سرشناسه : ابوالفرج اصفهاني، علي بن حسين، ق 356 - 284
عنوان و نام پديدآور : مقاتل الطالبيين/ لابي الفرج الاصفهاني؛ شرح و تحقيق احمد صقر
مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1423ق. = 1381.
مشخصات ظاهري : ص 664
شابك : 35000ريال ؛ 35000ريال
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : عربي
يادداشت : اين كتاب در سالهاي مختلف توسط ناشرين مختلف به چاپ رسيده است
يادداشت : كتابنامه: ص. 653 - 650؛ همچنين به صورت زيرنويس
موضوع : شهيدان شيعه
موضوع : سادات (خاندان) -- سرگذشتنامه
موضوع : احاديث شيعه -- قرن ق 4
شناسه افزوده : صقر، احمد، مصحح
رده بندي كنگره : BP53/7/الف 2م 7 1381
رده بندي ديويي : 297/98
شماره كتابشناسي ملي : م 81-37657
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في سنة أربع و ثمانين و مائتين ولد بمدينة أصفهان علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد اللّه بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي.و نشأ ببغداد و أخذ العلم عن أعلامها،و كانت بغداد إذ ذاك قرارة العلم و العلماء،و مثابة الأدب و الأدباء و مهوى أفئدة الذين يرغبون في الإلمام بالثقافة،أو يودون التخصص في فروعها.
و قد أخذ علي بن الحسين نفسه بالجد في طلب العلم،و أفرغ له باله، و أخلص فكره،فنبغ و تفوّق،و كان له من توقد ذكائه،و التهاب خاطره، و سرعة حفظه،و شغفه بالمعرفة ما مكن له من ناصية التفوق و ذلّل له من شماس النبوغ،و جعله ينهض بتأليف كتاب الأغاني العظيم و لما يبلغ الثلاثين من عمره،فإذا ما بلغها أو جاوزها بعام أو ببعض عام ألّف كتابه الخالد«مقاتل الطالبيين».و ليس ذلك بغريب على أديب مجدّ موهوب قد ملئ طموحا إلى المراتب العالية،و هام وجدا بالعز الرفيع.
و قد قدّر له أن يعرف شابا من لداته يهيم بالمجد مثله،و يبتغي إليه الوسيلة بالقوة في العلم و الأدب،و هو الحسن بن محمد المهلبي،و تظهرهما المعرفة على ما بينهما من التمازج النفسي،و الالتقاء الكثير في الإرادات و الاختيارات و الشهوات،فتتوثق بينهما صداقة عقلية،و مؤاخاة روحية،و تظل قوية العرى،مستحصدة العلائق على كر الغداة و مرّ العشى.
ص: 5
و يختلف الدهر،و يتبدل العسر باليسر،و يرق الزمان لفاقة المهلّبي، و يرثى لطول تحرقه،و ينيله ما يرتجى،فيصير وزيرا لمعز الدولة بن بويه.و يطيع الدهر بعد عصيانه لأبي الفرج فيصبح كاتبا لركن الدولة بن بويه،قريب المنزلة منه،عظيم المكانة لديه.و لعلّ من أسباب تلك الحظوة اتفاقهما في التشيع فقد كان ركن الدولة يتعهد العلويين بالأموال الكثيرة و المنح الجزيلة (1).
و في سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة يستوزر ركن الدولة أبا الفضل بن العميد فيكون بينه و بين أبي الفرج ما يكون عادة من التحاسد و التباغض، و المصارعة النفسية،و الاستباق إلى قلب ركن الدولة،و يستطيل ابن العميد على أبي الفرج و يتعاظم،و لا يلقاه بما ينبغي له من الإجلال و التعظيم أثناء دخوله و خروجه،فتثور نفسه،و يجيش صدره،و يخاطبه بقوله:
ما لك موفور فما باله *** أكسبك التيه على المعدم
و لم إذا جئت نهضنا و إن *** جئنا تطاولت و لم تتم
و إن خرجنا لم تقل مثل ما *** نقول:قدّم طرفه قدّم
إن كنت ذا علم فمن ذا الذي *** مثل الذي تعلم لم يعلم
و لست في الغارب من دولة *** و نحن من دونك في المنسم
و قد ولينا و عزلنا كما *** أنت فلم نصغر و لم نعظم
تكافأت أحوالنا كلها *** فصل على الإنصاف أو فاصرم
و يظل أبو الفرج في ظلال الوزير المهلبي مدة وزارته لمعز الدولة،و هي مدة طويلة أربت على ثلاث عشرة سنة،يسامره و ينادمه و يؤاكله،و يصبر الوزير على مساوئ أبي الفرج فقد كان قذر المطعم و المشرب و الملبس،لا ينضو عنه ثوبه إلاّ إذا أبلت جدته الأيام،و صار خلقا لا يجمل بذي المروءة أن يلبسه و لو لم يكن سميرا لوزير،أو كاتبا لأمير.
و تجري الأيام بينهما على خير ما تجري بين صديقين أو على خير ما تجري به بين سمير ظريف،و وزير حصيف يفيض بالكرم و الإنعام.و يؤتى الكرم ثماره8.
ص: 6
فيسخر أبو الفرج أدبه في خدمة الوزير،و يترصد مواقع هواه فيضع فيها نثره و شعره،و يؤلف له«نسب المهالبة».و«مناجيب الخصيان»لأنه كان يهيم بخصيين مغنيين كانا له،و ينظم فيه الشعر كلما دعت المناسبة،فيهنئه إذا أبلّ من مرض أو ولد له،و يمدحه في المواسم و الأعياد،و يتظرف فيشكو إليه الفأر، و يصف الهر،و يستميحه البر:
رهنت ثيابي و حال القضا *** ء دون القضاء و صد القدر
و هذا الشتاء كما قد ترى *** عسوف عليّ قبيح الأثر
ينادي بصرّ من العاصفا *** ت أو دمق مثل و خز الإبر
و سكان دارك ممن أعو *** ل يلقين من برده كلّ شر
فهذي تحنّ و هذي تئنّ *** و أدمع هاتيك تجري درر
إذا ما تململن تحت الظلام *** تعللن منك بحسن النظر
و لاحظن ربعك كالممحلى *** ن شاموا البروق رجاء المطر
يؤملن عودي بما ينتظرن *** كما يرتجى آئب من سفر
فأنعم بإنجاز ما قد وعدت *** فما غيرك اليوم من ينتظر
و عش لي و بعدي فأنت الحيا *** ة و السمع من جسدي و البصر
و هو إذا ما عرض لمدحه لا يجنح إلى المبالغة الممقوتة،و لا يتعمل الثناء الأجوف و لا يتصيد المكارم تصيدا،بل يقول ما يعرفه و يصفه بما فيه:
إذا ما علاى في الصدر للنهي و الأمر *** و بثهما في النفع منه و في الضر
و أجرى ظبا أقلامه و تدفقت *** بديهته كالمستمد من البحر
رأيت نظام الدر في نظم قوله *** و منثوره الرقراق في ذلك النثر
و يقتضب المعنى الكثير بلفظة *** و يأتي بما تحوى الطوامير في سطر
أيا غرة الدهر أئتنف غرة الشهر *** و قابل هلال الفطر من ليلة الفطر
بأيمن أقبال و أسعد طائر *** و أفضل ما ترجوه في أفسح العمر
فليس في هذا المديح إسراف و لا إغراق في المبالغة؛فقد كان الوزير المهلبي كما يقول الثعالبي:«غاية في الأدب و المحبة لأهله و كان يترسل مترسلا مليحا،و يقول الشعر قولا لطيفا يضرب بحسنه المثل يغذي الرّوح و يجلب
ص: 7
الرّوح» (1)و كان محدثا حسن الحديث،بليغ العبارة رشيق اللفظ،و كان أكثر حديثه يدور حول مذاكرة الأدب و مقابسة العلوم؛لكثرة من يغشى مجالسه من العلماء و الأدباء و الندماء كالصاحب ابن عباد (2)و أبي إسحاق الصابي (3)و القاضي التنوخي (4)،و ابن سكّرة الهاشمي (5)،و أبي القاسم الجهني (6)،و أبي النجيب الجزري (7)،و أبناء المنجم (8)،و كان أبو الفرج يجول في هذه المجالس و يصول يقص و يروي و ينقد و يتندّر و ينثر من أدبه و يفيض من علمه فكان مجلس المهلبي من أسباب نباهة شأنه و شيوع ذكره،كما كان بر المهلبي من أسباب رفاهية عيشه و تفرغه للعلم و الأدب،و لكنه مع ذلك لم يخل من هجوه و كان يعلم أنه يهجوه سرا فطلب إليه و قد سكرا ذات ليلة أن يهجوه جهرا في قصة نطويها كما يطوي بساط السلاف بما فيه،و قد رأى أبو الفرج منه بعض ما يكره فظن أنه رمى به من حالق،بعد أن أنعم عليه الخالق،فقذفه بهذين البيتين:
أ بعين مفتقر إليك رأيتني *** بعد الغنى فرميت بي من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنّني *** أملت للإحسان غير الخالق
يومىء أبو الفرج إلى ما كان من فقر الوزير أيام كان يشتهي اللحم و لا يقدر على ثمنه فيتمنى الموت و يقول:
ألا موت يباع فأشتريه *** فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي *** يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرا من بعيد *** وددت لو انّني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ *** تصدق بالوفاة على أخيه
و تفعل هذه الإشارة فعلها في نفس المهلبي و لكنه يذكر إحسان الخالق إليه و أنه أصبح وزيرا رافه العيش«إذا أراد أكل شيء مما يتناول بالملعقة كالأرز2.
ص: 8
و اللّبن و أمثالهما وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا،و كان يستعمله كثيرا فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر،ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية؛لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية» (1).
يذكر المهلبي ذلك كله و يذكر صديقه أبا الفرج فيعفو عنه و يغفر له هجاءه، و يتصل حبل إخائهما حتى يقطعه موت المهلبي في سنة 352 ه ثم يلحق به أبو الفرج بعد أن يخلط في ذي الحجة سنة 256 ه على أصح الأقوال (2).
و قد كان أبو الفرج هجّاء خبيث اللسان يحذره الناس و يتقونه،و قد التمس ذات مرة عصا من أحد القضاة فلم يعطه إيّاها فهجاه بأبيات بلغت الغاية في الإقذاع،و يستوزر الخليفة الراضي أبا عبد اللّه البريدي و كانت داره ملاصقة لدار أبي الفرج فيهجوه و يؤنب الراضي بقصيدة تزيد على مائة بيت مطلعها:
يا سماء اسقطي و يا أرض ميدي *** قد تولى الوزارة ابن البريدي (3)
و ينحدر أبو الفرج إلى البصرة فيضيق بها و يهجوها و أهلها و يقول عنهم:
«إنهم كلاب يلبسون الفرا».
و قد كان أبو الفرج ذا عناية ملحوظة بالحيوانات و تربيتها:«كان له سنور أبيض يسميه يققا،و كان من عادة هذا السنور أن يخرج و يصيح إذا ما قرع باب أبي الفرج قارع إلى أن يتبعه من يفتح الباب،و قد مرض يفق بالقولنج فشغل أبو الفرج بعلاجه و تفقده أصحابه و ذهب إليه منهم أبو إسحاق الصابي و أبو العلاء صاعد و أبو علي الأنباري لقضاء حقه و تعرف خبره،فطلع عليهم أبو الفرج بعد مدة مديدة و يده ملوثة بما ظنوه شيئا كان يأكله فقالوا له:عققناك بأن قطعناك عمّا كان أهم من قصدنا إيّاك،فقال لهم:لا و اللّه يا سادتي ما كنت على ما تظنون-6.
ص: 9
و إنما لحق يققا قولنج فاحتجت إلى حقنه فأنا مشغول بذلك فلما سمعوا قوله و رأوا التلوث في يده نفروا منه و اعتذروا إليه و انصرفوا عنه«لتناهيه في القذارة إلى ما لا غاية بعده» (1)كما قالوا و حسبوا،و لعلّه قد غاب عنهم أن أبا الفرج كان بصيرا بعلم«الجوارح و البيطرة و الطب»و أنه لا تثريب عليه إذا ما زاول علاج سنوره بيده و طبق العلم على العمل كما يقال.و من يدري فلعلّ أبا الفرج لو لم يحقن يققا لضاع على مؤرخي الحضارة العربية شاهد عظيم يثبت معرفة العرب لحقن الحيوان و سبقهم إلى ذلك منذ منتصف القرن الرابع الهجري.
و قد فجع أبو الفرج في ديك له رشيق تكاملت فيه جمل الجمال بأسرها، و كسى كالطاوس ريشا لا معا متلألأ ذا رونق و بريق:
من حمرة في صفرة في خضرة *** تخيلها يغني عن التحقيق
و كأن سالفتيه تبر سائل *** و على المفارق منه تاج عقيق
فرثاه بقصيدة طويلة تعد من عيون الشعر العربي في رثاء الحيوان،و صار يبكيه كلما أبصر ربعه موحشا أو سمع صياح ديك:
أبكي إذا أبصرت ربعك موحشا *** بتحنن و تأسف و شهيق
و يزيدني جزعا لفقدك صادح *** في منزل دان إليّ لصيق
قرع الفؤاد و قد زقا فكأنّه *** نادى ببين أو نعيّ شقيق
فتأسفي أبدا عليك مواصل *** بسواد ليل أو بياض شروق
و إذا أفاق ذوو المصائب سلوة *** و تصبّروا أمسيت غير مفيق
و كان أبو الفرج في ربيع العمر و ريعان الشباب يطلق عقال النفس،و يقيد مراشف الكأس،و يرتاد منازه الحسن،و يطوف بمسارح الجمال لينزه مقلته، و يرشف من رحيقه ما ينقع غلته،ثم يوقع أنغام نفسه و ألحان حسه على قيثارة شعره،و يشدو بما يفصح عن إسماح الجميل بعد ليانه،و إطاعة الدهر بعد عصيانه.3.
ص: 10
كما كان يغشى سوق الوراقين و يجلس على دكاكينهم يقرأ ما يلحظ و ينقد ما يسمع (1)،و يأخذ بأطراف الأحاديث التي يتجاذبها بينهم رواد السوق من العلماء و الأدباء،ثم يؤوب إلى داره بعد أن يصطفى ما يرتئي من الأسفار و المصادر التي يعتمد عليها في تأليف كتبه.
و لأبي الفرج مؤلفات كثيرة منها:
(1)الأغاني الكبير.
(2)أخبار القيان.
(3)أخبار الطفيليين.
(4)أخبار جحظة البرمكي.
(5)أيام العرب:ألف و سبعمائة يوم.
(6)الإماء الشواعر.
(7)أدب الغرباء.
(8)أدب السماع.
(9)الأخبار و النوادر.
(10)الفرق و المعيار في الأوغاد و الأحرار.
(11)المماليك الشعراء.
(12)الغلمان المغنين.
(13)الحانات.
(14)التعديل و الانتصاف في أخبار القبائل و أنسابها،و هو كتاب جمهرة أنساب العرب.
(15)تفضيل ذي الحجة.
(16)تحف الوسائد في أخبار الولائد.
(17)الخمارين و الخمارات.
(18)دعوة التجار.3.
ص: 11
(19)دعوة الأطباء.
(20)الديارات.
(21)رسالة في الأغاني.
(22)مجرد الأغاني.
(23)مقاتل الطالبيين.
(24)مجموع الأخبار و الآثار.
(25)مناجيب الخصيان.
(26)كتاب النغم.
(27)نسب المهالبة.
(28)نسب بني عبد شمس.
(29)نسب بني شيبان.
(30)نسب بني كلاب.
(31)نسب بني تغلب.
و قد عنى بديوان أبي تمام فجمعه و رتبه على الأنواع.
كما جمع ديوان أبي نواس و جمع ديوان البحتري و رتبه على الأنواع كذلك.
و كان لأبي الفرج في منزله عمل آخر غير تأليف الكتب و الرسائل و قرض الشعر و جمع الدواوين،فقد كان يجلس لتلاميذه و روّاد أدبه يقرئهم من كتبه ما يريد أو ما يريدون على نحو ما كان يفعله أستاذه أبو جعفر الطبري،و في طليعة تلك الكتب التي قرئت عليه من أولها إلى آخرها كتاب الأغاني الكبير الذي«جمع فيه أخبار العرب و أشعارهم و أنسابهم و أيّامهم و دولهم،و جعل مبناه على الغناء في مائة الصوت التي اختارها المغنون للرشيد فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب و أوفاه.و لعمري أنه ديوان العرب و جامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر و التاريخ و الغناء و سائر الأحوال-و لا يعدل به في ذلك كتاب فيما نعلمه،و هو الغاية التي يسمو إليها الأديب و يقف عندها و أتى له بها» (1).ن.
ص: 12
و من كتبه التي قرئت عليه كذلك كتاب«مقاتل الطالبيين».
و قد عنيت بنشره لقيمة موضوعه و جلال مؤلفه في نفسي و عظم مكانتها في الأدب العربي و التاريخ الإسلامي منذ كانا إلى يوم الناس هذا.
و لا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة و طيب النجار،ضل عنها حقها و جاهدت في سبيل حق الجهاد على مرّ الأعصار ثم لم تظفر من جهادها المرير إلاّ بالحسرات و لم تعقب من جهادها إلاّ العبرات على ما فقدت من أبطال أسالوا نفوسهم في ساحة الوغى راضية قلوبهم مطمئنة ضمائرهم و صافحوا الموت في بسالة فائقة و تلقوه في صبر جميل يثير النفس أفانين الإعجاب و الإكبار،و يشيّع فيها ألوان التقدير و الإعظام.
و قد أسرف خصوم هذه الأسرة الطاهرة في محاربتها و أذاقوها ضروب النكال و صبّوا عليها صنوف العذاب و لم يرقبوا فيها إلاّ و لاذمة و لم يرعوا لها حقا و لا حرمة،و أفرغوا بأسهم الشديد على النساء و الأطفال و الرجال جميعا في عنف لا يشوبه لين و قسوة لا تمازجها رحمة حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فظاعة النكال.و قد فجّرت هذه النسوة البالغة ينابيع الرحمة و المودة في قلوب الناس،و أشاعت الأسف الممض في ضمائرهم و ملأت عليهم أقطار نفوسهم شجنا،و صارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثا يروى و خبرا يتناقل و قصصا يقص يجد فيه الناس إرضاء عواطفهم و إرواء مشاعرهم فتطلّبوه و حرصوا عليه.
و قد استجاب الرواة و المؤلفون لنداء هذه الرغبة العارمة أو لطلب المثالة بين الناس فشرعوا يؤلفون أخبارهم و يسطرون فضائلهم و يدبجون سيرهم و يؤرخون مقاتلهم،و من هؤلاء العلماء أبو مخنف المتوفى قبل سنة 170 ه فقد ألّف مقتل علي (1)و«مقتل الحسين» (2)و ألّف نصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة 212 ه«مقتل الحسين» (3).7.
ص: 13
و ألّف الهيثم بن عدي المتوفى سنة 207 ه-«أخبار الحسن و وفاته» (1)و ألّف الواقدي«مقتل الحسن»و«مقتل الحسين» (2).
و ألّف ابن النطاح«مقتل زيد بن علي» (3).
و ألف الغلابي«مقتل علي»و«مقتل الحسين» (4).
و ألف الأشناني«مقتل الحسن»و«مقتل زيد بن علي» (5).
و ألف عمر بن شبه«مقتل محمد و إبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن» (6).
و ألّف المدائني المتوفى سنة 225 ه كتاب«أسماء من قتل من الطالبيين» (7).
ثم جاء أبو الفرج الأصفهاني المتوفى سنة 356 ه فألف«مقاتل الطالبيين»أو «مقاتل آل أبي طالب»كما يسميه ابن النديم (8).
ترجم أبو الفرج فيه للشهداء من ذرية أبي طالب منذ عصر رسول اللّه (ص)إلى الوقت الذي شرع يؤلف فيه كتابه،و هو جمادي الأولى سنة ثلاثة عشر و ثلثمائة سواء أ كان المترجم له قتيل الحرب أو صريع السم في السلم،و سواء أ كان مهلكه في السجن أم في مهر به أثناء تواريه من السلطان.
و قد رتّب مقاتلهم على السياق الزمني و لم يرتبها على حسب أقدارهم في الفضل و منازلهم في المجد.و اقتصر على من كان نقي السيرة قويم المذهب، و أعرض عن ذكر من عدل عن سنن آبائه و حاد عن مذاهب أسلافه و كان مصرعهء.
ص: 14
في سبيل أطماعه و جزاء ما اجترحت يداه من عيث و إفساد.
و قد صنّف أبو الفرج أخبارهم،و نظّم سيرهم،و رصف مقاتلهم، و جلّى قصصهم بأسلوبه الساحر،و بيانه الآسر و طريقته الفذة في حسن العرض،و مهارته الفائقة في سبك القصة،و حبك نسجها،و ائتلاف أصباغها و ألوانها،و تسلسل فكرتها،و وحدة ديباجتها،و تسوق نصاعتها،على اختلاف رواتها و تعدد روايتها و تباين طرقها،حتى لتبدو و كأنها بنات فكر واحد و هذا هو سر الصنعة في أدب أبي الفرج الأصفهاني.
و لئن كان أبو الفرج قد بلغ غاية التصوير و التعبير في كتاب الأغاني لأن موضوعه يلتئم و مزاجه الفني و يتفق و مسلكه في الحياة و يقع من عقله و فكره و ذوقه و عاطفته موقع الرضا و القبول،فإنه كذلك قد بلغ غاية التصوير و التعبير في مقاتل الطالبيين؛لأن موضوعه حبيب إلى نفسه،عظيم المكانة من قلبه لأنه و إن كان أموي النسب فإنه شيعي الهوى و ليس ذلك بمستغرب و لا مستنكر فإن التشيّع الحقيقي ينجم عن حب الرسول و يصدر عن مودة قرباه و آل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و الحب الصادق لا يقيم وزنا لفارق النسب و لا لغيره من الفوارق التي يحقّرها و يحطم مغاليقها و أسوارها و إن تواضع الناس على احترامها.
نعم كان أبو الفرج أمويّا شيعيّا،و شيعيّا أمويّا يعطف على الدولة الأموية بالأندلس و يكرم وفادة رسلها إليه،و يختصها بثمار قريحته و نتائج فطنته،و يؤلف الكتب ثم يرسل بها إليهم فتظهر عندهم قبل ظهورها في المشرق بل لا يكاد المشرق يعرف عن أكثرها إلاّ اسمه و قد عدّ الخطيب البغدادي من هذه الكتب أحد عشر كتابا (1).
كان موضوع مقاتل الطالبيين إذا محببا إلى نفس أبي الفرج فحشد له همته،1.
ص: 15
و جند روايته،و صنعه على عينيه فجاء جامعا لأشتات محاسنهم،و صار عمدة لكل من أتى بعده و قصد قصده.
و قد كان أبو الفرج غزير العلم و الأدب جيد الرواية لهما و البصر بفقههما، قال معاصره القاضي التنوخي:«و من الرواة المتسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني فإنه كان يحفظ من الشعر،و الأغاني،و الأخبار و الآثار،و الحديث المسند،و النسب ما لم أر قط من يحفظ مثله،و كان شديد الاختصاص بهذه الأشياء و يحفظ دون ما يحفظ منها علوما أخر منها اللغة، و النحو،و الخرافات،و السير،و المغازي؛و من آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح،و البيطرة،و نتف من الطب،و النجوم،و الأشربة و غير ذلك» (1).
و قد ثقف أبو الفرج معارفه و علومه الجمّة عن الأعلام في عصره و الأسفار القيّمة التي كانت موجودة إذ ذاك،بيد أنه استباح لنفسه أن يروي منها على أنه حدث بها و من أجل ذلك اتهم بالاختلاق،و الذي يقرأ الأغاني و مقاتل الطالبيين تهوله تلك الكثرة الهائلة،و يتعاظمه ذلك الجم الغفير من الرواة و يتخالجه الشك إذا ذكر ما يقوله ابن النديم من أن أبا الفرج كانت له رواية يسيرة،و أكثر تعويله في تصنيفه كان على الكتب المنسوبة الخطوط أو غيرها من الأصول الجياد (2).
و من الرواة الذين روى عنهم أبو الفرج يحيى بن علي المنجم المتوفي سنة 300 ه و محمد بن جعفر القتات المتوفي سنة 300 ه و الفضل بن الحباب المتوفي سنة 305 ه و علي بن العباس المقانعي المتوفي سنة 313 ه،و الأخفش المتوفي سنة 315 ه،و جعفر بن قدامة المتوفي سنة 319 ه،و ابن دريد المتوفي سنة 321 ه،و نفطويه المتوفي سنة 323 ه،و جحظه المتوفي سنة 326 ه و ابن الأنباري المتوفي سنة 328 ه كما روى عن عمّه الحسن بن محمد و عم أبيه7.
ص: 16
عبد العزيز بن أحمد بن الهيثم (1)،و محمد بن خلف بن المرزبان،و لعلّ أهم أستاذ لأبي الفرج في الناحية التاريخية التي نحن بصددها هو محمد بن جرير الطبري و قد قرأ عليه تاريخ الأمم و الملوك و كتاب المغازي.و كان أبو الفرج يبتغي الوسائل إلى قلبه و يسارع في مرضاته.
و قد روى عن أبي الفرج عدد كبير منهم محمد بن أحمد المغربي رواية أبي الطيب المتنبي و كان له معه أخبار كما يقول ياقوت.و منهم أبو الحسن علي بن محمد بن دينار«323 ه-409 ه»و قد حدث عنه ابن بشران النحوي أنه قال:قرأت على أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني جميع كتاب الأغاني.
و منهم الدار قطني«306 ه-385 ه»و عبد اللّه بن الحسين الفارسي،و أبو إسحاق الطبري«324 ه-393 ه»،و هما اللذان رويا عنه مقاتل الطالبيين،و قد سلم نص روايتهما له من عوادي الزمن،و عنه كانت الطبعة الأولى للكتاب في طهران سنة 1307 ه،و هي طبعة حجرية سقيمة يشيع فيها التحريف و التصحيف.ثم أعيد طبعها في النجف سنة 1353 ه،و هي طبعة لا تفضل أصلها إلاّ بكثرة الأخطاء الغليظة التي يستغلق معها الفهم،و ينبهم المعنى و يعتاص،و من نماذج هذه الأخطاء ما يلي:
1-«حدثنا الوليد بن هشام بن محذم قال:حدثني شهر بشر،قال سمعت شفاة تقول:«ليت هذا المهدي قد خرج».
و الصواب ص 205:«...بن هشام بن محمد قال:حدثني سهل بن بشر قال:
2-و من ذلك«حدثني الحسن بن جعفر قال:كنت-بالكوفة نقل عيسى بن موسى قد دخل الكوفة نهارا».
و الصواب ص 353«...بالكوفة فرأيت فلّ عيسى بن موسى...».».
ص: 17
3-و من ذلك:
قول مستبسل يرى الموت *** في اللّه رباحا ذا بال غاب عقير
قد تلبثت بالمقادير عنهم *** تبث في الرياح عن ذي البكور
و الصواب ص 386«...تلبثت للمقادير عنهم لبث الرائحين عن...» 4-و من ذلك:
و لو أديم البئر بئر سويقة *** فطين بها و الحاضر المتجاور
و الصواب ص 397«و إذا لا يريم البئر...قطين».
5-و من ذلك«و فصل بين الصفين مهر لحازم بن خزيمة على أخيه يدعى عبدويه».
و الصواب«...الصفين صهر لحازم...على أخته...».
6-و من ذلك:
مخضبكم يضحي و إني بعدها *** لأعنق فيما ساءكم و أهملج
و الصواب«محضتكم نصحي...».
7-و من ذلك«كانت الراحم و أهل النسك لا يعدلون بزيد بن علي أحدا».
و الصواب«كانت المرجئة...» و كلتا الطبعتين مترعة بأمثال هذه التصحيفات و التحريفات مما حفزني إلى تحقيق الكتاب و دفعني إلى نشره.
و قد رجعت في تحقيقه إلى نسخة خطية محفوظة«بدار الكتب المصرية» فرغ ناسخها من نسخها في شهر صفر سنة 1074 ه و كانت من كتب الإمام يحيى إمام اليمن السابق ثم أهداها إلى شيخ العروبة المغفور له«أحمد زكي باشا»و كتب عليه بخطه«هذا الكتاب الفخم قدّمناه لحضرة السيد أحمد زكي باشا عافاه اللّه»كما كتب عليه أحمد زكي باشا بخطه«هذه النسخة عليها تعليقات و حواش بخط أمير المؤمنين يحيى حميد الدين المتوكل على اللّه»و كنت
ص: 18
أبغي مراجعة النسخة الخطية المحفوظة بالمتحف البريطاني بلندن و لكن الصورة الفوتوغرافية التي طلبتها لم تصل إليّ إلاّ أثناء طبع الفهارس.و هي منسوخة في سنة 1053 ه.
و قد راجعت نصوص الكتاب على الكتب التي نقل منها أبو الفرج،أو التي نقلت عنه،و أثبت ما بينها من فروق،و في طليعة هذه الكتب،تاريخ الطبري،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،و الإرشاد للشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه و لكتاب الإرشاد هذا أهمية خاصة؛لأنه ينقل عن نسخة أبي الفرج نفسه،و قد نص على ذلك بقوله في صفحة 253«و وجدت بخط أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني في أصل كتابه المعروف بمقاتل الطالبيين».
كما حرصت على أن أثبت في أول كل ترجمة كل ما أعرف من مراجع عرضت للمترجم له بأي لون من ألوان الذكر حتى أضع بين يدي القارئ مفتاحا للترجمة جليل النفع،و أقيم له منارا يهديه سواء السبيل إذا ما أراد أن يضرب في شعاب الكتب و يمشي في مناكب الأسفار ابتغاء الدرس و البحث، و التأليف.
و قد صنعت للكتاب فهارس مفصلة للرواة،و الأعلام،و الجماعات، و الفرق،و الأماكن،و الأيام،و الشعر،و المصادر،و التراجم.
و مما يجدر ذكره أن هناك خلافا ملحوظا بين النسخة المخطوطة و بين المطبوعة،أشّرت إليه،و لم أستطع الفصل فيه.
و قد انفردت المطبوعة بذكر ترجمة للحسين بن زيد بن علي لم يرد لها ذكر في المخطوطة كما قلت في صفحة 387 و قد رجعت إلى نسخة لندن المصوّرة فألفيتها خالية من ذكر هذه الترجمة،و لا شك عندي في أن هذه الترجمة قد نسبت إلى أبي الفرج زورا و بهتانا؛لأن الحسين بن زيد هذا لم يمت قتيلا،و قد شرط أبو الفرج على نفسه ألاّ يورد في كتابه إلاّ من كان قتيلا،كما قال في مقدمته،و كما يتضح
ص: 19
من منهجه في الكتاب،استمع إليه إذ يقول في صفحة 398«و لما ولي المهدي أطلق الحسن بن زيد.و له خبر طويل قد وضعناه في موضعه من كتابنا الكبير، إذ كان هذا ليس مما يجري مجرى من قتل في معركة أو غيرها فيذكر خبره هنا» و يشير أبو الفرج إلى خروج جماعة من الطالبيين في ثنايا ترجمة ثم يعقب على إشارته بقوله في صفحة 616«و لهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير،لم يحمل هذا الكتاب إعادتها لطولها و لأنا شرطنا ذكر خبر من قتل دون من خرج فلم يقتل».
كما انفردت المخطوطة بترجمة موجزة لمحمد بن القاسم بن علي أثبتها في هامش صفحة 577 و قد رجعت إلى النسخة المصورة فوجدتها قد اقتصرت عليها.
و قد خلت المخطوطة من تلك السلاسل الطويلة لأمهات المترجم لهم،كما خلت منها المصورة،و لكن بعض هذه السلاسل ثابت في النسخة التي نقل عنها ابن أبي الحديد.
من أجل ذلك كله لم أستطع الفصل-كما قلت-في هذه الاختلافات حتى يسفر البحث عن أصول معتمدة موثوق بصحتها.
و أمر آخر لا مناص من الإشارة إليه و هو أن المواضع التي أشار إليها أبو الفرج في هذا الكتاب،و أحال فيها على كتاب الأغاني لم أجد لها أثرا في أية طبعة من طبعات الأغاني،و تفسير ذلك عندي سهل يسير،فإن كتاب الأغاني مع الأسف البالغ لم يطبع إلى الآن طبعة كاملة تضم كل نصوصه و أخباره حتى طبعة دار الكتب نفسها،و لست أعني النقص في بعض الأخبار،أو الأشعار،و إنما أعني نقص التراجم الكاملة كترجمة مسلم بن الوليد صريع الغواني التي نقلها ناشر ديوانه عن إحدى مخطوطات الأغاني،و هي ترجمة طويلة تقع في 34 صفحة (1).2.
ص: 20
و لو قد استحضرت دار الكتب مخطوطات الأغاني لما خرج الكتاب ناقصا و لاستمتعنا بأخبار هؤلاء الطالبيين الذين لم يذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين.
و قد أتى أبو الفرج بروايات مدخولة،و أحاديث موضوعة لم يعقب عليها و لكنه أمر نقده على بعضها،كما فعل حين روى عن الضحاك قتل عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب لمحمد بن جعفر بن أبي طالب فإنه قال في التعقيب عليها صفحة 22:
«و هذه رواية الضحاك بن عثمان،و ما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد ابن جعفر قتيل عبيد اللّه بن عمر،و لا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل».
و كنت إذا ما رأيت أبا الفرج ينزع نزعة مسرحية نقلت من أقوال ثقاة المؤرخين ما يرجع الحق إلى نصابه،و يرد التاريخ إلى محرابه،كما صنعت في ترجمة عبد اللّه الأشتر صفحة 310-313.
و بعد فإن مقاتل الطالبيين كنز من كنوز الأدب و التاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف و مائتين من شهداء الطالبين،فأحسن الترجمة و صوّر بطولتهم تصويرا أخاذا يختلب الألباب،و يمتلك المشاعر و ذكر فيه من خطبهم و رسائلهم و أشعارهم،و محاوراتهم،و ما قيل فيهم و بسببهم من روائع الشعر و النثر،ما لا تجده مجموعا في كتاب سواه،إلاّ أن يكون منقولا عنه،أو ملخصا منه،فهو خير كتاب أخرج للناس في تاريخ الطالبيين و أدبهم،يجد فيه العلماء طلبتهم، و الأدباء ضالتهم،و يجد فيه القاصون منهم مادة خصيبة لإنتاجهم الفني.
و هو من أنفس الكتب التي تغذو العقول و القلوب و الأرواح جميعا.
ص: 21
و أوجز ما يقال في وصف مقاتل الطالبيين:إنه دائرة معارف لتاريخ الطالبيين و أدبهم في القرون الثلاثة الأولى.
و إني أحمد اللّه سبحانه أن وفقني لإخراجه على هذا النحو فإن كنت أصبت فالخير أردت،و إن تكن الأخرى فحسبي أنني بذلت و سعي حسبما اتسع له وقتي و يسرته للقارئ و جنّبته مصاعب كان يتشعب فيها فكره و يتبدد وقته،و أتحت للناقد أن يهجم على ما قد يكون فيه بفكر جميع و عقل نشيط فيستطيع أن يؤدي واجبه في يسر و سهولة.
و لن يبلغ نشر الكتب القديمة مبلغه من الصحة و الدقة المثلى إلاّ بالتعاون الوثيق بين الناشرين و الناقدين،و لطالما رددت هذا المعنى فيما كتبته من مقالات في النقد الأدبي.
و مما قلته في نقد كتاب«الشعر و الشعراء»الذي نشره القاضي الفاضل الشيخ«أحمد محمد شاكر».
«و إني أعتقد أنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون الناشر و ينشر ما يرتئيه من أخطاء و ما يعن له من ملاحظاته،فبمثل هذا التعاون العلمي المنشود تخلّص الكتب العربية من شوائب التحريف و التصحيف الذي منيت به على أيدي الناسخين قديما و الطابعين حديثا» (1).
و اللّه أسأل-كما سأله أبو الفرج-حسن التوفيق و المعونة على ما أرضاه من قول و أزلف لديه من عمد،و هو حسبنا و نعم الوكيل.
السيد أحمد صقر9.
ص: 22
بسم اللّه الرحمن الرحيم أخبرنا السيد الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني رضي اللّه عنه و أرضاه قرأته عليه قال:أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري (1)،و عبد اللّه بن الحسين بن محمد الفارسي (2)قراءة عليهما قالا:
أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني قال (3):
بحمد اللّه و الثناء عليه يفتتح كل كلام،و يبتدأ كل مقال كفاء لآلائه (4)، و شكرا لجميل بلائه.
و نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له شهادة من آمن بربوبيته، و اعترف بوحدانيته، و أن محمدا عبده و رسوله المبعوث برسالته،و الداعي إلى طاعته،و الموضح الحق ببرهانه،و المبين أعلام الهدى ببيانه،عليه و على آله
ص: 23
و أطايب أرومته (1)،و المصطفين من عترته (2)أفضل سلام اللّه و تحيته،و بركاته و رحمته.
و باللّه نستعين على ما أردناه،و قصدنا إليه و نحوناه،من أمر الدنيا و الآخرة،و العاجلة و الآجلة.
و به عزّ و تعالى نعوذ من كل عمل لا يرتضيه،فيردى (3)،و سعي لا يشكره فيكدى (4)،إذعانا بالتقصير و العجز،و تبرءوا من الحول و الطول (5)إلاّ بقدرته و مشيئته،و توفيقه و هدايته.و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت و إليه أنيب.
و صلى اللّه على نبيه محمد صلى اللّه عليه سيد الأولين و الآخرين،و خاتم النبيين و المرسلين أولا و آخرا،و بادئا و تاليا،و على أهل بيته الطيبين الطاهرين، و سلّم كثيرا.
و نحن ذاكرون في كتابنا هذا إن شاء اللّه و أيّد منه بعون و إرشاد جملا من أخبار من قتل من ولد أبي طالب منذ عهد رسول اللّه(ص)إلى الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب،و هو في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة و ثلثمائة للهجرة و من احتيل في قتله منهم بسمّ سقيه و كان سبب وفاته،و من خاف السلطان و هرب منه فمات في تواريه،و من ظفر به فحبس حتى هلك في محبسه،على السياقة لتواريخ (6)مقاتل من قتل منهم،و وفاة من توفي بهذه الأحوال،لا على قدر مراتبهم في الفضل و التقدم.و مقتصرون في ذكر أخبارهم على من كانخ.
ص: 24
محمود الطريقة،سديد المذهب،لا من كان بخلاف ذلك،أو عدل عن سبيل أهله و مذاهب أسلافه،أو كان خروجه على سبيل عيث و إفساد.و على أنا لا ننتفي من أن يكون الشيء من أخبار المتأخرين منهم فاتنا (1)و لم يقع إلينا، لتفرقهم في أقاصي المشرق و المغرب،و حلولهم في نائي الأطراف و شاسع المحال التي يتعذر علينا استعلام أخبارهم فيها،و معرفة قصصهم لاستيطانهم إيّاها سيما مع قصور زماننا (2)[هذا]و أهله،و خلوه من مدوّن الخبر،أو ناقل الأثر،كما كان المتقدمون قبلهم يدونون و يصنفون و ينظمون و يرصفون.
و من اعترف بالتقصير خلا من التأنيب/(3).
و جاعلون ما نؤلفه في هذا الكتاب و نأتي به،على أقرب ما يمكننا من الاختصار و نقدر عليه من الاقتصار، و جامعون فيه ما لا يستغنى عن ذكره من أخبارهم و سيرهم و مقاتلهم و قصصهم؛إذ كان استيعاب ذلك و جمعه من طرقه و وجوهه يطول جدا و يكثر و يثقل على جامعه و سامعه،و الاختصار لمثل هذا أخف على الحامل و الناقل.
و اللّه المسؤول حسن التوفيق و المعونة على ما أرضاه من قول،و أزلف لديه [من عمل] (3).و هو حسبنا و نعم الوكيل.
فأول قتيل منهم في الإسلام جعفر بن أبي طالب عليه السلام (4).و اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب،و هو شيبة بن هاشم و هو عمرو بن عبد مناف.
و يكنى أبا عبد اللّه فيما يزعم أهله.
ص: 25
و روى عن أبي هريرة قال:كان جعفر بن أبي طالب يكنى أبا المساكين (1).
حدّثني بذلك محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال:حدّثنا فضل بن الحسن المصري (2)قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم،قال:أخبرنا عبد الرازق عن معمر عن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة.
و كان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه،و كان طالب أكبرهم سنا، و يليه عقيل،و يلي عقيلا جعفر،و يلي جعفرا علي. و كل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين،و عليّ أصغرهم سنّا (3).
حدّثني بذلك أحمد بن محمد،بن سعيد الهمداني (4)،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،قال:حدّثنا الحسن بن محمد،قال:حدّثنا ابن أبي السري،عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس.
و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد (5)بن هاشم بن عبد مناف،و أمها فاطمة، و تعرف بحبّى بنت هرم بن رواحة،بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
و أمها حدية بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة[بن]عمرو بن شيبان (6)بن محارب بن فهر.ن.
ص: 26
و أمها فاطمة بنت عبيد (1)بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
و أمها سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
و أمها عاتكة بنت أبي همهمة.و اسم أبي همهمة عمرو بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن أبي وديعة بن الحارث بن فهر.
و أمها تماضر بنت أبي عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
و أمها حبيبة،و هي أمة اللّه بنت عبد يا ليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي و هو ثقيف.
و أمها فلانة بنت مخزوم بن أسامة بن صبح بن وائلة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.
و أمها ريطة بنت يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف.
و أمها كليبة بنت قصية (2)بن سعد بن بكر بن هوازن.
و أمها حبّى بنت الحارث بن النابغة بن عميرة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.
و فاطمة بنت أسدي،بن هاشم،أول هاشمية تزوجت هاشميا و ولدت له،و أدركت النبي(ص)، فأسلمت و حسن إسلامها،و أوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها،و صلّى عليها و نزل في لحدها و اضطجع معها فيه، و أحسن الثناء عليها.».
ص: 27
حدّثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال:حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن أيّوب،قال حدّثنا الحسن بن بشر،قال/(1)حدّثنا سعدان بن الوليد بيّاع السابري (2)،عن عطاء،عن ابن عباس قال.لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول اللّه(ص)قميصه و اضطجع معها في قبرها،فقال له أصحابه:يا رسول اللّه ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة.فقال:
«إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها.إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة،و اضطجعت معها في قبرها ليهون عليها».
حدّثني علي بن العباس المقانعي (3)قال:حدّثنا عبيد بن الهيثم،قال:
حدّثنا القاسم بن نصر،عن عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة عن الزبير بن سعد الهاشمي،عن أبيه،عن علي قال:أمرني رسول اللّه(ص) فغسلت أمي فاطمة بنت أسد.
حدّثني محمد بن الحسين الخثعمي قال:حدّثنا عباد بن يعقوب قال:
أخبرنا عمرو بن ثابت،عن عبد اللّه بن يسار،عن جعفر بن محمد قال:
كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب حادية عشرة،يعني في السابقة إلى الإسلام،و كانت بدرية.
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي [عن حسين بن حسين اللؤلؤي] (4)قال حدّثنا السّري بن سهل الجند نسابوري قال حدّثنا محمد بن عمرو ربيح (4)عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم،عن الحسن البصري،عن الزبير بن العوّام،قال:».
ص: 28
سمعت النبي(ص)يدعوا النساء إلى البيعة حين أنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ،و كانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول اللّه(ص).
حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:
حدّثنا بكر بن عبد الوهاب،قال:حدّثنا عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه،عن جده:
أن رسول اللّه(ص)دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة.
و السبب فيه و بعض أخباره
قرأت[ذلك]على محمد بن جرير الطبري في كتاب المغازي فأقرّ به.
قلت حدثكم محمد بن حميد الرازي قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق،قال:و قرئ بحضرتي على أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء.قيل حدثكم إسحاق المسيّبي (1).قال حدّثنا محمد بن فليح،عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري في خبر جعفر بن أبي طالب و رجوعه من بلاد الحبشة مع من رجع إلى النبي(ص)من المهاجرين إليها بأحاديث/(5)دخل بعضها في بعض،و ذكرت معانيها مفصلة برواية نقلتها في أماكنها و مواضعها.
حدّثني محمد بن إبراهيم بن أبان السرّاج،قال:حدّثنا بشار بن موسى الخفاف،قال:حدّثنا أبو عوانة،عن الأجلح،عن الشعبي-و اللفظ له.
قال:لما فتح النبي(ص)خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان اللّه عليه من
ص: 29
الحبشة فالتزمه رسول اللّه(ص)و جعل يقبّل بين عينيه و يقول:«ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» (1).
قال ابن إسحاق و ابن شهاب الزهري:
لما قدم جعفر من أرض الحبش بعث رسول اللّه(ص)بعثه إلى مؤتة.
قال ابن إسحاق خاصة عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير:
أنه بعث ذلك البعث في جمادي لسنة ثمان من الهجرة،و استعمل عليهم زيد بن حارثة،و قال:إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس،فإن أصيب جعفر فعبد اللّه،بن رواحة على الناس (2).
أخبرنا محمد بن جرير[قراءة عليه]قال:حدّثنا ابن حميد،قال:حدّثنا سلمة (3)،عن ابن إسحاق قال:حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر،أنه حدّث عن زيد بن أرقم قال:
مضى الناس،حتى إذا كانوا بتخوم البقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم و العرب،فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة،فالتقى الناس عندها و تعبأ المسلمون،فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة،و على ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له:عبادة بن مالك. ثم التقوا فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول اللّه(ص)حتى شاط (4)في رماح القوم (5).ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى[إذا ألحمه القتال]اقتحم عن فرس (6)له4.
ص: 30
شقراء فعقرها،ثم قاتل القوم حتى قتل.فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام (1).
أخبرنا محمد بن جرير،قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة و أبو ثميلة، عن محمد بن إسحاق،عن يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه [عباد] (2)،قال حدّثني أبي الذي أرضعني،و كان أحد بني مرّة بن عوف، و كان في تلك الغزوة غزوة مؤتة،قال:و اللّه لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها.ثم قاتل القوم حتى قتل (3).
حدّثنا أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه قال:حدّثني إبراهيم بن الوليد بن سلمة القرشي،قال حدّثني أبي،قال:حدّثنا عبد الملك بن عقبة، عن أبي يونس،عن عبد الرحمن بن سمرة،قال:
بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول اللّه يوم مؤتة (4)،فلما دخلت المسجد قال لي رسول اللّه(ص)/(6): على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد فقتل،فرحم اللّه زيدا ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فقاتل جعفر فقتل فرحم اللّه جعفرا.ثم أخذ اللواء عبد اللّه بن رواحة فقاتل عبد اللّه بن رواحة فقتل،فرحم اللّه عبد اللّه.
قال:فبكى أصحاب رسول اللّه(ص)و هم حوله فقال:ما يبكيكم؟ فقالوا:ما لنا لا نبكي و قد ذهب خيارنا و أشرافنا و أهل الفضل منا.فقال:لا تبكوا؛فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها (5)و هيأ مساكبها،و حلق سعفها،فأطعمت عاما فوجا،ثم عاما فوجا،ثم عاماا.
ص: 31
فوجا،فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا (1)،و أطولها شمراخا (2).
و الذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه.
قال أبو الفرج:
و فيما قال لي علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن الحسين بن عبيد اللّه بن العباس بن علي بن أبي طالب«اروه عني»،و أخرج إليّ كتاب عمّه محمد بن علي بن حمزة فكتبته عنه.قال علي بن عبد اللّه بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب:قتل جعفر و هو ابن ثلاث أو أربع و ثلاثين سنة.و هذا عندي شبيه بالوهم؛لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، و بين ذلك الوقت و بين مبعث رسول اللّه(ص)إحدى و عشرون سنة،و هو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام بعشر سنين،و كان لعلي حين أسلم سنون مختلف في عددها فالمكثر يقول كانت خمس عشرة،و المقلل يقول سبع سنين.
و كان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول اللّه(ص)لا خلاف في ذلك.و على أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين (3).
قال أبو إسحاق في حديثه الذي تقدم ذكره،و قد حدّثنا به أحمد بن محمد بن سعيد قال:حدّثنا يحيى بن الحسن قال:حدّثني إبراهيم بن علي بن عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب،عن أبيه،عن محمد بن إسحاق قال:
قال كعب بن مالك يرثي جعفر بن أبي طالب:
هدت العيون و دمع عينك يهمل *** سحّا كما و كف الضباب المخضل (4)
ص: 32
و كأنما بين الجوانح و الحشا *** مما تأوّبني شهاب مدخل (1)/(2)
وجدا على النّفر الذين تتابعوا *** يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
***صلى الإله عليهم من فتية و سقى عظامهم الغمام المسبل (3)
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم *** عند الحمام حفيظة أن ينكلوا (4)
إذ يهتدون بجعفر و لوائه *** قدّام أوّلهم و نعم الأوّل (5)
حتى تفرّقت الصفوف و جعفر *** حيث التقى وعث الصّفوف مجدّل (6)
***فتغيّر القمر المنير لفقده و الشمس قد كسفت و كادت تأفل (7)
[قوم بهم نصر الإله عباده *** و عليهم نزل الكتاب المنزل (7)]
و يهديهم رضى الإله لخلقه *** و بحدّهم نصر النبيّ المرسل (8)
بيض الوجوه ترى بطون أكفّهم *** تندى إذا اعتذر الزمان الممحل (9)».
ص: 33
حدّثنا حامد بن محمد البلخي،قال:حدّثنا عبد اللّه بن عمر القواريري قال:حدّثنا محبوب-يعني ابن الحسن-قال:حدّثنا خالد الحذّاء،عن عكرمة،عن أبي هريرة قال:
ما ركب أحد المطايا و لا ركب الكور،و لا انتعل،و لا احتذى النعال أحد بعد رسول اللّه(ص)أفضل من جعفر بن أبي طالب (1).
حدّثني أبو عبيد الصيرفي،قال:حدّثنا الفضل بن الحسن قال:حدّثنا إسحاق بن سليمان الخراز،قال:حدّثنا وكيع بن الجراح،عن فضيل بن مرزوق،عن أبي سعيد الخدري،قال:
قال رسول اللّه(ص): «خير الناس حمزة،و جعفر و علي عليهم السلام» (2).
حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثنا الفضل،قال:حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل،قال:حدّثنا عبد اللّه بن جعفر المدني،عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه،عن أبي هريرة،قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:
رأيت جعفرا ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين (3).
حدّثني أحمد بن محمد،قال:حدّثني يحيى بن الحسن،قال:
حدّثنا سلمة بن شبيب،قال:حدّثنا وهب بن وهب،قال:حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه،قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
خلق الناس من أشجار شتى،و خلقت أنا و جعفر من طينة واحدة (4).
حدّثنا محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا محمد بن عبيد3.
ص: 34
المحاربي،قال:حدّثنا علي بن غراب،عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لجعفر:
أنت أشبهت خلقي و خلقي (1).
حدّثني محمد بن الحسين[الأشناني]قال:حدّثنا جعفر بن محمد الرماني،قال:حدّثنا محمد بن جبلة،قال:حدّثنا محمد بن بكر،قال:
حدّثنا أبو الجارود،قال:حدّثني عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه عن جده،قال:
خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو يقول:
الناس/(8)من شجر شتى و أنا و جعفر من شجرة واحدة (2).
و محمد بن جعفر بن أبي طالب (3)لا تعرف كنيته (4).
و أمه أسماء بنت عميس (5)بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن بشير بن وهب اللّه بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل و هو خثعم.
و أمها هند بنت عوف بن الحارث و هو حماطة (6)،بن ربيعة بن ذي جليل بن جرش و اسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد
ص: 35
شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير و هو العرنجج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
و هند هذه التي هي أم أسماء بنت عميس التي قيل فيها:الجرشية أكرم الناس أحماء.جرش من اليمن.
و ابنتها أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب،ثم أبو بكر، ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
و ابنتها الأخرى ميمونة أم المؤمنين زوجة النبي(ص) (1).
و ابنتها الأخرى لبابة أم الفضل (2)،أخت ميمونة،أم ولد العباس بن عبد المطلب.
و ابنتها الأخرى سلمى بنت عميس أم ولد حمزة بن عبد المطلب (3).
و أحماء هذه الجرشية:رسول اللّه(ص)،و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و الحمزة،و العباس،و جعفر،و أبو بكر،و من أحمائها أيضا الوليد بن المغيرة المخزومي فأم خالد بن الوليد:أم الفضل الكبرى بنت الحارث أخت أسماء لأمها.
و هي أم جميع ولد جعفر بن أبي طالب.
و تزوجت الجرشية الحارث بن الجون بن بجير بن الهرم بن رويبة (4)بن عبد اللّه بن هلال بن عامر،فولدت منه ميمونة زوجة النبي(ص)،و أم الفضل أختها تزوجها العباس فولدت له عبد اللّه،و عبيد اللّه،و الفضل و معبدا و قثم.
و ذكرها الحسن،بن زيد،بن الحسن،بن علي فقال:
كانت الجرشية أكرم الناس أحماء،ذكر رسول اللّه(ص)،و عليّاة.
ص: 36
و حمزة،و جعفر،و العباس،و لم يذكر أبا بكر،و كان في مجلسه جماعة من ولده فرأى ذلك قد شقّ عليهم فقال:و أبو بكر بعد سكوت طويل (1).
و لما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر (2)فولدت له محمدا.ثم توفى فخلف عليها علي بن أبي طالب (3)فولدت له يحيى بن علي،و توفي في حياة أبيه،و لا عقب له.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن (4)،قال:حدّثني أبو يونس محمد بن أحمد،قال:حدّثنا إبراهيم بن المنذر (5)،قال:حدّثني عبد الرحمن بن المغيرة عن أبيه عن الضحاك بن عثمان،قال:
خرج عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب في كتيبة يقال لها الخضراء،و كان بإزائه محمد بن جعفر بن أبي طالب معه راية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب التي تسمى الجموح،و كانا في عشرة آلاف. فاقتتلوا قتالا شديدا.
قال:فلقد ألقى اللّه عزّ و جلّ عليهم الصبر،و رفع عنهم النصر،فصاح عبيد اللّه حتى متى هذا الحذر؟أبرز حتى أناجزك،فبرز له محمد،فتطاعنا حتى انكسرت رماحهما،ثم تضاربا حتى انكسر سيف محمد،و نشب سيف عبيد اللّه بن عمر في الدرقة،فتعانقا و عض كل واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما،و حمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضا،حتى صار عليهما مثل التل العظيم من القتلى (6).».
ص: 37
و غلب علي عليه السلام على المعركة فأزال أهل الشام عنهما،و وقف عليهما فقال اكشفوا[هؤلاء القتلى عن ابن أخي فجعلوا يجرون القتلى عنهما حتى كشفوهما] (1)فإذا هما متعانقان،فقال علي عليه السلام:أما و اللّه لعن غير حب تعانقتما.
قال أبو الفرج:
هذه رواية الضحاك بن عثمان.و ما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد بن جعفر قتيل عبيد اللّه بن عمر،و لا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل.
و قد حدّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي بخبر مقتل عبيد اللّه بن عمر في كتاب صفين،قال:حدّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم [المنقري]،قال:حدّثنا أبي،قال:حدّثنا عمر بن سعيد البصري،عن أبي مخنف لوط،بن يحيى الأزدي عن جعفر،بن القاسم عن زيد بن علقمة عن زيد بن بدر،قال:
خرج عبيد اللّه بن عمر في كتيبته الرقطاء،و هي الخضرية و كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر (2)،إذ مرّ الحسن بن علي عليهما السلام فإذا هو برجل متوسد قتيل قد ركّز رمحه/(9)في عينه و ربط فرسه برجله فقال الحسن عليه السلام:انظروا من هذا؟فإذا الرجل من همدان،و إذا القتيل عبيد اللّه قد قتله و بات عليه حتى أصبح،ثم سلبه (3)ثم اختلفوا في قاتله (4)فقالته.
ص: 38
همدان:قتله هانئ بن الخطاب،و قالت حضرموت:قتله مالك بن عمرو التّبعي (1)،و قالت بكر بن وائل قتله رجل من تيم اللّه بن ثعلبة يقال له مالك بن الصحصح (2)من أهل البصرة،و أخذ سيفه ذا الوشاح فبعث معاوية[إليه] حين بويع له و هو بالبصرة فأخذ منه السيف (3).
و كذلك روى عن جماعة من أهل السيرة في مقتل عبيد اللّه[بن عمر]أو شبيه به،و اللّه أعلم أي ذلك كان.
و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و يكنى أبا الحسن و أبا الحسين.
و روى عنه عليه السلام أنه قال:كان الحسن في حياة رسول اللّه(ص)يدعوني أبا الحسين.و كان الحسين يدعوني أبا الحسن و يدعوان رسول اللّه(ص) أباهما،فلما توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم دعواني بأبيهما (4).
و كانت فاطمة بنت أسد أمه رحمة اللّه عليها لما ولدته سمته حيدرة، فغير أبو طالب اسمه و سمّاه عليّا (5).
و قيل إن ذلك اسم كانت قريش تسميه به.
و القول الأول أصح.و يدل عليه خبره يوم خيبر و قد برز إليه مرحب اليهودي و هو يقول:
ص: 39
قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب (1)فبرز إليه علي عليه السلام و هو يقول (2):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة *** كليث غاب في العرين قسوره (3)
أكيلكم بالصاع كيل السندره (4)حدّثني محمد بن الحسين،قال حدّثنا عباد[بن يعقوب] (5)قال حدّثنا موسى بن عمير القرشي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده:و ذكر سهل بن سعد الساعدي أن رسول اللّه(ص)كناه أبا تراب و كانت من أحب ما يكنى به إليه (6).و كانت بنو أمية دعت سهلا إلى أن يسبه على المنبر.
حدّثني علي بن إسحاق بن عيسى المخزومي (7)،قال حدّثنا محمد بن بكار بن الرّيان (8)،قال حدّثنا أبو معشر عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:
كان بين علي و فاطمة شيء فجاء رسول اللّه(ص)/(10)يلتمس عليّا فلم يجده،فقال لفاطمة:أين هو؟قالت:كان بيني و بينه شيء فخرج من عندي و هو غضبان،فالتمسه رسول اللّه(ص)فوجده في المسجد راقدا و قد زال رداؤه عنه و أصابه التراب،فأيقظه رسول اللّه(ص)و جعل يمسح التراب عن ظهره و قال له:إجلس فإنما أنت أبو تراب.و كنا نمدح عليّا إذا قلنا له أبو9.
ص: 40
تراب (1).
فحدّثني علي بن إسحاق،قال حدّثنا عثمان بن أبي شيبة،قال حدّثنا خالد بن مخلد،قال حدّثنا سلمان بن بلال،قال حدّثني أبو حازم بن دينار، قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول:
إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب،و إن كان ليفرح أن يدعى بها،و ما سمّاه بذلك إلاّ رسول اللّه(ص).
و كان رسول اللّه(ص)أخذ عليّا من أبيه و هو صغير في سنة أصابت قريشا و قحط نالهم،و أخذ حمزة جعفرا،و أخذ العباس طالبا ليكفوا أباهم مؤنتهم و يخففوا عنه ثقلهم،و أخذ هو عقيلا لميله كان إليه فقال رسول اللّه (ص):اخترت من اختار اللّه لي عليكم عليا (2).
حدّثني بذلك أحمد بن الجعد الوشاء قال حدّثنا عبد الرحمن بن صالح، قال حدّثنا علي بن عابس عن هرون بن سعد عن زيد بن علي.
و كانت سنه يوم أسلم إحدى عشرة سنة على أصح ما ورد من الأخبار في إسلامه،و قد قيل ثلاث عشر سنة،و قيل سبع سنين. و الثابت إحدى عشرة، لأن رسول اللّه(ص)بعث و هذه سنوه فأقام معه بمكة ثلاث عشرة،و بالمدينة عشرا.و عاش بعد رسول اللّه(ص)ثلاثين سنة تنقص شهورا.و قال في خطبته التي حدّثني بها العباس بن علي النسائي و غيره،قالوا حدّثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدّثنا شبابة بن سوار (3)قال حدّثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي صادق:إنه عليه السلام خطب الناس و قد بلغه خبر غارة الغامدي على الأنبار فقال في خطبته:لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب،و يحهم و هل فيهم أشد مراسا لها4.
ص: 41
مني! و اللّه لقد دخلت فيها و أنا ابن عشرين سنة،و أنا الآن قد نيفت على الستين،و لكن لا رأي لمن لا يطاع (1).
و كان عليه السلام أسمر مربوعا و هو إلى القصر أقرب عظيم البطن دقيق الأصابع غليظ الذراعين،حمش الساقين،في عينيه لين،عظيم اللحية/(11)،أصلع ناتئ الجبهة (2).
قال أبو الفرج:و صفته هذه وردت بها الروايات متفرقة فجمعتها،و أتم ما ورد فيها من الأخبار حديث حدّثني به أحمد بن الجعد و عبد اللّه بن محمد البغوي قالا (3)حدّثنا سويد بن سعيد،قال حدّثنا داود بن عبد الجبار عن أبي إسحاق،قال:
أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت عليا يخطب على المنبر شيخا أصلع ناتئ الجبهة عريض ما بين المنكبين له لحية قد ملأت صدره في عينه اطرغشاش،قال داود يعني لينا في العين. قال فقلت لأبي:من هذا يا أبه؟ فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه(ص)و أخو رسول اللّه و وصي رسول اللّه و أمير المؤمنين صلوات اللّه و رضوانه و سلامه عليه.
قال أبو الفرج:و قد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع.و فضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى،و القليل منها لا موقع له في مثل هذا الكتاب، و الإكثار يخرجنا عمّا شرطناه من الاختصار،و إنما ننبه على من خمل عند بعض الناس ذكره أو لم يشع فيهم فضله.فأمير المؤمنين عليه السلام بإجماع المخالف و الممالي،و المضاد و الموالي،على ما لا يمكن غمطه و لا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة لا المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفضيله بقول و الاستشهاد عليه برواية.».
ص: 42
و السبب فيه
حدّثني به أحمد بن عيسى العجلي العطار قال حدّثني الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدّثنا زيد بن المعذل النمري قال حدّثنا يحيى بن سعيد الجزار (1)عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد.
[عن عبد الرحمن بن عبيد اللّه عن جماعة] (2).من الرواة قد ثبت ما رووه في مواضعة و حدّثني أيضا بمقتله عليه السلام محمد بن الحسين الأشناني قال حدّثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي (3)قال حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني قال حدّثنا إسماعيل بن راشد و دخل حديثه في حديث من قدّمت ذكره،و حدّثنا ببعضه أحمد بن محمد بن دلاّن الخيشي (4)و أحمد بن الجعد الوشاء و محمد بن جرير الطبري و جماعة غيرهم قالوا حدّثنا أبو هشام الرفاعي قال حدّثنا أبو أسامة قال حدّثنا أبو حباب قال حدّثنا أبو عون الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي حديثا ذكر فيه مقتله فأتيت بأشياء منه في مواضعها من سياقة الأحاديث،و أكثر اللفظ في ذلك لأبي مخنف،إلاّ ما عسى أن يقع فيه خلاف فأبينه قال:
اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم و عابوا أعمالهم عليهم (5)/(12)و ذكروا أهل النهروان و ترحموا عليهم و قال بعضهم لبعض (6)فلو أنا شرينا أنفسنا للّه فأتينا أئمة الضلال و طلبنا غرّتهم فأرحنا منهم العباد و البلاد و ثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان،فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء
ص: 43
الحج،فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه أنا أكفيكم عليا،و قال أحد الآخرين:أنا أكفيكم معاوية، و قال الثالث:أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاقدوا و تواثقوا على الوفاء ألا ينكل واحد منهم عن صاحبه الذي يتوجه إليه و لا عن قتله و اتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملجم عليا عليه السلام.
قال أبو مخنف قال أبو زهير (1)العبسي:الرجلان الآخران،البرك بن عبد اللّه التميمي و هو صاحب معاوية،و الآخر عمرو بن بكر التميمي و هو صاحب عمرو بن العاص.
فأما صاحب معاوية فإنه قصده (2)فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته في إليته،و أخذ،فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة،فقال اسماعيل بن راشد في حديثه:فقال:إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ و إما أن أسقيك دواء فتبرأ و ينقطع نسلك.قال أما النار فلا أطيقها،و أما النسل ففي يزيد و عبد اللّه ما يقرّ عيني و حسبي بهما، فسقاه الدواء،فعوفي و عالج جرحه حتى التأم و لم يولد له بعد ذلك.
قال و قال له البرك بن عبد اللّه إن لك عندي بشارة،قال:و ما هي؟ فأخبره بخبر صاحبيه،و قال له:إن عليا يقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري،و إن لم يقتل أعطيتك العهود و المواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم فيّ بما تراه،فحبسه عنده،فلما أتاه أن عليا قد قتل خلى سبيله.
و قال غيره من الرواة بل قتله من وقته.
قال و أما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة و قد وجد علة فأخذ دواء و استخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة أحد بني عامر بن لؤي،فخرج للصلاة و شد عليه عمرو بن بكر فضربه بسيفه فأثبته،2.
ص: 44
و أخذ الرجل فأتى به عمرو العاص فقتله،و دخل من غد إلى خارجة و هو يجود بنفسه فقال له:أما و اللّه أبا عبد اللّه ما أراد غيرك،قال عمرو:و لكن اللّه أراد خارجة.
رجع الحديث إلى خبر ابن ملجم لعنه اللّه.فحدّثني محمد بن الحسين الأشناني و غيره قالوا حدّثنا علي بن المنذر الطريقي (1)قال حدّثنا ابن فضيل قال حدّثنا فطر (2)/(13)عن أبي الطفيل قال:
جمع أمير المؤمنين علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده مرتين أو ثلاثا ثم بايعه،فقال له علي:ما يحبس أشقاها؟فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه،ثم قال:
أشدد حيازيمك للمو *** ت فإن الموت لاقيك
و لا تجزع من المو *** ت إذا حل بواديك
قال:و روى غيره أن عليا أعطى الناس فلما بلغ إلى ابن ملجم قال:
أريد حياته و يريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد (3)
أخبرنا الحسن بن علي الوشاء في كتابه إليّ قال حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدّثنا فطر عن أبي الطفيل بنحو من هذا الحديث (4).
حدّثني أحمد بن عيسى العجلي قال حدّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدّثنا زيد بن المعذل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال:كان ابن ملجم من مراد و عداده في كندة فأقبل حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه و كتمهم أمره و طوى عنهم ما تعاقد هو و أصحابه عليه بمكة من قتل أمراء».
ص: 45
المسلمين مخافة أن ينشر منه شيء (1)و أنه زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب،و كان علي قتل أباها و أخاها بالنهروان، و كانت من أجمل نساء أهل زمانها،فلما رآها ابن ملجم لعنه اللّه شغف بها و اشتد إعجابه،فخبر خبرها فخطبها فقالت له:ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها؟احتكمي ما بدا لك.فقالت:أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم و وصيفا و خادما و قتل علي بن أبي طالب،فقال لها:لك جميع ما سألت،فأما قتل علي فأنى لي بذلك؟فقالت:تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي و هنأك العيش معي،و إن قتلت فما عند اللّه خير لك من الدنيا،قال لها:أما و اللّه أقدمني هذا المصر و قد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله إلاّ ما سألتني من قتل علي، فلك ما سألت،قالت له:فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك و يقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر و سألته معونة ابن ملجم لعنه اللّه،فتحمل ذلك لها، و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له:يا شبيب،هل لك في شرف الدنيا و الآخرة؟قال:و ما هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، و كان شبيب على رأي الخوارج،فقال له:يا بن ملجم هبلتك الهبول.لقد جئت شيئا إدّا،و كيف نقدر على ذلك؟قال له ابن ملجم:
نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فقتلناه،فإذا نحن قتلناه شفينا أنفسنا و أدركنا ثأرنا،فلم يزل به حتى أجابه،فأقبل معه حتى دخل على قطام و هي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة،فقالا لها:قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل/(14).
قالت لهما:فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع.فانصرفا من عندها فلبثا أياما.ثم أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين.هكذا في حديث أبي مخنف،و في حديث أبي عبد الرحمن السلمي أنها كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان،و هو أصح. فقال لها ابن2.
ص: 46
ملجم:هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيّ و واعداني أن يقتل كل واحد منا صاحبه الذي يتوجه إليه.فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم،و تقلّدوا سيفهم،و مضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة.
حدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدّثنا الحسين بن نصر،قال:حدّثنا زيد بن المعذل،عن يحيى بن شعيب،عن أبي مخنف،عن الأسود و الأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس-لعنهما اللّه-في الليلة التي أراد فيها بعليّ ما أراد،و الأشعث في بعض نواحي المسجد.فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم-لعنه اللّه-النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر:قتلته يا أعور. و خرج مبادرا إلى علي و أسرج دابته و سبقه ابن ملجم- لعنه اللّه-فضرب عليا.و أقبل حجر و الناس يقولون:قتل أمير المؤمنين.
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني:
و للأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين-عليه السلام-أخبار يطول شرحها منها ما حدّثنيه محمد بن الحسين الأشناني قال:حدّثنا إسماعيل بن موسى بن بنت السدي (1)قال:حدّثنا علي بن مسهر،عن الأجلح عن موسى بن أبي النعمان قال:
جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه فردّه قنبر،فأدمى الأشعث أنفه.
فخرج علي و هو يقول:ما لي و لك يا أشعث،أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لا قشعرت شعيراتك،قيل:يا أمير المؤمنين و من غلام ثقيف؟ قال:غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلا.قيل:يا أمير المؤمنين:
كم يلي؟و كم يمكث؟قال:عشرين إن بلغها.
حدّثني محمد بن الحسين الأشناني.قال:حدّثني إسماعيل بن موسى.
قال:حدّثني رجل،عن سفيان بن عيينة،عن جعفر بن محمد قال:حدّثتني1.
ص: 47
امرأة منّا قالت:
رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي-عليه السلام-فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به.فقال له علي عليه السلام:أبا لموت تهددني، فو اللّه ما أبالي وقعت على الموت،أو وقع الموت عليّ.
حدّثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي بهذين الحديثين،عن فضل المصري عن إسماعيل[ابن بنت السدي].
رجع الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين.
قال أبو مخنف:فحدّثني أبي عن عبد اللّه بن محمد الأزدي،قال (1):
إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياما و قعودا،و ركوعا و سجودا،ما يسأمون،إذ خرج على صلاة الفجر،فأقبل ينادي:الصلاة الصلاة،فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيف؟و سمعت قائلا يقول:الحكم للّه يا علي لا لك و لا لأصحابك،ثم رأيت بريق سيف آخر ثانيا و سمعت عليا يقول:لا يفوتنكم الرجل.
و قال إسماعيل بن راشد في حديثه،و وافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه (2)و وقعت ضربته في الطاق، و ضربه ابن ملجم-لعنه اللّه-فأثبت الضربة في وسط رأسه.
و قال عبد اللّه بن محمد الأزدي في حديثه:و شد الناس عليه من كل ناحية حتى أخذوه.
قال أبو مخنف:فذكرت همدان أن رجلا منهم يكنى أبا أدماء من مرهبة أخذه،و قال يزيد بن أبي زياد:أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب طرح عليه قطيفة ثم صرعه.و أخذ السيف من يده و جاء به.2.
ص: 48
و أما شبيب بن بجرة فإنه خرج هاربا،فأخذه رجل فصرعه؛و جلس على صدره و أخذ السيف من يده ليقتله،فرأى الناس يقصدون نحوه،فخشي أن يعجلوا عليه و لا يسمعوا منه،فوثب عن صدره و خلاه،و طرح السيف من يده.و مضى الرجل هاربا حتى دخل منزله. و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره،فقال له:ما هذا؟لعلّك قتلت أمير المؤمنين،فأراد أن يقول:لا،فقال:نعم.فمضى ابن عمّه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.
قال أبو مخنف:فحدّثني أبي،عن عبد اللّه بن محمد الأزدي،قال:
ادخل ابن ملجم لعنه اللّه على عليّ،و دخلت عليه فيمن دخل،فسمعت عليا يقول:النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، و إن سلمت رأيت فيه رأيي (1)،فقال ابن ملجم-لعنه اللّه-و اللّه لقد ابتعته بألف،و سممته بألف، فإن خانني فأبعده اللّه.قال:و نادته أم كلثوم:يا عدو اللّه قتلت أمير المؤمنين.
قال:إنما قتلت أباك.قالت يا عدو اللّه.إني لأرجو أن ألا يكون عليه بأس.
قال لها:فأراك إنما تبكين عليا.إذا و اللّه لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم (2).
قال و أخرج ابن ملجم-لعنه اللّه-و هو يقول:قال إسماعيل بن راشد في حديثه و الشعر لابن أبي مياس الفزاري (3):
و نحن ضربنا يا بنة الخير إذ طغى *** أبا حسن مأمومة فتقطرا (4)
هذا البيت لأبي مخنف وحده،و زاد إسماعيل هذين البيتين:».
ص: 49
و نحن خلعنا ملكه عن نظامه *** بضربة سيف إذ علا و تجبرا
و نحن كرام في الصباح أعزة *** إذا المرء بالموت ارتدى و تأزرا (1)
قال أبو مخنف.فحدّثني بعض أصحابنا،عن صالح بن ميثم،عن أخيه عمران قال:
لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن ملجم لعنه اللّه ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع و هم يقولون له:يا عدو اللّه،ما ذا فعلت؟ أهلكت أمة محمد(ص)،و قتلت خير الناس.و إنه لصامت ما ينطق.
قال أبو مخنف:و حدّثني معروف بن خربوذ (2)عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي و قد أتاه عائدا،فلم يكن له عليه إذن،فقال صعصعة للآذن:قل له يرحمك اللّه يا أمير المؤمنين حيا و ميتا، فو اللّه لقد كان اللّه في صدرك عظيما،و لقد كنت بذات اللّه عليما،فأبلغه الآذن مقالة صعصعة،فقال له علي:قل له و أنت يرحمك اللّه،فلقد كنت خفيف المؤونة،كثير المعونة (3).
قال:و قال رجل يذكر أمر قطام و ابن ملجم لعنهما اللّه و قال محمد بن [الحسين الأشناني] (4)في حديثه عن المسروقي و هو ابن أبي مياس[الفزاري]:
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة *** كمهر قطام من فصيح و أعجم (5)
***ثلاثة آلاف و عبد وقينة و ضرب علي بالحسام المصمم
و لا مهر أغلى من علي و إن علا *** و لا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم
و أنشدنا حبيب بن نصر المهلبيّ،قال:أنشدنا الرياشي أحسبه عن أبي8.
ص: 50
عبيدة (1)لعمران بن حطان-لعنه اللّه-يمدح ابن ملجم لعنه اللّه و غضب عليهما بقتل أمير المؤمنين عليه السلام:
يا ضربة من كمي ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
أني لأفكر فيه ثم أحسبه *** أو في البرية عند اللّه ميزانا (2)
كذب.لعنهما اللّه و عذبهما.
حدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدّثني الحسن بن نصر (3)،قال:حدّثنا زيد بن المعذل،عن يحيى بن شعيب،عن أبي مخنف،قال:حدّثني عطية بن الحرث،عن عمر بن تميم و عمرو بن أبي بكار أن عليا لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هانئ السكوني، و كان متطبّبا صاحب كرسي يعالج الجراحات،و كان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم،و إن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين-عليه السلام-دعا برئة شاة حارة و استخرج عرقا منها،فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له: يا أمير المؤمنين إعهد عهدك فإن عدو اللّه قد وصلت ضربته إلى أم رأسك.فدعا علي عند ذلك بصحيفة و دواة و كتب وصيته (4).
بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،و أن محمدا عبده و رسوله،أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون،صلوات اللّه و بركاته عليه.
إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (5) .62
ص: 51
أوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغه كتابي هذا بتقوى اللّه ربنا و لا تموتن و إلاّ أنتم مسلمون،و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرقوا،فإني سمعت رسول اللّه يقول:إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام، و إن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين.و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون اللّه عليكم الحساب.اللّه اللّه في الأيتام فلا تغيّرن أفواههم بجفوتكم (1)، و اللّه اللّه في جيرانكم فإنها وصية رسول اللّه(ص)ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.
و اللّه اللّه في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم،و اللّه اللّه في الصلاة فإنها عماد دينكم.
و اللّه اللّه في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم،فإنه إن ترك لم تناظروا و إنه إن خلا منكم لم تنظروا.
و اللّه اللّه في صيام شهر رمضان فإنه جنة من النار،و اللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم.
و اللّه اللّه في زكاة أموالكم فإنها تطفئ غضب ربكم.
و اللّه اللّه في أمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم.و اللّه اللّه في أصحاب نبيكم فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوصى بهم.
و اللّه اللّه في الفقراء و المساكين فأشركوهم في معايشكم،و اللّه اللّه فيما ملكت أيمانكم[فإنها (2)كانت آخر وصية رسول اللّه(ص)إذ قال:أوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم] (3).
ثم قال:الصلاة الصلاة.لا تخافوا في اللّه لومة لائم فإنه يكفكم من بغى».
ص: 52
عليكم و أرادكم بسوء قولوا للناس حسنا كما أمركم اللّه،و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فيولّي الأمر عنكم و تدعون فلا يستجاب لكم.
عليكم بالتواضع و التباذل و التبار،و إيّاكم و التقاطع و التفرق و التدابر:
وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (1) حفظكم اللّه من أهل بيت، و حفظ فيكم نبيه،استودعكم اللّه خير مستودع و أقرأ عليكم سلام اللّه و رحمته.
حدّثني أحمد بن محمد بن دلان،و أحمد بن الجعد،و محمد بن جرير الطبري (2)،قالوا:حدّثنا أبو هشام الرفاعي،قال:حدّثنا أبو أسامة،قال:
حدّثني أبو جناب،قال:حدّثني أبو عون الثقفي،عن أبي عبد الرحمن السلمي،عن الحسن بن علي قال:
خرجت أنا و أبي نصلي في هذا المسجد،فقال لي:يا بني،إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة (3)يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي،فسنح لي رسول اللّه(ص)،فقلت:يا رسول اللّه، ما ذا لقيت من أمتك من الأود و اللدد؟فقال لي:ادع عليهم.فقلت:«اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم،و أبدلهم بي من هو شر لهم مني»، و جاء ابن النباح (4).فآذنه بالصلاة فخرج و خرجت خلفه فاعتوره الرجلان فأما أحد فوقعت ضربته في الطاق،و أما الآخر فأثبتها في رأسه (5).
[قال أبو الفرج الأود العوج،و اللد الخصومات] (6):
حدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدّثنا الحسن (7)بن نصر،قال:حدّثنا».
ص: 53
زيد بن المعذل،عن يحيى بن شعيب،عن أبي مخنف،عن فضيل بن خديج،عن الأسود و الكندي و الأجلخ (1)قالا:
توفي أمير المؤمنين علي-عليه السلام-و هو ابن أربع و ستين سنة،سنة أربعين في ليلة الأحد لإحدى و عشرين ليلة مضت من شهر رمضان،و ولي غسله ابنه الحسن بن علي و عبد اللّه بن العباس،و كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.و صلّى عليه ابنه الحسن و كبّر عليه خمس تكبيرات،و دفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح.
و دعا الحسن بعد دفنه بابن ملجم-لعنه اللّه-فأتى به (2)فأمر بضرب عنقه،فقال له:إن رأيت أن تأخذ على العهود أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن أمضي إلى الشام فأنظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله و إلاّ قتلته ثم أعود إليك.تحكم فيّ بحكمك،فقال له الحسن:هيهات.و اللّه لا تشرب الماء البارد أو تلحق روحك بالنار،ثم ضرب عنقه فاستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه فوهبها لها فأحرقتها بالنار.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي،قال:
حدّثنا يعقوب بن زيد (3)،قال:حدّثني ابن أبي عمير،عن الحسن بن علي الخلال،عن جده،قال:
قلت للحسن بن علي:أين دفنتم أمير المؤمنين؟قال:خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على مسجد الأشعث،حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغرى.
حدّثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي،قال:حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن،قال:حدّثنا إسماعيل بن راشد بإسناده،قال:د.
ص: 54
لما أتى عائشة نعى علي أمير المؤمنين-عليه السلام-تمثّلت:
فألقت عصاها و استقرت بها النوى *** كما قرّ عينا بالأياب المسافر (1)
ثم قالت:من قتله؟فقيل:رجل من مراد،فقالت:
فإن يك نائبا فلقد بغاه *** غلام ليس في فيه التراب
فقالت لها زينب بنت أم سلمة:ألعلي تقولين هذا؟فقالت:إذا نسيت فذكروني،قال:ثم تمثلت:
ما زال إهداء القصائد بيننا *** باسم الصديق و كثرة الألقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم *** في كل مجتمع طنين ذباب (2)
قال:و كان الذي جاءها بنعيه سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس بن أبي وقاص هذا أو نحوه.حدّثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا أحمد بن حازم،قال:حدّثنا عاصم بن عامر،و عثمان بن أبي شيبة،قالا:حدّثنا جرير،عن الأعمش،عن عمرو (3)بن مرة،عن أبي البختري،قال:لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت.قال أبو مخنف:
و قالت أم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- عليه السلام- (4):
ألا يا عين ويحك فاسعدينا *** ألا تبكي أمير المؤمنينا
***رزئنا خير من ركب المطايا و خيّسها و من ركب السفينا (5)
و من لبس النعال و من حذاها *** و من قرأ المثاني و المئينا (6)
و كنا قبل مقتله بخير *** نرى مولى رسول اللّه فينا».
ص: 55
يقيم الدين لا يرتاب فيه *** و يقضي بالفرائض مستبينا
و يدعو للجماعة من عصاه *** و ينهك (1)قطع أيدي السارقينا
***و ليس بكاتم علما لديه و لم يخلق من المتجبرينا
لعمر أبي لقد أصحاب مصر *** على طول الصحابة أوجعونا
و غرونا بأنهم عكوف *** و ليس كذاك فعل العاكفينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا *** بخير الناس طرا أجمعينا
و من بعد النبي فخير نفس *** أبو حسن و خير الصالحينا
كأن الناس إذ فقدوا عليا *** نعام جال في بلد سنينا
و لو أنا سئلنا المال فيه *** بذلنا المال فيه و البنينا
***أشاب ذؤابتي و أطال حزني أمامة حين فارقت القرينا
تطوف بها لحاجتها إليه *** فلما استيأست رفعت رنينا
***و عبرة أم كلثوم إليها تجاوبها و قد رأت اليقينا
فلا تشمت معاوية بن صخر *** فإن بقية الخلفاء فينا
و أجمعنا الإمارة عن تراض *** إلى ابن نبينا و إلى أخينا
و لا نعطي زمام الأمر فينا *** سواه الدهر آخر ما بقينا
***و إن سراتنا و ذوي حجانا تواصو أن نجيب إذا دعينا
بكل مهنّد عضب و جرد *** عليهن الكماة مسوّمينا (2)
أخبرني عمي الحسن بن محمد،قال:أنشدني محمد بن سعد الكناني (3)لبعض بني عبد المطلب يرثي أمير المؤمنين عليه السلام،و لم يعرف اسمه:
يا قبر سيدنا المجن له *** صلّى الإله عليك يا قبر (4)».
ص: 56
ما ضر قبرا أنت ساكنه *** أن لا يحل بأرضه القطر (1)
فليندين سماح كفك في الثرى *** و ليورقن بجنبك الصخر (2)
***و اللّه لو بك لم أجد (3)أحدا إلاّ قتلت،لفاتني الوتر
و الحسن بن علي (4)بن أبي طالب-عليهما السلام-و يكنى أبا محمد (5)و أمه فاطمة بنت رسول اللّه(ص) (6)،و كانت فاطمة تكنى أم أبيها،ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي،حدّثني به محمد بن زكريا الصحاف،عن أبي نعيم الفضل بن دكين،عن الحسين بن زيد بن علي،عن جعفر بن محمد عن أبيه.
و أمها خديجة (7)،تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
و أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
و أمها هالة بنت[عبد] (8)مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
و أمها العرقة،و هي قلابة (9)بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن
ص: 57
هصيص بن كعب بن لؤي.و إنما سميت العرقة لطيب عرقها و عطرها،و كانت مبدنة،و كانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة.
و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي.
و أمها الحظيا و هي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
و أمها مارية (1)و يقال قيلة بنت حذافة بن جمح.
و أمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان (2)و اسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمرو بن قوي (3)بن ملكان بن أفصى من خزاعة.
و أمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة.
و أمها ليلى بنت عابس (4)بن الظرب بن الحرث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
و أمها سلمى بنت لؤي (5)بن غالب.
و أمها ليلى بنت محارب (6)بن فهر.
و أمها عاتكة بنت مخلد (7)بن النضر بن كنانة.
و أمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة.
و أمها مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم و اسمها أسماء بنت جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
و تزوجت خديجة-صلوات اللّه عليها-قبل رسول اللّه(ص)رجلين.
يقال لأحدهما عتيق بن عائذ (8)بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم،و ولدت له بنتا».
ص: 58
يقال لها هند.ثم توفي عنها.فخلف عليها أبو هالة (1)بن النبّاش بن زرارة بن و قدان بن حبيب بن سلامة بن عدي (2)بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم، فولدت له ابنا يقال له هند،و روى عن النبي(ص)،روى عنه الحسن بن علي بن أبي طالب حديث صفة رسول اللّه(ص)المشهور،و قال فيه:سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول اللّه(ص)و كان له وصّافا.
و توفيت خديجة-رضي اللّه عنها-قبل الهجرة بثلاث سنين،و لها يومئذ خمس و ستون سنة (3).حدّثني بذلك الحسن بن علي،قال: حدّثنا الحرث بن محمد،قال:حدّثنا ابن سعد عن الواقدي.و دفنت بالحجون.
و كان مولد فاطمة-عليها السلام-قبل النبوّة و قريش حينئذ تبني الكعبة (4)و كان تزويج علي بن أبي طالب إيّاها في صفر بعد مقدم رسول اللّه(ص)المدينة، و بنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر،و لها يومئذ ثماني عشرة سنة (5).
حدّثني بذلك الحسن بن علي،قال:حدّثنا الحرث،قال:حدّثنا ابن سعد (6)عن الواقدي،عن أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي سبرة،عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة،عن أبي جعفر (7)بن محمد بن علي.
و كان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة.
و كانت وفاته-عليه السلام-بعد عشر سنين خلت من إمارة معاوية، و ذلك في سنة خمسين من الهجرة (8).
و كانت وفاة فاطمة-عليها السلام-بعد وفاة النبي(ص)بمدة يختلف في3.
ص: 59
مبلغها؛فالمكثّر يقول:بستة أشهر (1).و المقلّل يقول (2):أربعين يوما؛إلاّ أن الثابت في ذلك ما روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنّها توفيت بعده بثلاثة أشهر (3).
حدّثني بذلك الحسن بن عبد اللّه (4)،قال:حدّثنا الحرث،عن ابن سعد (5)،عن الواقدي،عن عمرو بن دينار،عن أبي جعفر محمد بن علي.
و كان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة.
حدّثني به محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي،قال:حدّثنا مفضل بن صالح عن جابر،قال:كانت في لسان الحسن رتّة،فقال سلمان الفارسي.أتته[من]قبل عمّه موسى[بن عمران] (6)-عليه السلام-.
و دس معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده،و إلى سعد بن أبي وقّاص سمّا فماتا منه في أيام متقاربة.
و كان الذي تولّى ذلك من الحسن زوجته[جعدة] (7)بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية.
و سنذكر الخبر في ذلك.
و قيل:اسمها سكينة،و قيل:شعثاء،و قيل:عائشة،و الصحيح في ذلك جعدة.ة.
ص: 60
و تسليمه الأمر إلى معاوية و السبب في وفاته
حدّثني أحمد بن عيسى العجلي،قال:حدّثنا حسين بن نصر،قال:
حدّثنا زيد بن المعذل،عن يحيى شعيب،عن أبي مخنف،قال:حدّثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق[السبيعي] (1)عن سعيد (2)بن رويم، و حدّثني علي بن إسحاق المخرمي (3)و أحمد بن الجعد،قالا:حدّثنا عبد اللّه بن عمر شكدانه (4)،قال:حدّثنا وكيع عن إسرائيل،عن أبي إسحاق،عن عمرو بن حبشي،و حدّثني علي بن إسحاق،قال:حدّثنا عبد اللّه بن عمر، قال:حدّثنا عمران بن عيينة عن الأشعث،عن أبي إسحاق موقوفا،و حدّثني محمد بن الحسين الخثعمي،قال:حدّثنا عباد بن يعقوب،قال:حدّثنا عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق،عن هبيرة بن بريم،قال:قال عمرو بن ثابت:
كنت أختلف إلى أبي إسحاق[السبيعي] (5)سنة أسأله عن خطبة الحسن بن علي،فلا يحدّثني بها،فدخلت إليه في يوم شات و هو في الشمس و عليه برنسه كأنه غول،فقال لي:من أنت؟فأخبرته،فبكى و قال:كيف أبوك؟كيف أهلك؟قلت:صالحون،قال:في أي شيء تردّد منذ سنة؟ قلت:في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
قال:[حدّثني هبيرة بن بريم]،و حدّثني محمد بن محمد الباغندي، و محمد بن حمدان الصيدلاني،قالا:حدّثنا إسماعيل بن محمد العلوي،قال:
حدّثني عمي علي بن جعفر بن محمد،عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن،عن أبيه،دخل حديث بعضهم في حديث بعض،و المعنى قريب،قالوا:
ص: 61
خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام،فقال (1):
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل،و لا يدركه الآخرون بعمل،و لقد كان يجاهد مع رسول اللّه(ص) فيقيه بنفسه،و لقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه،و ميكائيل عن يساره،فلا يرجع حتى يفتح اللّه عليه،و لقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم،و لقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى،و ما خلّف صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقته العبرة،فبكى و بكى الناس معه.
ثم قال:أيّها الناس،من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد(ص)،أنا ابن البشير،أنا ابن النذير،أنا ابن الداعي إلى اللّه عزّ و جلّ بإذنه،و أنا ابن السراج المنير،و أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و الذين افترض اللّه مودتهم في كتابه إذ يقول:
وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (2) .فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن رجاله:
ثم قام ابن عباس بين يديه،فدعا الناس إلى بيعته،فاستجابوا له، و قالوا:ما أحبه إلينا و أحقه بالخلافة فبايعوه.
ثم نزل عن المنبر.
قال:و دسّ معاوية رجلا من بني حمير إلى الكوفة،و رجلا من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار،فدل على الحميري عند (3)لحام جرير (4)و دلّ على القيني بالبصرة في بني سليم،فأخذا و قتلا (5).4.
ص: 62
و كتب الحسن إلى معاوية:
أما بعد،فإنك دسست إليّ الرجال كأنك تحب اللقاء،و ما أشك في ذلك،فتوقّعه إن شاء اللّه،و قد بلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى،و إنما مثلك في ذلك كما قال الأوّل:
و قل للذي يبغي (1)***خلاف الذي مضى تجهز لأخرى مثلها فكأن قد
و إنا و من قد مات منا لكالذي *** يروح و يمسي في المبيت ليغتدي(23)
فأجابه معاوية:
أما بعد،فقد وصل كتابك،و فهمت ما ذكرت فيه،و لقد علمت بما حدث فلم أفرح و لم أحزن و لم أشمت و لم آس (2)،و إن علي بن أبي طالب كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
و أنت الجواد و أنت الذي *** إذا ما القلوب ملأن الصدورا (3)
جدير بطعنة يوم اللقا *** ء تضرب منها النساء النحورا
و ما مزبد من خليج البحا *** ر يعلو الإكام و يعلو الجسورا (4)
بأجود منه بما عنده *** فيعطي الألوف و يعطى البدورا
قال:و كتب عبد اللّه بن العباس من البصرة إلى معاوية (5):
أما بعد،فإنك و دسّك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية بن الأسكر (6):
لعمرك إني و الخزاعيّ طارقا *** كنعجة عاد حتفها تتحفّر (7)».
ص: 63
أثارت عليها شفرة بكراعها *** فظلّت بها من آخر الليل تنحر
شمتّ بقوم من (1)***صديقك أهلكوا أصابهم يوم من الدهر أصفر (2)
فأجابه معاوية:
أما بعد،فإن الحسن بن علي قد كتب إليّ بنحو ما كتبت به،و أنبأني بما لم أجز (3)ظنا و سوء رأي،و إنك لم تصب مثلكم و مثلي و لكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر (4):
فو اللّه ما أدري و إني لصادق *** إلى أيّ من يظنّني (5)أتعذّر
أعنّف أن كانت زبينة أهلكت *** و نال بني لحيان شرّ فأنفروا (6)
قال أبو الفرج:
و كان أوّل شيء أحدث الحسن أنه زاد المقاتلة (7)مائة مائة،و قد كان عليّ فعل ذلك يوم الجمل،و الحسن فعله على حال الاستخلاف،فتبعه الخلفاء من بعد ذلك.
و كتب الحسن إلى معاوية مع جندب (8)بن عبد اللّه الأزدي:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان،سلام عليك،».
ص: 64
فإني أحمد اللّه الذي لا إله إلاّ هو،أما بعد:فإن اللّه تعالى عزّ و جلّ بعث محمدا (ص)رحمة للعالمين،و منّة على المؤمنين،و كافة إلى الناس أجمعين لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (1)فبلغ رسالات اللّه،و قام على أمر اللّه حتى توفّاه اللّه غير مقصر و لا وان،حتى أظهر اللّه به الحق،و محق به الشرك،و نصر به المؤمنين،و أعزّ به العرب،و شرف به قريشا خاصّة،فقال تعالى: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (2)فلما توفي(ص)تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش:نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه،و لا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس و حقّه،فرأت العرب أن القول كما قالت قريش،و أن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم امر محمد(ص)فأنعمت (3)لهم العرب و سلّمت ذلك،ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجّت به العرب،فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها،إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف و الاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد و أوليائه إلى محاجّتهم، و طلب النّصف منهم باعدونا،و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا، و العنت منهم لنا،فالموعد اللّه،و هو الولي النصير.
و قد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا،و سلطان نبيّنا(ص)و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام،فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به،أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده،فاليوم فليعجب المتعجب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله،لا بفضل في الدين معروف،و لا أثر في الإسلام محمود،و أنت ابن حزب من الأحزاب،و ابن أعدى قريش لرسول اللّه(ص)،و لكنّ اللّه خيّبك و ستردّ فتعلم لمن عقبى الدار،تاللّه لتلقينّ عن قليل ربّك،ثم ليجزينّك بما قدمت يداك،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.
إن عليا-رضوان اللّه عليه-لما مضى لسبيله-رحمة اللّه عليه-يومم.
ص: 65
قبض،و يوم منّ اللّه عليه بالإسلام،و يوم يبعث حيا-و لانّي المسلمون الأمر بعده، فأسأل اللّه أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته،و إنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني و بين اللّه سبحانه و تعالى في أمرك،و لك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم، و للمسلمين فيه صلاح،فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي،فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند اللّه و عند كل أوّاب حفيظ،و من له قلب منيب،و اتّق اللّه،و دع البغي،و احقن دماء المسلمين،فو اللّه ما لك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به،فادخل في السلم و الطاعة،و لا تنازع الأمر أهله،و من هو أحق به منك،ليطفئ اللّه النّائرة (1)بذلك،و تجمع الكلمة، و تصلح ذات البين، و إن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيك نهدت (2)إليك بالمسلمين،فحاكمتك حتى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين (3).
فكتب إليه معاوية:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي،سلام عليك،فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو،أما بعد،فقد بلغني كتابك،و فهمت ما ذكرت به رسول اللّه(ص)من الفضل،و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل، كلّه،قديمه و حديثه،و صغيره و كبيره،فقد و اللّه بلّغ فأدى،و نصح و هدى، حتى أنقذ اللّه به من التّهلكة،و أنار به من العمى،و هدى به من الضلالة، فجزاه اللّه أفضل ما جزى نبيا عن أمته،و صلوات اللّه عليه يوم ولد و يوم قبض و يوم يبعث حيا.4.
ص: 66
و ذكرت وفاة النبي(ص)،و تنازع المسلمين من بعده،فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق،و عمر الفاروق،و أبي عبيدة الأمين، و حواري الرسول(ص)،و صلحاء المهاجرين و الأنصار،فكرهت ذلك لك،فإنك امرؤ عندنا و عند الناس غير ظنين،و لا المسيء و لا اللئيم،و أنا أحب لك القول السديد و الذكر الجميل.
إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم،و لا سابقتكم و لا قرابتكم من النبي(ص)،و لا مكانتكم في الإسلام و أهله،فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها،و رأى صلحاء الناس من قريش و الأنصار و غيرهم من سائر الناس و عامتهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما و أعلمها باللّه و أحبها له و أقواها على أمر اللّه،و اختاروا أبا بكر،و كان ذلك رأي ذوي الحجى و الدين و الفضيلة و الناظرين للأمة،فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة،و لم يكونوا بمتهمين،و لا فيما أتوا بمخطئين،و لو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه،أو يذب عن حريم المسلمين ذبه،ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه،و لكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام و أهله،فاللّه يجزيهم عن الإسلام و أهله خيرا.
و قد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح،و الحال فيما بيني و بينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد النبي(ص)،و لو علمت أنك أضبط مني للرعية،و أحوط على هذه الأمة،و أحسن سياسة،و أقوى على جمع الأموال و أكيد للعدو،لأجبتك إلى ما دعوتني إليه،و رأيتك لذلك أهلا،و لكني قد علمت أني أطول منك ولاية،و أقدم منك لهذه الأمة تجربة،و أكثر منك سياسة،و أكبر منك سنا،فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فأدخل في طاعتي و لك الأمر من بعدي،و لك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت و لك خراج أي كور العراق شئت،معونة لك على نفقتك،يجيبها لك أمينك،و يحملها إليك في كل سنة، و لك ألا يستولى عليك بالإساءة و لا تقضي دونك الأمور،و لا تعصى في أمر أردت به طاعة اللّه عز و جل،أعاننا اللّه و إيّاك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء،و السلام.
ص: 67
قال جندب:
فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له:إن الرجل سائر إليك، فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله،فأما أن تقدر أنه يتناولك فلا و اللّه حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين،فقال:أفعل،ثم قعد عن مشورتي و تناسى قولي (1).
قال:و كتب معاوية إلى الحسن بن علي.
بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد،فإن اللّه عزّ و جلّ يفعل في عباده ما يشاء، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (2)فاحذر أن تكون منيّتك على يد رعاع من الناس، و ايئس من أن تجد فينا غميزة (3)،و إن أنت أعرضت عمّا أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت،و أجزت لك ما شرطت،و أكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
و إن أحد أسدى إليك أمانة *** فأوف بها تدعى إذا متّ وافيا
و لا تحسد المولى إذا كان ذا غنى *** و لا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي،فأنت أولى الناس بها،و السلام.
فأجابه الحسن بن علي:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد،وصل إليّ كتابك تذكر فيه ما ذكرت،فتركت جوابك خشية البغي عليك،و باللّه أعوذ من ذلك،فاتبع الحق تعلم أني من أهله،و عليّ إثم أن أقول فأكذب،و السلام (4).4.
ص: 68
فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه،ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان و من قبله من المسلمين،سلام عليكم،فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هو،أما بعد،فالحمد للّه الذي كفاكم مؤنة عدوكم و قتلة خليفتكم،إن اللّه بلطفه و حسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده.فاغتاله فقتله،فترك أصحابه متفرقين مختلفين،و قد جاءتنا كتب أشرافهم و قادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم،فاقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجندكم و جهدكم و حسن عدتكم،فقد أصبتم بحمد اللّه الثأر،و بلغتم الأمل،و أهلك اللّه أهل البغي و العدوان،و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته (1).
قال:فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، و سار قاصدا إلى العراق و بلغ الحسن خبر مسيره،و أنه بلغ[جسر]منبج،فتحرّك لذلك، و بعث حجر بن عديّ يأمر العمال و الناس بالتهيؤ للمسير،و نادى المنادي:
الصلاة جامعة،فأقبل الناس يثوبون و يجتمعون،فقال الحسن:إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني،و جاء سعيد بن قيس الهمداني،فقال:اخرج،فخرج الحسن-عليه السلام-فصعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال:
أما بعد،فإن اللّه كتب الجهاد على خلقه،و سمّاه كرها (2).
ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (3)، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبون،إلاّ بالصبر على ما تكرهون،إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه،فتحرك لذلك،فأخرجوا-رحمكم اللّه-إلى معسكركم بالنخيلة[حتى ننظر و تنظروا و نرى و تروا].6.
ص: 69
قال:و إنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إيّاه.قال:فسكتوا فما تكلّم منهم أحد،و لا أجاب بحرف.
فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قال:
أنا ابن حاتم،سبحان اللّه،ما أقبح هذا المقام؟ألا تجيبون إمامكم، و ابن بنت نبيكم،أين خطباء مضر؟أين المسلمون؟أين الخوّاضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق (1)في الدعة،فإذا جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب،أما تخافون مقت اللّه،و لا عيبها و عارها.
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال:
أصاب اللّه بك المراشد،و جنّبك المكاره،و وفقك لما يحمد ورده و صدره، فقد سمعنا مقالتك،و انتهينا إلى أمرك،و سمعنا منك،و أطعناك فيما قلت و ما رأيت،و هذا وجهي إلى معسكري،فمن أحب أن يوافيني فليوافي.
ثم مضى لوجهه،فخرج من المسجد و دابته بالباب،فركبه و مضى إلى النّخيلة،و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، و كان عدي أول الناس عسكرا.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري و معقل بن قيس الرياحي، و زياد بن صعصعة التيمي (2)فأنّبوا الناس و لاموهم و حرضوهم،و كلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة و القبول.
فقال لهم الحسن:صدقتم-رحمكم اللّه-ما زلت أعرفكم بصدق النية، و الوفاء بالقول و المودة الصحيحة،فجزاكم اللّه خيرا ثم نزل.
و خرج الناس،فعسكروا،و نشطوا للخروج،و خرج الحسن إلى معسكره،و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، و أمره باستحثاث الناس و إشخاصهم إليه،فجعل يستحثهم و يخرجهم،حتى التأم العسكر] (3).4.
ص: 70
ثم إن الحسن بن علي سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس،ثم دعا عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب فقال له:
يابن عم،إني باعث معك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب و قراء المصر، الرجل:منهم يزن (1)الكتيبة فسر بهم،و ألن لهم جانبك،و ابسط وجهك، و افرش لهم جناحك،و ادنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه،و سرّ بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات،ثم تصير إلى مسكن،ثم امض حتى تستقبل معاوية،فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني في إثرك وشيكا،و ليكن (2)خبرك عندي كل يوم،و شاور هذين،يعني قيس ابن سعد،و سعيد بن قيس،فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك،فإن فعل فقاتل،فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس،و إن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس،ثم أمره بما أراد.
و سار عبيد اللّه حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي،ثم لزم الفرات و الفالوجة حتى أتى مسكن.
و أخذ الحسن على حمّام عمر،حتى أتى دير كعب،[ثم بكّر]فنزل ساباط دون القنطرة فلما أصبح نادى في الناس:الصلاة جامعة،فاجتمعوا،و صعد المنبر،فخطبهم،فحمد اللّه فقال (3):
الحمد للّه كلما حمده حامد،و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه كلما شهد له شاهد، و أشهد أن محمدا رسول اللّه أرسله بالحق،و ائتمنه على الوحي(ص).
أما بعد،فو اللّه إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه و منه و أنا أنصح خلق اللّه لخلقه،و ما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريدا له سوءا و لا غائلة،ألا و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة،4.
ص: 71
ألا و إني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم،فلا تخالفوا أمري،و لا تردوا عليّ رأيي،غفر اللّه لي و لكم و أرشدني و إيّاكم لما فيه المحبة و الرضا.
قال:فنظر الناس بعضهم إلى بعض،و قالوا:ما ترونه،يريد[بمال قال]؟قالوا:نظنه و اللّه يريد أن يصالح معاوية و يسلم الأمر إليه،فقالوا:
كفر و اللّه الرجل ثم شدّوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاّه من تحته،ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جعال الأزدي،فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء،ثم دعا بفرسه فركبه،و أحدق به طوائف من خاصّته و شيعته،و منعوا منه من أراده،و لاموه و ضعّفوه لما تكلم به، فقال:ادعوا لي ربيعة و همدان،فدعوا له،فأطافوا به،و دفعوا الناس عنه، و معهم شوب (1)من غيرهم،فقام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان، فلما مرّ في مظلم ساباط قام إليه،فأخذ بلجام بلغته و بيده معول،فقال:اللّه أكبر يا حسن،أشركت كما أشرك أبوك[من قبل]، ثم طعنه،فوقعت الطعنة في فخذه،فشقته حتى بلغت أربيّته (2)فسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده و أعتنقه،و خرا جميعا إلى الأرض،فوثب عبد اللّه بن الخطل (3)فنزع المعول من يد[جراح بن سنان] فخضخضه به،و أكبّ ظبيان بن عمارة عليه،فقطع أنفه ثم أخذوا الآجرّ (4)فشدّخوا وجهه و رأسه،حتى قتلوه.
و حمل الحسن على سرير إلى المدائن، و بها سعد (5)بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله،و كان علي ولاّه فأقره الحسن بن علي،[فأقام عنده يعالج نفسه] (6).
قال:ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبيّة (7)بمسكن،».
ص: 72
فأقبل عبد اللّه بن العباس حتى نزل بإزائه،[فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد اللّه بن العباس فيمن معه،فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم] (1)،فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد اللّه بن العباس أن الحسن قد راسلني (2)،في الصلح و هو مسلم الأمر إليّ،فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا،و إلاّ دخلت و أنت تابع، و لك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم،يعجّل[لك]في هذا الوقت النصف،و إذا دخلت الكوفة النصف الآخر،فانسلّ عبيد اللّه ليلا،فدخل عسكر معاوية،فوفى له بما وعده،فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلّي بهم،فلم يخرج حتى أصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه،فصلّى بهم قيس بن سعد[بن عبادة]،ثم خطبهم فقال:
أيّها الناس،لا يهولنكم و لا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع«أي الجبان»إن هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عمّ رسول اللّه(ص)،فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين،و إن أخاه ولاّه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال اللّه و مال المسلمين،فاشترى به الجواري، و زعم أن ذلك له حلال،و إن هذا ولاّه على اليمن،فهرب من بسر بن أرطأة و ترك ولده حتى قتلوه،و صنع الآن هذا الذي صنع.
قال فتنادى الناس:الحمد للّه الذي أخرجه من بيننا،فانهض بنا إلى عدوّنا،فنهض بهم.
و خرج إليهم بسر بن أرطاة في عشرين ألفا،فصاحوا بهم:هذا أميركم قد بايع،و هذا الحسن قد صالح؛فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس بن سعد[بن عبادة]:اختاروا إحدى اثنتين:إما القتال مع غير إمام،أو تبايعون بيعة ضلال،فقالوا:بل نقاتل بلا إمام،فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردّوهم إلى مصافهم.».
ص: 73
و كتب معاوية إلى قيس يدعوه و يمنّيه،فكتب إليه قيس (1):
لا و اللّه لا تلقاني أبدا إلاّ و بيني و بينك الرمح.
فكتب إليه معاوية:
أما بعد،فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك،فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك و عزلك،و إن ظهر أبغضهما إليك نكّل بك و قتلك،و قد كان أبوك أوتر غير قوسه،و رمى غير غرضه،فأكثر الحزّ و أخطأ المفصل (2)فخذله قومه،و أدركه يومه،فمات بحوران طريدا غريبا، و السلام.
فكتب إليه قيس بن سعد-رحمه اللّه-:
أما بعد:فإنما أنت وثن[بن وثن]من هذه الأوثان،دخلت في الإسلام كرها،و أقمت عليه فرقا،و خرجت منه طوعا،و لم يجعل اللّه لك فيه نصيبا، لم يقدم إسلامك،و لم يحدث نفاقك،و لم تزل حربا للّه و رسوله،و حزبا من أحزاب المشركين،فأنت عدوّ اللّه و رسوله و المؤمنين من عباده.
و ذكرت أبي،و لعمري ما أوتر إلاّ قوسه،و لا رمى إلاّ غرضه،فشغب عليه من لا تشقّ غباره،و لا تبلغ كعبه،و كان امرأ مرغوبا عنه،مزهودا فيه.
و زعمت أني يهودي ابن يهودي،و لقد علمت و علم الناس أني و أبي من أنصار الدين الذي خرجت منه،و أعداء الدين الذي دخلت فيه،و صرت إليه،و السلام.
فلما قرأ كتابه معاوية غاظه و أراد إجابته،فقال له عمرو:مهلا،إن كاتبته أجابك بأشد من هذا،و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس،فامسك عنه.
قال:و بعث معاوية عبد اللّه بن عامر،و عبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح،فدعواه إليه،و زهّداه في الأمر،و أعطياه ما شرط له معاوية و إلاّ يتبع».
ص: 74
أحد بما مضى،و لا ينال أحد من شيعة علي بمكروه و لا يذكر علي إلاّ بخير، و أشياء اشترطها الحسن.
فأجابه الحسن إلى ذلك،و انصرف قيس فيمن معه إلى الكوفة،و انصرف الحسن[إليها أيضا] (1)و أقبل معاوية قاصدا إلى الكوفة،و اجتمع إلى الحسن وجوه الشيعة،و أكابر أصحاب أمير المؤمنين علي يلومونه و يبكون إليه جزعا ممّا فعله.
فحدّثني محمد بن الحسين الأشناني،و علي بن العباس المقانعي (2)قالا:
حدّثنا عباد بن يعقوب،قال:أخبرنا عمرو بن ثابت،عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت،عن سفيان بن الليل (3).و حدّثني محمد بن أحمد أبو عبيد (4)،قال:حدّثنا الفضل بن الحسن المصري (5)قال:حدّثنا محمد بن عمروية (6)قال:حدّثنا مكي بن إبراهيم،قال:حدّثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي،عن سفيان بن الليل،دخل حديث بعضهم في حديث بعض، و أكثر اللفظ لأبي عبيد،قال:
أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية،فوجدته بفناء داره،و عنده رهط،فقلت:السلام عليك يا مذل المؤمنين،فقال:عليك السلام يا سفيان إنزل فنزلت،فعقلت راحلتي،ثم أتيته،فجلست إليه،فقال:كيف قلت يا سفيان[بن الليل]؟فقلت:السلام عليك يا مذل[رقاب]المؤمنين.فقال:
ما جرّ هذا منك إلينا؟.
فقلت:أنت و اللّه-بأبي أنت و أمي-أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة،و سلّمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد،و معك».
ص: 75
مائة ألف كلهم يموت دونك.و قد جمع اللّه لك أمر الناس.
فقال:يا سفيان،إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسّكنا به،و إني سمعت عليا يقول:سمعت رسول اللّه(ص)يقول:لا تذهب الليالي و الأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السّرم،ضخم البلعوم،يأكل و لا يشبع (1)،لا ينظر اللّه إليه، و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر،و لا في الأرض ناصر،و إنه لمعاوية،و إني عرفت أن اللّه بالغ أمره.
ثم أذّن المؤذن،فقمنا على حالب يحلب ناقة،فتناول الإناء،فشرب قائما [ثم سقاني]،فخرجنا نمشي إلى المسجد،فقال لي:ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت:حبكم،و الذي بعث محمدا للهدى و دين الحق.قال:فأبشر يا سفيان،فإني سمعت عليّا يقول:سمعت رسول اللّه(ص)يقول:يرد عليّ الحوض أهل بيتي و من أحبهم من أمتي كهاتين،يعني السبّابتين.و لو شئت لقلت هاتين يعني السبابة و الوسطى،إحداهما تفضّل على الأخرى،أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر و الفاجر حتى يبعث اللّه إمام الحق من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم.هذا لفظ أبي عبيد.
و في حديث محمد بن الحسين،و علي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفا عن الحسن غير مرفوع إلى النبي(ص)إلاّ في ذكر معاوية فقط (2).
(رجع الحديث إلى خبر الحسن عليه السلام) قال:و سار معاوية حتى نزل النّخيلة،و جمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة،و جاءت مقطعة في الحديث،و سنذكر ما انتهى إلينا من ذلك.
فحدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار،قال:حدّثني أحمد بن بشر (3)عن الفضل بن الحسن و عيسى بن مهران،قالوا:حدّثنا علي بن الجعد،قال:».
ص: 76
حدّثنا قيس بن الربيع،عن عطاء بن السائب.عن الشعبي،قال:
خطب معاوية حين بويع له فقال:
ما اختلفت أمة بعد نبيها إلاّ ظهر أهل باطلها على أهل حقّها،ثم إنه انتبه فندم،فقال:إلاّ هذه الأمة فإنها و إنها.
حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثني الفضل المصري،قال:حدّثنا يحيى بن معين،قال:حدّثنا أبو أسامة،عن مجالد،عن الشعبي بهذا.حدّثني علي بن العباس المقانعي،قال:أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري،قال:
حدّثنا حسن بن الحسين،عن عمرو بن ثابت،عن أبي إسحاق،قال:
سمعت معاوية بالنخيلة يقول:
ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.
قال أبو إسحاق:و كان و اللّه غدّارا (1).
حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثنا الفضل المصري،قال:حدّثني عثمان (2)بن أبي شيبة قال:[حدّثني أبو معاوية،عن الأعمش،و حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثنا فضل،قال]حدّثنا عبد الرحمن بن شريك.قال حدّثنا (3)أبي عن الأعمش،عن عمرو بن مرة،عن سعيد بن سويد قال:
صلّى بنا معاوية بالنّخيلة الجمعة في الصحن، ثم خطبنا فقال:
إني و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا،و لا لتصوموا،و لا لتحجوا،و لا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك.و إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم،و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون.
قال شريك في حديثه:هذا هو التهتّك (4).4.
ص: 77
حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثنا فضل،قال:حدّثني يحيى بن معين، قال:حدّثنا أبو حفص الأبار (1)،عن إسماعيل بن عبد الرحمن،و شريك بن أبي خالد،و قد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد،عن حبيب بن أبي ثابت،قال:
لما بويع معاوية خطب فذكر عليا،فنال منه،و نال من الحسن،فقام الحسين ليردّ عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه،ثم قام فقال (2):
أيّها الذاكر عليا،أنا الحسن،و أبي علي،و أنت معاوية،و أبوك صخر، و أمي فاطمة،و أمك هند،و جدي رسول اللّه(ص)،و جدك حرب،و جدتي خديجة،و جدتك قتيلة،فلعن اللّه أخملنا ذكرا، و ألأمنا حسبا،و شرنا قدما، و أقدمنا كفرا و نفاقا.
فقال طوائف من أهل المسجد:آمين.قال فضل:فقال يحيى بن معين:و نحن نقول:آمين.قال أبو عبيد:و نحن أيضا نقول:آمين.[قال أبو الفرج:و أنا أقول:آمين].
قال:و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة،و بين يديه خالد بن عرفطة،و معه رجل يقال له حبيب بن عمار (3)يحمل رايته حتى دخل الكوفة،فصار إلى المسجد،فدخل من باب الفيل،فاجتمع الناس إليه.
فحدّثني أبو عبيد الصيرفي،و أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار،قالا:حدّثنا محمد بن علي بن خلف،قال:حدّثني محمد بن عمرو الرازي،قال:حدّثنا مالك بن شعير،عن محمد بن عبد اللّه الليثي، عن عطاء بن السائب،عن أبيه،قال:
بينما علي-عليه السلام-على المنبر،إذ دخل رجل فقال:يا أمير المؤمنين،مات خالد بن عرفطة،فقال:لا و اللّه ما مات.[إذ دخل رجل آخر فقال:يا أمير المؤمنين،مات خالد بن عرفطة،فقال:لا و اللّه ما مات]،إذ».
ص: 78
دخل رجل آخر فقال:يا أمير المؤمنين،مات خالد بن عرفطة،فقال:لا و اللّه ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد،«يعني باب الفيل»براية ضلالة يحملها[له]حبيب بن عمّار،قال فوثب رجل فقال:يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن عمّار و أنا لك شيعة.قال:فإنه كما أقول. فقدّم خالد بن عرفطة (1)على مقدّمة معاوية يحمل رايته حبيب بن عمّار.
قال مالك:حدّثنا الأعمش بهذا الحديث،فقال:حدّثني صاحب هذا الدار-و أشار بيده إلى دار السائب أبي عطاء-أنه سمع عليا يقول هذه المقالة (2).
قالوا:و لما تم الصلح بين الحسن و معاوية،أرسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأتى به،و كان رجلا طويلا يركب الفرس المسرف، و رجلاه تخطان في الأرض،و ما في وجهه طاقة شعر،و كان يسمى خصي الأنصار،فلما أرادوا أن يدخلوه إليه قال:إني قد حلفت أن لا ألقاه إلاّ و بيني و بينه الرمح أو السيف،فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه و بينه ليبر يمينه (3).
فحدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدّثني أبو هاشم الرفاعي،قال:حدّثني وهب بن جرير،قال:حدّثنا أبي عن (4)ابن سيرين عن عبيدة،و قد ذكر بعض ذلك في رواية أبي مخنف التي قدمنا إسنادها،قال:
لما صالح الحسن معاوية،اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف و أبى أن يبايع،فلما بايع الحسن أدخل قيس بن سعد ليبايع.قال أبو مخنف في حديثه:
فأقبل على الحسن فقال:أنا في حل من بيعتك،قال:نعم،قال:فألقى لقيس كرسي،و جلس معاوية على سريره،فقال له معاوية:أتبايع[يا قيس]؟قال:نعم،فوضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية،فجثا معاوية».
ص: 79
على سريره (1)و أكب على قيس حتى مسح يده على يده،فما رفع قيس إليه يده (2).
حدّثني أبو عبيد،قال:حدّثنا فضل المصري،قال:حدّثنا شريح بن يونس،قال:حدّثنا أبو حفص الأبار،عن إسماعيل بن عبد الرحمن:
أن معاوية أمر الحسن أن يخطب لما سلم الأمر إليه،و ظن أن سيحصر، فقال في خطبته:إنما الخليفة من سار بكتاب اللّه،و سنّة نبيه(ص)،و ليس الخليفة من سار بالجور،ذلك ملك ملك ملكا يمتّع به قليلا ثم تنقطع لذته و تبقى تبعته (3): وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ (4).
قال:و انصرف الحسن رضي اللّه عنه إلى المدينة فأقام بها،و أراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي،و سعد بن أبي وقّاص،فدس إليهما سما فماتا منه.
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار،قال:حدّثنا عيسى بن مهران، قال:حدّثنا عبيد بن الصباح الخراز (5)،قال:حدّثني جرير،عن مغيرة، قال:
أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني،على أن تسمي الحسن بن علي،و بعث إليها بمائة ألف درهم،فقبلت و سمت الحسن، فسوغها المال و لم يزوجها منه،فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها،فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيّروهم،و قالوا: يا بني مسمّة الأزواج (6).
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه،قال:حدّثني عيسى بن مهران،قال:حدّثنا9.
ص: 80
يحيى بن أبي بكير،قال:حدّثنا شعبة،عن أبي بكر بن حفص،قال:
توفي الحسن بن علي،و سعد بن أبي وقّاص في أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين،و كانوا يرون أنه سقاهما سما (1).
أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال:حدثنا سلمة بن شبيب،قال:حدثنا عبد الرازق،قال:أخبرنا معمر، قال:حدّثني من سمع ابن سيرين يحدث مولى للحسن بن علي،و حدثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمار،قال:حدثنا عيسى بن مهران،قال:حدثنا عثمان بن عمر (2)،قال:حدثنا أبو عون،عن عمير بن إسحاق (3)-و اللفظ له-قال:
كنت مع الحسن و الحسين في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال:
لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة،و لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلبها بعود معي،فقال له الحسين:من سقاكه؟فقال:و ما تريد منه؟ أتريد أن تقتله،إن يكن هو هو فاللّه أشد نقمة منك، و إن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء (4).
و دفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول اللّه(ص)في البقيع في ظلة بني نبيه،و قد كان أوصى أن يدفن مع رسول اللّه(ص)فمنع مروان بن الحكم من ذلك (5)،و ركبت بنو أمية في السلاح و جعل مروان يقول:
يا رب هيجا هي خير من دعه،أيدفن عثمان في أقصى البقيع،و يدفن الحسن في بيت رسول اللّه(ص)؟و اللّه لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف، فكادت الفتنة تقع.و أبى الحسين أن يدفنه إلاّ مع النبي(ص)،فقال له».
ص: 81
عبد اللّه بن جعفر:عزمت عليك بحقي ألاّ تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع، و انصرف مروان بن الحكم (1).
أخبرني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن (2)،عن الزبير بن بكار،عن محمد بن إسماعيل،عن قائد مولى عباد،و حدثنا حرمي،عن زبير،فقال:عبادك و هو الصواب،و قال أحمد بن سعيد هو عبادك و لكن هكذا قال يحيى بن عبيد اللّه بن علي،أخبره و غيره أخبره.
إن الحسن بن علي أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي(ص) فقالت:نعم ما كان بقي إلاّ موضع قبر واحد،فلما سمعت بذلك بنو أمية اشتملوا بالسلاح (3)هم و بنو هاشم للقتال،و قالت بنو أمية:و اللّه لا يدفن مع النبي(ص)أبدا،فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى أهله أمّا إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جانب أمي فاطمة،فدفن إلى جنب أمه فاطمة عليها السلام.
قال يحيى بن الحسن:و سمعت علي بن طاهر بن زيد يقول:لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلا و استنفرت (4)بني أمية مروان بن الحكم،و من كان هناك منهم و من حشمهم،و هو القائل:
فيوما على بغل و يوما على جمل (5)***
و قال علي بن الحسن،بن علي بن حمزة العلوي،عن عمه محمد،عن المدايني،عن جويرية بن أسماء،قال:
لما مات الحسن بن علي،و أخرجوا جنازته حمل مروان سريره،فقال له الحسين:أتحمل سريره؟أما و اللّه لقد كنت تجرعه الغيظ،فقال مروان:إني».
ص: 82
كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال (1).
حدثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدثنا عبد اللّه بن الوضاح، قال:حدثني بن يمان،عن الثوري،عن سالم بن أبي حفصة،عن أبي حازم:
أن الحسين بن علي قدّم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن بن علي، و قال:تقدم فلو لا أنها سنة ما قدّمتك (2).
حدثني أبو عبيد (3)،قال:حدثنا فضل المصري،قال:حدثنا عبد الرحمن بن صالح،قال:حدثنا عمرو بن هشام،عن عمر بن بشير الهمداني،قال:
قلت لأبي إسحاق:متى ذل الناس؟قال:حين مات الحسن،و ادعى زياد، و قتل حجر بن عدي (4).
و اختلف في مبلغ سن الحسن وقت وفاته (5).
فحدثني أحمد بن سعيد،عن يحيى بن الحسن،عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير (6)عن هشام بن سالم،و جميل بن درّاج،عن جعفر بن محمد:
أنه توفي و هو ابن ثمان و أربعين سنة.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،عن ابن حسين اللؤلؤي،عن محمد بن سنان،عن عبد اللّه بن مشكان،عن أبي بصير،عن جعفر بن محمد:أن الحسن توفي و هو ابن ست و أربعين (7).1.
ص: 83
و قال محمد بن علي بن حمزة:
و في الحسن بن علي يقول سليمان بن قتّه (1):
يا كذب اللّه من نعى حسنا *** ليس لتكذيب نعيه ثمن
كنت خليلي و كنت خالصتي *** لكل حي من أهله سكن
أجول في الدار لا أراك و في *** الدار أناس جوارهم غبن
***بدلتهم منك ليت أنهم أضحوا و بيني و بينهم عدن (2)
ذكر خبر الحسين بن علي (3)بن أبي طالب و مقتله و من قتل معه من أهله
و يكنى أبا عبد اللّه،و أمه فاطمة بنت رسول اللّه(ص).و كان مولده لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة،و قتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى و ستين من الهجرة.
و كانت سنه يوم قتل ستا و خمسين سنة و شهورا.
و قيل:إن مقتله كان يوم السبت،روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين.و الذي ذكرناه أولا أصح.
فأما ما تقوله العامة إنه قتل يوم الاثنين فباطل،و هو شيء قالوه بلا
ص: 84
رواية،و كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء،أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات،و إذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر يوم الاثنين.
قال أبو الفرج:و هذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية،أخبرنا به أحمد بن عيسى،قال:حدّثنا أحمد بن الحرث،عن الحسين بن نصر، قال:حدثنا أبي،عن عمر بن سعد،عن أبي مخنف.و حدثني به أحمد بن محمد بن شيبة،قال:حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز،قال:حدثنا علي بن محمد المدائني،عن أبي مخنف،و عوانة بن الحكم،و يزيد بن جعدية، و غيرهم.
فأما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم الاثنين فلا أصل له و لا حقيقة،و لا وردت به رواية.
و روى سفيان الثوري،عن جعفر بن محمد أن الحسين بن علي قتل و له ثمان و خمسون سنة،و أن الحسن كذلك كانت سنوه يوم مات،و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و علي بن الحسين،و أبو جعفر محمد بن علي.
حدثني بذلك العباس بن علي،قال:حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة (1)قال:حدثنا وكيع عن سفيان الثوري،عن جعفر بن محمد.
قال أبو الفرج:و هذا و هم،لأن الحسن ولد في سنة ثلاث من الهجرة، و توفي في سنة إحدى و خمسين،و لا خلاف في ذلك،و سنه على هذا ثمان و أربعون سنة أو نحوها.
و لم يمكنا سياقة مقاتلهم على التاريخ لئلا ينقطع الخبر،فذكرنا أسماءهم و أنسابهم جملة،ثم ذكرنا خبر مقاتلهم[رضوان اللّه عليهم و صلواته].ب.
ص: 85
و هو أول من قتل من أصحاب الحسين بن علي-عليه السّلام-و سنذكر خبره في موضعه.و أمه أم ولد،يقال لها:حلية،و كان عقيل اشتراها من الشام،فولدت له مسلما،و لا عقب له (1).
و علي بن الحسين و هو علي الأكبر و لا عقب له (2)
و يكنى أبا الحسن،و أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي (3)، و أمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب[بن أمية و تكنى أم شيبة،و أمها بنت أبي العاص بن أمية] (4)و هو أول من قتل في الواقعة.
و إياه عني معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد بن سليمان، قال:حدثنا يوسف بن موسى القطان،قال:حدثنا جرير،عن مغيرة،قال:
قال معاوية:من أحق الناس بهذا الأمر؟قالوا:أنت،قال:لا،أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي،جدّه رسول اللّه(ص)،و فيه شجاعة بني هاشم،و سخاء بني أمية،و زهو ثقيف.
و قال يحيى بن الحسن العلوي:و أصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد،و أن الذي أمه ليلى هو جدهم،حدثني بذلك أحمد بن سعيد عنه.
و حدثني أحمد بن سعيد،عن يحيى،عن عبيد اللّه بن حمزة،عن الحجاج بن المعتمر الهلالي،عن أبي عبيدة،و خلف الأحمر:أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر:
لم تر عين نظرت مثله *** من محتف يمشي و من ناعل
يغلي نئيّ اللحم حتّى إذا *** أنضج لم يغل على الآكل
كان إذا شبّت له ناره *** أوقدها بالشّرف (5)القابل
ص: 86
كيما يراها بائس مرمل *** أو فرد حي ليس بالآهل
أعني ابن ليلى ذا الثدي و الندى *** أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه *** و لا يبيع الحق بالباطل
و ولد علي بن الحسين في خلافة عثمان.
و قد روى عن جده علي بن أبي طالب،و عن عائشة أحاديث كرهت ذكرها في هذا الموضع لأنها ليست من جنس ما قصدت له.
و أمه أم البنين بنت حزام (1)بن خالد بن ربيعة بن الوحيل،و هو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
[و أمها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب.و أمها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الأحزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب.و أمها كبشة بنت عروة الرّجال بن عتبة بن جعفر بن كلاب.و أمها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس الهوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.و أمها فاطمة بنت جعفر بن كلاب.و أمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.و أمها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة،ابن دودان بن أسد بن خزيمة.و أمها بنت جحدر بن ضبيعة الأغرّ بن قيس بن ثعلبة بن عكابة،بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار.و أمها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة.و أمها بنت ذي الرأسين و هو خشيش بن أبي عصم بن سمح بن فزارة.و أمها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن نفيض بن الربت بن غطفان] (2).
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:
ص: 87
حدثنا علي بن إبراهيم،قال:حدّثني عبيد اللّه بن الحسن،و عبد اللّه بن العباس،قالا:
قتل عبد اللّه بن علي بن أبي طالب،و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له.
حدثني أحمد بن عيسى،قال:حدثني حسين بن نصر،قال:حدثنا أبي عن عمر بن سعد،عن أبي مخنف،عن عبد اللّه بن عاصم،عن الضحّاك المشرفي،قال:
قال العباس بن علي لأخيه من أبيه و أمه عبد اللّه بن علي:تقدّم بين يديّ حتى أراك (1)و أحتسبك،فإنه لا ولد لك،فتقدّم بين يديه،و شدّ عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله.
و أمه أمّ البنين أيضا.
قال يحيى بن الحسن،عن علي بن إبراهيم،بالإسناد الذي قدّمته في خبر عبد اللّه:قتل جعفر بن علي بن أبي طالب،و هو ابن تسع عشرة سنة.
قال أبو مخنف في حديث الضحّاك المشرفي:
إن العباس بن علي قدّم أخاه جعفرا بين يديه لأنه لم يكن له ولد ليحوز ولد العباس بن علي ميراثه،فشد عليه هانئ ابن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله،هكذا قال الضحّاك.
و قال نصر بن مزاحم:حدّثني عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي جعفر محمد بن علي أن خولي بن يزيد الأصبحي-لعنه اللّه-قتل جعفر بن علي.
ص: 88
و أمه أم البنين أيضا.
قال يحيى بن الحسن،عن علي بن إبراهيم عن عبيد اللّه بن الحسن، و عبد اللّه بن العباس،قالا:
قتل عثمان بن علي،و هو ابن إحدى و عشرين سنة.و قال الضحاك المشرفي في الإسناد الأوّل الّذي ذكرناه آنفا:إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه (1)،و شد عليه رجل من بني ابان بن دارم فقتله،و أخذ رأسه.
و عثمان بن علي الذي روى عن علي أنه قال:إنما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون.
و يكنى أبا الفضل.و أمه أم البنين أيضا،و هو أكبر ولدها،و هو آخر من قتل من إخوته لأمه و أبيه،لأنه كان له عقب،و لم يكن لهم،فقدمهم بين يديه،فقتلوا جميعا،فحاز مواريثهم؛ثم تقدم فقتل،فورثهم و إيّاه عبيد اللّه، و نازعه في ذلك عمّه عمر بن علي،فصولح على شيء رضى به.
قال حرمي بن العلاء عن الزبير عن عمّه:ولد العباس بن علي يسمونه السقا،و يكنونه أبا قربة،و ما رأيت أحدا من ولده، و لا سمعت عمّن تقدّم منهم هذا-عليه السلام-.
و في العباس بن علي-عليه السلام-يقول الشاعر:
أحق الناس أن يبكى عليه *** إذا بكّى الحسين بكربلاء
أخوه و ابن والده علي *** أبو الفضل المضرّج بالدماء
و من واساه لا يثنيه شيء *** و جادله على عطش بماء
ص: 89
و فيه يقول الكميت[بن زيد]:
و أبو الفضل إن ذكرهم الحلو *** شفاء النفوس من أسقام
***قتل الأدعياء إذ قتلوه أكرم الشاربين صوب الغمام
و كان العباس رجلا و سيما جميلا،يركب الفرس المطهم و رجلاه تخطان في الأرض؛و كان يقال له:قمر بني هاشم.و كان لواء الحسين بن علي معه يوم قتل.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدثني يحيى بن الحسن،قال:حدثنا بكر بن عبد الوهاب،قال:حدثني ابن أبي أويس (1)،عن أبيه،عن جعفر بن محمد،قال:
عبأ الحسين بن علي أصحابه،فأعطى رايته أخاه العباس بن علي.
حدثني أحمد بن عيسى،قال:حدثني حسين بن نصر،قال:حدثنا أبي،قال:حدثنا عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي جعفر:
أن زيد بن رقاد الجنبي،و حكيم بن الطفيل الطائي،قتلا العباس بن علي.
و كانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى،تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة و أحرقها،فيجتمع الناس إليها يسمعون منها،فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك،فلا يزال يسمع ندبتها و يبكي.
ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة،عن النوفلي،عن حماد بن عيسى الجهني،عن معاوية بن عمّار،عن جعفر بن محمد.
و أمه أمّ ولد (2).
حدثني أحمد بن عيسى،قال:حدثنا الحسين بن نصر،عن أبيه،عن
ص: 90
عمرو بن شمر،عن جابر عن أبي جعفر،و حدثني أحمد بن شيبة،عن أحمد بن الحرث،عن المدائني:
أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله-رضوان اللّه عليه-،و لعن اللّه قاتله.
لم يعرف اسمه؛و أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم (1)بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، و أم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر بن عبيد بن الحارث،و هو مقاعس؛و أمها عناق بنت عصام بن سنان بن خالد بن منقر؛و أمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر،و أمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد،بن زيد مناة ابن تميم.
و لسلم يقول الشاعر:
تسوّد أقوام و ليسوا بسادة *** بل السّيد الميمون سلم بن جندل (2)
ذكر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين،و في الإسناد الذي تقدم:أن رجلا من همدان قتله.
و ذكر المدائني أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدري من قتله.
هؤلاء ولد علي بن أبي طالب لصلبه الذين قتلوا مع الحسين،و هم سواه (3).
و قد ذكر محمد بن علي بن حمزة:أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي
ص: 91
طالب،و أمه أم ولد.
و ما سمعت بهذا من غيره،و لا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكرا.
و ذكر يحيى بن الحسن فيما حدّثني به أحمد بن سعيد أن أبا بكر بن عبيد اللّه الطلحي حدثه عن أبيه أن عبيد اللّه بن علي قتل مع الحسين،و هذا خطأ،و إنما قتل عبيد اللّه يوم المدار (1)،قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة،و قد رأيته بالمدار (2).
و أمّه أمّ ولد،و لا تعرف أمّه.
ذكر المدائني في إسنادنا عنه،عن أبي مخنف،عن سليمان بن أبي راشد أن عبد اللّه بن عقبة الغنوي قتله.
و في حديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر:أن عقبة الغنوي قتله.
و إيّاه عنى سليمان بن قتّة بقوله (3):
و عند غني قطرة من دمائنا *** و في أسد أخرى تعدّ و تذكر
و هو أخو أبي بكر بن الحسن المقتول قبله لأبيه و أمه.
حدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدّثنا الحسين بن نصر،قال:حدّثنا أبي،قال:حدّثنا عمر بن سعد،عن أبي مخنف،عن سليمان بن أبي راشد،
ص: 92
عن حميد بن مسلم،قال (1):
خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر،في يده السيف،و عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما،ما أنس أنها اليسرى،فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي:و اللّه لأشدن عليه،فقلت له:سبحان اللّه،و ما تريد إلى ذلك،يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب،قال:و اللّه لأشدنّ عليه،فما ولّى وجهه حتى ضرب رأس الغلام بالسيف،فوقع الغلام لوجهه،و صاح:يا عمّاه.
قال:فو اللّه لتجلّى الحسين كما يتجلى الصقر،ثم شدّ شدّة الليث إذا غضب،فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بساعده فأطنها (2)من لدن المرفق،ثم تنحى عنه،و حملت خيل عمر بن سعد فاستنقذوه من الحسين،و لما حملت الخيل استقبلته بصدورها،و جالت،فتوطأته،فلم يرم حتى مات-لعنه اللّه و أخزاه- فلمّا تجلّت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام و هو يفحص برجليه،و حسين يقول:بعدا لقوم قتلوك،خصمهم فيك يوم القيامة رسول اللّه(ص)ثم قال:
عز على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك،أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته يوم كثر واتره،و قلّ ناصره،ثم احتمله على صدره،و كأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطان في الأرض،حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين،فسألت عن الغلام،فقالوا:
هو القاسم بن الحسن،بن علي بن أبي طالب (3)صلوات اللّه عليهم أجمعين.
(و عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب) و أمه بنت السليل بن عبد اللّه أخي جرير بن عبد اللّه البجلي.و قيل:إن أمه أمّ ولد.و كان أبو جعفر محمد بن علي-فيما رويناه عنه-يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله.
و ذكر المدائني في إسناده عن جناب بن موسى،عن حمزة بن بيض،عن هانئ بن ثبيت القابضي أن رجلا منهم قتله (4).ة.
ص: 93
(و عبد اللّه بن الحسين بن علي بن أبي طالب) و أمه الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم (1)بن جناب بن كلب.
و أمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب.و أمها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم.
و أمها بنت أوس بن حارثة.
و زعم ابن عبدة أن أمها الرباب بنت حارثة بن أخت أوس بن حارثة بن لام الطائي بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة من طيّئ.
و هي التي يقول فيها أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام:
لعمرك إنني لأحب دارا *** تكون بها سكينة و الرباب (2)
أحبهما و أبذل جل مالي *** و ليس لعاتب عندي عتاب (3)
و سكينة التي ذكرها ابنته من الرباب،و اسم سكينة أمينة،و قيل أميمة (4)،و إنما غلب عليها سكينة،و ليس باسمها.
و كان عبد اللّه بن الحسين يوم قتل صغيرا جاءته نشّابة و هو في حجر أبيه فذبحته.
حدّثني أحمد بن شبيب،قال:حدّثنا أحمد بن الحرث عن المدائني،عن أبي مخنف،عن سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم،قال:».
ص: 94
دعى الحسين بغلام فأقعده في حجره،فرماه عقبة بن بشر فذبحه.
حدّثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا عباد بن يعقوب قال:
أخبرنا مورع بن سويد بن قيس،قال:حدّثنا من شهد الحسين،قال:
كان معه ابنه الصغير فجاء سهم فوقع في نحره،قال:فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره و لبته فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء،و يقول:
اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.
(و عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب الأكبر) أمه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب (1).و أمها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،و إيّاه عنى سليمان بن قتة بقوله:
و اندبي إن بكيت عونا أخاه *** ليس فيما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصبت ذوي القر *** بي فبكى على المصاب الطويل
و العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك،فقال:
حدّثتني عقيلتنا زينب بنت علي (2).
حدّثني أحمد بن عيسى،قال:حدثنا الحسين بن نصر،عن أبيه،عن عمر بن سعد،عن أبي مخنف،عن سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم:
أن عبد اللّه بن قطنة التيهاني (3)قتل عون بن عبد اللّه بن جعفر.
(و محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب) و أمه الخوصا بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عثمان بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن الحرث بن تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن».
ص: 95
بكر بن وائل (1).و أمها هند بنت سالم بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن مخزوم بن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة،و أمها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
[قتله عامر بن نهشل التميميّ فيما روى عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم بالإسناد الذي قدّمناه] (2).
و إيّاه عنى سليمان بن قتة بقوله:
و سمى النبي غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كل مسيل (3)
(و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب) و أمه الخوصا بنت حفصة.
ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدّثني به أحمد بن سعيد عنه:أنه قتل مع الحسين بالطفّ رضوان اللّه و صلواته على الحسين و آله.
(و عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب) و أمه أم ولد (4).
قتله عثمان بن خالد بن أسيد (5)الجهني و بشير بن حوط القابضي،فيما ذكر سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم.».
ص: 96
(و جعفر بن عقيل بن أبي طالب) و أمه أم الثغر بنت عامر بنت الهصان العامري (1)من بني كلاب.
قتله عروة بن عبد اللّه الخثعمي،فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين و عن حميد بن مسلم.
و يقال أمه الخوصا بنت الثغرية،و اسمه عمرو بن عامر بن الهصان،بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري.
و أمها أردّة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب.
و أمها أمّ البنين بنت معاوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن أبي صعصعة،و أمها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عقبة بن عامر.يقال إن أم أردة بنت حنظلة سالمة بنت مالك بن خطاب الأسدي.
(و عبد اللّه الأكبر بن عقيل بن أبي طالب) و أمه أم ولد.
قتله-فيما ذكره المدائني-عثمان بن خالد بن أسير الجهني (2)،و رجل من همدان (3).
(و محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب) و أمه أم ولد.
قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي أبو مرهم الأزدي و لقيط بن إياس الجهني.».
ص: 97
(و عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب) و أمه رقية بنت علي بن أبي طالب،و أمها أم ولد.قتله عمرو بن صبيح، فيما ذكرناه عن علي بن محمد المدائني،و عن حميد بن مسلم،و ذكر أن السهم أصابه و هو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته و جبهته (1).
(و محمد بن أبي سعيد الأحول بن عقيل بن أبي طالب) و أمه أم ولد،قتله لقيط بن ياسر الجهني،رماه بسهم (2)فيما رويناه عن المدائني،عن أبي مخنف،عن سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم.
و ذكر محمد بن علي بن حمزة:أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل، و وصف أنه سمع أيضا من يذكر أنه قتل يوم الحرّة،قال أبو الفرج:
و ما رأيت في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا.و ذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة،عن عقيل بن عبد اللّه بن عقيل بن محمد بن عبد اللّه ابن محمد بن عقيل بن أبي طالب:
أن علي بن عقيل،و أمه أم ولد قتل يومئذ.
فجميع من قتل يوم الطفّ من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان و عشرون رجلا.
(ثم نرجع إلى ذكر خبر الحسين بن علي و مقتله) صلوات اللّه عليه حدّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي،قال:حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم،قال:حدثنا أبي قال:حدثنا عمر بن سعد،عن أبي مخنفر.
ص: 98
لوط بن يحيى الأزدي،و حدّثني أيضا أحمد بن محمد بن شبيب المعروف بأبي بكر بن شيبة،قال:حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز،قال:حدثنا علي بن محمد المدائني،عن أبي مخنف،عن عوانة،و ابن جعدية،و غيرهم؛و حدثني أحمد بن الجعد قال:حدثنا علي بن موسى الطوسي،قال:حدثنا أحمد بن جناب،قال:حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد اللّه القشيري،قال:حدثنا عمّار الذهني (1)،عن أبي جعفر محمد بن علي؛كل واحد ممن ذكرت يأتي بالشيء يوافق فيه صاحبه،أو يخالفه،و يزيد عليه شيئا أو ينقص منه،و قد ثبت ذلك برواياتهم منسوبا إليهم.قال المدائني؛عن هرون بن عيسى،عن يونس بن أبي إسحاق،قال:
لما بلغ أهل الكوفة نزول الحسين مكة،و أنه لم يبايع ليزيد وفد إليه وفد منهم عليهم أبو عبد اللّه الجدلي،و كتب إليه شبث بن ربعي،و سليمان بن صرد،و المسيّب بن نجية،و وجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته،و خلع يزيد (2)،فقال لهم:أبعث معكم أخي و ابن عمي فإذا أخذ لي بيعتي،و أتاني عنهم بمثل ما كتبوا به إليّ قدمت عليهم.
و دعى مسلم بن عقيل فقال (3):اشخص إلى الكوفة،فإن رأيت منهم اجتماعا على ما كتبوا،و رأيته أمرا ترى الخروج معه،فاكتب إليّ برأيك. فقدم مسلم الكوفة،و أتته الشيعة،فأخذ بيعتهم للحسين.
قال عمر بن سعد:عن أبي مخنف،فحدّثني المصقعب بن زهير،عن أبي عثمان:أن ابن زياد أقبل من البصرة (4)و معه مسلم بن عمر الباهلي و المنذر بن عمرو بن الجارود،و شريك بن الأعور،و حشمه و أهله،حتى دخلوا الكوفة، و عليه عمامة سوداء،و هو متلثم،و الناس ينتظرون قدوم الحسين عليهم، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلاّ سلموا عليه،و قالوا:مرحبا بك يا ابن رسول اللّه(ص)قدمت خير مقدم،و رأى من الناس من تباشرهم بالحسين ما4.
ص: 99
ساءه،فأقبل حتى دخل القصر (1).
و قال عمرو عن أبي مخنف،عن المعلّى بن كليب،عن أبي الوداك، قال:
لما نزل ابن زياد القصر نودي في الناس:الصلاة جامعة،فاجتمع إليه الناس،فخرج إلينا فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال (2):
أما بعد:فإن أمير المؤمنين-أصلحه اللّه-و لانّي مصركم و ثغركم و فيئكم،و أمرني بإنصاف مظلومكم،و إعطاء محرومكم،و بالإحسان إلى سامعكم و مطيعكم،و بالشدّة على مريبكم،فأنا لمطيعكم كالوالد البر الشفيق، و سيفي و سوطي على من ترك أمري،و خالف عهدي،فليبق امرؤ على نفسه، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
ثم نزل.و سمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد اللّه بن زياد و مقالته (3)؛ فأقبل حتى أتى دار هانئ بن عروة المرادي،فدخل في بابه،فأرسل إليه أن اخرج إليّ فقال:إني أتيتك لتجيرني و تضيفني،قال له: رحمك اللّه لقد كلفتني شططا،لولا دخولك داري وثقتك بي لأحببت لشأنك أن تنصرف عني، غير أني أخذني من ذلك ذمام.ادخل،فدخل داره،فأقبلت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة.
و جاء شريك بن الأعور حتى نزل على هانئ في داره،و كان شيعيا،و دعا ابن زياد مولى له يقال له معقل،فقال له:خذ هذه الثلاثة الآلاف الدرهم ثم التمس لنا مسلم بن عقيل،و اطلب شيعته،و أعطهم الثلاثة الآلاف الدرهم، و قل لهم:استعينوا بهذه على حرب عدوّكم،و أعلمهم بأنك منهم؛ففعل ذلك،و جاء حتى لقي مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم،و سمع الناس يقولون:هذا يبايع للحسين بن علي و كان يصلي،فلما قضى صلاته جلس4.
ص: 100
إليه فقال له:يا عبد اللّه إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع،أنعم اللّه عليّ بحب أهل البيت وحب من أحبهم،و هذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه(ص)و كنت أحب لقاءه لأعرف مكانه،فسمعت نفرا من المسلمين يقولون:هذا رجل له علم بأمر أهل هذا البيت،و إني أتيتك لتقبض مني هذا المال،و تدلّني على صاحبي فأبايعه (1)فقال له:أحمد اللّه على لقائك فقد سرني حبك إيّاهم و بنصرة اللّه إيّاك حق أهل بيت نبيه(ص)،و لقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح،و أخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن و ليكتمن،فأعطاه من ذلك ما رضى به،ثم قال له:اختلف إليّ أياما في منزلي،فأنا أطلب لك الإذن على صاحبك و أخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه.
و مرض شريك بن الأعور (2)،و كان كريما على ابن زياد،و كان شديد التشيّع فأرسل إليه عبيد اللّه إني رائح إليك العشيّة فعائدك.فقال شريك لمسلم:إن هذا الفاجر عائدي العشية،فإذا جلس فاقتله،ثم اقعد في القصر،و ليس أحد يحول بينك و بينه،فإن أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة و كفيتك أمرها فلما كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور،فقال لمسلم:لا يفوتنّك الرّجل إذا جلس،فقام إليه هانئ فقال:إني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك،فجاءه عبيد اللّه بن زياد فدخل و جلس و سأل شريكا: ما الذي تجد و متى اشتكيت؟فلما طال سؤاله إيّاه،و رأى أن أحدا لا يخرج،خشي أن يفوته.فأقبل يقول:
ما الانتظار بسلمى أن تحيّوها *** حيوا سليمى و حيّوا من يحييها
كأس المنية بالتعجيل فاسقوها للّه أبوك!اسقنيها و إن كانت فيها نفسي.قال ذلك مرتين أو ثلاثة؛فقال6.
ص: 101
عبيد اللّه-و هو لا يفطن-:ما شأنه،أترونه يهجر؟فقال له هانئ:نعم- أصلحك اللّه-ما زال هكذا قبل غيابة الشمس إلى ساعتك هذه.
ثم قام و انصرف.فخرج مسلم فقال له شريك:ما منعك من قتله؟ فقال:خصلتان،أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره،[و أما] الأخرى فحديث حدّثنيه الناس عن النبي(ص):«إن الإيمان قيّد الفتك فلا يفتك مؤمن»؛فقال له شريك:أما و اللّه لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا،كافرا غادرا.
قال:فأقبل ذلك الرجل الذي وجّهه عبيد اللّه بالمال يختلف إليهم،فهو أول داخل و آخر خارج يسمع أخبارهم،و يعلم أسرارهم،و ينطلق بها حتى يقرها في أذن ابن زياد.
قال:فقال المدائني،عن أبي مخنف،عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق،عن عثمان بن أبي زرعة قال:فقال ابن زياد يوما:ما يمنع هانئا منّا؟ فلقيه ابن الأشعث،و أسماء بن خارجة فقالا له:ما يمنعك من إتيان الأمير و قد ذكرك؟قال:فأتاه فقال ابن زياد-لعنه اللّه-شعرا:
أريد حياته و يريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد (1)
يا هانئ،أسلمت (2)على ابن عقيل؟قال:ما فعلت،فدعا معقلا فقال:أتعرف هذا؟قال:نعم و أصدقك ما علمت به حتى رأيته في داري، و أنا أطلب إليه أن يتحوّل.قال:لا تفارقني حتى تأتيني به،فأغلظ له، فضرب وجهه بالقضيب و حبسه (3).
و قال عمر بن سعد:عن أبي مخنف،قال: حدّثني الحجاج بن علي الهمداني قال (4):
لما ضرب عبيد اللّه هانئا و حبسه،خشي أن يثب الناس به،فخرج فصعد6.
ص: 102
المنبر و معه أناس من أشراف الناس و شرطه و حشمه،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال:
أيها الناس:اعتصموا بطاعة اللّه و طاعة أئمتكم،و لا تفرّقوا فتختلفوا و تهلكوا و تذلّوا،و تخافوا و تخرجوا،فإن أخاك من صدقك،و قد أعذر من أنذر.
فذهب لينزل،فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون،و يقولون:قد جاء ابن عقيل،فدخل عبيد اللّه القصر و أغلق بابه.
و قال أبو مخنف:فحدّثني يوسف بن يزيد،عن عبد اللّه بن حازم البكري قال:
أنا و اللّه رسول ابن عقيل إلى القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر،فأمرني أن أنادي في أصحابي،و قد ملأ الدور منهم حواليه،فقال:ناديا منصور أمت فخرجت فناديت،و تبادر أهل الكوفة فاجتمعوا إليه،فعقد لعبد الرحمن بن عزيز الكندي على ربيعة،و قال له:سر أمامي و قدّمه في الخيل (1).و عقد لمسلم بن عوسجة على مذحج و أسد،و قال له:انزل فأنت على الرجالة.و عقد لأبي ثمامة الصائدي على تميم و حمدان.
و عقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة،ثم أقبل نحو القصر.
فلما بلغ عبيد اللّه إقباله تحرز في القصر، و غلّق الأبواب،و أقبل مسلم حتى أحاط بالقصر،فو اللّه ما لبثنا إلاّ قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس، و السوق،ما زالوا يتوثبون حتى المساء،فضاق بعبيد اللّه أمره،و دعا بعبيد اللّه ابن كثير بن شهاب الحارثي،و أمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج،فيخذل الناس عن ابن عقيل،و يخوفهم الحرب،و عقوبة السلطان،فأقبل أهل الكوفة يفترون على ابن زياد و أبيه.
قال أبو مخنف:فحدّثني سليمان بن أبي راشد،عن عبد اللّه بن حازم».
ص: 103
البكري،قال:
أشرف علينا الأشراف،و كان أوّل من تكلّم كثير بن شهاب.فقال (1):
أيها الناس،ألحقوا بأهاليكم،و لا تعجلوا،انتشروا و لا تعرّضوا أنفسكم للقتل،فهذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، و قد أعطى اللّه الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء،و يفرق مقاتليكم في مغازي الشام على غير طمع،و يأخذ البريء بالسقيم،و الشاهد بالغائب،حتى لا يبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلاّ أذاقها وبال ما جنت (2).
و تكلم الأشراف بنحو من كلام كثير،فلما سمع الناس مقالتهم تفرقوا.
قال أبو مخنف:حدّثني المجالد بن سعيد (3):
أن المرأة كانت تأتي ابنها و أخاها فتقول:انصرف،الناس يكفونك، و يجيء الرجل إلى ابنه و أخيه فيقول:غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر؟انصرف،فما زالوا يتفرقون و ينصرفون حتى أمسى ابن عقيل و ما معه إلاّ ثلاثون نفسا،حتى صليت المغرب فخرج متوجها نحو أبواب كندة،فما بلغ الأبواب إلاّ و معه منها عشر،ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم إنسان فمضى متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب (4)،حتى خرج إلى دور بني بجيلة من كندة،فمضى حتى أتى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث و أعتقها، فتزوج بها أسيد الحضرمي،فولدت له بلالا،و كان بلال قد خرج مع الناس، و أمه قائمة تنتظر فسلم عليها ابن عقيل،فردت السلام،فقال لها:اسقيني ماء.
فدخلت فأخرجت إليه،فشرب،ثم أدخلت الإناء،و خرجت و هو جالس في مكانه،فقالت:ألم تشرب؟قال:بلى.قالت:فاذهب إلى أهلك فسكت، فأعادت عليه ثلاثا ثم قالت:سبحان اللّه يا عبد اللّه،قم إلى أهلك-عافاك اللّه- فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا أحلّه لك،ثم قام،فقال:يا أمة اللّه، و اللّه ما لي في هذا المصر من أهل،فهل لك في معروف و أجر لعلي أكافئك به بعد1.
ص: 104
اليوم.قالت:يا عبد اللّه و ما ذاك؟قال:أنا مسلم بن عقيل،كذّبني هؤلاء القوم،و غروني و خذلوني،قالت:أنت مسلم؟قال:نعم.قالت:ادخل، فأدخلته بيتا في دارها،و فرشت له،و عرضت عليه العشاء،و جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت،فسألها،فقالت:يا بني أله عن هذا،قال:و اللّه لتخبرنني، و ألحّ عليها،فقالت:يا بني،لا تخبريه أحدا من الناس،و أخذت عليه الأيمان،فحلف لها،فأخبرته،فاضطجع و سكت.
فلما طال على ابن زياد،و لم يسمع أصوات أصحاب ابن عقيل قال لأصحابه:أشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون،و أدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال و تدلي و تلهب فيها النار،حتى فعل ذلك بالأظلة التي في المسجد كلّها، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السّدة،و خرج و نادى في الناس:
برئت الذمة من رجل صلّى العتمة إلاّ في المسجد،فاجتمع الناس في ساعة، فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال (1):
أما بعد:فإن ابن عقيل السقيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق،فبرئت ذمة اللّه من رجل وجد في داره،و من جاء به فله ديته،اتقوا اللّه عباد اللّه،و الزموا طاعتكم،و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.يا حصين بن تميم (2)ثكلتك أمّك إن ضاع شيء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به،و قد سلطتك على دور أهل الكوفة،فابعث مراصدة على أفواه السكك،و أصبح غدا فاستبرء الدور حتى تأتي بهذا الرجل (3)،ثم نزل.
فلمّا أصبح أذن للناس،فدخلوا عليه،و أقبل محمد بن الأشعث فقال:
مرحبا بمن لا يتهم و لا يستغش،و أقعده إلى جنبه.
و أصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى».
ص: 105
أبيه و هو جالس،فساره،فقال له ابن زياد:ما قال لك؟قال:أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا،فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال:قم فأتني به الساعة.
قال أبو مخنف:فحدّثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي (1).أن ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس،عليهم [عمرو بن] (2)عبيد اللّه بن العباس السلمي حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل،فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال،عرف أنه قد أتى؛فخرج إليهم بسيفه،فاقتحموا عليه الدار،فشد عليهم كذلك (3)،فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح و ظهروا فوقه،فأخذوا يرمونه بالحجارة،و يلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح فلما رأى[ذلك] قال:أ كلما أرى من الإجلاب لقتل ابن عقيل؟يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص،فخرج-رضوان اللّه عليه-مصلتا سيفه إلى السكة، فقاتلهم،فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال:يا فتى،لك الأمان،لا تقتل نفسك.فأقبل يقاتلهم و هو يقول (4):
أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا *** و إن رأيت الموت شيئا نكرا
***أخاف أن أكذب أو أغرّا أو يخلط البارد سخنا مرّا
ردّ شعاع الشمس فاستقرا (5)*** كل امرئ يوما ملاق شرّا
قال له محمد بن الأشعث:إنك لا تكذب و لا تغر،إن القوم ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك،و قد أثخن بالجراح و عجز عن القتال؛فانبهر و أسند».
ص: 106
ظهره إلى دار بجنب تلك الدار،فدنا منه محمد بن الأشعث فقال له:لك الأمان،فقال له مسلم:آمن أنا؟قال:نعم أنت آمن،فقال القوم جميعا:
نعم غير عبيد اللّه بن العباس السلمي لأنه قال:«لا ناقة لي في هذا و لا جمل»، و تنحّى، فقال ابن عقيل:إني و اللّه لو لا أمانكم ما وضعت يدي في أيديكم.
و أتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا عليه،فنزعوا سيفه من عنقه،فكأنه أيس من نفسه فدمعت عينه و علم أن القوم قاتلوه،و قال:هذا أول الغدر.
فقال له محمد بن الأشعث:أرجوا ألاّ يكون عليك بأس.
فقال:ما هو إلاّ الرجاء،فأين أمانكم إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و بكى.
فقال له عبيد اللّه ابن العباس السلمي:إن مثلك و من يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك.
قال:إني و اللّه ما أبكي لنفسي،و لا لها من القتل أرثي،و إن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفا،و لكني أبكي لأهلي المقبلين إليّ،أبكي للحسين و آل الحسين،ثم أقبل على ابن الأشعث فقال:إني و اللّه أظنك ستعجز عن أماني، و سأله أن يبعث رسولا إلى الحسين بن علي يعلمه الخبر،و يسأله الرجوع فقال له ابن الأشعث:و اللّه لأفعلنّ (1).
قال أبو مخنف:فحدّثني قدامة بن سعد (2):أن مسلم بن عقيل حين انتهى به إلى القصر رأى قلة مبرّدة موضوعة على الباب،فقال:اسقوني من هذا الماء.فقال له مسلم بن عمر،و أبو قتيبة بن مسلم الباهلي:أ تراها ما أبردها؟ فو اللّه لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم.
فقال له مسلم بن عقيل (3):ويلك،و لأمك الثكل،ما أجفاك،».
ص: 107
و أفظك،و أقسى قلبك،أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم،و الخلود في نار جهنم،ثم جلس و تساند إلى الحائط.
قال أبو مخنف:فحدّثني أبو قدامة بن سعد أن عمرو بن حريث بعث غلاما له يدعى سليما فأتاه بماء في قلة فسقاه.قال و حدثني مدرك بن عمارة:أن عمارة بن عقبة بعث غلاما يدعى نسيما فأتاه بماء في قلة عليها منديل و قدح معه، فصب فيه الماء ثم سقاه،فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دما،فأخذ لا يشرب من كثرة الدم،فلما ملأ القدح ثانية ذهب يشرب،فسقطت ثنيتاه في القدح، فقال:الحمد للّه،لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته.
قال:ثم أدخل على عبيد اللّه بن زياد (1)-لعنه اللّه-فلم يسلم عليه، فقال له الحرس:ألا تسلم على الأمير؟فقال:إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟و إن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه.فقال له عبيد اللّه- لعنه اللّه-:لتقتلن.قال:أكذلك؟قال:نعم.قال:دعني إذا أوصي إلى بعض القوم.قال:أوص إلى من أحببت.فنظر ابن عقيل إلى القوم و هم جلساء ابن زياد،و فيهم عمر بن سعد؛فقال:يا عمر،إن بيني و بينك قرابة دون هؤلاء،ولي إليك حاجة،و قد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، و هي سرّ،فأبى أن يمكنه من ذكرها،فقال له عبيد اللّه بن زياد:لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك،فقام معه و جلس حيث ينظر إليهما ابن زياد-لعنه اللّه-، فقال له ابن عقيل:إن عليّ بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها تقضيه عنّي حتى يأتيك من غلّتي بالمدينة،و جثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها،و ابعث إلى الحسين من يرده.فقال عمر لابن زياد:أتدري ما قال؟قال:اكتم ما قال لك،قال:أتدري ما قال لي؟قال:هات،فإنه لا يخون الأمين،و لا يؤتمن الخائن. قال:كذا و كذا،قال:أما مالك فهو لك،و لسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت و أما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده،و إن أرادنا لم نكفّ عنه،و أما جثته فإنا لا نشفعك فيها،فإنه ليس لذلك منا بأهل،و قد خالفنا و حرص على هلاكنا.6.
ص: 108
ثم قال ابن زياد لمسلم:قتلني اللّه إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام (1).
قال:أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه،أما إنك لم تدع سوء القتلة،و قبح المثلة و خبث السيرة،و لؤم الغيلة لمن هو أحق به منك (2).
ثم قال ابن زياد:اصعدوا به فوق القصر فأضربوا عنقه.
ثم قال:ادعوا الذي ضربه ابن عقيل على رأسه و عاتقه بالسيف فجاءه فقال:اصعد و كن أنت الذي تضرب عنقه،و هو بكير بن حمران الأحمري-لعنه اللّه-،فصعدوا به و هو يستغفر اللّه و يصلي على النبي(ص)،و على أنبيائه و رسله و ملائكته-و هو يقول:اللهم احكم بيننا و بين قوم غرّونا،و كادونا و خذلونا.
ثم أشرفوا به على موضع الحذّائين فضرب عنقه،ثم أتبع رأسه جسده- صلّى اللّه عليه و رحمه- (3).
و قال المدائني:عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد،قال:فقال عبد اللّه ابن الزّبير الأسدي (4):
إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هانئ في السوق و ابن عقيل
***إلى بطل قد هشّم السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيل (5)
ترى جسدا قد غيّر الموت لونه *** و نضح دم قد سال كلّ مسيل (6)
أصابهما أمر الأمير فأصبحا *** أحاديث من يسعى بكل سبيليل
ص: 109
أيركب أسماء الهماليج آمنا *** و قد طلبته مذحج بذحول (1)
تطيف حواليه مراد و كلهم *** على رقبة من سائل و مسول
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم *** فكونوا بغايا أرضيت بقليل
قالوا:و كان مسلم قد كتب إلى الحسين بأخذ البيعة له،و اجتماع الناس عليه،و انتظارهم إيّاه،فأزمع الشخوص إلى الكوفة،و لقيه عبد اللّه بن الزبير في تلك الأيام و لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز، و لا أحب إليه من خروجه إلى العراق طمعا في الوثوب بالحجاز،و علما بأن ذلك لا يتم له إلاّ بعد خروج الحسين،فقال له:على أيّ شيء عزمت يا أبا عبد اللّه؟فأخبره برأيه في إتيان الكوفة،و أعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل إليه،فقال له ابن الزبير:
فما يحبسك،فو اللّه لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلوّمت في شيء،و قوى عزمه،ثم انصرف.و جاءه به عبد اللّه بن عباس و قد أجمع رأيه على الخروج، و حققه،فجعل يناشده في المقام،و يعظم عليه القول في ذم أهل الكوفة،و قال له:إنك تأتي قوما قتلوا أباك،و طعنوا أخاك،و ما أراهم إلاّ خاذليك،فقال له:هذه كتبهم معي،و هذا كتاب مسلم باجتماعهم، فقال له ابن عباس:أما إذا كنت لا بد فاعلا فلا تخرج أحدا من ولدك،و لا حرمك و لا نسائك فخليق أن تقتل و هم ينظرون إليك كما قتل ابن عفان،فأبى ذلك و لم يقبله.
قال:فذكر من حضره يوم قتل و هو يلتفت إلى حرمه و إخوته و هن يخرجن من أخبيتهن جزعا لقتل من يقتل معه و ما يرينه به،و يقول:للّه در ابن عباس فيما أشار علي به.
قال:فلما أبى الحسين قبول رأي ابن عباس قال له:و اللّه لو أعلم أني إذا تشبثت بك و قبضت على مجامع ثوبك،و أدخلت يدي في شعرك حتى يجتمع الناس عليّ و عليك،كان ذلك نافعي لفعلته،و لكن اعلم أن اللّه بالغ أمره،ر.
ص: 110
ثم ارسل عينيه فبكى،و ودّع الحسين،و انصرف.و مضى الحسين لوجهه، و لقى ابن عباس بعد خروجه عبد اللّه بن الزبير فقال له:
يا لك من قبّرة بمعمر *** خلا لك الجوّ فبيضي و اصفري
و نقّري ما شئت أن تنقّري *** هذا الحسين خارجا فاستبشري (1)
فقال:قد خرج الحسين و خلت لك الحجاز.
قال أبو مخنف في حديثه خاصة عن رجاله:
إن عبيد اللّه بن زياد وجه الحر بن يزيد ليأخذ الطريق على الحسين،فلما صار في بعض الطريق لقيه أعرابيان من بني أسد، فسألهما عن الخبر،فقالا له:
يا ابن رسول اللّه،إن قلوب الناس معك،و سيوفهم عليك،فارجع،و أخبراه بقتل ابن عقيل و أصحابه،فاسترجع الحسين،فقال له بنو عقيل:لا نرجع و اللّه أبدا أو ندرك ثأرنا أو نقتل بأجمعنا،فقال لمن كان لحق به من الأعراب:من كان منكم يريد الإنصراف عنّا فهو في حلّ من بيعتنا.فانصرفوا عنه،و بقي في أهل بيته،و نفر من أصحابه (2).
و مضى حتى دنا من الحرّ بن يزيد،فلما عاين أصحابه العسكر من بعيد كبّروا، فقال لهم الحسين:ما هذا التكبير؟قالوا:رأينا النخل،فقال بعض أصحابه:ما بهذا الموضع و اللّه نخل،و لا أحسبكم ترون إلاّ هوادي الخيل و أطراف الرماح،فقال الحسين:و أنا و اللّه أرى ذلك؛فمضوا لوجوههم، و لحقهم الحرّ بن يزيد في أصحابه،فقال للحسين:إني أمرت أن أنزلك في أيّ موضع لقيتك و أجعجع بك،و لا أتركك أن تزول من مكانك (3).
قال:إذا أقاتلك،فاحذر أن تشقى بقتلي ثكلتك أمك.فقال:[أما و اللّه لو غيرك من العرب يقولها و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان،و لكن و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلاّ».
ص: 111
بأحسن ما يقدر عليه] (1).
و أقبل يسير و الحر يسايره و يمنعه من الرجوع من حيث جاء،و يمنع الحسين من دخول الكوفة، حتى نزل بأقساس مالك،و كتب الحر إلى عبيد اللّه يعلمه ذلك.
قال أبو مخنف:فحدّثني عبد الرحمن بن جندب،عن عتبة بن سمعان الكلبي،قال:
لما ارتحلنا من قصر ابن مقاتل،و سرنا ساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول: إِنّا لِلّهِ،وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،و اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ مرتين.فأقبل إليه علي بن الحسين و هو على فرس فقال له:يا أبي جعلت فداك،مم استرجعت؟و علام حمدت اللّه؟قال الحسين:يا بني،إنه عرض لي فارس على فرس فقال:القوم يسيرون،و المنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا،فقال:يا أبتاه لا أراك اللّه سوءا أبدا،أ لسنا على الحق؟قال:بلى و الذي يرجع إليه العباد.فقال:يا أبت،فإذا لا نبالي، قال:جزاك اللّه خير ما جزى ولد عن والده (2).
قال:و كان عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-قد ولّى عمر بن سعد الرّي،فلما بلغه الخبر وجّه إليه أن سر إلى الحسين أولا فاقتله،فإذا قتلته رجعت و مضيت إلى الرّي،فقال له:أعفني أيّها الأمير.قال:قد أعفيتك من ذلك،و من الريّ،قال:اتركني أنظر في أمري فتركه، فلما كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين،فلما قاربه و تواقفوا قام الحسين في أصحابه خطيبا فقال (3):
اللهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحابا خيرا من أصحابي،و لا أهل بيت4.
ص: 112
خيرا من أهل بيتي،فجزاكم اللّه خيرا فقد آزرتم و عاونتم (1)،و القوم لا يريدون غيري،و لو قتلوني لم يبتغوا غيري أحدا،فإذا جنّكم الليل فتفرقوا في سواده،و انجوا بأنفسكم.
فقام إليه العباس بن علي أخوه،و علي ابنه،و بنو عقيل،فقالوا له:
معاذ اللّه و الشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم،إنا تركنا سيدنا، و ابن سيدنا و عمادنا،و تركناه غرضا للنبل،و دريئة للرماح،و جزرا للسباع، و فررنا عنه رغبة في الحياة،معاذ اللّه،بل نحيا بحياتك،و نموت معك،فبكى و بكوا عليه،و جزاهم خيرا،ثم نزل-صلوات اللّه عليه-.
فحدّثني عبد اللّه بن زيدان البجلي،قال:حدّثنا محمد بن زيد التميمي، قال:حدّثنا نصر بن مزاحم،عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب،عن علي بن الحسين قال (2):
إني و اللّه لجالس مع أبي في تلك الليلة،و أنا عليل،و هو يعالج سهاما له،و بين يديه جون مولى أبي ذر الغفاري،إذ ارتجز الحسين:
يا دهر أف لك من خليل *** كم لك في الإشراق و الأصيل
من صاحب و ماجد قتيل *** و الدهر لا يقنع بالبديل
و الأمر في ذاك إلى الجليل *** و كل حي سالك السبيل
قال:و أما أنا فسمعته و رددت عبرتي.
و أما عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرقة و الجزع (3)،فشقت ثوبها، و لطمت وجهها،و خرجت حاسرة تنادي:و اثكلاه!وا حزناه!ليت الموت أعدمني الحياة،يا حسيناه يا سيداه،يا بقية أهل بيتاه،استقلت و يئست من الحياة؛ اليوم مات جدي رسول اللّه(ص)،و أمي فاطمة الزهراء،و أبي علي،».
ص: 113
و أخي الحسن،يا بقية الماضين،و ثمال الباقين.
فقال لها الحسين:يا أختي«لو ترك القطا لنام».
قالت:فإنما تغتصب نفسك اغتصابا،فذاك أطول لحزني و أشجى لقلبي؛و خرت مغشيا عليها؛فلم يزل يناشدها و احتملها حتى أدخلها الخباء (1).
(رجع الحديث إلى مقتله صلوات اللّه عليه) قال:فوجه إلى عمر بن سعد-لعنه اللّه-فقال:ما ذا تريدون مني؟إني مخيّركم ثلاثا: بين أن تتركوني ألحق بيزيد،أو أرجع من حيث جئت،أو أمضي إلى بعض ثغور المسلمين فأقيم فيها.
ففرح ابن سعد بذلك،و ظن أن ابن زياد-لعنه اللّه-يقبله منه،فوجه إليه رسولا يعلمه ذلك،و يقول:لو سألك هذا بعض الديلم و لم تقبله ظلمته.
فوجه إليه ابن زياد:طمعت يا ابن سعد في الراحة،و ركنت إلى دعة،ناجز الرجل و قاتله،و لا ترض منه إلاّ أن ينزل على حكمي.
فقال الحسين:معاذ اللّه أن أنزل على حكم ابن مرجانة أبدا (2)،فوجه ابن زياد شمر بن ذي الجوشن الضّبابي-أخزاه اللّه-إلى ابن سعد-لعنه اللّه- يستحثه لمناجزة الحسين، فلما كان في يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى و ستين،ناجزه ابن سعد-لعنه اللّه-فجعل أصحاب الحسين يتقدمون رجلا رجلا يقاتلون حتى قتلوا.
و قال المدائني،عن العباس بن محمد بن رزين،عن علي بن طلحة، و عن أبي مخنف،عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر،عن حميد بن مسلم،و قال عمر بن سعد البصري:عن أبي مخنف،عن زهير بن عبد اللّه الخثعمي،7.
ص: 114
و حدّثنيه أحمد بن سعيد،عن يحيى بن الحسن[العلوي]،عن بكر بن عبد الوهاب،عن إسماعيل بن أبي إدريس،عن أبيه،عن جعفر بن محمد، عن أبيه،دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين:إن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي،قال:فأخذ يشد على الناس و هو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي *** نحن و بيت اللّه أولى بالنبي
من شبث ذاك و من شمر الدني *** أضربكم بالسيف حتى يلتوي
ضرب غلام هاشمي علوي *** و لا أزال اليوم أحمي عن أبي
*** و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعي
(1) ففعل ذلك مرارا،فنظر إليه مرة بن منقذ العبدي فقال:عليّ آثم العرب إن هو فعل مثل ما أراه يفعل،و مرّ بي أن أثكله أمه.فمر يشد على الناس و يقول كما كان يقول،فاعترضه مرّة و طعنه بالرمح فصرعه،و اعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم.
و قال أبو مخنف:عن سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم،قال:
سماع أذني يومئذ الحسين و هو يقول:قتل اللّه قوما قتلوك يا بني،ما أجرأهم على اللّه،و على انتهاك حرمة الرسول(ص)ثم قال:على الدنيا بعدك العفاء.
قال حميد:و كأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي:يا حبيباه،يا ابن أخاه،فسألت عنها،فقالوا:هذه زينب بنت علي بن أبي طالب؛ثم جاءت حتى انكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها إلى الفسطاط،و أقبل إلى ابنه،و أقبل فتيانه إليه فقال:احملوا أخاكم،فحملوه من مصرعه ذلك،ثم جاء به حتى وضعه بين يدي فسطاطه (2).
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثني يحيى بن الحسن العلوي،قال:
حدثنا غير واحد،عن محمد بن عمير،عن أحمد بن عبد الرحمن البصري،عن6.
ص: 115
عبد الرحمن بن مهدي،عن حماد بن سلمة عن سعيد بن ثابت،قال:
لما برز علي بن الحسين إليهم،أرخى الحسين-صلوات اللّه عليه و سلامه -عينيه فبكى،ثم قال:اللهم كن أنت الشهيد عليهم،فبرز إليهم غلام أشبه الخلق برسول اللّه(ص)،فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول:يا أباه، العطش،فيقول له الحسين:اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول اللّه (ص)بكأسه،و جعل يكر كرّة بعد كرّة،حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه، و أقبل ينقلب في دمه،ثم نادى:يا أبتاه عليك السلام،هذا جدّي رسول اللّه(ص)يقرئك السلام،و يقول:عجّل القدوم إلينا،و شهق شهقة فارق الدنيا.
قال أبو مخنف:فحدّثني سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم قال:
أحاطوا بالحسين عليه السلام،و أقبل غلام من أهله نحوه،و أخذته زينب بنت علي لتحبسه،فقال لها الحسين:احبسيه،فأبى الغلام،فجاء يعدوا إلى الحسين،فقام إلى جنبه،و أهوى أبحر بن كعب بالسيف إلى الحسين،فقال الغلام لأبجر:يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟فضربه أبجر بالسيف،و اتقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد.و بقيت معلقة بالجلد،فنادى الغلام:يا أماه، فأخذه الحسين فضمّه إليه،و قال:يا ابن أخي احتسب فيما أصابك الثواب،فإن اللّه ملحقك بآبائك الصالحين،برسول اللّه(ص)، و حمزة،و علي،و جعفر،و الحسن عليهم السلام (1).
قال:و جاء رجل حتى دخل عسكر الحسين،فجاء إلى رجل من أصحابه فقال له:إن خبر ابنك فلان وافى،إن الديلم أسروه،فتنصرف معي حتى نسعى في فدائه،فقال:حتى أصنع ما ذا؟عند اللّه أحتسبه و نفسي،فقال له الحسين:انصرف و أنت في حل من بيعتي،و أنا أعطيك فداء ابنك.فقال:4.
ص: 116
هيهات أن أفارقك ثم أسأل الركبان عن خبرك.لا يكون و اللّه هذا أبدا،و لا أفارقك،ثم حمل على القوم فقاتل حتى قتل رحمة اللّه عليه و رضوانه.
قال:و جعل الحسين يطلب الماء،و شمر-لعنه اللّه-يقول له:و اللّه لا ترده أو ترد النار،فقال له رجل:ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطوان الحيات،و اللّه لا تذوقه أو تموت عطشا،فقال الحسين:اللهم أمته عطشا.
قال:و اللّه لقد كان هذا الرجل يقول:اسقوني ماء،فيؤتى بماء، فيشرب حتى يخرج من فيه و هو يقول:اسقوني،قتلني العطش،فلم يزل كذلك حتى مات (1).
قال أبو مخنف:فحدثني سليمان بن أبي راشد،عن حميد بن مسلم، قال:
لما اشتد العطش على الحسين دعا أخاه العبّاس بن علي،فبعثه في ثلاثين راكبا و ثلاثين راجلا،و بعث معه بعشرين قربة،فجاءوا حتى دنوا من الماء فاستقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي،فقال له عمرو بن الحجاج:من الرجل؟ قال:نافع بن هلال،قال:مرحبا بك يا أخي ما جاء بك؟قال:جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه،قال:اشرب،قال:لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و الحسين عطشان.فقال له عمرو:لا سبيل إلى ما أردتم،إنما وضعونا بهذا المكان لنمنعكم من الماء،فلما دنا منه أصحابه قال للرجالة:املئوا قربكم، فشدت الرجالة فدخلت الشّريعة فملأوا قربهم،ثم خرجوا، و نازعهم عمرو بن الحجاج و أصحابه،فحمل عليهم العباس بن علي، و نافع بن هلال الجملي (2)جميعا،فكشفوه،ثم انصرفوا إلى رحالهم،و قالوا للرجالة:انصرفوا.فجاء أصحاب الحسين بالقرب حتى أدخلوها عليه.
قال المدائني:فحدثني أبو غسان،عن هارون بن سعد،عن القاسم بن الأصبغ ابن نباتة،قال:ج.
ص: 117
رأيت رجلا من بني أبان بن دارم أسود الوجه،و كنت أعرفه جميلا، شديد البياض،فقلت له:ما كدت أعرفك،قال:إني قتلت شابا أمرد مع الحسين،بين عينيه أثر السجود،فما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح،فما يبقى أحد في الحي إلاّ سمع صياحي.
قال:و المقتول العباس بن علي-عليه السلام-.
قال المدائني.فحدثني مخلد بن حمزة بن بيض،و حباب بن موسى،عن حمزة بن بيض،قال حدثني هانئ بن ثبيت القابضي زمن خالد،قال:قال:
كنت ممن شهد الحسين،فإني لواقف على خيول إذ خرج غلام من آل الحسين مذعورا يلتفت يمينا و شمالا،فأقبل رجل (1)منا يركض حتى دنا منه، فمال عن فرسه،فضربه فقتله.
قال:و حمل شمر-لعنه اللّه-على عسكر الحسين،فجاء إلى فسطاطه لينهبه،فقال له الحسين: ويلكم،إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في الدنيا،فرحلى لكم عن ساعة مباح،قال:فاستحيا و رجع.
قال:و جعل الحسين يقاتل بنفسه،و قد قتل ولده و إخوته و بنو أخيه و بنو عمه فلم يبق منهم أحد،و حمل عليه ذرعة بن شريك-لعنه اللّه-،فضرب كتفه اليسرى بالسيف فسقطت-صلوات اللّه عليه-.و قتله أبو الجنوب زياد بن عبد الرحمن الجعفي،و القثعم،و صالح بن وهب اليزني و خولى بن يزيد،كل قد ضربه و شرك فيه.
و نزل سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه.
و يقال:إن الذي أجهز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه اللّه.
و حمل خولي بن يزيد رأسه إلى عبيد اللّه بن زياد.
و أمر ابن زياد-لعنه اللّه،و غضب عليه-أن يوطأ صدر الحسين،و ظهره».
ص: 118
و جنبه و وجهه فأجريت الخيل عليه (1).
و حمل أهله أسرى (2)و فيهم،عمر،و زيد،و الحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام،و كان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتث جريحا فحمل معهم،و علي بن الحسين الذي أمه أم ولد،و زينب العقيلة،و أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب و سكينة بنت الحسين لما أدخلوا على يزيد-لعنه اللّه-أقبل قاتل الحسين بن علي يقول (3).
أوقر ركابي فضة أو ذهبا *** فقد قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما و أبا *** و خيرهم إذ ينسبون نسبا (4)
و وضع الرأس بين يدي يزيد-لعنه اللّه-في طست،فجعل ينكته على ثناياه بالقضيب و هو يقول (5):
نفلّق هاما من رجال أعزة *** علينا و هم كانوا أعق و أظلما
و قد قيل:إن ابن زياد-لعنه اللّه فعل ذلك.
و قيل:إنه تمثل أيضا و الرأس بين يديه بقول عبد اللّه بن الزّبعري (6):
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من أشياخهم *** و عدلناه ببدر فاعتدل
ثم دعا يزيد-لعنه اللّه-بعلي بن الحسين،فقال:ما اسمك؟فقال:
علي بن الحسين،قال: أولم يقتل اللّه علي بن الحسين،قال:قد كان لي أخ3.
ص: 119
أكبر مني يسمى عليا،فقتلتموه (1).قال:بل اللّه قتله،قال علي: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (2)،قال له يزيد: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (3)فقال علي: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (4).
قال:فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله،فألقت زينب نفسها عليه.
فقام رجل آخر فقال:يا أمير المؤمنين،هب لي هذه (5)أتخذها أمة.
قال:فقالت له زينب:لا و لا كرامة،ليس لك ذلك،و لا له إلاّ أن يخرج من دين اللّه.
فصاح به يزيد:اجلس.فجلس،و أقبلت زينب عليه،و قالت:يا يزيد حسبك من دمائنا.
و قال علي بن الحسين:إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم،و أردت قتلي فابعث معهن أحدا يؤديهن (6).فرق له و قال:لا يؤديهن غيرك.
ثم أمره أن يصعد المنبر فيخطب فيعذر إلى الناس مما كان من أبيه فصعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه و قال:
أيها الناس،من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي،أنا علي بن الحسين،أنا ابن البشير النذير،أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه،أنا ابن السراج المنير.و هي خطبة طويلة كرهت الإكثار بذكرها،و ذكر نظائرها.د.
ص: 120
ثم أمره يزيد،بالشخوص إلى المدينة مع النسوة من أهله و سائر بني عمّه،فانصرف بهم (1).
و قال سليمان بن قتّة يرثي الحسين (2):
مررت على أبيات آل محمد *** فلم أرها أمثالها يوم حلت (3)
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة *** لفقد حسين و البلاد اقشعرت
و كانوا رجاء ثم صاروا رزية *** لقد عظمت تلك الرزايا و جلت (4)
أ تسألنا قيس فنعطي فقيرها *** و تقتلنا قيس إذا النعل زلت
***و عند غنيّ قطرة من دمائنا سنطلبها يوما بها حيث حلت
فلا يبعد اللّه الديار و أهلها *** و إن أصبحت منهم برغمي تخلّت
فإن قتيل الطّف من آل هاشم *** أذل رقاب المسلمين فذلت (5)
قال أبو الفرج:
و قد رثى الحسين بن علي-صلوات اللّه عليه-جماعة من متأخري الشعراء أستغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة.
و أما من تقدم (6)فما وقع إلينا شيء رثى به،و كانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية،و خشية منهم.
و هذا آخر ما أخبرنا به من مقتله-صلوات اللّه عليه و رضوانه و سلامه-.1.
ص: 121
و أبو بكر بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.
لا يعرف اسمه؛و أمّه الخوصاء بنت حفصة بن بكر بن وائل.
حدّثنا أحمد بن محمد بن شبيب،قال:حدّثنا أحمد بن الحرث الخراز (1)،عن المدائني،قال:
قتل أبو بكر بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة (2)في الوقعة بين مسرف (3)ابن عقبة و بين أهل المدينة.
و عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب.
و هو عون الأصغر،و الأكبر قتل مع الحسين بن علي.
و أم عون هذا جمانة بنت المسيب (4)بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن ربيعة بن شمخ بن فزارة.
و أمها من بني مرة بن عوف الفزاري.
و المسيّب أحد أمراء التوابين الذين دعوا إلى الخروج على ابن زياد-لعنه اللّه-و الطلب بدم الحسين،فقتلوا بعين الوردة (5)،و له صحبة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و قد شهد معه مشاهده.
ص: 122
و قتل عون يوم الحرة (1)حرة واقم،قتله أصحاب مسرف بن عقبة، أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن شبيب،عن الخراز،عن علي بن نجم المدائني.
و عبيد اللّه (2)بن علي بن أبي طالب،و أمه ليلى بنت مسعود (3)بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة.
قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار،و كان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له،فلم يفعل،فخرج فلحق بمصعب بن الزبير (4)فقتل في الوقعة و هو لا يعرف (5).
و عبد اللّه بن محمد بن علي بن أبي طالب.
و يكنى أبا هاشم،و أمه أم ولد،تدعى نائلة.
و كان لسنا خصما عالما،و كان وصي أبيه،و هو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنه ورث الوصية عن أبيه،و أنه كان الإمام،و أنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس (6)،و أوصى محمد إلى إبراهيم الإمام، فصارت الوصية في بني العباس من تلك الجهة (7).
ص: 123
و دس سليمان بن عبد الملك سما إليه،فمات منه بالحميمة من أرض الشام.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:حدّثني عبيد اللّه بن حمزة،و ذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة،عن المدائني،عن غسان بن عبد الحميد قال:
وفد أبو هاشم إلى سليمان بن عبد الملك يقضي حوائجه،ثم تجهز للمسير إلى المدينة،فقدّم،ثقله و أتى سليمان ليودعه،فحبسه سليمان حتى تغدى معه في يوم شديد الحر،و خرج نصف النهار،و سار ليلحق الثقل فعطش في مسيره،فدس إليه سليمان شربة فلما شربها فتر فسقط،و أرسل رسولا إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس، و عبد اللّه بن الحرث بن نوفل،يعلمهما حاله فخرجا إليه فولياه حتى مات.و دفن بالحميمة في أرض الشام،و أوصى إلى محمد بن علي بن العباس (1).
و زيد بن علي (2)بن الحسين،بن علي بن أبي طالب،و يكنى أبا الحسين.
و أمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيدا، و عمر،و عليا،و خديجة.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي،و علي بن العباس،قالا:حدثنا عباد ابن يعقوب،قال:حدّثنا الحسين بن حماد أخو الحسن بن حماد،قال:حدّثنا زياد بن المنذر،قال:اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفا،فقال لها:أدبري.فأدبرت،ثم قال لها:أقبلي. فأقبلت،ثم قال:ما أدري أحدا
ص: 124
أحق بها من علي بن الحسين،فبعث بها إليه،و هي أم زيد بن علي.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا أحمد بن يحيى،قال:حدثنا الحسن بن الحسين الكندي،عن خصيب الوابشي قال:
كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه.
حدثني الحسن بن علي السلولي،قال:حدثنا أحمد بن راشد،قال:
حدثني عمي سعيد بن خيثم،قال:حدثني أبو قرة،قال:
خرجت مع زيد بن علي ليلا إلى الجبّان،و هو مرخي اليدين لا شيء معه،فقال لي:يا أبا قرة أجائع أنت؟قلت نعم،فناولني كمثراة ملء الكف ما أدري أريحها أطيب أم طعمها، ثم قال لي:يا أبا قرة أتدري أين نحن؟نحن في روضة من رياض الجنة،نحن عند قبر أمير المؤمنين علي،ثم قال لي:يا أبا قرة و الذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي إن زيد بن علي لم يهتك للّه محرما منذ عرف يمينه من شماله،يا أبا قرة من أطاع اللّه أطاعه ما خلق.
حدثني علي بن محمد،بن علي بن مهدي العطار،قال:حدّثنا أحمد بن يحيى،قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،عن أبي داود العلوي (1)عن عاصم بن عبيد اللّه العمري قال ذكر عنده زيد بن علي فقال:أنا أكبر منه،رأيته بالمدينة و هو شاب يذكر اللّه عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل:ما يرجع إلى الدنيا.
حدّثنا أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسين (2)قال:حدّثنا هرون بن موسى،قال:سمعت محمد بن أيوب الرافقي يقول:
كانت المرجئة (3)و أهل النسك لا يعدلون بزيد أحدا.4.
ص: 125
حدّثني علي بن العباس المقانعي،و محمد بن الحسين الخثعمي،قالا:
حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي،قال حدّثنا الحسن بن الحسين،قال المقانعي:عن عبد اللّه بن حرب و قال الأشناني (1):عن عبد اللّه بن جرير، قال:
رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب،و يسوي ثيابه على السرج.
حدّثني علي بن العباس،قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،قال:حدّثنا أبو معمر سعيد بن خيثم،قال:
كان بين زيد بن علي،و عبد اللّه بن الحسن مناظرة في صدقات علي،فكانا يتحاكمان إلى قاض من القضاة،فإذا قاما من عنده أسرع عبد اللّه إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب.
حدّثني علي بن العباس،قال:حدّثنا عباد بن يعقوب،قال:أخبرنا محمد بن الفرات،قال:
رأيت زيد بن علي و قد أثر السجود بوجهه أثرا خفيفا.
حدّثنا محمد بن علي بن مهدي،قال:حدّثنا الحسن بن محمد بن أبي عاصم،قال:حدّثنا عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب،عن البابكي،و اسمه عبد اللّه بن مسلم بن بابك،قال:
خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل و استوت الثريا فقال:يا بابكي أما ترى هذه الثريا أترى أحدا ينالها؟قلت:لا،قال:و اللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع،فأتقطع قطعة قطعة،0.
ص: 126
و أن اللّه أصلح بين أمة محمد(ص).
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد،قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،عن يحيى بن مساور،عن أبي الجارود،قال:
قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى،قال:سألت الحسن بن يحيى كم كانت سن زيد بن علي يوم قتل؟قال:اثنتان و أربعون سنة (1).
حدثني علي بن العباس،قال:حدثني اسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال:حدثنا محمد بن داود بن عبد الجبار،عن أبيه،عن جابر،عن أبي جعفر،قال:
قال رسول اللّه(ص)للحسين:«يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجّلين،يدخلون الجنة بغير حساب».
حدثني محمد بن الحسين،قال:حدثنا عباد بن يعقوب،قال أخبرنا خالد بن عيسى أبو زيد العكلي،عن عبد الملك بن أبي سليمان،قال:
قال رسول اللّه(ص):«يقتل رجل من أهل بيتي فيصلب لا ترى الجنة عين رأت عورته».
أخبرني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن قني، قال:حدّثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ،قال:حدّثنا أبو حفص الأعشى،عن أبي داود المدني،عن علي بن الحسين،عن أبيه،عن علي، قال:5.
ص: 127
يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبهة و الأبهة الملك لا يسبقه الأولون و لا يدركه الآخرون إلاّ من عمل بمثل عمله،يخرج يوم القيامة هو و أصحابه معهم الطّوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطوا أعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون هؤلاء حلف الخلف،و دعاة الحق،و يستقبلهم رسول اللّه(ص) فيقول:«يا بني قد عملتم ما أمرتم به،فادخلوا الجنة بغير حساب».
حدّثني علي بن العباس،و محمد بن الحسين،قال:حدثنا عباد بن يعقوب،قال:أخبرنا الحسين بن زيد بن علي،عن ريطة بنت عبد اللّه بن محمد بن الحنفية،عن أبيها،قال:
مرّ زيد بن علي بن الحسين،على محمد بن الحنفية فرقّ له و أجلسه، و قال:أعيذك باللّه يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب بالعراق،و لا ينظر أحد إلى عورته.و لا ينظره إلاّ كان في أسفل درك من جهنم.
حدثني محمد بن علي بن مهدي بالكوفة على سبيل المذاكرة،و نبأني أحمد بن محمد (1)في إسناده قال:حدثنا أبو سعيد الأشج (2)،قال:حدثنا عيسى بن كثير الأسدي،قال: حدثنا خالد مولى آل الزبير،قال:
كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له زيد،فكبا لوجهه و جعل يمسح الدم عن وجهه و يقول:أعيذك باللّه أن تكون زيدا المصاب بالكناسة، من نظر إلى عورته متعمدا أصلى اللّه وجهه النار.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدثني أحمد بن محمد قني،قال:حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد،قال:حدثنا عثمان بن سعيد،قال:سعيد بن عمرو،عن يونس بن جناب،قال:
جئت مع أبي جعفر إلى الكتّاب فدعا زيدا فاعتنقه،و ألزق بطنه ببطنه و قال:أعيذك باللّه أن تكون صليب الكناسة.».
ص: 128
حدثنا علي بن العباس،قال:حدثنا محمد بن مروان،قال:حدثنا موسى الصفار عن محمد بن فرات،قال:
رأيت زيد بن علي يوم السبخة و على رأسه سحابة صفراء تظلّه من الشمس،تدور معه حيث ما دار.
حدثني الحسن بن علي،قال:حدثنا جعفر بن أحمد الأزدي،قال:
حدثنا حسين بن نصر،عن أبيه،عن أبي خالد،قال:
كان في خاتم زيد بن علي «أصبر تؤجر،و توقّ تنج».
حدثني علي بن أحمد بن حاتم،قال:حدثنا الحسين بن عبد الواحد، قال:حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني،قال:حدثتني عمتي عزيزة بنت زكريا، عن أبيها،قال:
أردت الخروج إلى الحج فمررت بالمدينة فقلت:لو دخلت على زيد بن علي.فدخلت فسلمت عليه،فسمعته يتمثل (1):
و من يطلب المال الممنّع بالقنا *** يعش ماجدا أو تخترمه المخارم (2)
متى تجمع القلب الذّكي و صارما *** و أنفا حميّا تجتنبك المظالم
و كنت إذا قوم (3)***غزوني غزوتهم فهل أنا في ذا يال همدان ظالم
قال:فخرجت من عنده و ظننت أن في نفسه شيئا،و كان من أمره ما كان.
(مقتل زيد بن علي و السبب فيه) حدّثني به محمد بن علي بن شاذان،قال:حدثنا أحمد بن راشد،قال:
حدثني عمي أبو معمر سعيد بن خيثم،و حدثني علي بن العباس،قال:أخبرنا».
ص: 129
محمد بن مروان قال:حدثنا زيد بن المعذل النمري،قال:أخبرنا يحيى بن صالح الطيانسي،و كان قد أدرك زمان زيد بن علي،و حدثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدثنا المنذر بن محمد،قال:حدثنا أبي،قال:حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي،قال:حدثنا أبو مخنف،و أخبرني المنذر بن محمد في كتابه إليّ بإجازته أن أرويه عنه من حيث دخل،يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين،و ذكرت الاتفاق بينهم مجملا،و نسبت ما كان من خلاف في رواية إلى رواية.
قالوا (1):كان أول أمر زيد بن علي-صلوات اللّه عليه-أن خالد بن عبد اللّه القسري (2)ادعى مالا قبل زيد بن علي،و محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب،و داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس،و سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (3)،و أيوب بن سلمة بن عبد اللّه بن عباس بن الوليد بن المغيرة (4)المخزومي.
و كتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم،عامل هشام على العراق،إلى هشام،و زيد بن علي،و محمد بن عمر يومئذ بالرصافة.و زيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول اللّه(ص).
فلما قدمت كتب يوسف،بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف،فأنكروا فقال لهم هشام:فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم و بينه.
قال له زيد:أنشدك اللّه و الرحم أن لا تبعث بنا إلى يوسف.قال له هشام:و ما الذي تخاف من يوسف؟قال:أخاف أن يتعدى علينا.فدعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف:
«أما بعد،فإذا قدم عليك زيد،و فلان،و فلان،فاجمع بينهم و بينه،».
ص: 130
فإن أقروا بما ادعى عليهم فسرح بهم إليّ،و إن هم أنكروا فاسأله البينة،فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر باللّه الذي لا إله إلاّ هو ما استودعهم وديعة (1)،و لا له قبلهم شيء،ثم خل سبيلهم».
فقالوا لهشام:إنا نخاف أن يتعدى كتابك[و يطول علينا].قال:كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ و يعجل.قالوا:
جزاك اللّه عن الرحم خيرا،لقد حكمت بالعدل.
فسرح بهم إلى يوسف،و هو يومئذ بالحيرة،فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام و لم يؤخذ بشيء من ذلك (2).فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا،فأجلس زيدا قريبا منه،و لا طفه في المسألة،ثم سألهم عن المال فأنكروا،فأخرجه يوسف إليهم،و قال:هذا زيد بن علي،و محمد بن عمر بن علي اللذان ادعيت قبلهما ما ادعيت قال:ما لي قبلهما قليل و لا كثير.قال له يوسف:أفبي كنت تهزأ و بأمير المؤمنين؟ فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله.
ثم أخرج زيدا و أصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم، فحلفوا،فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك،فكتب إليه هشام خل سبيلهم، فخلى سبيلهم.
فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أياما،و جعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل و بأشياء يبتاعها،فألح عليه حتى خرج، فأتى القادسية.
ثم إن الشيعة لقوا زيدا (3)فقالوا له:أين تخرج عنا-رحمك اللّه-و معك مائة ألف سيف من أهل الكوفة و البصرة و خراسان يضربون بني أمية بها دونك، و ليس قبلنا من أهل الشام إلاّ عدة يسيرة. فأبى عليهم،فما زالوا يناشدونه حتى8.
ص: 131
رجع بعد أن أعطوه العهود و المواثيق.فقال له محمد بن عمر:أذكرك اللّه يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك و لم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك،فإنهم لا يفون لك،أ ليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟قال:أجل.و أبى أن يرجع.
و أقبلت الشيعة و غيرهم يختلفون إليه،و يبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة، سوى أهل المدائن،و البصرة، و واسط،و الموصل و خراسان،و الري،و جرجان.
و أقام بالكوفة بضعة عشر شهرا،و أرسل دعاته إلى الآفاق و الكور، يدعون الناس إلى بيعته،فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد و التهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد،و شاع ذلك فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر،و أخبره خبر زيد،فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى إليه أنه عندهما فأتى بهما يوسف فلما كلّمهما استبان أمر زيد و أصحابه،و أمر بهما يوسف فضربت أعناقهما،و بلغ الخبر زيدا-صلوات اللّه عليه-فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الأجل الذي بينه و بين أهل الأمصار،و استتب لزيد خروجه، و كان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنين و عشرين و مائة فخرج قبل الأجل.
و بلغ ذلك يوسف بن عمر (1)فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحضرهم فيه،فبعث الحكم إلى العرفاء،و الشرط، و المناكب،و المقاتلة،فأدخلوهم المسجد،ثم نادى مناديه:أيما رجل من العرب و الموالي أدركناه في رحبة (2)المسجد فقد برئت منه الذمة؛ائتوا المسجد الأعظم.
فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد.و طلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق[بن زيد بن حارثة الأنصاري] (3)،فخرج ليلا،و ذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم،في ليلة شديدة البرد،من دار معاوية بن إسحاق،ي.
ص: 132
فرفعوا الهرادي فيها النيران،و نادوا بشعارهم شعار رسول اللّه:«يا منصور أمت»، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا،فلما أصبحوا بعث زيد-عليه السلام- القاسم بن عمر التبعي،و رجلا آخر،يناديان بشعارهما.و قال سعيد بن خيثم في رواية القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التّبعي و سمى الآخر الرجل،و ذكر أنه صدام.
قال سعيد:و بعثني أيضا و كنت رجلا صيّتا أنادي بشعاره.
قال:و رفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديا من ميمنتهم،و نادى بشعار زيد.فلما كانوا في صحارى عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي، فشدوا عليه،و على أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم،و ارتثّ القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلّمه فلم يرد عليه،فأمر به فضربت عنقه على باب القصر،و كان أول قتيل منهم رضوان اللّه عليه.
قال سعيد بن خيثم:قالت بنته سكينة:
عين جودي لقاسم بن كثير *** بدرور من الدموع غزير
***أدركته سيوف قوم لئام من أولي الشرك و الردى و الشّرور
سوف أبكيك ما تغنّى حمام *** فوق غصن من الغصون نضير
قال أبو مخنف:و قال يوسف بن عمر و هو بالحيرة:من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟.
قال عبد اللّه بن العباس المنتوف الهمداني (1):أنا آتيك بخبرهم،فركب في خمسين فارسا،ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر،ثم رجع إلى يوسف فأخبره،فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل[عليه و] (2)معه قريش،و أشراف الناس،و أمير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني (3).
قال:و بعث الريان بن سلمة البلوي (4)في نحو من ألفي فارس و ثلثمائة».
ص: 133
من القيقانية رجالة ناشبة.
قال:و أصبح زيد بن علي و جميع من وافاه تلك الليلة مائتان و ثمانية عشر من الرجالة، فقال زيد بن علي-عليه السلام-سبحان اللّه فأين الناس؟قيل:
هم محصورون في المسجد،فقال:لا و اللّه ما هذا لمن بايعنا بعذر.
قال (1):و أقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي فقال:يا منصور أمت،فلم يرد عليه عمر شيئا، فشد نصر عليه و على أصحابه فقتله،و انهزم من كان معه.
و أقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين (2)و بها خمسمائة من أهل الشام،فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم،ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم.ثم شلهم حتى ظهر إلى المقبرة،و يوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد و أصحابه و هم يكرون،و لو شاء زيد أن يقتل يوسف يومئذ قتله (3).
ثم إن زيدا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد اللّه حتى دخل الكوفة،فقال بعض أصحابه لبعض:ألا ننطلق إلى جبانة كندة،فما زاد الرجل أن تكلم بهذا إذ طلع أهل الشام عليهم،فلما رأوهم دخلوا زقاقا ضيقا فمضوا فيه،و تخلّف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين،ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه و جعلوا يضربونه بأسيافهم،ثم نادى رجل منهم فارس مقنع بالحديد:اكشفوا المغفر عن وجهه و اضربوا رأسه بالعمود،ففعلوا،فقتل الرجل،و حمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه،و اقتطع أهل الشام رجلا منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبد اللّه بن عوف بن الأحمر فأسروه،و ذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله (4).8.
ص: 134
و أقبل زيد بن علي فقال:يا نصر بن خزيمة أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟.
قال:جعلني اللّه فداك أما أنا فو اللّه لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت.
ثم خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد،فخرج إليه عبيد اللّه بن العباس الكندي في أهل الشام،فالتقوا على باب عمر بن سعد،فانهزم عبيد اللّه بن العباس و أصحابه حتى انتهوا إلى دار عمر بن حريث،و تبعهم زيد عليه السلام حتى انتهوا إلى باب الفيل،و جعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب و يقولون:يا أهل المسجد اخرجوا،و جعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز،و إلى الدين و الدنيا.
قال:و جعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة،و كانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها.و قيل:في جبانة سالم.
و بعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق،فقاتلوا زيدا-عليه السلام-قتالا شديدا.و خرج من أهل الشام جرحى كثيرة،و شلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الأعظم،فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء و هم أسوأ شيء ظنا.
فلما كان غداة يوم الخميس دعى يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفف به (1).فقال له:أف لك من صاحب خيل.و دعا العباس بن سعد المزني (2)صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد في دار الرزق،و خرج إليهم زيد و على مجنبته نصر بن خزيمة،و معاوية بن إسحاق، فلما رآهم العباس نادى:يا أهل الشام[الأرض].فنزل ناس كثير.و اقتتلوا قتالا شديدا في المعركة،و قد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له نائل بن فروة (3)قال ليوسف:و اللّه لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو».
ص: 135
ليقتلني.فقال له يوسف:خذ هذا السيف.فدفع إليه سيفا لا يمر بشيء إلاّ قطعه.فلما التقى أصحاب العباس بن سعد،و أصحاب زيد.أبصر نائل- لعنه اللّه-نصر بن خزيمة-رضوان اللّه عليه فضربه فقطع فخذه،و ضربه نصر فقتله،و مات نصر رحمه اللّه.
ثم إن زيدا-عليه السلام-هزمهم،و انصرفوا يومئذ بأسوأ حال (1)فلما كان العشي عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد،و أقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد فكشفهم،ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة،ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسنّاة.
ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق و رؤاس (2)فقاتلهم قتالا شديدا.و صاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له:عبد الصمد.
قال سعيد بن خيثم:
و كنا مع زيد في خمسمائة،و أهل الشام اثنا عشر ألفا-و كان بايع زيدا أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا-إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول اللّه(ص)،فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته و جعل يقول:أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول اللّه(ص)؟أما أحد يغضب لرسول اللّه(ص)؟أما أحد يغضب للّه؟قال:ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة.قال:و كان الناس فرقتين نظارة و مقاتلة.قال سعيد:
فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملا كان معه، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه و أنا متمكن منه بالمشمل،فوقع رأسه بين يدي بغلته،ثم رميت جيفته عن السرج،و شد أصحابه عليّ حتى كادوا يرهقونني،و كبّر أصحاب زيد و حملوا عليهم و استنقذوني،فركبت فأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني و يقول:أدركت و اللّه ثأرنا،أدركت و اللّه شرف الدنيا و الآخرة و ذخرها،إذهب بالبغلة فقد نفلتكها.
قال (3):و جعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي.فبعث5.
ص: 136
العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية، و سأله أن يبعث إليه الناشبة،فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية و هم نجارية،و كانوا رماة،فجعلوا يرمون أصحاب زيد.و قاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالا شديدا،فقتل بين يدي زيد.و ثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رمى زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ،فرجع و رجع أصحابه،و لا يظن أهل الشام[أنهم] (1)رجعوا إلاّ للمساء و الليل.
قال أبو مخنف:فحدّثني سلمة بن ثابت،و كان من أصحاب زيد،و كان آخر من انصرف عنه هو و غلام لمعاوية بن إسحاق،قال:
أقبلت أنا و أصحابي نقتفي أثر زيد (2)فنجده قد دخل بيت حرّان بن أبي كريمة في سكة البريد في دور أرحب و شاكر،فدخلت عليه[فقلت له جعلني اللّه فداك أبا الحسين] (3)و انطلق ناس من أصحابه فجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس (4).فقال له:إنك إن نزعته من رأسك مت.
قال:الموت أيسر عليّ مما أنا فيه.
قال:فأخذ الكلبتين فانتزعه،فساعة انتزاعه مات صلوات اللّه عليه.
قال القوم:أين ندفنه؟و أين نواريه؟ فقال بعضهم نلبسه درعين،ثم نلقيه في الماء.
و قال بعضهم:لا،بل نحتز رأسه،ثم نلقيه بين القتلى.
قال:فقال يحيى بن زيد:لا و اللّه لا يأكل لحم أبي السباع.
و قال بعضهم:نحمله إلى العباسية فندفنه فيها.فقبلوا رأيي.
قال:فانطلقنا فحفرنا له حفرتين و فيها يومئذ ماء كثير،حتى إذا نحن».
ص: 137
مكّنّا له دفنّاه ثم أجرينا عليه الماء،و معنا عبد سندي.قال سعيد بن خيثم في حديثه:عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي و كان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد،و قال يحيى بن صالح:هو مملوك لزيد سندي و كان حضرهم.
قال أبو مخنف عن كهمس،قال:كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس،فرآهم حيث دفنوه،فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت،فدلهم على موضع قبره،فسرح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني (1).قال أبو مخنف:بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير (2).
قال هشام فحدّثني نصر بن قابوس قال:فنظرت و اللّه إليه حين أقبل به على جمل قد شدّ بالحبال،و عليه قميص أصفر هروي،فألقى من البعير على باب القصر فخرّ كأنه جبل.فأمر به فصلب بالكناسة،و صلب معه معاوية بن إسحاق،و زياد الهندي،و نصر بن خزيمة العبسي (3).
قال أبو مخنف:و حدثني عبيد بن كلثوم:أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم،فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج،فانصرف و أتته جائزته من عند هشام.
فحدّثني الحسن بن علي الأدمي،قال:حدثنا أبو بكر الجبلي،قال:
حدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن العنبري،قال:حدثنا موسى بن محمد،قال:
حدثنا الوليد بن محمد الموقري،قال:
كنت مع الزهري بالرّصافة فسمع أصوات لعابين.فقال لي:يا وليد، أنظر ما هذا،فأشرفت من كوّة في بيته فقلت:هذا رأس زيد بن علي،فاستوى جالسا ثم قال:
أهلك أهل هذا البيت العجلة.فقلت:أو يملكون؟قال:حدثني علي بن الحسين،عن أبيه،عن فاطمة أن رسول اللّه(ص)قال لها:المهدي من ولدك.ي.
ص: 138
قال أبو مخنف:حدثني موسى بن أبي حبيب:أنه مكث مصلوبا إلى أيام الوليد بن يزيد،فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف:
«أما بعد.فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فأحرقه،و انسفه في اليم نسفا،و السلام».
فأمر به يوسف-لعنه اللّه-عند ذلك خراش بن حوشب (1).فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار،ثم جعله في قواصر،ثم حمله في سفينة،ثم ذراه في الفرات.
حدثني الحسن بن عبد اللّه،قال:حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي،قال:
حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقري،قال:حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان،قال:
رأيت زيد بن علي مصلوبا بالكناسة فما رأى أحد له عورة،استرسل جلد من بطنه،من قدامه و من خلفه حتى ستر عورته.
حدثنا علي بن الحسين،قال:حدثني الحسين بن محمد بن عفير،قال:
حدثنا أبو حاتم الرازي،قال:حدثنا عبد اللّه بن أبي بكر العتكي،عن جرير بن حازم،قال:رأيت النبي(ص)في المنام،و هو متساند إلى جذع زيد بن علي و هو مصلوب،و هو يقول للناس:«أ هكذا تفعلون بولدي».
حدثنا علي بن الحسين،قال:حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر،قال:
قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى و عشرين و مائة.8.
ص: 139
(تسمية من عرف ممن خرج مع زيد بن علي) من أهل العلم و نقلة الآثار و الفقهاء قال علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني:حدثنا علي بن العباس، و محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدثنا عباد بن يعقوب،قال:حدثنا مطلب بن زياد،عن ليث،قال:
جاء منصور بن المعتمر يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي.
حدثنا علي بن الحسين،قال:حدثنا أبو عبد اللّه الصيرفي،قال:حدثنا فضل بن الحسن المصري،قال:سمعت أبا نعيم يقول:
أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه،فقتل زيد و منصور غائب عنه، فصام سنة يرجو أن يكفّر ذلك عنه تأخره.ثم خرج بعد ذلك مع عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر (1).
حدثني أحمد بن محمد،قال:أخبرني الحسين بن هاشم في كتابه إليّ، قال:حدثنا علي بن إبراهيم بن معلى،قال:حدّثنا عمرو بن عبد الغفار،عن عبدة بن كثير السراج الجرمي،قال:
قدم يزيد بن أبي زياد،مولى بني هاشم،صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقّة،يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي،و كان من دعاة زيد بن علي،و أجابه ناس من أهل الرقّة،و كنت فيمن أجابه.
حدّثنا علي بن الحسين،قال:حدّثني علي بن العباس،قال:حدّثنا أحمد بن يحيى،قال:حدّثنا عبد اللّه بن مروان بن معاوية،قال:سمعت محمد بن جعفر بن محمد في دار الإمارة يقول:
رحم اللّه أبا حنيفة.لقد تحققت مودّته لنا في نصرته زيد بن علي،و فعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا،و دعا عليه (2).ة.
ص: 140
حدثنا علي بن الحسين،قال:أخبرنا الحسين بن القاسم،قال:حدثنا علي بن إبراهيم،قال:حدثنا عمرو بن عبد الغفار،عن عبدة بن كثير الجرمي،قال:
كتب زيد بن علي إلى هلال بن حباب،و هو يومئذ قاضي المدائن، فأجابه و بايع له.
حدثنا علي بن الحسين،قال:أخبرنا الحسين بن القاسم،قال:حدثنا علي بن إبراهيم،قال:حدثنا عمرو،قال حدثني عطاء بن مسلم،عن سالم بن أبي الحديد، قال:
أرسلني زيد بن علي إلى زبيد الإمامي أدعوه إلى الجهاد معه.
حدثنا علي بن الحسين،قال:أخبرني الحسين،قال:حدّثنا علي بن إبراهيم،قال:حدّثنا عمرو،عن الفضل بن الزبير،قال:
قال أبو حنيفة من يأتي زيدا في هذا الشأن من فقهاء الناس؟.
قال:قلت سليمة بن كهيل،و يزيد بن أبي زياد،و هرون بن سعد، و هاشم بن البريد،و أبو هاشم الرّماني،و الحجاج بن دينار،و غيرهم.
فقال لي:قل لزيد لك عندي معونة و قوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت و أصحابك في الكراع (1)و السلاح؛ثم بعث ذلك معي إلى زيد،فأخذه زيد.
[حدثنا علي بن الحسين]،قال:حدثني أبو عبيدة الصيرفي،قال:
حدثنا الفضل بن الحسين المصري،قال:حدثنا العباس العنبري،قال:
حدثنا أبو الوليد،قال:حدثنا أبو عوانة،قال:
فارقني سفيان (2)على أنه زيدي.ة.
ص: 141
حدثني علي بن الحسن بن القاسم،قال:حدثنا علي بن إبراهيم،قال:
حدثنا عمرو بن عبد الغفار[عن عبدة بن كثير] (1)،قال:
كان رسول زيد إلى خراسان عبدة بن كثير الجرمي،و الحسن بن سعد الفقيه.
حدثنا علي بن الحسين قال:أخبرني الحسين قال:حدثنا علي بن إبراهيم،قال:حدثنا عمرو بن عبد الغفار،قال:حدثني شريك،قال:
إني لجالس عند الأعمش أنا،و عمرو بن سعيد أخو سفيان بن سعيد الثوري،إذ جاءنا عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه،فجلس إلى الأعمش فقال:أخلنا فإن لنا إليك حاجة.فقال:و ما خطبكم هذا شريك،و هذا عمرو بن سعيد أذكر حاجتك.فقال:أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته و الجهاد معه،و هو من عرفت.قال:أجل؛ما أعرفني بفضله.أقرئاه مني السلام،و قولا له:يقول لك الأعمش لست أثق لك-جعلت فداك- بالناس،و لو أنا وجدنا لك ثلثمائة رجل أثق بهم لغيّرنا لك جوانبها.
حدثنا علي بن الحسين،قال:حدثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:
حدثنا محمد بن زيد (2)الثقفي. قال:حدثنا أحمد بن محمد بن عمران بن أبي ليلى،قال:حدثني أبي،قال:
كان محمد بن أبي ليلى،و منصور بن المعتمر،بايعا زيد بن علي.قال:
و بعث يوسف بن عمر إلى الناس فأخذ عليهم أبواب المسجد فحال بينه و بينهم.
حدثنا علي بن الحسين قال:حدّثني الحسين بن محمد بن عفير [الأنصاري]قال:حدثنا يوسف بن موسى القطان،قال:حدثنا حكام بن مسلم،قال:حدثنا عنبسة بن سعيد الأسدي:».
ص: 142
أنا أبا حصين قال لقيس بن الربيع:يا قيس.قال:لبيك.قال:لا لبيك،و لا سعديك،لتبايعن رجلا من ولد رسول اللّه(ص)ثم تخذله،و ذلك أنه بلغه أنه بايع زيد بن علي.
و قال فضل بن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب يرثي زيد بن علي عليه السلام:
ألا يا عين لا ترقى وجودي *** بدمعك ليس ذا حين الجمود
غداة ابن النبي أبو حسين *** صليب بالكناسة فوق عود
يظل على عمودهم و يمسي *** بنفسي أعظم فوق العمود
تعدى الكافر الجبار فيه *** فأخرجه من القبر اللحيد (1)
فظلوا ينبشون أبا حسين *** خضيبا بينهم بدم جسيد
***فطال به تلعبهم عتوًّا و ما قدروا على الرّوح الصّعيد
و جاور في الجنان بني أبيه *** و أجدادا هم خير الجدود
فكم من والد لأبي حسين *** من الشهداء أو عم شهيد
و من أبناء أعمام سيلقى *** هم أولى به عند الورود
دعاه معاشر نكثوا أباه *** حسينا بعد توكيد العهود
فسار إليهم حتى أتاهم *** فما أرعوا على تلك العقود
و كيف تظنّ بالعبرات عيني *** و تطمع بعد زيد في الهجود
و كيف لها الرقاد و لم تراءى *** جياد الخيل تعدوا بالأسود
تجمع للقبائل من معد *** و من قحطان في حلق الحديد
كتائب كلّما أردت قتيلا *** تنادت:أن إلى الأعداء عودي
بأيديهم صفائح مرهفات *** صوارم أخلصت من عهد هود
بها نسقي النفوس إذا التقينا *** و نقتل كل جبّار عنيد
و نحكم في بني الحكم العوالي *** و نجعلهم بها مثل الحصيد».
ص: 143
و ننزل بالمعيطيين حربا *** عمارة منهم و بنو الوليد
و إن تمكن صروف الدهر منكم *** و ما يأتي من الأمر الجديد (1)
نجازيكم بما أوليتمونا *** قصاصا أو نزيد على المزيد
و نترككم بأرض الشام صرعى *** و شتى من قتيل أو طريد
تنوء بكم خوامعها (2)***و طلس و ضاري الطير من بقع و سود
و لست بآيس من أن تصيروا *** خنازيرا و أشباه القرود
و قال أبو ثميلة الأبّار يرثي زيدا عليه السلام:
يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة *** ما لقيت منها يكمد
فقد السهاد و لو سواك رمت به الأ *** قدار حيث رمت به لم يسهد (3)
و نقول:لا تبعد،و بعدك داؤنا *** و كذاك من يلق المنية يبعد
كنت المؤمّل للعظائم و النهى *** ترجى لأمر الأمة المتأوّد
فقتلت حين رضيت كل مناضل *** و صعدت في العلياء كل مصعد
فطلبت غاية سابقين فنلتها *** باللّه في سير كريم المورد
و أبى إلهك أن تموت و لم تسر *** فيهم بسيرة صادق مستنجد
و القتل في ذات الإله سجية *** منكم و أحرى بالفعال الأمجد
و الناس قد أمنوا،و آل محمد *** من بين مقتول و بين مشرّد
نصب إذا ألقى الظلام ستوره *** رقد الحمام،و ليلهم لم يرقد
يا ليت شعري و الخطوب كثيرة *** أسباب موردها و ما لم يورد
***ما حجة المستبشرين بقتله بالأمس أو ما عذر أهل المسجد».
ص: 144
و يحيى بن زيد (1)بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
و أمه ريطة بنت أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية،و إيّاها عنى أبو ثميلة الأبّار بقوله:
فلعلّ راحم أم موسى و الذي *** نجاه من لجج خضم مزبد
***سيسرّ ريطة بعد حزن فؤادها يحيى و يحيى في الكتائب يرتدي
و أم ريطة بنت أبي هاشم ريطة بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب.و أمها ابنة المطلب بن أبي وداعة السهمي.
(2) حدثنا علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني،قال:أخبرني به محمد بن علي بن شاذان،قال:حدثنا أحمد بن راشد،قال:حدثني عمي سعيد بن خيثم بن أبي الهادية العبدي.حدثنا علي بن الحسين،قال:أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدثني المنذر بن محمد،قال:حدثني أبي،قال:
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف عن سلمة بن ثابت[الليثي] (3)قال:
و خبرنيه أبو المنذر في كتابه إليّ بمثله.حدثنا علي،قال:أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي،قال:قال أبو مخنف لوط بن يحيى،حدثنا علي،قال:و أخبرني علي بن العباس المقانعي،قال:
حدثنا محمد بن مروان،قال:حدثنا زيد بن المعذل،قال:حدثنا يحيى بن صالح الطيالسي،عن أبي مخنف،عن عبيدة بن كلثوم.حدثنا علي،قال:
ص: 145
و أخبرني الحسين بن القاسم،قال:حدثنا علي بن إبراهيم،قال:حدّثنا عمرو بن عبد الغفار،قال:حدثنا سلم الحذاء،و قد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين.
قالوا:إن زيد بن علي لما قتل،و دفنه يحيى ابنه،رجع و أقام بجبانة السبيع،و تفرّق الناس عنه،فلم يبق معه إلاّ عشرة نفر.قال سلمة بن ثابت:
فقلت له أين تريد؟قال:أريد النهرين،و معه أبو الصبار العبدي،قال:
فقلت له:إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتى نقتل.قال:أريد نهري كربلاء.فقلت له:فالنجاء قبل الصبح.قال:فخرجنا معه،فلما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين. فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعمونني الأرغفة فأطعمه إيّاها و أصحابي حتى أتينا نينوى،فدعوت سابقا فخرج من منزله و دخله يحيى،و مضى سابق إلى الفيوم (1).فأقام به و خلف يحيى في منزله.قال سلمة:و مضيت و خلّيته،و كان آخر عهدي به.
قالوا:و خرج يحيى بن زيد إلى المدائن،و هي إذ ذاك طريق الناس إلى خراسان،و بلغ ذلك يوسف بن عمر فسرّح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي،فورد المدائن و قد فاته يحيى،و مضى حتى أتى الرّي.
قالوا:و كان نزوله بالمدائن على دهقان من أهلها إلى أن خرج منها.
قالوا:ثم خرج من الري حتى أتى سرخس فأتى يزيد بن عمرو التيمي، و دعى الحكم بن يزيد أحد بني أسيد بن عمرو،و كان معه،و أقام عنده ستة أشهر.و على الحرب بتلك الناحية رجل يعرف بابن حنظلة من قبل عمر بن هبيرة.و أتاه ناس من المحكمة يسألونه أن يخرج معهم ليقاتلوا بني أمية،فأراد لما رأى من نفاذ رأيهم أن يفعل،فنهاه يزيد بن عمرو و قال:كيف تقاتل بقوم تريد أن تستظهر بهم على عدوك و هم يبرؤون من علي و أهل بيته.فلم يطمئن إليهم غير أنه قال لهم جميلا.
ثم خرج فنزل ببلغ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني (2)فلم يزل عنده».
ص: 146
حتى هلك هشام بن عبد الملك لعنه اللّه،و ولى الوليد بن يزيد،و كتب يوسف إلى نصر بن سيّار،و هو عامل على خراسان حين أخبر أن يحيى بن زيد نازل بها،و قال:ابعث إلى الحريش (1). حتى يأخذ بيحيى أشد الأخذ،فبعث نصر إلى عقيل بن معقل الليثي،و هو عامله على بلخ،أن يأخذ الحريش فلا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد،فدعى به فضربه ستمائة سوط، و قال:و اللّه لأزهقن نفسك أو تأتيني به.
فقال:و اللّه لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه فاصنع ما أنت صانع.
فوثب قريش بن الحريش فقال لعقيل:لا تقتل أبي،و أنا آتيك بيحيى،فوجّه معه جماعة فدلهم عليه،و هو في بيت في جوف بيت،فأخذوه و معه يزيد بن عمر،و الفضل مولى لعبد القيس كان معه من الكوفة،فبعث به عقيل إلى نصر بن سيّار فحبسه و قيّده،و جعله في سلسلة،و كتب إلى يوسف بن عمرو فأخبره بخبره (2).
حدثنا علي بن الحسين،قال:فحدّثني محمد بن العباس البريدي، قال:أخبرني الرياشي،قال:
قال رجل من بني ليث يذكر ما صنع بيحيى بن زيد:
أليس بعين اللّه ما تصنعونه *** عشيّة يحيى موثق في السلاسل
ألم تر ليثا ما الذي حتمت به *** لها الويل في سلطانها المتزايل
لقد كشفت للناس ليث عن استها *** أخيرا و صارت ضحكة في القبائل
كلاب عوت لا قدس اللّه أمرها *** فجاءت بصيد لا يحل لآكل
حدثنا علي،قال:أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،عن يحيى بن الحسن أن هذا الشعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب.
حدثنا (3)علي بن الحسين،قال:فحدّثني عيسى بن الحسين الوراق،ة.
ص: 147
قال:حدثنا علي بن محمد النوفلي،قال:حدثني أبي،عن عمه عيسى،قال:
لما أطلق يحيى بن زيد،و فكّ حديده،صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فكّ قيده من رجله فسألهم أن يبيعهم إيّاه، و تنافسوا فيه و تزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم،فخاف أن يشيع خبره فيؤخذ منه المال.فقال لهم:اجمعوا ثمنه بينكم فرضوا بذلك،و أعطوه المال فقطّعه قطعة قطعة، و قسّمه بينهم،فاتخذوا منه فصوصا للخواتيم يتبركون بها.
رجع الحديث إلى سياقه:
قال:فكتب يوسف بن عمر إلى الوليد-لعنه اللّه-يعلمه ذلك (1)، فكتب إليه يأمره أن يؤمنه،و يخلي سبيله و سبيل أصحابه،فكتب يوسف بذلك إلى نصر بن سيّار فدعى به نصر فأمره بتقوى اللّه و حذّره الفتنة.
فقال له يحيى:و هل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء و أخذ ما لستم له بأهل؟.
فلم يجبه نصر بشيء،و أمر له بألفي درهم و نعلين،و تقدم إليه أن يلحق بالوليد.فخرج يحيى حتى قدم سرخس،و عليها عبد اللّه بن قيس بن عباد البكري،فكتب إليه نصر أن أشخص يحيى عن سرخس.و كتب إلى الحسن بن زيد التميمي عامله على طوس:
إذا مرّ بك يحيى فلا تدعه يقيم ساعة،و أرسله إلى عمرو بن زرارة بأبرشهر ففعلوا ذلك (2).و وكل به سرحان بن نوح العنبري،و كان على مسلحة المتعب.فذكر يحيى بن زيد نصر بن سيّار فطعن عليه،كأنه إنما فعل ذلك مستقلا لما أعطاه،و ذكر يوسف بن عمر فعرض به،و ذكر أنه يخاف غيلته إيّاه، ثم كف عن ذكره فقال له الرجل:قل ما أحببت-رحمك اللّه-فليس عليك مني عين (3).».
ص: 148
فقال:العجب لهذا الذي يقيم الأحراس عليّ، و اللّه لو شئت أن أبعث إليه فأوتي به و آمر من يتوطاه لفعلت ذلك-يعني الحسن بن زيد التميمي-.
قال:فقلت له:و اللّه ما لك فعل هذا،إنما هو رسم في هذا الطريق لتشبث الأموال.
قال:ثم أتينا عمرو بن زرارة بأبرشهر،فأعطى يحيى ألف درهم نفقة له،ثم أشخصه إلى بيهق،فأقبل يحيى من بيهق،و هي أقصى عمل خراسان في سبعين رجلا،راجعا إلى عمرو بن زرارة،و قد اشترى دواب،و حمل عليها أصحابه.فكتب عمرو إلى نصر بن سيار بذلك،فكتب نصر إلى عبد اللّه بن قيس بن عباد البكري عامله بسرخس،و الحسن بن زيد عامله بطوس،أن يمضيا إلى عامله عمرو بن زرارة،و هو على أبرشهر،و هو أمير عليهم،ثم يقاتلوا يحيى بن زيد.
قال:فأقبلوا إلى عمرو،و هو مقيم بأبرشهر فاجتمعوا معه فصار في زهاء عشرة آلاف. و خرج يحيى بن زيد و ما معه إلاّ سبعون فارسا،فقاتلهم يحيى فهزمهم،و قتل عمرو بن زرارة،و استباح عسكره و أصاب منه دواب كثيرة، ثم أقبل حتى مرّ بهراة،و عليها المغلّس بن زياد (1)،فلم يعرض أحد منها لصاحبه،و قطعها يحيى (2)حتى نزل بأرض الجوزجان،فسرّح إليه نصر بن سيار سلم بن أحور (3)في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام و غيرهم،فلحقه بقرية يقال لها ارغوى،و على الجوزجان يومئذ حماد بن عمرو السعيدي (4)، و لحق بيحيى بن زيد أبو العجارم الحنفي،و الخشخاش الأزدي (5)فأخذ الخشخاش بعد ذلك نصر فقطع يديه و رجليه و قتله.
و عبأ سلم-لعنه اللّه-أصحابه فجعل سورة بن محمد الكندي على».
ص: 149
ميمنته،و حماد بن عمرو السعيدي على ميسرته.
و عبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة،فاقتتلوا ثلاثة أيام و لياليها أشد قتال،حتى قتل أصحاب يحيى كلهم،و أتت يحيى نشابة في جبهته،رماه رجل من موالي عنزة يقال له عيسى،فوجده سورة بن محمد قتيلا فاحتزّ رأسه.
و أخذ العنزي الذي قتله سلبه،و قميصه،فبقيا بعد ذلك حتى أدركهما أبو مسلم فقطع أيديهما و أرجلهما و قتلهما و صلبهما (1).
و صلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان (2)في وقت قتله-صلوات اللّه عليه و رضوانه.
حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين،قال:حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال:حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار،قال:حدثنا سهل بن عامر، قال:حدثنا جعفر الأحمر،قال:رأيت يحيى بن زيد مصلوبا على باب الجوزجان.
قال عمرو بن عبد الغفار عن أبيه:
فبعث برأسه إلى نصر بن سيّار،فبعث به نصر إلى الوليد بن يزيد.
فلم يزل مصلوبا حتى إذا جاءت المسودة فأنزلوه و غسلوه و كفنوه و حنطوه ثم دفنوه فعل ذلك خالد بن إبراهيم أبو داود البكري،و حازم بن خريمة و عيسى بن ماهان.و أراد أبو مسلم أن يتبع قتلة يحيى بن زيد فقيل له: عليك بالديوان،فوضعه بين يديه و كان إذا مرّ به اسم رجل ممن أعان على يحيى قتله، حتى لم يدع أحدا قدر عليه ممن شهد قتله (3).».
ص: 150
و عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أخو جعفر بن محمد (1).
أمهما جميعا أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر (2).
و أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر لأم ولد (3).
حدّثنا علي بن الحسين،قال:أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:
حدّثنا يحيى بن الحسن العلوي،قال:حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم،قال:
حدّثنا محمد بن مسلمة،قال:حدّثنا زكريا بن يحيى،عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه،قال:
دخل عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين بن علي على رجل من بني أمية فأراد قتله.فقال عبد اللّه بن محمد:لا تقتلني أكن للّه عليك عينا،و لك على اللّه عونا،فقال:لست هناك،و تركه ساعة،ثم سقاه سما في شراب سقاه إيّاه فقتله (4).
و عبد اللّه بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام حدثنا علي بن الحسين،قال:حدثنا أحمد بن عبيد اللّه بن عمار،قال:
حدثنا سليمان بن أبي شيخ،قال:حدثنا محمد بن الحكم،عن عوانه،قال:
كان عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب،من أشد الناس عقوبة (5)،و كان معه عبد اللّه بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي
ص: 151
طالب (1)فبلغه أنه يقول:أنا ابن عون بن جعفر،فيضربه بالسياط حتى قتله.
قال:و ذكر أحمد بن الحرث الخراز،عن المدائني،عن رجاله:
أن معاوية دعا بامرأة ابن السور و كلّمها بشيء فراجعته،فأمر بقتلها فقتلت.
و عبد اللّه بن معاوية (2)بن عبد اللّه بن جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام.و يكنى أبا معاوية.و إيّاه عني إبراهيم بن هرمة بقوله (3):
أحب مدحا أبا معاوية الما *** جد لا تلقه حصورا عييا
بل كريما يرتاح للمجد بسّا *** ما إذا هزه السؤال حييا (4)
إن لي عنده و إن رغم الأع *** داء ودا من نفسه وقفيا
إن أمت تبق مدحتي و ثنائي *** و إخائي من الحياة مليا (5)
يا ابن أسماء فاسق دلوى فقد أو *** ردتها مشربا يثجّ رويا (6)
يعني أمه أسماء،و هي أم عون بنت العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب (7).
و كان عبد اللّه بن معاوية جوادا فارسا شاعرا،و لكنه كان سيئ السيرة، رديء المذهب،قتالا،مستظهرا ببطانة السوء و من يرمى بالزندقة،و لو لا أن يظن أن خبره لم يقع علينا لما ذكرناه مع من ذكرناه. و لا بد من ذكر بعض أخباره.
ص: 152
حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن عمّار،قال:حدّثني علي بن محمد النوفلي، قال:حدّثني أبي،قال:حدّثني عمي عيسى،قال:
كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة،فاستكتبه عبد اللّه بن معاوية،و كان له نديم يعرف بمطيع بن إيّاس (1)،و كان زنديقا مأبونا،و كان له نديم آخر يعرف بالبقلي و إنما سمي بذلك لأنه كان يقول الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع،قتله المنصور بعد أن أفضت إليه الخلافة.و كان هؤلاء الثلاثة خاصته، و كان له صاحب شرطة يقال له:قيس و كان دهريا لا يؤمن باللّه،معروفا بذلك، فكان يعس بالليل فلا يلقاه أحد إلاّ قتله،فدخل يوما على ابن معاوية،فلما رآه قال:
إن قيسا و إن تقنّع شيبا *** لخبيث الهوى على شمطه
ابن تسعين منظرا و شيبا *** و ابن عشرين يعدّ في سقطه
فأقبل على مطيع فقال:أجز أنت.فقال:
و له شرطة إذا جنّه اللي *** ل فعوذوا باللّه من شرطه (2)
قال أبو العباس بن عمّار:أخبرني أحمد بن الحرث الخراز (3)،عن المدائني،عن أبي اليقظان،و شهاب بن عبد اللّه (4)و غيرهما.قال ابن عمّار:
و حدثني سليمان بن أبي شيخ،عمن ذكره:
إن ابن معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط،و هو يتحدث،و يتغافل عنه حتى يموت تحت السياط.و أنه فعل ذلك برجل فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه، فناداه يا زنديق،أنت الذي تزعم أنه يوحى إليك.
فلم يلتفت إليه،و ضربه حتى مات (5).
حدّثني أحمد بن عبيد اللّه[بن عمّار]،قال:حدثني النوفلي،عن أبيه،1.
ص: 153
عن عمّه عيسى،قال:
كان ابن معاوية أقسى خلق اللّه قلبا،فغضب على غلام له،و أنا عنده جالس في غرفة بأصبهان،فأمر أن يرمي به منها إلى أسفل،ففعل ذلك به، فسقط و تعلّق بدرابزين كان على الغرفة،فأمر بقطع يده التي أمسكه بها، فقطعت و خرّ الغلام يهوي حتى بلغ الأرض فمات.و كان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم،و شعرائهم، و هو الذي يقول:
ألا تزغ القلب عن جهله *** و عما تؤنب من أجله
فيبدل بعد الصبي حكمة *** و يقصر ذو العذل عن عذله (1)
فلا تركبنّ الصنيع الذي *** تلوم أخاك على مثله (2)
و لا يعجبنك قول امرئ *** يخالف ما قال في فعله
و لا تتبع الطرف ما لا ينال *** و لكن سل اللّه من فضله
و كم من مقل ينال الغنى *** و يحمد في رزقه كله (3)
أنشدنا هذا[الشعر]ابن عمّار،عن أحمد بن أبي خيثمة،عن يحيى بن معين.
و ذكر محمد بن علي بن حمزة العلوي أن يحيى بن معين أنشد له:
إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارها *** عليها فلم يظهر لها أبدا فقر
و إن تلقني في الدهر مندوحة الغنى *** يكن لأخلائي التوسع و اليسر (4)
فلا العسر يزري بي إذا هو نالني *** و لا اليسر يوما إن ظفرت هو الفخر (5)
أنشدنا أحمد[بن محمد]بن سعيد[بن عقدة]قال:
أنشدني يحيى بن الحسن لعبد اللّه بن معاوية في الحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العباس (6):».
ص: 154
قل لذي الود و الوفاء حسين *** اقدر الودّ بيننا قدره
ليس للدّابغ المقرظ بدّ *** من عتاب الأديم ذي البشرة
[قال]:و قال أيضا:
إن ابن عمّك و ابن أم *** ك معلم شاكي السّلاح
يقص العدو و ليس ير *** ضى حين يبطش بالجراح (1)
لا تحسبن أذى ابن عم *** ك شرب ألبان اللّقاح
بل كالشجا تحت اللّها *** ة إذا يسوغ بالقراح (2)
فانظر لنفسك من يحبك *** تحت أطراف الرماح
من لا يزال يسوءه *** بالغيب أن يلحاك لاح (3)
(ذكر السبب في خروجه و مقتله) أخبرني به أحمد بن عبيد اللّه بن عمار،قال:حدّثني علي بن محمد النوفلي،عن أبيه و مشايخه.قال:علي بن الحسين:و أضفت إلى ذلك ما ذكره محمد بن علي بن حمزة في كتابه:
قالوا:لما بويع ليزيد بن الوليد الذي يقال له يزيد الناقص،تحرّك عبد اللّه بن معاوية بالكوفة،و دعا الناس إلى بيعته علي الرّضا من آل محمد، و لبس الصوف،و أظهر سيماء الخير،فاجتمع إليه نفر من أهل الكوفة فبايعوه، و لم يجتمع أهل المصر كلهم عليه، و قالوا له:ما فينا بقية فقد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت،و أشاروا عليه بقصد فارس و نواحي المشرق،فقبل ذلك، و جمع جموعا من النواحي،و خرج معه عبد اللّه بن العباس التميمي (4).
قال علي بن الحسين:قال محمد بن حمزة،عن سليمان بن أبي شيخ، عن محمد بن الحكم،عن عوانة:أن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر5.
ص: 155
بالكوفة و دعا الناس إلى نفسه،و على الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له:
عبد اللّه بن عمر،فخرج إلى ظاهر الكوفة مما يلي الحرة،فقاتل ابن معاوية قتالا شديدا (1).
قال علي بن الحسين،قال محمد بن علي بن حمزة،عن المدائني،عن عامر بن حفص (2)،و أخبرني به ابن عمّار،عن أحمد بن الحرث،عن المدائني:
أن ابن عمر هذا دسّ إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعد عنه بمواعيد على أن ينهزم عنه،و ينهزم الناس بهزيمته (3)،فبلغ ذلك ابن معاوية فذكره لأصحابه و قال:إذا انهزم ابن ضمرة (4)فلا يهولنكم.فلما التقوا انهزم ابن ضمرة،و انهزم الناس معه،فلم يبق غير ابن معاوية،فجعل يقاتل وحده و يقول:
تفرقت الظباء على خراش *** فما يدري خراش ما يصيد
ثم ولّى وجهه منهزما فنجا و جعل[يقول للناس،و] (5)يجمع من الأطراف و النواحي من أجابه،حتى صار في عدة، فغلب على مياه الكوفة، و مياه البصرة،و همدان،و قم،و الري،و قومس و إصبهان،و فارس،و أقام هو بإصبهان (6).
قال:و كان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب (7)بن موسى مولى بني».
ص: 156
يشكر فدخل دار الإمارة بنعل و رداء،فاجتمع الناس إليه فأخذهم بالبيعة فقالوا:علام نبايع؟فقال:على ما أحببتم و كرهتم.فبايعوه على ذلك.
و كتب عبد اللّه بن معاوية،فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة،عن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الجعفري،عن أبيه،عن عبد العزيز بن عمران، عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة[و محرز بن جعفر] (1).
أن عبد اللّه بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد.قال:و استعمل أخاه الحسن على اصطخر،و أخاه يزيد على شيراز، و أخاه عليا على كرمان،و أخاه صالحا على قم و نواحيها.و قصدته بنو هاشم جميعا،منهم السفاح،و المنصور[و عيسى بن علي.و قال ابن أبي خيثمة،عن مصعب:و قصده وجوه قريش من بني أمية و غيرهم،فمن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك،و عمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان] (2)،فمن أراد منهم عملا قلّده،و من أراد صلة وصله. فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له:مروان الحمار،فوجّه إليه عامر بن ضبارة (3)في عسكر كثيف،فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب ابن معاوية أصحابه إلى الخروج إليه و قتاله،فلم يفعلوا و لا أجابوه،فخرج على دهش هو و إخوته قاصدين لخراسان،و قد ظهر أبو مسلم بها،و نفى عنها (4)نصر بن سيار،فلما صار في طريقه نزل على رجل من التناء ذي مروءة و نعمة و جاءه فسأله معونته.فقال:أنت من ولد رسول اللّه(ص)؟ قال:لا.
قال:أفأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان؟قال:لا.قال:
فلا حاجة لي في نصرتك.
فخرج إلى أبي مسلم و طمع في نصرته فأخذه أبو مسلم فحبسه عنده (5).».
ص: 157
و اختلف في أمره بعد محبسه.فقال بعض أهل السير:إنه لم يزل محبوسا حتى كتب إلى أبي مسلم رسالته المشهورة التي أولها:
من الأسير في يديه المحبوس بلا جرم لديه (1)،و هي طويلة لا معنى لذكرها ها هنا.فلما كتب إليه بذلك أمر بقتله (2).
و قال آخرون:بل دس إليه سما فمات منه، و وجه برأسه إلى ابن ضبارة،فحمله إلى مروان.
و قال آخرون:سلمه حيا إلى ابن ضبارة فقتله،و حمل رأسه إلى مروان.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبه قال:حدثنا محمد بن يحيى:أن عمر بن عبد العزيز بن عمران حدثه عن محمد بن عبد العزيز (3)،عن عبد اللّه بن الربيع،عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة:
أنه حضر مروان يوم الزّاب،و هو يقاتل عبد اللّه بن علي[فسأل عنه] (4)فقيل:هو الشاب المصفّر الذي كان يسب عبد اللّه بن معاوية يوم جيء برأسه إليك.فقال:و اللّه لقد هممت بقتله مرارا،-كل ذلك يحال بيني و بينه،و كان أمر اللّه قدرا مقدورا، و اللّه (5)لوددت أن علي بن أبي طالب يقاتلني مكانه، فقلت:أتقول مثل هذا لعلي في موضعه و محله؟قال:لم أرد الموضع و المحل،ة.
ص: 158
و لكن عليا و ولده لا حظّ لهم في الملك.فلما ورد الخبر على أبي جعفر المنصور أن إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن هزم عيسى بن موسى،أراد الهرب،فحدثته بهذا الحديث،فقال:باللّه الذي لا إله إلاّ هو إنك صادق؟فقلت:بنت سفيان بن معاوية طالق ثلاثا إني لصادق.
و كان مخرج عبد اللّه بن معاوية في سنة سبع و عشرين و مائة (1).
و فيه يقول أبو مالك الخزاعي:
تنكرت الدنيا خلاف ابن جعفر *** علي و ولّي طيبها و سررها
و عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام و أمه أم خالد بنت حسن بن مصعب بن الزبير بن العوام.
و أمها أمينة بنت خالد بن الزبير بن العوام،لأم ولد.
و يكنى عبيد اللّه:أبا علي.
قال علي بن الحسين:
ذكر محمد بن علي بن حمزة:أن أبا مسلم دسّ إليه سما فمات منه،و لم يذكر ذلك يحيى بن حسن العلوي،و وصف أن عبيد اللّه مات في حياة أبيه، و قد كان يحيى حسن العناية بأخبار أهله.
و لعل هذا و هم من محمد بن علي بن حمزة.
و هؤلاء جميع من انتهى إلينا خبر مقتله في أيام بني أمية سوى ما اختلف في أمره منهم،رضوان اللّه عليهم أجمعين.
ص: 159
ص: 160
ص: 161
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني رحمه اللّه:
و لا أعلمه قتل أحدا منهم،و لا أجري إلى جليس له مكروها،إلاّ أن محمدا و إبراهيم خافاه فتواريا عنه،و كانت بينه و بين أبيهما مخاطبات في أمرهما.
منها ما أخبرني به عمر بن عبد اللّه بن جميل العتكي،قال:حدّثنا عمر بن شبّة قال:حدثني محمد بن يحيى،قال:
لما تولّى أبو العباس،وفد إليه عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،و أخوه الحسن بن الحسن،فوصلهما،و خص عبد اللّه،و واخاه و آثره،حتى كان يتفضل بين يديه في ثوب؛و قال له:ما رأي أمير المؤمنين غيرك على هذا الحال، و لكن أمير المؤمنين إنما يعدّك عمّا و والدا.و قال له:إني كنت أحبّ أن أذكر لك شيئا.
فقال عبد اللّه:ما هو يا أمير المؤمنين؟.
فذكر ابنيه محمدا،و إبراهيم،و قال:ما خلّفهما و منعهما أن يفدا إلى أمير المؤمنين مع أهل بيتهما؟ قال:ما كان تخلّفهما لشيء يكرهه أمير المؤمنين.فصمت أبو العباس ثم سمر عنده ليلة أخرى فأعاد عليه،ثم فعل ذلك به مرارا،ثم قال له:غيبتهما بعينك،أما و اللّه ليقتلن محمد على سلع،و ليقتلن إبراهيم على النهر العياب. (1)
ص: 162
فرجع عبد اللّه ساقطا مكتئبا،فقال له أخوه الحسن بن الحسن:ما لي أراك مكتئبا؟فأخبره،فقال:هل أنت فاعل ما أقول لك؟قال:ما هو؟ قال:
إذا سألك عنهما فقل:عمهما حسن أعلم الناس بهما[فقال له عبد اللّه] (1)و هل أنت محتمل ذلك لي؟قال:نعم.
فدخل عبد اللّه على أبي العباس كما كان يفعل،فردّ عليه ذكر ابنيه،فقال له عمهما:يا أمير المؤمنين أعلم الناس بهما فاسأله عنهما،فصمت عنه حتى افترقا،ثم أرسل إلى الحسن فقص عليه ذلك،فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك على هيبة الخلافة،أو كما يكلم الرجل ابن عمّه؟.
قال:بل كما يكلم الرجل ابن عمه،فإنك و أخاك عندي بكل منزلة.
قال:إني أعلم أن الذي هاج لك ذكرهما بعض ما قد بلغك عنهما، فأنشدك اللّه هل تظن أن اللّه إن كان قد كتب في سابق علمه أن محمدا و إبراهيم وال (2)من هذا الأمر شيئا،ثم أجلب أهل السماوات و الأرض بأجمعهم على أن يردوا شيئا مما كتب اللّه لمحمد و إبراهيم أ كانوا رادّيه؟و إن لم يكن كتب لمحمد ذلك أنهم حائزون إليه شيئا منه؟.
فقال:لا و اللّه،ما هو كائن إلاّ ما كتب اللّه.
فقال:يا أمير المؤمنين ففيم تنغيصك على هذا الشيخ نعمتك التي أوليته و إيّانا معه؟.
قال:فلست بعارض لذكرهما بعد مجلسي هذا ما بقيت، إلاّ أن يهيجني شيء فأذكره.فقطع ذكرهما،و انصرف عبد اللّه إلى المدينة.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن بن جعفر،قال:حدّثني علي بن أحمد الباهلي،قال:سمعت مصعب بن عبد اللّه».
ص: 163
يقول:أخبرني (1)عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدّثنا عمر بن شبة،قال:
حدّثنا موسى بن سعيد بن عبد الرحمن،و أيّوب بن عمر،عن إسماعيل بن أبي عمرو،قالوا:
لما بنى أبو العباس بناءه بالأنبار،الذي يدعى برصافة أبي العباس.قال لعبد اللّه بن الحسن:ادخل معي فانظر،فدخل معه فلما رآه قال:ألم تر حوشبا؟ ثم قطع.فقال له أبو العباس:أنفذه.
قال:يا أمير المؤمنين ما أردت إلاّ خيرا.فقال:و العظيم لا تريم أو تنفذه. فقال:
ألم تر حوشبا أمس يبنّي *** بيوتا نفعها لبني نفيلة (2)
يؤمّل أن يعمر ألف عام *** و أمر اللّه يطرق كل ليلة (3)
قال عمر بن شبة في حديثه عن موسى بن سعيد:فاحتملها أبو العباس و لم يتلفه بها.
و قال مصعب:فقال له:ما أردت بهذا؟فقال:أزهدك في القليل الذي بنيته.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي (4)،قال:حدّثنا عمر بن شبة،قال:
حدّثني يعقوب بن القاسم،قال:حدثني عمر بن شهاب (5)،و حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،عن الزبير،و حدثني حرمي بن أبي العلاء،قال:حدثنا الزبير،عن محمد بن الضحاك:
أنا أبا العباس كتب إلى عبد اللّه بن الحسن في تغيب ابنيه:
أريد حياته و يريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد
و قال عمر بن شبة عن رجاله:إنه كتب به إلى محمد فأجابه بالأبيات.».
ص: 164
ذكر الزبير،عن محمد بن الضحاك:أنها لعبد اللّه بن الحسن بن الحسن.
و ذكر عمر بن شبة:أنهم بعثوا إلى عبد الرحمن بن مسعود مع أبي حسن (1)فأجابه بهذه الأبيات:
و كيف يريد ذاك و أنت منه *** بمنزلة النياط من الفؤاد
و كيف يريد ذاك و أنت منه *** و زندك حين يقدح من زناد
و كيف يريد ذاك و أنت منه *** و أنت لهاشم رأس و هاد
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبة (2)،قال:حدّثني عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب،قال:حدثنا الحسين (3)بن زيد،قال:حدثني عبد اللّه بن الحسن،قال:
بينا أنا في سمر مع أبي العباس،و كان إذا تثاءب أو ألقى المروحة (4)قمنا،فألقاها ليلة فقمنا،فأمسكني فلم يبق غيري،فأدخل يده تحت فراشه، فأخرج إضبارة كتب،فقال:اقرأ يا أبا محمد[فقرأت]فإذا كتاب[من] محمد إلى هشام بن عمرو بن البسطام التغلبي،يدعوه إلى نفسه (5).فلما قرأته قلت:يا أمير المؤمنين لك عهد اللّه و ميثاقه ألاّ تر منهما شيئا تكرهه ما كانا في الدنيا.
قال أبو الفرج:
و لعبد اللّه و ولده في أيام أبي العباس،و قبلها مع بني أمية أخبار في هذا الجنس من تغيبهما،و طلبهم إيّاهما،كرهت الإطالة بذكرها،و اقتصرت على هذه الجملة منها.».
ص: 165
و من قتل منهم فيها
و كان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا،و إبراهيم فلم يقدر عليهما، فحبس عبد اللّه بن الحسن و إخوته،و جماعة من أهل بيته بالمدينة،ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها،فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس،فلم تنتظم لي أخبارهم بإفراد خبر كل واحد منهم على حدته،إذ كان ذلك مما تقطع به حكاية قصصهم،فصدرت أسماءهم،و أنسابهم،و شيئا من فضائلهم،ثم ذكرت بعد ذلك أخبارهم،عليهم السلام.
و عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يكنى أبا محمد (1).
و أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.
و أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه (2).
و أمها الجرباء بنت قسامة بن رومان من طيّئ (3).
أخبرني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:
إنما سميت الجرباء بنت قسامة لحسنها،كانت لا تقف إلى جانبها امرأة- و إن كانت جميلة-إلاّ استقبح منظرها لجمالها،و كان النساء يتحامين أن يقفن إلى جانبها،فشبهت بالناقة الجرباء التي تتوقاها الإبل مخافة أن تعديها (4).
ص: 166
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثني يحيى بن الحسن،قال:حدّثنا إسماعيل بن يعقوب،قال:حدّثني[جدي]عبد اللّه بن موسى[بن عبد اللّه ابن الحسن] (1)قال:
خطب الحسن بن الحسن إلى عمّه الحسين،و سأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الحسين:اختر يا بنيّ أحبّهما إليك،فاستحيا الحسن،و لم يحر جوابا.فقاله له الحسين:فإني قد اخترت لك ابنتي سكينة،فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللّه،(ص) (2).
و قال حرمي بن العلاء،عن الزبير بن بكار:أن الحسن[لما خيره عمه] اختار فاطمة.و كانوا يقولون:إن امرأة مردودة بها سكنية لمنقطعة القرين في الجمال.
و قد كانت فاطمة تزوّجت بعد الحسن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان،و هو عم الشاعر الذي يقال له العرجي،فولدت له أولادا،منهم محمد المقتول مع أخيه عبد اللّه بن الحسن،و يقال له الديباج،و القاسم،و الرقية، بنو عبد اللّه بن عمرو.
و كان عبد اللّه بن الحسن[بن الحسن]شيخ بني هاشم،و المقدم فيهم، و ذا الكثير منهم فضلا،و علما و كرما (3).
حدّثني أحمد بن محمد الهمداني،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:
حدّثنا علي بن أحمد الباهلي،قال:سمعت مصعبا الزبيري يقول:
انتهى كل حسن إلى عبد اللّه بن الحسن،و كان يقال:من أحسن الناس؟ فيقال:عبد اللّه بن الحسن،و يقال:من أفضل الناس؟فيقال:عبد اللّه بن الحسن و يقال من أقول الناس؟فيقال:عبد اللّه بن الحسن.و حدثنا الحسن بنه.
ص: 167
علي الخفاف،قال:حدثنا مصعب مثله.
حدّثني محمد بن الحسين الأشناني،و الحسن بن علي السلولي،قالا:
حدّثنا عباد بن يعقوب قال،حدّثنا تلميذ (1)،قال:
رأيت عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،و سمعته يقول:أنا أقرب الناس من رسول اللّه،(ص)،ولدني رسول اللّه(ص)مرتين (2).
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثني إسماعيل بن يعقوب،قال:حدثني عبد اللّه بن موسى،قال:
أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين عبد اللّه بن الحسن بن الحسن (3).
حدثني محمد بن الحسين الأشناني (4)،قال:حدثنا عباد بن يعقوب (5)، قال:حدثنا بندقة بن محمد بن حجارة الدّهان،قال:
رأيت عبد اللّه بن الحسن فقلت:هذا و اللّه سيد الناس[كان]ملبسا (6)نورا من قرنه إلى قدميه.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال: حدثني عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي،قال:
ولد عبد اللّه بن الحسن في بيت فاطمة بنت رسول اللّه(ص)في المسجد.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:أخبرنا يحيى،عن القاسم بن عبد الرازق،قال:ي.
ص: 168
جاء منصور بن زيّان الفزاري إلى الحسن بن الحسن،و هو جده أبو أمه فقال له:لعلّك أحدثت بعدي أهلا؟.
قال:نعم تزوجت بنت عمي الحسين بن علي.
فقال:بئس ما صنعت،أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت،كان ينبغي لك أن تتزوج من العرب (1).
قال:فإن اللّه قد رزقني منها ولدا.قال فأرنيه.فأخرج إليه عبد اللّه بن الحسن فسرّ به، و قال:أنجبت،هذا و اللّه الليث عاديا و معدوا عليه.
قال:فإن اللّه قد رزقني منها ولدا آخر.
قال:فأرنيه (2).فأخرج إليه الحسن بن الحسن،فسرّ به و قال:أنجبت و اللّه و هو دون الأول.
قال:فإن اللّه رزقني منها ثالثا.
قال:فأرنيه،فأراه إبراهيم بن الحسن بن الحسن،فقال:لا تعد إليها بعد هذا.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثني هرون بن موسى الفروي،قال:سمعت محمد بن أيوب الرافعي يقول:
كان أهل الشرف و ذوو القدر لا ينوطون بعبد اللّه بن الحسن أحدا.
و حدّثني أبو عبيد[محمد بن أحمد]الصيرفي،قال:حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار،قال:حدثنا عمرو (3)بن عبد الغفار الفقيمي،عن سعيد بن أبان القرشي،قال:
كنت عند عمر بن عبد العزيز،فدخل عليه عبد اللّه بن الحسن،و هو يومئذ شاب في إزار و رداء، فرحب به و أدنا[و حيّاه] (4).و أجلسه إلى جنبهي.
ص: 169
و ضاحكه،ثم غمز عكنة من عكن بطنه،و ليس في البيت يومئذ إلاّ أموي، فلما قام قالوا له:ما حملك على غمز بطن هذا الفتى؟قال:إني أرجو بها شفاعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم (1).
حدثنا أبو عبيد،قال:حدثنا فضل المصري،قال:حدثنا القواريري قال:حدثنا يحيى بن سعيد،عن سعيد بن أبان مثله.
حدثني عمر بن عبد اللّه[بن جميل]العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني إسماعيل بن جعفر الجعفري،قال:حدثني سعيد بن عقبة الجهني،قال:
إني لعند عبد اللّه بن حسن بن حسن إذ أتاني آت فقال: هذا رجل يدعوك،فخرجت فإذا بأبي عديّ الأموي الشاعر،فقال:أعلم أبا محمد، فخرج إليه عبد اللّه،و ابناه،و هم خائفون،فأمر له عبد اللّه بأربعمائة دينار (2)، و أمر له ابناه بأربعمائة دينار و أمرت له هند بمائتي دينار،فخرج من عندهم بألف دينار.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن قال:حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن موسى،قال:حدثني أبي:
أن عبد اللّه بن الحسن كان يصلي على طنفسة في المسجد،و أنه خرج فأقامت تلك الطنفسة (3)دهرا لا ترتفع.
حدثني أحمد[بن محمد بن سعيد]،قال:حدثنا يحيى[بن الحسن] (4)؛قال:حدثنا علي بن أحمد الباهلي،قال:حدّثنا مصعب بن عبد اللّه،قال:ي.
ص: 170
سئل مالك عن السدل،فقال:رأيت من يرضى بفعله،عبد اللّه بن الحسن يفعله.
و قتل عبد اللّه بن الحسن في محبسه بالهاشمية،و هو ابن خمس و سبعين، سنة خمس و أربعين و مائة (1).
و الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) و أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (2).
و كان متألها،فاضلا،و رعا،يذهب في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى مذهب الزيدية.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثني إسماعيل بن يعقوب،قال:
لما حبس عبد اللّه بن الحسن آلى أخوه الحسن بن الحسن ألا يدّهن و لا يكتحل،و لا يلبس ثوبا لينا،و لا يأكل طيبا،ما دام عبد اللّه على تلك الحال.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:
حدثنا عيسى بن عبد اللّه العلوي،عن عبد اللّه بن عمران،و حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثني أبو عبد الحميد الليثي، عن أبيه،عن عيسى بن عبد اللّه،قال:حدثني عبد اللّه بن عمران،قال:
[و اللفظ للعتكي] (3).
كان حسن بن الحسن قد نصل خضابه،تسليّا على عبد اللّه بن حسن،
ص: 171
و كان أبو جعفر يسأل عنه فيقول:ما فعل الحاد (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:
حدثني الحرث بن إسحاق،قال:
كان الحسن بن الحسن بن الحسن ينزل منزلا بذي الأثل فحضر المدينة، و عبد اللّه بن الحسن محبوس،فلم يبرحها،و لبس خشن الثياب،و غليظ الكرابيس،و كان أبو جعفر يسميه الحاد،و كان عبد اللّه ربما استبطأ رسل أخيه الحسن،فيرسل إليه:إنك و ولدك لآمنون في بيوتكم،و أنا ولدي بين أسير و هارب،لقد مللت معونتي فآنسني برسلك.و كان ذلك إذا أتى حسنا بكى، و قال:بنفسي أبو محمد إنه لم يزل يحشد الناس بالأئمة.
و توفي الحسن بن الحسن بن الحسن في محبسه بالهاشمية (2)في ذي القعدة سنة خمس و أربعين و مائة.و هو ابن ثمان و ستين سنة.
و إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و يكنى أبا الحسن.
و أمه فاطمة بنت الحسين (3).
حدثني يحيى بن علي بن يحيى المنجم،قال:سمعت عمر بن شبّة يقول:
كلّ إبراهيم تقدم من بني علي،يكنى أبا الحسن.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:
كان إبراهيم أشبه الناس برسول اللّه(ص).
ص: 172
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:
حدثنا عيسى بن عبد اللّه،و حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثنا غسان بن عبد الحميد،عن أبيه،عن عيسى بن عبد اللّه،قال:
مرّ الحسن بن الحسن على إبراهيم بن الحسن، و هو يعلف إبلا له، فقال:أتعلف إبلك و عبد اللّه بن الحسن محبوس؟أطلق عقلها يا غلام، فأطلقها،ثم صاح في إدبارها فذهبت فلم يوجد منها واحدة (1).
و توفي إبراهيم بن الحسن بن الحسن في الحبس بالهاشمية في شهر ربيع الأول سنة خمس و أربعين و مائة.
و هو أول من توفي منهم في الحبس (2)،و هو ابن سبع و ستين سنة.
أخبرني بذلك عمر بن عبد اللّه العتكي،عن عمر بن شبّة،عن أبي نعيم الفضل بن دكين.
قال أبو الفرج الأصبهاني:
هؤلاء الثلاثة من ولد الحسن بن الحسن لصلبه،قتلوا و ماتوا في الحبس.
و قد ذكر محمد بن علي حمزة العلوي أنه قتل معهم أبو بكر بن الحسن بن الحسن.و ما سمعت أحدا ذكر هذا غيره،و لا بلغنا عن أحد من أهل العلم بالأنساب أن الحسن بن الحسن كان له ابن يكنى أبا بكر (3).
و حمل معهم من المدينة جماعة أخر لم يقتل منهم أحد.و خلّى أبو جعفر لهم السبيل بعد مقتل محمد و إبراهيم.3.
ص: 173
منهم جعفر بن الحسن بن الحسن (1)،و ابنه الحسن بن جعفر، و موسى بن عبد اللّه بن الحسن،و داود بن الحسن،و سليمان،و عبد اللّه ابنا داود بن الحسن،و إسحاق،و إسماعيل ابنا إبراهيم بن الحسن (2).
و ذكر محمد بن علي بن حمزة أن إسحاق و إسماعيل قتلا.
و الذي ذكرناه من تخليتهما أصح،أخبرني[به]عمر بن عبد اللّه العتكي،عن عمر بن شبة،عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي.
ثم نرجع إلى ذكر أسماء من قتل و توفي في الحبس بالهاشمية منهم.
و علي بن الحسن بن الحسن و يكنى أبا الحسن.
و كان يقال له عليّ الخير،و علي الأغرّ (3)،و علي العابد،و كان يقال له و لزوجته زينب بنت عبد اللّه بن الحسن الزوج الصالح،فيما ذكر لنا حرمي بن العلاء،عن زبير بن بكار،عن عبد اللّه بن الحسن.
و أمه أم عبد اللّه بنت عامر بن عبد اللّه بن بشر بن عامر بن ملاعب الأسنة بن مالك بن جعفر بن كلاب.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي،عن أبيه،قال:
ص: 174
أقطع (1)أبو العباس الحسن بن الحسن بن الحسن عين مروان بذي خشب،و كان ربما أرسل إليها ابنه عليا يطلعها،فيذهب معه بادوات من ماء فيشرب منها،و لا يشرب من عين مروان.
حدثني عمي الحسن بن محمد،قال:حدثني ميمون بن هرون.قال (2):
حدثني أبو حذافة السهمي،قال:حدثني مولى لآل طلحة:
أنه رأى علي بن الحسن قائما يصلي في طريق مكة،فدخلت أفعى في ثيابه من تحت ذيله،حتى خرجت من زيقته،فصاح به الناس:الأفعى في ثيابك، و هو مقبل على صلاته،ثم انسابت فمرت،فما قطع صلاته،و لا تحرك،و لا رئى أثر ذلك في وجهه.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:
حدثني عبد الملك بن شيبان،قال:حدثتني مذهبة،قالت:
كانت زينب بنت عبد اللّه تندب أباها و أهلها حين حملوا تقول:و اعبرتاه من الحديد و العباء و المحامل المعراة.
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:حدثني عيسى بن عبد اللّه،قال:حدثني أبي،قال:
كان رياح إذا صلّى الصبح أرسل إليّ،و إلى قدامة بن موسى،فيحدثنا ساعة،و إنا لعنده يوما فلما أسفرنا إذا برجل متلفف في ساج[له]،فقال له رياح: [مرحبا بك و أهلا ما حاجتك؟قال:جئت لتحبسني مع قومي.فإذا هو علي بن الحسين] (3).فقال له رياح:أما و اللّه ليعرفنها لك يا أمير المؤمنين،ثم حبسه معهم (4).9.
ص: 175
أخبرني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسين،قال:حدثنا غسان بن عبد الحميد،عن أبيه،عن موسى بن عبد اللّه،و أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا محمد بن إسماعيل،قال:
سمعت جدي موسى بن عبد اللّه يقول:
حبسنا في المطبق فما كنا نعرف أوقات الصلوات إلاّ بأجزاء يقرؤها علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن.
أخبرني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثنا موسى بن عبد اللّه بن موسى،قال:
توفي علي بن الحسن،و هو ساجد في حبس أبي جعفر،فقال عبد اللّه:
أيقظوا ابن أخي،فإني أراه قد نام في سجوده.قال: فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا.فقال:رضي اللّه عنك،إن علمي فيك أنك تخاف هذا المصرع.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:حدثنا إبراهيم بن خالد بن أخت سعيد بن عامر،عن سعيد بن عامر،عن جويرية بن أسماء،و هو خال أمه،قال:
لما حمل بنو الحسن إلى أبي جعفر أتى بأقياد يقيدون بها،و علي بن الحسن قائم يصلي،و كان في الأقياد قيد ثقيل فجعل كلما قرب إلى رجل تفادى منه و استعفى،قال:فانفتل علي من صلاته فقال:لشدّ ما جزعتم،شرعه هذا،ثم مدّ رجليه فقيّد به (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني محمد بن أبي حرب،قال:حدثني يحيى بن يزيد بن حميد،قال:أخبرني سليمان بن داود بن الحسن،و الحسن بن جعفر،قال:
لما حبسنا كان معنا علي بن الحسن،و كانت حلق أقيادنا قد اتسعت فكنا9.
ص: 176
إذا أردنا صلاة أو نوما جعلناها عنا،فإذا خفنا دخول الحراس أعدناها،و كان علي بن الحسن لا يفعل،فقال له عمه:يا بني ما يمنعك أن تفعل؟قال:لا، و اللّه لا أخلعه أبدا حتى أجتمع أنا و أبو جعفر عند اللّه،فيسأله لم قيدني به.
حدثني علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،قال:حدثني سليمان بن العطوس،قال:حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى،قال:حدّثنا عبد ربه- يعني ابن علقمة-عن يحيى بن عبد اللّه،عن الذي أفلت من الثمانية،قال:
لما أدخلنا الحبس قال علي بن الحسن:اللهم إن كان هذا من سخط منك علينا فاشدد حتى ترضى.
فقال عبد اللّه بن الحسن: ما هذا يرحمك اللّه؟.
ثم حدثنا عبد اللّه عن فاطمة الصغرى،عن أبيها،عن جدتها فاطمة بنت رسول اللّه(ص)،قالت:قال لي رسول اللّه(ص):«يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات لم يسبقهم الأولون،و لا يدركهم الآخرون»فقلت:
نحن ثمانية.قال:هكذا سمعت.
قال:فلما فتحوا الباب وجدوهم موتى،و أصابوني و بي رمق و سقوني ماء،و أخرجوني فعشت.
حدثني علي بن إبراهيم،قال:حدثنا محمد بن علي الحسني،قال:
حدثنا الحسن،عن محمد-يعني ابن عبد الواحد-قال:حدثنا حسين بن نصر،قال:حدثنا خالد بن عيسى،عن حصين بن مخارق،عن الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن.و أخبرنا علي بن العباس البجلي،قال:حدثنا الحسين بن نصر،قال:
حبسهم أبو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل و لا بالنهار،و لا يعرفون وقت الصلاة إلاّ بتسبيح علي بن الحسن (1).9.
ص: 177
قال:فضجر عبد اللّه ضجرة فقال:يا علي ألا ترى ما نحن فيه من البلاء؟.ألا تطلب إلى ربك عز و جلّ أن يخرجنا من هذا الضيق و البلاء؟.
قال:فسكت عنه طويلا ثم قال:يا عم إن لنا في الجنة درجة لم نكن لنبلغها إلاّ بهذه البلية،أو بما هو أعظم منها؛و إن لأبي جعفر في النار موضعا لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه البلية،أو أعظم منها؛فإن تشأ أن تصبر، فما أوشك فيما أصبنا أن نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن منه شيء،و إن تشأ أن ندعو ربنا عز و جل أن يخرجك من هذا الغم،و يقصّر بأبي جعفر غايته التي له في النار،فعلنا.
قال:لا،بل اصبر.
فما مكثوا إلاّ ثلاثا حتى قبضهم اللّه إليه.
و توفي علي بن الحسن و هو ابن خمس و أربعين سنة،لسبع بقين من المحرم سنة ست و أربعين و مائة.
و عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و يكنى أبا جعفر (1).
و أمه أم عبد اللّه بنت عامر،و هي أم أخيه علي.
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني محمد بن يحيى،عن الحرث بن إسحاق،قال:
خرج رياح ببني حسن؛و محمد بن عبد اللّه بن عمرو إلى الرّبذة (2)،فلما
ص: 178
صاروا بقصر نفيس على ثلاثة أميال من المدينة،دعا بالحدادين،و القيود، و الأغلال،فألقى كلّ رجل منهم في كبل و غلّ،فضاقت حلقتا قيد عبد اللّه بن الحسن[بن الحسن] (1)أبي جعفر،فعضتاه فتأوّه منهما،و أقسم عليه أخوه علي بن الحسن ليحولن عليه حلقتيه إذ كانتا أوسع فحولها،و مضى بهم رياح إلى الرّبذة (2).
و توفي عبد اللّه بن الحسن،و هو ابن ست و أربعين سنة،في يوم الأضحى،سنة خمس و أربعين و مائة.
و العباس بن الحسن (3)بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام و أمه عائشة بنت طلحة الجود بن عمر بن عبيد اللّه بن معمر التيمي (4).
و كان العباس أحد فتيان بني هاشم،و له يقول إبراهيم بن علي بن هرمة (5):
لما تعرّضت للحاجات و اعتلجت *** عندي و عاد ضمير القلب وسواسا
سعيت أبغي (6)***لحاجات و مصدرها برّا كريما لثوب المجد لباسا
هداني اللّه للحسنى و وفّقني *** فاعتمت (7)خير شباب الناس عبّاسا
قدح النبي و قدح من أبي حسن *** و من حسين جرى لم يحر حنّاسا
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا عيسى بن عبد اللّه العلوي،قال: حدثنا عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة:
ص: 179
أن العباس بن الحسن أخذ و هو على بابه،فقالت أمه عائشة بنت طلحة:
دعوني أشمه شمّة،و أضمّه ضمة.
فقالوا:لا و اللّه ما كنت في الدنيا حيّة (1).
و توفي العباس في الحبس و هو ابن خمس و ثلاثين،لسبع بقين من شهر رمضان سنة خمس و أربعين و مائة.
و إسماعيل بن إبراهيم (2)بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام و هو الذي يقال له طباطبا.و قيل إن ابنه إبراهيم طباطبا.
و أمه ربيحة بنت محمد بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي أمية الذي يقال له:
زاد الركب،أبو أم سلمة زوج النبي(ص) (3).
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدثني يحيى بن الحسن،قال:حدثنا إسماعيل بن يعقوب قال:حدثنا عبد اللّه بن موسى،قال:
سألت عبد الرحمن بن أبي الموالي،و كان مع بني الحسن بن الحسن في المطبق:كيف كان صبرهم على ما هم فيه؟.
قال:كانوا صبراء،و كان فيهم رجل مثل سبيكة الذهب،كلما أوقد عليها النار ازدادت خلاصا،و هو إسماعيل بن إبراهيم،كان كلما اشتد عليه البلاء ازداد صبرا.
ص: 180
و محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام و أمه أم ولد تدعى عالية.
و كان يدعى الدّيباج الأصفر من حسنه (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني محمد بن الحسن،قال:حدثني محمد بن إبراهيم،قال:
أتى بهم أبو جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن،فقال:أنت ديباج الأصفر؟قال:نعم.
قال:أما و اللّه لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك.ثم أمر باسطوانة مبنية ففرقت،ثم أدخل فيها فبنيت عليه،و هو حي (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:
حدثني محمد بن الحسن،قال:حدثني الزبير بن بلال (3)،قال:
كان الناس يختلفون إلى محمد هذا فينظرون إلى حسنه (4).
و حدثنا حرمي عن الزبير بن بكار بذلك.
و علي بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و أمه أم سلمة بنت الحسن بن الحسن بن علي.
و أم محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،رملة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
ص: 181
كان أبوه وجهه إلى مصر (1)،و وجه معه أخاه موسى بن عبد اللّه،و مطرا صاحب الحمام-قال المدائني:إنما سمي صاحب الحمام لأنه كان على حمام الأمير بالبصرة- و يزيد بن خالد القسري،يدعوان إليه،فأخذ علي،و نجى موسى و لم يؤخذ،و له خبر سنأتي به في موضعه.
و أتى أبو جعفر بعلي فحبسه مع أهله فمات معهم (2).
و قد قيل:إنه بقي في الحبس فمات في أيام المهدي.
و الصحيح أنه توفي في أيام أبي جعفر.
و محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان و إنما ذكرنا خبره معهم لأنه كان أخاهم لأمهم (3)،و كان هوى لهم، و كان عبد اللّه بن الحسن يحبه محبة شديدة،فقتل معه لمّا قتل.
و أمه فاطمة بنت الحسين،كان عبد اللّه بن عمرو تزوجها بعد وفاة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.و كان السبب في ذلك ما حدّثنا محمد بن العباس اليزيدي،و الحسن بن علي،قالا:حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة،قال:
حدثنا زبير بن بكار،و أخبرني به حرمي بن أبي العلاء،قال:حدثنا زبير بن بكار،قال:حدثني عمي مصعب،قال:حدثني محمد بن يحيى،عن أيّوب بن عمر (4)عن ابن أبي الموالي،قال:حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن يوسف بن الماجشون.و أخبرني الحسن بن علي،قال:حدثني أحمد بن أبي خيثمة،قال:حدثنا مصعب،دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين،قالوا (5):
لما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة جزع،و جعل يقول:إني لأجد كربا ليس من كرب الموت،فقال له بعضهم:ما هذا الجزع؟تقدم على رسول اللّه (ص)،و هو جدك،و على علي،و الحسن،و الحسين،و هم آباؤك؟.
ص: 182
فقال:ما لذلك أجزع،و لكني كأني بعبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان حين أموت،قد جاء في مضرّجتين أو ممصرتين (1)،و قد رجّل جمّته، يقول:أنا من بني عبد مناف جئت لأشهد ابن عمي،و ما به إلاّ أن يخطب فاطمة بنت الحسين،فإذا متّ فلا يدخلن عليّ.
قال:فصاحت به فاطمة:أتسمع؟قال:نعم.
قالت:أعتقت كل مملوك لي،و تصدقت بكل مملوك لي،إن أنا تزوجت بعدك أحدا.
قال:فسكن الحسن،و ما تنفس،و ما تحرك حتى قضى-رضوان اللّه عليه- فلما ارتفع الصياح أقبل عبد اللّه على الصفة التي ذكرها الحسن،فقال بعض القوم:ندخله،و قال بعضهم: لا ندخله،و قال قوم:و ما يضرّ من دخوله؟.
فدخل،و فاطمة رضوان اللّه عليها تصك وجهها،فأرسل إليها و صيفا كان معه،فجاء فتخطى الناس حتى دنا منها،فقال لها:يقول لك مولاي اتقي على وجهك فإن لنا فيه اربا.
قال:فأرسلت يدها في كمها،و عرف ذلك فيها،فما لطمت حتى دفن.
فلما انقضت عدتها خطبها،فقالت:كيف بنذري و يميني؟.
فقال: نخلف عليك بكل عبد عبدين،و بكل شيء شيئين.ففعل فتزوجته.
و قد حدثني أحمد بن سعيد (2)في أمر تزويجه إيّاها،عن يحيى بن الحسن، عن أخيه أبي جعفر،عن محمد بن عبد اللّه البكري،عن اسماعيل بن يعقوب (3):
أن فاطمة بنت الحسين لما خطبها عبد اللّه أبت أن تتزوجه،فحلفت أمها عليها أن تزوّجه،و قامت في الشمس،و آلت ألا تبرح حتى تزوّجه،فكرهت فاطمة أن تخرج (4)فتزوجته.».
ص: 183
ابن الحسن و أهله و حبسهم بسبب محمد بن عبد اللّه،و مقتل من قتل منهم أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عبد الملك بن شيبان بن عبد الملك بن مالك بن مسمع،قال:
لهجت العوام بمحمد بن عبد اللّه تسميه المهدي،حتى كان يقال:محمد بن عبد اللّه المهدي،عليه ثياب يمنية و قبطية (1).
حدثني عمر،قال:حدثني الوليد بن هشام بن محمد (2)،قال:حدثني سهل بن بشر (3)،قال:
سمعت سفيان (4)يقول:ليت هذا المهدي قد خرج،يعني محمد بن عبد اللّه بن الحسن.
أخبرني عمر بن عبد اللّه (5)[العتكي]،قال:حدثنا عمر بن شبّة، قال:حدثنا الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي و ابن داجة.قال أبو زيد:و حدثني عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة،قال:حدثني الحسن بن أيّوب،مولى بني نمير، عن عبد الأعلى بن أعين قال:و حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي الكرام الجعفري،عن أبيه.و حدثني محمد بن يحيى،و حدثني عيسى بن عبد اللّه بن
ص: 184
محمد بن عمر بن علي،قال:حدثني أبي-[و قد] (1)دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين:
أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء (2)،و فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس،و أبو جعفر المنصور،و صالح بن علي،و عبد اللّه بن الحسن[ابن الحسن] (3)،و ابناه محمد و إبراهيم،و محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان.
فقال صالح[بن علي] (4):قد علمتم أنكم الذين تمدّ الناس أعينهم إليهم،و قد جمعكم اللّه في هذا الموضع،فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إيّاها من أنفسكم، و تواثقوا على ذلك حتى يفتح اللّه و هو خير الفاتحين.
فحمد اللّه عبد اللّه بن الحسن،و أثنى عليه،ثم قال:
قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
و قال أبو جعفر:لأي شيء تخدعون أنفسكم،و و اللّه لقد علمتم ما النّاس إلى أحد أصور (3)أعناقا و لا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى-يريد محمد بن عبد اللّه.
قالوا:قد-و اللّه-صدقت،إن هذا لهو الذي نعلم (4).فبايعوا جميعا محمدا،و مسحوا على يده.
قال عيسى:و جاء رسول عبد اللّه بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر و أرسل بذلك إلى جعفر بن محمد-عليهما السلام-هكذا قال عيسى.
و قال غيره:قال لهم عبد اللّه بن الحسن: لا نريد جعفرا لئلا يفسد عليكم أمركم.
قال عيسى:فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه.و أرسل جعفر بن محمد».
ص: 185
عليه السلام محمد بن عبد اللّه الأرقط بن علي (1)بن الحسين،فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد اللّه يصلي على طنفسة رجل مثنية (2)،فقلت:أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟.
فقال عبد اللّه:اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد اللّه.
قالوا:و جاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد اللّه بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه.
فقال جعفر:لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد[إن كنت ترى-يعني عبد اللّه-أن ابنك هذا هو المهدي فليس به،و لا هذا أوانه،و إن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا للّه و ليأمر بالمعروف وينه عن المنكر فأنا و اللّه] (3)لا ندعك، و أنت شيخنا،و نبايع ابنك.
فغضب عبد اللّه و قال:لقد علمت خلاف ما تقول[و و اللّه ما أطلعك اللّه على غيبه]،و لكن يحملك على هذا الحسد لابني.
فقال:و اللّه ما ذاك يحملني،و لكن هذا و إخوته و أبناؤهم دونكم، و ضرب بيده على ظهر أبي العباس،ثم ضرب بيده على كتف عبد اللّه بن الحسن،و قال:إنها و اللّه ما هي إليك و لا إلى ابنيك، و لكنها لهم (4).و إن ابنيك لمقتولان.ثم نهض،و توكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري.
فقال:أرأيت صاحب الرداء الأصفر-يعني أبا جعفر-؟قال:نعم.قال:
فأنا و اللّه نجده يقتله.قال له عبد العزيز:أيقتل محمدا؟قال:نعم.قال:
فقلت في نفسي:حسده و ربّ الكعبة.
قال:ثم و اللّه ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.
قال:فلما قال جعفر ذلك نفض القوم فافترقوا و لم يجتمعوا بعدها.و تبعه عبد الصمد،و أبو جعفر،فقالا يا أبا عبد اللّه أتقول هذا؟.».
ص: 186
قال:نعم أقوله و اللّه،و أعلمه.
حدثني علي بن العباس[المقانعي] (1)قال:أخبرنا بكار بن أحمد،قال:
حدثنا الحسن بن الحسين،عن عنبسة بن نجاد العابد،قال:
كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد اللّه[بن حسن] (2)تغرغرت عيناه،ثم يقول:بنفسي هو،إنّ الناس ليقولون فيه إنه المهدي،و إنه لمقتول،ليس[هذا] (3)في كتاب[أبيه]علي من خلفاء هذه الأمة.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:حدّثني جعفر بن محمد بن إسماعيل الهاشمي،قال:حدثني أبي،عن أبيه،قال:
كنت أنا و جعفر متكئين في مسجد رسول اللّه(ص)إذ وثب فزعا إلى رجل على بغل،فوقف معه ناحية واضعا يده على معرفة البغل،ثم رجع فسألته عنه،فقال:إنك لجاهل به،هذا محمد بن عبد اللّه مهدينا أهل البيت.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني غير واحد من أصحابنا:
أنّ محمدا دعا عمرو بن عبيد فاعتل عليه،و كان عمرو حسن الطاعة في المعتزلة خلع نعله فخلع ثلاثون ألفا نعالهم،و كان أبو جعفر يشكر ذلك له، و كان عمرو يقول:لا أبايع رجلا حتى أختبر عدله.
حدثني أحمد بن إسماعيل (4)،قال:حدثني يحيى بن الحسن،قال:
حدثنا غسان،عن أبيه،عن عبد اللّه بن موسى،عن عبد اللّه بن سعد الجهني، قال:».
ص: 187
بايع أبو جعفر محمدا مرتين،أنا حاضر إحداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له بالركاب.ثم قال:أما إنه إن أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني محمد بن إسماعيل،قال:
حدّثني عبد العزيز بن عمران،قال:حدثني عبد اللّه بن أبي عبيدة (1)بن محمد بن عمّار بن ياسر،قال:
لما استخلف أبو جعفر لم يكن همه إلاّ طلب محمد،و المسألة عنه،و عمّا يريد (2)،فدعا بني هاشم رجلا رجلا فسألهم في خلوة،فكلهم يقول:يا أمير المؤمنين إنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل هذا اليوم، و هو يخافك على نفسه،و لا يريد لك خلافا و لا يحب لك معصية؛إلاّ الحسن بن زيد فإنه أخبره خبره و قال:و اللّه ما آمن و ثوبه عليك،و اللّه لا ينام عنك،فرأيك.قال ابن أبي عبيدة:فأيقظ من لا ينام.
حدثني عمر،قال:أخبرنا عمر بن شبّة،قال:حدثني محمد بن إسماعيل،قال:سمعت القاسم[بن محمد]بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان يقول:أخبرني محمد بن وهب السلمي،عن أبي-يعني محمد بن عبد اللّه العثماني-:
ان أبا جعفر سأل عبد اللّه بن الحسن عن ابنيه عام حج،فقال له فيهما مقالة الهاشميين،فأخبره أنه غير راض أو يأتيه بهما (3).ه.
ص: 188
قال محمد بن إسماعيل:فحدثتني أمي،عن أبيها،قال:
إني قلت لسليمان:يا أخي صهري صهري،و رحمي رحمي،فما ترى؟ فقال:و اللّه لكأني أرى عبد اللّه بن علي حين أحال أبو جعفر الستر بيننا و بينه و هو يقول لنا هذا ما فعلتم بي،و لو كان عافيا عفا عن عمه[قال]فقبل رأيه.
[قال]و كان آل عبد اللّه يرونها صلة من سليمان لهم (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثنا محمد بن إسماعيل قال:حدثنا الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن،قال:
اختصم بنو عبد اللّه،و عبيد اللّه ابني العباس،في صدقة العباس التي تدعى السعاية بينبع (2)،فشهد محمد بن عبد اللّه بن الحسن عند القاضي عثمان بن عمرو التيمي أن ولايتها كانت لبني عبد اللّه،فأتى داود بن علي محمدا فقال:و اللّه ما أدري ما أكافيك غير أنكم تحدّثون- و ذلك باطل-أنك ستلي هذه الأمة، و نتحدث-و ذلك حق-أن سيكون منا الخليفة،وائت إلى المدينة فإذا جاءك رسولي و أنت في تنور فلا تخرج إليّ منه.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة (3)،قال:حدّثني محمد بن عباد المهلبي،عن السندي بن شاهك،قال:حدّثني عيسى بن عبد اللّه عن محمد بن عمران عن عقبة بن سلم:
أن أبا جعفر دعاه فسأله عن اسمه؟فقال:عقبة بن سلم بن نافع من الأزد،من بني هناءة.
فقال:إني لأرى لك همة و موضعا،و إني أريدك لأمر أنا معني به.
قال:أرجو أن أصدق ظنّ أمير المؤمنين.».
ص: 189
قال:فأخف شخصك و ائتني في يوم كذا،فأتيته،فقال:
إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلاّ كيدا لملكنا،و لهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم،و يرسلون إليهم بصدقات،و ألطاف،فأخرج بكسى و ألطاف، حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل القرية،ثم تسير ناحيتهم،فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب و اللّه بهم و أقرب (1)،و إن كانوا على رأيهم علمت ذلك،و كنت على حذر منهم،فاشخص،حتى تلقى عبد اللّه بن الحسن متخشعا،فإن جبهك،و هو فاعل،فاصبر،و عاوده أبدا حتى يأنس بك فإذا ظهر لك ما قبله فاعجل عليّ.
ففعل ذلك،و فعل به حتى آنس عبد اللّه بناحيته،فقال له عقبة:
الجواب (2)،فقال:أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد،و لكن أنت كتابي إليهم فاقرأهم السلام،و أخبرهم أن ابني خارج لوقت كذا و كذا،فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر (3).
قال أبو زيد:و قال لي محمد بن إسماعيل.و سمعت جدي موسى بن عبد اللّه،و جماعة من أهل الحرمة لعبد اللّه بن الحسن يذكرون:
أنه قدم عليهم فاكتنى أبا عبد اللّه،و انتسب إلى اليمن،و كان يقرئ ابني محمد،و يرويهم الشعر،ما رأينا رجلا كان يصبر على الرياء على ما كان يصبر عليه،لا ينام الليل،و لا يفطر النهار.قال موسى:ثم سألني يوما عن شيء من أمرنا؟فقلت لأبي:اعلم و اللّه أنه عين،فأمره بالشخوص،فهو الذي لم يخف عن أبي جعفر شيئا من أمرنا.
حدثني أبو زيد.و حدثني محمد بن يحيى،قال:حدثني الحرث بن إسحاق قال:5.
ص: 190
سئل أبو جعفر لما حج عبد اللّه بن الحسن عن ابنيه؟فقال:لا علم لي بهما حتى تغالظا فأمصّه أبو جعفر،فقال:يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصّني،أبفاطمة بنت رسول اللّه(ص)أم فاطمة بنت الحسين،أم خديجة بنت خويلد،أم أم إسحاق بنت طلحة؟.
قال:و لا بواحدة منهن،و لكن بالجرباء بنت قسامة بن رومان،فوثب المسيّب بن إبراهيم،فقال:يا أمير المؤمنين:دعني أضرب عنق ابن الفاعلة! فقام زياد بن عبد اللّه فألقى عليه رداءه،فقال:يا أمير المؤمنين هبه لي،فأنا أستخرج لك ابنيه،فخلصه منه (1).
قال أبو زيد:و حدثني محمد بن عباد،عن السندي بن شاهك،قال:
حدثني بكر بن عبد اللّه مولى آل أبي بكر،قال:حدثني علي بن رياح أخو إبراهيم بن رياح،عن صالح صاحب المصلى،قال:
إني لواقف على رأس أبي جعفر،و هو يتغذى بأوطاس (2)و هو متوجه إلى مكة،و معه على مائدته عبد اللّه بن الحسن،و أبو الكرام،و جماعة من بني العباس،فأقبل على مائدته عبد اللّه بن الحسن،فقال:يا أبا محمد،محمد و إبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي،و إني لأحبّ أن يأنسا بي و يأتياني،فأصلهما و أزواجهما (3)،و أخلطهما بنفسي،قال:و عبد اللّه يطرق طويلا،ثم يرفع رأسه فيقول:و حقك يا أمير المؤمنين ما لي بهما و لا بموضعهما (4)من البلاد علم،و لقد خرجا عن يدي. فيقول:لا تفعل اكتب إليهما و إلى من يوصل كتابك إليهما.
قال:و امتنع أبو جعفر من عامة غذائه ذلك اليوم إقبالا على عبد اللّه بن الحسن و عبد اللّه يحلف أنه لا يعرف موضعهما،و أبو جعفر يكرر عليه:لا تفعل يا أبا محمد.لا تفعل يا أبا محمد (5).8.
ص: 191
قال:و كان سبب هرب (1)محمد من أبي جعفر أن أبا جعفر كان عقد له في ناس من المعتزلة.
قال السندي بن شاهك في حديثه:قال أبو جعفر لعقبة بن سلم:
إذا فرغنا من الطعام فلحظتك لحظة فامثل بين يدي عبد اللّه فإنه سيصرف بصره عنك فاستدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك،حتى يملأ عينيه منك،ثم حسبك،و إيّاك أن يراك ما دام يأكل ففعل عقبة ذلك،فلما رآه عبد اللّه وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر،فقال:أقلني يا أمير المؤمنين أقالك اللّه،قال:لا أقالني اللّه إن أقلتك،ثم أمر بحبسه (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني أيّوب ابن عمر بن أبي عمرو قال:أخبرني محمد بن خالد (3)المخزومي،قال:حدّثني أبي،قال:أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس،قال:
لما حج أبو جعفر في سنة أربعين و مائة أتاه عبد اللّه و الحسن ابنا الحسن، فإنهما و إيّاي لعنده،و هو مشغول بكتاب ينظر فيه،إذ تكلّم المهدي فلحن، فقال عبد اللّه:يا أمير المؤمنين ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه فإنه يفعل كما تفعل الأمة (4)؟قال:فلم يفهم،و غمزت عبد اللّه فلم ينتبه،و عاد لأبي جعفر فأحفظ (5)من ذلك،و قال له: أين ابنك؟ قال:لا أدري،قال:لتأتيني به.
قال:لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال:يا ربيع قم به إلى الحبس (6).9.
ص: 192
أخبرني عمر،قال:حدّثنا عمر بن شبه،قال:حدّثني محمد بن يحيى عن الحرث بن إسحاق،قال:
حبس أبو جعفر عبد اللّه بن الحسن في دار مروان في البيت الذي عن يمين الداخل،و ألقى تحته ثلاث حقائب من حقائب الإبل محشوة تبنا،و شخص أبو جعفر و عبد اللّه محبوس فأقام في الحبس ثلاث سنين.
حدّثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدّثنا الحسين بن الحكم، قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،قال:حدّثني يحيى بن مساور،عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن،قال:
لما حبس أبي عبد اللّه بن الحسن و أهل بيته،جاء محمد بن عبد اللّه إلى أمي،فقال:يا أم يحيى،ادخلي على أبي السجن،و قولي له:يقول لك محمد بأنه يقتل رجل من آل محمد خير من أن يقتل بضعة عشر رجلا،قالت:فأتيته فدخلت عليه السجن فإذا هو متكئ على بردعة،في رجله سلسلة،قالت:
فجزعت من ذلك،فقال:مهلا يا أم يحيى فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها، قالت:فأبلغته قول محمد،قالت:فاستوى جالسا ثم قال:حفظ اللّه محمدا، لا و لكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهبا،فو اللّه ما يحتج عند اللّه غدا إلاّ انا خلقنا و فينا من يطلب هذا الأمر (1).
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:أخبرنا يحيى بن الحسن،قال:
حدّثنا غسان بن أبي غسان[مولى] (2)من بني ليث،قال:حدّثني أبي عن الحسن بن زيد،قال:
دخلنا على عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،بعثنا إليه رياح بكلمة في أمر ابنيه،فإذا به على حقيبة في بيت فيه تبن،فتكلم القوم حتى إذا فرغوا منة.
ص: 193
كلامهم أقبل عليّ فقال:يا ابن أخي و اللّه لبليتي أعظم من بلية إبراهيم(ص)، إن اللّه عزّ و جلّ أمر إبراهيم أن يذبح ابنه،و هو للّه طاعة،قال إبراهيم: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (1)و إنكم جئتموني تكلمونني في أن آتي بابنيّ هذا الرجل فيقتلهما،و هو للّه جلّ و عزّ معصية،فو اللّه يابن أخي لقد كنت على فراشي فما يأتيني النوم،و إني على ما ترى أطيب نوما.فأقام عبد اللّه في الحبس ثلاث سنين.
أخبرني[عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثني]عمر بن شبّة،قال:حدّثني أيوب بن عمر،قال:حدّثني الزبير بن المنذر مولى عبد الرحمن بن العوام، قال:
كان لرياح بن عثمان (2)صاحب يقال له أبو البختري،فحدثني أن رياحا لما دخلها أميرا قال:يا أبا البختري هذه دار مروان،أما و اللّه إنها لمحلال مظعان،ثم قال لي:يا أبا البختري خذ بيدي حتى ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئا على حتى وقف عليّ عبد اللّه بن الحسن،فقال:أيها الشيخ،إن أمير المؤمنين و اللّه ما استعملني لرحم قرابة،و لا ليد سبقت مني إليه،و اللّه لا تتلعب بي كما تلعبت بزياد و ابن القسري (3)،و اللّه لأزهقن نفسك،أو لتأتيني بابنيك محمد و إبراهيم.
قال:فرفع إليه رأسه،و قال:نعم،أما و اللّه إنك لأزيرق قيس، المذبوح فيها كما تذبح الشاة.
قال:فانصرف و اللّه رياح آخذا بيدي أجد برد يده،و إن رجليه ليخطان مما كلّمه (4).قال:قلت:إن هذا و اللّه ما اطلع على علم الغيب.قال:».
ص: 194
ايها (1)ويلك و اللّه ما قال إلاّ ما سمع.قال:فذبح و اللّه كما تذبح الشاة (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني محمد بن يحيى،عن الحرث بن إسحاق،قال:
لم يزل بنو الحسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة أربع و أربعين و مائة، فتلقاه رياح بالرّبذة،فرده إلى المدينة،و أمره بإشخاص بني الحسن [إليه،و بإشخاص محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان،و هو أخو بني حسن لأمهم جميعا فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب] (3)فأرسل إليه[رياح] و كان بماله ببدر فحذّره إلى المدينة (4).
أخبرني عمر،قال:حدّثني عمر بن شبّة (5)،قال:حدّثني عيسى بن عبد اللّه،قال:حدّثني علي بن عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي،قال:
حضرت باب رياح في المقصورة،فقال الآذن:من كان ها هنا من بني الحسن فليدخل.فقال لي عمي عمر بن محمد:أنظر ما يصنع بالقوم.قال:
فدخلوا من باب المقصورة و خرجوا من باب مروان (6).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثني عيسى بن عبد اللّه،قال:حدّثني عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة،قال:
الذي حدرهم إلى الرّبذة أبو الأزهر (7).9.
ص: 195
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني:
حدّثني أحمد بن عيسى العجلي،و محمد بن الحسين الأشناني،و علي بن العباس المقانعي،قالوا:حدّثنا عباد بن يعقوب،قال:أخبرني الحسين بن زيد بن علي.و حدثني أحمد بن الجعد،قال:حدّثنا عبد اللّه بن مروان بن معاوية الفزاري،قال:حدثنا الحسين بن زيد.و أخبرني عمر بن عبد اللّه قال:
حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني ابن زبالة،عن الحسين بن زيد.و أخبرني إسماعيل بن محمد المزني،قال:حدّثنا أبو غسان،قال: حدّثنا الحسين بن زيد.و قد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين،قال:
إني لواقف بين القبر و المنبر،إذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان،مع أبي الأزهر يراد بهم الرّبذة (1)فأرسل إليّ جعفر بن محمد فقال:ما وراءك؟.قلت:رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل.فقال:اجلس.
فجلست.قال:فدعا غلاما له،ثم دعا ربّه كثيرا،ثم قال لغلامه:اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني.قال:فأتاه الرسول فقال:قد أقبل بهم.فقام جعفر فوقف وراء ستر شعر أبيض من ورائه، فطلع بعبد (2)اللّه بن الحسن، و إبراهيم بن الحسن،و جميع أهلهم،كلّ واحد منهم معادله مسوّد،فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته،ثم أقبل عليّ فقال:يا أبا عبد اللّه،و اللّه لا تحفظ للّه حرمة بعد هذا (3)و اللّه (4)ما وفت الأنصار،و لا أبناء الأنصار لرسول اللّه(ص)بما أعطوه من البيعة على العقبة.
ثم قال جعفر:حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي (ص)قال له:«خذ عليهم البيعة بالعقبة»فقال:كيف آخذ عليهم؟قال:
خذ عليهم يبايعون اللّه و رسوله.قال ابن الجعد في حديثه:على أن يطاع اللّه فلا يعصى. و قال الآخرون:على أن تمنعوا رسول اللّه و ذرّيته مما تمنعون منه5.
ص: 196
أنفسكم و ذراريكم.قال:فو اللّه ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم،ثم لا أحد يمنع يد لامس،اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني عثمان بن المنذر،قال:لما أن خرج ببني الحسن قام ابن حصين فقال:ألا رجل أو رجلان يعاقداني على هؤلاء القوم؟فو اللّه لأقطعن بهم الطريق،فلم يجبه أحد.
أخبرني عمر،قال:حدّثني أبو زيد،قال:حدّثنا القحدمي،قال:
حدّثني عبد اللّه بن عثمان،عن محمد بن هاشم بن البريد مولى معاوية،قال:
كنت بالرّبذة فأتى ببني الحسن مغلولين، معهم العثماني كأنه خلق من فضة،فأقعدوا،فلم يلبثوا أن خرج رجل من عند أبي جعفر المنصور فقال:
أين محمد بن عبد اللّه العثماني؟فقام فدخل فلم نلبث أن سمعنا وقع السياط.
قال:فأخرج كأنه زنجي قد غيّرت السياط لونه،و أسالت دمه،و أصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت و أقعد إلى جنب أخيه عبد اللّه بن الحسن فعطش فاستسقى.فقال عبد اللّه بن الحسن:من يسقي ابن رسول اللّه(ص)ماء؟ فتحاماه الناس و جاءه خراساني بماء فسلمه إليه فشرب، ثم لبث هنيهة فخرج أبو جعفر في محمل،و الربيع معادله.فقال عبد اللّه بن الحسن:يا أبا جعفر،و اللّه ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر.
فأخسأه أبو جعفر و ثقل عليه و مضى و لم يعرج.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني عيسى،قال:حدّثني مسكين بن عمرو،قال:
قال أبو جعفر له:أليس ابنتك التي تختضب للزناء؟.
قال:لو عرفتها علمت أنها كما تسرك من نساء قومك.
قال:يا ابن الفاعلة.
ص: 197
قال:يا أبا جعفر أي نساء الجنة تزنّي؟أفاطمة بنت رسول اللّه(ص)؟أم فاطمة بنت الحسين؟أم خديجة بنت خويلد (1)؟.
قال:فضربه ثم شخص به.
قال أبو زيد:و حدثني محمد بن أبي حرب أنه قال له:
أليس ابنتك تحت ابن عبد اللّه؟.
قال:بلى و لا عهد لي به إلاّ بمنى في سنة كذا و كذا.
قال:فهل رأيت ابنتك تمتشط و تختضب؟ قال:نعم.قال:فهي إذن فاعلة؟.
قال:مه يا أمير المؤمنين،أتقول هذا لابنة عمّك؟.
قال:يا ابن اللخناء.قال:أي أمهاتي تلخن؟ قال:يا ابن الفاعلة.
ثم ضرب وجهه (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه قال حدّثنا أبو بكر-يريد عمر بن شبّة (3)-، قال:حدّثنا ابن عائشة،قال:
أراد أبو جعفر أن يغيظ عبد اللّه بن الحسن،فضرب العثماني،و جعل بعيره أمام بعير عبد اللّه،فكان إذا رأى ظهره و أثر السياط فيه يجزع.
أخبرني عمر قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني موسى بن سعيد،عن أبيه،قال:لما ضرب محمد العثماني لصق رداؤه بظهره فجف،فأرادوا أن يخلصوه، فصاح عبد اللّه بن الحسن:لا،ثم دعا بزيت فأمر به فطلى به الرداء،ثم سلّوه سلا (4).
أخبرنا عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى،قال:حدثني سليمان بن داود بن الحسن،قال:
ما رأيت عبد اللّه جزع من شيء إلاّ يوما واحدا فإن بعير (5)محمد بن عبد اللّه».
ص: 198
انبعث به و هو غافل لم يتأهب له،و في رجليه سلسلة،و في عنقه زمّارة (1)، فهوى و علقت الزمارة بالمحمل،فرأيته منوطا بعنقه يضطرب،و رأيت [عبد اللّه بن حسن]جزع و بكى بكاء شديدا (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى بن زيد،قال:حدثني صاحب محمد بن عبد اللّه:
أن محمدا،و إبراهيم كانا يأتيان أباهما معتمين في هيئة الأعراب، فيستأذنانه في الخروج،فيقول:لا تعجلا حتى تملكا،و يقول:
إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين (3).
أخبرني عمر،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني موسى بن عبد اللّه،عن أبيه،عن جده،قال:
لما صرنا بالربذة أرسل أبو جعفر إلى أبي:[أن] (4)أرسل إليّ أحدكم، و اعلم أنه غير عائد إليك أبدا.قال:فابتدره (5)بنو أخيه يعرضون عليه أنفسهم فجزاهم خيرا،و قال:أنا أكره أن أفجعهم بكم،و لكن اذهب أنت يا موسى.
قال:فذهبت و أنا يومئذ حديث السن،فلما نظر إليّ قال: لا أنعم اللّه بك عينا،السياط يا غلام،فضربت و اللّه حتى غشي عليّ،قال:فما أدري بالضرب،قال:فرفعت السياط و استقربني فقربت منه،فقال:أتدري ما هذا؟هذا فيض فاض مني فأفرغته عليك منه سجلا لم أستطع رده،و من ورائه و اللّه الموت أو تفتدى منه.
قلت:يا أمير المؤمنين،و اللّه ما لي ذنب،و إني لمنعزل من هذا.».
ص: 199
قال:انطلق فأتني بأخويك.
قال:تبعثني إلى رياح فيضع عليّ العيون و الرّصد،فلا أسلك طريقا إلاّ اتبعني له رسول،و يعلم ذلك أخواي (1)فيهربان مني.فكتب إلى رياح لا سلطان لك على موسى. و أرسل معي حرسا أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري (2).
قال أبو زيد:و حدثني عمر بن شبّة،قال:حدثني محمد بن اسماعيل، قال:حدثني موسى،قال:
أرسل أبي إلى أبي جعفر:إني كاتب إلى محمد،و إبراهيم،فأرسل موسى عسى أن يلقاهما (3)،و كتب إليهما أن يأتياه،و قال لي أبلغهما عني فلا يأتيا أبدا، و إنما أراد أن يفلتني من يده،و كان أرقّ الناس عليّ،و كنت أصغر ولد هند، و أرسل إليهما:
يا بني،أمية إني عنكما غان *** و ما الغنى غير أني مرعش فان
***يا بني أمية إلاّ ترحما كبري (4) فإنما أنتما و الثكل مثلان (5)
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عبد اللّه بن راشد بن بريد،قال:سمعت الجراح بن عمر،و غيره،يقولون:
لما قدم بعبد اللّه بن الحسن و أهله مقيدين،و أشرف بهم على النجف،قال لأصحابه:أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية؟قال:فلقيه ابنا أخي الحسن،و علي مشتملين على سيفين،فقالا له:قد جئناك يابن رسول اللّه، فمرنا بالذي تريد.فقال:قد قضيتما ما عليكما و لن تغنيا (6)في هؤلاء شيئا فانصرفا (7).5.
ص: 200
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثنا إبراهيم (1)،قال:
حبسهم أبو جعفر في قصر لابن هبيرة في شرقي الكوفة مما يلي بغداد (2).
أخبرني عمر،قال:أخبرنا أبو زيد،قال:حدثني عبد الملك بن شيبان، قال:حدّثني إسحاق بن عيسى،عن أبيه،قال:
أرسل إليّ عبد اللّه بن الحسن،و هو محبوس فاستأذنت أبا جعفر في ذلك، فأذن لي،فلقيته فاستسقاني ماء باردا،فأرسلت إلى منزلي فأتى بقلة فيها ماء و ثلج فإنه ليشرب إذ دخل أبو الأزهر فأبصره يشرب القلة،و هي على فيّه، فضرب القلة برجله،فألقى ثنييه،فأخبرت أبا جعفر فقال:إله عن هذا يا أبا العباس.
أخبرني عمر بن عبد اللّه قال حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى-يعني ابن عبد اللّه-قال:حدثنا عبد اللّه بن عمران،قال حدثني أبو الأزهر،قال:
قال لي عبد اللّه بن الحسن:أبغي حجاما،فقد احتجت إليه،فاستأذنت أمير المؤمنين في ذلك فقال:يأتيه حجام مجيد (3).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني الفضل بن عبد الرحمن،قال:حدثني أبي،قال:
مات ميت من آل الحسن،و هم بالهاشمية محبوسون،فأخرج عبد اللّه بن الحسن يرسف في قيوده ليصلي عليه.9.
ص: 201
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى،قال:حدثني مسكين ابن عمرو،قال:
ضرب أبو جعفر عنق العثماني،ثم بعث برأسه إلى خراسان،و بعث معه بقوم يحلفون أنه محمد بن عبد اللّه بن فاطمة بنت رسول اللّه(ص) (1).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى،قال:حدثني عبد الرحمن بن عمران بن أبي فروة،قال:
كنا نأتي أبا الأزهر بالهاشمية،أنا و الشعباني،و كان أبو جعفر يكتب إليه «من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى أبي الأزهر و مولاه»،و يكتب إليه أبو الأزهر:
«إلى أبي جعفر من أبي الأزهر عبده»فلما كان ذات يوم،و نحن عنده،و كان أبو جعفر قد ترك له ثلاثة أيام لا يبوء بها (2)،و كنا نخلو معه في تلك الأيام،فأتاه كتاب من أبي جعفر،فقرأه،و دخل إلى بني الحسن،و هم محبوسون،فتناولت الكتاب فقرأته فإذا فيه:«انظر يا أبا الأزهر ما أمرتك به في أمر مذلة (3)فأنفذه و عجله».قال:و قرأ الشعباني الكتاب فقال:تدري من مذله؟قلت:لا و اللّه.قال: هو و اللّه عبد اللّه بن الحسن،فانظر ما هو صانع،فلم يلبث أن جاء أبو الأزهر فجلس،فقال:و اللّه قد هلك عبد اللّه بن الحسن،ثم لبث قليلا،ثم دخل و خرج مكتئبا فقال:أخبرني عن علي بن الحسن أي رجل هو؟ قال قلت:أمصدق أنا عندك؟قال:و فوق ذلك.قلت:هو و اللّه خير من تظله هذه،و تقله هذه!قال:فقد-و اللّه-ذهب (4).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثنا ابن عائشة،قال:
سمعت مولى لبنى دارم يقول:
قلت لبشير الرحال:ما يسرعك إلى الخروج على هذا الرجل؟.9.
ص: 202
قال:إنه أرسل إليّ بعد أخذه عبد اللّه،فأتيته،فأمرني يوما بدخول بيت،فدخلته فإذا بعبد اللّه بن الحسن مقتول،فسقطت مغشيا عليّ،فلما أفقت أعطيت اللّه عهدا لا يختلف في أمره سيفان إلاّ كنت مع الذي عليه منهما (1).
و ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه سمع من يذكر أن يعقوب،و إسحاق، و محمدا،و إبراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل، و أن إبراهيم بن الحسن دفن حيا،و طرح على عبد اللّه بن الحسن بيت،رضوان اللّه عليهم.
و قال إبراهيم بن عبد اللّه-فيما أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،عن أبيه،عن أبي زيد،عن المدائني-يذكر أباه،و أهله،و حملهم،و حبسهم (2):
ما ذكرك الدمنة القفار و أه *** ل الدار ما نأوا عنك أو قربوا (3)
إلاّ سفاها و قد تفرعك ال *** شيب بلون كأنه العطب
و مرّ خمسون من سنيك كما *** عدّ لك الحاسبون إذ حسبوا
فعدّ ذكر الشباب لست له *** و لا إليك الشباب ينقلب (4)
إنّي عرتني الهموم و احتضر ال *** هم و سادي و القلب منشعب
و استخرج الناس للشفاء و خلف *** ت لدهر بظهره حدب (5)
اعوج استعدت اللئام به *** و يحنو به الكرام إن شربوا (6)
نفسي فدت شيبة هناك و ظن *** بوبا به من قيودهم ندب (7)».
ص: 203
و السادة الغرّ من ذويه فما *** روقب فيهم آل و لا نسب (1)
يا حلق القيد ما تضمنت من *** حلم و بر يزينه حسب (2)
***و أمهات من الفواطم أخ لصتك بيض عقايل عرب (3)
كيف اعتذاري إلى الإله و لم *** يشهر فيك المأثور القضب (4)
و لم أقد غارة ململمة *** فيها بنات الصريح تنتحب
و السابقات الجياد و الأسل ال *** سمر و فيها أسنة ذرب (5)
حتى توفي بني ثبيلة بال *** قسط بكيل الصاع الذي اختلبوا (6)
بالقتل قتلا و بالأسير الذي *** في القدّ أسرى مصفودة سلب (7)
أصبح آل الرسول أحمد في ال *** ناس كذي عرة به جرب
بؤسا لهم ما جنت أكفهم *** و أي حبل من أمة قضبوا
و أي عهد خانوا الإله به *** شدّ بميثاق عقده الكذب (8)
[قال أبو زيد هذه القصيدة لغالب الهمداني.و ذكر حرمي بن أبي العلاء عن الزبير أنها لإبراهيم،و وافق المدائني على ذلك،و لعلّ أبا زيد أن يكون و هم] (9)
و ابن لمحمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي لا يعرف اسمه حدّثني حرمي بن أبي العلاء،قال:حدّثنا زبير،عن عمّه مصعب، أظنه عن أبيه:أن أمه رخية أمة كانت لفاختة بنت فليج بن المنذر بن الزبير،
ص: 204
و أن محمدا كان رآها فأعجبته فسأل فاختة فيها.فقالت له:إنها لغير رشدة، فقال لها:إن الدنس لا يلحق الأعقاب.فقالت:و اللّه ما يلحق إلاّ الأعقاب و إن شئت فقد وهبتها لك،فوهبتها له،فولدت منه ولدا فكان معه في جبال جهينة،ففزع يوما فسقط الصبي من الجبل فتقطع.
حدثني عمر،قال:أبو زيد (1)،قال:حدثنا عيسى بن عبد اللّه،قال:
حدثني عمي عبيد اللّه بن محمد،قال:
قال محمد بن عبد اللّه:بينا أنا برضوى مع أم ولد لي،معها ابن لي ترضعه إذا ابن استوطأ مولى لأهل المدينة قد هجم عليّ في الجبل يطلبني (2)فخرجت هاربا و هربت الجارية فسقط الصبي منها،فتقطع،رحمة اللّه عليه.
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن عبد اللّه،قال (3)حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن حكم الطائي (4)،قال:
لما سقط ابن لمحمد فمات،و لقى محمد ما لقى،قال:
منخرق الخفين يشكو الوجى *** تنكبه أطراف مرو حداد (5)
شرده الخوف فأزرى به *** كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة *** و الموت حتم في رقاب العباد (6)5.
ص: 205
و محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و يكنى أبا عبد اللّه (1).
و أمه هند (2)بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
و أمها قريبة (3)بنت يزيد بن عبد اللّه بن وهب بن زمعة بن الأسود (4)بن المطلب بن أسد.
و أمها خديجة بنت محمد بن طليب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد الحرث.
و أمها أم مسلم بنت عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف.
و أمها قدة بنت عرفجة بن عثمان بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم.
و أمها الدنيبة بنت عبد عوف بن عبد بن الحرث بن زهرة.
و أمها بنت العداء بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
و أمها رزا بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر.
و أمها من بني الأحمر بن الحرث بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
و كان يقال له:صريح قريش لأنه لم يقم عنه أم ولد في جميع آبائه و أمهاته و جداته.
ص: 206
و كان أهل بيته يسمونه المهدي،و يقدرون أنه الذي جاءت فيه الرواية.
و كان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية (1)،و أنه المقتول بأحجار الزيت.
و كان من أفضل أهل بيته،و أكبر أهل زمانه في زمانه،في علمه بكتاب اللّه،و حفظه له،و فقهه في الدين،و شجاعته،و جوده،و بأسه،و كل أمر يجمل بمثله،حتى لم يشك أحد أنه المهدي،و شاع ذلك له في العامة؛و بايعه رجال من بني هاشم جميعا،من آل أبي طالب،و آل العباس،و ساير بني هاشم؛ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك،و أن الملك يكون في بني العباس،فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه.
و خرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، و اختلاف كلمة بني مروان،فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب و ولده،و ما لحقهم من القتل و الخوف و التشريد،فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه.فلما ظهرت الدعوة لبني العباس و ملكوا، حرص السّفاح،و المنصور على الظفر بمحمد و إبراهيم (2)لما في أعناقهم من البيعة لمحمد؛و تواريات فلم يزالا ينتقلان في الاستتار،و الطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى،حتى ظهرا فقتلا،صلوات اللّه عليهما و رضوانه! قال أبو الفرج الأصبهاني:
و أنا أذكر من ذلك طرفا يتسق به خبرهما دون الإطالة لسائر ما عندي من ذلك، إذ كان هذا كتابا مختصرا قريب المأخذ،و كان شرح جميع ما روى في ذلك -على كثرته-يطول به الكتاب.».
ص: 207
و كان أبو عبيدة سيدا من سادات قريش و أجوادها (1).
قال الزبير-فيما أخبرني حرمي بن أبي العلاء-قال:حدثني سليمان بن عيّاش السعدي،قال (2):
لما توفي أبو عبيدة وجدت عليه ابنته هند وجدا شديدا،فكلم عبد اللّه بن الحسن محمد بن يسير (3)الخارجي في أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة فيعزيها، و يؤسيها عن أبيها،فدخل معه عليها،فلما نظر إليها صاح بأبعد صوته:
قومي اضربي عينيك يا هند لن تري *** أبا مثله تنمو إليه المفاخر (4)
***و كنت إذا أثنيت أثنيت والدا يزين كما زان اليدين الأساور (5)
فصكت وجهها،و صاحت بحزنها و جهدها،فقال له عبد اللّه:أ لهذا أدخلت؟!قال الخارجي:و كيف أعزي عن أبي عبيدة و أنا أعزي به! حدثني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:
حدثني عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان،قال:حدثني علي بن صالح، قال (6):
زوج عبد الملك بن مروان ابنه عبد اللّه هند بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة،و ريطة بنت عبيد اللّه (7)بن عبد المدان،لما كان يقال إنه في أولادهما، فمات عنهما عبد اللّه،و أطلقهما، فتزوج هندا عبد اللّه بن الحسن،و تزوج ريطة محمد بن علي فجاءت بأبي العباس السفاح (8).3.
ص: 208
قال أبو زيد:و أنشدني بن داجة (1)و فليج بن إسماعيل،لعبد اللّه بن الحسن[بن الحسين]في هند بنت أبي عبيدة شعرا (2):
يا هند إنك لو علم *** ت بعاذلين تتابعا
قالا فلم يسمع لما *** قالا و قلت بل اسمعا
هند أحبّ إليّ من *** أهلي و مالي أجمعا (3)
و عصيت فيك عواذلي *** و أطعت قلبا موجعا (4)
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثني يحيى بن الحسن،قال:حدثنا عبد اللّه بن محمد بن سليمان بن عبد اللّه بن الحسن،قال:سمعت عبد اللّه بن موسى يقول:
حملت جدّتي هند،بعمي محمد بن عبد اللّه،أربع سنين،فجاءها أبو عبيدة،فقال:أنت المتحابلة على عبد اللّه بن الحسن فرقا أن يتزوج عليك؟ فصفقت الباب دونه،و قالت:يا أبة،لا يكذب،فو رب الكعبة البيت الحرام إني لحامل! فقال:أما لو فتحت الباب لعلمت ما ينزل بك اليوم مني.ثم ولدت محمد بن عبد اللّه على رأس أربع سنين.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة عن ابن دراجة (5)، عن أبيه،قال:
لما مات عبد اللّه بن عبد الملك رجعت هند بميراثها منه.فقال عبد اللّه بن الحسن لأمه فاطمة:اخطبي عليّ هندا.فقالت:إذن تردك،أتطمع في هند».
ص: 209
و قد ورثت من عبد اللّه ما ورثته و أنت ترب لا مال لك؟فتركها،و مضى إلى أبي عبيدة أبي هند،فخطبها إليه.فقال:في الرحب و السعة،أمّا مني فقد زوجتك،مكانك لا تبرح.فدخل على هند،فقال:يا بنية هذا عبد اللّه بن الحسن أتاك خاطبا،قالت:فما قلت له؟فقال:زوجته إيّاك. قالت:أحسنت قد أجزت ما صنعت.و أرسلت إلى عبد اللّه:لا تبرح حتى تدخل على أهلك.
قال:فتبشرت لذلك،فبات بها معرسا من ليلته،لا تشعر أمه،فأقام سبعا، ثم أصبح في يوم سابعه غاديا على أمه،و عليه درع الطيب،و في غير ثيابه التي تعرف.فقالت:يا بني،من أين لك هذا (1)؟قال:من عند التي زعمت أنها تردني.
أخبرني عمر،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني هرمن أبو علي (2)-رجل من أهل المدينة-قال:سمعته متعالما عند آل أبي طالب:أن محمدا ولد في سنة مائة،و أن عمر بن عبد العزيز فرض له في شرف العطاء.
حدّثني عمر بن عبد اللّه،قال:أخبرنا عمر بن شبّة؛و حدثنا يحيى بن علي ب يحيى المنجم،و أحمد بن عبد العزيز،قالا:حدثنا عمر،قال:حدثني يعقوب بن القاسم بن محمد بن يحيى بن زكريا بن طلحة بن عبيد اللّه،قال:
حدثني علي بن أبي طالب بن سرح-أحد بني تيم اللّه-قال:أخبرني مسمع بن غسان:
أن فاطمة بنت الحسين كانت تقبل نساء بنيها و أهل بيتها حتى قال لها بنوها:خشينا أن نسمى بني القابلة.فقالت:إنّ لي طلبة لو ظفرت بها لتركت ما ترون.فلما كانت الليلة التي ولد فيها محمد بن عبد اللّه قالت:يا بني،إني أطلب أمرا و ظفرت به،فلست بعائدة بعد اليوم،إن شاء اللّه تعالى،فهي التي أوقعت ذكره.
ص: 210
و قال أبو زيد-فيما حدّثني من قدمت ذكره-حدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر الجعفري،عن أمه رقية بنت موسى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن، عن سعيد بن عقبة الجهني-و كان عبد اللّه بن الحسن أخذه منها فكان في حجره- قال:
ولد محمد و بين كتفيه خال أسود كهيئة البيضة عظيما،فكان يقال له:
المهدي،و كان يسمى صريح قريش.
قال أبو زيد:و حدثني يعقوب بن القاسم،عن سفيان بن عيينة،قال:
رأيت عبد اللّه بن الحسن يأتي بمحمد (1)بن عبد اللّه،و إبراهيم و هما غلامان إلى عبد اللّه بن طاوس (2)فيقول:حدثهما لعلّ اللّه ينفعهما! حدّثني عمر بن عبد اللّه بن يحيى بن علي،و أحمد بن عبد العزيز،قال حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا محمد بن إسماعيل،عن موسى بن عبد اللّه، قال:
كان محمد بن عبد اللّه يقول:
إن كنت لأطلب العلم في دور الأنصار حتى لأتوسد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول:إن سيّدك قد خرج إلى الصلاة،ما يحسبني إلاّ عبده.
قال أبو زيد:و حدثني محمد بن الهذيل بن عبد اللّه بن مكحول العبدي، عن سعيد بن خالد بن عبد الرحمن،قال:
قدم علينا أبو أيوب بن الأدبر رسولا لأبي حذيفة واصل بن عطاء داعيا إلى مقالته،فاستجاب له محمد بن عبد اللّه بن الحسن،في جماعة من آل أبي طالب.
حدثني عيسى بن الحسين الوراق،قال:حدثنا أحمد بن الحارث،قال:0.
ص: 211
حدثني المدائني عن ابن دأب (1)قال:حدثني عمير بن الفضل الخثعمي،قال:
رأيت أبا جعفر المنصور يوما،و قد حرج محمد بن عبد اللّه بن الحسن من دار ابنه،و له فرس واقف على الباب مع عبد له أسود،و أبو جعفر ينتظره،فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب،ثم سوى ثيابه على السرج، و مضى محمد فقلت و كنت حينئذ أعرفه و لا أعرف محمدا:من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه و سوّيت عليه ثيابه؟قال:أو ما تعرفه؟قلت:
لا.قال:هذا محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،مهديّنا أهل البيت.
أخبرنا محمد بن زكريا الصحاف البصري،قال:حدثنا قعنب بن محرز، عن المدائني،عن ابن دأب،قال:
لم يزل محمد بن عبد اللّه بن الحسن،منذ كان صبيا،يتوارى و يراسل الناس بالدعوة إلى نفسه،و يسمى بالمهدي.
أخبرنا يحيى بن علي،و عمر بن عبد اللّه،و الجوهري،قالوا:حدّثني عمر بن شبّة،قال:حدّثني يعقوب بن القاسم،قال:حدّثتني أمي فاطمة بنت عمر[بن عاصم] (2)،قالت:أخبرتني أم كلثوم بنت وهب،قالت:
كان يوجد في الرواية أنه يملك رجل اسمه اسم النبي(ص)،و اسم أمه على ثلاث أحرف أولها هاء و آخرها دال.قال:و كانوا يظنون محمد بن عبد اللّه بن الحسن،و أمه هند.
أخبرني يحيى بن علي،و الجوهري،و العتكي،قالوا:حدثنا أبو زيد، قال:حدّثنا عيسى بن عبد اللّه،قال:حدثني أبو سلمة المصبحي،قال:
حدثني مولى لأبي جعفر،قال:
أرسلني أبو جعفر،فقال:اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد.
فسمعته يقول:إنكم لا تشكون أني أنا المهدي،و أنا هو.فأخبرت بذلك أبا جعفر،فقال:كذب عدو اللّه،بل هو ابني.ة.
ص: 212
قال أبو زيد:و حدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل الهاشمي،عن أبيه، عن جده،قال:
كنت مع أبي جعفر في مسجد النبي(ص)،إذ وثب إلى رجل على بغل، فوقف معه ناحية،و هو واضع يده على معرفة البغل،و الرجل كان واضعا يده على منكبه (1)ثم جاءني فقال: استأذن على أبيك لمحمد بن عبد اللّه بن الحسن.
فقلت:ليدن من الباب فليستأذن،فقال:أقسمت عليك إلاّ قمت!فقمت، فلما رجعت قال لي:ألست الذي استأذنت له؟فقلت:لا،أمرني من أستأذن له.فقال:إنك لجاهل به،هذا محمد بن عبد اللّه،مهدينا أهل البيت.
أخبرني محمد بن خلف بن وكيع،قال:حدثنا إسماعيل بن محمد،عن الواقدي،قال:
كان عبد اللّه بن الحسن يأمر ابنه محمدا بطلب العلم و التفقه في الدين، و كان يجيء به و بأخيه إبراهيم إلى ابن طاوس فيقول له:حدثهما لعلّ اللّه أن ينفعهما (2).
قال الواقدي:
و قد لقى محمد نافع بن عمر و سمع منه،و لقى أبا الزياد و سمع منه، و حدث عنهما و عن غيرهما،و كان حديثه قليلا،فروى عنه بعد مقتله،فممن حدّث عنه عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة،و غيره.
أخبرنا علي بن العباس المقانعي،قال:حدثنا بكار بن أحمد،قال:
حدثنا الحسن بن زياد الصيقل،قال:أخبرني سلم العامري،قال:
إنما شهر محمد بن عبد اللّه فاطمة بنت علي (3)لما ولد محمد بن عبد اللّه8.
ص: 213
جاءت فنظرت إليه و أدخلت إصبعها في فيّه،فإذا في لسانه عقدة،فكانت تربيه،يكون عندها أكثر مما يكون عند أمه،حتى تخرج،و خرج من الكتاب، و عملت طعاما،و أرسلت إلى نفر من أهل بيته فتغدوا عندها،ثم قالت:
اللهم إن أخي الحسين كان دفع إليّ سفطا بخاتمه،و اللّه ما أدري ما فيه،و أرى إذا ولد هذا الغلام أن أدفعه إليه،ثم دعت بالسفط فدفعته إلى محمد بن عبد اللّه بمحضر من القوم،و حمل معه إلى منزله ما تدري ما فيه فهي التي شهرته،و قال الناس فيه (1).
حدّثني علي بن العباس،قال:حدثنا عباد بن يعقوب،قال:أخبرنا إبراهيم بن محمد الخثعمي،عن محمد بن يعلى (2)،عن القاسم بن عيلان بن عبد اللّه بن الحسن،قال:
دعتني عمتي فاطمة بنت علي فقالت:يا بني،إن أبي علي بن أبي طالب كان يذكر أن أصغر ولده يدرك المهدي،و أنا أصغر ولده،و قد كان يذكر و يصف علامات فيه،فلبست أراها في أحد غيرك،فإن كنت أنت ذاك فعليك بالنمط الأوسط من النمطين،يرجع إليك الغالي،و يحلق المقصر،ثم اشفني من بني أمية.
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني يعقوب بن القاسم قال:حدثني علي بن أبي طالب،قال:أخبرني القاسم بن المطلب العجلي،قال:حدثني الكلبي منذ خمسين سنة،أن أبا صالح حدّثه قبل ذلك بعشرين سنة، أن أبا هريرة أخبره:
أن المهدي اسمه محمد بن عبد اللّه،في لسانه رتّة.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عبد اللّه بن نافع،قال:حدّثني إبراهيم بن علي الرافعي من ولد أبي رافع، قال:
كان محمد تمتاما،فرأيته على المنبر يتلجلج الكلام في صدره فيضرب بيده».
ص: 214
عليه يستخرج الكلام (1).
و أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد،قال يحيى بن الحسن،قال:حدّثني موسى بن عبد اللّه بن موسى عن أبيه،قال:
ولد محمد بن عبد اللّه و بين كتفيه خال أسود كهيئة البيضة عظيما،و كان يقال له صريح قريش،و هو المهدي.و كان صريحا (2).و قد قال فيه الشاعر و هو سلمة بن أسلم الجهني:
إن الذي يروي الرّواة لبيّن *** إذا ما ابن عبد اللّه فيهم تجردا
له خاتم لم يعطه اللّه غيره *** و فيه علامات من البر و الهدى
أخبرني يحيى بن علي،و العتكي،و الجوهري،قالوا:حدثنا عمر بن شبة،قال:حدّثني محمد بن اسماعيل الجعفري أن ابن أبي ثابت أنشده بيتا لا يدري من قاله:
إن يك ظني في محمد صادقا *** يكن فيه ما تروي الأعاجم في الكتب
قال:و قال سلمة بن أسلم،ثم أحد (3)بني الربعة من جهينة:
إنا لنرجو أن يكون محمد *** إماما به يحيا الكتاب المنزّل
به يصلح الإسلام بعد فساده *** و يحيا يتيم بائس و معوّل
و يملأ عدلا أرضنا بعد ملئها *** ضلالا و يأتينا الذي كنت آمل
و قال أيضا:
إن كان في الناس لنا مهدي *** يقيم فينا سيرة النبي
فإنه محمد التقي».
ص: 215
و لمحمد يقول إبراهيم بن علي بن هرمة:
لا و الذي أنت منه نعمة سلفت *** نرجو عواقبها في آخر الزمن
ما غيرت وجهه أمّ مهجّنة *** إذ القتام (1)يغشّي أوجه الهجن
قال أبو زيد:و حدّثني عبد الملك بن سنان المسمعي،قال:
لهجت العوام بمحمد تسميه المهدي حتى كان يقال محمد بن عبد اللّه المهدي عليه ثياب يمنية و قبطية (2).
قال أبو زيد:و حدثني الوليد بن هشام،قال:حدثني سهل بن بشر، قال:
سمعت فتاة تقول:ليت المهدي قد خرج،تعني محمد بن عبد اللّه (3).
أخبرني أحمد بن سعيد،قال حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدّثني غسان بن أبي غسان،عن أبيه،عن عيسى بن عبد اللّه،قال:
لم يزل محمد بن عبد اللّه منذ كان غلاما إلى أن بلغ يتغيب و يستخفي، و يسمى المهدي (4).
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثني يحيى بن الحسن،قال:
حدثني عبد اللّه بن محمد،عن حميد بن سعيد،قال:
لما ولد محمد بن عبد اللّه سرّ به (5)آل محمد،و كانوا يروون عن النبي (ص)أن اسم المهدي محمد بن عبد اللّه فأملوه،و رجوه،و سروا به،و وقعت عليه المحبة،و جعلوا يتذاكرونه في المجالس،و تباشرت (6)به الشيعة.و في ذلك يقول الشاعر:».
ص: 216
ليهنكم المولود آل محمد *** أمام هدى،هادي الطريقة،مهتدي
يسوّم أمّي الذّل من بعد عزّها *** و آل ابن العاص الطريد المشرد
فيقتلهم قتلا ذريعا،و هذه *** بشارة جدّية،علي و أحمد
هما أنبآنا أن ذلك كائن *** برغم أنوف من عداة و حسّد
أمية صبرا طالما أطّرت لكم *** بنو هاشم آل النبي محمد
قال أبو الفرج علي بن الحسين:
و الروايات في هذا كثيرة يكتفى منها بما مضى.
(و غيرهم أن يكون محمد المهدي،و قولهم فيه إنه النفس الزكية رضوان اللّه عليه و سلامه) حدثني علي بن العباس المقانعي،قال:حدثنا عباد بن يعقوب،عن إبراهيم بن محمد الخثعمي،عن يحيى بن يعلى،عن محمد بن بشر، قال:
قال رجل لعبد اللّه بن الحسن:متى يخرج محمد؟.
قال:لا يخرج حتى أموت،و هو مقتول.
قلت:إنا للّه و إنا إليه راجعون،هلكت و اللّه الأمة.قال:كلاّ.قلت:
فإبراهيم؟قال:ليس بخارج حتى أموت،و هو مقتول.قلت:إنا للّه هلكت و اللّه الأمة.قال:فإذا متّ خرجا جميعا فلا يلبثا إلاّ و هما مقتولان.قلت:إنا للّه هلكت الأمة.قال:كلاّ.فإن صاحبهم منا غلام شاب ابن خمس و عشرين سنة يقتلهم تحت كل حجر،أو تحت كل كوكب (1).
حدّثنا علي بن العباس،قال:حدثنا بكار بن أحمد،قال:حدثنا الحسن بن الحسين،عن يحيى بن يعلى،عن شيخ من بني سفيان،قال:
ص: 217
قلت لعبد اللّه بن الحسن،ثم ذكر مثل حديث عباد،عن يحيى بن يعلى.
أخبرنا يحيى بن علي،و العتكي،و الجوهري،قالوا:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا محمد بن الهذيل بن عبيد اللّه،قال:سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون:
أن عمرو بن عبيد كان ينكر أن يكون محمد بن عبد اللّه هو المهدي، و يقول:كيف و هو يقتل؟.
قال أبو زيد:و حدثني محمد بن الهذيل،قال:أخبرني عثمان بن الحكم بن صخر الثقفي،قال:جاءني مطر صاحب الحمام،و ألقى نفسه على فراش ثم تمدد فقلت:ما لك؟فقال:ما يدعنا عمرو بن عبيد نعيش في الدنيا.قلت:و كيف؟قال:قال عمرو (1)إنّ أمرنا ينفسخ لا يتم،و إن جهادنا يذهب باطلا.قال:قلت:فاذهب بنا إليه.قال:فانطلقت أنا و هو حتى أتينا عمرا،فقلت:يا أبا عثمان ما يقول أبو رجاء؟قال:صدق.قلت:
و كيف يقول ذلك؟قال:فهو المقتول بالمدينة.
قال أبو زيد:و حدثني إبراهيم بن إسحاق الغطفاني،قال:حدثني كثير بن الصلت،قال:أخبرني يوسف بن قتيبة بن مسلم،و لم أر بأهلنا قط خيرا منه،قال:أخبرني أخي مسلم بن قتيبة قال:
أرسل إليّ أبو جعفر،فدخلت عليه،فقال:قد خرج محمد بن عبد اللّه،و تسمى بالمهدي،و و اللّه ما هو به،و أخرى أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك،و لا أقولها لأحد بعدك،و ابني و اللّه ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية،و لكنني تيمنت به،و تفاءلت به.
قال أبو زيد:و حدثني محمد بن يحيى،قال:حدثني ابن أبي ثابت، عن أبي العباس الفلسطي،قال:».
ص: 218
قلت لمروان بن محمد:جدّ محمد بن عبد اللّه،فإنه يدّعي هذا الأمر، و يتسمى بالمهدي.فقال:ما لي و له،ما هو به و لا من أبيه،و إنه لابن أم ولد،و لم يهجه مروان حتى قتل (1).
قال أبو زيد حدثني محمد بن يحيى،عن عبد اللّه بن يحيى،عن عبد اللّه بن الحسن بن الفرات،قال:
رحت عشية من قرية مع عبد اللّه و الحسن ابني الحسن بن الحسن بن علي،فضمنا المسير إلى داود بن علي،و عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس،فأقبل داود على عبد اللّه بن الحسن يدعوه إلى أن يظهر ابنه محمدا- و ذلك قبل أن يملك بنو العباس-فقال عبد اللّه:لم يأت الوقت الذي يظهر فيه محمد بعد.قال:فسمع عبد اللّه بن علي الحديث،فالتفت إلى عبد اللّه بن الحسن فقال له:يا أبا محمد:
سيكفيك الجعالة مستميت *** خفيف الحاذ من فتيان جرم (2)
أنا و اللّه الذي أظهر عليهم،و أقتلهم،و أنتزع ملكهم.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن موسى،قال:حدثني أبي:
أن جماعة من علماء أهل المدينة أتوا علي بن الحسن،فذكروا له هذا الأمر.فقال:محمد بن عبد اللّه أولى بهذا مني،فذكر حديثا طويلا،قال:
ثم أوقفني على أحجار الزيت فقال:ها هنا تقتل النفس الزكية.قال:فرأيناه في ذلك الموضع الذي أشار إليه مقتولا.رضوان اللّه عليه و سلامه.
أخبرنا علي بن العباس،قال:حدثنا عباد بن يعقوب (3)،قال:حدثنا».
ص: 219
يحيى بن يعلى عن عمر بن موسى عن محمد بن علي عن آبائه،قال:
النفس الزكية من ولد الحسن.
أخبرنا عمر بن عبد اللّه،قال:أخبرنا عمر بن شبة،قال:حدثني عيسى بن عبد اللّه،قال:حدّثتني أمي أم الحسين بنت عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين.قالت:
قلت لعمي جعفر بن محمد:إني-فديتك-ما أمر محمد هذا؟قال:
فتنة،يقتل محمد عند بيت رومي،و يقتل أخوه لأمه و أبيه بالعراق و حوافر فرسه في الماء (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثنا محمد بن الحسن بن زبالة (2)،عن الحسين بن زيد،عن مسلم بن بشّار، قال:
كنت مع محمد بن عبد اللّه عند غنائم خشرم فقال لي:ها هنا تقتل النفس الزكية.قال:فقتل هناك.
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال (3):و مما رثى به محمد بن عبد اللّه بن الحسن:
رحم اللّه شبابا *** قتلوا يوم الثنية (4)
فرّ عنه الناس طرا *** غير خيل أسديه
قاتلوا عنه بنيا *** ت و أحساب نقيه
***قتل الرحمن عيسى قاتل النفس الزكيهية
ص: 220
قال أبو زيد،و حدثني محمد بن إسماعيل،قال:حدثني عبد العزيز، و عمران الزهري،عن أبيه،قال:
كان البيت من الشعر يسقط على محمد فيكتب إلينا لنفيده إيّاه،و إنه لفي أخوف خوفه.
حدثني عمر،قال:حدثني أبو زيد،أخبرني عمر،عن عبد اللّه،قال حدثنا عمر بن شبّة (1)،قال:حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن أبي عمرو، قال:سمعت عبد اللّه بن حفص بن عاصم العمري (2)يقول في حديث حدّث به،عن محمد بن عبد اللّه:
حدثني من لم تر عيني ممن خلق اللّه خيرا منه،و لا أراه أبدا،محمد بن عبد اللّه،فقال له ابنه عبد اللّه الأشتر:إنما أفلت من يدي أبي جعفر أمس من ضرب عنقك.و هذا ابنه.فقال:يا بني،هذا و اللّه أمر لا يبالي أبوك لو ضربت عليه عنقه.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثنا علي بن الجعد،قال:أخبرني عبد العزيز بن الماجشون:
أن محمد بن عبد اللّه كلمه في القدر.قال:و كان قدريا.قال:فذكرت ذلك لموسى بن عبد اللّه.فقال لا:إنما كان يشتمل الناس.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:
حدثنا محمد بن إسماعيل،عن أبيه،عن سعيد بن عقبة،قال:
كنا مع عبد اللّه بن الحسن بسويقة،و بين يديه صخرة،فقام محمد يعالجها ليرفعها فأقلها حتى بلغ ركبتيه،فنهاه عبد اللّه فانتهى،فلما رحل عبد اللّه عاد إليها فاستقلّها على منكبه،ثم ألقاها،فحزرت ألف رطل (3).».
ص: 221
قال:و حدثني موسى بن عبد اللّه،عن أبيه عن سعيد بن عقبة بهذا.
قال أبو زيد:و وقف موسى على الصخرة بسويقة،و ذكر لي أنه و رجل من أصحابه عالجها،و هي على حرفها،و كان جهدهما أن حركاها.
حدثني علي بن العباس المقانعي،قال:حدثنا بكار بن أحمد،قال:
حدثنا الحسن بن الحسين عن محمد بن مساور عن مضرس بن فضالة الأسدي، قال:
صعد محمد بن عبد اللّه المنبر في المدينة فخطب الناس فحمد اللّه،و أثنى عليه،ثم قال:
أيّها الناس،ما يسرني أن الأمة اجتمعت إليّ كما اجتمعت هذه الحلقة في يدي-يعني سير سوطه-و أني سئلت عن باب حلال و حرام،لا يكون عندي مخرج منه.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني،قال:حدثنا الحسين بن الحكم، قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،عن محمد بن مساور بهذا.
حدّثني علي بن العباس،قال:حدّثنا عباد بن يعقوب،قال:حدثنا أرطاة،قال:
قال لنا إبراهيم بن أبي يحيى:أيّهما أفضل عندكم:جعفر بن محمد،أو محمد بن عبد اللّه؟قال:قلنا له:أنت أعلم،فقد رأيتهما،و لم نرهما.
فقال:ما رأيت أحدا أنظر في دقيق الأمر من محمد بن عبد اللّه.
حدثني علي بن العباس،قال:أنبأنا بكار بن أحمد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:حدّثني حماد بن يعلى،قال:
قلت لعلي بن عمر بن علي بن الحسين:أمتع اللّه بك،أسمعت جعفرا يذكر في محمد و إبراهيم شيئا؟.
ص: 222
قال:سمعته حين أمره أبو جعفر أن يسير إلى الرّبذة،فقال:يا علي بنفسي أنت سر معي،فسرت معه إلى الرّبذة،فدخل على أبي جعفر،و قمت أنتظره،فخرج عليّ جعفر و عيناه تذرفان،فقال لي:يا علي،ما لقيت من ابن الخبيثة (1)،و اللّه لا أمضي،ثم قال:رحم اللّه ابني هند إنهما إن كانا لصابرين كريمين،و اللّه لقد مضيا و لم يصبهما دنس.
قال:و قال غيره إنه قال:فما آسى على شيء إلاّ على تركي إيّاهما لم أخرج معهما.
حدّثنا علي بن العباس،قال:أنبأنا بكار بن أحمد،قال:حدّثنا الحسن بن الحسين عن سليمان (2)بن نهيك،قال:
كان موسى،و عبد اللّه ابنا جعفر،عند محمد بن عبد اللّه،فأتاه جعفر فسلّم،ثم قال:تحب أن يصطلم أهل بيتك؟قال: ما أحب ذلك.قال:
فإن رأيت أن تأذن لي فإنك تعرف علتي.قال:قد أذنت لك.ثم التفت محمد بعد ما مضى جعفر،إلى موسى،و عبد اللّه ابني جعفر فقال:الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما،فانصرفا.فالتفت جعفر فقال:ما لكما؟قال:قد أذن لنا.فقال جعفر:ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي و بكما عنه،فرجعا فشهدا محمدا.
أخبرنا علي بن العباس.قال حدثنا يحيى بن الحسن (3)بن محمد بن عبد الواحد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن بن الفرات،عن غالب الأسدي، قال:سمعت عيسى بن زيد يقول:
لو أنزل اللّه على محمد(ص)أنه باعث بعده نبيا لكان ذلك النبي محمد بن عبد اللّه بن الحسن.
فقال يحيى بن الحسن-فيما حدّثني ابن سعيد عنه-قال:يعقوب (4)بن عربي:».
ص: 223
سمعت أبا جعفر المنصور يقول في أيام بني أمية،و هو في نفر من بني أبيه [عند محمد بن عبد اللّه بن حسن]قال:
ما في آل محمد(ص)أعلم بدين اللّه،و لا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبد اللّه،و بايع له،و كان يعرفني بصحبته و الخروج معه.قال يعقوب بن عربي:فلما قتل محمد حبسني بضع عشرة سنة.
أخبرني (1)يحيى بن علي،و أحمد بن عبد العزيز،و عمر بن عبيد اللّه العتكي،قالوا:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني محمد بن يحيى،عن عبد العزيز بن عمران،عن عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة،قال أبو زيد،و حدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي،عن رجل من بني كنانة،قال أبو زيد،و حدثني عبد الرحمن بن عمرو بن حبيب،عن الحسن بن أيّوب مولى بني نمير،عن عبد الأعلى بن أعين.كل هؤلاء قد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة،و معان قريبة،فجمعت رواياتهم،لئلا يطول الكتاب بتكرير الأسانيد:
أن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد اللّه بن الحسن فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:
إنكم أهل البيت قد فضّلكم اللّه بالرسالة،و اختاركم لها،و أكثركم بركة يا ذرية محمد(ص)بنو عمّه و عترته،و أولى الناس بالفزع في أمر اللّه،من وضعه اللّه موضعكم من نبيه(ص)،و قد ترون كتاب اللّه معطلا،و سنّة نبيّه متروكة،و الباطل حيا،و الحق ميتا.قاتلوا للّه في الطلب لرضاه بما هو أهله، قبل أن ينزع منكم اسمكم،و تهونوا عليه كما هانت بنوا إسرائيل،و كانوا أحب خلقه إليه.و قد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضا خرج الأمر من أيديهم،فقد قتلوا صاحبهم-يعني الوليد بن يزيد-فهلمّ نبايع محمدا،فقد علمتم أنه المهدي.ة.
ص: 224
فقالوا:لم يجتمع أصحابنا بعد،و لو اجتمعوا فعلنا،و لسنا نرى أبا عبد اللّه جعفر بن محمد،فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي،فقام و قال:أنا آت به الساعة،فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث،فأوسع له الفضل و لم يصدره،فعلمت أن الفضل أسن منه،فقام له جعفر و صدّره،فعلمت أنه أسن منه.
ثم خرجنا جميعا حتى أتينا عبد اللّه،فدعى إلى بيعة محمد،فقال له جعفر:إنك شيخ،و إن شئت بايعتك،و أما ابنك فو اللّه لا أبايعه و أدعك.
و قال عبد اللّه الأعلى في حديثه:إن عبد اللّه بن الحسن قال لهم:لا ترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم،فأبوا.قال:فأتاهم و أنا معهم،فأوسع له عبد اللّه إلى جانبه و قال: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية،و قد رأينا أن نبايع لهذا الفتى.
فقال:لا تفعلوا:فإن الأمر لم يأت بعد.
فغضب عبد اللّه و قال:لقد علمت خلاف ما تقول،و لكنه يحملك على ذلك الحسد لابني.
فقال:لا و اللّه،ما ذاك يحملني،و لكن هذا و إخوته و أبناؤهم دونكم.
و ضرب يده على ظهر أبي العباس،ثم نهض و اتبعه،و لحقه عبد الصمد،و أبو جعفر فقالا:يا أبا عبد اللّه،أتقول ذلك؟قال:نعم و اللّه أقوله و أعلمه!.
قال أبو زيد،و حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد اللّه بن أبي الكرام بهذا الحديث،عن أبيه:
أن جعفرا قال لعبد اللّه بن الحسن:إنها و اللّه ما هي إليك،و لا إلى ابنيك،و لكنها لهؤلاء،و إن ابنيك لمقتولان.فتفرق أهل المجلس و لم يجتمعوا بعدها (1).
و قال عبد اللّه بن جعفر بن المسور في حديثه:3.
ص: 225
فخرج جعفر يتوكأ على يدي فقال لي:أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ يعني أبا جعفر.قلت:نعم.قال:فإنا و اللّه نجده يقتل محمدا،قلت:أو يقتل محمدا؟قال:نعم.فقلت في نفسي:حسده و رب الكعبة.ثم ما خرجت و اللّه من الدنيا حتى رأيته قتله.
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق،قال:حدثنا الخراز عن المدائني، و أخبرني الحسن بن علي،قال:حدثنا عبد اللّه بن أبي سعد،قال:حدثني علي بن عمرو،عن ابن داحة:
أن جعفر بن محمد قال لعبد اللّه بن الحسن:إن هذا الأمر،و اللّه ليس إليك،و لا إلى ابنيك،و إنما هو لهذا-يعني السفاح-ثم لهذا-يعني المنصور، ثم لولده من بعده،لا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان،و يشاوروا النساء.
فقال عبد اللّه:و اللّه يا جعفر،ما أطلعك اللّه على غيبه،و ما قلت هذا إلاّ حسدا لابني (1).
فقال:لا و اللّه ما حسدت ابنك،و إن هذا-يعني أبا جعفر-يقتله على أحجار الزيت،ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف،و قوائم فرسه في الماء.
ثم قام مغضبا يجر رداءه،فتبعه أبو جعفر فقال:أتدري ما قلت يا أبا عبد اللّه؟قال:إي و اللّه أدريه،و إنه لكائن.
قال:فحدثني من سمع أبا جعفر يقول:
فانصرفت لوقتي فرتبت عمالي،و ميزت أموري تمييز مالك لها.
قال:فلما ولى أبو جعفر الخلافة سمى جعفرا الصادق،و كان إذا ذكره قال:قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا و كذا،فبقيت عليه.
أخبرني عيسى بن الحسين،قال:حدّثنا الخراز،قال:حدّثني المدائني، عن سحيم بن حفص:
أن نفرا من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء من طريق مكة،فيهم إبراهيم4.
ص: 226
الإمام،و السفاح،و المنصور،و صالح بن علي،و عبد اللّه بن الحسن،و ابناه محمد،و إبراهيم،و محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان،فقال لهم صالح بن علي:
إنكم القوم الذين تمتد أعين الناس إليهم،فقد جمعكم اللّه في هذا الموضع،فاجتمعوا على بيعة أحدكم،فتفرقوا في الآفاق،و ادعوا اللّه،لعلّ اللّه أن يفتح عليكم و ينصركم.
فقال أبو جعفر:لأي شيء تخدعون أنفسكم،و اللّه لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل أعناقا،و لا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى-يعني محمد بن عبد اللّه (1).
قالوا:قد و اللّه صدقت،إنا لنعلم هذا.فبايعوا جميعا محمدا،و بايعه إبراهيم الإمام،و السفاح،و المنصور،و سائر من حضر،فذلك الذي أغرى القوم لمحمد بالبيعة التي كانت في أعناقهم.
قال:ثم لم يجتمعوا إلى أيّام مروان بن محمد.ثم اجتمعوا فبيناهم يتشاورون إذ جاء رجل إلى إبراهيم فشاوره بشيء فقام،و تبعه العباسيون، فسأل العلويون عن ذلك فإذا الرجل قد قال لإبراهيم الإمام:قد أخذت لك البيعة بخراسان،و اجتمعت لك الجيوش،فلما علم ذلك عبد اللّه بن الحسن احتشم إبراهيم الإمام و خافه و توقاه،فكتب إلى مروان بن محمد إني بريء من إبراهيم و ما أحدث.
(الدعوة لنفسه) قال أبو الفرج علي بن الحسين:
و كانت دعوة محمد إلى نفسه،و دعوة أبيه،و من دعا إليه من أهله، بعقب قتل الوليد بن يزيد (2)،و وقوع الفتنة بعده.و قد كان سعى به إلى
ص: 227
مروان بن محمد.فقال:
لست أخاف أهل هذا البيت لأنه لا حظ لهم في الملك إنما الحظ لبني عمهم العباس و بعث إلى عبد اللّه بن الحسن بمال و استكفّه،و أوصى عامله بالحجاز أن يصونهم و لا يعرض لمحمد بطلب.و لا إخافة،إلاّ أن يستظهر حربا أو شقا لعصا.
ثم أظهر دعوته في أيّام أبي العباس،و كان إليه محسنا فعاتب إيّاه في ذلك و كفّه.
فلما ولّى أبو جعفر جدّ في طلبه،وجد هو في أمره إلى أن ظهر.
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم،و الجوهري،و العتكي،قالوا:
أخبرنا أبو زيد،قال:حدّثنا محمد بن يحيى،قال:حدّثني ابن أبي ثابت، عن أبي العباس الفلسطي،قال:
قلت لمروان بن محمد:جد محمد بن عبد اللّه بن الحسن،فإنه يدّعى هذا الأمر و يتسمى بالمهدي،فقال:ما لي و له،ما هو به و لا من بني أبيه و إنه لابن أم ولد.فلم يهجه مروان حتى قتل (1).
قال محمد بن يحيى،و حدثني الحرث بن إسحاق:
أن مروان لما بعث عبد الملك بن عطية السعدي لقتال الحرورية،لقيه أهل المدينة سوى عبد اللّه بن الحسن،و ابنيه محمد و إبراهيم،فكتب بذلك إلى مروان،و كتب إليه إني هممت بضرب أعناقهم.فكتب إليه مروان ألاّ تعرض لعبد اللّه،و لا لابنيه، فليسوا بأصحابنا الذين يقاتلونا أو يظهرون علينا.
قال أبو زيد،و حدثني عيسى بن عبد اللّه عن أبيه،قال:
أرسل مروان بن محمد إلى عبد اللّه بن الحسن بعشرة آلاف دينار،و قال له:اكفف عني ابنيك،و كتب إلى عامله بالمدينة ان استتر بثوب منك فلا تكشفه عنه،و إن كان جالسا على جدار فلا ترفع رأسك إليه.6.
ص: 228
قال أبو زيد،و حدثني عبد الملك بن سنان،قال:
قال مروان بن محمد لعبد اللّه بن الحسن:ائتني بابنك محمد.
قال:و ما تصنع به يا أمير المؤمنين؟.
قال:لا شيء إلاّ أنه إن أتانا أكرمناه،و إن قاتلنا قاتلناه،و إن بعد عنا لم نهجه.
قال أبو زيد:و حدثني يعقوب بن القاسم،عن الحسين بن عيسى الجعفي،عن المغيرة بن زميل العنبري:أن مروان بن محمد قال له-يعني لعبد اللّه بن الحسن-:ما فعل مهديكم؟.
قال:لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فليس كما يبلغك.
فقال:بلى،و لكن يصلحه اللّه و يرشده.
أخبرني عيسى بن الحسين،قال:حدّثنا أحمد بن الحرث،عن المدائني، قال:
بلغني أن عبد الملك بن عقبة اجتاز بحاج مشرف على الطريق،و محمد بن عبد اللّه بن الحسن مطلع من خوخة،فقال رجل لابن عقبة:ارفع رأسك، فانظر إلى محمد بن عبد اللّه بن الحسن،فطأطأ رأسه و قال للرجل:إن أمير المؤمنين-يعني مروان بن محمد-قال لي:ان استتر منك بثوب فلا تكشفه عنه، و إن كان جالسا على جدار فلا ترفع رأسك إليه،و مضى.
قال أبو الفرج الأصبهاني رحمه اللّه:
و كان سبب عجلته بالخروج قبل أن يتم أمر دعاته الذين أنفذهم إلى الآفاق،إنفاذ عبد اللّه بن الحسن إليه موسى أخاه ليصير إلى أبي جعفر،و يزول عما كان عليه فيما أظهره له،و أسر إلى موسى غير ذلك،فصار إلى المدينة فأقام بها حولا بدافع رياح بن عثمان، ثم استبطأه،و كتب إلى أبي جعفر في أمره
ص: 229
يعلمه بتربصه،فكتب إليه يأمره بأن ينحذر إلى العراق ففعل ذلك،و قال للرسل:إن رأيتم أحدا قد أقبل من المدينة في طلبكم فاضربوا عنق موسى،و قد كان أحس بخبر محمد،و بلغ ذلك محمدا فظهر.
و كان أول ما سئل عنه رياح بن عثمان أمر موسى فعرّفه خبره،و أنه تقدم إلى الرسل أن يضربوا عنقه إن جاءهم إنسان،فقال من لي بموسى؟فقال ابن خضير (1):أنا،فأنفذ معه فوارس،و استدار بهم حتى أتى القوم من أمامهم كأنهم أقبلوا من العراق فلم ينكروهم حتى خالطوهم فأخذوا موسى منهم (2).
حدثني بذلك عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد (3)،قال:حدثني موسى بن عبد اللّه،عن أبيه،عن جده موسى.
و أخبرني عمر،قال:حدثنا عمر بن شبّة (4).قال:حدثني القاسم بن أبي شيبة،قال:حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين (5):
أن عبيد اللّه بن عمر،و ابن ذئب،و عبد الحميد بن جعفر،دخلوا على محمد بن عبد اللّه قبل خروجه،فقالوا له:ما تنتظر بالخروج،و اللّه ما تجد هذه الأمة أحدا أسأم منك عليها (6)،ما يمنعك أن تخرج و لو وحدك (7)؟.
أخبرني عمر،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدثنا عيسى،قال:حدّثني أبي،قال:
بعث إلينا رياح فأتيته أنا و جعفر بن محمد،و الحسين بن علي بن الحسين، و علي بن عمر بن علي،و الحسن بن الحسين،و رجال من قريش فيهمب.
ص: 230
اسماعيل بن أيّوب المخزومي،و ابنه،فإنا لعنده في دار مروان إذ سمعنا التكبير قد حال دون كل شيء،و ظنناه أنه من عند الحرس،و ظن الحرس أنه من الدار،فوثب ابن مسلم بن عقبة،و كان مع رياح فاتكأ على سيفه،و قال:
أطعني في هؤلاء فأضرب أعناقهم.فقال علي بن عمر:فكدنا و اللّه تلك الليلة أن نطيح (1)حتى قام الحسين بن علي فقال:
و اللّه ما ذلك لك،إنا لعلى السمع و الطاعة.و قام رياح،و محمد بن عبد العزيز،فدخلا في دار يزيد،و اختفيا فيها.و قمنا فخرجنا من دار عبد العزيز بن مروان حتى تسورنا على كناسة كانت في زقاق عاصم بن عمر، فقال اسماعيل بن أيوب لابنه خالد:يا بنيّ:و اللّه ما تجيبني نفسي إلى الوثوب فارفعني،فرفعه.
قال أبو زيد:فحدثني محمد بن يحيى،قال:حدّثنا عبد العزيز بن عمّار،قال:حدّثني أبي،قال:
و اللّه إنا لعلى ذلك إذ طلع فارسان من قبل الزوراء يركضان حتى وقفا بين دار عبد اللّه بن مطيع،و رحبة القضاء،في موضع السقاية، فقلنا الأمر و اللّه جد،ثم سمعنا صوتا بعيدا فأقمنا طويلا فأقبل محمد بن عبد اللّه من الدار (2)و هو على حمار،و معه مائتان و خمسون راجلا حتى إذا شرع على بني سلمة و بطحان قال:اسلكوا بني سلمة تسلموا إن شاء اللّه.قال:فسمعنا تكبيرة، ثم علا الصوت،فأقبل حتى إذا خرج من زقاق بن حضير استبطأ (3)حتى جاء على التمارين،و دخل من أصحاب الأقفاص،فأتى السجن،و هو يومئذ في دار ابن هشام،فدقه و أخرج من كان فيه،ثم أتى الرحبة حتى جاء إلى بيت عاتكة فجلس على بابها،و تناوش الناس فقيل دخل سيدي (4).».
ص: 231
أخبرني يحيى بن علي (1).قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني يعقوب بن القاسم،عن علي بن أبي طالب(ع)،و حدثني عمر بن راشد،و كان قد أدرك ذلك قال:
خرج محمد بن عبد اللّه لليلتين بقيتا من جمادي،سنة خمس و أربعين و مائة،و عليه قلنسوة صفراء[مصرية،وجبة صفراء]و عمامة قد شد بها حقويه[و أخرى قد اعتم بها] (2)متوشحا سيفا،و هو يقول لأصحابه:لا تقتلوا لا تقتلوا (3).و تعلّق رياح[في مشربة]في دار مروان،و أمر بالدرجة فهدمت،فصعدوا إليه و أنزلوه،و حبسوا معه أخاه العباس (4)بن عثمان و ابن مسلم بن عقبة في دار مروان.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثنا أزهر بن سعد،قال:
دخل محمد المسجد قبل الفجر فخطب الناس،ثم حضرته الصلاة فنزل فصلى،و بايعه الناس طوعا إلاّ أناسا[أرسل إليهم] (5).
أخبرني عمر،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثني عبد اللّه بن عمر بن حبيب،قال:
حدّثني من حضر محمدا على المنبر يخطب (6)فاعترض بلغم في حلقه فتنحنح فذهب،ثم عاد فتنحنح،ثم نظر فلم ير موضعا،فرمى نخامته».
ص: 232
السقف سقف المسجد،فألصقه به.
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني محمد بن معروف، قال:حدثني الربيع بن عبد اللّه بن الربيع،عن أبيه،قال:
إنا لنزول حول أساس المدينة في أبنية من الفساطيط و الأخبية،إذ قيل لنا:ركب أمير المؤمنين،فخرجت أتبعه فوجدت عيسى بن علي،فوقفنا له، فمرّ بنا على«معناق ينباع» (1).فسلمنا عليه فلم يستصحبنا،فجعلنا نسير وراءه،ما يجاوز طرفه عرف الفرس،ثم قال للطوسي:عليّ بأبي العباس،فأتى بعيسى بن علي فسار عن يمينه،ثم قال:عليّ بالربيع، فدعيت فسرت عن يساره،فقال:قد خرج ابن عبد اللّه الكذاب ابن الكذاب بالمدينة.
فقلت:يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثا حدثنيه سعيد بن جعدة؟.
قال:ما هو؟قلت:أخبرني أنه كان مع مروان يوم الزاب،و عبد اللّه بن علي يقاتله (2)،فقال:من في الخيل؟فقيل:عبد اللّه بن علي،فلم يعرفه، فقيل:الشاب الذي أتيت به من عسكر عبد اللّه بن معاوية،قال:نعم (3)، و اللّه لقد أخبرت عنه يومئذ فأردت قتله،ثم بت على ذلك و أصبحت عليه، و جلست و أنا أريده،ثم أطلقته،و كان أمر اللّه قدرا مقدورا،و اللّه لوددت أن علي بن أبي طالب في هذه الخيل مكانه،لأنه لا يتم لعلي و لا لولده من هذا الأمر شيء.
قال:اللّه،أسعيد حدثك هذا؟.
قلت:بنت أبي سفيان بن معاوية طالق إن لم يكن حدثنيه.قال:فاصفرّ وجهه و تحدّث،و قد كان أبلس فلم ينطق.».
ص: 233
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عيسى بن عبد اللّه عن سعيد البربري،قال:لما بلغ أبا جعفر خروج محمد بالمدينة تنجد،و قال غيره:قال للرسول قتلته و اللّه إن كنت صادقا (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني محمد بن أبي حرب،قال:
لما بلغ أبا جعفر ظهور محمد أشفق منه،فقال له الحارثي المنجم:ما جزعك منه؟.فو اللّه لو ملك الأرض ما لبث إلاّ تسعين يوما.
أخبرنا عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدّثنا عبد الملك بن سليمان،قال:حدثنا حبيب بن مروان (2)،قال:و حدثني نسيم بن الجواري (3)،قال أبو زيد: و حدثني العباس بن سفيان،مولى الحجاج بن يوسف:
أن أبا جعفر لما خرج محمد بن عبد اللّه قال:إن هذا الأحمق-يعني عبد اللّه بن علي-لا يزال يطلع له الرأي الجيد في الحرب فادخلوا إليه فشاوروه، و لا تعلموه أني أمرتكم.فدخلوا عليه،فلما رآهم قال:لأمر ما جئتم،ما جاء بكم جميعا و قد هجرتموني منذ دهر؟.
قالوا:استأذنا أمير المؤمنين فأذن لنا.
قال:ليس هذا بشيء فما الخبر؟.
قالوا:خرج محمد بن عبد اللّه.
قال:إن المحبوس محبوس الرأي،فقولوا له:يخرجني[حتى يخرج».
ص: 234
رأيي] (1).فقال أبو جعفر:لو طرق محمد عليّ الباب ما أخرجته،و أنا خير له منه،و هو ملك أهل بيته.
فقال عبد اللّه:إن البخل قد قتل ابن سلاّمة (2)فمروه فليخرج الأموال و ليعط الأجناد،فإن غلب فما أوشك ما يعود إليه ماله،و إن غلب لم يقدم صاحبه على درهم،و أن يعجل الساعة حتى يأتي الكوفة فيجثم (3)على أكبادهم،فإنهم شيعة أهل البيت،ثم يحفظها بالمسالح،فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها[من]وجه من الوجوه ضرب عنقه،فليبعث إلى مسلم ابن قتيبة (4)فينحدر عليه-و كان بالزي-و ليكتب إلى أهل الشام،فليأمرهم، فليحملوا إليه أهل البأس و النجدة ما يحمله البريد،فليحسن جوائزهم، و يوجههم مع مسلم بن قتيبة.ففعل (5).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عبد الملك بن شيبان،قال أخبرني زيد مولى مسمع بن عبد الملك،قال:
لما ظهر محمد بن عبد اللّه دعا أبو جعفر عيسى بن موسى،فقال له:قد ظهر محمد فسرّ إليه.
قال:يا أمير المؤمنين،هؤلاء عمومتك حولك،فادعهم و شاورهم.
قال:فأين قول ابن هرمة:
تزور امرأ لا يمحض القوم سرّه *** و لا ينتحي الأدنين فيما يحاول
إذا ما أتى شيئا مضى كالذي أتى *** و ما قال إني فاعل فهو فاعل (6)
و قال أحمد بن الحرث الخزاز عن المدائني،قال:».
ص: 235
أمر أبو جعفر عيسى:إذا قتل محمدا إن قدر أن لا يذبح طائرا فليفعل، و قال له:أفهمت يا أبا موسى-ثلاثا-قال:فهمت.قال:فنفذ عيسى، و معه أربعة آلاف (1)، و محمد بن أبي العباس،و محمد بن زيد بن علي بن الحسين،و القاسم بن الحسن بن زيد،و محمد بن عبد اللّه الجعفري،و حميد بن قحطبة.فسار عيسى،و بلغ محمدا مسيره فخندق على المدينة خندق رسول اللّه (ص)،و خندق على أفواه السكك،فلما كان عيسى بفيد كتب إلى محمد بن عبد اللّه (2)يعطيه الأمان،و بعث بكتابه إليه و إلى أهل المدينة مع محمد بن زيد فتكلم فقال:يا أهل المدينة،أنا محمد بن زيد،و اللّه لقد تركت أمير المؤمنين حيا،و هذا عيسى بن موسى قد أتاكم،و هو يعرض عليكم الأمان.
و تكلم القاسم بن الحسن بمثل ذلك،فقال أهل المدينة: قد خلعنا أبا الدوانيق فكتب محمد إلى عيسى يدعوه إلى طاعته،و يعطيه الأمان.
قال المدائني فحدثني عبد الحميد بن جعفر،عن عبد اللّه بن أبي الحكم، قال:
قال محمد:أشيروا عليّ في الخروج عن المدينة أو المقام-حين دنا عيسى بن موسى من المدينة-فقال قوم:نقيم،و قال قوم:نخرج،فقال لعبد الحميد بن جعفر:أشر عليّ يا أبا جعفر.
قال:أنت في أقل بلاد اللّه فرسا و طعاما،و أضعفه رجلا،و أقلّه مالا و سلاحا،تريد أن تقاتل أكثر الناس مالا،و أشده رجالا،و أكثره سلاحا، و أقدره على الطعام؟الرأي أن تسير بمن اتبعك إلى مصر[فو اللّه لا يردك راد] (3)،فتقاتل بمثل سلاحه[و كراعه] (4)و رجاله و ماله.
فقال جبير بن عبد اللّه (3):أعيذك باللّه أن تخرج من المدينة،فإن رسول اللّه(ص)قال عام أحد:رأيتني أدخلت يدي في درع حصينة فأولها بالمدينة.».
ص: 236
فترك محمد ما أشار به عبد الحميد و أقام.
قال المدائني:و أقبل عيسى بن موسى إلى المدينة،فكان أول من لقيهم إبراهيم بن جعفر الزبيري على بنية و أقم،فعثر فرسه فسقط و قتل.
و سلك عيسى بطن فراة حتى ظهر على الجرف،فنزل قصر سليمان بن عبد الملك صبيحة اثنتي عشرة ليلة من شهر رمضان سنة خمس و أربعين و مائة يوم السبت،و أراد أن يؤخر القتال حتى يفطر، فبلغه أن محمدا يقول:إن أهل خراسان على بيعتي و حميد بن قحطبة قد بايعني،و لو قدر أن ينفلت فلت.
فعاجلهم عيسى بالقتال،فلم يشعر أهل المدينة يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان إلاّ بالخيل قد أحاطت بهم حين أسفروا،و قال لحميد:أراك مداهنا، و أمره بالتجرد لقتال محمد،فتولى قتال عيسى بن موسى في ذلك اليوم عيسى بن زيد،و محمد جالس بالمصلى،و اشتد الأمر بينهم،ثم جاء محمد فباشر القتال بنفسه،فكان إزاء محمد-عليه السلام-حميد بن قحطبة،و بإزاء يزيد و صالح ابني معاوية بن عبد اللّه بن جعفر كثير بن حصين، و كان محمد بن أبي العباس، و عقبة بن مسلم بإزاء جهينة.فأرسل صالح و يزيد إلى كثير يطلبان الأمان، فاستأذن عيسى فقال:لا أمان لهما عندي،فأعلمهما فهربا.فاقتتلوا إلى الظهر،و رماهم أهل خراسان بالنشاب،و أكثروا فيهم الجراح،و تفرقوا عن محمد،فأتى دار مروان فصلّى الظهر فيها،فاغتسل و تحنط.فقال عبد اللّه بن جعفر بن المسور بن مخرمة:إنه لا طاقة لك بمن ترى،فالحق بمكة.قال:لو خرجت من المدينة و فقدوني لقتلوا أهل المدينة كقتل أهل الحرة،و أنت مني في حل يا أبا جعفر،فاذهب حيث شئت (1).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبة،قال:حدثني هشام بن محمد بن عروة بن هشام بن عروة،عن ماهان بن بحر.و حدثني مخلد بن يحيى الباهلي،عن قتيبة بن معن،عن الفضيل (2)بن سليمان النميري،عن أخيه،و كان مع محمد،قال:».
ص: 237
كانت الخراسانية إذا نظروا إلى ابن خضير الزبيري يتنادون خضير آمد فيتضعضعون لذلك (1).
و قال الآخر (2):و أتينا برأس خضير فو اللّه ما جعلنا نستطيع حمله لما به من الجراح كان كأنه باذنجانة مفلقة،فكنا نضم أعظمه ضما.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة (3)،قال:أخبرني إبراهيم بن أبي الكرام،قال عيسى لحميد بن قحطبة عند العصر:أراك قد أبطأت في أمر هذا الرجل، فول حربه حمزة بن مالك،قال:و اللّه لو رمت أنت ذاك ما تركتك أحين قتلت الرجال و وجدت ريح الفتح؟ثم جدّ في القتال،حتى قتل محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم.
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثنا أزهر بن سعد،قال:
دخل حميد بن قحطبة من زقاق أشجع على محمد-عليه السلام- فقتله (4).
و قال المدائني:إن محمدا قال لحميد بن قحطبة:ألم تبايعني فما هذا؟.
قال:هكذا نفعل بمن يفشي سره إلى الصبيان.
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني أبو الحسن الحذاء، قال:حدثني مسعود الرحال،قال:رأيت محمدا يومئذ باشر القتال بنفسه، فإني أنظر إليه حين ضربه رجل بسيف دون شحمة أذنه اليمنى فبرك لركبتيه، و تعادوا عليه، و صاح حميد بن قحطبة لا تقتلوه،فكفوا عنه حتى جاء حميد فاحتز رأسه.لعن اللّه حميدا و غضب عليه (5).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثني محمد بن9.
ص: 238
يحيى،قال:أخبرني الحرث بن إسحاق،قال:
برك محمد على ركبتيه،و جعل يذب عن نفسه يقول:و يحكم،أنا ابن نبيكم مجروح مظلوم (1).
أخبرني عمر،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثني محمد بن إسماعيل، قال:حدثني أبو الحجاج المنقري (2)،قال:رأيت محمدا يومئذ و إن أشبه ما خلق اللّه به لما ذكر عن حمزة بن عبد المطلب،يفري الناس بسيفه ما يقاربه أحد إلاّ قتله[و معه سيف] (3)،لا و اللّه ما يليق شيئا،حتى رماه إنسان كأني أنظر إليه أحمر أزرق بسهم.و دهمتنا الخيل،فوقف إلى ناحية جدار، و تحاماه الناس،فوجدت الموت،فتحامل على سيفه فكسره،فسمعت جدي يقول:
كان معه سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ذو الفقار (4).
حدثني علي بن العباس المقانعي،قال:أنبأنا بكار بن أحمد،قال:
حدثنا إسحاق بن يحيى،عن محمد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن الحسن،قال:
لما كان اليوم الذي قتل فيه محمد(ص)قال لأخته:إني في هذا اليوم على قتال القوم،فإن زالت الشمس،و أمطرت السماء فإني أقتل،و إن زالت الشمس و لم تمطر السماء،و هبت الريح فإني أظفر بالقوم،فإذا زالت الشمس فاسجري التنانير،و هيئي هذه الكتب (5)،فإن زالت الشمس و مطرت السماء فاطرحي هذه الكتب في التنانير،فإن قدرتم على بدني،و لم تقدروا على رأسي فأتوا به ظلة بني نبيه على مقدار أربعة أذرع أو خمسة فاحفروا لي حفيرة،و ادفنوني فيها.فلما مطرت السماء فعلوا ما أمرهم به،و قالوا:إنه علامة قتل النفس».
ص: 239
الزكية أن يسيل الدم حتى يدخل بيت عاتكة.قال:و أخذ جسده،فحفروا له حفيرة،فوقعوا على صخرة فأدخلوا الحبال فأخرجوها فإذا فيها مكتوب:هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب،فقالت زينب: رحم اللّه أخي،كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع (1).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد (2)،قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن البواب (3)،قال:حدثني أبي،عن عبد اللّه بن عامر الأسلمي،قال:
قال لي محمد بن عبد اللّه و نحن نقاتل عيسى:تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظهرنا،و إن جاوزتنا إليهم فانظر دمي على أحجار الزيت.فو اللّه ما لبثنا (4)أن أظلتنا سحابة فجالت وقعقعت حتى قلت تفعل،ثم جاوزتنا فأصابت عيسى و أصحابه،فما كان إلاّ كلا و لا حتى رأيته قتيلا بين أحجار الزيت (5).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر (6)بن شبّة،قال:حدّثني علي بن إسماعيل بن صالح بن ميثم:أن عيسى لما قدم قال جعفر بن محمد:
أهو هو؟قيل:من تعني يا أبا عبد اللّه؟قال:المتلعب بدمائنا.[أما]و اللّه لا يخلأ منها شيء[يعني محمدا و إبراهيم] (7).
أخبرني محمد بن عبد اللّه،قال حدثنا أبو زيد،قال حدثنا (8)الرومي مولى جعفر بن محمد،قال:
أرسلني جعفر بن محمد أنظر ما يصنعون،فجئته فأخبرته أن محمدا قتل،».
ص: 240
و أن عيسى قبض على عين أبي زياد فأبلس (1)طويلا ثم قال:ما يدعو عيسى إلى أن يسيء بنا،و يقطع أرحامنا،فو اللّه لا يذوق هو و لا ولده منها شيئا أبدا.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني أيوب بن عمر،قال:
لقى جعفر بن محمد أبا جعفر،فقال:[يا أمير المؤمنين] (2)اردد عليّ عين أبي زياد آكل من سعفها.
قال:إياي تكلم بهذا الكلام؟و اللّه لأزهقن نفسك.
قال:لا تعجل قد بلغت ثلاثا و ستين،و فيها مات أبي و جدي علي بن أبي طالب، فعليّ كذا و كذا إن آذيتك بشيء أبدا،و إن بقيت بعدك إن آذيت الذي يقوم مقامك،فرق له و أعفاه (3).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا أبو زيد،قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن البواب،قال حدثني أبي،عن الأسلمي،قال:
قدم على أبي جعفر قادم فقال:هرب محمد.
فقال:كذبت،نحن أهل بيت لا نفر (4).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد (5)،قال:حدثني عبد اللّه بن راشد بن يزيد،قال:أخبرني أبو الحجاج الجمال،قال:
إني لقائم على رأس أبي جعفر،و هو يسألني عن مخرج محمد إذ بلغه أن عيسى بن موسى هزم،و كان متكئا فجلس فضرب بقضيب معه مصلاه، و قال:كلاّ فأين لعب صبياننا بها على المنابر،و مشاورة النساء (6).
أخبرني عمر،قال:حدثنا أبو زيد،قال (7):حدثني علي بن إسماعيل».
ص: 241
الميثمي قال: حدثني أبو كعب قال:حضرت عيسى حين قتل محمدا فوضع رأسه بين يديه فأقبل على أصحابه فقال:ما تقولون في هذا؟فوقعنا فيه.فأقبل عليهم (1)قائد له فقال:كذبتم و اللّه و قلتم باطلا،ما على هذا قاتلناه،و لكنه خالف أمير المؤمنين،و شق عصا المسلمين،و إن كان لصواما قواما.فسكت القوم (2).
أخبرني عمر،قال:حدّثني أبو زيد،قال:حدثنا يعقوب بن القاسم، قال:حدثنا علي بن أبي طالب،قال:
قتل محمد بن عبد اللّه قبل العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
أخبرني عمر،قال:حدثني أبو زيد (3)،قال:حدثنا عيسى،قال:
حدثنا محمد بن زيد،و ذكر بن الحرث عن المدائني بعض ذلك،و لم يذكره الباقون:
أن عيسى بعث بالبشارة (4)،إلى أبي جعفر،القاسم بن الحسن بن زيد، و بعث برأسه مع ابن أبي الكرام[الجعفري.قال المدائني فدخل ابن أبي الكرام بالرأس] (5)و هو عاض على شفتيه.
أخبرني عمر،قال:حدثني أبو زيد (6)،قال:حدثنا محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق:
أن زينب بنت عبد اللّه،و فاطمة بنت محمد بن عبد اللّه،بعثتا إلى عيسى بن موسى إنكم قد قتلتم (7)هذا الرجل و قضيتم حاجتكم فلو أذنتم لنا فواريناه،فأرسل إليهما:أمّا ما ذكرتما يا ابنتي عمي أني نلت منه فو اللّه ما أمرت».
ص: 242
و لا علمت،فوارياه راشدتين،فبعثتا إليه فاحتمل،فقيل:إنه حشي في مقطع عنقه عديله قطنا (1)و دفن بالبقيع (2).
أخبرني عمر،قال:حدثني أبو زيد،قال:حدثني محمد بن إسماعيل، قال:
سمعت جدتي أم سلمة بنت محمد بن طلحة تقول:سمعت زينب بنت عبد اللّه تقول:
كان أخي رجلا آدم،فلما أدخل عليّ وجدته قد تغيّر لونه و حال،حتى رأيت بقية من لحيته فعرفتها،و أمرت بفراش فجعل تحته،و قد أقام في مصرعه يومه و ليلته إلى غد فسال دمه،حتى استنقع تحت الفراش،فأمرت بفراش ثان،فسال دمه حتى وقع بالأرض،فجعلت تحته فراشا ثالثا،فسال دمه، و خلص من فوقها جميعا:
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا علي بن إسماعيل الميثمي،قال:
طيف برأس محمد في طبق أبيض،فرأيته آدم أرقط.
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثني يحيى بن الحسن،قال:حدّثنا هرون بن موسى الفروي،قال:حدّثتني أمي أنها سمعت شعار أصحاب محمد بن عبد اللّه ليلة خرج أحد أحد،محمد بن عبد اللّه.
و قال أحمد بن الحرث الخرّاز (3)،عن المدائني في حديثه:
ذهب ابن خضير إلى السجن (4)لما تفرّق الناس و قتل محمد،فذبح رياحا،و لم يجهز عليه و تركه يضطرب حتى مات،و جاء ليقتل ابن خالد القسري».
ص: 243
ففطن به،فأغلق بابه فعالجه فلم يقدر على فتحه (1)فتركه و أخذ ديوان محمد الذي فيه أسماء رجاله فحرقه بالنار ثم لحق بمحمد (2)فقاتل حتى قتل معه،رحمة اللّه عليه.
ابن الحسن من أهل العلم،و نقلة الآثار و من رأى الخروج معه و أفتى الناس حدّثني علي بن العباس المقانعي،أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع،قال:
حدّثنا الحسن بن الحسين،عن الحسين بن زيد،قال:
شهد مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن من ولد الحسن أربعة:أنا و أخي عيسى،و موسى و عبد اللّه ابنا جعفر بن محمد.
حدّثني علي بن العباس،قال:أنبأنا بكار،قال:حدّثني محول بن إبراهيم،قال:حدّثني الحسين بن زيد،قال:
كان عبد اللّه بن جعفر بن محمد مع محمد بن عبد اللّه،قال:فرأيته بارز رجلا من المسودة فقتله.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدثنا عيسى بن عبد اللّه،قال:
ص: 244
خرج مع محمد بن عبد اللّه من بني هاشم:
الحسن،و يزيد،و صالح بنو معاوية بن عبد اللّه بن جعفر.
و الحسين،و عيسى ابنا زيد بن علي[قال:فحدثني عيسى،قال] (1)فبلغني أن أبا جعفر قال:العجب لخروج ابني زيد،و قد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله،و صلبناه كما صلبه،[و أحرقناه كما أحرقه] (2).
و حمزة بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين بن علي.
و علي،و زيد ابنا الحسن بن زيد (3)بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
[قال عيسى:قال أبو جعفر للحسن بن زيد:كأني أنظر إلى ابنيك واقفين على رأس محمد بسيفين عليهما قباءان.قال:يا أمير المؤمنين قد كنت أشكو إليك عقوقهما قبل اليوم.قال:أجل فهذا من ذاك.
و القاسم بن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب.
و المرجّى علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب] (4).
قال عيسى:قال أبو جعفر لجعفر بن إسحاق:من المرجّى (5)هذا فعل اللّه به و فعل؟قال:يا أمير المؤمنين ذاك ابني،و اللّه لئن شئت أن أنتفي منه لأفعلن.
قال:و خرج معه المنذر بن محمد بن الزبير.
قال عيسى:رأيته مرّ بالحسن بن زيد فعانقه ثم بكى بكاء طويلا،فقال لي الحسين:ما كان مع محمد أفرس من هذا.ر.
ص: 245
حدّثني علي بن إبراهيم العلوي الحسيني،قال:حدّثنا حمدان بن إبراهيم،قال:حدّثني يحيى بن الحسن بن الفرات بن القزاز،قال:حدثنا الحسين بن هذيل،عن الحسين صاحب فخ،قال:
لما خرجت مع محمد بن عبد اللّه قال لي: يا بني ارجع لعلّك تقوم بهذا الأمر من بعدي.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:حدّثنا غسان بن أبي غسان مولى بني ليث،عن أبيه،قال:
خرج ابن هرمز (1)مع محمد بن عبد اللّه يحمل في محفة،و قال:ما فيّ قتال،و لكن أحب أن يتأسى بي الناس.
حدّثنا جعفر بن محمد القرباني و عمر بن عبد اللّه العتكي (2)و يحيى بن علي بن يحيى المنجم،و أحمد بن عبد العزيز الجوهري،قال:عمر بن شبّة، قال:حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة،قال:
سمعت مالك بن أنس يقول:كنت آتي ابن هرمز،فيأمر الجارية، فتغلق الباب،و ترخي الستر،ثم يذكر أول هذه الأمة (3)،و يذكر العدل،ثم يبكي حتى تخضل لحيته (4).قال:ثم خرج مع محمد بن عبد اللّه فقال:و اللّه ما فيك قتال،قال:قد علمت و لكن يراني الجاهل فيقتدي بي (5).
حدثني أحمد بن سعيد،قال:حدثنا يحيى بن الحسن،قال:حدثني بكر بن عبد الوهاب،قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي،قال:
كان عبد المجيد بن جعفر على شرط محمد بن عبد اللّه (6)،و كان ثقة،و قد9.
ص: 246
روى عنه هيثم و غيره حديثا كثيرا.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز،و عمر بن عبد اللّه،و يحيى بن علي،قالوا:
حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني القاسم بن أبي شبّة،قال:حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين،قال:
بلغني أن عبد اللّه (1)بن عمر بن أبي ذئب،و عبد الحميد بن جعفر دخلوا على محمد بن عبد اللّه بن الحسن قبل خروجه فقالوا له:ما تنتظر بالخروج؟و اللّه ما نجد في هذه الأمة أحدا أشأم عليها منك،ما يمنعك أن تخرج (2).
أخبرني أحمد بن عبد العزيز،و يحيى بن علي،قالوا:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي،قال حدّثني الحسين بن زياد (3)،قال:
أتى عيسى بن موسى بابن هرمز بعد ما قتل محمد،فقال له[أيّها الشيخ أما وزعك]فقهك (4)عن الخروج مع من خرج؟.
فقال:كانت فتنة شملت الناس فشملتنا معهم.قال:اذهب راشدا.
قال عمر بن شبّة:حدثني علي بن زاوان،قال:حدثني علي بن برقي (5)،قال:
رأيت قائدا من قواد عيسى جاء في جماعة فسأل عن منزل ابن هرمز، فأرشدناه إليه،فخرج و عليه قميص رياط،فأنزلوا قائدهم،و حملوه على برذونه،ثم خرجوا به يزفونه حتى ادخلوا على عيسى فما هاجه.».
ص: 247
قال عمر بن شبّة،و حدثني قدامة بن محمد،قال:
خرج عبد اللّه بن يزيد بن هرمز،و محمد بن عجلان مع محمد،فلما حضر القتال تقلّد كل واحد منهما قوسا فظننا أنهما أرادا أن يريا الناس أنهما قد صلحا ذلك (1).
أخبرني يحيى بن علي،و الجوهري،و العتكي،قالوا:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني أبو عاصم النبيل،قال:حدثني عباد بن كثير،قال:
خرج ابن عجلان،مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن،فكان على بغلة معه،فلما ولّى جعفر بن سليمان المدينة قيّده،فدخلت عليه فقلت له:كيف ترى رأي أهل البصرة في رجل قيّد الحسن البصري؟قال:شر و اللّه.قال:
فقلت:إن ابن عجلان بهذه-يعني المدينة-كالحسن بتلك فتركه (2).
أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق،قال:حدّثني هرون بن موسى الفروي عن داود بن القاسم،قال:
استعمل محمد بن عبد اللّه بن الحسن على قضاء المدينة عبد العزيز بن المطلب المخزومي،و على ديوان العطاء عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة (3).
أخبرني عيسى بن الحسين،قال:حدّثنا سليمان بن أبي شيخ،قال:
حدّثنا أبو سفيان الحميري،قال:حدّثني عبد الحميد بن جعفر قال:
ولاّني محمد بن عبد اللّه على شرطته فكنت عليها مدة ثم وجهني وجها فولاّها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير (4).9.
ص: 248
أخبرنا يحيى بن علي و أصحابه،قالوا:حدثنا عمر بن شبّة،قال:
حدثني إبراهيم بن إسحاق القرشي:قال:
سأل رجل عبد العزيز بن المطلب و هو قاض لمحمد بن عبد اللّه يومئذ على المدينة كتابا إلى صنعاء،فقال:رويدا حتى تنفذ كتبنا الحيرة.
قال أبو زيد:حدّثني عيسى بن عبد اللّه،عن أبيه،قال:
خرج مع محمد بن عبد اللّه عيسى بن علي بن الحسين،و كان يقول:
من خالفك أو تخلّف عن بيعتك من آل أبي طالب فأمكني منه أضرب عنقه.
قال أبو زيد:و حدّثني سعيد (1)بن عبد الحميد،قال حدثنا جهم بن جعفر الحكمي (2)،قال:أخبرني غير واحد:
أن مالك بن أنس استفتى (3)في الخروج مع محمد بن عبد اللّه، و قيل له:
إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر.
فقال:إنما بايعتم مكرهين،و ليس على مكره يمين،فأسرع الناس إلى محمد بن عبد اللّه (4).
حدّثني عيسى بن الحسين،قال:حدثني هرون بن موسى،عن داود بن القاسم.و أخبرنا يحيى بن علي،قال:حدثنا أبو زيد،قال حدثنا أزهر بن سعد السّمان،قال:
استعمل محمد بن عبد اللّه حين ظهر عبد العزيز بن محمد الدراوردي على السلاح (5).9.
ص: 249
أخبرنا يحيى بن علي و أصحابه المذكورون،قال:حدثنا عمر بن شبّة، قال:حدّثني سعيد (1)بن عبد الحميد،قال:حدثني جهم بن عثمان مولى بني سليم،قال:
قال لي عبد الحميد بن جعفر يوم لقينا أصحاب عيسى بن موسى:نحن اليوم على عدة أهل بدر،حين لقوا المشركين،قال:و كنا ثلثمائة و نيفا (2).
قال أبو زيد:و حدثني عيسى بن عبد اللّه بن عمر بن علي،قال:حدثني أبي،قال:
كان مع الأفطس و هو الحسن بن علي بن علي بن الحسين علم لمحمد أصفر فيه صورة حية،و كان مع كل رجل من أصحابه من آل علي بن أبي طالب علم، و كان شعارهم أحد أحد (3).قال:و كذلك كان شعار النبي(ص)يوم حنين (4).
حدثنا عيسى بن الحسين،قال:حدثنا هرون بن موسى الفروي،عن داود بن القاسم و غيره من أهل المدينة،قال:
خرج المنذر بن محمد بن المنذر بن الزبير،مع محمد بن عبد اللّه،و كان رجلا صالحا،فقيها،قد حمل عنه أهل البيت الحديث.
حدّثني يحيى بن علي،و العتكي،و الجوهري،قالوا:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدثني عيسى بن عبد اللّه،قال:
رأيت المنذر بن محمد مرّ بالحسن بن زيد فعانقه،و بكى طويلا،فقال الحسن:ما كان مع محمد بن عبد اللّه فارس أشد من هذا (5).4.
ص: 250
أخبرني عيسى بن الحسين،قال هرون بن موسى،قال:
و خرج مع محمد بن عبد اللّه،مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير، و ابنه عبد اللّه بن مصعب،و كان شاعرا،و كان يقول الشعر في محمد و يحرض الناس بذلك (1).
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق،قال:حدثنا هرون،قال:
خرج أبو بكر بن أبي سبرة الفقيه الذي يروي عنه الواقدي،مع محمد بن عبد اللّه،و معه راية له،و هو معلم بعذبة حمراء (2).
أخبرني عيسى،قال:حدّثنا هرون بن موسى،و أخبرني يحيى بن علي، و العتكي،و الجوهري،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري،قال:
كان ممن خرج مع محمد بن عبد اللّه يزيد بن هرمز،و عبد الواحد بن أبي عون،مولى الأزد (3).
و عبد اللّه بن عامر الأسلمي،و ذكر أن محمدا خطب الناس فذكر شيئا، فقال:و هذا قارئكم عبد اللّه بن عامر الأسلمي يشهد على ذلك،فقام فشهد على ما قال.
و عبد العزيز بن محمد الدّراوردي مولى بلي (4).
و إسحاق بن إبراهيم بن دينار مولى جهينة.و عبد الحميد بن جعفر (5).
و عبد اللّه بن عطاء،و بنوه جميعا،و هم:إبراهيم،و إسحاق،و ربيعة، و جعفر (6)،و عبد اللّه،و عطاء،و يعقوب،و عثمان،و عبد العزيز،بنو عبد اللّه بن عطاء.».
ص: 251
قال هرون الفروي في خبره خاصة:
و كان عبد اللّه امرأ صدق،و كان من خاصة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين،و قد روي عن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن،و كان ذا خصوص بهم.
و قال أبو زيد:حدّثني محمد بن الحسن،قال:حدّثني حميد بن عبد اللّه الفروي،قال:
لما قتل محمد تغيّب عبد اللّه بن عطاء،فمات متواريا،فلما خرج نعشه بلغ خبره جعفر بن سليمان فأنزله من نعشه فصلبه، ثم كلّم فيه،فأنزله بعد ثالثه،و أذن في دفنه.
حدّثني عيسى بن الحسين،قال:حدّثنا هرون بن موسى،قال:
خرج مع محمد بن عبد اللّه،عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير،الذي يروي عنه عبد اللّه بن مصعب،و الضّحاك بن عثمان.
و كان امرأ صدق،فأتى به أبو جعفر فقال له:أين المال الذي كان عندك؟.
قال:دفعته إلى أمير المؤمنين[قال:و من أمير المؤمنين؟قال] (1)محمد بن عبد اللّه بن الحسن،رحمة اللّه و صلواته عليه.
قال:أو بايعته؟قال:إي و اللّه كما بايعته أنت و أخوك،و أهلك هؤلاء الغدرة.
قال:يا ابن اللخناء.
قال:ابن اللخناء من قامت عنه مثل أمك سلامه.
قال:اضربوا عنقه،فضربت عنقه (2).
و قال عمر بن شبّة بإسناده الذي قدّمت ذكره:حدّثني سعيد بن عبد الحميد،عن محمد بن عثمان بن خالد،قال:5.
ص: 252
قال لي أبي:قد بايعت أنا و أنت رجلا بمكة،فوفيت أنا بيعتي،و نكثت بيعتك و غدرت،فشتمه فرد عليه،فأمر به فضربت عنقه.
أخبرني محمد بن خلف إجازة عن وكيع،قال:حدّثنا إسماعيل بن مجمع،عن الواقدي،قال:
كان عبد الرحمن بن أبي الموالي مخالطا لبني الحسن،و كان يعرف موضع محمد و إبراهيم،و يختلف إليهما،فكان يقال:إنه داع من دعاتهما،و بلغ ذلك أبا جعفر،فأخذه معهم (1).
قال الواقدي:فحدثني عبد الرحمن بن أبي الموالي،قال:
لما أخذ أبو جعفر بني الحسن،و أمر رياحا فجاء بهم إلى الربذة قال له:
ابعث الساعة إلى عبد الرحمن بن أبي الموالي فجئني به.قال:فبعث رياح إليّ فأخذت و جيء بي إليه، فلما صرت بالرّبذة رأيت بني الحسن مقيدين في الشمس،فدعاني أبو جعفر من بينهم فأدخلت عليه،و عنده عيسى بن علي، فلما رآني عيسى قال له المنصور:أهو هو؟.
قال:نعم هو هو يا أمير المؤمنين،و إن أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم.فدنوت فسلمت،فقال أبو جعفر:لا سلّم اللّه عليك،أين الفاسقان ابنا الفاسق؟.أين الكذابان ابنا الكذاب؟.
فقلت يا أمير المؤمنين:هل ينفعني الصدق عندك؟.
قال:و ما ذاك؟قال:قلت:امرأتي طالق إن كنت أعرف مكانهما،فلم يقبل ذلك مني،و قال: السياط،فأتى بالسياط،و أقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط،فما عقلت بها حتى رفع عني،ثم رددت إلى أصحابي على تلك الحال (2).9.
ص: 253
أخبرني عيسى بن الحسين،قال:حدّثنا هرون بن موسى الفروي،قال:
و خرج عبد الواحد بن أبي عون (1)،مع محمد بن عبد اللّه و كان من دوس،و كان منقطعا إلى عبد اللّه بن الحسن،فطلبه أبو جعفر فيمن طلب بعد مقتل محمد،فتوارى عند محمد بن يعقوب بن عيينة،فمات عنده فجاءه في سنة أربع و أربعين و مائة.و قد حمل عنه الحديث،و كان ثقة.
أخبرني وكيع،قال:حدثنا إسماعيل بن مجمع،عن الواقدي،قال:
كان ابن عجلان فقيه أهل المدينة و عابدهم غير مدافع.و كان له حلقة في مسجد النبي(ص)يفتي فيها الناس و يحدثهم.فلما خرج محمد بن عبد اللّه بن الحسن خرج معه،فلما قتل محمد،و ولى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس المدينة بعث إلى ابن عجلان فأتى به فسكت فقال له:أخرجت مع الكذاب؟و أمر بقطع يده،فلم يتكلم ابن عجلان بكلمة إلاّ أنه كان يحرك شفتيه بشيء لا يدري ما هو،فظن أنه يدعو،فقام من حضر جعفرا من فقهاء المدينة و أشرافها فقالوا له:أصلح اللّه الأمير،محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة و عابدهم،و إنما شبّه عليه،و ظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية، فلم يزالوا يطلبون إليه،حتى تركه.فولّى ابن عجلان منصرفا،فلم يتكلم بكلمة حتى أتى منزله.
قال الواقدي:و قد رأيته و سمعت منه،و كان ثقة كثير الحديث.مات بالمدينة سنة ثمان أو تسع و أربعين و مائة،في خلافة أبي جعفر (2).
أخبرني وكيع،قال:حدثنا إسماعيل بن مجمع، عن الواقدي،قال:
خرج عبد اللّه بن عمر بن العمري (3)،مع محمد بن عبد اللّه،هو،0.
ص: 254
و أخوه،و أبو بكر بن عمر،فلم يزل معه حتى انقضى أمره و قتل،فاستخفى عبد اللّه بن عمر،ثم طلب فوجد فأتى به أبو جعفر فأمر بحبسه فحبس في المطبق سنين،ثم دعا به فقال:ألم أفضلك و أكرمك،ثم تخرج عليّ مع الكذاب؟.
فقال:يا أمير المؤمنين،وقعنا في أمر لم نعرف له وجها،و الفتنة كانت شاملة،فإن رأي أمير المؤمنين أن يعفو،و يصفح،و يحفظ فيّ عمر بن الخطاب،فليفعل.
قال:فتركه و خلّى سبيله (1).
قال:و كان عبد اللّه يكنى أبا القاسم،فتركها و تكنى أبا عبد الرحمن و قال:
لا أتكنى بكنية رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، إعظاما لها.
قال الواقدي:فكان عبد اللّه بن عمر كثير الحديث،و روى عن نافع روايات كثيرة،و عمر عمرا طويلا،حتى لقيته الأحداث.
و مات في خلافة هرون (2)سنة إحدى،أو اثنتين و سبعين و مائة.
حدثنا علي بن العباس،قال حدثنا بكار بن أحمد،قال:حدّثنا الحسن بن الحسين،قال:حدّثنا عبد اللّه بن الزبير الأسدي،و كان في صحابة محمد بن عبد اللّه،قال:
رأيت محمد بن عبد اللّه عليه سيف محلى يوم خرج،فقلت له:أتلبس سيفا محلى؟فقال أي بأس بذلك،قد كان أصحاب رسول اللّه(ص)يلبسون السيوف المحلاة.
عبد اللّه بن الزبير هذا أبو أحمد الزبير المحدث،و هو أيضا من وجوه محدثي الشيعة،روى عنه عباد بن يعقوب و نظراؤه،و من هو أكبر منه.0.
ص: 255
أخبرني محمد بن خلف بن وكيع:قال:حدّثنا إسماعيل بن مجمع،عن الواقدي قال:
خرج عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة،مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن (1)و كان من ثقات أصحاب محمد،و كان يعلم علمه في تواريه،و كان إذا دخل المدينة مستخفيا فجاءه فنزل في داره،فكان أبو جعفر يدخل على الأمراء يسمع كلامهم،و يعرف أمورهم سائر نهاره يروح إليه فيخبره بذلك.
و كان من رجال أهل المدينة،علما بالفقه،و صدقا بالحديث و تقدما بالفتوى،و كان يرشح للقضاء.
قال الواقدي:و لقد حدّثني بن أبي الزياد أنه ما مات قاض بالمدينة،و لا عزل إلاّ ظنوا أن عبد اللّه بن جعفر يتولى مكانه،لكمال علمه و مروءته، و فضله،فمات و ما ولّى القضاء،و لا قعد به عن ذلك عندهم إلاّ خروجه إليهم مع محمد.فلما قتل محمد توارى فلم يزل في تواريه حتى استؤمن له فأومن.
قال:و كان عبد اللّه بن جعفر لما دخل إلى جعفر بن سليمان قال له:ما حملك على الخروج مع محمد على ما أنت عليه من العلم و الفقه؟.
فقال:ما خرجت معه و أنا أشك في أنه المهدي،لما روي لنا في أمره،فما زلت أرى أنه هو،حتى رأيته مقتولا،و لا اغتررت بأحد بعده. فاستحيي منه و أطلقه.
أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد اللّه.و حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد المؤمل الصيرفي، قالا:حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار،قال:أخبرنا محمد بن عمرو الرازي،قال:حدثني الحسين بن المنزل قال:5.
ص: 256
قال لي محمد بن إسماعيل بن رجاء:
بعث إليّ سفيان الثوري سنة أربعين و مائة،فأوصاني بحوائجه،ثم سألني عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن كيف هو:فقلت:في عافية،فقال:إن يرد اللّه بهذه الأمة خيرا يجمع أمرها على هذا الرجل.قال:قلت:ما علمتك إلاّ قد سررتني.قال:سبحان اللّه!و هل أدركت خيار الناس إلاّ الشيعة.ثم ذكر زبيدا،و سلمة بن كهيل،و حبيب بن أبي ثابت و أبا إسحاق السبيعي، و منصور بن المعتمر،و الأعمش قال:فقلت له:و أبو الجحاف؟ قال:ذاك الضرب ذاك الضرب.و أيش كان أبو الجحاف.قال:كان يكفر الشاك في الشاك.قال:ثم قال سفيان:إلا أن قوما من هذه الرفضة،و هذه المعتزلة قد بغضوا هذا الأمر إلى الناس.
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال:حدّثنا عبد الرحمن بن يوسف، قال:حدّثنا عبيد اللّه بن يوسف الجبيري،قال:سمعت محمد بن يحيى بن سعيد القطان يقول سمعت أبي يقول:
خرج عبيد اللّه بن عمر،و هشام بن عروة،و محمد بن عجلان مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن.قال عبد الرحمن بن يوسف:
و بلغني عن مسدد أنه حكى مثل هذه الحكاية في مخرجهم معه.
حدّثني أحمد بن سعيد،قال:حدّثنا يحيى بن الحسن،قال:حدّثني أبو عبد الحميد الليثي عن أبيه،قال:كان ابن فضالة النحوي يخبر،قال:
اجتمع واصل بن عطاء،و عمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة،فتذاكروا الجور،فقال عمرو بن عبيد:فمن يقوم بهذا الأمر ممن يستوجبه و هو له أهل؟.
فقال واصل:يقوم به و اللّه من أصبح خير هذه الأمة،محمد بن عبد اللّه بن الحسن.
ص: 257
فقال عمرو بن عبيد:ما أرى أن نبايع،و لا نقوم إلاّ مع من اختبرناه، و عرفنا سيرته.
فقال له واصل:و اللّه لو لم يكن في محمد بن عبد اللّه أمر يدل على فضله إلاّ أنّ أباه عبد اللّه بن الحسن،في سنه،و فضله،و موضعه قد رآه لهذا الأمر أهلا،و قدّمه فيه على نفسه-لكان ذلك يستحق ما نراه له،فكيف بحال محمد في نفسه و فضله؟.
قال يحيى:و سمعت أبا عبيد اللّه بن حمزة يحدث،قال:
خرج جماعة من أهل البصرة من المعتزلة منهم واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد و غيرهما حتى أتوا سويقة،فسألوا عبد اللّه بن الحسن أن يخرج لهم ابنه محمدا حتى يكلموه،فطلب لهم عبد اللّه فسطاطا،و اجتمع هو و من شاوره من ثقاته أن يخرج إليهم إبراهيم بن عبد اللّه.فأخرج إليهم إبراهيم،و عليه ريطتان،و معه عكازة،حتى أوقفه عليهم،فحمد اللّه و أثنى عليه،و ذكر محمد بن عبد اللّه و حاله، و دعاهم إلى بيعته،و عذرهم في التأخر عنه فقالوا (1):اللهم إنا نرضى برجل هذا رسوله فبايعوه و انصرفوا إلى البصرة (2).
حدثني علي بن العباس،قال:حدثنا بكار بن أحمد،قال حدثنا الحسن بن الحسين،قال حدثني الحسن بن حماد،قال:
كان أبو خالد الواسطي،و القاسم بن مسلم السلمي مع محمد بن عبد اللّه بن الحسن و كانا من أصحاب زيد بن علي،صلوات اللّه عليه.
قال القاسم بن مسلم لمحمد بن عبد اللّه بن الحسن:يا أبا عبد اللّه،إن الناس يقولون:إن صاحبكم محمدا ليس له ذلك الفقه.قال فتناول سوطه من الأرض ثم قال:يا قاسم بن مسلم،ما يسرّني أن الأمة اجتمعت عليّ كمعلاق سوطي هذا و أني سئلت عن باب الحلال أو الحرام و لم يكن عندي مخرج منه،يا قاسم بن مسلم،إن أضل الناس بل أظلم الناس،بل أكفر الناس من ادعى0.
ص: 258
من هذه الأمة،ثم سئل عن باب الحلال أو الحرام،و لم يكن عنده منه مخرج (1).
حدّثني أحمد بن محمد بن سعيد،قال يحيى بن الحسن،قال:حدّثني أبو عبد الحميد الليثي،عن أبيه،عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه قال:
بايع أبو جعفر المنصور محمد بن عبد اللّه مرتين إحداهما بالمدينة و الأخرى أنا حاضرها بمكة في المسجد الحرام،فلما بايعه قام معه حتى خرج من المسجد الحرام فركب فأمسك له أبو جعفر بركاب دابته ثم قال له:يا أبا عبد اللّه،أما إنه إن أفضى إليك هذا الأمر نسيت هذا الموقف و لم تعرفه لي (2).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثني عمر بن شبّة،قال:حدّثني عبد اللّه بن عمر:
أن علي بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن لما أخذه أبو جعفر اعترف له، و سمى أصحاب أبيه،فكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي الموالي فأمر به أبو جعفر فحبس.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدثنا عمر بن شبّة،قال:حدّثني عبد اللّه بن راشد،قال:سمعت الجراح بن عمرو،و غيره،يقولون:
إن عليا،و حسنا،ابني صالح جاءا مشتملين على سيفين إلى محمد بن عبد اللّه بن الحسن فقالا:قد جئناك يا ابن رسول اللّه فمرنا بالذي نريده، فقال:قد قضيتما ما عليكما و إن لقينا في هؤلاء شيئا،فانصرفا.فانصرفا.
أخبرني عمر قال:حدّثنا عمر بن شبّة (3)قال:حدّثنا محمد بن يحيى،».
ص: 259
عن الحرث بن سحاق:
أن محمدا استعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير.
و على قضائها،عبد العزيز بن المطلب[بن عبد اللّه المخزومي] (1).
و على الشرط،أبا القلمس (2)عثمان[بن عبيد اللّه]بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب.
و على ديوان العطاء عبد اللّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة (3).
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال:حدّثنا أبو زيد،قال:حدّثنا عيسى عن أبيه،قال:
قال:خرج مع محمد بن عبد اللّه،عيسى بن زيد،و كان يقول:من خالف بيعتك من آل أبي طالب فأمكني من ضرب عنقه،فأتى بعبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين،فغمض عينيه قال:إن على يمينا إن رأيته لأقتلنه، فقال له عيسى:دعني أضرب عنقه،فكف عنه (4).
دفع إلى عيسى بن الحسين الورّاق كتابا ذكر أنه كتاب أحمد بن الحرث فقرأت فيه:
حدثنا المدائني أن هشام بن عروة بن الزبير،بايع محمد بن عبد اللّه، و جعل له ولاية المدينة.
أخبرني عمر بن عبد اللّه،قال حدثنا أبو زيد،قال حدثني متوكل بن أبي العجوة:
أن أبا جعفر كان يقول:العجب لعبد اللّه بن عطاء إنه بالأمس على بساطي ثم يضربني بعشرة أسياف.7.
ص: 260
أخبرني عمر قال:حدثنا أبو زيد قال (1):حدثني محمد بن الحسن بن زبالة،قال:حدثني حميد بن عبد اللّه بن أبي فروة،قال:
لما درب الناس السكك أيام محمد بن عبد اللّه،أردنا أن ندرب سكتنا، فمنعنا عبد اللّه بن عطاء،قال:فمن أين يمر إلى أمير المؤمنين محمد؟.
فلما قتل تغيب حتى مات في إمارة جعفر بن سليمان،فأخرج على جنازة ليدفن فأمر به فأنزل من نعشه،و صلب،فكلم فيه جعفر،فأمر أن ينزل من خشبته بعد ثالثه،فأنزل و دفن.و عبد اللّه بن عطاء من ثقاة أهل الحديث (2)، و قد روى عن أبي جعفر محمد بن علي،و عن عبد اللّه بن بريدة؛و غيرهما من وجوه التابعين.و روى عنه الثقات مثل مالك بن أنس و نظرائه.
و عبد اللّه بن عامر الأسلمي و هو القاري،و يكنى أبا عامر،و هو ثقة.
و روى عنه وكيع،و أبو نعيم،و عبيد اللّه بن موسى،و أبو ضمرة.و قد روى عن الزهري،و وثقه يحيى بن معين،و رووه في الحديث و رثاه علي بن إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بقوله:
أبو عامر فيها رئيس كأنها *** كراديس تغشى حجره المتكبر
أخبرني عمر،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال حدثنا عبد اللّه بن إسحاق بن القاسم؛قال:حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن،قال:
لقيني موسى بن عبد اللّه بالسيالة،فقال:انطلق أرك ما صنع بنا في سويقة،فذهبت معه،فوجدت نخلها قد عرقبت،فقال:نحن و اللّه كما قال دريد بن الصمة:
تقول:ألا تبكي أخاك!و قد أرى *** مكان البكى لكن بنيت على الصّبر (3)».
ص: 261
لمقتل عبد اللّه و الهالك الذي *** على الشّرف الأقصى قتيل أبي بكر (1)
و عبد يغوث.أو نديمى خالد *** و عزّ مصابا خير قبر على قبر (2)
أبى القتل إلاّ آل صمّة إنهم *** أبوا غيره،و القدر يجري على القدر
فإمّا ترينا لا تزال دماؤنا *** لدى معشر يسعى لها آخر الدهر (3)
فإنا للحم السيف غير نكيرة *** و نلحمه طورا و ليس بذي نكر (4)
يغار علينا واترين فيشتفى *** بنا إن أصبنا،أو نغير على وتر (5)
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا *** فما ينقضي إلاّ و نحن على شطر (6)
قال أبو زيد:حدثت المدائني هذا أو أمليته عليه فتركني و ترك الرجلين و قال:قال موسى.
و ممن أخذه أبو جعفر من آل أبي طالب،و حبسه،و ضربه بالسوط من أصحاب محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب:- الحسن بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب.
أمه و أم إخوته:يزيد،و صالح ابني معاوية:فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب (7)و أمها أم ولد.
ص: 262
و خرجوا جميعا مع محمد بن عبد اللّه (1).و استعمل الحسن بن معاوية على مكة (2).
فلما قتل محمد بن عبد اللّه أخذه أبو جعفر فضربه بالسوط و حبسه.فلم يزل في الحبس حتى مات أبو جعفر،فأطلقه المهدي.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء،قال:حدثنا الزبير،قال:حدّثني عيسى بن عبد اللّه قال:
دخل عيسى بن موسى على المنصور،فقال:ألا أبشرك؟قال: بماذا؟ قال:ابتعت وجه دار عبد اللّه بن جعفر من بني معاوية بن عبد اللّه الحسن (3)،و يزيد،و صالح.
فقال له[أتفرح؟] (4)و اللّه ما باعوك إيّاها إلاّ ليقووا بثمنها عليك.
فخرج الحسن،و يزيد،و صالح،مع محمد بن عبد اللّه.
أخبرني الحرمي بن العلاء،قال:حدثنا الزبير،قال:حدثني غسان، عن أبيه قال:حدثني محمد بن إسحاق بن القاسم بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب:
أن محمد بن عبد اللّه بعث الحسن،و القاسم بن إسحاق إلى مكة (5)، و استعمل الحسن على مكة،و القاسم على اليمن.
أخبرني عمر العتكي،و الجوهري،و يحيى بن علي،عن عمر بن شبّة، عن عبد اللّه بن إسحاق،و هو أخو محمد بن إسحاق،الذي روى عنه الزبير،9.
ص: 263
قال:حدّثني عبد اللّه بن يزيد بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر،قال:
أراد بنو معاوية بن عبد اللّه بن جعفر-و كانوا خرجوا مع محمد بن عبد اللّه- أن يظهروا بعد قتله.فقال أبي للحسن (1)بن معاوية:لا نظهر جميعا،فإنا إن فعلنا أخذك جعفر بن سليمان من بيننا.قال:و جعفر يومئذ على المدينة.فقال لا بد من الظهور.
فقال له:فإن كنت فاعلا فدعني أتغيب فإنه لا يقدم عليك ما دمت متغيبا.
قال:لا خير في عيش لست فيه.
فلما ظهروا أخذ جعفر بن سليمان الحسن،فقال له:أين المال الذي أخذته بمكة؟.
و كان أبو جعفر قد كتب إلى جعفر بن سليمان أن يجلد حسنا إن ظفر به.
فلما سأله عن المال قال:أنفقناه فيما كنا فيه و ذاك شيء قد عفا عنه أمير المؤمنين.
قال:و جعل جعفر بن سليمان يكلمه،و الحسن يبطئ في جوابه،فقال له جعفر:أكلمك و لا تجيبني! قال:ذلك يشق عليك،لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.
قال:فضربه أربعمائة سوط،و حبسه.فلم يزل محبوسا حتى مات أبو جعفر،و قام المهدي فأطلقه و أجازه.
قال أبو زيد:و حدثني عيسى بن عبد اللّه،قال:
لما ضرب جعفر بن سليمان الحسن بن معاوية قال:أين كنت؟فاستعجم عليه،فقال له:علي و عليّ إن أقلعت عنك أبدا أو تخبرني أين كنت؟.
قال:كنت عند غسان بن معاوية،مولى عبد اللّه بن الحسن.فبعث جعفر إلى منزل غسان فهرب منه،فهدم داره،ثم جاء بعد فأمّنه.».
ص: 264
قال:و لم يكن الحسن عند غسان إنما كان عند نفيس صاحب قصر نفيس (1):
قال أبو زيد:فحدثني عيسى بن عبد اللّه،قال:
لم يزل الحسن بن معاوية في حبس جعفر بن سليمان،حتى حج أبو جعفر،فعرضت له حمادة بنت معاوية،فصاحت به:يا أمير المؤمنين، الحسن بن معاوية قد طال حبسه فانتبه له،و قد كان ذهل عنه،فسار به معه حتى وضعه في حبسه، و لم يزل محبوسا حتى ولي المهدي.
قال الزبير في خبره الذي أخبرني به الحرمي،عن الزبير،قال:حدّثني عبد اللّه بن الحسن بن القاسم:
أن الحسن بن معاوية قال لأبي جعفر،و هو في السجن،و قد أتاه نعي أخيه يزيد بن معاوية،يستعطفه على ولده:
إرحم صغار بني يزيد إنهم *** يتموا لفقدي لا لفقد يزيد
و ارحم كبيرا سنّه متهدما *** في السجن بين سلاسل و قيود
و لئن أخذت بجرمنا و جزيتنا *** لنقتلن به بكل صعيد
أو عدت بالرّحم القريبة بيننا *** ما جدّكم من جدّنا ببعيد
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني:
و من مختار ما رثى به محمد بن عبد اللّه من الشعر،قول غالب بن عثمان الهمداني أنشدنيه عمر بن عبد اللّه العتكي،عن عمر بن شبّة:
يا دار هجت لي البكاء فأعولي *** حيّيت منزلة دثرت و دار».
ص: 265
بالجزع من كنفي سويقة أصبحت *** كالبرد بعد بني النبيّ قفارا (1)
الحاملين إذا الحمالة أعجزت *** و الأكرمين أرومة و نجارا
و الممطرين إذا المحول تتابعت *** دررا تداولها المحول غزارا
و الذّائدين إذا المخافة أبرزت *** سوق الكواعب يبتدرن حصارا
و ثبت نتيلة وثبة بعلوجها *** كانت على سلفي نتيلة عارا
فتصلمت ساداتها و تهتّكت *** حرما محصّنة الخدور كبارا
و لغت دماء بني النبي فأصبحت *** خضبت بها الأشداق و الأظفارا
لا تسقني بيديك إن لم أبتعث *** لبني نتيلة جحفلا جرّارا (2)
لجبا يضيق به الفضاء عرمرما *** يغشى الدكادك قسطلا موّارا (3)
فيه بنات بني الصريح و لا حق *** قبّا تغادر في الخليف مهارا (4)
يخرجن من خلل الغبار عوابسا *** يورين في حصب الأماعز نارا (5)
فننال في سلفي نتيلة ثارنا *** فيما ينال و ندرك الأوتارا
و قال أبو الحجاج الجهني:
بكر النعيّ بخير من وطيء الحصى *** ذي المكرمات و ذي الندى و السؤدد (6)
بالخاشع البرّ الذي من هاشم *** أمسى ثقيلا في بقيع الغرقد (7)».
ص: 266
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه *** أن قام مجتهدا بدين محمد (1)
و قال عبد اللّه بن مصعب (2):
سالت دموعك ضلّة قد هجت لي *** برحاء وجد يبعث الأحزانا (3)
هلاّ على المهدي و ابني مصعب *** أذريت دمعك ساكبا تهتانا
و لفقد إبراهيم حين تصدّعت *** عنه الجموع فواجه الأقرانا (4)
و اللّه ما ولد الحواضن مثله *** أمضى و أرفع محتدا و مكانا (5)
و أشدّ ناهضة و أقول للتي *** تتقي مصارع أهلها العدوانا (6)
رزء لعمرك لو يصاب بمثله *** ميطان صدّع رزؤه ميطانا (7)
و قال عبد اللّه بن مصعب أيضا (8).أنشدنيه ابن سعيد عن يحيى بن الحسن،عن اسماعيل بن يعقوب:
يا صاحبيّ دعا الملامة و اعلما *** أن لست في هذا بألوم منكما (9)
وقفا بقبر ابن النبي و سلّما *** لا بأس أن تقفا به فتسلما
قبر تضمّن خير أهل زمانه *** حسبا و طيب سجية و تكرّما (10)
[لم يجتنب قصد السبيل و لم يحد *** عنه و لم يفتح بفاحشة فما] (11)ا.
ص: 267
بطل يخوض بنفسه غمراتها *** لا طائشا رعشا و لا مستسلما (1)
حتى مضت فيه السيوف و ربّما *** كانت حتوفهم السيوف و ربّما
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم *** فينا و أصبح نهبهم متقسّما
و نساؤهم في دورهنّ نوائح *** سجع الحمام إذا الحمام ترنّما
يتوسّلون بقتلهم و يرونه *** شرفا لهم عند الإمام و مغنما (2)
و اللّه لو شهد النبيّ محمد *** صلّى الإله على النبي و سلّما
إشراع أمّته الأسنّة لابنه *** حتى تقطّر من ظباتهم دما
حقّا لأيقن أنهم قد ضيّعوا *** تلك القرابة و استحلوا المحرما
و قال إبراهيم بن عبد اللّه يرثي أخاه:
سأبكيك بالبيض الرّقاق و بالقنا *** فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا
و إنّا أناس لا تفيض دموعنا *** على هالك منّا و لو قصم الظّهرا
و لست كمن يبكي أخاه بعبرة *** يعصّرها من جفن مقلته عصرا
و لكنني أشفي فؤادي بغارة *** ألهّب في قطري كتائبها جمرا
و عبد اللّه الأشتر بن محمد (3)بن عبد اللّه ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و أمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
كان عبد اللّه بن محمد بن مسعدة المعلم أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلد
ص: 268
الهند (1)فقتل بها،و وجه برأسه إلى أبي جعفر المنصور.ثم قدم بابنه محمد بن عبد اللّه بن محمد بعد ذلك و هو صغير على موسى بن عبد اللّه بن الحسن.
و ابن مسعدة هذا كان مؤدبا لولد عبد اللّه بن الحسن.و فيه يقول إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن على سبيل التهكم به:
زعم ابن مسعدة المعلّم أنّه *** سبق الرّجال براعة و بيانا
و هو الملقّن للحمامة شجوها *** و هو الملحّن بعدها الغربانا
و كان ابن مسعدة سمع غرابا ينعق،فقال له:أتلحن ويحك يا غراب؟ تقول:غاق غاق.قيل:فكيف يقول؟قال:يقول:غاق غاق.
أخبرني عمر بن عبد اللّه العتكي،قال:حدّثنا عمر بن شبّة،قال:
حدّثني عيسى بن عبد اللّه بن مسعدة،قال:».
ص: 269