سرشناسه : مكارم شيرازي، ناصر، - 1305
عنوان و نام پديدآور : انوار الفقاهه: كتاب الخمس و الانفال/ مكارم شيرازي
مشخصات نشر : تهران: نسل جوان، 1416ق. = 1374.
مشخصات ظاهري : ص 654
شابك : 7000ريال
يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس
عنوان ديگر : كتاب الخمس و الانفال
موضوع : فقه جعفري -- قرن 14
موضوع : خمس
موضوع : انفال
رده بندي كنگره : BP183/5 /م7الف85 1374
رده بندي ديويي : 297/342
شماره كتابشناسي ملي : م 75-5860
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
صرح المحقق اليزدي- رضوان اللّه تعالي عليه- في صدر كلامه في كتاب الخمس بانه من الفرائض و قد جعلها الله تعالي لمحمّد صلي اللّه عليه و آله و سلم و ذرّيته عوضا عن الزكاة اكراما لهم … بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين.
الاول- اصل وجوبه.
الثاني- كونه عوضا عن الزكاة.
الثالث- كونه من الضروريات التي يوجب انكارها الكفر اجمالا.
و لكن ينبغي بيان تعريف الخمس الذي هو موضوع هذا الحكم.
قال ثاني الشهيدين- قدس سرهما- في المسالك: «الخمس عوض مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالاصالة عوضا عن الزكاة».
و احترز بالحق المالي عن غير المالي كالولاية، و بثبوته لبني هاشم عن الزكاة و شبهها، و بقوله في مال مخصوص عن ملك الامام عليه السّلام لجميع ما في الارض (علي القول بانه كسائر الاملاك و لكن في طول مالكية الاشخاص حتي لا يتناقضان) و بقوله بالاصالة عما ثبت لهم بالنذر و الوقف.
هذا و لكن يرد عليه انّ هذا تعريف لنصف الخمس لا جميعا، لأنّ
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 12
سهم اللّه تعالي خارج و سهم النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة ثابت بمقتضي كونهم ذا ولاية مطلقة الهية لا بما انّهم من بني هاشم و لذا يعطي سهم الامام عليه السّلام لغير بني هاشم، مضافا الي انّ قوله عوضا عن الزكاة لا يكون الّا تأكيدا.
فالاولي ان يقال: هو حق مالي يثبّت لله و لرسوله و الائمة الهادين من اهل بيته و بني هاشم في مال مخصوص بالاصالة.
و ذكر المحقق الخوانساري: «ان المراد بالحق ان كان ما هو في مقابل الحكم و يكون في كثير من الموارد
قابلا للإسقاط فهو مبني علي عدم كونه بعنوان الاشاعة او الكلي في المعين و هو محل الاشكال (لأنا نقول بملكية ذوي القربي لسهم من الخمس بنحو الاشاعة او بنحو الكلي في البعض و من الواضح انّهما من مصاديق الملك لا الحق) و ان كان المراد منه المال فهو غير مناسب لتوصيفه بالمالية». «1» يعني لا يصح اخذه جنسا في التعريف لأنه عليه يصير التعريف هكذا: الخمس مال مالي.
اقول: عنوان الحق قد يقع في مقابل المال فيكون قسيما له كما في ابواب تعريف البيع و الخيار، و لكن قد يكون بالمعني الاعم منه و من المال كما يقال لي حق في ارث فلان او في ارض فلان من طريق الشركة، او يقال للفقراء حق في اموال الاغنياء بحيث لا ينافي شركتهم، و حينئذ لا مانع من توصيفه بكونه ماليا، لان توصيف العام بقيد خاص لإراءة مصداق معين لا محذور فيه علي ان الحق اذا اتي به بنحو الاطلاق لا يكون الا بالمعني الاعم و هو بهذا المعني (كما عرفت) يشمل المال و غيره فيصح اخذه جنسا لتعريف الخمس ثم تقييده بانه ماليّ.
فلنرجع الي المسائل الثلاث:
______________________________
(1)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 102.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 13
قال اللّه تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السّبيل ان كنتم آمنتم باللّه و ما انزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان و اللّه علي كلّ شي ء قدير». «1»
دل علي وجوب الخمس في الغنائم، و اما المراد من الغنائم ما ذا، فسيأتي الكلام فيه مبسوطا ان شاء اللّه. و ظاهر
الاية مشحون بالتأكيدات: ذكر اسم اللّه في عداد من له الخمس، و جعل الاعتقاد بالخمس شرطا للإيمان، و التأكيد ب «ان» و كون الجملة اسمية، (و تقديم الجار و المجرور) فانه قال تعالي: «فانّ للّه خمسه و للرّسول الخ» و لم يقل فان خمسه لله. «2»
هذا و قد اتفق المسلمون علي وجوب الخمس في الغنائم و ان خصها الجمهور بما يؤخذ في الحرب، كما قال شيخ الطائفه في الخلاف في المسألة الاولي من كتاب الفي ء و قسمة الغنائم: «كل ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمي غنيمة بلا خلاف، و عندنا ان ما يستفيده الانسان من ارباح التجارات و المكاسب و الصنائع يدخل أيضا فيه و خالف جميع الفقهاء في ذلك» ثم استدل باجماع الفرقة علي عموم الحكم، و بظهور الاية الشريفه و اطلاقها.
و الظاهر انهم (العامة و الخاصة) اتفقوا أيضا علي وجوب الخمس في
______________________________
(1)- سورة الانفال، 41.
(2)- و اما التعبير بكونه فريضة في كلام صاحب العروه فلوروده في الخبر المذكور في المتن و هو ما عن الصادق (ع): ان الله لا إله الا هو حيث حرم علينا الصدقة انزل لنا الخمس فالصدقه علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال. (وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29، الحديث 7)
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 14
الركاز و هو الكنز كما صرح في الخلاف في المسألة 145 من مسائل الزكاة (فانه ذكر مسائل الخمس تارة في طي مباحث الزكاة من دون افراد باب له، و اخري خصوص الغنائم في كتاب الفي ء و الغنائم).
كما يظهر منهم الاتفاق أيضا علي وجوبه في المعدن و ان اختلفوا في انواع المعادن من الذهب و الفضه و
غيرها و من المنطبع و غير المنطبع (كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج).
و اما الاخبار: فمن طرقنا متواترة كما يظهر لمن راجع كتاب الخمس في الوسائل، فقد حكي فيه زهاد مأئة رواية في ابوابه المختلفة، و من طرق اهل الخلاف لو لم تكن متواترة فلا أقلّ من انها متظافرة كما لا يخفي علي من راجع سنن البيهقي.
و بالجمله اصل وجوبه بحسب الحكم اجمالا فمما لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه، نعم في تفاصيله خلاف كثير سيأتي إن شاء اللّه.
، فقد اشير اليه في روايات كثيرة مروية في كتاب الخمس في الباب الاول من ابواب قسمه الخمس:
منها ما رواه سليم بن قيس عن امير المؤمنين عليه السّلام و قال خطب امير المؤمنين عليه السّلام و ذكر خطبه طويلة يقول فيها: «نحن و اللّه عني (اللّه) بذي القربي الذين قرننا اللّه بنفسه و برسوله. فقال: فللّه و للرّسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل فينا خاصة (الي ان قال) و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، اكرم اللّه رسوله و اكرمنا اهل البيت ان يطعمنا من اوساخ الناس فكذبوا الله و كذّبوا رسوله و جحدوا كتاب اللّه الناطق بحقنا و منعونا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 15
فرضا فرضه اللّه لنا الحديث». «1»
و منها ما رواه الريان بن الصلت عن الرضا عليه السّلام و قال: « … فلما جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه و رسوله و نزه اهل بيته، فقال: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الآيه ثم قال: فلما نزه نفسه عن الصدقة و نزه رسوله و نزه اهل بيته لا بل حرم عليهم لان الصدقة محرمة علي محمد
و آله و هي اوساخ ايدي الناس لا تحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس و وسخ». «2»
و منها مرفوعة الصفار عن احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: «الخمس من خمسة اشياء … و الذي للرسول هو لذي القربي و الحجة في زمانه، فالنصف خاصة و النصف لليتامي و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد- عليهم السلام- الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس الحديث». «3»
و منها ما رواه في الوسائل في ابواب الزكاة من تفسير العياشي عن الصادق عليه السّلام قال: «ان الله لا إله الا هو لما حرم علينا الصدقة ابدل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال». «4»
(و لعل المراد من الكرامة النذر و اشباهه).
و منها صحيحة الفضلاء عنهما- عليهما السلام- قالا: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم:
ان الصدقة اوساخ ايدي الناس و ان اللّه قد حرم علي منها و من غيرها ما قد حرمه». «5»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 7.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 2، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 10.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 9.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 16
و لعل التعبير بكونها او ساخا مأخوذ من قوله تعالي في سورة البراءة، الآية 10 خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا، كان في الاموال التي بايدي
الناس و سخا ذاتيا لا تطهر الا بازالة الاوساخ منها، فاخذ الصدقات يوجب طهارة للنفوس و للأموال كلها، لكن المأخوذ في الواقع هو نفس الاوساخ و لا جل ذلك لا يحل لهم.
و قد مر انه تعالي فرق في كتابه بين الخمس فاضاف الاموال في باب الزكاة و الصدقات الي الناس و قال خذ من اموالهم، و لكن في باب الخمس جعل الشركة بين ارباب الخمس و صاحبي الاموال، فقال: و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول … الآية.
ان قلت: التعبير بالاوساخ يوجب تنفر الطباع عن اخذ هذه العطية الالهية- اعني الزكوات- و هذا مناف لشأنها.
قلت: و لعل النظر أيضا تنفير الطباع منها حتي لا يحسبها الناس اموالا يتبرك فيها بل تكون عندهم امرا لا يقصر الا عند الضرورة و الحاجة الشديدة
______________________________
ان قلت: لو كانت الصدقة حراما علي بني هاشم فلما ذا يجوز اعطائهم منها عند قصور الخمس عن كفايتهم بلا خلاف بين الاصحاب؟ كما قال في الحدائق الناضرة: الثالث- لا خلاف بين الاصحاب رضوان الله عليهم علي ما نقله غير واحد في جواز اعطائهم (يعني بني هاشم) من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم … انما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم اخذه في تلك الحال. (المجلد 12، الصفحة 219)
قلت: ذلك مختص بموارد الضرورة و الضرورات قبيح المحظورات لكنها تقدر بقدرها و لذا قال في الحدائق بعد الكلام المتقدم منه: و بالجملة فالادلة المتقدمة قد صرحت لا لتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا و فتوي من القدر الضروري. (نفس المصدر) علي ان الصدقة، وسخ ما دام لم تصل الي مستحقها، كما عرفت لكنها بمجرد وصولها اليه تطيب له
كما في اموال اليتامي حيث ان آكله ظلما يأكل النار في بطنه علي حد تعبير القرآن الكريم لكنها تطيب لليتامي انفسهم.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 17
كي يرغب الناس في السعي لتحصيل معاشهم، و تبقي الزكاة للزمني و اليتامي و من لا يقدر علي شي ء. «1»
هذا مضافا الي ان قرابات رؤساء الحكومات كثيرا ما يتغلبون علي اموال بيت المال و حقوق الناس، و يوجب ذلك التهمة و الشّين علي رئيس الحكومة، و كان اللّه تعالي اراد تنزيه ساحة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمّة- عليهم السلام- عن هذا الدنس فحرّم بني هاشم و هم قراباته صلي اللّه عليه و آله و سلم عن الزكاة مطلقا، حتي انه يظهر من بعض الروايات انهم اذا اتوه و سألوه ان يستعملهم علي الصدقات كي يكون لهم سهم العاملين عليها لم يقبل منهم. و قال: «يا بني عبد المطلب (هاشم) ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة». «2»
فاراد جلب رضاهم بهذا الامر المعنوي بدل الامر المادي.
ان قلت: كيف يكون الخمس عوضا عن الزكاة و الحال ان آية الخمس وردت في سورة الانفال، و فيها اشارات كثيرة الي غزوة بدر فهي من اول ما نزلت بالمدينة و اما آية الزكات (خذ من اموالهم … الآية) «3» فقد نزلت بعد فتح مكة فهي من آخر ما نزلت عليه؟
قلت: الظاهر ان تشريع الزكاة كان من قبل و قد اشير اليها في سائر السّور
______________________________
(1)- و لا يخفي ان مقتضي هذا البيان كون الصدقات طاهرة عند وصولها الي ايدي مستحقيها و إلا للزم تنفير طباعهم مضافا الي وهنهم و ذلك بعيد
عنه تعالي جدا بعد ورود اخبار كثيرة في مدح الفقراء و الامر بمجالستهم و قول النّبيّ (ص): الفقر فخري و به افتخر فراجع.
اللهم الا ان يقال بانه ينبه الفقراء و ذوي الحاجة علي انه و ان كانت الصدقة حلالهم لكنها مع ذلك اوساخ ما في ايدي الناس فيرغبهم علي الاجتهاد في سبيل تحصيل الرزق حتي لا يحتاجوا الي الزكاة، فتأمل.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1).
(3)- سورة التوبة، 103.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 18
القرآنية «1» و لم يكن تشريعه بعد فتح مكة، كيف و هي من اقدم ما يلزم في تأسيس الحكومة الاسلامية و اصلاح امر بيت المال، فآية البراءة تأكيد عليها او نزلت بلحاظ ما فيها من الخصوصيات- كتطهير النفوس بالصدقات و صلاة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم فلا مانع من كون الخمس عوضا عن الزكاة و تشريعه مقارنا لها.
و قد ذكرنا جوابا آخر لهذا الاشكال في تعليقاتنا علي العروة الوثقي فراجع.
ان قلت: أ ليس في جعل هذه الاموال العظيمة لبني هاشم و جعل الزكاة التي قد تكون أقلّ منها لجميع فقراء الناس و سائر المصارف، نوع تبعيض مناف للعدالة و المساواة التي امرنا اللّه تعالي بها في الإسلام؟
قلت: كلا ليس الامر كذلك اذا تدبرنا في هذه الاحكام حق التدبير، اما بالنسبة الي سهم الامام عليه السّلام (اعني السهام الثلاثه الاولي) فلانه ليس من حق الفقراء في شي ء، بل حق ولاية الامر بمالها من المصارف الهامة المعلومة لكل احد، «2» و اما السهام الثلاثة الباقية، فهي مختصة بفقراء بني هاشم كما ان الزكاة مختصة بغيرهم لا تفضل احدهما علي الاخر، فان
الفقير لا يجوز له ان يأخذ اكثر من قوت سنته علي المختار- كما سيأتي ان شاء اللّه- فقراء كل من الطائفتين يأخذون بمقدار قوت سنتهم لا ازيد، و زكاة الاموال- لو اداها الناس- كانت وافية بحاجة الفقراء كما في الأحاديث، و حقّ السادة لو عمل بها الناس، و ان زاد علي صاحبتهم في بعض الاعيان، كما في الجوامع التي
______________________________
(1)- كقوله تعالي في سورة الاعراف، 156: … و رحمتي وسعت كلّ شي ء فَسَأَكْتُبُهٰا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ. و سورة النمل، 3: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ و سورة فصلت، 7: الّذين لا يؤتون الزّكاة. الي غير ذلك من الآيات التي نزلت بمكة المكرمة.
(2)- و لذلك لا يورث بل يصل الي الامام (ع) من بعده.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 19
اتسعت فيها الصنائع و التجارات (لا خصوص الزرع و الضرع) و لكن الزائد عن حاجتهم يعود الي بيت المال، كما في الحديث المشهور الذي رواه في الوسائل في الباب 3 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1 و 2.
قال في الثاني بعد ذكر تحريم الزكاة علي آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم: «عوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم علي قدر كفايتهم فان فضل شي ء فهو له و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان».
و هاتان الروايتان و ان كانتا ضعيف السند بالارسال و الرفع، و لكنهما موافقان للقاعدة «1» كما لا يخفي.
. و قد وقع الخلاف بين الاعلام من ان انكار الضروري يوجب الكفر مطلقا او بشرط ان يرجع الي انكار الالوهية او التوحيد او الرسالة، و الحق
كما اثبتناه في محله هو الثاني و التفصيل موكول الي هناك.
______________________________
(1)- و هي عدم الدليل علي اعطاء شخص اكثر من مئونة سنته من الزكاة او الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 20
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 23
المعروف بينهم انه يجب في سبعة اشياء:
الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم
. و الازم البحث في اصل المسألة و ادلتها ثم في خصوصياتها و شرائطها و فروعها الكثيرة مما يرجع الي نوع الغنيمة و مقدارها و نوع الحرب و اقسام الكفار و ما يستثني من الغنائم و غيرها.
اما الاول: فيدل عليه بعد الاجماع كتاب اللّه عز و جلّ و الروايات الآتية.
قال اللّه تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ … «1»
و قد وقع الكلام في المراد من الغنيمة، فالمشهور بين الاصحاب كما يستفاد من كلمات شيخ الطائفة في الخلاف هو كل ما يستفيده الانسان (غير ما استثني) حينما يكون اتفاق المخالفين علي اختصاصها بغنائم دار الحرب، و الاولي تفصيل الكلام في هذه المسألة و ان كان محلها من بعض الجهات خمس ارباح المكاسب.
قال الشيخ في الخلاف في مبحث الفي ء و الغنائم كل ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين الي آخر ما مر آنفا و قال في ذيل كلامه: «و أيضا قوله تعالي
______________________________
(1)- سورة الانفال، 41.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 24
و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه» عام في جميع ذلك فمن خصه فعليه الدلالة.
و قال امين الإسلام الطبرسي- رضوان اللّه عليه- في تفسيره ذيل الآية الشريفة ما نصه: «و قال اصحابنا: ان الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب و ارباح التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك مما هو مذكور في الكتب، و يمكن ان يستدل علي ذلك بهذه الاية، فان في عرف اللغة
يطلق علي جميع ذلك اسم الغنم و الغنيمة».
و قال النراقي في المستند: «اعلم ان الاصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الانسان يكتسبه و يغنمه للآية الشريفه و الاخبار، اما الآية فقول اللّه سبحانه و اعلموا انّما غنمتم …
فان الغنيمة في الاصل الفائدة المكتسبة، صرح به في مجمع البحرين و غيره من اهل اللغة و ليس هناك ما يخالفه، و يوجب العدول عنه بل المتحقق ما يثبته و يوافقه من العرف و كلام الفقهاء و الاخبار». «1»
و قال في المدارك: «ذكر الشهيد في البيان ان هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة». «2»
و قال في الحدائق بعد نقل كلام الشهيد في البيان ما حاصله انه يدل علي هذا التعميم روايات عديدة. «3»
الي غير ذلك من كلمات الاصحاب.
نعم يظهر من صاحب الجواهر نوع ترديد في المسألة حيث قال بعد
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 1، الصفحة 71.
(2)- مدارك الاحكام، الصفحة 335.
(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 320
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 25
الاستدلال بالآية الشريفة: «سواء قلنا بكون الغنيمة في الآية و النصوص حقيقة في المفروض (اي غنائم دار الحرب) كما لعله الظاهر عرفا بل لغة كما قيل او في الاعم منه و من غيره مما افاد الناس كما يومي اليه ادراج السبعة فيها في البيان، بل هو كصريح جهاد التذكرة و غيره، بل ظاهر كنز العرفان، و عن مجمع البيان نسبته الي اصحابنا». «1»
و علي كل حال يمكن الاستدلال علي العموم مضافا الي ما عرفت من شهادة الفقهاء بذلك و استظهار هم من الاية الشريفة، بكلمات ارباب اللغة و المفسرين و الأحاديث الكثيرة و موارد استعمال كلمة الغنيمة.
اما الاول: فقد قال الراغب في المفردات: «ثم
استعملوا في كل مظفور به من جهة العدي و غيره و هو ظاهر في عمومية معني الكلمة».
و قال في تاج العروس في شرح القاموس: «الغنم و الغنيمة الفوز بالشي ء بلا مشقة، و دلالته علي العموم واضحة».
و قال ابن منظور في لسان العرب: «و الغنم الفوز بالشي ء من غير مشقة …
و الغنم و الغنيمه و المغنم الفي ء و في الحديث الرهن لمن رهنه له غنمه و عليه غرمه، غنمه زيادته و نمائه و فاضل قيمته … و غنم الشي ء فاز به».
و قال في مجمع البحرين: «ان الغنيمة هي كل فائدة مكتسبة».
و قال في المقاييس: «الغين و النون و الميم اصل صحيح واحد يدل علي افادة شي ء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما اخذ من مال المشركين بقهر و غلبة، و ظاهره ثبوت المعني العام و الخاص له».
و الذي يظهر من مجموع كلمات اهل اللّغة ان لها معنيين: معني عام، و هو الاصل لهذه الكلمة الظفر بالشي ء مطلقا، او الظفر به بلا مشقة كثيرة
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 26
و معني خاص، و هو غنائم الحرب و استعماله في هذا المعني يحتاج الي قرينة بعد كون اصل اللغة عاما غير مقيد بالحرب.
اما الثاني: و هو كلمات ارباب التفسير في هذا الباب فهي أيضا فهذا الطبرسي في مجمع البيان فانه و ان ذكر المعني الخاص عند تفسير هذه اللغة في بحث اللغات الا انه صرح فيما بعده بالمعني العام، و انه في عرف اللغة يطلق علي جميع المنافع اسم الغنم وال الغنيمه. «1»
و قال في تفسير الميزان: «الغنم و الغنيمة اصابه الفائدة من جهة تجارة او عمل
او حرب، و ينطبق بحسب مورد نزول الاية علي غنيمة الحرب». «2»
اما روايات الاصحاب في عمومية معني الاية، فهي أيضا كثيرة نشير الي ما ظفرنا به:
1- منها صحيحة علي بن مهزيار عن الامام الجواد عليه السّلام و هي رواية طويلة تأتي ان شاء اللّه بطولها و محل الحاجة منها هنا قوله: في تفسير قوله تعالي «و اعلموا انّما غنمتم من شي ء الخ» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن الخ «3» و هي ظاهرة الدلالة علي المقصود.
2- منها ما رواه التهذيب و في الكافي عن حكيم موذن بني عيس قال:
«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول الله تعالي: و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي. فقام ابو عبد الله عليه السّلام بمرفقيه علي ركبتيه ثم
______________________________
(1)- مجمع البيان، المجلد 4، الصفحة 544.
(2)- تفسير الميزان، المجلد 9، الصفحة 89.
(3)- الوسائل، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 27
اشار بيده قم قال: هي و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعته في حل ليزكيهم». «1»
و حكم موذن بني عيس مجهول الحال و لكن الروايات في المقام متظافرة مضافا الي صحة اسناد بعضها.
3- ما في الفقه الرضوي بعد ذكر الاية: «و كل ما افاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و … ». «2»
4- صحيحة عبد الله بن سنان قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
ليس الخمس الا في الغنائم خاصة» «3» بناء علي بعض التفسيرات فقد فسر في بعض الكلمات بعمومية معني الخمس فيشمل غير الغنائم بالمعني الاخص، و معناه علي هذا انه ليس الخمس الا في الفوائد اما اصل المال بلا فائدة فلا.
منها: ان المراد الخمس في ظاهر القرآن في خصوص غنائم دار الحرب، او محمول علي التقية. اضف الي ذلك كله ان موارد استعمال هذه الكلمة تنادي باعلي صوتها علي ان معناه اعم من غنائم الحرب، و كفاك ما ورد من ذلك في روايات المعصومين (النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة الهادين عليهم السلام).
منها: قول امير المؤمنين عليه السّلام: «اغتنم المهل و بادر الاكل». «4»
و منها قوله عليه السّلام: «ان اللّه سبحانه جعل الطاعة غنيمة الاكياس». «5»
______________________________
(1)- الوسائل، المجلد 6، الباب 4 من الانفال، الحديث 8.
(2)- رواه في المستدرك، المجلد 2، كتاب الخمس، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(4)- نهج البلاغة، خطبة 76.
(5)- نفس المصدر، حكمت 331.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 28
و منها قوله عليه السّلام: «فو اللّه ما كنزت من دنياك تبرا و لا ادّخرت من غنائمها و فرا». «1»
و منها قوله عليه السّلام: «و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم». «2»
و منها ما عن امير المؤمنين عليه السّلام: «لقاء الاخوان مغنم جسيم و ان قل» «3»
و عنه عليه السّلام: «اغتنموا الدعاء عند اربع عند قراءة القرآن و عند الاذان و عند نزول الغيث و عند التقاء الصفين للشهادة». «4»
و منها ما عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله
و سلم: «اذ اعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها ان تقولوا اللهم اجعلها مغنما و لا تجعلها مغرما». «5»
و عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم: «المحروم من حرم غنيمة كلب (الظاهر ان المراد منه كلب الماشيه او الحارس او شبههما مما لها دور في حياة العرب خصوصا في صدر الإسلام)». «6».
نعم هذه الكلمة او مشتقاتها وردت في الكتاب العزيز في ستة آيات كلها ناظرة الي غنائم الحرب- كمصداق لهذا الكلي- ما عدا موردا واحدا و هو قوله تعالي: يا ايّها الّذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا … فعند اللّه مغانم كثيرة «7» و لكن مجرد استعماله في المعني الخاص لا يدل علي كونه حقيقة فيه فقط بعد اطراد استعماله في الاعم منه، و قد عرفت في محله ان الاطراد و كثرة الاستعمال في معني دليل علي كونه حقيقة فيه.
______________________________
(1)- نفس المصدر، الكتاب 45.
(2)- نهج البلاغة، الكتاب 53.
(3)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 175، الحديث 16.
(4)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 477، الحديث 3.
(5)- سنن ابن ماجه، المجلد 1، الصفحة 573، الحديث 1797.
(6)- مسند احمد، المجلد 2.
(7)- سورة النساء، 94.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 29
ان قلت: ان آية الغنيمة ورد في عداد آيات الجهاد، فالآية التي قبلها:
«وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰي لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ» و الآيات التي بعدها قوله تعالي: «اذ انتم بالعدوة الدّنيا» الي آخر ما ورد في شرح غزوة بدر و سباياها و غنائمها، فهي محفوفة بهذه القرينة الدالة علي اختصاصها بغنائم الحرب، فلو سلمنا كون معني الغنيمة عاما لكنها استعملت في مصداق خاص في الآية الشريفة مع القرينة.
قلت: مجرد ذلك لا يكون دليلا علي استعمالها في المعني الخاص،
فان المورد لا يمكن ان يكون خارجا عن الحكم المذكور فيه، لا انه دليل علي اختصاص الحكم به، مثلا لو فرض نزول قوله تعالي: «يسئلونك عن الانفال» في بعض الغزوات التي اخذت الغنائم فيها بغير حرب لا يمنع ذلك عن شمولها لأراضي الموات و شبهها، و كذا لو نزل حكم تحريم المسكر في مورد الخمر لا يكون دليلا علي تخصيص الحكم بالخمر خاصة، بل يمكن كون الحكم عاما و ان كان المورد خاصا، و هذا جار في جميع العمومات الواردة في موارد خاصة كما لا يخفي.
ان قلت: لو كان المفهوم من الآية حكما عاما، فلما ذا لم ينقل في رواية و لا تاريخ اخذ الخمس في عصر رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم من غير غنائم الحرب او مع المعدن و الكنز، و هذا من العجائب ان يكون الخمس في جميع ما يستفيده الانسان و لم يعمل به في عصره صلي اللّه عليه و آله و سلم و لا في اعصار الائمة المعصومين (عليهم السلام) المتقدمين مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسنين عليه السّلام و بعض آخر (سلام الله عليهم اجمعين).
قلت: اوّلا هذه عويصة يجب علي الجميع حلها لا خصوص من قال بعموم الاية، و بعبارة اخري كل من قال بوجوب الخمس في ارباح المكاسب يجب عليه التصدي لحل هذا الاشكال سواء قال بدلالة الآية عليه أم لا، فان
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 30
الاشكال يدور حول اصل وجوب الخمس في الارباح لا مدار دلالة الآية عليه.
و ثانيا- سيأتي ان شاء اللّه في محله ان الامر في تحليل الخمس و اخذه، او تحليل بعضه و اخذ
بعضه بيد ولي الامر (رسول اللّه و الائمه الهادين من آله) فاذا رأي مصلحة في ترك اخذه في برهة من الزمان احله لجميع الناس او لبعضهم، و اذا كان الامر بالعكس اخذه كله.
و يشهد لذلك الروايات الكثيرة الدالة علي تحليلهم الخمس من المساكن و المتاجر و السبايا «1» لتطيب ولادتهم.
او تحليل جميع حقوقهم في بعض الازمنة، مثل ما رواه يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين، فقال:
جعلت فداك تقع لي في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك معصرون. فقال ابو عبد الله عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفنا كم ذلك اليوم». «2»
و لعل الامر كان كذلك علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فكان الناس في ضيق شديد و حرج اكيد، فاباح صلي اللّه عليه و آله و سلم خمس الارباح للناس، ثم انه قد كثر بعد ذلك غنائم الحروب و خراجات الاراضي بحيث استغني بيت المال عن خمس الارباح كما لا يخفي علي من راجع التاريخ، فانه ينادي بوضوح بوفور الارزاق و مزيد الاموال و غني كثير من الناس بل وصولهم الي ما فوق حد الغناء او لمصالح اخري قد تخفي علينا.
و بالجملة تأكيد بعض الائمة- عليهم السلام- علي اداء خمس الارباح و عفو بعضهم عليه السّلام عنه اوضح دليل علي ما ذكر، و به تنحل عقدة الاشكال.
______________________________
(1)- راجع الباب 4 من ابواب الانفال.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 31
و سيوافيك مزيد توضيح له- ان شاء اللّه- عند
البحث عن خمس الارباح و مسألة التحليل فانتظر.
هذا تمام الكلام في دلالة الآية الشريفة علي المطلوب.
*** و يدل علي وجوبه في الغنائم أيضا روايات كثيرة اوردها في الوسائل في الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، فقد اورد فيها 15 حديثا لا يدل قليل منها علي المقصود مثل الحديث 3 و 13 و 14 و الباقي دليل عليه و لا حاجة الي سردها جميعا لوضوحها.
نعم بعضها يصرح بان الخمس ليس الا في الغنائم، مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس الخمس الا في الغنائم خاصة». «1»
و مرسلة العياشي عن سماعة عن الصادق عليه السّلام و عن ابي الحسن عليه السّلام قال:
سألت احدهما من الخمس؟ فقال: ليس الخمس الا في الغنائم». «2»
و لكن في بعضها الاخر حصره في خمسة اشياء مثل ما رواه حماد بن عيسي قال رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «3» و هو متحد السند و المضمون مع الحديث 4 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 15.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 32
و ما رواه ابن ابي عمير قال: «ان الخمس علي خمسة اشياء، الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي
ابن ابي عمير الخامسة». «1»
و الظاهر ان ما نسيه هو الملاحة و الجمع بينه و بين رواية الاربعة فان ظاهر، الملاحة و هي الارض المملحة نوع من المعدن، و كذا الجمع بينهما و بين ما دل علي ان الخمس منحصر في الغنائم فان الغنيمة حيث ما عرفت عام.
ان قلت: كيف تلائم الاخبار التي عدت ما يجب فيه الخمس خمسة اشياء مع التي عدته سبعة و الحال انها لم تكتف بمجرد ذكر العدد بل عد الاشياء باسمائها، فيشكل الالتزام بالتخصيص.
قلت: قد عرفت ان للغنيمة معني عاما يشمل جميع ما يجب فيه الخمس و عليه فذكر بعض الموارد الواجب فيها الخمس بعدها كالغوص و الكنز و غيرهما انما هو من باب ذكر الخاص بعد العام، فلعلها في الاخبار التي عد ما يجب فيه الخمس خمسة بمعناها العام أيضا.
علي ان وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام ليس علي وزان وجوبه في ساير الاشياء كما سيأتي، فانه مصالحة من الشارع مع المالك للامتنان عليه و تصفية امواله من الحرام لكي يجوز له التصرف فيه بعد التخميس، و لذلك يصرف في الفقراء مطلقا سواء كانوا من بني هاشم أم لا.
و اما الارض التي اشتراها الذمي من مسلم فسيأتي ان الخمس فيها من باب الخراج و انه في الحقيقة عشران. و مع خروج هذين الموردين عما يجب فيه الخمس لا يبقي الا اربعة او خمسة باضافة الملاحة، فتدبر.
فالمسألة بحمد الله من الواضحات، انما الكلام في
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 33
، و هل يشمل ما اخذ منهم بغير القهر و الغلبة؟
قال في الجواهر: «منها تقييد الغنيمة الواجب فيها الخمس باذن الامام لإخراج المأخوذ بغير اذنه و بالقهر و الغلبة لإخراج المأخوذ باذنه بغيرهما كالسرقة و الغيلة و الدعوي الباطلة و الربا و نحوها، اذ الاول للإمام عليه السّلام و الثاني لأخذه». «1»
لكن حكي عن الروضة ان هذا التقييد للإخراج عن اسم الغنيمة بالمعني المشهور. نعم هو غنيمة يقول مطلق فيصح اخراجها منه.
و قال في الحدائق بان في المسألة قولين: «احدهما التقييد و الاخر الاطلاق». «2»
و استدل لعدم الوجوب في غيره مضافا الي الاصل بقوله في مرفوعة الصفار عن احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال:
الخمس في خمسه اشياء- الي ان قال- و المغنم الذي يقاتل عليه» «3». فان ظاهر القيد كونه في مقام الاحتراز و لكن سند الرواية ضعيفة بالارسال و القطع.
و كذا قوله في رواية ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الا اللّه و انّ محمّد رسول اللّه فان لنا خمسه». «4»
اللهم الا ان يقال: هذه الرواية في مقام اثبات الغنيمة في هذا المورد
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 11. و لا يخفي ان السرقة من الكفار الحربي و ان كانت جائزة بالحكم الاولي لكنها لا يجوز بالحكم الثانوي في زماننا هذا الذهاب ماء وجه المسلمين و اشاعة دعايات باطلة من قبل الكفار عليهم.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 323.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من
ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 34
و اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه و لا مفهوم، فالعمدة هي الاول التي قد عرفت ضعف سندها.
ان قلت: هذه الاشياء مما يتعلق به الخمس سواء كانت داخلة تحت عنوان الغنيمة بالمعني الاخص، او مطلق الفائدة المكتسبة و هي الغنيمة بالمعني الاعم، فاي فائدة في هذا النزاع؟
قلنا: الفرق بينهما ظاهر، فان الاول لا يعتبر فيها الزيادة عن مؤنة السنة حينما يعتبر ذلك في الثاني فهذا فارق لهم، مضافا الي ما قد يقال من اعتبار النصاب في الغنيمة بالمعني الخاص كما سنشير اليه ان شاء اللّه عن قريب (و ان كان ضعيفا).
و الانصاف ان دخول ما يؤخذ منهم بالسرقة و الغيلة و الدعوي الباطلة و شبهها في عنوان الغنيمة بالمعني الخاص بعيد جدا، سنته، و سيأتي لذلك زيادة توضيح عند بيان حكم اخذ مال الناصب.
نعم اذا لم يتحقق الحرب و كان الاستعداد له موجودا و قد حضر المقاتلون في الميدان قد يقال بكفايته في صدق الغنيمة بالمعني الخاص المستفاد حكمه من الروايات الخاصة و بعض الروايات السابقة و ان كان ظاهرا في فعلية المقاتلة و لكن قد عرفت انها ضعيف السند، و الحق انه تصدق عنوان الغنيمة بالمعني الخاص عليه.
نعم في رواية معاوية بن وهب ما ينافيه، «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام السرية يبعثها الامام فيصيبون الغنائم كيف تقسم؟ قال عليه السّلام: ان قاتلوا عليها مع امير امرة الامام اخرج منها الخمس للّه تعالي و للرسول و قسم بينهم ثلاثة اخماس و ان لم يكونوا
قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 35
حيث احب». «1»
و هو كالصريح في انه اذا لم يكن هناك قتال كان جميع الغنيمة للإمام عليه السّلام و لعله لذلك اورده في الوسائل في ابواب الانفال، و لازمه عدم كفاية مجرد التهيؤ للقتال بل تعتبر فعلية القتال.
و سند الرواية صحيحة لان ابن محبوب و هو الحسن بن محبوب من اجلاء اصحاب الكاظم و الرضا- عليهما السلام- و هو من اصحاب الاجماع و كان يعد من الاركان.
و روي عن ستين رجل من اصحاب ابي عبد الله عليه السّلام.
و معاوية بن وهب ثقة صحيح حسن الطريقة كما ذكره النجاشي و العلامة، و كان من اصحاب الصادق و ابي الحسن الكاظم- عليهما السلام- و ليس في سندها من يمكن الايراد فيه، و جلالة ابراهيم بن هاشم أيضا معلومة، و مع ذلك لا ادري لم عبر عنها في المستمسك بالمصححة التي يدل علي نوع ترديد منه في ذلك، فتحصل ان التهيؤ للمقاتلة غير كاف و نرجع به عما ذكرناه في التعليقة علي العروة الوثقي. و لكن قد جعل فيها للمقاتلين ثلاثة اخماس و هو مما لم يقل به احد، فان لهم اربعة اخماس الغنائم كما يدل عليه قوله تعالي: فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي الآية فجعل خمس الغنائم للّه و الرسول الخ و الباقي للمقاتلين.
و لا يخفي انه يشكل الاخذ ببعض الرواية و ترك بعضها الاخر لجريان سيرة العقلاء علي التشكيك في تمام السند الذي وجد ضعف في بعضه فتأمل، فانه قال معلق الوسائل عند ذكر الحديث: «و الصحيح كما في المصدر و كما يأتي هناك اربعة اخماس»
و لكن مع ذلك كله لا يمكن الركون
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 36
عنده كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه فانتظر.
، فلو لم يكن باذنه كان كله للإمام عليه السّلام. قال الشيخ في الخلاف: «اذا دخل قوم دار الحرب و قاتلوا بغير اذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام عليه السّلام خاصة و خالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»
و قال العلامة في المنتهي: «اذا قاتل قوم من غير اذن الامام ففتحوا كانت الغنيمة للإمام، ذهب اليه الشيخان و السيد المرتضي و اتباعهم و قال الشافعي حكمها، حكم الغنيمة مع اذن الامام لكنه مكروه، و قال ابو حنيفة هي لهم و لا خمس و لا حمد ثلاثة اقوال: كقول الشافعي و ابي حنفيه و ثالثها لا شي ء لهم فيه». «2»
و ادعي في المستند: «الشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كتب الجماعة و عن الخلاف و السرائر دعوي الاجماع عليه و في الروضة لا قائل بخلافهما». «3»
و لكن مع ذلك حكي عن المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة باذن الامام و قواه في المنتهي و تردد في النافع.
1- و اطلاق الآية الكريمة و ساير اطلاقات ادلة الخمس في الغنيمة الواردة في روايات الباب، فانها دالة علي عموم الحكم فيشمل صورة عدم الاذن
______________________________
(1)- كتاب الفي ء و الغنائم، المسألة 16.
(2)- المنتهي، مبحث الانفال، الصفحة 553.
(3)- المستند، المجلد 2، مبحث الانفال، الصفحة 195.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 37
أيضا و هو جيد لو لا الدليل علي التقييد كما سيأتي إن شاء اللّه.
2- و استدل له أيضا بصحيحة الحلبي او حسنته عن ابي عبد الله عليه السّلام في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال:
«يؤدي خمسا و يطيب له». «1»
و كونه مصداقا لعدم اذنهم واضح، ما ذكره في الجواهر من المحامل:
من
احتمال التقيه او تحليل الامام عليه السّلام له خاصة او كون الحرب باذنهم لان اصحابه عليه السّلام لم يصدروا غالبا الا باذن منهم، كلها مخالف لظاهر الحديث او اطلاقه.
نعم يمكن ان يقال بان معاملة الاراضي الخراجية مع الاراضي التي اخذت في الفتوحات الاسلامية مع انه لو لا الاذن كانت كلها للإمام، و كذا التصريح بتحليل خمسهم من السبايا حتي تطيب ولادتهم، كلها دليل علي امضائهم لهذه الفتوحات كلها لكونها في طريق اعلاء كلمة الحق و ان كانت علي ايدي الغاصبين من الامويين و غيرهم و لا يزال اللّه يؤيد هذا الدين برجال الاخلاق لهم.
ففي التفسير المنسوب الي مولانا العسكري عليه السّلام: «عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السّلام انه قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: قد علمت يا رسول اللّه انه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي علي خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لان نصيبي فيه فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم و لا يولدون اولادهم اولاد حرام الحديث». «2» و هو كالصريح في انه ليس لهم
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 20.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 38
من هذه الا الخمس و لا يصح الا علي ما ذكرنا اي اذنهم للمقاتلين و الا كانت جميعها لهم.
3- و استدل له أيضا بصحيحة علي بن مهزيار الطويلة و فيها في عداد ما يجب فيه الخمس «و مثل عدو
يصطلم فيؤخذ ماله». «1»
و لكنها اجنبية عما نحن بصدده لان الكلام في ما يؤخذ بالقهر و الغلبة لا باذنهم- عليهم السلام- اللهم الا ان يقال بانها تدل علي المقصود بطريق اولي فتأمل.
و لكن في مقابل هذا كله مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اذ غزي قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام و اذا غزوا بامر الامام فغنموا كان للإمام الخمس». «2»
و دلالتها صريحة علي مذهب المشهور و هو كون الخمس مشروطا باذن الامام في الحرب و الا كانت الجميع من الانفال و له عليه السّلام.
اما سندها ضعيفة بالارسال و لكن العباس ثقة و هو عباس بن موسي وثّقه النجاشي و العلامة، و الرواية مجبورة بعمل الاصحاب كما لا يخفي و قد قال الشهيد في المسالك: «و ضعفها منجبر بالشهرة» و من هنا يظهر ان الانجبار بالشهرة كان قبل زمان الشيخ الانصاري- رحمه اللّه- خلافا لما قد يتوهم من كون اكثر الانجبارات بعد زمان الشيخ.
هذا مضافا الي ما افاده صاحب الحدائق- قدس سره- حيث ذكر في ابواب الانفال (لا في باب خمس الغنيمه) ما نصه: «و الظاهر ان منشأ هذا الخلاف انما هو من حيث انهم لم يقفوا علي دليل لهذا الحكم الا مرسلة العباس
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 16.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 39
الوراق المتقدمة و هي ضعيفة باصطلاحهم سيما مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة و انت خبير بانه قد تقدم في صحيحة معاوية بن وهب او حسنته بابراهيم بن
هاشم (3/ 5 من الانفال) ما يدل علي ما دلت عليه رواية الوراق و حينئذ فلا يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند بناء علي انه لا دليل عليه الا الرواية التي ذكروها انتهي». «1»
و كأنه- قدس سره- استدل بصدرها الدال علي اعتبار قيدين المقاتلة و اذن الامام، حيث قال: «ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرّسول».
نعم المذكور في ذيلها خصوص مفهوم القيد الاول و هو عدم المقاتلة و انه حينئذ كان الجميع للإمام، و لكن ظهور الصدر في المفهوم مما لا ينكر و عدم ذكره في ذيل الرواية غير مانع.
و لكن الذي يوهن الرواية ان ظاهر قوله: «اخرج منها الخمس للّه و للرّسول و قسم بينهم ثلاثة اخماس» كون خمس لله و خمس للرسول و ثلاثة اخماس للمقاتلين، هذا شي ء لم يعرف قائل به مطلقا بل هذا مخالف صريح لآية الخمس، فانها تدل علي وجوب خمس واحد للّه و لرسوله الخ لا خمسان كما في هذه الرواية، فلا محيص الا من طرح الرواية و طردها لمخالفتها لكتاب الله و للإجماع.
و القول بان عدم العمل ببعضها لا ينافي العمل بالباقي مدفوع بما عرفت سابقا من ان عمدة دليل حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء و ليس بنائهم علي تقطيع امثال هذه الروايات و العمل ببعضها و ترك بعضها الاخر، بل انهم اذا وجدوا في رواية او سند وقف او وصية مما هو باطل قطعا، سري الشك لهم
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 478.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 40
في باقيها و توقفوا عن العمل بها.
ان قلت: الموجود في نسخة الكافي الذي هو المصدر
للحديث هو اربعة اخماس، فالخطأ انما هو في نسخة الوسائل و لعله وقع من الناسخ.
قلت: كلا، اكثر نسخ الكافي (علي ما حكاه محققه في بعض حواشيه) هو ثلاثة اخماس و كذا النسخة الموجودة عند المجلسي- قدس سره- الذي بني عليها شرحه المعروف بمرآة العقول، و كذا النسخة الموجودة عند الفيض الكاشاني التي بني عليها كتاب الوافي، و كذا النسخة الموجودة عند صاحب الجواهر كما يظهر من كلامه في ج 16، صفحه 127، و هكذا النسخة الموجودة عند صاحب المستند كما يظهر من قوله فيه المجلد 2 الصفحة 195، نعم في الوسائل في ابواب الجهاد «1»، هو اربعة اخماس و لكنه حكاه في ابواب الخمس ثلاثة اخماس، و صاحب الحدائق حكاه اربعة. «2»
و كذا سيدنا الحكيم في محل الكلام من المستمسك.
و الحاصل: ان اكثر النسخ القديمة كانت بعنوان ثلاثة اخماس كما يظهر من مجموع كلماتهم، و يؤيده عدم استدلال المشهور بها في المقام مع ظهورها في المطلوب.
سلمنا ان النسخ مختلفة لا يفضل احداها علي الاخري، و لكن هذا كاف في اسقاطها عن جواز الاستدلال بها.
ان قلت: قوله «اخرج منها الخمس للّه و للرّسول» في صدر الرواية دليل علي اخراج خمس واحد منها فيبقي اربعة اخماس فهذا قرينة علي نسخة الاربعة.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 14، كتاب الجهاد، الباب 41، الحديث 1.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 471.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 41
قلت: يمكن ان يكون المراد من هذه العبارة اخراج خمس للّه و اخراج خمس للرّسول بقرينة الذيل، و لو سلم ظهور هذه العبارة في صدرها في الجملة لكن يمنعه صراحة نسخ الثلاثة في ذيلها.
ان قلت: ان قوله عليه السّلام «ان قاتلوا عليها
مع امير امره الامام» في صدر الرواية ليس في مقام الاحتراز عن صورة عدم اذن الامام، بل هذه العبارة بملاحظة كون القيد مأخوذا في كلام الراوي حيث قال: «السرية يبعثها الامام».
قلت: هذا علي عكس المطلوب ادل، لان اذن الامام لو لم يكن شرطا في الحكم لم يحتج الي تكراره في قوله «مع امير امره الامام» بل كان عليه تركه، و هذا مثل ان يسأل الراوي عن دخوله في البلد عن السفر قبل الظهر في شهر رمضان، فقال عليه السّلام في الجواب «ان كنت دخلت البلد قبل الظهر فصم»، كان هذا القيد ظاهرا في الاحتراز.
و لذا قال المحقق الهمداني في بعض كلماته في المقام: «لكن ذكر هذا القيد في الجواب مع كونه مفروضا في السؤال مشعر بان له دخلا في الاستحقاق لو لم نقل بكونه ظاهرا في ذلك». «1»
ان قلت: فلما ذا لم يذكر مفهوم هذا القيد في ذيل الرواية و اكتفي بذكر مفهوم القيد الثاني و هو المقاتلة فقط؟
قلت: كأنه او كله الي وضوحه، فانه لا يحتاج الي ذكر مفهوم كل قيد قيد، و يكفي ذكر بعضها مما هو محل الحاجة كما في المقام.
فتحصل من جميع ذلك: ان الاقوي ما هو المشهور من ان الغنيمة لو لم تكن باذن الامام كان جميعا له و تدل عليه مرسلة العباس الوراق المنجبرة
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، كتاب الخمس و الزكاة، الصفحة 153.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 42
بعمل الاصحاب و لعل السرّ فيه انه مجازاة لهم حتي لا يقاتلوا بغير اذنه حتي لا يكون الطمع في الغنائم سببا لإثارة الحروب بغير اذن ولي امر المسلمين، و لو لا ذلك قام بعض الناس علي حرب الكفار طمعا
في غنائمهم، لا اقول هذا دليل الحكم بل اقول لعل الحكمة كانت كذلك.
هذا مضافا الي ما في دعوي الخصم من الضعف و الفشل.
اما العمومات فقد عرفت امكان تقييدها بما عرفت من دليل المشهور، و اما رواية الحلبي فقد عرفت ضعف دلالتها علي المطلوب، بل سندها أيضا ضعيفة فان السعد و هو سعد بن عبد اللّه و ان كان ثقة من المشايخ الا ان المروي عنه و هو علي بن اسماعيل المعروف بعلي بن السندي محل اشكال، لانا لم نر له توثيقا في الرجال ما عدا توثيق نصر بن الصباح عنه، و لكن النصر، أيضا مجهول الحال بل ورد في ذمه بعض كلمات اهل الرجال انه كان غاليا. نعم كون علي بن اسماعيل من اصحاب الرضا عليه السّلام و كثير الرواية مع نقل المشايخ عنه لعله يجعله من الممدوحين، و لكن هذا المقدار غير كاف في صحة سند الروايه كما هو ظاهر.
و ما لم يحوه، من الاراضي و الدور و غيرهما؟ صرح في العروة بعدم الفرق و لكن اشكل عليه كثر من المحشين بعدم ثبوت الخمس في الاراضي او الترديد فيه.
و المشهور عدم الفرق بينهما، قال الشيخ قدس سره في الخلاف: «ما لا ينقل و لا يحول من الدور و العقارات و الارضين عندنا ان فيه الخمس فيكون لأهله و الباقي لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر فيصرف
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 43
ارتفاعه في مصالحهم و عند الشافعي ان حكمه حكم ما ينقل و يحول، خمسه لأهل الخمس و الباقي للمقاتلة الغانمين … و ذهب قوم الي ان الامام مخير بين شيئين ان يقسمه علي الغانمين و بين
ان يقفه علي المسلمين … و ذهب ابو حنيفة و اصحابه الي ان الامام مخير بين ثلاثة اشياء بين ان يقسمه علي الغانمين و بين ان يقفه علي المسلمين و بين ان يقر اهلها عليها و يضرب عليهم الجزية باسم الخراج … و ذهب مالك الي ان ذلك يصير وقفا علي المسلمين بنفس الاستغنام و الاخذ … دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»
و ظاهر هذا الكلام اجماع الشيعة علي تعلق الخمس بالارضين أيضا، كإجماعهم علي كون الباقي ملكا لجميع المسلمين (ملكا شبه الوقف) و لكن اختلف المخالفون فهم بين قائل بمذهب الشيعة و بين قائل بالتخيير بين اثنين او ثلاثة او اختصاصها بالمسلمين من غير خمس.
و قال الشيخ- قدس سره- في النهاية: «كل ما يغنمه المسلمون في دار الحرب من جميع الاصناف … مما حواه العسكر يخرج منه الخمس و اربعة اخماس ما يبقي يقسم بين المقاتلة و ما لم يحوه العسكر من الارضين و العقارات و غيرها من انواع الغنائم يخرج منه الخمس و الباقي تكون للمسلمين قاطبة». «2»
و قال النراقي في المستند: «صريح جماعة عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول و غيره و أظهر من بعض المتأخرين التخصيص بالاول». «3»
______________________________
(1)- الخلاف، كتاب الفي ء و قسمة الغنائم، المسألة 18.
(2)- النهاية، الصفحة 198.
(3)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 72.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 44
و ظاهر كلام الجواهر في كتاب الجهاد عدم الخمس فيها و حكي فيها عن بعض حواشي القواعد التفصيل بين حال ظهور الامام عليه السّلام فيخرج منها الخمس و حال الغيبة فلا يخرج، و لعله ناظر الي نصوص التحليل. «1»
و ممن صرح بعدم الخمس فيها أيضا صاحب
الحدائق و قال: «لم يقف علي مستند يدل علي ما هو ظاهر الاصحاب من وجوب الخمس فيها الا ظاهر الاية التي يمكن تخصيصها بالاخبار». «2»
فالمتحصل مما ذكرنا ان الاقوال في المسألة عند الاصحاب ثلاثة:
1- تعلق الخمس بها و هو المشهور لا سيما بين القدماء.
2- عدم تعلق الخمس و هو ظاهر جمع ممن تأخر كصاحب الجواهر و الحدائق، و جمع من محشي العروة.
3- التفصيل بين زمن الحضور و الغيبة، فيجب في خصوص الاول و هو المحكي عن بعض حواشي القواعد.
و الاقوي هو القول بالعدم، فان غاية ما استدل به علي مذهب المشهور امور:
1- اهمها اطلاق الآية الشريفة، فان الغنيمة مطلقة تشمل المنقول و غيره و لا وجه لتخصيصها بالمنقول.
و فيه: ان ظاهرها تعلق الخمس بما يكون اربعة اخماسه الباقية للمقاتلين، فان قوله «غنمتم» ظاهر في كون الغنيمة للمقاتلين الذين اكتسبوها، و انه يخرج منها الخمس و يبقي الباقي لهم، هذا مثل ان يقال اذا اكتسبت ربحا ادّ خمسه الي الامام يعني يكون الباقي لك، و هذا امر ظاهر، و من المعلوم ان
______________________________
(1)- الجواهر، المجلد 21، الصفحة 156.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 324.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 45
الاراضي لو قلنا بتعلق الخمس بها لا يكون باقيها للمقاتلين بالإجماع بل لجميع المسلمين، و هذه القرينة الخارجية سبب انصراف ظهور الآية و اختصاصها بالمنقول.
و قد ظفرت بعد ذلك بتعبير جيد في مستند العروة في المقام قال:
«الغنيمة هي الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم فتخصص بما يقسم بين المقاتلين و هي الغنائم المنقولة». «1»
و يؤيده ان المتداول بين الناس قبل الإسلام عدم تقسيم الاراضي المفتوحة بين المقاتلين، فنزلت الآية في جو كان المسلم عندهم ذلك
و هذا يوجب انصراف الغنيمة المذكورة في الاية عن غير المنقول.
هذا و ذكر بعض الفقهاء مثل صاحب الحدائق بعد قبول ظهور الآية في العموم، انه يمكن تخصيصها بالاخبار الدالة علي انحصار الخمس فيما ينقل و يحول. «2»
و اورد عليه المحقق الخوانساري بان النسبة بينهما عموم من وجه و مورد الافتراق من ناحية الاخبار المتعرضة لأحكام الاراضي الخراجية هو الاراضي التي فتحت صلحا. «3» (و مادة الاجتماع الاراضي المفتوحة عنوة).
هذا و الظاهر ان اكثر الاراضي الخراجية كانت من المفتوحة عنوة بحيث لا يمكن اخراجها عن عموم الاخبار الدالة علي حكمها للزوم تخصيص الاكثر، فاللازم معاملة العموم و الخصوص معهما و تخصيص عموم الاية بهذه الاخبار الظاهرة في عدم الخمس و بعبارة اخري بما ان اكثر الاراضي
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 12.
(2)- نفس المصدر السابق.
(3)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 102 و ما بعدها.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 46
الخراجية كانت من المفتوحة عنوة، لو اخرجناها من تحت الاخبار و ادخلناها تحت عموم الآية ستبقي الاخبار مشتملة علي اراضي الصلح فقط، فيلزم تخصيص الاكثر القبيح و عليه فالقاعدة في امثال المقام جعل النسبة عموما مطلقا لا من وجه.
2- ما رواه ابو حمزة عن الباقر عليه السّلام قال: «ان اللّه جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء … و اللّه يا ابا حمزة ما من ارض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان او مالا الحديث». «1»
3- ما رواه عمر بن يزيد عن ابي سيار مسمع بن عبد الملك (في حديث) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: اني كنت و ليت
الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احسبها عنك و اعرض لها و هي حقك الذي جعل الله تعالي لك في اموالنا. فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس، يا ابا سيار الارض كلها لنا فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا الحديث». «2»
4- اطلاق رواية ابو بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، فان لنا خمسه و لا يحل لا حد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا». «3»
5- اطلاق رواية احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 19.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 47
و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفط الخامس الحديث». «1»
استدل بهذه الروايات الاربعة المحقق اليزدي في بعض حواشيه. «2»
و العجب من مستند العروة حيث ذكر في وجه كون النسبة عموما من وجه ان نصوص الخراج تختص بغير المنقول و تعم مقدار الخمس و غيره «3» مع ان النسبة لا بد ان تلاحظ بين الموضوعين لا بين الحكمين، فلا بد ان يكون مورد الاخبار- اي الاراضي- اعم من وجه من مورد الآية و هو الغنائم و هذا لا يكون
الا باضافة اراضي الصلح اليها، و اما تعلق الخمس و عدمه فهو نفس الحكم في الدليلين فتدبر فانه دقيق.
اقول: اما الرواية الاولي فلا دلالة لها علي المقصود، لاحتمال كونها ناظرة الي خصوص المنقول من الغنائم بقرينة ذيلها و هو التصريح بالفرج (اي السبايا) و المال.
فالمراد من قوله «ما من ارض تفتح» الغنائم الحاصلة من الفتح مما ينقل و يحول.
هذا مضافا الي ان الاستدلال باية الخمس أيضا قرينة علي ما ذكر بعد ما عرفت ظهورها في ما يكون الباقي للغانمين، و يزيدك هذا وضوحا مراجعة صدر الرواية فانها بصدد بيان حكم السبايا التي تكون من الغنائم و هي مما ينقل.
هذا مضافا الي ضعف سند الحديث لجهالة حسن بن عبد الرحمن.
و اما الثانية فلضعف دلالتها أيضا لظهورها في كون جميع الاراضي لهم
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.
(2)- حاشية المكاسب، الصفحة 52.
(3)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 13.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 48
و هذا لا يكون الا بمعني آخر غير ما نحن بصدده و هو ملكهم لجميع الاراضي سواء المفتوح عنوة و غيرها، هذه هي الملكية التي منحها اللّه لهم في جميع الاراضي تبعا لملكه تعالي لجميع السماوات و الارض، او ناظرة الي ان جميع الاراضي تكون ملكيتها بالاحياء بعد ما كانت في الاصل مواتا، و الموات من الانفال و هي لا تملك الا باذن ولي الامر، فهي أيضا خارجة عما نحن بصدده كما هو ظاهر.
اما بحسب السند فرجاله و ان كان غالبا من الثقات و لكن ابا جعفر الراوي عن الحسن بن محبوب كنية لجماعة كثيرة من الروات و مشتركة بين عدة كثيرة.
و
لكن الظاهر كونه احمد بن محمد بن عيسي (و هو ثقة) بقرينة رواية سعد عنه فقد قال في الوسائل عن ابي جعفر يعني احمد بن محمد بن عيسي و هذا التفسير قرينة جيدة مضافا الي قرائن اخري.
منها ما ذكره جامع الروات في الفائدة الثانية فراجع.
اما الحديث الثالث و الرابع، فلا يزيد ان عن الاطلاق و هما من قبيل قوله الخمس في خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة و ما اشبهه، و من المعلوم امكان تقييدهما بالاخبار الدالة علي حكم الخراج من دون استثناء الخمس من الاراضي.
هذا مضافا الي ان الرواية الثانية ضعيفة بالارسال و الاولي بعلي بن حمزه قائد ابي بصير و هو و ان كان كثير الرواية الا انه مذموم جدا، قال علماء الرجال في حقه انه كذاب او ملعون او انه احد عمد الواقفه الذين وقفوا علي ابي الحسن الكاظم عليه السّلام و لم يعترفوا بامامة الرضا عليه السّلام و قال الحسن بن علي بن فضال: لا استحل نقل شي ء من رواياته.
هذا غاية ما يستدل به علي قول المشهور، اما دليل القول بعدم الخمس
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 49
في الاراضي و شبهها هو اصالة العدم مضافا الي الروايات الواردة في باب الاراضي المفتوحة عنوة، فان ظاهرها كون جميعها ملكا للمسلمين من دون استثناء الخمس منها و كيف يكون خمسها للإمام (و بطبيعة الحال خمس خراجها أيضا للإمام) مع عدم وجود ذكر منه في شي ء منها فلا عين و لا اثر من حكم الخمس فيها مع كثرتها و اطلاقها و ورودها في مقام البيان، و إليك بعض ما ظفرنا عليه في هذا
الباب (و قد اوردها في الوسائل في الباب 71 و 72 و 41 من ابواب جهاد العدو و الباب 21 من ابواب عقد البيع).
1- منها ما عن ابي بردة بن رجا قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام كيف تري في شراء ارض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك هي ارض المسلمين. قال قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: و يضيع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال:
لا بأس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون اقوي عليها و املي بخراجهم منه». «1»
2- و منها ما رواه صفوان و احمد بن محمد بن ابي نصر جميعا قالا:
«ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها اهل بيته، فقال: من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر مما سقي بالسماء و الانهار و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها و ما لم يعمروه منها اخذه الامام فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين و علي المتقبلين في حصصهم العشر او نصف العشر و ليس في أقلّ من خمسة او سق شي ء من الزكاة و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام يقبله بالذي يري كما صنع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني ارضها و نخلها و الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر قال و علي المتقبلين سوي قبالة الارض العشر
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 72 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 50
و
نصف العشر في حصصهم ثم قال: ان اهل الطائف اسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشروان مكة دخلها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عنوة و كانوا اسراء في يده فاعتقهم و قال اذهبوا فانتم الطلقاء». «1»
3- و منها ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به اهل بيته. فقال: العشر و نصف العشر علي من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها و ما لم يعمر منها اخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين و ليس فيما كان أقلّ من خمسة اوساق شي ء … و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر». «2»
4- و منها ما رواه الحلبي و هو اصرح من الجميع قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد.
فقلت: الشراء من الدهاقين. قال: لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان يصيرها للمسلمين فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها اخذها. قلت: فان اخذها منه؟ قال: يرد عليه رأس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل». «3»
5- ما رواه ابو الربيع الشامي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تشتر من ارض السواد (اراضي اهل السواد) شيئا الا من كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين». «4»
6- منها ما رواه محمد بن شريح قال: «سألت
ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 72 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 4.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 2.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 9.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 51
الارض من ارض الخراج فكرهه و قال: انما ارض الخراج للمسلمين. فقالوا له فانه يشتريها الرجل و عليه خراجها. فقال: لا بأس الا ان يستحيي من عيب ذلك». «1»
الي غير ذلك مما قد يظفر عليه المتتبع، و تظافر هذه الأحاديث يغنينا عن ملاحظة اسنادها مع ان فيها ما يصح اسنادها.
فتلخص من جميع ما ذكرنا ان الاقوي عدم تعلق الخمس بالاراضي المفتوحة عنوة و غيرها من الاموال غير المنقولة من الاشجار و الابنية فانها لم تكن تنفك عن تلك الاراضي كما لا يخفي فما ذهبت اليه المشهور هنا ضعيف.
1- من العجب ما ذكره في مستند العروة من «ان المشهور انما ذهبوا الي التخميس في الاراضي الخراجية زعما منهم انها غنيمة للمقاتلين لا باعتبار كونها غنيمة لعامة المسلمين كما لا يخفي». «2»
مع انه لم يقل احد بكونها للمقاتلين بل هي للمسلمين عامة و قد حكي الاجماع عليه جماعة من اكابر الفقهاء و قال في الجواهر:
«لا اجد فيه خلافا بيننا و ان توهم من عبارة الكافي في تفسير الفي ء و الانفال لكنه في غير محله». «3»
نعم كونها للمقاتلين مذهب بعض العامة- كما مر عند نقل الاقوال- و لم
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.
(2)- مستند العروة الوثقي، كتاب
الخمس، الصفحة 14.
(3)- جواهر الكلام، المجلد 21، كتاب الجهاد، الصفحة 157.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 52
يوافقهم احد من اصحابنا فيما نعلم فكيف بالمشهور.
و من هنا يظهر ان السر في عدم تعلق الخمس بها لعله مقاربة مصرف الخمس و الاراضي الخراجية من بعض الجهات، فان سهم الامام عليه السّلام تصرف في مصالح الحكومة التي هي مصالح المسلمين كما ان مال الخراج أيضا كذلك، و لا تؤخذ الماليات من الماليات.
2- هل هناك تفاوت بين عنوان المنقول و غير المنقول و عنوان ما حواه العسكر و ما لم يحوه، او هما عبارتان لموضوع واحد؟
ظاهر عبارة النهاية هو الثاني حيث قال:
«مما حواه العسكر … و ما لم يحوه من الارضين و العقارات و غيرها». «1»
(و العقار كل ماله اصل و قرار كالأرض و الدار). و الظاهر ان «من» بيانية لا تبعيضة.
و كذلك ظاهر كلام المحقق في الشرائع حيث قال: «الاول غنائم دار الحرب مما حواه العسكر و لم يحوه من ارض و غيرها».
و يظهر ذلك من عبارة المحقق الهمداني في مصباح الفقيه «2» و يظهر ذلك من غيرهما أيضا.
و لكن ظاهر بعض آخر هو التفاوت بينهما كالعلامة في التذكرة حيث قال: «الاول الغنائم المأخوذة من دار الحرب فما حواه العسكر و ما لم يحوه، امكن نقله كالثياب و الدواب و غيرها او لا كالأراضي و العقارات». «3»
و ظاهر العروة أيضا ذلك بل ادعي في مستند العروة انه علي الاول- اي
______________________________
(1)- النهاية، الصفحة 198.
(2)- مصباح الفقيه، كتاب الخمس و الزكاة، الصفحة 108.
(3)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 251.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 53
عدم الفرق بين ما حواه العسكر و غيره- الاجماع، و
علي الثاني- اي عدم الفرق بين المنقول و غيره- هو الشهرة و هو كالصريح في الفرق.
و الظاهر ان مراد هؤلاء مما حواه العسكر، الغنائم التي وقعت في ايديهم و ما لم يحوه ما لم يقع في ايديهم و ان كانت منقولة كالمواشي و الاغنام الموجودة في تلك الاراضي و ساير ما فيها و في دورهم من الادوات.
و لكن لو كان مرادهم ذلك امكن الاشكال فيه، لان الظاهر من عنوان «غنمتم» هو الغنائم التي وقعت بايديهم و تحت سلطتهم بحيث يصدق عليها انه مما حواه العسكر، فانه بمعني القبض و الاحراز، اما ما خرج من تحت سلطتهم فهو ما لم يحوه العسكر و يشكل صدق الغنيمة عليه بل هو باق علي ملك صاحبه لو كانت تحت يده او لا يكون ملكا لأحد لو كان اعرض عنه، و ليس هناك ما يدل علي كونها ملكا مطلقا، فدعوي الاجماع عليه بعيد جدا.
و يؤيد ما ذكرنا ما رواه جميل عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «انما تضرب (تصرف) السهام علي ما حوي العسكر» «1» فالاولي تفسيرهما بمعني واحد حتي لا يرد اشكال من هذه الناحية و عدم اجراء حكم الغنيمة علي ما ليس تحت استيلاء العسكر فتدبر.
و اختاره في الشرائع و الجواهر و غيرهما و قال في العروة (في الخمس) بعد اخراج المؤن التي انفقت علي الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعي و نحوها و لم يستشكل عليه احد من المحشين فيما رأينا.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 2، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 54
و قال النراقي- قدس سره- في المستند: «و يشترط في وجوب الخمس
في الفوائد المكتسبة باقسامها الخمسة وضع مؤنة التحصيل التي يحتاج اليها …
من حفظ الغنيمة و نقلها». «1»
و لكن قال في الحدائق: «قد اختلفوا في تقديم الخمس علي المؤن و عدمه». «2»
و يظهر من هذا الكلام وجود الخلف في المسألة، و حكي القول بالعدم عن الخلاف و الشهيدين و غيرهم استنادا الي اطلاق الآية.
و علي كل حال يدل علي استثنائها امور:
1- عدم صدق الغنيمة بمعني الفائدة علي ما يقابلها، فلو عرض كونها بمقدار الغنيمة او اكثر منها لم يستفد فائدة.
2- قاعدة العدل و الانصاف، فانه مال مشترك بين الغانمين و ارباب الخمس فلا وجه لاختصاص المئونة بالاول فقط.
3- الروايات الدالة علي كون الخمس بعد المئونة:
1- منها صحيحة البزنطي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «كتبت الي ابي جعفر عليه السّلام: الخمس اخرجه قبل المؤونة او بعد المئونة؟ فكتب: بعد المئونة». «3»
2- ما عن ابراهيم بن محمد الهمداني ان في توقيعات الرضا عليه السّلام اليه: «ان الخمس بعد المئونة». «4»
3- مرسلة محمد بن الحسن الاشعري قال: «كتب بعض اصحابنا الي ابي
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 327.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 55
جعفر الثاني عليه السّلام: اخبرني عن الخمس اعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه:
الخمس بعد المئونة». «1»
هذا و لكن هل المراد بالمئونة في هذه الروايات هو مؤنة المعاش للإنسان او اعم منه و من مؤنة
الاعمال؟ قد يدعي اطلاقها و لا أقلّ من الاجمال و الابهام فيمنع عن الاخذ بالعموم و هل يسري هذا الاجمال الي العام اعني قوله تعالي: و اعلموا انّما غنمتم الآية؟ ذهب المحقق النراقي في المستند الي السراية، فحكم بعدم جواز التمسك بالعام لإجماله فلا يجب الخمس في مئونة التحصيل، و لكن التحقيق خلافه لان اجمال الخاص انما يسري الي العام اذا كان المخصص متصلا دون ما اذا كان منفصلا لانعقاد ظهور العام كما في المقام و عليه فلا يجوز اخراج مؤنه التحصيل بقطع النظر عن سائر الادلة. هذا و لكن الانصاف ظهورها في مؤنة المعاش بقرينة ساير ما ورد في هذا الباب، مثل قوله عليه السّلام: «بعد مؤنتة و مؤنة عياله». «2»
و قوله عليه السّلام: «بعد مؤنتهم». «3»
و قوله عليه السّلام: «من كانت ضيعته تقوم بمئونته». «4» و قوله: «الخمس مما يفضل من مؤنته» «5» الي غير ذلك.
فالعمدة في الاستدلال هي عدم شمول الغنيمة لها، و قاعدة العدل و الاحسان.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 56
ثم ان المئونة علي ثلاثة اقسام:
منها يصرف لأمور الحرب و لا شك انه ليس لتحصيل الغنيمة و لا دخل لها.
و قسم يصرف لتحصيل الغنيمة كما اذا كانت
في محل لا تصل الايدي اليها الا بصرف مؤنة. و قسم منها يصرف لحفظها و حملها الي الامام و شبه ذلك. و الاول مانع من صدق الغنيمة بمقداره، و اما الثاني فليس بمانع لأنه بعد صدق الغنيمه و القول بانه أيضا مانع، لان الانتفاع منها لا يمكن بدونه كما تري، فان الانتفاع غير معتبر في حقيقة الغنيمة و مفهومها فالاولي الاستدلال علي استثنائها بقاعدة العدل و الانصاف و مقتضي حكم الشركة بين الغانمين و ارباب الخمس.
و هو ما يجعله الإمام من الغنيمة علي مصلحة من مصالح المسلمين و قد ارسله بعضهم ارسال المسلمات.
و قد اشار اليه في الجواهر من دون ذكر الدليل حيث قال: «عن اللمعة و الروضة التصريح باخراج الجعائل علي مصلحة من مصالح المسلمين و هو قوي». «1»
و قد يستدل له بمرسلة حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح في حديث قال: «و الامام صفو المال … و له ان يسد بذلك المال جميع ما ينوبه فان بقي بعد ذلك شي ء اخرج الخمس منه». «2»
و لكنه مشكل لضعفها بالارسال، و انجبارها بالشهرة غير ثابت مع انه
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، خمس الغنائم.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 57
مخالف لظاهر الاية حيث لم يجعل للإمام عليه السّلام و ارباب الخمس ما يزيد عليه، اللهم الا ان يتمسك بكون النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اولي بالمؤمنين من انفسهم و كذا الائمة المعصومين عليهم السلام.
و هل يجوز ذلك للفقيه القائم مقامه؟ لا يبعد ذلك اذا كان مصلحة للمسلمين مصلحة اقوي و اهم من حكم الغنيمة بحيث
دخل تحث قاعدة الاهم و المهم و الا كان مشكلا (و هذا اذا لم يجد بدا منه كموارد الاضطرار).
، قال المحقق في المعتبر: «و من الانفال صفايا الملوك و قطائعهم و معني ذلك اذا فتحت ارض من اهل الحرب فما كان يختص به ملكهم مما ليس بغصب من مسلم يكون للإمام كما كان للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم استدل علي ذلك بسيرة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اولا و بغير واحد من الروايات ثانيا.
ثم حكي عن الجمهور القول ببطلانه بعد موته عليه السّلام اي لا يجوز ذلك لأحد بعده صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»
و عن المنتهي انه ذهب اليه علمائنا اجمع «ما لم يضر بالعسكر» و الظاهر ان الحكم متسالم بينهم كما اشار اليه في مستند العروة.
و يدل عليه غير واحد من الأحاديث.
1- منها ما رواه سماعة قال: «سألته عن الانفال، فقال: كل ارض خربة او شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيه سهم». «2»
______________________________
(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 633.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 8.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 58
2- و في رواية حماد الطويلة عن العبد الصالح: «و للإمام صفو المال». «1»
3- و في رواية اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام: «و ما كان للملوك فهو للإمام». «2»
4- و في مرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام: « … و لنا صفو المال يعني يصفو ها ما احب للإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفارة و الثوب الحسن و ما اشبه ذلك
من رقيق او متاع». «3»
5- و اوضح من الكل ما رواه ابو بصير عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «سألته عن صفو المال. قال الامام: يأخذ الجارية الروقة و المركب الفارة و السيف القاطع و الروع، قيل ان تقسم الغنيمة و هذا صفو المال». «4»
و الجارية الروقة هي الجميلة جدا، و المركب الفارة هو الجميل الشاب او الماهر في العدو.
و اختلاف تعبير انها لا يضر بالمقصود، فان الظاهر ان المراد من الدرع هو الدرع النفيس الذي يعد من الصفايا، و قوله ما كان للملوك مرادف لصفو المال و كذا المصاديق المذكورة في الروايات تتحد مع هذا العنوان.
و الظاهر ان هذا الامر كان متداولا في الحروب قبل الإسلام و ان كان ذلك لطمع الملوك و تجبرهم و لكن امضاه الإسلام لحكمة اخري و هي ان كون هذه الامور بايدي الناس سببا للتشاجر و التنازع بين الناس غالبا و كل يدعي اولويته لها و يتفاخر بها علي غيره.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 21.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 59
فلم يرض الشارع المقدس بهذا الامر و جعل امرها بيد امام و جعل امرها بيد امام المسلمين، و الا لم يسمع انتفاع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في عصره بهذه الامور شخصا و لا شك انه كان بين غنائم عصره امورا نفيسة لا سيما غنائم خيبر و امثاله، نعم تزوج صلي اللّه
عليه و آله و سلم به جلبا لحماية اليهود و دفعا لبغضاهم.
و الحاصل ان هذا حكم سياسي امضاه الشارع لدفع الخصومات لا غير.
و قد ادعي عليه الاجماع، لكن الظاهر عدم ذكرها في كلمات كثير منهم و ان نطق بهذا الحكم غير واحد من روايات الباب.
1- منها ما رواه داود بن فرقد قال: «قال ابو عبد الله عليه السّلام: قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي ء» «1» و قد وصفه في مستند العروة بالصحة …
2- منها رواية اخري مرسلة عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله عليه السّلام: «قلت له: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و قطائع الملوك». «2»
3- مرسلة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «ما كان للملوك فهو للإمام». «3» و يدل عليه أيضا بعض ما مر آنفا في مبحث الصفايا.
انما الكلام في المراد من القطائع، و قد فسده بعضهم بخالصة الملوك، و قد يحتمل انها عبارة عما يقطعون من الغنيمة لغيرهم او لأنفسهم مما ليس بمنقول (كما في مجتمع البحرين).
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 6.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 32.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 31.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 60
و من الواضح ان الاول داخل في الصفايا و الثاني في الجعائل، فليس هناك عنوانان مختلفان و لعله لذلك يذكره غيره واحد من اساطين الفقه، و الثالث اعني كون القطائع من غير المنقول لا يوافق المختار من عدم الخمس في الاراضي و شبهها حتي يحتاج الي الاستناد.
و الظاهر ان النسبة بينهما عموم مطلق، فالصفايا عبارة عن
كلّ ما يختص بالملوك بالفعل او يليق ان يكون كذلك من نفايس الغنائم و ما يكون نفيسا في حد ذاته و ان لم يكن خاصا بالملوك و لكن القطائع تختص بالاول فقط.
هذا و لو قيل انهما بمعني واحد لم يكن بعيدا اذا اريد من الصفايا ما يليق بهم و ان لم يكن فعلا لهم، و القطائع ليس شيئا و رأي ذلك فانهم لا يقطعون كل شي ء بل الاشياء النفيسة التي تليق بهم، نعم لو أريد منها القطائع بالفعل كان اخص من الصفايا، و علي كل حال لا وجه لعطفها علي الصفايا في العروة بقوله «و كذا قطائع الملوك» فتدبر.
و علي كل حال الظاهر عدم اختصاصها بالامام المعصوم و تشمل نائب الغيبة لما مر من اطلاق ادلة النيابة الشاملة لما نحن فيه اولا و لأنه حكم امضائي سياسي ثانيا، فتأمل.
ثم انه كرر البحث في العروة الوثقي عن اشتراط كون الغزوة باذن الامام و صرح بانه: «ان كان في زمن الحضور و امكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام عليه السّلام و ان كان في زمن الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة».
اقول: اما في زمن الحضور فالامر واضح كما مر و المسألة مشهورة غاية الاشتهار و ان لم تكن اجماعية و يدل عليه ما عرفت مبسوطا في الشرط الثاني.
و اما في زمن الغيبة فان قلنا بجواز الجهاد الابتدائي باذن نائب الغيبة فالامر أيضا واضح، لان اذنه يقوم مقام اذن الامام عليه السّلام فلو قاتلوا بغير اذنه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 61
كانت الغنيمة كلها من الانفال المعلوم مصرفها، و ان قلنا بعدم جوازه فالاقوي أيضا كونها كذلك، لان ظاهر حديث الوراق و غيره اشتراط الاذن
فاذا انعدم كانت الغنيمة كلها للإمام سواء كان لعدم وصول اليد اليه عليه السّلام او عدم اذنه مع وصولها و الانصراف الي الاول بدوي، و الحكمة المظنونة او المقطوعة لهذا الحكم- و هي عدم مبادرة الناس الي الحروب بغير الاذن طمعا في الغنائم- عامة شاملة لعصر الحضور و الغيبة.
نعم اذا كان الحرب للدفاع عن الإسلام و المسلمين كما اذا كان هناك هجوم من ناحية الكفار، كانت الغنيمة فيها للمقاتلين و لأرباب الخمس هو الخمس لا غير لإطلاق الاية و عدم اشتراط الاذن في الدفاع.
فالحروب التي تكون في اعصارنا ان كانت بهذا العنوان لم يتعلق بغنائمها غير الخمس، و ان كانت بعنوان الجهاد الابتدائي كانت كلها من الانفال اذا قلنا بعدم جوازه في هذه الاعصار او قلنا بجوازه و لم تكن باذن نائب الغيبة.
نعم كثيرا ما تحتاج الحروب الدفاعية أيضا في عصرنا الي اجازة نائب الغيبة و تجنيد الجنود و تخطيط الخطوط و تجهيز الاسباب بحيث يكون الحرب بدونها سببا للهزيمة قطعا كما في هجوم حزب بعث العراق ضد المسلمين في ايران طول ثمان سنين فالشروع في الدفاع لا يحتاج الي اذن الولي الفقيه لكن استدامته محتاجة باذنه.
و في هذا الحال اذا اقدم واحد او جماعة الي الحرب بدون اذن الولي الفقيه و من طريق الخبراء في هذا الامر، لم يبعد كون غنائمها كلها من الانفال أيضا فتأمل. و الحاصل انه لا يكون الخمس الا فيما يشرع الحرب فيه بلا حاجة الي الاذن او مع الاذن عند الحاجة اليه.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 62
و كذا الجزية المبذولة لتلك السرية (لا مطلق الجزية التي تؤخذ من اهل الذمة) و مثله مال المصالحة،
كلها من الغنائم اذا كان كل ذلك بعد القهر و الغلبة عليهم، و قد حكي الاول عن الدوس و المسالك و الجواهر و الروضة و كشف الغطاء و لا ينبغي الشك فيه، فان الاساري من الغنائم و فدائها مثلها بلا اشكال، و اما مال الصلح و الجزية فيمكن الاشكال فيهما لعدم ورود دليل خاص في شي ء من ذلك، و الترديد في شمول الغنيمة بالمعني الاخص لهما، لان ظاهرها هو ما يؤخذ قهرا لا ما يعطونه بانفسهم و ان كان ذلك بعد ما قهروا في الحرب و الفرق بينهما ظاهر، نعم لا يبعد دعوي الغاء الخصوصية فان لفظ الغنيمة بمعناها الخاص و ان كان لا يشملهما الا ان العرف لا يري اي فرق بينهما و بين الغنائم المأخوذة من الكفار و هذا كاف في الغاء الخصوصية، و لكن اذا اخذ منهم و الحروب قائمة لم تطفأ و الا فيشكل دخولهما فيها فتدبر.
، و هل يفترق المقاتلون فيها مع المقاتلين في تلك الحروب؟
هذه مسألة مهمة لا بد من كشف النقاب عنها فانها هي المبتلي بها اليوم، و الانصاف ان المقاتلين في عصرنا علي صنوف: صنف منهم يشترك في الجهاد باختياره، و طلبا لمرضاة اللّه، و يسمي بالبسيج في عصرنا و هؤلاء داخلون في الغانمين بلا اشكال و صنف منهم ملزمون علي الشركة بحكم القوانين الجارية اليوم، و الظاهر انهم أيضا داخلون فيهم لعدم الفرق بينهم و بين المقاتلين في صدر الإسلام الذين كان النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم يفرض عليهم الجهاد.
و صنف منهم مستأجرون و موضفون للحروب يأخذون من بيت المال
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 63
اجورا مستمرة طول عمرهم
مما لم يكن منه في عصر نزول القرآن عين و لا اثر ظاهرا، و دخول هؤلاء في الغانمين لا يخلو عن اشكال، لاحتمال انصراف الادلة عنهم و كونها ناظرة الي من يبذل نفسه و امواله في سبيل اللّه بلا عوض و هؤلاء يأخذون اجرهم في مقابل جهودهم نعم للإمام ان يجعل لهم الجعائل. «1»
ان قلت: كانت مصارف الحروب في تلك الايام علي عهدة المقاتلين (مصارف السلاح و الغذاء و المراكب) و لكنها في عصرنا يكون كل ذلك علي الحكومات، فلا سهم من الغنيمة لواحد من هذه الاصناف بعد وجود هذا الفرق الواضح لانصراف الاطلاقات عنهم.
قلنا: كلا لم تكن المصارف دائما علي المقاتلين بل كانت الاغنياء يبذلون الاموال و الانفس و لكن الفقراء منهم لا يبذلون الا انفسهم و كانت نفقتهم عليه صلي اللّه عليه و آله و سلم من الزكاة و الاعانات بل كان صلي اللّه عليه و آله و سلم يعطيهم السلاح و المركب احيانا كما يظهر من قوله تعالي:
«وَ لٰا عَلَي الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لٰا أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّٰا يَجِدُوا مٰا يُنْفِقُونَ». (التوبه- 90)
هذا بالنسبة الي المقاتلين، و اما الغنائم فهي أيضا علي ضروب:
قسم منها تنحصر فائدته في الحروب و لا يمكن حيازته الا للحكومة- كالطائرات و الدبابات و السفن الحربية و المدفعية و اشباهها- و انصراف ادلة الغنائم من مثلها قوي جدا، لا لعدم امكان تقسيمها بين الغانمين، لأنه يمكن
______________________________
(1)- قال في الجواهر: «لا خلاف كما اعترف به الفاضل بل و لا اشكال في انه يجوز لوالي الجيش اماما او غيره جعل الجعائل لمن يدله علي مصلحة من مصالح المسلمين كالتنبيه
علي عورة القلعة و طريق البلد الخفي او نحو ذلك … سواء كان مسلما او كافرا لعموم الادلة» (جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 117).
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 64
تقسيم قيمتها بينهم، بل لان شمول ادلة الغنيمة لمثلها مشكل جدا.
و قسم آخر و ان كان يمكن تقسيمها بعينها بينهم فضلا عن قيمتها، و لكنها اشياء ممنوعة بحسب القوانين الخاصة بالحكومة الاسلامية الموضوعة لحفظ النظام و حفظ النفوس و الدماء كالمسدس (تفنك و … ) و شبههما، و حيث يحرم حفظها و الانتفاع بها بغير اذن الحكومة وفق القانون، لا تشملها عمومات الغنائم أيضا، كما لا تشمل سار المحرمات- سواء كانت بالذات او بالعرض- و ذلك لان المتفاهم العرفي من الآية هو انه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» من الحلال الذي يجوز الاستفادة منه و تقسيمه بين المقاتلين شرعا فان للّه خمسه الآية.
و قسم ثالث منها لا يدخل في هذا و لا ذاك كالألبسة و الأطعمة و السيارات غير الحربية و الفلوس و المجوهرات و متاع البيوت و شبهها، و هذه كلها داخلة في الغنائم يجب تقسيمها بين الغانمين بعد اخراج خمسها (مع الشرائط السابقة) و لا مانع منه كما هو ظاهر.
ثم ان الحروب في ايامنا قد اتسع نطاقها و تأخذ منطقة وسيعة جدا، ففي مثلها الغنائم تختص بالمجاهدين في كل هجمة من الهجمات في هذه الجبهات و لا يعد الجميع عسكرا واحدا و حربا واحدا فالمشتبكون في كل هجوم يشتركون في غنائمه، و لذا قد يكون يشب نيران الحرب في بعض نواحيها حينما يكون الهدوء حاكما علي ساير النواحي. «1»
هذا كله بالنسبة الي الكفار المحاربين واضح، اما المسلمون البغاة
______________________________
(1)- قال في الجواهر: «اما
لو خرج جيشان من البلد الي جهتين، لم يشرك احدهما الآخر في غنيمة بلا خلاف اجده فيه و لا اشكال. نعم لو اجتماعا كانا جيشا واحدا». (جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 210)
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 65
فسيأتي الكلام فيهم.
الذين قاتلوا باذن الامام في صفوف المسلمين، فانه لا سهم لهم من الغنيمة كما ادعي الاجماع عليه فيبذل لهم الامام شيئا يسيرا قبل تقسيم الغنائم، فان الرضخ في اللغة «هو اعطاء القليل من مال كثير» و كان ينبغي للمصنف استثنائه و لكن لا نعلم لما ذا لم يشر اليه.
و كيف كان قال في الجواهر في كتاب الجهاد عند قول المحقق: «ثم (يبدأ الامام ب ما تحتاج (الغنيمة) اليه من النفقة … و بما يرضخه للنساء و العبيد و الكفار ان قاتلوا باذن الامام» بلا خلاف اجده.
ثم حكي عن العلامة في المنتهي و التذكرة دعوي الاجماع علي حكم النساء و الكفار.
و استدل عليه بما رواه عثمان بن عيسي عن سماعة عن احدهما- عليهما السلام- قال: «ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خرج بالنساء في الحرب يداون الجرحي و لم يقسم لهن من الفي ء شيئا و لكنه نفلهن». «1»
هذا و لم ينقل دليل علي حكم الكافر ما عدا الاجماع و لعله كذلك بعد كونهم محرومين عن القسمة ظاهرا …
، و حكم ما يؤخذ منهم بالسرقة و الغيلة، و ما يؤخذ منهم بالربا و الدعوي الباطلة.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 6، الصفحة 86.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 66
اما الاول اعني الاغارة فقد صرح في العروة بدخولها في الغنيمة بالمعني الخاص و لكن خالفه جماعة من المحشين.
و لكن الانصاف ان ظاهر ادلة الغنيمة بمعناها الخاص هو ما يؤخذ في الحروب لا الغارات التي لا يصدق عليها عنوان القتال، اللهم الا ان يقال بالغاء الخصوصية من هذه الجهة و هو لا يخلو عن تأمل،
او يقال بالغاء الخصوصية عن ادلة جواز اخذ مال الناصب و ان فيه الخمس ان قلنا بانه ليس من خمس الارباح فتشمل الكفار الحربي أيضا فان كلبهما غير محترمي المال، و اما السرقة و الغيلة فهما اوضح حالا من الغارات لعدم وجود القتال فيهما ابدا مع اخذه في عنوان الغنيمة بالمعني الخاص.
نعم الغاء الخصوصية عما يؤخذ من مال الناصب هنا أيضا غير بعيد بناء علي القول به هناك كما سيأتي الكلام فيه.
و اوضح حالا من الجميع ما يؤخذ بالدعوي الباطلة و الربا، فانه ليس غنيمة بالمعني الخاص كما هو واضح، نعم هو داخل في الغنيمة بالمعني الاعم و لكنه يشابه المأخوذ من الناصب، فلو قلنا فيه بوجوب الخمس من دون ملاحظة مؤنة السنة فكذلك هنا.
و ليعلم ان اقامة الدعوي الباطلة عليهم حرام من ناحية الكذب و قول الزور، و لكنه حرام تكليفي و لا اثر له فيما يقع في يده من الاموال، فلا ينافي حليتها.
و اما الربا فهو جائز كما ذكر في محله بل يمكن ان يقال لا يكون مشابها لأخذ مال الناصب، فالاقوي انه من ارباح المكاسب فتأمل.
: و قد صرح في الحدائق فيما
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 67
حكي عنه بان فيه الخمس بل يظهر منه كونه اجماعيا بين الاصحاب فيما حكي عنه في الجواهر بان الاصحاب خلفا و سلفا حكموا بكفر الناصب و جواز اخذ ماله و قتله. «1»
و لكن مع ذلك يظهر من المحقق البروجردي (استاذنا الاعظم قدس سره) اعراض الاصحاب عن الروايتين الآتيتين في حكم جواز اخذ مال الناصب مع اداء الخمس و ظاهره عدم فتوي الاصحاب بذلك، و هو مع ما ذكره في الحدائق علي
طرفي النقيض و سيأتي إن شاء اللّه ما يمكن معه حل هذه العويصة.
و كيف كان لا اشكال في عدم شمول ادلة الغنيمة بمعناها الخاص لمال الناصب و شبهه لأخذ عنوان القتال فيها كما عرفت.
و لكن هناك روايات خاصة تدل علي الحكم فيه:
1- منها صحيحة الحفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس». «2»
2- ما رواه معلي بن خنيس عن الصادق عليه السّلام هذا المضمون مع تفاوت يسير جدا: «قال عليه السّلام: خذ مال الناصب حيثما وجدت و ادفع إلينا خمسه». «3»
و قد ايدهما بعضهم بمرسلة اسحاق بن عمار قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:
مال الناصب و كل شي ء يملكه حلال الا امرأته. قال: نكاح اهل الشرك جائز … ». «4»
و المراد انه جائز لأهل الشرك، فلا يجوز اخذ نسائهم الا ان يكون ذلك
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 12.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الصفحة 222، الحديث 1.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 26 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2، الصفحة 60.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 68
تحت شرائط السبي.
هذا و لكن لا دلالة للأخير علي مسألة الخمس الذي هو محل الكلام، غاية ما يستفاد منه هو جواز اخذ مال الناصب فقط.
و علي كل حال لا غبار في دلالة الحديثين و لا في سند احدهما فلذا يجب العمل بهما و اخراج الخمس منه كما يظهر من الحدائق و بعض كلمات الجواهر و صريح بعض محشي العروة، و يبقي الكلام في الاعراض المدعي في كلمات سيدنا الاستاذ البروجردي
حيث قال:
«ان الناصب منتحل بالاسلام و ان كان قد انكر ضروريا من ضرورياته و هو حب اهل البيت- عليهم السلام- الثابت بقوله تعالي: «قل لا اسئلكم عليه اجرا الّا المودّة في القربي» لكنه لم يعمل الاصحاب بظاهر الروايتين و لم يقولوا بحلية مال كل ناصبي لكل شيعي اينما وجده و كيفما وجده، كمال الكافر الحربي». «1»
و هذه الدعوي كأنها نشأت عن عدم التصريح بالمسألة في كلمات الاصحاب، و يمكن ان يكون الوجه فيه اكتفاهم بعد الناصب في زمرة الكفار في ابواب النجاسات و غيرها فلم يحتج الي التصريح به هنا فقد ادعي الاجماع علي نجاسة الناصب كما عن الحدائق، و عن جامع المقاصد انه مما لا خلاف فيه، و قد ورد في حكم عدم جواز نكاح المرأة العارفة بالناصب او نجاسة غسالته غير واحد من الروايات، فكفره كان مفروغا عنه عندهم بحيث لم يحتاجوا الي التصريح به هنا.
و مجرد انتحال الإسلام غير كاف كما في الغلاة و شبههم و كذا منكر الضروري، و كيف كان لا نري وجها في العدول عن العمل بالروايتين.
______________________________
(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 13.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 69
نعم كثيرا ما تترتب علي اخذ اموالهم مع كونهم مدعين للإسلام مفاسد عظيمة كثيرة، فيكون المنع حينئذ للعناوين الثانوية و لا بد للفقيه و الحاكم الشرعي ان يكون علي بصيرة من هذه الامور.
و المراد بالناصب و القدر المتيقن منه من نصب العداوة للأئمة- عليهم السلام- او سبهم (العياذ باللّه) و ان لم ينصب الحرب لهم، و كذا اذا نصب العداوة للشيعة و ابغضهم لكونهم شيعة اهل البيت- عليهم السلام- الذي يعود الي نصبه للعداوة معهم.
و
الحاصل ان الناصب علي اقسام:
1- من يقدح في علي عليه السّلام و ينصب العداوة له.
2- من يقدح في الائمة- عليهم السلام- و ينصب العداوة لهم.
3- من ينصب الحرب لهم عليهم السلام.
________________________________________
شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 69
4- من يسبهم (العياذ باللّه).
5- من يعادي شيعتهم بما هم شيعتهم و هذا يرجع مآلا الي الثاني.
6- من يعاديهم زعما منه انه ليس علي طريقتهم عليهم السلام.
7- من ينكر فضلهم- عليهم السلام- علي غيرهم او يرجح غيرهم عليهم.
هذا و المنسوب الي اكثر الاصحاب انه من نصب العداوة لأهل البيت- عليهم السلام- و حكي عن ظاهر الحدائق انه لا خلاف فيه، و عن العلامة في المنتهي انه الذي يقدح في علي عليه السّلام، و عن القاموس انه المتدين ببغض علي عليه السّلام، و لا يخفي ان الائمة- عليهم السلام- كلهم من نور واحد فلا فرق بين علي عليه السّلام و اولاده الائمة المعصومين- عليهم السلام- فما عن القاموس لعله من باب المثال. ثم لا شك في صحة المعني الاول و الثاني، و اما الثالث فيشترط فيه كونه الحرب ناشيا عن عداوتهم- عليهم السّلام- لا عدم المعرفة بحقهم- عليهم السلام- اما الرابع فلا شك في ان السب علامة العداوة فيدخل في
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 70
الثاني. و اما الخامس فيرجع الي الثاني أيضا لان العداوة شيعتهم ليس الا من جهة انتسابهم بالأئمة- عليهم السلام- فهو في الحقيقة يعادي الائمة عليهم السلام.
و اما السادس و
السابع فيشكل عدهما من النواصب جدا علي انه لو قلنا بالسابع ليشمل كل مخالف و هو واضح البطلان للدليل علي طهارتهم و السيرة المستمرة علي ذلك خلافا لشاذ نادر.
و يظهر من ذلك كله ان الثابت كون الطوائف الاربع الاولي منهم و اما غيرهم فهو غير ثابت فلا يمكن الحاقهم بهم.
ثم انه هل يكون الواجب فيهم من باب خمس الارباح حتي يكون بعد المئونة او لا يتقيد بذلك؟ ظاهر اطلاق الروايتين هو الاخير و لكن حيث انه يكون من سنخ مطلق الفائدة لا من سنخ الغنائم فيمكن الحاقه بارباح المكاسب و لكن الاحوط اخراج خمسه مطلقا عملا بظاهر المطلقات و لعل احتياط المحقق اليزدي أيضا ناظر الي ذلك.
اما البغاة- و هم الخارجون علي الامام عليه السّلام او الحكومة الاسلامية بالحرب معه كأصحاب الجمل و اشباههم و هذا غير الباغي بتعبير القرآن حيث اطلقه علي طائفة من المؤمنين في قوله تعالي: و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا الّتي تبغي حتّي تفي ء الي امر اللّه.
فهم علي قسمين: قسم منهم داخلون في عنوان الناصب كمن خرج بالسيف في مقابل الامام المعصوم عليه السّلام بغضا له، فهؤلاء لا اشكال في حلية اموالهم قبل الحرب و بعده و في الاحوال العادية لما عرفت من الدليل هناك.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 71
و قسم آخر غير داخلين تحت هذا العنوان كمن تمرد عن قول المعصوم عليه السّلام طلبا للرئاسة و حرصا علي حطام الدنيا، او من خرج عليه شبهة و لعل كثيرا من اصحاب الجمل كانوا كذلك و قد حسبوا ان الدفاع عن أمّ المؤمنين يكون فريضة عليهم فسلوا سيف
البغي علي امامهم المعصوم عليه السّلام و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا، او من خرج علي الفقيه العادل المتصدي للحكومة الاسلامية فهؤلاء ليسوا داخلين تحت عنوان الناصب، فحينئذ يقع الكلام في جواز اخذ مالهم و في حكم خمسه، و قد وقع الخلاف هنا فذهب الشيخ في الخلاف الي انه كالكافر الحربي و ادعي اجماع الفرقة عليه و اخبارهم و تبعه في ذلك جماعة و نسبه في محكي الروضة الي الاكثر، و لكن عن السيد المرتضي و ابن ادريس و العلامة الاجماع علي عدم الجواز.
فالاجماعان متعارضان و الخلاف ثابت، و ذكر المحقق في الشرائع في كتاب الجهاد:
«انه لا يجوز تملك شي ء من اموالهم التي لم يحوها العسكر سواء كانت مما تنقل كالثياب و الالات او لا تنقل كالعقارات لتحقق الإسلام المقتضي لحقن الدم و المال».
و قال في الجواهر بعد نقل هذا الكلام بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك ثم نقل عن غير واحد الاجماع عليه. «1»
و ذكر في الشرائع بعد نقل هذا الكلام ما نصه: «و هل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل و يحول (كالسلاح و الدواب و غيرهما) قيل لا» (و ذكر في الجواهر القائل هو المرتضي و ابن ادريس و الفاضل و الشهيد في الدروس علي ما حكي عن بعضهم) لما ذكر من العلة (يعني حقن دمائهم و اموالهم
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 339.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 72
بالاسلام) و قيل نعم (و ذكر في الجواهر ان القائل هو العماني و الاسكافي و الشيخ في محكي الخلاف و النهاية و العلامة في المختلف و الشهيد الثاني و المحقق الكركي و جماعة اخري) عملا بسيرة علي عليه السّلام
و هو الاظهر «1» و المراد من سيرة علي عليه السّلام، سيرته عليه السّلام في حرب الجمل و كيف كان فالمسألة خلافية بالنسبة الي ما حواه العسكر (اي ما هو تحت يد المقاتلين في جبهة القتال كما يظهر من كلام المحقق هنا) و اما بالنسبة الي ما خرج عنه فالمنع اجماعي.
و العمدة فيها ما روي من سيرة علي عليه السّلام في حرب جمل مع اهل البصرة بعد هزيمتهم و قد اختلف فيها كلماتهم و هناك روايات (و طرقها غير نقية).
و يظهر من ما عرفت من كلام المحقق ان سيرته عليه السّلام كان هو تقسيم ما حواه العسكر، و لكن المحكي عن الدروس هو العكس حيث قال: «الاقرب العدم عملا بسيرة علي عليه السّلام في اهل البصرة فانه امر برد اموالهم فاخذت حتي القدور».
و قال الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه: روي اصحابنا ان ما يحويه العسكر من الاموال فانه يقسم (او يغنم).
و حكي عن موضع آخر من المبسوط: انه روي ان عليا لما هزم الناس يوم الجمل، قالوا: يا امير المؤمنين عليه السّلام الا نأخذ اموالهم؟ قال: لا لأنهم تحرموا بحرمة الإسلام، فلا تحل اموالهم في دار الهجرة.
و فيه أيضا روي ابو قيس: «ان عليا عليه السّلام نادي من وجد ماله فليأخذه فمر بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه ان يصبر حتي ينضج فلم يفعل فرمي
______________________________
(1)- نفس المصدر. و يظهر من هذا الكلام ان المراد بما حواه العسكر ما هو في ميدان الحرب من السلاح و الدواب و شبههما.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 73
برجله فاخذه». «1»
و التحقيق ان يقال: ان الروايات الناظرة الي سيرة علي عليه السّلام في البغاة من
اصحاب الجمل المروية في الوسائل و المستدرك و غير واحد من الكتب الفقهية علي طوائف.
الطائفة الاولي ما دل علي ان سيرة علي عليه السّلام كانت علي رد اموالهم اليهم و عدم اخذ الغنيمة عنهم مثل ما يلي:
1- ما رواه في التهذيب عن مروان بن الحكم قال: «لما هزمنا علي بالبصرة رد علي الناس اموالهم من اقام بينة اعطاه و من لم يقم بينة احلفه. قال فقال له قائل: يا امير المؤمنين اقسم الفي ء بيننا و السبي فلما اكثروا عليه. قال:
ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟ فكفوا». «2»
2- مرسلة الصدوق قال الصدوق: «و قد روي ان الناس اجتمعوا علي امير المؤمنين يوم البصرة فقالوا: اقسم بيننا غنائمهم. فقال: ايكم يأخذ امه في سهمه»؟ «3»
3- ما رواه المفيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لعبد اللّه بن وهب الراسبي لما قال في شأن اصحاب الجمل انهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون، قال:
ابطلت يا بن السوداء ليس القوم كما تقول لو كانوا مشركين سبينا او غنمنا اموالهم و ما ناكحناهم و لا وارثناهم». «4»
4- ما رواه ابو قيس: «ان عليا نادي من وجد ماله فليأخذه فمر بنا رجل
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 341 و 340.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.
(4)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 74
فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه ان يصبر حتي ينضج فلم يفعل و رمي برجله فاخذها». «1»
الطائفة
الثانية ما يدل علي جواز اغتنام اموالهم دون سبي ذراريهم ما يلي:
5- ما رواه العلامة في المختلف علي ما رواه في المستدرك عن ابن ابي عقيل: «انه روي ان رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا امير المؤمنين ما عدلت حين تقسم بيننا اموالهم و لا تقسم بيننا نسائهم و لا انبائهم. فقال له: ان كنت كاذبا فلا اما تك اللّه حتي تدرك غلام ثقيف و ذلك ان دار الهجرة حرمت ما فيها و ان دار الشرك احلت ما فيها فايكم يأخذ امه في سهمه؟» «2»
الطائفة الثالثة ما يدل علي جواز اخذ ما حواه العسكر و عدم جواز ما لم يحوه العسكر من الاموال مثل:
6- ما رواه دعائم الإسلام: «انه لما هزم اهل الجمل جمع كل ما اصابوا في عسكرهم مما اجلبوا به عليه فخمسه و قسم اربعة اخماسه علي اصحابه و مضي فلما صار الي البصرة قال اصحابه: يا امير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم و اموالهم. قال: ليس لكم ذلك. قالوا: و كيف احللت لنا دمائهم و لم تحلل لنا سبي ذراريهم؟ قال: حاربنا الرجال فقتلنا فاما النساء فلا سبيل لنا عليهن لأنهن مسلمات و في دار هجرة فليس لكم عليهن من سبيل و ما اجلبوا به عليكم و استعانوا به علي حربكم و ضمه عسكرهم و حواه فهو لكم و ما كان في دورهم فهو ميراث علي فرائض اللّه». «3»
7- ما رواه صاحب الدعائم. قال موسي بن طلحة: «كان علي عليه السّلام قد
______________________________
(1)- المبسوط، الصفحة 224.
(2)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 10.
(3)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.
أنوار الفقاهة
- كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 75
اغنم اصحابه ما اجلب به اهل البصرة الي قتاله. اجلبوا به يعني اتوا به في عسكرهم و لم يعرض لشي ء غير ذلك لورثتهم و خمس ما اغنمه مما اجلبوا به عليه فجرت أيضا بذلك السنة». «1»
8- ما رواه صاحب الدعائم أيضا في شرح الاخبار قال في ضمنه: «و ما كان بالعسكر فهو لكم مغنم و ما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم». «2»
9- ما رواه أيضا في الدعائم عنه (اي عن علي) عليه السّلام انه قال: «ما اجلب به اهل البغي من مال و سلاح و كراع و متاع و حيوان و عبد و امة و قليل و كثير فهو في ء يخمس و يقسم كما تقسم غنائم المشركين». «3»
10- ما رواه ابو بصير عن الصادق عليه السّلام في حديث طويل في قضية نهروان الي ان قال: «احللت لنا سبي الكراع و السلاح و حرّمت علينا سبي الذراري … و قلت لنا بصفين اقتلوهم مدبرين … و احللت لنا سبي الكراع و السلاح و الذراري. الحديث». «4»
11- ما رواه في المبسوط قال: «روي اصحابنا ان ما يحويه العسكر من الاموال فانه يقسم (او يغنم)». «5»
الطائفة الرابعة ما دل علي انه كان له عليه السّلام اغتنام اموالهم و سبي ذراريهم و لكنه لم يفعل لعلمه عليه السّلام بغلبة القوم في المستقبل علي شيعته و فعلهم مثله فلم يفعل ذلك، مثل ما يلي:
12- ما رواه في الدعائم عن علي عليه السّلام انه سأله عمار حين دخل البصرة
______________________________
(1)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.
(2)- نفس المصدر، الحديث 6.
(3)- نفس المصدر، الحديث 2.
(4)- نفس المصدر، الحديث
9.
(5)- المبسوط، كتاب قتال اهل البغي، الصفحة 226.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 76
فقال: «يا امير المؤمنين باي شي ء تسير في هؤلاء؟ قال: بالمن و العفو كما سار النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم باهل مكة». «1»
13- ما رواه في الدعائم عن ابي جعفر عليه السّلام انه قال: «سار علي عليه السّلام بالمن و العفو في عدوه من اجل شيعته (لأنه) كان يعلم انه سيظهر عليهم عدوهم من بعده فاحب ان يقتدي من جاء من بعده به فيسير في شيعته بسيرته و لا يجاوز فعله فيري الناس انه تعدي و ظلم». «2»
14- ما رواه درست بن ابي منصور عن معلي بن خنيس عن كتاب درست سأل المعلي بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جعلت فداك حدثني عن الحجة اذا قام يسير بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟ قال فقال له: نعم. قال: فاعظم ذلك معلي و قال: جعلت فداك مم ذاك؟ قال فقال: لان عليا عليه السّلام سار بالناس سيرة و هو يعلم انه سيظهر عدوه من بعده و ان الحجة عليه السّلام اذا قام ليس الا السيف فعوّدوا مرضاهم و اشهدوا جنازتهم و افعلوا فانه اذا كان ذاك لم تحل مناكحتهم و لا موارثتهم». «3»
15- ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الناس يرون عن عليا عليه السّلام قتل اهل البصرة و ترك اموالهم، فقال: ان دار الشرك يحل ما فيها و ان دار الإسلام لا يحل ما فيها. فقال: ان عليا عليه السّلام انما من عليهم كما من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم علي اهل
مكة و انما ترك علي عليه السّلام لأنه كان يعلم انه سيكون له شيعة و ان دولة الباطل ستظهر عليهم فاراد ان يقتدي به في شيعته و قد رأيتم آثار ذلك و هو ذا يسار في الناس بسيرة علي عليه السّلام الحديث». «4»
______________________________
(1)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 3.
(2)- نفس المصدر، الحديث 4.
(3)- نفس المصدر، الحديث 8.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب الجهاد، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 77
16- ما رواه الصدوق قال: «و قد روي ان الناس اجتمعوا الي امير المؤمنين عليه السّلام يوم البصرة فقالوا: يا امير المؤمنين اقسم بيننا غنائمهم.
قال: ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟». «1»
و طريق الجمع بين الطوائف الثلاث الاولي واضح، فان ما دل علي حرمة اموالهم يحمل علي ما لم يحوه العسكر، و ما دل علي اباحتها يحمل علي ما حواه بقرينة الطائفة الثالثة المفصلة بين الامرين، مضافا الي انه البعيد جدا ان تكون الطائفة الاولي ناظرة الي مثل السلاح و الكراع «2» التي يكون ردها سببا لقوة العدو و استعداده لحرب آخر بل هي ناظرة الي مثل القدور و شبهها.
و يؤيد ذلك بقوله عليه السّلام: «ان دار الشرك يحل ما فيها و ان دار الإسلام لا يحل ما فيها» (في صدر رواية عبد اللّه بن سليمان).
و لكن التعارض بين الطائفة الرابعة و غيرها باق بحاله لان ظاهر الاخير كون سبي نسائهم و اخذ اموالهم التي لم يحوها العسكر كان مباحا له- عليه السلام- و لم يفعله لعلمه بغلبة الاعداء في المستقبل علي شيعته، فاراد ان يكون هذا سنة بين الناس فلو لم يكن
الخوف من هذه الناحية كان من الممكن ان يأخذ جميع اموالهم و يسبي ذراريهم.
هذا و لكن يظهر من غير واحد من روايات هذه الطائفة انه لا يجوز هذا لأحد حتي يظهر المهدي عليه السّلام (فراجع 1 و 2 و 3/ من الباب 25 من جهاد العدو في الوسائل).
و ما رواه في المستدرك «3» فهي من هذه الجهة متهافتة، متعارضة، ساقطة
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب الجهاد.
(2)- الكراع بالضم هو الخيل و البغال و الحمير و قد يطلق علي الاعم منها و من السلاح.
(3)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 8.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 78
بنفسها.
و علي كل حال التعارض و التهافت انما هو بالنسبة الي ما لم يحوه العساكر، و اما بالنسبة الي ما حواه العسكر فجميع الروايات متوافقة علي جوازها فلا يبقي اشكال من هذه الناحية، و اما بالنسبة الي غيرها فالتعارض ثابت فان الثلاثة الاولي بعد الجمع تنافي الطائفة الرابعة الدالة علي جواز اغتنام ما لم يحوه العسكر أيضا و انه عمل فيهم بالمن و العفو (و جاز له الا يمن و لا يعفو) او كان هناك مصلحة خاصة.
و من الواضح ان الترجيح للطوائف الاولي، لان الاصل في الاموال اهل القبلة الحرمة الا ما خرج بالدليل و اولي من ذلك بالنسبة الي نفوسهم، و انما دل الدليل في خصوص ما حواه العسكر فهي موافقة للكتاب و السنة القطعية من هذه الجهة.
و اما اطلاق قوله تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم … » فالظاهر انه منصرف الي غنائم الكفار، و يؤيده الآيات السابقة و اللاحقة فانها صريحة في الكفار.
هذا مضافا الي ضعف الطائفة
الاخيرة عن اثبات الجواز لدلالة بعضها علي اختصاص الجواز بولي هذا الامر المهدي- عجل اللّه له الفرج- و هو ما رواه في الوسائل عن ابي بكر الحضرمي قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
لسيرة علي عليه السّلام في اهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس انه علم ان للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته. قلت: فاخبرني عن القائم عليه السّلام يسير بسيرته؟ قال: لا ان عليا عليه السّلام سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم و ان القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لأنه لا دولة لهم». «1» و عن محمد بن مسلم قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن القائم اذا قام باي سيرة يسير في الناس؟
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 79
فقال: بسيرة ما سار به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم حتي يظهر الإسلام. قلت: و ما كانت سيرة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: ابطل ما كان في الجاهلية و استقبل الناس بالعدل و كذلك القائم اذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في ايدي الناس و يستقبل بهم العدل». «1» و عن الحسن بن هارون بياع الانماط قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام جالسا فسأله معلي بن خنيس أ يسير الامام (القائم خ ل) بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟ قال: نعم و ذلك ان عليا عليه السّلام سار بالمن و الكف لأنه علم ان شيعته سيظهر عليهم و ان القائم عليه السّلام اذا قام سار فيهم بالسيف و السبي لأنه يعلم
ان شيعته لن يظهر عليهم من بعده ابدا». «2» و في مستدرك الوسائل من معلي بن خنيس و قد مضي سابقا.
فتلخص من جميع ما ذكر ان الجواز فيما حواه العسكر ليس ببعيد و لا يضره ضعف الاسناد فيها غالبا بعد تضافرها و ان كان الاحوط استحبابا تركه.
بل يمكن التمسّك بالعناوين الثانية هنا للجواز فان رد السلاح و الكراع و ما هو موجود في ميدان الحرب الي البغاة غالبا يوجب قوتهم و قدرتهم علي ايقاد نار الحرب و الهجمات المستقبلة.
و هذا مما لا يساعده العقل و اصول المذهب.
هذا و لا ينبغي ترك الاحتياط في اموال البغاة في اعصارنا من حيث ان جميع مصارف الحروب من السلاح و الكراع و غيرها علي عهدة الحكومات بل كثيرا ما يأخذ المقاتلون اجورا كثيرة علي سعيهم في هذا الطريق و قد مر الكلام فيه آنفا.
و علي كل حال فاللازم اخراج خمسه في صورة التقسيم للتصريح به في
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 2.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 80
غير واحد من روايات الباب مضافا الي اطلاق آية الخمس بالنسبة الي الغنائم بعد الغاء الخصوصية عنها.
قد تكون الغنيمة مالا مغصوبا، فإن كان مغصوبا من بعض اهل الحرب (و ان لم يكونوا من المقاتلين) فلا اشكال في دخوله في الغنيمة.
و كذا اذا كان امانة او عارية او شبه ذلك من اهل الحرب عند بعض المقاتلين كما اذا اخذ سلاحه من غيره عارية او اجارة، كل ذلك لإطلاق ادلة الغنيمة و عدم وجود دليل علي تقييدها.
اما اذا كان غصبا من مسلم او ذمي او معاهد محترم المال، فالمحكي عن المشهور وجوب رده الي مالكه، و حكي الخلاف
عن شاذ من قدماء الاصحاب كالشيخ في النهاية و القاضي في بعض كتبه.
و لا شك ان الموافق للقاعدة و الاصول المعلومة من المذهب هو مقالة المشهور لاحترام مال المسلم و شبهه، فما لم يدل دليل قاطع علي الجواز يجب حفظ حرمته.
1- ما رواه طربال عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سئل عن رجل كان له جارية فاغار عليه المشركون فاخذوها منه ثم ان المسلمين بعد غزوهم فاخذوها فيما غنموا منهم. فقال: ان كانت في الغنائم و اقام البينة ان المشركين اغاروا عليهم فاخذوها منه ردت عليه و ان كانت قد اشتريت و خرجت من المغنم فاصابها ردت عليه برمتها و اعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه.
قيل له: فان لم يصبها حتي تفرق الناس و قسموا جميع الغنائم فاصابها بعد؟
قال: يأخذها من الذي هي في يده اذا اقام البينة و يرجع الذي هي في يده اذا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 81
اقام البينة علي امير الجيش بالثمن». «1» و لكن سنده ضعيف لجهالة طربال، اللهم الا ان يقال بجبره بعمل المشهور.
2- صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه قال: «سأله رجل عن الترك يغزون علي المسلمين فيأخذون اولادهم فيسرقون منهم أ يرد عليهم؟ قال:
نعم و المسلم أخو المسلم و المسلم احق بما له اينما وجده». «2» و لكن موردها هو خصوص السرقة لا الغنيمة و قد يعارض ذلك بما رواه هشام بن سالم عن بعض اصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام في السبي يأخذ العدو من المسلمين في القتال من اولاد المسلمين او من مماليكهم فيحوزونه ثم ان المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم و سبوهم و اخذوا منهم ما
اخذوا من مماليك المسلمين و اولادهم الذين كانوا اخذوهم من المسلمين كيف يصنع بما كانوا اخذوه من اولاد المسلمين و مماليكهم؟ قال فقال: اما اولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين و لكن يردون الي البهم و اخيهم و الي وليهم بشهود و اما المماليك فانهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون و تعطي مواليهم قيمة اثمانهم من بيت مال المسلمين. «3» و هي دليل علي استحقاق القيمة فقط. لكنها مرسلة و ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل لقيه العدو و اصاب منه مالا او متاعا ثم ان المسلمين اصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: اذا كانوا اصابوه قبل ان يجوزوا متاع الرجل رد عليه و ان كانوا اصابوه بعد ما حازوا فهو في ء المسلمين فهو احق بالشفعة». «4»
4- ما رواه جميل عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (4/ 35) و هو أيضا دليل
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 35 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
(3)- نفس المصدر، الحديث 1.
(4)- وسائل الشيعة، الباب 35 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 82
علي رد الثمن اليه دون الاصل.
و المتحصل من الجميع ان الطائفة الاولي دليل علي وجوب اداء العين الي صاحبه و قيمته الي المقاتلين، و الطائفة الثانية علي العكس.
و من المعلوم ان الترجيح مع الطائفة الاولي لموافقتها لعمومات الكتاب و السنة الدالة علي احترام مال المسلم، و لموافقتها للشهرة المحكية.
و لا فرق في ذلك بين ان يكون العلم بكونه مال المسلم قبل القسمة او بعدها كما لا يخفي.
ظاهر المشهور و صريح كثير من الاصحاب
عدمه، فيخرج منها الخمس قليلا كان او كثيرا.
قال في الجواهر: «لا اعرف فيه خلافا سوي ما يحكي من ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين دينارا ثم قال و هو ضعيف جدا لا نعرف له موافقا و لا دليلا».
اقول: و كأنه فهم العموم من قوله عليه السّلام في صحيحة البزنطي «1» و مرسلة المفيد. «2»
______________________________
(1)- عن ابي الحسن الرضا (ع) قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».
وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(2)- قال: «سئل الرضا (ع) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» نفس المصدر، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 83
فان قوله عليه السّلام «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» قد يستفاد منه العموم بالنسبة الي جميع موارد الخمس، و لكنه كما تري لان الظاهر منه هو خصوص مورد السؤال و هو الكنز فتأمل.
(و هو كما في مجمع البحرين بفتح الام ما يسلب من المقتول من ثياب و سلاح و جبة للحرب)؟
قال الشيخ في الخلاف: «السلب لا يستحقه القاتل الا ان يشترط له الامام و به قال ابو حنيفة و مالك، و قال الشافعي هو للقاتل و ان لم يشترط له الامام و به قال الاوزاعي و الثوري و احمد بن حنبل، دليلنا انه اذا شرطه استحقه بلا خلاف و اذا لم يشترط ليس علي استحقاقه له دليل». «1»
ثم صرح في المسألة 9 انه لا خمس عليه و
نقل اختلاف فتاوي العامة في الخمس و عدمه. و صرح في المبسوط أيضا بعدم اختصاص السالب بالسلب الا باشتراط الامام و انه ليس عليه خمس حينئذ. «2»
و قال الشهيد في القواعد: «قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم من قتل قتيلا فله سلبه فيه تردد من حيث كونه فتوي و عدمه فقيل فتوي فيعم و هو قول ابن الجنيد و قيل تصرف بالامامة فيتوقف علي اذن الامام و هو اقوي هنا». «3»
و قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق: «السلب اذا شرطه (الامام) للقاتل و لو لم يشترطه لم يختص به بل يكون كباقي مال الغنيمة بلا خلاف
______________________________
(1)- كتاب الفي ء و الغنائم، المسألة 8.
(2)- المبسوط، المجلد 2، الصفحة 66.
(3)- القواعد، المجلد 1، الصفحة 214 ذيل القاعدة 62.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 84
اجده في الاول لعموم «المؤمنون» و لقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يوم خيبر «من قتل قتيلا فله سلبه» و علي المشهور في الثاني بل لا اجد فيه خلافا الا عن الاسكافي لعموم ما دل علي قسمة الغنيمة بين المقاتلين الذي لا يخصصه ما يظهر من بعض نصوص الجمهور من كون ذلك جعلا من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لكل قاتل في كل غزوة بعد عدم ثبوت حجيته بل اعراض المشهور بل الجميع عداه عنه». «1»
اقول: ففي المسألة مقامان:
احدهما: كون السلب للقاتل مطلقا او يكون له بالاشتراط.
ثانيهما: تعلق الخمس به علي التقديرين.
اما الاول: فلا دليل علي كونه له مطلقا، بعد اطلاق ادلة الغنيمة الظاهرة في اشتراك جميع المقاتلين فيها، و عدم دليل علي تخصيصها، و اما ما رواه الجمهور في هذا الباب
فاثباته من طرقنا مشكل كما عرفت في كلام الجواهر، مضافا الي ان قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «من قتل قتيلا فله سلبه» يمكن ان يكون من باب الجعائل في غزوات خاصة او غزواته صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو حكم ولائي لا حكم فتوائي دائمي، فاذا كان بحكم الغنيمة دخل في حكم الخمس أيضا.
نعم يجوز اشتراطه للقاتل لما عرفت من كون الجعائل بيد ولي امر المسلمين رعاية لمصالحهم.
اما الثاني: (اعني تعلق الخمس به مطلقا او عند جعل الامام و اشتراطه) فهو أيضا محل اشكال نظرا الي ما قد يقال من ان ادلة خمس الغنيمة ناظرة الي الغنائم التي يقسم خمسها بين المقاتلين لا ما يختص ببعضهم، و لذا ورد في
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 186.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 85
بعض ما سبق من الروايات انه يخمس منها الخمس ثم يقسم الباقي. «1»
هذا و لكن الانصاف ان سكوت بعضها او ظهورها في خصوص ما يقسم من الغنائم لا يمنع عن اطلاق غيره، لصدق الغنيمة علي السلب ظاهرا فيشمله قوله تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم … » و لا أقلّ من الاحتياط، هذا بالنسبة الي خمس الغنائم و اما خمسه من باب ارباح المكاسب فسيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.
______________________________
(1)- راجع مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 35.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 87
المعروف بين الاصحاب بل بين علماء الإسلام جميعا وجوب الخمس في المعادن في الجملة انما الكلام في خصوصياتها.
قال شيخ الطائفة في الخلاف: «المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب و الفضة و الحديد و الصفر و النحاس و الرصاص و
نحوها مما ينطبع و مما لا ينطبع كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و نحوها و كذا القير و المومياء و الملح و الزجاج و غيره.
و قال الشافعي لا يجب في المعادن شي ء الا الذهب و الفضة … ثم نقل عن ابي حنيفة الوجوب في خصوص ما ينطبع مثل الحديد و غيره ثم قال دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»
و قال المحقق في المعتبر: «الثاني (مما يجب فيه الخمس) المعادن و هي كل ما استخرج من الارض مما كان فيه و هو مشتق من عدن بالمكان اذا قام فيه و منه جنات عدن و الخمس فيها واجب علي اختلافها منطبعة كانت او غير منطبعة او المائعة كالنفط و الغاز و الكبريت ثم استدل لصدق الغنيمة عليها و دخولها في عنوان الركاز فيما روي عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم في الركاز الخمس و ما روي من
______________________________
(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، المسألة 137.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 88
طرق الاصحاب». «1»
و قال النراقي في المستند: «وجوب الخمس فيها اجماعي و النصوص به مستفيضة». «2»
و كيف كان اللازم قبل كل شي ء نقل احاديث المعدن علي اختلاف مفاهيمها ليعلم علي ما يدور الحكم، ثم ملاحظة مفهوم المعدن و الركاز في اللغة.
ثم ملاحظة كلمات الاصحاب في جزئياتها حتي يظهر حال المسألة.
مثل:
1- ما رواه عمار بن مروان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «3»
2- ما رواه ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الخمس علي خمسة
اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامس». «4»
3- ما رواه البزنطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما
______________________________
(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 619.
(2)- المستند، المجلد 2، الصفحة 72.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 89
يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «1» و القول بكونها في مقام بيان النصاب فقط فلا يصح استفادة الاطلاق منها، غير قادح علي فرض التسليم لوجود اخبار كثيرة في المقام.
4- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح قال:
«الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». «2»
5- ما رواه احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس». «3»
6- ما رواه تفسير النعماني عن علي عليه السّلام قال: « … و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «4»
7- ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟
فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس». «5»
من دون نفي شي ء
اخر مثل:
8- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن معادن
______________________________
(1)- نفس المصدر، الباب 4، الحديث 1.
(2)- نفس المصدر، الباب 2، الحديث 4.
(3)- نفس المصدر، الباب 2، الحديث 11.
(4)- نفس المصدر، الحديث 12.
(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 90
الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا». «1»
9- ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة». «2»
و هو أيضا من الأحاديث العامة من جهة.
و الكبريت (الظاهر انه المائع منه) و النفط و هو:
10- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الملاحة؟ فقال: و ما الملاحة؟ فقال (فقلت): ارض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (و يصير) ملحا فقال: هذا المعدن فيه الخمس. فقلت:
و الكبريت و النفط يخرج من الارض. قال: فقال: هذا و اشباهه فيه الخمس». «3» و لا يخفي انه سأل الامام عليه السّلام عن الملاحة ليتضح ان السائل يطلقها علي اي شي ء حتي لا يبقي ابهام في المراد منها، لا لجهله عليه السّلام بها معاذ اللّه فانه وارث علوم الانبياء عليهم السلام.
و لكن يظهر من قوله «هذا المعدن فيه الخمس» عموم الحكم لكل معدن حتي مثل الملح و هو من هذه الجهة من
الروايات العامة.
من دون نفي شي ء آخر و هو:
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- نفس المصدر، الحديث 2.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 91
11- ما رواه محمد بن علي بن ابي عبد اللّه عن ابي الحسن عليه السّلام قال:
«سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «1»
و طريق الجمع بين هذه الأحاديث ظاهرة واضحة، و حاصلها تعلق الحكم بكل ما يسمي معدنا من دون فرق بين المنطبع و غير المنطبع و الجامد و المائع و الظاهر و الباطن في الارض و القليل و الكثير، و لا ينافي ذلك ذكر بعضها بالخصوص في الرواية، فان اثباته في شي ء لا ينافي اثباته في اشياء اخري.
فلنرجع الي تفسير لفظ المعدن فنقول و من اللّه التوفيق و الهداية:
قال في القاموس: «المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه لإقامة اهله فيه دائما او لا نبات اللّه تعالي اياه فيه، و مكان كل شي ء فيه اصله (انتهي)».
و ظاهر وجود معنيين للمعدن، معني خاص يختص بمعدن الجواهر (الفلز الثمين)، و معني عام و هو مكان كل شي ء فيه اصله.
و قال في النهاية الاثيرية: «المعادن المواضع التي يستخرج منها جواهر الارض كالذهب و الفضة و النحاس و غير ذلك … و المعدن الاقامة و المعدن مركز كل شي ء (انتهي)».
و هو أيضا كالقاموس في اثبات معنين للمعدن و في اختصاص المعني الخاص بالجواهر.
و قال في مجمع البحرين: «و منه (من
معني الاقامة) سمي المعدن كمجلس، لان الناس يقيمون فيه الصيف و الشتاء و مركز كل شي ء معدنه، و المعدن مستقر الجواهر (انتهي)».
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 92
و مفاد هذا الكلام هو ما مر في ما قبلهما.
و قال الراغب في المفردات: «عدن بمكان كذا، استقر، و منه المعدن لمستقر الجواهر».
و ذكر له في لسان العرب معان متعددة:
«مركز كل شي ء معدنه- المكان الذي يثبت فيه الناس لان اهله يقيمون فيه و لا يتحولون عنه شتاء و لا صيفا (في مقابل منازلهم في خصوص الصيف و الشتاء) و معدن الذهب و الفضة سمي معدنا لإنبات اللّه فيه جوهرهما و اثباته اياه في الارض».
و قال في منتهي الارب (بالفارسية): «معدن كمجلس كان جواهر از سيم و زر و جز آن، بدان جهت كه همواره اهل آن در آن قيام مي دارند يا آن كه حقتعالي جواهرات را در آن ثبات داده، و جاي با شش تابستان و زمستان، و اصل و مركز هر چيزي (انتهي)».
و هو أيضا موافق لما سبق اجمالا.
و يظهر من هذه الكلمات امور:
1- انهم ذكروا للمعدن معان ثلاثة: منبت الجواهر، و مركز كل شي ء، و محل الاقامة في الصيف و الشتاء، كلها مرتبط بمعناه الاصلي و هو الاقامة و من الواضح ان محل الكلام ناظر الي المعني الاول.
2- المعدن اسم المحل الذي يكون فيها هذه الجواهر و هو المناسب لمعني اصل هذه الكلمة و هو «عدن»، و لكن الفقهاء- رضوان الله تعالي عليهم- خصوه بما يخرج من هذه الامور من الارض.
قال العلامة في التذكرة: «المعادن كل ما خرج من الارض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة» ثم
مثل له بالفلزات و الياقوت و شبهه و الملح و الكحل
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 93
و غيرهما و المائعات كالقير و النفط. ثم قال: «عند علمائنا اجمع». «1»
و ظاهر هذا الكلام او صريحه انه اسم للحال و كذا غيره من اشباهه و اهل هذا التعبير كان بملاحظة محل ابتلائهم و حاجتهم.
3- المعدن يختص بمنبع الجواهر عند اهل اللغة و ظاهرها عدم الشمول امثال الملح و القير و غيرهما مع ان الفقهاء عمموه لغيرها أيضا كما عرفت من كلام التذكرة.
و لذا ذكر في المسالك أيضا: «المعدن هنا كل ما استخرج من الارض مما كان منها بحيث يشتمل علي خصوصية يعظم الانتفاع بها و منها الملح و الجص و طين الغسل و حجارة الرحي و المغرة» «2» (المغرة هو الطين الاحمر).
(الباب 3 من ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، و قد سبق ذكرها) فان قوله بالنسبة الي الملاحة «هذا المعدن» دليل علي عمومية المراد من لفظ المعدن هنا بحيث يشمل منابت الجواهر و غيرها مما خرج من اسم الارض و عظم الانتفاع به (و يمكن ان يكون تركيب الجملة بعنوان المبتدأ و الخبر فهذا مبتدأ و المعدن خبره، او كون المعدن عطف بيان و فيه الخمس خبر).
و اما ما لم يخرج منها مثل حجارة الرحي و الطين الاحمر و الجص قبل طبخه فانها من مسمي الارض يجوز السجود عليها و التيمم بها، هل يتعلق بها
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 109.
(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 66.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 94
الخمس من ناحية عنوان المعدن أم لا؟ فسيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.
هذا بناء علي نسخة الشيخ في التهذيب
و لكن رواه الصدوق في الفقيه و المقنع بهذه العبارة: «هذا مثل المعدن فيه الخمس» و حينئذ يكون ظاهره عدم شمول موضوع المعدن له بل يشمله حكمه و هو الخمس فهو شبيه له من جهة حكمه و ان كان خارجا موضوعا، و من الواضح عدم الفرق من هذه الناحية في ما نحن بصدده.
و يؤيد ذلك عد الملاحة في مقابل المعدن في رواية حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». «1» فان المقابلة وعد الملاحة امرا خامسا يجب فيه الخمس دليل علي خروجها موضوعا، و الظاهر ان هذا هو الذي نسيه ابن ابي عمير في روايته المعروفة فهي أيضا مؤيدة لخروجها موضوعا.
: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس» «2» بناء علي ما ذكره بعضهم من انه «يشمل كل ما له ثبات و قرار و مرتكز في مكان حتي مثل الملح». «3»
و لكنه لا يخلو عن تأمل لان ارتكاز الماء المالح في بعض الاماكن ليس الا كارتكاز المياه في البحار، و الركاز بماله من المعني الذي سيأتي ذكره عن كتب اللغة (إن شاء اللّه) يشكل شموله له، و اشد اشكالا منه ما لم يخرج من اسم الارض كحجارة الرحي او حجر الخص قبل ان يطبخ الذي يصح
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(2)- نفس المصدر، الباب 3، الحديث 3.
(3)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 38.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 95
السجود عليه و كذا التيمم، فان صدق الركاز عليها مشكل جدا (كما سيأتي
الاشارة اليه عن قريب).
، فان جميع ذلك داخلة في الغنيمة بالمعني العام لشمولها كل فائدة من الفوائد و المعادن منها.
و يرد عليه ان المقصود هو اثبات الخمس فيها بالخصوص حتي لا تكون المئونة خارجة منها و بغير النصاب فيها علي القول باعتباره في المعدن، و من الواضح ان هذا الدليل غير كاف في اثبات هذا المعني.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان العمدة لإثبات العموم هي صحيحة محمد بن مسلم لا غير لكنها لا يستفاد منها ازيد من الاصناف الثلاثة (انواع الفلزات، انواع العقيق و الفيروزج و ما اشبههما و انواع المعادن المائعة كالنفط و شبهه) و اما ما لم يخرج عن اسم الارض مطلقا كحجر الرحي و الجص و الاحجار المتخذة للبناء في ايامنا و انواع الطين المستفاد منها للبناء و السفال و الاجر و غيرهما، فلا دليل علي دخوله تحت هذا العنوان.
و لعله لذلك كله ذكر في العروة الوثقي بعد ذكر ثمانية عشرة من الانواع الثلاثة الاولي، ما نصه: «بل و الجص و النورة و طين الغسل و حجر الرحي و المغرة و هي الطين الاحمر علي الاحوط و ان كان الاقوي عدم الخمس فيها من حيث المعدنية».
فهذه الامثلة الخمس داخلة في النوع الرابع الذي لا دليل علي دخولها في عنوان المعدن و تدخل في عمومات ارباح المكاسب. «1»
***
______________________________
(1)- و من هنا يظهر انه يمكن العدول عما ذكرناه من الاحتياط الواجب في التعليقة الي الاحتياط المستحب.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 96
و الغنائم بالمعني الاعم فلا يعتبر فيه النصاب و يستثني منه مؤنة السنة، فان التمسك بلا عموم عند الشبهة المفهومية في المخصوص المنفصل مما لا مانع منه كما ذكر في محله، نعم
لو كان المخصص متصلا امكن التشكيك فيه من جهة سراية الاجمال و الابهام الي العموم.
هذا و لو فرض عدم عموم هناك من حيث عدم كون المعدن منفعة مستمرة، فهل المرجع البراءة في غير ما زاد عن مؤنة السنة فيدخل المشكوك في حكم الارباح او لا بد من الاخذ بالاحتياط؟ الظاهر هو الاخير، للعلم الإجمالي بانه لو كان داخلا في عنوان المعدن لا يستثني منه مؤنة السنة، و لكن يستثني منه ما نقص عن النصاب علي القول به، و لو كان داخلا في الارباح استثني منه مقدار المئونة و لا يستثني منه ما نقص عن النصاب، و لازم العلم الإجمالي الاحتياط بين الامرين فلا يستثني منه ما نقص من النصاب و لا مقدار المئونة فتأمل.
و بين ان يكون تحت الارض او علي ظهرها، كل ذلك لا طلاق الادلة، بل صريح بعضها بالنسبة الي الثاني فان الملاحة بل النفط و الكبريت كانت في تلك الايام في ظاهر الارض.
، بناء علي ظهور اطلاقاتها دليلا علي تعلق الخمس بنفس المعدن مطلقا؛ فقوله:
«هذا و اشباهه فيه الخمس» و امثاله، دليل علي وجود الخمس في انواع
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 97
المعادن من دون اي فرق بين المالكين، و بعبارة اخري الخمس حكم وضعي لا تكليفي فالحكومة الاسلامية لو كان قادرا علي اخذ الخمس من الكفار الذميين اخذ منهم و كذا الحربيين لا بعنوان استنقاذ اموالهم بل بعنوان الخمس، و لو استنقذ انسان اموالهم و كانت مما اخرج من المعادن وجب عليه اخراج خمسها لتعلق الخمس بالعين كما سيأتي ان شاء اللّه، هذا مضافا الي ان الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالاصول و لو اسلم الكافر و العين موجودة اخذ منه الخمس و لو تلف و استقر الخمس في ذمته امكن الحكم بجب الإسلام عما سبقه.
، لان ظاهر ادلة الخمس كونه حكما وضعيا لا يختص بالمكلفين فقط بل يشمل اموال الصبي و المجنون.
فقوله: «هذا و اشباهه فيه الخمس» او قوله في الجواب عن السؤال عن المعادن و عن الرصاص و الصفر و الحديد و … : «فيها الخمس» «1» و غير ذلك مما هو في معناه، دليل علي تعلق الخمس بهذه الاموال من دون فرق بين كون مالكها مكلفا بالغا او غير مكلف.
و سيأتي مزيد كلام لهذا، في المسألة 75 من ما يجب فيه الخمس في باب تعلق الخمس بالعين و في المسألة 84 منه.
، و في انه يملك حاصله و يتعلق به الخمس دون المعين الذي لم يقصد بفعله تملك ما في المعدن بل قصد غيره ذلك بمعونته، انما الكلام في انه اذا اقدم بعض الحكومات علي ذلك كما هو المتداول اليوم في اخراج النفط و البترول
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 4.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 98
بل و كثير من المعادن الاخر بمعونة العمال و المهندسين، فهل هي تملكه و تتعلق به الخمس او لا؟
الحق انه تملكه لما ذكرنا في محله من صحة مالكية «الجهة» و «العنوان» مثل عنوان «الحكومة» او شركة فلان او جمعية فلان، بل و كذا يملك المسجد او الحسينية اشياء تتعلق بها و يهدي اليها، لان الملكية امر اعتباري عقلائي لا يعتبر فيها عندهم كون المالك شخصا خارجيا بل يكفي كونه شخصا حقوقيا و عنوانا اعتباريا كالأمثلة السابقة.
و كذا لا يعتبر فيها كون المالك من ذوي العقول كما عرفت، و الوسوسة في ذلك بعد ما نشاهد مصاديقها الكثيرة
دارجة بين العقلاء من اهل العرف امر غريب، كيف و كثير من اموال العالم لو لم نقل اكثرها ملك الجهة- اي الحكومات- في اقطار الارض، و مجرد عدم وجود هذا في عصر النّبيّ عليه السّلام و الائمة- عليهما السلام- غير ضائر بالمقصود بعد اخذ الموضوعات من العرف و الاحكام من الشرع، كما هو كذلك في الموضوعات المستحدثة و المصاديق الجديدة لموضوعات الاحكام.
بل لا نسلم عدم وجودها في تلك الاعصار بعد وجود الحكومات في تلك الازمنة و عدم المعاملة مع اموالها معاملة الملك الشخصي.
و كذلك الاوقاف العامة او الخاصة التي هي في الحقيقة ملك العنوان فلذا لا تتوارت، بل كل من كان داخلا تحت العنوان يستحقه و اذا خرج منه خرج عن استحقاقها.
و تمليك شي ء للمسجد او الحسينية او الكليسا و اشباهه امر دارج بينهم.
و الحاصل: ان صحة التملك من هذه الجهة لا ينبغي الريب فيه- كما انه لا وجه لعدم تعلق الخمس بها- بعد اطلاقات ادلته، فالمعدن يتعلق به الخمس من دون فرق بين ان يكون مالكه شخصا عينيا او عنوانيا، و لا وجه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 99
للقول بعدم شمول الاطلاقات له او انصرافه عنه كما هو ظاهر، فيجوز للحاكم الشرعي اخذ الخمس ممن استخرج المعادن سواء كان شخصا او شركة او حكومة.
نعم اذا كانت الحكومة الاسلامية هي المتصدي للإخراج يمكن دعوي عدم شمول الخمس له نظرا الي عدم تعلق الخمس بما يتملكه صاحب الخمس و يدل علي ذلك او يؤيده ما رواه علي بن الحسين بن عبد ربه قال:
«سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي هل علي في ما سرحت الي خمس؟ فكتب اليه لا خمس
عليك فيما سرح به صاحب الخمس» «1» و ان كان في سنده اشكالا.
فاذا لم يتعلق الخمس بما يعطيها صاحب الخمس فلا يتعلق بامواله بطريق اولي و هكذا بالنسبة الي تعلق الزكاة باموال الحكومة.
اضف الي ذلك ان دعوي الانصراف هنا قوي و ان هو الّا من قبيل اخذ الماليات من اموال الحكومة، فان الماليات تؤخذ لدعم الحكومة و تقويتها و تزويدها بما يعينها علي مقاصدها و حينئذ لا معني لأخذ الخمس من اموال الحكومة الاسلامية و اخراجه من بعض جيوب الحكومة الي بعضها الاخر.
ان قلت: هذا الكلام في نصف الخمس و هو سهم الامام عليه السّلام صحيح تام فلا يتعلق باموال الحكومة، و اما سهم الهاشميين و هو النصف الاخر ليس كذلك فهو حقهم لا بد من اخذه من اموال الحكومة الاسلامية أيضا.
قلت: الذي يظهر من الادلة هو ان امر الجميع بيد الامام عليه السّلام و لذا قد يبيحه لبعض الشيعة او لجميعهم في بعض الاعصار، فهي في الحقيقة من قبيل اموال الحكومة و ان كان مصرف النصف منها هم السادة الكرام فتأمل.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 100
كما ان سهم الفقراء غير السادة في الزكاة كذلك و لذا لم يسمع اخذ الزكات من اموال بيت المال و لو كانت الآلاف و الالوف من الدراهم و الدنانير او في سهمه من الاراضي الخراجية او المواشي الحاصلة لها من ناحية الخمس او غير ذلك.
و بالجملة انصراف ادلة الخمس عما نحن فيه قوي جدا.
اختلف الاقوال في ذلك و لقد اجاد في الحدائق في كيفية جمع الاقوال في المسألة حيث قال:
«و
قد وقع الخلاف هنا في موضعين احدهما في اعتبار النصاب و عدمه في المعدن و علي تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا او دينار واحد؟
فذهب الشيخ في الخلاف الي وجوب الخمس فيها و لا يرعي فيها النصاب و هو اختياره في الاقتصاد أيضا، و نقل عن ابن البراج و ابن ادريس مدعيا عليه الاجماع حيث قال: اجماعهم منعقد علي وجوب اخراج من المعادن جميعها علي اختلاف اجناسها قليلا كان او كثيرا … و هذا اجماع منهم بغير خلاف.
1- و نقل عن ابن الجنيد و ابن ابي عقيل و المفيد و السيد المرتضي و ابن زهرة و سلار انهم اطلقوا وجوب الخمس و هو ظاهر في موافقة القول المتقدم.
2- و اعتبر ابو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا و رواه ابن بابويه في المقنع و من لا يحضره الفقيه.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 101
3- و قال الشيخ في النهاية: و معادن الذهب و الفضة لا يجب فيها الخمس الا اذا بلغت الي القدر الذي يجب فيه الزكاة و نحوه في المبسوط.
و اختاره ابن حمزة و عليه جمهور المتأخرين (انتهي كلام الحدائق)». «1»
فتحصل من ذلك ان القدماء عدا شرذمة قليلة علي عدم اعتبار النصاب فيها و اما بين المتأخرين يكون الامر بالعكس، و من قال باعتبار النصاب من بين القدماء و هم ابو الصلاح و ابن بابويه و الشيخ (في بعض كتبه) و ابن حمزة علي قولين، فالاول ان علي اعتبار دينار واحد، و الاخيران علي اعتبار عشرين دينارا.
و من فقهاء الجمهور، فالحنفية قالوا: بوجوب الخمس في خصوص المنطبع من المعادن، و المالكية قالوا: بوجوب الزكاة في معادن الذهب و الفضة بشروط الزكاة (منها
النصاب و هو عشرون مثقالا عندهم) و قالت الحنابلة: ان المعدن ان كان ذهبا او فضة و بلغ حد النصاب بعد التصفية وجب عليه الزكاة ربع العشر، و قالت الشافعية: ان المعدن خاص بالذهب و الفضة و يجب فيه ربع العشر بشروط الزكاة. «2»
و عمدة ما يدل علي عدم اعتبار النصاب هو العمومات و الاطلاقات الواردة في باب خمس المعدن، و اما دليل اعتبار عشرين دينارا الذي عليه اكثر المتأخرين هو ما رواه البزنطي في الصحيح:
«قال: سألت الرضا عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟
قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا». «3»
______________________________
(1)- الحدائق الناظرة، المجلد 12، الصفحة 329.
(2)- تلخيص من الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 612.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 102
و قد اورد عليها من جهات ثلاث:
1- من ناحيه السند باعراض قدماء الاصحاب عنه فانه لم ينقل العمل به الا عن الشيخ و ابن حمزة، بل الشيخ أيضا مخالف له في الخلاف بل ادعي الاجماع فيه، و ما في بعض الكلمات من ان المخالف بين اربعة اشخاص او خمسة و انه معارض بموافقة المتأخرين «1» كما تري، فان المخالف جميع من نقل عنه الفتاوي من القدماء نعم يمكن ان يكون بعض كلماتهم مطلقة لم يصرح فيه بشي ء و هذا أيضا كاف، لان السكوت في مقام الافتاء و البيان يدل علي الاعراض و قد عرفت نقل كلماتهم في كلام الحدائق الذي يستفاد منه مخالفة اكثر من عشرة منهم، من مصرح بعدم النصاب و من قائل
بوجوب الخمس في الغنيمة مطلقا، و من عامل بخبر الدينار الواحد.
و اعجب من هذا جعل موافقة المتأخرين معارضا لاعراض القدماء و ذلك لان المدار في الاعراض و العمل هو كلمات القدماء باعتبار انهم كانوا قريب العهد الي عصر المعصومين- عليهم السلام- و كان عندهم كتب و قرائن ليست عندنا، و اما حال المتأخرين معلوم لنا لا تزيد مداركهم علي المدارك الموجودة عندنا.
2- اما من ناحية الدلالة فلعدم التصريح بمسألة الخمس فيها فلعل المراد منها هو الزكاة فتكون الرواية علي نحو ما عرفت من كلمات العامة فقد مر ان ثلاثة من ائمتهم الاربعة قائلون بوجوب الزكاة في المعادن، او معادن الذهب و الفضة اذا بلغ حد النصاب و حينئذ تحمل علي التقيه، و هذا الاحتمال مع ملاحظة كلمات فقهائهم غير بعيد، نعم قد يقال ان اطلاق المعدن في صحيحة البزنطي و عدم اختصاصه بمعادن الذهب و الفضة من جانب و التعبير
______________________________
(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 41.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 103
بمثل في قوله عليه السّلام حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة من جانب آخر، دليل واضح علي ان المراد منه الخمس لا الزكاة.
لكن يمكن الجواب من كليهما، اما الاول: فلان المماثلة انما يكون في خصوص الاجناس الزكوية كالذهب و الفضة و إلا كان اللازم ان يقول حتي يبلغ ما يكون في مقداره بحسب القيمة فان الحديد و لو بلغ من الكثرة ما بلغ لا يكون في مثله زكاة ابدا كما هو ظاهر.
و اما الثاني: فلعل المراد مماثلة غير المسكوك بالمسكوك فان الذهب و الفضة اللذين يضرب عليهما الزكاة بحسب المتعارف هو المسكوك (بل الشرط عندنا ان يكونا مسكوكين و
عندهم في بعض مصاديق غير المسكوك خلاف فراجع). «1»
فالمعني اذا بلغ الذهب و الفضة الخارجيين من المعدن ما يكون فيه الزكاة من الدراهم و الدنانير فتأمل.
و اما ذكر خصوص نصاب الذهب دون الفضة يمكن ان يكون من باب ذكر المثال و معلومية الفضة منه.
3- من ناحية المعارض فقد روي البزنطي أيضا عن محمد بن علي بن ابي عبد اللّه عن ابي الحسن قال: «سألته عما يخرج من البحر … الي ان قال و عن معادن الذهب و الفضة هل فيهما زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «2»
و رواه الصدوق عن ابي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام. «3»
______________________________
(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 601.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(3)- راجع وسائل الشيعة/ المجلد 6/ الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس/ الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 104
و محمد بن علي بن ابي عبد الله و ان كان مجهولا الا ان احمد بن محمد بن ابي نصر لا يروي الا عن ثقة كما حكاه سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي- قدس سره الشريف- عنه علي ما ففي بعض تقريراته. «1»
قال الشيخ- قدس سره- في عدة الاصول: « … و لا جل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير و صفوان بن يحيي و احمد بن محمد بن ابي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمّن يوثق به و بين ما اسنده غيرهم». «2»
فتكون الروايتان متعارضتين و كلاهما شاذان بحسب الفتوي و عمل القدماء و يشكل ترجيح احدهما علي
الاخر بعمل المتأخرين كما عرفت.
و بعض ما ذكرنا في تضعيف الرواية من الجهات الثلاثة و ان كان قابلا للنقض و الابرام الا انّ ملاحظة مجموعها يمنعنا عن الفتوي، و ينبغي ان يحتاط في المسألة بعدم ترك الخمس في ما نقص عن النصاب أيضا لا سيما مع وجود الاطلاقات الكثيرة الواردة مورد البيان الخالية جميعها عن هذا القيد مع انه مورد الابتلاء شديدا.
ان قلت: ما يكون أقلّ من النصاب امر نادر في المعادن، فلذا لم يتعرض له روايات الباب الا في حديث واحد فيصح تقييد تلك المطلقات الكثيرة برواية واحدة.
قلت: كلا فان عشرين دينارا يساوي 15 مثقال صيرفيا و هو في ايامنا يبلغ اكثر من 75 الف تومانا و كثير من المعادن لا سيما مثل الملح و الزرنيخ و النورة و شبهها و لا سيما في تلك الاعصار بل الامر بالعكس كما اشار اليه في
______________________________
(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 19.
(2)- عدة الاصول، الصفحة 386.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 105
المصباح فانه قلما يتفق هذا النصاب في مثل الملح، فالاحتياط لا ينبغي تركه.
اما دليل القول باعتبار دينار واحد فقد عرفت ما يدل عليه من حديث البزنطي أيضا و ما فيه من اشكال في السند و اشكل منه ان الرواية معرض عنها بين الاصحاب لعدم عمل القدماء و المتأخرين بها و عدم الفتوي بها الا من شاذ قليل.
بقي هنا امور علي تقدير القول باعتبار النصاب.
اولها: هل الخمس علي جميع المعدن او بعد اخراج المئونة؟ اي مؤنة الانتاج لا ينبغي الشك في كونه بعده و قد ارسله في الجواهر ارسال المسلمات و هو كذلك لان ظاهر ادلة الخمس تعلقه بالمنافع الحاصلة لا
سيما اذا ادرجنا الجميع تحت عنوان الغنيمة، و من الواضح ان ما يحاذي المئونة ليس من المنافع بل قد تكون المئونة اكثر من منافع المعدن بحيث يكون فيه الخسارة فهل يلتزم احد بوجوب الخمس في مثله.
و قد يستدل مضافا الي ذلك بقوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة» و ما ورد في صحيحة زرارة حيث قال عليه السّلام (بعد السؤال عن حكم المعدن): «ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس». «1»
و قد يقال انه كالصريح في المقصود.
و يرد علي الاول ما عرفت من ان الظاهر من مجموع ما ورد في باب كون الخمس بعد المئونة انه مؤنة السنة لا مؤنة المكسب فراجع.
اما الثاني فظهوره غير ثابت فكيف بصراحته و انما يستفاد منه ان الخمس يتعلق بالمصفي فقبله لا خمس فيه فكأنه بصدد بيان زمان تعلق الخمس و انه لا يتعلق بتراب المعدن الا بعد التصفية فتدبر، بل قد ذكر في الجواهر ظهور
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 106
الصحيحة في هذا المعني و ان المراد تعلق الخمس بعد التصفية. «1»
فالعمدة في المسألة ما عرفت من مناسبة الحكم و الموضوع، و انصراف الاطلاقات الي تعلق الخمس بالمنافع الناشئ من ارتكاز ذلك عند المتشرعة، و الظهور العرفي المستفاد من اطلاق ادلة كون الخمس علي المعدن فان المتفاهم العرفي منه ان ما يأتي بيد الانسان مما هو داخل في ملكه يكون فيه الخمس، اما المصارف الذاهبة فلا خمس فيها.
ثانيها: هل النصاب علي القول به بعد اخراج المئونة او قبلها؟ فلو كان ما اخرج من المعدن اربعون دينارا و
مصارف اخراجه ثلثون دينارا فان قلنا بملاحظة النصاب من دون كسر المصارف فهو بالغ للنصاب و ان قلنا ان المدار بعد كسر المؤن و المصارف فهو لا يكون اكثر من عشرة دنانير فليس فيها خمس اصلا، و لكن علي الاول يكون في خصوص العشرة كما لا يخفي.
قال في المدارك في مبحث استثناء المئونة عن الخمس ما نصه: «ثم ان قلنا بالاستثناء فهل يعتبر النصاب بعد المئونة او قبلها فيخرج منه ما بقي بعد المئونة و جهان: اظهر هما الثاني» (اي كون ملاحظة النصاب قبل اخراج المئونة». «2»
و قال في الجواهر في هذا المقام ما نصه: «هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من انواع الخمس قبلها (المئونة) او بعدها؟ و جهان في المدارك، اقواهما الثاني … وفاقا للمنتهي و التذكرة و البيان و الدروس بل ظاهر الاولين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما الي الشافعي بل في المسالك
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 12.
(2)- المدارك، عدد الصفحة غير مذكور فيه.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 107
نسبته الي تصريح الاصحاب أيضا بل قال انهم لم يتعرضوا فيه لخلاف» (انتهي). «1»
و استدل علي القول المشهور تارة بالاصل و ظاهره اصالة البراءة، و اخري بما هو منساق من مجموع الادلة. «2»
و اورد علي الاول ان ثبوت الخمس فيه مقطوع به علي كل حال و لو من باب ارباح المكاسب و اجيب عنه بان المراد نفي وجوب الخمس من باب المعادن حتي يكون فوريا من دون استثناء مؤنة السنة.
و الظاهر ان مراده من منساق مجموع الادلة هو انه اذا كان الخمس بعد المئونة لا بد ان يكون النصاب أيضا بعده لان الخمس يتعلق بالفوائد،
فالفوائد الثابتة بعد اخراج المؤن اذا بلغت حدا معينا وجب فيها الخمس فكأنه لا انفكاك في نظر العرف بين اخراج المؤن عن تعلق الخمس و بين اخراجها عن تعلق النصاب، لان جميع الادلة في هذه الابواب نفيا و اثباتا ناظر الي ما يصدق عليه الفائدة فهي المدار للخمس و النصاب و غيرهما.
و استدل لقول المدارك باطلاق صحيحة البزنطي، فان قوله ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا مطلق لم يستثن منه مؤنة الاخراج مع ان الغالب وجودها في جميع المعادن.
هذا و لكن الانصاف ان هذا الاطلاق انما هو في النظر البدوي و الا فبعد ملاحظة ما ذكرناه آنفا لا يبقي له مجال، فالاقوي كون النصاب بعد اخراج المئونة فتأمل.
ثالثها: قد يكون هناك اخراجات متعددة عن معدن واحد، او اخراجات
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 83.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 83.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 108
عن معادن متعددة، او اخراج واحد عن معدن واحد لأشخاص متعددة شركاء في ذلك، او اخراج اجناس متعددة كالذهب و الفضة عن معدن واحد، فهل النصاب يراعي بعد انضمام بعضها الي بعض في جميع المقامات الاربعة من تعدد الاخراج و المعدن و الشركاء و الجنس، أم لا؟
اما بالنسبة الي الاول فقد ذكر بعض سادة اساتذتنا فيه وجوها ثلاثة:
احدها انه لا بد من ان يكون النصاب في دفعة واحدة. و الثاني انه لا فرق بين ان يكون في دفعة او دفعات. و الثالث ان يفرق بين صورتي الاعراض و عدمه. «1»
و يظهر من المحقق الهمداني ابداء وجه رابع حيث قال: «ان الاعراض المتخلل في البين ان كان علي وجه عد العود اليه
في العرف عملا مستأنفا من غير ارتباط بعضها ببعض لوحظ كل واحد مستقلا في النصاب، اما اذا كان عوده اليه بمنزلة اعراضه عن الاعراض السابق و الرجوع الي عمله فهو بمنزلة عمل واحد، ثم رجع عنه و ذكر في ذيل كلامه ان القول بكفاية بلوغ المجموع، النصاب مطلقا ان لم يكن اقوي فهو احوط» (انتهي ملخصا). «2»
اقول: لم يرد في النصوص دليل خاص علي هذا الحكم و المرجع هو الاطلاقات، و قد يقال- كما في الحدائق- «ان ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس هنا كيف اتفق الاخراج و التقييد بعدم الاعراض يحتاج الي دليل و ليس فليس». «3»
و اختاره بعين هذا الدليل في زبدة المقال و به افتي في الجواهر ثم حكي عن العلامة في المنتهي الفرق بين صورة الاعراض و عدمه ثم قال لم نعرف له
______________________________
(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 21.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.
(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 331.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 109
مأخذا معتدا به. «1»
و اختار الاحتياط بالانضمام مطلقا في العروة هنا، و الانصاف ان المدار هنا علي الصدق العرفي فكلما يعد اخراجا واحدا يعتبر فيه النصاب لان قوله «ما اخرج من المعدن» ظاهر في الاخراج الواحد و ان كان بدفعات عديدة، و اما الاخراجات المتعددة فيعتبر فيها نصابات متعددة، و الظاهر ان التعدد حاصل بالاعراض عرفا و لا اثر لما ذكره في المصباح من انه اذا رجع الي عمله و اعرض عن اعراضه يعد شيئا واحدا، فان الاعراض العملي (لا في النية فقط) اذا حصل في الخارج لا يقيده الاعراض عن الاعراض، بل لا معني له.
هذا بالنسبة الي الاخراجات المتعددة، اما اذا
كانت المعادن متعددة فيه كلام بين الاصحاب.
اختار في الجواهر في اول كلامه: انه لا فرق بين المعدن الواحد و المعادن المتعددة و ان الجميع تحسب واحدا في النصاب ثم نقل هذا القول عن استاده كاشف الغطاء تبعا لصاحب المسالك و صاحب المدارك في وجه فيهما ثم قال: الانصاف عدم خلوه عن الاشكال. «2»
و حكي في المصباح عن شيخنا المرتضي- قدس سره- اعتبار الوحدة و عن غير واحد التوقف في المسألة. «3»
اقول: لو كانت المعادن متقاربة في ارض واحدة بحيث يعد الجميع في العرف واحدا فلا كلام، و ان كانت متباعدة بحيث تعد متعددة فالانصاف اعتبار الوحدة فيها في النصاب لظهور صحيحة البزنطي في ذلك، نعم عند الشك يشكل الرجوع الي الاصل كما ذكره في الجواهر الظاهر في اصالة
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 19.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 21.
(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 115.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 110
البراءة، بل الظاهر الرجوع الي العمومات و الحكم يتعلق الخمس بموارد الشك اذا بلغ المجموع نصابا لأنه المتيقن.
اما اذا اشترك جماعة في الاخراج و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا، فقد قال في العروة بان الظاهر وجوب خمسه و لم يخالفه الا قليل من المحشين.
و حكي في الجواهر عن غير واحد التصريح بعدم الوجوب قال: «بل لا اعرف فيه من صرح بخلافه» ثم قال: «لكن قد يقال بظهور صحيح ابن ابي نصر السابق بل و غيره من الاخبار بخلافه كما اعترف به الشهيد في بيانه و هو احوط ان لم يكن اولي بل قد يدعي ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعددين غير الشركاء أيضا
و ان كان بعيد جدا ان لم يكن ممتنعا. «1»
اقول: قد عرفت ان الخمس في الواقع يتعلق بالفوائد و المنافع و الغنيمة بالمعني الاعم، و من الواضح ان فائدة كل انسان امر مستقل لنفسه و بالجملة الخمس و ان تعلق بالمعدن و لكنه بما هو منفعة لصاحبه و طبيعة الحال يقتضي ملاحظة نفع كل انسان بحاله.
و بالجملة: اطلاق صحيحة البزنطي منصرف الي وجوب الخمس علي كل انسان اذا بلغ سهمه من المعدن بمقدار النصاب (علي القول به) و الظاهر ان عدم تصريح الاصحاب بخلافه انما نشاء من هذه الجهة.
و اعجب من مسألة الشركاء ما عرفت من الجواهر من كلامه الخير من ملاحظة النصاب في المجموع، و لو لم يكن هؤلاء شركاء بل كان كل منهم مستقل في الاخراج عن معدن واحد.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 20.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 111
و اما الرابع فحاله اوضح من الجميع، فانه لا بد من ملاحظة مجموع الاجناس المستخرجة من معدن واحد شيئا واحدا و لحاظ النصاب فيها، لإطلاق صحيحة البزنطي من هذه الناحية.
هذا و لكن قال المحقق النراقي في المستند ما نصه: «و في اعتبار اتحاد النوع و جهان احتملهما في البيان و استجود في الروضة الاعتبار و كأنه للأصل و الشك في دخول الانواع المختلفة في الافراد المتبادرة من الاطلاق و اختار في المنتهي و التذكرة و التحرير و المدارك العدم لما مر من اطلاق النص و هو الاظهر لذلك (يعني للإطلاق) (انتهي)». «1»
و من الجدير بالذكر ان المعادن كثيرا ما توجد مركبا من جواهر مختلفة، فلو كان كل جنس يحتاج الي نصاب خاص لم يصح اطلاق الكلام في حديث البزنطي، لأنه
يلزم منه كون الرواية ناظرة الي الفرد النّادر من المعدن المستخرج منه جنس واحد مع ان الغالب فيه اخراج اجناس متعددة من معدن واحد.
رابعها: قال في العروة
لا يعتبر استمرار التكون و دوامه
يعني اذا كان في المعدن مقدارا محدودا من الجوهر بما يبلغ النصاب و استخرجه وجب عليه الخمس و ان لم يوجد فيه شي ء آخر بعد ذلك، و هو امر واضح فان جميع المعادن او غالبها فيها مقادير معينة من الجواهر كثيرة كانت او قليلة و قلما تتكوّن الجواهر في زمان قصير بل في زمان طويل جدا قد يكون آلاف او ملائين سنة او بمقدار عمر الارض، و علي كل حال لا يعتبر في صدق المعدن ان يكون مركزا للتكون الجديد مثل البئر بالنسبة الي الماء كل ذلك لإطلاق الادلة.
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 112
و قد يقع الكلام تارة في تعلق الخمس به حينئذ و اخري في جواز اداء الخمس منه.
اما الاول فقد عرفت كلام الجواهر آنفا و انه استظهر من ذيل صحيحة زرارة «1» تعلق الخمس بعد التصفية و ظهور الجوهر و حكي في مصباح الفقيه انه في الكتاب المنسوب الي شيخنا المرتضي و الظاهر ان اول وقته بعد التصفية فيما يحتاج اليها لظاهر صحيحة زرارة …
ثم قال: «فعلي هذا لو نقله الي آخر ببيع او صلح و نحوه قبل التصفية لا يجب الخمس علي احدهما (و كأنه استغرب هذا) ثم اجاب عن رواية زرارة بانها ناظرة الي بيان وجوب الخمس فيما يخرج من حجارته مصفي لا ان اول وقته بعد التصفية». «2»
اقول: الانصاف ان الاستدلال بها مشكل و ان كان المراد المصفي
من الحجارات لا المصفي من المؤن كما توهم، و ذلك لاحتمال كونه ناظرا الي التعارف الغالب من ان الانتفاع بهذه المعادن انما يكون بعد التصفية و يشهد لذلك جعله في مقابل الركاز في الرواية فكأنه قال ان كان شيئا ينتفع به بغير معالجة يؤخذ خمسه و ان كان يحتاج الي العلاج فيعد ما يصالح و يكون قابلا للانتفاع.
و بالجملة لا يمكن رفع اليد عن الاطلاقات الدالة علي وجوب الخمس من اول الاستخراج بمثل هذا الظهور الضعيف بل لعله لا ظهور له.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 و قد مر ذكرها.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 113.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 113
هذا مضافا الي ان حديث الاول من الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس «1» كالصريح في تعلق الخمس بتراب المعدن و ان كان سنده لا يخلوا عن ضعف فلا أقلّ من تأييده للمقصود.
نعم اذا كان اخراج خمس التراب غير متعارف اشكل الرجوع فيه الي الاطلاقات.
ان قلت: الخمس يتعلق بالعين.
قلت: نعم و لكنه اجاز عليه السّلام بيعه الفضولي فاخذ العوض.
اما الثاني: اعني اداء الخمس من نفس تراب المعدن، فقد فصل في العروة بين ما اذا علم بتساوي الاجزاء في الاشتمال علي الجوهر او بالزيادة فيما اخرجه فيجوز و ما ليس كذلك فلا يجوز، و الوجه فيه التمسك بقاعدة الاشتغال ظاهرا.
لكن الانصاف ان يفصل بين ما اذا كان قيمة التراب متساويا و هذا المعني متعارف في كثير من ممالك الارض، فانهم يستخرجون احجار الحديد او الصفر او غير ذلك من المعادن و يصدرونها الي بلاد اخري بقيم معلومة فمثل هذا مما لا اشكال في
جواز اخراج الخمس من ترابه علم بتساوي الجواهر أم لا، لان المدار علي مساواة القيمة فيها و هو حاصل و ان كانت
______________________________
(1)- عن الحرث بن حصيرة الازدي قال: «وجد رجل ركازا علي عهد امير المؤمنين (ع) فابتاعه ابي منه بثلاثمائة درهم و مأئة شاة متبع فلامته أمي و قالت: اخذت هذه بثلاثمائة شاة اولادها مأئة و انفسها مائة و ما في بطونها مأئة قال: فندم ابي فانطلق ليستقيله فابي عليه الرجل فقال خذ مني عشر شياة خذ مني عشرين شياة فاعياه فاخذ ابي الركاز و اخرج منه قيمة الف شاة فاتاه الآخر فقال: خذ غنمك و اتني ما شئت فابي فعالجه فاعياه فقال: لاضرن بك فاستعدي امير المؤمنين (ع) علي ابي فلما قص ابي علي امير المؤمنين (ع) امره قال لصاحب الركاز: ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك فانك انت الذي وجدت الركاز و ليس علي الآخر شي ء لأنه انما اخذ ثمن غنمه».
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 114
التراب مختلفة بحسب القيمة، فلا بد من اداء ما يساوي خمس قيمتها قليلا كان او كثيرا بحسب الوزن و المقدار.
و اما ان لم يكن للتراب قيمة و لا يوجد له باذل فاداء الخمس منه مشكل جدّا بل لا بد من ادائه بعد التصفية لانصراف العمومات و الاطلاقات منه كما هو ظاهر. «1»
فاذا خرج تراب المعدن و احجاره، او نفس الجوهر الخالص الموجود فيه بسبب طبيعي كالسيل و المطر و الريح و الزلازل فاخذه انسان و تملكه، او علم باخراج انسان له و لم يخرج الخمس منه فهل علي الواجد الخمس؟
و المحكي عن كاشف الغطاء انه لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في
الصحراء فاخذه فلا خمس.
و يظهر ذلك مما حكاه المحقق الهمداني عن المحقق الأردبيلي أيضا، و لكن ظاهر العروة وجوب الخمس في الجميع من باب الاحتياط الوجوبي.
و فصل في مصباح الفقيه بين ما اذا كان الاخراج بسبب الرياح و جري السيول و شبهها فلا يجب، و ما كان بفعل انسان غير المالك فيجب بدعوي الغاء خصوصية الفاعل عرفا.
اقول: التحقيق ان يقال ان للمسألة صور، احدها- ما اذا كان المخرج من قبيل السيل و المطر و الريح و حينئذ لا يبعد القول بتعلق الخمس به لا لشمول عنوان «المعدن» او ما يخرج عن المعادن و اشباههما للمقام، لعدم
______________________________
(1)- و الحاصل انه ان كان لتراب المعدن قيمة و يوجد له باذل يكفي اداء خمسه بما يحاذي خمس القيمة و الا فيشكل اداء الخمس منه مطلقا.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 115
شمولها له ظاهرا بعد خروجه عن محل المعدن و كان مطروحا في الصحراء، و اما الاستناد الي التعبير بالركاز الوارد في بعض الروايات فلا يفيد اكثر مما يستفاد من التعبير بالمعدن، لأنه في مقام بيان طبيعة المعدن من ارتكازه في الارض و ساكت عن اشتراط الاستخراج و عدمه بل لإلغاء الخصوصية عرفا عنه لان العرف لا يري فرقا بينهما بل صار الامر عليه اسهل، فيجري عليه احكام خمس المعدن لا خمس مطلق الارباح و لا أقلّ من انه احوط لما عرفت من عدم اعتبار النّصاب فيه.
ثانيها: ما اخرج بيد انسان و قصد حيازته فهو ماله و الخمس عليه فان عرف صاحبه اخذ منه و ان لم يعرف كان بحكم اللقطة او مجهول المالك و حكم خمسه يظهر مما يأتي. و اما اذا لم يقصد حيازته
كما اذا اراد حفر بئر او بناء جدار و اخرج التراب من الارض لبناء الاساس و كان ذلك تراب المعدن فلم يعرفه او عرفه و لم يعتن به، يجوز لغيره اخذه و لا يبعد وجوب اداء خمسه لما عرفت من الغاء الخصوصية.
و هناك صورة ثالثة و هو ما اذا قصد تملكه ثم اعرض عنه، و حينئذ يجوز تملكه لكل من يحوزه لان الاعراض سبب للخروج عن الملك علي الاقوي، لجريان سيرة العقلاء عليه و لكن الخمس المتعلق بالعين باق فيه. و ان شئت قلت: الاعراض يؤثر في اربعة اخماس منه لا في الجميع، و اذا شك في اداء خمسه قبل الاعراض امكن حمل فعله علي الصحة لان الاعراض عنه حينئذ حرام، و كذا في الصور السابقة لان الخمس فوري. «1»
______________________________
(1)- و الحاصل: ان الخمس في جميع صور المسألة ثابت الّا اذا احتمل ادائه بعد الحيازة في وقت ممكن. و هكذا نعدل عما ذكرناه سابقا في تعليقتنا علي العروة الوثقي من اشتراط الاستخراج.
ثم لا يخفي انه يجوز اجراء قاعدة اليد في الصورة الثالثة أيضا فان الظاهر منها مالكية الاول (اعني
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 116
و مما ذكرنا ظهر الاشكال في ظاهر عبارة العروة حيث قال: «او انسان لم يخرج خمسه وجب عليه اخراج خمسه» و ذلك لان ذلك الانسان ان قصد الحيازة فلا يجوز اخذ هذا المعدن حتي يخرج خمسه و ان لم يقصد فلم يتعلق به الخمس، فاي معني لقوله لم يخرج خمسه بعد فرض عدم الحيازة اللهم الا ان يحوزه ثم يعرض عنه.
حتي يتعلق بها الخمس فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية.
1- تارة تكون في ارض مملوكة لإنسان خاص.
2- اخري تكون في الاراضي المفتوحة عنوة.
و المراد منها ما كان في معمور تلك الاراضي فان غير معمورها بحكم الانفال.
3- ما كان في ارض موات.
قال في الجواهر في ابواب الخمس ما حاصله: انه قد اختلف كلمات الاصحاب في المعادن و هم بين من أطلق كونها من الانفال و انها للإمام عليه السّلام كالمفيد و عن الكليني و الشيخ و الديلمي و القاضي و القمي في تفسيره و اختاره في الكفاية كما عن الذخيرة و هو ظاهر كاشف الغطاء (من دون فرق بين ما كان في ارض مملوك او غيره).
______________________________
المخرج) لمجموع ما اخرجه لا لأربعة اخماسه فقط.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 117
و بين من أطلق كونها من المباحات الاصلية و ان الناس فيها شرع سواء كما اختاره المحقق في النافع و الشهيد في البيان بل حكاه في الروضة عن جماعة.
و بين من فصل بين ارضه و غيرها كابن ادريس الحلي و العلامة في المنتهي بل و التحرير و الشهيد في الروضة و غيرهم «1» و ذكر المسألة في كتاب احياء الموات و ادعي: ان المشهور نقلا و تحصيلا علي ان الناس فيها شرع سواء بل قيل قد يلوح من محكي المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه. «2»
و لكن صرح في بعض فروع المسألة: انه لو احيا ارضا فيها معدن باطن ملكه تبعا لها بلا خلاف اجده فيه كما عن المبسوط و السرائر الاعتراف به بل قيل ان ظاهر الاول بل الثاني نفيه بين المسلمين. «3»
اقول: الظاهر انه لا يوجد ثمرة مهمة عملية بين
كونها من المباحات الاصلية او كونها من الانفال في زماننا بعد اذنهم- عليهم السلام- في تملك الانفال لمن احياها، نعم قد تظهر الثمرة بالنسبة الي الحاجة الي اذن الحكومة الاسلامية و نائب الغيبة.
فالعمدة اثبات كونها من الأنفال مطلقا او التفصيل، فقد استدل علي كونها من الانفال مطلقا بروايات عديدة:
1- موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن الانفال.
فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي اهلها فهي لله و للرسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 129.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 108.
(3)- نفس المصدر، الصفحة 113.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 118
و كل ارض لا رب لها و المعادن منها و من مات و ليس له مولي فماله من الأنفال.» «1»
و لكن الكلام بعد في ان صحيح العبارة «المعادن منها» او «المعادن فيها» فان كان الثاني اختص بالمعادن الموجودة في اراضي الانفال، و اما علي الاول يمكن دعوي الاطلاق و ان كان أيضا لا يخلو عن اشكال و ذلك لاحتمال كون (من) تبعيضية فيصير المعني هكذا: و المعادن التي تكون من الاراضي الخربة تعد من الانفال فالاخذ بعموم الحديث علي كل حال مشكل.
2- مرسلة العياشي عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «لنا الانفال.
قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الاجام و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد اهلها فهو لنا». «2»
3- مرسلته عن داود بن فرقد و رواه بطريق اخر في المستدرك في الباب الاول من الانفال الحديث الاول من كتاب عاصم
بن جميل عن ابي عبد الله عليه السّلام (في حديث) قال: «قلت: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل ارض ميتة قد جلا اهلها و قطائع الملوك». «3»
فما صحت اسناده لا دلالة فيها و ما يدل لا سند له بل يمكن ان يقال انه لا دلالة للأخرين أيضا لانصرافهما الي الفرد الغالب من المعادن و هو الموجود في اراضي الموات.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب الاول من ابواب الانفال، الحديث 20.
(2)- نفس المصدر، الحديث 28.
(3)- نفس المصدر، الحديث 32.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 119
اما القول الثاني اي كون الناس في المعادن شرعا سواء، فقد استدل له في الجواهر بامور:
1- الاصل. 2- السيرة. 3- اشعار اطلاق اخبار الخمس في المعادن، ضرورة انه لا معني لوجوبه علي الغير و هي ملك للإمام عليه السّلام. «1»
و مراده من الاصل هو اصالة الاباحة او اصالة عدم استقرار ملك احد عليها، و مراده من السيرة انتفاع الناس بالمعادن من دون استيذان الامام عليه السّلام و اما اخبار الخمس فالاولي ان يقال انها ظاهرة في كون ما عدا الخمس للمستخرجين لا انها مشعرة، و هذا دليل علي جواز تملك المعادن لكل احد.
هذا و لكن الاخيرين لا ينافيان كونها للإمام مع عموم اذنه للتصرف و التملك لكل احد احياها كما هو كذلك بالنسبة الي الموات و شبهها.
و لكن الخروج عن الاصل بلا دليل مشكل، و قد يقال ان المعادن من سنخ الانفال فان المعمول بين جميع الدول جعل ما لا رب لها خصوصا مثل المعادن من الاموال العامة التي امره
بيد الحكومة.
اقول: هذا استحسان ظني لا يبلغ حد القطع و لا يمكن الركون اليه في الخروج عن الاصل. و اما ادعاء كونه مما استقرت عليه سيرة العقلاء، فلا تجدي الا اذا ثبت استمراره الي زمن المعصوم عليه السّلام و عدم ردعه عنه، و الظاهر خلافه لان المعادن في عصرهم- عليهم السلام- لم تكن امرها بيد الحكومة.
و اما القول الثالث اي التفصيل فيدل عليه: اولا- ما عرفت من تسالم القوم عليه، و عدم نقل خلاف من احد بل يظهر من كلماتهم ارساله ارسال المسلمات، و الامور المجمع عليها.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 129.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 120
و ثانيا- ما قد يقال ان مقتضي الاحياء هو ملك الارض و ملك المنافع بتبعها بحسب استقرار السيرة العقلائيه.
و لكن يرد عليه امران:
1- لا بد في الحيازة و الاحياء القصد، فلو كان هناك معدن تحت ارض و احياها انسان من دون علم بوجود المعدن فيها فلم يقصد حيازتها و المفروض عدم بلوغ الاحياء للمعدن، فكيف يمكن الحكم بالتبعية و لذا ذكر القوم انه لو وجدت لؤلؤة في بطن سمك فهو لواجدها و ان كان هو المشتري لا بايع السمك مع انه الذي قصد حيازة السمك اولا فلما ذا لا يقال انه ملك اللؤلؤ بالتبع (و قد نطقت بهذا الحكم اخبار عديدة (رواها في الوسائل) و افتي به الاصحاب).
اللهم الا ان يقال: ان وجود اللؤلؤ في السمك امر نادر خارج عن طبيعته فلا يتوجه اليه القصد حتي بالتبع، بخلاف وجود المعدن في الاراضي، و لذا صرح القوم بان الكنز اذا وجد في دار اشتراها من بايع قبله و علم بانه ليس من امواله فهو لواجده،
مع فتواهم بان المعدن تابع للأرض المملوكة و ليس هذا الا للفرق الظاهر بين الكنز و المعدن.
و الحاصل: انه لا يبعد ان يقال ان المعدن يملك بالتبع و لا يحتاج الي قصد الحيازة تفصيلا بل يكفيه القصد الإجمالي كما هو كذلك في المياه الموجودة تحت الارض لا سيما اذا كان قريبا منها فانه يملكها و ان لم يعلم بها و لم يقصد حيازتها تفصيلا، فالقصد الإجمالي في جميع ذلك كاف.
و يمكن ان يقال: ان مالك الارض و ان لم يكن مالكا لذلك المعدن لعدم احيائه (فان المعدن أيضا يحتاج الي الاحياء في تملكه) و لكن مالك الارض اولي و احق من غيره بذلك، و هذا المعني قريب جدا.
2- لا بد من التفصيل هنا (اولا) بين المعادن التي تكون قريبة من الارض
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 121
بحيث تعد تابعة لها، و ما تكون بعيدة عنها بحيث لا تعد في العرف تابعة لها فالاول ملك لمالكه و الثاني لا، و بين المعادن الصغار و الكبار.
ان قلت: كيف يمكن هذا التفصيل و قد اشتهر بينهم ان الانسان اذا ملك ارضا ملك ما فوقها الي عنان السماء و ما تحتها الي تخوم الارض بالتبع.
قلت: كلا، هذه من المشهورات التي لا اصل لها فان قاعدة التبعية في الملك متخذة من العقلاء و قد امضاها الشارع، و العقلاء يجعلون له حدا متعارفا فمن ملك ارضا ملك ما تحتها مما تبلغه السراديب و الآبار، و ما فوقها مما تبلغه الغرف المبنية فوقها بل و ما يسمي اليوم بناطحات السحاب و اما ما ورائها فلا، فلو طار طائرة من فوق الاراضي المعمورة او البيوت في البلاد من دون اذن
مالكي الاراضي و البيوت لا يعد غاصبا و كذا من حفر نقبا في عمق آلاف متر مثلا، فلا مانع لإخراج المعادن الموجود في ذاك العمق و شبهه. و امّا ما ورد في الكعبة من امتداده من تخوم الارض الي عنان السماء فهو مختص بها و تدل عليه الرواية. و لو شك في ذلك فالاصل عدم التبعية لأنه مردد بين الاقل و الاكثر، او يقال الاصل هو الاباحة.
و هكذا المعادن الكبار، فانها لا تدخل تحت ملكية فرد خاص كما اذا كان منابع النفط و البترول العظيمة الكبار تحت بعض الاراضي المملوكة، نعم لصاحب الارض الانتفاع بها و تملكها بمقدار جرت العادة عليه لأوضع اليد علي جميعها و اختصاصها بها دون الناس.
و السر في ذلك ان احياء الموات و كذا حيازة المباحات و غيرها من اشباهها، لها حدود عقلائية فلا يرخصون لواحد من الناس احياء او تحجير ما بين البصرة و الكوفة و مكة و المدينة و لو قدر عليه، او حيازة جميع اسماك البحر و طيور الهواء و لو قدر عليها، بل يجعلون لكل انسان سهما يحده العقلاء، و كذا الامر بالنسبة الي حيازة المعادن او احيائها فله ذلك
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 122
بمقدار حاجاته الضرورية او الرفاهية و ما هو متداول في الكسب. «1»
بقي هنا شي ء و هو انه لو اخرج غير المالك المعدن الموجود في ارض مملوكة (بما عرفت له من القيود) فقد صرح في العروة بانه لا يملكه و يكون لصاحب الارض و عليه الخمس من دون استثناء المئونة لأنه لم يصرف عليه مؤنة.
اقول: هذا مبني علي كونه ملكا لصاحب الارض و لكن هنا احتمال آخر ليس به بأس
و هو ان يكون هو اولي من غيره بتملكه لا انه ملكه فعلا و حينئذ لا يملكه الا بعد قصد حيازته فيجب عليه الخمس مع انه لو قلنا بكونه ملكا لصاحب الارض وجب عليه خمسه سواء قصد الحيازة أم لا و هذا هو الفرق بين القولين و حيث انه يقصد حيازته بعد الاستخراج يأتي الكلام السابق في تعلق الخمس به و عدمه لأنه من قبيل ما أخرجه السيل او الانسان بدون قصد التملك لان المفروض عدم جواز تملكه للمخرج و ان قصده كلا قصد، و الامر سهل بعد ما عرفت من وجود الخمس في جميع صور المسألة.
التي هي للمسلمين فاخرجه واحد من المسلمين فهل يملكه اولا؟ مقتضي ما عرفت آنفا من مسألة التبعية في كثير من المعادن هو كون المعادن الواقعة في هذه الاراضي تابعة لها و كذلك ما وقع في الانفال، فان الظاهر ان التبعية في الملك امر واحد في الجميع كالمرافق الثانية للأملاك.
______________________________
(1)- و الحاصل انه يفصل بين ما يكون قريبا من الارض بحيث يعد تبعا لها و بين ما يكون بعيدا لا يعد تبعا و كذا بين المعادن الصغار التي يتداول تملكها لكل احد و بين غيرها.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 123
و ما في مستند العروة من دعوي القطع بعدم التبعية و ان المعادن الكامنة في اجوافها ملك لمخرجها لا لعامة المسلمين عجيب، و كأنّ سبب هذا الادعاء هو السيرة الجارية من استخراج الناس المعادن في غير املاكهم الشخصيّة مع عدم ورود ردع من الائمة- عليهم السلام- عليهم لكن فيه انه كان باذنهم- عليهم السلام- و لا غرو في عدم الاشارة اليه و لو في رواية واحدة
بعد ما عرفت من حكم العقلاء بالتبعية.
و حينئذ فالظاهر وجوب استيذان الحاكم الشرعي في استخراج ما كان في معمور الاراضي الخراجية و اداء خراجها اليه لان امر تلك الاراضي بيد الحاكم يتولاها في طريق منافع المسلمين فتأمل.
و من هنا يعلم ان الامر في اراضي الانفال كذلك فهي للإمام عليه السّلام او من اباحها له، و حيث انهم اذنوا اذنا عاما لمن يحييها و ينتفع بها لا يبقي اشكال من هذه الناحية، و لا تنحصر اخبار خمس المعادن علي كثرتها علي المعادن الواقعة في الاملاك الشخصية كما ذكره مستند العروة.
*** اما اذا اخرج غير المسلم المعادن الموجودة في الاراضي المفتوحة عنوة فقد اشكل في العروة في تملكه، و اما اذا كان في اراضي الموات (الموات حال الفتح) فاجاز تملكه و عليه الخمس، و لكن كلمات الاصحاب في ذلك مختلفة:
قال الشيخ في الخلاف: «الذمي اذا عمل في المعدن يمنع منه فان خالف و اخرج شيئا منه ملكه و يؤخذ منه الخمس و به قال ابو حنيفة و الشافعي الا انه قال لا يؤخذ منه شي ء لأنه زكاة و لا يؤخذ منه زكاة». «1»
______________________________
(1)- كتاب الخلاف، المسألة 43 من مسائل الزكاة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 124
و قال في المدارك بعد نقل كلام الشيخ: «لم يدل دليل علي منع الذمي من ذلك (انتهي)».
و قال في الجواهر: «نعم اعترف في المدارك بانه لم يقف له علي دليل يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن و هو كذلك بالنسبة الي غير ما كان في ملك الامام عليه السّلام من الاراضي الميتة و نحوها او المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة اما فيها فقد يقال بعدم ملكه اصلا فضلا عن
منعه فقط لعدم العلم بتحقق الاذن من الامام عليه السّلام لهم في الاول و عدم كونه من المسلمين في الثاني كما انه قد يقال ببقاء المعادن علي الاباحة الاصلية لسائر بني آدم من الحطب و الماء و ان كانت في الاراضي المذكورة او يقال بالفرق بين ما كان للإمام عليه السّلام و المسلمين فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الاول لعموم اذنه عليه السّلام الحاصل من قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم من أحيا ارضا ميتة فهي له او يفرق بين الذمي و غيره بامكان التزام معاملة الذمي لذمته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره». «1»
فاذن الاقوال او الاحتمالات في المسألة خمسة:
1- كونها كالمباحات الاصلية يجوز حيازتها و تملكها لكل احد.
2- لا يجوز التصرف فيها و لكن يملكها اذا استخرجها.
3- الفرق بين ما كان في الموات و المفتوحة عنوة فيجوز في الاول دون الثاني.
4- الفرق بين الكافر الذمي و الحربي فيجوز للأول دون الثاني.
5- القول بعدم ملكهم مطلقا.
و قال المحقق الهمداني بعدم الريب في كونها بحكم الماء و الكلاء
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 23.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 125
الموجودين فيها، يجوز الانتفاع بها لكل احد. «1»
اقول: التحقيق ان يقال اما بالنسبة الي ملكية المعادن فقد عرفت ان مقتضي قاعدة التبعية الموجودة عند العقلاء الممضاة من قبل الشارع هو كون المعادن في الانفال ملكا للإمام عليه السّلام و الموجودة في المحياة من المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين، الا ان يكون في اعماق الارض بحيث لا تشمله قاعدة التبعية، نعم اذا كانت المعادن خارجة عن هذه الاراضي كلها مثل ما كان في تحت البحار او الانهار، او كانت في
اعماق الارض بحيث لا تشملها التبعية كانت من المباحات الاصلية، فالقول بانها من المباحات مطلقا لا سيما مع دعوي عدم الريب فيه- كما سمعته من المحقق الهمداني كلام بلا دليل.
اما بالنسبة الي جواز تملكها بالاحياء و الاستخراج فقد يقال، ان ادلة الاذن في احياء الموات لكل احد من آحاد الناس كما هو مقتضي اطلاق الاخبار دليل علي جواز استخراجها لكل احد.
قال في الجواهر بعد قول المحقق: «فهي (اي المعادن) تملك بالاحياء» لصدق الاحياء الذي هو سبب الملك … فان احياء كل شي ء بحسبه، و من هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي هو فيها اذ هو كالجوهر الكائن فيها و يبلغه بحفرها و حينئذ فلو قهره ظالم و اخرج منه شيئا كان ملكا للمحيي بل و لا اجرة للظالم.» «2»
و العمدة هو ثبوت الاذن منهم- عليهم السلام- في ذلك: ظاهر اطلاق الصحيحة المروية علي لسان سبعة من الفضلاء (زرارة و محمد بن مسلم و ابي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن ابي عبد الله) عن الصادقين
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 111 و 110.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 126
- عليهما السلام- عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم: «من أحيا ارضا مواتا فهي له». «1»
و كذا غيره من اشباهه مثل قول الباقر عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام: «ايما قوم احيوا شيئا من الارض او عمروها فهم احق بها» «2» و غيرها من اشباهها هو العموم من دون فرق بين اصناف الناس من المؤمن و الكافر باقسامه.
و تؤيده السيرة المستمرة لان المسلمين يعاملون مع ما يخرجه
الكفار من المعادن معاملة الملك في جميع الاعصار و الامصار، فهم لم يزالوا و لا يزالون يستخرجونها و يبيعونها في بلاد المسلمين و غيرها.
بناء علي صدق الاحياء علي استخراجها لان المرجع فيها العرف كما صرح به المحقق في الشرائع و قرره عليه في الجواهر بل ادعي عدم الخلاف بين الاصحاب في ذلك «3» و قد عرفت كلامه في كون احياء كل شي ء بحسبه فيكون احياء المعدن باخراجه.
اللهم الا ان يقال ان ظاهر كلمة «الارض» عدم شمولها فان استخراج المعدن يعدّ احياء لها لا احياء للأرض فلا يشمله الحديث، لأنه قال صلي اللّه عليه و آله و سلم:
«من أحيا ارضا» لا معدنا لا سيما اذا كان المعدن من قبيل المملحة و شبهها، و حينئذ لا يبقي هناك دليل الا السيرة المستمرة و هي غير بعيدة عن الحق لكن لقائل ان يقول ان استخراج المعدن في الاراضي التي تصلح له دون غيره من الزراعة و امثالها يعد احياء للأرض، فان احياء الاراضي الصالحة للزرع او الغرس بزراعتها و الغرس فيها و احياء الاراضي المعدنية باستخراج المعدن
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 1 من كتاب احياء الموات، الحديث 5.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
(3)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 65.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 127
منها، فتدبر. نعم اذا أحيا أرضا ميتة كان فيها معدن امكن الحكم بملكيتها للكافر بالتبع، و لكن هذا غير كاف في اثبات المطلوب.
هذا و قد يقال: «ان الاخبار المستفيضة الصادرة عن الائمة- عليهم السلام- الواردة في مقام التعريض علي المخالفين كالنص في قصر الرخصة و اباحة ما يتعلق بهم من الاراضي و غيرها علي شيعتهم». «1»
و هو اشارة الي:
1- ما رواه
مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: اني كنت وليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احبسها عنك و اعرض لها و هي حقك الذي جعل الله تعالي لك في اموالنا. فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج الله منها الا الخمس يا ابا سيار الارض كلها لنا فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا. قال قلت له: انا احمل إليك المال كله. فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك و حللناك منه فضمّ إليك مالك و كلّ ما كان في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في ايدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم منها صغرة». «2» و لكنها اشارة الي ان ملكية الارض كلها لهم و هو ملك في طول ملكية المالكين، و لا بد ان يفسر الملك فيه بمعني آخر غير ما هو المعهود منه في الفقه فتأمل.
2- ما رواه عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا من اهل الجبل يسأل ابا عبد الله عليه السّلام عن رجل اخذ ارضا مواتا تركها اهلها فعمرها و كري انهارها
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 128
و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا؟ قال فقال ابو عبد الله عليه السّلام: كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيا ارضا من
المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الي الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان تؤخذ منه». «1» فان التقييد بالمؤمنين في مقام التحديد يدل علي المفهوم، و لكن الظاهر ان الحكم فيه كان مختصا بزمان علي عليه السّلام لعدم وجوب الطسق في احياء اراضي الموات فعلا بل لعله لا خلاف فيه (اللهم الا ان تري الحكومة الاسلامية المشروعة ذلك فتدبر).
3- ما رواه الحارث بن المغيرة عن ابي جعفر عليه السّلام حيث انه بعد ما اشار الي الانفال و غيرها قال: «اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا». «2»
4- و مثل الاول ما رواه يونس بن ظبيان او المعلي بن خنيس عن ابي عبد الله عليه السّلام فانها أيضا تدل علي ان الارض كلها للإمام و ان اوليائهم لفي اوسع فيما بين السماء و الارض و انه ليس لعدوهم منها شي ء. «3»
هذا غاية ما يدل علي المطلوب من الروايات الواردة في المسألة، و يدل علي هذا المعني ما رواه ابو خالد الكاهلي عن ابي جعفر عليه السّلام عن علي عليه السّلام و فيها: «و من أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي الحديث». «4» و في هذه الأحاديث، بعض الأحاديث الصحيحة مضافا الي تظافرها.
و لكن الانصاف عدم تعارضها للروايات العامة الكثيرة الواردة في مقام
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.
(2)- نفس المصدر، الحديث 14.
(3)- نفس المصدر، الحديث 17.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من كتاب احياء الموات، الحديث 2.
________________________________________
شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 129
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 129
البيان عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و غيره من المعصومين- عليهم السلام-.
لوجوه:
1- لما عرفت من ان هذه الروايات الكثيرة واردة في مقام البيان من دون اي قيد، فيشكل تقييدها باخراج غير المسلمين بل غير الشيعة منها كما لا يخفي، فتقدم تلك الأحاديث التي هي اوضح سندا و دلالة عليها، مضافا الي موافقتها لقاعدة الاحياء.
2- هذا التقييد مخالف للسيرة المستمرة في جميع الاعصار من معاملة الملك مع المعادن المستخرجة من ناحية الكفار في بلاد المسلمين بل و بلادهم بعد نقلها الي بلاد الإسلام، و اوضح من ذلك ما استخرجه المخالفون من المعادن المختلفة.
3- قد عرفت ان دلالة غير واحد منها مشكوكة لدلالتها علي كون جميع الارض ملكا لهم- عليهم السلام- الذي له معني آخر من الملك، و الا لا معني لكون خصوص الأنفال ملكا لهم او خصوص الخمس بل جميع الاموال و الاراضي اعم من الموات و العامرة و كذا الخمس و الاربعة الباقية لهم- عليهم السلام- و هو حق بمعني آخر ذكرناه في محله.
مضافا الي اشتمال غير واحد منها علي وجوب اداء الخراج من الموات المحياة، و الظاهر انه مخالف لما هو المشهور.
4- يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل علي المنع علي تصرف اعدائهم- عليهم السلام- بقرينة ما ورد في رواية يونس بن ظبيان او المعلي «1»، فغير الاعداء يجوز لهم اخراجها و تملكها.
5- و هناك بعض ما ورد التصريح فيه بجواز احياء الموات لغير
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب
الانفال، الحديث 17.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 130
المسلمين، مثل ما رواه ابو بصير قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن شراء الارضين من اهل الذمة؟ فقال: لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم الحديث». «1»
الي غير ذلك و هو دليل علي جواز احيائهم لأراضي الموات، و الرواية صحيحة لصحة طريق الشيخ الي الحسين بن سعيد و كون المراد من شعيب هو شعيب العقر قوقي (العقرقوق قرية قريبة من بغداد) الذي هو من الثقات، و الراوي منه حماد بن عثمان و هو أيضا ثقة. يبقي الكلام في ابي بصير و لا يبعد ان يكون هو الليث المرادي.
فتحصل من جميع ذلك ترجيح الاخبار المطلقة الدالة علي جواز تملك الكفار للأراضي الموات و كذلك المعادن بناء علي كونها منها، و لو قيل بانها من المباحات الاصلية فالامر اوضح، و لذا افتي المحقق اليزدي في العروة و غالب محشيها فيما رأينا بملكية الكافر، و مما ذكرنا يظهر الحال في الاقوال الاخر و جوابها.
و اما وجوب الخمس عليه، فهو مقتضي الاطلاقات الدالة علي ان المعادن فيها الخمس و لا يبعد ذلك، نعم اذا لم يؤد خمسها و باعها جاز الاشتراء منه لأنه داخل في مسألة الاشتراء ممن لا يعتقد الخمس.
هذا كله في المعادن الموجودة في الموات، و اما الموجودة في المفتوحة عنوة في الاراضي العامرة حال الفتح فالظاهر انها أيضا تبع لها كما عرفت و حينئذ يكون امرها بيد امام المسلمين في ان يوجرها و يصرف خراجها في مصالح المسلمين و لا دليل ظاهرا علي منع الكفار عن اخذها بخراج اذا اقتضت مصالح المسلمين ذلك، نعم لا ينبغي الشك في كون
المسلمين اولي
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من احياء الموات، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 131
بذلك لأنه ملكهم، و لكن اذا اقتضت المصلحة ذلك كما هو كذلك في ايجار دورهم و سياراتهم و طياراتهم بغير المسلمين احيانا (و الاراضي الخراجية اشبه شي ء بالاراضي المستأجرة بل لعلها منها فان الخراج يشبه مال الاجارة) و يدل علي ما ذكرنا ما ورد من ابقاء رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم اراضي خيبر في ايدي اليهود بسهم من محصولها.
صرح الشيخ بجوازه بشرط كون الاجرة معلومة لا اذا كانت مجهولة كما اذا قال لك ثلثه او دونه «1» و ذلك لان مقدار ما يخرج من المعدن غير معلوم.
و الاصل في ذلك ان عنوان الاحياء او الحيازة او شبههما كما يصح ان يكون بالمباشرة يجوزان يكون بالتسبيب، فمن استأجر من يحيز او يحيي له صدق عليه انه أحيا الارض او حاز المباح او المعدن و لو بالواسطة، و ان شئت قلت: ان العناوين الواردة في لسان الادلة بعضها ظاهر في المباشرة كوجوب الصلاة و الحج و الصيام علي الاحياء (و اما وجوب قضائها من الاموات فهو علي خلاف الاصل لكن ورد فيه دليل خاص) مما يراد به تربية النفوس او غير ذلك مما يقوم بالانسان نفسه، و بعضها ظاهر في الاعم منه كما في وجوب تطهير المسجد او نجات الغريق او ايصال الحقوق الي صاحبها، فان متفاهم العرف من هذه الامور هو الاعم لحصول المقصود منها و لو بالتسبيب و مثله ما ورد في بعض الأحاديث من ان من بني مسجدا فله من
______________________________
(1)- المبسوط، المجلد 3، الصفحة 279 من كتاب احياء
الموات.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 132
الاجر كذا و كذا و من الواضح انه لا يشترط في تحصيل الاجر و الثواب كون الباني نفسه بنّاء.
و ما نحن فيه من القسم الاخير لان المقصود يحصل و لو من طريق تسبيب الغير كما هو ظاهر، مضافا الي ان استيجار الغير للحيازة و الاحياء كان متداولا بين الناس من قديم الايام و استقرت السيرة العقلائية علي جواز التسبيب فيهما و لم يردع عنه الشارع و المنيع من ذلك يحتاج الي دليل، و التفاوت بين القسمين يظهر بالقرائن.
و مما ذكرنا يظهر انه لا يعتبر في ملكية الموجر هنا ان يقصد الاجير النيابة، او يقصد الحيازة او الملكية او غير ذلك لان العمل في الواقع عمل المستأجر و القصد قصده و الاجير هنا كالآلة، كما اذا استخرج المعدن بسبب الالات و المكائن المستحدثة و شبه ذلك.
نعم قد صرح في الشرائع بان المستأجر يملك ما يحصل من ذلك- اي الاقتطاب و الاصطياد و غيرهما- في مدة الاجارة و قال في الجواهر «لأنه نماء عمله المملوك له».
ثم قال: «انه قد يشكل ذلك بانه لا يتم بناء علي عدم قبول هذه الاشياء للنيابة الذي صرح به المصنف في كتاب الوكالة و انه يملكها المحيز و ان نواها الغير».
ثم نقل عن جامع المقاصد انه ان جوزنا التوكيل جوزنا الاجارة، و إلا فلا، حكاه عن صريح التذكرة ثم منع هو (صاحب الجواهر) عن التلازم بينهما حيث ان ملك المباح هنا من توابع ملك العمل بالاجارة ثم قال:
«و الامر سهل عندنا بعد صحة التوكيل». «1»
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 26، الصفحة 334 من كتاب الشركة و قد تعرض له في كتاب
أنوار الفقاهة - كتاب
الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 133
اقول: اولا لا ينبغي الاشكال في جواز النيابة في حيازة المباحات و احياء الموات لعدم الدليل علي المنع من شي ء منهما، و ظاهر هذه الامور بحسب متفاهم العرف قبولها للنيابة و الوكالة فتحمل الاطلاقات عليها، اللهم الا ان يقال: ان ترتب الملك علي هذه الامور امر قهري لا يحتاج الي القصد كما يظهر من قوله من حاز ملك في بدو النظر، فاذا كان هذا اثرا قهريا للإحياء و الحيازة لا يبقي مجال لقصد الغير.
و لكنه توهم فاسد لعدم حصول الملك بلا قصد الحيازة و التملك قطعا، فلذا لا يملك الصياد اللؤلؤة الموجودة في بطن المسكة و يملكها الواجد القاصد للحيازة، مضافا الي ان سببية احياء الموات و الحيازة للملك حكم عقلائي كان دارجا بينهم من قديم الايام بل منذ عرف الانسان نفسه، و قد امضاه الشارع المقدس و من المعلوم انهم يعتبرون فيه قصد الحيازة و التملك شرطا، و اما اطلاقات روايات من حاز ملك لغير القاصد، اطلاق بدوي يزول بادني تامل.
ثانيا: الظاهر انه لا فرق بين الاجارة و النيابة في المقام، و ما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره- من ان ملكية عمل الاجير توجب ملكية آثاره غير كاف لو كانت الحيازة او الاحياء سببا لملك المحيز و المحيي من دون حاجة الي القصد، فلا تصح مثل هذه الاجارة لعدم عود نفع من عمله الي المستأجر علي الفرض.
فالعمدة هي كون استخراج المعادن او حيازة المباحات مما لا يعتبر فيه المباشرة بل يكفي التسبيب.
ثالثا: قد استقرت سيرة العقلاء علي ذلك كله و لم يردع عنه الشارع
______________________________
المضاربة أيضا المجلد 22، الصفحة 358 و في الوكالة المجلد 27، الصفحة 380.
أنوار الفقاهة - كتاب
الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 134
المقدس، فاستخراج المعادن بمعونة الاجراء و كذا الاستقاء من الانهار بسببهم امر رائج بينهم، بل لا يمكن استخراج المعادن العظيمة بدون ذلك.
بقي هنا شي ء: و هو انه لو قصد الاجير ملكية نفسه للمعدن او الارض المحياة او غير ذلك فهل يملكه اولا؟ صرح في العروة بعدم ملكيته، و الظاهر ان الوجه فيه كون عمله ملكا للغير فلا يصح ان ينتفع به نفسه بل منافعه للغير أيضا.
و لكن هذا انما يصح اذا كانت الاجارة علي عمله الخاص لا علي ما في ذمته (مثل البيع الشخصي لا بيع الكلي في الذمة) بل يمكن ان يقال: علي فرض كونه علي عمله الخاص مثل البيع الشخصي أيضا لا مانع من تملك الاجير له اذا قصده نفسه، لأنه في النهاية من قبيل حيازة المباح او اخراج المعدن بآلة مغصوبة، و دليل من حاز ملك عام يشمل من حاز و لو بآلة مغصوبة او فعل متعلق للغير، و لكن المسألة لا تخلو من اشكال لاحتمال انصراف العمومات من مثل هذا الاجير.
و مما ذكرنا ظهر حال العبد اذا كان مخرجا للمعدن، فلا يحتاج الي مزيد بحث لا سيما مع عدم الابتلاء به في زماننا.
كما اذا ضربه دينارا او درهما او جعله حليا، فقد صرح في الجواهر بانه يعتبر الخمس فيه من الاصل الذي هو المادة و هو واضح ثم قال: «و به صرح في المسالك و المدارك». «1»
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 21.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 135
و الوجه فيه ان متعلق حق ارباب الخمس هو قيمة المادة و اما الزائد فهو للمالك فقط، و لكن قال في مستند العروة: «ان
الهيئة من حيث هي لا مالية لها و لا تقسط عليها الثمن و لا شأن لها الا ازدياد مالية المادة و لأجل ذلك لا يصح تعليل الحكم بان الصفة لعاملها، بل الوجه فيه عدم تعلق الخمس بنفس العين بل هو حق متعلق بماليته و اما شخصية العين فللمالك (انتهي محل الحاجه)». «1»
قلت: لا حاجة الي بناء المسألة علي القول بعدم شركة ارباب الخمس في العين الذي هو خلاف ظاهر آية الخمس و غيرها، بل اذا زادت مالية العين و لو بسبب الهيئة كان المالك احق بهذه الزيادة، و انما يستحق ارباب الخمس، خمس المادة قبل هذه الزيادة.
و لكن الكلام في جواز ذلك للمالك، فان كان هذا التصرف الموجب لتغيير كيفيتها جائزا له بحسب حكم الشرع كان هو احق بما ازدادت به ماليتها، و الا كان الواجب اخراج الخمس منها حاليا لأنه يكون كالتصرف في المال المغصوب بما يوجب ازدياد ماليته، كما اذا عمر الدار المغصوبة او خاط الثوب المغصوب.
و جواز هذا التصرف المستخرج للمعدن لا يكون الا باحد الوجهين:
احدهما: ان يكون ذلك معمولا متداولا في مورده، كما اذا كان المعمول ضرب الذهب و الفضة سكة عند استخراجهما من المعدن بلا فاصلة، او لم يمكن الاستخراج لبعض العلل الا بذلك.
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 69، لكنه بعد ان بيّن المبنيين من تعلق الخمس بشخصية العين و تعلقه بماليتها ذهب في ذيل كلامه الي اصحيّة المبني الاول و قال: و حيث نستعرف في محله إن شاء الله تعالي ان المبني الاول (يعني تعلق الخمس بشخصيته العين) هو الأصحّ فالاقوي لزوم اخراج خمس المجموع انتهي فراجع تمام كلامه في محله.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،
ص: 136
ثانيهما: اذا لم يوجب ذلك تأخيرا في اداء حق الخمس و لم يناف الفورية العرفية، لأنه لا دليل علي منع المالك عن انواع التصرفات غير المنافية لحق ارباب الخمس بل يجوز له اداء الخمس من مال آخر.
اما اذا اتجر به قبل ان يخرج خمسه ناويا الاخراج من مال آخر ثم اداه من مال آخر، فقد صرح في العروة بكون الربح للمالك فقط، نعم اذا لم يكن من نيته الاخراج من مال آخر شاركه ارباب الخمس في الربح.
و قد اورد عليه جماعة من اعلام المحشين- قدس الله اسرارهم- بان مجرد نية اخراج الخمس من مال آخر لا اثر له في المقام، و هو كذلك لعدم الدليل علي انتقال الخمس الي الذمة بمجرد هذه النية بعد كونه في نفس العين (بنحو من الانحاء) و حينئذ لا يبعد شركة ارباب الخمس في الربح أيضا بشرط امضاء الحاكم الشرعي و لا بد له من امضائه اذا كان فيه انفع ارباب الخمس، اللهم الا اذا كان البيع باذن الحاكم الشرعي للمالك بان يتصرف فيه و يكون عوض الخمس في ذمته، او يتصرف فيه مع كون الخمس في العين بان يكون الربح له فقط و كان في ذلك مصلحة لحفظ متعلق حق ارباب الخمس او غير ذلك، و حينئذ لا مانع من كون المنافع للمالك.
، فالأحوط بل الاقوي وجوب الاختبار عليه لما ذكرناه في محله من ان الفحص عن الموضوعات و ان لم يكن واجبا بحكم الاجماع و بعض الروايات الواردة في مبحث الطهارة و النجاسة و الجبن و سوق المسلمين او غير ذلك و كذا بحكم العقلاء و بنائهم، الا انه يستثني من ذلك موردان:
أنوار الفقاهة - كتاب
الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 137
احدهما: ما اذا كان الوقوف علي واقع الامر سهلا جدا بحيث كان علمه ببابه او في كمه و كيسه، كما اذا شك في مقدار دينه بزيد مثلا و تردد امره بين الاقل و الاكثر، او في اصل الدين و كان ذلك مكتوبا في دفتره يطلع عليه بسهولة، فان الفحص هنا واجب لانصراف اطلاقات البراءة عن مثله، و عدم شمول الاجماع له، و كون بناء العقلاء علي الفحص في مثله.
ثانيهما: ما كان طبيعة الامر فيه عدم الوصول الي الواقع عادة بغير الفحص، مثل مسألة الاستطاعة، و ربح المكسب، و مقدار النصاب، و مقدار الزكات الواجب عليه، فان هذه الامور لا تعلم غالبا بغير فحص، و بناء العقلاء فيها علي الفحص، فلا يجوز الرجوع الي الاطلاقات لانصرافها منه و لا يقدر احد علي ترك الفحص.
و ان شئت قلت: عمدة الدليل علي البراءة في الموضوعات قبل الفحص هو الاخذ ببناء العقلاء و ما سواه امضاء له، و من المعلوم عدم استقرار بنائهم عليه فيما نحن فيه.
و قد يقال: ان الوجه في وجوب الفحص في المقام هو العلم الإجمالي بالوقوع في مخالفة الواقع كثيرا (او في الجملة) و هو مانع عن الاخذ بالبراءة و لو كان ذلك تدريجا، لما ذكر في محله من كون العلم الإجمالي منجزا و لو في الامور التدريجية.
و هذا الاستدلال جيد في نفسه و لكن الانصاف ان وجوب الفحص لا ينحصر بموارد العلم الإجمالي، كمن شك في الاستطاعة و لو مرة في تمام عمره و لم يكن له شي ء آخر يحتاج الي الفحص، فان الواجب عليه أيضا الفحص و ليس الدليل عليه الا ما ذكرنا.
فالاحوط لو لا الاقوي وجوب الفحص
في المقام و نظائره و اشباهه، و لو قلنا بعدم وجوبه فالمرجع هو استصحاب عدم بلوغ النصاب اذا اخرج المعدن
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 138
تدريجا، و اما اذا استخرج في دفعة واحدة مقدارا يحتمل كونه بالغا حد النصاب- كما في معادن الذهب و الفضة و العقيق و غيرها- فلا يجري الاستصحاب الا علي القول بجريانه في العدم الازلي بان يقال بانه لم يكن بالغا حدّ النصاب و لو لعدم وجوده و الان نشك في بلوغه، و لكن قد ذكرنا مرارا عدم حجية هذا الاستصحاب لعدم اتحاد القضية المتيقنة و المشكوكة بعد كون السالبة في الاول من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع و في الثانية بانتفاء المحمول، هذا مضافا الي ان انتفاء الوصف بانتفاء الموصوف امر غير مفهوم عند اهل العرف كما لا يخفي، و حينئذ يمكن الرجوع الي البراءة عن اداء الخمس اللهم الا ان يقال انه يشك حينئذ في اصل تعلق ملكه به بناء علي شركة ارباب الخمس فيه من اول الامر فتأمل.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 139
و مما اتفقت كلمتهم علي وجوب الخمس فيه هو الكنز و لنذكر ادلة وجوبه فيه اولا، و معني الكنز ثانيا، و ذكر دليل ملكية الكنز لواجده و شرائط تملكه ثالثا، و نذكر أيضا انه هل يصح للحكومة الاسلامية المنع عن تملك الكنوز و تحصيصها بنفسه او لا؟
فنتكلم اولا في بيان حكمه، ثم نتكلم في بيان موضوعه و حدود مفهوم الكنز، خلافا لما هو المتعارف بينهم من ذكر معني الكنز اولا، ثم بيان حكمه، كما في الحدائق و العروة و ما سيأتي من كلام شيخ الطائفة و غيرها، و انما نتكلم عن الاحكام قبل تحقيق حال الموضوعات- مع ان الموضوع بحسب طبعه مقدم علي الحكم- لان موضوعات الاحكام متخذة من لسان الادلة، فلا يصح لنا التكلم فيها في مقام الاثبات قبل ذكر ادلة الحكم و ملاحظة ان المأخوذ مثلا في لسان الدليل هو الكنز او الركاز او كلاهما، فالموضوع مقدم علي الحكم في مقام الثبوت و مؤخر عنه في مقام الاثبات و الابحاث العلمية كما لا يخفي.
فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية: قال شيخ الطائفة في الخلاف في اواخر كتاب الزكاة: «الركاز و هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف و يراعي عندنا فيه ان يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة و هو
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 140
قول الشافعي في الجديد و قال في القديم يخمس قليله و كثيره، و به قال مالك و ابو حنيفة، دليلنا: اجماع الفرقة و أيضا ما اعتبرناه لا خلاف ان فيه الخمس و ما نقص فليس عليه دليل». «1»
و ظاهر كلامه الاستدلال بالإجماع و القدر المتيقن لخصوص اعتبار النصاب، و اما اصل
وجوب الخمس في الكنز فقد جعله امرا مفروغا عنه كما ان ظاهر كلامه اتحاد عنواني الكنز و الركاز مع تقييد الكنز بخصوص المدفون.
و قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب في وجوب الخمس فيه». «2»
الي غير ذلك مما في هذا المعني.
و يدل عليه مضافا الي آية الغنيمة بناء علي ما عرفت من عمومية معناها، الروايات الكثيرة المتضافرة المروية من طرقنا و طرق العامة فيها صحاح و غيرها:
1- منها صحيحة الحلبي انه سأل ابا عبد الله عليه السّلام عن الكنز، فقال: «فيه الخمس.» «3»
2- صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «4»
3- ما ورد في وصية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قال: «يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن اجراها الله له في الإسلام (الي ان قال) و وجد كنزا
______________________________
(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، المسألة 145.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 332.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 141
فاخرج منه الخمس و تصدّق به فانزل الله: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ الآية». «1»
4- ما رواه الحسن بن علي بن فضال في هذا المعني أيضا عن ابيه عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام (في حديث) قال: «كان لعبد المطلب خمس من السنن اجراها الله له في الإسلام حرّم نساء الآباء علي الابناء، و سنّ الدية في القتل مأئة
من الابل و كان يطوف بالبيت سبعة اشواط و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و سمّي زمزم حين حفرها سقاية الحاج». «2»
5- مرسلة المفيد قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينة ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه». «3»
و يدل عليه أيضا روايات كثيرة من الباب الثاني من الوسائل من ابواب ما يجب فيه الخمس حيث عدّ الكنز مما يجب فيه الخمس (فراجع الروايات 2 و 4 و 9 و 11 و 12 من ذاك الباب).
نعم في بعض الروايات ما قد يوهم الخلاف، و هو ما رواه هارون بن خارجة عن ابي عبد الله عليه السّلام في المال يوجد كنزا أ يؤدي زكاته؟ «قال: لا.
قلت: و ان كثر؟ قال: و ان كثر فاعدتها عليه ثلاث مرات». «4»
و لكن الانصاف عدم منافاته لما مضي، لان المراد منه نفي الزكاة من دون النظر الي نفي الخمس.
هذا كله مضافا الي شمول آية الغنيمة له، لان شمولها له اولي من شموله
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 3.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
(3)- نفس المصدر، الحديث 6.
(4)- نفس المصدر، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 142
لأرباح المكاسب لتفسير الغنيمة في بعض العبارات بما يصل اليه الانسان بدون مشقة و هذا شامل للكنز و لا يخفي انه قد وردت في المقام اخبار من طرق العامة كما في السنن للبيهقي في باب زكاة الركاز من ابي هريرة يخبر عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: « … و في الركاز الخمس
و فيه أيضا ان انس بن مالك اخبره قال قدمنا مع رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم فدخل صاحب لنا خربة يقضي فيها حاجته فذهب ليتناول منها لبنة فانهارت عليه تبرا فاخذها فاتي بها النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: زنها فوزنها فاذا هي مأتي درهم. فقال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم: هذا ركاز و فيه الخمس الي غير ذلك من الأحاديث فراجع». «1»
: اما الاول فقد ذكر في لسان العرب: «ان الكنز اسم للمال اذا احرز في وعاء و قيل للمال المدفون».
و في مجمع البحرين للطريحي: «اصل الكنز المال المدفون لعاقبة ما ثم اتسع فيه فيقال لكل قنية يتخذها الانسان كنز».
و قال الراغب في المفردات: «الكنز جعل المال بعضه علي بعض و حفظه واصله من كنزت التمر في الوعاء … و الذين يكنزون الذهب و الفضة اي يدخرونها».
و قال في القاموس مع شرحه في تاج العروس: «الكنز المال المدفون تحت الارض هذا هو الاصل ثم تجوز فيه فقيل اذا اخرج منه الواجب لم يبق كنزا و لو كان مكنوزا و منه الحديث كل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز».
و قال في الصحاح: «الكنز المال المدفون و في الحديث كل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز (انتهي)».
الي غير ذلك من اشباهه، و من الواضح انه ليس المراد منه في الروايات
______________________________
(1)- السنن للبيهقي، المجلد 4، الصفحة 155.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 143
و كلمات الفقهاء هو معناه المطلق اي كل مال يحرز في وعاء و لا معناه المجازي و هو كل مال لا يؤدي زكاته الواجبة، بل المراد هو المعني المعروف المشهور
الذي يعبر عنه في الفارسية ب «گنج» و يتبادر له خصوصيات، و يمكن ان تكون هذه الخصوصيات من جهة القصد تارة (فان بعض الفقهاء عبروا عنه بالمال المذخور الظاهر في كون اذخاره عن قصد). و اخري من جهة الدفن، و ثالثة من جهة الجنس و الكيفية، و رابعة من جهة المقدار و الكمية، و خامسة من جهة الزمان اي المقدمة و عدمها.
*** قال في الشرائع: «الكنز كل مال مذخور تحت الارض» و نقله في الجواهر عن التنقيح و التذكرة و المنتهي و البيان و الروضة و المسالك مع زيادة «قصدا» عن الاخيرين.
و قد صرح الشهيد الثاني في المسالك بانه لا عبرة باستتار المال بالارض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة، و يعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء. «1»
و قال في مصباح الفقيه: «المتبادر منه كونه عن قصد فلا يشمل المال المستتر بالارض لا عن قصد او بقصد غير الادّخار كحفظه في مدة قليلة». «2»
و الكلام هنا تارة يكون من ناحية صدق الاسم- اي الكنز- و اخري من ناحية تنقيح المناط من ناحية الحكم، و الانصاف ان المتبادر هو الاعم من المقصود و غيره و مما كان تحت الارض او تحت جدار (كما في قضية يتيمين في سورة كهف: «فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقضّ فاقامه- الي قوله- و امّا
______________________________
(1)- المسالك، المجلد 1، الصفحة 66.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 115.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 144
الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما» «1» فان الظاهر ان الكنز لم يكن تحت الارض بل كان علي سطح الارض تحت الجدار بحيث اذا سقط الجدار ظهر الكنز، فاقام الجدار كي لا يتبين.
او كان في نفس
الجدار، او في جوف السقف بل جوف كهف، او جوف شجر علي اشكال فيه، كل ذلك يعد كنزا، و ان ابيت عن ذلك فلا ينبغي الشك في تنقيح مناط الحكم و الغاء الخصوصية بالنسبة الي هذه الامور.
و هكذا من ناحية القصد بل هو اظهر من السابق لأنه لا يشك عرفا في صدق الكنز علي ما يوجد تحت الاراضي و ان لم يعلم اذخارها قصدا، و اظهر منه الغاء الخصوصية، نعم لو كان المال ظاهرا علي وجه الارض او تحت ورق الشجر و الاخشاب، يشكل صدق الكنز عليه.
و اما بالنسبة الي جنس المال، فقد قال العلامة في التذكرة: «و يجب الخمس في كل ما كان ركازا و هو كل مال مذخور تحت الارض علي اختلاف انواعه و به قال مالك و احمد و الشافعي في القديم» ثم استدل عليه بقوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس و ببعض ما ورد عن طرقنا مثل قول الباقر عليه السّلام كل ما كان ركازا ففيه الخمس. «2»
و ما استدل به من رواية الباقر عليه السّلام هو ما رواه زرارة عنه قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس». «3» و لكنه في جواب سؤال زرارة عن المعادن فلا دخل له بما نحن فيه، اللهم الا ان
______________________________
(1)- سورة الكهف، 77- 82.
(2)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 252.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 145
يقال ان كون الجواب بامر اعم
من المعدن و الكنز مما لا اشكال فيه فتأمل و سيأتي الكلام في معني الركاز.
و علي كل حال لا ينبغي الشك في عدم صدق عنوان الكنز علي كل مال مدفون او مذخور حتي مثل الاواني عن السفال و صور المجسمة و ان غلت قيمتها نظرا الي قدمتها او امور اخر، و هكذا اذا كان من المواد الغذائية او الكتاب، بل المتبادر من معني الكنز كونه من اموال لها شأن خاص من الدراهم و الدنانير و الجواهر و شبهها، و لو شك فالاصل العدم لأنه شبهة مفهومية.
و يظهر من عبارة العروة اختصاص عنوان الكنز بالذهب و الفضة و غيرهما من الجواهر، بل يظهر من بعض المحشين الترديد في صدقه علي الذهب و الفضة غير المسكوكين.
و الا و الانصاف انه ليس الامر في التضييق علي ما ذكروه، و لا في التوسعة علي ما يظهر من ظاهر كلام التذكرة فيما عرفت حيث يشمل كل مال، بل الحق امر بين الامرين و هو الاجناس النفيسة و لو كان من غير اجناس الفلزات، و لا أقلّ من الغاء الخصوصية بحسب الحكم حتي بالنسبة الي ماله قيمة كثيرة لقدمتها علي الاحوط.
و مما ذكرنا ظهر الحال فيه من جهة المقدار: فلو كان مقداره قليلا كما اذا ظفر علي سكة واحدة او سكتين فصدق الكنز عليه مشكل جدا مع قطع النظر عن اعتبار النصاب، اللهم الا ان يقال ان اعتبار النصاب فيه شرعا انما هو لصدق العنوان.
و اما بحسب الزمان: فصدقه علي ما كان زمانه جديدا مشكل كما اذا وجد مالا مدفونا من قوم بادوا لبعض الزلال في اسبوع قبله بحيث لم يبق منهم احد، فهذا لا يسمي كنزا عرفا بل يعتبر فيه
نوع مرور زمان، و لكن الحاقه به
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 146
حكما مما لا ينبغي الاشكال فيه علي فرض جواز تملكه، هذا كله في عنوان الكنز.
بقي هنا شي ء و هو انه استدل بعض الاعلام لعدم شمول حكم الكنز لغير النقدين بما ورد في صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال:
سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «1» بناء علي كون ظاهر السؤال عن الجنس و الماهية لا عن المقدار و الكمية، و حيث انه لا يوجد فيما يخرج من الكنوز جنس مما ثل للأجناس الزكوية غير الذهب و الفضة فالخمس في الكنز منحصر فيه، و العجب انه لم يقنع بذلك حتي حكم بالخمس في خصوص المسكوك منهما دون غير المسكوك. «2»
اقول: قد اعترف هذا المحقق بان الحكم هنا خاص و ان كان عنوان مفهوم الكنز عاما فيرفع اليد عن الاطلاقات بسبب صحيحة البزنطي، هذا و لكن الانصاف ان المراد منه ما فهمه الاصحاب منه من الاستدلال به للنصاب لا سيما بقرينة ما ورد في مرسلة مفيد عن الرضا عليه السّلام قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس الحديث». «3»
و لعلهما حديث واحد لا تعدد فيهما و الثاني من قبيل النقل بالمعني من ناحية المفيد (رضوان الله عليه) فهو أيضا لم يفهم من الحديث الا هذا، مضافا الي ورود شبيه هذا التعبير في رواية اخري للبزنطي في المعدن مع كونها
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(2)- مستند العروة الوثقي،
كتاب الخمس، الصفحة 77- 79.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 147
كالصريح في كونها بصدد بيان المقدار قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا». «1»
و قد فرق هذا المحقق بين الحديثين بما لا يخفي التكلف فيه علي المتأمل، و الانصاف انه لا محيص عن العمل بالاطلاقات هنا و لا دليل علي التّقييد.
اما الركاز فقد صرح العلامة في التذكرة فيما عرفت بعد الحكم بوجوب الخمس في الركاز: «بانه هو كل مال مذخور تحت الارض علي اختلاف انواعه ثم حكاه عن مالك و احمد و الشافعي في القديم». «2»
و قال المحقق في المعتبر: «الركاز هو الكنز المدفون و فيه الخمس بلا خلاف و هو مشتق من الركز و هو الصوت الخفي و يقال ركز رمحه في الارض اي اخفي اسفله و قيل هو دفين الجاهلية و قيل هو المعدن». «3»
و المعنيان الاولان واحد تقريبا بخلاف الاخير.
و قال في صحاح اللغة: «الركاز دفين الجاهلية كأنه ركز في الارض».
و تفسيره بالمال المدفون في الجاهلية في معني و المعدن في معني آخر هو الذي ورد في المصباح المنير.
هذا و لكن الظاهر من الراغب انه وضع لمعني عام جامع بين المعنيين حيث قال: «ركزت كذا اي دفنته دفنا خفيا و منه الركاز للمال المدفون اما بفعل آدمي كالكنز و اما بفعل الهي كالمعدن و يتناول الركاز الامرين و فسر
______________________________
(1)- نفس المصدر، الباب 4، الحديث 1.
(2)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 252.
(3)- المعتبر، المجلد
2، الصفحة 620.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 148
قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس بالامرين جميعا».
و هذا المعني هو الذي يظهر من النهاية أيضا حيث قال: «في حديث الصدقة و في الركاز الخمس الركاز عند اهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الارض، و عند اهل العراق المعادن و القولان تحتملهما اللغة لان كلا مركوز في الارض اي ثابت».
و لعل اختلاف اهل اللغة في ذلك (بعضهم يري الركاز بمعني دفائن الجاهلية و بعضهم يراه بمعني اعم يشمل المعادن أيضا) صار سببا لاختلاف اقوال فقهاء العامة، و إليك بعض ما ورد في ذلك في كتاب الفقه علي المذاهب الاربعة.
الحنفية قالوا: «المعدن و الركاز بمعني واحد و هو شرعا مال وجد تحت الارض سواء كان معدنا خلقيا … او كنزا دفنه الكفار … ».
المالكية قالوا: «المعدن هو ما كان خلقه الله تعالي في الارض من ذهب او فضة او غيرهما … و اما الركاز فهو ما يوجد في الارض من دفائن الجاهلية من ذهب او فضة او غيرهما».
و الحنابلة قالوا: «المعدن هو كل ما تولد من الارض و كان من غير جنسهما. و اما الركاز فهو دفين الجاهلية … ».
و الشافعية قالوا: «المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله و … اما الركاز فهو دفين الجاهلية و يجب فيه الخمس حالا … ». «1»
و في معاني الاخبار للصدوق أيضا ذلك قال في تفسير قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس قال: «اهل العراق الركاز المعادن كلها، و قال اهل الحجاز
______________________________
(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 615- 612.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و
الأنفال (لمكارم)، ص: 149
الركاز المال المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم». «1» و في دعائم الإسلام عن الصادق عليه السّلام قال: «في الركاز من المعدن و الكنز القديم يؤخذ الخمس من كل واحد منهما و باقي ذلك لمن وجد في ارضه». «2»
فان كان الكنز معطوفا علي المعدن كان الركاز عاما، و ان كان معطوفا علي الركاز كان خاصا كما لا يخفي.
و يتحصل بحمد الله من جميع ما ذكرنا ان الركاز لفظ مشترك معنوي بمعني المال المخفي في الارض من الركز و هو الصوت الخفي، و يطلق علي الدفائن التي دفنها الانسان تارة و علي المعادن اخري، بل يظهر من بعض الروايات اطلاقه علي المال الصامت المنقوش اي الدراهم و الدنانير كما في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السّلام قال: « … و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء قال قلت و ما الركاز قال الصامت المنقوش». «3»
و لكن الظاهر انه معني مجازي، لأنه لم نر قولا من اصحاب اللغة لكون المال الموجود علي سطح الارض الخارج عن المعاملة و التجارة ركازا.
و يعلم مما ذكرنا أيضا ان الاستدلال بالاحاديث النبويّة الدلالة علي ان الركاز فيه الخمس لوجوبه في الكنوز مما لا غبار عليه و لا اشكال.
فلنعد الي كلام العروة قال- قدس سره-:
«الكنز و هو المال المذخور في الارض او الجبل او الجدار او الشجر»
فقد عرفت الاشكال في اخذ قيد المذخور المشعر باعتبار القصد بل المعتبر المدفون باي سبب كان كما انه قد عرفت ان المدفون في الشجر قد لا يكون مصداقا لموضوع الكنز و لكنه
______________________________
(1)- معاني الاخبار، الصفحة 303.
(2)- المستدرك، ابواب الخمس.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب زكاة
الذهب و الفضة، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 150
ملحق به حكما.
ثم قال:
«و المدار علي الصدق العرفي سواء كان من الذهب و الفضة المسكوكين او غير المسكوكين او غيرهما من الجواهر»
و هو كلام جيد موافق للتحقيق بجميع اركانه و اما زيادة القيمة الحاصلة لشي ء بسبب مرور الزمان، فالظاهر عدم كونه مشمولا للكنز فانه ظاهر في مال له نفاسة ذاتيته لا عرضية.
ان قلت: لو شككنا في بعض المصاديق انه من الكنز او لا فالي ايّ شي ء نرجع؟
قلنا: المرجع هو عمومات الارباح و المنافع و الغنيمة بالمعني الاعم خرج منه ما علم كونه كنزا و بقي الباقي تحته (فيجب فيه الخمس و لكن مع شرائط الارباح لامع شرائط الكنز) و ذلك لأنه من قبيل الشبهة المفهومية، و المرجع فيه عموم العام لا الاصول العملية لأنه مع وجود العام لا تصل النوبة اليها.
حتي يجب فيه الخمس و انه هل هو لواجده مطلقا او في بعض الصور خاصة، ففيه كلام بين الاعلام و تفصيل الكلام فيه ان الاصحاب قسموا الكنز علي اقسام:
فانه اما يوجد في دار الحرب او دار الإسلام، و علي كل تقدير اما عليه اثر الإسلام أم لا، و في كل من هذه الاقسام الاربعة اما تكون الارض التي يوجد فيها من المباح او الانفال او ملك خاص لمسلم.
فان كان في دار الحرب باقسامه الاربعة و كذا في دار الإسلام و ليس عليه اثر الإسلام مع كون الارض مباحة او مواتا، فقد ادعي عدم الخلاف في كونه ملكا لواجده بل قد ادعي الاجماع في جميع هذه الصور او بعضها علي الاقل.
و ادعي في الجواهر عدم وجدانه الخلاف فيما وجد فيما وجد في
دار الحرب مطلقا، و ما وجد في دار الإسلام اذا كان في ارض مباحة او ما ليس ملكا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 151
لواحد من المسلمين بالخصوص و لم يكن عليه اثر الإسلام. «1»
و في مصباح الفقيه مثله بل و في فرض وجود اثر الإسلام عليه أيضا. «2»
و في الحدائق دعوي عدم خلاف الاصحاب فيما يوجد في دار الحرب. «3»
اقول: اما ما يوجد في دار الحرب باقسامه، فقد استدل علي كونه لواجده مضافا الي ما عرفت بامرين:
1- ان الاصل في الاشياء الاباحة، فان التصرف في مال الغير انما يحرم اذا كان ملكه محترما و الا فلا، و هنا غير معلوم بل ظاهر كونه في دار الحرب انه مال لغير محترم، و مجرد وجود اثر الإسلام عليه غير مفيد فان غير المسلم أيضا قد يملك النقود الاسلامية، و لو شك في كونه مملوكا لمسلم فالاصل عدمه علي ان وجدانه في دار الكفر امارة علي عدم كونه مملوكا لمسلم، اقوي من وجود اثر الإسلام عليه.
2- و اظهر منه الأخذ بعمومات ادلة الكنز و اطلاقاته، فانها ظاهرة في كونه ملكا لواجده فلا رباب الخمس خمسه و اربعة اخماسه للواجد (هذا بالنسبة الي الصور الاربعة).
اما اذا كان في دار الإسلام و لم يكن عليه اثر الإسلام و كان في الاراضي المباحة، كان أيضا لواجده لعين ما مر بعد دعوي عدم الخلاف من الدليلين- اي اطلاقات الادلة و اصالة الاباحة- و دعوي عدم اجراء اصالة الاباحة في الاموال كما تري فانها في غير محل الكلام مما يحتمل عدم جريان يد مسلم
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 28.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 117.
(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 333.
أنوار
الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 152
عليه، نعم اذا جري عليه يد المسلم لا يمكن الاستناد الي اصالة الاباحة و شبه ذلك.
اما اذا كان في دار الإسلام في الموات و شبهه و عليه اثر الإسلام، فالظاهر انه كذلك أيضا. و قد حكي ذلك عن الخلاف و السرائر و المدارك و ظاهر المفيد و المرتضي و غيرهم، و اختاره في الجواهر لعين ما مر من الادلة السابقة.
و لكن في مقابل هذا القول قول القائلين بانها في حكم اللقطة، ذهب اليه اكثر المتأخرين فيما نسب اليهم و غير واحد من قدماء الاصحاب مثل الشيخ في المبسوط حيث قال: «اما الكنوز التي توجد في بلاد الإسلام فان وجدت في ملك انسان وجب ان يعرف اهله فان عرفه كان له و ان لم يعرفه او وجدت في ارض لا مالك لها فهي علي ضربين فان كان عليها اثر الإسلام مثل ان يكون عليها سكة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء … و ان لم يكن عليها اثر الإسلام … فانه يخرج منها الخمس». «1»
و قد حكي هذا القول عن القاضي و الفاضلين و الشهيدين أيضا.
و قد استدل له في مصباح الفقيه بامور:
1- اصالة عدم التملك بمجرد الوجدان.
2- انه مال ضائع في دار الإسلام و عليه اثر الإسلام فيكون لقطة كأشباهه.
3- اشتماله علي اثر الإسلام امارة قوية علي كونه ملك مسلم.
4- موثقة محمد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «قضي علي عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة انه يعرفها فان وجد من يعرفها و الا تمتع بها». «2»
______________________________
(1)- المبسوط، المجلد 1، الصفحة 236.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 5.
أنوار الفقاهة -
كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 153
اقول: و هناك رواية اخري، يرد علي الاول ان اصالة الاباحة حاكمة علي استصحاب عدم الملكية لأنها اصل سببي بالنسبة اليها، و اوضح حالا من ذلك عمومات ادلة الكنز فانها مقدمة علي الاستصحاب و قد عرفت انها ظاهرة في كون اربعة اخماسه لواجده، بل الظاهر ان الخمس تتعلق بالغنائم بالمعني الاعم و الفوائد كذلك، فما لم يكن هناك فائدة لإنسان لم يتعلق به الخمس (و سيأتي ان حساب المال المختلط بالحرام و الارض المشتري من ناحية الذمي حساب آخر). و القول «بانها ليست في مقام بيان كون اربعة اخماسه لواجده» ليس في محله، لان الحكم بوجوب الخمس في مال لا ينفك عن كون الاربعة اخماس الباقية لمن وجب عليه الخمس.
و علي الثاني بان اطلاقات اللقطة ناظرة الي غير الكنز و منصرفة عنه لا سيما مع بعد الزمان المشترط في مفهوم الكنز علي ما مر، فان ظاهر اللقطة كونه المال الضائع غير المكنوز، سلمنا انها اعم من المال الظاهر و المكنوز و لكن اطلاقات ادلة الكنز مقدمة عليها لأنها اخص منها، و قد عرفت انها ظاهرة في كون اربعة اخماس الباقية للواجد.
و علي الثالث بان مجرد وجدان اثر الإسلام عليه و ان كان قرينة ظنية علي كونه لمسلم، و لكن لا دليل علي حجية مثل هذا الظن، و كونها من الامارات العقلائية فانها معدودة معروفة ليس هذا منها.
ان قلت: الاصل في جميع الاموال الاحترام من غير اناطته بالاسلام بالسيرة العقلائية و حكومة العقل القاضي بقبح الظلم الا اذا ثبت الغائه و الاذن فيه بدليل خاص كما يثبت في الكافر الحربي، و قد ورد في التوقيع الشريف لا يحل لأحد ان
يتصرف في مال غيره الا باذنه، و لذا لا ينبغي الشك في انا اذا وجدنا شخصا مجهول الحال في بادية و لم نعلم انه مسلم او كافر لا يجوز لنا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 154
اخذ ماله، و كذا اذا اخفاه في مكان لا يجوز اخذه. «1»
قلت: اما اصالة احترام الاموال عموما فهو معلوم و لكنه من العام المخصص (لخروج اهل الحرب منه) و من المعلوم انه لا يجوز الرجوع الي عموم العام في الشبهة المصداقية، و قوله: «الا اذا ثبت الغائه و الاذن فيه» مخالف لظاهر دليل التخصيص، لعدم اخذ العلم في موضوعه فلا يجوز التمسّك بادلة حرمة الظلم، و التوقيع الشريف بعد ما عرفت من التخصيص.
نعم الانصاف ان الاموال التي توجد في البلاد الاسلامية الاصل كونها مالا لمسلم فلذا تكون لقطتهم محترمة كما ان لقيطهم بحكم ولد المسلم، و ما ذكرت من انه لا يجوز اخذ مال مجهول الحال انما هو من هذه الناحية، لان مجهول الحال فيهم بحكم المسلم فادلة اللقطة و كذا ادلة اللقيط دليل علي احترام اموال مجهول الحال و كذا احترام اولادهم، و لعل ادلة السوق أيضا تؤيده، فالاصل في الاموال هو الحرمة في هذه البلاد و ان لم يكن عليه اثر الإسلام.
و لكن اجراء هذا الحكم علي الكنوز المدفونة القديمة التي لا يعلم حالها و انها دفنت في الإسلام او قبل الإسلام، و كذا ما دفن بعد ظهور الإسلام مع عدم العلم بجريان يد مسلم عليه، مشكل.
و لو سلم شمول هذه الامارة حتي لما ذكر فالظاهر انها لا تقاوم اطلاقات ادلة الكنز و ان الترجيح معها، نعم اذا احتمل دفنه من زمن قريب امكن الحكم
لكونها لقطة، و لكن قد عرفت ان صدق الكنز عليه مشكل بدون مضي زمان كثير.
______________________________
(1)- ذكر بعض هذا الاشكال في مستند العروة الصفحة 82- 81 و قد سبقه الي هذا في مصباح الفقيه فراجع الصفحة 117 و ما بعده.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 155
و يرد علي الرابع انه غير ناظر الي ما نحن بصدده فان صدق الكنز علي مجرد الورق الواحد غير ثابت، و لا ظهور في الحديث في كونه مدفونا فيمكن حمله علي وجد انه ملقي علي الارض و يجري عليه احكام اللقطة.
ان قلت: كيف يصح له تملكه و هو لقطة؟
قلنا: الحق في اللقطة بعد اليأس عن وجدان صاحبها التخيير بين امور اربعة: التملك، و حفظها بعنوان الامانة، و التصدق عن قبل مالكها، و اعطائها بيد الحاكم الشرعي، فليست الموثقة من هذه الجهة مخالفة للقاعدة.
و هناك رواية اخري في هذا المعني و هو ما رواه اسحاق بن عمار قال:
«سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟
قال: يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فان لم يعرفوها؟ قال:
يتصدق بها». «1»
و لكنها يمكن حملها علي ما اذا كانت مخزونة من زمان قريب كزمان موسم الحج، مضافا الي ان التصريح بوجدانه في بعض بيوت مكة يخرجه عن محل الكلام لأنه من قبيل ما يوجد في ملك شخصي.
و قد عرفت اعتبار مضي زمان معتد به علي الكنز بحيث يعد من الاموال التي لا مالك لها عرفا، فالحديثان في انفسهما غير دالان علي ما نحن فيه.
هذا مضافا الي معارضتها بصحيحة محمد بن مسلم
عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم و ان كانت خربة قد جلا عنها اهلها فالذي وجد المال احق به». «2»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 3.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 156
و صحيحة اخري له عن احدهما- عليهما السلام- في حديث قال: «و سألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: ان كانت معمورة فهي لأهلها فان كانت خربة فانت احق بما وجدت». «1» و الظاهر انهما حديث واحد نقل احدهما بالمعني، و لكن بينهما فرق من حيث التقييد بقيد «ما جلا عنها» الموجب لإلحاقه بالكنز حكما و ان لم يلحق به موضوعا لقلته فتأمل.
و بعد التعارض يرجع الي الترجيح للآخيرين سندا او التخيير فيثبت المطلوب.
و الحاصل: ان اجراء احكام اللقطة علي محل الكلام مشكل جدا.
و ان شئت قلت: ان اللقطة و و الكنز متضادان مفهوما و ذلك لأنّ المتبادر من عنوان و المفهوم من موارد استعمالاتها انه مال ضائع له صاحب لا يعرف بعينه، و الحال ان الكنز في متفاهم العرف مال ليس له صاحب لطول الزمان و انقراض مالكه.
و التعبير بدفائن الجاهلية في معني الكنز او الركاز اشارة الي هذا.
و هذا امر ينفعنا في المباحث الآتية أيضا فليكن علي ذكر منك.
و لسيدنا الاستاذ المحقق البروجردي- قدس سره الشريف- في المقام كلام يمكن التأييد به لبعض المقصود قال ما حاصله:
ان الكنز لم يذكر في رواية مستقلا الا في رواية عبد المطلب و اما في غيرها و هي العمدة ذكر مع غيره مما
يتعلق به الخمس مثل رواية الصدوق و غيرها، فانها تشتمل علي المعادن و الغوص و الغنيمة ثم ان تحصيل المال من هذه الطرق طريق عقلائي يجري عليه العقلاء خلفا عن سلف (و الشارع
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 157
المقدس امضي ذلك و ان تصرف في بعض جهاتها سعة و ضيقا). «1»
و من الواضح ان العقلاء لا يجوزون غصب حق الغير و اخذ ما هو ملك له بل يرونه ظلما و جورا فهذا أيضا مؤيد لما ذكرنا من ان الكنز يعد عندهم من الاموال التي لا مالك لها فتدبر جيدا.
و لنعم ما افاده المحقق الهمداني فيما ذكره في المقام حيث قال: ان الملكية علاقة اعتبارية عرفية قد تنقطع اما اختيارا كما في صورة الاعراض او قهرا كما في الاموال التي توجد في البلاد الخربة في الاعصار القديمة مما لا يحفظ اضافته الي مالك مخصوص و حينئذ يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة المباحات الاصلية (انتهي ملخصا). «2»
و العمدة فيما ذكره هو سيرة العقلاء في ذلك مع امضاء الشارع المقدس له و لو بعدم الردع عنها بل بامضائه بادلة وجوب الخمس في الكنز الدالة علي جواز تملكه لما عرفت من ان لسان تلك الادلة كونه نوع غنيمة و نوع فائدة يباح تملكها، هذا تمام الكلام فيما استدل لكونه لقطة.
و اما ما يدل علي عدم الحاقه باللقطة بل كونه لواجده ما مر من اطلاقات ادلة الكنز و عدم الدليل علي تخصيصها، اما اصالة الاباحة فقد مر الاشكال فيها فيما يوجد في بلاد الإسلام، و كذلك استصحاب عدم جريان يد محترمة عليه، نعم صحيحة محمد بن مسلم لا سيما الثانية أيضا
مؤيد او دليل علي المطلوب، فان الورق فيها جنس يشمل القليل و الكثير، و كذلك الوجدان اعم من الوجدان علي سطح الارض او تحتها.
و مما ذكرنا ظهر حال ما يوجد في ارض مملوكة له بالاحياء فانه لواجده،
______________________________
(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 34.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 118.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 158
و ذلك لان الارض المحياة لم تكن ملكا شخصيا لأحد قبل احياء الواجد لها فيدخل فيما يوجد في الاراضي المباحة من دار الإسلام.
بقي القسم السابع و الثامن: اي اذا وجده في ارض مملوكة سواء كان عليه اثر الإسلام أم لم يكن، قال في الشرائع: «و لو وجده في ملك مبتاع عرفه البائع فان عرفه فهو احق به و ان جهله فهو للمشتري».
و قال في الجواهر قيل ذلك: «اما لو كانت مملوكة بابتياع او هبة او نحوهما مما لا يحصل بسببه ملك للكنز و كان عليه اثر الإسلام ففي المنتهي و التذكرة و المسالك و غيرها عرفه البائع فان عرفه و إلا فالمالك الذي قبله و هكذا بل لا اجد فيه خلافا بيننا لوجوب الحكم به له مع دعواه اياه اجماعا في المنتهي قضاء لظاهر يده السابقة». «1»
و قال في موضع آخر: «اما اذا لم يكن عليه اثر الإسلام فقضية اطلاق لقطة الكتاب (الشرائع) بل كاد يكون صريح الشهيدين في الدروس و المسالك مساواته للأول في وجوب التعريف أيضا و ترتيبه بل قد يظهر من الغنية الاجماع علي تعريفه من البائع». «2»
هذا و لكن عن المدارك المناقشة في وجوب التعريف لذي اليد السابقة اذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا التكليف، مضافا الي اصالة عدم
التقدم، بل في الحدائق لا يخلو من قرب.
و قال المحقق النراقي في المستند: «المصرح به في كلماتهم انه يجب تعريف الناقل فان عرفه دفع اليه و الا فهو للواجد». «3»
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 31.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16.
(3)- المستند، المجلد 2، الصفحة 73.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 159
و في المقام قول ثالث لبعض الاساتذة الاعلام في مستند العروة، حاصله عدم الفرق بين المالك السابق و غيره بل حكم الكنز في الارض المبتاعة حكمه في الارض الموات في انه ان احتمل ان له مالكا محترما موجودا بالفعل كان من مجهول المالك و وجب التعريف و ان لم يوجد مالكه فيتصدق به و اما لو لم يحتمل وجود المالك الفعلي جاز له تملكه و عليه الخمس. «1» فتلخص ان هناك ثلاثة اقوال:
1- و هو المشهور من انه يجب التعريف فلو عرفه البائع فهو احق به و ان جهله فهو للمشتري.
2- ما لعله يظهر من المدارك و الحدائق من عدم وجوب التعريف.
3- ما ذكره في مستند العروة من كونه كما يوجد في الارض الموات.
اقول: و يظهر من جميع ذلك ان المشهور هو وجوب التعريف و القول بعدمه شاذ و عمدة ما استدل به لذلك امور:
1- مقتضي اليد السابقة ذلك، و قد اورد عليه اولا: بان حجية اليد سواء كان مستندها السيرة العقلائية أم بعض النصوص خاصة باليد الفعلية اما الزائلة فهي ساقطة. و ثانيا: انه لو تمت هذه الحجة لوجب الحكم بملكيته لذي اليد السابقة من غير حاجة الي تعريفه و دعواه لأنه مالك بمقتضي يده.
و لكن يدفع الاول بان ادلة حجية اليد عامة تشمل اليد الزائلة لا بالنسبة الي الحال بل
بالنسبة الي زمان وجودها، فليست هي في الحقيقة زائلة بل بلحاظ زمان وجودها موجودة فلذا لا ينبغي الشك في انه لو وجد شيئا من الاموال لا بصورة الكنز كما اذا وجد صندوقا فيه البسة في بعض بيوته بعد بيعه بايام يعلم وجودها في ذاك الزمان في البيت، يحكم بكونه لذاك المالك
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 89.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 160
بلا ريب، بل و كذا لو جاء ثالث و ادعي انه مالك الثمن لكونه مالكا للدار لا يصغي اليه قضاء بحكم اليد السابقة.
و اما الثاني: فيدفعه ما مر آنفا في بيان الفرق بين الكنز و اللقطة، فالمقام مصداق مشكوك فسؤاله انما هو لتشخيص المصداق المشكوك بعد ما عرفت من عدم جريان احكام الكنز علي ما لم يقطع علقة المالك به عرفا لمرور الزمان، و عدم جريان احكام اللقطة علي ما هو مصداق للكنز الذي هو مال بلا مالك عرفا، هذا بحسب القاعدة.
اما بحسب الروايات فقد استدل له بروايات:
1- ما مر من موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسئل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فان لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها». «1»
فانها مصداق للكنز بعد كونه مالا كثيرا مدفونا و الامر بتعريفها لأهل المنزل شاهد علي المقصود.
و فيه اولا: ان المراد بوجوب التصدق بها من ادل الدليل علي عدم كونه كنزا، اذا لكنز لواجده و ثانيا: ما عرفت سابقا من ان ظاهرها عدم كون المال مصداق الكنز بل كان مما دفنه
الحاج لعدم الامن في حمله بقرينة كونه في بيوت مكة، فهو مصداق لمجهول المالك لا غير.
2- ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قضي علي عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرّفها فان وجد من يعرفها و الّا تمتع بها». «2»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 3.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 161
و هو احسن من سابقه من جهة التصريح بجواز التمتع به بعد عدم معرفة صاحبه و أسوأ حالا منه من حيث عدم صدق الكنز علي وجدان ورق واحد.
اضف الي ذلك ان التمتع به لا يدل علي كونه مشمولا لحكم الكنز، لجوازه في اللقطة أيضا اذا لم يجد صاحبها.
3- مصححة عبد الله بن جعفر قال: «كتبت الي الرجل عليه السّلام اسأله عن رجل اشتري جزورا او بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: عرّفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله ايّاه». «1» من اللقطة و عدم التصريح باسم الامام عليه السّلام لعله لا يضر بالمطلوب بعد كون القرائن دالة عليه، و قد جعله في محكي الحدائق من المؤيدات للمسألة و ارتضاه في الجواهر.
و تقريب دلالتها علي المقصود ما ذكره المحقق النراقي في المستند من عدم الفرق بين الارض و الحيوان، فان ثبت فهو و الا فمقتضي الاطلاقات كونه للواجد من غير تعريف. «2»
و الانصاف انه لا ربط له بالمقام، لعدم شمول عنوان الكنز لما اكله الجزور بل و لا ملاكه، فانه مال
ضائع له صاحب لا يعرف بعينه غير مسبوق بسابقة كثيرة بل لم يمض عليه الا يوم او مثله، فهو مصداق واضح للقطة و كونه للأضاحي- ان كان المراد منه الاضحية في المني كما هو ظاهرها- مما يوجب اليأس عادة من وجدان صاحبها لو لم يعرفها البائع لكثرة الناس هناك و عدم استقرارهم في مكان فجعله مما رزقه الله ليس امرا مخالفا للقاعدة، بل هو علي وزان سائر افراد اللقطة مما اذا حصل اليأس من وجدان مالكها جاز
______________________________
(1)- نفس المصدر، الباب 9، الحديث 1.
(2)- المستند، الصفحة 73.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 162
فيه التصدق و التملك و غيرهما مما ذكر في محله.
فالحق في المسألة الاخذ بمقتضي القاعدة و العمل بما ذكره المشهور من تعريف البائع و ما قبله و ان لم يعرفوه جاز له تملكه و وجب عليه الخمس.
1- قد عرفت ان تعريفه للبائع انما هو لكونه مصداقا مشتبها للكنز و اللقطة، و هذا نوع فحص لتشخيص الحال في الاموال التي بنائها علي الاحتياط، و هل يجب علي البائع ذكر الامارات الدالة علي ملكه او اقامة البينة او يعطي بمجرد دعواه؟ ظاهر كلمات القوم كفاية دعواه و الظاهر انه مقتضي اليد. اللهم الا ان يقال: انه شبهة مصداقية للكنز القديم او الملك الجديد و لعل يده لم يجر عليه ابدا فالاخذ بقاعدة اليد هنا لا يخلو عن اشكال، و لكن الاحوط اعطائه ذلك، لان الامر بالنسبة الي اربعة اخماس دائر بين الواجد و البائع و الاحوط للواجد اعطائه البائع المدعي له فيما اذا لم يكن مدعيا في الايادي السابقة عليه (اي البائع) و ان كان وجوبه عليه بدون بينة محل تامل.
2- هل
يجب تعريف البائع فقط او من قبله أيضا مما يصل يده اليه؟
مقتضي القاعدة عدم الفرق بينهم بعد وحدة الملاك و هو اليد فيهم و قد عرفت ان الدليل هو اليد، و اما عدم ذكر غير البائع في رواية الجزور و غيره فقد عرفت انه ناش عن عدم التمكن من الوصول اليهم، و هذا في رواية الجزور ظاهر و في غيره أيضا غير بعيد.
3- لو تنازع الملاك فيه، قال في العروة يجري عليه حكم التداعي و لازمه التقسيم بينهم و لكن الانصاف ان الترجيح مع ذي اليد الاخيرة، لان استقرار يده يوجب زوال يد غيره فلذا لا شك انه لو وجد صندوقا في دار ابتاعه من غيره كان للبائع، و لو ادعي الذي كان قبله لا يسمع منه كما استقرت عليه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 163
سيرة العقلاء من تقديم الاخير علي الايادي السابقة عند التعارض.
4- لو ادعاه المالك السابق ارثا و كان له شركاء نفوه دفعت اليه حصته و ملك الواجد الباقي و اعطي خمسه هكذا ذكره المحقق اليزدي في العروة، و هذا الحكم بالنسبة الي نفوذ دعوي المالك السابق في سهمه دون سهم غيره واضح و كذا ملك الواجد للباقي، و لكن قد عرفت آنفا ان الركون الي مجرد دعواه بلا بينة او امارات توجب الاطمينان مشكل.
5- اذا وجده في ارض مستأجرة او مستعارة او مغصوبة او ارض يعمل فيها للمالك فوجد فيها كنزا فهل هو للمالك او الواجد او فيه تفصيل؟ سيأتي الكلام فيه ان شاء الله عند التكلم في المسائل الباقية من احكام الكنز.
6- و هاهنا فرع مهم مبتلي به في عصرنا و هو انه قد جرت عادة الحكومات
علي اخذ ما يوجد من الكنوز و لا يرون في ذلك حقا للواجد (او حقا قليلا فقط) بل لعلهم يجعلون لمن وجدها و لم يسلمها الي الحكومة تعزيرات مالية او غيرها، فهل هذا يبتني علي شي ء؟
الذي يظهر من اتفاق العلماء و اجماعهم و الروايات الكثيرة او المتواترة الواردة في الباب ان الكنز للواجد بشروطها و انما يكون للحكومة الخمس للصرف في مصارفه لا غير، و لقد تفحصنا كلمات العامة أيضا في هذا المقام فرأيناهم موافقين في هذا الحكم لأصحابنا، و قد عرفت كلام شيخ الطائفة في الخلاف في المسألة 145 من كتاب الزكاة و غيره، و راجعنا كتاب الفقه علي المذاهب الاربعة «1» فرأيناهم متفقين علي هذا الامر، فعلي هذا لا وجه لأخذ الكنوز عن واجدها فيكون غصبا و حراما فيما زاد علي الخمس الا باحد وجوه:
______________________________
(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 195.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 164
الاول: ما يلوح من بعض كلمات المعاصرين من ان الكنوز كالمعادن من الانفال و الاموال العامة التي امرها بيد الحكومة (اي ولي الامر في الإسلام) و ما ورد من جواز تملكه انما هو من باب اجازة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة- عليهم السلام- و لنائب الغيبة صرف النظر عن هذه الاجازة.
و يرد عليه ان موارد الانفال في رواياتنا معينة معلومة ليست الكنوز منها و لم يرد في رواية من روايات المعصومين مع وجود الكنوز في تلك الاعصار و مع كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة و لم يفت احد من فقهائنا بذلك فعدّه من الانفال عجيب.
و جريان سيرة العقلاء اليوم علي عدد من الاموال العامة
امر مستحدث، و من الواضح عدم حجية السيرة العقلائية ما لم يرجع الي زمن المعصومين حتي يثبت امضائها من قبلهم و بعبارة اخري قد كانت السيرة العقلائيته في زمن المعصومين- عليهم السلام- قائمة علي كون الكنز لواجده ثم تبدلت في ايامنا الي عدّة من الاموال العامة، و هذه سيرة مستحدثة لم يقم دليل علي امضاء الشارع لها.
بل ظاهر روايات الباب و صريح بعضها كونها للواجد و انه ليس لبيت المال (الولي من قبل ارباب الخمس) الا خمسها فتدبر جيدا.
الثاني: ان يكون الكنز من الاشياء المهمة القديمة التي ترتبط بحياة ملة و حضارتهم و يكون ابقائه عند الحكومة حفظا لبعض ما يهتم الإسلام بامره، فان الكنوز في عصرنا متفاوت حالها مما سبق فلا ينظر اليها من حيث المالية فقط بل من حيث الامور المعنوية و الثقافية.
و الحاصل انه لا بد ان يندرج تحت عنوان ثانوي قطعي لا الظنون الاستحساني، فان ثبت هناك فهو و الا كان الحكم ما عرفت.
و كذلك اذا كان بقائه تحت يد مالك شخصي مظنة لخروجه عن
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 165
المملكة الاسلامية و كان خروجه خسارة علي المسلمين و بلادهم لا يرضي الشارع المقدس بها، و لكن في جميع ذلك لا بد من اعطاء ثمنه للواجد للجمع بين الحقين كما لا يخفي.
الثالث: قد يكون المال المدفون غير متعلقة بالاعصار الماضية حتي يقطع علقتها عن مالكه و يثبت الاعراض القهري، فيكون من قبيل مجهول المالك الذي يكون امره بيد الحاكم الشرعي فيتصدق به ففي هذه الموارد أيضا يمكن تدخل الحكومة في امره و لكنه خارج عن محل الكلام من بعض الجهات كعدم شموله الكنوز القديمة التي هي الغالب فيها.
المقام
الثالث: في مسألة النصاب قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب في ما اعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع ببلوغ عشرين دينارا او مأتي درهم و هو النصاب الاول من الذهب و الفضة». «1»
و قال الشيخ في الخلاف فيما عرفت من مسأله 145 من مسائل الزكاة:
«الركاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف و يراعي فيه عندنا ان يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة و هو قول الشافعي في الجديد و قال في القديم يخمس قليله و كثيره و به قال مالك و ابو حنيفة- دليلنا اجماع الفرقة و أيضا ما اعتبرناه لا خلاف ان فيه الخمس و ما نقص فليس عليه دليل (انتهي)».
و قد عرفت ان استدلاله بالإجماع، و القدر المتيقن الثابت من هذا الحكم انما هو لإثبات النصاب لا لإثبات اصل وجوب الخمس.
و حكي في المعتبر عدم اعتبار النصاب عن احمد أيضا، فلم يوافقنا في هذا الحكم من فقهائهم ما عدا الشافعي في الجديد.
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 332.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 166
نعم حكي في الجواهر عن الغنية: «انه يكفي بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الاجماع ثم قال و هو (اي اصل كلام الغنية) غريب، و دعواه الاجماع اغرب اذ لم نعرف له موافقا و لا دليلا. انتهي». «1»
و لكن المحقق الهمداني ما ذكره في الجواهر اشتباه نشأ من غلط النسخة المحكي عنها هذا القول و الا فعبارة الغنية صريحة في خلافه حيث قال: «و يعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي يجب فيه الزكاة و في المأخوذ بالخوض بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الاجماع المتكرر». «2»
اقول: و قد ظهر مما ذكرنا ان المسألة ظاهرا اجماعية
لم ينقل فيه خلاف، و العمدة فيها ما رواه البزنطي في الصحيح عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «3»
و يؤيده مرسلة المفيد في المقنعة قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه». «4»
و قد عرفت قوة احتمال كونهما واحدا و ان الثاني من قبيل النقل بالمعني و دلالة الصحيحة كسندها ظاهرة معلومة، و ان عرفت فيما سبق ان بعض الاساتذة الكرام قال بعدم كونها ناظرة الي المقدار بل الي الجنس او الاعم فاوجب الخمس في كنوز الذهب و الفضة فقط، و لكن قد عرفت ان هناك
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 26 و لكن في امالي الصدوق موافقته في هذا الحكم اي الدينار الواحد (المجلس 93، الصفحة 385.)
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 116.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب في الخمس، الحديث 2.
(4)- نفس المصدر، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 167
قرائن عديدة من فهم الاصحاب و غيره تدل علي انها بصدد بيان المقدار لا غير فراجع و لا نعيد.
هذا علي اجماله مما لا كلام فيه، انما الكلام في ان المستفاد من المماثلة هنا هو المماثلة مطلقا او من بعض الجهات؟ توضيح ذلك انه قد يكون الكنز من النقدين المسكوكين و اخري من غير المسكوك و ثالثة من غيرهما من الجواهر و الاشياء النفيسة فان كان من احدهما فهل يلاحظ نصابه من نصابه في الزكاة اولا؟
الظاهر انه ان كان من الدنانير فيعتبر فيه كونه عشرين دينارا، و ان كان من الدراهم فالمعتبر كونه مأتي درهم و لا يكفي بلوغ كل منهما قيمة الاخر، و ان كان أقلّ من نصاب عينه فلا يكفي كونه عشرة دنانير و ان فرض كون قيمته تبلغ مأتي درهم احيانا، و كذا لا يكفي كونه مأئة و خمسين درهما و ان بلغت قيمتها عشرين دينارا احيانا، و ذلك لعدم الاطلاق من هذه الجهة (اي من جهة القيمة) اذا كان جنس الكنز من الدراهم و الدنانير.
و هكذا اذا كان الكنز من جنس الذهب و الفضة و ان كانا غير مسكوكين لانصراف الاطلاق الي بلوغ كل من النوعين ما يحاذي نصابه لا ما يعادل قيمته، بل يمكن ان يقال ان هذا مقتضي المماثلة الظاهرة في المماثلة من حيث الجنس مهما امكن.
و اما سائر الاجناس فلا محيص فيها الا ملاحظة المماثلة من حيث القيمة و مقتضي الاطلاق كفاية بلوغ قيمتها أقلّ القيمتين من عشرين دينارا او مأتي درهم، فلو بلغ احدهما دون الاخر يصدق عليه بلوغه الي ما يجب فيه الزكاة الوارد في الصحيحة و المرسلة.
ان قلت: قد صرح في الشرائع بان المعتبر في نصاب الكنز بلوغه عشرين دينارا و اقتصر علي الدينار فقط و حكاه في الجواهر عن السرائر و ظاهر التذكرة
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 168
و المنتهي «1» و المدارك، مع ان المصرح به في صحيحة البزنطي و كذا مرسلة المفيد هو بلوغه ما يكون في مثله الزكاة فمن اين نشأ هذا الفتوي؟
قلت: الظاهر انهم اخذوها من رواية اخري له في باب نصاب المعدن المصرحة بعشرين دينارا بعد قوله: «ما يكون في مثله
الزكاة» و لكنه لا يخلو عن بعد، او ذكروه في المقام من باب المثال، و علي كل حال فالحق ما عرفت من عدم الاختصاص بعشرين دينارا كما هو معقد اجماع الخلاف أيضا.
لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفها و تعريف المالك أيضا، فان نفياه كلاهما كان له و عليه الخمس، و ان ادعاه احدهما اعطي بلا بينة، و ان ادعاه كل منهما ففي تقديم قول المالك وجه لقوة يده، و الا وجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة احدي اليدين
- هكذا ذكره في العروة في مسألة 14 من مسائل الخمس.
اقول: اما وجوب تعريفه للمستأجر و المستعير فلما عرفت من انه في مورد يحتمل جريان يده عليه، و هذا من باب الجمع بين الحقوق حق واجد الكنز و حق صاحب اليد و لذا لا يعطي بدون السؤال، و لا فرق في مسألة اليد هنا بين المالك و المستعير و المستأجر.
و اما اعطائهما بدون بينة فقد عرفت الاشكال فيه فيما سبق لأنه من قبيل الشبهة المصداقية، و انما يسئل منه احتياطا في الاموال و جمعا بين الحقوق.
و اما قوة يد المالك فهي ليست دائمية فقد يكون الملك له و لم يسكنه الا
______________________________
(1)- و لكن ظاهر المنتهي (الصفحة 549) و التذكرة (الصفحة 253) خلافه فراجع.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 169
يوما واحدا و الحال ان المستأجر و المستعير سكنه عشرة سنة مثلا و قد يكون بالعكس و مراده من ملاحظة المقامات هو هذا، و الانصاف ان المدار هنا أيضا لا بد ان يكون علي اليد الاخيرة لعدم الفرق بين المالك الاخير و المستأجر من هذه الجهة كما لا يخفي. «1»
بقي هنا شي ء:
و هو انه لو كان هناك اجير لحفر البئر مثلا فعثر علي كنز، فهل يجري عليه احكام الواجد او لا بد في الواجد ان يكون صاحب اليد بالملك او الاجارة او الاستعارة؟
التحقيق انه لا نجد فرقا بينه و بين غيره في ملاك الحكم، لصدق الوجد عليه و ان كان في ملك غيره فاذا عرّفه المالك و لم يعرفه كان له و عليه الخمس.
بل يمكن اجراء هذا الحكم في حق الغاصب للأرض لان غصب الارض لا يمنع عن اجراء حكم الواجد عليه فهو غاصب للأرض لا للكنز فاذا لم يعرفه المالك كان له و ذلك لشمول الاطلاقات الواردة في الكنز له، لكن المسألة لا تخلو عن شوب الاشكال و ان كان الاظهر ما ذكرنا عاجلا.
و صار كمال بلا مالك، و بتعبير آخر يكون من قبيل الاعراض القهري و من هنا يظهر النظر فيما ذكره في العروة من انه:
«لو علم الواجد انه
______________________________
(1)- التعليقة علي المسألة 14- و الا قوي تعريف ذي اليد الاخيرة و هو المستأجر أو المستعير فان لم يعرفه فالمالك لان المفروض زوال يده و لو موقتا و لا منافاة بين الملكية مع عدم كونه تحت يده فعلا و قد عرفت ان وجوب اعطائه لذي اليد مشكل.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 170
لمسلم موجود هو او وارثه في عصره مجهول، ففي اجراء حكم الكنز او حكم مجهول المالك عليه وجهان» (انتهي).
فانه لا ينبغي الريب في اجراء حكم مجهول المالك عليه بعد عدم صدق الكنز عليه.
: «الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه … نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه الي بعض».
لكن قال الفقيه الماهر في الجواهر: «في اجزاء حصوله (اي النصاب) بضم بعض الكنوز الي بعض وجه و قول تقدم نظيره في المعادن مع ان المصرح به هنا في السرائر و المنتهي و التذكرة عدمه بل لعله لا يخلو عن قوة». «1»
اقول: لكن من المعلوم ان المرجع هنا اطلاق صحيحة البزنطي، و ظاهرها كونها من قبيل العام الافرادي لا المجموعي فكل ما يصدق عليه انه كنز لا بد من بلوغه بمقدار يجب فيه الزكاة فلا يضم بعض الكنوز الي بعض.
نعم الكنز الواحد و لو كان من اجناس مختلفة يضم بعضه الي بعض بان كان مقدارا من الذهب و مقدارا من الفضة و مقدارا من غيرهما تبلغ المجموع نصابا يكون فيه الخمس.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 28.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 171
بل اذا كشفه و وضع يده عليه بقصد التملك وجب عليه الخمس- سواء اخرجه من محله أم لا- و ليس الكنز من قبيل المعادن التي يعتبر في تعلق الخمس بها بحسب ظاهر الادلة اخراجها، فما ذكر في العروة (و الظاهر انه اخذه من عبارة الجواهر في المقام) من انه لا يعتبر الاخراج دفعة بمقدار النصاب فلو كان مجموع الدفعات بمقدار النصاب وجب الخمس، مما لا مورد له بعد ما عرفت، فان البحث عن اعتبار الدفعة او دفعات الاخراج مترتب علي القول باعتبار الاخراج في تعلق الخمس بالكنز و قد عرفت ان الصحيح خلافه.
كما في محكي المدارك و ظاهر الكفاية الاتفاق عليه فيما حكي عنه، هذا بالنسبة الي وجوب الخمس و اما في ناحية وجوب التعريف فقد قال في الحدائق ما نصه: «قد ذكر جملة من الاصحاب في المقام انه لو اشتري دابة و وجد في جوفها شيئا له قيمة عرفها البائع فان عرفه فهو له و ان جهله فهو للمشتري و عليه الخمس». «1»
و لا بد من التكلم في المسألة «اولا» علي مقتضي القواعد و اطلاقات الادلة ثم الرجوع الي بعض النصوص الخاصة بالمسألة «ثانيا».
اما الاول فلا ريب في عدم صدق عنوان الكنز عليه لغة و عرفا كما صرح به في الحدائق و الجواهر بل قال في الثاني: «لم اعرف احدا من الاصحاب صرح بخلافه نعم قد يظهر من بعضهم الحاقه به تنقيحا و هو موقوف علي الدليل فان ثبت اجماعا كان او غيره تعين القول به و الا كان محل منع
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 338.
أنوار الفقاهة
- كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 172
و الظاهر انه كذلك لعدم وصول شي ء منها إلينا». «1»
و ما ذكراه حسن فلا يشمله عنوان الكنز لما عرفت انه المال المدفون الذي مرّت عليه سنين كثيرة، و ليس شي ء من القيدين موجودا هنا، و كذلك تنقيح المناط ليس هنا قطعيا مع انه من شرطه ان يكون قطعيا و الا لكان قياسا باطلا فيكون من قبيل مجهول المالك لا بد فيه من تعريف المالك و غيره تحريا لوجدان مالكه و ان لم يجده كان سبيله سبيل غيره مما لا يعرف صاحبه، و يحتمل اجراء حكم اللقطة عليه لأنه مال ضائع فيجوز تملكه بعد تعريفه بالمقدار الواجب و عدم وجدان صاحبه لان التملك مع الضمان احد اطراف التخيير في اللقطة (و يجوز أيضا حفظها امانة لصاحبها و التصدق بها و دفعها الي الحاكم الشرعي).
و لو وجب فيه الخمس كان من باب الارباح بل و مطلق الفائدة كما سيأتي ان شاء الله.
هذا بحسب القواعد، اما بحسب الاخبار الخاصة فلم يرد فيه الا ما مر سابقا من صحيحة عبد الله بن جعفر قال: «كتبت الي الرجل اسأله عن رجل اشتري جزورا او بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السّلام: عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله اياه». «2»
و قريب منها ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري قال: «سألته عليه السّلام في كتاب عن رجل اشتري جزورا او بقرة او شاة او غيرها للأضاحي او غيرها فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم او دنانير او جواهر او غير ذلك
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16،
الصفحة 36.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 9 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 173
من المنافع لمن يكون ذلك؟ و كيف يعمل به؟ فوقّع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله اياه». «1»
و لكن فيه «للأضاحي او غيرها … ».
و يمكن ان تكون الرواية موافقة للقاعدة بان يكون موردها مصداقا للقطة باعتبار اخذ الدابة اياها من الارض، و اليأس من وجدان صاحبها بعد تعريفها للمالك و عدم معرفته لها لا سيما في مثل المني من مواقف الحج و قوله او «غيرها» في الرواية الثانية لا ينافي اشتراء الدابة في الموسم لغير الاضحية و لو فرض اطلاقها من هذه الجهة بحيث تشتمل ما اذا احتمل وجدان مالكها بتعريف غير البائع فيجوز ترك تعريفها و تملكها، يشكل الاعتماد علي هذا المقدار من الظهور الضعيف في ترك القواعد المعروفة و اكل اموال الناس مع احتمال وجدان صاحبها فتدبر جيدا.
*** اما لو وجد جوهرة في جوف سمكة فالمشهور كما حكي جواز تملكها للواجد من دون تعريف و عليه الخمس، بل من دون وجوب تعريف للبائع لان الظاهر بقائها علي الاباحة الاصلية فيجوز حيازتها و تملكها، لان الصياد لم يقصد حيازتها بعد جهله بالحال.
و ما حكي عن العلامة في التذكرة من الميل الي الحاق السمكة بالدابة في تعريف البائع مطلقا، لان القصد الي حيازتها يستلزم القصد الي حيازة جميع اجزائها و ما يتعلق بها، ممنوع اولا بان هذا القصد التبعي المغفول عنه ليس كافيا بل ليس قصدا لان المفروض هو الغفلة عما في جوفها، نعم لو كان
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،
ص: 174
محتملا لوجود الجوهرة فيها فقصد تملكها علي فرض وجودها و كان بانيا علي شق بطنها و التفحص عنها فنسي و باعها من غير فحص، امكن الحكم بانها للصياد و لكن هذا خلاف المفروض المعروف.
و ثانيا: لو كان هذا القصد التبعي المغفول عنه كافيا، كان بيعه للمشتري أيضا كذلك، فقد باعها بجميع ما في جوفها و المشتري أيضا اشتراها مع هذه الصفة فملكها المشتري بالبيع. و حكي في التذكرة عن احمد: انما تكون للصياد، لأنه اذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه و لم يرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في المبيع كمن باع دارا له مال مدفون فيها. «1»
و انت خبير بان تعليله لعدم البيع بانه لم يعلم به يمكن ان يكون بعينه علة لعدم تملك الصياد من اصل، لأنه اذا لم يعلم به لم يقصد تملكه، و كفاية القصد التبعي في الحيازة، و التملك تجري في البيع أيضا، فالبائع قصد بيعه تبعا و المشتري قصد اشترائه كذلك.
و من العجب قول العلامة- قدس سره- بان قول احمد لا بأس به عندي و اعجب منه ما حكاه عن احمد من تفريقه بين ما يصطاد من البحر و ما يصطاد من النهر و العين بجعل الثاني لقطة «2» مع انه لا دليل عليه من القواعد العامة و الادلة الخاصة الا ان يحمل علي فروض نادرة ستأتي الاشارة اليها، او يحمل علي كون النهر ملكا لشخص خاص فتأمل.
فلا ينبغي الشك في جواز تملكها لأنها من المباحات، بل و لا في عدم وجوب تعريف البائع لأنها حصلت بتكون طبيعي الهي لا بفعل انسان، و لو فرض كونها في ماء محصور كما في اعصارنا فانه يربي السمك في
______________________________
(1)-
التذكرة، المجلد 2، الصفحة 265.
(2)- نفس المصدر.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 175
حياض كبيرة محصورة، او احتمل وقوع اللؤلؤة ممن مر علي الماء كان للإشكال في هذا الحكم وجه، و لكن امثال هذه الفروض النادرة خارجة عن محل الكلام، هذا بحسب القواعد.
اما بحسب الروايات الخاصة الواردة في المسألة، فقد رويت روايات متظافرة تربو علي خمس روايات حاكيات لوقائع ثلاثة كان احدها في بني اسرائيل و ثانيها في عصر رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و ثالثها في عصر الامام علي بن الحسين عليه السّلام، و تظافرها يوجب الغض عن اسنادها لا سيما مع عمل الاصحاب بها و اشتهارها بينهم.
منها ما رواه ابو حمزة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث: «ان رجلا عبدا من بني اسرائيل كان محارفا فاخذ غزلا فاشتري به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين الف درهم فجاء سائل فدقّ الباب، فقال له الرجل: ادخل فقال له: خذ احد الكيسين فاخذ احدهما و انطلق فلم يكن باسرع من ان دقّ السائل الباب. فقال له الرجل: ادخل، فدخل فوضع الكيس في مكانه. ثم قال: كل هنيئا مريئا انا ملك من ملائكة ربك انما اراد ربك ان يبلوك فوجدك شاكرا ثم ذهب». «1»
و قريب منها ما رواه حفص بن غياث عن الصادق عليه السّلام قال: «كان في بني اسرائيل رجلا و كان محتاجا فالحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل الي الله في الرزق فرأي في النوم ايما احب إليك درهمان من حل او الفان من حرام؟ فقال: درهمان من حل. فقال: تحت رأسك فانتبه فرأي الدرهمين تحت رأسه فاخذهما و اشتري بدرهم سمكة و اقبل الي
منزله فلمّا رأته المرأة اقبلت اليه كاللائمة و اقسمت ان لا تمسّها فقام الرجل اليها فلما شق بطنها اذا
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 176
بدرتين فباعهما باربعين الف درهم». «1»
و روايت اخري لأبي حمزة عن الباقر عليه السّلام قال: «كان في بني اسرائيل عابدا و كان محارفا تنفق عليه امرأته فجاعوا يوما فدفعت اليه غزلا فذهب فلا يشتري بشي ء فجاء الي البحر فاذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا فاعطاه الغزل و قال: انتفع به في شبكتك فدفع اليه سمكة فرفعها و خرج بها الي زوجته فلما شقّها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين الف درهم». «2»
و منها ما في تفسير الامام الحسن العسكري عليه السّلام في حديث طويل: «ان رجلا فقيرا اشتري سمكة فوجد فيها اربعة جواهر ثم جاء بها الي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و جاء تجار غرباء فاشتروها منه باربعمائة الف درهم فقال الرجل: ما كان اعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: هذا بتوقيرك محمدا رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و توقيرك عليا اخا رسول الله و وصيه و هو عاجل ثواب الله لك و ربح عملك الذي عملته». «3»
و منها ما رواه الصدوق بسنده عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السّلام في حديث: «ان رجلا شكا اليه الدين و العيال فبكا. و قال: ايّ مصيبة اعظم علي حرّ مؤمن من ان يري باخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدها الي
ان قال علي بن الحسين عليه السّلام: قد اذن الله في فرجك يا جارية احملي سحوري و فطوري فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليه السّلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا منهما ثم ذكر انه اشتري سمكة باحد القرصتين و بالاخري ملحا فلما شق بطن السمكة وجد
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 177
فيها لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما فقرع بابه فاذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقولان جهدنا ان نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه اسنانا فقد رددنا إليك هذا الخبز و طيبنا لك ما اخذته منا فما استقر حتي جاء رسول علي بن الحسين عليه السّلام و قال: انه يقول لك: ان الله قد اتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فانه لا يأكله غيرنا و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله». «1»
و الظاهر انه لا يستفاد منها شي ء يخالف القواعد المعروفة كما عرفت آنفا، فالجوهرة لواجدها من غير حاجة الي تعريفها الا في فروض نادرة، و اما وجوب الخمس فيها مبني علي عدم اختصاصه بارباح المكاسب بل شموله لكل فائدة كما سيأتي الكلام فيه ان شاء الله.
اذا احتاج اخراجه الي مؤنة لعدم صدق الفائدة و الغنيمة بالمعني الاعم عليه، و قد عرفت ان الخمس بجميع انواعه يتعلق بالفوائد و المنافع (الا في الارض التي اشتراها الذّمّي و المال المختلط و سيأتي ان شاء الله ان الخمس فيهما من واد آخر
فتأمل) فاذا كان قيمة الكنز الفا مثلا و مؤنة اخراجه خمس مأئة لم يصدق الفائدة الا علي الخمس مأئة الباقية، و لا ينافي ما ذكرنا حصول الملك بمجرد وضع اليد عليه و ان لم يخرجه كما لا يخفي.
و اما النصاب فهل يعتبر بعد اخراج هذه المؤن او قبله؟ صرح في العروة بكونه بعده و وافقه عليه جمع من المحشين، و لعل الوجه فيه ظهور قوله عليه السّلام
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 178
في صحيحة البزنطي «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» فان الخمس لا يجب في مقدار المئونة (مؤنة الاخراج) كما عرفت مع ان ظاهره انه اذا بلغ النصاب يجب الخمس في جميعه فلا بد ان يكون المدار في النصاب هو الذي يتعلق به الخمس، فلو وجب الخمس في الباقي كان مدار النصاب أيضا هذا المقدار.
و من هنا يظهر الاشكال في ما افاده في مستند العروة من انه لا دليل علي ذلك اذ لم ينهض دليل علي تقييد اطلاق النصاب بما بعد اخراج المؤن انتهي. «1»
و قد عرفت انه لا اطلاق له من اول الامر بل ظاهره كون المدار في النصاب هو ما يتعلق به الخمس، و قد اعترف بعدم وجوب الخمس في مقدار المئونة.
ظاهر كلام العروة كفاية النصاب في المجموع و قد خالفه غير واحد من المحشين، و كان الدليل علي الكفاية هو اطلاق دليل النصاب، و فيه اشكال ظاهر فان بلوغه الي حد يجب فيه الزكاة ظاهر في بلوغ سهم كل واحد لان الزكاة أيضا كذلك، نعم لو كان دليله مجملا وجب الاخذ باطلاقات ادلة الكنز، و الحاصل ان
تشبيهه بالنصاب في الزكاة ظاهر في ذلك فتدبر.
______________________________
(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 107.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 179
ليس لها قيمة في نفسها و لكن من حيث تعلقه بتلك الاعصار لها قيمة عظيمة تبذل بازائها الاموال بل تكون اكثر قيمة من الذهب و الفضة فهل هي داخلة في عنوان الكنز أم لا؟ الظاهر عدم شموله لها لان مفهوم الكنز عرفا هو ما يكون غاليا ذاتا لا بالامور العرضية، فلو كان هناك عظم من بعض الحيوانات القديمة يشتري للمتاحف العامة او الخاصة لبعض الدراسات بقيمة عالية لا يطلق عليه الكنز، نعم هو داخل في عنوان الغنيمة بالمعني العام فيتعلق به الخمس و لكن يستثني منه مؤنة السنة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 181
و مما اتفقت كلمات الاصحاب علي وجوب الخمس فيه اجمالا هو ما يخرج بالغوص، و قد ادعي في الجواهر عدم الخلاف فيه و قال في الحدائق أيضا: «لا خلاف بين الاصحاب في وجوب الخمس فيه». «1»
و قال العلامة في المنتهي (علي ما حكاه في المدارك): «انه قول علمائنا اجمع» «2» و كذا النراقي- قدس سره- في المستند. «3»
و بالجملة اتفاق كلمات الاصحاب في وجوب الخمس فيه ظاهر، و اما العامة فالظاهر ذهاب اكثرهم الي العدم كما حكاه المحقق في المعتبر حيث قال: «الثالث الغوص و هو ما يخرج من البحر كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و به قال الزهري واحدي الروايتين عن احمد و انكره الباقون». «4»
و استدل له تارة بعموم آية الغنيمة بناء علي ما عرفت من شموله لجميع انواع المنافع، و لكن الانصاف انه علي خلاف المقصود ادل، لان المقصود اثبات الخمس فيه بعنوانه الخاص حتي لا يستثني منه مؤنة
السنة الثابتة
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 343.
(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 375.
(3)- المستند، المجلد 2، الصفحة 74.
(4)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 621.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 182
في جميع المنافع.
و اخري- و هو العمدة- الروايات الكثيرة المحكية في الباب 7 و الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
منها ما رواه الحلبي في الصحيح قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس الحديث». «1»
و منها مرسلة الصدوق قال: «سئل ابو الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «2»
و منها مرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام انه قال: «في العنبر الخمس». «3»
و منها مرسلة حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال:
«الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة الحديث». «4» (و الظاهر اتحادها مع مرسلة اخري منه قال: «رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول عليه السّلام قال:
الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «5»
و منها مقطوعة ابن ابي عمير: «ان الخمس علي خمسة اشياء الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامسة». «6»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- نفس المصدر، الحديث 2.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
(4)- نفس المصدر، الباب 2 من ابواب ما
يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(5)- نفس المصدر، الحديث 9.
(6)- نفس المصدر، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 183
و منها مرفوعة محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس الحديث». «1»
و منها ما رواه النعماني في تفسره بسنده عن علي عليه السّلام و في ذيله … :
«الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «2»
و اسناد كثير منها و ان كانت ضعيفة و لكن بعضها قوي مضافا الي تظافرها في نفسها و انجبارها بعمل الاصحاب أيضا.
هذا و لكن محتواها مختلفة جدا، ففي كثير منها «عبر بالغوص» و هي الروايات الخمسة المروية في الباب 2 (من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل).
و في بعضها «العنبر و غوص اللؤلؤ» (1/ 7). و في ثالث «ما يخرج من البحر من اللؤلؤ» (2/ 7) «و الياقوت و الزبرجد» (5/ 3). و في رابع «العنبر» فقط (3/ 7) و في خامس «ما يخرج من البحر» (6/ 3).
و الاخير اعم من الجميع لشموله لما يخرج من اعماقه و سطحه، ثم عنوان الغوص لأنه عام لجميع ما يخرج من اعماقه، و بعدهما ما صرح فيها بعناوين خاصة من اللؤلؤ، و في الحقيقة هناك عناوين ثلاثة (ما يخرج من البحر- الغوص- العناوين الخاصة).
و قد يقال: ان النسبة بين الاولين عموم من وجه لان الغوص اعم من
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 11.
(2)- نفس المصدر، الحديث 12.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال
(لمكارم)، ص: 184
البحار و الانهار بينما يكون ما يخرج من البحر خاصا بالبحار، و لكنه اعم من جهة الاخراج بالغوص او بالآلات و شبهها ثم يتكلم في طريق الجمع بينهما، و هل هو العمل بكل منهما فيكفي اخراج شي ء بالغوص او بالآلة من البحار او الانهار لعدم المنافاة بينهما.
او يقيد كل واحد من العنوانين بالاخر فلا بد ان يكون بالغوص و في البحار بمقتضي قاعدة التقييد او يرجح عنوان الغوص، بناء علي كون الاخراج من البحر اشارة اليه، او يرجح عنوان الاخراج من البحار بناء علي عدم خصوصية في الغوص؟
هذه وجوه اربعة و لكن الانصاف ان الامر لا يصل الي المعارضة و العموم من وجه بل لا بد من الدقة في هذه العناوين و ما يمكن الغاء الخصوصية منها اولا ثم ملاحظة النسبة.
فنقول و منه جل ثنائه التوفيق و الهداية: لا ينبغي الشك في عدم الخصوصية للبحر او النهر فاذا اعطي هذا العنوان بيد العرف يعرف منه حكما عاما، و كذا لا ينبغي الشك في ان الغوص أيضا لا تري عندهم فيه خصوصية بعد كون المدار عندهم علي ما استفادها من جواهر البحر- سواء اخرجه بالآلات او بالغوص بل لعل تعلق الخمس علي ما يخرج بالآلات اولي لكون الوصول اليه اسهل و الآلة طريق لا موضوعية لها في نظر العرف، و حينئذ يرجع كل من العناوين الي الاخر و لا يبقي بينهما معارضة.
و الحاصل انه لا تصل النوبة الي ملاحظة المعارضة و الجمع العرفي بينهما، بل كل واحد من العنوانين مع قطع النظر عن الاخر لا دلالة له فيما ينافي الاخر.
لكن الكلام في صحة اسناد كل واحد من هذين العنوانين الجامعين.
اما الغوص فالظاهر ان تضافرها
كاف في اثبات اسناد ما دل عليه، مضافا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 185
الي مرسلة ابن ابي عمير التي بمنزلة الصحيحة و لا سيما انها مروية عن غير واحد فتدبر.
و اما ما يخرج من البحر فلم يرد الا في رواية واحدة و هي رواية عمار بن مروان، و قد يقال انه مشترك بين رجلين «اليشكري»، «الثقة» و «الكليني» (او الكليني فان النسخ مختلفة) المجهول، و لكن ظاهر عبارة جامع الروات اتحادهما حيث قال في شرح حال عمار بن مروان اليشكري: «ابو ايوب الخزاز عن عمار بن مروان الكليني في مشيخة الفقيه في طريقة».
و قال العلامة الممقاني في تنقيح المقال: «عمار بن مروان الكلبي لم اقف فيه الا علي وقوعه في طريق الصدوق في باب ما يجب علي المسافر في الطريق من كتاب الحج و في المشيخة و ليس له ذكر في كتب الرجال» (انتهي).
و لعل عدم ذكره في كتب الرجال دليل علي اتحاده مع اليشكري الثقة، و لكن الاكتفاء بهذا المقدار في رفع الابهام عن حال الرجل مشكل، و الذي يسهل الخطب ما عرفت من وحدة مفهوم العنوانين (عنواني الغوص و ما يخرج من البحر) بعد الغاء الخصوصية من كل واحد منها.
هذا و يمكن ان يقال ان جميع المطلقات في المسألة منصرفة الي الجواهرات التي تخرج من البحر، و قد ذكر امثلتها في الروايات الخاصة من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و حينئذ يشكل شمولها لمثل الاسماك و غيرها من الحيوانات التي تخرج من البحار و ان غلت اثمانها و ان حكي عن الشيخ و بعض معاصري الشهيد الاول و غيرهما الحاقها بالغوص.
قال المحقق النراقي في المستند: «و الظاهر جريان الحكم في
كل ما يخرج من البحر بالغوص و لو كان حيوانا … لإطلاق المرسلتين و رواية
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 186
الخصال». «1»
اقول: الغوص له معني معروف عند اهل العرف لا يشمل مثل هذه الامور و ان كان اللفظ عاما، و كذلك عنوان «ما يخرج من البحر» و الروايات الخاصة من احسن الشواهد علي ذلك.
نعم في شموله للجواهرات لا فرق بين ما كان من قبيل الاحجار او النبات او الحيوان، فقد ثبت اليوم ان المرجان الذي يشبه اغصان الشجرة نوع من حيوان البحر قد خفي امره في سابق الايام، و قد ثبت اليوم انه حيوان صغير يكسب لنفسه جدارا من النورة و بعد موته يبقي منه بيته الذي من الثورة و قد تتراكم و يشكل جزائر مرجانية و له اي لبيته الوان مختلفة بعضها ثمينة جدا كالمرجان الاحمر (هكذا في بعض كتب دائرة المعارف).
او كان من قبيل الاشجار البحري كما قد يقال في ما يسمي باليسر و يعمل منه التسبيح، و بالجملة المدار علي كونه معدودا من الجواهرات سواء كان من الأحجار او الحيوان او النبات.
و كيف كان فلا اطلاق هناك يدل علي وجوب الخمس في الاسماك و شبهها، و يؤيده او يدل عليه استقرار سيرة المسلمين علي عدم تخميسها بمجرد صيدها من البحر او النهر فتدبر.
و اما النصاب فقد اتفقت الاصحاب علي اعتبارها و المشهور كونه دينارا واحدا، قال في المدارك: «اما اعتبار النصاب فيه فهو موضع وفاق بينهم و اختلف كلماتهم في تقديره: فذهب الاكثر الي انه دينار واحد … و حكي العلامة في المختلف عن المفيد في المسائل الغرية انه جعل نصابه عشرين دينارا كالمعدن». «2»
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2،
الصفحة 74.
(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 375.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 187
و إليك عبارة المفيد في رسالته الغرية علي ما حكاه المختلف:
«و الخمس واجب فيما يستفاد من غنائم الكفار و الكنوز و العنبر و الغوص فمن استفاد من هذه الاربعة الاصناف عشرين دينارا او ما قيمته ذلك كان عليه ان يخرج منه الخمس». «1»
و عن الحدائق: «اتفق الاصحاب قديما و حديثا علي نصاب الدينار في الغوص» و كأنه لم يعتن بمخالفة المفيد في الغرية (و لكن لم نجد هذه العبارة في الحدائق بل وجدنا خلافه فانه ادعي الاجماع في اصل النصاب). «2»
و مستند المشهور ما رواه محمد بن علي بن ابي عبد الله عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «3» و رواه الصدوق بعينه مرسلا كما في الوسائل. «4»
لكن هذه الرواية ضعيف السند لجهالة الراوي- كما في المدارك- لكن يمكن القول بجبر سندها بعمل الاصحاب، مضافا الي ما قد قيل كما في الرياض من ان الراوي عنه و هو البزنطي ممن لا يروي الا عن ثقة- كما حكي عن شيخ الطائفة- لكن الذي يشكل الاعتماد عليها اشتمالها علي ما يخالف المشهور من اعتبار الدينار الواحد في المعدن أيضا، فان المعروف فيه اما عدم اعتبار النصاب فيه مطلقا و لعله الاقوي، او اعتبار عشرين دينارا اما اعتبار الدينار الواحد فلم يقل به إلا شاذ.
______________________________
(1)- المختلف، الصفحة 203.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس،
الحديث 5.
(4)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6 الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 188
و التفكيك بين اجزاء الحديث قد عرفت الاشكال فيه مرارا لا سيما اذا كان في جملة واحدة منه، و لعل حكم المحقق الخوانساري في جامع المدارك «1» بعدم العمل به و حكاية رميه بالشذوذ ناظر الي ما ذكرنا، اللهم الا ان يحمل حكم المعدن علي نوع من التقية و شبهها و يحكم بوجوب العمل بالحديث في مورد الغوص، او يقال قام الاجماع علي اعتبار النصاب فيه او القدر المتيقن الدينار الواحد اي لا يجب في أقلّ منها، و يعمل في الاكثر باطلاقات الوجوب كما لا يخفي.
، فلو اخرج في غوص واحد شيئا من المرجان و اللؤلؤ و غيرهما و كان المجموع دينارا وجب فيه الخمس، لإطلاق دليل النصاب من الرواية و معاقد الاجماعات كما هو كذلك في المعدن و الكنز.
كما في العروة.
قال في الحدائق: «و الاحوط ضم الجميع و ان اعرض او طال الزمان.» «2»
و قال في المدارك: «و الاقرب ضم الجميع و ان اعرض او تباعد الزمان». «3»
______________________________
(1)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 111.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.
(3)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 376.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 189
و اشكل عليه بعض الاساتذة الاعلام لظهور الدليل في الانحلال و ان كل فرد موضوع مستقل و هو كذلك.
، فهل المدار علي المجموع او علي نصيب كل واحد منهم؟ صرح في العروة بالاول و وافقه غير واحد من المحشين، و لكن لا يبعد ان يكون الاعتبار بنصاب سهم كل واحد لما عرفت من ان الخمس يدور مدار الغنيمة لكل انسان و ان كان الاول احوط.
لما عرفت من عدم صدق الفائدة و الغنيمة الجامعة بين اقسامه عليه بدون ذلك و كذا بالنسبة الي ملاحظة النصاب، فان قوله: «اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» الوارد في حديث النصاب «1» ظاهر في تعلق الخمس بجميعه بعد بلوغه حد النصاب، و لا يكون ذلك الا باخراج المؤن قبل ملاحظة النصاب و الا اذا بلغ النصاب تعلق الخمس بغير المئونة و هو بعضه (و قد مر نظيره في الكنز.)
، و اما اذا اخرجه بالآلة من دون غوص فقد صرح غير واحد منهم بعدم تعلق خمس الغوص به و ان تعلق به خمس المكاسب، منهم المحقق في الشرائع قال: «و لو اخذ منه شي ء من غير غوص لم يجب فيه الخمس» و حكي في المدارك عن الشهيدين مساواة ما يؤخذ من البحر من غير غوص لما يؤخذ بالغوص». «2»
و المحقق اليزدي في العروة احتاط في المسألة و لكن يظهر مما سبق ان
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 376.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 190
تعلق الخمس به اقوي، لان اهل العرف لا يرون فرقا بين هذه الامور بل يرون التفرقة بينهما من قبيل الجمود علي عبارة النص من دون مجوز.
او علي الساحل فان المصرح به في كلمات غير واحد منهم و ان كان عدم وجوب الخمس فيه من باب الغوص (و ان كان فيه الخمس من باب الارباح) كما ذكره في العروة و وافقه عليه كثير من المحشين، لكن الانصاف ان الغاء الخصوصية بالنسبة اليه أيضا قوي، و ان العرف يري الغوص طريقا و وسيلة للوصول الي الجواهرات الموجودة قعر البحار، فان ظفر بها اتفاقا من طريق الامواج التي القاها علي الساحل او ما اشبه ذلك كان مشمولا للحكم عنده، و يري التفرقة بينها و بين غيرها من الجمود الباطل.
اذا لم يقصد الغواص الاول تملكه و حيازته، و الا وجب الخمس عليه و كان بالنسبة الي الثاني من قبيل التمليك بالهبة او شبهها، و اما اذا تناول منه خارج الماء بعد ما حازه الغواص فلا اشكال أيضا في خروجه عن هذا الحكم، نعم ان اخرجه من غير قصد و من دون حاجة اليه فالقاه علي الساحل و تملكه غيره لا يبعد وجوب الخمس عليه لما عرفت آنفا.
من دون اشكال لإطلاق الادلة، و لو قيل بانصرافها الي ما قصد الحيازة من اول الامر فلا ينبغي الشك في كونه انصرافا بدويا و لا أقلّ من الغاء الخصوصية، و العجب من العروة (و بعض محشيها) حيث ذكر في المسألة وجهين و ان كان الاحوط عندهم اخراجه، مع ان الانصاف انه ليس للمسألة الا وجه واحد و هو شمول اطلاقات الغوص و ما يخرج من البحر له، و قد عرفت ان اعتبار اصل الغوص هنا ممنوع فكيف بفروعه، و كأنهم اعتبروا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 191
للغوص موضوعية خاصة في المسألة.
و ان لم يقصد الحيازة فلا خمس فيه لأنه فرع التملّك كما هو واضح، و لا يمكن حمل ما افاده في العروة عليه كما هو ظاهر.
، فقد فصل فيه في العروة بانه ان كان معتادا (كالصدف بالنسبة الي اللؤلؤ) وجب فيه الخمس، و ان كان من باب الاتفاق بان بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه و ان كان احوط و قد اخذ هذا الحكم من الجواهر حيث اشكل في المسألة اذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلا لذلك بينما نقل عن استاده كاشف الغطاء تعلق الخمس به مطلقا. «1»
و كان الوجه في التفصيل انصراف الاطلاقات الي المتعارف، و خروج غير المعتاد منها، و لكن الانصاف انه أيضا انصراف بدوي اذا كان بلع شيئا من جواهر البحر، فاي فرق بين ما اذا اخذه من دون حيوان من قعر البحار او اخذ حيوانا بالغوص و وجد في بطنه الجوهرة التي التقمها من البحر.
نعم اذا كان الحيوان ابتلع شيئا القي من الخارج في البحر، يشكل شمول الحكم له.
هذا و لو وجد الجوهرة في بطن
الحيوان المأخوذ من طريق الصيد لا الغوص، فلا خمس فيه من حيث الغوص لا لعدم الاطلاق في احاديث الباب فانه قابل للكلام، بل لما عرفت من الروايات الكثيرة الواردة في اللؤلؤة التي وجدها في بطن سمكة فتدبر.
بالنسبة الي ما يخرج منها اذا فرض تكون مثل ذلك فيها كالبحر (ذكره في الجواهر
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 43.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 192
و وافقه في العروة) و استدل عليه باطلاق الادلة بعد حمل ذكر البحر في بعض الاخبار «1» علي الغالب، ثم اجاب عن القول بانصراف الاطلاقات الي البحر خاصة لأنه المتعارف بان ذلك لعله من ندرة الوجود لا الاطلاق.
اقول: ندرة الوجود غير ثابت أيضا لا سيما بالنسبة الي الانهار العظيمة المتصلة بالبحار في مصب ورودها بالبحر، و التفصيل بينها و بين غيرها من الانهار مشكل، و لو لا ذلك امكن ان يكون ندرة الوجود سببا للانصراف كما ذكرنا في محله من ان ندرة الوجود كثيرا ما يكون سببا لندرة الاستعمال و سببا للانصراف.
و الذي يسهل الخطب في المقام انه لو فرض قصور في اطلاقات الباب، فلا قصور من ناحية الغاء الخصوصية كما عرفت مرارا.
، فهل يصح تملك هذه لهم؟ ثم هل يتعلق الخمس بها أم لا؟
قال العلامة في القواعد: «و لو انكسرت سفينة في البحر فلأهله ما اخرجه البحر و ما اخرج بالغوص لمخرجه ان تركوه بنية الاعراض».
و يظهر من مفتاح الكرامة في شرح هذا الكلام: «ان الاصحاب اختلفوا في ان المخرج يملكه او يباح له التصرف، فبعضهم ذهب الي الاول كالعلامة فيما عرفت من كلامه، و بعضهم جزم بالثاني كالشهيد الثاني و الفاضل المقداد، و المحقق الثاني رأي الاحتمال الثاني اقرب الي الاحتياط». «2»
و قال في الجواهر بعد نقل كلام المحقق (لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لأهله و ما اخرج بالغوص فهو لمخرجه) «علي الاشهر
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب
3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(2)- مفتاح الكرامة، كتاب القضاء، المجلد 10، الصفحة 135.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 193
عند الاصحاب كما في الكفاية و ان كنا لم نتحققه». «1» اي بدون قيد الاعراض.
و قال في الحدائق: «فيما يخرج بالغوص من الاموال التي عليها اثر الإسلام اشكال».
ثم ذكر الروايتين الاثنتين ثم قال: «ان ظاهر الخبرين غير خال من الاشكال لان الحكم به لمخرجه مع وجود اهله من غير ناقل شرعي مشكل». «2»
و الاولي البحث عن مقتضي القواعد في المسألة ثم التكلم عن الحديثين.
اما الاول: فان كان الكلام في موارد الاعراض اعني اعراض مالكه عنه و لو بسبب يأسه عن امكان استخراجه، فالحق جواز تملكه لما ذكرناه في محله من خروج المال بالاعراض عن الملكية، و هل مجرد اليأس ملازم للاعراض المنقول من المحقق الأردبيلي ذلك و لكن استشكل عليه في المفتاح بان الاعراض غير اليأس، و الانصاف ان اليأس في الغالب سبب للاعراض و ان كان قد ينفك منه، فالقول باتحادهما دائما مشكل لا سيما اذا كان الزمان قريبا.
________________________________________
شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 193
اما اذا لم ييأس و لم يعرض عنه طبعا، فلا يحل لأحد التصرف في ذاك المال و كان باقيا علي ملك مالكه الاصلي و لذا لو اغرق المال غير مالكه كان ضامن لبدل الحيلولة ما دام كذلك حتي يرد عينه الي صاحبه.
و لو القاه البحر الي جانبه فان كان قبل الاعراض فهو
لصاحبه بلا اشكال،
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 40، الصفحة 400.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 194
و ان كان بعده يشكل الحكم بعوده اليه ما لم يكن هناك حيازة جديدة منه و ان كان الحكم بجواز حيازته لكل احد أيضا مشكلا لا سيما اذا كان الزمان قريبا و لعله من جهة ان الاعراض كان مشروطا فتأمل، و الاحوط هنا رده الي مالكه- هذا بحسب القواعد-.
اما بحسب الاخبار، فقد رويت هنا روايتان احداهما من السكوني عن ابي عبد الله في حديث عن امير المؤمنين عليه السّلام قال: «اذا غرقت السفينة و ما فيها فاصابه الناس فما قذف به البحر علي ساحله فهو لأهله و هم احق به و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم». «1»
و الثاني عن الشعيري قال: «سئل ابو عبد الله عليه السّلام عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضها بالغوص و اخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال: اما ما اخرجه البحر فهو لأهله الله اخرجه و اما ما اخرج بالغوص فهو لهم و هم احق به». «2»
و قد ورد في بعض العبارات الشغيري بالغين المعجمة، و اختلفت كلماتهم في انهما رجل واحد و هو السكوني (اسماعيل بن ابي زياد) فله لقبان، او ان الشغيري تلميذ السكوني كما قيل، و علي كل حال لا كلام في ضعف الرواية الثانية بامية بن عمر و لجهالته، و لكن الرواية الاولي معتبرة ان قلنا بوثاقة السكوني و لكنه محل كلام و اشكال، فالركون عليها أيضا مشكل من حيث السند.
و اما من حيث الدلالة فلا يستفاد من رواية السكوني شي ء ما وراء القواعد لقوله «و تركه صاحبه»
الظاهر في الاعراض، فلو صحت اسنادها لم تدل علي
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 11 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 11 من ابواب اللقطة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 195
شي ء ازيد مما تقتضيه القاعدة.
اما الثانية فهي خالية عن هذا القيد فتدل علي الاعم من صورة الاعراض و عدمه، و لكن لا يصح الركون عليها أيضا. اما اولا: فلان احتمال وحدتهما قوية فيفسر بعضها بعضا (و لا يضر نقل احداهما عن الصادق عليه السّلام و الاخر عنه عن امير المؤمنين عليه السّلام كما لا يخفي) و ثانيا: سندها ضعيف كما مر بامية بن عمرو و ثالثا: لا يمكن الركون في مخالفة مثل هذه القاعدة المسلمة الثابتة في الكتاب و السنة و العقل و الاجماع، و هي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون رضاه، و عدم جواز اكل المال بالباطل بخبر واحد و لو فرض بلوغه حد الحجية.
و العجب من صاحب الجواهر حيث احتمل في الرواية الثانية كون جميع المال لأهله (بان يكون قوله اما ما اخرج بالغوص فهو لهم اي لملاكه لا الغواصين!) و اعتذر عن التفضيل في الجواب ب «اما» بان التفصيل انما هو في السبب «باخراج الله، و اخراج الغير» و الا فالنّتيجة واحدة كما عن بعضهم الجزم به. «1»
و الانصاف ان طرح الرواية لبعض ما ذكر سابقا اولي من حملها علي هذه المحامل البعيدة.
و في بعض كلمات الشهيد الثاني في المسالك انه يجبر ضعف سند رواية الشغيري (بعد قوله باتحاد الرجلين) بالشهرة و غيرها. «2»
فان اراد شهرة الحكم في صورة الاعراض عن المال المغروق فهو غير بعيد، و ان اراد في صورة عدم الاعراض
عنه فقد عرفت عدم ثبوته.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 40، الصفحة 400.
(2)- مسالك الافهام، المجلد 2، الصفحة 38.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 196
و لذا قال في آخر كلامه انه لا يحل اخذه بدون الاعراض مطلقا عملا بالاصل.
احدهما: انه اذا شك في الاعراض و عدمه، فان امكن احراز الحال من مضي الدهور و العصور الذي قد عرفت يكون سببا للاعراض القهري في عرف العقلاء او من طريق آخر فلا كلام، و الا فاللازم الحكم ببقائه علي ملك صاحبه فان لم يعرف صاحبه كان بحكم اللقطة و يجري عليه احكامها كما لا يخفي.
ثانيهما: انه لا خمس فيه عند جواز تملكه من باب الغوص و ان تعلق به من باب الارباح، و ذلك لان الظاهر من ادلة وجوب الخمس في الغوص او ما يخرج من البحر هو ما يتكون فيه من الجواهر و شبهه لا ما القي فيه من الخارج، و هذا هو المتبادر منها لا سيما بقرينة ما ذكر في هذه الروايات من الامثلة.
بحيث لا يمكن اخراجها الا بالغوص لا اشكال في تعلق الخمس بها، و لكن هل هو من باب خمس المعدن او الغوص حتي تظهر الثمرة في نصابهما المتفاوت، استظهر في العروة الثاني- اي الغوص- و وافقه كثير من المحشين.
و ما ذكره قوي لأنه مقتضي اطلاق روايات الغوص لعدم التفصيل بين المحال التي تعد معدنا لهذه الجواهرات و ما لا يعد، و قد عرفت سابقا انه لا يعتبر في معني المعدن ان يكون دائما تحت الارض فقد يكون فوق الارض، فاذا كانت نقطة من البحر يتكون فيها الجواهرات من اللؤلؤ
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 197
و المرجان بمقدار معتد به كان معدنا له و هو داخل في اطلاقات الغوص و هذا فرد شايع فيشمله ادلته.
ان قلت: اطلاقات المعدن أيضا كذلك اعم مما يوجد تحت الماء او في الصحراء.
قلت: الانصاف اطلاقاتها من هذه الناحية ضعيفة بل قد يدعي
انصرافها منه و لا أقلّ انه ليس فردا شايعا للمعدن بالنسبة الي ما يوجد في الصحاري و الجبال (لا سيما في تلك الازمنة) و ليس كذلك اطلاقات الغوص.
و ان شككنا و لم يكن هناك ظهور اقوي، فمقتضي القاعدة العمل بهما لعدم المنافات بينهما و ان هو الا مثل ان يقول المولي لعبده اضف كل عالم اليوم، و قال أيضا اضف كل عادل اليوم و اعطه الف درهم، فاذا انطبق العنوانان علي رجل واحد و كان عالما عادلا فلا مانع من العمل بمقتضي كل منهما في حقه بل هو واجب فاضافته واجبة بمقتضي العنوانين و اهداء الف درهم أيضا واجب بمقتضي العنوان الثاني.
و في المقام اذا كان المخرج عشرين دينارا فلا كلام في وجوب الخمس عليه لانطباق العنوانين (و الخمس يكون واحدا لظهور الادلة) و ان كان أقلّ منه و اكثر من دينار واحد فيجب عليه الخمس لانطباق عنوان الغوص عليه فتدبر جيدا.
، كما قال في المدارك:
«قد اجمع الاصحاب علي وجوب الخمس فيه» «1» و هو مروي في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس». «2»
______________________________
(1)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 377.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 198
انما الكلام في امور ثلاثة (المراد من العنبر و انه من باب الغوص، و مقدار نصابها).
الاول: العنبر ما ذا؟ اختلفت كلمات الفقهاء و ارباب اللغة في حقيقته غاية الاختلاف، و إليك نموذج منها:
1- قال في محكي القاموس: «العنبر من الطيب روث دابة بحرية … »
2- قال فيه أيضا:
«او نبع عين فيه،» حكاه الشهيد أيضا في البيان عن اهل الطب.
3- و في لسان العرب (في بعض ما ذكره في تفسيره): «هي سمكة كبيرة بحرية تتخذ من جلدها التراس و يقال للترس عنبر و في مجمع البحرين عن حياة الحيوان العنبر سمكة بحرية يتخذ من جلدها التراس و العنبر المشموم».
4- و فيه أيضا (في مجمع البحرين): «قيل انه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو علي الماء فتلقيه الريح الي الساحل و هو يقوي القلب نافع من الفالج و اللقوة و البلغم الغليظ».
5- و في التذكرة قال الشيخ: «العنبر نبات من البحر و قيل هو من عين في البحر و قيل العنبر يقذفه البحر الي جزيرة فلا يأكله شي ء إلا مات و لا ينقله طائر بمنقاره الا نصل منقاره و اذا وضع رجله فيه نصلت اظفاره و يموت». «1»
فهم بين قائل بانه مائع يخرج عن عين في البحر، و قائل بانه نبات، و قائل بانه حيوان او روث حيوان، و يمكن الجمع بين غير واحد منها بان يكون نباتا فيأكله دابة و يكون هذا روثها، او يخرج عن عين ثم يأكله السمكة فيلقيه الي غير ذلك. و لكن القدر المسلم او المشهور فيها امور: طيب، يؤخذ من سطح الماء له فوائد و منافع (اذا استعمل بمقدار لازم)، اما انه يخرج من قعر
______________________________
(1)- التذكرة، المجلد 1، الصفحة 253.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 199
البحر، او نبات، او روث حيوان فشيئ منها غير ثابت.
و في غياث اللغة: «انه نوع من الطيب يوجد في جبال هند و چين يكون من نوع من النحل يأكل النباتات الطيبة و يحمله السيل الي
البحار و يأكله بعض حيوان البحر و حيث ليس قابلا للهضم يلقيه الي الخارج و قد شوهد فيه دباب النحل». «1»
و مما يدل علي انه نوع من الموم انه يذاب بالحرارة.
هذا كله ما ذكره الفقهاء و القدماء في هذا المجال.
اما علماء العصر الجديد فلهم تحقيقات ادق في هذه المسألة، ففي المجلد الرابع من المعجم الزولوجي الحديث بالعربية في مادة العنبر ما هذا نصه:
«العنبر علي وزان جعفر اسم لنوع من الحيتان يستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر و الدهن المعروف بمن القاطوس، … و العنبر اورام تحدث في امعائه.
ثم يبترزها فتطفوا علي سطح الماء و يكون لها صنان كريه و لونها اغبر فيأخذها الصيادون و يبيعونها و قد تباع القطعة باربعة جنيهات حسب حجمها فتعالج بعد ذلك حتي تطيب رائحتها … و العنبر (اي الحوت المذكور) لا يخشي الانسان … سمي بذلك لأنه يستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر (و قد رسم صورة هذا الحوت دقيقا في الكتاب)». «2»
و قال في المعجم الفارسي المسمي ب «معين»: سمك العنبر يوجد في امعائه بسبب بعض الترشحات مادة اسود بسبب انه تأكل السمك المعروف
______________________________
(1)- حكاه في دائرة المعارف لدهخدا نقلا عن غياث اللغة.
(2)- المعجم الزولوجي الحديث، المجلد 4، الصفحة 337.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 200
بالمداد (ما هي مركب) و قد يشق و يوجد في امعائه المادة المعروفة بالعنبر.
و قد ذكر بعض الباحثون ان له نوعين نوع يطفوا الماء (لأنه خالص) و نوع يرسب في قعر البحار (لأنه مخلوط باشياء ثقيلة) و الوانه أيضا مختلفة الابيض و الازرق و الاصفر و الاخضر و الاسود و احسنها الابيض و اردئها الاسود ظاهرا».
و الأصحّ من الجمع هو ما ذكره المعجم
الذي سبق ذكره، الذي جمعه مؤلفه من منابع الشرق و الغرب طول عشرين سنة.
الثاني: هل هذا الموضوع عنوان مستقل في مسألة الخمس كما يظهر من بعض عبارات الفقهاء بل لعله ظاهر الصحيحة المذكورة حيث جعله في مقابل الغوص، او انه داخل في عنوان المعدن بناء علي خروجه من عين من قعد البحر، او قلنا ان معدن الشي ء هو محل يتكون فيه كثيرا و حيث ان العنبر يتكون في بعض مناطق البحار بكثرة سواء كان نباتا، أم روث حيوان بحري يصدق عليه عنوان المعدن.
لكن الاخير بعيد جدا و إلا كان البحر معدنا للسمك و الاجمّة معدن للشجر حيث يتكون فيه كثيرا مع انه لا يصدق المعدن عليه الا بمعني مجازي او كنائي كما لا يخفي، و خروجه عن عين في قعر البحر غير معلوم بل المعلوم خلافه كما عرفت فصدق المعدن عليه مشكل، و كذا الغوص بعد عدم حاجته الي الغوص لأنه يؤخذ عن سطح البحار.
نعم قد عرفت ان قسما منه يخرج من قعر البحار، و ذلك لاختلاطه بما يوجب رسوبه في الماء لكنه ليس من الجواهر حتي يشمله عنوان الغوص اذ لعله مختص بالاشياء الثمينة الموجودة في اعماق البحار مضافا الي التفريق بينه و بين غوص اللؤلؤ في صحيحة الحلبي حيث قال: «سألته عن العنبر و غوص اللؤلؤ» علي انه لو صدق عليه الغوص فانما صدق علي قسم منه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 201
لا علي تمام اقسامه.
فالاولي ان يقال انه عنوان مستقل، و من هنا يظهر الكلام في المقام.
الثالث: و هو انه هل يعتبر فيه النصاب؟ و لو اعتبر فيه فنصابه ما ذا؟ الذي يظهر من المدارك ان في المسألة اقوالا
ثلاثة:
1- ما ذهب اليه الاكثر و هو التفصيل بين ما اخرج بالغوص فيراعي فيه نصاب الغوص و هو دينار واحد و ما يجني من وجه الماء او الساحل كان له حكم المعدن.
2- ما يظهر من اطلاق المفيد في المسائل الغرية و هو ان نصابه عشرون دينارا كالكنز.
3- وجوب الخمس فيه مطلقا قليلا كان او كثيرا و هو ظاهر اختيار الشيخ و قواه في المدارك. «1»
و حكي في الجواهر عن السرائر دعوي الاجماع علي هذا القول «2»
و يظهر من الفقيه سيد اساتيدنا العلامة البروجردي نقل قول رابع و هو ما نسب الي كاشف الغطاء من اعتبار نصاب الغوص فيه مطلقا (اي سواء اخذ من سطح الماء او بالغوص او غير ذلك).
و الظاهر بعد ما عرفت من انه عنوان مستقل ليس من المعادن و لا من الجواهر المأخوذة بالغوص بل هو اشبه شي ء بالسمك الذي يصطاد من البحار، فاجراء حكم المعدن او الغوص عليه مشكل. اللهم الا ان يقال ان جعله في عداد غوص اللؤلؤ دليل علي انه ملحق به و الا لم يكن وجه للجمع بينهما. و الاحوط اخراج الخمس منه قليلا كان او كثيرا.
______________________________
(1)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 377.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 44.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 203
كما في المفاتيح للفيض الكاشاني- رحمه اللّه- و عليه اكثر العلماء كما في المنتهي و عليه الاجماع كما في ظاهر الغنية او صريحها علي ما حكاه عنهم في الجواهر. «1»
و قال في الحدائق القول بوجوب الخمس هنا هو المشهور و نقل عن الشيخ المفيد و ابن ابي عقيل و ابن الجنيد انهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الافراد المتقدمة كما
لم يذكروه في سابق هذا المقام (اي الارض التي اشتراها الذمي من المسلم). «2»
و قال في الغنية: «و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه و في الارض التي يبتاعها الذمي، (الخمس) بدليل الاجماع المتردد». «3»
و استدل له في الجواهر بامور:
1- الاجماع المذكور بعد شهادة التتبع له في الجملة.
2- اندراجه في عنوان الغنيمة.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 70.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 363.
(3)- الغنية التي طبعت مع الجوامع الفقهية، الصفحة 507.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 204
3- صحيحة ابن مهزيار و فيها في عداد ما يجب فيه الخمس: و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة. «1»
4- ما رواه الحسن بن زياد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «ان رجلا اتي امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين اني اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم». «2»
5- ما رواه السكوني عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اتي رجل امير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي فقال امير المؤمنين عليه السّلام تصدّق بخمس مالك فانّ الله قد رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «3»
6- ما ارسله الصدوق قال: «جاء رجل الي امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين اصبت ما لا اغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال:
ايتني خمسه فاتاه بخمسه فقال: هو لك ان الرجل اذا تاب تاب ماله معه». «4»
7- ما رواه عمار بن مروان قال: «سمعت ابا عبد الله عليه السّلام يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «5»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما جيب فيه الخمس، الحديث 5، و الخرمية هم اتباع بابك خرمدين الذي خرج من ايران و قد اباحوا كل الاشياء لأنفسهم.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(3)- نفس المصدر، الحديث 4.
(4)- نفس المصدر، الحديث 3.
(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 205
و لكن العمدة من بينها هي الروايات الاربعة الاخيرة، فان الاستناد في مثل هذه المسألة بعد وجود هذه المدارك الي الاجماع كما تري كما ان اندراج المسألة في عنوان الغنيمة غير واف باثبات المقصود، فان الغرض اثبات وجوب الخمس فيه بعنوان مستقل لا بهذا العنوان، مضافا الي ان صدق الغنيمة علي الحرام لا يفي له و علي الحلال الموجود فيه كذلك، لأنه ربما يكون من مال مخمّس او ما لا يتعلق به الخمس كالميراث و شبهه.
و اما الثالث (صحيحة علي بن مهزيار) فهو أيضا خارج عن المقصود، فان المال الذي لا يعرف له صاحب ليس من المخلوط، و كذا اموال الخرمية بعد كونهم كفارا يجوز اخذ اموالهم و هو مثل سائر الغنائم، فهل الغنائم المأخوذة من الكفار داخل تحت عنوان الاموال المختلطة بالحرام؟
و الاشكال في اسناد هذه الروايات الاربعة لو تم لا يضر
بالمقصود بعد تضافرها و عمل المشهور بها و كذا الاشكال بان المذكور في رواية السكوني هو وجوب التصدق بالخمس أيضا غير ضائر في هذا المقام (اعني اثبات الحكم علي اجماله)، و سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
هذا و يستدل أيضا بما رواه ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «الخمس علي خمسة اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة» و نسي ابن ابي عمير الخامس «1» بضميمة ما ذكره الصدوق في الخصال قال:
«اظن الخامس الذي نسيه ابن ابي عمير ما لا يرثه الرجل و هو ان يعلم ان فيه من الحلال و الحرام و لا يعرف اصحاب الحرام فيؤديه اليهم و لا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه فيخرج من الخمس». «2»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
(2)- الخصال، المجلد 1، الصفحة 140.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 206
اقول: و لكن هذا الظن لا يغني من الحق و لا يمكن الركون عليه بمجرده بل يشكل اخراجه بعنوان مؤيد في المسألة بعد احتمال كون الخامس «الملاحة» الواردة صريحا في مرسلة حماد «1» و مرسلته الاخري في نفس الباب، «2» و الظاهر انهما رواية واحدة، و لا أقلّ انه يساوي هذا الاحتمال لما ذكره الصدوق- رحمه الله- الموافق احتمالا لما رواه عمار بن مروان (6/ 3).
و كذا قد يستدل له بما رواه عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، الا ان لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة فان فعل فصار في يده
شي ء فليبعث بخمسه الي اهل البيت». «3»
فانه يحتمل ان يكون من قبيل ارباح المكاسب، و المنع انما هو من جهة الدخول في عمل السلطان و الا فحلية امواله قد ثبتت في بحث جوائز السلطان بعد كون امواله من قبيل المخلوط الذي ليس تمام اطراف العلم محلا لابتلائه حتي يجري عليه آثار العلم الإجمالي.
و مثله الكلام في ما رواه الحلبي عن ابي عبد الله (8/ 2) «في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال: يؤدي خمسا و يطيب له» و الظاهر ان الخمس فيها خمس الغنائم التي تكون باذن الامام عليه السّلام و لا دخل له بمسألة المخلوط بالحرام.
و بالجملة المسألة اوضح من تحتاج الي هذه الاستدلالات الضعيفة.
***
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(2)- نفس المصدر، الحديث 9.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 207
كما ذكره في المدارك و مستند الشيعة بل و اشار اليه في الحدائق اجمالا، و حاصلها انه تارة: يكون مع الجهل بمقدار الحرام و صاحبه.
و اخري: يعلم المقدار و لا يعلم المالك.
و ثالثة: يكون بالعكس يعلم المالك و لا يعلم المقدار.
و اربعة: يعلم كليهما.
و من الواضح ان الاخبار و ان كانت مطلقة و لكنها لا يشمل القسم الاخير قطعا بعد انصرافها من هذه الصورة، و وضوح القواعد، و لزوم رد المال الي مالكه عند معرفته، و حرمة اكل المال بالباطل.
و اما الصورة الاولي فهي القدر المتيقن من هذه الاخبار، و كان الشارع المقدس اجاز بمصالحة المال الحرام بهذا المقدار لتطهير امواله.
تبقي الصورتان الثانية و الثالثة، اما الثانية فالمعروف
و المشهور بل قد يدعي الاتفاق عليه التصدق بمقدار الحرام عن مالكه بعد اليأس عن وجدانه، و عن علامة و جماعة- قدس سرهم- وجوب التخميس اولا ثم التصدق بالزائد، و عن صاحب الحدائق القول بالتخميس فقط، فالمسألة ذات اقوال ثلاثة.
اما الذي يدل علي مذهب المشهور، اي التصدق بمقدار الحرام اي مقدار كان هو روايات عديدة واردة في مجهول المال تشمل باطلاقها محل الكلام:
1- منها ما ورد في ابواب اللقطة من مصححة يونس بن عبد الرحمن قال:
«سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر الي ان قال فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 208
متاعه معنا فاي شي ء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة.
قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه. قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية». «1»
و لا يخفي ان الحديث ورد في المال المتميز المجهول مالكه، و الكلام في غير المتميز منه بحيث اختلط مع سائر الاموال لكن لا يبعد الغاء الخصوصية العرفية.
2- ما رواه نصر بن حبيب صاحب الخان قال: «كتبت الي العبد الصالح عليه السّلام لقد وقعت عندي مأتا درهم و اربعة دراهم و انا صاحب فندق و مات صاحبها و لم اعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما اصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: اعمل فيها و اخرجها صدقة قليلا قليلا حتي يخرج». «2»
و لا يخفي ان هذا الحديث كسابقه وارد في المال المتميز، و اما امره عليه
السّلام بالتصدق التدريجي فلعلّه للتوسعة عليه.
3- ما رواه علي بن ابي حمزة قال: «كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي: استأذن لي علي ابي عبد الله عليه السّلام فاستأذنت له عليه فاذن له فلما ان دخل سلم و جلس ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فاصبت من ديناهم ما لا كثيرا و اغمضت في مطالبه فقال ابو عبد الله عليه السّلام: لو لا ان بني امية وجد و الهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا … قال فقال الفتي جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ … قال له: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به و انا اضمن لك علي الله عز و جل
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 2.
(2)- نفس المصدر، الباب 6 من ميراث الخنثي، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 209
الجنة، الحديث». «1»
و لا يضر ضعف اسناد بعضها بعد قوة اسناد بعضها علي الظاهر، و عمل الاصحاب بها، و نقلها في الكتب المعتبرة الي غير ذلك من المؤيدات.
و قد اشار المحقق الهمداني في تأييد هذه الروايات الي الاخبار الكثيرة الواردة في التصدق ببعض مصاديق مجهول المالك مثل ما رواه حفص بن غياث قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن رجل من المسلمين او دعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يردّ عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها
حولا فان اصاب صاحبها ردّها عليه و الّا تصدّق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر و الغرم، الحديث». «2»
و امتياز هذه الرواية انها و ان وردت في بعض كتب الحديث في احكام اللقطة لكنها ليست من اللقطة، و اما الامر بالتصدق في خصوص مورد اللقطة (و لو كان بعنوان احد افراد التخيير في الواقع) كثير و ان شئت فراجع الروايات 2 و 7 و 14 من الباب 2 من ابواب اللقطة.
و يؤيده أيضا ما ورد في بيع تراب الصياغة و التصدق بثمنه، مثل ما رواه علي بن ميمون الصائغ قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عما يكنس من التراب فابيعه فما اصنع به؟ قال: تصدّق به فإمّا لك و اما لأهله قال: قلت فان فيه ذهبا و فضة و حديدا فبايّ شي ء ابيعه؟ قال: بعه بطعام. قلت: فان كان لي قرابة محتاج اعطيه منه؟ قال: نعم». «3» و ما رواه علي الصائغ قال: «سألته
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 47 من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 18 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 210
عن تراب الصواغين و انا نبيعه قال: اما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال:
قلت اذا اخبرته اتهمني. قال: بعه. قلت: باي شي ء نبيعه؟ قال: بطعام.
قلت: فايّ شي ء اصنع به؟ قال: تصدق به امّا لك و امّا لأهله. قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا اصله؟ قال: نعم». «1»
نعم قد يورد علي جميع ذلك تارة بما اشار اليه في الحدائق من ان روايات الصدقة وردت في
المال المتميز من غيره، و هذا غير ما نحن فيه مما اختلط الحلال بالحرام.
و اخري بما ورد في صحيحة ابن مهزيار في خمس الغنائم و الفوائد حيث جوز تملك مال يعرف صاحبه مع اداء خمسه، و لازمه عدم وجوب التصدق بل يكفي الخمس فيه.
هذا و لكن يمكن الجواب عن الاول اولا: بانه اي فرق بين المتميز و غيره بعد حصول الشركة فيه (لا سيما في مثل الدراهم و الدنانير) و معلومية حقه من المشاع، فالغاء الخصوصية القطعية العرفية هنا مما لا غبار عليه.
ثانيا: ان الذي يقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع هو كون التصدق من قبل مالكه نوع ايصال اليه فانه و ان لم يصل اليه بنفسه لكنه وصل اليه بثوابه، و من الواضح ان هذا المعني لا يتفاوت فيه الحال بين كون المال مفروزا او مشاعا.
و ثالثا: انا لو سلمنا عدم دخول المقام في روايات التصدق فلا نشك في عدم دخوله في روايات الخمس اذا كان المقدار أقلّ منه بكثير او اكثر منه اضعاف مضاعفة فكيف يمكن الزام الخمس علي من يعلم ان سهم الغير من ماله المشاع عشر او نصف العشر، و كذلك كيف يمكن الاكتفاء بمقدار
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 211
الخمس مع العلم بان نصف المال او اربعة اخماسه للغير، فانصراف روايات تخميس المال المخلوط بالحرام عما نحن بصدده واضح لا ريب فيه.
و اما الثاني اعني صحيحة ابن مهزيار لعلها اشارة الي اللقطة فقوله يؤخذ بمعني اخذه لقطة بقرينة قوله «و لا يعرف له صاحب» فالخمس فيه خمس الارباح بقرينة ما قبله و ما بعده (و قد ذكرنا
في محله انه يجوز تملك اللقطة كما نطقت به كثير من الاخبار) هذا اولا.
و ثانيا ان لازم ذلك اداء خمس خصوص مجهول المالك لا خمس جميع المال و هذا اجنبي عما نحن بصدده.
الحاصل: ان مذهب المشهور هو المنصور، اما القول بوجوب دفع مقدار الخمس خمسا و الباقي صدقة فكأنه نشأ عن الجمع بين روايات الخمس و الصدقة، و لكنه جمع تبرعي في غاية البعد لا يشهد له شاهد و لا تدل عليه قرينة.
و قد يتراءي من بعض كلمات المحقق الهمداني في مصباح الفقيه قول رابع في المسألة و هو وجوب اداء المقدار المعلوم كونه للغير خمسا (اي ادائه الي ارباب الخمس لا في مصرف الصدقة) «1» و هو اضعف الاقوال، و كان الوجه فيه جمع تبرعي آخر بين اخبار وجوب التصدق و اخبار الخمس فيؤخذ في المقدار بالاول و في المصرف بالثاني، و من الواضح ان امثال هذا الجمع مما لا يوزن بشي ء في ميزان الفقه و الفقهاء.
*** و اما الصورة الثالثه و هي ما كان المالك فيه معلوما و مقدار الحرام
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 138 و ما بعده.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 212
مجهولا ففيه وجوه و اقوال:
1- الاقتصار علي القدر المتيقن (كما اذا علم بان سدس المال للغير قطعا فيعطيه) فقط.
2- اعطاء اكثر ما يحتمله حتي يعلم بالبراءة (كما اذا علم بانه لا يملك الغير اكثر من النصف).
3- اعطاء الاقل، و فيما بينه و بين الاكثر يرجع الي القرعة او قاعدة العدل و الانصاف فينصف (ففي المثال السابق يعطيه سدسا بعنوان القدر المتيقن ثم يقرع علي السدسين او يقال بالتنصيف بينهما).
4- يرجع في التفاوت الي الصلح اجبارا كما حكي عن
كاشف الغطاء انه لو عرف المالك دون المقدار وجب صلح الاجبار (حكاه في مصباح الفقيه ص 137 و ما بعده).
5- يدفع الخمس فقط لصاحب المال و كأنه مصالحة شرعية للمقدار المجهول بهذا المقدار، حكي هذا القول عن التذكرة.
وجه الاول: هو الاخذ بقاعدة اليد فان المفروض كون المجموع في يده و مقتضاها كون جميعه ملكا له الا ما خرج قطعا، و لا معني هنا للأخذ بالبراءة كما في بعض كلمات الاعلام لا البراءة التكليفية و لا بالنسبة الي الحكم الوضعي لان الاصل في الاموال المملوكة عدم جواز التصرف فيها الا ما ثبت كونه له، و براءة الذمة هنا لا معني لها بعد كون الكلام في المال الخارجي.
وجه الثاني: الرجوع الي قاعدة الاشتغال و اصالة عدم جواز التصرف لسقوط اليد عن الحجية بعد كونها عادية، لشيوع الحرام في مجموعه.
و وجه الثالث: ان مقدار التفاوت مال مردد بين شخصين و لا دليل علي ملكية احدهما بالخصوص فسبيله سبيل غيره من الاموال المردد اما التنصيف لقاعدة العدل و الانصاف المتبعة في هذه الموارد او القرعة (و هي بعيدة بعد
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 213
وجود القاعدة المذكورة فانها لكل امر مجهول).
و وجه الرابع: ان القرعة لا يجري هنا لعدم شمول ادلتها له و كذا التنصيف ليس طريقا ثابتا و مقدار التفاوت مال مشكوك بينهما، فلا محيص الا عن الصلح لعدم اليقين علي جواز التصرف لأحدهما الا بذلك.
و وجه الخامس: ما اورده في مصباح الفقيه حيث قال: «كان مستنده دعوي دلالة الاخبار المزبورة الواردة في مجهول المالك علي ان الخمس تحديد شرعي لمقدار الحرام الممتزج الذي لا يعرف مقداره، و لا فرق بين كون المالك مجهولا او
معلوما».
و العمدة في المقام هو مسألة جريان قاعدة اليد و عدمه بالنسبة الي مقدار المشكوك (و نفرض الكلام فعلا فيما اذا لزم من الامتزاج الشركة و الاشاعة و دار الامر بين الاقل و الاكثر و يأتي حكم غيره فيما بعد ان شاء اللّه).
فلو جرت القاعدة لا تصل النوبة الي القرعة و التنصيف و المصالحة و شبهها، و الا اشكل الامر، و الانصاف انه لا ينبغي الاشكال في جريان القاعدة هنا، نعم قد يورد عليها من ناحية كونها عادية بالنسبة الي المجموع لشيوع الحرام في المجموع (كما ذكره في مصباح الفقيه).
و فيه اولا: انه قد يكون الامتزاج بالحرام من دون تقصير منه لان محل الكلام عام (فهذا الاشكال و الايراد اخص من المدعي). و ثانيا: انما هي عادية بالنسبة الي مال الغير لا المجموع، و كيف يمكن ان يقال ان يد الانسان علي ماله الموجود في الخارج عادية، و مجرد كون اليد عادية في مقدر منه لا يمنع عن حجيتها في المشكوك بعد اطلاق ادلتها، نعم قد اشكلنا علي حجية يد السارق و شبهه ممن يغلب علي امواله الحرام فليست حجة لا بالنسبة اليه و نفسه لا بالنسبة الي غيره، و يمكن اخراجه عن حكم المسألة.
و هنا اشكال آخر علي قاعدة اليد ذكره المحقق الخوانساري في جامع
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 214
المدارك و حاصله: ان امارية يد الانسان بالنسبة الي نفسه مطلقا محل اشكال لبعض الاخبار و هو ما رواه جميل بن صالح قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:
رجل وجد في منزله دينارا. قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير. قال:
هذا لقطة. قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا. قال: يدخل احد
يده في صندوقه غيره او يضع فيه شيئا؟ قلت: لا. قال: فهو له». «1» (و الرواية صحيحة ظاهرا لان جميل بن صالح وثقه غير واحد من اكابر الرجال و باقي السند معلوم الحال). و يحتمل ان يكون يده كيد من وجد في بيته الذي يدخل فيه غيره دينارا و الاجماع علي امارية اليد مطلقا غير محقق.» «2»
و الانصاف ضعف هذا الاشكال أيضا لان الرواية غير ناظرة الي ما نحن بصدده و ليس مضمونها شيئا تعبد يا مخالفا للقواعد العقلائية، فان حجية اليد عندهم انما هي في غير من يكون منزله محلا لو رود افراد مختلفة لا ما كان محلا لو رود نفسه غالبا و ان كان يأتيه بعض الضيوف احيانا و ما نحن فيه من القسم الاخير، و اليد في القسم الاخير حجة.
و الحاصل: ان حجية اليد ليست امرا تعبديا مأخوذا من الشارع بل امر دارت عليه سيرة العقلاء و امضاها الشارع المقدس و الظاهر شمولها للمقام، و لا فرق في حجية اليد بالنسبة الي صاحبها و غيرها الا اذا كان صاحبها مقصرا في ضبط مقدار حق الغير و لا يبعد ان يكون الاحتمال حينئذ منجزا في حقه و وجوب تحصيل العلم بالبراءة لهذا التقصير.
فالاقوي وجوب اداء الاقل، فلا تصل النوبة الي وجوب الاحتياط و الرجوع الي قاعدة الاشتغال، او الرجوع الي القرعة و قاعدة التنصيف
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
(2)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 126.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 215
و المصالحة الاجبارية كما لا يخفي.
و اما الرجوع الي عموم رواية الخمس في المقام بعيد جدا، لان موردها خصوص مجهول المالك و قياس غيره
عليه مما لا يوافق مباني الاصحاب.
ان مصرف هذا الخمس هل هو مصرف ساير موارده او لا؟
قال المحقق النراقي في المستند: «قال جمهور من اوجبه ان مصرف هذا الخمس مصرف ساير الاخماس و نسبه في البيان الي ظاهر الاصحاب». «1»
و قال في جامع المقاصد: «و مصرفه مصرف الخمس عملا بحقيقة اللفظ و في الزيادة تردد». «2» كأنه (ره) رأي ان الخمس صار حقيقة شرعية فيما يدفع الي الامام عليه السّلام و السادة.
و في الحدائق نسبه الي جمهور الاصحاب، و في رسالة شيخنا الاعظم نسبه الي المشهور (حكاهما في المستمسك) و لكن حكي عن جماعة من متأخري المتأخرين كون مصرفه الفقراء و اختاره سيدنا الاستاذ البروجردي كما يظهر من بعض محاضراته. «3»
و العمدة ان الخمس هنا هل هو منصرف الي الخمس المصطلح المعروف في هذه الابواب او المراد معناه اللغوي اي خمس مجموع المال الذي يقابل الربع و الثلث فلا مانع من كون مصرفه مصرف مجهول المالك.
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.
(2)- جامع المقاصد، المجلد 3، الصفحة 53 الطبعة الحديثة.
(3)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 69.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 216
و الذي يؤيد الاول او يدل عليه عده في عداد ساير موارد الخمس في ما رواه عمار بن مروان حيث قال: «سمعت ابا عبد الله عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «1» انتهي لكن اختلفوا في وثاقة عمار بن مروان و الظاهر انه غير موثق و كذا رواية ابن ابي عمير لو قلنا بان المنسي هو المال المختلط بالحرام فراجع. «2»
فوحدة السياق
دليل علي المطلوب، و يدل عليه أيضا ما رواه «عمار» عن ابي عبد الله عليه السّلام حيث قال: «فليبعث بخمسه الي اهل البيت». «3»
لكن قد عرفت انه ليس من المال المخلوط بالحرام، لان الدخول في عمل السلطان لو كان حراما حرمت اجرته كله و ان كان حلالا حلت اجرته كله، فان العمل حلال علي الفرض و ما يعطيه انما يعطيه من بيت المال و لا يقصر عن جوائز السلطان التي تثبت حليتها.
يدل عليه أيضا قوله «ايتني خمسه» في مرسلة الصدوق «4» لكن ذيله لا يخلو عن غموض.
هذا كله مضافا الي ظهور لفظ الخمس في استعمالات الشارع في ذلك
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(2)- عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله (ع) قال: «الخمس علي خمسة اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة». و نسي ابن ابي عمير الخامس (الحديث 7، الباب 3 من ما يجب فيه الخمس) قال الصدوق (ره) في الخصال (المجلد 1، الصفحة 140): «اظن الخامس الذي نسيه ابن ابي عمير مالا يرثه الرجل و هو ان يعلم ان فيه من الحلال و الحرام و لا يعرف اصحاب الحرام فيؤديه اليهم و لا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه فيخرج منه الخمس».
انتهي و لكن الظن لا يغني من الحق شيئا.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 217
(فهذه دلائل ثلاثة).
و لكن يدل علي الثاني أيضا امور:
1- قوله تصدق بخمس مالك فان الله قد
رضي من الاشياء بالخمس «1» لظهور الصدقة في غير الخمس و ما قد يقال انه يطلق الصدقة علي الخمس أيضا لو فرض ثبوته لا شك في كونه نادرا بالنسبة الي غيره، و لكن رويت هذه الرواية بعينها في الفقيه من دون ذكر عنوان الصدقة و فيها: « … فقال علي عليه السّلام: اخرج خمس مالك فان الله عز و جل قد رضي من الاشياء بالخمس» «2» فلا يصح الركون الي ظهور اللفظ لاختلاف النسخ علي ان صحة سند الرواية محل كلام.
2- الخمس المعهود انما هو في الغنائم و الفوائد، و من الواضح عدم كون المقام مصداقا له فقد يكون مقدار الحرام في الواقع أقلّ من الخمس فلا يكون مصداقا للفائدة، و رفع المنع عن اصل ماله بالخمس لا يكون سببا لصدق الغنيمة و الفائدة الا بالتسامح و المجاز و الا فالمال هو ماله السابق من دون اضافة و تنمية.
3- المعروف في حكم مجهول المالك و المرتكز متشرعيا هو الصدقة، و السر فيه انه نوع ايصال له الي مالكه كما عرفت آنفا و قد نطقت به كثير من الاخبار بل ظاهرها انه لو ظفر بمالكه و لم يقبل الاجر در اليه ماله و من البعيد جدا ان يحكم الشارع في المقام مع انه من قبيل مجهول المالك مصرفا آخر من المصارف، و مجرد الفرق بين المقامين من وضوح المقدار في اخبار المجهول المالك و عدم وضوحه هنا لا اثر له ظاهرا، و ان شئت قلت: الذي
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 4.
(2)- من لا يحضر الفقيه، المجلد 3، باب الدين و القرض، الحديث 35.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 218
يستفاد من ادلة الخمس هنا تعيين
المقدار المجهول في مقدار الخمس، و اما مصرفه فهو علي وزان سائر المقامات في مجهول المالك.
*** نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك للإمام عليه السّلام و الصدقة انما هو باذنه، فلو ثبت هذا امكن التصالح بين القولين و رفع التعارض بين روايات الباب و ادلة الطرفين، فان التصدق أيضا يكون بامره فيكون من قبيل الخمس المصطلح الذي يكون امره بيده حتي امر سهم بني هاشم لأنه بنفسه منهم بل رئيس بني هاشم.
ففي رواية داود بن ابي يزيد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي و لو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه قال فقال لي ابو عبد الله عليه السّلام: و الله ان لو اصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اي و الله. قال: فانا و الله ماله صاحب غيري. قال: فاستحلفه ان يدفعه الي من يأمره. قال: فحلف: فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الامن مما خفت منه. قال: فقسمته بين اخواني». «1»
و لكن سندها لا يخلو عن اشكال لاشتراك موسي بن عمر بين ابن بزيع الثقة و ابن يزيد المجهول، «2» و قد تصدي بعض الاعلام في مستند العروة لحل هذه المشكلة من طريق وقوع ابن يزيد في اسناد كامل الزيارات، بناء منه علي ان من وقع في اسناده كان ثقة و ان سمعنا رجوعه دام علاه عنه اخيرا، و لكن يشكل الاعتماد علي سندها و الحال هذه.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 1.
(2)- و لم يذكر في جامع الروايات غير هما الا موسي بن عمر الحصيني الذي هو من اصحاب الهادي
(ع) و لا يحتمل انطباق محل الكلام عليه.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 219
و قد يستدل أيضا بما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن ابي الحسن عليه السّلام: «في رجل كان في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال، قال ما اعرفك لمن هو يعني نفسه». «1»
و لكن الحديث مضافا الي ضعف سنده بعباد بن سليمان لجهالة حاله يحتمل معنيين: احدهما- حمله علي مجهول المالك بان يكون له وارث لا يعرف (و لو بحكم الاستصحاب) ثانيهما- حمله علي من لا وارث له، و من المعلوم انه ملك الامام و لا ربط له بمجهول المالك، و لا يبعد ترجيح الاخير لان المراد ممن لا وارث له، هو من لا يعرف له وارث لا من علم بعدم الوارث له، لان احراز ذلك مشكل جدا لا سيما في الغرباء و العبيد الذين اشير اليهم في روايات الباب. «2»
و مما يشهد علي عدم كون مجهول المالك او اللقطة للإمام عليه السّلام ظاهرا انه لو وجد صاحبه و لم يرض بالصدقة كان الواجب تداركه، فلو كان ملكا للإمام عليه السّلام و كان التصدق باذنه لم يكن وجه وجيه للضمان. فهذا التصالح أيضا لا يمكن الاعتماد عليه و الاحوط صرفه في مصرف ينطبق عليه مصرف الصدقه و الخمس و هو فقراء السادة لأنهم مصرف الامرين معا.
ان قلت: كيف تجوز الصدقة عليهم و المعروف ان الصدقة علي آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم محرمة.
قلت: الحرام هو الصدقة الواجبة بعنوانها الاولي كالزكاة، اما الكفارات الواجبة التي لا يصدق عليها عنوان الصدقه و كذا الصدقات المستحبة فهي غير محرمة عليهم، و
في مجهول المال و ان كانت واجبة و لكنها بعنوان ثانوي و الا
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 6 من ميراث الخنثي، الحديث 12.
(2)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب الولاء من الميراث.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 220
فهو بعنوانها الاولي مستحب، و هذا من قبيل المال الذي اوصي به المالك ان يجعل صدقة في سبيل الله او نذره كذلك.
و ان شئت قلت: الذي تعطي الصدقة من قبله و هو المالك لا تجب عليه هذه الصدقة بل تستحب في حقه، و قد تعرضنا لذلك في ابواب اوصاف المستحقين للزكاة ذيل كلام صاحب العروة «1» و ليس المقام، مقام بسط الكلام فيه.
1- هل يجب ان تكون الصدقه باذن الحاكم الشرعي؟ ظاهر اطلاق روايات الباب عدم الحاجة اليه. اللهم الا ان يقال: امر الامام عليه السّلام بالصدقة بنفسه مصداق الاذن، و حينئذ لو كان الواجب الاستيذان من الامام الحي او نائبه، يشكل الاخذ بالاطلاقات المذكورة بعد عدم صدورها عن الحجة الثاني عشر و كونها ناظرة الي الازمنة السابقة.
و ان قلنا: ان مجهول المالك للإمام نفسه كما مر في بعض الروايات السابقة كان وجوب استيذانه اظهر، لكن قد عرفت الاشكال في اسنادها، و هناك طريق آخر للقول بوجوب استيذانه و هو انه بما ان الامام ولي الغائب فهو ولي المالك المجهول فلا بد من استيذانه.
فالاحوط لو لا الاقوي وجوب الاستيذان في جميع هذه المقامات مما يتصدق فيها مجهول المالك و الله العالم.
2- هل يجوز صرفها في غير اهل الاستحقاق من فقراء المؤمنين، من
______________________________
(1)- راجع المسألة 21 من باب اوصاف المستحقين للزكاة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 221
ساير مصارف
الخير و ما ينتفع به المسلمون من بناء المستشفيات و المدارس و القناطر و المعامل او لا؟ يجري علي السنة بعض المعاصرين جواز صرفه في المصارف الثّمانية المذكورة في الاية الشريفة، و لكن لم يقم علي مدعاه دليلا ما عدا احتمال كون المراد بالتصدق مفهوما عاما يشملها جميعا و ان كان في عرفنا ظاهرا في مفهوم خاص.
و انت خبير بانه دعوي بغير بينة و لا برهان بل المتبادر من عنوان الصدقة هو مفهومه الخاص و مقتضي اصالة عدم النقل كونه كذلك في عرف الشارع أيضا، و لو شك في ذلك فمقتضي قاعدة الاشتغال عدم جواز صرفه عي غير المصرف الخاص.
نعم لو كان ملكا للإمام عليه السّلام امكن احراز رضاه عليه السّلام بالصرف في جميع ذلك، و لكن اني لنا باثباته و قد عرفت الاشكال في ما ذكره بعضهم في ذلك.
: تارة يكون بالاشاعة كما اذا اختلط جنس واحد بعضها ببعض بحيث لا يتميز بينهما كاختلاط الحنطة بالحنطة او الدراهم بالدراهم، او اختلاط جنسين بحيث لا يمكن تمييزهما كاختلاط دقيق الحنطة بدقيق الشعير، و اختلاط دهن اللوز بالجوز، فان ذلك كله يوجب الشركة و الاشاعة القهرية.
و قد ذكر المحقق اليزدي الشركة اربعة اقسام: «فانها اما قهرية او اختيارية و كل منهما اما واقعية او ظاهرية».
فالواقعية القهرية مثل الشركة في مال الارث.
و الواقعية الاختيارية كما اذا احيا شخصان ارضا مواتا بالاشتراك.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 222
و الظاهرية القهرية كما اذا امتزج مالهما من دون اختيارهما بحيث لا يتميز.
و الظاهرية الاختيارية كما اذا مزجا باختيارهما من دون قصد الشركة.
و لكن ذكرنا في محله ان للشركة نوعين فقط اختيارية و قهرية، و ان جميع
ما ذكر من الشركة الظاهرية عندنا واقعية، فاذا امتزج المالان بحيث لا يتميز احدهما من الاخر حصلت الشركة واقعا عند العرف و العقلاء و يبطل حكم الاجزاء الواقعية سواء كان ذلك باختيارهما او حصل قهرا، و الملكية امر اعتباري تابع لنحو اعتباره في العرف و سيرة العقلاء و امضاء الشارع و تمام الكلام في محله.
هذا كله في الاختلاط الذي يوجب الشركة، و قد يكون الاختلاط بغير الشركة كاختلاط الكتب من انواع مختلفة بعضها ببعض لا يدري ايّ واحد ملكه و ايّ واحد ملك غيره، او اختلاط انواع مختلفة من متاع البيت اكتسب بعضها من حرام و بعضها من حلال و اختلطا بحيث لا يعلم الحلال من الحرام.
و الظاهر ان اطلاقات روايات الخمس يشملها جميعا من دون اي فرق بينها اذا لم يعلم المقدار و المالك كما هو ظاهر، نعم يكون الفرق بينهما في الفرض الذي يعلم المالك و لا يعلم المقدار الذي قد عرفت ان الواجب فيه التصدق لا الخمس الي اربابه، و قد عرفت ان الواجب عليه انما هو القدر المتيقن من الحرام و اما بالنسبة الي الزائد فتجري فيه قاعدة اليد الدالة علي الملك، و لكن هذا انما يجري في فرض الاشاعة فانها التي يمكن الاخذ فيها بالقدر المتيقن.
اما اذا كان من القسم الثاني الذي لا يوجب الشركة كاختلاط الكتب او الالبسة المختلفة فقاعدة اليد في كل منهما معارضة بالاخر فتتساقطان، فهو
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 223
من قبيل المال المجهول مالكه الذي دار امره بين رجلين و ليس في يد واحد منهما، و من الواضح انه لا يمكن الاستناد الي قاعدة اليد هنا فطريق حل المشكل اما المصالحة و
الا فالقرعة او التقسيم من حيث القيمة بحسب قاعدة العدل و الانصاف و لا يترك الاحتياط بالمصالحة فانها الاحوط في مقام الافتاء و لو اصر احدهما علي عدمها فلا يبعد ان تكون القرعة هنا اولي من غيرها لعدم وضوح قاعدة العدل هنا فتأمل.
و من هنا يظهر الحال فيما اذا كان الاختلاط بنحو يقتضي الشركة، و لكن لم يكن في يد واحد منهما بل في يد ثالث يكون وكيلا من كل منهما مثلا فالاولي هناك أيضا هو المصالحة، و لكن اجراء قاعدة العدل و الانصاف بالنسبة الي المقدار المشكوك هنا قوي، مثلا: نعلم بان ثلث المال لهذا و ثلثه للاخر و لكن نشك في الثلث الاخير و المفروض عدم كونه في يد واحد منهما بالخصوص حتي يستند الي قاعدة اليد.
و لكن قد يعلم اجمالا بان مقدار الحرام اكثر من الخمس مثلا انه ليس أقلّ من الثلث، كما انه قد يعلم اجمالا بانه أقلّ منه مثلا يعلم بانه لا يكون اكثر من العشر فهل الحكم المذكور يشمل هاتين الصورتين؟
فالذي يظهر من عبارة العروة شمول الحكم للجميع و خالفه اكثر المحشين فيما رأيناه.
و العمدة هنا ان الاطلاقات هل هي منصرفة عن هاتين الصورتين فيعمل فيهما بالقواعد، او شاملة لها و التحليل بالخمس حكم تعبدي من ناحية
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 224
الشارع كما قد يستظهر من ما رواه السكوني عن ابي عبد الله عليه السّلام و فيها قال امير المؤمنين عليه السّلام: «تصدق بخمس مالك فان الله رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «1» و مثله رواية الحسن بن زياد. «2»
و الانصاف ان الاطلاقات منصرفة عن مثل هاتين الصورتين، لان المرتكز
في اذهان اهل الشرع انه لا يحل مال امر مسلم الا عن طيب نفسه، و لا يخرج من هذا تعبدا الا بدليل قوي جدا لا مثل الاستظهار السابق الذي صرح في الجواهر بان ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عينا و قدرا.
بل اضاف هو قدس الله نفسه الزكية: «انه لو اكتفي باخراج الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه اذا فرض زيادته عليه كما انه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخاص له». «3» و ان لم يكن الامر في الشدة علي ما ذكره، لأنه لو كان هناك دليل قوي متين امكن تخصيص العمومات الواردة في الشرع بها تعبدا بامر مالك الملوك، و لكن اني لنا باثباته.
هذا و لازم ما عرفت عدم صرفه في مصارف الخمس بل في مصارف الصدقة لخروج المورد عن عمومات الخمس لما مر ذكره، و لكن يبقي هنا اشكال و هو ان العلم الإجمالي حاصل دائما بمقدار قد يزيد عن الخمس و قد ينقص عنه، فلو شك في ذلك يسئل عن درهم واحد من الحرام الذي هو مقطوع به مثلا فيزيد حتي يقف و لا يعلم بالازيد، و علي هذا لا يبقي مورد لاخبار الخمس.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(2)- راجع نفس المصدر، الحديث 1.
(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 74.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 225
قلت: ليس الامر كذلك فان العلم الإجمالي غير حاصل لغالب الناس في موارد الاختلاط بالحرام و ان فرض حصوله للخواص من طريق التفكر و التدبر في الموضوع مرة بعد اخري، بل بالنسبة الي الخواص أيضا قد يحتاج الي
فحص كثير جدا في جوانب الموضوع، فعلي هذا يبقي لاخبار الباب مصاديق كثيرة.
ثم ان المحقق اليزدي بعد ما افتي بكفاية الخمس و لو مع العلم الإجمالي قال: «و الاحوط مع اخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضا بما يرتفع به يقين الشغل و اجراء حكم مجهول المالك عليه» و كان اللازم ان يقول الاحوط هو الاخذ بما يعلمه اجمالا و احوط منه اخراج المقدار الذي يعلم معه بالبراءة (اي الحد الاكثر الذي يحتمله) و اما المصالحة مع الحاكم الشرعي فلا وجه لها بعد العلم الإجمالي بمقدار خاص فتدبر. «1»
، فلا ينبغي الشك في خروجه عن عمومات الخمس، و عدم كفاية اخراج الخمس الي اربابه في طهارة المال بعد كون مالكه معلوما اجمالا كالاثنين و الثلاثة و شبه ذلك، انما الكلام في انه كيف يمكن له التخلص عن الحرام، بالمصالحة او القرعة او القسمة او الاحتياط باعطاء هذا المقدار الي كل واحد منهم عملا بالاحتياط.
قال المحقق النراقي في المستند: «و لو علم المالك اجمالا … و كانوا
______________________________
(1)- الا اذا قلنا بالمصالحة مع الحاكم الشرعي في الزائد علي القدر المعلوم بالاجمال احتياطا استحبابيا.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 226
محصورين ففي وجوب تحصيل البراءة اليقينية بصلح، او غيره و لو بدفع امثال المال الي الجميع، او كونه مجهول المالك، او الرجوع الي القرعة، اقوال اجودها الوسط سيما مع تكثر الاشخاص و الاحتياط لا ينبغي تركه». «1»
و قال في مصباح الفقيه: «الا وجه الالزام بوجوب الاحتياط و تحصيل الجزم بتفريغ ذمته بصلح و نحوه و لو بدفع امثال المال الي الجميع لدي الامكان كما صرح به بعض بل لعله المشهور حيث ان تضرره بذلك نشأ
من سوء اختياره». «2»
ففي المسألة وجوه او اقوال خمسة نذكرها مع ما يمكن الاستدلال لها و الجواب عنها:
احدها وجوب الخروج عن عهدة مال المالك المردد بين محصور ببذل امثال المال لكل واحد، الا اذا رضوا بالصلح بما دونه و هو مقتضي قاعدة اليد و اشتغال الذمة يقينا الذي يدعو الي البراءة كذلك.
و قد اورد عليه غير واحد منهم بان ذلك ضرر منفي بالادلة- لا سيما اذا كانت الاطراف متعددة كما اذا كانوا عشرة، و يجاب عنه اولا: بانه معارض بضرر المالك و ان كان ضرره أقلّ، فلو قلنا بتقديم الاقوي عند التعارض كان الترجيح لنفي ضرر صحاب المختلط. و ثانيا: ان هذا الضرر انما نشأ بسوء اختياره حيث خلط ماله بمال آخر عن علم و اختيار.
لكن يرد عليه ان محل الكلام اعم مما اذا كان بسوء اختياره او بعدم سوء اختياره فغايته التفصيل بين المقامات، هذا مضافا الي ان الزامه ببذل مثل المال الي عشرة افراد ربما لا يعد عند العقلاء من الطرق المعقولة
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 77.
(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 139.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 227
للتخلص عن الضمان، فهو و ان كان مقصرا في فعله و لكن هذا ليس طريقا للتخلص، نعم اذا كان اطراف الاحتمال اثنين او شبهه امكن هذا القول مع اشكال.
ثانيها: المعاملة معه معاملة مجهول المالك نظرا الي ان العلم الإجمالي لا يعد علما في هذه المقامات، لان العلم يساوق التشخيص و هو منتف في المقام بل لو كان العلم الإجمالي بالمالك علما واقعيا لم يبق مورد لمجهول المالك، لوجود هذا العلم في كثير من الموارد، فتشمله العمومات السابقة الدالة علي وجوب التصدق بالمقدار المعلوم،
و لكن يرد عليه بان المفروض امكان ايصال المال الي صاحبه و لو من طريق التقسيم او القرعة او الصلح او الاحتياط فكيف يجوز صرف النظر عنه و بذله لغير من هو مالكه فالاطلاقات منصرفة عنه.
و ثالثها: الرجوع الي القرعة نظرا الي عموم ادلتها لكل امر مجهول، و لكن قد عرفت غير مرة ان شمولها للمقام الذي يوجد فيه طرق اخري لحل المشكل مشكل.
رابعها: التوزيع بينهم لقاعدة العدل و الانصاف، و اورد عليه بعدم ثبوت عموم لهذه القاعدة.
و هنا احتمال خامس ذكره بعضهم و حاصله التخيير بين التوزيع و القرعة لتعذر الاحتياط التام، ففي التوزيع موافقة قطعية في البعض مع المخالفة في البعض، و في الثاني احتمال للموافقة القطعية في الكل مع احتمال المخالفة كذلك و لا ترجيح بينهما.
و فيه ان الأخذ بالموافقة القطعية في البعض في هذه المقامات اولي في حكم العقل و العقلاء، فما دام يمكن العمل بالتوزيع لا تصل النّوبة الي القرعة.
و الاقوي من بين هذه الوجوه هو وجوب التوزيع، و دليله سيرة العقلاء
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 228
فانها جرت علي هذه القاعدة- اي قاعدة العدل و الانصاف في الاموال المشكوكة- و لم يردع عنه الشارع بل امضاها في بعض مواردها بالخصوص، مثل ما ورد في ابواب الصلح عن السكوني عن الصادق عليه السّلام في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه الاخر دينارا فضاع دينار منها قال: «يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين». «1»
و قد افتي به المشهور كما صرح به في الدروس و معظم الاصحاب كما في الجواهر. «2»
فان كان في الرواية ضعف ينجبر بالشهرة، و يدل عليه أيضا ما ورد في المال الذي في
يد رجلين مع دعواهما فيه و هو صحيحة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من اصحابنا عن ابي عبد الله عليه السّلام في رجلين كان معهما درهمان فقال: «احدهما الدرهمان لي و قال الآخر هما بيني و بينك. فقال عليه السّلام: اما الذي قال هما بيني و بينك فقد أقر بأن احد الدرهمين ليس له و انه لصاحبه و يقسم الاخر بينهما». «3» و الاصحاب افتوا به أيضا ظاهرا بل يظهر من بعض كلماتهم اجمالا انهم تعدوا عنهما الي غير مواردهما، و الظاهر انه ليس ذلك الا لأنهم فهموا معنا عاما.
و هناك روايتان اخريان واردتان في التداعي علي عين واحد يشهد لعمومية القاعدة، و هي ما رواه غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله عليه السّلام ان امير المؤمنين عليه السّلام اختصم اليه رجلان في دابة و كلاهما اقاما البينة انه انتجها فقضي بها للذي في يده و قال: «لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين». «4»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 12 من ابواب الصلح، الحديث 1.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 26، الصفحة 227- 226.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 9 من ابواب الصلح، الحديث 1.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 18، الباب 12 من ابواب كيفيته الحكم، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 229
و ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام ان رجلين اختصما الي امير المؤمنين عليه السّلام في دابة في ايديهما … فقيل له: «فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة؟ فقال: احلفهما فايهما حلف و نكل الاخر جعلتها للحالف فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، الحديث». «1» و لا يخفي
انه و ان كان مورد الخبرين و موضوعهما واحدا الا ان تعدد الطرق يدل علي تعدد الأحاديث.
ان قلت: ان هذه الروايات لم ترد في موضع الضمان، فالتعدي منها الي محل الكلام غير ممكن لأنه قياس مع الفارق.
قلنا: اولا قد لا يكون هناك ضمان لعدم وقوعه تحت يده، بل اختلط الحلال و الحرام بغير فعله و بلا ضمان كما اذا كانت الاموال في بيت مشترك بينهم فاختلطت، او في محل لا يكون في يد واحد منهم. و ثانيا يظهر من لحن الروايات و تناسب الحكم و الموضوع ان هذا حكم المال المردد بين اثنين و شبهه من غير دخل للضمان و عدمه، اما كون ذلك بسوء اختياره او عدم سوء اختياره فهي مسألة اخري قد عرفت الجواب عنه.
و يؤيد ذلك فهم الاصحاب و تعديهم عن موردها الي موارد آخر مخالفة لها من بعض الجهات، فهذا كله دليل علي كونها ناظرة الي امضاء ما عند العقلاء من قاعدة العدل و الانصاف.
هذا كله اذا كان المقدار معلوما، و منه و مما سبق في المسائل السابقة يظهر حال ما اذا كان المقدار مجهولا فان الواجب حينئذ الاخذ بالقدر المتيقن كما سبق، و ان كان الاختلاط موجبا للإشاعة و الاشتراك و دار الامر بين الاقل و الاكثر ثم المعاملة معه معاملة المقدار المعلوم من التنصيف او غيره
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 230
من المباني، و اما لو كان دائرا بين المتباينين فاللازم المصالحة معهم جميعا علي المال المشكوك ثم التنصيف بينهم، و الحاصل ان الحكم في المسألة هو الاخذ بقاعدة العدل الا اذا كان هو السبب في ابهام المالك و جهالة حاله فحينئذ
يحتاط.
فلا يجري فيه حكم الخمس- علم صاحبه او لم يعلم- و الكلام هنا في مقامين الاول في عدم جريان حكم الخمس فيه، الثاني في الصور المتصورة في المسألة.
اما الاول: فالوجه فيه ان الخمس انما هو في فرض الاختلاط، و لا يتصور ذلك الا في الاعيان الخارجية لا في الذمة.
و في تقريرات بعض الاعاظم «1» انه تارة يتلف المختلط … و اخري يختلط في الذمة بمعني انه يتلف المال الحلال و الحرام و لا يدري كمية واحد منهما. (انتهي) و لم افهم معني محصلا للخلط في الذمة فان مال الحلال هو مال الرجل نفسه، و من الواضح ان تلقه لا يوجب ضمانا (و لعل الخلط من المقرر).
و لكنه- قدس سره الشريف- ذكر في بعض كلماته في هذه المسائل طريقا آخر عند اشتباه المالك المجهول بين افراد محصورين بانه يجعل المال المشكوك اذا كان مقداره معلوما (او القدر المتيقن اذا كان مجهولا) في محل يكون تحت يد الجميع و هذا كاف (كما اذا كانوا مجتمعين في بيت و يجعل المال في
______________________________
(1)- هو السيد المحقق الميلاني نزيل المشهد الرضوي- قدس سره-.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 231
ذلك البيت و يعلمهم بان المال لواحد منهم، بل يمكن ان يقال: ان اعلامهم بذلك كاف، لأنه تخلية اليد و هو مصداق الاداء عند العرف) و حينئذ ان كان يدعيه بعضهم او جميعهم يعمل علي وفق احكامه (انتهي ملخصا).
و كيف كان هنا تفصيل من بعض اعلام العصر تبعا لشيخنا الاعظم الانصاري من الفرق بين ما اذا كان الحرام ثابتا في الذمة من اول الامر- كمن اتلف مال الغير بعينه- و بين ما اذا اختلط الحرام و الحلال في
ماله اولا، ثم تلف الجميع في يده و انتقل المال المجهول مالكه الي الذمة ففي الثاني يجري حكم الخمس، و قد بني هذا الحكم علي ان الاختلاط بنفسه سبب لشركة ارباب الخمس في المال كما في ساير انواعه من الكنز و المعدن و الغوص، او انه سنخ آخر فلا شركة لأربابه في المال بل الخمس مطهر للمال عن الاختلاط، فالمال باق علي كونه مخلوطا بالحرام قبل التلف و بعده، فينتقل مال الغير بعينه الي الذمة لا سهم ارباب الخمس، ثم قوي الاول و اختار الخمس في خصوص هذه الصورة.
اقول: ليس في شي ء من روايات الباب ما يدل علي شركة ارباب الخمس في المال المختلط الا رواية عمار بن مروان حيث قال عليه السّلام فيما يخرج من المعادن و الحلال المختلط بالحرام … الخمس، فان ظاهرها تعلق الخمس به بمجرد الاختلاط مع جهل المالك (و المقدار) و لكن قد عرفت الكلام في عمار بن مروان و انه مشترك بين الثقة و غير الثقة.
هذا مضافا الي ان لحن ساير روايات الباب كون الخمس مطهرا للمال، فان قوله عليه السّلام: «ان الله عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس» «1» و قوله عليه السّلام:
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 232
«تصدق بخمس مالك فان الله رضي من الاشياء بالخمس». «1» ظاهر في هذا المعني، نعم اسنادهما محل الكلام و لكن يمكن اخراجهما مؤيدا للمطلوب.
و اوضح من ذلك ما عرفت من ان الخمس المعهود انما هو في الغنائم خاصة بالمعني الاعم، و ليس المال المختلط منها قطعا لأنه قد يكون في
الواقع أقلّ من الخمس فليس هنا غنيمة، و احتمال كون جواز تصرفه فيه بعد اخراج الخمس داخلا تحت عنوان الغنيمة مع بعده في ذاته انما يكون بعد اخراجه مع ان عنوان الغنيمة لا بد ان تكون صادقة قبل اخراج الخمس لأنه من قبيل الموضوع له.
فالمقام من قبيل مصالحة قهرية الهية بين المالك للبعض و الشارع المقدس ولاية علي المال المجهول و لا دليل علي حصولها قبل ادائه، و لذا لو ظهر المالك المجهول قبل اداء الخمس كان المال ماله و لا اظن الخلاف فيه، و لو كان بمجرد الاختلاط يجب فيه الخمس لم يكن وجه لانتفائه بعد ذلك فتأمل.
هذا و لو شك في تعلقه به بمجرد الاختلاط او كون الخمس مطهرا، فالاصل يقتضي بقاء كل من المالين علي ملك مالكه الاصلي كما لا يخفي.
و اما المقام الثاني: فقد ذكر فيه وجوه اربعة، من جهة كون الجنس و المقدار كلاهما معلومين او مجهولين او الاول معلوما و الثاني مجهولا او بالعكس، و لكن الاحسن ان يقال هنا امور:
1- ما كان الجنس و المقدار فيه معلومين (كمن يعلم بكون مأئة كيلو من الحنطة في ذمته).
2- ما كان الجنس فيه معلوما و المقدار مجهولا مرددا بين الاقل و الاكثر
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 4.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 233
(كمن علم بكون الحنطة في ذمته و لكن لا يعلم مقداره مأئة او تسعين كيلو).
3- ما لم يعلم جنسه و كان قيميا (كما اذا تردد التالف بين الابل و الغنم).
4- ما لم يعلم جنسه و كان مثليا (كما اذا شك في كونه مأئة من حنطة او شعيرا) و ليعلم انه لا اثر للعلم بالمقدار و عدمه في
هاتين الصورتين.
و كل هذه الصور اما لا يعرف صاحبه في عدد محصور، او يعرفه في عدد محصور، او يعرفه بعينه، فالصور اثنا عشر صورة:
اما الاولي من الاربعة: و هي ما كان الجنس و المقدار فيه معلومين، فان علم مالكه بعينه لا كلام في وجوب رده اليه و ان كان مرددا بين عدد محصور فقد عرفت ان القاعدة تقتضي التوزيع بينهم الا ان يكون صاحب المال هو المقصر في ذلك فلا يبعد حينئذ وجوب التصالح.
و ان كان في عدد غير محصور فمقتضي ما عرفت سابقا لزوم التصدق به و ان يكون باذن الحاكم علي الاحوط.
و في الصورة الثانية: كما اذا علم ان المال الذي في ذمته هو الحنطة و لكن لا يعلم مقداره، فاللازم الاخذ بالقدر المتيقن ثم العمل علي وفق المسألة السابقة في المالك المعلوم او المجهول بين عدد محصور او غير محصور.
و في الصورة الثالثة: كما اذا علم بانه ضامن لأحد شيئين اما الابل او الغنم، فحيث انه قيمي و يكون الضمان بالنسبة الي القيمة و يدور امرها بين الاقل و الاكثر فالواجب عليه هو الاقل، ثم يعمل بالنسبة الي الحالات الثلاثة للمالك علي طبق المسائل السابقة.
و في الرابعة: مثل ما اذا علم بانه ضامن لأحد شيئين مثليين كالحنطة و الشعير، فحيث ان الواجب اداء المثل و هو مردد بين المتباينين مقتضي
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 234
القاعدة هو الاحتياط «1» اللهم الا ان يدفع بلزوم الضرر منه، فيرجع الي التصالح او القرعة او الاخذ بقاعدة العدل و الانصاف بين القيمتين و لا يترك الاحتياط لا سيما اذا كان هو المقصر في هذا الشك، ثم بالنسبة الي الحالات الثلاثة لصاحب هذا
المال يرجع الي المسائل السابقة.
و قد ظهر مما ذكرنا انه لا اثر للعلم بالمقدار و عدمه في الصورتين الاخيرتين لمجهولية الجنس، «2» و لأنه يؤخذ بالاقل في الصورة الاولي علي كل حال و بالنسبة الي المقدار في الاخيرة و ان كان يحتاط بالنسبة الي الجنس و الله العالم بحقيقة احكامه.
اما اذا دار الامر بين كونه مثليا او قيميا فهو في الحقيقة دائر بين المتباينين فيلزم الاحتياط، فتدبر.
، بل الاقوي كما سيأتي في محله- ان شاء الله- جواز اخراج سهم السادة اليهم بلا حاجة الي اذن الحاكم الشرعي، بل للمالك اعطاء الخمس من مال آخر غير ما تعلق به الخمس، فهل الامر في خمس المال المختلط أيضا كذلك أم لا؟
مقتضي ما عرفت من احتمال كونه من باب الصدقة او الاحتياط باعطائه لمن يكون مصداق مصرف الصدقة و ساير الاخماس الاستيذان من الحاكم
______________________________
(1)- و ذلك بدفع المالك كلا المتباينين و عدم اخذ المدفوع اليه شيئا منهما لعدم علمه بالجنس و هذا الاحتياط ينجر الي التصالح.
(2)- فانه اذا لم يعلم الجنس هل هو حنطة او شعير لا اثر للعلم بمقداره من كونه كيلوا او كيلوين لاختلافهما في القيمة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 235
الشرعي بناء علي وجوب الاستيذان منه في مثل هذه الصدقة، نعم علي القول بان مصرفه، مصرف ساير الاخماس يكون المالك بالخيار.
و حيث قد عرفت ان الاحتياط عندنا هو الاستيذان، فلا يترك هنا ذلك كما لا يترك الاحتياط بعدم تبديله بمال آخر الا باذن الحاكم الشرعي اذا رآه مصلحة، و قد ورد في بعض روايات صدقة مجهول المالك الامر ببيعها بطعام فراجع. «1»
فهل هو ضامن كما هو المعروف في مجهول المالك في باب اللقطة، أم لا؟
صرح في العروة بالضمان مطلقا و خالفه كثير من المحشين، و في الجواهر: «في الضمان و عدمه و جهان بل قولان من اطلاق قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم علي اليد ما اخذت حتي تؤدي و من انه تصرف باذن المالك الاصلي (و هو الله تعالي) فلا يستعقب ضمانا ثم قال و لعل الاقوي الاول وفاقا للروضة و البيان و كشف
الغطاء». «2»
اقول: لا ينبغي الشك في ان مقتضي القاعدة عدم الضمان بعد كونه بامر الشارع المقدس الذي هو الولي المطلق، و قاعدة علي اليد يخصص بظاهر هذه الروايات لأنها اقوي و اظهر الا ان يدل دليل علي خلافه، بل ظاهر قوله:
«ان الله رضي من الاشياء بالخمس» في روايتي الحسن بن زياد و السكوني «3»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 1 و 2.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 75.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 و 4.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 236
و قوله عليه السّلام: «و سائر المال لك حلال» (في الرواية الثانية) ظاهر جدا في كون تمام الباقي له لا انه مديون بعد ذلك بمال الناس.
و قد يقال: ان الامر في جميع موارد مجهول المالك (غير اللقطة) أيضا كذلك، لعدم ورود نص علي الضمان فيها (قاله في مستند العروة) و لكن الانصاف ورود بعض النصوص فيه فراجع ما رواه حفص بن غياث «1» و ان كان في «حفص» كلام.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 18 من ابواب اللقطة، الحديث 1. «سألت ابا عبد الله (ع) عن رجل من المسلمين اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فاذا اصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر و الغرم، الحديث».
و هذه الرواية و ان وردت في ابواب اللقطة لكنها ليست منها في شي ء بل قد شبّه
الامام (ع) المال المجهول مالكه باللقطة، و لا يخفي انه لم يستشكل صاحب مستند العروة في سند الرواية لكنه محل كلام لوجود حفص بن غياث و سليمان بن داود المنقري و قاسم بن محمد في سندها. اما الثالث فلا شك في ضعفه، و اما سليمان بن داود فقد وثقه النجاشي و العلامة في خلاصة الرجال، لكن قال ابن الغضائري انه ضعيف جدا لا يلتفت اليه يوضع كثيرا من المهمات. و هذه العبارة صريحة في ضعفه و لا يمكن تأويلها الي معني آخر بما قيل انه لا يصح الركون الي التضعيفات الصادرة من ابن الغضائري و لا أقلّ من الابهام في سليمان.
و اما حفص بن غياث فقد سكت فيه بعض من الرجاليين كالنجاشي، و قال الكشي: «انه عامي و لم يذكره بتوثيق و لا تضعيف» و قال الشيخ الطوسي في عدة الاصول (الصفحة 379):
«و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث و غياث بن كلوب و السكوني و غيرهم من العامة عن ائمتنا (ع)». (و مراده مما قاله عدم اشتراط المذهب بل اشتراط الصدق)
فتري انه- رحمه اللّه- نسب العمل بروايات هؤلاء الي الاصحاب، لكن كيف يمكن ذلك و الحال ان النجاشي و الكشي سكتا في حفص بن غياث و لم يذكراه بتوثيق؟
فتلخص ان الصحيح عدم الركون الي هذه الرواية لضعف قاسم بن محمد و لو لم نضعّف حفص بن غياث و سليمان بن داود، نعم يمكن الاستناد اليها كمؤيّد لا كدليل.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 237
نعم لا ينبغي الشك في ظهور غير واحد من روايات اللقطة في كونه ضامنا اذا وجد صاحبه و لم يرض بالصدقة، فهل هذا الضمان
موافق لقاعدة الاتلاف او انه ضمان (تعبدي) يتحقق بمجرد مطالبة المالك بتعبد من الشارع فلا ضمان قبل المطالبة و لا اثر للإتلاف الحاصل بالتصدق بعد ان كان مستندا الي اذن المولي. «1»
اقول: هذا شي ء عجيب لا يعرف له نظير في الفقه بان يكون مجرد مطالبة المالك موجبا للضمان بعد ان لم يكن هناك سبب له و كان الاتلاف السابق كالعدم، فان بناء الشارع في المعاملات علي امضاء السيرة العقلائية لا التعبد المحض: فالاولي ان يقال: ان هذا الضمان من شئون الاتلاف بعنوان احد اطراف التخيير في مسألة اللقطة، و لكنه مراعي و مشروط بشرط متأخر و هو ان يرضي مالكه به لو عرف بعد ذلك و الا كانت البراءة علي حالها، و الشرط المتأخر ليس بعديم النظير في الفقه بل له امثلة كثيرة كما لا يخفي.
و هذا هو مقتضي الجمع بين ادلة التصدق و قاعدة علي اليد.
، فهل يسترد الزائد في الصورة الثانية و هل يجب عليه التصدق بالمقدار الزائد في الصورة الاولي أم لا؟
فيه قولان و ذكر هنا احتمال ثالث و هو ان يسترد الخمس من ارباب الخمس ثم يتصدق بالجميع (كما اذا كان الحرام الواقعي نصفا و ما اعطاه لأهله خمسا فيسترده ثم يتصدق بالنصف بل يمكن ابداء وجه رابع و هو عدم
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 162.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 238
استرداد الزيادة لأنه كان صدقة لله تعالي و ما كان لله لا يسترجع ابدا، و وجوب الصدقة بما بقي اذا كان الحرام الواقعي اكثر مما بذل. و المسألة مبنية علي ان حكم الشارع هنا بالخمس عند الجهل بالمقدار من قبيل المصالحة الواقعية بين الواقع المجهول
و مقدار الخمس وقعت بحكم المالك الحقيقي و هو الشارع المقدس؟ او انه حكم ظاهري ثابت في زمان الجهل، فان كان من قبيل الاول فلا اشكال في الاجزاء و عدم استرداد الزائد و عدم وجوب بذل شي ء آخر كما في ساير موارد الصلح في الاموال المجهولة بين الناس، فاذا صالح زيد و عمرو في مالهما المجهول علي شي ء ثم تبين كون مال زيد أقلّ او كثر مما تصالحا به لم يسترد شي ء منه كما هو واضح.
نعم الاحكام الظاهرية ثابتة في حال الجهل فاذا ارتفع الجهل ارتفعت و لا ينافي ذلك مسألة الاجزاء في الاحكام الظاهرية عندنا، فان ذلك ثابت في الاوامر لا في الاحكام الوضعية فاذا كان شي ء طاهرا (لغسله بماء طاهر بحكم الاستصحاب) ثم تبين كون الماء نجسا و الشي ء باق حكم بنجاسته بلا اشكال.
و حيث ان ظاهر روايات الباب من قوله: «ان الله رضي من الاشياء بالخمس» و قوله: «ساير المال لك حلال» بل و مناسبة الحكم و الموضوع كونه من قبيل القسم الاول، فالاقوي هو الاجزاء.
مضافا الي انه يمكن التمسّك باطلاق اخبار الباب من اجزاء الخمس و لو انكشف كونه أقلّ او اكثر بعد ذلك، اللهم الا ان يدعي انصرافها عن صورة انكشاف الخلاف.
و كيف كان كونه مصالحة واقعية هو الاظهر من الادلة و مناسبة الحكم و الموضوع و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه.
اما احتمال التفصيل بين صورة بذل الزائد علي الخمس فلا يسترجع لأنه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 239
كان لله و ما كان لله فلا يرجع ابدا بخلاف صورة بذل الاقل فان الحرام باق بعد فيدفعه، مضافا الي ما عرفت من المصالحة الواقعية ان ما لا
يرجع من الصدقة انما هو اذا كان بعنوان الصدقة من ناحية المالك، اما اذا بذله بظن انه مامور به واقعا و لم يكن كذلك و كان بذل الخمس حكما ظاهر يا فليس كذلك كمن ظن الخمس في ماله فبذله لأربابه ثم تبين عدم كونه مديونا لأرباب الخمس و كان العين موجودا فلا ينبغي الريب في اعادته اذا لا يصح اجباره بتحميل ضرر عليه فانه لم يدفع الخمس مطلقا بل انما دفعه مشروطا باختلاط حرام بماله في الواقع فاذا انتفي الشرط بانكشاف الخلاف انتفي المشروط، فالاولي بناء المسألة علي ما ذكرنا و اللّه العالم.
: «لو خلط الحرام بالحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام و ليجتمع شرائط الخمس فيجتزي باخراجه عصي بالفعل و اجزاه الاخراج، و يحتمل قويا تكليف مثله باخراج ما يقطع معه بالبراءة الزاما له باشق الاحوال و لظهور الادلة في غيره». «1»
و حكي عن شيخنا الانصاري في رسالته في المسألة في بيان وجه عدم اجزاء الخمس هنا بانه كمعلوم المالك حيث ان مالكه الفقراء قبل التخليط، و اقتبس صاحب العروة من كلام الشيخ هنا ما ذكره.
و قال في المستمسك: «لا يبعد اطلاق النصوص بنحو يشمل الفرض لان الغالب في الاختلاط كونه بعد التمييز … فتخصيص النصوص بغير الفرض غير ظاهر». (انتهي)
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 76.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 240
اقول: ينبغي الكلام اولا في اطلاق النصوص و شموله لما نحن فيه او الانصراف، و الحق انصرافها عمن تعمد الخلط للفرار عن اكثر من الخمس، نعم لا انصراف لها عن مجرد تعمد الخلط بعد العلم بالحرام لان كون الحرام معلوما قبل الخلط فرد ظاهر لا يمكن اخراجه منه
و ان لم يكن غالبيا لكثرة المصداق من الطرفين، لكنهه منصرف عن صورة التعمد بقصد الفرار عن الزائد عن الخمس فتأمل.
فاذا لم تشمله العمومات كان الواجب عليه الاحتياط في المقدار و بذل الاكثر لعدم شمول ادلة اليد له بعد ما عرفت، و كأنّ هذا هو مراد الجواهر من الأخذ باشق الاحوال و الا لا دليل علي اخذ الغاصب باشق الاحوال كما ذكرنا في محله بل اللازم اجراء العدالة في حقه بحسب ظواهر ادلة الشرع، سواء كان اخف او اشق.
و ثانيا هل المقام من قبيل مجهول المالك او معلومه؟ قد عرفت ذهاب العروة تبعا للمحكي عن شيخنا الاعظم انه كمعلوم المالك، و الحال ان المال المجهول مالكه لا يكون ملكا للفقير الا بعد التصدق به و قبضه و الا فهو باق علي ملك مالكه الاصلي (و المشهور ان القبض شرط لصحة الهبة و منها الصدقة).
و لذا تكلف لتوجيهه في مستند العروة بان المراد كون المال الحرام المعين معلوم المصرف لا معلوم المالك فهو يشابه معلوم المالك من هذه الجهة. «1»
و انت خبير بان مجرد ذلك غير كاف في اجراء احكام معلوم المالك عليه، و القياس ليس من مذهبنا لا سيما انه مع الفارق للفرق الكثير بين معلوم
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 167.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 241
المالك و معلوم المصرف، نعم لنا ان نقول بانصراف اطلاق روايات الباب منه فيعود الي الامر الاول.
كما اذا كان حاصلا من المعدن او الكنز او ارباح المكاسب، فهل يخرج له خمسا واحدا للجهتين او يكون هذا الخمس من جهة الاختلاط، و يبقي عليه خمس آخر من جهة الارباح او المعدن او غير ذلك فيجب
عليه اخراج خمسين؟
و علي فرض تعدد الخمس فهل اللازم اخراج خمس الاختلاط اولا، ثم خمس الارباح و شبهه أم لا، و هل يكون بين الامرين فرق؟ فقد يدعي انه يختلف النتيجة كما سيأتي الاشارة اليه.
قال في مصباح الفقيه: «قال شيخنا المرتضي (قده) وفاقا لغير واحد ما لفظه لو كان الحلال مما فيه الخمس لم يسقط باخراج هذا الخمس لعدم الدليل علي سقوطه … و القول بوحدة الخمس كما يحكي ضعيف جدا».
انتهي. «1»
و قد صرح الشهيد الثاني في المسالك بانه: «لو كان الخليط مما يجب فيه الخمس لم يكن الخمس كافيا عن خمسه بل يخرج الخمس لأجل الحرام اولا … ثم يخمس الباقي بحسبه من غوص او مكتسب». «2»
و قال المحقق النراقي في المستند: «لو كان الخليط مما يجب فيه
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 137.
(2)- المسالك، المجلد 1، الصفحة 67.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 242
الخمس، خمسه بعد اخراج الخمس بحسبه». «1»
و قال صاحب الجواهر (قده) في رسالته نجاة العباد ما نصه: «لو كان خليط الحرام مما فيه الخمس أيضا وجب خمس آخر بعد خمس التطهير». «2»
قلت: لا بد ان نتكلم اولا عن مقتضي القاعدة ثم مقتضي ظاهر نصوص الباب، و لا شك في ان قاعدة عدم التداخل في الاسباب يقتضي تعدد الخمس هنا بتعدد اسبابه.
و ان شئت قلت: هذا الخمس سبب لتطهير المال عن الحرام و اخراج مال الغير من ماله بمصالحة قهرية الهية، و بعد التطهير يكون مشمولا لأدلة الخمس في المعادن او الارباح او شبهها و لا وجه لسقوط الثاني بالاول.
هذا و لكن الذي يظهر من روايات الباب لعله غير هذا «3» فان ظاهر غير واحد منها انه جمع المال من
ارباح المكاسب طول مدة مديدة و كان مختلطا بالحرام فامره الامام عليه السّلام باخراج خمسه، و سائر المال له حلال مع انه مضي عليه سنة او سنوات، و لا أقل انه مطلق من هذه الجهة و كأنه عليه السّلام وهبه خمس الارباح ببركة تطهير ماله من ناحية الحرام او غير ذلك من الاحتمالات.
و لكن الانصاف ان فهم الاطلاق منها مشكل بعد ما عرفت من اقتضاء القاعدة عدم التداخل لا سيما في الامور المالية، و كيف يمكن ان يقال ان خمس المعدن هنا غير واجب بملاحظة تعلق الخمس من ناحية المال المختلط بالحرام؟
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 78.
(2)- نجاة العباد، الصفحة 90.
(3)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 243
و ان شئت قلت: ان خمس المختلط في الحقيقة من قبيل مصالحة حق المالك المجهول بهذا المقدار و افراز ماله عن ماله و هذا لا دخل له بخمس الارباح و المعادن و شبهها و لا يغني واحد منهما عن الاخر.
ثم انه هل يجب اخراج خمس المختلط اولا ثم اخراج خمس الارباح و شبهها او يجوز العكس أيضا و هل هناك فرق بينهما؟
قال في مستند العروة ما حاصله: ظاهر العروة تقديم خمس الاختلاط علي خمس الارباح و لكن الحق تقديم التخميس بعنوان الارباح، فان المالك يعلم ان مقدارا من هذا المال هو ملك السادة لا له و لا من المال الحرام فلا بد من اخراجه او لا ليتمحض المال في كونه حلالا مخلوطا بالحرام، ثم يخمس بعدئذ للتحليل.
ثم قال لا شك في ان هنا تفاوتا بين الطريقين فلو فرض مجموع المال
75 دينارا فعلي قول العروة يخرج اولا خمس المجموع للتحليل 15 دينارا فيبقي 60 دينارا ثم يخرج خمسه فيبقي 48 دينارا، اما علي طريقتنا يخرج خمس المتيقن كونه من الحلال (فلنفرض كونه 50 دينارا) فيبقي 65 دينارا ثم يخرج خمس الاختلاط 13 دينارا فيبقي 52 دينارا، يتفاوت مع الطريقة السابقة باربع دنانير. (انتهي) «1»
و فيه اولا: ان المفروض عدم معلومية مقدار ماله فكيف يقدر علي تخميسه فلا بد اولا من احراز ماله و ان هو الا كمال اختلط بمال رجل آخر معروف لا بد من المصالحة معه او شبهه حتي يعرف مقدار ماله، ثم يخمسه من ناحية الارباح فما دام ماله غير معلوم كيف يصح له اخراج خمسه نعم باخراج خمس الاختلاط تقع المصالحة الشرعية مع المالك المجهول بامر من
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 169.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 244
الشارع المقدس فتبين مقدار ماله ثم يخمسه من ناحية الارباح او شبهها.
ثانيا: لما ذا يؤخذ بالقدر المتيقن، فان اليد اما حجّة هنا فاللازم الاخذ بالاكثر، و ان لم يكن حجّة كان الزائد من المال المجهول بين الطرفين لا يمكن تبيين حاله الا بالخمس.
و ما اعتذر به عن هذا الاشكال في الهامش من ان اليد علي فرض اجرائه دليل علي الملكية لا علي كونه من الارباح خلاف المفروض فان المفروض كون ماله منحصرا في الارباح مثلا و الحرام، كما هو ظاهر كثير من روايات الباب.
و كذا اعتذاره بان اليد لا تجري في موارد الاختلاط و الا لم يحتج الي التخميس غير نافع فان مفهومه عدم جريان اليد في المقام فيبقي المال مشكوكا بينه و بين غيره، فلا بد من تبيين حاله بالتخميس
اولا ثم تخميسه من جهة الارباح. و لا يجوز الاخذ بالقدر المتيقن من الحلال لاحتمال كونه أقلّ من الحلال الواقعي فيوجب تقليل الخمس المخرج منه (فاذا كان الحلال الواقعي 50 دينارا كان خمسه 10 دنانير مع انه لو كان القدر المتيقن من الحلال عندئذ 40 دينارا كان خمسه 8 دنانير) و ذلك يوجب تنقيصا في حق ارباب الخمس علي انه لا يوجد دائما مقدار متيقن في البين بل قد يكون مجهولا من رأسه.
هذا و قد ظهر مما ذكرنا ان ما يجري علي بعض الالسن في عصرنا لا سيما بالنسبة الي اموال بعض اعوان الظلمة و شركاء الطواغيت من وجوب اخراج خمسين منها الظاهر في اعطاء ثلاثة اخماس لأربابها و اخذ خمسين منها لبيت المال خلاف التحقيق بل الظاهر وجوب اخراج خمس التحليل اولا ثم اخراج خمس الارباح بعد ذلك لعين ما ذكرناه.
و الفرق بين الامرين ظاهر، فلو كان المال 50 دينارا فعلي طريقتنا يخرج
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 245
خمسه فيبقي 40 دينارا، ثم يخرج خمسه فيبقي 32 دينارا، اما علي ما هو الجاري علي الالسن يخرج من اول الامر 20 دينارا فيبقي 30 دينارا و الفرق بينهما بدينارين، و هذا امر كثير في الاموال الضخمة.
فهل هو كمعلوم المالك فلا تصل النوبة الي اخراج الخمس (بل اللازم العمل بما مر من المصالحة او التنصيف في المقدار المجهول او ملاحظة اليد بتفاوت المقامات) او تجري عليه احكام الخمس، او يفصل بين الاوقاف فتكون كمعلوم المالك، و بين الاخماس و الزكوات فتكون كمجهول المالك؟ وجوه و اقوال.
قال في الجواهر: «لو كان الاختلاط من اخماس او زكوات فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي و
في الكشف ان الاقوي كونه كالسابق، و لو كان الاختلاط مع الاوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي». «1»
و اختار في العروة أيضا الالحاق بمعلوم المالك و كذا المحشون فيما رأينا من كلماتهم و هو الاقوي، و الوجه فيه اما في الأوقاف الخاصة فانها ملك خاص و في الاوقاف العامة ملك الجهة، و كذا في الاخماس كما هو الحق، و اما في الزكاة فان قلنا انه ملك الجهة أيضا فلا كلام، و كذا اذا قلنا بانه من قبيل الحق فانه يبقي علي ملك مالكه مع تعلق حق به من ناحية الفقراء و اشباههم فليس ملكا لمجهول كما هو ظاهر، و العجب من كاشف الغطاء- قدس سره- انه كيف الحقه بمجهول المالك مع انه ليس كذلك قطعا و تعلق
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 77.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 246
الملك بالجهة مما لا ينبغي الريب فيه، و اي فرق بين الاوقاف العامة و الاخماس و شبهها.
(او تلف في يده علي نحو يوجب الضمان) فهل الواجب عليه اداء الخمس منه، او اللازم اجراء حكم مجهول المالك عليه من التصدق؟ فيه خلاف. ظاهر الجواهر او صريحه هو الاول «1» و هو المستفاد من المحقق الهمداني و به قال في العروة، و لكن صريح غير واحد من اعلام المحشين هو الوجه الثاني، و هو الاقوي عندنا و ان كان الاحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي في مقداره ثم صرفه في ما ينطبق علي المصرفين.
و المسألة مبنية علي ما مر سابقا من ان الخمس ثابت في المال المخلوط بمجرد الاختلاط بحيث يكون ارباب الخمس شركاء في المال (بناء علي الاشاعة في الخمس) نظير ساير موارد الخمس،
او ان المال الحرام المخلوط يبقي علي ملك مالكه و لكن يجب تطهيره باداء الخمس منه، و كأنه مصالحة شرعية قهرية تقع باذن المولي الحكيم بالنسبة الي المال المجهول، و حيث قد عرفت ان ظاهر الادلة هو الثاني فاللازم القول بانتقال المال الحرام بعينه الي الذمة بالاتلاف و لا معني حينئذ للاختلاط، لان مال الانسان بعد التلف لا ينتقل الي ذمته فليس في ذمته الا الحرام، فلا يصدق عليه حينئذ عنوان المال المختلط حتي يجب فيه الخمس فلا يبقي مجال الا الاجراء احكام مجهول المالك عليه، و اذا لم يعلم مقدار الحرام فاللازم الرجوع الي البراءة عن الزائد
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 76.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 247
عن القدر المتيقن. اللهم الا ان يقال: ان تقصيره في مقدمات هذا الضمان يوجب عليه الخروج القطعي منه لاشتغال ذمته به و هذا ان لم يكن اقوي فلا أقلّ من انه احوط.
اما علي القول الاول- اي تعلق الخمس- فان لم يعلم مقدار المختلط حتي يحاسب خمسه فهل الواجب عليه دفع ما يتيقن به البراءة او يجوز الاقتصار علي القدر المعلوم منه؟ قال في العروة: الاحوط الاول و الاقوي الثاني، و ذكر الوجهين في الجواهر و اضاف اليه وجها ثالثا و هو وجوب الصلح مع الامام لأنه من هذه الجهة كمعلوم الصاحب (فان الخمس مال الامام عليه السّلام او لأربابه تحت نظره).
اقول: لما ذا تجب المصالحة مع انه ليس في الذمة اختلاط، غاية الامر انتقل خمس المال الي ذمته و لكن لا يعلم مقداره و اللازم الاخذ بالمتيقن.
، يأتي فيه الخلاف المتقدم من انه لو قلنا بتعلق الخمس بمجرد الاختلاط و شركة ارباب
الخمس في المال، فالبيع فضولي بالنسبة الي حصتهم، و ان قلنا بان الخمس في المقام مصالحة قهرية الهية لا ملكا لأرباب الخمس فكذلك البيع فضولي لكن بالنسبة الي مال المالك المجهول.
ثم لو امضي الحاكم الشرعي البيع بما انه ولي الغيب و القصر فقد انتقل الخمس من المبيع الي الثمن علي القول الاول و انتقل سهم مالك المجهول منه الي الثمن علي القول الثاني.
هذا و قد قال في العروة: «اذا تصرف في المختلط قبل اخراج خمسه ضمنه كما اذا باعه مثلا فيجوز لولي الخمس الرجوع اليه». انتهي و هذا الكلام
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 248
كما تري لا يخلو عن مناقشة اذا المالك كان ضامنا قبل الاختلاط فضمانه بعده ليس شيئا جديدا كما قد توهمه عبارة العروة.
و لا يخفي انه يجب علي الحاكم الشرعي مراعاة مصلحة المالك المجهول فيجوّز البيع اذا كان بمصلحته كما اذا باعه باعلي القيم او باعه بقيمة قليلة فيما اذا لم يمكن حفظه مدة طويلة كالخضروات و الثلج.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 249
المعروف بين الاصحاب وجوب الخمس في الارض التي اشتراها الذمي من المسلم، و لكن هذه الفتوي غير معروفة عند من تقدم علي الشيخ- قدس سره- و لذا قال المحقق النراقي في المستند: «وجوب الخمس فيها مذهب الشيخ و اتباعه و هو المشهور بين المتأخرين و عن المعتبر و المنتهي الاجماع عليه و هو كذلك … خلافا لظاهر كثير من القدماء حيث لم يذكروا هذا النوع و مال اليه الشهيد الثاني في بعض فوائده لتضعيف الرواية- و هو ضعيف- او لمعارضتها مع ما مر من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة». «1»
لذا قال في
الجواهر بعد ذكر وجوب الخمس فيه: «عند ابني حمزة و زهرة و اكثر المتأخرين من اصحابنا بل في الروضة نسبته الي الشيخ و المتأخرين اجمع». «2»
و قال في المعتبر: «روي جماعة من الاصحاب ان الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم فان عليه الخمس ذكر ذلك الشيخان و من تابعهما» ثم قال: «و قال مالك يمنع الذمي من شراء ارض المسلم اذا كانت عشرية لأنه تمنع الزكاة فان
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 65.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 250
اشتراها ضوعف عليهم العشر فاخذ منهم الخمس و هو قول اهل البصرة و ابي يوسف … و قال الشافعي و احمد يجوز بيعها من الذمي و لا خمس عليه و لا زكاة كما لو باع السائمة من الذمي … و الظاهر ان مراد الاصحاب ارض الزراعة لا المساكن». «1»
و قال العلامة في المنتهي: «الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم وجب عليه الخمس ذهب اليه علمائنا». «2»
فقد تحصل مما ذكرنا ان وجوب الخمس هو المعروف بين الشيخ و من تأخر عنه و لكن غير معروف بين من تقدم عليه و ليكن هذا علي ذكر منك.
و استدل علي هذا الحكم بصحيحة ابي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السّلام قال:
«ايما ذمي اشتري من مسلم ارضا فان عليه الخمس». «3» و الرواية صحيحة الاسناد لا وجه لتضعيفها، و قد يؤيد ذلك بمرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام قال: «الذمي اذا اشتري من المسلم الارض فعليه فيها الخمس». «4» و هذه رواية اخري لاختلاف المروي عنه.
اقول: و الذي يوجب الوهن في الاستدلال و الابهام في مفهوم الرواية ما عرفت من ذيل كلام المحقق
عند نقل الاقوال حيث يظهر منه ان كلام العامة و اختلافهم في تعلق الخمس بهذه الارض انما هو تعلق الخمس بعوائدها لا بعينها و ان الكلام في الاراضي العشريه التي يؤخذ منها العشر بعنوان الزكاة فالذمي لا يعاف عن الزكاة بل يؤخذ منه عشران بدل العشر، خلافا لبعضهم حيث قال: لا يؤخذ منه خمس و لا عشر، و من الواضح انه لا ربط له بما نحن
______________________________
(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 624.
(2)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 549.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(4)- نفس المصدر، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 251
بصدده من خمس الاعيان، و العجب ان المحقق نقل هذه الاقوال عنهم في مقابل اقوال الاصحاب بحيث يستفاد منه ان مصب اقوال الاصحاب أيضا هذا و الا كان عليه التنبيه علي هذا الاختلاف الفاحش.
و اوضح حالا منه ما افاده شيخ الطائفة في كتاب الزكاة من الخلاف في هذا الباب في المسألة «82»: «اذا اشتري الذمي ارضا عشرية وجب عليه فيها الخمس و به قال ابو يوسف فانه قال عليه عشران و قال محمد عليه عشر واحد و قال ابو حنيفة تنقلب خراجية و قال الشافعي لا عشر عليه و لا خراج».
ثم قال: «دليلنا: اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون في هذه المسألة و هي مسطورة لهم منصوص عليها روي ذلك ابو عبيدة الحذاء … ». «1»
(و في المسألة 85 و 86 أيضا ما يدل علي المقصود) و ظاهر هذه العبارة ان ما اجمع عليه الاصحاب هو خمس عوائد الارض لا خمس عينها، لأنه ذكر هذا القول ثم قال و به قال ابو يوسف مع
ان قول ابي يوسف انما هو في عوائد الارض.
و لصاحب المدارك أيضا في المقام كلام يؤيد ما عرفت حيث قال: «و قال بعض العامة ان الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم و كانت عشرية ضوعف عليه العشر و اخذ منه الخمس، و لعل ذلك هو المراد من النص». انتهي «2»
و للمحقق الهمداني في مصباح الفقيه كلام اوضح من هذا حيث انه بعد ذكر كلام المدارك.
قال: «و الانصاف ان هذا الاحتمال في حد ذاته- بعد الالتفات الي خصوصيات المورد … في غاية القوة و لكن رجع عنه في آخر كلامه لا طلاق
______________________________
(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، الصفحة 300.
(2)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 386.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 252
النص، و استلزامه للحمل علي التقية الذي هو مخالف للأصل». «1»
و قال صاحب المعالم في منتقي الجمان: «ظاهر اكثر الاصحاب الاتفاق علي ان المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود و للنظر في ذلك مجال و يعزي الي مالك القول بمنع الذمي من شراء الارض العشرية و انه ان اشتراها ضوعف (عليه) العشر فيجب فيه الخمس و هذا المعني يحتمل ارادته من الحديث … و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتجه التمسك بالحديث في اثبات ما قالوا». «2»
و العجب من بعض الاعلام في محاضراته حيث قال: بان الشائع في زمن الباقر عليه السّلام كان هو مذهب ابي حنيفة علي ما ذكره صاحب الحدائق، و انما اشتهر مذهب مالك و الشافعي و الحنبلي في سنة 550.
اقول: اولا قد عرفت نقل هذا القول عن ابي يوسف و هو تلميذ ابي حنيفة، و ثانيا الأقوال الجارية علي لسان ائمتهم الاربعة لم تكن مما ظهر في
خصوص زمانهم بل كانت جارية علي السن فقهائهم من قبل غالبا، فلا يرد اشكال من هذه الناحية مضافا الي انه ليس الكلام في خصوص الخمس بل الكلام في ان مصب جميع فتاواهم هو عوائد الارض لا رقبته و هذا امر لا سترة عليه.
نعم الاشكال الذي قد يبدو في الذهن- كما اشار اليه سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي رضوان اللّه تعالي عليه- هو ان كتاب المبسوط للشيخ متأخر عن الخلاف و قد اختار فيه كون الخمس في رقبة الارض كسائر الاخماس. «3»
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 132.
(2)- منتقي الجمان، المجلد 2، الصفحة 144.
(3)- المبسوط، المجلد 1، الصفحة 237.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 253
و لكن الانصاف ان كلامه في الخلاف اصرح و اوضح فلا يمكن رفع اليد عنه فتأمل.
و قال صاحب الحدائق بعد نقل كلام صاحب المعالم في المنتقي و ذكر قرائن له ما نصه: «و بالجملة فما ذكره المحقق المشار اليه لا يخلو عن قرب». «1»
فاشكال هؤلاء الاعلام او تضعيفهم اما هو المشهور بين المتاخرين دليل علي عدم كون الحكم اجماعيا و لا من قبيل المسلمات بينهم و ان فتح باب الخلاف فيه ممكن جدا.
و كان المحقق العلامة المجلسي لما هذا الاختلاف و امكان احتمال صحيحة ابي عبيدة علي وجهين مختلفين جمع بينهما و قال: «و الظاهر ان الاختيار الي الامام او نائبه في اخذ العين او القيمة او خمس الحاصل كل سنة و يحتمل ان يكون الاختيار الي الذمي». «2»
فالخمس يتعلق بالعين او لا بالذات بنظره و لكن للحاكم الشرعي عدم اخذ الخمس منه و يبقيها بحالها و يأخذ الخمس من عوائدها، و لا ربط لهذا الخمس بالزكاة بل خمس منافع العين لاشتراك
ارباب الخمس فيها.
و الحاصل: ان العمدة في المقام هو حديث ابي عبيدة، و هو و ان كان ظاهرا في بدء النظر في المعني المشهور للخمس الا ان وروده في جوّ يحكم عليه ما عرفت من فتوي العامة يشهد علي حمله علي هذا المعني.
و مما يؤيده أمور:
مع كونهم في مقام بيان ما يتعلق
______________________________
(1)- الحدائق الناظرة، المجلد 12، الصفحة 361.
(2)- روضة المتقين، المجلد 3، الصفحة 121.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 254
الخمس به، فعدم ذكرهم دليل علي خلافهم في المسألة.
. «1» بناء علي كون المراد منه المعني الاعم كما مر في صدر ابحاث الخمس، و ان المراد من الاية أيضا هو الاعم، و هذا المعني شامل لجميع موارد الاخماس لا يشذ منه شاذ (و قد عرفت الاشكال في كون خمس المختلط من قبيل الخمس بالمعني المعروف) و من الواضح ان محل الكلام ليس من الغنائم و الفوائد دائما، فان الذمي كثيرا ما لا ينتفع بالارض ازيد مما بذل في مقابلها من الثمن.
مثل ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». الحديث. «2»
و ظاهرها نفي الخمس في محل الكلام.
و مثله ما رواه حماد بن عيسي قال: «رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول قال: الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «3»
و كذا ما رواه علي بن الحسين المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده الآتي عن علي عليه السّلام: « … و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «4» (و الحصر في الاخير في الاربعة انما هو
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
(4)- نفس المصدر، الحديث 12.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال
(لمكارم)، ص: 255
لاندراج الملاحة في المعادن بمعناه الاعم).
(سوي الجزية المعمولة علي رءوسهم) و هي ما روي عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من ارض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم اما عليهم في ذلك شي ء موظف؟ فقال:
كان عليهم ما اجازوا علي انفسهم و ليس للإمام اكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك علي رءوسهم و ليس علي اموالهم شي ء و ان شاء فعلي اموالهم و ليس علي رءوسهم شي ء. فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: انما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»
و هذه الرواية و ان لم تخل عن بعض الابهامات في ناحية سندها و دلالتها، و لكن يمكن جعلها مؤيدة للمقصود.
و قد ذكر العلامة المجلسي في روضة المتقين: «ان هذا الخمس وضعه الخليفة الثاني و ان قول الامام عليه السّلام هذا شي ء صالحهم عليه رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم انما هو من اجل التقية».
فمن هذا كله يشكل الفتوي بوجوب الخمس بمعناه المعروف في هذه الاراضي، فالاحوط المصالحة مع الذمي بالنسبة الي رقبة الارض و بالنسبة الي عوائدها للعلم الإجمالي بتعلق الخمس باحدهما من غير تعيين خاص، نعم مقتضي الاصل وجوب الاحتياط عليه بالجمع بينهما، و لكن مقتضي الاصل أيضا عدم جواز الاخذ منه من ناحية الحاكم الشرعي الزائد من القدر المتيقن فالطريق هو المصالحة فتدبر جيدا.
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 68 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 256
و لكن الاقوي تعلق الخمس بخصوص العوائد
لما مر من المؤيدات الموجبة للاطمينان بالحكم.
قد عرفت ان الحكم بوجوب الخمس في رقبة الارض التي اشتراها الذمي محل اشكال من اصله، و يحتمل قويا تعلق الخمس بعوائد الارض اي يضاعف عليه العشر (اي الزكاة) و يؤخذ منه الخمس، و لكن علي كل حال هنا امور يتفرع علي كل من القولين (القول بتعلقه برقبة الارض و القول بتعلقه بعوائد الارض) و بعضها يتفرع علي القول المشهور- اي تعلقه برقبة الارض لا بد من ذكرها، فنقول و منه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية.
قد يقال كما في الجواهر: «ان ظاهر النص و الفتوي بل هو صريح جماعة عدم الفرق بين ارض المزرع و المسكن و غيرهما، خلافا لما عن المعتبر حيث خصها بالمزرع دون المسكن و تبعه عليه في المنتهي بعد اعترافه بان اطلاق الاصحاب يقتضي العموم، و استجود الاختصاص في المدارك، كما ان صاحب الجواهر قواه اولا ثم رجع عنه اخيرا و قال الاولي ثبوت الخمس سواء كانت مزرعا او مسكنا». «1»
و اختاره أيضا صاحب العروة و جمع من محشيها بينما اختار غير واحد منهم التفصيل بين ما اذا وقع البيع علي المسكن و شبهه بعنوان الارض (كما
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 66.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 257
اذا قال اشتريت ارض هذه الدار بكذا و كذا) و بين ما اذا وقع علي عنوان الدار او الدكان، فالمسألة ذات اقوال ثلاثة.
و حيث قد عرفت ان العمدة في المسألة هي صحيحة ابي عبيدة الحذاء «1» فاللازم الرجوع اليها، و الانصاف ان قوله عليه السّلام: «ايما ذمي اشتري من مسلم ارضا فان عليه الخمس» ظاهر في شراء الارض بعنوانها لا بعنوان انها جزء من الدار او الدكان، و
هذا الظهور مما لا ينبغي الريب فيه.
لا اقول ان الارض تبع كتبعية المسامير و الاسلاك الكهربائية و شبهها حتي يقال بان الارض ليست كذلك قطعا بل هي من اجزاء المثمن و لذا يقسط عليها الثمن و لو ظهرت مملوكة للغير تبعضت الصفقه (كما ذكره في مستند العروة «ص 177») بل اقول ان النص ظاهر فيما اذا كانت الارض مستقلة في عنوان المعاملة لا جزء لشي ء آخر.
نعم يمكن دعوي الغاء الخصوصية و لكن القطع به مشكل جدا، لان حكمة هذا الحكم غير واضحة عندنا و هل هي المنع عن استيلاء غير المسلمين علي اراضيهم الزراعية او هي اعم منها؟
نعم اذا صرح في المعاملة بانه انما يشتري ارض المسكن في المعاملة بكذا، فشمول الاطلاق غير مانع له.
هذا كله اذا قلنا بمقالة المشهور، و اما علي المختار من كون الخمس في العوائد فلا ريب في اختصاصه بالاراضي الزراعية كما هو ظاهر.
ظاهر فتاوي المشهور هو الاول كما ذكره النراقي في المستند حيث قال:
«الاظهر موافقا لظاهر الاصحاب انه كسائر الاخماس». «2»
________________________________________
شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 257
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 258
و ما ذكره المحقق الهمداني حيث قال: «اما مصرفه فالمعروف بين من اثبته هو مصرف خمس الغنيمة».
و لكن مع ذلك يظهر من جماعة من متأخري المتأخرين (علي ما حكاه المحقق النراقي
في المستند) خلافه فجوزوا ان يكون المراد تضعيف العشر علي الذمي اذا كانت الاراضي عشرية كما هو مذهب مالك (انتهي).
و استدل في مصباح الفقيه بانصراف اطلاق الخمس الي ارادة الخمس المعهود اما بدعوي صيرورته حقيقة فيه في عصر الصادقين عليه السّلام …
او المعهودية الموجبة لصرف الاطلاق اليه حيث لو كان المراد غيره لوجب بيانه. «1»
و ما ذكره حسن و لكنه مبني علي ما ذهب اليه المشهور من تعلق هذا الخمس بعين الارض لا بعوائدها، و اما علي الثاني و هو المختار فلا ينبغي الشك في كون المصرف مصرف الزكاة بعينه لأنه زكات مضاعفة فيصرف في مصارفها، فكل من هذين القولين ناظر الي مبني و لا ينبغي جعلهما قولين مختلفين في محل واحد كما يظهر من بعض ما مر آنفا.
، او هو اعم منها فيشمل جميع الانتقالات حتي مثل الهبة و الصلح بلا عوض و غيرهما؟
نسب الي ظاهر المشهور الاول، و الثاني الي كاشف الغطاء، و الثالث الي ظاهر الشهيدين.
قال في مصباح الفقيه: «مقتضي الجمود علي ظاهر النص و الفتوي قصر الحكم المزبور علي خصوص ما لو اشتراها الذمي من مسلم و لكن
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 133.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 259
صرح كاشف الغطاء بعمومه لما تملكها منه بعقد معاوضة كائنة ما كانت دون الانتقال المجاني و عن ظاهر الشهيدين عمومه حتي في الانتقال المجاني». «1»
و صرح في الحدائق بعدم جواز التعدي عن مورد النص، و هو ظاهر بعض محشي العروة و ان اختار هو التعدي الي مطلق المعاوضات.
اقول: لا ينبغي الشك في ظهور النص و هو صحيحة ابي عبيدة في الشراء، انما الكلام في انه هل يمكن الغاء الخصوصية عنها
و تنقيح المناط بالنسبة الي مطلق المعاوضة او مطلق الانتقال؟ فان قلنا بان العلة في هذا الحكم هي عدم تسلط الكفار علي اراضي المسلمين فالتعدي الي مطلق المعاوضات بل مطلق الانتقالات ظاهر، و لكن اني لنا اثبات ذلك بدليل قطعي و ان كان مظنونا فالظن لا يغني من الحق شيئا و حينئذ يشكل القول بالتعدي مطلقا، اللهم الا ان يقال: ان الغاء الخصوصية العرفية هنا حاكم و ان لم يعلم المناط فان العرف لا يفرق بين الاشتراء و الصلح مع العوض و شبهه و لا شغل له بمناطات الاحكام بل بظواهر الادلة فقد لا يفهم لبعض القيود ظهورا في تقييد الحكم بل يراه من قبيل ذكر المصداق. «2»
هذا كله علي فرض القول المشهور، و اما علي القول المختار فالظاهر التعدي منه الي مطلق الانتقال لان ظاهره حفظ حق الفقراء من زكات الارضين، فالغاء الخصوصية او تنقيح المناط هنا اوضح.
و قد ذكر في العروة ان الاحوط اشتراط الخمس عليه في عقد الشراء و هل
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 133.
(2)- كفؤله (ع) رجل شك بين الثلاث و الاربع حيث لا يري العرف خصوصية لرجوليته الشاك فيري الحكم ثابتا بالنسبة الي المرأة أيضا.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 260
يصح هذا الشرط؟ الظاهر انه لا مانع منه، و لكن هل يكفي هذا الشرط عن الخمس الواجب عليه (علي القول به) او يجب عليه خمس آخر فيه اشكال. «1»
فالاولي ترك الشرط و المصالحة مع الذمي في هذه الموارد علي القول المشهور، اما علي المختار فقد عرفت ان التعميم قوي فتأمل.
لا ينبغي في ظهور النص في الاول لخروجها عن معني الارض فلا موجب للخمس فيها بعد كون الخمس
علي خلاف القاعدة لان اخذ مال الغير يحتاج الي دليل، هذا علي القول المشهور اما علي القول الاخر فالامر اوضح لان الخمس فيه بمعني الزكاة المضاعفة.
، لجوازه في ساير موارد الخمس بما يأتي فيها من الدليل فينصرف اليه اطلاق الحكم في المقام- سواء علي قول المشهور و غيره- لكن هنا اشكال يجري علي القول بوجوب الخمس في جميع الانتقالات و هو انه اذا دفع الذمي القيمة بدل العين فقد انتقل اليه خمس الارض فيجب عليه خمس هذا الخمس و هكذا.
و ان شئت قلت: ارباب الخمس يملكون هذا المقدار من العين بالاشاعة و لكن للمالك ان يبدله بالقيمة و يتملك سهم ارباب الخمس فهذا تملك جديد، فلو قلنا بوجوب الخمس في كل تملك جديد يأتي فيه ما ذكر و لا مناص له الا اعطاء العين في بعض المراحل فتدبر.
______________________________
(1)- من ان الخمس تكليف الهي، امر وضعه و رفعه بيد الشارع فلا يمكن اشتراطه ضمن عقد كما لا يصح اشتراط اتيان الصلوات اليومية في اول اوقاتها. لكن لقائل ان يقول انه من قبيل شرط الفعل بان يدفع الذمي خمس الارض الي اربابه علي كل حال سواء كان الخمس لهم واقعا أم لا فتأمل.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 261
و لم أر من تعرض لهذه المسألة عد المحقق الهمداني حيث اشار اليها في بعض كلماته و قال: «فهل هو بمنزلة شرائه منه ثانيا حتي يثبت فيه الخمس و جهان اوجههما العدم فان هذا لا يعد في العرف شراء الخمس الذي هو من الارض … فلا يعد عرفا من المعاوضات فضلا عن ان يطلق عليه اسم الشراء». (انتهي) «1»
اقول: ما افاده من عدم صدق الشراء
عليه عرفا حق لا ريب فيه و لكن لا ريب انه نوع انتقال للملك اليه بعوض، فلو قلنا بهذه المقالة في جميع الانتقالات لم لا يدخل في الحكم؟ لا سيما اذا قلنا ان الحكمة فيه عدم المنع عن سلطة الكفار علي اراضي المسلمين مهما امكن.
و علي كل حال ان اختار الذمي بذل القيمة و كانت مشغولة بالزرع او الغرس او البناء (علي القول به في مثله) تقوم مشغولة بهذه الامور مع الاجرة لما سيأتي من عدم جواز قلعها من ناحية ولي الخمس كما انه لا وجه لبقائها فيها بدون الاجرة، فالجمع بين الحقين تقتضي بقائها مع الاجرة كما هو ظاهر.
اذا كانت هذه الامور فيها عند اشترائها، لان المفروض ان الارض انتقلت اليه مشغولة بهذه فله حق فيها من هذه الجهة فكيف يجوز له قلعها، فاذا انتقلت خمس الارض الي اربابه كان عليه الاجرة و الا لم يكن للأرض فائدة غالبا، نعم لا يجوز له احداث هذه الامور بعد الانتقال اليه لتعلق حق ارباب الخمس بها (علي قول المشهور).
، و هل يجوز له ابقائها في يد الذمي او غيره بعنوان الاجارة فيأخذ مال
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 134.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 262
الاجارة و يوصلها الي ارباب الخمس؟
و لا يختص الحكم بمحل الكلام بل يجري في جميع موارد الخمس من ان الواجب علي ولي الخمس تفريقها بين اهلها، او يجوز له ايجارها و اخذ ارتفاعها و تقسيمها بينهم لا سيما اذا كانت مشغولة بشي ء مما ذكر.
صرح في الجواهر في المقام بتخيير الحاكم في ذلك، و صرّح غير واحد منهم أيضا بذلك كصاحب الحدائق و المسالك و الروضة و كاشف الغطاء و الشهيد في الحواشي المنسوب اليه فيما حكي عنهم، الي غير ذلك.
بل لم أر من خالف في ذلك عدا بعض اعلام العصر دام ظله كما في مستند العروة حيث اشكل في هذا الحكم بالنسبة الي سهم السادة، فان سهم الامام عليه السّلام يجوز التصرف فيه بما هو رضاه و احراز رضاه في هذا الامر ممكن، اما بالنسبة الي سهم السادة فليس لولي الامر الا الولاية عليهم في قبض حقهم من الارض و صرفها فيهم اما الايجار فلم يثبت ولايته عليه، نعم لو أخّر الذمي دفع الارض فله اخذ اجرة المثل منه. «1»
اقول: الانصاف كما فهمه الاصحاب عموم ادلة الولاية من هذه
الجهة، فالحاكم الشرعي بالنسبة الي الزكوات و الاخماس و اموال المسلمين من الخراج و غيره كالوالد للولد، بل يستفاد من ادلة ولاية الفقيه اكثر من ذلك فقد تكون المصلحة في حفظ هذه الاموال و ارتزاقهم من ارتفاعها لا تفريق نفس هذه الاموال بينهم، فعليه ملاحظة مصالحهم في كل مورد بل قد يكون تفريقها بينهم سببا لتضييعها في مدة قليلة بينما يكون ايجارها سببا لبقائها مدة طويلة مع الانتفاع بمنافعها، و لا يبعد القول بذلك حتي في مثل زكاة الفطرة و زكات الاموال أيضا فتدبر.
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 180.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 263
و الحاصل: ان الفقيه بما انه ولي المسلمين و ولي ارباب الخمس يجب عليه تدبير امورهم بما هو الاصلح بحالهم، و تدبير الامور بما هو معروف بين العقلاء من اوضح مصاديق الولاية كما لا يخفي، و فتح هذا الباب يوجب رفع المضايق الكثيرة من المسلمين عامة و من الحوزات العلمية خاصة كما لا يخفي علي الخبير.
لما عرفت من اطلاق دليله و هو صحيحة ابي عبيدة الحذاء، سواء قلنا بمقالة المشهور أم قلنا بان المراد الزكاة المضاعف كما لا يخفي بل لم ينقل من احد احتمال النصاب فيها نعم يجري فيه نصاب الزكاة علي المختار.
بعد عدم امكانها من ناحية الذمي، لعدم امكان التقرب له لمحل كفره؟
ظاهر الجواهر و غيره عدم وجوبه لإطلاق الدليل و لكن حكي عن الدروس و ظاهر المسالك و غيره وجوبه للحاكم، و ظاهر العروة و اكثر حواشيها أيضا عدم الوجوب.
نعم احتاط بعضهم كسيدنا الحكيم بوجوبها عند الدفع الي السادة.
و العمدة ما عرفت من اطلاق الدليل هنا، و عدم وجود دليل علي وجوب نية القربة من ناحية الفقيه، بل ذكرنا في باب الزكاة التي هي الاصل في المسألة انه لا دليل علي وجوب نية القربة علي الحاكم الشرعي لو أخذها من الممتنع فضلا عن الكافر، و كونها عبادة انما هو بالنسبة الي مؤديها لا بالنسبة الي الحاكم.
مثلا اذا لم يعمل اهل الكتاب الموجودون في البلاد الاسلامية بشرائط الذمة كدفع الجزية (علي ما هو المعروف من انه من اهم شرائطه) او كان هناك رجال من
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 264
سائر البلاد الاسلامية بذلوا رءوس اموالهم للتجارات و الصنائع في البلاد الاسلامية و لم يكونوا حربيين بل كانوا مهاندين يعاشرون المسلمين بالمعروف، فاشتروا بعض الاراضي لهذه المقاصد غير المحرمة علي الفرض فهل يقتصر في الحكم علي الذمي العامل بشرائط الذمة و يستثني هؤلاء أم يقال بشموله لهم أيضا؟
ظاهر صحيحة ابي عبيدة في بدء النظر الاختصاص بهم و عدم التعدي عنهم لعدم دخولهم تحته، و لكن لقائل ان يقول بشمول الحكم لهم بالاولوية القطعية، و يؤيده ما ذكروه في حكمة هذا الحكم و ان الغرض عدم استيلائهم علي هذه الاراضي او قلة استيلائهم عليها و لم أر من تعرض للمسألة فيما نظرته عاجلا، و لكن الشمول ليس ببعيد من جهة الاولوية او الغاء الخصوصية
القطعية و الله العالم بحقايق الحاكمه.
قال في الشرائع «سواء كانت مما فيه الخمس كالأراضي المفتوحة عنوة او ليس فيه كالأراضي التي اسلم عليها اهلها» و اضاف اليه في الجواهر:
«حيث يصح بيعها كما لو باعها امام المسلمين في مصالحهم او باعها اهل الخمس اذ قد عرفت ثبوته في الاراضي من الغنائم بل قد يقال به في المبيع منها تبعا لآثار التصرف فيها وفاقا للمحكي عن جمع من المتأخرين بناء علي حصول الملك للمتصرف بذلك، و ان كان يزول بزوال تلك الآثار». انتهي. «1»
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 66.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 265
و لكن عن المحقق الأردبيلي و صاحب المدارك الاشكال فيه و تبعهما في ذلك بعض اعلام العصر. «1»
و الظاهر ان نزاعهم فيه لفظي او قريب منه، و حاصل الكلام في المسألة انه اذا جاز بيعها كما اذا كان باذن الامام في مصالح المسلمين، او قلنا بوجوب الخمس في هذه الاراضي (و ان كان خلاف التحقيق) فباع السادة حقهم منها، فلا اشكال و لا كلام في شمول الحكم لها لإطلاق الدليل و عدم القرينة علي تقييده.
و اما في غير هذه الصور، فان قلنا بان الارض المفتوحة عنوة تملك بتبع الآثار فيباع كذلك فالظاهر أيضا شمول الحكم له لصدق عنوان الشراء عليها، و كون الملك متزلزلا، و تبعا للآثار غير ضائر بعموم الحكم بعد اطلاق الدليل.
و اما اذا قلنا بعدم الملك لها حتي تبعا للآثار و انه ليس هناك الا حق الاختصاص، فشمول عنوان الشراء له غير واضح الا مجازا- كما أطلق عليه في اخبار الاراضي الخراجية- فلا يجري فيه هذا الحكم.
و من العجب تصريح العروة بشموله لها حتي في
هذا الفرض، اللهم الا ان يقال بتنقيح المناط و شمول حكمة الحكم لها، و لكنه ضعيف جدا.
*** بقي هنا شي ء و هو ان المعروف بين الاصحاب ان هذه الاراضي ملك للمسلمين كافة، بل قد ادعي الاجماع عليه في الخلاف و التذكرة، و قد صرح في روايات كثيرة بانها في ء للمسلمين او انها للمسلمين جميعا (لمن هو اليوم
______________________________
(1)- محاضرات في فقه الامامية، كتاب الخمس، الصفحة 107.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 266
و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد) و قد افتي بها كثير من الاصحاب.
و لكن حيث يعامل مع هذه الاراضي- و منها ارض العراق- معاملة الملك ببناء المساجد و سائر الاعيان الموقوفة و بيعها و شرائها في هذه الاعصار بل و قبلها وقع فقهائنا- رضوان اللّه عليهم- في حيص بيص.
فقال غير واحد منهم بان ذلك انما يكون في خصوص ما اذا رأي امام المسلمين جواز بيع بعضها لمصلحة او في خصوص سهم السادة بناء علي ملكهم لخمس الارض (كما هو مختار جماعة) او انها كانت في الموات منها حال الفتح فان احكام المفتوحة عنوة لا تجري الاعلي المحياة حال الفتح و لكن مع ذلك قال في مفتاح الكرامة:
بجواز بيع هذه الاراضي و لو مستقلة و من دون تبعية للآثار بل حكاه عن ظاهر الدروس و جامع المقاصد، و استدل له بانه كان متداولا بين المسلمين في زمن الحضور و الغيبة عند الخاصة و العامة في الاراضي المشهورة بانها كانت مفتوحة عنوة في جميع الاعصار و الامصار الي عصرنا هذا من دون انكار احد لذلك و اجراء احكام المساجد علي ما جعل مسجدا و كذا اجراء احكام الملكية
عليها.
ثم قال: «و حمل ما كان يتصرفون فيه منها في الاعصار السابقة علي ان الامام باعه لمصلحة المسلمين او كان مواتا حين الفتح او ان ذلك كان في خمسها تعويل علي الهباء و اتكال علي المني». «1»
______________________________
(1)- مفتاح الكرامة، المجلد 4، الصفحة 243. و الظاهران مما دعاه الي هذا القول هو ما نراه من بيع اراضي السواد بلا التفات الي كونها من الموات حال الفتح او غيرها و لا سيما انها كانت معمورة حتي قبل التاريخ.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 267
و تبعه في ذلك صاحب الحدائق و صرح بان ظاهر الاخبار جواز البيع و الشراء من تلك الاراضي مع قيام المشتري بما عليها من الخراج ثم قال:
«و يحمل ظاهر المنع الذي اشعرت به تلك الاخبار من حيث كونها فيئا للمسلمين علي الشراء علي وجه يتملكه بذلك من غير وجوب دفع حق المسلمين اي الخراج». «1»
و لكن صرح غير واحد منهم وفاقا لما في المسالك بان عدم صحة بيعها و وقفها و هبتها انما هو فيما اذا باع رقبتها مستقلة، اما لو فعل ذلك تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع فجائز علي الاقوي، فاذا باعها بايع مع شي ء من هذه الآثار دخلت في البيع علي سبيل التبع … فاذا ذهبت اجمع انقطع حق المشتري. هكذا ذكره جمع من المتأخرين و عليه العمل. «2»
و لكن صاحب الجواهر انكر ذلك أيضا حيث قال: «انه مناف للأدلة القاضية بانها ملك للمسلمين علي كل حال بل قيل ان الملك مناف لترتب الخراج عليها مضافا الي ان بناء الملك علي التاييد و الدوام دون الدوران مدار الآثار.
اضف الي انه لم يقم دليل علي ملكيته
تبعا للآثار سيما مع ملاحظة فتوي العلماء الذين هم حفاظ الشريعة». (انتهي ملخصا) «3»
اقول: هذه معضلة عويصة، فمن ناحية تدل الادلة علي انها في ء للمسلمين و ملكهم جميعا و من ناحية اخري نري بيع اراضي العراق و شبهها دائما- سواء فيها الدور و البساتين و الاراضي الزراعية، بمرأي من علماء الدين و مسمع منهم، فكل
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 18، الصفحة 304.
(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 155.
(3)- جواهر الكلام، المجلد 22، الصفحة 349.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 268
منهم تلخص منها بطريقة و اخذ مهربا، و العمدة من بينها طرق ثلاثة:
1- بعضهم كصاحبي مفتاح الكرامة و الحدائق انكروا بقاء حكم الملكية للمسلمين من اصلها مع انها مشهورة معروفة و قد ورد التصريح بها في روايات كثيرة (و ان ورد التصريح بالبيع و الشراء في غير واحد من الروايات أيضا لكن لها محامل آخر).
2- و بعضهم مال الي القول بالملكية الموقتة تبعا للآثار مع ما فيه من الاشكال من جهة عدم معروفية الملكية الموقتة بين العرف و العقلاء، و عدم ثبوت الخراج في الملك بل هو شبه مال الاجارة، مضافا الي عدم قيام دليل خاص يدل عليه.
اضف الي ذلك عدم كفاية الملك الموقت في الوقف للمسجد و شبهه.
3- و بعضهم حمل هذه التصرفات علي خصوص ما كان مواتا حال الفتح (و لا أقلّ من احتماله مع حمل فعل المسلم علي الصحة) او كان من خصوص سهم السادة- بناء علي ملكيتهم لخمس الاراضي- او في موارد رأي امام المسلمين المصلحة في بيع بعضها.
و فيه أيضا من الاشكال ما لا يخفي، فانه لا يزل يتصرف في هذه الاراضي كأراضي العراق و ما فتحت عنوة في
غرب ايران او في الشامات و اراضي مصر و غيرها من دون فرق بين جوانبها و نواحيها.
فكل من هذه الطرق الثلاثة فيه مزية و اشكال.
و هناك طريق رابع لعله اقوي و اولي و هو ان الذي يشتري فيها هو حق الاولوية و الاختصاص بها المشابه لحق السرقفلي في عصرنا، و اما احداث المساجد فيها فهو باعتبار انها من مصالح المسلمين فيجوز بيعها و شرائها لذلك و لما اشبهه و قد اذنوا- عليهم السلام- شيعتهم لذلك، هذا بالنّسبة الي
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 269
الروايات الدالة علي جواز بيعها و شرائها، و لكن مع ذلك لا يسقط الخراج منها و تركه و عدم رعايته بعد البيع و الشراء كأنه نشأ عن التسامح و التساهل و قلة المبالاة، و الاحوط لأهل الدين و الورع ان يحاسبوا خراجها و لا أقلّ من الاستيذان عن الحاكم الشرعي بالنسبة الي خراجها و الله العالم بحقائق احكامه.
و علي كل حال تعلق الخمس بها اذا لم يدخل الارض في المبيع مما لا وجه له، و من هنا يظهر الاشكال في كلام العروة، و كذا اذا دخلت تبعا لما عرفت من ظهور الدليل في استقلالها بالبيع و صدق شراء الارض لإشراء الدار و الدكان و شبهها.
قبل اخراج الخمس و ان كان البيع لمسلم، و لا باقالة المسلم له في البيع مع احتمال السقوط هنا». «1»
و قال المحقق النراقي في المستند بعد التصريح بعدم سقوط الخمس بالبيع لمسلم: «و كذا لا يسقط لو فسخ الذمي البيع، و لو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل الحكم، و يحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا». «2»
اقول: انتقالها من الذمي الي مسلم قد يكون بالبيع و
نحوه، و اخري بالارث، و ثالثة بالاقالة، و رابعة بالفسخ بالخيار، و الظاهر عدم سقوط الخمس في شي ء من هذه الفروض الخمسة لا طلاق رواية ابي عبيدة، و ما ذكر من ان الملاك هو عدم السلطة فهو من باب الحكمة لا العلة كما هو واضح هذا من ناحية.
______________________________
(1)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.
(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 57.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 270
و من ناحية اخري لو قلنا: ان الاقالة فسخ من اصل (سواء قلنا بالكشف او الانقلاب) اشكل الحكم بوجوب الخمس عليه لانحلال العقد من اصله، و كذا الكلام في الفسخ بالخيار و لكن هذا الاحتمال بعيد في المقامين.
هذا من ناحية ثانية و من ناحية اخري قد يقال: في موارد امكان الفسخ بالخيار ان البيع متزلزل من اصله (و كذا في موارد الشفعة) و الحديث منصرف عن مثل هذا الحكم، و لكن الانصاف ان رفع اليد من الاطلاق بمثل هذه الامور مشكل جدا.
و من ناحية رابعة قد يقال: انه لو باعها من مسلم شيعي دخل في مسألة من ينتقل اليه المال ممن لا يعتقد الخمس و انه لا خمس فيه فيكون المعاملة صحيحة في جميعها حتي في مقدار الخمس، و لكن يجاب عنه بان هذا لا ينافي تعلق الخمس بالذمي فاذا انتقل مجموع الارض الي مسلم شيعي وجب الخمس في ذمته.
و من جانب خامس قد يقال كما في مستند الشيعة انه: «لو نقل الذمي الارض الي غيره قبل اخذ الخمس (منه) لم يسقط الخمس بل لا يصح النقل في قدره و يكون للمشتري الخيار ان كان النقل بالبيع … و لو اخذ المبيع من الذمي بشفعة فالظاهر تقسيط
الثمن اخماسا». «1»
و الوجه فيه تعلق الخمس بالعين علي نحو الاشاعة و شبهها فيكون البيع فضوليا في سهم السادة فالبيع فيه باطل او منوط باجازة ولي الامر، و كذا بالنسبة الي الشفعة فانه لا يصح الأخذ بالشفعة في سهم السادة لما ذكروه في محله من ان الشفعة انما هو في ما اذا انتقل اليه بالبيع لا بغيره من النواقل
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 57.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 271
كالهبة و الاصداق و الصلح و نحو ذلك». «1»
فتكون الشفعة في خصوص اربعة اخماس الارض باربعة اخماس من الثمن، و كان مراد المحقق النراقي أيضا هذا.
هذا كله علي تقدير القول بتعلق الخمس بالعين و اما علي تقدير تعلقه بالمنافع فلا وقع لهذه الاشكالات، لان المدار علي بقائها في يده و زرعها بما يتعلق به الزكاة كما هو واضح.
: تارة يشترط عدم الخمس فهذا الشرط مخالف للشرع قطعا فلا يصح. و ثانية يشترط ان يكون الخمس علي المسلم و هو أيضا شرط مخالف للشريعة لان الخمس بحسب حكم الشرع واجب علي المشتري الذمي لا علي البائع المسلم، و هل يسري فساد الشرط في هاتين الصورتين الي العقد اولا؟ فيه خلاف و لعل الاقوي الثاني. و ثالثة يشترط في ضمن العقد ان يبذل المسلم مالا معادلا للخمس بقصد ابراء ذمة المشتري الذمي و هذا القسم لا مانع منه، لعدم مخالفته لحكم الشرع لجواز دفع الغير عمن يجب عليه الخمس، و حيث يكون بامره و اشتراطه فهو المؤدي للخمس و لو بالتسبيب و هذا المقدار (كاف كمن يستدعي من الغير اداء دينه) و لكن لا يسقط الخمس عنه بمجرد هذا الاشتراط بل انما يسقط
بعد العمل به كما لا يخفي.
«إذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه او من مسلم آخر ثم اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان، خمس الاصل للشراء اولا و خمس اربعة اخماس للشراء ثانيا». انتهي.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 37، الصفحة 240.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 272
اقول: مقتضي الاطلاق وجوب الخمس علي الذمي في كل شراء و لا دليل علي تقييده، فيجب عليه خمس مجموع الارض في الشراء الاول بلا اشكال- كما ذكره في العروة- لكن الكلام في وجوبه عليه في الشراء الثاني فيما اذا دفع قيمة الخمس في الاول بدلا عن دفع العين فملك مجموعها فباعها ثم اشتراها، فهل عليه خمس المجموع او خمس اربعة اخماسها؟ من الواضح وجوب خمس المجموع عليه لأنه اشتري (في الشراء الثاني) مجموع الارض لا اربعة اخماسها فقط. و علي هذا فالصحيح ان يعلّق علي ما ذكره في العروة هكذا: «الّا اذا ادّي الخمس من قيمتها ففي هذه الصورة يجب دفع خمس مجموع الارض ثانيا». هذا كله فيما اذا لم يكن المشتري شيعيا، و اما اذا كان كذلك فقد ملك الارض لمجموعها بشرائها من الذمي و ذلك لشمول ادلة التحليل للمقام فانه اشتراها ممن لا يعتقد الخمس، فاذا باعها من الذمي وجب عليه (اعني الذمي) خمس المجموع سواء ادفعه قبل بيعها من الشيعي من قيمتها أم لا.
قال في العروة:
«لم يسقط الخمس منه»
و وافقه كثير من المحشين، و لكن حكي في المدارك عن المحقق في المعتبر في كتاب الزكاة و العلامة في جملة من كتبه من ان الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام و ان كان النصاب موجودا لقوله عليه السّلام:
«الإسلام يجب عما قبله» «1» ثم اورد عليه بانه يجب التوقف في هذا الحكم
لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا و متنا، ثم استدل بما ورد في الاخبار الصحيحة من عدم سقوط الزكاة عن المخالف اذا استبصر «2»، و بقاعدة
______________________________
(1)- عوالي اللئالي، المجلد 2، الصفحة 54 و بحار الأنوار، المجلد 6، الصفحة 23.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 1، الصفحة 97، الباب 31 من ابواب مقدمة العبادات.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 273
الاشتغال، و بان لازمه عدم وجوب الزكاة علي الكافر لامتناع ادائها حال الكفر و سقوطها بالاسلام. انتهي «1».
و في مفتاح الكرامة في كتاب الزكاة «2» حكي القول بسقوط الزكاة بالاسلام عن المفيد في كتاب الاشراف، و الشيخ و ابن ادريس و ابن حمزة و سائر المتأخرين عنهم ثم قال «و ما وجدنا من خالف او توقف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة» ثم ذكر كلام المدارك ثم قال: «ان الخبر منجبر بالشهرة في سنده و كذا دلالته بل بالإجماع … و قياسه علي المخالف قياس مع الفارق».
اقول: الظاهر انه لا فرق بين الزكاة و الخمس من هذه الجهة، و انه لا ينبغي الاشكال في سقوطه عن الكافر أيضا لما حققناه في محله من ان سند الحديث منجبر بالشهرة المحققة بل دلالته أيضا تامة لعمومه او اطلاقه، بل صرح في مصباح الفقاهة في كتاب الزكاة بعد حكاية تسالم الاصحاب علي العمل بها: «ان مثل الزكاة و الخمس و الكفارات و اشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها».
و العجب من صاحب العروة حيث صرح في كتاب الزكاة في المسألة 17 من اصل الوجوب بانه: «لو اسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه و ان كانت العين موجودة فان الإسلام يجب ما قبله و وافقه
المحشون فيما رأينا نعم اشكل بعضهم في هذا الحكم عند وجود العين، و نطالبهم بالدليل علي الفرق بين المقامين. و القول بان محل الكلام ليس من الخمس الواجب علي كل احد بل علي خصوص الذمي فهذا لا يسقط بالاسلام ممنوع جدا بعد
______________________________
(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 42.
(2)- مفتاح الكرامة، المجلد 3، الصفحة 30.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 274
اطلاق الدليل، بل الحكم بسقوط هذا القسم اولي فانه اذا سقط ما هو مشترك بين الإسلام و الكفر فسقوط ما يختص بحال الكفر اولي و انسب».
و علي كل حال الدليل علي المقصود مضافا الي اطلاق حديث الجب المنجبر ضعفه بعمل الاصحاب، جريان السيرة القطعية من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة- عليهم السلام- القائمين مقامه من عدم مطالبة من دخل في الإسلام باداء الزكوات و الاخماس الماضية مع ان كثيرا من اعيانها كانت موجودة بل عند اسلام الذميين مع وجود بعض الاراضي المشتراة من المسلمين في ايديهم.
اما قياس المسألة علي المخالف فقد عرفت انه قياس مع الفارق، و كذا تمسك المدارك بقاعدة الاشتغال بعد قيام الدليل علي البراءة فاسد.
و اما امتناع ادائها علي الكافر لعدم صحته منه حال كفره و سقوطه عنه بالاسلام، فيرد عليه ان فائدة وجوبها عليه حال الكفر بعنوان حكم وضعي متعلق بامواله، امكان اخذه منه من ناحية الحاكم الشرعي علي ان اشكال يجري حتي في قضاء عباداته لعدم تأتي قصد القربة منه، فما اجيب به هناك نجيب به هنا و حاصله حصول فائدة التكليف و عدم لغويته بترتب آثار عليه من قبيل صحة العقاب فتأمل.
و علي كل حال لا ينبغي الاشكال في اصل المسألة، و
اوضح حالا منه ما لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه علي القبض (كما سيأتي) فاسلم بعد العقد و قبل القبض، فان المفروض عدم حصول الملك بالاشتراء حتي يجب عليه الخمس كما هو واضح.
انما الكلام في انه كيف يتصور اشتراط القبض هنا و ذلك يمكن من وجوه:
منها: ان يكون المسلم قد وهب الذمي الارض هبة معوضة او غير
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 275
معوضة، و المعروف في الهبة اشتراط القبض في حصول الملكية فقبله لا يكون ملكا له حتي يجب الخمس فيه، و المفروض حصولها في حال الإسلام (و لكن قد عرفت الاشكال في تملك الارض بغير الشراء).
منها: ان يكون اشتراء الارض بعنوان السلم- كما في بعض كلمات مستند العروة- «1» و لكن الذي يظهر من المحقق و صاحب الجواهر و المسالك و غيرهم عدم جوازه عندنا حيث اطلقوا عدم جواز الاسلاف في العقار و الارضين و لم ينقلوا فيه مخالفا. «2»
و لعله لاشتراط كونه في مبيع كلي قابل للتوصيف، و من المستبعد جدا امكان توصيف ارض كلي بصورة واضحة لاختلاف القيم تبعا لاختلاف الامكنة.
مضافا الي ان ظاهر دليل وجوب الخمس هنا انما هو اشتراء الارض الشخصي لا ارض كلي بعنوان السلف، نعم بعد تعينها في ارض شخصي لا يبعد صدق تملك الارض بالشراء.
و منها: ان تكون الارض ثمنا في السلف لعين اخري كما اذا باع الذمي ثيابا سلفا بارض حاضرة و قبل قبض الثمن و هو الارض قد اسلم و بعد الإسلام قبض و تملك الارض، و لكن الانصاف انه غير مفاد رواية ابي عبيدة الحذاء فان مفادها تملكها مثمنا لا ثمنا، اللهم الا ان يقال: بالغاء الخصوصية فتأمل. فتلخص انا
لم نجد مثالا صحيحا لما ذكره في العروة خاليا عن المناقشة، و لو سلم فلا اشكال في سقوط الخمس عنه لعدم تحقق الملكية في حال الكفر فانها متوقفة علي القبض و المفروض ان الذمي لم يقبض الارض
______________________________
(1)- راجع مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 190.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 24، الصفحة 283.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 276
الا بعد اسلامه.
هذا كله علي القول بتعلق الخمس بالعين، اما لو قلنا بتعلقه بعوائدها فهو أيضا كذلك اعني اذا اسلم لم يجب عليه الا زكاة واحدة و لو كان العين موجودة بل الامر اوضح هنا لعدم الحاجة الي قاعدة الجب بعد تبدل العنوان فان الزكاة المضاعفة واجبة علي الذمي و هو الان مسلم (و الحمد لله علي كل حال).
(او من كافر غير ذمي) لعقد مشروط بالقبض- كالأمثلة السابقة علي اشكالاتها- فاسلم الكافر الثاني قبل القبض و الاقباض، و حينئذ يصدق انتقال الارض الي الاول عند اسلام البائع فهل يجب علي الذمي الخمس؟ قال في العروة: «فيه و جهان: اقواهما الثبوت» و اشكل عليه جماعة من المحشين.
و قال في مصباح الفقيه: «انه لا يخلو عن نظر لخروجه عن منصرف النص». «1»
لكن قال صاحب الجواهر بان: «الاقوي فيه الخمس». «2»
اقول: ما ذكره في مصباح الفقيه من احتمال الانصراف او قوته كما يظهر من الجواهر حسن جيد، فيشكل جعل الخمس عليه حينئذ و الاصل عدمه.
، فهل يسقط الخمس منه او لا؟
الظاهر عدم سقوطه لان الملك قد حصل له بل و قد استقر، غاية الامر ان هذا الشرط قد جعله في معرض الزوال (لا انه ملك متزلزل).
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 134.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 67.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 277
و حينئذ يمكن ان يقال بانصراف النص عنه و ظهوره في ملك ليس كذلك لا سيما اذا كانت السلطة علي املاك المسلمين علة للحكم، و لكن الانصراف ممنوع و السلطة انما هي بمنزلة الحكمة لو قلنا بها لا العلة التي يدور مدارها الحكم.
ثم ان هذا الشرط من الشرائط الصحيحة لعدم مخالفتها للشرع و لا لمقتضي العقد و لا لغير ذلك من الشرائط المعتبرة في الشروط. نعم هو مخالف لإطلاق العقد و ذلك جائز بلا اشكال كما هو الشأن في كل شرط هذا و قد ذهب بعض الي بطلان ما لو اشترط البائع علي المشتري ان يبيعه منه ثانيا و ذلك لوجود روايات خاصة لا لمخالفته لمقتضي القاعدة.
، قال في العروة:
في ثبوت الخمس فيه وجه ثم جعل الاقوي خلافه.
قلت: وجه الخمس انه انتقل الي الذمي الارض من المسلم لان المفروض انها صارت للمسلم ثم رجعت الي ملك الذمي، فلو قلنا بثبوت الخمس في كل انتقال فهذا من مصاديقه.
و لكن قد عرفت انه لم يثبت الخمس في جميع الانتقالات، سلمنا و لكن لا يصدق عليه الانتقال اليه من مسلم بعد ان كان الفسخ بالخيار او الاقالة هو ابطال المعاوضة السابقة لا معاوضة جديدة فيرجع الملك الي ما كان من قبل كما هو ظاهر.
، فلو اشتري الذمي الارض المملوكة من طفل من اطفال المسلمين باذن وليه وجب عليه الخمس، لجريان جميع احكام المسلمين علي اولادهم في طيات كتب الفقه، و كذا الحكم في عكسه بان اشتري الذمي لولده مثلا ارضا من مسلم فانه داخل في مورد الرواية (بناء علي تعلق الخمس
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 278
بغير البالغين و لكنه محل للكلام) و كان الاولي لصاحب العروة ذكره أيضا كما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره-. «1»
وجب الخمس في ذلك الخمس و كذلك الي أية مرحلة انتهي اليها البيع، هذا اذا كان بعد اداء الخمس الي اربابه او الي الحاكم الشرعي و لو بتخلية اليد لتحقق ملك المسلم لها، اما اذا كان قبل الاداء فان قلنا بتعلق الخمس بالعين علي نحو الاشاعة او الكلي في المعين فالامر أيضا واضح، اما اذا قلنا بعدم ذلك و انه حق مالي يتعلق بالعين فاذا بيع عليه يشكل تعلق الخمس بذلك الخمس، لعدم صدق الاشتراء بالنسبة الي الارض بل بالنسبة الي الحق المتعلق به فتأمل جيدا.
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 69.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 279
هذا القسم اوسع نطاقا من جميع موارد الخمس، و عليه يدور رحي كثير من الخدمات الدينية و الحوزات العلمية و امر الحكومة، و هو سبب لتنمية هذه الامور و ستعرف انه من مختصات الشيعة لم يقل به احد من فقهاء العامة، و صار هذا سببا لاتّكالهم في مصارف النشاطات الدينية علي الحكومات الظالمة و الحركة علي وفق مراداتهم و التسليم لأوامرهم و نواهيهم من دون اي استقلال في هذه الامور.
اما شيعة اهل البيت- عليهم السلام- فببركة ارشاداتهم و في ضوء هداهم، استغنوا بسبب هذا الحكم عن قرع باب الظالمين و الحاجة اليهم في امورهم الدينية.
1- اصل وجوب الخمس في الارباح.
2- استثناء المئونة و فروعاتها.
3- مصرفها في حال الحضور و الغيبة و انه هل ثبت تحليلهم له مطلقا او في خصوص زمن الغيبة.
اما الثالث فالكلام فيه موكول الي آخر مباحث الخمس في الفصل الاخر
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 280
من هذا الكتاب اي فصل قسمة الخمس.
بل ادعي الاجماع فيه و تواتر الاخبار به.
قال الشيخ- قدس سره- في الخلاف في المسألة 138 من كتاب الزكاة:
«يجب الخمس في جميع المستفاد من ارباح التجارات و الغلات و الثمار علي اختلاف اجناسها بعد اخراج حقوقها و مؤنتها و اخراج مؤنة الرجل لنفسه و مؤنة عياله سنة و لم يوافقنا علي ذلك احد من الفقهاء.
دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم و طريقة الاحتياط تقتضي ذلك».
و حكي في الجواهر عن الغنية و التذكرة و المنتهي و ظاهر الانتصار و السرائر الاجماع عليه … ثم قال: «و هو الذي استقر عليه المذهب و العمل في زماننا هذا بل و غيره من الازمنة السابقة التي يمكن دعوي اتصالها بزمان اهل العصمة- عليهم السلام-». «1»
هذا و لكن المحقق في المعتبر بعد نسبة القول بذلك الي كثير من الاصحاب قال: «و قال ابن ابي عقيل و قد قيل الخمس في الاموال كلها …
لان ذلك افادة من الله و غنيمة». و قال ابن الجنيد فاما ما استفيد من ميراث او كد بدن او صلة اخ او ربح تجارة او نحو ذلك فالاحوط اخراج خمسه لاختلاف الرواية في ذلك و لو لم يخرجه الانسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها». «2»
و ظاهر تعبير الاول ب «قيل» و تعبير الثاني بالاحوط لا سيما مع تصريحه في آخر كلامه
بعدم كون تاركه مثل تارك الزكاة التردد في وجوب الخمس
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 45.
(2)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 628.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 281
في هذا القسم، فهل ترددهم كان من جهة اصل وجوبه او من جهة العفو عنه و تحليله، و علي كل حال لا يظهر منهم المخالفة بل الترديد في المسألة، و لو فرض مخالفتهم في ذلك فلا يبعد انعقاد الاجماع علي خلافهم كما عن الشهيد في البيان قال: «و ظاهر ابن الجنيد و ابن ابي عقيل العفو عن هذا النوع و انه لا خمس فيه و الاكثر علي وجوبه لانعقاد الاجماع عليه في الازمنة السابقة لزمانهما و اشتهار الروايات فيه». «1»
*** و الذي يدل علي ثبوت الحكم فيه قبل كل شي ء هو آية الخمس، و قد مر ان الغنيمة تعم جميع المنافع و لا يختص بغنائم دار الحرب، و ورودها في مورد آيات الجهاد لا يوجب تخصيصها بهذه الغنائم خاصة فكم من عام ورد في مورد خاص و كم من قانون كلي انطبق علي مصداق جزئي.
و ذلك لأمور:
1- قد اشرنا سابقا الي كلمات ارباب اللغة و المفسرين و موارد استعمال هذه الكلمة و ان الغنيمة عندهم هو «كل مال مظفور به من جهة العدي و غيره» (كما في المفردات).
«و الغنم الفوز بالشي ء، من غير مشقة» (كما في لسان العرب).
«و ان الاصل فيها هو افادة شي ء لم يملك من قبل» (كما في المقاييس).
«و ان الغنم و الغنيمة الفوز بالشي ء بلا مشقة» (كما في تاج العروس، و في شرح القاموس الي غير ذلك و مما ورد في هذا الباب و قد ورد في الكتاب العزيز: فَعِنْدَ اللّٰهِ مَغٰانِمُ كَثِيرَةٌ
«2»
______________________________
(1)- حكاه في الحدائق، المجلد 12، الصفحة 347.
(2)- سورة النساء، 94.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 282
و هو ليس بمعني غنائم الحرب كما هو واضح.
2- و قد ورد في احاديث رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم:
غنيمة مجالس الذكر الجنة الجنة.
و الغنيمة من كل برّ.
اغتنموها و اطلبوا المغفرة. «1»
و اغتنمت الدعوة. «2»
3- و قد ورد استعمالها في احاديث ائمة المعصومين- عليهم السلام- في المعني الاعم الي ما شاء الله، ففي حديث لأمير المؤمنين عليه السّلام: «لقاء الاخوان مغنم». «3» و في حديث آخر له عليه السّلام: «اغتنموا الدعاء عند اربع: عند قراءة القرآن و عند الاذان و عند نزول الغيث و عند التقاء الصفين للشهادة». «4»
و يدل علي ذلك او يؤيده اطلاق الغنم علي الحيوان المعروف، فانه انما أطلق عليه ذلك لكثرة منافعه و الا لم يكن الغنم مما يغنمه العرب في حروبه حتي يقال: كثرة اخذه بعنوان الغنيمة صارت سببا لا طلاق هذا الاسم عليه.
قد وردت في كلمات مولانا امير المؤمنين عليه السّلام فيما حكي عنه في نهج البلاغة موارد كثيرة، منها: «الحمد لله … مانح كل غنيمة». «5»
و منها: «ان اللّه سبحانه جعل الطاعة غنيمة الاكياس». «6»
و منها: «من اخذ بها (شرايع الدين) لحق و غنم». «7»
______________________________
(1)- مسند احمد، المجلد 5، الصفحة 454.
(2)- مسند احمد، المجلد 6، الصفحة 2 و 5.
(3)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 179.
(4)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 477.
(5)- نهج البلاغة، خطبة 83.
(6)- نهج البلاغة، قصار الحكم، 331.
(7)- نهج البلاغة، خطبة 120.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 283
و منها: «لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم». «1»
و منها: «اغتنم المهل و
بادر الاجل و تزود من العمل». «2»
و قد ورد التصريح بعمومية معني الغنيمة في خصوص الآية الشريفة أيضا روايات.
منها: ما رواه علي بن مهزيار في حديث طويل له عن ابي جعفر عليه السّلام و فيه: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالي:
و اعلموا انما غنمتم من شي ء … و الغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر … ». «3»
و منها: ما ورد في رواية حيكم موذن بني عيس من ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«قلت له: و اعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرّسول قال هي و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا». «4»
و منها: ما رواه في الفقه الرضوي بعد ذكر الآية «و كل ما افاده الناس فهو غنيمة».
و منها: قوله عليه السّلام «ليس الخمس الا في الغنائم» «5» الي غير ذلك.
و من ذلك كله تعرف النظر في ما في المدارك و قد حكي متابعة صاحب الذخيرة له فيه من الاشكال في دلالة الآية، و ان المتبادر من الغنيمة
______________________________
(1)- نهج البلاغة، كتاب 53.
(2)- نهج البلاغة، خطبة 76.
و من الواضح ان حمل كل هذه الاستعمالات علي المجاز بعيد جدّا فلا أقلّ من كونها مؤيّدة لما نقلناه عن كتب اللغة.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(4)- وسائل الشيعة، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.
(5)- نفس المصدر، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 284
الواقعة فيها غنيمة
دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات.
و فيه ما عرفت من الشواهد الكثيرة و الروايات المعتبرة الدالة علي انها استعملت في المعني الاعم الموافق لمعناه في اللغة و استعمالات اهل العرف.
اما كونها في سياق ايات الحرب فغير قادح، لعدم كون المورد مخصصا للحكم الوارد عليه.
الثاني: الروايات الكثيرة التي ادعي تواترها فيها روايات صحيحة كثيرة و غيرها نذكر شطرا منها.
1- موثقة سماعة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخمس فقال: في كل ما افاد الناس من قليل او كثير». «1»
2- ما رواه عبد الله بن سنان قال: «قال ابو عبد الله عليه السّلام: علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة عليها السلام و لمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس». الحديث. «2»
3- ما رواه علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعري قال: «كتب بعض اصحابنا الي ابي جعفر الثاني عليه السّلام اخبرني عن الخمس اعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المئونة». «3»
4- ما رواه علي بن مهزيار أيضا عن علي بن محمد النيشابوري: «انه سأل ابا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل اصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرما يزكي فاخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي
______________________________
(1)- نفس المصدر، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(2)- نفس المصدر، الحديث 8.
(3)- وسائل الشيعة، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 285
في يده ستون كراما لذي يجب لك من ذلك؟ و هل
يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته». «1»
5- ما رواه علي بن مهزيار أيضا قال: «قال لي ابو علي بن راشد قلت له امرتني بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم و ايّ شي ء حقه فلم ادر ما اجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي اي شي ء؟ فقال في امتعتهم و صنائعهم. قلت و التاجر عليه و الصّانع بيده؟ فقال:
اذا امكنهم بعد مؤنتهم». «2»
6- ما رواه علي بن مهزيار أيضا قال: «كتب اليه ابو جعفر عليه السّلام و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: … فالغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة الحديث». «3»
الي غير ذلك مما رواه في الباب الثامن من الوسائل فقد انهاها الي عشر روايات، مضافا الي روايات كثيرة وردت في الباب الرابع من ابواب الانفال الدالة علي تحليل التجارات و الزراعات و غيرها (تحليلا في برهة خاصة من الزمان) يدل بدلالته الالتزامية علي وجوب الخمس في هذه الامور، و بعض ما ورد في الباب الثالث منه أيضا، و لعل المجموع يبلغ حد التواتر الذي ادعاه بعضهم.
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 2.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
(3)- نفس المصدر، الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 286
و من هنا تعرف انه لا تنحصر الرواية فيما رواه علي بن مهزيار، حتي
يقال انها راجعة الي خبر واحد و ان كان خبر الواحد الثقة أيضا حجة لا سيما بعد عمل الاصحاب علي وفقه.
كما ان الاشكال علي صحيحة علي بن مهزيار الاخيرة بانها متروكة الظاهر «1» او بان فيها احكام كثيرة مخالفة للمذهب «2» او ان في منتها انحاء الاضطراب المانع من الوثوق بصدوره، و لم يعتمد عليها اصحابنا من السلف و الخلف «3» او غير ذلك مما ذكروه، او ان الرواية في غاية الاشكال و نهاية الاعضال و اجوبة صاحب المعالم مع كونها تكلفات مدخولة كما ذكره الحدائق «4» الي غير ذلك.
لكن الانصاف امكان الذب عن جميعها، و قد اشار صاحب المعالم الي اربعة منها، و لكن يمكن انهائها الي ثمانية او سبعة:
احدها: ان قوله: «اوجبت … » مما لا يمكن المساعدة عليه، لان شأن الامام عليه السّلام حفظ الشريعة لا تشريع الاحكام و ايجاب الواجبات.
ثانيها: ان قوله: «فقط» الدال علي انحصار الايجاب لتلك السنة- و هي سنة 220 من الهجرة- ينافي ابدية الاحكام، فان الحلال حلال الي يوم القيامة و الحرام كذلك.
و يمكن دفع كلا الاشكالين بان هذا الحكم ليس من الاحكام الفتوائية الكلية، بل حكم جزئي ولائي، فان للإمام المعصوم عليه السّلام و الفقيه القائم مقامه مقامات مختلفة، مقام الفتوي و مقام القضاء و مقام الولاية، فبالاول يبين
______________________________
(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 383.
(2)- مجمع البرهان، المجلد 4، الصفحة 315.
(3)- محاضرات في فقه الامامية للسيد المحقق الميلاني، كتاب الخمس، الصفحة 93.
(4)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 359.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 287
الاحكام الكلية الشرعية و بالثاني يكون بصدد احقاق الحقوق و اجراء الحدود و بالثالث يكون في مقام ادارة شئون المجتمع
الاسلامي، و قد تكون للمجتمع مضايق توجب احكاما جزئية اجرائية في مقاطع خاصة مثل ما هو المعروف عن السيد السند الميرزا الشيرازي في تحريم تنباكو، و الظاهر ان ايجاب خمس الذهب و الفضة في سنة 220 علي شيعته يكون من هذا القبيل و ان كان بعض حكمته تطهيرهم عما قصروا فيه من امر الزكاة و غيره و لكن ظاهر الحديث انه بعض تفسير هذا الحكم لا تمام تفسيره، و الظاهر ان الامام الجواد عليه السّلام كان في تلك السنة جديد العهد ببغداد و كان ضعفاء شيعته في حرج شديد و كانوا محتاجين الي مصارف كثيرة، فلذا اوجب عليهم ذلك في تلك السنة لا في غيرها من السنوات.
و حيث اشتبه هذا الحكم الولائي بالاحكام الكلية علي كثير من الاعلام، زعموا ان ظاهر الحديث متروك مضطرب مخالف للمذهب (و تمام الكلام في ذلك في محله من بحث ولاية الفقيه و ان كان فيما ذكرنا من الاشارة غني و كفاية للمقام).
ثالثها و رابعها: انه كيف خص الذهب و الفضة اللتين قد حال عليهما الحول بهذا الحكم مع ان الحول شرط للزكاة لا الخمس فانه يتعلق بجميع الفوائد بمجرد حصولها، و ان كان الواجب موسعا نظرا الي مؤنة السنة فالحول ليس شرطا للوجوب فيه بل لأخذ مؤنة السنة، هذا مضافا الي ما في اختصاص الذهب و الفضة بالحكم مع ان حكم الخمس عام.
و الجواب عنهما أيضا ظاهر بعد ما عرفت انه حكم ولائي تابع لنظر الامام المعصوم عليه السّلام و الفقيه القائم مقامه، فقد رأي المصلحة لجعله علي شي ء خاص بشرط معين في زمن معلوم، و ليس حكما كليا الهيا لمسألة الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،
ص: 288
و قد احتمل بعض ان هذا كان زكاة و ان كان بمقدار الخمس، فامر الامام عليه السّلام بأخذ الزكاة في تلك السنة بدل الواحد من الاربعين (25 في المائة) خمسا (20 في المائة) لتقصير شيعته في اداء الزكاة في السنين المتعددة و كان هذا مصالحة منه بالنسبة اليه (و علي هذا يكون في سلك الاحكام الفتوائية الثابتة لكل من قصر في الزكاة) و انما خص الذهب و الفضة بها لان الخلفاء كانوا يأخذون الزكاة عن الاموال الظاهرة من الزراعات و الانعام، و اما الاموال الباطنة كالذهب و الفضة لم تكن ظاهرة لهم فصار هذا سببا لتخفيفه عليه السلام في غيرهما، و جعل الاستشهاد بآية الزكاة في الرواية شاهدا عليه.
و يرد عليه ان تطهير الشيعة عن حقوقهم الواجبة كان من قبيل الحكمة، فان الحكم عام في حق الجميع مع ان التقصير لم يكن في جميعهم ظاهرا و كان بعضهم يؤدون زكاة اموالهم او كان تقصيرهم أقلّ من الخمس الذي يكون اكثر من الزكاة ثمان مرات.
هذا مضافا الي ان قوله عليه السّلام: «و لم اوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و ربح تجارة وضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها تخفيفا مني عن موالي» ينافي ذلك، لعدم جريان الزكاة في هذه الامور فاستثناؤها مما لا يحتاج الي الذكر.
و اما استشهاده عليه السّلام بآية الزكاة، فالظاهر انه لاشتراك الخمس و الزكاة في كونهما سببا لتطهير النفوس و تزكيتها (و كل منهما بدل عن الاخر فله اثره).
فالاولي حمل الخمس علي معناه المعروف و حمله علي الحكم الولائي كما ذكرنا لا الزكاة.
خامسها: ان ما ذكره عليه السّلام في تفسير الغنائم و
الفوائد الذي يشمل
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 289
ارباح التجارات ينافي ما افاده قبله من تخفيفه عليه السّلام فيها.
و الجواب عنه أيضا ظاهر بعد ما عرفت من ان هناك خمسين، خمس واجب عليه بعنوان حكم كلي في كل سنة، و خمس آخر في خصوص تلك السنة اوجبه عليهم لمصالح رآها و هو ولي المسلمين، و الاخير ناظر الي الثاني و الاول الي الاول.
سادسها: ايجاب الخمس علي الميراث ممن لا يحتسب و الجائزة مع انه خلاف ما ثبت من الادلة.
و الجواب عنه انه سيأتي ان شاء اللّه امكان القول بوجوب الخمس فيهما في خصوص من لا يحتسب من الميراث و الجائزة التي لها خطر.
سابعها: ايجاب الخمس علي «مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب» فان المجهول مالكه لا يملك فلا يجب فيه الخمس بل الواجب التصدق به علي الفقراء.
و يمكن الجواب عنه بان المذكور في بعض النسخ «يوجد» بدل «يؤخذ» فيمكن حمله علي اللقطة، و من المعلوم امكان تملكها بعد تعريفها سنة مع ضمانها لو وجد صاحبه، و حينئذ تدخل في عموم المنافع و الفوائد.
و اجيب بامكان حمله علي خصوص المال المحتمل كونه من المباحات الاصلية للفرق بين قوله «لا يعرف له صاحب» و «لا يعرف صاحبه» فالاول يحتمل عدم وجود صاحب له اصلا و لكن لا يخلو عن تكلف.
ثامنها: ما ورد في ذيل الصحيحة و هو وجوب نصف السدس في الضياع و الغلات في كل عام مع انه لا يوافق شيئا مما نعرفه من الاحكام في هذا الباب و لم يفت به احد.
و الجواب: كما اشار اليه غير واحد من المحققين هو ان هذا من باب
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال
(لمكارم)، ص: 290
التخفيف لشيعته و المراد من كل عام، جميع سنوات حياته عليه السّلام و يشهد لذلك مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني اليه (الظاهر انه الامام الهادي) كتب:
«اقرأني عليّ (علي بن مهزيار) كتاب ابيك فيما اوجبه علي اصحاب الضياع انه اوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة و انه ليس علي من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك. فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله، فكتب و قرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان». «1»
فان ظاهرها رجوع حكم الامام الهادي عليه السّلام الي الخمس بعد ما كان حكم ابوه الامام الجواد عليه السّلام تخفيفا نصف السدس، و هذه المكاتبة مما يدل علي جواز تحليل امام عليه السّلام لبعض الازمنة، دون تحليل امام آخر عليه السّلام.
و لعل هذا التخفيف كان بملاحظة ما يغتاله السلطان منهم كما في صدر الرواية و كان ما يغتاله العشر و هو مع نصف السدس يقرب من الخمس (فان مجموعهما يكون 22 من 120 جزء بينما يكون الخمس 24 من 120 جزء).
فقد ظهر بعون الله ان الرواية سليمة عن الاشكالات قابلة للاستناد اليها في باب وجوب الخمس و ساير الابواب مما يستفاد منها حكم بالنسبة اليها.
*** و هاهنا اشكال معروف: حاصله انه كيف يكون خمس الارباح واجبا في الشريعة مع انه لم يعهد من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اخذه و لا جعل من يجبيه كما
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
أنوار الفقاهة - كتاب
الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 291
في جباية الزكاة و الخراج بل و كذلك في عهد الوصي امير المؤمنين عليه السّلام بل و الائمة المتقدمين و لم ينقل في تاريخ و لا رواية اخذهم لهذا القسم من الخمس، نعم اخذها الائمة المتأخرون- عليهم السلام- فكيف يكون هذا من الواجبات و الامر كذلك و كيف يمكن حل هذه المشكلة؟ و اجيب عنه بأمور:
1- انه كان ذلك من طريق اخفاء الظالمين، فكم من حكم جلي اخفوه و كم من حكم واضح غفلوا عنه باسباب شتي لا سيما بسبب تخلل عصر الامويين بيننا و بين عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم، و قد ورد في صحيح ابي داود و سنن النسائي ان اكثر اهل الشام لم يكونوا يعرفون اعداد الفرائض «1» و ليس هذا عديم المثال فانه قد وقع الخلاف في المسائل العام البلوي بين الفريقين كمسائل الوضوء و بعض خصوصيات الصلاة و غيرها.
لكن الانصاف ان الاقتناع بذلك مشكل اذ لا ندري ما هو الداعي للظلمة و اصحابهم علي اخفاء امر خمس الارباح مع امكان انتفاعهم به فاللازم طلب جواب احسن منه.
2- لعل هذا الحكم كان من الاحكام الولائية التي تختلف باختلاف المقاطع و الازمنة بحسب ما يراه اولياء الامر من المصالح و الضرورات و لم يكن كالزكاة المفروضة بعنوان كلي، و لذا تري بعض الائمة- عليهم السلام- يحللونه و بعضهم يأخذونه، و للولي الفقيه النائب عنهم أيضا ذلك.
و فيه انه لا يناسب التعبيرات الكثيرة الواردة في اخبار الباب من تفسير الآية الشريفة به و انها شاملة لجميع الارباح كما مر ذكرها، بل و كذلك ما دل علي ان الخمس حق ثابت لهم بعنوان قانون كلي
الهي، و بالجملة روايات الباب و الآية الشريفة تابي عن هذا الحمل كما هو ظاهر.
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 197 ملخصا.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 292
3- انه فرق كثير بين الزكاة و الخمس، فان الاول ملك للفقراء و حق يصرف في مصالح المسلمين و هو صلي اللّه عليه و آله و سلم مأمور باخذها و جبايتها، و اما الخمس فهو حق له صلي اللّه عليه و آله و سلم و لأوصيائه- عليهم السلام- و من هنا لم يؤمر الا بتبليغه بل قد لا يناسب اخذه من طريق نصب الجباة لجلالة مقامهم و عظمة شأنهم. «1»
4- انه مبني علي تدريجية الاحكام و جواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع بابداع بيانه من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم الي الامام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتية الباعثة علي ذلك، بل قد يكون بعض الامور مودعا عند المهدي عليه السّلام و هو مأمور بابلاغه. «2»
و الانصاف ان هذا أيضا تكلف واضح لا يروي الغليل و لا يشفي العليل فان الخمس أيضا لم يكن كالأملاك الشخصية لهم- عليهم السلام-. اما سهم السادة فامره واضح فانه بدل عن الزكاة المحرمة عليهم و لم يكن طلبه من الناس مخالفا لعلو مقام الائمة الهادين- عليهم السلام- بعد كونهم اولياء للسادة المحرومين، و اما سهم الامام عليه السّلام فانه أيضا يصرف في خدمة المجتمع الاسلامي في طريق تقوية الحكومة الاسلامية التي تعود فائدتها الي جميع آحاد الناس.
اقول: و يمكن ان يقال في توضيح ذلك و تشييد مبانيه:
اولا: انه لو لم ينحل هذه العويصة لم يضر باصل الحكم بعد قيام الاجماع و ظهور كتاب الله
و دلالة الروايات المتواترة الظاهرة في المقصود المعمول بها بين الاصحاب، فكم من عويصة في باب المصالح و المفاسد و كيفية تشريع الاحكام لم تنحل لنا لا بد من ارجاع امرها الي اهلها من دون ان
______________________________
(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 196.
(2)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 196.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 293
يكون ذلك سببا للشك في اصل الحكم بعد وضوح مداركه.
ثانيا: ان مسألة تشريع الخمس في الإسلام لها ادوار ثلاثة: دورة السكوت عنه و هو عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة المتقدمين كأمير المؤمنين عليه السّلام و الحسن و الحسين و زين العابدين- عليهم افضل صلوات المصلين-، فانه قل ما يري من بيان خمس الارباح في عصرهم عين و اثر.
و الدورة الثانية دورة الصادقين- عليهم السلام-، فانهما تكلما عن اصل حكمه و اكدا و اصرا عليه مع تصريحهما باباحتهما للشيعة اياه نظرا الي ظروفهم المعينة.
مثل ما رواه يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون. فقال ابو عبد الله عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «1»
و ما رواه داود بن كثير عنه عليه السّلام أيضا قال: «سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الّا انا اجللنا شيعتنا من ذلك». «2»
و ما رواه حكيم موذن بني عيس عنه عليه السّلام أيضا مع التصريح فيها بتحليل ابيه عليه السّلام قال: «قلت له: و اعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرّسول؟ قال: هي
و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا». «3»
و ما رواه الحارث بن المغيرة النضري عنه أيضا قال: «قلت له: ان لنا
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.
(2)- نفس المصدر، الحديث 7.
(3)- نفس المصدر، الحديث 8.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 294
اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا. قال:
فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «1»
و ما رواه في رواية ابي سيار مسمع بن عبد الملك من كون خمس الارض و ما اخرج اللّه منه لهم (بل جميعها لهم من ناحية اخري) و انهم احلوا ذلك لشيعتهم فراجع. «2»
بل قد يشعر او يدل بعض روايات الباب اخذ الصادق عليه السّلام اياه من بعض الشيعة مثل ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة- عليها السلام- و لمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة حتي الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الّا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة انه ليس من شي ء عند اللّه يوم القيامة اعظم من الزنا انه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا». «3» بناء علي ان يكون «من» في قوله: «الا من احللناه من شيعتنا» للتبعيض (كما هو الظاهر) لا للبيان.
الدورة الثالثة دورة ابي الحسن الرضا عليه
السّلام و الائمة الهادين من بعده- عليهم السلام- و الظاهر انهم كانوا يأخذونه كما تدل عليه الروايات الكثيرة الواردة في الباب 3 من ابواب الانفال مثل ما رواه محمد بن زيد الطبري قال:
«كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي ابي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 9.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الأنفال، الحديث 12.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 295
الاذن في الخمس؟ فكتب اليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ان اللّه واسع كريم ضمن علي العمل الثواب و علي الضيق اللهم لا يحل مال الا من وجه احله الله ان الخمس عوننا علي ديننا و علي عيالنا و علي موالينا (اموالنا) و ما نبذ له و نشتري من اعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا و لا تحرموا انفسكم دعانا ما قدرتم عليه فان اخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم و المسلم من يفي للّه بما عهد اليه و ليس المسلم من اجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام». «1»
و ما رواه محمد بن زيد أيضا قال: «قدم قوم من خراسان علي ابي الحسن الرضا عليه السّلام فسألوه: ان يجعلهم في حلّ من الخمس. فقال: ما امحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقنا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس لا نجعل لأحد منكم في حل». «2»
و هما يدلان علي اخذ الرضا عليه السّلام الخمس منهم.
و ما رواه حسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة عن عمّه الحسين (في حديث) عن
صاحب الزمان عليه السّلام انه رآه و تحته عليه السّلام: «بغلة شهباء و هو متعمم بعمامة خضراء يري منه سواد عينيه و في رجله خفان حمراوان. فقال:
يا حسين كم ترزا علي الناحية و لم تمنع اصحابي عن خمس مالك. ثم قال:
اذا مضيت الي الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه الي مستحقه قال فقلت السمع و الطاعة ثم ذكر في آخره ان العمري اتاه و اخذ خمس ماله بعد ما اخبره بما كان». «3»
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 2.
(2)- نفس المصدر، الحديث 3.
(3)- نفس المصدر، الحديث 8.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 296
و هذا يدل علي اخذ صاحب الزمان- ارواحنا فداه- الخمس.
و الروايات الواردة في الباب 8 مما يدل علي اخذ الامام الجواد و الامام الهادي- عليهما السلام- الخمس من الشيعة و هي كثيرة مرت الاشارة الي كثير منها فراجع نفس الباب.
اذا عرفت هذا فاعلم: ان المستفاد من هذه الاخبار هو تشريع خمس الارباح في زمن الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم بصورة عامة ضمن ساير ما يجب فيه الخمس و تبليغه بصورة تدريجية في زمن الائمة المتأخرين- عليهم السلام- حسب ما كانوا يرونها من المصالح، و هذا الامر ليس بعزيز الوجود في الاحكام الشرعية فان الربا و الخمر لم يحرما من اول الامر مع كونهما محرمين في كل شريعة الهيّة. و اما عدم اخذ الخمس في زمن علي عليه السّلام فلعله لكثرة الخراج آنذاك بحيث كان هو العامل الرئيسي لدعم الحكومة الاسلامية طيلة سنوات عديدة كما يشهد علي ذلك هبات عثمان الكثيرة بحيث كانت تبلغ آلاف ألوف و كان
الامر كذلك الي زمن الصادقين- عليهما السلام- فاظهرا امر خمس الارباح لكنهما- عليهما السلام- لم يأخذاه من الشيعة لفقرهم او للضرائب الكثيرة التي كانت الحكومات الجائرة تأخذ منهم، و لذا قال عليه السّلام ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم ثم في عصر الرضا عليه السّلام و الائمة من بعده بدءوا باخذه حسب المصالح المقتضية له.
قد اتفقت كلماتهم علي استثناء المئونة من هذا القسم، و المراد منها اجمالا هو مؤنة الرجل و عياله في طول السنة و الا استثناء مؤنة العمل فهو ثابت في جميع انواع الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 297
قال في المدارك: «مذهب الاصحاب ان الخمس انما يجب في الارباح اذا فضلت عن مؤنة السنة له و لعياله». «1»
و ادعي المحقق النراقي الاجماع المحقق عليه و حكاه أيضا عن السرائر و المعتبر و المنتهي و التذكرة و الذخيرة و غيرها. «2»
و قال المحقق الهمداني: «لا اشكال و لا خلاف في ان الخمس انما يجب في الارباح المذكورة بعد وضع المئونة- غير مؤنة التحصيل التي لا يختص استثنائها بهذا القسم». «3»
و كيف كان تدل عليه الاخبار الكثيرة الواردة في الباب 8 من ابواب ما يجب في الخمس، و قد مرت الاشارة اليها و بعضها مطلقة مثل ما رواه محمد بن الحسن الاشعري عن ابي جعفر الثاني عليه السّلام حيث قال: «الخمس بعد المئونة» «4» الدالة علي استثناء مطلق المئونة من مؤنة العمل و مؤنة الرجل.
و بعضها صريحة او ظاهرة في خصوص مؤنة الانسان نفسه حيث اضاف المئونة اليه، مثل ما رواه علي بن محمد بن شجاع النيشابوري عن ابي الحسن الثالث حيث كتب في جواب السؤال عن حكم الخمس فيما
يستفاد من الضيعة: «الخمس مما يفضل من مؤنته». «5»
و في رواية اخري لعلي بن راشد: «اذا امكنهم بعد مؤنتهم». «6»
و في رواية ابراهيم بن محمد الهمداني: «بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد
______________________________
(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 385.
(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.
(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 130.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
(5)- نفس المصدر، الحديث 2.
(6)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 298
خراج السلطان». «1»
و يدل عليه أيضا ما رواه ابي نصر قال: «كتبت الي ابي جعفر عليه السّلام:
الخمس اخرجه قبل المئونة او بعد المئونة؟ فكتب: بعد المئونة». «2»
و ما رواه ابراهيم بن محمد الهمداني عن الرضا عليه السّلام ان في توقيعات الرضا عليه السّلام اليه: «ان الخمس بعد المئونة». «3»
و يدل عليه أيضا بعض فقرات الرواية المعروفة الطويلة لعلي بن مهزيار و قد مر ذكرها. «4»
و بها تقيد الاطلاقات الدالة علي وجوب الخمس في الارباح.
و لنا هنا دليل آخر علي ذلك و هو ان نفقة العمال كما انه مستثني من الربح، كذلك نفقة نفس التاجر و غيره ممن يتصدي للعمل فانه أيضا كالعامل من دون فرق.
و ان شئت قلت: ان من يتصدي لعمل يربح فيه مأئة درهم في يوم واحد و لكن يصرف هذا المائة في نفقة ذهابه الي محل العمل و ايابه و غذائه في ذاك اليوم، لا يقول ربحت اليوم مأئة درهم بل يقول ما ربحت في الحقيقة شيئا لأني انفقت كل ما ربحته في مصارفي.
و هكذا بالنسبة الي نفقات العيال و المسكن و غير
هما، لان الانسان لا يعيش بدون ذلك عادة و لا يقدر علي الاسترباح بدون بذل هذه النفقات فتخرج هذه عن نتيجة عمله، فان فضل شي ء كان ذلك ربحا في الواقع و الا لم يربح شيئا.
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 4.
(2)- نفس المصدر، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 299
و الحاصل: ان نفقات الرجل في الواقع من نفقات العمل و لا بد من كسرها حتي يصدق الربح و الغنيمة و غير ذلك عليه فتدبر جيدا.
بقي هنا شي ء: و هو ان المعروف المشهور تقييد المئونة بالسنة مع اعترافهم بان هذا القيد لم يرد في شي ء من روايات الباب، و قد صرح بكون المسألة اجماعية المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة «1» و صاحب المدارك فيما عرفت من كلامه. «2»
كما مر نقل كلام المحقق النراقي في تحصيله الاجماع المحقق علي هذا المعني، كنقل الاجماع عن جماعة من الاكابر.
هذا و قد وقع الاصحاب في تحصيل الدليل علي قيد السنة مع عدم وروده في شي ء من احاديث الباب في حيص بيص و لكن يمكن الاستدلال له بامور كثيرة:
1- صحيحة علي بن مهزيار الطويلة فقد صرح بتقييد الخمس بالعام في اربع مواضع منها، و هو قوله عليه السّلام: «ان الذي اوجبت في سنتي هذه» و قوله عليه السّلام: «و انما اوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضه … » و قوله عليه السّلام: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم
في كل عام» و قوله عليه السّلام: «فاما الذي اوجبت من الضياع و الغلات في كل عام … ».
و هذا التقييد و ان ورد في ايجاب الخمس المتعارف او الخمس الخاص الذي اوجبه في تلك السنة او خصوص نصف السدس (بناء علي ما عرفت من انه تخفيف في الخمس) الا انه يدل علي ان محاسبة خمس الارباح انما هي بالنسبة الي كل سنة، فاذا جمع بينهما و بين ما دل علي استثناء المئونة (في هذه
______________________________
(1)- مجمع الفائدة و البرهان، المجلد 4، الصفحة 317.
(2)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 385.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 300
الرواية و في ساير روايات الباب) يدل علي ان المدار هو مؤنة السنة كما هو ظاهر.
و العجب من بعض من اتعب نفسه في ان قوله: «كل عام» قيد للجعل لا المجعول (اي قيد لنفس وجوب الخمس لا قيد للفائدة) فلا يدل علي المطلوب.
مع انه لا اثر له في المقصود اصلا لدلالته- علي كل حال- علي محاسبة خمس الارباح في كل سنة فكان يجب عليهم محاسبتها كذلك و بذل الخمس منها و لكنه عليه السّلام جعل في تلك السنة بالخصوص خمسا آخر عليهم فهذا كله تدل علي مفروغية محاسبة هذا النوع من الخمس في كل سنة، فالمئونة المستثناة منها لا تكون الا للسنة.
2- سيرة العرف و العقلاء في المسألة، فانها قد جرت علي محاسبة اباحتهم و نفقاتهم في كل سنة و لعل ذلك كان من قديم الايام فانهم كانوا يدخرون الاقوات من سنة الي سنة لعدم توفيرها في كل فصل من فصول السنة، و دورانها مدار السنة، و كانوا يحاسبون الجدب و الخصب بحسب مجموع السنة، كما ورد في
قصة يوسف و ملك مصر في القرآن الكريم و انما ادخروا الاقوات لأكثر من سنة لما عرضهم من ظروف خاصة، و هو كذلك اليوم في محاسبة مصارف الحكومات و الشركات و غيرها، فان برامجهم و نفقاتهم و ارباحهم كلها تدور مدار السنة كما هو ظاهر و قد امضاه الشرع بسكوته و عدم الردع عنه.
بل قد يدعي جريان سيرة المتشرعة بما هم اهل الشرع علي محاسبة مؤنة السنة و استثنائها من قديم الايام الي يومنا هذا، و لكن لا يبعد رجوع السيرتين الي امر واحد.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 301
3- ملاحظة حال ارباح الزراعات، فانها غالبا تكون في كل سنة مرة واحدة فهكذا تكون المئونة المستثناة منها بالنسبة اليها، فاذا كانت الفوائد و المؤنات تلاحظان هنا في كل سنة سنة فكذلك غيرها من الارباح لعدم الفصل بين الضياع و غيرها في هذا الحكم قطعا (اشار اليه المحقق البروجردي قدس اللّه سره في ما حكي عنه في زبدة المقال). «1»
4- لا شك ان الخمس و الزكاة من باب واحد، و ان الاول بدل عن الثاني حيث ان بني هاشم لما حرموا من الصدقات عوض اللّه لهم الخمس، و قد ورد في روايات الزكاة ان المئونة التي يجوز للفقير اخذها هي مؤنة السنة و ان مدار الفقر و الغني عليها.
فقد ورد في رواية يونس بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه: «تحرم الزكاة علي من عنده قوت السنة و تجب الفطرة علي من عنده قوت السنة» «2»
و في رواية علي بن اسماعيل عن ابي الحسن عليه السّلام: «يأخذ- اي الفقير- و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة لأنها انما هي
من سنة الي سنة». «3»
و قد اشير اليه في الرواية الاولي من ذاك الباب بعينه.
و قد ورد التصريح به أيضا في مرسلة حماد عن العبد الصالح عليه السّلام حيث قال في كيفية تقسيم الزكاة: «يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير». «4»
و هذا كله دليل علي استمرار سيرتهم- عليهم السلام- و سيرة اصحابهم علي محاسبة المئونة بحسب السنة فاطلاقها في المقام أيضا ينصرف الي ذاك كما لا
______________________________
(1)- راجع زبدة المقال في خمس الرّسول و الآل (ص)، الصفحة 90.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.
(3)- نفس المصدر، الحديث 7.
(4)- نفس المصدر، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 302
يخفي.
هذا كله مضافا الي ما عرفت من تسالم الاصحاب عليه و اجماعهم في المسألة و هو و ان كان مدركيا الي انه مؤيد قوي للمطلوب.
ثم ان المراد من السنة هل هي السنة الهلالية او الشمسية؟ لا ينبغي الشك في انصراف اطلاقات كلمات الاصحاب الي خصوص الهلالية، و لكن الانصاف جواز الاخذ بكل منهما لما عرفت من ان تقييد المئونة بالسنة لم يرد في شي ء من روايات الباب و المدار علي ما جرت عليه سيرة العقلاء و اهل العرف في المقام و من الواضح ان مدار كثير منهم علي السنة الشمسية، بل من الواضح ان امر الزراعات كلها تدور علي هذا المعني.
و الحاصل انه لا دليل علي تقييد السنة بالهلالية مع اقتضاء بعض ما عرفت من الادلة علي كفاية الشمسية من استقرار سيرة العرف و العقلاء في كثير من البلاد و كذا ما عرفت من امر
الزراعات، فالحق كفاية كل واحد منهما.
اما شرح المئونة و خصوصياتها فسيأتي في المسائل الآتية إن شاء اللّه. «1»
و هل هي ما يحصل بالتكسب من انواع المكاسب او يشمل كل فائدة يستفيده الانسان و لو لم تكن بالتكسب؟ المتيقن من كلماتهم هو الاول و لكن المستفاد من تعبيرات غير واحد منهم كونها اعم، فعلي الاول تشمل جميع الصناعات و الزراعات و الاجارات و حيازة المباحات و اجرة العمال و الموظفين في جميع انواع الاعمال بل و اجرة العبادات الاستيجارية، فانها باجمعها داخلة في التكسب
______________________________
(1)- في المسألة 61 و ما بعدها من المسائل التي ذكرها في العروة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 303
و الاسترباح التي هي القدر التيقن من الادلة دون غيرها.
و اما علي الثاني فيشمل ما يحصل بغير التكسب من انواع الفوائد كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصي به و نحو ذلك من حاصل الوقف الخاص و المنذور بل الميراث أيضا.
و قد اختلفت كلماتهم فيها فقال شيخ الطائفة في الخلاف في المسألة 138 من كتاب الزكاة: «يجب الخمس في جميع المستفاد من ارباح التجارات و الغلات و الثمار علي اختلاف اجناسها … الي ان قال: دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».
و ظاهره خصوص ارباح المكاسب بل عن السرائر: التصريح بالعدم في غيرها قال فيما حكي عنه: «يجب الخمس في ارباح التجارات و المكاسب و فيما يفضل من الغلات و الزراعات علي اختلاف اجناسها … و قال بعض اصحابنا ان الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس ذكر ذلك ابو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه و لم يذكره احد من اصحابنا الا المشار اليه و لو كان صحيحا لنقل نقل
امثاله متواترا و الاصل براءة الذمة». (انتهي).
و صريحه عدم عمومية الحكم و لكن عن الغنية وجوب الخمس في الفاضل عن مؤنة الحول من كل مستفاد بتجارة او صناعة او زراعة او غير ذلك من وجوه الاستفادة اي وجه كان بدليل الاجماع المشار اليه و طريقة الاحتياط.
بل و هو ظاهر كل من استدل باية الغنيمة و فسرها بمطلق الفائدة، فانه يدل علي عموم الحكم في المقام فلو كان مقيدا بارباح المكاسب بخصوصها كان عليهم اقامة الدليل علي التخصيص، و هذا من اظهر ما يدل علي عموم الحكم عندهم.
و علي كل حال لا تخلو كلمات الاصحاب في المقام عن ابهام و ان
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 304
مرادهم من الارباح مطلق الفوائد او خصوص ارباح المكاسب و شبهها، فهم بين ساكت عن التصريح بالشمول و عدمه و بين مصرح بالعدم و بين من يظهر منه العموم، بل يشكل تعيين المشهور عن غير المشهور في المقام فالاولي صرف عنان البحث الي الادلة فنقول و منه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية يدل علي عموم الحكم امور:
1- الآية الشريفة فقد عرفت تفسير الغنيمة فيها في اللغة و العرف بكل فائدة لا خصوص ارباح المكاسب، سواء من فسره بانها افادة شي ء لم يملكه من قبل (كما في المقاييس) او كل مال مظفور به (كما في المفردات) او فسر بالفوز بالشي ء من غير مشقة (كما في لسان العرب و تاج العروس) لما قد ذكرنا في محله من ان عدم المشقة لو فرض اخذه في مفهوم الغنيمة فهو غير معتبر فيها باجماع الاصحاب، فمفهوم الآية عام شامل لجميع المنافع سواء كانت من ناحية ارباح المكاسب أم غيرها.
اصف اليه روايات
كثيرة متضافرة تدل علي العموم أيضا و هي:
1- موثقة سماعة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخمس. فقال:
في كل ما افاد الناس من قليل او كثير». «1» (6/ 8) من ابواب ما يجب فيه الخمس.
2- صحيحة علي بن مهزيار قال: «كتب اليه ابو جعفر عليه السّلام و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: … فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 305
و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب». الحديث. «1» (5/ 8).
3- ما رواه ابو بصير (10/ 8) عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كتبت اليه في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم او أقلّ او اكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام الخمس في ذلك و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم او خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضياع». «2»
4- ما رواه احمد بن محمد بن عيسي (7/ 8) عن (بن) يزيد قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك ابقاك اللّه ان تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا اكون مقيما علي حرام لا صلاة لي و لا صوم. فكتب:
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 5.
(2)- نفس
المصدر، الحديث 10. و في طريقه احمد بن هلال و ربما يقال انه ثقة في الرواية و ان كان متهما في دينه، و لكن المراجع الي كتب ارباب الرجال يعرف ان حال الرجل مبهم جدّا بل وردت في ذمّه روايات تدل علي اشدّ الذم، و يظهر من بعض هذه الروايات اللعن عليه مرارا من ناحية الامام العسكري (ع) لكونه صوفيا متصنعا او لكونه وقف علي ابي جعفر (الجواد) عليه السلام و رجوعه عن الامامة الي النصب، و قد يظهر من بعضها انكاره علي ابي جعفر محمد بن عثمان وكيل الناحية المقدسة و يظهر أيضا انه كان متصنعا جدا بحيث حج 54 حجة، عشرون منها علي قدميه و قد روي كثيرا من اصول اصحابنا، فلذا لمّا ورد الذم عليه من الامام العسكري (ع) وقع التشكيك فيه من كثير من اصحابنا حتي ورد قوله (ع): لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يروي عنا ثقاتنا قد عرفوا باننا نفاوضهم سرنا الي غير ذلك.
و يروي عن ابن الغضائري التوقف في حديثه الا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و نوادر محمد بن ابي عمير، نظرا الي سماع هذين الكتابين جل اصحاب الحديث و اعتمادهم عليهما.
و صرّح في الخلاصة بعد نقد هذا الكلام: و عندي روايته غير مقبولة كما صرح في فهرست تنقيح المقال بان الرجل في غاية الضعف و مع ذلك توثيقه في مستند العروة عجيب، و علي كل حال يشكل الاعتماد عليه جدا و لمزيد التحقيق راجع تنقيح المقال للعلامة المامقاني.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 306
الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام او جائزة».
«1»
5- ما رواه عيسي بن المستفاد (21/ 4) من ابواب الانفال عن ابي الحسن موسي بن جعفر عن ابيه- عليهما السلام- ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال لأبي ذر و سلمان و المقداد: «اشهدوني علي انفسكم … و اخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتي يرفعه الي وليّ المؤمنين و اميرهم و من بعده من الائمة من ولده» الحديث. «2»
6- ما رواه السكوني (4/ 10) من ابواب ما يجب فيه الخمس عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اتي رجل امير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ فقال امير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك فان اللّه (قد) رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «3»
7- ما رواه علي بن الحسين (2/ 11) بن عبد ربه قال: سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي هل عليّ فيما سرحت إليّ خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس». «4»
الي غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع، و قد عرفت صحة بعض اسنادها و تضافرها و صحة دلالتها، و فيها غني و كفاية، و لم يثبت اعراض الاصحاب عنها لان اقوالهم فيها مختلفة بعضهم ساكت و بعضهم مصرح بالعموم
______________________________
(1)- نفس المصدر، الحديث 7.
(2)- نفس المصدر، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 21.
(3)- نفس المصدر، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(4)- نفس المصدر، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
و منها يظهر انه لو
كان الخمس غير واجب في شي ء من الهبات لم يقيده الامام (ع) بما سرح به صاحب الخمس و هو في مقام البيان.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 307
و بعضهم مصرح بعدم العموم.
و مما يؤيد قويا ما ذكرنا ان ثبوت الخمس في التجارات و الزراعات و غيرها ربما يدل علي ثبوته في ما وصل الي الانسان مجانا، فاذا كانت من كد يده كان فيها الخمس فكيف بما اذا لم يكن كذلك.
و الحاصل: ان اطلاق الآية من جانب و الروايات المتضافرة الكثيرة الواضحة دلالة (فيها بعض صحاح السند) تدل علي المطلوب، مضافا الي الاولوية الظنية التي تكون مؤيدة للمطلوب و دعوي اعراض الاصحاب عن الحكم بالعموم دعوي بلا بينة، و قد عرفت سكوت بعضهم مع تصريح كثير منهم بالعموم بل قد عرفت ان ظاهر كل من استدل بالآية الشريفة هو عدم الفرق بين ارباح المكاسب و غيرها من الفوائد، و الحكم بالعموم قوي جدا.
ذكرها المحقق اليزدي في العروة نتكلم فيها ثم نتبعها بامور اخري لم يتعرض لها.
1- الهبة و الهدية و الجائزة فيها الخمس و الظاهر ان الفرق بينها ان الهبة لها معني عام و الهدية هي الهبة الناشئة عن المودة و المحبة و الجائزة، هي العطاء من العالي الي الداني و في وجوب الخمس فيها اقوال ثلاثة ثالثها التفصيل بين ماله خطر و ما ليس له خطر، و الاقوي هو العموم لما عرفت من الادلة، و اما التقييد بكونها مما له خطر يمكن حمله علي القيد الغالبي لان الغالب ان ما ليس له خطر لا يبقي الي السنة بل يصرف في المئونة فتأمل.
2- الميراث: و هو و ان كان داخلا في العمومات
المذكورة الا ان جريان السيرة المستمرة علي عدم اعطاء الخمس منه بل مضافا الي المفهوم المستفاد من صحيحة علي بن مهزيار في الميراث ممن يحتسب يكون مخصصا للعموم
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 308
في الميراث فان الميراث الذي لا يحتسب قليل الابتلاء جدّا و لو كان الخمس فيه ثابتا لظهر و بان لكل احد لشدة الابتلاء به.
و العجب ممن استدل بهذا المعني علي العكس، و قال انه لو كان الميراث مستثني من المنافع لظهر و بان لشدة الابتلاء به و ليت شعري ان اثبات شي ء يحتاج الي الدليل او نفيه مع ما عرفت من استقرار السيرة قديما و حديثا علي عدم دفع الخمس منه.
3- المال الموصي به في الوصية التمليكية لا العهدية فانها وصية بفعل و لا تمليك فيها. اما التمليكية فقد ذهب بعض الي كونها غير محتاجة الي القبول فتكون كالميراث و بعض آخر الي احتياجها به فتكون كالهبة.
و علي كل ففيها الخمس.
4- الوقف الخاص و هو سواء كان عقدا أم ايقاعا لا يحتاج تملك البطون اللاحقة فيه الي قبول منهم، و علي كل فلا اشكال في صدق الغنيمة علي ما تحصل عليه هذه البطون من فوائد الوقف. و اما الوقف العام فالمالك فيه هو الجهة لا الاشخاص فيحتاج تملكهم لحاصله الي قبول منهم فاذا قبلوه وجب عليهم الخمس.
5- النذر و هو محتاج الي قبول المنذور له فيكون كالهبة مشمولا لعمومات الخمس و هكذا نذر النتيجة لاحتاجه الي قبول المنذور له فانه ليس للناذر تمليك المنذور له بدون رضاه.
6- المهر او الصداق: و قد استدل علي عدم وجوب الخمس فيه بسيرة المتشرعة حيث لم يعرف منهم اداء خمسه، و بعدم صدق
الفائدة عليه اذ هو في مقابل البضع و حرية الزوجة و لا أقلّ من الشك في صدقها عليه فلا يشمله دليل الخمس.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 309
اللّهم الّا اذا كان المهر كثيرا جدا خارجا عن الحد المتعارف.
و من هنا يظهر ان عوض الخلع الذي تدفعه الزوجة لزوجها كي يطلّقها ليس مما يجب فيه الخمس أيضا، و ذلك لعدم صدق الفائدة عليه اذ الزوج قد حصل علي شي ء (و هو عوض الخلع) و خسر شيئا آخر (و هي زوجته).
ان قلت: علي هذا لا تصدق الفائدة علي اجرة العامل أيضا لأنها في مقابل عمله فيحصل علي شي ء و هو الاجرة و يخسر شيئا آخر و هو عمله في ذاك اليوم مثلا.
قلت: عمل العامل لا يبقي اكثر من يوم واحد فان لم يبعه فقد ذهب من كيسه و خسر، بخلاف المرأة حيث ان رأس مالها قبل التزويج محفوظ فلا يجوز قياس احدهما بالآخر.
7- الدية: و قد ظهر حكمها مما اسلفناه فانها كالمهر لا تصدق عليها الفائدة.
8- من آجر نفسه لسنين او آجر دارا له كذلك و اخذ مال الاجارة كلّها في اول الامر، فهل يتعلق الخمس بالجميع او خصوص ما كان لسنته مما يفضل عن المئونة؟
يحكي عن بعض الاعلام وجوب الخمس فيه لأنه واجب في كل فائدة.
و الانصاف عدم تعلق الخمس بما زاد علي فائدة السنة، لان المفهوم عرفا من روايات خمس الفوائد اذا انضمت الي روايات المئونة ان متعلق الخمس هو المنافع الباقية من سنته بعد وضع مؤنتها، و اما المنافع المتعلقة بالسنين الآتية فهي موقوفة متروكة لمؤنتها فان فضل عنها فقد يتعلق به الخمس.
و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه ما مر
من كون وضع مؤنة الانسان عن منافع تكسباته علي القاعدة، و ان الفائدة لا تصدق الا بعد اخراج مؤنة الانسان
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 310
أيضا، فانه بذلها حتي يقدر علي الاكتساب فهو من هذه الجهة كمئونة الاجير الذي يأخذه في استرباح مكاسبه و من الواضح ان اجارة نفسه للسنين الآتية و العمل بها لا يمكن الا ببذل النفقات لنفسه و عياله فهذا المقدار لا يعد منفعة.
9- اذا ابيح التصرف في شي ء لإنسان كما اذا اعطي الوالد ولده مأئة دينار و قال و ليكن هذا عندك في السفر و الحضر، فان احتجت اليها فاصرفها فصرف بعضه و بقي بعضه فلا ينبغي الشك في عدم تعلق الخمس بالباقي لان المفروض عدم دخولها في ملكه بل كان مباحا فاذا لم يصرفها بقي علي ملك صاحبه، فليس من قبيل الهدية و الهبة و الجائزة.
و منه يظهر الحال في امر الاستنابة للحج، فلو اعطاه الفلوس بعنوان الاجارة وجب الخمس فيما يفضل عنه و عن مؤنة سنته، و ان اعطاه بعنوان اباحة التصرفات فلا يجب الخمس عليه و ان كانت الاباحة مستمرة الي ان تنفد النقود.
و لعل ما ورد في رواية علي بن مهزيار «1» أيضا ناظر الي هذا المعني، و الا لم يكن له وجه و لم يفت بمضمونها ظاهرا احد علي فرض الاجارة كما لا يخفي.
10- ما يأخذه الانسان بعنوان القرض لا يتعلق به الخمس و ان بقي سنين، لأنه لا يعد فائدة و غنيمة بل هو مال يجب اداء مثلها او قيمتها، نعم انما يتعلق به الخمس في صورتين:
______________________________
(1)- قال: «كتبت اليه: يا سيدي رجل دفع اليه مال يحج به هل عليه في ذلك
المال حين يصير اليه الخمس او علي ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب (ع): ليس عليه الخمس». وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 311
احدهما: ما اذا كان من قبيل العروض- كالثياب و الحبوبات و غيرها- و ارتفعت قيمتها السوقية او استقرض بيضا و صارت دجاجا، لا ينبغي الاشكال في وجوب الخمس في الزائد.
ثانيهما: ما اذا كان قرضا نجوميا فادي بعض نجومه من منافع تلك السنة و بقي ما بازاء هذه النجوم الي آخر السنة، فمثل هذا تعد منفعة يجب خمسها.
و هي مختلفة بعضها ترتبط بفروع الارباح و بعضها بفروع المئونة و القسم الاول عشرة مسائل:
فهو لا يخلو عن احدي ثلث صور: اما تكون العين التي تعلق بها الخمس موجودة شخصها، او عوضها، او لا يكون شي ء منهما موجودا بل يكون في الذمة فقط. اما الاول فلا اشكال و لا كلام في وجوب اداء الخمس منه لما سيأتي ان الخمس حق متعلق بالمال علي نحو الاشاعة او غير ذلك، فما دام المال موجودا يجب ادائه منه فلا يدخل مقداره في الخمس.
و اما الثاني فجواز التبديل لا يكون الا في اوساط السنة لان المالك في سعة حينئذ من هذه الناحية يتصرف فيه كيف يشاء، و اما بعد مضيها فهو أيضا كذلك اذا لم يناف فورية الخمس، او كان باذن الحاكم الشرعي و في غير ذلك يكون البيع و سائر التصرفات المشابهة له فضوليا، فاطلاق كلام المحقق اليزدي- قدس سره- في العروة بوجوب اخراج الخمس عن العوض محمول علي ما ذكرنا.
و اما اذا تلفت العين و العوض و انتقل الخمس الي ذمته كان كسائر الديون التي يكون الارث بعد اخراجها بمقتضي قوله تعالي من بعد وصية
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 312
يوصي بها او دين و دعوي انصراف الدين الي غيره ممنوع، و لو فرض انصرافه الي الديون الشخصية فلا ينبغي الارتياب في الغاء الخصوصية و تنقيح المناط، هذا كله في موارد اليقين و الدليل علي ذلك كله شمول اطلاقات وجوب الخمس ثم اطلاق استثناء الدين من التركة، فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء وجوبه عليه كما في كلمات بعضهم.
و قد يتمسك بما ورد في غير واحد من روايات التحليل من تحليل الميراث
بعدم وجوب اخراج الخمس منه، مثل ما ورد في رواية ابي خديجة في سؤاله: «او ميراثا يصيبه» مع قوله عليه السّلام في جوابه: «هذا لشيعتنا حلال» «1» و ما ورد في رواية يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون. فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «2» و رواية الحارث بن المغيرة النضري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا. قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «3» من عدم وجوب الخمس فيما يقع في ايدينا من الاموال التي نعلم بثبوت حقهم- عليهم السلام- فيها.
لكن سيأتي ان شاء اللّه ان جميع ذلك ناظر الي موارد خاصة، اما التحليل في المناكح كما هو ظاهر رواية ابي خديجة، او تحليل في زمان خاص كما
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4.
(2)- نفس المصدر، الحديث 6.
(3)- نفس المصدر، الحديث 9.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 313
هو ظاهر رواية يونس و غيرها او غير ذلك فانتظر.
اما اذا شك في تعلق الخمس بالتركة فلا شك ان مقتضي ظهور اليد عدمه، و لا تصل النوبة الي الاصل حتي يقال: الاصل عدم دخول مقدار الخمس في ملكه من اول الامر (لان الاصل في
الاموال عدم الملكية، و الخمس يكون من اول الامر).
و لو شك في ادائه مع العلم بتعلقه بها فالظاهر أيضا عدم وجوب ادائه منه حملا لفعل المسلم علي الصحة و اخذا بظاهر اليد، مضافا الي استقرار السيرة علي عدم اخراج الخمس من الميراث مع ان هذا الشك موجود في غالب موارده، فالامر في موارد الشك سهل.
اذا اجتمع فيه شرائط الوجوب اذا زاد عن مؤنة سنته أم لا؟
صرح في العروة بعدمه عن جماعة، و خالفه كثير من المحشين و اشكلوا عليه او احتاطوا بوجوب الخمس فيها.
هذا و سيأتي ان شاء اللّه انه لا يجوز اعطاء ما زاد علي مئونة السنة من جهة الزكاة او خمس السادة علي الاقوي، لان المدار علي اخراجه من الفقر الي اول حد الغني و هو ملك مؤنة السنة، فلا تتصور هذه المسألة الا في سهم الامام عليه السّلام الذي ليس ملاكها الفقر، او فيما اعطي مقدار مئونة سنته ثم قتر علي نفسه، او صار ضيفا لغيره او ما اشبه ذلك، بناء علي عدم رجوع ما اخذه الي بيت المال حينئذ كما هو الظاهر، فللمسألة مصاديق كثيرة حتي علي المختار.
و علي كل حال فغاية ما يمكن الاستدلال به علي عدم الوجوب امور:
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 314
1- ان الخمس و الزكاة ملك للسادة و اربابها فاذا دفعت اليهم كان من قبيل اعطاء الدين الي صاحبه فكما لا يجب الخمس في اعطاء الدين فكذا لك فيما نحن فيه، فلا تصدق الفائدة و الغنيمة عليها.
و فيه مضافا الي عدم جريانه في الصدقة المندوبة و لا المجهول مالكه، ان ملكية الزكاة او الخمس بناء علي الاشاعة او الكلي في المعين انما
هو للعنوان الكلي و ليس ملكا لشخص خاص، فالملكية له انما يتجدد بالاعطاء كما لا يخفي و حينئذ تصدق علي تملكه الفوائد و المنافع، اضف الي ذلك انه لو اخذ الطلب اذا لم يؤد خمسه من قبل، يجب عليه اداء خمسه فصدق هذا العنوان عليه لا يمنع عن صدق عنوان الفائدة عليه.
2- ليس هذا من قبيل الفائدة المكتسبة فلا يتعلق به الخمس- و فيه انه قد عرفت عدم اعتبار عنوان الاكتساب و الاحتراف بل الموضوع مطلق الفائدة سواء كانت مكتسبة أم لا.
3- ما رواه ابن عبد ربه قال: «سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي: هل علي فيما سرحت الي خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس». «1»
و اورد عليه اولا بضعف السند لاشتماله علي سهل بن زياد، و ثانيا ان موردها الصلة و هي الهبة فلا دخل له بما نحن فيه و قد عرفت وجوبه في الصلة الخطيرة، و ثالثا عدم وجوب الخمس فيه لعله من جهة كون الصلة من ناحية صاحب الولاية المطلقة.
اقول: و الاول و ان كان لا يخلو عن وجه و لكن يمكن دفع الثاني و الثالث بان لحن الرواية يدل علي كون الاستدلال فيه بامر ارتكازي و هو انه لا خمس
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 315
فيما يأتي من الخمس و لا زكاة في مال الزكاة، فلا يرد عليه اشكال من هذه الناحية.
4- ان الحكم لا يثبت موضوعه فان الحكم فرع ثبوت موضوعه بل هو من قبيل المعلول له و المعلول لا يسبق علّته، فهو من
قبيل قولنا كل خبري كاذب فانه لا يشمل نفسه فكذلك فيما نحن فيه فان دليل الخمس لا يوجد موضوعه. توضيح ذلك: ان الخمس قد دفع الي اربابه بدليل الوجوب المستفاد من ادلة الخمس فلا يمكن له ان يوجد موضوعا جديدا لنفسه لتأخر رتبة الحكم عن رتبة الموضوع، و بعبارة اخري هذا المال الذي دفع بعنوان الخمس الي اربابه قد وجد بعد العمل بدليل الخمس فرتبته متأخرة عن رتبة الحكم فلا يصلح ان يكون موضوعا جديدا لدليل الخمس، و ذلك للزوم تقدم الموضوع علي الحكم بينما هو متأخر فيما نحن فيه. (و قد تعرضوا له في باب الاخبار مع الواسطة في مبحث حجية خبر الواحد).
و فيه: ان الاشكال انما هو فيما اذا كانت القضية من قبيل القضايا الخارجية، اما اذا كانت من قبيل القضايا الحقيقية التي يجري الحكم فيها علي عنوان جامع، فلا مانع من شمولها للمصاديق السابقة و اللاحقة من دون اي تفاوت، و قد اجابوا به عن شبهة عدم شمول ادلة حجية خبر الواحد للأخبار مع الواسطة فراجع.
5- و هو العمدة من انصراف ادلة وجوب الخمس في الارباح و المنافع عما نحن بصدده، كما ذكروا نظيره في قولنا كل خبري كاذب، فانه و ان لم يكن هناك مانع عن العموم الا ان الانصاف انصراف عنوان الخبر عن نفس هذا الخبر فانصراف عموم المنافع و الفوائد عما ينشأ من قبل ادلة الخمس او الزكاة او ما اشبههما قريب جدا و لو شك فالاصل عدمه.
و يؤيده ما مر في رواية ابن عبد ربه من ان التعليل بامر ارتكازي في
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 316
الاذهان من عدم شمول الحكم لما ينشأ من قبله
لا سيما مع ما هو الحق من ان وجوب الخمس في المنافع انما هو بمجرد حصولها، و اما اخراج المئونة فهو من قبيل التوسعة في الحكم و تجويز عدم المبادرة الي تخميس الاموال الي آخر السنة احتياط للمئونات المتجددة، و الا فبمجرد حصول الربح و الفائدة يجب عليه الخمس.
فالفقير اذا اخذ شيئا من الزكاة او سهم السادة او الصدقة وجب عليه الخمس من حينه، و كذا غير الفقير اذا اخذ من سهم الامام عليه السّلام فلو اراد التعجيل باخراج خمسه كان صحيحا.
فهل تري من نفسك ان نقول بوجوب الخمس علي كل فقير يأخذ من الزكاة او الخمس او غيرهما شيئا بمجرد حصوله في يده و انها داخلة في عموم الغنائم و الفوائد و ان كان ادائه عليه موسعا طول السنة؟ الانصاف انه لا نظن باحد الالتزام به بعد ملاحظة هذا التعليل، فاحتمال انصراف اطلاقات ادلة الاخماس عن محل الكلام قوي جدا.
نعم اذا بقيت هذه الامور عنده و نمت نماء امكن الحكم بوجوبه في نماءات، كما اذا انتبحت غنم الصدقة عنده نتاجا لعدم ثبوت وجه للانصراف هنا.
و بالجملة الدليل الوحيد علي اثبات الحكم هو ما ذكرناه من الانصراف مع تحليله بما ذكر و تأييده برواية ابن عبد ربه. «1»
***
______________________________
(1)- و لا يخفي ان هنا طريقا آخر لعدم وجوب الخمس فيما ملك بالخمس او الزكاة حتي بناء علي قول القائلين بوجوبه فيه، و هو عدم قصد التملك حين اخذ الخمس و الزكاة بل قصد اباحة التصرف الّا اذا شاء ان يتصرف فيه تصرفا متوقفا علي الملك كالبيع.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 317
إذا اشتري شيئا ثم علم أن البائع لم يؤد خمسه كان
البيع بالنسبة الي مقدار الخمس فضوليا،
و الدليل عليه ما سيأتي إن شاء اللّه من ان مقدار الخمس مملوك لأربابه بالاشاعة او الكلي في المعين او انه حق مالي مثل حق الرهانة او غيرها، فعلي اي مبني كان البيع فضوليا في مقدار الخمس، بل يمكن القول بكونه في الجميع فضوليا بناء علي القول بكون الجميع كالعين المرهونة في مقابل حق ارباب الخمس، و علي كل حال فان اجازه الحاكم الشرعي صح البيع و انتقل الخمس الي المشتري بحصة من الثمن، و حينئذ ان كان البيع بثمن شخصي يرجع الي البائع و يأخذ منه خمس الثمن، و ان كان بثمن كلي يرجع الي المشتري فيأخذ منه مقداره و يرجع المشتري الي البائع بمقداره لو دفعه اليه.
و علي كل حال كان للمشتري مع جهله خيار تبعض الصفقة لعدم صحة البيع في بعض الثمن، بل و في صورة العلم علي احتمال.
و هكذا الحال في غير البيع من المعاوضات، و اما اذا كان الانتقال منه بعنوان الهبة و شبهها بطل في مقدار الخمس الا ان يكون الموهوب له ممن يستحقه فيجوز للحاكم الشرعي اجازته بالنسبة الي مقدار الخمس أيضا، و اما اذا لم يجزه فعلي المنتقل اليه دفع عين الخمس او بدله.
هذا كله اذا كان البائع ممن يعتقد الخمس، و اما اذا كان ممن لا يعتقد فسيأتي في احكام التحليل انه يحل الاخذ منه بالمعاوضات و غيرها و لا يجب عليه شي ء.
بل في كلام بعض الاعلام جريان هذا الحكم في فساق الشيعة ممن يعتقد الخمس و لا يعمل به، و لكن سيأتي المناقشة فيه ان شاء اللّه في محله.
***
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 318
. اذا
كان هناك عين لا يتعلق به الخمس- كالميراث- او تعلق به و اداه ثم نمت نماء، هل فيه الخمس؟
قد اضطربت فيه كلماتهم و اختلفت آرائهم، و قبل نقل الاقوال و الآراء لا بد من تحرير محل البحث.
تارة: تكون منفصلة مستقلة كنتاج الحيوانات و لبنها و فواكه الاشجار.
و اخري: تكون متصلة بحسب الكمية كزيادة الحيوان في السمن و الاشجار في غلظة اصولها و فروعها و امتدادها.
و ثالثة: متصلة بحسب الكيفية كنضوج الاثمار التي ادي خمسها من قبل ثم زادت قيمتها لنضوجها، و من هذا القبيل ارتفاع قيمة ما يكون عتيقه مرغوبا فيه.
و رابعة: ما نسميه بالزيادة المعنوية كزيادة علم العبد و تعلم انواع الفنون و مهارته في الطب و غيره مثلا، و كذا الامة في تدبير المنزل و غيره، و هكذا في الحيوانات المعلمة للصيد و الحراسة و كشف الغائبات و دفع السراق و معرفتهم لأنه لا شك في ارتفاع قيمتها بذلك باضعاف مضاعفة.
________________________________________
شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 318
و خامسة: ما تكون حكميا فقط اي لم يزد في شي ء من كميته و لا كيفيته و لا معنوياته و لكن ازدادت قيمته السوقية باختلاف الاحوال و الازمنة و الامكنة و غير ذلك.
كل ذلك قد يكون في موارد قصد الاسترباح و قد لا يكون، و قد يكون قبل بيعها و قد لا يكون.
فهل يكون الجميع داخلا في الارباح يتعلق بها الخمس، او لا يكون شي ء
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص:
319
منها كذلك، او يفصل بين هذه الامور؟
قال الشهيد الثاني- قدس سره- في المسالك: «و لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة او منفصلة وجب الخمس في الزائد و في الزيادة لارتفاع السوق نظر و قطع العلامة في التحرير بعدم الوجوب فيه». «1»
و قال الفقيه الماهر صاحب الجواهر- قدس سره-: «ثم لا فرق في الربح بين النماء و التولد و ارتفاع القيمة السوقية كما صرح به في الروضة و غيرها لصدق الربح و الفائدة لكن في المنتهي و استجوده في الحدائق» لو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة، اما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه «و كذا في التحرير الا انه لم يقيده بعدم البيع». «2»
و قال المحقق الهمداني: «و اما نماء الارث و الهبة و نحوها فالاشبه انه كأصله لا يتعلق به الخمس ما لم يقصد بابقائه الاسترباح و التكسب كما صرح به بعض خلافا لآخرين فكلما اتخذه للاكتساب فظهر فيه ربح بنماء او اثمار او انتاج تعلق به الخمس و لو اراد الاكتساب و الاسترباح بفوائده لا باصله دخلت فوائده دون زيادة اعيانه كما صرح بهما كاشف الغطاء و لا عبرة بزيادة القيمة السوقية لأنها امر اعتباري لا يعد ربحا بالفعل … فمتي باعه باكثر من راس ماله دخلت حينئذ في الارباح». «3»
الي غير ذلك و هي كما تراها مختلفة متفاوتة.
اقول: اما الزيادة المنفصلة فلا اشكال في دخولها في الغنائم بالمعني
______________________________
(1)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 57.
(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 129.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 320
الاعم و الفوائد و المنافع،
و قد عرفت عدم اشتراط قصد التكسب و الاسترباح فيجب الخمس في نتاج الحيوان و الاثمار اذا زادت عن المئونة، و قد عرفت ما رواه ابو بصير فيمن يكون في داره البستان فيبيع من اثماره و ان عليه الخمس و هو باطلاقه يشمل ما نحن فيه. «1»
اما الزيادة المتصلة المادية في الكمية و الكيفية او الزيادة المعنوية، فان كان بقصد الاسترباح وعد من قبيل الزيادة في اموال التجارة فلا اشكال أيضا في تعلق الخمس بها بعد مضي السنة، و ان لم يبعها فانه يقال كان رأس ماله كذا و كذا و الان زاد عليه بكذا او كذا لان الاغنام المعدة للاسترباح سمنت و كبرت و زاد وزنها، او ارتفعت كيفيتها بمضي الزمان او العمل عليها، او تعلمت الدابة علما ارتفع بها قيمتها مع كونها معدة لذلك و قصد بها الاسترباح فيجب حينئذ خمسها بمضي السنة، كل ذلك لصدق الفائدة.
و اما اذا لم يكن بقصد الاسترباح، كما اذا حصل هذه الامور فيما وصل اليه من طريق الارث و شبهه فزادت فيه هذه الزيادات من دون قصد الاسترباح، فيشكل حينئذ صدق الفائدة فعلا، نعم هي فوائد بالقوة بمعني انه اذا باعها و حصل الثمن في يده صدق عليه الفائدة، بل يمكن دعوي استقرار السيرة عليه في الجملة، فكثير من الناس يبقي لهم اموال مختلفة من آبائهم و اخوانهم و غير ذلك من اقربائهم و تكون هذه الاموال من قبيل الحيوانات او البساتين او شبه ذلك و من المعلوم انها لا تبقي علي حالها، بل كثيرا ما تنمو و تزداد زيادة في الكمية او الكيفية فتزيد قيمتها عما كانت عليه، و مع ذلك لا يلزمون انفسهم بمحاسبتها كل
عام ليعلم مقدار زيادتها في القيمة حتي يدفع عنها الخمس (الا اذا كانت كرأس المال قصد بها الاسترباح) و الظاهر ان هذه
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 321
السيرة أيضا نشأت عن عدم صدق عنوان الفائدة عليها الا بالقوة القريبة لا بالفعل، و لكن هذه السيرة علي الظاهر مستمرة الي زمن المعصومين.
و ان شئت قلت: لو كان الخمس واجبا في مثل هذه الاموال لظهر و اشتهر لشدة الابتلاء بها لا سيما مع موارد الارث او المهور، فان كثيرا منها تكون من قبيل الاشجار و البساتين و شبهها، مع انه لا يحاسب كل عام حتي يدفع عنها الخمس.
و ما قد يقال من ان هذه السيرة انما نشأت عن قلة المبالاة في الدين عجيب، فان جميع المبالين بالدين من المؤمنين أيضا علي هذه السيرة كما هو واضح.
و تبقي الزيادة السوقية المجردة عن زيادة الكمية او الكيفية و قد عرفت اختلاف كلماتهم فيها، فقد صرح العلامة في التحرير بعدم وجوب الخمس في الزيادة السوقية. «1»
و قيده في المنتهي بعدم البيع فقال: «اما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه شي ء» «2»
و عن الحدائق أيضا ترجيح الثاني.
و في المستند للنراقي أيضا التفصيل بين بيعها و عدم بيعها، بل صرح بعدم كفاية ظهور الربح حتي في امتعة التجارة بل يحتاج الي الانضاض (اي تبديل السلعة بالاثمان). «3»
اقول: تارة يفرض الكلام فيما اريد به الاسترباح فيشتري التاجر باموال
______________________________
(1)- التحرير، الصفحة 74.
(2)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 548.
(3)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال
(لمكارم)، ص: 322
ادي خمسها من قبل متاعا فيبيع بعضه و يبقي بعض الي رأس السنة حالكونه زيدت قيمته السوقية، و الانصاف تعلق الخمس به و ان كان قبل الانضاض اذا كان قابلا له من دون اي مانع و ذلك لصدق الربح عليه قطعا فان المتداول بين التجار عند محاسبة الاموال في كل سنة محاسبة الاموال الموجودة بقيمة يرغب فيها اذا كانت مما يمكن بيعها في الاسواق من دون مانع و عليه مدار محاسبة الربح و الضرر، و لا ينتظرون في محاسبتها عند رأس السنة انضاض جميع ما في مخازنهم من الاموال، بل الانضاض بهذا الشكل نادر في اعمالهم فلا يزالون يشترون و يبيعون، و كذلك الزارع و صاحب الحيوان اذا اراد محاسبة ربح مكسبه علي رأس الحول و لو مع قطع النظر عن مسألة الخمس يقوم ما هو الموجود من الحنطة و الشعير في مخازنه او الاغنام في معاطنها بقيمته السوقية ثم يري انه ربح او خسر و باي مقدار هذا الربح، و لا ينتظرون.
فهذه ديدنهم في محاسباتهم في ربح السنة و خسرانها مع قطع النظر عن حكم الاخماس، فليكن الامر في الخمس و صدق الفائدة و الغنيمة كذلك.
نعم اذا لم يكن حين انضاضها فلا شك في كونها منفعة بالقوة لا بالفعل كما سبق نظيره في المسائل السابقة.
اما اذا لم يرد الاسترباح بها كمن ورث من ابيه ارضا او بستانا و لم يرد بيعها لعله يحتاج اليها في المستقبل او يحتاج اليه ابنائه فيبقي سنين و قد تزداد قيمته كل سنة، فليس من المتداول محاسبة قيمته السوقية كل سنة و اداء خمسه منه ففي مثله أيضا قد جرت سيرة الكل علي عدم اداء الخمس منه
كذلك حتي من المبالين امور الدين.
و ان شئت قلت: انه أيضا لا تصدق عليه الغنيمة و المنفعة و الفائدة
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 323
بالفعل فلا تشمله ادلتها، نعم هي فائدة بالقوة فاذا باع الارض او غيرها صدق عليها الفائدة بالفعل و وجب عليه خمسها لعدم قصور في العمومات من شمول امثالها.
هذا هو القول الفصل في ازدياد القيم السوقية و ليعلم انها تدور مدار العرض و الطلب، فان كان العرض اكثر من الطلب رخصت الاسعار و ان كان أقلّ غلت، و ذلك قد يكون بتفاوت فصول السنة كغلاء المبردات في الصيف و منابع الحرارة في الشتاء و الالبسة المختلفة في فصولها، و قد يكون بسبب بعض الحوادث غير المترقبة كبعض الحروب الموجبة لغلاء الاسعار او شيوع بعض الامراض الموجبة لغلاء الادوية الخاصة به، الي غير ذلك من اشباهه.
و هي انه قد تزداد القيم السوقية في جميع الاجناس كل سنة بنسبة واحدة، او بنسب مختلفة متقاربة، ففي المسكن اكثر مثلا و في غيره أقلّ، و يعبر عنه بانه قد هبطت قوة الشراء في الفلوس، فهل يعد هذه الزيادة السوقية هنا أيضا منفعة يجب فيها الخمس؟ او هذه منفعة صورية اسمية لا واقعية؟ فالقيمة و ان ازدادت و حصل في يده اموال ضعف ما كان رأس ماله من قبل، و لكنها في الواقع امر ظاهري صوري، لان جميع الاشياء او اكثرها غلت بهذه النسبة او ما يقاربها.
و منشأ ذلك كله الاعتماد علي النقود الورقية، فلو كانت المعاملات تدور مدار النقدين- الذهب و الفضة- مثلا لما كانت هذه الزيادة التي قد تكون اسرع من حركة الشمس في السماء و في كل صباح و مساء.
أنوار
الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 324
و في الحقيقة هذه النقود الورقية لا مالية لها الا بالاعتبار، و ليست الا قراطيس، فان طبعت و اخرجت بمقدار الاموال المتولدة في المصانع و غيرها كانت القيم ثابتة في الجملة، و ان طبعت اكثر من ذلك غلت الاسعار يوما بعد يوم، و فيه بحث طويل ليس هنا محل ذكره.
و علي كل حال قد يشكك في صدق المنفعة علي هذه الزيادة لما عرفت من انها ليست زيادة الا في الصورة لا في الواقع، بل قد يتعدي من ذلك و يقال انه لو كان مهر امرأة مثلا ثلاثة آلاف تومان في اربعين سنة من قبل فلا يمكن ادائه بهذا المقدار، بل لا بد من ملاحظة تفاوت قوة الشراء في الفلوس فيه، و كذا في غيره من الديون.
و هذا الكلام و ان كان يساعده بعض الاعتبارات و يوافقه الطبع اجمالا، و لكن دون الالتزام به خرط القتاد، لأنه يتفرع عليه ما لا يظن من احد الالتزام به في العمل.
منها: جواز اخذ الربا بمقدار هبوط قدرة الشراء في الفلوس، فمن اقرض واحدا الف تومانا يجوز له اخذ الف و مأئة مثلا علي رأس السنة فان هذا المقدار من التفاوت في قوة الشراء امر عادي، و هكذا في امثال المقام من جميع الامثلة، و فتح هذا الباب يوجب الحكم بجواز الربا في اعصارنا غالبا لان هبوط قوة الشراء في عصرنا امر دائمي في جميع السنين.
منها: الحكم في جميع الديون في المعاملات و الاتلافات و المهور و غيرها من اشباهها ان يحاسب كل سنة مقدار هبوط قوة الشراء و يؤخذ التفاوت، فمن اشتري شيئا بعشرة آلاف تومان و لم يوفق لدفع ثمنه
الا بعد حين فعليه ان يدفع احد عشر الف مثلا وفقا لسقوط قوة الشراء.
و كذا من كان عليه دين مطالب و قد اعسر و كان من مصاديق فنظرة الي ميسرة فبعد اليسار لا بد من اداء اكثر منه.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 325
بل و كذا في الديون المؤجلة فهي و ان كان التأجيل مأخوذا فيها و لكن لا يجوز ادائها بمثلها في اوانها (اذا تغيرت قوة الشراء) لان الواجب في القرض ردّ مثله و المفروض انه ليس محل الكلام مصداقا لرد المثل، بل هو انقص منه فلا يؤدي الدين به، و كذا اجرة العمال و الموظفين فلا بد من تغييرها كل حين.
و ان شئت قلت: المماثلة هنا ليست مماثلة في الكمية الظاهرية بل في المالية التي هي قوة الشراء، فاللازم ملاحظة المماثلة من هذه الجهة.
ان قلت: ان العامل او الموجر للدار اذا عقد الاجارة علي ثمن معلوم الي ثلاث سنوات مثلا، لازمه الغاء تفاوت قوة الشراء الحاصل كل سنة.
قلت: اولا ان طرفي المعاملة غالبا غافلان عن هذا المعني كي يوقع العقد مبنيا عليه. و ثانيا لازم ذلك هو الغرر في عقد الاجارة لان مقدار هبوط قوة الشراء في كل سنة غالبا غير معلوم لتفاوت الاحوال السياسية و الاجتماعية و غيرهما في ذلك فيوجب البطلان في العقد، فلا بد من تغيير مقدار الفلوس كل سنة بمقدار تفاوت قوة الشراء حتي يصح العقد.
ان قلت: ان النقود الورقية في الحقيقة حوالة الي الذهب و الفضة الموجودين في البنك المركزي المسميين بالرصيد (پشتوانه) فالتضخم يجري فيه دون النقود.
قلت: ان النقود الورقية الاعتبارية كما حققناه في بعض ابحاثنا ذات مالية مستقلة و لذلك لا يلتفت العقلاء
الي الرصيد الموجود في قبالها في البنك المركزي و لا يعاملون معها كحوالة، مضافا الي ان الرصيد في الواقع هو قدرة الدولة التي اقدم علي طبع النقود و لذلك لو احتلت او خفضت علي الصعيد الاقتصادي لسقطت نقودها الورقية عن الاعتبار و لو كان في مقابلها آلاف ألوف من الذهب و الفضة في البنك المركزي.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 326
و بالجملة فتح هذا الباب يوجب الهرج و المرج في جميع المعاملات و الاجارات، و ان تكون هناك جماعة مأمورين بتعيين مقدار تفاوت قوة الشراء في كل سنة بل في كل شهر ثم يؤخذ بمقتضي ارتفاعها او انخفاضها في جميع الديون و اثمان المعاملات و اجارة المساكن و العمال، و حينئذ لا يستقر حجر علي حجر.
ان قلت: هذا المعني حاصل اليوم، لان البنوك المركزية تبين مقدار التورّم و هبوط قوة الشراء كل شهر او كل سنة.
قلت: نعم و لكن لا اثر له في الديون و القروض و الاثمان و اجور العمال و غيرها و انما ينتفع به في المطالعات الاقتصادية و البرامج المالية.
و ان شئت قلت: هذه دقة عقلية او عقلائية في علم الاقتصاد و لكن المدار علي العرف، فالعرف يري اداء الدين بمثله في الكمية لا غير.
و بتعبير اوضح هناك عرف عام و عرف خاص، فالعرف الخاص يري مقدار الف تومان اليوم غير مساو لمقدار الف تومان بعد سنة حقيقة لما فيها من سقوط قوة الشراء، و لكن العرف العام يري الالف مساويا للألف كما انه لو كان الامر بالعكس فارتفع قوة الشراء لا يقبل أقلّ من الف في مقابل الالف، و من الواضح ان الامر في المساواة المعتبرة في اداء
الديون و شبهها انما هو موكول الي نظر العرف العام و لا اثر للعرف الخاص في ذلك اصلا، و ليس هذا من الامور التي يرجع فيها الي اهل الخبرة بل العرف العام يري نفسه من اهل الخبرة في تشخيص المساواة و عدمها في ابواب الديون و شبهها.
نعم قد يقال ان هناك بنوك في بعض البلاد يقوم باداء ربحين لما يودع عنده من الاموال، احدهما ربح صوري و هو ما يعادل هبوط قوة الشراء،
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 327
و الثاني ربح واقعي للمال بناء علي مبناهم من جواز الربا، فلو عمت هذه الفكرة في المجتمع حتي صارت مما يعرفه الصغير و الكبير و اهل السوق و يبنون عليه فيما دار بينهم من المعاملات، امكن القول بعدم كون الربح الصوري فائدة و غنيمة حقيقة، و لكن من المعلوم انه لم يبلغ الامر الي هنا لا أقلّ فيما نعرفه من اهل هذه البلاد التي نشاهدها فلا يمكن بناء المعاملات عليه.
إذا اشتري عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم يبعها غفلة او طلبا للزيادة ثم رجعت قيمتها الي رأس مالها او أقلّ،
فقد فصل المحقق اليزدي فيها في العروة بين ما اذا كان ذلك قبل تمام السنة فحكم بعدم ضمان حكم ملك الزيادة (و علله بعدم تحققها في الخارج) و بين ما اذا كان بعد تمام السنة و استقرار الخمس فحكم فيه بالضمان.
اقول: اما عدم الضمان في اثناء السنة فهو حق، لكن تعليله بعدم تحقق الزيادة في الخارج غير مرضي لان الزيادة قد حصلت بالفعل بعد كون المقصود بالعين التكسب بها و قد مر نظيره في المسائل السابقة حيث عرفت عدم اشتراط الانضاض في
تحقق المنفعة، نعم له حق التأخير بملاحظة استثناء مؤنة السنة منها، و لذا حمله بعض الاعلام علي ان مراده عدم تحقق الزيادة علي مؤنة السنة و لكنه مخالف لظاهر كلامه، و المناسب لظاهر كلامه في الشق الثاني للمسألة هو ان يقال لعدم استقرار الوجوب علي الزيادة (لا لعدم الزيادة).
و علي كل حال الحكم بعدم الضمان حق لا ريب، و دليله هو عدم وجوب اداء الخمس عليه فورا بل موسع عليه الي آخر السنة و معه لا ضمان، نعم يكن
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 328
استثناء صورة واحدة من هذا الفرض و هو ما اذا عد تاخيره تفريطا بالنسبة الي تلك المنفعة، كما اذا بانه ستنقص القيمة لو لم يبعها مع حاجة الناس اليها و توفر الدواعي مثل عدم بيع المبردات في فصل الصيف، و ما هو مفيد للتسخين في فصل الشتاء او عدم بيع الغنم في المني يوم العيد فلا يبعد حينئذ الضمان لتعلق حق السادة بالمال، و جواز تأخير الخمس الي آخر السنة احتياطا للمئونة انما يقتضي جواز تأخيره و عدم ادائه بعد بيعه و تحصيل المنفعة لا عدم بيعه و تضييع المنفعة، و ان شئت قلت: لا دليل علي جواز ترك البيع هنا بالنسبة الي سهم السادة، مع انه كالقيم و الولي بالنسبة الي سهمهم، فكما ان الولي لو اخر بيع مال اليتيم عن اوانه فنقصت قيمته الي حد كثير جدا مع علمه بذلك من قبل ضمن فكذلك هنا، و القول بان زيادة القيمة غير مضمون سيأتي الكلام فيه في الشق الثاني.
اما اذا كان رأس السنة فنقصت القيمة فيما لا ينافي الفورية العرفية الواجبة في اداء الخمس كان الحكم كالصورة
السابقة لعدم المنع من حفظه حينئذ.
اما اذا مضي زمان ينافي الفورية و لم يؤد الخمس فنقصت القيمة، فقد يقال بعدم الضمان هنا لان الضمان انما هو في صورة تلف العين او بعض اوصافها اما تلف زيادة القيمة (اي بعض ماليتها) فلا دليل عليه، و لذا لو غصب انسان مالا فابقاه عنده حتي نزلت قيمته السوقية لم يكن ضامنا الا لنفس العين.
نعم حق السادة تتعلق بالعين بعد تمام السنة بنسبة خاصة فلو كانت قيمة العين عشرين فزادت مأئة فصارت مأئة و عشرين كان خمس الزيادة عشرين دينارا، و العشرون سدس مجموع قيمة العين بالفعل (سدس مأئة و عشرين) فيجب عليه دفع سدس العين الموجودة سواء نقصت قيمتها بعد ذلك أم لا.
قلت: اما عدم ضمان الزيادة السوقية علي اطلاقه مشكل جدا،
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 329
ففي الامثلة السابقة لو غصب غاصب الغنم عنه يوم العيد في مني او المبردات في الصيف و وسائل الحرارة في الشتاء ثم رده عليه في غير فصله بما يوجب نقص ماليتها كثيرا و لم يمكن حفظها الي السنة الآتية (فرضا) فالانصاف الضمان في هذه الصورة بحكم العقلاء، بل يمكن الاستدلال عليه بادلة لا ضرر لان الغاصب هو الذي اوجب الضرر و الخسارة الشديدة عليه، و قد قلنا في محله ان ادلة لا ضرر كما تنفي الاحكام الضررية تثبت احكاما يكون الضرر في نفيها.
نعم التفاوت اليسير في القيمة السوقية لا ضمان فيه عندهم، فالاقوي هو الضمان في هذه الموارد.
و قد يقال: ان الضمان انما يدور مدار مقدار الواجب من الخمس في اول تعلقه، مثلا اذا كانت قيمة العين مأئة دينار فزادت قيمته عشرين دينارا، فالواجب من العشرين اربعة دنانير
بعنوان الخمس و نسبة الاربعة الي المجموع (و هو مأئة و عشرون دينارا) هي نسبة الواحد الي الثلاثين، فهذا الجزء المشاع من هذه العين انما هو لأرباب الخمس فاذا نقصت القيمة في الكل وجب هذا الجزء من المجموع أيضا.
و فيه: ما قد عرفت من ان الضمان بالنسبة الي مقدار الخمس بقيمته الاصلية ثابت لا وجه لتغيره فتأمل.
إذا عمّر بستانا و غرس فيه أشجارا
ففيه صور:
تارة يريد الاكتساب باصل البستان و لا اشكال حينئذ في وجوب الخمس في نمو اشجاره، بل لا يحتاج الي الانضاض لما عرفت سابقا من صدق المنفعة عليها و ان لم يبعه (و لكن بلغ او ان بيعه) فالواجب في رأس
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 330
السنة تقويمه و اداء خمسه.
و اخري لا يريد الا الاكتساب بثمرها و حينئذ لا يجب الخمس في نمو اشجاره فعلا، نعم اذا باعه وجب عليه ذلك الخمس، و العجب من المحقق اليزدي انه أطلق القول بعدم وجوب الخمس فيه مع انه صرح في المسألة 53 بوجوبه في الزيادة المتصلة، و يمكن حمل كلامه علي صورة كونها في سبيل مؤنته، و علي كل حال يجب عليه الخمس في ثمرتها اذا زادت علي مؤنة سنته كما هو ظاهر.
و ثالثة يريد الانتفاع بثمرها في مؤنته كما هو المتداول بين الناس من غرس بعض الاشجار في دارهم لانتفاع العيال بثمرتها، و حينئذ لا يتعلق الخمس لا بنفس الاشجار و لا بثمرتها ما لم تكن الثمرة زائدة علي حاجتها لأنها بتمامها من المئونة، نعم اذا كثرت الاشجار و نمت و بلغت الي حد تكون ثمرتها ازيد من مؤنته وجب الخمس فيها و في ثمرتها، و لكن لا يجب
خمس الاشجار الا اذا باعها لما قد عرفت من عدم قصد الاكتساب بها فهي منفعة بالقوة لا بالفعل كما مر آنفا.
إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة و كان له رأس مال يتجر به و خان يوجره و ارض يزرعها و عمل يد مثل الكتابة او
نحو ذلك، هل يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد اخراج المئونة، او يكون لكل واحد عام مستقل برأسه؟
و الحاصل انه هل العام واحد في الجميع او لكل واحد من انواع تجاراته عام بعينه؟
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 331
ذهب في الدروس و الحدائق و كشف الغطاء (فيما حكي عنهما) الي الاول، و استجوده صاحب الجواهر، و مال اليه في المدارك و الكفاية للسبزواري فيما حكي عنهما، و لكن صريح الشهيد الثاني في الروضة الثاني، فانه قال: «و لو حصل الربح في الحول تدريجا اعتبر بكل خارج حول بانفراده نعم توزع المئونة في المدة المشتركة بينه و بين ما سبق عليهما و يختص بالباقي» «1» و نحوه ما في المسالك. «2»
بل يظهر من عبارته عدم الفرق بين اتحاد النوع و تعدده، فلو كان خطيبا و حصلت المنافع عنده في ايام العاشوراء و آخر الصفر و شهر رمضان كان لكل حول برأسه و كذا اشباهه، او كانت له تجارات في فترات مختلفة.
و ظاهر العروة كجماعة كثيرة من المحشين هو القول الاول و هو الاقوي.
و يظهر الثمرة بين القولين في كيفية توزيع المئونة عليها- كما عرفت في كلام الشهيد- و في لزوم الخمس من جميع المنفعة من دون اخراج المئونة اذا حصلت بعض انواعه في آخر السنة و لم
تكن عليه مؤنة حينئذ.
و كيف كان فقد يستدل علي المختار اعني القول الاول بامور:
1- ان المتعارف بين العقلاء من اهل العرف هو ذلك، فانهم اذا ارادوا محاسبة الربح و المصارف لكل انسان حاسبوا مجموع ما انتفع به طول السنة و اخرجوا منه مصارفه و كان الزائد ربحا خالصا، و كذلك بالنسبة الي الشركات التي فرقت رأس مالها في انواع من المكاسب فبعضها في التجارة و بعضها في التنمية الزراعية و بعضها في المصانع و غيرها فيحاسبون الجميع، ثم يعلنون الربح و الخسران، و كذلك في مصارف الحكومات
______________________________
(1)- شرح اللمعة، المجلد 2، الصفحة 78 من الطبع الحديث.
(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 332
و منافعها فان المعمول فيها أيضا محاسبة جميع المنافع طول السنة و المصارف كذلك ثم محاسبة كسر البودجة.
و اطلاق قوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة» يرجع الي هذا الامر المتداول بين اهل العرف فيما بينهم.
ان قلت: بل نراهم يحاسبون كل واحد من هذه الامور مستقلا من حيث الربح و الخسران، فيقولون ربحنا في تجارتنا و خسرنا في زراعتنا.
قلت: هذا اذا اريد محاسبة نفس المكاسب من حيث الربح و الخسران لا محاسبة ربح الانسان و خسرانه بعنوان شخصه، ففي الاول يقولون خسرت هذه الصفقة ربحت تلك الصفقة، و لكن اذا اريد مصارف الشخص و منافعه يقول ربحه طول السنة هذا و مصرفه هذا فبقي هذا المقدار الذي هو الربح الخالص الزائد، و انت اذا راجعت احوالهم تراهم لا يتعدون من هذا الامر.
الثاني: جريان السيرة من المتشرعة عليه، فانا نراهم علي ملاحظة المجموع من حيث المجموع دون ملاحظة كل فائدة برأسها، فعلي رأس السنة يحاسبون مجموع اموالهم
الموجودة بعد وضع المؤنات، و يقايسونه مع رأس مالهم في السنة الماضيه فيأخذون بالتفاوت بينهما و يخمسون اموالهم، و لكل واحد منهم وقت معين معلوم لتخميس امواله في كل سنة.
مع ان كثيرا من الناس لهم انواع مختلفة من المكاسب فعنده زراعة و تجارة او الحرفة بيده و غلة دار او دكان و غير ذلك، و لو كان لكل واحد من هذه الانواع، بل لكل مصداق من مصاديق النوع الواحد حول برأسه (لعدم الفرق بين تعدد الانواع او الافراد) لكان سنة تخميس الاموال في كل شهر او كل اسبوع و لو كان ذلك لاشتهر و بان، لا سيما اذا قلنا
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 333
بوجوب الخمس في الهدايا فلا بد من ملاحظة كل هدية و جعل سنة خاصة لها، و هذا مقطوع العدم بينهم.
و لذا قال في الجواهر في رد هذا القول- فيما حكي من عبارته: «كأنه معلوم العدم من السيرة و العمل». «1»
و عدم وقوع السؤال عنها أيضا دليل علي ما ذكرنا.
و هذه السيرة و ان كانت مأخوذة من بناء العقلاء، و لكنها دليل مستقل بعد ظهور جريانها الي زمن المعصومين- عليهم السلام-.
هذا مع استلزام القول الثاني للهرج الشديد في كثير من الأوقات فان جعل سنة خاصة لكل منفعة جديدة (لا سيما اذا قلنا بعدم الفرق بين اتحاد النوع و عدم اتحاده) ثم توزيع مؤنة السنة علي كل واحد في وقته بعضها علي واحد منها و بعضها علي اثنين و بعضها علي الثلاثة مشكل جدا، و يعلم عدم تداوله بين المتشرعة اصلا.
الثالث: ظهور اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن مهزيار: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل
عام» فان ظاهره ملاحظة المجموع في كل عام، و لا جعل عام لكل واحد مستقلا و ما قد يقال من عدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة ممنوع بعد ظهور قوله: «في كل عام» في محاسبة الاموال كل سنة مرة واحدة مع ان كثيرا من الناس لهم منافع و مداخل مختلفة من غلة دار و ربح تجارة و عمل يد الي غير ذلك، و بالجملة ظاهر الصحيحة ان المال يحسب في كل عام مرة واحدة و يؤخذ منه الخمس سواء كان موزعا علي اعمال مختلفة او عمل واحد.
و من هنا يظهر الجواب عما استدل به للقول الثاني من قياس المقام
______________________________
(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 81.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 334
بباب الغوص و المعدن و الكنز تارة حيث يحسب كل اخراج مستقلا و الاخذ بالاطلاقات اخري، لان تقييدها بكون المجموع في سنة واحدة يحتاج الي دليل.
و اصالة البراءة ثالثة، فان مقتضاها عدم وجوب الفور في خمس ما اكتسبه في آخر السنة.
فان قياس المقام عليها قياس مع الفارق (مع عدم صحة القياس في مذهبنا) لان الغوص و شبهه لا يعتبر فيها السنة، و استثناء المئونة حتي يتكلم في وحدة الجمع و عدمها فلا ربط بين المقامين.
و اما الاخذ بالاطلاقات فهو غير تام بعد ما عرفت من الدليل علي التقييد، و كذا اصالة البراءة انما تصح عند فقدان الدليل علي وجوب الخمس فورا بعد مضي السنة، الظاهر في المجموع من حيث المجموع.
ان قلت: ان الالتزام بهذا القول قد يوجب الضرر كما اذا حصد زرعا في آخر السنة و لم يربح عنه شيئا لكنه قد وجب عليه (بناء علي هذا القول) تخميسه اذ خمس
المجموع يلاحظ في آخر السنة دفعة واحدة، و بهذا قد يلزم تحميل ضرر عليه بينما لو قلنا بوجوبه في كل مهنة علي حدة لم يلزم ذلك، بل جاز له التأخير في دفع خمس الزراعة الي مضي الحول.
قلت: مضافا الي ان هذا الكلام مجرد استحسان و هو ليس بحجة عندنا، انه لا يجب عليه دفع جميع ما حصده من الزراعة حتي يلزم ضرر عليه، بل انما يجب تخميسه علي ان الحاكم الشرعي مبسوط اليد في الاخذ و العفو فله ان ينظر الي وضع المكلف الذي وجب عليه الخمس فيهبه او بعضه له اذا رآه مصلحة.
***
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 335
«يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة، استقراره فلو اشتري شيئا فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسه الا بعد لزوم البيع و مضي زمن الخيار».
اقول: محل الكلام هو زيادة القيمة السوقية او الزيادات المتصلة، اما المنفصلة فهي خارجة عن محل الكلام فان تزلزل العقد لا يوجب تزلزلا في ملكيتها، و علي كل حال فالوجه فيما ذكره عدم صدق الفائدة علي محل الكلام و هو كذلك بناء علي عدم جواز البيع في زمن الخيار، و اما لو قلنا بجوازه مع انتقال حق الخيار معه و اعلام المشتري الثاني به وجد لهذا العين مع هذه الصفة طالب يشتريها باكثر مما اشتراه به، كما اذ اشتراه بعشرين دينارا مع الخيار للبائع فوجد من يشتريه منه بثلاثين مع هذه الصفة فان المنفعة هنا صادقة بالفعل اذا كان من قصده الاسترباح بهذا المتاع، فعلي رأس السنة و بعد اخراج المئونة يجب عليه خمس هذه العشرة لوجود الطالب له مع وصفه هذا.
و كان كلامه مبني
علي عدم جواز البيع في زمن خيار البائع.
و مما ذكرنا يظهر انه اذا مضي زمن الخيار و لم يفسخ و استقر الربح، صدق المنفعة من حينه لا من حين العقد و لا معني للكشف هنا لان المفروض عدم جواز بيعه، نعم بناء علي جواز البيع في زمان الخيار كانت المنفعة صادقة من اول الامر، و لبعض المحشين تفصيلات يظهر ضعفها مما ذكرنا.
لو اشتري ما فيه ربح ببيع الخيار، فصار البيع لازما (بمضي زمن الخيار مع عدم الفسخ) فاستقاله البائع فاقاله لم يسقط الخمس،
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 336
الا اذا كان من شأنه ان يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار اذا رد مثل الثمن (هكذا ذكره المحقق اليزدي في العروة).
قلت: و الوجه فيه عدم صدق الفائدة حينئذ، و ان شئت قلت: الفائدة و ان كانت ثابتة بحكم الشرع بلزوم البيع مع حصول الربح، كما اذا اشتري ما يسوي بالف دينارا باقل منه مع شرط الخيار و انقضي زمانه، و لكن العرف قد لا يراه منفعة لائقة بشأنه و لكن ذلك ثابت في بعض فروض المسألة لا في غالب فروضة، فانه انما يكون اذا اتي بثمنه مع تأخير قليل كيوم او ساعة، لعدم قدرته او لبعض الموانع غير المترقبة، او كان التفاوت بين الثمن الواقعي للمتاع و ثمن المعاملة كثيرا- كما هو المتعارف في من يريد القرض مع الفرار من الربا- فيبيع داره بثمن رخيص مع خيار الشرط لعلمه بانه يقدر علي اداء الثمن و اخذ ماله، فلو لم يقدر عليه لبعض الموانع كان للمشتري اخذ الدار بحسب ظاهر حكم الشرع، و لكن العرف لا يري مثل ذلك كنفعة لائقة
بشأنه بل يراه كسمّ الحيات و العقارب.
ثم قد يقال: انه لا يصح اقالة المشتري بعد مضي زمن الخيار بالنسبة الي خمس المبيع لان الشارع حكم بكونه ملكا لأرباب الخمس، فلا يجوز للمشتري الاقالة الا بالنسبة الي ملك نفسه و هو اربعة اخماس المبيع.
و لكن لقائل ان يقول: ان العرف لا يري الزيادة الحاصلة للمشتري في امثال هذه المعاملات الخيارية (التي تنفقد في كثير من الاوقات للفرار من الربا) منفعة واقعية، بل يري تحصيلها من جانب المشتري و عدم اقالته البيع مخالفا للانصاف جدا و يذمّه علي ذلك، و حينئذ يجوز للمشتري اقالة المبيع بتمامه و لا يجب عليه خمس لعدم صدق المنفعة عرفا.
***
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 337
او احتمالات اربعة:
1- وجوب اخراجه مطلقا كما اختاره في العروة بعنوان الاحتياط افتي به بعض المحشين.
2- عدم وجوب اخراجه كذلك و ان ما يحتاج اليه الانسان في رأس ماله من قبيل المئونة.
3- التفصيل بين رأس مال يعادل مؤنة سنته فلا خمس فيه و بين الزائد عليه ففيه الخمس (كما اختاره في مستند العروة).
4- بين ما يحتاج اليه لمؤنة سنته و ما لا يحتاج اليه كما اختاره بعض آخر و هو الاقوي.
و العمدة في ذلك ان لفظ المئونة في بدء النظر ظاهر فيما يصرف في مصارف الحيات من القوت و الملبس و المسكن و المناكح و التداوي و عباداته و غير ذلك من اشباهه، و اما وسائل التنمية و التوليد و التجارة و كذلك آلاتها فليست من المئونة، و هذا دليل القائلين بوجوب الخمس فيه اذا كان من منافع كسبه.
و اما دليل القول بعدم الخمس، انه اي فرق بين رأس المال و آلات العمل
و ساير المؤنات التي يحتاج اليه في حياته، فكل ما يحتاج اليه الانسان في معاشه و معاده مؤنة، حتي ما يحتاج اليه في السنين الآتية سواء كان مثل المأكل و الملبس أم لا.
هذا و لكن الانصاف ان المسألة ذات شقوق.
احدها: اذا كان الانسان يقدر علي اجارة نفسه لبعض الاعمال و يقدر علي تحصيل مؤنة سنته من هذه الناحية و لكن ليس هذا الشغل لا لائقا بشأنه
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 338
و لو لم يكن له رأس مال يكتسب به كان شيئا عليه، فلا ينبغي الشك في كونه من المئونة او بحكم المئونة لإلغاء الخصوصية عنها قطعا، فبالمقدار الذي لا يرتفع الشين عنه باقل منه كان مستثني عن حكم الخمس، و اي فرق بينه و بين السيارة التي يحتاج اليها او الدار الذي يسكنه او الخادم او غير ذلك مما يحفظ به عرضه و جاهه.
ثانيها: ما اذا لم يقدر علي تحصيل مؤنة سنته الّا بالآلات او برأس المال فليس له مهنة الا من طريق الزراعة او الصناعة او التجارة، فاخذ أقلّ ما يكفيه لمؤنة السنة بحيث لو كان أقلّ منه لم يف منافعه بمئونة سنته فهذا أيضا بحكم المئونة سواء صدق عليه عنوانها أم لا.
و ذلك لان ظاهر ادلة استثناء المئونة ان الخمس انما هو بعد اخذ حاجات الحياة اياّ ما كان، ففي المقام يكون ايجاب الخمس عليه سببا لعدم وفاء منافعه بمئونة سنته و صيرورته فقيرا محتاجا الي بيت المال او الي غيره من ابناء نوعه، و من المعلوم من ادلة استثناء المئونة انها لا يرضي الشارع بذلك.
ثالثها: ما اذا كان رأس المال و الآلات بمقدار لو ادي خمسها كان قادرا
علي اكتساب مؤنة سنته بالباقي، كمن كان له رأس مال يعادل مأئة الف دينار لو اعطي خمسها فصارت ثمانين الف كان قادرا علي الاكتساب اللائق بشأنه بهذا المقدار، فلا اشكال حينئذ في وجوب الخمس عليه لصدق المنفعة علي المجموع و عدم منافات الخمس لاكتساب مؤنة سنته فتدبر.
هل هو ابتداء الاكتساب، او ابتداء ظهور المنافع، او يقال ان المبدأ هو زمان حصول الربح، او التفصيل
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 339
بين من كان مكتسبا؟
فالاول و من لم يكن مكتسبا كمن حصل له فائدة اتفاقا فالثاني، او ان مبدئه هو مبدأ السنة المتعارفة في بلاده كعيد النيروز في بلاد العجم و اوّل المحرم في بلاد العرب. و الاول ظاهر الحدائق «1» و محكي عن شيخنا الانصاري.
و الثاني محكي عن المدارك و الروضة.
و الثالث ظاهر الجواهر و غيره.
و الرابع اختاره في العروة.
و الخامس مال اليه بعض المعاصرين.
و الاقوي هو القول الثالث الذي اختاره في الجواهر و اختاره غير واحد من المحشين علي العروة، و الوجه فيه انه لا خمس الا في المنفعة و الغنيمة فمتي حصلت في يده وجب عليه الخمس.
و بعبارة اخري: مبدأ السنة هو ما اذا ظهر اوّل مصداق لقوله تعالي:
«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» و ذلك بحصول الربح في يده.
قد عرفت ان استثناء المئونة من هذا القسم مما ريب فيه و لا شبهة تعتريه، انما الكلام في حقيقتها و خصوصياتها فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية:
المئونة علي قسمين: مؤنة التجارة و الكسب و مؤنة الانسان نفسه اما الاول فلا ينبغي الكلام في استثنائه بجميع اقسامه، مما يرتبط بمحل الكسب و اجرة
______________________________
(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 354.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 340
العمال و الدلال و اجرة الحمل و مصارف الماء و الكهرباء بل و الضرائب التي تؤخذ من التجار و غيرهم.
و الدليل عليه واضح فان عنوان الربح و الفائدة و الغنيمة الوارد في الاية و الروايات لا يصدق الا بعد
اخراج هذه الامور، هذا مضافا الي ما ورد من التصريح به في بعض روايات الباب مثل ما رواه ابراهيم بن محمد الهمداني في مكاتبته الي ابي جعفر الجواد عليه السّلام حيث قال: «اختلف من قبلنا في ذلك (اي الخمس) فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله فكتب و قرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان». «1»
و قريب منه ما ورد من التعبير في رواية ابن شجاع النيسابوري من كلام الراوي في سؤاله عن ابي الحسن الثالث عليه السّلام انه: «ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا (من الحنطة)» و جوابه عليه السلام: «الخمس مما يفضل من مؤنته» «2» فالراوي نفسه استثني مؤنة الكسب حيث عبّر عن ذلك بقوله:
(ذهب منه ثلاثون كرّا) و منه يظهر ان استثنائها كان موضع وفاق بين اصحاب الائمة- عليهم السلام- فلا نحتاج للاستدلال علي ذلك الي الاطلاق فانه اقوي دلالة من الاطلاق. و هكذا غيرهما من الأخبار الدالة عليه.
و اما القسم الثاني اعني مؤنة الانسان نفسه فهي علي اقسام:
1- قد يكون من الامور الحيوية التي لا مناص للإنسان منها، كما يرتبط
______________________________
(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
فالاختلاف وقع بينهم في استثناء مؤنة الشخص، و اما استثناء مؤنة الكسب فقد كان مسلّما بينهم و لذا لم يسأل عنه الراوي و تلقاه بالقبول.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 341
بالمأكل و المشرب و الملبس و المسكن و المركب و التداوي عند المرض.
2-
ما يرتبط بالحقوق اللازمة عليه، كأداء الديون و اروش الجنايات و مصارف الحج و الوفاء بالنذر و شبهه.
3- ما يرتبط بامر نكاح نفسه و اولاده و من يكون في عيلولته، بل قد يكون هذا القسم من مصاديق القسم الاول.
4- ما يرتبط بغير حوائجه اللازمة في حياته، كالهدايا و الاضياف و الهبات و الزيارات المستحبة و التنزه و شبهها و الحلّي و انواع التزيين، و كذا ما يصرف لأداء الاحترام الي الاموات من الامور المستحبة و غير المستحبة.
فهل استثناء المئونة يشمل جميع ذلك او يختص ببعضها دون بعض؟
و اللازم قبل كل شي ء الرجوع الي معني المئونة و مفهومها، فانها العنوان الذي يدور مداره احكام الباب، فقد صرح باستثناء المئونة علي الاطلاق او مؤنته و مؤنة عياله في كثير من روايات الباب «1» بل قد ورد التصريح بعدم وجوب الخمس من الفاكهة التي يأكلها العيال في حديث ابي بصير عن الصادق عليه السّلام. «2»
هذا و المئونة كما ورد في كثير من كتب اللغة مثل القاموس و لسان العرب و غيرهما هي القوت (و القوت هو ما يؤكل، فعلي هذا لا تشمل غير المأكول من حوائج الحيات من ضرورياتها و غير ضرورياتها، و بل لا يشمل مثل المسكن و الملبس و اشباههما، و لكن صرح غير واحد من اكابر الاصحاب بان معناه في العرف عام يشمل جميع ما ذكر.
______________________________
(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5.
(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 342
قال في كشف الغطاء:
«كل ما يتعارف بين الناس صرف المال فيه فهو مؤنة».
و قال في المسالك و الروضة فيما حكي عنهما: «المئونة ما ينفقه علي نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم كالضيف و الهدية و الصلة لإخوانه … »
و قال في الجواهر: «الاولي ايكاله الي العرف» و صريح كلامه ان مفادها في العرف عام يشمل جميع ما ينفقه علي نفسه و علي عياله.
و قال في المستمسك: «المئونة مطلق ما يحتاج اليه عرفا في جلب المحبوب او دفع المكروه».
و قال في مستند العروة: «هي كل ما يحتاج اليه الانسان في جلب المنفعة او دفع المضرة».
و ظاهر الجميع ان مفادها في العرف عام لا يختص بالقوت و شبهه، و الانصاف انه كذلك، فان المتبادر منه مفهوم عام لا يختص بالقوت بل يشمل جميع ما ينفقه الانسان في حياته مما يتعارف صرف المنافع فيه في جميع الاقوام و الملل. «1»
و يدل علي ذلك أيضا ملاحظة اخبار الباب، فانها لا تقبل الحمل علي خصوص القوت بل الظاهر منها الغاء الخصوصية من هذه الجهة و لو كانت المئونة ظاهرة في خصوص القوت.
اضف الي ذلك ما تقدم من مسألة كون مصارف الشخص
______________________________
(1)- و الاشكال بان هذا المعني العرفي للمئونة لعله مختص بعرفنا الحاضر لا العرف الموجود في زمن الائمة (ع) فلا يمكن الاستدلال به، يجري في التمسك بجميع الظهورات اللغوية و العرفية، و يدفعه اصالة عدم النقل و الاستصحاب القهقرائي كما حقق في الاصول.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 343
في ابواب المكاسب من مصارف الكسب و ان هو الا من قبيل العمال الذين يأخذون الاجور علي اعمالهم، فلو كانت نفقة صاحب الكسب في السنة الف دينار و كانت منفعة كسب
بهذا المقدار لم يصدق عليه في الواقع انه حصل له منفعة او غنيمة، فلا وجه حينئذ للخمس المتعلق بالغنائم.
و علي كل حال الحكم عام شامل لجميع مصاديق المصارف الواجبة و المستحبة، و الضروري و غير الضروري مما يتداول بين الناس صرف المنافع فيها.
هذا و لو شك في بعض مصاديقها و لم يعلم دخوله في عنوان المئونة و عدمه فقد يقال مقتضي اطلاقات وجوب الخمس تعلقه به لعدم ثبوت خروجه عنها، لان امر المخصص دائر بين الاقل و الاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن.
اللهم الا ان يقال: ان هذه العمومات و الاطلاقات من قبيل المحفوف بما يحتمل القرينية، و بعبارة اخري اجمال المخصص يسري الي العام في المخصص المتصل حتي اذا دار امره بين الاقل و الاكثر فلا يصح التمسك بالعموم لا جماله.
و لكن يدفعه: ان هناك عمومات او اطلاقات لا تشتمل علي المخصص المتصل، فلا يجري هذا الاشكال فيها، و لا مانع من الاخذ بعمومها و الحكم بوجوب الخمس في موارد الشك. «1»
______________________________
(1)- و لا يخفي ان هذا مبني علي القول بخروج المئونة عن عمومات وجوب الخمس بالتخصيص، و اما علي التخصص كما ذكرناه سابقا فالمرجع هو اصالة البراءة.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 344
موافقة لشأنه كما في مصباح الفقيه «1»، و في الحدائق بعد ذكر مصاديق المئونة: «كل ذلك ينبغي ان يكون علي ما يليق بحاله و ان اسرف حسب عليه ما زاد». «2»
و قد سبقهم الي ذلك الشهيد الثاني في المسالك: «و يعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة». «3»
و لذا صرح المحقق اليزدي في العروة الوثقي بانه لو زاد علي ما يليق بحاله مما يعد سفها و سرفا بالنسبة اليه
لا يحسب منها.
و قد اوضح ذلك سيدنا الاستاد البروجردي كما في تقريراته بانه: «يجب علي كل واحد ان يراعي حد الاعتدال في مؤنته علي ما يقتضيه شأنه بحيث لا يبلغ حد الاسراف و التبذير و ذلك يختلف بحسب اختلاف الاشخاص بالغني و الفقر و بالمناصب علي اختلاف مراتبها … و باختلاف الامكنة و البلدان و الازمنة و الاعصار ثم مثل لذلك من يكفيه من المسكن استيجاره و من لا يكفيه بحسب شأنه الا تملكه» انتهي ملخصا. «4»
و الدليل علي ذلك هو انصراف الاطلاقات اليه كما في نظائره، مثل انصراف اطلاق الوجه و الاصابع في باب الوضوء الي الوجه و الاصابع المتعارفة، فلا اعتبار بمن نبت شعره من اعلي حاجبيه، او نبت شعره من وسط رأسه، او كانت اصابعه قصيرة بحيث لا يدور الابهام و الوسطي الاعلي نصف وجهه عرضا، الي غير ذلك مما ذكروه في باب الكر من حيث الاشبار و الذراع في الابواب المختلفة.
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.
(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 353.
(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 59.
(4)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 87.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 345
فاطلاقات المئونة لا تشمل المسرف و لا المبذر، بل الخروج عن الشأن حتي و ان لم يعد اسرافا كمن اشتري دارا وسيعا لها طبقات و غرف كثيرة، خارجة من شأنها و ان لم يتلف ماله بل يمكنه بيعه باكثر مما بذله عند الشراء.
و من هنا يظهر ان المراد من الاعتدال ليس إلا عدم التجاوز عن الحد اللائق بحاله لا الاعتدال بمعني الاخذ بحد الوسط، فلو زاد علي ذلك وجب عليه خمسه أيضا، و العجب من المحقق الهمداني
في مصباح الفقيه حيث قال (بعد نقل التقييد بعدم الاسراف عن شيخنا الانصاري قدس سره):
«ان المتبادر من مثل قوله عليه السّلام الخمس بعد المئونة ارادته فيما يفضل عما ينفقه في معاشه بالفعل … فالعبرة بما يتفق حصوله في الخارج كيفما اتفق و دعوي ان المتبادر من الروايات انما هو ارادة ما ينفقه في مقاصده العقلائية علي النهج التعارف لا علي سبيل الاسراف قابلة للمنع الا انه ربما يظهر من كلماتهم دعوي الاجماع عليه». «1»
و فيه ان انصراف الاطلاقات الي الافراد المتعارفة واضح لا يختص بهذا الباب، و الظاهر ان مستند المجمعين أيضا ليس الا هذا.
قد صرح غير واحد منهم بعدم الفرق كما في المسالك و الروضة و المدارك و الرياض، و حكي في الجواهر عن السرائر انه اقتصر علي الاول و لكن قال هو نفسه: «لعله لا فرق فيه علي الظاهر بينهما مع صدق العيلولة عرفا» «2» و هذا التعبير لا يخلو عن اشعار بالترديد في المسألة.
و لكن الانصاف شمول الاطلاقات للجميع من غير فرق بين القسمين
______________________________
(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.
(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 59.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 346
لعدم وجود ما يصلح للتقييد لا سيما مع شيوع بذل الاموال علي غير واجبي النفقة فيما بين الناس كما هو ظاهر، فلو كان قيد من هذه الناحية لوجب بيانه.
ظاهر العروة بل صريحها عدم الفرق و وافقه المعلقون عليها فيما رأينا، و لكن الانصاف انه قابل للإشكال لأنه يمكن ان يقال: اي فرق بينه و بين الاسراف و التبذير؟
غاية الامر ان الاسراف يكون في المنافع و هذه الامور في ما يكون جبرانه بسبب المنافع، فالاحوط لو لا الاقوي عدم استثناء هذه الامور.
، في خصوص العبادات و الامور القربية- كما هو ظاهر متن العروة و صريح غيرها- فان شأن كل مسلم التصدي للمستحبات الشرعية و القيام بالافعال القربية طلبا لمرضاته تعالي، من دون فرق بين مسلم و مسلم آخر، فلو صرف جميع منافعه بعد اعاشة نفسه في سبيل الله ذخرا لآخرته في سبيل الانفاقات و الحج و العمرة و زيارة الحسين عليه السّلام و غيرها، لا يعد من الاسراف و التفريط و الخروج عن الشأن. (انتهي ملخصا) «1»
اقول: ما ذكره جيد في بادي النظر اذا ثبت الاستحباب في امر، اما اذا كان مصداقا لقوله تعالي: «وَ لٰا تَبْسُطْهٰا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً» فلا للنهي عنه شرعا.
هذا و ما ذكره من ظهور عبارة المتن في جريان التفصيل في هذه الامور أيضا (من اللائق بالشأن و غيره) غير ظاهر، لأنه- قدس سره- ناظر الي ما يحتاج اليه في معاشه و ليس في كلامه ما يدل علي امر المعاد فراجع و تدبر.
______________________________
(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 251.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 347
هذا و لكن لقائل ان يقول: ان صرف المال في المستحبات و ان كان جائزا من دون التقييد باللياقة بحاله فانه لائق لكل احد، و لكن صدق المئونة عليه اذا كان خارجا عن المتعارف مشكل جدا، بل الظاهر عدم
صدق المئونة عليه فكأنه وقع الخلط في كلامه دام علاه بين جواز الصرف، و بين صدق المئونة عليه.
و ان شئت قلت: وقع الخلط بين عنوان عدم الاسراف و عنوان المئونة المتعارفة، فربما لا يكون شيئا اسرافا و لكن مع ذلك ليس من مصاديق المئونة المتعارفة، فاذا قلنا بانصراف عنوانها الي المتعارف لم يشمل امثال هذه المصاديق. فهل يمكن ان يقال: مؤنة زيد في السنة آلاف ألوف لأنه يبذل جميع امواله الزائدة في سبيل اللّه؟
فحينئذ يمكن القول بوجوب اداء الخمس الزائد اذا كان خارجا عن المتعارف و كان المال من ارباح المكاسب، اللهم الا ان يقال باستقرار السيرة علي خلافه، و هو مشكل لندرة تحققه بين الناس فيشكل دعوي السيرة عليه، فالاحوط لو لا الاقوي وجوب اخراج الخمس عن الزائد.
فهذا القول في جهة الافراط، و في مقابله في جهة التفريط ما حكاه المحقق النراقي في المستند عن بعض الاجلة من الاستشكال في احتساب الصلة و الهدية اللائقتان بحاله و انه لا دليل علي احتسابه (من المئونة) و كذا الاشكال في مؤنة الحج المندوب و سائر السفر الطاعة المندوبة، ثم قال: «هما في موضعهما بل الظاهر عدم كونهما من المئونة». «1»
اقول: لازم ما ذكرناه تخصيص المئونة بالضروريات و الواجبات
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 348
و هو عجيب لان نفقات الانسان مركبة منهما، و لم نسمع احدا يكتب جميع ما يصرفه من المصارف في دفتر مخصوص ثم عند المحاسبة رأس السنة للخمس يحسب الواجبات و الضروريات و لا يحسب الهبات و الانفاقات المستحبة و اسفار الطاعة كذلك، فان حفظ حسابه غير ممكن الا بالتسجيل في الدفاتر او اداء خمس
الارباح يوما بيوم، و كلاهما مما استقرت السيرة علي خلافهما.
في المسألة 62 بغير ما مضي منه في المسألة 59 كان المناسب توضيحا اكثر في هذه المسألة المبتلي بها لغالب الناس، فان غالب المحن يحتاج الي رأس مال و لا أقلّ من آلات مثل آلات التجار و النساج و الزراعة، و كذا المعامل و المصانع الكبار و الصغار في عصرنا فانها غالبا تحدث او توسع من المنافع الحاصلة من نفس العمل، فهل جميع ذلك متعلق للخمس او لا، او فيه تفصيل؟
فنقول و من اللّه التوفيق و الهداية: ان المسألة غير معنونة في كلمات كثير من الاصحاب و لعل عدم التعرض لها كان لوضوح عدم عدّ رأس المال من المئونة عندهم او لأمر آخر.
نعم صرح المحقق النراقي في المستند في احكام المئونة بانه ليس من المئونة عن الضياع و العقار و المواشي للانتفاع بمنافعها و لو لمؤنة السنة، و لا رأس مال تجارته لعدم التبادر و صحة السلب و لعدم الاضطرار بها
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 349
و لا اللزوم و الحاجة الي رقباتها في ذلك العام للمئونة فيه. «1»
و من الغنائم للمحقق القمي: «الظاهر ان تتميم رأس المال لمن احتاج اليه في المعاش من المئونة كاشتراء الفيعة لأجل المستغل» «2» بعد ان حكم بعدم كون رأس المال من المئونة بلا اشكال، و ظاهر التفصيل بين صورة الحاجة و عدمها لمؤنة سنته.
و عن رسالة شيخنا الاعظم- قدس سره- موافقة ما ذكره صاحب الغنائم في عده من رأس المال اذا احتاج اليه في سنته، بل و زاد عليه انتفاعه بمنافعه في السنين الآتية. «3»
و اختار هذا المسلك- اعني عدم وجوب الخمس اذا احتاج اليه
لمؤنة سنته- غير واحد من اعلام المحشين علي العروة بعد ان احتاط المحقق اليزدي فيه بوجوب الخمس فيه.
اقول: و تحقيق الحال فيه ان يقال: ان المسألة ذات صور مختلفة لكل منها حكمه.
1- قد تجعل الارباح الحاصلة من السنين السابقة رأس مال للسنة الحاضرة، او من السنة الحاضرة للسنين المقبلة.
فهذا مما لا اشكال في تعلق الخمس بها سواء احتاج الي هذا في السنة المقبلة بحيث لم يمكنه الاكتساب بدونه أم لا؟ فان المفروض انه زائد علي مؤنة سنة الربح فيجب فيه الخمس حتي لو احتاج اليه في نفقته في اليوم الآتي بعد السنة.
______________________________
(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.
(2)- رواه في المستمسك ذيل المسألة 59.
(3)- رواه في المستمسك ذيل المسألة 59.
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 350
2- اذا جعلت ارباح السنة رأس مال لتلك السنة و هذا علي اقسام:
تارة يمكنه الاعاشة بدونه و يكون اخذ رأس المال لتوسعة منافعه من غير ان يكون محتاجا الي هذه التوسعة، و هذا أيضا مما لا اشكال في تعلق الخمس به.
و اخري يمكنه الاعاشة بدون ذلك و لكن يكون كسبه دون شأنه فمقتضي شأنه ان لا يكون مثلا عاملا بسيطا بل لا بد ان يكون له رأس مال يكتسب به و يكون المبلغ الموجود بحيث لوادي خمسه لم يقدر علي ما ذكر، فهذا يعد من المئونة لما عرفت من ان المئونة هي جميع ما يصرفه الانسان فيما يحتاج في حاجات حياته حتي ما يتعلق بحفظ شئونه و مكانته.
و ثالثة ما اذا احتاج اليها لمؤنة سنته او لتتميمها مثل ما اذا حصل له في ستة اشهر من سنته ارباح من طريق العمل باليد و لكن في باقي السنة
لا يوجد له هذا العمل و لا بد له ان يجعل تلك الارباح رأس مال او آلات حتي يتمكن من تحصيل مؤنته في الباقي من سنته بل و في ما بعدها من السنة المقبلة، فهل هذا مما يتعلق به الخمس أم لا؟
و عمدة دليل القائلين بوجوب الخمس فيها (فتوي او احتياطا) هو انصراف لفظ المئونة منها، لأنها ظاهرة فيما يصرف عينها فعلا او يكون من قبيل الفرش و الدار و غيرها مما ينتفع بها في عيشه و حياته لا ما يستفاد منه لتحصيل الربح.
هذا و لكن يمكن الجواب عنه بانه و ان فرض صحة هذا الانصراف بالاعتبار المذكور، و لكن يمكن الغاء الخصوصية عنها بعد كونه مما يحتاج اليه في حياته و لو بالواسطة، و اي فرق بين ما يحتاج اليه بدون الواسطة او يحتاج اليه بسبب انه سبب للمئونة؟
أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 351
بل يمكن ان يقال بصدق عنوان المئونة لها، و ان هذا الا مثل ما اذا احتاج الي لبن الشاة او البقرة و لا يحصل الا بابتياع شاة او بقرة، او احتاج الي غرس اشجار للانتفاع بثمرتها و لا يمكن الوصول الي الثمرة بدونها، فهل يشك احد في كون البقرة او الشجرة من المئونة و ان كان يبقي عينها و ينتفع بثمرتها؟
و كذلك ما تداول في ايامنا من الحاجة الي رهن الدار بمبلغ كثير او الاستيجار بقيمة قليلة بشرط قرض هذا المبلغ، فان هذا المبلغ و ان كان يبقي عنه و لكنه يعد من المئونة و لا يتعلق به الخمس، فكذلك رأس المال في محل الكلام و ان ابيت الا عن عدم صدق المئونة علي رأس المال و
ان احتاج اليه، ففي الغاء الخصوصيّة عنها بما عرفت غني و كفاية.
، قسم منها يصرف عينه و لا يبقي كالمأكول و المشروب، و قسم منها ينتفع بمنافعه و يبقي عينه كالدار و المركب و الظروف و الفرش و شبهها، و هي علي اقسام:
1- قسم منها لا يبقي بعد مضي السنة كبعض الالبسة و لا كلام فيها.
2- قسم يبقي بعد ذلك و لا خمس فيه اذا احتاج اليه في المستقبل، و ذلك لإطلاقات روايات استثناء المئونة مع كون كثير من افرادها مما يبقي بعد السنة، اضف الي ذلك استقرار السيرة عليه في جميع الاعصار و الامصار.
3- قسم منها يبقي و لكن يستغني عنه بعد السنة كالأشياء التي اشتراها للحج مثلا ثم حج و استعني منه، او حلي المرأة بعد كبر سنها و استغنائها عنها، و غير ذلك مما يختص بمكان او زمان او ظروف خاص، و سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه عند ذكر المصنف لها (في المسألة 67).
4- قسم منها يكون من نوع غال يبقي سنين كثيرة لا يحتاج بقائها الي مثل تلك السنين، مثلا اذا كان هناك ظروف تبقي مئات