنّما يجب أن نكون معهم حتى نعلم ما يستقر حالهم.

فقال الربان:و اللّه ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه.

فأستأجرنا ربانا و رجالا،و سرنا ثلاثة عشر يوما حتى كان قبل طلوع الشمس قال الربان:هذه و اللّه أعلام الزاهرة و منائرها و جدرها قد بانت.

فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها،و لا أخف على القلب،و لا أطيب من هواها،و لا أعذب من مائها،و هي راكبة البحر على جبل من صخر أبيض كأنه لون الفضة،و عليها سور إلى ما يلي البحر،و الأنهار منحرفة في وسطها،يشرب منها أهل الدور و الأسواق و تأخذ منها الحمامات،و مدى الأنهار فرسخ و نصف،و تحت ذلك الجبل بساتين المدينة و أشجارها و مزارعها عند العيون،و ثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها،و يرعى الذئب و النعجة عيانا،و لو قصد قاصد إلى تخلية دابته في زرع غيره لما رعته و لا قطعت منه،و لقد شاهدت السباع و الهوام رابضة في جنب تلك المدينة و بنو آدم يمرّون عليها،فلمّا قدمنا المدينة صعدنا فرأينا مدينة عظيمة كثيرة الخلق فيها الأسواق الكثيرة،و يرد إليها الخلق من البر و البحر و أهلها على أحسن الوجوه،و لا يوجد على وجه الأرض من الأمم و الأديان مثلهم و أمانتهم،حتى أن المشتري و البائع يزن لنفسه المتاع و الثمن،لا يسمع منهم لغو المقال

ص: 147

و لا النميمة و لا الغيبة،و إذا نادى المؤذن للأذان لا يتخلف منهم أحد ذكر أو أنثى إلاّ سعى إلى الصلاة،يصلون كل صلاة في وقتها،فلمّا دخلنا المدينة أمر بحضورنا عند السلطان فدخلنا إلى بستان في وسطه قبّة من فضة و السلطان في تلك القبة و عنده جماعة،فلم تنظر عيني أخضع منه للّه و لا ألين جانبا لرعيته،فلمّا قضيت الصلاة التفت و قال:هؤلاء القادمون؟

قلنا:نعم.

و كانت تحية الناس له و مخاطبتهم:يابن صاحب الأمر،فقال:أنتم تجار أم أضياف؟

فقلنا:تجار.

فقال:من فيكم المسلم و من فيكم من أهل الكتاب؟

فعرفناه ذلك،فقال:إن الإسلام فرقا و شعبا،فمن أي قبيل أنتم؟

و كان معنا شخص يعرف بالمقري اسمه آذربهان بن أحمد الأهوازي يزعم أنه على مذهب الشافعي،فقال:أنا رجل شافعي.

قال:فمن على مذهبك في الجماعة؟

قال:كلنا إلاّ هذا حسان بن غيث فإنه رجل مالكي.

فقال:أنت تقول بالاجماع و تعمل بالقياس.

قال:نعم.

قال:يا شافعي باللّه عليك تلوت ما أنزل يوم المباهلة؟

قال:نعم.

قال:ما هو؟

قال:قوله تعالى: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (1).

فقال:باللّه عليك من أبناء الرسول و من نساؤه و من نفسه؟

فأمسك آذربهان.

فقال:باللّه هل بلغك أن غير الرسول و الوصي و البتول و السبطين دخل تحت الكساء.1.

ص: 148


1- -سورة آل عمران:61.

قال:لا.

قال:و اللّه لم تنزل هذه الآية إلاّ فيهم و لا خصّ بها سواهم.

ثم قال:باللّه عليك هل تلوت قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

قال:نعم.

قال:من عنى بذلك؟

فأمسك.

فقال:و اللّه ما عنى بها إلاّ أهلها،ثم بسط لسانه و تحدث بحديث أمضى من السهام و أقطع من الحسام،فقطع الشافعي و وافقه عند ذلك فقال:عفوا عفوا يابن صاحب الأمر أنسب لي نفسك.

فقال:أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي أنزل فيه: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ .

و نحن الذي أنزل اللّه في حقّنا: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2).

يا شافعي نحن ذرية الرسول نحن أولوا الأمر.

فخرّ الشافعي مغشيّا عليه ثم أفاق و آمن به و قال:الحمد للّه الذي منحني الإسلام و الإيمان و نقلني من التقليد إلى اليقين.

ثم أمر لنا بإقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية أيام،و لم يبق في المدينة أحد إلاّ جاء إلينا و حدّثنا،فلمّا انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة،ففتح لهم في ذلك فكثرت الأطعمة و الفواكه و عملت لنا الولائم و بقينا في تلك المدينة سنة كاملة،فعلمنا و تحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين،و بعدها مدينة أسمها الرائقة سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر مسيرة ملكها شهرين و هي على تلك القاعدة و لها دخل عظيم،و بعدها مدينة أسمها الصافية4.

ص: 149


1- -سورة الأحزاب:33.
2- -سورة آل عمران:34.

سلطانها إبراهيم ابن صاحب الأمر،و بعدها مدينة أخرى أسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن ابن صاحب الأمر مسيرة رستاقها و ضياعها شهران،و بعدها مدينة أخرى أسمها عناطيس سلطانها هاشم ابن صاحب الأمر و هي أعظم المدائن و أكبرها و مسير ملكها أربعة أشهر،فيكون مسيرة هذه المدن الخمس و المملكة مقدار سنة،لا يوجد في أهل تلك الخطط و الضياع و الجزائر غير المؤمن الشيعي الموحّد القائل بالبرائة و الولاية،الذي يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،سلاطينهم أولاد إمامهم يحكمون بالعدل و به يأمرون،و لو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر عددا منهم على اختلاف الأديان و المذاهب،و لقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم،لأنهم زعموا أنها سنة وروده،فلم يوفقنا اللّه للنظر إليه.

فأمّا آذربهان و حسان،فإنهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته،و قد كنّا لمّا استكثرنا هذه المدن و أهلها و دخلها سألنا عنها،فقيل:إنها عمارة صاحب الأمر و استخراجه.

فلمّا سمع عون الدين نهض و دخل حجرة لطيفة،فأمر باحضارنا واحدا واحدا و قال:إياكم إعادة ما سمعتم و التكلم به،و تأكد علينا فخرجنا من عنده و لم يعد أحد منّا ممّا سمعه حرفا واحدا حتى هلك،و كنّا إذا حضرنا موضعا و أجتمع أحدنا بصاحبه قال:أتذكر شهر رمضان؟

فيقول:نعم.

فيقول:[سترا لحال شرط] (1).

فهذا ما سمعته و رويته،و الحمد للّه ربّ العالمين (2).3.

ص: 150


1- -ظاهر المخطوط:ستر الحلال،و ما أثبتناه من البحار.
2- -البحار:220/53.

خاتمة

[187] قال شيخنا في بحار الأنوار:و لنلحق بعض حكايات صدرت في عصرنا أو ما قرب منه:

فمنها:

ما أخبرني به جماعة عن السيد الفاضل أمير علام قال:كنت في بعض الليالي في صحن الروضة العلوية المرتضوية الغروية على مشرّفها ألف ألف صلواة و ألف ألف تحية أدور فيها،فإذا أنا بشخص مقبل إلى الروضة المقدسة فدنوت منه،فإذا هو استاذنا الفاضل التقي المولى أحمد الأردبيلي قدّس اللّه ضريحه،فأخفيت نفسي عنه حتى أتى باب الروضة و كان مغلقا،فلمّا وصل إليه انفتح له الباب فدخل الروضة،فسمعته يناجي و يتكلم مع رجل ثم خرج و تغلقت الأبواب،فمشيت خلفه حتى خرج من الغري و قصد مسجد الكوفة و كنت خلفه بحيث لا يراني،فلمّا صار إلى محراب أمير المؤمنين عليه السّلام مكث طويلا يتكلم مع شخص ثم أقبل إلى النجف،فلمّا قرب إلى الحنّانة أخذني سعال فالتفت إليّ و قال:أمير علام؟

قلت:نعم.

قال:ما تصنع هاهنا؟

قلت:كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن،و أقسم عليك بحق صاحب القبر إلاّ ما أخبرتني بما كان.

فقال:أخبرك على أن لا تخبر به أحدا ما دمت أنا حيّا.

فلمّا توثّق منّي بالأيمان قال:كنت أفكر في بعض المسائل و قد أغلقت عليّ،فوقع في قلبي أن أتي أمير المؤمنين عليه السّلام و أسأله عن ذلك،فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة و عرضت عليه،فسمعت صوتا من القبر المقدّس:أن أئت مسجد الكوفة واسأل مولاك القائم عليه السّلام فإنه هناك.

ص: 151

فأتيت المحراب و سألته و حصل الجواب بحمد اللّه و توفيقه.

و منها:

ما أخبرني به والدي رحمه اللّه قال:كان في زماننا رجل شريف صالح يقال له:أمير إسحاق الاسترابادي و كان قد حجّ أربعين حجة ماشيا و أشتهر أنه كان تطوى له الأرض،فورد بعض السنين بلدة أصفهان،فأتيته و سألته عمّا اشتهر فيه.

فقال:كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنين مع الحاج،فلمّا بلغنا إلى موضع كان بيننا و بين مكة شرّفها اللّه تعالى سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب حتى غابت عني و ضللت عن الطريق و تحيرت و غلبني العطش حتى أيست من الحياة فناديت:يا صالح يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم اللّه.

فرأيت شبحا فقرب إلي،فإذا هو رجل شاب حسن الوجه نقي الثياب أسمر على هيئة الشرفاء راكبا على جمل و معه إداوة،فشربت ثم قال:تريد أن تلحق القافلة؟

قلت:نعم.

فأردفني خلفه و توجه نحو مكة،و كان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم، فأخذت في قراءته فقال عليه السّلام في بعض المواضع:اقرأ هكذا،فما مضى لي إلاّ زمان يسير حتى قال لي:تعرف هذا الموضع؟

فنظرت فإذا أنا بالأبطح،فقال:انزل.

فلمّا نزلت رجع و غاب عني،فعند ذلك علمت أنه القائم عليه السّلام فندمت على مفارقته و عدم معرفته،فلمّا كان بعد سبعة أيام أتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي،فلهذا اشتهرت بطي الأرض.

قال والدي رحمه اللّه:فقرأت عنده الحرز اليماني و صححته و أجازني و الحمد للّه.

و منها:

ما أخبرني به جماعة عن جماعة عن السيد الفاضل ميرزا محمد الاسترابادي نوّر اللّه مرقده قال:إني كنت ذات ليلة أطوف حول بيت اللّه الحرام،إذ أتى شاب حسن الوجه فأخذ في الطواف فلمّا قرب مني أعطاني طاقة ورد أحمر في غير أوانه فأخذت منه و شممته و قلت له:من

ص: 152

أين يا سيّدي؟

قال:من الخرابات.

ثم غاب عني فلم أره.

و منها:

ما أخبرني به جماعة من أهل الغري على مشرّفه السلام:أن رجلا من أهل قاشان أتى إلى النجف متوجها إلى الحج،فاعتل علة شديدة حتى يبست رجلاه و لم يقدر على المشي،فخلفه رفقاؤه و تركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة و ذهبوا إلى الحج،فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم و يذهب إلى الصحارى لأجل النزاهة.

فقال له في بعض الأيام:إني قد ضاق صدري،فاذهب بي معك و اطرحني في مكان و اذهب حيث شئت.

فحملني معه إلى مقام القائم عليه السّلام خارج النجف،فأقعدني هناك و غسل قميصه و طرحه على شجرة كانت هناك و ذهب إلى الصحراء،و بقيت وحدي مغموما أفكر في أمري،فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون دخل الصحن و سلم عليّ و ذهب إلى بيت المقام و صلّى عند المحراب ركعات بخضوع و خشوع،فلمّا فرغ من الصلاة أتاني و سألني عن حالي.

فقلت له:ابتليت بهذا البلاء،فلا شفاء و لا موت أستريح.

فقال:لا تحزن سيعطيك اللّه كليهما.

و ذهب،فلمّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض،فقمت و أخذته و غسلته و طرحته على الشجرة و تفكرت في أمري و قلت:إني لا أقدر على القيام فكيف صرت أقدر؟و نظرت إلى نفسي فلم أجد شيئا ممّا كان بي،فعلمت أنه كان القائم عليه السّلام فخرجت إلى الصحراء فلم أر أحدا،فلمّا أتى صاحب الحجرة و سألني عن حالي و تحير في أمري فأخبرته بما جرى،فتحسر على ما فات منه و مني و مشيت معه إلى الحجرة.

قالوا:و كان هذا الرجل سليما حتى قدم الحاج و رفقائه،فلمّا رآهم بقي معهم قليلا فمرض و مات و دفن في الصحن،و ظهر صحت ما أخبره به عليه السّلام من وقوع الأمرين.

ص: 153

و هذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد.

و منها:

ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام قال:أخبرني بعض من أثق به يرويه عمّن يثق به و يطريه أنه قال:لمّا كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج،جعلوا و إليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها و أصلح بحال أهلها،و كان هذا الوالي من النواصب و له وزيرا أشدّ منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم أهل البيت عليهما السّلام و يحتال في إهلاكهم و إضرارهم بكل حيلة،فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي و بيده رمانة فأعطاها الوالي،فكان مكتوب عليها:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر و عمر و عثمان و علي خلفاء رسول اللّه.

فتأمّل الوالي،فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر،فتعجب من ذلك و قال للوزير:هذه آية بيّنة و حجة قوية على إبطال مذهب الرافضة،فما رأيك في أهل البحرين؟

فقال له:إن هؤلاء جماعة متعصبون و ينكرون البراهين و ينبغي لك أن تحضرهم و تريهم الرمانة،فإن قبلوا و رجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك،و إن أبوا إلاّ المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث:إمّا أن يؤدوا الجزية و هم صاغرون،أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها،أو تقتل رجالهم و تسبي نساؤهم و أولادهم و تأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه و أرسل إلى العلماء و الأفاضل الأخيار و السادة الأبرار من أهل البحرين،فأحضرهم و أراهم الرمانة و أخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل و الأسر و أخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار.

فتحيروا في الجواب،فقال كبراؤهم:أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بالجواب و إلاّ فاحكم بنا ما شئت.

فأمهلهم،فخرجوا خائفين متحيرين،فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحائهم عشرة ثم اختاروا من العشرة ثلاثة.

فقالوا لأحدهم:اخرج الليلة إلى الصحراء و اعبد اللّه فيها و استغث بإمام الزمان لعله يبيّن

ص: 154

لك ما هو المخرج من هذه الداهية.

فخرج و بات على عبادة و بكاء و خشوع فلم ير شيئا،فأصبح و قد أتى إليهم و أخبرهم.

فبعثوا الثاني فأتاهم كالأول،فازداد قلقهم و جزعهم،فاحضروا الثالث و كان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى،فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسرا الرأس إلى الصحراء،و كانت ليلة مظلمة فدعا و بكى و توسل إلى اللّه تعالى و استغاث بصاحب الزمان عليه السّلام.

فلمّا كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه:يا محمد بن عيسى مالي أراك إلى هذه الحالة؟

فقال:أيها الرجل دعني،فإني خرجت لأمر عظيم لا أذكره إلاّ للإمام و لا أشكوه إلاّ إلى من يقدر على كشفه عني.

فقال:يا محمد بن عيسى أنا صاحب الزمان،فاذكر حاجتك.

فقال:إن كنت هو فأنت تعلم حاجتي.

فقال:نعم،خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة و ما كتب عليها و ما أوعدكم الأمير به.

قال:فلمّا سمعت ذلك توجهت إليه و قلت له:نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا و أنت إمامنا و ملجأنا.

فقال عليه السّلام:يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه اللّه في داره شجرة رمان،فلمّا حملت تلك الشجرة عمد و صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة و جعلها نصفين و كتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعها على الرمانة و شدّهما عليها و هي صغيرة فأثر فيها و صارت هكذا،فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له:جئتك بالجواب و لكني لا أظهره إلاّ في دار الوزير،فإذا دخلتم داره فانظر عن يمينك غرفة فاصعد أنت و الوالي إليها و سيأبى الوزير فلا تقبل،و اصعد معه و لا تتركه يتقدم عليك،فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض فحلّه ترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة،فضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها ليكشف له جليلة الحال.

و أيضا يا محمد بن عيسى قل للوالي:لنا معجزة أخرى و هي أن هذه الرمانة ليس فيها إلاّ الرماد و الدخان و إن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها،فإذا كسرها طار الرماد و الدخان في وجهه و لحيته.

ص: 155

فلمّا سمع ذلك محمد بن عيسى من الإمام عليه السّلام فرح فرحا شديدا و قبّل ما بين يديه من الأرض و انصرف إلى أهله بالبشارة.

فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي و فعل محمد بن عيسى كلما أمره الإمام عليه السّلام و ظهر كلما أخبره،فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى و قال له:من أخبرك بهذا؟

فقال:إمام زماننا و حجة اللّه علينا.

فقال:فأخبره بالأئمة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر عليه السّلام.

فقال الوالي:مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا عبده و رسوله و أن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السّلام.

ثم أقرّ بالأئمة عليهما السّلام إلى آخرهم و حسن إيمانه و أمر بقتل الوزير و اعتذر إلى أهل البحرين و أحسن إليهم،و هذه القصة مشهورة عند أهل البحرين و قبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزورونه و يتبركونه و الحمد للّه (1).2.

ص: 156


1- -البحار:180/52.

الفصل السادس

اشارة

في علامات خروجه عجل اللّه تعالى فرجه

و فيما يحدث يوم خروجه و في مدة ملكه و ما يلحق ذلك

[188] قرب الإسناد:هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليه السّلام:«إن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:كيف بكم إذا فسد نساؤكم و فسق شبّانكم و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟

فقيل له:و يكون ذلك يا رسول اللّه؟

قال:نعم و شرّ من ذلك،كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟

قيل:يا رسول اللّه و يكون ذلك؟

قال:نعم و شرّ من ذلك،كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا؟» (1).

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه على طاعته:الأمر الأول:منشأه المداهنة و المسامحة في أمور الدين،و يكون السبب فيه عدم استقرار الإيمان و ثباته و أنه ليس بكامل حتى يتأثر من رؤية الذنوب و المعاصي.

و أمّا الأمر الثاني:و هو الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف،فمتولد من الميل و الحرص على مطامع الدنيا و لذاتها حتى إذا كان المنكر متضمنا لهما أمر به و نهى عن المعروف المفقودين فيه.

و أمّا الثالث:فسببه الطبع على قلبه بسبب ارتكاب المعاصي،كما روي:أن قلب ابن آدم فيه نقطة بيضاء و نقطة سوداء فإذا عمل صالحا زاد البياض و هكذا حتى يأخذه نور البياض، فيكون المراد من قوله عليه السّلام:«اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه»و إذا ارتكب المعاصي زاد

ص: 157


1- -قرب الإسناد:178/55،و الكافي:59/5 ح 14.

السواد حتى يستغرق قلبه،فإذا انهمك في المعاصي انتكس قلبه فيسمى القلب المنكوس،فعند ذلك يرى السنّة بدعة و البدعة سنّة و المعروف منكر و المنكر معروفا،و هكذا يكون منتهى الزمان الذي يقارنه ظهور صاحب الزمان عليه و على آبائه السلام.

[189] و في ذلك الكتاب:عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال:«قدّام هذا الأمر قتل بيوح».

قلت:و ما البيوح؟

قال:«دائم لا يفتر» (1).

[190] معاني الأخبار:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّا و آل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في اللّه،قلنا:صدق اللّه و قالوا:كذب اللّه،قاتل أبو سفيان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السّلام و قاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السّلام و السفياني يقاتل القائم عليه السّلام» (2).

[191] كمال الدين:بإسناده إلى محمد بن مسلم قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«القائم منّا منصور بالرعب مؤيّد بالنصر،تطوى له الأرض و تظهر له الكنوز،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب،و يظهر اللّه عزّ و جلّ به دينه على الدين كله و لو كره المشركون،فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمّر،و ينزل روح اللّه عيسى ابن مريم عليه السّلام فيصلي خلفه».

فقلت له:يا بن رسول اللّه متى يخرج قائمكم؟

قال:«إذا تشبّه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و ركب ذوات الفروج السروج و قبلت شهادات الزور وردت شهادات العدول و استخف الناس بالدماء و ارتكاب الزنا و أكل الربا و اتقى الأشرار مخافة ألسنتهم،و خرج السفياني من الشام و اليماني من اليمن و خسف بالبيداء و قتل غلام من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله بين الركن و المقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية،و جاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه و في شيعته،فعند ذلك خروج قائمنا عليه السّلام فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة و اجتمع إليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و أول ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ1.

ص: 158


1- -قرب الإسناد:384 ح 1353،و البحار:182/52 ح 6.
2- -معاني الأخبار:346،و البحار:308/31.

ثم يقول:أنا بقية اللّه في أرضه[و خليفته و حجته عليكم،فلا يسلّم عليه مسلّم إلاّ قال:السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه] (1)،فإذا اجتمع إليه العقد و هو عشرة آلاف رجل،خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون اللّه عزّ و جلّ من صنم و غيره إلاّ وقعت فيه نار فاحترق،و ذلك بعد غيبة طويلة،ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب و يؤمن به» (2).

[192] و في غيبة النعماني:في حديث طويل عن الباقر عليه السّلام ذكر فيه خروج الدجال و افتتان الخلق فيه ثم قال:«عليكم بمكة-إذا خرج الدجال-فإنها مجمعكم،و إنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر» (3).

أقول:هذه المدة معظم فتنته،و إلاّ فمن وقت خروجه إلى وقت صلبه ممّا يزيد على هذا بكثير.

[193] كمال الدين:مسندا إلى النزال بن سبرة قال:خطبنا علي بن أبي طالب عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:«سلوني قبل أن تفقدوني».

فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال:يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال؟

فقال عليه السّلام:«إن لذلك علامات و إن شئت أنبأتك بها».

قال:نعم يا أمير المؤمنين.

فقال:«احفظ،فإن علامة ذلك:إذا أمات الناس الصلاة و تركوا الأمانة و استحلوا الكذب و أكلوا الربا و أخذوا الرشا و شيدوا البنيان و باعوا الدين بالدنيا و استعملوا السفهاء و شاوروا النساء و قطعوا الأرحام و اتبعوا الأهواء و استخفوا الدماء،و كان الحلم ضعفا و الظلم فخرا،و كانت الأمراء فجرة و الوزراء ظلمة و العرفاء خونة-أي القائمين بأمور الناس -و القرّاء فسقة،و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و طولت المنارات و اكرم الأشرار و ازدحمت الصفوف و اختلف[القلوب] (4)و نقضت العقود،و شارك النساء أزواجهن فيء.

ص: 159


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -كمال الدين:331 ح 16،و البحار:192/52 ح 24.
3- -غيبة النعماني:301 ح 3،و البحار:141/52 ح 51.
4- -في نسخة:الأهواء.

التجارة حرصا على الدنيا،و علت أصوات الفسّاق و أستمع منهم،و كان زعيم القوم أرذلهم -أي سيد القوم و كبيرهم-و أتقى الفاجر مخافة شرّه و صدق الكاذب و ائتمن الخائن،و اتخذت القيان-أي النساء المغنيات-و المعازف-يعني آلات اللهو كالعود و الطنبور-و شهد الشاهد من غير أن يستشهد و شهد الآخر قضاء لحق الذمام بغير حق عرفه -و الذمام الحق و الحرمة كالجوار و المصاحبة و القرابة-و تفقه لغير الدين و لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب-يعني بهم القلندرية أو الأعم-فعند ذلك الوحى الوحى العجل العجل،خير المساكن يومئذ بيت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه».

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال:يا أمير المؤمنين من الدجال؟

فقال:«ألا إن الدجال صائد بن الصيد،فالشقي من صدّقه و السعيد من كذّبه،يخرج من بلدة يقال لها:أصبهان،من قرية تعرف باليهودية،عينه اليمنى ممسوحة و الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم،بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب و أمي،يخوض البحار و تسير معه الشمس،بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر-يعني يميل إلى الخضرة-خطوة حماره ميل،تطوى له الأرض منهلا منهلا،لا يمرّ بماء إلاّ غار إلى يوم القيامة،ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس و الشياطين يقول:إليّ أوليائي أنا الذي خلق فسوى و قدّر فهدى أنا ربّكم الأعلى.

و كذب عدو اللّه إنه الأعور،يطعم الطعام و يمشي في الأسواق و أن ربّكم عزّ و جلّ ليس بأعور و لا يطعم و لا يمشي و لا يزول،ألا و إن أكثر أشياعه يومئذ أولاد الزنا و أصحاب الطيالسة الخضر-الطيلسان شبه الرداء يوضع على الرأس و الكتفين و الظهر يستعمله الآن علماء النصارى و العبّاد منهم-يقتله اللّه عزّ و جلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي عيسى ابن مريم عليه السّلام خلفه،ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى».

قلنا:و ما ذاك يا أمير المؤمنين؟

ص: 160

قال:«خروج دابة من الأرض من عند الصفا،معها خاتم سليمان و عصى موسى عليهما السّلام تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فيطبع فيه:هذا مؤمن حقا،و يضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه:هذا كافر حقا،حتى أن المؤمن لينادي:الويل لك يا كافر،و أن الكافر ينادي:طوبى لك يا مؤمن،وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزا عظيما.

ثم ترفع الدابة رأسها فيريها من بين الخافقين بإذن اللّه تعالى بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة،فلا توبة تقبل و لا عمل يرفع و لا ينفع نفسا أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا».

ثم قال عليه السّلام:«لا تسألوني عمّا يكون بعد ذلك،فإنه عهد إليّ حبيبي صلّى اللّه عليه و آله أن لا أخبر به غير عترتي».الحديث (1).

يقول مؤلف الكتاب أيده اللّه تعالى:تضمّن هذا الحديث أن خروج الدجال من أصبهان،و قرية اليهودية إلى الآن معروفة هناك،نعم صارت الآن من أجزاء البلد و أطرافها،و فيها بئر معروف بينهم أن خروج الدجال يكون منه و قد طمّوه بالحجارة و أنا شاهدته مطموما معمورا،و في كثير من الأحاديث أن خروجه من سجستان،لأن جماعة من الخوارج موجودون فيها حتى الآن،و يجمع بين الأخبار بأن مبدأ خروجه من أحديهما و ظهوره و انتشاره من الأخرى.

[194] و فيه أيضا:بإسناده إلى نافع عن ابن عمر و بسند آخر عن محمد بن مسلم قال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة،فقالت:ما تريد يا أبا القاسم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«يا أم عبد اللّه استأذني لي على عبد اللّه».

فقالت:يا أبا القاسم و ما تصنع به؟فو اللّه إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه و أنه ليراودني على الأمر العظيم.

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«استأذني لي عليه».

فقالت:أعلى ذمتك؟2.

ص: 161


1- -البحار:195/52.

قال:«نعم».

قالت:ادخل.

فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم فيها،فقالت أمه:اسكت و اجلس هذا محمد قد أتاك.

فسكت فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما لها لعنها اللّه لو تركتني لأخبرتكم أهو هو».

ثم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«ما ترى؟»

قال:أرى حقا و باطلا و أرى عرشا على الماء.

فقال:«اشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه».

فقال:بل تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه،فما جعلك اللّه بذلك أحق منّي.

فلمّا كان اليوم الثاني صلّى صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب.

فقالت أمّه:ادخل.

فدخل،فإذا هو في نخلة يغرد فيها.

فقالت أمّه:اسكت و انزل هذا محمد قد أتاك.

فسكت،فقال النبي:«ما لها لعنها اللّه لو تركتني لأخبرتكم أ هو هو».

فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى أتوا ذلك المكان فإذا هو في غنم ينعق بها.

فقالت له أمّه:اسكت و اجلس هذا محمد قد أتاك.

قد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان،فقرأها بهم النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الغداة ثم قال:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه».

فقال:بل أنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني رسول اللّه،و ما جعلك اللّه بذلك أحق مني.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إني قد خبأت لك خباء فما هو؟».

قال:الدخ الدخ.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إخسأ فإنك لن تعدو أجلك و لن تبلغ أملك و لن تنال إلاّ ما قدّر لك».

ثم قال لأصحابه:«أيها الناس ما بعث اللّه عزّ و جلّ نبيّا إلاّ و قد أنذر قومه الدجال،و أن

ص: 162

اللّه عزّ و جلّ قد أخره إلى يومكم هذا،فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربّكم ليس بأعور،إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل،يخرج و معه جنّة و نار و جبل من خبز و نهر من ماء،أكثر أتباعه اليهود و النساء و الأعراب،فيدخل آفاق الأرض كلها إلاّ مكة و لابتيها و المدينة و لابتيها» (1).

أقول:قولها:إنه لمجهود في عقله،يعني أنه مخبط العقل،و قولها:على الأمر العظيم،تعني الوقوع عليها و الزنا بها،و قيل:المراد منها إظهار دعوى الألوهية و النبوة،و لهذا أبت عن رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله لابنها،و أما الهينمة فهي الصوت الخفي.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لو تركتني لأخبرتكم»يجوز أن يكون اشارة إلى قول أمّ الدجال:أعلى ذمتك.فيكون معناه:أفلي عهد منك بأن لا تخبر أحدا بحقيقة هذا الولد و منتهى عاقبة أمره و ما يصدر منه،فتكون عالمة بأحواله على سبيل الإجمال،فلمّا أعطاها صلّى اللّه عليه و آله ذلك العهد و الزمام أولا منعه من بيان أحواله لأصحابه مفصلا.

و قول الدجال:أرى عرشا على الماء،يجوز أن يراد به السماء فيكون معنى حقا،و يجوز أن يكون اشارة إلى قوله تعالى: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فأسنده إلى نفسه لما سيأتي في أحواله من ادعائه الألوهية.

و في روايات العامة قال:أرى عرشا على الماء (2).

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ترى عرش إبليس على البحر» (3).

و قوله:الدخ،بضم(الدال)و فتحها و(الخاء)المعجمة،قال الجزري:المراد به الدخان،و فسّر الحديث أنه أراد بذلك يوم تأتي السماء بدخان مبين.

و قيل:إن الدجال يقتله عيسى عليه السّلام بجبل الدخان،فيحتمل أن يكون أراد تعريضا بقتله.

و جاء الدخ بمعنى الذل،فيكون معناه:أنك خبأت لي الذل،و هو أن تكون أمتك ذليلة لي و مسخرة لأمري.2.

ص: 163


1- -كمال الدين:529.
2- -الخرائج و الجرائح:1140/3،و البحار:197/52.
3- -الخرائج و الجرائح:1140/3،و البحار:197/52.

فقال عليه السّلام:«إخسأ».

فإن مدة ملكه قليلة كما تقدم أنها تسعة أشهر.

«و لن تبلغ أملك»:و هو استيلاؤك على البلاد و العباد و اطاعة الناس لك بدعوى الألوهية.

قال الصدوق رحمه اللّه بعد ايراد هذا الخبر:

إن أهل العناد و الجحود يصدقون بمثل هذا الخبر و يروونه في الدجال و غيبته و طول بقاه المدة الطويلة و بخروجه في آخر الزمان،و لا يصدقون بأمر القائم عليه السّلام و أنه يغيب مدة طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما بنص النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و أخبارهم بطول غيبته،إرادة لإطفاء نور اللّه و إبطالا لأمر ولي اللّه،و يأبى اللّه إلاّ أن يتم نوره و لو كره المشركون،و أكثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السّلام أنهم يقولون:لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه و لا نعرفها.

و كذا يقول من يجحد نبوّة نبينا صلّى اللّه عليه و آله من الملحدين و البراهمة و اليهود و النصارى،و أنه ما صحّ عندنا شيء ممّا تروونه من معجزاته و دلائله و لا نعرفها،فنعتقد بطلان أمره لهذه الجهة.

و متى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف و هم أكثر عددا منهم.

و يقولون أيضا:ليس في موجب عقولنا أن يعمّر أحد في زماننا هذا عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان،فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان (1).

فنقول لهم:أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمّر عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان و كذلك إبليس،و لا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد عليه السّلام مع النصوص الواردة في الغيبة و طول العمر،و الظهور بعد ذلك للقيام بأمر اللّه عزّ و جلّ،و ما روي في ذلك من الأخبار التي ذكرتها في هذا الكتاب و مع ما صحّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«كلما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة».

و قد كان فيمن مضى من أنبياء اللّه عزّ و جلّ و حججه عليهم السّلام معمّرون،أمّا نوح فإنه عاش ألفي سنة و خمسمائة سنة،و نطق القرآن بأنه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما،و قد روي2.

ص: 164


1- -كمال الدين:530،و البحار:200/52.

في الخبر الذي أسندته في هذا الكتاب:أن في القائم سنّة من نوح و هي طول العمر،فكيف يدفع أمره و لا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،و هكذا يلزم الإقرار بالقائم عليه السّلام من طريق السمع،و في موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلثمائة سنين و ازدادوا تسعا،هل وقع التصديق بذلك إلاّ من طريق السمع؟فلم لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السّلام أيضا من طريق السمع؟

و كيف يصدقون بما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه و عن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصحّ منها شيء في قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لا في موجب العقول؟

و لا يصدقون بما يرد عن النبي و الأئمة عليهم السّلام في القائم و غيبته و ظهوره،بعد شك أكثر الناس في أمره و ارتدادهم عن القول به كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السّلام هل هذا إلاّ مكابرة في دفع الحق و جحوده،و كيف لا يقولون أنه لمّا كان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنّة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقا لقول صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه و آله،و لا جنس أشهر من جنس القائم عليه السّلام،لأنه مذكور في الشرق و الغرب على ألسنة المقربين به و ألسنة المنكرين له و متى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السّلام مع الروايات الصحيحة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه أخبر بوقوعها به عليه السّلام بطلت نبوته،لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به و متى صحّ كذبه في شيء لم يكن نبيّا،و كيف يصدق في أمر عمّار فيما أخبر به أنه يقتله الفئة الباغية،و في أمير المؤمنين عليه السّلام أنه تخضّب لحيته من دم رأسه،و في الحسن بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسم،و في الحسين بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسيف،و لا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السّلام و وقوع الغيبة به و النص عليه باسمه و نسبه،بل هو عليه السّلام صادق في جميع أحواله و لا يصح أيمان عبد حتى لا يجد حرجا ممّا قضى و يسلم له في جميع الأمور.

و من أعجب العجب:أن مخالفينا يروون أن عيسى ابن مريم عليه السّلام مرّ بأرض كربلاء فرأى عدة من الضباء هناك مجتمعة،فأقبلت إليه و هي تبكي و أنه جلس و جلس الحواريون،فبكى و بكى الحواريون و قالوا:يا روح اللّه ما يبكيك؟

ص: 165

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد عليه السّلام و فرخ الطاهرة البتول،شبيهة أمّي هي أطيب من المسك،و هذا الضباء تكلمني و تقول:إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده الى بعر تلك الضباء فشمّها و قال:اللهم أبقها أبدا حتى يشمّها أبوه فتكون له عزا و سلوة.

و أنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين عليه السّلام حتى شمّها و بكى و أبكى،و أخبر بقصتها لمّا مرّ بكربلاء (1).

فيصدقون بأن بعر تلك الضبا يبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار و الرياح و مرور الأيام و الليالي،و لا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليه السّلام يبقى حتى يخرج بالسيف فيقتل أعداء اللّه و يظهر دين اللّه مع الأخبار الواردة عن النبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم بالنص عليه باسمه و غيبته المدة الطويلة و جري سنن الأولين فيه بالتعمير،هل هذا إلاّ عناد و جحود للحق؟ (2)

[195] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أن قدّام القائم علامات تكون من اللّه عزّ و جلّ للمؤمنين».

قلت:و ما هي؟

قال:«قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السّلام وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ (3).

قال:«نبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم،و الجوع بغلاء أسعارهم،و نقص من الأموال كساد التجارات و قلة الفضل،و نقص من الأنفس،قال:موت سريع،و نقص من الثمرات قلة ريع ما يزرع،و بشر الصابرين عند ذلك بتعجيل الفرج».5.

ص: 166


1- -كمال الدين:532،و البحار:202/52.
2- -كمال الدين:530-532،و البحار:202/52.
3- -سورة البقرة:155.

ثم قال لي:«يا محمد هذا تأويله أن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (1).

[196] و قال عليه السّلام:«ليس بين قيام قائم آل محمد و بين قتل النفس الزكية إلاّ خمسة عشر ليلة» (2).

[197] و قال عليه السّلام:«لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس،أشقر أحمر أزرق يقول:يا ربّ ثأري ثلاثا،و لقد بلع من خبثه أنه يدفن أم ولد له و هي حيّة مخافة أن تدلّ عليه» (3).

[198] و عن ابن أبي منصور قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اسم السفياني؟

قال:«و ما تصنع باسمه،إذا ملك[كنوز] (4)الشام الخمس:دمشق و حمص و فلسطين و الأردن و قنسرين،فتوقعوا عند ذلك الفرج».

قلت:يملك تسعة أشهر؟

قال:«لا،و لكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما» (5).

[199] و عنه عليه السّلام:«أنه ينادي مناد من السماء أول النهار:ألا إن الحق في علي و شيعته،ثم ينادي إبليس لعنه اللّه في آخر النهار:ألا إن الحق في السفياني و شيعته،فيرتاب عند ذلك المبطلون» (6).

[200] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«آيتان بين يدي هذا الأمر:خسوف القمر لخمس،و خسوف الشمس لخمسة عشرة،و لم يكن ذلك منذ هبط آدم إلى الأرض و عند2.

ص: 167


1- -الإمامة و التبصرة:129،كمال الدين:649 ح 2.
2- -كمال الدين:649،و البحار:203/52.
3- -شرح أصول الكافي:389/12 ح 412.
4- -في المصدر:كور.
5- -الإمامة و التبصرة:134/130،و كتاب الغيبة 304.
6- -كمال الدين:652 ح 14،و البحار:206/52.

ذلك يسقط حساب المنجمين» (1).

[201] و عن سليمان بن خالد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«قدّام القائم عليه السّلام موتان:موت أحمر و موت أبيض حتى يذهب من كل سبعة خمسة،الموت الأحمر السيف و الموت الأبيض الطاعون».

[202] كتاب الغيبة للشيخ الطوسي طاب ثراه:بإسناده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقوم الساعة حتى يخرج نحو من ستين كذّابا كلهم يقول أنا نبي» (2).

[203] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا يخرج القائم حتى يخرج إثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه» (3).

[204] و عنه عليه السّلام:«إذا هدم حائط مسجد الكوفة مؤخره ممّا يلي دار عبد اللّه بن مسعود فعند ذلك زوال ملك بني فلان،أما إن هادمه لا يبنيه» (4).

[205] و قال محمد بن الحنفية في كلام طويل:أنى يكون هذا الأمر و لم يقم الزنديق من قزوين فيهتك ستورها و يغّير سورها و يذهب ببهجتها،من فرّ منه أدركه و من حاربه قتله و من اعتزله افتقر و من تابعه كفر،حتى يقوم باكيان:باك يبكي على دينه،و باك يبكي على دنياه (5).

[206] و فيه:عن ابن بشير قال:قلت لعلي بن الحسين عليه السّلام:صف لي خروج المهدي عليه السّلام و عرّفني دلائله و علاماته.

قال:«يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له:عوف السلمي بأرض الجزيرة،و يكون مأواه تكريت و قتله بمسجد دمشق،ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند،ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس و هو من ولد عتبة بن أبي1.

ص: 168


1- -كمال الدين:655،و البحار:207/52 ح 41.
2- -كتاب الغيبة:434 ح 424.
3- -كتاب الغيبة:437 ح 428،و البحار:209/52.
4- -كتاب الغيبة:277 ح 57،و البحار:210/52.
5- -شرح الأخبار:396/3،و البحار:212/52 ح 61.

سفيان،فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي عليه السّلام ثم يخرج بعد ذلك» (1).

[207] و في ذلك الكتاب:روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:«يخرج رجل بقزوين اسمه اسم نبي فيسرع الناس إلى طاعته المشرك و المؤمن،يملأ الجبال خوفا» (2).

يقول مصنف الكتاب أيده اللّه تعالى:ذكر جماعة من أهل الحديث من مشايخنا المعاصرين:أن المراد منه شاه إسماعيل أنار اللّه برهانه،فإن خروجه كان من تلك الناحية،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى حديث آخر فيه تفصيل أكثر من هذا،حملوه على هذا التأويل (3).

[208] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن قدّام القائم لسنة[غيداقة] (4)يفسد التمر في النخل فلا تشكّوا في ذلك».

[209] و عن أبي لبيد قال:تغيّر الحبشة البيت فيكسرونه و يؤخذ الحجر فينصب في مسجد الكوفة (5).

[210] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كأن بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه:من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم،فيثب الجار على جاره و يقول:هذا منهم،فيضرب عنقه و يأخذ ألف درهم،أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا،و كأني أنظر إلى صاحب البرقع».

قلت:و من صاحب البرقع؟

قال:«رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع،فيحوشكم فيعرفكم و لا تعرفونه،فيغمز بكم رجلا رجلا،أما إنه لا يكون إلاّ ابن بغي» (6).2.

ص: 169


1- -كتاب الغيبة:444،و البحار:213/52.
2- -مستدرك سفينة البحار:518/8.
3- -مستدرك سفينة البحار:518/8.
4- -الغيداق:المطر الكثير العام،أو المطر الكبار القطر.
5- -كتاب الغيبة:449 ح 451،و البحار:215/52.
6- -كتاب الغيبة:450 ح 453،و البحار:215/52.

[211] كشف اليقين:بإسناده إلى أنس بن مالك قال:لمّا رجع أمير المؤمنين عليه السّلام من قتال أهل النهروان نزل براثا،و كان بها راهب في صومعة و كان اسمه الحباب،فلمّا سمع الراهب الصيحة و العسكر أشرف من صومعته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين عليه السّلام فاستفظع ذلك فقال:من رئيس هذا العسكر؟

قالوا:أمير المؤمنين رجع من قتال الخوارج.

فجاء إليه و قال:السلام عليك يا أمير المؤمنين حقا حقا.

فقال:«و ما علمك بأني أمير المؤمنين حقا حقا؟»

قال:أخبرنا علماؤنا و أحبارنا.

فقال له:«يا حباب».

فقال له الراهب:و ما علمك باسمي؟

فقال:«أعلمني بذلك حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

فقال له الحباب:مدّ يدك،فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا رسول اللّه و أنك علي بن أبي طالب وصيه.

فقال عليه السّلام:«ابن هنا مسجدا و سمّه باسم بانيه».

فبناه رجل اسمه(براثا)فسمّي المسجد ببراثا،ثم قال:«يا حباب سيبنى جنب مسجدك هذا مدينة و تكثر الجبابرة فيها و يعظم البلاء حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام،فإذا عظم بلاءهم سلّط عليهم رجلا من أهل السفح لا يدخل بلدا إلاّ أهلكه و أهلك أهله».

ثم ذكر عليه السّلام خروج السفياني و الحديث طويل (1).

[212] الارشاد:قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان القائم عليه السّلام و حوادث تكون أمام قيامه فمنها:

خروج السفياني،و ركود الشمس عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر،و طلوعها من المغرب،و قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين،و ذبح رجل هاشمي بين3.

ص: 170


1- -اليقين:423،و معجم أحاديث المهدي:114/3.

الركن و المقام،و هدم حائط مسجد الكوفة،و إقبال رايات سود من قبل خراسان،و خروج اليماني،و ظهور المغربي بمصر و تملكه الشامات،و نزول الترك الجزيرة،و نزول الروم الرملة،و طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه،و نار تظهر بالمشرق طويلا و تبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام،و خلع العرب أعنّتها و تملكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم،و قتل أهل مصر أميرهم،و خراب الشام و اختلاف ثلاث رايات فيه،و بثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة،و خوف يشمل أهل العراق و بغداد،و موت ذريع-أي سريع-فيه،و جراد يأتي على الزرع و الغلاّت،و اختلاف صنفين من العجم و سفك دماء كثيرة فيما بينهم.

و خروج العبيد عن طاعات ساداتهم و قتلهم مواليهم،و مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة و خنازير،و غلبة العبيد على بلاد السادات،و نداء من السماء يسمعه أهل الأرض كل[أهل] (1)لغة بلغتهم،و وجه و صدر يظهران للناس في عين الشمس،و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها و يتراؤون ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة،فتحيى به الأرض بعد موتها،و يزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السّلام،فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتجهون نحوه لنصرته،و من جملة هذه الأحداث محتومة و منها مشروطة،و اللّه أعلم،انتهى ملخصا (2).

[213] و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السّلام عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء و حمرة تجلل السماء،و خسف ببغداد و خسف ببلدة البصرة و دماء تسفك بها و خراب دورها و فناء يقع في أهلها،و شمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار» (3).

[214] تفسير العياشي:عن عجلان أبي صالح قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا تمضي الأيام و الليالي حتى ينادي مناد من السماء:يا أهل الحق اعتزلوا يا أهل الباطل اعتزلوا،فيعزل هؤلاء من هؤلاء و يعزل هؤلاء من هؤلاء».3.

ص: 171


1- -زيادة عن نسخة أخرى.
2- -الإرشاد:368/2،و روضة الواعظين:262.
3- -الإرشاد:378/2،و كشف الغمة:261/3.

قال:قلت:أصلحك اللّه يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء؟

قال:«كلاّ إنه يقول في الكتاب: ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» (1)(2).

[215] غيبة النعماني:بإسناده عن الصادق عليه السّلام عن أبيه:أن أمير المؤمنين عليه السّلام حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم عليه السّلام فقال الحسين:«يا أمير المؤمنين متى يطهر اللّه الأرض من الظالمين؟»

قال:«لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام».

ثم ذكر أمر بني أمية و بني العباس في حديث طويل و قال:«إذا قام القائم عليه السّلام بخراسان و غلب على أرض كوفان و الملطان و جاز جزيرة بني كاوان و قام منّا قائم بجيلان و أجابته الأبر و الديلم و ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار و الحرمات و كانوا بين هنات و هنات إذا خربت البصرة و قام أمير الأمرة».

فحكى عليه السّلام حكاية طويلة ثم قال:«إذا جهّزت الألوف و صفّت الصفوف و قتل الكبش الخروف،هناك يقوم الآخر و يثور الثائر و يهلك الكافر ثم يقوم القائم المأمول و الإمام المجهول له الشرف و الفضل،و هو من ولدك يا حسين لا ابن مثله يظهر بين الركنين في دريسين،يظهر على الثقلين و لا يترك في الأرض الاذين،طوبى لمن أدرك زمانه و لحق أوانه و شهد أيامه» (3).

أقول:قال شيخنا المحدّث أبقاه اللّه تعالى في المجلد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار:القائم بخراسان هلاكو خان أو جنكيز خان،و كاوان جزيرة في بحر البصرة،ذكره الفيروز آبادي،و القائم بجيلان السلطان إسماعيل نوّر اللّه مرقده،و الآبر:قرية قرب استراباد،و الخروف كصبور الذكر من أولاد الضأن،و لعل المراد بالكبش:شاه عباس الأول طيّب اللّه رمسه حيث قتل ولده صفي ميرزاده،و قيام الآخر بالثأر:يحتمل أن يكون إشارة إلى ما2.

ص: 172


1- -سورة آل عمران:179.
2- -تفسير العياشي:207/1 ح 157،و تفسير نور الثقلين:414/1.
3- -كتاب الغيبة:275،و البحار:236/52.

فعل السلطان صفي تغمده اللّه برحمته ابن المقتول بأولاد القاتل من القتل و سمل العيون و غير ذلك،و قيام القائم عليه السّلام بعد ذلك لا يلزم أن يكون بلا واسطة،و عسى أن يكون قريبا مع أن الخبر مختصر من كلام طويل،فيمكن أن يكون سقط بين الكلامين وقائع،(و قوله:هنات و هنات:أي حروب كثيرة،و الذر اليسير:الجماعة القليلة)انتهى،و هذا على طريق الإحتمال.

[216] و عن الباقر عليه السّلام في حديث طويل أنه قال:«الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان و هي صيحة جبرائيل عليه السّلام من السماء باسم القائم و اسم أبيه،و لا يبقى أحد إلاّ سمعه،و ذلك في ليلة ثلاث و عشرين ليلة جمعة من شهر رمضان،و في آخر النهار ينادي إبليس اللعين من الأرض:ألا إن فلانا-يعني عثمان-قتل مظلوما،ليشكك الناس و يفتنهم،فكم[في] ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار» (1).

[217] و عنه عليه السّلام:«إذا خرج السفياني من الشام بعث جيشا إلى الكوفة عدّتهم سبعون ألفا،فيصيبون من أهل الكوفة قتلا و صلبا و سبيا،فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان تطوي المنازل طيّا حثيثا و معهم نفر من أصحاب القائم عليه السّلام،ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعف فيقتله أمير جيش السفياني،و يبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر المهدي منها إلى مكة،فيبعث السفياني جيشا على أثره فلا(يدركه)حتى يدخل مكة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران-قال-:و ينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء:يا بيداء أبيدي القوم،فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر يحوّل اللّه وجوههم إلى أقفيتهم و هم من كلب،و فيهم نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها (2)الآية.

قال:«و القائم يومئذ بمكة و قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به فينادي:أيها الناس إنّا أهل بيت نبيكم محمد صلّى اللّه عليه و آله».

ثم قال:«فيجمع اللّه عليه أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و يجمعهم على غير ميعاد،و هي يا جابر الآية التي ذكرها اللّه في كتابه: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ7.

ص: 173


1- -البحار:230/52.
2- -سورة النساء:47.

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فيبايعونه بين الركن و المقام».الحديث (2).

[218] غيبة النعماني:مسندا إلى أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:«كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه،فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا،و لا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم قتلاهم شهداء،أما أني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر».

أقول:قال صاحب بحار الأنوار أبقاه اللّه تعالى:لا يبعد أن يكون إشارة إلى الدولة الصفوية و يدل على أن هذه الدولة شيّد اللّه أركانها تتصل بدولة المهدي عليه السّلام (3).

[219] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن اللّه مائدة بقرقيسيا،يطلع مطلع من السماء فينادي:يا طير السماء و يا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين» (4).

[220] و بيانه في حديث آخر عن الباقر عليه السّلام:«إن لولد العباس و المروان لوقعة بقرقيسيا يشيب فيها الغلام،و يرفع اللّه عنهم النصر و يوحي إلى طير السماء و سباع الأرض:أشبعي من لحوم الجبارين،ثم يخرج السفياني» (5).

[221] جامع الأخبار:جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:حججت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجة الوداع فلمّا قضى الحج أتى مودع الكعبة فلزم حلقة الباب و نادى برفع صوته:«أيها الناس» فاجتمع أهل المسجد و أهل السوق فقال:«اسمعوا إني قائل ما هو بعدي كائن،فليبلغ شاهدكم غائبكم»ثم بكى و بكى الناس فقال:«اعلموا رحمكم اللّه إن مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلى أربعين و مائة سنة ثم يأتي من بعد ذلك شوك و ورق إلى مائتي سنة،ثم يأتي بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتى لا يرى فيه إلاّ سلطان جائر أو غني بخيل أو عالم راغب في المال أو فقير كذّاب أو شيخ فاجر أو صبي وقح أو امرأة رعناء».3.

ص: 174


1- -سورة البقرة:148.
2- -البحار:239/52.
3- -كتاب الغيبة:273 ح 50،و البحار:83/51.
4- -كتاب الغيبة:278 ح 63،و البحار:246/52.
5- -البحار:251/52،و معجم أحاديث الشيعة:272/3.

ثم بكى صلّى اللّه عليه و آله.

فقام إليه سلمان و قال:يا رسول اللّه أخبرنا متى يكون ذلك؟

فقال:«إذا قلّت علماؤكم و ذهب قرّاؤكم و قطعتم زكاتكم و أظهرتم منكراتكم و علت أصواتكم في مساجدكم و جعلتم الدنيا فوق رؤوسكم و العلم تحت أقدامكم و الكذب حديثكم و الغيبة فاكهتكم و الحرام غنيمتكم،و لا يرحم كبيركم صغيركم و لا يوقّر صغيركم كبيركم،فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم و تجعل بأسكم بينكم،فإذا أوتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء أو مسخا أو قذفا بالحجارة،و تصديق ذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ:

قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (1) .

فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا:يا رسول اللّه أخبرنا متى يكون ذلك؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:«عند تأخير الصلوات و اتّباع الشهوات و شرب القهوات و شتم الآباء و الإمهات حتى ترون الحرام مغنما و الزكاة مغرما،و أطاع الرجل زوجته و جفا جاره و قطع رحمه،و ذهبت رحمة الأكابر و قلّ حياء الأصاغر،و شيدوا البنيان و ظلموا العبيد و الإماء و شهدوا بالهوى و حكموا بالجور،و يسب الرجل أباه و يحسد الرجل أخاه و يقابل الشركاء بالخيانة،و قل الوفاء و شاع الزنا و تزين الرجل بثياب النساء و سلب عنهن قناع الحياء و دبّ الكبر في القلوب كدبيب السم في الأبدان،و قل المعروف و ظهرت الجرائم و هونت العظائم و طلبوا المدح بالمال و قل الورع و كثر الطمع و الهرج و المرج،و أصبح المؤمن ذليلا و المنافق عزيزا.

مساجدهم معمورة بالآذان و قلوبهم خالية من الإيمان،بما استخفوا بالقرآن،فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين و قلوبهم قلوب الشياطين،كلامهم أحلى من العسل و قلوبهم أمرّ من الحنظل،فهم ذئاب و عليهم ثياب،ما من يوم إلاّ يقول اللّه تبارك و تعالى:أفبي تغترون أم علي تجترؤن أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا5.

ص: 175


1- -سورة الأنعام:65.

تُرْجَعُونَ (1) .

فوعزتي و جلالي لو لا من يعبدني مخلصا ما أمهلت من يعصيني طرفة عين و لو لا ورع الورعين من عبادي،لما أنزلت من السماء قطرة و لا أنبت ورقة خضراء،فواعجبا لقوم آلهتهم أموالهم و طالت آمالهم و قصرت آجالهم هم يطمعون في مجاورة مولاهم،و لا يصلون إلى ذلك إلاّ بالعمل و لا يتم العمل إلاّ بالعقل» (2).

أقول:الوقاحة:قلّة الحياء،و الرعناء:الحمقاء،و القهوة:الخمر،و بعض المتأخرين لمّا ذهب إلى تحريم القهوة المتعارفة في هذه الأعصار إمّا لاحتراقها أو لغيره،استدل بهذا الخبر و قال:إن لفظ القهوة و إن كان مشتركا بين الخمرة و القهوة،إلاّ أن القرينة تخصه بالثاني،لأن تعاطي الخمر و تناوله كان معروفا في الأعصار كلها،و ظاهر الحديث:أنه يأتي زمان يتعاطى فيه شرب القهوات فيكون هذا الزمان و هو كما ترى.

[222] كتاب العدد:قد ظهر من العلامات عدة كثيرة مثل:خراب حائط مسجد الكوفة،و قتل أهل مصر أميرهم،و زوال ملك بني العباس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم،و موت عبد اللّه آخر ملوك بني العباس،و خراب الشامات،و مدّ الجسر ممّا يلي الكرخ ببغداد،كل ذلك في مدة يسيرة،و انشقاق الفرات،و سيصل الماء إن شاء اللّه تعالى إلى أزقة الكوفة (3).

[223] و روى الشيخ أحمد بن فهد في كتاب المهذب و غيره في غيره بأسانيدهم عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:قال:«يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت و ولاة الأمر،و يظفره اللّه تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة» (4).

[224] و في كتاب المختصر:للحسن بن سليمان حديث طويل يسنده إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و فيه1.

ص: 176


1- -سورة المؤمنون:115.
2- -البحار:264/52.
3- -البحار:175/52 ح 169،و مجمع النورين:298.
4- -البحار:276/52 ح 171.

إن من جملة علامات[ظهوره عليه السّلام] (1)أن اللّه سبحانه أوحى إليه:أن خراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج.

أقول:قد وقع هذا في زمن دولة بني العباس،خرج من شرقي البصرة و حارب الخلفاء مدة عشرين سنة و أوقع السيف في البصرة و ما والاها و قتل ما يزيد على المائة ألف،و اختلف النسابون في تصحيح نسبه،و أنه هل هو من الذرية المحمدية أم من غيرهم؟و في الأخبار اختلاف فيه أيضا و هذا الحديث يدل على سيادته و أنه من الذرية العلوية،و قد تقدم ما يدل على نفيه عنهم و لعله الأصح.

و يستفاد من هذا الحديث و غيره أن علامات خروجه متقسمة على طول الأزمان،بمعنى أنه يجب وقوعها كلها قبل خروجه،و إن كان منها ما هو قريب أو مقارن لظهوره عليه السّلام،و منها ما هو بعيد عنه (2).

[225] علل الشرائع:بإسناده إلى الصادق عليه السّلام في وصف الحجر و الركن الذي وضع فيه قال عليه السّلام:«و من ذلك الركن يهبط الطير على القائم عليه السّلام،فأول من يبايعه ذلك الطير و هو و اللّه جبرئيل عليه السّلام و إلى ذلك المقام يسند ظهره،و هو الحجة و الدليل على القائم عليه السّلام و هو الشاهد لمن وافى ذلك المكان».

أقول:قوله:«و هو الشاهد»يعني:الركن الذي فيه الحجر،لأن الحجر فيه و ورد في صحيح الأخبار:أن الحجر كان من أعظم ملائكة الجنة و قد أودع فيه العهود التي أخذها من الخلائق في عالم الذر،فيشهد لكل من حجّ و وافاه،و يأتي يوم القيامة و له لسان طلق ذلق يشهد للخلائق.

و قول عمر بن الخطاب:إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ و لا تنفع و لكن أقبّلك لأن رسول اللّه قبّلك.من عظيم جهله و أنه لم يسمع الأخبار من النبي صلّى اللّه عليه و آله الواردة في شأنه،أو أنه سمعها غير مصدّق بها لعدم اعتقاده بالنبوة كما جاءت به الروايات (3).0.

ص: 177


1- -في نسخة:خروجه.
2- -كمال الدين:251،و البحار:70/51.
3- -علل الشرائع:426/2،و البحار:229/40.

[226] تفسير الثقة القمي:بإسناده إلى يحيى الخثعمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:«حم عسق:عداد سني القائم عليه السّلام و قاف:جبل محيط بالدنيا من زمرّد أخضر،فخضرة السماء من ذلك الجبل و علم علي عليه السّلام كل شيء في(عسق)» (1).

أقول:ورد في الأخبار:أن اللّه سبحانه خلق بحرا في الهوى،و كسوف الشمس و القمر يكون بالقائهما في ذلك البحر،و أن خضرة السماء تكون من مائه و لا منافاة بينهما لجواز أن تكون خضرة السماء مسببة عن الأمرين.

[227] الاحتجاج:بإسناده إلى الحسن بن علي عن أبيه عليه السّلام قال:«يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان يؤيده اللّه بملائكته و يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السباع،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه» (2).

أقول:جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد أيام ملكه عليه السّلام،و جمع بينها بعض مشايخنا من أهل الحديث بأن بعضها محمول على جميع مدّة ملكه،و بعضها على زمان استقرار دولته،و بعضها على حساب ما عندنا من السنين و الشهور،و بعضها على سنينه و شهوره الطويلة،و اللّه يعلم.

[228] كمال الدين:بإسناده إلى المفضّل الجعفي،بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث يذكر فيه ظهور المهدي عليه السّلام و قال:«و لترفعن إثنتا عشرة راية مشتبهة و لا يدري أي من أي».

قال:فبكيت لمكان الاشتباه،فنظر عليه السّلام إلى شمس داخلة في الصفة فقال:«ترى هذه الشمس؟»

قلت:نعم.

قال:«و اللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس».

[229] و فيه أيضا:مسندا إلى عبد العظيم الحسني قال:قلت لمحمد بن علي بن موسى عليه السّلام ثم ذكر كلاما طويلا و قال عليه السّلام:«إن القائم هو الذي يحرم على الناس تسميته و هو4.

ص: 178


1- -تفسير القمي:268/2،و البحار:279/52.
2- -الإحتجاج:11/2،و البحار:21/44.

سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض،يجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (1)فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر اللّه أمره،فإذا كمل له العقد و هو عشرة الآف رجل خرج بإذن اللّه عزّ و جلّ» (2).

[230] و عن الرضا عليه السّلام:«إن القائم عليه السّلام إذا خرج يكون شيخ السن شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها،و أن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام و الليالي حتى يأتي أجله» (3).

[231] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أول من يبايعه جبرئيل عليه السّلام ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت اللّه الحرام و رجلا على بيت المقدس،ثم ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق:أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه» (4).

[232] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«يخرج يوم السبت يوم عاشوراء،اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام» (5).

[233] و عنه عليه السّلام:«سيأتي في مسجدكم-يعني مسجد مكة-ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة،فيبعث اللّه تبارك و تعالى ريحا فتنادي بكل واد:هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان عليهما السّلام لا يريد عليه بيّنة» (6).

[234] و قال عليه السّلام:«نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه السّلام قوله عزّ2.

ص: 179


1- -سورة البقرة:148.
2- -البحار:283/52.
3- -كمال الدين:652 ح 12،و البحار:285/52 ح 16.
4- -كتاب الغيبة:235،و كمال الدين:671 ح 18.
5- -البحار:190/95 ح 3.
6- -كمال الدين:671 ح 19،و البحار:286/52.

و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (1)إنهم لمفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة و بعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه».

قال:فقلت:جعلت فداك أيّهم أعظم إيمانا؟

قال:«الذي يسير في السحاب نهارا» (2).

[235] و عن حذيفة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذكر المهدي فقال:«إنه يبايع بين الركن و المقام اسمه أحمد و عبد اللّه و المهدي،فهذه أسماؤه ثلاثتها» (3).

[236] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يملك القائم ثلاثمائة و تسع سنين كما لبث أهل الكهف و يقتل الناس حتى لا يبقى إلاّ دين محمد صلّى اللّه عليه و آله،يسير بسيرة سليمان بن داود عليه السّلام» (4).

[237] و عن عبد الكريم الخثعمي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم يملك القائم عليه السّلام؟ قال:«سبع سنين تكون سبعين سنة من سنينكم هذه» (5).

[238] و عنه عليه السّلام:«لا يخرج القائم عليه السّلام إلاّ في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع» (6).

[239] غيبة النعماني:مسندا إلى هشام بن سالم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«هما صيحتان:صيحة في أول الليل،و صيحة في آخر الليلة الثانية».

فقلت:و كيف ذلك؟

فقال:«واحدة من السماء و واحدة من إبليس».

فقلت:كيف تعرف هذه من هذه؟2.

ص: 180


1- -سورة البقرة:148.
2- -كمال الدين:672،و البحار:286/52 ح 21.
3- -كتاب الغيبة:454 ح 463،و البحار:291/52 ح 33.
4- -دلائل الإمامة:456 ح 39،و الغيبة:474 ح 496.
5- -روضة الواعظين:263،و الغيبة:453 ح 460.
6- -الغيبة:265 ح 31،و البحار:295/52.

فقال:«يعرفها من كان يسمع بها قبل أن تكون» (1).

أقول:يجب على المؤمن أن يعرف علامات ظهوره عليه السّلام و يتحققها من الأحاديث المروية عنهم عليهم السّلام حتى يكون على خبر منها و على علم بها عند وقوعها،كي لا تشتبه عليه الأمور و يتحيّر في التمييز بينها و بين علامات المبطلين من المخالفين.

[240] الكافي:عن يعقوب السراج قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:متى فرج شيعتكم؟

قال:«إذا اختلف ولد العباس،و وها سلطانهم،و خلع العرب أعنتها،و ظهر الشامي،و تحرك الحسني،و خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

فقلت:و ما تراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

قال:«سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و درعه و عمامته و بردته و قضيبه و رايته و لامته و سرجه،حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده و يلبس الدرع و ينشر الراية و البردة و العمامة و يتناول القصيب بيده،و يستأذن اللّه في ظهوره،فيطلّع على ذلك بعض موإليه،فيأتي الحسني فيخبره الخبر،فيبتدر الحسني إلى الخروج،فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه و يبعثون برأسه إلى الشام،فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس و يتبعونه،و يبعث الشامي عند ذلك جيشا إلى المدينة،فيهلكهم اللّه عزّ و جلّ دونها و يهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السّلام الى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر و يقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق و يبعث جيشا إلى المدينة،فيأمن أهلها و يرجعون إليها» (2).

[241] كتاب الاختصاص:بإسناده إلى حذيفة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إذا كان عند خروج القائم عليه السّلام ينادي مناد من السماء:أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين،و ولي الأمر خير أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله فالحقوا بمكة،فيخرج النجباء من مصر،و الأبدال من الشام،و عصائب العراق،رهبان بالليل ليوث بالنهار،كأن قلوبهم زبر الحديد،فيبايعونه بين الركن و المقام».5.

ص: 181


1- -كتاب الغيبة:265،و البحار:295/52.
2- -شرح أصول الكافي:255/6 ح 5.

قال عمران بن الحصين:يا رسول اللّه صف لنا هذا الرجل.

قال:«هو رجل من ولد الحسين عليه السّلام عليه عباءتان قطوانيتان اسمه اسمي،فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها،و الحيتان في بحارها،و تمد الأنهار،و تفيض العيون،و تنبت الأرض ضعف أكلها،ثم يسير مقدمته جبرئيل و ساقيه إسرافيل عليهما السّلام،فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما» (1).

[242] و عن علي بن الحسين عليه السّلام:«إنه يخرج معه خمسون من أهل الكوفة و باقي الثلاثمائة و النيف من سائر الناس،يجتمعون في ساعة واحدة من غير تعارف بينهم» (2).

[243] و في خبر آخر أنه:«ما من بلدة إلاّ و يخرج معه منهم طائفة،إلاّ أهل البصرة فإنه لا يخرج معه منها أحد» (3).

[244] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«له-أي للقائم عليه السّلام-كنز بالطالقان ما هو بذهب و لا فضة،و راية لم تنشر منذ طويت،و رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات اللّه أشد من الحجر،لو حملوا على الجبال لأزالوها،لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خربوها كأن على خيولهم العقبان،يتمسحون بسرج الإمام عليه السّلام يطلبون بذلك البركة،و يحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب و يكفونه ما يريد،فيهم رجال لا ينامون الليل،لهم دوي في صلواتهم كدوي النحل يبيتون قياما على أطرافهم و يصبحون على خيولهم،رهبان بالليل ليوث بالنهار،هم أطوع له من الأمة لسيّدها،كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل،و هم من خشية اللّه مشفقون يدعون بالشهادة و يتمنون أن يقتلوا في سبيل اللّه،شعارهم يالثارات الحسين عليه السّلام،إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر،بهم ينصر اللّه إمام الحق» (4).

[245] و روى الشيخ أحمد في المهذب:بإسناده إلى المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت عليه السّلام و ولاة الأمر،و يظفره1.

ص: 182


1- -الإختصاص:208،و البحار:304/52 ح 73.
2- -البحار:103/9.
3- -شرح الأخبار:366/3،و البحار:307/52.
4- -البحار:308/52 ح 82،عصر الظهور:231.

اللّه تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة،و ما من يوم نيروز إلاّ و نحن نتوقع فيه الفرج،لأنه من أيامنا،حفظته الفرس و ضيعتموه» (1).

أقول:جاءت الأخبار متضافرة في فضل يوم النيروز،و ستأتي مفصّلة إن شاء اللّه تعالى.

[246] قرب الإسناد:عن الباقر عليه السّلام:«إذا قام قائمنا عليه السّلام اضمحلت القطائع فلا قطائع» (2).

أقول:القطائع:هي الأراضي من العراق و غيرها من المفتوحة عنوة،كان خلفاء بني أمية و بني العباس يقطعون بعضها لأمرائهم و نحوهم و يخصونهم بها لأجل يزرعونها أو يتخذون فيها الحدائق و البساتين،و كانت تسمى في تلك الأعصار:قطائع،و لمّا انقرضت الدولتان الأموية و العباسية و انتقل الملك إلى تيمورخان سمّوها:السور غال،و استمر لها الاسم و المعنى إلى الدولة الصفوية إلى هذا اليوم و إلى يوم القيامة إن شاء اللّه تعالى،و أكثر ما يخصون بها العلماء و أجلاّء السادة العلويين و من يحذي حذوهم،و أمّا أخذه عليه السّلام القطائع،فلأن شيعته لا يحتاجون إليها بما يمتحنهم اللّه تعالى من الكنوز و من أموال المخالفين،و أمّا المخالفون فهم يكونون في عصره عليه السّلام يحتاجون إلى كل شيء،حتى يأكل العذرة و به فسّر قوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (3).

[247] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لو قد قام القائم عليه السّلام لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله:يقتل الشيخ الزاني،و يقتل مانع الزكاة،و يورّث الأخ أخاه في الأظلة» (4).

أقول:يقتل الشيخ الزاني إذا كان مستوجبا للجلد،و يقتل مانع الزكاة إذا منعه من غير استحلال المنعة،و أمّا توريث الأخ أخاه في اللّه،فقد كان في صدر الإسلام ثم نسخه آية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (5).5.

ص: 183


1- -المهذب:195/1،و البحار:276/52 ح 171.
2- -قرب الإسناد:80 ح 260،و البحار:309/52.
3- -سورة طه:124.
4- -الخصال:169 ح 223،و البحار:309/52 ح 2.
5- -سورة الأنفال:75.

و عالم الأظلة:هو عالم الأرواح الذي وقع التعارف فيه كما قال صلّى اللّه عليه و آله:«الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف».

و لمّا تعلقت الأرواح بهذه الأجسام و اشتغلت بتدبيره و علائقه،عزب عنها ذلك العالم القديم لكنها إذا رأت في هذا العالم من آخته في عالم الأرواح،بادرت إلى الإقبال إليه و مالت إلى محبّته،و تفكرت في أنها أين رأته و أين اجتمعت معه،و هي إنما رأته و تحابت معه في ذلك العالم القديم،و أمّا إنكارها في هذا العالم لم تنكره،و عدم ميلها إليه مع كثرة المعاشرة،فسببه التناكر في عالم الأرواح،و هذا مجمل ما فصلناه في شرحنا على كتاب التوحيد (1).

[248] و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إن للقائم عليه السّلام علما إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه اللّه عزّ و جلّ فناداه العلم:اخرج يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه،و هما[رايتان] (2)و علامتان» (3).

[249] عيون الأخبار:عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام أنه قال:«إذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائهم».

فقال عليه السّلام:«هو كذلك».

فقلت:و قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4)ما معناه؟

قال:«صدق اللّه في جميع أقواله،و لكن ذراري قتلة الحسين عليه السّلام يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أن رجلا قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،و إنّما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم».

قال:قلت له:بأي شيء يبدأ القائم عليه السّلام منكم إذا قام؟4.

ص: 184


1- -شرح أصول الكافي:196/9 ح 1،و البحار:265/2 ح 18.
2- -في بعض المصادر:آيتان.
3- -عيون الأخبار:65/2،و كمال الدين:155.
4- -سورة الأنعام:164.

قال:«يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم،لأنهم سرّاق بيت اللّه عزّ و جلّ» (1).

[250] و روى أنه دخل أبو حنيفة على الصادق عليه السّلام فقال له عليه السّلام:«أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (2)أين ذلك من الأرض؟»

قال:«أحسبه ما بين مكة و المدينة.

فالتفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى أصحابه فقال:«أتعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة و مكة فتؤخذ أموالهم و لا يأمنون على أنفسهم».

قال:فسكت أبو حنيفة.

فقال عليه السّلام:«يا أبا حنيفة أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (3)أين ذلك من الأرض؟»

قال:الكعبة.

قال:«أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟»

قال:فسكت.

فلمّا خرج قال أبو بكر الحضرمي:جعلت فداك الجواب في المسألتين.

فقال:«يا أبا بكر سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ -فقال-:مع قائمنا أهل البيت،و أمّا قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4)فمن بايعه و دخل معه في عقد أصحابه كان آمنا» (5).

[251] علل الشرائع:عن عبد الرحيم القصير قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:«أما لو قام قائمنا عليه السّلام لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحدّ و حتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السّلام2.

ص: 185


1- -مسند الإمام الرضا:147/1 ح 195.
2- -سورة سبأ:18.
3- -سورة سبأ:18.
4- -سورة آل عمران:97.
5- -البحار:294/52.

منها».

قلت:جعلت فداك و لم يجلدها الحدّ؟

قال:«لفريتها على أم إبراهيم عليها السّلام».

قلت:كيف أخرّه اللّه للقائم؟

فقال:«إن اللّه تبارك و تعالى بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله رحمة و بعث القائم عليه السّلام نقمة» (1).

أقول:أمّا فريتها على أمّ إبراهيم القبطية جارية النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد تقدم في المجلد الأول أنها:اتهمت مارية بأن إبراهيم من يوسف القبطي،لأنه كان يدخل على أمّ إبراهيم في غرفتها،و لمّا سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله كلامها اشتدّ غضبه و أمر أمير المؤمنين أن يأخذ سيفه و يأته برأس يوسف،و لمّا مضى علي عليه السّلام إليه رآه يوسف مغضبا فخاف و صعد نخلة أو جدارا،فوقع من فوقه لشدّة خوفه فكشف عن عورته فإذا هو مجبوب،فأتى به إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و كشّفه فرآه خصيّا فنزلت آية الإفك ناعية على الحميراء تهمتها لأمّ إبراهيم،و أمّا تأخير جلدها فلمصلحة و حكمة إلهية لا تخفى على أولي العقول و الألباب.

و كذلك ورد أنه عليه السّلام يجلدها على ما أتت به في طريق البصرة.

[252] و في الخصال:عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:«إذا قام قائمنا عليه السّلام أذهب اللّه عزّ و جلّ عن شيعتنا العاهة و جعل قلوبهم كزبر الحديد،و جعل قوّة الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يكونون حكام الأرض و سنامها» (2).

[253] قصص الأنبياء للراوندي طاب ثراه:بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم عليه السّلام في مسجد السهلة بأهله و عياله و هو منزل إدريس عليه السّلام و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ و قد صلّى فيه،و المقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما من مؤمن و لا مؤمنة إلاّ و قلبه يحنّ إليه و ما من يوم و لا ليلة إلاّ و الملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون اللّه فيه،و لو كنت بالقرب منكم ما صليت إلاّ فيه» (3).2.

ص: 186


1- -علل الشرائع:580/2 ح 17.
2- -الخصال:541 ح 14،و روضة الواعظين:296.
3- -مستدرك الوسائل:417/3،و البحار:317/52.

[254] البصائر:عن رفيد مولى أبي هبيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:«يا رفيد كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم عليه السّلام قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة ثم أخرج المثال الجديد على العرب شديد».

قال:قلت:جعلت فداك ما هو؟

قال:«الذبح».

قال:قلت:بأي شيء يسير فيهم،أ يسير فيهم بما سار علي بن أبي طالب عليه السّلام في أهل السواد؟

قال:«لا يا رفيد إنّ عليّا سار بما في الجفر الأبيض و هو الكف و هو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده،و أن القائم عليه السّلام يسير بما في الجفر الأحمر و هو الذبح و هو يعلم أنه لا يظهر على شيعته» (1).

أقول:السواد هي أرض العراق،سمّيت به لأن الناظر إليها من بعيد يراها سودا لإشتباك نخلها و أشجارها،و المراد بها هنا أرض البصرة،و أمّا سيرته عليه السّلام فيها برد أموال أهلها بعد حيازة العسكر لها و أمره عليه السّلام لمالك الأشتر أن لا يجهز على جريحهم و لا يتبع مدبرهم،و من طلب الأمان فله الأمان،فليس على طريق استحقاقهم لما صنع معهم،بل هو استصلاح لشيعته لعلمه بأنهم يكون لهم دولة بعده،فأراد أن يصنع إلى شيعته كما صنع إليهم و ما وفوا له عليه السّلام.

[255] البصائر:مسندا إلى الباقر عليه السّلام قال:«كانت عصى موسى لآدم عليه السّلام فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى عليه السّلام،و أنها لعندنا و أن عهدي بها آنفا و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها،و أنها لتنطق إذا استنطقت أعدّت لقائمنا عليه السّلام ليصنع بها كما كان موسى عليه السّلام يصنع بها،و أنها لتروغ و تلقف ما يأفكون(و تصنع ما تؤمر،و أنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون،تفتح لها شفتان أحداهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا،و تلقف ما يأفكون بلسانها)» (2).

[256] و فيه:عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك إني أريد أن أمسّ3.

ص: 187


1- -بصائر الدرجات:175،و البحار:318/52 ح 18.
2- -الإمامة و التبصرة:116 ح 108،و البصائر:203.

صدرك؟

فقال:«افعل».

فمسست صدره و مناكبه،فقال:«و لم يا أبا محمد؟»

فقلت:جعلت فداك إني سمعت أباك و هو يقول:«إن القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما».

فقال:«يا أبا محمد إن أبي عليه السّلام لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت تسحب على الأرض و أني لبستها فكانت و كانت-يعني قريبة من الاستواء-و أنها تكون من القائم كما كانت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مشمرة»أي مرتفعة أذيالها من الأرض (1).

[257] و فيه:عن معاوية الدهني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ (2).

فقال:«يا معاوية ما يقولون في هذا؟»

قلت:يزعمون أن اللّه تبارك و تعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة،فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم و أقدامهم فيلقون في النار.

فقال لي:«و كيف يحتاج الجبار تبارك و تعالى إلى معرفة خلق أنشأهم(و هم خلقه)؟»

فقلت:جعلت فداك و ما ذلك؟

قال:«لو قام قائمنا أعطاه اللّه السيماء،فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم و أقدامهم ثم يخبط بالسيف خبطا».أي يضرب ضربا شديدا (3).

[258] و فيه:عن سورة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أما إن ذا القرنين قد خيّر السحابين فاختار الذلول و ذخر لصاحبكم الصعب».

قلت:و ما الصعب؟

قال:«ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة و برق فصاحبكم يركبه،أما إنه سيركب6.

ص: 188


1- -البصائر:209،و البحار:319/52.
2- -سورة الرحمن:41.
3- -البصائر:376،و البحار:312/52 ح 26.

السحاب و يرقي في الأسباب،أسباب السماوات السبع(و الأرضين السبع)خمس عوامر و اثنتان خرابان» (1).

أقول:أسباب السماوات:هي طرقها،و محال الملائكة منه،فإنه عليه السّلام يرقى إلى السماء يرى فيها آثار القدرة الإلهية و يتشرف برؤيته ملائكة السماوات،و أمّا الأرضون السبع:فهي الأقاليم السبع التي بعضها عمران و بعضها خراب.

[259] و عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي محمد عليه السّلام فقال:«إذا قام القائم أمر بهدم المنار و المقاصير التي في المساجد،لأنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة» (2).

أقول:أمّا المنار:فهي من محدثات المجوس قبل الإسلام،كانوا يضعون على رأسها نار العبادة ليسجد لها أهل البلد،و لما جاء الفتح في زمن خلافة الثاني أمر أمير المؤمنين عليه السّلام بهدمها لأنها من سنن المجوس مع أن فيها الإشراف على بيوت المسلمين،فسوّل الخليفة الثاني للناس و قال:إن المؤذن يؤذن فوقها ليبلغ صوته إلى أقاصي البلاد،لأنه كان باطنا يدين بدين الكفّار و يحبّ إبقاء آثارهم،كما فعله بالحجر الأسود و غيره.

و أمّا المقاصير في المساجد:فقد أحدثها الخلفاء الجبّارون من بني أمية و بني العباس،و كانوا في حال الصلاة يقفون فيها و يغلقون بابها،و الناس يصلّون خلف بابها على طريق الإقتداء خوفا من أن يغتالوا في أثناء الصلاة،و صلاة من خلف الباب باطلة لعدم مشاهدة الإمام،و المقاصير و هي كالبيوت في المساجد الجامعة القديمة موجودة إلى الآن،رأيناها في كثير من البلاد.

[260] كمال الدين:عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«إذا قام القائم من مكة ينادي مناديه:ألا لا يحملن أحد طعاما و لا شرابا،و حمل معه حجر موسى بن عمران عليه السّلام و هو وقر بعير،فلا ينزل منزلا إلاّ انفجرت منه عيون،فمن كان جائعا شبع و من كان ظمآنا روي و رويت دوابهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة» (3).2.

ص: 189


1- -البصائر:429،و البحار:182/12.
2- -مستدرك الوسائل:384/3 ح 23،و البحار:323/52 ح 32.
3- -كمال الدين:671 ح 17،البحار:324/52.

[261] و فيه:مسندا إلى المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول:«أتدري ما كان قميص يوسف عليه السّلام؟»

قال:قلت:لا.

قال:«إن إبراهيم عليه السّلام لمّا أوقدت له النار نزل إليه جبرائيل عليه السّلام بالقميص و ألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ و لا برد،فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة و علقه على إسحاق عليه السّلام و علقه إسحاق على يعقوب عليه السّلام فلمّا ولد يوسف عليه السّلام علقه عليه،و كان في عضده حتى كان من أمره ما كان،فلمّا أخرجه يوسف عليه السّلام بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السّلام ريحه و هو قوله عزّ و جلّ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (1)فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة».

قلت:جعلت فداك،فإلى من صار هذا القميص؟

قال:«إلى أهله،و هو مع قائمنا عليه السّلام إذا خرج».

ثم قال:«كل نبي ورّث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله» (2).

[262] و عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع اللّه تبارك و تعالى له كل منخفض من الأرض و خفض له كل مرتفع،حتى تكون الدنيا عنده بمزلة راحته،فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟» (3).

[263] كامل الزيارات:بإسناده إلى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كأني بالقائم على نجف الكوفة و قد لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يركب فرسا أدهم بين عينيه غرّة بيضاء،لا يبقى أهل بلاد إلاّ و هم يرون أنه معهم في بلادهم،فينشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا هزّها لم يبق مؤمن إلاّ صار قلبه كزبر الحديد و يعطى المؤمن قوة أربعين رجلا،و لا يبقى مؤمن ميت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره،و يتزاورون في قبورهم و يتباشرون بقيام القائم عليه السّلام،فينحط عليه عشرة آلاف ملك و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا،و هم الذين كانوا مع6.

ص: 190


1- -سورة يوسف:94.
2- -علل الشرائع:53/1 ح 2،و البحار:144/17 ح 30.
3- -كمال الدين:674 ح 29،و البحار:328/52 ح 46.

نوح في السفينة و مع موسى عليه السّلام حين فلق البحر و مع عيسى عليه السّلام حين رفعه اللّه إليه،و أربعة آلاف ملك مع النبي صلّى اللّه عليه و آله مسوّمين و ألف مردفين و ثلاثمائة و ثلاثة عشر بدريين،و أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام فلم يأذن لهم في القتال،فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له:منصور،فلا يزوره زائر إلاّ استقبلوه و لا يودعه مودّع إلاّ شيّعوه و لا يمرض مريض إلاّ عادوه و لا يموت ميت الاّ صلّوا على جنازته و استغفروا له بعد موته،و كل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه عليه السّلام» (1).

[264] غيبة الشيخ الطوسي:بإسناده إلى المفضل بن عمر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها،و استغنى العباد من ضوء الشمس،و يعمّر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى،و يبني في ظهر الكوفة-يعني بالغري-مسجدا له ألف باب،و تتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء و بالحرة،حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سريعة السير يريد الجمعة فلا يدركها» (2).

[265] و في حديث آخر:«و يحفر من خلف قبر الحسين عليه السّلام لهم نهرا يجري الماء إلى الغريين حتى ينبذ في النجف،و يعمل على فوهته قناطر و ارحاء في السبيل،و كأني بالعجوز و على رأسها مكتل فيه برّ حتى تطحنه بكربلاء» (3).

[266] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«من أدرك منكم قائمنا فليقل حين يراه:السلام عليكم يا أهل بيت النبوة و معدن العلم و موضع الرسالة» (4).

[267] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القائم عليه السّلام يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى أساسه،و يردّ البيت إلى موضعه و يقيمه على5.

ص: 191


1- -كامل الزيارات:233 ح 5،و البحار:328/52.
2- -الغيبة:468،و البحار:330/52.
3- -الغيبة:469،و البحار:331/52.
4- -كمال الدين:653 ح 18،و البحار:36/51 ح 5.

أساسه،و يقطع أيدي بني شيبة السرّاق و يعلقها على الكعبة» (1).

[268] و في حديث رواه أبو بصير:«إذا قام القائم دخل الكوفة و أمر بهدم المساجد الأربعة،و يسيّرها عريشا كعريش موسى عليه السّلام،و تكون المساجد كلها جماء كما كانت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعا،و يهدم كل مسجد على الطريق و يسد كل كوّة إلى الطريق و كل جناح و كنيف و ميزاب إلى الطريق،و يأمر اللّه الفلك في زمانه فيبطىء في دوره حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام و السنة كعشر سنين من سنينكم،و يفتح كابل شاه و هي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره،فيفتحها ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها و تكون داره» (2).

[269] الخرائج:عن أبي الربيع الشامي قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا عليه السّلام إذا قام مدّ اللّه لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم،حتى لا يكون بينهم و بين القائم عليه السّلام بريد يكلمهم فيسمعون و ينظرون إليه و هو في مكانه» (3).

[270] و عنه عليه السّلام قال:«العلم سبعة و عشرون حرفا،فجميع ما جاءت به الرسل حرفان،فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين،فإذا قام قائمنا عليه السّلام أخرج الخمسة و العشرين حرفا فبثّها في الناس و ضمّ إليها الحرفين حتى يبثّها سبعة و عشرين حرفا» (4).

[271] الارشاد:عن الخثعمي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم يملك القائم عليه السّلام؟

قال:«سبع سنين تطول له الأيام و الليالي حتى تكون السنة مقدار عشر سنين من سنيكم،و إذا قام مطر الناس جمادي الآخرة و عشرة أيام من رجب مطرا لم تر الخلائق مثله ،فينبت اللّه به لحوم المؤمنين و أبدانهم في قبورهم،و كأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب،و في زمانه تظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها و يطلب الرجل منكم من يصله بماله و يأخذ منه زكاته،فلا يوجد أحد يقبل منه3.

ص: 192


1- -روضة الواعظين:265،و الغيبة:472 ح 492.
2- -الغيبة:475 ح 498،و البحار:333/52.
3- -الخرائج و الجرائح:841/2 ح 58،و مختصر بصائر الدرجات:117.
4- -البصائر:117،و البحار:336/52 ح 73.

ذلك،استغنى الناس بما رزقهم اللّه من فضله» (1).

[272] و عنه عليه السّلام:«إذا قام القائم من آل محمد عليه السّلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم يفعل ذلك ست مرات».

قلت:و يبلغ عدد هؤلاء هذا؟

قال:«نعم منهم و من مواليهم» (2).

[273] و قال عليه السّلام:«دولتنا آخر الدول،و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا،لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا:إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء،و هو قول اللّه تعالى: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (3)» (4).

[274] و قال عليه السّلام:«إن القائم عليه السّلام إذا قام لم يترك بدعة إلاّ أزالها و لا سنّة إلاّ أقامها،فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه،ثم يفعل اللّه ما يشاء».

قيل له:جعلت فداك كيف تطول السنون؟

قال:«يأمر اللّه تعالى الفلك باللبوث و قلّة الحركة،فتطول الأيام لذلك».

قال أبو بصير:قلت له:إنهم يقولون إن الفلك إن تغير فسد؟

قال:«ذلك قول الزنادقة،فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك،و قد شق اللّه القمر لنبيه صلّى اللّه عليه و آله ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون،و أخبر بطول يوم القيامة و أنه كألف سنة ممّا تعدّون».

أقول:الزنادقة هم حكماء الفلاسفة و المنجمون فإنّهم يقولون:الفلك لا يقبل الخرق و الالتئام و يلزم على هذا إنكار المعراج و انشقاق القمر و نحو ذلك من المعجزات،و أجابوا عن2.

ص: 193


1- -الإرشاد:381/2،و الغيبة:474 ح 497.
2- -روضة الواعظين:265،و البحار:338/52 ح 80.
3- -سورة الأعراف:128.
4- -روضة الواعظين:265،و الإرشاد:385/2.

المعراج بأنه معراج روحاني لا جسماني،و هو خلاف الاجماع و الضرورة من دين الإسلام (1).

[275] العياشي:عن ابن بكير قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (2).

قال:«نزلت في القائم عليه السّلام إذا ظهر أخرج اليهود و النصارى و الصابئين و الزنادقة و أهل الردّة و الكفّار في شرق الأرض و غربها فعرض عليهم الإسلام،فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة و الزكاة و ما يؤمر به المسلم،و من لم يسلم يضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق و المغارب أحد إلاّ وحّد اللّه».

قلت له:جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك؟

فقال:«إن اللّه إذا أراد أمرا قلّل الكثير و كثّر القليل» (3).

[276] و روي حديثا طويلا عن الباقر عليه السّلام و فيه:«إن القائم عليه السّلام لا يقبل الجزية كما قبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو قول اللّه: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (4).

قال عليه السّلام:«يقاتلون و اللّه حتى يوحّد اللّه و لا يشرك به شيئا،و حتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب فلا يصحبها أحد» (5).

[277] و قال عليه السّلام:«إذا قام قائم آل محمد عليه السّلام استخرج من ظهر الكعبة سبعة و عشرين رجلا،خمسة عشر من قوم موسى الذين(يهدون)بالحق و به يعدلون،و سبعة من أصحاب الكهف،و يوشع وصي موسى،و مؤمن آل فرعون،و سلمان الفارسي،و أبا دجانة الأنصاري،و مالك الأشتر» (6).

[278] غيبة النعماني:عن سدير الصيرفي عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على0.

ص: 194


1- -تفسير نور الثقلين:176/5.
2- -سورة آل عمران:83.
3- -تفسير العياشي:184/1 ح 82،و البحار:320/52.
4- -سورة الأنفال:39.
5- -البحار:126/109.
6- -البحار:326/52،و تفسير العياشي:320/2 ح 90.

نفسه نذرا في جارية،و جاء بها إلى مكة قال:فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها،و جعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلاّ قال:جيئني بها و قد وفى اللّه نذرك.

فدخلني من ذلك وحشة شديدة،فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة.

فقال لي:انظر الرجل الذي يجلس عند الحجر الأسود و حوله الناس،و هو محمد بن علي بن الحسين عليه السّلام فأته فاخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به.

فأتيته فأخبرته بالنذر و بما قال لي الحجبة فقال:«يا عبد اللّه إن البيت لا يأكل و لا يشرب،فبع جاريتك و انظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت،فمن عجز منهم عن نفقته فاعطه حتى يقوى عاى العود إلى بلاده».

ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحدا من الحجبة إلاّ قال:ما فعلت بالجارية.

فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر عليه السّلام.

فقالوا:هذا كذّاب جاهل لا يدري ما يقول.

فذكرت مقالتهم لأبي جعفر عليه السّلام فقال:«قد بلّغتني،فبلّغ عني،قل لهم:يقول لكم أبو جعفر:كيف بكم لو قد قطعت أيديكم و أرجلكم و علقت في الكعبة ثم يقال لكم نادوا:نحن سرّاق الكعبة».

فلمّا ذهبت لأقوم قال:«إنني لست أنا أفعل ذلك،و إنما يفعله رجل مني» (1).

[279] و فيه عن الباقر عليه السّلام قال:«إنمّا سمّي المهدي،لأنه يهدي إلى أمر خفي،و يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه عزّ و جلّ من غار أنطاكية،و يحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الإنجيل بالإنجيل و بين أهل الزبور بالزبور و بين أهل القرآن بالقرآن،و تجتمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض و ظهرها فيقول للناس:تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدم الحرام،فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله،و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما» (2).

أقول:قوله عليه السّلام:«و يحكم بين أهل التوراة»إلى آخره،يدل على أن أهل الكتب في6.

ص: 195


1- -كتاب الغيبة:237 ح 25،و البحار:350/52 ح 102.
2- -مستدرك سفينة البحار:505/10،كتاب الغيبة:237 ح 26.

زمانه عليه السّلام يبقون على مذاهبهم و مللهم و يحتاجون إلى المحاكمة بينهم،و يكون عليه السّلام هو الذي يحكم بينهم،و كذا ورد أنه عليه السّلام يقبل منهم الجزية،و هو مناف لما تقدم من أنه عليه السّلام لا يقبل من أحد إلاّ الإسلام أو السيف و القتل،و أن طوائف المسلمين و أهل الملل و غيرهم من الكفّار كلهم يوحّدون اللّه تعالى و يرجعون عمّا كانوا عليه من الخلاف،و كذلك روي أن شيعته عليه السّلام يكونون في زمانه ولاة و حكاما في الأمصار،و أن أهل الخلاف من النواصب و غيرهم يكونون رعية لهم في القرى و المزارع و يخدمونهم بما يحتاجون إليه،و هذا بظاهره ينافي دخول الناس كلهم في دين الشيعة الإمامية،لأنهم إذا صاروا كلهم مؤمنين فأين الرعية لهم و أهل الخدمة لما يراد منهم؟

قلت:جاءت الأخبار على تكثيرها مختلفة في كيفية خروجه عليه السّلام و في سيرته مع الناس و أنه عليه السّلام هل يقبل منهم شيئا غير الإسلام أم لا؟و يمكن الجمع بوجوه:

الأول: أن يكون قبوله الجزية من أهلها و غيرها من غيرهم في ابتداء دولته و أوائل ظهوره،ثم إذا مكّنه اللّه سبحانه من فتح البلدان و انقياد الخلائق له حملهم على الدخول في الإسلام فلا يقبل منهم غيره.

الثاني: أن يكون حكمه عليه السّلام بين أهل التوراة بتوراتهم و كذلك أهل الكتب و الأديان،حجة عليهم و على دخولهم في الإسلام،ليعلموا أنه الإمام الحجة،العالم بجميع الكتب السماوية،و قد تقرّر عندهم أنه لا يعلم الكتب الإلهية كلها إلاّ الأنبياء و أوصيائهم،فيكون هذا معجزة له عليه السّلام كما كان معجزة لجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإن اليهود و النصارى كانوا يمتحنونه بما في كتبهم،فإذا أخبرهم بما هو عندهم في التوراة و الإنجيل دخلوا في الإسلام.

الثالث: إن المخالف إذا استبصر في زمانه استبصارا عن حقيقة و يقين،يكون حكمه حكم شيعته عليه السّلام،و من استبصر خوفا و اتصف بشعائر الشيعة تقيّة،يكونون رعية و خدمة للشيعة و يأخذون منهم الأموال مثل أهل الذمة،لأنه عليه السّلام كما تقدم يعرف الناس بسيماهم و يميّز بين مؤمنهم و منافقهم،و كذلك خلّص شيعته عليه السّلام يميّزون بين الطيب من الناس و الخبيث منهم،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى وجوه أخر في تضاعيف الأبواب.

ص: 196

[280] الارشاد:روى جابر عن أبي جعفر عليه السّلام:«إذا قام قائم آل محمد عليه السّلام ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن على ما أنزله اللّه جلّ جلاله،فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم،لأنه يخالف فيه التأليف» (1).

[281] غيبة النعماني:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا ظهر القائم عليه السّلام ظهر براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خاتم سليمان و حجر موسى عليه السّلام و عصاه،ثم يأمر مناديه فينادي:ألا لا يحمل رجل منكم طعاما و لا شرابا و لا علفا.

فيقول أصحابه:إنه يريد أن يقتلنا و يقتل دوابنا من الجوع و العطش.

فيسير و يسيرون معه،فأول منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام و شراب و علف فيأكلون و يشربون و دوابهم حتى ينزل النجف بظهر الكوفة» (2).

أقول:يستفاد منه أنه عليه السّلام يكون حكمه في الملك حكم سليمان عليه السّلام و يزيد عليه أنه يركب على السحاب كما ركب سليمان على البساط،و كما سخّرت ريح الصبا تحمل سليمان عليه السّلام غدوّها شهر و رواحها شهر تسخّر له عليه السّلام ريح القدرة يتمكّن معها من طواف الدنيا كلها قبل أن يرتدّ طرف الإنسان إليه،بل يجلس عليه السّلام في مكانه و الدنيا كلها في قبضته يراها و ما فيها و يخاطب أهلها و يخاطبونه،و أنه عليه السّلام يحكم على الجنّ و الإنس و الطيور و الوحوش و الهواء،و يزيد عليه:حكمه على الملائكة و أهل السماوات و ما خلق اللّه سبحانه.

[282] و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن عليّا عليه السّلام قال:كان لي أن أقتل المولّي-يعني المدبر-و أجهز على الجريح،و لكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا،و القائم له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح» (3).

أقول:فيه دلالة على ما هو الأصح من القولين بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم و هو:أن ما صنعه عليه السّلام معهم بعد التمكن إنما كان من باب المنّ عليهم لا للاستحقاق و الوجوب كما هو القول الآخر،و ما ورد في بعض الأخبار من أنه عليه السّلام يسير إذا ظهر بسيرة أمير0.

ص: 197


1- -الإرشاد:386/2،البحار:339/52 ح 85.
2- -كتاب الغيبة:238 ح 28،و البحار:351/52.
3- -الغيبة:232 ح 15،و البحار:353/52 ح 110.

المؤمنين عليه السّلام،فالمراد كما ورد في غير حديث:أنه يأكل الجشب و يأكل الخشن و يقوم بالسيف و الجهاد و العبادة مثل أمير المؤمنين عليه السّلام.

و من ثم جاء في صحيح الأخبار الأئمة تسعة[أفضلهم] (1)قائمهم.

[283] و عنه عليه السّلام قال:«بينا الرجل على رأس القائم عليه السّلام يأمره و ينهاه إذ قال:أديروه فيديرونه إلى قدّامه فأمر بضرب عنقه،فلا يبقى في الخافقين شيء إلاّ خافه» (2).

أقول:و ذلك أنه عليه السّلام إذا خرج يحمل بعلمه في الأحكام و غيرها،و من عمل منه النفاق جاز له قتله حتى يخافه الناس،و لأنه يدعوا المنافقين إلى تطهير قلوبهم من رذائل الأخلاق.

[284] و فيه:مسندا إلى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:«ألا أريك قميص القائم عليه السّلام الذي يقوم عليه؟».

فقلت:بلى.

فدعى بقمطر-و هو ما يصان به الكتب-ففتحه و أخرج منه قميص كرابيس فنشره،فإذا في كمّه الأيسر دم فقال:«هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذي كان عليه يوم ضربت رباعيته،و فيه يقوم القائم عليه السّلام».

فقبّلت الدم و وضعته على وجهي،ثم طواه أبو عبد اللّه عليه السّلام و رفعه.

أقول:هذا قميصه صلّى اللّه عليه و آله الذي لبسه في واقعة أحد،و خصّ هذا القميص بخروج القائم عليه السّلام به للاقتصاص ممّن حارب النبي صلّى اللّه عليه و آله في تلك الواقعة و أجرى الدم من رباعيته و من رأسه،فإن المشركين شجّوه شجّة عظيمة حتى سال دمه على لحيته و وجهه،و كان يتلقى الدم بيده و يرمي به نحو السماء و الملائكة تختطفه و تتبرك به،و قال له في ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:«إن دمي إذا وقع على الأرض يغضب اللّه سبحانه و تعالى على أهل الأرض و يهلكهم بالعذاب،و قد بعثني ربّي رحمة للأمة فلا أكون نقمة عليها».

و كان في تلك الحالة يدعوا لهم و يقول:«اللهم اهد قومي فإنّهم جهلوا قدري».

و هو كالاعتذار لهم عمّا أتوه،و أين رحمته صلّى اللّه عليه و آله لأمته من قول نبي اللّه نوح على نبينا و آله7.

ص: 198


1- -كذا في المخطوط،و ورد في رواية في غيبة النعماني:67.
2- -الغيبة:239 ح 32،و البحار:355/52 ح 117.

و عليه السلام:ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا.

[285] و فيه:عنه عليه السّلام:«إذا قام القائم عليه السّلام نزلت الملائكة ثلاثمائة و ثلاثة عشر،ثلث على خيول شهب و ثلث على خيول بلق و ثلث على خيول حمر» (1).

[286] و فيه:عن المفضل قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بالطواف فنظر إليّ و قال:«يا مفضل مالي أراك مهموما متغير اللون؟»

فقلت:جعلت فداك نظري إلى بني العباس و ما في أيديهم من هذا الملك و السلطان و الجبروت فلو كان ذلك لكم لكنّا فيه معكم.

فقال:«يا مفضل أمّا لو كان ذلك لم يكن إلاّ قيام الليل و سياحة النهار و أكل الجشب و لبس الخشن شبه أمير المؤمنين عليه السّلام و إلاّ فالنار،فزوي ذلك عنّا فصرنا نأكل و نشرب،و هل رأيت ظلامة يجعلها اللّه نعمة مثل هذا» (2).

أقول:قبل أن تنتهي الخلافة الظاهرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كان يأكل الطعام اللذيذ و يلبس الفاخر من الثياب و يأكل حتى يشبع إلى غير ذلك،و لمّا صار خليفة قتّر على نفسه في المأكل و الملبس و جميع الأمور،فقيل له في ذلك،فأجاب عليه السّلام بجوابين أحدهما:أن لا يشق على الفقير فقره،لأنه إذا رأى إمامه و خليفة اللّه سبحانه يقتصد في أموره مع ما هو فيه من الملك و السلطان و يسلك في أموره مسالك الفقراء هان على الفقير فقره و صبر عليه.

و ثانيهما:أنه عليه السّلام قال لمّا سئل عن ذلك:«أبيت شبعانا و لعل في اليمامة و أطراف البلاد من يبيت جائعا لا يشبع».

و ينبغي أن يكون سلوك الإمام في سلطانه مثل أفقر الرعية،و القائم عليه السّلام يقتدي بأمير المؤمنين عليه السّلام،لأنه صاحب ملك و سلطان،و أمّا باقي الأئمة عليهم السّلام فكانوا يتأنقون في المطاعم و الملابس و غير ذلك،لأن الخلافة كانت في أيدي غيرهم من أهل الظلم و الجور،و بهذا أجاب الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام الصوفية و هم سفيان الثوري و أصحابه،لمّا دخلوا عليه المسجد و رأوه في زي حسن من الثياب و قالوا له:كيف تلبس هذه الثياب الفاخرة2.

ص: 199


1- -الغيبة:244 ح 44،و البحار:356/52.
2- -الكافي:410/1 ح 2،البحار:359/52.

مع أن جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام كان يرقع مدرعته حتى كان يستحي من راقعها؟

و جواب آخر قاله عليه السّلام و هو أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان في زمن ضنك على المسلمين و كان يسلك في أموره مثلهم،أمّا الآن و هو اتساع الأمور بين الناس و الخصب و الرخاء،فلو كان أمير المؤمنين عليه السّلام موجودا لسلك مسالك الناس و تزيّا بزيهم،و إلاّ لأشتهر بين الناس بالرياء و التقشف و أحسن زي الرجال ما يوافق[أهل]ذلك الزمان.

[287] و فيه:عن الفضيل قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشدّ ما استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من جهّال الجاهلية،لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتى الناس و هم يعبدون الحجارة و الصخور و العيدان و الخشب المنحوتة،و أن قائمنا عليه السّلام إذا قام أتى الناس و كلهم يتأوّل عليه كتاب اللّه و يحتج عليه به» (1).

أقول:هذه إشارة إلى ما روي عنه عليه السّلام:«يا علي أنا قاتلت الناس على تنزيل القرآن و أنت تقاتلهم بعدي على تأويله» (2).

و معناه:أنه صلّى اللّه عليه و آله قاتل قريشا و غيرهم من الكفار على إنكارهم القرآن و تنزيله و قالوا:إنه أساطير الأولين و أنه من قول محمد لم ينزل به جبرئيل من الربّ الجليل.

و أمّا الناس بعده صلّى اللّه عليه و آله فكانوا مصدّقين بالقرآن و مكذبين في تأويل معانيه،و كانوا يتأولون آياته على ما يوافق أغراضهم و مطالبهم،فقاتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام لأجل يردهم عن تلك التأويلات الباطلة إلى تأويلاته التي هي مراد اللّه عزّ و جلّ من آيات القرآن.

[288] و فيه:عنه عليه السّلام أنه قال:«ثلاثة عشر مدينة و طائفة يحارب القائم عليه السّلام أهلها و يحاربونه:أهل مكة و أهل المدينة و أهل الشام و بنو أمية و أهل البصرة و أهل دميسان- و هي قرية بالهراة-و الأكراد و الأعراب و ضبّة و غنى و باهلة و أزد و أهل الري» (3).

[289] و قال:«إذا خرج القائم عليه السّلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه أهله و دخل في2.

ص: 200


1- -البحار:362/52.
2- -الأمالي:547،و الإحتجاج:191/1.
3- -الغيبة:299 ح 6،و البحار:363/52.

سنّته عبدة الشمس و القمر» (1).

أقول:هذا تأويل ما روي من قوله عليه السّلام:«و اللّه لتغربلنّ غربلة و لتبلبلنّ بلبلة و لتساطنّ سوط القدر حتى يجعل أعلاكم أسفلكم و أسفلكم أعلاكم».

و قد تغربلت هذه الأمة بعد نبيّها صلّى اللّه عليه و آله مرتين:مرّة في وقت غصب الخلافة و ارتداد الناس كلهم إلاّ ثمانية،فإن جماعات كثيرة كانوا من أهل السابقة و الطاعة و قصّروا في النصرة لأمير المؤمنين عليه السّلام حتى وقعوا بالارتداد و التقصير،و المرّة الثانية:في واقعة كربلاء،فإن الذين خرجوا على الحسين عليه السّلام كانوا أنصار أبيه و جنوده الذين قاتل بهم أهل الشام،و بقيت المرّة الثالثة في عصر القائم عليه السّلام،فإنه قد تقدم ما فيه من الابتلاء و التمحيص و رجوع كثير إلى متابعة الدجال و السفياني.

[290] و فيه:مسندا إلى ابن نباتة قال:سمعت عليّا عليه السّلام يقول:«كأني بالعجم و فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أنزل.

قلت:يا أمير المؤمنين أ و ليس هو كما أنزل؟

فقال:«لا،محي منه سبعون من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما ترك أبو لهب إلاّ للازراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأنه عمّه» (2).

أقول:روي مستفيضا في الأخبار أنه كان في القرآن لعن بني أمية و جماعة من قريش بأسمائهم فأسقطوهم من قرآن عثمان و من باقي المصاحف التي كانت في أعصار معاوية،حتى أنه روى عمرو بن العاص لمّا كان واليا على مصر من قبل عثمان قال يوما على المنبر:انظروا إلى إنصاف بني أمية قد كان في القرآن ألف آية نزلت في لعنهم و الطعن عليهم و أعطوا القرّاء على كل آية درهما فرفعوها من المصاحف،و أنا أعطيت مائة ألف درهم على أن يرفع من القرآن إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)فما رفعوها.

فلمّا اتصل الخبر بمعاوية كتب إليه:3.

ص: 201


1- -كتاب الغيبة:317 ح 1.
2- -الغيبة:318 ح 5،و البحار:364/52.
3- -سورة الكوثر:3.

مالك و هذ الكلام،لا تعد إليه.

[291] و فيه:عن الصادق عليه السّلام قال:«إذا قام القائم في أقاليم الأرض عيّن في كل إقليم رجلا يقول:عهدك كفّك فإذا ورد عليك ما لا تفهمه و لا تعرف القضاء فيه،فانظر إلى كفّك و اعمل بما فيها».

قال:«و يبعث جندا إلى القسطنطينية،فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا و مشوا على الماء،فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا:هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟

فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون» (1).

[292] و فيه:عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ليعد أحدكم لخروج القائم عليه السّلام و لو سهما،فإن اللّه إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه و يكون من أعوانه و أنصاره» (2).

أقول:قوله عليه السّلام:«و لو سهما»محمول على الحقيقة و المبالغة،فيكون أقلّه السهم و أكثره ما فوق السهم،و يشمل كلما يصلح للحرب من السيف و الرمح و الفرس و الدرع و غير ذلك من الآلة،و المراد:أنه يهيء عنده آلة و ينوي بقلبه أو يلفظ بكلامه أنه تملّكها أو عزلها من ماله لأجل إعانة صاحب الزمان عليه السّلام إمّا بنفسه أو يعطيها غيره،و ربّما استفيد منه جواز الوقف على هذه الجهة الخاصة.7.

ص: 202


1- -مستدرك سفينة البحار:545/8.
2- -مستدرك سفينة البحار:112/7.

[293] الاختصاص للمفيد طاب ثراه:بإسناده إلى بريد العجلي قال:قيل لأبي جعفر عليه السّلام:إن أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة فلو أمرتهم لأطاعوك و اتبعوا أمرك.

فقال:«يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته؟»

فقال:لا.

قال:«فهم بدمائهم أبخل».

ثم قال:«إن الناس في هدنة تناكحهم و توارثهم و تقيم عليهم الحدود و تؤدي أمانتهم حتى إذا قام القائم عليه السّلام جاءت المزايلة و يأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه».

[294] تفسير ابن الفرات من علمائنا:قال رجل لجعفر بن محمد عليه السّلام:نسلّم على القائم عليه السّلام بأمرة المؤمنين؟

قال:«لا،ذلك اسم سمّاه اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام لا يسمّى به أحد قبله و لا بعده إلاّ كافر».

قال:فكيف نسلّم عليه؟

قال:«تقول:السلام عليك يا بقية اللّه-ثم قرأ عليه السّلام-: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)» (2).

أقول:أول من تسمّى بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ولايته،لأن الناس كانوا يخاطبون أبا بكر:خليفة رسول اللّه،فلمّا مضى إلى التابوت و استخلف بعده عمر،كانوا يخاطبونه:يا خليفة خليفة رسول اللّه،فموّه عليهم أن هذا الاسم يطول و لكن أنتم المؤمنون و أنا أميركم فسمّوني أمير المؤمنين،فسمّوه به ثم تعاطاه الخلفاء من بعده،و هو شريك في ذنب كل من تسمّى به،و هاهنا ورد أن الذي يتسمّى به كافر.5.

ص: 203


1- -سورة هود:86.
2- -البحار:373/52 ح 165.

[295] و روى الثقة العياشي:عند تفسير قوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً (1).

إنه ما تسمّى أحد بأمير المؤمنين غير علي عليه السّلام إلاّ كان ممّن يؤتى في دبره و له حظ من الأنوثية،و هذا المعنى قد شاع عن عمر بين الفريقين و روي في الأخبار أيضا.

[296] و قال الصادق عليه السّلام:«إن لنا حقّا ابتزه منّا معادن الابن» (2).

و هو عام في خلفاء الجور العباسية و الأموية و غيرهم من المخالفين،و قد صنّف شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين كتاب في إثبات هذه الحالة لجميع الخلفاء و أولادهم بالدلائل و التواريخ و القصائد،ليكون تفصيلا لما في الحديث من الاجماع.

[297] حكي عن قاضي بغداد أنه قال يوما:و ما أظن ولدا بلغ الحلم إلاّ و قد فعل به.

فقيل له:كيف تكون هذه القضية عامة و مولانا القاضي غير داخل فيها؟

فقال:إن حلفت لكم أنه ما فعل بي تصدقوني؟

يعني لا ينبغي لكم تصديقي،و قد ذكرنا حكايات غريبة من هذا القبيل في كتاب زهر الربيع من أراده راجعه من هناك.

[298] و في ذلك الكتاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قام القائم عليه السّلام عرضوا عليه كل ناصب فإن أقرّ بالإسلام و هي الولاية و إلاّ ضربت عنقه،أو أقرّ بالجزية فأداها كما يؤدون أهل الذمة» (3).

[299] و روى الشيخ طاب ثراه في التهذيب:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف مسجد الكوفة:في وسطه عين من لبن و عين من ماء شراب للمؤمنين».5.

ص: 204


1- -سورة النساء:117.
2- -شجرة طوبى:69/1.
3- -البحار:373/52،و معجم أحاديث الشيعة:290/5.

[300] و في كتاب الاختصاص:عن الصادق عليه السّلام قال:«إذا قام القائم عليه السّلام أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا-و أومىء بيده إلى موضع ثم قال:احفروا هاهنا.

فيحفرون فيستخرجون اثنى عشر ألف درع و اثنى عشر ألف سيف و اثنى عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهين،ثم يدعو اثنى عشر ألف رجل من الموالي و العجم فيلبسهم ذلك ثم يقول:من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه» (1).2.

ص: 205


1- -الإختصاص:334،و البحار:377/52.

فائدة

[301] قال شيخنا الطبرسي طاب ثراه في كتاب أعلام الورى:فإن قيل:إذا حصل الاجماع على أن لا نبي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنتم قد زعمتم أن القائم عليه السّلام إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين و يأمر بهدم المساجد و المشاهد و أنه يحكم بحكم داود عليه السّلام لا يسأل بيّنة و أشباه ذلك ممّا ورد في آثاركم،و هذا يكون نسخا للشريعة و إبطالا لأحكامها،فقد أتيتم معنى النبوة و إن لم تتلفظوا باسمها،فما جوابكم عنها؟

الجواب:إنّا لم نعرف ما تضمنه السؤال من أنه عليه السّلام لا يقبل الجزية من أهل الكتاب و أنه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين،فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.

فأمّا هدم المساجد و المشاهد،فقد يجوز أن يختص بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى اللّه تعالى و على خلاف ما أمر اللّه سبحانه،و هذا مشروع قد فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و أمّا ما روي من أنه عليه السّلام يحكم بحكم داود عليه السّلام لا يسأل عن بينة،فهذا أيضا غير مقطوع به و إن صحّ فتأويله:أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه،و إذا علم الإمام و الحاكم أمرا من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه و لا يسأل عنه،و ليس في هذا نسخ للشريعة،على أن هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية و استماع البيّنة إن صحّ لم يكن نسخا للشريعة،لأن النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ و لم يكن مصطحبا له،فأمّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون ذلك نسخا لصاحبه و إن كان مخالفه في المعنى،و لهذا اتفقنا على أن اللّه سبحانه لو قال:الزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه.

لا يكون نسخا،لأن الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب،و إن صحت هذه الجملة و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد أعلمنا بأن القائم عليه السّلام من ولده يجب اتباعه و قبول أحكامه،فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا-و إن خالف بعض الأحكام المتقدمة-غير عاملين بالنسخ،لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل،انتهى.

ص: 206

[302] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قدم القائم عليه السّلام وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر-يعني قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله-فيبعث اللّه تعالى ريحا شديدة و صواعق و رعودا،حتى يقول الناس إنّما ذا لذا،فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد،فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول،ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه و يضرب المعول بيده،فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه فيهدمون الحائط،ثم يخرجهما غضين رطبين فيلعنهما و يتبرأ منهما و يصلبهما ثم ينزلهما و يحرقهما ثم يذريهما في الريح» (1).

أقول:الرعد و البرق حال نبش قبري فلان و فلان،و اخراجهما غظين طريين،إنما هو من جملة الامتحان و الابتلاء الذي يتمحّص و يتميز به المخلصين من غير المخلصين،و لذا ورد في الحديث أنه«يبقى من كل عشرة واحد».

[303] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يقدم القائم عليه السّلام حتى يأتي النجف،فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني و أصحابه و الناس معه و ذلك يوم الاربعاء،فيدعوهم و يناشدهم حقّه و يخبرهم أنه مظلوم.

فيقولون:ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك.

فيتفرقون من غير قتال،فإذا كان يوم الجمعة فيعاود،و يجيء سهم فيصيب رجلا من المسلمين فيقتله،فيقال:إن فلانا قد قتل،فعند ذلك ينشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر،فإذا زالت الشمس هبّت الريح له،فيحمل عليهم هو و أصحابه فيمنحهم اللّه أكتافهم و يولون،فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة و ينادي مناديه:ألا لا تتبعوا مواليا و لا تجهزوا على جريح،و يسير بهم كما سار علي عليه السّلام يوم البصرة» (2).

[304] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا بلغ السفياني أن القائم عليه السّلام قد توجه إليه من ناحية الكوفة،يتجرد بخيله حتى يلقى القائم عليه السّلام فيخرج فيقول:اخرجوا إليّ ابن عمّي.

فيخرج إليه السفياني فيكلمه القائم عليه السّلام فيجيء السفياني فيبايعه ثم ينصرف إلى أصحابه فيقولون له:ما صنعت؟فيقول:أسلمت و بايعت.5.

ص: 207


1- -البحار:386/52.
2- -البحار:387/52 ح 205.

فيقولون له:«قبّح اللّه رأيك بينما أنت خليفة متبوع فصرت تابعا.

فيستقبله فيقاتله ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقتال فيقتلون يومهم ذلك،ثم إن اللّه تعالى يمنح القائم و أصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم،حتى أن الرجل يختفي في الشجرة و الحجرة،فتقول الشجرة و الحجرة:يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله،فيقتله،فتشبع السباع و الطيور من لحومهم،فيقيم بها القائم عليه السّلام ما شاء،ثم يعقد راية لواء إلى القسطنطينية فيفتحها و لواء إلى الصين فيفتحها و لواء إلى جبال الديلم فتفتح له.

و ينهزم قوم كثير من بني أمية حتى يلحقوا بأرض الروم،فيطلبوا إلى ملكها أن يدخلوا إليه.

فيقول لهم الملك:لا ندخلكم حتى تدخلوا في ديننا و تنكحونا و ننكحكم و تأكلوا لحم الخنازير و تشربوا الخمر و تعلقوا الصلبان في أعناقكم و الزنانير في أوساطكم.

فيقبلون ذلك فيدخلونهم،فيبعث إليهم القائم عليه السّلام:أن أخرجوا هؤلاء الذين أدخلتموهم.

فيقولون:قوم رغبوا في ديننا و زهدوا في دينكم.

فيقول عليه السّلام:إنكم إن لم تخرجوهم وضعنا السيف فيكم.

فيقولون له:هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم.

فيقول:قد رضيت به.

فيخرجون إليه،فيقرأ عليهم و إذا في شرطه الذي شرط عليهم أن يدفعوا إليه من دخل إليهم مرتدا عن الإسلام،و لا يردّ إليهم من خرج من عندهم راغبا في الإسلام،فإذا قرأ عليهم الكتاب و رأوا هذا الشرط لازما لهم أخرجوهم إليه،فيقتل الرجال و يبقر بطون الحبالى و يرفع الصلبان في الرماح و يقتسمون أموالهم،ثم تسلم الروم على يده فيبني فيهم مسجدا و يستخلف عليهم رجلا من أصحابه ثم ينصرف» (1).

[305] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يقضي القائم عليه السّلام بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء آدم عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الثانية6.

ص: 208


1- -البحار:389/52 ح 206.

فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء داود عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف و هو قضاء إبراهيم عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم،ثم يقضي الرابعة و هو قضاء محمد صلّى اللّه عليه و آله فلا ينكرها أحد عليه» (1).

[306] و عن أبي الجارود قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر؟

قال:«يمسي من أخوف الناس و يصبح من آمن الناس،يوحى إليه هذا الأمر ليله و نهاره».

قال:قلت:يوحى إليه يا أبا جعفر؟

قال:«إنه ليس بوحي نبوة،و لكن يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران و إلى أم موسى و إلى النحل» (2).

أقول:الوحي هنا بمعنى الإلهام،لأنه نوع من أنواع الوحي و إن كان المراد على يدي الملائكة فيكون غير جبرائيل عليه السّلام،لأنه الذي يجيء الأنبياء عليهم السّلام و إن كان جبرئيل عليه السّلام فيكون تبليغه بتأكيد ما عنده عليه السّلام من كتاب الجفر و الجامعة و سائر الكتب السماوية لا أن ما يأتي به أحكام مبتدأ كأحكام النبوة.

[307] و روى السيد الأعظم علي بن طاووس طاب ثراه في كتاب الفتن:هو عندي بخطه و موضوعه الملاحم عن المعصومين:في الأخبار عن أحوال القائم عليه السّلام حديثا يسنده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في أسماء الثلثمائة و ثلاثة عشر رجلا الذين يخرجون أولا مع القائم عليه السّلام و أسماء بلدانهم،قال عليه السّلام:«رجلان من البصرة،و رجل من الأهواز،و رجل من مدينة تستر،و رجل من دورق،و رجلان من عمان محمد و الحسن،و ثلاثة من شيراز حفص و يعقوب و علي،و أربعة من أصفهان موسى و علي و عبد اللّه و غلفان،و رجل من الكرخ اسمه عبد اللّه،و رجل من نهاوند اسمه عبد الرزاق،و ثلاثة من همدان جعفر و إسحاق3.

ص: 209


1- -البحار:389/52 ح 207،و معجم أحاديث المهدي:309/3.
2- -البحار:389/52 ح 207،و معجم أحاديث المهدي:290/3.

و موسى،و عشرة من قم أسماؤهم على أسماء بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و رجل من خراسان اسمه دريد،و رجل من جرجان،و رجل من هراة،و رجل من بلخ،و رجل من عانة،و رجل من دامغان،و رجل من ساوه،و رجل من سمرقند،و أربعة و عشرين من الطالقان و هم الذين ذكرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:في خراسان كنوز لا ذهب و لا فضة و لكن رجال يجمعهم اللّه و رسوله،و رجلان من قزوين،و رجل من فارس،و رجل من أبهر،و ثلاثة من مراغة،و ثلاثة من واسط،و عشرة من الزوراء،و أربعة من الكوفة،و رجل من القادسية،و رجل من سورا،و رجل من الصراة،و رجل من النيل،و رجل من جرجان،و رجل من الأنبار،و رجل من عكبرا،و ثلاثة من عبادان،و رجل من الموصل،و رجل من الرقّة،و ثلاثة من طرسوس،و رجل من انطاكية،و ثلاثة من حلب،و رجلان من حمص،و أربعة من دمشق،و رجلان من بيت المقدس،و رجل من عسقلان،و رجل من الاسكندرية،و خمسة من[السوس] (1)الأقصى،و عشرة من مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و أربعة من مكة،و رجل من الطائف،و رجل من الدبر،و رجل من الشيروان،و رجل من القطيف،و رجل من هجر،و رجل من اليمامة،و رجل من الأحساء».

قال علي عليه السّلام:«أحصاهم لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعدد أصحاب بدر،جمعهم اللّه من مشرقها إلى مغربها في أقل ممّا(تنمّ الرجل عيناه)عند بيت اللّه الحرام،فإذا انجلى الصباح خرج إليهم المهدي عليه السّلام من تحت ستارة الكعبة فيبايعونه» (2).

[308] و روى في ذلك الكتاب حديثا آخر عن الصادق عليه السّلام و فيه:«إن من الترمذ رجلان،و من الصامغان رجلان،و من طوس خمسة رجال،و من مرو اثنا عشر رجلا،و من نيسابور سبعة عشر رجلا،و من سجستان ثلاثة رجال،و من الري سبعة رجال،و من هرات اثنا عشر رجلا،و من طبرستان أربعة رجال،و من قم ثمانية عشر رجلا،و من همدان أربعة رجال،و من حلب أربعة رجال،و من دمشق أربعة رجال،و من بعلبك رجل،و من فارس رجل،و من الربذة رجل،و من صنعاء رجلان،و من الكوفة أربعة عشر رجلا،و من حلوان3.

ص: 210


1- -في نسخة:الشوش.
2- -معجم أحاديث المهدي:106/3.

رجلان،و من البصرة ثلاثة رجال».

و باقي الرجال مذكورة في ذلك الحديث،إلاّ أن أسماء بلدانهم لم نسمع بها،فمن ثم وقع الإختصار.

ص: 211

الفصل السابع

اشارة

فيما يكون عند ظهوره عجل اللّه تعالى فرجه

[309] رواية المفضل بن عمر،قال:سألت سيّدي الصادق عليه السّلام:هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السّلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟

فقال:«حاش للّه أن يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا».

قلت:يا سيّدي و لم ذاك؟

قال:«لأنه هو الساعة التي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ،ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1).

و هو الساعة التي قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها و قال: عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ (2)و لم يقل:إنها عند أحد.

و قال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (3)الآية و قال: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (4).

و قال: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (5).

ص: 212


1- -سورة الأعراف:187.
2- -سورة لقمان:34.
3- -سورة محمد:18.
4- -سورة القمر:1.
5- -سورة الأحزاب:63.

قلت:فما معنى يمارون؟

قال:«يقولون متى ولد؟و من رأه؟و أين يكون؟و متى يظهر؟و كل ذلك استعجالا لأمر اللّه و شكّا في قضائه و دخولا في قدرته،أولئك الذين خسروا الدنيا».

قلت:أفلا يوقّت له وقت؟

فقال:«يا مفضل لا أوقّت له وقتا و لا يوقّت له وقت،إن من وقّت لمهدينا وقتا فقد شارك اللّه تعالى في علمه و ادّعى أنه ظهر على سرّه».

قال المفضل:يا مولاي فكيف[يبدأ]ظهور المهدي عليه السّلام و إليه التسليم؟

قال عليه السّلام:«يا مفضل يظهر في[سنة من السنين] (1)فيعلو ذكره و ينادى باسمه و يكثر ذلك على أفواه الموافقين و المخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به،على إنّا قد دللنا عليه و سمّيناه و كنيناه و قلنا:سمي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كنيّه،لئلاّ يقول الناس ما عرفنا له اسما و لا كنية و لا نسبا،و اللّه ليتحقق الايضاح به و باسمه و نسبه و كنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم،ثم يظهره اللّه كما وعد به جدّه صلّى اللّه عليه و آله في قوله عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (2).

قال المفضّل:يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ؟

قال عليه السّلام:«هو قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (3).

فو اللّه يا مفضّل ليرفع عن الملل و الأديان الاختلاف و يكون الدين كله واحدا كما قال جلّ ذكره: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ و قال: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (4).

قال المفضّل:قلت:يا سيّدي و الدين الذي في آبائه إبراهيم و نوح و موسى و عيسى5.

ص: 213


1- -ظاهر عبارة المخطوط:شبهة ليستبين.
2- -سورة التوبة:33.
3- -سورة البقرة:193.
4- -سورة آل عمران:85.

و محمد صلّى اللّه عليه و عليهم هو الإسلام؟

قال:«نعم يا مفضّل هو الإسلام لا غير».

قلت:يا مولاي أتجده في كتاب اللّه؟

قال:«نعم من أوله إلى آخره و منه هذه الآيات: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (1)و قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (2).

و منه قوله تعالى في قصة إبراهيم و إسماعيل: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (3)و قوله تعالى في قصة فرعون: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (4)و في قصة سليمان و بلقيس: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (5)و قولها: وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (6)و قول عيسى عليه السّلام: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (7)و قوله عزّ و جلّ: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (8)و قوله في قصة لوط عليه السّلام: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (9)و قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (10)و قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ -إلى قوله - وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (11)».3.

ص: 214


1- -سورة آل عمران:19.
2- -سورة الحج:78.
3- -سورة البقرة:128.
4- -سورة يونس:90.
5- -سورة النمل:38.
6- -سورة النمل:44.
7- -سورة آل عمران:52.
8- -سورة آل عمران:83.
9- -سورة الذاريات:36.
10- -سورة البقرة:136.
11- -سورة البقرة:133.

قلت:يا سيّدي كم الملل؟

قال:«أربعة و هي شرائع».

قال المفضل:قلت:يا سيّدي المجوس لم سمّوا المجوس؟

قال عليه السّلام:«لأنهم تمجّسوا في السريانية و ادّعوا على آدم و شيث عليهما السّلام و هو هبة اللّه أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمات و المحرمات من النساء،و أنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء،و لم يجعلا لصلواتهم وقتا و إنما هو افتراء على اللّه الكذب و على آدم و شيث».

قال المفضل:قلت:يا سيّدي لم سمّي قوم موسى اليهود؟

قال عليه السّلام:«لقول اللّه عزّ و جلّ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ أي اهتدينا إليك».

قال:فالنصارى؟

قال عليه السّلام:«لقول عيسى مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ ،الآية فسمّوا النصارى لنصرة دين اللّه».

فقلت:يا سيّدي فلم سمّي الصابئون؟

فقال عليه السّلام:«لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء و الرسل و الملل و الشرائع و قالوا:كلّما جاؤوا به باطل،فجحدوا توحيد اللّه تعالى و نبوّة الأنبياء و رسالة المرسلين و وصية الأوصياء،فهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول و هم معطلة العالم».

قال:فقلت:سبحان اللّه ما أجلّ هذا من علم.

قال:«نعم،يا مفضّل فالقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين».

قال:قلت:يا سيّدي ففي أي بقعة يظهر المهدي عليه السّلام؟

قال عليه السّلام:«لا تراه عين في وقت ظهوره إلاّ رأته كل عين،فمن قال لكم غير هذا فكذبوه».

قال المفضّل:يا سيّدي و لا يرى وقت ولادته؟

قال:«بلى و اللّه ليرى من ساعة ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع و خمسين و مائتين إلى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول من سنة

ص: 215

ستين و مائتين و هو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي بشاطىء دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمّى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل و هو المتآكل لعنه اللّه تعالى،و هي مدينة تدعى بسرّ من رأى و هي ساء من رأى،يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين و مائتين و لا يراه المشكك المرتاب و ينفذ فيها أمره و نهيه و يغيب عنها،فيظهر بجانب المدينة في حرم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيراه هناك من يسعده اللّه تعالى بالنظر إليه،ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست و ستين و مائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد و كل عين».

قال:قلت:يا سيّدي فمن يخاطبه و لمن يخاطب؟

قال عليه السّلام:«تخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجنّ و يخرج أمره و نهيه إلى ثقاته و ولاته و وكلائه و يقعد ببابه محمد بن نصير النميري،ثم يظهر بمكة و كأني أنظر إليه دخل مكة و عليه بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المخصوفة و في يده هراوته عليه السّلام يسوق بين يديه عنازا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم أحد يعرفه و يظهر و هو شاب».

قال:قلت:فمن أين يظهر و كيف يظهر؟

قال عليه السّلام:«يا مفضّل يظهر وحده و يأتي البيت وحده و يلج الكعبة وحده و يجنّ عليه الليل وحده،فإذا نامت العيون و غسق الليل نزل إليه جبرئيل و ميكائيل عليهما السّلام و الملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل عليه السّلام:يا سيّدي قولك مقبول و أمرك جائز،فيمسح يده على وجهه و يقول:الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين،و يقف بين الركن و المقام فيصرخ صرخة فيقول:يا معشر نقبائي و أهل خاصتي و من ذخرهم اللّه لنصرتي قبل ظهوري أئتوني طائعين.

فترد صيحته عليه السّلام عليهم و هم في محاريبهم و على فرشهم في شرق الأرض و غربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل،فيجيئون نحوها و لا يمضي لهم إلاّ كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه عليه السّلام بين الركن و المقام،فيأمر اللّه عزّ و جلّ النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضىء به كل مؤمن على وجه الأرض و يدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور و هم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه السّلام ثم يصبحون وقوفا بين يديه و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا بعدّة أصحاب

ص: 216

بدر».

قال:قلت:يا سيّدي فالاثنان و سبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام يظهرون معهم؟

قال:«يظهر منهم أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام في اثني عشر ألفا مؤمنين من شيعة علي عليه السّلام و عليه عمامة سوداء».

قال:قلت:يا سيّدي فبغير سنّة القائم عليه السّلام بايعوا له قبل ظهوره و قبل قيامه؟

فقال عليه السّلام:«يا مفضّل كل بيعة قبل ظهور القائم عليه السّلام فبيعته كفر و نفاق و خديعة لعن اللّه المبايع لها و المبايع له،بل يا مفضّل يسند القائم عليه السّلام ظهره إلى الحرم و يمدّيده فترى بيضاء من غير سوء و يقول:هذه يد اللّه و عن اللّه و بأمر اللّه،ثم يتلو هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (1)الآية.

فيكون أول من يقبّل يده جبرائيل عليه السّلام ثم يبايعه و تبايعه الملائكة و نجباء الجن ثم النقباء،و يصبح الناس بمكة فيقولون:من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟و ما هذا الخلق الذي معه؟و ما هذه الآية التي رأيناها الليلة و لم نر مثلها؟

فيقول بعضهم لبعض:هو صاحب العنيزات.

فيقول بعضهم لبعض:انظروا هل تعرفون أحدا ممّن معه؟

فيقولون:لا نعرف أحدا منهم إلاّ أربعة من أهل مكة و أربعة من أهل المدينة،و هم فلان و فلان،و يعدونهم بأسمائهم و يكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم،فإذا طلعت الشمس صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السموات و الأرضين:يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد-و يسميه باسم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكنيه و ينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي-بايعوه تهتدوا.

فأول من يقبّل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء و يقولون:سمعنا و أطعنا،و لا يبقى ذو أذن من الخلائق إلاّ سمع ذلك النداء،و يقبل الخلائق من البدو و البر و البحر يحدّث بعضهم بعضا و يستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم،فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ0.

ص: 217


1- -سورة الفتح:10.

من مغربها:يا معشر الخلائق قد ظهر ربّكم بوادي اليابس من أرض فلسطين و هو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم اللّه فبايعوه تهتدوا و لا تخالفوا عليه فتضلوا.

فترد عليه الملائكة و الجن و النقباء قوله و يكذبونه،و يقولون له:سمعنا و عصينا.

و لا يبقى ذو شك و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر إلاّ ضلّ بالنداء الأخير،و سيدنا القائم عليه السّلام مسند ظهره إلى الكعبة و يقول:يا معشر الخلائق ألا و من أراد أن ينظر إلى آدم و شيث فها أنا ذا آدم و شيث،ألا و من أراد أن ينظر إلى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح و سام،ألا و من أراد أن ينظر إلى إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام فها أنا ذا إبراهيم و إسماعيل،ألا و من أراد أن ينظر إلى موسى و يوشع فها أنا ذا موسى و يوشع،ألا و من أراد أن ينظر إلى عيسى و شمعون فها أنا ذا عيسى و شمعون.

ألا و من أراد أن ينظر إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام فها أنا ذا محمد و أمير المؤمنين،ألا و من أراد أن ينظر إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام فها أنا ذا الحسن و الحسين،ألا و من أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام فها أنا ذا الأئمة عليهم السّلام،اجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به و ما لم تنبأوا به،و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع مني،ثم يبتدأ بالصحف التي أنزلها اللّه على آدم و شيث عليهم السّلام و تقول أمة آدم و شيث و هو هبة اللّه:هذه و اللّه هي الصحف حقا و لقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها و ما كان خفي علينا و ما كان أسقط منها و ما بدّل و حرّف،ثم يقرأ صحف نوح و صحف إبراهيم عليهما السّلام و التوراة و الإنجيل و الزبور.

فيقول أهل التوراة و الإنجيل و الزبور:هذه و اللّه صحف نوح و إبراهيم عليهما السّلام حقا و ما أسقط منها و بدّل و حرّف منها،هذه و اللّه التوراة الجامعة و الزبور التام و الإنجيل الكامل و أنها أضعاف ما قرأنا منها،ثم يتلوا القرآن فيقول المسلمون:هذا و اللّه القرآن حقا الذي أنزله اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و آله و ما أسقط منه و حرّف و بدّل،ثم تظهر الدابة بين الركن و المقام فيكتب في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم عليه السّلام رجل وجهه إلى قفاه و قفاه إلى صدره و يقف بين يديه فيقول:يا سيّدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن إلحق بك و أبشّرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء.

ص: 218

فيقول له القائم عليه السّلام:بيّن قصتك و قصّة أخيك.

فيقول الرجل:كنت و أخي في جيش السفياني و خرّبنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء و تركناها جما،و خرّبنا الكوفة و خرّبنا المدينة و كسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خرجنا منها و عددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت و قتل أهله،فلمّا صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح بنا صائح:يا بيداء أبيدوا القوم الظالمين،فانفجرت الأرض فابتلعت كل الجيش،فو اللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي،فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى،فقال لأخي:و يلك يا نذير امض إلى الملعون السفياني بدمشق فانذره بظهور المهدي من آل محمد عليه السّلام و عرّفه أن اللّه قد أهلك جيشه بالبيداء،و قال لي:يا بشير ألحق بالمهدي بمكة و أبشره بهلاك الظالمين و تب على يده فإنه يقبل توبتك.

فيمرّ القائم عليه السّلام يده على وجهه فيردّه سويا كما كان و يبايعه و يكون معه».

قال المفضّل:يا سيّدي و تظهر الملائكة و الجن للناس؟

قال:«اي و اللّه يا مفضّل و يخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و أهله».

قلت:يا سيّدي و يسيرون معه؟

قال:«اي و اللّه يا مفضّل و لينزلن أرض الهجرة بين الكوفة و النجف و عدد أصحابه حينئذ ستة و أربعون ألفا من الملائكة و ستة آلاف من الجن».

و في رواية أخرى:«و مثلها من الجن بهم ينصره اللّه و يفتح على يديه».

قال المفضّل:فما يصنع بأهل مكة؟

قال:«يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة فيطيعونه و يستخلف فيهم رجل من أهل بيته و يخرج يريد المدينة».

قال المفضّل:و ما يصنع بالبيت؟

قال:«ينقضه فلا يدع منه إلاّ القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السّلام و الذي رفعه إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام عنها،و أن الذي بنى بعدهما لم يبنه نبي و لا وصي،ثم يبنيه كما يشاء اللّه و ليعفينّ آثار الظالمين بمكة و المدينة و العراق و سائر الأقاليم

ص: 219

و ليهدمنّ مسجد الكوفة و ليبنيه على بنائه الأول،و ليهدمنّ القصر العتيق،ملعون ملعون من بناه».

قال المفضّل:يا سيّدي يقيم بمكة؟

قال:«لا يا مفضّل بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها و ثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون و يتضرعون فيقولون:يا مهدي آل محمد التوبة التوبة.

فيعظهم و يحذرهم و يستخلف عليهم منهم خليفة فيسير،فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن و النقباء و يقول لهم:ارجعوا فلا يتقوا منهم بسرّ إلاّ من آمن.

فيرجعون إليهم،فو اللّه لا يسلم من المائة منهم واحد و لا من الألف واحد».

قال:قلت:يا سيّدي،فأين تكون دار المهدي و مجمع المؤمنين؟

قال:«دار ملكه الكوفة و مجلس حكمه جامعها و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريين».

قال المفضّل:يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟

قال:«إي و اللّه،لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها،و ليبلغن مربط شاة فيها ألفي درهم،إي و اللّه و ليودّن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب-و السبع خطة من خطط همدان-و لتصيرنّ الكوفة أربعة و خمسين ميلا و ليجاوزنّ قصورها كربلاء و ليصيرنّ اللّه كربلاء معقلا و مقاما تختلف فيه الملائكة و المؤمنون،و ليكون لها شأنا من الشأن و ليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن و دعا ربّه بدعوة لأعطاه اللّه بدعوته واحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة».

ثم تنفس أبو عبد اللّه و قال:«يا مفضّل إن بقاع الأرض تفاخرت،ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى اللّه إليها:أن أسكتي كعبة البيت الحرام و لا تفتخري على كربلاء،فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى عليه السّلام منها من الشجرة،و إنها الربوة التي أوت إليها مريم و المسيح عليه السّلام،و فيها الدالية التي غسلت فيها رأس الحسين عليه السّلام،و فيها غسلت مريم عيسى عليه السّلام و اغتسلت من ولادتها،و أنها خير بقعة عرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منها».

ص: 220

قال المفضّل:يا سيّدي ثم يسير المهدي عليه السّلام إلى أين؟

قال:«إلى مدينة جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب،يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين».

قال المفضّل:يا سيّدي ما هو ذاك؟

قال:«يرد إلى قبر جده صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

فيقولون:نعم يا مهدي آل محمد.

فيقول:و من معه في القبر؟

فيقولون:صاحباه و ضجيعاه أبو بكر و عمر.

فيقول و هو أعلم بهما و الخلائق كلهم جميعا يسمعون:من أبو بكر و عمر؟و كيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟و عسى المدفون غيرهما.

فيقول الناس:يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما،إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبوا زوجتيه.

فيقول للخلق بعد ثلاث:اخرجوهما من قبريهما.

فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما و لم يشحب لونهما،فيقول:هل فيكم من يعرفهما؟

فيقولون:نعرفهما بالصفة و ليس ضجيعا جدك غيرهما.

فيقول:هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟

فيقولون:لا.

فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام،ثم ينشر الخبر في الناس و يحضر المهدي و يكشف الجدران عن القبرين و يقول للنقباء:ابحثوا عنهما و انبشوهما.

فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا اليهما فيخرجان غضّين طريين كصورتهما،فيكشف عنهما أكفانهما و يأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها،فتحيى الشجرة و تورق و يطول فرعها.

فيقول المرتابون من أهل ولايتهما:هذا و اللّه الشرف حقا،و لقد قرنا بمحبّتهما

ص: 221

و ولايتهما،و يخبر من أخفى نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما و ولايتهما فيحضرونهما و يرونهما و يفتتنون بهما،و ينادي مناد المهدي عليه السّلام:كل من أحبّ صاحبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ضجيعيه فلينفرد جانبا.

فتتجزء الخلق جزءين:أحدهما موال و الآخر متبرء منهما،فيعرض المهدي عليه السّلام على أوليائهما البراءة منهما.

فيقولون:يا مهدي آل رسول اللّه،نحن لم نتبرأ منهما و لسنا نعلم أن لهما عند اللّه و عندك هذه المنزلة،و هذا الذي بدا لنا من فضلهما أنتبرأ الساعة منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حياة الشجرة بهما؟بل و اللّه نبرأ منك و ممّن لا يؤمن بهما و من صلبهما و أخرجهما و فعل بهما ما فعل.

فيأمر المهدي عليه السّلام ريحا سوداء،فتهبّ عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية،ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بأذن اللّه تعالى،و يأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور و دور،حتى يقص عليهم قتل هابيل ابن آدم عليه السّلام،و جمع النار لإبراهيم عليه السّلام،و طرح يوسف عليه السّلام في الجب،و حبس يونس عليه السّلام في بطن الحوت،و قتل يحيى عليه السّلام،و صلب عيسى عليه السّلام،و عذاب جرجيس و دانيال عليهما السّلام،و ضرب سلمان الفارسي،و إشعال النار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام لإحراقهم،و ضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة عليها السّلام بالسوط،و رفس بطنها،و اسقاطها محسنا،و سم الحسن عليه السّلام،و قتل الحسين عليه السّلام و ذبح أطفاله و بني عمّه و أنصاره،و سبي ذراري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و إراقة دماء آل محمد عليهم السّلام،و كل دم سفك و كل فرج نكح حراما و كل ريّن و خبث و فاحشة و ظلم و إثم و جور و غشم،منذ عهد آدم إلى وقت قائمنا عليه السّلام.

كل ذلك يعدّده عليه السّلام عليهما و يلزمهما إياه،فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر،ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما و الشجرة،ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليمّ نسفا».

قال المفضّل:يا سيّدي ذلك آخر عذابهما؟

قال:«هيهات يا مفضل،و اللّه ليردن و ليحضرنّ السيد الأكبر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 222

و الصديق الأكبر أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام،و كل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا،و ليقتصنّ منهما لجميعهم،حتى أنهما ليقتلان في كل يوم و ليلة ألف قتلة فيردّان إلى ما شاء ربّهما.

ثم يسير المهدي عليه السّلام إلى الكوفة و ينزل ما بين الكوفة و النجف و عنده أصحابه في ذلك اليوم ستة و أربعون ألفا من الملائكة،و مثلها من الجنّ و النقباء ثلاثمائة و ثلاثة عشر نقيبا».

قال المفضّل:يا سيّدي كيف تكون الزوراء في ذلك الوقت؟

قال:«في لعنة اللّه و سخطه،تخربها الفتن و تتركها جماء،فالويل لها و لمن بها كل الويل من الرايات الصفر،و رايات المغرب،و من يجلب بالجزيرة،و من الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد،و اللّه لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره،و لينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت و لا أذن سمعت بمثله،و لا يكون طوفان أهلها إلاّ بالسيف،فالويل لمن أتخذ بها مسكنا،فإن المقيم بها يبقى لشقائه و الخارج منها برحمة اللّه،و اللّه ليصيرنّ أمرها في الدنيا حتى يقال إنها هي الدنيا،و إن دورها و قصورها هي الجنّة،و إن بناتها من الحور العين،و إن ولدانها هم الولدان،و ليظننّ أن اللّه لم يقسم رزق العباد إلاّ بها،و ليظهرن فيها من الافتراء على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و الحكم بغير كتابه،و من شهادات الزور،و شرب الخمور،و(إتيان)الفجور،و أكل السحت،و سفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها إلاّ دونه.

ثم ليخرّبها اللّه تعالى بتلك الفتن و تلك الرايات حتى ليمرّ عليها المار فيقول:ههنا كانت الزوراء،ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح،الذي نحو الديلم يصيح،بصوت له فصيح:يا آل محمد اجيبوا الملهوف و المنادى من حول الضريح.

فتجيبه كنوز اللّه بالطالقان،كنوز و أي كنوز،ليست من فضة و لا ذهب،بل هي رجال كزبر الحديد،على البراذين الشهب بأيديهم الحراب،و لم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة و قد صفا أكثر الأرض،فيجعلها له معقلا فيتصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السّلام و يقولون:يا بن رسول اللّه من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟

ص: 223

فيقول:اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد؟

و هو و اللّه يعلم أنه المهدي عليه السّلام،و أنه ليعرفه و لم يرد بذلك الأمر إلاّ يعرّف أصحابه من هو،فيخرج الحسني فيقول:إن كنت مهدي آل محمد صلّى اللّه عليه و آله فأين هراوة جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خاتمه و بردته و درعه الفاضل و عمامته السحاب و فرسه اليربوع و ناقته العضباء و بغلته الدلدل و حماره و اليعفور و نجيبه البراق و مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام؟

فيخرج له ذلك،ثم يأخذ الهراوة و يغرسها في الحجر الصلد و تورق،و لم يرد ذلك إلاّ أن يرى أصحابه فضل المهدي عليه السّلام حتى يبايعونه.

فيقول الحسني:اللّه أكبر مدّ يدك يا بن رسول اللّه حتى نبايعك.

فيمدّ يده فيبايعه و يبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني،إلاّ أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية،فإنّهم يقولون ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فيختلط العسكران،فيقبل المهدي عليه السّلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم و يدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلاّ طغيانا و كفرا،فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا،ثم يقول لأصحابه:لا تأخذوا المصاحف و دعوها تكون عليهم حسرة كما بدلّوها و غيّروها و حرّفوها،و لم يعلموا بما فيها».

قال المفضّل:يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي عليه السّلام؟

قال:«يثّور سرايا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه و يذبحونه على الصخرة،ثم يظهر الحسين عليه السّلام في اثني عشر ألف صدّيق و أثنين و سبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء،فيالك عندها من كرّة زهراء بيضاء،ثم يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و ينصب له القبة بالنجف و يقام أركانها،ركن بالنجف و ركن بهجر و ركن بصنعاء و ركن بأرض طيبة،لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء و الأرض كأضوء من الشمس و القمر،فعندها تبلى السرائر و تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ (1)إلى آخر الآية،ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أنصاره و المهاجرين و من آمن به و صدّقه و استشهد معه،و يحضر مكذبوه و الشاكّون فيه و الرادون عليه و القائلون فيه أنه2.

ص: 224


1- -سورة الحج:2.

ساحر و كاهن و مجنون و ناطق عن الهوى و من حاربه و قاتله حتى يقتصّ منهم بالحق،و يجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ظهور المهدي عليه السّلام مع إمام إمام و وقت و وقت،و يحق تأويل هذه الآية: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).

قال المفضّل:يا سيّدي و من فرعون و هامان؟

قال عليه السّلام:«أبو بكر و عمر».

قال المفضّل:يا سيّدي و رسول اللّه و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما يكونان معه؟

فقال:«لا بد أن يطأ الأرض إي و اللّه حتى ما وراء الحاف-أي جبل قاف المحيط بالدنيا-إي و اللّه و ما في الظلمات و ما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ و طياه و أقاما فيه الدين الواجب للّه تعالى،ثم لكأني أنظر يا مفضّل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمة بعده،و ما نالنا من التكذيب و الرد علينا و سبّنا و لعننا و تخويفنا بالقتل،و قصد طواغيتهم الولاة ترحيلنا عن الحرمين إلى دار ملكهم و قتلهم إيانا بالسم و الحبس.

فيبكي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا بني ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم،ثم تبتدئ فاطمة عليها السّلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر،و أخذ فدك منها،و مشيها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار،و خطابها له في أمر فدك و ما ردّ عليها من قوله:إن الأنبياء لا تورّث، و احتجاجها بقول زكريا و يحيى عليهما السّلام و قصة داود و سليمان عليهما السّلام،و قول عمر:هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك،و إخراجها الصحيفة و أخذه إيّاها منها و نشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب و تفله فيها و تمزيقه إيّاها،و بكاؤها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكية حزينة تمشى على الرمضاء قد أقلقتها،و استغاثتها باللّه و بأبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تمثلها بقول رقية بنت صيفي:

قد كان بعدك أنباء و هنبثة *** لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب6.

ص: 225


1- -سورة القصص:6.

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختل أهلك فاشهدهم و لا تغب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت و حالت دونك الحجب

لكل قوم لهم قرب و منزلة *** عند الإله على الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا *** أمل أناس ففازوا بالذي طلبوا.

و تقصّ عليه قصّة أبي بكر و انفاذه خالد بن الوليد و قنفذ و عمر بن الخطاب و جمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السّلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة،و اشتغال أمير المؤمنين عليه السّلام بنساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جمع القرآن و قضاء دينه و انجاز عداته و هي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده و طارفه و قضاها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قول عمر:اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون و إلاّ قتلناك،و قول فضة جارية فاطمة عليها السّلام:إن أمير المؤمنين عليه السّلام مشغول و الحق له إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه،و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم عليهم السّلام و فضة،و إضرامهم النار على الباب،و خروج فاطمة عليها السّلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها:و يحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله؟تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللّه و اللّه متم نوره؟

و إشهاره لها و قوله:كفى يا فاطمة فليس محمد حاضرا و لا الملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند اللّه،و ما علي إلاّ كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا.

فقالت و هي باكية:اللهم إليك نشكو فقد نبيّك و رسولك و صفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.

فقال لها عمر:دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء،فلم يكن اللّه ليجمع لكم النبوّة و الخلافة.

و أخذت النار في خشب الباب،و ادخال قنفذ لعنه اللّه يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود،و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه،و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد

ص: 226

وصفعه خدّها،حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و هي تقول:وا أبتاه وا رسول اللّه ابنتك فاطمة تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها،و خروج أمير المؤمنين عليه السّلام من داخل الدار محمرّ العين حاسرا حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره،و قوله لها:

يا بنت رسول اللّه قد علمت أن أباك بعثه اللّه رحمة للعالمين فاللّه اللّه أن تكشفي خمارك و ترفعي ناصيتك،فو اللّه يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أن محمدا رسول اللّه و لا موسى و لا عيسى و لا إبراهيم و لا نوح و لا دابة تمشي على الأرض و لا طائر في السماء إلاّ أهلكه اللّه.

ثم قال:يابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه،أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة.يعني ما بقي منها.

فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار،و صاح أمير المؤمنين عليه السّلام بفضة:يا فضة مولاتك،فاقبلي منها ما تقبله النساء.

فقد جاءها المخاض من الرفسة وردت الباب،فأسقطت محسنا عليه السّلام.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:فانه لا حق بجدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيشكو إليه.

و حمل أمير المؤمنين عليه السّلام لها في سوداء الليل و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم عليهم السّلام إلى دار المهاجرين و الأنصار يذكرّهم باللّه و رسوله و عهده الذي بايعوا اللّه و رسوله،و بايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تسليمهم عليه بأمرة المؤمنين في جميعها،فكل يعده بالنصر في اليوم المقبل،فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه أمير المؤمنين عليه السّلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده و قوله:لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل،و قولي كقوله لموسى عليه السّلام:يابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظالمين، فصبرت محتسبا و سلمت راضيا،و كانت الحجة عليهم في خلافي،و نقضهم عهدي الذي عاهدتم عليه يا رسول اللّه،و احتملت يا رسول اللّه ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الأمم،حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم اللعين،و كان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي و خروج طلحة و الزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج و العمرة،و سيرهم

ص: 227

بها إلى البصرة و خروجي إليهم و تذكيري لهم اللّه و إياك و ما جئت به يا رسول اللّه،فلم يرجعا حتى نصرني اللّه عليهما،حتى أهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين،و قطعت سبعون كفّا على زمام الجمل،فما لقيت في غزواتك يا رسول اللّه و بعدك أصعب منه يوما أبدا،لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها و أهولها و أعظمها،فصبرت كما أدّبني اللّه بما أدّبك به يا رسول اللّه في قوله عزّ و جلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1)و قوله: وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ (2).

و حق اللّه يا رسول اللّه تأويل الآية التي أنزلها اللّه في الأمة من بعدك في قوله عزّ و جلّ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (3).

يا مفضّل و يقوم الحسن عليه السّلام إلى جدّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه، فوصاني بما وصيته يا جدّاه و بلغ اللعين معاوية قتل أبي،فأنفذ الداعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف و خمسين ألف مقاتل،فأمر بالقبض عليّ و على أخي الحسين و سائر إخواني و أهل بيتي و شيعتنا و موالينا،و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه اللّه فمن يأبى منّا ضرب عنقه و سيّر إلى معاوية رأسه،فلمّا علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة و رقأت المنبر و اجتمع الناس فحمدت اللّه و أثنيت عليه و قلت:

معشر الناس عفت الديار و محيت الآثار و قل الاصطبار،فلا قرار لي على همزات الشياطين و حكم الخائنين الساعة،و اللّه صحّت البراهين و فصلت الآيات و بانت المشكلات،و لقد كنّا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ4.

ص: 228


1- -سورة الأحقاف:35.
2- -سورة النحل:127.
3- -سورة آل عمران:144.

اَللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (1) فلقد مات و اللّه جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قتل أبي صلوات اللّه عليه،و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناس،و نعق ناعق الفتنة و خالفتم السنّة،فيا لها من فتنة صمّا عميا لا يسمع لداعيها و لا يجاب مناديها و لا يخالف واليها،ظهرت كلمة النفاق،و تكالبت جيوش أهل المراق من الشام و العراق هلمّوا رحمكم اللّه إلى الافتتاح و النور الوضاح.

أيها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة،فلأن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية و نيّات مخلصة لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما و لأضيقنّ من السيوف جوانبها و من الرماح أطرافها و من الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم اللّه.

فكأنما الجموا بلجام الصمت عن اجابة الدعوة،إلاّ عشرون رجلا فإنّهم قاموا إليّ فقالوا:يابن رسول اللّه ما نملك إلاّ أنفسنا و سيوفنا،فها نحن بين يديك لأمرك طائعون و عن رأيك صادرون فمرنا بما شئت.

فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت:لي أسوة بجدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين عبد ربّه سرا و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا،فلمّا أكمل اللّه له الأربعين صار في عدة و أظهر أمر اللّه،فلو كان معي عدتهم جاهدت في اللّه حق جهاده.

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت:

اللهم إني قد دعوت و أنذرت و أمرت و نهيت،و كانوا عن اجابة الداعي غافلين و عن نصرته قاعدين و عن طاعته مقصرين و لأعدائه ناصرين،اللهم فأنزل عليهم رجزك و بأسك و عذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين.

و نزلت ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة،فجاؤوني يقولون:إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار و الكوفة و شنّ غاراته على المسلمين،و قتل من لم يقاتله و قتل النساء و الأطفال،فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم،فانفذت معهم رجالا و جيوشا و عرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية و ينقضون عهدي و بيعتي،فلم يكن إلاّ ما قلت لهم و أخبرتهم.

ثم يقوم الحسين عليه السّلام مخضّبا بدمه هو و جميع من قتل معه،فإذا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله4.

ص: 229


1- -سورة آل عمران:144.

بكى و بكى أهل السموات و الأرض لبكائه،و تصرخ فاطمة عليها السّلام فتزلزل الأرض و من عليها،و يقف أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسن عن يمينه و فاطمة عليها السّلام عن شماله و يقبل الحسين عليه السّلام فيضمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى صدره و يقول:يا حسين فديتك قرّة عيناك و عيناي فيك.

و عن يمين الحسين عليه السّلام حمزة أسد اللّه في أرضه،و عن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار،و يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السّلام و هن صارخات،و أمّه فاطمة تقول:

هذا يومكم الذي كنتم توعدون،اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا».

قال:فبكى الصادق عليه السّلام حتى أخضبت لحيته بالدموع ثم قال:«لا عين لا تبكي عند هذه الذكرى».

قال:و بكى المفضّل بكاءا طويلا،ثم قال:يا مولاي ما في الدموع؟

فقال:«ما لا يحصى إذا كان من محق».

فقال:يا مولاي ما تقول في قوله تعالى: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (1).

قال:«يا مفضّل الموؤدة و اللّه محسن،لأنه منّا لا غير،فمن قال غير هذا فكذبوه».

ثم قال المفضّل:ثم ماذا يا مولاي؟

فقال عليه السّلام:«تقوم فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتقول:اللهم انجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و أجزعني بكل أولادي.

فتبكيها ملائكة السموات السبع و حملة العرش و سكان الهواء و من في الدنيا و من تحت أطباق الثرى صائحين صارخين إلى اللّه تعالى،فلا يبقى أحد ممّن قاتلنا و ظلمنا و رضى بما جرى علينا إلاّ قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل اللّه،فإنه لا يذوق الموت و هو كما قال عزّ و جلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ9.

ص: 230


1- -سورة التكوير:8-9.

أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ» (1) .

قال المفضّل:يا مولاي فإن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟

فقال عليه السّلام:«أما سمعوا قول جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن سائر الأئمة نقول:و لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر،فالعذاب الأدنى عذاب الرجعة و العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي تبدل الأرض غير الأرض و السموات و برزوا للّه الواحد القهار».

قال المفضّل:يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار اللّه في قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (2)و قوله: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (3)و قوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (4).

قال الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل فأين نحن في هذه الآية؟».

قال المفضّل:قول اللّه: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (5)و قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (6)و قوله عن إبراهيم: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ .

و قد علمنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام ما عبدا صنما و لا وثنا و لا أشركا باللّه طرفة عين،و قوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (7)و العهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.

قال:«يا مفضّل و ما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الإمامة؟».

قال المفضّل:يا مولاي لا تمتحنني بما لا طاقة لي به و لا تختبرني و لا تبتليني،فمن4.

ص: 231


1- -سورة البقرة:38.
2- -سورة الأنعام:83.
3- -سورة الأنعام:124.
4- -سورة آل عمران:33-34.
5- -سورة آل عمران:68.
6- -سورة الحج:78.
7- -سورة البقرة:124.

علمكم علمت و من فضل اللّه عليكم أخذت.

قال الصادق عليه السّلام:«صدقت يا مفضّل و لولا اعترافك بنعمة اللّه عليك في ذلك لما كنت هكذا فأين يا مفضّل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم».

قال:نعم يا مولاي قوله تعالى: وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ (1)و الكافرون هم الفاسقون و من كفر و فسق و ظلم لا يجعله اللّه للناس إماما.

قال الصادق عليه السّلام:«أحسنت يا مفضّل فمن أين قلت،برجعتنا و مقصرة شيعتنا تقول معنى الرجعة أن يرد اللّه إلينا ملك الدنيا و أن يجعله للمهدي،و يحهم متى سلبنا الملك حتى يرده علينا».

قال المفضّل:لا و اللّه ما سلبتموه و لا تسلبونه،لأنه ملك النبوة و الرسالة و الوصية و الإمامة.

قال عليه السّلام:«يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا،أما سمعوا قوله عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2).

و اللّه يا مفضّل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل و تأويلها فينا و أن فرعون و هامان:تيم و عدي».

قال المفضّل:يا مولاي فالمتعة؟

قال عليه السّلام:«المتعة حلال طلق،و الشاهد بها قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً (3)أي مشهودا،و القول المعروف هو المشتهر بالولي و الشهود،و إنما احتيج إلى الولي و الشهود في النكاح ليثبت النسل و يصح النسب و يستحق الميراث و قوله: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً5.

ص: 232


1- -سورة البقرة:255.
2- -سورة القصص:5-6.
3- -سورة البقرة:235.

مَرِيئاً (1) .

و جعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلاّ بشاهدين ذوي عدل من المسلمين،و قال في سائر الشهادات على الدماء و الفروج و الأموال و الأملاك: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ (2).

و بيّن الطلاق عزّ ذكره فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ (3) .

و لو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل،لما قال تعالى: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ إلى قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ .

و قوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (4)هو نكر يقع بين الزوج و الزوجة فتطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل،و حدّ وقت التطليق هو آخر القروء،و القرء هو الحيض،و الطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة و الحمرة و إلى التطليقة الثانية و الثالثة ما يحدث اللّه بينهما عطفا أو زوال ما كرهاه،و هو قوله: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (5).8.

ص: 233


1- -سورة النساء:4.
2- -سورة البقرة:282.
3- -سورة الطلاق:1.
4- -سورة الطلاق:3.
5- -سورة البقرة:228.

هذا لقوله في إن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة،إن ارادوا اصلاحا و للنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك،ثم بيّن تبارك و تعالى فقال: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و في الثالثة فإن طلقها الثالثة و بانت فهو قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (1)ثم يكون كسائر الخطّاب لها،و المتعة التي أحلها اللّه في كتابه و أطلقها الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه لسائر المسلمين فهي قوله عزّ و جلّ: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (2).

و الفرق بين الزوجة و المتعة:أن للزوجة صداقا و للمتعة أجرة،فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحج و غيره و أيام أبي بكر و أربع سنين في أيام عمر،حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل،فأغضب و أرعد و أزبد و أخذ الطفل على يده و خرج حتى أتى المسجد ورقى المنبر و قال:نادوا في الناس الصلاة جامعة.

و كان غير وقت صلاة،فعلم الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا،فقال:معاشر الناس من المهاجرين و لأنصار و أولاد قحطان،من منكم يحبّ أن يرى المحرمات عليه من النساء و لها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها و هو يرضع على ثديها و هي غير متبعّلة؟

فقال بعض القوم:ما نحبّ هذا.

فقال:ألستم تعلمون أن أختي عفراء بنت خثيمة أمي و أبي الخطاب غير متبعّلة؟

قالوا:بلى.

قال:فإني دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها،فناشدتها أنى لك هذا؟

فقالت:تمتعت.4.

ص: 234


1- -سورة البقرة:230.
2- -سورة النساء:24.

فاعلموا سائر الناس أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد رأيت تحريمها،فمن أبى ضربت جنبيه بالسوط.

فلم يكن في القوم منكر قوله و لا راد عليه و لا قائل:لا يأتي رسول بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو كتاب بعد كتاب اللّه لا نقبل خلافك على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و على كتابه،بل سلموا و رضوا».

قال المفضّل:قلت:يا مولاي فما شرائط المتعة؟

قال:«يا مفضّل لها سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا ظلم نفسه».

قال:قلت:قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغيّة،و لا مشهورة بفساد،و لا مجنونة،و أن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها،و إن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدّة؟فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحلّ،و إن خلت فتقول لها:متعيني على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحا غير سفاح أجلا معلوما بأجرة معلومة،و هي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر،و الأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم و الدنانير أو عرض ترضى به،فإن وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات الذين قال اللّه تعالى فيهنّ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1).

ثم يقول لها:على أن لا ترثيني و لا أرثك،و على أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء،و عليك الاستبراء خمسة و أربعون يوما أو محيضا واحدا،فإذا قالت:نعم،أعدتّ القول ثانية و عقدت النكاح،فإن أحببت و أحبّت هي الاستزادة في الأجل زدتما فيه،فإن كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها و لا جناح عليك.

و قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«لعن اللّه ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلاّ شقي أو شقيّة»لأنه كان يكون للمسلمين غنى للمتعة عن الزنا ثم تلا عليه السّلام: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها4.

ص: 235


1- -سورة النساء:4.

وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (1) ».

ثم قال:«إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفّارة،و إن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها،فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه.

ثم يقوم جدّي علي بن الحسين و أبي الباقر عليهما السّلام فيشكوان إلى جدّهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل بهما،ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل المنصور بي،ثم يقوم ابني موسى عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به الرشيد،ثم يقوم علي بن موسى عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المأمون،ثم يقوم محمد بن علي عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المتوكل،ثم يقوم علي بن محمد عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المتوكل،ثم يقوم الحسن بن علي عليه السّلام فيشكو إلى جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي عليه السّلام سمي جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليه قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مضرّجا بدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم شجّ جبينه و كسرت رباعيته و الملائكة تحفّه حتى يقف بين يدي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا جدّاه وصفتني و دللت عليّ و نسبتني و سميتني و كنيتني فجحدتني الأئمة و تمردت و قالت:ما ولد و لا كان و أين هو و متى كان و أين يكون و قد مات و لم يعقب و لو كان صحيحا ما أخّره اللّه تعالى إلى هذا الوقت المعلوم؟

فصبرت محتسبا و قد أذن اللّه لي فيها بإذنه[يا جدّاه] (2).

فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوء من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.

و يقول:جاء نصر اللّه و الفتح و حق قول اللّه سبحانه و تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (3).3.

ص: 236


1- -سورة البقرة:205.
2- -زيادة عن نسخة أخرى.
3- -سورة التوبة:33.

و يقرأ: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً» (1).

فقال المفضّل:يا مولاي أي ذنب كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

فقال الصادق عليه السّلام:«يا مفضّل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:اللهم حمّلني ذنوب شيعة أخي و أولادي الأوصياء ما تقدم منها و ما تأخر إلى يوم القيامة و لا تفضحني بين الأنبياء و المرسلين من شيعتنا،فحمّله اللّه إياها و غفر جميعها».

قال المفضّل:فبكيت بكاءا طويلا و قلت:يا سيّدي هذا بفضل اللّه علينا فيكم.

فقال:«يا مفضّل ما هو إلاّ أنت و أمثالك،بلى يا مفضّل لا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلمون على هذا الفضل و يتركون العمل،فلا يغني عنهم من اللّه شيئا،لأنا كما قال اللّه تعالى فينا: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» (2).

قال المفضّل:يا مولاي فقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (3)ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ظهر على الدين كله؟

قال:«يا مفضّل لو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية و لا يهودية و لا صابئة و لا فرقة و لا خلاف و لا شك و لا شرك و لا عبدة أصنام و لا أوثان و لا اللات و العزى و لا عبدة الشمس و القمر و لا النجوم و لا النار و لا الحجارة.

و إنّما قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة،و هو قوله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (4)».

قال المفضّل:أشهد أنكم من علم اللّه علمتم و بقدرته قدرتم و بحكمه نطقتم و بأمره تعملون.3.

ص: 237


1- -سورة الفتح:1-3.
2- -سورة الأنبياء:28.
3- -سورة التوبة:33.
4- -سورة البقرة:193.

ثم قال الصادق عليه السّلام:«ثم يعود المهدي عليه السّلام إلى الكوفة و تمطر السماء بها جرادا من ذهب كما أمطرها اللّه في بني إسرائيل على أيوب عليه السّلام،و يقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها و لجينها و جوهرها».

قال المفضّل:يا مولاي من مات من شيعتكم و عليه دين لإخوانه و أضداده،فكيف يكون؟

قال الصادق عليه السّلام:«أول ما يبتدىء المهدي عليه السّلام أن ينادي في جميع العالم:ألا من له عند أحد من شيعتنا دين،فيذكره حتى يرد الثومة و الخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الأملاك،فيوفيه إياه».

قال المفضّل:يا مولاي ثم ماذا يكون؟

قال:«يأتي القائم عليه السّلام بعد أن يطأ شرق الأرض و غربها الكوفة و مسجدها،و يهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنهما اللّه لمّا قتل الحسين بن علي عليه السّلام،و مسجد ليس للّه ملعون ملعون من بناه».

قال المفضّل:يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السّلام؟

فقال عليه السّلام:«قال اللّه عزّ و جلّ: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ (1)فأمّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها مادامت السموات و الأرض إلاّ ما شاء ربّك إن ربك فعّال لما يريد،و أمّا الذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض إلاّ ما شاء ربّك إن ربك عطاء غير مجذوذ،و المجذوذ:المقطوع،أي عطاء غير مقطوع عنهم بل هو دائم أبدا و ملك لا ينفذ و حكم لا ينقطع و أمر لا يبطل،إلاّ باختيار اللّه و مشيئته و ارادته التي لا يعلمها إلاّ هو.

ثم القيامة و ما وصفه اللّه عزّ و جلّ في كتابه،و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على خير خلقه محمد النبي و آله الطيبين الطاهرين» (2).

أقول:روى الشيخ حسن بن سلمان في كتاب منتخب البصائر هذا الخبر هكذا:3.

ص: 238


1- -سورة هود:105.
2- -البحار:34/53.

[310] حدثني الأخ الصالح الرشيد محمد بن إبراهيم بن محسن المطارابادي:أنه وجد بخط أبيه الرجل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره،و أراني خطه و كتبته منه و صورته:

الحسين بن حمدان و ساق الحديث كما مرّ إلى قوله:

«لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب،بأيديهم الحراب يتعاوون شوقا إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب،أميرهم رجل من تميم يقال له:شعيب بن صالح،فيقبل الحسني فيهم وجهه كدائرة القمر يروع الناس جمالا،فيبقى على أثر الظلمة فيأخذ سيفه الصغير و الكبير و الوضيع و العظيم ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة و قد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلا،ثم يتصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السّلام فيقولون له:

يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا الذي نزل بساحتنا؟

فيقول الحسين:اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو و ما يريد؟

و هو يعلم و اللّه أنه المهدي عليه السّلام و أنه لم يرد بذلك الأمر إلاّ اللّه،فيخرج الحسني و بين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف و عليهم المسوح متقلدين بسيوفهم،فيقبل الحسني حتى ينزل بقرب المهدي عليه السّلام فيقول:سائلوا عن هذا الرجل من هو و ماذا يريد؟

فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي فيقول:أيها العسكر الجائل من أنتم حيّاكم اللّه و من صاحبكم هذا و ماذا يريد؟

فيقول أصحاب المهدي عليه السّلام:هذا مهدي آل محمد عليه السّلام و نحن أنصاره من الجنّ و الإنس و الملائكة.

ثم يقول الحسني:خلوا بيني و بين هذا.

فيخرج إليه المهدي عليه السّلام فيقفان بين العسكريين فيقول الحسني:إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

يعني عصاه و خاتمه و بردته و درعه الفاضل و عمامته السحاب و فرسه و ناقته العضباء و بغلته الدلدل و حماره يعفور و نجيبه البراق و تاجه و المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السّلام بغير تغيير و لا تبديل.

ص: 239

فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه».

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أنه كان كله في السفط،و تركات جميع النبيين،حتى عصى آدم و نوح عليهما السّلام،و تركة هود و صالح عليهما السّلام،و مجموع إبراهيم عليه السّلام،و صاع يوسف،و مكيال شعيب و ميزانه،و عصا موسى و تابوته الذي فيه بقيّة ما ترك آل موسى و آل هارون تحمله الملائكة،و درع داود و خاتمه،و خاتم سليمان و تاجه،و رحل عيسى و ميراث النبيين و المرسلين عليهم السّلام في ذلك السفط.

و عند ذلك يقول الحسني:يابن رسول اللّه أسألك أن تغرز هراوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا الحجر الصلد و تسأل اللّه أن ينبتها فيه.

و لا يريد بذلك إلاّ أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السّلام حتى يطيعوه و يبايعوه.

و يأخذ المهدي الهراوة فيغرزها فتنبت فتعلو و تفرع و تورق،حتى تظل عسكر الحسني.

فيقول الحسني:اللّه أكبر يابن رسول اللّه،مدّ يدك حتى أبايعك.

فيبايعه الحسني و سائر عسكره إلاّ أربعة آلاف من أصحاب المصاحف و المسوح الشعر المعروفون بالزيدية،فإنّهم يقولون:ما هذا إلاّ سحر عظيم».

ثم ساق الحديث إلى قوله:«إن أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه»نحوا ممّا مرّ و لم يذكر بعده شيئا (1).

فائدة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف:

أمّا تاريخ الولادة،فهو خلاف المشهور كما عرفت،و أمّا سرّ من رأى فالمشهور أنه بناها المعتصم و لعل المتوكل أتم بناءها و تعميرها،فلهذا نسبت إليه.

و في القاموس:سرّ من رأى:بضم(السين)و(الراء)،أي سرور،و بفتحهما و بفتح الأول و ضم الثاني و سامرا،و مدّه البحتري في الشعر و كلاهما لحن،و ساء من رأى بلد لمّا شرع في بنائه المعتصم،ثقل ذلك على عسكره،فلمّا انتقل بهم إليها سرّ كل منهم برؤيتها فلزمها هذا

ص: 240


1- -البحار:35/53،و مجمع النورين:322.

الاسم.

و قوله:«بغير سنّة القائم»يعني:أن الحسني كيف يظهر قبل القائم عليه السّلام بغير سنته؟

فأجاب عليه السّلام:«أن ظهوره بعد القائم عليه السّلام إذ كل بيعة قبله ضلالة».

و قوله عليه السّلام:«فها أنا ذا آدم»يعني:في فضله و أخلاقه الذي استحق المتابعة بها،و شحب لونه ككرم تغيّر.

أمّا قوله عليه السّلام:«يلزمهما إياه»فالعلة و السبب فيما تأخر عنهما من الذنوب و الآثام ظاهر،لأنهما السبب فيه،و ذلك أن غصب الخلافة عن أهلها سبب لاستيلاء أهل الجور و الظلم من بني أمية و غيرهم إلى يوم القيامة،و لو كان الإمام مبسوط اليد لرفع الظلم و نشر العدل و شاع العلم و ارتفع الجهل،فهما اللذان أسسا أساس الظلم و الفساد و من جاء بعدهم بنى عليه.

و أني كلما أشكل عليّ حكم من أحكام الشريعة أو مسألة من مسائل الخلاف ألزمت نفسي لعنهما و البراءة منهما،لأنهما العلة و السبب في استتار الإمام عليه السّلام و غيبته،و لو كان ظاهرا لرجعت إليه في كل ما لا أعلم.

و أمّا ما تقدم عليهما من ذنوب من سببهما من أهل الظلم و الجور مع الأنبياء و غيرهم،ففيه وجوه:

الأول:

أنهما كانا راضيين بتلك الأفعال،و لهذا اقتديا بهم واتيا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته مثل أفعال الفراعنة و غيرهم بالنسبة إلى الأنبياء و الأولياء،و من رضي بفعل من الأفعال كان شريكا لصاحبه في العقاب كما يكون شريكه في الثواب،و في الآيات دلالة عليه و ذلك أن اللّه سبحانه نسب أفعال اليهود إلى أبنائهم و ذمهم عليها،و أمّا الأخبار الدالة على هذا من طريقنا و طريق العامة فهي أكثر من أن تحصى،و قد سبق أنه جاء في الحديث أنه:لو قتل رجل بالمشرق فرضي به من في المغرب كان شريكا له في الإثم.

الوجه الثاني:

قاله شيخنا المحدّث سلّمه اللّه تعالى من أنه:لا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخل لأفعال تلك الأمور عن الأشقياء السالفين،كما أن الأرواح المقدّسة من النبي و أهل بيته عليهم السّلام لها

ص: 241

مدخل في أفعال الخير السابقة مع الأنبياء و غيرهم،كما روى مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله:«أنا الذي أنجيت نوحا من الغرق و كنت معه في السفينة،و أنجيت إبراهيم من نار النمرود،و أنجيت يوسف من الجبّ».الحديث.

فأرواحهم الخبيثة كانت تأتي إلى أشباحهم في القوالب المثاليه،أو وحدها بناء على ما هو الأصحّ من عدم تجرّد النفوس و تزيّن لهم تلك الأفعال القبيحة فهم شركاء هم فيها.

الوجه الثالث:

يمكن أن يراد أنه يلزمهم مثل فعالهم و مثل العقاب المترتب عليها لعظم ذنوبهم كما قال عليه السّلام:«لا تنظر إلى صغر معصيتك،و لكن انظر إلى من عصيت».

و شتان بين من آذى محمد صلّى اللّه عليه و آله في نفسه و أهل بيته،و بين من آذى غيره من الأنبياء و غيرهم.

الوجه الرابع:

أنه يجوز أن يكون اللّه سبحانه أسمعهما على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و آله:أن من غصب حق أمير المؤمنين و فاطمة و أولادهما صلوات اللّه عليهم استحق أن يشارك من تقدم من أهل الذنوب و المعاصي،فإذا فعلا بعد أن سمعا استحقّا ما يلزمهما به عليه السّلام فهو من باب العدل و لا ظلم ههنا.

و أمّا قوله:«فمنهم شقي و سعيد»إلى آخره،فالذي صار إليه صاحب بحار الأنوار أيّده اللّه تعالى هو أنه عليه السّلام فسّر قوله تعالى: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ بزمان الرجعة،بأن يكون المراد الجنّة و النار ما يصيب الأشقياء و السعداء في عصره عليه السّلام من النكال و النعيم،فهما مقيمون على هذين الحالين دائما،إلاّ أن يشاء اللّه سبحانه أن ينقلهم إلى حالة أخرى و هي يوم القيامة،و يرشد إليه قوله عليه السّلام:«ثم القيامة»فالقيامتان الصغرى و الكبرى مذكورتان في الآية و في قوله:«غير مقطوع عنهم»دلالة عليه،إذ المراد به حال الشيعة في عصر القائم عليه السّلام.

و أمّا تحريمه المتعة بسبب أخته عفراء و أنها تمتعت و أتت له بالولد،ففيه مكر و حيلة و تمويه،و ذلك أن أخته لمّا لم يكن لها بعل-و الظاهر أنها جاءت به من الجيران-اعتذرت بالتمتع،لأنه من أظهر الأعذار،و عمر أراد أن يستر على أخته حتى لا تفتضح بالزنا،فمن ثم أخذ الولد معه إلى المسجد و أظهر عذرها و أنها جاءت به من التمتع،و هذا تمويه لأنها لو كانت

ص: 242

صادقة لأظهرت أباه و أنها بمن تمتعت حفظا على الأنساب،فهو بهذه الحيلة أراد تحريم ما حلله اللّه،لأنه من شعار الجاهلية،فوقع عليه و أراد ابداء عذر أخته و تبعيدها عن الزنا،فصدّقه عليه من لا يعرف حيلته و غدره في دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و إلاّ فهو كان عالما بأن الذي جاءت به أخته كالذي أتت به أمّه،لأن العامة ذكروا أن من جملة من تولد من الزنا عمر بن الخطاب،و لكنه لا ينافي استحقاق الخلافة بزعمهم،و لذا وضعوا الحديث و هو قوله:«صل خلف كل برّ و فاجر»،و ما اشتهر بين الناس من قولهم:الولد الحلال يشبه الخال.فلا تخصيص فيه لأن الولد الحرام هنا أشبه الخال.

و لو تلونا عليك ما وقع في نسبه الشريف من القوادح،لتحيرت في الكشف عنه و في تصحيحه.

ص: 243

الفصل الثامن

في الرجعة و كيفيتها

[311] مختصر بصائر الدرجات:مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أول من تنشق الأرض عنه و يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السّلام و أن الرجعة ليست بعامة و هي خاصة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا» (1).

[312] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«أن رسول اللّه و عليا صلوات اللّه عليهما سيرجعان» (2).

[313] [و عنه أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ] (3).

قال:«ما من أحد من المؤمنين قتل إلاّ سيرجع حتى يموت و لا أحد من المؤمنين مات إلاّ سيرجع حتى يقتل».

[314] و قال عليه السّلام:«كأني بحمدان بن أعين و ميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا و المروة» (4).

[315] و عنه عليه السّلام و تلا هذه الآية: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الآية.

قال:«ليؤمنن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لينصرنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام».

قال:«نعم و اللّه من لدن آدم عليه السّلام فهلمّ جرّا،فلم يبعث اللّه نبيّا و لا رسولا إلاّ ردّ

ص: 244


1- -مختصر بصائر الدرجات:24،و البحار:39/53 ح 1.
2- -مختصر البصائر:24،و البحار:39/53 ح 2.
3- -زيادة عن نسخة أخرى.
4- -البحار:40/53 ح 5،و ميزان الحكمة:1038/2.

جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام» (1).

[316] و عنه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ (2).

«يعني بذلك محمدا صلّى اللّه عليه و آله و قيامه في الرجعة ينذر فيها» (3).

[317] و في قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ (4)في الرجعة.

[318] و عنه عليه السّلام قال:«إن إبليس قال:انظرني إلى يوم يبعثون فأبى اللّه ذلك عليه فقال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (5)و هي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السّلام».

فقلت:و أنها لكرّات؟

قال:«نعم،إنها لكرّات و كرّات،ما من إمام في قرن إلاّ و يكرّ معه البرّ و الفاجر في دهره حتى يديل اللّه المؤمن من الكافر،فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه السّلام في أصحابه و جاء إبليس في أصحابه،و يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها:الروحا قريب من كوفتكم،فيقتلون قتالا لم يقتل مثله منذ خلق اللّه عزّ و جلّ العالمين،فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين عليه السّلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم،و كأني أنظر إليهم و قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات،فعند ذلك يهبط الجبار عزّ و جلّ في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمامه بيده حربة من نور،فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقري ناكصا على عقبيه فيقول أصحابه:أين تريد و قد ظفرت.

فيقول:إني أرى ما لا ترون،إني أخاف اللّه ربّ العالمين.

فيلحقه النبي صلّى اللّه عليه و آله فيطعنة طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه و هلاك جميع أشياعه،فعند8.

ص: 245


1- -مختصر بصائر الدرجات:26،و مدينة المعاجز:100/3.
2- -سورة المدثر:1-2.
3- -مختصر بصائر الدرجات:17،و البحار:244/9.
4- -سورة سبأ:28.
5- -سورة الحجر:37-38.

ذلك يعبد اللّه عزّ و جلّ و لا يشرك به شيئا،و يملك أمير المؤمنين عليه السّلام أربعا و أربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي عليه السّلام ألف ولد من صلبه ذكرا في كل سنة ذكرا،و عند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاء اللّه» (1).

أقول:هبوط الجبار:كناية عن نزول آيات عذابه.

[319] و عن الرضا عليه السّلام:«إن الآية هكذا نزلت(إلاّ أن يأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام) (2)» (3).

و من ثم قيل:إن(الواو)هنا في قوله:(و الملائكة)من زيادات النسّاخ سهوا،أو نظرا إلى تلاوة الآية (4).

[320] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السّلام فأما يوم القيامة،فإنما هو بعث إلى الجنة و بعث إلى النار».

أقول:لعل المراد أن الحسين عليه السّلام يحاسب الناس في الرجعة على ما أتيا إليه و إلى أصحابه و أهل بيته و شيعته و أعقابهم،فإن من الناس من حضر واقعة الطفوف و منهم من كان حيّا لم يحضر،لكنه سمع و رضي،و أمّا ذراريهم ممّن وجد و سيوجد إلى يوم القيامة فقد مضى أنه عليه السّلام يعذبهم بفعال آبائهم،لأنهم رضوا به،و منهم من منعه النصرة مع التمكن منها فهو عليه السّلام يحاسبهم كلهم و يعذبهم هو و أهل بيته و شيعته،بأن يقتلوهم ثم يحييهم اللّه تعالى كما تقدم،فيكون هذا العذاب شفاء للغيظ.

و أمّا يوم القيامة فلا حاجة بهم إلى الحساب،بل اذا حشروا بعثوا إلى النار،كما أن شيعته عليه السّلام ممّن حضر الواقعة و نظراءهم ممّن لم يحضرها يبعثون إلى الجنّة من غير حساب (5).7.

ص: 246


1- -مدينة المعاجز:101/3،و البحار:42/53.
2- -و في المصحف:(إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام)سورة البقرة:210.
3- -البحار:319/3.
4- -بحار الأنوار:319/3.
5- -معجم أحاديث المهدي:90/4،و بصائر الدرجات:27.

[321] روى أن أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بكربلاء أخذ ترابا منها فشمّه و قال:«[إيها] (1)لك أيتها التربة يحشر منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب» (2).

[322] و عن أبي جعفر عليه السّلام يقول لحمدان:«أول من يرجع لجاركم الحسين عليه السّلام فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر» (3).

[323] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ .

قال:«يكسرون في الكرّة كما يكسر الذهب،حتى يرجع كل شيء إلى شبهه».يعني إلى حقيقته (4).

أقول:قوله عليه السّلام:«يكسرون في الكرّة»يجوز أن يكون إشارة إلى ما تقدم من الابتلاء و التمحيص حتى يرجع من رجع و يثبت على الدين من يثبت،و يجوز أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار من حكاية المزج بين الطينتين،و أن ماء كل طينة سرت إلى الطينة الأخرى فبالرجعة تتميز الطينتان،أمّا من رجع بعد الموت فتمييزه بعزل الطينتين حقيقة،و أمّا من قامت عليه القيامة الصغرى و هو في الحياة فتمييزه يرجع إلى الوجه الأول.

[324] و عن سليمان الديلمي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً .

فقال:«الأنبياء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إبراهيم و إسماعيل و ذريته عليه السّلام و الملوك الأئمة عليهم السّلام».

قال:فقلت:و أي ملك اعطيتم؟

فقال:«ملك الجنّة و ملك الكرّة» (5).8.

ص: 247


1- -في المصدر:واها.
2- -البحار:419/32.
3- -البحار:56/51،و معجم أحاديث المهدي:219/5.
4- -مختصر بصائر الدرجات:28،و البحار:44/53 ح 15.
5- -البحار:46/53 ح 18.

[325] و عنه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (1).

قال:«نبيكم صلّى اللّه عليه و آله راجع اليكم» (2).

اقول:ورد أن هذه الآية تقرأ في إذن المسافر ليرجع إلى أهله.

[326] و من ذلك الكتاب:مسندا إلى عاصم بن حميد عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى أحد واحد،تفرّد في وحدانيته،ثم تكلم بكلمة فصارت نورا،ثم خلق من ذلك النور محمدا صلّى اللّه عليه و آله و خلقني و ذريتي،ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه اللّه في ذلك النور و أسكنه في أبداننا،فنحن روح اللّه و كلماته،فبنا احتجّ على خلقه فما زلنا في[ظلة خضراء] (3)لا شمس و لا قمر و لا ليل و لا نهار و لا عين تطرف،نعبده و نقدّسه و نسبّحه و ذلك قبل أن يخلق الخلق،و أخذ ميثاق الأنبياء بالأيمان و النصر لنا،و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (4)يعني لتؤمننّ بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و لتنصرنّ وصيه عليه السّلام،و سينصرونه جميعا.

و أن اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلّى اللّه عليه و آله بالنصرة بعضنا لبعض،فقد نصرت محمدا صلّى اللّه عليه و آله و جاهدت بين يديه و قتلت عدوّه و وفيت للّه بما أخذ عليّ من الميثاق و العهد و النصرة لمحمد صلّى اللّه عليه و آله،و لم ينصرني أحد من أنبياء اللّه و رسله و ذلك لمّا قبضهم اللّه إليه، و سوف ينصروني و يكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها،و ليبعثهم اللّه أحياء من آدم عليه السّلام إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله،كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات و الأحياء و الثقلين جميعا،فيا عجبا و كيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء،يلبّون زمرة زمرة بالتلبية:

لبيك لبيك يا داعي اللّه،قد تخللوا سكك الكوفة،قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة و جبابرتهم و أتباعهم من جبابرة الأولين و الآخرين حتى ينجز اللّه ما1.

ص: 248


1- -سورة القصص:85.
2- -مختصر البصائر:29،و البحار:46/53 ح 19.
3- -ظاهر المخطوط:ظلمة و ما أثبتناه من المصدر.
4- -سورة آل عمران:81.

و عدهم في قوله عزّ و جلّ: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (1).

أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادي ليس عندهم تقية،و أن لي الكرّة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة،و أنا صاحب الرجعات و الكرّات،و صاحب الصولات و النقمات و الدولات العجيبات،و أنا قرن من حديد،و أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أنا أمين اللّه،و خازنه،و عيبة سرّه،و حجابه،و وجهه،و صراطه،و ميزانه،و أنا الحاشر إلى اللّه، و أنا كلمة اللّه التي يجمع بها المفترق و يفرّق بها المجتمع،و أنا أسماء اللّه الحسنى و أمثاله العليا و آياته الكبرى،و أنا صاحب الجنّة و النار أسكّن أهل الجنّة الجنّة و أسكّن أهل النار النار،و إليّ تزويج أهل الجنّة،و إليّ عذاب أهل النار،و إليّ إيّاب الخلق جميعا.

و أنا الإياب الذي يؤب إليه كل شيء،و أنا صاحب الهناة،و أنا المؤذن على الأعراف،و أنا دابة الأرض،و أنا قسيم النار،و أنا خازن الجنان،و أنا أمير المؤمنين،و يعسوب المتقين،و آية السابقين،و لسان الناطقين،و خاتم الوصيين،و وارث النبيين،و خليفة ربّ العالمين،و صراط ربّي المستقيم،و فسطاطه،و الحجة على أهل السموات و الأرضين و ما فيهما و ما بينهما،و أنا الذي احتجّ اللّه به عليكم في ابتداء الخلق،و أنا الشاهد يوم الدين،و أنا الذي علّمت علم المنايا و البلايا و القضايا و فصل الخطاب و الأنساب،و استحفظت آيات النبيين المستحفظين،و أنا صاحب العصا و الميسم،و أنا الذي سخرت لي السحاب و الرعد و البرق و الظلم و الأنوار و الرياح و الجبال و البحار و النجوم و الشمس و القمر،و أنا فاروق الأمة،و أنا الهادي،و أنا الذي أحصيت كل شيء عددا بعلم اللّه الذي أودعنيه،و بسرّه الذي أسرّه إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله،و أسرّه النبي صلّى اللّه عليه و آله إليّ،و أنا الذي أنحلني ربّي اسمه و كلمته و حكمته و علمه و فهمه.

يا معشر الناس:اسألوني قبل أن تفقدوني،اللهم إنّي أشهدك و أستعديك عليهم،و لا5.

ص: 249


1- -سورة النور:55.

حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم و الحمد للّه متّبعين أمره» (1).

أقول:قرن الحديد:الحصن.

[327] أمالي الصدوق:باسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تضعوا علي بن أبي طالب دون ما وضعه اللّه و لا ترفعوا عليّا فوق ما رفعه اللّه،كفى بعلي عليه السّلام أن يقاتل أهل الكرّة و أن يزوج أهل الجنّة» (2).

أقول:الذي وضعه عن درجته هم الخوارج و المخالفون،فإن الخوارج حكموا بكفره حتى أنه روي أن المراد بالإنسان في قوله عزّ و جلّ: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ علي بن أبي طالب عليه السّلام يعني ما الذي صار سببا في كفره حتى جوّزوا قتله و حكموا به،و أمّا المخالفون فأخّروه عن درجته إلى الدرجة الرابعة و قالوا:إنه رابع الخلفاء.مع أنه لا خليفة إلاّ هو و أولاده الأئمة المعصومين عليهم السّلام،و الذي رفعه فوق ما رفعه اللّه لهم:الغلاة و من قاربهم في المقالات، و هم فرق متعددة و منهم الغرابية كانوا يقولون:إن محمدا يشبه عليّا مشابهة الغراب للغراب، فأرسل اللّه تعالى الأمين جبرائيل عليه السّلام بالرسالة و الوحي إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فغلط و جعلها في محمد صلّى اللّه عليه و آله،فمن ثم كانوا يطعنون على الأمين جبرائيل عليه السّلام في التبليغ و يقولون:إنه خان الوحي و أدى الرسالة إلى غير من هي له.

[328] و روى علي بن إبراهيم:مسندا عن شهر بن حوشب قال:قال لي الحجاج:يا شهر آية في كتاب اللّه قد أعيتني.

فقلت:أيها الأمير أي آية هي؟

فقال:قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (3)و اللّه إني لآمر باليهودي و النصراني فتضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفيته حتى يخمد.

فقلت:أصلح اللّه الأمير ليس على ما تأولت.

قال:كيف هو؟9.

ص: 250


1- -مختصر بصائر الدرجات:33،البحار:10/15.
2- -بصائر الدرجات:435،و أمالي الصدوق:284 ح 314.
3- -سورة النساء:159.

قلت:إن عيسى عليه السّلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي و لا غيره إلاّ آمن به قبل موته و يصلي خلف المهدي عليه السّلام.

قال:و يحك أنى لك هذا؟و من أين جئت به؟

فقلت:حدّثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام.

فقال:جئت و اللّه بها من عين صافية (1).

[329] و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه سبحانه: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (2).

قال:«هي و اللّه للنصاب».

قال معاوية بن عمار:جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا.

قال:«ذاك و اللّه في الرجعة يأكلون العذرة» (3).

[330] و فيه:عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (4).

قالا:«كل قرية أهلك اللّه أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة[فهذه الآية من أعظم الدلالات في الرجعة،لأن أحدا من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون] (5)إلى القيامة من هلك و من لم يهلك،فقوله: لا يَرْجِعُونَ عنى في الرجعة،فأمّا إلى القيامة،فهم يرجعون حتى يدخلوا النار» (6).

[331] و فيه:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو نائم في المسجد قد جمع رملا و وضع رأسه عليه،فحرّكه برجله ثم قال:قم يا دابة اللّه.

فقال رجل من أصحابه:يا رسول اللّه أ نسمّي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟1.

ص: 251


1- -البحار:195/9 ح 45،و مستدرك سفينة البحار:398/2.
2- -سورة طه:124.
3- -البحار:51/53،و مستدرك سفينة البحار:83/4.
4- -سورة الأنبياء 95.
5- -زيادة عن نسخة أخرى.
6- -البحار:52/53،و تفسير القمي:25/1.

فقال:لا و اللّه ما هو إلاّ له خاصة،و هو الدابة التي ذكر اللّه في كتابه: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (1).

ثم قال:يا علي إذا كان اخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة،و معك ميسم تسم به أعداءك».

فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إن العامة يقولون هذه الدابة تكلمهم.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«كلمهم اللّه في نار جهنم،إنما هو يكلمهم من الكلام،و الدليل على أن هذا في الرجعة قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2).

قال:«الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السّلام».

فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إن العامة تزعم أن قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً عنى في القيامة.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أفيحشر اللّه يوم القيامة من كل أمّة فوجا و يدع الباقين؟لا و لكنه في الرجعة،و أمّا آية القيامة فهي: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (3)».

[332] و قال عليه السّلام:«قال رجل لعمار بن ياسر:يا أبا اليقظان آية في كتاب اللّه قد أفسدت قلبي و شككتني.

قال عمار:و أية آية هي؟

قال:قول اللّه: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ فأي دابة هذه؟

قال عمار:و اللّه ما أجلس و لا آكل و لا أشرب حتى أريكها.

فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يأكل تمرا و زبدا فقال:يا أبا اليقظان هلمّ.9.

ص: 252


1- -سورة النمل:82.
2- -سورة فصّلت:19-20.
3- -كتاب سليم بن قيس:130،و البحار:243/39.

فجلس عمار و أقبل يأكل معه،فتعجب الرجل منه فلمّا قام عمار قال له الرجل:سبحان اللّه يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل و لا تشرب و لا تجلس حتى ترينيها.

قال عمار:قد أريتكها إن كنت تعقل» (1).

[333] و قال الثقة علي بن إبراهيم في قوله: وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ يعني أمير المؤمنين و الأئمة صلوات اللّه عليهم في الرجعة فإذا رأوهم قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ أي جحدنا بما أشركناهم فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (2).

أقول:في هذا إشارة إلى وجه آخر غير ما قدّمناه للجمع بين الأخبار و الآيات التي ظاهرها متعارض في أنه عليه السّلام لا يقبل الإيمان،فمن لم يؤمن قبل خروجه كما روي في قوله تعالى:

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (3) و بين ما روي من أنه يؤمن الكفّار من أهل الكتاب و غيرهم و لا يقبل منهم إلاّ الإسلام و الإيمان،حاصل وجه الجمع أنه عليه السّلام لا يقبل الإيمان الفرعوني الذي أتى به حين الغرق،مثل بنو أمية و نظرائهم من أهل النصب و العناد،و إذا آمنوا عند حصول البأس و رؤية العذاب لا يقبل إيمانهم،لأنه إيمان لساني حصل عند حصول البأس و يقبله من غيرهم (4).

[334] الخرائج:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لي:يا بني إنك ستساق إلى العراق،و هي أرض قد التقى فيها النبيون و أوصياء النبيين و هي أرض تدعى عمورا،و إنك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد،و تلا: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (5)تكون الحرب بردا عليك و عليهم.9.

ص: 253


1- -البحار:285/26،و مدينة المعاجز:92/3.
2- -سورة غافر:85.
3- -سورة الأنعام:158.
4- -البحار:56/53 ح 37،و تفسير القمي:261/2.
5- -سورة الأنبياء:69.

فأبشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا،ثم أمكث ما شاء اللّه فأكون أول من تنشقّ الأرض عنه،فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السّلام و قيام قائمنا عليه السّلام و حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثم لينزلنّ عليّ وفد من السماء من عند اللّه لم ينزلوا إلى الأرض قط،و لينزلنّ إليّ جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل عليهم السّلام و جنود من الملائكة،و لينزلنّ محمد و علي صلوات اللّه عليهما و أنا و أخي و جميع من منّ اللّه عليه في حمولات من حمولات الربّ،خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق.

ثم ليهزنّ محمد صلّى اللّه عليه و آله لواءه و ليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه،ثم إنّا نمكث بعد ذلك ما شاء اللّه،ثم إن اللّه يخرج من مسجد الكوفة عينا من ذهب و عينا من ماء و عينا من لبن،ثم إن أمير المؤمنين عليه السّلام يدفع إليّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يبعثني إلى المشرق و المغرب،فلا آتي على عدو إلاّ أهرقت دمه و لا أدع صنما إلاّ أحرقته،حتى أقع إلى الهند فأفتحها.

و أن دانيال و يوشع عليهما السّلام يخرجان إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم،و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم.

ثم لأقتلنّ كل دابة حرّم اللّه لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلاّ الطيب،و أعرض على اليهود و النصارى و سائر الملل،و لأخيرنّهم بين الإسلام و السيف،فمن أسلم مننت عليه و من كره الإسلام أهرق اللّه دمه.

و لا يبقى رجل من شيعتنا إلاّ أنزل اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرفّه أزواجه و منزله في الجنّة،و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلاّ كشف اللّه بلاءه بنا أهل البيت،و لينزلنّ البركة من السماء إلى الأرض حتى أن الشجرة لتنقصف بما يريد اللّه فيها من الثمر،و لتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء،و ذلك قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (1).

ثم إن اللّه ليهب لشيعتنا كرامة،لا يخفى عليهم شيء في الأرض و ما كان فيها،حتى6.

ص: 254


1- -سورة الأعراف:96.

أن الرجل منهم يريد أن يعلم أهل بيته،فيخبرهم بعلم ما يعملون» (1).

[335] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أيام اللّه ثلاثة:يوم يقوم القائم عليه السّلام،و يوم الكرّة،و يوم القيامة» (2).

[336] و قال عليه السّلام:«أول من يكرّ في الرجعة الحسين بن علي عليه السّلام و يمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه» (3).

[337] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«ليس من مؤمن إلاّ و له قتلة و موتة،أنه من قتل نشر-يعني في الرجعة-حتى يموت،و من مات نشر حتى يقتل» (4).

[338] و قال عليه السّلام:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (5).

قال:هو أنا إذا خرجت أنا و شيعتي و خرج عثمان بن عفان و شيعته و نقتل بني أمية،فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين» (6).

[339] و في كتاب مختصر البصائر:نقلا عن كتاب سليم بن قيس الهلالي:بإسناده إلى أبي الطفيل قال:سألت أمير المؤمنين عليه السّلام عن قوله تعالى: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (7).

ما الدابة؟

قال:«يا أبا الطفيل من أخبرك عن هذا؟»2.

ص: 255


1- -الخرائج و الجرائح:850/2 ح 63،و البحار:82/45 ح 6.
2- -روضة الواعظين:392،و البحار:61/7 ح 13.
3- -البحار:64/53 ح 54،و معجم أحاديث المهدي:87/4.
4- -البحار:371/35 ح 15،و معجم أحاديث المهدي:256/5.
5- -سورة الحجر:2.
6- -مختصر بصائر الدرجات:18،و البحار:65/53 ح 56.
7- -سورة النمل:82.

فقلت:يا أمير المؤمنين أخبرني به؟

قال:«هي دابة تأكل الطعام و تمشي في الأسواق و تنكح النساء».

فقلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال:«هو ربّ الأرض الذي تسكن الأرض به».

قلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال عليه السّلام:«صدّيق هذه الأمة و فاروقها و ربّيها و ذو قرنيها».

قلت:يا أمير المؤمنين من هو؟

قال:«الذي قال اللّه تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (1)، وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (2)وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ (3)و الناس كلهم كافرون و غيره.

قلت:يا أمير المؤمنين فسمّه لي؟

قال:«قد سمّيته لك يا أبا الطفيل،و اللّه لو دخلت على عامة شيعتي الذين أقرّوا بطاعتي و سمّوني أمير المؤمنين و استحلوا جهاد من خالفني،فحدثتهم ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرائيل عليه السّلام على محمد صلّى اللّه عليه و آله،لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة من الحق قليل،أنت و أشباهك من شيعتي».

ففزعت و قلت:يا أمير المؤمنين أنا و أشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك؟

قال:«بل تثبتون».

ثم أقبل عليّ،فقال:«إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه و لا يقرّ به إلاّ ثلاثة:ملك مقرّب،أو نبي مرسل،أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللّه قلبه للإيمان،يا أبا الطفيل إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبض فارتدّ الناس ضلالا و جهالا إلاّ من عصمه اللّه بنا أهل البيت عليهم السّلام» (4).

أقول:قوله عليه السّلام:«و ربيّها»بكسر(الراء)إشارة إلى قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ3.

ص: 256


1- -سورة هود:17.
2- -سورة الرعد:43.
3- -سورة الزمر:33.
4- -مختصر البصائر:41،و البحار:70/53.

مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا (1) .

أي:ربانيون علماء أتقياء عابدون لربّهم.

[340] و فيه:عن حبّة العرني قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحيرة فقال:«لتصلنّ هذه بهذه-و أومى بيده إلى الكوفة و الحيرة-حتى يباع الذراع بينهما بدنانير،و ليبنينّ في الحيرة مسجدا له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم،لأن مسجد الكوفة ليضيق منهم،و ليصلينّ فيه اثنا عشر إماما عدلا».

قلت:يا أمير المؤمنين و يسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟

قال:«تبنى له أربع مساجد:مسجد الكوفة أصغرها و هذا و مسجدان في طريق الكوفة من هذا الجانب»و أومى بيده نحو نهر البصرة و الغريين (2).

[341] و فيه:عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:اخبرني عن قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء».

فقال:«يا محمد إذا قام القائم استأنف دعاءا جديدا كما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3).

أقول:حاصله أن الإسلام لمّا بدأ في دعوته صلّى اللّه عليه و آله كان غريبا لقلّة أهله،و إذا أظهر القائم عليه السّلام دعوته يدعو إلى الإسلام و الولاية،و الذين تقوم عليهم هذه الدعوة قليلون.

[342] و قال عليه السّلام:«لمّا التقى أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل البصرة،نشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتزلزلت أقدامهم و طلبوا الأمان فعند ذلك قال:لا تقتلوا أسيرا و لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا،و من ألقى سلاحه فهو آمن و من أغلق بابه فهو آمن،و لمّا كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم،فتحمّلوا عليه بالحسن و الحسين و عمّار بن ياسر فقال للحسن عليه السّلام:يا بني إن للقوم مدّة يبلغونها و أن هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم عليه السّلام و إذا نشرها لم يبق في المشرق و المغرب أحد إلاّ لقيها،و يسير الرعب قدّامها شهرا و عن يمينها8.

ص: 257


1- -سورة آل عمران:146.
2- -تهذيب الأحكام:254/3 ح 19،و البحار:374/52.
3- -كمال الدين:66،و البحار:120/8.

شهرا و عن يسارها شهرا» (1).

[343] الاحتجاج:بإسناده إلى الحسن بن علي عن أبيه عليه السّلام قال:«يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان يؤيده اللّه بملائكته و يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السباع،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين أربعين عاما،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه» (2).

أقول:جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد أيام ملكه عليه السّلام،و جمع بينها بعض مشايخنا من أهل الحديث بأن بعضها محمول على جميع مدّة ملكه،و بعضها على زمان استقرار دولته،و بعضها على حساب ما عندنا من السنين و الشهور،و بعضها على سنينه و شهوره الطويلة،و اللّه يعلم.4.

ص: 258


1- -البحار:367/52.
2- -الإحتجاج:11/2،و البحار:21/44.

[344] العياشي:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لقد تسموا باسم ما سمّى اللّه به أحدا إلاّ علي بن أبي طالب عليه السّلام و ما جاء تأويله».

قلت:جعلت فداك متى يجيء تأويله؟

قال:«إذا جاء،جمع اللّه إمامة النبيين و المؤمنين حتى ينصروه و هو قول اللّه: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ -إلى قوله- وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ (1)فيومئذ يدفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللواء إلى علي بن أبي طالب،فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين،و يكون الخلائق كلهم تحت لوائه و يكون هو أميرهم،فهذا تأويله» (2).

[345] كتاب مختصر البصائر:بإسناده إلى خالد بن يحيى قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبا بكر صديقا؟

فقال:«نعم،إنه حيث كان معه أبو بكر في الغار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إني لأرى سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة.

فقال له أبو بكر:و أنك لتراها؟

قال:نعم.

فقال:يا رسول اللّه تقدر أن ترينيها؟

فقال:ادن مني.

فدنا منه،فمسح يده على عينيه ثم قال له:انظر.

فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر ثم نظر إلى قصور أهل المدينة،فقال في نفسه:الآن صدّقت أنك ساحر.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:صدّيق أنت».

فقلت له:لما سمّى عمر الفاروق؟

قال:«نعم،ألا ترى أنه قد فرّق بين الحق و الباطل و أخذ الناس بالباطل».

فقلت:فلم سمّى سالما الأمين؟8.

ص: 259


1- -سورة آل عمران:18.
2- -تفسير العياشي:181/1،و مدينة المعاجز:69/1 ح 18.

قال:«لمّا كتبوا الكتب و وضعوها على يد سالم فصار الأمين».

فقلت:قال:«اتقوا دعوة سعد».

قال:«نعم».

قلت:و كيف ذلك؟

قال:«إن سعدا يكرّ فيقاتل عليّا عليه السّلام» (1).

[346] و روى الثقة العياشي:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أن أول من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السّلام و أصحابه و يزيد بن معاوية عليه لعائن اللّه و أصحابه،فيقتلهم حذو القذة بالقذة» (2).

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (3)».

[347] تفسير علي بن إبراهيم:بإسناده إلى أبي جعفر عليه السّلام،قال أبو سلمة:سألته عن قول اللّه تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (4).

قال:«نعم نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام،أي ماذا فعل و أذنب حتى قتلوه،ثم نسب أمير المؤمنين عليه السّلام فنسب خلقه و ما أكرمه اللّه به فقال: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يقول:من طينة الأنبياء عليهم السّلام خلقه فَقَدَّرَهُ للخير ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ يعني سبيل الهدى ثُمَّ أَماتَهُ ميتة الأنبياء عليهم السّلام ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (5)قال:«يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما أمره» (6).

[348] و في كتاب المختصر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سئل عن الرجعة:أ حق هي؟

قال:«نعم».6.

ص: 260


1- -مختصر البصائر:30،و البحار:617/31 ح 91.
2- -تفسير العياشي:282/2 ح 23،و البحار:76/53.
3- -سورة الإسراء:6.
4- -سورة عبس:17.
5- -سورة عبس:22.
6- -تفسير القمي:406/2،و البحار:174/36.

فقيل له:من أول من يخرج؟

قال:«الحسين عليه السّلام يخرج على أثر القائم عليه السّلام».

قلت:و معه الناس كلهم؟

قال:«لا،بل كما ذكر اللّه تعالى في كتابه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (1)قوم بعد قوم» (2).

[349] و عنه عليه السّلام:«و يقبل الحسين عليه السّلام في أصحابه الذين قتلوا معه و معه سبعون نبيّا كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السّلام فيدفع إليه القائم عليه السّلام الخاتم،فيكون الحسين عليه السّلام هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و يواريه في حفرته» (3).

[350] و عن جابر الجعفي قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«و اللّه ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا».

قلت:متى يكون ذلك؟

قال:«بعد القائم عليه السّلام».

قلت:و كم يقوم القائم عليه السّلام في عالمه؟

قال:«تسع عشرة سنة،ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا و هو الحسين عليه السّلام فيطلب بدمه و دم أصحابه،فيقتل و يسبي حتى يخرج السفاح[و هو أمير المؤمنين عليه السّلام] (4)» (5).

[351] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر اللّه مقداره في القرآن: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (6).

«و هي كرّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة،و يملك أمير4.

ص: 261


1- -سورة النبأ:18.
2- -مختصر البصائر:48،و البحار:103/53.
3- -معجم أحاديث المهدي:89/4.
4- -زيادة عن نسخة أخرى.
5- -مختصر البصائر:39،و البحار:100/53 ح 121.
6- -سورة المعارج:4.

المؤمنين عليه السّلام في كرّته أربعا و أربعين سنة» (1).

[352] و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا ظهر القائم عليه السّلام و دخل الكوفة بعث اللّه تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق فيكونون في أصحابه و أنصاره» (2).

[353] كامل الزيارات:بإسناده إلى بريد العجلي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يابن رسول اللّه أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حين يقول: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (3)أكان إسماعيل بن إبراهيم؟

قال:«لا،بل هو إسماعيل بن حزقيل النبي،بعثه اللّه إلى قومه فكذبوه و قتلوه و سلخوا فروة وجهه،فغضب اللّه عليهم فوجّه إليه اسطاطائيل ملك العذاب،فقال له:يا إسماعيل إني اسطاطائيل ملك العذاب وجّهني ربّ العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت.

فقال له إسماعيل:لا حاجة لي في ذلك يا اسطاطائيل.

فأوحى اللّه إليه:و ما حاجتك يا إسماعيل؟

فقال إسماعيل:يا ربّ إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية و لمحمد بالنبوة و لأوصيائه بالولاية،و أخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين عليه السّلام من بعد نبيّها،و أنك وعدت الحسين عليه السّلام أن تكرّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك،فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي كما تكرّ الحسين عليه السّلام (4).

فوعد اللّه إسماعيل بن حزقيل ذلك،فهو يكرّ مع الحسين عليه السّلام».

[354] و فيه:مسندا إلى حريز قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق اليكم؟

فقال:«إن لكل واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته،فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أن أجله قد حضر،و أتاه النبي صلّى اللّه عليه و آله ينعى إليه نفسه و أخبره بما له3.

ص: 262


1- -مختصر البصائر:49،و البحار:104/53.
2- -البحار:39/53،و معجم أحاديث المهدي:324/3.
3- -سورة مريم:84.
4- -مختصر البصائر:177،و البحار:391/13.

عند اللّه،و أن الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى،و بقي منها أشياء لم تنقض،فخرج إلى القتال فكانت تلك الأمور التي بقيت:أن الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال و تأهبت لذلك حتى قتل،فنزلت و قد انقطعت مدته و قتل عليه السّلام فقالت الملائكة:يا ربّ أذنت لنا في الانحدار و أذنت لنا في نصرته فانحدرنا و قد قبضته؟

فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهم:أن الزموا قبّته حتى ترونه قد خرج،فانصروه و أبكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته،و أنكم خصصتم بنصرته و البكاء عليه.

فبكت الملائكة حزنا و جزعا على ما فاتهم من نصرته،فإذا خرج عليه السّلام يكونون أنصاره» (1).

[355] تأويل الآيات:بإسناده إلى سليمان بن خالد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ (2).

قال:«الراجفة:الحسين بن علي عليه السّلام،و الرادفة:علي بن أبي طالب عليه السّلام،و أول من ينفض من رأسه التراب الحسين بن علي عليه السّلام و معه خمسة و سبعين ألفا،و هو قوله تعالى: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ (3)» (4).

[356] و عن عبد اللّه اليماني قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (5).

قال:«النعيم الذي أنعم اللّه به عليكم بمحمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله» (6).2.

ص: 263


1- -شرح أصول الكافي:101/6،و البحار:106/53.
2- -سورة النازعات:6.
3- -سورة الرعد:25.
4- -البحار:106/53،و مختصر البصائر:211.
5- -سورة التكاثر:8.
6- -البحار:56/24،تأويل الآيات:851/2.

[357] و في قوله تعالى: كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (1).

قال:«مرّة بالكرّة و أخرى يوم القيامة» (2).

[358] الخرائج و النجاشي:كانت لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات كثيرة فمنها:

أنه قال له يوما:يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟

قال:نعم.

فقال له:اقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار فإذا عدت أنا و أنت رددتها إليك.

فقال له في الحال:أريد[ضمينا] (3)يضمن لي أنك تعود إنسانا،و أني أخاف أن تعود قردا فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني (4).6.

ص: 264


1- -سورة التكاثر:3.
2- -مختصر البصائر:204،و البحار:107/53 ح 135.
3- -كذا في المخطوط.
4- -رجال النجاشي:326،و البحار:107/53 ح 136.

[359] مختصر البصائر:بإسناده إلى كرام قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لو كان الناس رجلين كان أحدهم الإمام».

و قال:«إن آخر من يموت الإمام عليه السّلام لئلا يحتج أحد على اللّه أنه تركه بغير حجة عليه».

قال:المراد بالإمام هنا الذي هو آخر من يموت الجنس،لأن الحجة تقوم على الخلق بمنذر أو هاد في الجملة،دون المشار إليه صلّى اللّه عليه و آله على ما ورد عنهم صلوات اللّه عليهم فيما تقدم من أن الحسين عليه السّلام هو الذي يغسّل المهدي عليه السّلام و يحكم بعده في الدنيا ما شاء اللّه،و يجب على من يقرّ لآل محمد بالإمامة و فرض الطاعة أن يسلّم إليهم فيما يقولون و لا يردّ شيئا من حديثهم المروي عنهم إذا لم يخالف الكتاب و السنّة (1).

[360] و من كتاب البشارة:للسيد رضي الدين علي بن طاووس:وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران قال:عمر الدنيا مائة ألف سنة،لسائر الناس عشرون ألف سنة،و ثمانون ألف سنة لآل محمد عليهم السّلام (2).

[361] و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«كأني بسرير من نور و قد وضع،و قد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكلله بالجواهر،و كأني بالحسين عليه السّلام جالسا على ذلك السرير و حوله تسعون ألف قبة خضراء،و كأني بالمؤمنين يزورونه و يسلمون عليه،فيقول اللّه عزّ و جلّ لهم:أوليائي سلوني،فطالما أوذيتم و ذللتم و اضطهدتم،فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلاّ قضيتها لكم.

فيكون أكلهم و شربهم من الجنة،فهذه و اللّه الكرامة» (3).

أقول:سؤال حوائج الدنيا يدل على أن هذا في الرجعة،إذ هي لا تسأل في الآخرة.

[362] و روى الحاكم النيشابوري في تاريخه في حديث حسام بن عبد الرحمن عن أبيه3.

ص: 265


1- -مختصر البصائر:211،و الإمامة و التبصرة:16/30.
2- -البحار:116/53،و مستدرك سفينة البحار:375/3.
3- -كامل الزيارات:259،و البحار:116/53.

عن جدّه و كان قاضي نيشابور،دخل عليه رجل،فقيل له:إن عند هذا حديثا عجيبا.

فقال:يا هذا ما هو؟

قال:اعلم أني كنت رجلا نبّاشا أنبش القبور،فماتت امرأة فذهبت لأعرف قبرها فصليت عليها،فلمّا جنّ الليل ذهبت لأنبش عنها و ضربت يدي إلى كفنها لأسلبها، فقالت:سبحان اللّه رجل من أهل الجنّة تسلب امرأة من أهل النار؟

ثم قالت:أ لم تعلم أنك ممّن صليت عليّ؟و أن اللّه عزّ و جلّ قد غفر لمن صلّى عليّ (1).

أقول:إن فيه دلالة على جواز الرجعة،و إن هذه المرأة رجعت إلى الدنيا لغرض لم يهتم به و رجوع القائم عليه السّلام إلى الدنيا و رجوع بعض من مات لأغراض مهمة،فكيف تجوّز العامة ذلك و تنكر هذا؟

و العجب من بين علمائنا حيث يأوّل الرجعة بأن معناها:رجوع الدولة و الأمر و النهي، من دون رجوع الأشخاص و إحياء الأموات،و ذلك أنهم لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة و بيان جوازها و أنها تنافي التكليف عوّلوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة،و هذا منهم غير صحيح،لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويلات إليها،و إنما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها:أن اللّه تعالى يحيي أمواتا عند قيام القائم عليه السّلام من أوليائه و أعدائه على ما بيّناه،فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم.9.

ص: 266


1- -البحار:141/53،و مستدرك سفينة البحار:530/9.

الفصل التاسع

في خلفاء المهدي عليه السلام و ما يكون بعده

و فيما خرج منه من التوقيعات

[363] كمال الدين:بإسناده إلى أبي بصير قال:قلت للصادق عليه السّلام:يا بن رسول اللّه سمعت من أبيك صلوات اللّه عليه أنه قال:«يكون بعد القائم عليه السّلام اثنا عشر مهديّا».

فقال:«إنما قال:اثنا عشر مهديّا و لم يقل:اثنا عشر إماما،و لكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا و معرفة حقنا» (1).

[364] و في حديث آخر عنه عليه السّلام:«إن منّا بعد القائم عليه السّلام أحد عشر مهديّا من ولد الحسين عليه السّلام» (2).

[365] و عن أبي جعفر عليه السّلام:«و اللّه ليمكّن منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا».

قال جابر الجعفي:قلت:متى يكون ذلك؟

قال:«بعد القائم عليه السّلام».

قلت:و كم يقوم القائم في عالمه؟

قال:«تسع عشر سنة،ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السّلام و دماء أصحابه،فيقتل و يسبي حتى يخرج السفاح» (3).

ص: 267


1- -كمال الدين:358 ح 56،و البحار:115/53.
2- -الغيبة:478 ح 504،و البحار:145/53 ح 2.
3- -البحار:100/53 ح 121،و مختصر البصائر:39.

[366] و في حديث آخر:«أن المنتصر الحسين عليه السّلام و السفاح أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه» (1).

[367] الارشاد:ليس بعد القائم عليه السّلام لأحد دولة إلاّ ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء اللّه ذلك،و لم ترد على القطع و الثبات،و أكثر الروايات أنه لا يمضي مهدي الأمة إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج،و علامة خروج الأموات و قيام الساعة للحساب و الجزاء (2).

أقول:هذه الأخبار مخالفة للمشهور و ذكروا في طريق تأويلها أحد وجهين:

الأول:أن يكون المراد بالاثني عشر مهديّا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سائر الأئمة سوى القائم عليه السّلام بأن يكون ملكهم بعد القائم عليه السّلام.

و أوّلها الحسن بن سليمان بجميع الأئمة عليهم السّلام و قال برجعة القائم عليه السّلام أيضا بعد موته.

و به أيضا يمكنه الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدة ملكه عليه السّلام.

و الثاني:أن يكون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم عليه السّلام هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا،لئلا يخلو الزمان من حجة،و إن كان أوصياء الأنبياء و الأئمة أيضا حججا و اللّه تعالى يعلم.

إذا عرفت هذا،فاعلم أن الأخبار متعارضة ظاهرا في ترتيب دولهم عليهم السّلام و في مدتها و في المقتدى به منهم عند حضورهم.

و يمكن أن يقال:إن دولتهم عليهم السّلام دولة واحدة و حكم واحد،يجوز نسبتها إلى كل واحد منهم و كذلك الحال في المقتدى به منهم على أن أقطار الدنيا و أقاليمها كثيرة،فيكون كل واحد منهم عليهم السّلام واليا في قطر من الأقطار،و إذا أرادوا الاجتماع كان في طرفة عين،و اللّه العالم و حججه عليهم السّلام.

[368] و في كتاب الغيبة:للشيخ الطوسي طاب ثراه توقيعات كثيرة في مسائل متعددة خرجت عن القائم عليه السّلام منها:

[ما]روي في ثواب القرآن و الفرائض و غيرها:أن القائم عليه السّلام قال:«عجبا لمن لم يقرأ3.

ص: 268


1- -البحار:101/53 ح 123،و نهج السعادة:83/8.
2- -الإرشاد:387/2،و البحار:145/53.

في صلاته إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و كيف تقبل صلاته؟» (1).

و روي:«ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو اللّه أحد» (2).

و روي:«أن من قرأ في فرائضه(الهمزة)أعطى من الدنيا» (3).

فهل يجوز أن يقرأ الهمزة و يدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي:أنه لم تقبل صلاة و لا تزكو إلاّ بهما؟

التوقيع:«الثواب في السور على ما قد روي،و إذا ترك سورة ممّا فيها الثواب و قرأ (قل هو اللّه أحد)و(إنا أنزلناه)عالما بفضلهما،أعطى ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك،و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة،و لكن يكون قد ترك الفضل».

و عن وداع شهر رمضان متى يكون؟قد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول:يقرأ في آخر ليلة منه،و بعضهم يقول:هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شهر شوال.

التوقيع:«العمل في شهر رمضان في لياليه و الوداع يقع في آخر ليلة منه،فإن خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين».

و هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟

الجواب:

«جائز».

و عن الرجل من وكلاء الوقف يكون مستحّلا لما في يده لا يرع عن أخذ ماله،ربّما نزلت في قرية و هو فيها أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه،فإن لم آكل من طعامه عاداني و قال:فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا.

فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أتصدق بصدقة؟و كم مقدار الصدقة؟

و إن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر،فأحضر فيدعوني أن أنال منها و أنا أعلم أن2.

ص: 269


1- -الغيبة:377،و الإحتجاج:302/2.
2- -المصدر السابق.
3- -الغيبة:377،و الإحتجاج:303/2.

الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده،فهل فيه شيء إن أنا نلت منه؟

الجواب:«إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل برّه،و إلاّ فلا».

و عن الرجل يقول بالحق و يعرف المتعة و يقول بالرجعة إلاّ أن له أهلا موافقة له في جميع أمره،و قد عاهدها أن لا يتزوج عليها و لا يتسّرى،و قد فعل هذا منذ بضع عشرة سنة و وفى بقوله،فربّما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع و لا تتحرك نفسه أيضا لذلك،و هو لا يحرّم المتعة بل يدين اللّه بها،فهل عليه في ترك ذلك إثم أم لا؟

الجواب:«في ذلك يستحب له أن يطيع اللّه تعالى ليزول عنه الحلف في المعصية و لو مرة واحدة».

[369] و في ذلك التوقيع:«و أمّا الخبر المروي في سجدة الشكر بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع،فإن فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل،كفضل الفرائض على النوافل و السجدة دعاء و تسبيح،و الأفضل أن تكون بعد الفرض،فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز».

[370] و في كتاب الاحتجاج:توقيع خرج من الناحية المقدسة إلى محمد بن عبد اللّه الحميري و فيه:أنه سأل عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟

فأجاب عليه السّلام:«إن الجنّة لا حمل فيها للنساء و لا ولادة و لا طمث و لا نفاس و لا شقاء بالطفولية،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين،كما قال اللّه سبحانه فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه اللّه عزّ و جلّ بغير حمل و لا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عليه السّلام عبرة» (1).

و سئل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره،هل يجوز ذلك أم لا؟

فكتب:«يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه».

و سأل فقال:روى لنا عن الصادق عليه السّلام:أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه:إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه،فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟3.

ص: 270


1- -الإحتجاج:310/2،و البحار:163/53.

فأجاب عليه السّلام:

«يجوز ذلك».

و سئل:هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟و هل فيه فضل؟

فأجاب عليه السّلام:«يسبّح الرجل به،فما من شيء من التسبيح أفضل منه،و من فضله:أن الرجل ينسى التسبيح و يدير السبحة فيكتب له ثواب التسبيح».

و سئل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السّلام فهل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟

و هل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلام أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟

و هل يجوز أن يتقدم القبر و يصلي و يجعل القبر خلفه أم لا؟

فأجاب عليه السّلام:

«أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا في فريضة و لا زيارة،و الذي عليه العمل:

أن يضع خدّه الأيمن على القبر.

«و أمّا الصلاة:فإنها خلفه و يجعل القبر أمامه،و لا يجوز أن يصلي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره،لأن الإمام عليه السّلام لا يتقدم عليه و لا يساوى».

و سئل فقال:هل يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصلاة؟

فأجاب:«يجوز ذلك إذا خاف السهو و الغلط».

و سئل فقال:روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور:إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم،فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه،فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب عليه السّلام:«إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،و إن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين إن شاء اللّه».

و سئل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات،فبعض يروي:أن قراءة

ص: 271

الحمد وحدها أفضل،و بعض يروي:أن التسبيح فيهما أفضل،فالفضل لأيهما نستعمله؟

فأجاب عليه السّلام:«قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح،و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام:(كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج)-يعني ناقصة-إلاّ للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه».

و سئل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رضى اللّه عنه في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه؟

و هل فيها قنوت؟و إن كان ففي أي ركعة منها؟

فأجاب عليه السّلام:«أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة،ثم في أي الأيام شئت و أي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز،و القنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع و الرابعة».

و سئل عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله و أن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجا،أ يصرف ذلك عمّن نواه له إلى قرابته؟

فأجاب عليه السّلام:

«يصرفه إلى أدناهما و أقربهما من مذهبه،فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام:(لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج)فليقسم بين القرابة و بين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله».

و سأل فقال:قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة،فقال بعضهم:إذا أدخل بها سقط المهر و لا شيء لها،و قال بعضهم:هو لازم في الدنيا و الآخرة،فكيف ذلك؟و ما الذي يجب فيه؟

فأجاب عليه السّلام:«إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا و الآخرة،و إن كان عليه كتاب فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها و إن لم يكن عليه كتاب،فإذا دخل بها سقط باقي الصداق».

و سئل عن المسح على الرجلين:بأيهما يبدأ باليمين؟أو يمسح عليهما جميعا معا؟

فأجاب عليه السّلام:«يمسح عليهما جميعا معا،فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلاّ باليمين».

[371] و في الاحتجاج:ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها اللّه و رعاها في أيام

ص: 272

بقيت من صفر سنة عشر و أربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قدّس اللّه روحه و نوّر ضريحه،ذكر موصلة أنه تحمله من ناحية متصلة بالحجاز نسخته:الأخ السديد الولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام اللّه إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أمّا بعد:

سلام اللّه عليك أيها الولي المخلص في الدين،المخصوص فينا باليقين،فإنّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا و نبيّنا محمد و آله الطاهرين، و نعلمك أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق،و أجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق،أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة و تكليفك ما تؤديه عنّا إلى موالينا قبلك،أعزهم اللّه بطاعته و كفاهم المهمة برعايته لهم و حراسته،فقف أيّدك اللّه بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره،و اعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه نحن.

و إن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي أراد اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا من المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين،فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم و معرفتنا بالذل الذي أصابكم،مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا-يعني بعيدا-و نبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم،و لولا ذلك لنزل بكم اللاواء و اصطلمكم الأعداء،فاتقوا اللّه جلّ جلاله و ظاهرونا على انتياشكم-أي تناولكم-من فتنة قد أنافت عليكم،يهلك فيها من حمّ أجله و يحمى عنها من أدرك أمله».

ثم ذكر التوقيع،و ذكر بعد توقيعات أخرى وردت على الشيخ المفيد طيّب اللّه رمسه يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و أربعمائة مذكور بتمامه في

ص: 273

ذلك الكتاب (1).

[372] و في ذلك الكتاب عن الأسدي،عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه،في جواب مسائل إلى صاحب الزمان عليه السّلام:

«أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها،فلئن كان كما يقولون:الشمس تطلع من بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان،فما أرغم أنف الشيطان بشيء مثل الصلاة،فصلّها و أرغم أنف الشيطان.

و أمّا ما سألت عنه من أمر المصلي و النار و الصورة و السراج بين يديه،هل تجوز صلاته؟

فإن الناس اختلفوا في ذلك قبلك،فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان و النيران أن يصلي و الصورة و السراج بين يديه،و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران» (2).

[373] كمال الدين:عن أبي القاسم ابن روح قدّس اللّه روحه أنه سأله رجل ما معنى قول العباس للنبي صلّى اللّه عليه و آله:إن عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل-و عقد بيده ثلاثة و ستين-.

قال:«عنى بذلك إله أحد جواد (3).

و تفسير ذلك:أن(الألف)واحد،و(اللام)ثلاثون،و(الهاء)خمسة،و(الألف) واحد،و(الحاء)ثمانية،و(الدال)أربعة،و(الجيم)ثلاثة،و(الواو)ستة،و(الألف) واحد،و(الدال)أربعة،فذلك ثلاثة و ستون» (4).

أقول:و هذا ردّ على المخالفين،فإنّهم زعموا أن أبا طالب مات كافرا،و ليس ذلك إلاّ حسدا منهم و عداوة لابنه أمير المؤمنين عليه السّلام حتى لا يفضل الشيخين بالآباء،لأن آباءهم كانوا كفّارا،و الأخبار مستفيضة بل متواترة بإسلام أبي طالب رضى اللّه عنه،و أن اللّه سبحانه يؤتيه على3.

ص: 274


1- -الإحتجاج:323/2،و تهذيب الأحكام:37/1.
2- -البحار:182/53،و كمال الدين:520 ح 49.
3- -كمال الدين:520 ح 48،و مجمع البحرين:219/3.
4- -كمال الدين:520 ح 48،و مجمع البحرين:219/3.

إسلامه أجرين:أجر لإسلامه و أجر لكتمانه،لأنه كتم إسلامه لأجل حماية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لو علم قريش منه الإسلام لما سمعوا منه و لما قبلوا منه ما كان يكفهم و يمنعهم عنه من إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قد سبق في المجلدة الأولى من هذا الكتاب،الأحاديث و الدلائل الدالة على إسلام أبي طالب رضى اللّه عنه فانظرها من هناك ينظر اللّه إليك بعين رحمته،اللهم ارحمنا برحمتك و انظر إلينا بعين عنايتك إنك على كل شيء قدير.

تمّ بحمد اللّه

ص: 275

الفهارس

فهرس الآيات

آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) 211

(إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ) 29

(إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ) 241

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ 233

(الم ذلِكَ الْكِتابُ) 122

(الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) 128

(إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) 266

(إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً 236

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ) 213

(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) 247

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) 216

(إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 230

(إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ) 260

(إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ) 214

(إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) 230

ص: 276

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) 200

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ) 46

(إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) 38

(إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ) 148

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) 29

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً) 203

(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 189

(أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) 39

(أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) 125

(أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) 68

(أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) 175

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ... وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) 213

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً) 178-179

(أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 50-173

(اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ) 211

(بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 157-202

(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ) 223

(تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) 147

(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ) 232

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) 257

(ثُمَّ أَماتَهُ) 257

ص: 277

(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) 257

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) 261

(جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) 246

(حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 121

(حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ) 213

(حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) 62

(حم عسق) 39

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 148

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) 254

(سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ) 184

(طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ) 128

(عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ) 211

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) 111

(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) 234

(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) 233

(فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) 244

(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) 182-250

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ) 21

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ) 88

(فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) 29

(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا) 107

(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ)

ص: 278

اَلْكافِرُونَ) 252

(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ) 237

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) 211

(قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ) 252

(قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) 213

(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) 249-257

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) 228

(قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 252

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) 174

(كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) 261

(كهيعص) 111

(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) 232

(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) 88

(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ) 213

(لا يَرْجِعُونَ) 250

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) 47-115

(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) 112

(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)» 117

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) 130-236-212

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) 30-38-122

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) 146

ص: 279

(ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)» 171

(مُدْهامَّتانِ) 29

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) 213

(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) 230

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ) 214

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا) 213

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) 257

(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) 230

(وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) 232

(وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً) 213

(وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) 229

(وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) 230

(وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) 251-254

(وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ -إلى قوله- وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ) 256-243-247

(وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) 232

(وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ) 255

(وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها) 92

(وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 192

(وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ) 231

(وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى) 29

ص: 280

(وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) 233

(وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) 232

(وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى) 30

(وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) 37-249

(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) 182

(وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ) 232

(وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) 213

(وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) 230

(وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ) 112

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا) 259

(وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ) 227

(وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) 61

(وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) 23

(وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) 81

(وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) 44

(وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) 250

(وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) 251

(وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) 248

ص: 281

(وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ) 193-212-236

(وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) 162

(وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا) 256

(وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) 60

(وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) 148

(وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ) 230

(وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 183

(وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) 231

(وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) 236

(وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ) 28

(وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ) 165

(وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) 253

(وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً) 193-213

(وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ) 244

(وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) 60

(وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ) 116

(وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ) 227

ص: 282

(وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) 227

(وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ) 211

(وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)» 166

(وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) 235

(وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) 184

(وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) 255

(وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) 212

(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا) 14-224-231

(وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ) 252

(وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) 251-131

(وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) 243

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) 212-235

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) 116

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) 172

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) 244

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ) 232

(يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) 29

ص: 283

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) 120

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ،ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) 211

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ) 187

(يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) 122

(يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ) 260

(يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) 259

(يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ) 246

(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) 230-25-130

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) 258

ص: 284

فهرس الأشعار

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختل أهلك فاشهدهم و لا تغب 225

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت و حالت دونك الحجب 225

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر *** ولاية مهدي يقوم فيعدل 44

حتى إذا ولدت عدنان صاحبها *** من هاشم كان منها خير مولد 53

حتى يقوم بأمر اللّه قائمهم *** من السّماء إذا ما باسمه نودي 53

سالت له القطر عين القطر فائضة *** بالقطر سنّة عطاء غير مصدود 53

سمي نبي اللّه نفسي فداؤه *** فلا تخذلوه يا بني و عجلوا 44

صبي من الصبيان لا رأي عنده *** و لا عنده جدّ و لا هو يعقل 44

فإن كنت مأكولا فكنت أنت آكلي *** و إلاّ فأدركني و لمّا أمزق 68

فثم يقوم القائم الحق منكم *** و بالحق يأتيكم و بالحق يعمل 44

فصيّروه صفاحا ثم هيل له *** إلى السماء بأحكام و تجويد 53

فقال للجن:ابنوا لي به أثرا *** يبقى إلى الحشر لا يبلى و لا يودي 53

قد كان بعدك أنباء و هنبثة *** لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب 224

لكل قوم لهم قرب و منزلة *** عند الإله على الأدنين مقترب 225

لم يبق من بعده للملك سابقة *** حتى يضمن رمسا غير أخدود 53

لو أن خلقا ينال الخلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داود 52

له مقاليد أهل الأرض قاطبة *** و الأوصياء له أهل المقاليد 53

ليعلم المرء ذو العزّ المنيع و من *** يرجو الخلود و ما حيّ بمخلود 52

و افرغ القطر فوق السور منصلتا *** فصار أصلب من صمّاء صيخود 53

و بثّ فيه كنوز الأرض قاطبة *** و سوف يظهر يوما غير محدود 53

ص: 285

و خصّه اللّه بالآيات منبعثا *** إلى الخليقة منها البيض و السود 53

و ذل ملوك الأرض من آل هاشم *** و بويع منهم من يلذ و يهزل 44

و صار في قعر بطن الأرض مضطجعا *** مصمّدا بطوابيق الجلاميد 53

و هذا ليعلم أن الملك منقطع *** إلاّ من اللّه ذي النعماء و الجود 53

هم الخلائف اثنا عشرة حججا *** من بعدها الأوصياء و السادة الصيد 53

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا *** أمل أناس ففازوا بالّذي طلبوا 225

ص: 286

فهرس المحتويات

[مقدمة المصنف]:11

الفصل الأول

في ولادة الإمام المهدي و أحوال أمّه و أسمائه و ألقابه عليه السّلام 12

الفصل الثاني

فيما ورد من إخبار اللّه عزّ و جلّ و رسوله و الأئمة و غيرهم عن القائم 31

الفصل الثالث

في دلائل شيخ الطائفة طاب ثراه على الغيبة 55

الفصل الرابع

في معجزاته و في أحوال سفرائه و تكذيب غيرهم و فيمن رآه 75

الفصل الخامس

في علة غيبته و في النهي عن التوقيت و حصول البداء في ذلك 115

[قصة الجزيرة الخضراء]134

ص: 287

جوهرة عالية:144

خاتمة 150

الفصل السادس

في علامات خروجه عجل اللّه تعالى فرجه 156

فائدة 205

الفصل السابع

فيما يكون عند ظهوره عجل اللّه تعالى فرجه 211

فائدة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف:239

الفصل الثامن

في الرجعة و كيفيتها 243

الفصل التاسع

في خلفاء المهدي عليه السّلام و ما يكون بعده 264

فهرس الآيات 26

فهرس الأشعار 26

فهرس المحتويات 26

ص: 288

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.