تسلیه المجالس و زینه المجالس الموسوم بمقتل الحسین علیه السلام

اشارة

سرشناسه : مجدی، محمدبن ابی طالب، قرن ق 11

عنوان و نام پديدآور : تسلیه المجالس و زینه المجالس الموسوم بمقتل الحسین علیه السلام/ تالیف محمدبن ابی طالب الحسین الموسوی الحائری الکرکی؛ تحقیق فارس حسون کریم

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ج 2

فروست : (موسسه المعارف الاسلامیه؛ 84 و 85)

شابک : 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 964-6289-09-6(ج.1) ؛ 964-6289-11-8(ج.2)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : کتابنامه

موضوع : حسین بن علی(ع)، امام سوم، 61 - 4ق. -- سرگذشتنامه

خاندان نبوت -- سوگواریها

واقعه کربلا، ق 61

شناسه افزوده : کریم، فارس حسون، 1331 - . محقق

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP41/5/م 24ت 5

رده بندی دیویی : 297/9534

شماره کتابشناسی ملی : م 78-4071

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فهرست قبلی

ص: 1

المجلد 1

اشارة

تسلية المجالس وزينة المجالس

المَؤسُوِمُ بِ مَقتَلُ الحسَيِنَ عَلَيِه السَلَامُ

من مصادر بحارالانوار

ص: 2

ص: 3

تسلية المجالس وزينة المجالس

المَؤسُوِمُ بِ مَقتَلُ الحسَيِنَ عَلَيِه السَلَامُ

تَأليفُ السيَدِ الديب مُحمّدَبن ابي طالب الحسُينِيَ الموسَوِي الحَائِري الکَرکَي

« مِن اَعلَام القرَنِ العَاشِرِ »

الجُزءُالَأوَل

تحَقيقَ

فارس حسون کریم

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

کلمة الناشر

بسم الله الرَّحمَنِ الرَّحيِم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين محمد وعلي آله الأطياب الأخيار.

وبعد:

ففي عام 11 للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلک النور الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين، وقبل أن يواري جثمانه الثري بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله وسلم، فکانت وفاته صلّي الله عليه وآله وسلّم حدّاً فاصلاً بين عهدين يختلفان کلّ الاختلاف، فذاک عهد اتسم بالايمان والصدق والرحمة، وهذا عهد الانقلاب علي الأعقاب ، وکأنّ القوم أبوا إلاّ أن يطبقوا الوعد الإلهي (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم ......)

وکان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الأمة إلي قسمين :

أحدهما: محب لأهل البيت عليهم السلام موالٍ لهم، وملتزم بنهجهم الّذي

وضعوه ، منکر لخطّ الانحراف ولمبدأ السقيفة في الحکم.

والثاني: خطّ أصحاب المصالح والهمج الرعاع، والذي شمل إضافة إلي أتباع الشيخين ، الحزب الأمويّ والخوارج الذين أردوا أمير المؤمنين عليه السلام شهيداً في محرابه ، واستولي علي الحکم معاوية بعد أن أرغم الامام الحسن عليه السلام علي الصلح معه لأسباب معروفة.

ومات معاوية وهو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلي أخذ البيعة من جماعة ،

وخص بالذکر الإمام الحسين بن علي عليه السلام

واستلم يزيد الخلافة بعد أبيه ، وهو ليس أهلا للحکومة فضلاً عن خلافة الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، فإن بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل وفي بعض ذاتياته وممارساته من خلال ما أوردته کتب التاريخ والسير عن فترة حکمه القصيرة، يظهر

ص: 6

لکلّ ذي عقل بأنّه کان فاشلاً وخاسراً في جميع الأمور وبالأخصّ في الخطين الرئيسيين اللّذين يجب أن يتصف بهما الحاکم المسلم، ألا وهي خطّي السياسة ، والالتزام الديني.

وکان أبناء الأمّة آنذاک قد تلبد إحساسهم وأخلدوا إلي سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع کلّ ناعق ، يميلون مع کل ريح، کما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ولولا دم الحسين عليه السلام لما تغير هذا الحال .

فالحسين الرمز ، هو ذلک الانسان الّذي عرف طريقه ، فلم تلوه عنها نصائح المحبين - کابن عبّاس -، ولا تحذيرات المنافسين - کالحرّ بن يزيد الرياحي -، ولکن الحسين مضي، لأنّه مُضاءُ ببرقٍ داخليّ ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الکتب ، کما يقول السيّد المسيح ...

رفض عروض الوليد بن عقبة والي يزيد علي المدينة ، وخرج إلي مکّة لليلتين

بقيتا من شهر رجب سنة 60 للهجرة .

وخرج عليه السلام إلي العراق في الثامن من ذي الحجة، وقُتل رسوله إلي

العراق مسلم بن عقيل بعد ذلک بيوم واحد.

وبلغ عليه السلام مشارف الکوفة، وکان والي يزيد عليها عبيدالله بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد لاصطياد الحسين ومن معه .. والتقي الرکبان ......... ودار بين الامام الحسين وبين الحر بن يزيد حوار طويل غير انه لم يثني الحسين عن غايته ، لذلک انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ «الحرّ» وجاهد ما استطاع دونه ودون آل بيته من النساء والأطفال حتي ضُرَّج بدمه.

وهکذا سائر أصحاب الأمام وأنصاره - مسلم بن عوسجة، وبرير، وزهير ، وحبيب ، و... . تابعوه في مسيرة الشهادة ، والمواقف الصامدة والبطولية التي وقفوها أمام الموت المحقق ، فصمدوا واستشهدوا ، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسين عليه السلام.

وتشابکت الأحداث و تعقدّت ، ثم مرّت بسرعة ، وإذا بالحسين مخضّب بدمه ،

ص: 7

في کربلاء ، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يُهادن الظالمين ، ولم يستسلم للباطل ، ولم يبايع ، وإنّما خرج ثائراً علي کلّ ذلک، لإصلاح أمّة جدّه ، وليجدّد إسلام الأمّة التي انقلبت علي أعقابها ، فيجعلها خير أمّة أخرجت للناس .

فکان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، ولکنّه سيظلّ زينة

السماء الداعية إلي الحرية الحمراء ، قبل کلّ شروق، وبعد کلّ غروب.....

ومع استشهاد الامام الحسين عليه السلام تيقّظت ضمائر أبناء الأمّة، وانتشر حب آل النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم في صفوفهم، وتحرک الأئمّة عليهم السلام واحدة تلو الآخر في سبيل نشر المباديء الّتي ثار من أجلها الحسين عليه السلام، وتوالت الثورات الشيعية الّتي تطالب بالثأر من قتلة الحسين ... فکانت ثورة المختار رحمه الله ، وثورة التوّابين، وعشرات الثورات الأخري ، وأخذ العلماء والخطباء وأهل السير بالحديث عن الثورة والمآسي التي رافقتها.

وأضحي يوم عاشوراء رمزاً لکل المحرومين والثائرين ضدّ الظلم والطغيان في

کلّ مکان وزمان، و الّفت مئات الکتب الّتي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين «ع »

ومن هذه الکتب القيّمة هذا الکتاب الّذي بين يديک - عزيزي القاريء - وهو تسلية المُجالس وزينة المجالس» المسمّي ب «مقتل الحسين عليه السلام» للسيد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الکرکي الحائري رحمه الله، وقد حوي علي مقدّمة ومجالس عشرة ، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ورد بعض الأحاديث التي وضعها الأمويون ، وبالأخصّ في حکم معاوية ، والّتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة ، والحط من شخصية الإمام علي عليه السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام

وقد تصدي الفاضل فارس حسّون کريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه

لمحبّي أهل البيت من زوايا المکتبات ، بعد أن تحمل جهوداً مضنية في الحصول علي نسخة الکتاب النفيسة ، و استنساخها ، ومراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح ، فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم

ص: 8

الاهدا

سيّدي أبا الأحرار.

يا من کان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء - صلي الله عليه و آله - ، يستعذبها ولا يملّ من ترديدها، ففيک وفي أخيک کان يجد أُنسه وسلوته عمّا فقد من الأبناء، وما يؤذيک کان يؤذيه ، حتي انّه سمع بکاءک ذات مرّة فقال للزهراء عليها السلام .:

أما علمتِ أنّ بکاءه يؤذيني ؟

فما عساه أن يقول لو قد رأي أمة الضلال قد تکالبت علي انتهاک حرمتک ؟!

فقد بارزتک بسيوف الدهر ، ورمتک بسهامه ، غير أنها جعلت منک قبلة للشفاعة نترم فيها طرباً.

فکان عملي هذا عنوان تذکار الولاء ، عساه أن يحظي بالقبول ، فأبلغ غاية المأمول.

فارس

ص: 9

ص: 10

ترجمة المؤلّف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الحکيم الوهاب ، ربّ الأرباب ، والهادي إلي سبيل الهدي

والصواب.

والصلاة والسلام علي خير خلقه المؤيدّ بفصل الخطاب ، خاتم أنبيائه

محمد أشرف الأحباب .

وعلي آله ، النور المبين والصراط المستقيم و منهاج الصواب ، أُولي العلم المحسودين علي ما آتاهم الله من فضله وأولي الأمر کما جاء به الکتاب ، ترفع بهم درجات شيعتهم وتخفض درجات اعدائهم النصّاب.

وبعد :

فکثير هم الأعاظم الّذين لم ينصفهم التاريخ ، وهذا السيّد الّذي نحن بصدد الحديث عن حياته واحد من أولئک الأکابر .

فالسيد رحمه الله رقم ناصع في جبين الدهر ، وهو عالم کبير ، فاضل خبير ، کامل قدير ، أديب جدير ، شاعر ناثر، ناظم ماهر، يشهد له کتابه هذا بعلوّ کعبه ، وشدة إيمانه ، ومع کلّ هذا لم نعثر له علي ذکر شاف يفي بحقّ هذا السيّد

ص: 11

الجليل .

والّذي وجدناه عبارات موجزة مقتضبة جدّاً لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم تتطرّق لجانب بسيط من عمره الشريف ، کنسبه ، أُسرته ، مدينته ، محلّ و تاريخ ولادته ، وما أعقبها من مراحل حياته ، کدراسته وشيوخه وتلامذته ، ... و أخيراً تاريخ وفاته .

وکأنّه رحمه الله علي يقين بما تخبّيء له غِيَر الزمان من تجاهل وإهمال ،

ففي موضع من کتابه هذا أورد اسمه ونسبه ولقبه کاملاً(1) وفي موضع آخر بين محلّ ولادته وسبب ترکه ذلک المحلّ واستيطانه الحائر،(2) وفي موضع ذکر انّه رأی کتاب « روضة الشهداء » للکاشفي(3) فنصنّف «تسلية المجالس وزينة المجالس» علي منواله (4)، وفي موضع ذکر أنّه بعث ابنه طاهر ليأتيه بکتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي (5)-(6)

وفي موضع آخر هذا الکتاب أشاد

ص: 12


1- في ج 1/53.
2- في ج 1 / 54.
3- «روضة الشهداء» فارسي، للحسين بن علي الکاشفي البيهقي ، المتوفي في حدود سنة 910 ه، مرتب علي عشرة أبواب وخاتمة فيها ذکر أولاد السبطين وجملة من السادات، واحتمل بعض أنّه أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتي عرف قاريہ بد روضة خوان»، ثمّ توسّع في هذا العنوان إلي هذا الزمان حتي يقال لکلّ قاريء روضة خوان».. «الذريعة: 294/11رقم 1775».
4- في ج 1 / 69.
5- «تذکرة الفقهاء في الفقه الاستدلالي من تصنيف العلّامة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف الحلي، المتوفي سنة 726ه، وقد طبع في مجلّدين ضخمين في إيران .«الذريعة: 43/4رقم 169». وقد طبع مؤخّراً في قم بتحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث .
6- في أواخر الجزء الثاني.

بالسلطان الشاه إسماعيل أبو المظفّر الصفوي(1)-(2)، وفي موضع ذکر غزو التتار وما فعلوا .(3)

اسمه ونسبه الشريف :

السيّد محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيي

ابن ناصر بن أبي العزّ (4)الحسيني الموسوي الحائري الکرکي.

ص: 13


1- الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر الحسيني الموسوي الصفوي ، ينتهي نسبه إلي حمزة بن الإمام موسي الکاظم عليه السلام ، ولد في 25 رجب سنة 892 ه ، وتوفّي في تبريز 19 رجب سنة 930 ه أو 931 ه ، ودفن بمقبرة جدّه صفي الدين في أردبيل ، ابتدأت سلطنته سنة 906 ه ومدّة ملکه 24 سنة ، وهو أول الملوک الصفويّة وموطّد دولتهم. «أعيان الشيعة : 3/ 321».
2- في ج 63/1.
3- في أواخر الجزء الثاني .
4- الظاهر أن «ابن أبي العزّ» هذا هو العالم الفاضل المعروف ، وهو الّذي ذهب مع والد العلّامة الحلّي والسيّد مجد الدين بن طاووس لطلب الأمان لأهل الحلّة ، والقصّة کما يلي: قال العلامة الحلّي - المتوفيّ سنة 726 ه. في کشف اليقين : 101ح 92 : لمّا وصل السلطان هولاکو إلي بغداد قبل أن يفتحها هرب أکثر أهل الحلة إلي البطائح إلا القليل . وکان من جملة القليل والدي رحمه الله والسيّد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العين ، فأجمع رأيهم علي مکاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيليّة ، وأنفذوا به شخصاً أعجميّاً. فأنفذ السلطان إليهم فرماناً[ الفرمان : الأمر الملوکي] مع شخصين ؛ أحدهما يقال له تُکلم ، والآخر يقال له علاء الدين ، وقال لهما : إن کانت قلوبهم کما وردت به کتبهم فيحضرون إلينا ، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال والدي رحمه الله : إن جئت وحدي کفي ، فقالا : نعم ، فاصعد معهما. فلمّا حضر بين يديه ، وکان ذلک قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة ، قال له : کيف أقدمتم علي مکاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبکم ؟ وکيف تأمنون ان صالحني ورحلت نقمته ؟ : فقال له والدي : إنّما أقدمنا علي ذلک ، لأنّا روينا عن إمامنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال في بعض خطبه : الزوراء وما أدراک ما الزوراء ؟ أرض ذات أثلٍ يشيّد فيها البنيان ، ويکثر فيها السکان ، ويکون فيها مهارم وخزان ، يتّخذها ولد العبّاس موطناً ، الزخرفهم مسکناً ، تکون لهم دار لهو و لعب ، يکون بها الجور الجائر ، والحيف المحيف ، والأئمة الفجرة ، والقراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم لا يأتمرون بينهم بمعروفي إذا عرفوه ، ولا ينتهون عن منکر إذا أنکروه ، تکتفي الرجال منهم بالرجال ، والنساء بالنساء ، فعند ذلک الغم العميم ، والبکاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترک ، وماهم الترک ، قوم صغار الحدق ، وجوههم کالمجان المطرقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد، يقدمهم ملک يأتي من حيث بدا ، ملکهم جهوري الصوت ، قوي الصولة ، عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا ترفع له راية إلا نکسها ، الويل الويل لمن ناواه ، فلا يزال کذلک حتي يظفر . فلمّا وصف لنا ذلک ، ووجدنا الصفات فيکم ، رجونا کم فقصدناک ، فطيَّب قلوبهم ، وکتب الهم فرماناً باسم والدي رحمه الله يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها . انتهي . ورواه العلّامة أيضاً في نهج الحق وکشف الصدق : 243 -244، وعبدالله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء :6/9 (إشارة) ، والشيخ عبّاس القمّي في الکنيوالألقاب: 189/1 ، وسفينة البحار : 3/ 533 ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : 2/ 258، والمدرس في ريحانة الأدب : 233/5 رقم 430.

محلّ ولادته وهجرته إلي الحائر :

حدّد المؤلّف رحمه الله مکان مولده قائلاً :

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي وأمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي ، ومصدري في الأمور وموردي ، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدسّة ، وهي في الحقيقة علي تقوي الله مؤسّسة ... أعني البلدة المشهورة ب «دمشق» معدن الفجور والغرور والفسق..(1)

فحششت رکابي عن ديارهم ، وأبعدت قراري من قرارهم ... وحططت رحلي ببلاد سيّد الوصييّن ، وألقيت کلّي علي إمام المتّقين ، وجعلت مشهد قرّة

ص: 14


1- انظر ج 1 / 54.

عينه ابي عبدالله موطني ، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسکني و مدفني. (1)

ما قيل في الاطراء عليه

کتب علي ظهر النسخة ما هذا نصّه : کتاب «تسلية المجالس وزينة المجالس» تأليف السيد الحسيب النسيب ، العالم الفاضل الکامل ، خلاصة البلغاء ، زبدة الخطباء النصحاء الألبّاء، أنموذج سلفه الطاهرين، وصفوة الفضلاء البارعين ، فخر الملّة والشريعة والدين ، محمد بن أبي طالب ...أدام الله أوصاله(2)

وقال المجلسي رحمه الله : السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(3)

وقال في موضع آخر : وکتاب «تسلية المجالس» مؤلفه من سادة

الأفاضل المتأخرين (4)

وقال السيّد إعجاز النيسابوري الکنتوري : السيّد النجيب العالم محمد بن

أبي طالب(5)

وقال الميرزا الخوانساري - ضمن کلامه عن الفقيه محمد بن أبي طالب الاسترابادي - : ثمّ ليعلم أنّ هذا الرجل غير محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري الذي کان هو أيضاً کما في رجال النيسابوري(6) من جملة

ص: 15


1- انظر ج62/1.
2- ستعرف أنّ النسخة کتبت في عصر المؤلّف رحمه الله
3- بحار الأنوار : 21/1 و 40.
4- بحار الأنوار : 21/ 1 و .
5- کشف الحجب والأستار: 121 رقم 579.
6- وهو الميرزا محمد الاخباري المقتول . «الذريعة : 157/10 رقم 283» .

المشايخ(1)

وقال السيّد محسن الأمين : في رسالة «نزهة أهل الحرمين»(2) وصفه

بالعالم الجليل والسيد الجليل (3)

ولده :

صرّح المؤلّف رحمه الله أنّه أرسل ولده «طاهر» ليأتيه بکتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي ، ولا نعلم کم له من الأولاد ، وکم کان عمر ناصر

حينذاک ؟(4)

اهمها

فترة عمره الشريف :

بما أنّا لم نتعرف علي تاريخ ولادة المؤلّف ولا تاريخ وفاته رحمه الله ،

ص: 16


1- روضات الجنّات : 35/7 . واحتمل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة «إحياء الدائر من مآثر أهل القرن العاشر : 214 أن يکون المؤلّف هو نفسه محمد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الاسترابادي ، تلميذ المحقق الکرکي ، وشارح الجعفريّة ، وسمّي الشرح «المطالب المظفّرية»، حيث قال : ولعله الاسترابادي المذکور .. فإنه في آخر المجلس الخامس في أحوال مسلم بن عقيل أظهر الشکوي من أهل زمانه وغدرهم به کما غدر أهل الکوفة بمسلم. قال: ولمّانجّاه الله منهم هاجر إلي کربلاء واتّخذها موطناً ومستقرّاً فيظهر أنّه لم يکن حائريّ الأصل . انتهي . أقول : يبدو أنّ الحقّ مع الميرزا الخوانساري، حيث إنّ المؤلّف رحمه الله صحيح لم يکن حائريّ الأصل لکنّه کرکيّ ، کما هو صرح في کتابه ، وکما بيناه فيما سبق .
2- «نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين» في النجف وکربلاء ، لسيّدنا الحسن بن هادي صدر الدين العاملي الأصفهاني الکاظمي «1272 - 1354» صاحب «تأسيس الشيعة الکرام الفنون الاسلام» . «الذريعة : 114/24 رقم 592» .
3- أعيان الشيعة :62/9 .
4- انظر أواخر الجزء الثاني .

فلذا من الصعب تحديد الفترة التي عاشها ، إلّا أنّ هناک دلالات نعرف من خلالها العصر الّذي عاش فيه هذا السيّد البارع ، وکما يلي :

1- انّه رحمه الله عثر علي کتاب «روضة الشهداء» للمولي الحسين الواعظ الکاشفي ، المتوفّي سنة «910» ه، وتاريخ تأليف الروضة هو سنة «847» ه، وألف کتابه هذا علي منوال الروضة.

2- أشاد رحمه الله في کتابه هذا بالسلطان شاه إسماعيل الصفوي ، المولود سنة «892» ه، وتسلم السلطة سنة «906» ه، وقاتل شيک خان الاوزبک سنة «916» ه، وتوفي سنة «930» ه.

3- لقد زار المؤلّف مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في سنة «921» ه(1)

4- کتب بعض قصائده وصرّح بأن عمره کان «70» سنة (2)

5- الف السجع النفيس عام 955 ه.

1. صرّح بأنّه حصل علي کتاب «تذکرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي سنة

«900 ه.

ونستنتج من هذا انّه رحمه الله ولد في القرن التاسع وعاش إلي أواسط

القرن العاشر .

ص: 17


1- انظر ج230/1 .
2- انظر ج 2/ 74 و 130.

حول الکتاب

اشارة

سفر کبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته ، والبکاء لرزّيتهم والجلوس العزيتّهم ، وحمل سبايا رسول الله صلّي الله عليه و آله وبناته وأحفاده إلي الشام .

وقد قال مؤلّفه : إنّي بعد أن منّ الله عليَّ بمجاورة سبط نبيّه..أطلق لساني بمدح رسوله المصطفي ، ووليّه المرتضي ، وأهل بيتهما الأئمّة النجباء.. فصرتُ أحلّي بذکرهم المنابر ، و أزيّن بشکرهم المحاضر..فقلَّ أن يمضي يوم من الأيّام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذکرهم في محکم تنزيله ، إلّا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلک اليوم الشريف... کخطبة مولد البشير النذير ، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة...وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي کان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سورة «هل أتي» وما في فضلهم أتي ، والمجلس المشهور به «تحفة الزوار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذکرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل کربلاء ، وکالتعزية الموسومة ب

مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرم ، وکالمجلس المشهور ب «قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة... وکالرسالة الموسومة ب «السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس» وغير ذلک من رسائل وخطب وأشعار تحث علي اقتناء الفضائل...

وکان ذلک يشتمل علي مائتي ورقة وأکثر ، أبهي من عقود اللآليء

وأبهر...

ص: 18

ثمّ إنّي بعد ذلک عثرت علي کتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة ، و فرسان البلاغة الأعجميّة (1).قد رتبه علي عشرة مجالس لقيام المآتم المصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء کربلاء...وجعلها خاصّة بالعشر الأول من شهر محرّم الحرام... وجعل لکلّ يوم من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية.......

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ علي منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، وأزيّن مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم ومواليهم ، وأهیَّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، وأُحلَّي أجياد اللسان العربي بدرر نظم ونثري ، وأُجدَّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فکري ، ورتبّته کترتيبه ، وبوّبته کتبويبه ، لکن لم أقصد ترجمة کلامه ، ولا سلکت مسلکه في تثاره ونظامه ، وجعلته عشرة مجالس... ولم آورد فيه من الأحاديث إلّا ما صحّحه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في کتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم(2)

نسخة الکتاب :

هي النسخة النفيسة المحفوظة في مکتبة مدرسة النمازي في مدينة «خوي» - من توابع محافظة تبريز - برقم 459 مکتوبة بخطّ نسخ متوسّط ، وأخطاؤها ليست قليلة ، تقع في «580» صفحة ، احتوت کل صفحة «22» سطراً، قياس الصفحة11/7017 سم ، سقط من وسطها صفحة واحدة أکملناها من مقتل الإمام الحسين عليه السلام للخوارزمي - وأشرنا له في

ص: 19


1- مراده «روضة الشهداء» للمولي الکاشفي .
2- انظر ج67/1- 70.

محلّه -، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أکثر وهي من نثر المؤلّف ، فلذا توقّفنا في آخر الکتاب کما في النسخة . کتبت علي النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية.

وقد کتب علي ظهر النسخة - وبنفس خطّ کاتب النسخة - ما هذا نصه : کتاب «تسلية المجالس وزينة المجالس» تأليف السيد الحسيب النسيب.... الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله.

فيفهم من هذا أنّ النسخة مکتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ کاتبها تلميذ

المؤلّف أو شخص آخر(1)

تسمية الکتاب :

أطلق علي الکتاب عدّة تسميات ، وکما يلي :

1- تسلية المُجَالس(2)

2 - تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس.(3)

3- زينة المَجَالس. (4)

4 - مقتل الإمام الحسين عليه السلام (5) وجميعها غير بعيد عن الصحيح ، وثانيها هو الأصحّ والأکمل ، وهو الذي

ص: 20


1- قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني : نسخة - أي من هذا الکتاب - عند الشيخ محمد رضا فرج الله . «الذريعة : 22 / 27»
2- بحار الأنوار : 40/1 ، الذريعة : 4 / 179 رقم 885.
3- بحار الأنوار : 21/1 ، کشف الحجب والأستار : 121 رقم 579 ، أعيان الشيعة : 62/9، طبقات أعلام الشيعة (القرن العاشر) : 214.
4- الذريعة : 12 / 94.
5- بحار الأنوار : 21/1 ، الذريعة : 22 / 27.

صّرح به المؤلّف في مقدّمته للکتاب ، وکان اختيارنا عليه.

اشتباهان حول الکتاب :

ا- قال الخوانساري رحمه الله - نقلاً عن رجال النيسابوري ، وعند ذکره للمؤلّف -: وله کتاب «تسلية المُجالس» و «زينة المَجالس» کلاهما في مقتل مولانا الحسين عليه السلام(1)انتهي .

والحال کا عرفت انّه کتاب واحد.

2- قال الأستاذ عبد الجبّار الرفاعي حفظه الله في «معجم ما کتب عن

الرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم» ج153/7: «تسلية المُجالس» للسيّد

محمد الحسيني الحائري . يأتي بعنوان «زينة المَجالس» . انتهي.

إلّا أنّه قال في ص 325رقم 18677:

زينة المَجالس» (مقتل فارسي) للسيّد مجد الدين محمد بن أبي طالب

الحسيني الحائري ، فرغ منه سنة 1004 ه.... انتهي .

وقال ثالثة في ج 8/69:

مقتل أبي عبدالله الحسين عليه السلام» للسيد محمد الحائري ، تقدّم

بعنوان : «زينة المجَالس» . انتهي.

ويمکن تصحيح هذا الاشتباه بالنقاط التالية :

أ: حصل خلط بين «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» - کتابنا هذا - وبين «زينة المَجالس» للسيّد مجد الدين محمد بن أبي طالب الحائري ، وذلک

ص: 21


1- روضات الجنّات :35/7.

نتيجة اشتراک اسم الکتاب واسم المؤلّف في الاثنين .

ب : إنّ «زينة المجالس» هو في التواريخ وليس في مقتل الإمام الحسين

عليه السلام.

وقد قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني رحمه الله : «زينة المجالس» في التواريخ ، للأمير مجد الدين محمد الحسيني المتخلص «مجدي» ألفه سنة «1004» ه باسم الشاه طهماسب ، مرتّباً علي تسعة أجزاء ، وکلّ جزء علي عشرة فصول ، إلّا الجزء الأخير فإنّه لم يخرج منه إلّا ثمانية فصول في النسخة المخطوطة ، لکنّه اُلحق بالکتاب فصلان في الطبع ؛ أحدهما في تواريخ المغول ، والآخر في الصفويّة ، وينقل عنه في «مطلع الشمس»، وهو فارسيّ.. إلي آخر کلامه(1)

ج : إنّ مؤلّف «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» أهدي کتابه للشاه إسماعيل الصفوي الّذي کانت السلطة بيده في عام «906 - 930» ه، وهذا يعني أنّ تاريخ تأليف الکتاب يقع في هذه الفترة ، و مؤلّف هکذا کتاب من البعيد أن يقل عمره عن «20» أو «25» سنة ، فعلي غالب الظن أن ميلاده کان قبل سنة

«900» ه.

وأمّا مؤلّف کتاب «زينة المَجالس» فقد ألّف کتابه سنة « 1004» ه، ومن

المعلوم أنّه توفّي بعد هذا التاريخ.

وبالنتيجة فمن البعيد جدّاً أن يکون مؤلف «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس المولود قبل سنة «900» ه قد عمّر لما بعد سنة «1004» ه.

ص: 22


1- الذريعة : 12 /94 رقم 618.

ومن الجدير بالذکر أنّ العلّامة المجلسي رحمه الله قد نقل في بحار الأنوار عن «تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس» في المجلّد العاشر من الطبع القديم (الحجري) ، أي ّ 44 ص 310 و354وغيرها والمجلّد 45 من الطبع الجديد .

منهجيّة التحقيق

کان أوّل عملي هو استنساخ النسخة الخطّيّة ، ومن ثمّ إرجاع الأحاديث إلي مصادرها الأصليّة - وإن لم يصرّح المؤلّف بمصادرها علي الأغلب - حيث طابقت الأحاديث مع مصادرها ، وبعد ذلک ضبطت النصّ ضبطاً متقناً - علي قدر الوسع والإمکان ، ولم أدّع الکمال في ذلک - وکما يلي :

1- طابقت الآيات القرآنيّة الشريفة مع القرآن الکريم وأثبتّها کما هي في

القرآن .

2 - ما أضفته من المصادر جعلته بين [] وأشرت لذلک في محلّه .

3 - اقتصرت في الإشارة لموارد الاختلافات بين النسخة والمصادر -

المهمّة منها فقط.

4 - قمت باتّحاد الأحاديث الواردة في الکتاب مع المصادر الحديثيّة

المعتبرة .

ص: 23

تقدير وعرفان :

لقد کان الأمل يحدوني بأن يُکتب لهذا السفر القيّم بالظهور قبل مدّة من الزمان ، أي في حياة أُستاذنا العلّامة الراحل والمحقّق الخبير السيّد عبد العزيز ابن السيّد جواد الطباطبائي اليزدي النجفي قدّس سرّه ، سيّما وانّه قد هيّأ لي النسخة الّتي اعتمدتها في التحقيق من مدرسة النمازي في مدينة «خوي»، وانّه أيضاً کان يرغب في أن يري صدور هذا الکتاب ، إلّا أنّ أموراً عديدة حالت دون إتمام تحقيق الکتاب في ذلک الوقت ، وشاءت الإرادة الإلهيّة غير ما شئنا برحيل السيّد عنّا ، فجزاه الله خير جزاء المحسنين ، وأسکنه فسيح جنانه وأوفرها.

وأسجّل وافر شکري لکلّ من مالي مدَّ العون في عملي هذا، وأخصّ بالذکر منهم : الأستاذ الفاضل محمود البدري ، وأشقائي : علي وعبدالکريم وصادق وفّقهم الله جميعاً.

وأشکر أيضاً أمّ ولدي «حيدر» التي شارکتني في مختلف مراحل تحقيق

الکتاب ، من استنساخ واستخراج ومقابلة فجزاها الله خيراً .

والحمد لله ربّ العالمين .

فارس حسّون کريم

قم المقدّسة ذکري مولد سيّد الشهداء عليه السلام

3 شعبان 1417 ه

ص: 24

صورة

صورة الصفحة الأولي من النسخة الخطية «الأصل» .

ص: 25

صورة

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية «الأصل» .

ص: 26

مقدمه المولف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلي وجوه أوليائه ، ونوائب بطشها المشهور موقوفة علي جهة أصفيائه ، ووعدهم علي الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه ، وأراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه ، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفي من رحمته ، وباعوا أنفسهم من الله بنعيم جتته ، وتلقّوا حدود الصّفاح (1)بشرائف وجوههم ، وقابلوا رؤوس صدور الرماح بکرائم صدورهم ، فکوّرتهم وقد أظلم ليل نقع (2) الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، وکفر القتام (3) شمس النهار برنامه ، وغمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه ، وخشعت الأصوات لوقع الصرام علي هامات الرجال ، وأشرقت الأرض بما سال عليها من شآبيب الجريال (4)، فلم تر إلّا رؤوساً تقطف ، ونفوساً تختطف ، وأبطالاً قد صبغت

ص: 27


1- هي السيوف العريضة .
2- النَّقعُ : رفع الصوت.
3- الکَفرُ: التغطية . والقَتامُ : الغبار
4- الجِريال : صبغ أحمر، وجِريال الذهب : حمرته. «لسان العرب :109/11 - جرل - ».

جيوبها بدم الحتوف ، وفرساناً وجبت جنوبها بغروب السيوف (1) لرأيت منهم وجوهاً کالبدور في ظُلَم النقع مشرقة ، وأُسداً في غاب (2)

الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربّهم راحة أرواحهم ، وبذلوا الوسع في إعلاء کلمة خالقهم مجلية أفراحهم.

ليوث إذا ضربت الحرب جمرها ، غيوث إذا السماء منعت درّها ، رهبان إذا الليل أرخي ستوره ، أعلام إذا النهار أشاع نوره ، مصابيح الظلام إذا الغسق غَمَّت سُدفتُهُ ، مجاديح (3)

الانعام إذا الزمان عمّت أزمّته ، سادة الأمّة ، وقادة الأئمّة ، و معدن الحکمة ، ومنبع العصمة، وبحار العلم ، وبحار الحلم ، إن سئلوا أوضحوا ، وإن نطقوا أفصحوا ، وإن استسمحوا جادوا ، وإن استرفدوا عادوا ، أصلهم معرق ، وفرعهم معذق ، وحوضهم مورود، ومجدهم محسود ، وفخرهم... (4) النبوة أصلهم ، والامامة نسلهم ، لا شرف إلا وهم أصله ، ...(5)

وأُمروا بالجهاد في سبيل الله فأتمروا ، لبسوا القلوب علي الدروع عند مکافحة الکفاح، وتلقّوا بالخدود والصدور حدود الصفاح ورؤوس الرماح ، يرون طعم الموت في طاعة ربّهم أحلي من العسل المشار(6) وارتکاب

ص: 28


1- أي سَقَطَت جُنُوبها إلي الأرض بحدود السيوف .
2- الغابةُ من الرَّماح : ما طال منها ، وکان لها أطراف تُري کأطراف الأجَمة ؛ وقيل : هي المضطربة من الرماح في الريح؛ وقيل : هي الرماح إذا اجتمعت . «لسان العرب : 656/1 - غيب .» .
3- مِجدَحُ : نجم من النجوم کانت العرب تزعم أنها تُمطَرُ به ، وهو المُجدَحُ أيضاً ؛ وقيل : هو الدَّبَران لأنّه يطلعآخراً ويسمّي حادِيَ النجوم . «لسان العرب :421/2- جدح - ».
4- کانت هناک آثار ترميم علي الصفحة الأولي من الأصل ، ومن جرّاء ذلک فقد هنا مقدار3 سطور
5- کانت هناک آثار ترميم علي الصفحة الأولي من الأصل ، ومن جراء ذلک فقد هنا مقدار3 سطور
6- يقال : رجلُ مِشرُ : شديد الحُمرة. «القاموس المحيط : 2/ 134 - مشر - » . وقال في حياة الحيوان الکبري : 2/ 350: وأجوده - أي العسل - الخريفي الصادق الحلاوة والکثير الربيعي المائل إلي الحمرة وفي هامش الأصل : المشار : النشاط.

الأخطار في إعلاء کلمة خالقهم أولي من رکوب العار .

جدّهم أکرم مبعوث ، وخير مرسل ، وأشرف مبعوث بالمجد الأعبل(1)والشرف الأطول ، لم يضرب فيه فاجر ، ولم يسهم فيه عاهر ، نقله الله من الأصلاب الفاخرة إلي الأرحام الطاهرة ، واختصه بالکرامات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، ونسخ الشرائع بشريعته ، وفسخ المذاهب بملته ، أقام به الاسلام وشدّ أزره(2) ، وأوضح به الايمان وأعلا أمره ، وجعله مصباحأ لظلم الضلال ، ومفتاحة لما استعلن من الأحکام ، وأحيا به السنّة والفرض ، وجعله شفيع يوم الحشر والعرض ، وأسري به إلي حضيرة قدسه ، وشرّفه ليلة الإسراء بخطاب نفسه ، فهو أشرف الموجودات ، وخلاصة الکائنات، أقسم ربّنا بحياته، وجعله أفضل أهل أرضه وسماواته ، وأزلفه بقربه ، واختصه بحبه ، فهو سيّد المرسلين ، وإمام المتقّين ، وخاتم النبيّين ، النبيّ المهذّب ، والمصطفي المقرّب، الحبيب المجيب ، والأمين الأنجب .

صاحب الحوض والکوثر ، والتاج والمغفر ، والخطبة والمنبر ، والرکن والمشعر ، والوجه الأنور، والجبين الأزهر ، والدين الأظهر ، والحسب الأطهر ، والنسب الأشهر ، محمد سيّد البشر ، المختار للرسالة ، الموضح للدلالة ، المصطفي للوحي والنبوّة ، المرتضي للعلم والفتوّة .

صاحب الفضل والسخاء ، والجود والعطاء ، والمذاکرة والبکاء ،

ص: 29


1- العَبلُ : الضخم من کلّ شيء . وأعَبلُ : غَلُظ وابيَضَّ . «لسان العرب :420/11 - عبل - .
2- في هامش الأصل : الأزر : الظهر .

والخشوع والدعاء، والانابة والصفاء.

صاحب الملّة الحنيفيّة ، والشريعة المرضيّة ، والأمّة المهديّة ، والعترة

الحسنيّة والحسينيّة .

صاحب الفضل الجليّ ، والنور المضيّ ، والکتاب البهيّ ، الرسول النبيّ

الأُمّي

هذا الذي زيّنت بمدحه طروسي(1) ورصفت بوصفه بديعي و تجنيسي ، وقابلت بدّر کماله تربيعي و تسديسي، وجعلت ذکره في خلواتي آليفي و آنيسي، وحليت المجامع بملاقي(2)مناقبه ، وشققت المسامع بمعالي مراتبه.

هو الذي رفع الله به قواعد الصدق بعد اندراسها ، وأطلع أنوار الحق بعد انطماسها ، وأقام حدود السنّة بجواهر لفظه ، وحتي أجياد الشريعة بزواجر وعظه ، وأطلع شمس الملّة الحنيفيّة في فلک نبوّته ، وأظهر بدر الشريعة المصطفويّة من مطالع رسالته ، فتح به و ختم ، وفرض طاعته و حتم ، ونسخ الشرائع بشريعته ، ونسخ الملّة بملّته.

لم يخلق خلقاً أقرب منه إليه ، ولم ينشيء نشأً أکرم منه عليه ، شرفه من فلق الصبح أشهر ، ودينه من نور الشمس أظهر ، ونسبه من کل نسب أطهر ، وحسبه من کلّ حسب أفخر ، لما أخلص لله بوفاء حقّه ، وسلک إلي الله بقدم صدقه ، ورفض الدنيا رفضاً ، وقرضها قرضاً، لعلمه بسوء مواقع فتکها، وحذراً من مصارع هلکها ، أطلعه الله علي أسرار ملکوته ، وشرّفه بخطاب حضرة

ص: 30


1- الطَّرسُ : الصحيفة . ويقال : هي التي محيت ثم کتبت . «لسان العرب :6/ 121 -طرس - ».
2- المَلاقي : أشراف نواحي أعلي الجبل لا يزال يَمثُل عليها الوعل يعتصم بها من الصياد . لسان العرب : 255/15 - لقا -» .

کتاب النبي صلي الله عليه وآله إلي کسري .

جبروته ، وأرسله صادعاً بحکمه ، وجعله خازناً لعلمه ، فقام صلّي الله عليه و آله بأعباء الرسالة جاهداً، وباع من الله روحه مجاهداً ، و قطع من قربت قربته ، ووصل من بعدت لحمته ، وهجر في الله الأدنين ، ووصل الأبعدين ، سل عنه أحد وبدر کم خسف الله به فيهما للشرک بدراً ، وهتک للشرک ستراً ، وقصم للظلم ظهراً ، جاهد في الله حقّ جهاده ، وصبر علي الأذي في الله من جهاد عباده حتي کسرت في أحد رباعيته ، وشجت لمناو شته(1) القتال جبهته ، و ثفنت من دمه لمّته (2)، وقتلت عترته وأسرته .

کم نصبوا له غوائلهم (3) وکم وجّهوا نحوه عواملهم ؟ وکم جرّدوا عليه مناصلهم (4) وکم فوقوا إليه معابلهم(5)؟ وأبي الله إلّا تأييده بنصره ، وتمجيده بذکره.

روي أن النبيّ صلّي الله عليه و آله کتب إلي کسري بن هرمز : أمّا بعد :

فأسلم تسلم ، وإلّا فأذن بحرب من الله ورسوله ، والسلام علي من اتّبع

الهدي.

قال : فلمّا وصل إليه الکتاب مزّقه و استخفّ به ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلي دينه، ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إلي رسول الله صلّي الله عليه

ص: 31


1- في هامش الأصل : المناوشة : الإسراع في النهوض .
2- اللمَّة : شعر الرأس.
3- الغوائل : الدواهي
4- النَّصلُ : حديدة السهم والرمح .
5- المِعبَلة : نصلُ طويل عريض ، والجمع معابل... ومنه حديث علي عليه السلام : تکَنَّفتکم غَوائلُه وأقصَدَتکم معابِلُه . «لسان العرب :422/11 - عبل - .

و آله بتراب ، فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله : مزّق الله ملکه کما مزّق کتابي ، أما إنکم ستمزّقون ملکه ، وبعث إليّ بتراب أما إنّکم ستمزّقون (1)أرضه ، فکان کما قال صلّي الله عليه و آله

ثم کتب کسري في الوقت إلي عامله علي اليمن ، وکان اسمه باذام(2) ويکنّي أبا مهران ، أن امض إلي يثرب واحمل هذا الذي يزعم أنّه نبيّ ، وبدأ باسمه قبل اسمي ، ودعاني إلي غير ديني ، فبعث باذام إلي النبيّ صلّي الله عليه و آله فيروز الديلمي في جمع ، وأرسل معه کتاب يذکر فيه ماکتب إليه کسري ، فأتاه فيروز بمن معه ، وقال : إنّ کسري أمرني أن أحملک إليه ، فاستنظره صلّي الله عليه و آله ليلته إلي الصباح.

فلمّا کان في (3)الغد حضر فيروز مستحثّاً لرسول الله صلّي الله عليه و آله ، فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : أخبرني ربّي انّه قتل صاحبک البارحة، سلّط الله عليه ابنه شِيرَوَيه علي سبع ساعات من الليل ، فأمسک حتي يأتيک الخبر ، فراع ذلک فيروز وهاله ، ورجع إلي باذام فأخبره .

فقال له باذام : کيف وجدت نفسک حين دخلت عليه ؟

فقال : والله ما هبت أحدا کهيبة هذا الرجل ، فوصل الخبر إليه کما قال رسول الله صلّي الله عليه و آله فأسلما، وظهر في زمانهما العنسي(4) المتنبّيء

ص: 32


1- في المناقب : ستملکون.
2- في المناقب و مصادر أخري : باذان . انظر في قصة إسلامه الروض الأنف للسهيلي : 307/1 .
3- في المناقب : من.
4- في الأصل : العبسي . وهو عَيهلة بن کعب بن عوف العنسي ، مشعوذ من أهل اليمن ، کان بطّاشاً جبّاراً ، أسلم لمّا أسلمت اليمن ، وارتدّ في أيام النبي صلّي الله عليه وآله ، فکان أوّل مرتدّ في الاسلام د وادّعي النبوة . «الکامل في التاريخ : 336/2 ، الأعلام : 111/5 ».

نزول سورة النجم

باليمن وما افتراه من الکذب ، فأرسل إليه رسول الله صلّي الله عليه وآله فيروز الديلمي ، وقال : اقتله قتله الله ، فقتله (1)-(2)

وروت(3) العامّة عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّها لما نزلت سورة

ص: 33


1- من المناقب.
2- روي کتابه صلي الله عليه وآله إلي ملک الفرس کسري بن هرمز بألفاظ متفاوتة ، انظر : مسند أحمد بن حنبل : 243/1 و ج 133/3 ، صحيح البخاري : 10/6 ، تاريخ اليعقوبي : 2/ 77، تاريخ الطبري : 654/2 ، مشکل الآثار للطحاوي:215/1. الأموال لأبي عبيد : 23، دلائل النبوّة لأبي نعيم: 2/ 348ح 241 . السنن الکبري للبيهقي : 177/9 ، تاريخ بغداد : 1/ 132 ، الشفا للقاضي عياض : 460/1 ، مناقب ابن شهرآشوب : 79/1 . الکامل في التاريخ : 213/2 ، البداية والنهاية : 268/4وص 269، صبح الأعشي: 363/6 ، المواهب اللدنية للقسطلاني : 139/2 ، السيرةالحلبية : 277/3 ، بحار الأنوار : 381/20 ح 7 ص 389، جمهرة رسائل العرب :40/1رقم 4. السيرة النبوّية لأحمد زيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلية : 3/65، أعيان الشيعة : 1/ 244.
3- في هامش الأصل : وروي العيّاشي بإسناده عن خيشة (خثيمة) قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : من حدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً ، فإن صدق علينا فإنّما يصدق علي الله وعلي رسوله ، وإن کذب علينا فإنما يکذب علي الله وعلي رسوله لاا إذا حدّثنا لا نقول : قال فلان رتال فلان ، وإنّما نقول : قال الله وقال رسوله ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَيَوم القِيَامَةِ تَرَي الَّذين کَذَبُوا عَلَی اللهِ وُجَوهُمُ مُسوَدَّةُ ألَيسَ في جَهَنَّمَ مَثويَّ لِلمَتَکَبَرَينَ) [سورة الزمر:60]، ثمّ أشار خيثمة إلي أذنيه فقال : صمّتا إن لم أکن سمعته. قال الراوي [سودة بن کليب] : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأية ، فقال : کلّ إمام انتحل إمامة ليست له من الله . قلت : وإن کان علوياً ؟ قال : وإن کان علوياً. فقلت : وإن کان فاطمياً ؟ قال : وإن کان فاطميّاً . «مجمع البيان : 500

«والنجم إذا هوي» أخبر بذلک عتبة (1) بن أبي لهب ، فجاء إلي النبيّ صلّي الله عليه و آله و تفل في وجهه وطلّق ابنته ، وقال : کفرت بالنجم وبرب النجم، فدعا عليه رسول الله وقال : اللّهم سلّط عليه کلباًمن کلابک ، فخرج إلي الشام ، فنزل في بعض الطريق ، وألقي الله عليه الرعب ، فقال لأصحابه ليلاً : نيّموني بينکم، ففعلوا ، فجاء أسد فافترسه من بين الناس ، ففي ذلک يقول حسّان بن ثابت :

سائِل بني الأشعر(2)إن جئتَهم ما کان أنباءُ أبي(3) واسِع لا و سَّعَ

اللهُ له قبرَه بل ضيَّقَ الله علي القاطِع رمي رسول الله من بينهم دون قريش رَمية القادع واستَوجَبَ الدَّعوةَ منه بما بيَّن للنَّاظِر والسَّامِع فسلّط الله

به کلبَه يمشي الهوينَا مشيةَ الخادع حتي أتاهُ وسطَ أصحابِه وقد عَلَتَهُم سنَةُ الهاجع (4) فَالتَقَمَ الرَّأسَ بيافوخِه والنَّحرَ منه فغرة الجائع مَن يرجع العام إلي أهله فما أکيل السَّبع بالرَّاجِع

ص: 34


1- لعلّه عتيبة کما ذکرت بعض المصادر ، لأن عتبة وأخوه معتب أسلما في عهد النبي صلي الله عليه و آله . انظر الاصابة :455/2 رقم 5413 و ج 443/3 رقم 8120.
2- کذا في ديوان حسّان وغيره ، وفي الأصل : بني الأصفر. وبني الأصفر تطلق علي الروم لأنّ أباهم الأول کان أصفر اللون . انظر «لسان العرب : 465/4 - صفر -». .
3- کذا في بعض المصادر ، وفي الأصل : بني واسع . وکان عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب يکني أبا واسع .
4- هذا البيت لم يورده في مجمع البيان .

قد کان هذا لکم عبرة للسيّد المتبوعِ والتَّابعِ(1)

وبعد :

فيقول العبد الفقير ، الذليل الحقير ، المعترف بذنبه ، المنيب إلي ربّه ، الذي لم يکتب له الکرام الکاتبون عملاً صالحاً، ولم تشهد له الملائکة المقرّبون يقيناً ناصحاً ، إلّا ما يتقرب به في کلّ آن من توحيد مالکه وربّه ، والانابة إليه بقالبه وقلبه ، وجعل ذکره أنيس خلوته ، وتلاوة کتابه جليس وحدته ، بالتوسّل إليه بأوليائه الطاهرين من أهل بيت نبيّه ، المتوکّل عليه بمجاورة الأکرمين من ذرّيّة وليّه ، وتشريف المنابر بذکر مناقبهم، وتزيين المحاضر بنشر مراتبهم ، وإيضاح الدليل علي سلوک سبيلهم، وشفاء الغليل بتشريفهم و تفضيلهم، وقمع رؤوس من عاداهم بمقامع نظمه ونثره ، و غيضّ نفوس من ناواهم بتواضع خطبه وشعره، محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيي بن ناصر بن أبي العزّ الحسيني الموسوي الحائري أمّاً وأباً ، الامامي ملّة ومذهباً ، الحسيني نسباً ومحتداً (2) الکرکي (3)منشاً و مولداً

ص: 35


1- روي الحديث والأبيات بتفاوت . انظر :۔ تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني : 250/2/2 ، تفسير الطبري : 27 /24 ، تفسير الکشف والبيان للثعلبي : 297 (مخطوط) ، دلائل النبوة لأبي نعيم : 454 ح 380 وص 455 ح 381 و ص457ح 383، دلائل النبوّة للبيهقي : 2/ 338 ، الشفا للقاضي عياض: 460/1، مجمع البيان : 5 / 172 ، الدرّ المنثور : 121/6 - 122، ديوان حسّان بن ثابت : 153.
2- حَدَا الشيء يَحدُه حَدواً واحتدَاه : تبعه . «لسان العرب : 168/14 - حدا -» . وقد تکون بالذال المعجمة ؛ حَذَا حذوَه : فَعَل فعله ، يقال : فلان يحتَدي علي مثال فلان إذا اقتدي به في أمره ، ويقال : حاذيت موضعاً إذا صرت بحذائه. «لسان العرب : 14/170 - حذا».
3- الکَرَک : قلعة حصينة جدّاً في طرف الشام ، من نواحي البلقاء في جبالها «مراصد الاطلاع: 1159/3» .

في هجرة المؤلف رحمه الله من دمشق

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي وأمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي ، ومصدري في الأمور وموردي ، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة ، وهي في الحقيقة علي غير تقوي الله مؤسّسة ، کم سب أمير المؤمنين علي منابرها، وأظهرت کلمة الکفر في منائرها ، وعصي رب العالمين في بواطنها وظواهرها، وحملت رؤوس بنيّ النبيّ إلي يزيدها وفاجرها ؟ فهي دار الفاسقين ، وقرار المنافقين ، ومغرس العصابة الناصبة ، ومجمع الطائفة الکاذبة ، أعني البلدة المشهورة بدمشق ، معدن الفجور والغرور والفسق ، ولمّا منّ الله بتوفيق الخروج منها ، وتسهيل الطريق بالبعد عنها ، وفارقتها غير آسف علي حضرتها ونصرتها ، ولا نادم علي مفارقة جهتها وربوتها ، أري کلّ وارد من موارد يزيدها ثورة ، وکل ملازم لباب يزيدها من المعدلين آثماًأو کفوراً ، وکلّ عاکف بأموتها من أعلام علمائها عتلّاً (1) فخوراً ، وکلّ زبرج(2)أُجري علي صفحات عروشها وجدرانها حرفاً وغروراً.

علمائها ذئاب بل ذباب ، وأُمراؤها سباع بل کلاب ، ونساؤها أبغي من هند البغيّة ، ومخدّراتها أزني من امّ زياد سميّة ، الأبنة في علمائها فاشية ، والدياثة من زعمائها ناشية ، إن لامهم لائم علي سوء فعلهم قالوا: «هذا تقدير ربنّا» بکفرهم وجهلهم ، او آنّبهم مؤنّب بفجور نسائهم قالوا : «هذا ما کتب الله علي جباههنّ» بکفرهم وضلالهم ، فجدعاً (3) لهم وکبّاً، وبؤساً وغباً .

ص: 36


1- المَتُلّ : الشديد الجاني والفظّ الغليظ من الناس ؛ وقيل : هو الشديد الخصومة . «لسان العرب : 423/11 - عتل -» .
2- الزَّبرج: الوَشيُ ، الذَّهَب . «لسان العرب: 2/ 285 - زبرج -» .
3- الجَدع : القطع .

وما عسي أن أقول في وصف قوم حنيت جوانحهم علي بعض الوصيّ وعترته، وبنيت جوارحهم علي إنزال الأذي بمواليه وشيعته : يسلقون المؤمنين بألسنة حداد ، ويقصدون الصالحين بالبغي في کلّ ناد ، ويتشادقون (1) بغيبتهم في محاضرهم ومجامعهم ، ويعلنون بسبّهم عقيب جمعهم في جوامعهم، يعدّون يوم عاشوراء من أعظم أعيادهم وزينتهم ، ويسمّونه فجوراً رأس سنتهم، ويعتقدون طبخ الحبوب تلک الليلة من أعظم سنتهم ، والمصافحة بالأکف المخضوبة في ذلک اليوم من أفضل طريقهم وسنتهم ، ويتهادون بالتحف والهدايا في المنازل، ويتبارکون بإدخار الأدوية والأشربة من ذلک اليوم إلي قابل ، ويقصدون بالأذي من بکي فيه علي آل الرسول ، ويتجسّسون علي من جلس التعزية الطاهرة البتول.

وليس ذلک بعجيب من نفاقهم ، ولا بغريب من شقاقهم ، فقد ارتضعوا بغض الامام الوصيّ من أخلاف(2)اخلافهم ، واُشربوا هجر آل النبيّ من آبائهم وأسلافهم ، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن ، وأفنان(3)دوحة البغي والعدوان ، الذين أعلنوا بسب الله ورسوله علي منابرهم ، ودل قبح ظاهرهم علي خبث سرائرهم ، کم أظهروا الفساد في البلاد، وأشهروا العناد في العباد ؟ وزن الشيطان للناس اتّباعهم ، وصيّر علماء هم أشياعهم وأتباعهم ، فبذلوا لهم

ص: 37


1- المتَشَدقون : المتوسَّعون في الکلام من غير احتياط واحتراز ، وقيل : المتشدَّق : المستهزيء بالناس يلوي شِدقه بهم وعليهم. «لسان العرب: 173/10.شدق -» .
2- الأخلاف : جمع خِلف - بالکسر - وهو الضرع لکلّ ذات خُفّ وظِلفٍ. «لسان العرب :92/2 - خلف - ». ومراده آنهم ارتضعوا بعض الامام من آبائهم الماضين
3- الفَنَنُ : الغَصنُ ، وقيل : الغُصنُ القضيب يعني المقضوب ، والفَنَنُ : ماتشعَّب منه ، والجمع أفنان . «لسان العرب :327/13 - فنن - ». والدُّوحة: الشجرة العظيمة المتّسعة.

في مناقب ومثالب اصطنعتها العامة

الأموال ، وولّوهم الأعمال ، فغرّتهم الحياة الدنيا بزينتها ، وفتنتهم بزهرتها ، فبدّلوا کلام الله بآرائهم ، وحرّفوا کتاب الله بأهوائهم ، وسلکوا بقدم الغيّ إلي الباطل سبيلاً، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ، وأنکروافضل الوصيّ وما أنزل فيه من الآيات ، وجحدوا النصّ الجليّ وما ورد في إمامته من الدلالات ، تقرّباً إلي أئمّة ضلالهم ، وحرّفوا مقال النبيّ طمعاً في نوالهم.

ألا تري إلي أزکاهم البخاري قد ألغي حديث الخاتم وقصّة الغدير

وخبر الطائر (1) وآية التطهير ؟

وإن أنصفهم مسلم قد أنکر حديث الکهف والإخاء ، وطعن في حديث

«أنا مدينة العلم» ، وحديث اللوح.

وإنّ أشهرهم الطبري توقّف عن حديث الوصيّة(2)، و تأويل (یُوفُونَ بِالنُّذر)(3)، ونعم المطيّة ، ومن أعلام مبشّريهم وضلّال مفتريهم من نور الآيات والأخبار المجمع عليها نحو (إنَّمَا وَليُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا)(4)، ونحو

ص: 38


1- انظر الغدير : 218/3 وما بعدها.
2- تفسير الطبري :19 / 75.
3- سورة الانسان : 7.
4- سورة المائدة: 55. وقد اتفق المفسّرون والمحدّثون وعلماء الأثر علي نزول هذه الآية الشريفة في أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وروره بأسانيد وطرق کثيرة تنتهي إلي جماعة من کبار الصحابة والمفسّرين. قال السيّد ابن طاووس في سعد السعود: 96: انّ محمد بن العبّاس بن الماهيار المعروف بابن الحجّام قد رواه في کتابه «ما نزل من القرآن في علي عليه السلام» من تسعين طريقاً بأسانيد متصلة، کلّها أو جلّها من رجال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ، وذکر منهم: عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، الزبير بن العوامّ، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، طلحة بن عبدالله، عبدالله بن عبّاس، أبو رافع، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو ذرّ، الخليل بن مرة، علي بن الحسين عليه السلام، أبو جعفر محمد بن - علي عليه السلام ، جعفر بن محمد عليه السلام ، أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، مجاهد المکيّ، محمّد بن السري، عطاء بن السائب، عبد الرزاق . انتهي يضاف إلي هؤلاء من مصادر أخري: علي عليه السلام ، عمار بن ياسر، شلمة بن کھيل، أنس بن مالک، عبدالله بن سلام، المقداد بن الأسود الکندي، عبد الملک بن جريح ورواه البلاذري في أنساب الأشراف : 1/ 150ح 151 ، الحاکم النيشابوري في معرفة علوم الحديث: 102، الحبري في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام : 258 -261 ح 21 - 23، الشجري في أماليه: 1/ 137 و 138 بعدّة طرق، الواحدي في أسباب النزول: 113 ، الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في ما نزل من القرآن في علي عليه السلام - علي ما في النور المشتعل -:61- 85 ح 5 - 15، ابن عساکر في ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: 409/2ح 915 و916، الجويني في فرائد السمطين : 1/ 187 - 195 ح 149 - 153، ابن المغازلي في المناقب: 311 -314ح 354 - 358، الگنجي في کفاية الطالب: 228 و249، الحاکم الحسکاني في شواهد التنزيل :161/1 - 184ح 216 - 240 بأکثر من أربعة وعشرين طريقاً، السيوطي في الباب النقول: 93 ، الجصّاص في أحکام القرآن :102/4 ، الخوارزمي في المناقب186 و 187. وأخرجه الشوکاني في فتح القدير : 53/2عن الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس، وعن عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس ، وعن أبي الشيخ وابن مردويه وابن عساکر عن علي ، وعن ابن مردويه والطبراني في الأوسط عن عمّار.

أنت منّي بمنزلة هارون من موسي ، وإنّي تارک فيکم الثقلين ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً ، وجماعة من کبار أنصابهم ، وفجّار نصّابهم ، جعلوا مقابل کلّ حق باطلاً ، وبإزاء کلّ قائل قائلاً ، مثل «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة»(1) فوضعوا بإزائه «أبو بکر وعمر سيّداکهول أهل الجنّة»(2) و

ص: 39


1- صحيح الترمذي :306/2 ، سنن ابن ماجة : 44/1 ، مسند أحمد: 391/5 ، موارد الظمآن : 551، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي :36، تاريخ بغداد : 9/ 231 ، حلية الأولياء : 190/4 ، الاصابة : 266/1 ، أسد الغابة: 5/ 574، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الکوفي : 2/ 238 ح 703، المستدرک علي الصحيحين : 3/ 381.
2- صحيح الترمذي : 5/ 570، سنن ابن ماجة : 36/1و 38، مسند أحمد: 1/ 80، : تاريخ بغداد : 307/5 ، و ج 118/7 - 119،کنز العمال : 561/11ح 22652 و ص562ح 32654 و ص563ح32664، وج 700/12 ح 36084.

«کان أحبّ الرجال إلي النبيّ عليّ ، ومن النساء فاطمة(1) فوضعوا الحديث في أبي بکر وعائشة(2)، وغرّوا الجاهل بمقالات الباطل ليدحضوا به الحق ، ولو أردت لأوردت من أکاذيبهم وأغاليطهم، وزلفت من أباطيلهم ومخاليطهم، ما يعجز اللسان عن وصفه ، ويکلّ البنان من رصفه ، فأعرضت عن رقم ذلک في الدفاتر ، وإن کان حاکي الکفر ليس بکافر.

شعر:

إذا ما روي الراوون ألف فضيلة لأصحاب مولانا النبي محمد يقولون هذا في الصحيحين مثبت بخط الأمامين الحديث يشيّد(3)ومهما روينا في علي فضيلة يقولون هذا من أحاديث مُلحِد(4)

آخر:

إذا في مجلس ذکروا عليّاً وسبطيه وفاطمة الزکيّة يقول الحاضرون ذروا فهذا سقيم من حديث الرافضيّة(5)

ص: 40


1- ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساکر :163/2 ح 641 وص 165ح 646، سنن الترمذي :655/5 ح 3868، المستدرک للحاکم : 3/155. سير أعلام النبلاء: 2/ 131.
2- الرياض النضرة: 1/ 135،کنز العمّال : 12 / 133 ح 34350.
3- في المناقب : فَسَدَّد ، وفي بعض نسخه : مسدّد.
4- مناقب ابن شهر آشوب: 3/1.
5- الأبيات للشافعي ، انظر ديوانه ص 90، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 129/2، مناقب ابن شهرآشوب : 30/1. وروي الجويني في فرائد السمطين : 1/ 135 ح98 بإسناده إلي أبي عبدالله محمد ابن الفضل الرافعي بالبصرة ، قال : سمعت الربيع بن سلمان يقول : قلت للشافعي : إن هاهنا قوما لا يصيرون علي سماع فضيلة لأهل البيت ، فإذا أراد أحد أنّ يذکرها يقولون : هذا رافضي !! قال : فأنشأ الشافعي يقول : إذا في مجلس ذکروا عليّاً وسبطيه وفاطمة الزکيّة فأجري بعضهم ذکري سواهم فأيقن أنه ابن سلقلقية إذا ذکروا عليّاً أو بنيه تشاغل بالروايات العليّة وقال تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضية بَرنت إلي المهيمن من أناس يرون الرفض حبّ الفاطميّة علي آل الرسول صلاة ربّي ولعنته لتلک الجاهليّة.

فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم ، وزلّة العالم کانکسار السفينة تغرق ويغرق معها غيرها ، بل إذا زلّ العالمِ زلّ العالم ، وجماعة من الفسّاق حملهم النفاق إلي أن قالوا: کان أبو بکر أشجع من عليّ،(1) وإنّ مرحباً قتله محمد بن مَسلمة،(2) وإنّ ذا الثديّة قتل بمصر(3) وإنّ في أداء سورة براءة کان الأمير أبا بکر علی عليّ (4)، وربّما قالوا : قرأه أنس بن مالک ، وإنّ

ص: 41


1- الرياض النضرة: 1/ 138، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 36، مجمع الزوائد : 46/9 . ولقد أجاد الأميني رحمه الله في الغدير : 200/7 - 215 في تفنيد هذا الزعم، فراجعه
2- الکامل في التاريخ : 219/2.
3- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 268/2 : وفي کتاب صفّين أيضاً للمدائني، عن مسروق ، أنّ عائشة قالت له لما عرفت أنّ عليّاً عليه السلام قتل ذا الثّديّة : لعن الله عمرو بن العاص ، فإنّه کتب إليّ يخبرني أنّه قتله بالاسکندرية ، ألا إنّه ليس يمنعني مافي نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله صلّي الله عليه وآله يقول : يقتله خير أمّتي من بعدي، عنه البحار : 32/ 340، وج 15/38 ح 24.
4- انظر : السيرة النبوّية لابن هشام : 188/4 - 190، تاريخ خليفة بن خيّاط : 93، کتاب العثمانية للجاحظ : 129، سنن النسائي :247/5 ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي (نشر مکتبة المعلا في الکويت) : 93 ح 78 ، السنن الکبري للبيهقي :111/5.الرياض النضرة : 3/ 132 - 136 وفيه تأويلات خبيثة ، البداية والنهاية : 357/7، تفسير القرآن العظيم لابن کثير : 10 /344 وما بعدها (أوائل سورة التوبة) أورد عدّة روايات بهذا المعني

محسناً ولد في حياة النبيّ صلّي الله عليه و آله سقطاً (1)، وإنّ النبيّ صلّي الله عليه و آله قال : إنّ بني المغيرة استأذنوني أن ينکحوا ابنتهم من عليّ فلا آذن ، ثم لا آذن إلّا أنّ يطلّق عليّ ابنتي وينکح ابنتهم (2)، وأسندوا إليه صلّي الله عليه و آله انّه قال : إنّ آل أبي طالب (3) ليسوالي بأولياء ، إنّما ولیّي الله وصالح المؤمنين (4)، وقالوا: إنّ صدقة النبيّ کانت بيد العبّاس فغلب عليُّ العبّاس عليها، ومن رکب الباطل زلّت قدمه ، وکقول الجاحظ (5) ليس إيمان علي إيماناً لأنّه آمن وهو صبيّ(6) ولا شجاعته بشجاعة لأنّ النبيّ صلّي الله

ص: 42


1- انظر : تاريخ الطبري : 153/5، الکامل في التاريخ : 397/3 وفيهما بلفظ : توفّي صغيراً ، تهذيب الکمال : 479/20 بلفظ : دَرَجِ سِقطاً ، البداية والنهاية : 331/7 بلفظ : فلمّا ولد الثالث - أي لعلي عليه السلام - جاء النبي صلّي الله عليه و آله فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ فقلت : حرباً . فقال : بل هو محسن . وفي موضع آخر بلفظ : ومات وهو صغیر.
2- انظر : صحيح مسلم : 1902/4 ح 2449 ، صحيح الترمذي : 698/5 ح3867 عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي : 13 / 246 ، أسد الغابة : 7 / 222 و فيها جميعاً : هشام بن المغيرة
3- في بعض المصادر : آل أبي فلان ، وفي بعضها : آل فلان ، وفي بعضها : آل أبي
4- مسند أحمد: 303/4 ، صحيح مسلم:197/1 رقم 366، صحيح البخاري : 7/8مسند أبي عوانة: 96/1 ، الجامع لأحکام القرآن للقرطبي : 346/16 ، مشکاة المصابيح للتبريزي: 3/ 1376 ح 4914، جامع الأحاديث للسيوطي :209/2 ح 4856، الدرَ المنثور : 3/ 183،کنز العمال : 3/ 358ح 6922، شرح نهج البلاغة : 64/4
5- راجع کتابه «العثمانية» فقد نفث فيه ما يکون عليه وبا إن شاء الله
6- انظر في هذا المعني البداية والنهاية :222/7 فقد قال : وکان سبب إسلام علي صغيراً أنّه کان في کفالة رسول الله صلّي الله عليه و آله لأنه کان قد أصابهم سنة مجاعة ، فأخذه من أبيه ، فکان عنده ، فلمّا بعثه الله بالحق أمنت خديجة وأهل البيت ومن جملتهم علي ، وکان الايمان النافع المتعدي نفعه إلي الناس إيمان الصدّيق !!!

عليه وآله أخبره انّ ابن ملجم يقتله ، ونسبة جماعة انّ حروبه کانت خطأ(1)وانّه قتل المسلمين عمداً ، وقول واحد من علمائهم : إنّ الحسن قتل ابن ملجم، وکان لعلي أولاد صغار ولم يتربّص به ، وقول القتيبي: أوّل خارج في الاسلام الحسين(2)

فويل للقاسية قلوبهم من ذکر الله ، ولعمري انّ هذا الأمر عظيم ، وخطب في الاسلام جسيم، بل هو کما قال الله : (إنَّ هَذَاَ هو البَلَاءُ المُبِينُ) (3)، فصارت الغوغاء تزعق (4)علي المحدّثين والذاکرين الأمير المؤمنين .

شعر:

إذا ما ذکرنا من عليّ فضيلة

رمينا بزنديق وبغض أبي بکر

ص: 43


1- انظر الغدير : 3/ 188 و ص249.
2- وهکذا دواليک إلي ما شاء الله أن يدونوا مما ارتضته أنفسهم وأزاغهم الشيطان به ، ولقد تصدّت لهذه المتاهات أقلام منصفة سجّلت القول الحقّ تارة في مؤلّفات خاصّة ، وتارة في فصول أو أبواب ضمن تأليفاتهم ، وتارة بالاشارة إلي ما وضعه الوضّاعون تقرّباً السلطان ، أو حبّاً في جاهٍ أو مالٍ. و ممّن تناول هذا الموضوع بالتأليف أو بالاشارة : ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : 17/3 ، و ج 45/11 و 46، والشهيد القاضي التستري في الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ، والمير حامد حسين النيشابوري اللکنوي المتوفي سنة 1306 ه في کتابه «شوارق النصوص في تکذيب فضائل اللصوص» و «عبقات الأنوار» ، والعلامة الأميني في موسوعته «الغدير» ، والأستاذ صائب عبد الحميد في منهج في الانتماء المذهبي : 191 وما بعدها ، والسيد علي الميلاني في مقالات نشرت في مجلة تراثنا «الأعداد 20 - 31» تحت عنوان : من الأحاديث الموضوعة.
3- سورة الصافّات : 106.
4- أصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ، ثمّ استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلي الشرّ ، ويجوز أن يکون من الغوغاء الصوت والجلبة لکثرة لغطهم وصياحهم. والزّعق : الصياح.

في أن المؤلف رحمه الله استوطن کربلاء

وقال آخر: وإن قلت عيناً من عليّ تغامزوا عليَّ وقالوا قد سببتَ معاوية(1)

(وأفَرَأیتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّه اللهُ عَلَي عِلم وَخَتَمَ عَلَي سَمِعَه وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً)(2)، وبقيت علماء الشيعة في أمورهم متحيّرين ، وعلي أنفسهم خائفين ، وفي الزوايا متحجّرين، بل حالهم کحال الأنبياء والمرسلين ، کما حکي سبحانه عن الکافرين : (لَئِن لَم تَنَتَهِ؛ يَا لُوطُ لَتَکُونَنَّ مِنَ المُخرَجِينَ)(3) (لَئِنَ لَم تَنتَهِ؛ يَا نُوحُ لَتَکُونَنَّ مِنَ المَرجُومِين)(4)، (لنَخرُجَنَّکَ يَا شُعَيبُ وَالَّذِينَ آمَنوا مَعَکَ مِن قرَيَتَنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)(5) فقلت : (اهدِنَا الصَّراط المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أنعَمت عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالَّينَ) (6)

فحثثت رکابي عن ديارهم ، وأبعدت قراري من قرارهم، واستحليت البعد عن مزنهم ، واستعذبت البروز(7) عن برزتهم ، وحططت رحلي ببلاد سيد الوصييّن ، وألقيت کلّي (8)علي إمام المتقين ، وجعلت مشهد قرة عينه أبي عبدالله موطني ، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسکني ومدفني ، لا أريد منها

ص: 44


1- مناقب ابن شهرآشوب : 5/1
2- سورة الجاثية : 23.
3- سورة الشعراء : 167.
4- سورة الشعراء : 116.
5- سورة الأعراف : 88.
6- سورة الفاتحة : 6 و 7.
7- البروز : الخروج.
8- الکَلُّ : الذي هو عيال وثقل علي صاحبه ، قال الله تعالي : (و َهُوَکَلُّ عَلیَ مَولَاه) أي عِیال. «لسان العرب: 594/11 - کلل - ».

إشادة المؤلف بالسلطان إسماعيل الصفوي .

بدلاً ، ولا أبغي عنها حولاً ، اُزين منابرها ببديع نظامي، وأُسرّ محاضرها بمعاني کلامي ، وأّقلّد أجياد مدائحه بدرر لفظي ، واُزيّن خرائد محامده بملابس وعظي ، ملازماً علي الدعاء آناء ليلي وأطراف نهاري ، وعقيب تهجدّي وتلاوتي في أسحاري ، بدوام دولة من أعلي کلمة الاسلام بعد رفضها، ورفع درجة الايمان بعد خفضها ، وقطع عصب النفاق بقاطع غضبه ، وقمع أرباب الشقاق بسطوة حربه ، وأقرّ عين جدّه المصطفي، و أبيه المرتضي، وأسخن عيون أولي الضلالة والشقاء، وجعل الدين الحنيف يميس(1) في حلل المهابة والبهاء، والحق يرفل في ميادين القوة والعلاء

فرع النبوّة، وشجرة الفتوّة ، الناطق بالصدق ، والداعي إلي الحّق، قامع کلّ ظالم، لا تأخذه في الله لومة لائم، عماد الدين ، وعميد المؤمنين ، علم الشريعة

النبويّة ، ومؤيّد الشيعة الاماميّة.

شعر : علويّ النجار (2)من آل موسي أبحر العلم والجبال الواسي هاشمّي لا من بني عبد شمس فاطمّي لا من بني العبّاس

صاحب الأصل الراسخ ، والفرع الشامخ ، والمجد الأطول ، والشرف الأعبل ، قاتل الکفرة ، وخاذل الفجرة ، وطاهر الأسرة ، وجمال العترة ، السيد الأفخر، والعنصر الأطهر ، والليث الغضنفر ، زينة ولد جده أمير المؤمنين حيدر، وعمدة ذرّيّة السيّد الشهيد السعيد شاه حيدر ، مولانا وسيّدنا السلطان الجليل شاه إسماعيل أبو المظفّر، الّذي أيّد الله الاسلام بعزيز نصره ، وقطع دابر البهتان

ص: 45


1- المنيس : التَّبختُر
2- النَّجرُ والنُّجارُ والجار : الأصل والحسب . «لسان العرب : 193/5 - نجر -» .

بغالب أمره ، وأظهر بدر الحقّ بعد خفائه ، وأنار نور الصدق بعد انطفائه، وأنطق لساني بمدح سادتي وأئمّتي ، وأطلق جناني بسبّ حسدتي وأعداء ملّتي.

أقطع بحدّي غراسهم ، وأقلع بجدّي أساسهم ، معتقداً ذلک من أفضل أعمالي، وأکمل أفعالي ، الّذي أتصّل به إلي منازل السعادة الباقية ، والجنّة العالية ، جعل الله أرکان دولته في صعيد السعادة ثابتة ، ودوحة سلطنته في ربوة السيادة نابتة، وأعلام النصر منصوبة علي هامة رفعته ، وکلل المجد مضروبة علي عظمة سدته ، و آيات الايمان بدوام أيّامه متلؤّة ، ورايات الاسلام بسديد آرائه مجلوّة، وشمس شرفه في أفلاک التأييد سائرة ، وأنجم عظمته في منازل التأييد دائرة، والعکوس إلي قضايا عدوّه موجّهة ، والنحوس بذکر مساويء ضده منوهة.

اللهمّ اجعل أعداءه في قبضة أسره مأسورين ، وبصارم سطوته مقهورين، وبعد الامرة مأمورين ، وبعد الرفعة مدحورين ، واجعل لهم بأنفسهم شغلاً شاغلاً ، ومن أعدائهم بلاء ناز ، واشف صدورنا بغيظهم ، وأظللنا بظلّک من فيضهم ، فإنّهم قد ألحدوا في آياتک ، ولدّنوا (1)ببيّناتک ، وأهانوا أولياءک ، وأعزوا أعداءک ، وراموا إطفاء أنوار الايمان ، وإخفاء اعلام القرآن ، وقتل ذرّيّة نبيک سيّد المرسلين ، وهضم عترة وليّک أفضل الوصيّين ، ونصبوانصاب الشرک ، وأظهروا کلمة الکفر ، وقصدوا المؤمنين في أنفسهم وأموالهم ، وأجلبوا عليهم بخيلهم ورجالهم ، وغزوهم في عقر ديارهم ، وراموا قلع آثارهم ، وقطع أدبارهم ، واستئصال شأفتهم ، واستحلال حرمتهم ، وأسر ذراريهم ونسائهم ، وقهر علمائهم وأعلامهم ، وشوا عليهم الغارات ، وأظهروا فيهم الترّات ،

ص: 46


1- يقال : تلدّن عليه إذا تلکّأ عليه . «لسان العرب :383/13 - لندن -» .

وشرّدوهم عن بلادهم ، وقطعوهم عن موادّهم، وجعلوا الجزع شعارهم ، والهلع دثارهم ، وترکوهم عماله يتکفکفون ، وحاملين لا يعرفون ، عباديد(1) في الأقطار، و متفرّقين في الأمصار ، قد أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا أن يقولوا ربّنا الله (2) وأُوذوا لاعتقادهم العصمة والصدق في أولياء الله لا ذنب لهم إلِّا حبّ أهل بيت نبيّهم الأطهار ، وبغض أعدائهم الظلمة الفجّار ، الذين خالفوا نبيّک ، وهضموا وليّک ، واستحلّوا حقّه ، وأکذبوا صدقه ، وجحدوا نصّ النبيّ عليه ، ووجّهوا وجهة ظلمهم إليه ، ومنعوا الزهراء نحلتها ، واستصفوا بلغتها ، وخالفوا والدها ، وکذبوا شاهدها، وقتلوا ذرّيّتها بعدها.

اللهمّ فطوّقهم أطواق لعنتک ، واقرعهم بقوارع نقمتک ، وصبّ عليهم سوط عذابک ، وصخُ (3) أسماعهم بصوت عقابک ، وارفع لنا عندک درجة ببغضهم ، وهیّيء لنا من أمرنا رشَداً (4) بغضهم - ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين ، ونجّنا برحمتک من القوم الکافرين (5)

اللهمّ الحظ سلطاننا بعين عنايتک ، ونوّر نصره و احففه بملائکتک ، و افرغ عليه منک واقية باقية ، و ثبّت له قدم صدق في معارج التوفيق راقية ، واجعل له من لدنک سلطاناً نصيراً ، واقسم له من مغانم ألطافک فضلاً کبيراً ، وردّ أعداءه بغيظهم لن ينالوا خيراً (رَبّنَا اتِهمِ ضِعفَينِ من العَذَابِ وَالعَنهُم لَعناً کَبيِراً) (6)

ص: 47


1- عباديد و عبابيد : أي متفرقين . «لسان العرب : 276/3 - عبد -
2- إشارة إلي الآية :.4 من سورة الحجّ.
3- الصاخّة : صيحة تصخّ الأذن أي تطعنها فتصمتها لشدّتها ، ومنه سمُيت القيامة الصاخّة لسان العرب : 3/ 33 - صخخ -»
4- إشارة إلي الآية : 10 من سورة الکهف .
5- إشارة إلي الآيتين : 85 و 86 من سورة يونس .
6- سورة الأحزاب : 68.

قصیدة للمولف رحمة الله في هجره موطنة دمشق و استقرارة في کربلاء

فإنّه والي أولياءک ، وعادي أعداءک ، و قطع فيک الأقربين ، ووصل الأبعدين .

ولمّا استقرّت لي الدار في حضرة سيّد الشهداء ، وطاب لي القرار في مقام خامس أصحاب الکساء ، أردت أن أسم حبيبي بميسم العبوديّة لشريف حضرته ، وأرقم اسمي في دفاتر أرقّاء خدمته ، وأعطّر المَجَالس بنشر مناقبه ، وأُسرّ المُجالِس بذکر مراثيه ، فجمعت هذا الکتاب مع قلّة بضاعتي ، ورکود قريحتي ، فکنتُ بإهدائه إلي عزيز جنابه کناقل التمر إلي هجر ، (1)ومهدي الحصي إلي الدرر ، وقد روي لساني عن قلبي ، ورقم بناني عن لبّي:

فَارَقتُ قَوماً دِينهُم نَصبُ وَإلحَادُ

وَکُفرُ بسذوي الفسوق بأرضِهِم سوق وَللفُجَّارِ فجر لقَضَائِهِم في هَتکِ دينِ المُصطَفَی نَابُ وَظفرُ إن قلتُ عَيناً مِن عليُ أظهَرُوا حِقداً وَهرُّوا(2)

شبه الکِلَابِ إذَا عَوَت فَالَّشرُّ مِنهُم مُستَمِرُّ عُلَمَاؤُهُم عُلَماءُ سوءٍ طَبعُهُم غَذرُ وَمَکرُ وَرِجَالُهُم بَقَرُ إذا ذُکِرَ الوَصِيُّ عَتوا وَفَرُّوا وَنِسَاؤُهُم بالغنج کَم مِن زَاهِدٍ فَتَنُوا وَغَرَّوا

هذَا وَکَم مَنزِلَةُ بَعَد الغِنّی مِنهُنَّ فَقرُ کَم لَيلَةٍ مِن هَجرِهِم أمسَي فُؤَادِي فِيهِ جَمرُ

فَهَجَرتُ مُنصَرَفي إذ لِي لِسَمع الهَجر وَقرُ وَحَثَثتُ رَحلِي نَخوَ مَن هُوَلِلنَّبِيَّ أَخُ وَصِهرُ

ص: 48


1- أورد هذا المثل الميداني في مجمع الأمثال : 152/2 رقم 3080 بهذا اللفظ : کَمُستَبضِع التَّمر إلي هَجَرَ.
2- الهِرُّ : الاسم من قولک هَرَرتُه هَرّاً أي کرهته . «لسان العرب:260/5 - هرر -» .

في ذکر المؤلف خطبه ومجالسه المختلفة

مَؤليً اُزيحُ بِقَصدِهِ عَن سَاحَتِي ضُرُّ وَعِشرُ

وتلوت : (الحَمَدُ لِلهِ الَّذي نَجَّانَا مِنَ القَومِ الظَّالِمينَ وَقُل رَبَّ أنزِلنِي

مُنزَلاًمُبَارَکاً وَأنتَ خَيرُ المُنزِلِينَ)(1)

ثمّ إنّي بعد أن منّ الله عليّ بمجاورة سبط نبيّه ، وأهّلني للاقامة في حضرة وليّه وابن وليّه ، أطلق لساني بمدح رسوله المصطفي ، ووليّه المرتضي ، وأهل بيتهما الأئمة النجباء سادة أهل الدنيا والأخري ، الذين جعل الله أجر الرسالة مودّتهم ، وألزم الکافّة طاعتهم ، فصرت أُحلّي بذکرهم المنابر ، وأزيّن بشکرهم المحاضر ، وأشنّف بمدحهم المسامع (2)، وأشرّف بوصفهم الجوامع ، وأقمع هامات من ناواهم بمقامع نظمي ونثري ، وارغم معاطس من عاداهم بأکفّ خطبي وشعري .

فقلَّ أن يمضي يوم من الأيّام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذکرهم في محکم تنزيله ، إلّا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلک اليوم الشريف، وأوردت کلمة في عمل ذلک الوقت المنيف ، کخطبة «مولد البشير النذير»، وخطبة «يوم الغدير» وذيلتها بأحاديث رائقة ، ونکت شائقة ، يطرب لها المؤمن التقي ، ويهجرها سمع المنافق الشقي ، وخطبة «يوم السادس من شهر ذي الحجة» الذي کان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سورة «هل اتي» ، وما في فضلهم آتي ، والمجلس المشهور به «تحفة الزوار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذکرت فيه ثواب زيارة سيد الشهداء وفضل کربلاء ، وکالتعزية الموسومة ب «مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرم ، وکالمجلس

ص: 49


1- سورة المؤمنون : 28 و 29.
2- سورة المؤمنون : 28 و 29. عطس - ».

قصيدة للمؤلف رحمه الله مفتخر بما ينظم ويقول في مدح المصطفي وآله علیهم السلام

وآله عليهم السلام

المشهور ب «قاطع أسباب النفاق ، وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ، وخطبت به علي صهوة(1) المنبر ، وأوردت فيه مآثم علي عدو الله إبليس الأکبر ، وکالرسالة الموسومة و«السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس». .

وغير ذلک من رسالات وخطب وأشعار تحت علي اقتناء الفضائل ، و تنهي عن اقتراف الرذائل ، وتوضح من أدلة التوحيد ما فيه تلال الطالب ، وبلاغ الراغب ، بأدلة قاطعة ، وحجج ساطعة ، والتحذير من الدار الفانية ، والترغيب في الحياة الباقية ، وکان ذلک يشتمل علي مائتي ورقة وأکثر ، أبهي من عقود اللآليء وأبهر ، قد فاز من البلاغة بالسهم المعلّي ، وحاز من الفصاحة السهم الأعلي ، تمج فقراته مسمع الحاسد البغيض ، وتسمر(2)حلاوة ترصّعاته فم المعاند المريض ، کما وصفت في راتق (3) نظمي من رام بصعر خدّه هظمي : کم شامخ بأنفه تکبّراً وباذخ بخدّه تصعّرا

ومضمر لحسن لفظي حسداً ووجهه يظهر ما قد أضمرا ترجف منه وحشاه حنقاً يکاد يزلقني بما يرا يناي وينهي عن مقامي جاهداً يريد أن يشنأني بين الوري کأن لفظي أسهم بقلبه حدّ

يبالي لمعاينها برا في مدح صنو المصطفي اسنادها بالصدق ما کان حديثاً مفترا يمجّها مسمع ذي وقاحة أعسي النفاق سمعه والمبصرا يعرض عنّي معرضاً بعارضٍ فداً له کم فيه من لوم جرا

ص: 50


1- صَهوَةُ کلّ شيء : أعلاه . «لسان العرب : 14 /471 - صها - .
2- السَّمرُ: شَدُّکَ شيئاً بِالمِسمارِ . «لسان العرب :387/4 - سمر - » .
3- الراتق : الملتئم

عثور المؤلف علي کتاب روضة الشهداء للکاشفي وتأليفه کتابه هذا علی منواله

علي منواله

کذا مريض القلب في لهاته يري الزلال العذب صابا ممقرا لا زال في أحشائه وقلبه من سقط زند مقولي نار الشرا

ثمّ إنّي بعد ذلک عثرت علي کتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة(1)

وفرسان البلاغة الأعجميّة ، أصحاب المجد القديم ، والدين القويم ، الذين قال الله سبحانه فيهم : (وَءَ اخَرِينَ مِنهُم لَمَّا يَلحَقُوا بِهِم وَهُوَ العَزِيزُ الحَکيِمُ) (2)تزيّن بتحقيقهم وتدقيقهم المجامع والمجالس ، وکيف لا يکون ذلک کذلک وقد قال سيّد المرسلين : لو کان العلم معلّقاً بالثريّا لناله رجال من فارس(3)؟

ص: 51


1- مراده کتاب «روضة الشهداء»، للمولي الواعظ الحسين بن علي الکاشفي البيهقي ، المتوفي في حدود سنة 910 ه، مرتب علي عشرة أبواب وخاتمة ، وهو أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتي عرف قاريه به «روضة خوان» ، «الذريعة : 11/ 294 رقم. «1775
2- سورة الجمعة : 3.
3- روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، ففي بعضها : لو کان الدين ، وفي بعضها : لو کان الإيمان . وإليک جملة من مصادره : مصنّف عبد الرزاق : 11/ 66 ح 1923، مصنّف ابن أبي شيبة : 206/12 ح 12561و ص 207ح 12562، مسند أحمد: 296/2 - 297 و ص 308- 309 و ص 417 وص 420 و ص422و ص 469 ، ص حيح البخاري : 188/6، صحيح مسلم:4 :1972 ب59ح2546 ، سنن الترمذي : 384/5 ب 48 ح 3261 و ص 413 ب 63ح3310 و 725 71ح 3933، ش عب الايمان : 342/4 ح 5330، مسند أبي يعلي: 3/ 23 ح 1433 و ص 27 ح 1438، تفسير الطبري : 42/26 وج 28 /62، المطالب العالية : 4 /158 ح 4228، المعجم الکبير للطبراني :251/10 ح 10470حلية الأولياء : 64/6 ، دلائل النبوة :6/ 333 و334، فردوس الأخبار : 367/4 ح7060، تفسير البغوي : 187/4 و ص 339، البداية والنهاية : 197/6 ، تفسيرالکشاف : 530/4، زاد المسير : 415/7 ، کنز العمال : 92/12 ح 34134، جامع الأصول : 16 / 258 و ج 93/18 ، مدارک التنزيل :143/4 ، لباب التأويل: 4/143 و ص 264، البحر المحيط : 86/8 ، تفسير ابن کثير :196/4 و ص 388مجمع الزوائد: 64/10 و ص 65، کشف الهيثمي :316/3 ح 2835 ، تفسير أبي السعود : 103/8 ، الجامع الصغير :434/2ح 7459 و 7464، الدّر المنثور : 67/6وص 215، الفتوحات الإلهيّة : 155/4 ، روح المعاني :26/ 75 و ج83/28 ، قرب الاسناد : 52، مجمع البيان :108/5ص 284 ، تفسير أبي الفتوح الرازي : 198/10وج 143/11 ، منهج الصادقين : 357/8 و ج 9/ 274 ، تفسير الصافي : 32/5وص 173 ، نور الثقلين :46/5 ح 89 و ص 323ح 22.

ووجدته رضي الله عنه قد رتبه علي عشرة مجالس لقيام المآتم، لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم، شهداء کربلاء وأهل (قُل لا أسألُکُم عَلَيهِ أجراً إلَّا المَودَّةَ فِي القُربَي)(1)وجعلها خاصّة بالعشر الأول من شهر محرّم الحرام الذي فيه هتکت حرمة الاسلام ، وقتلت ذرّيّة سيّد الأنام ، وجعل لکلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية مؤسّساً .

أثابه الله ثواب الصدّيقين ، وحشره في زمرة أوليائه الطاهرين .

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ علي منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، وأزين مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم ومواليهم ، وأهيج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، وأحلي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري ، وأجدد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فکري ، ورتبته کترتيبه ، وبؤبته کتبويبه ، لکن لم أقصد ترجمة کلامه ، ولا سلکت مسلکه في نثاره ونظامه، وجعلته عشرة مجالس ، وسميته با «تَسلية المُجالس وزينة المَجالس»، ولم أورد فيه من الأحاديث إلا ما صححه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في کتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم.

اللهمّ اجعلنا من السالکين بقدم الصدق إلي ما أوردوا ، والمؤيّدين من

السنّة النبويّة لما أيدوا ، إنّک علي کلّ شيء قدير .

ص: 52


1- سورة الشوري: 23.

المجلس الأول : في ذکر أمور تتعلق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها، و...

اشارة

المجلس الأول : في ذکر أمور تتعلق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها، وطرق في ذکر ثواب من أظهر الجزع المصابه ومصاب أهل بيته، وثواب من بکي لرزيتهم، وجلس لعزیتهم وجلس لعزتهم

في ذکر أُمور تتعلّق بظلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما في معناها ، وطرق في ذکر ثواب من أظهر الجزع المصابه ومصاب أهل بيته ، و ثواب من بکي

لرزيّتهم، وجلس لعزیّتهم

الحمد لله الّذي زيّن قلوب أوليائه بملابس عنايته ، وحتي نفوس أصفيائه بنفائس کرامته ، وشري منهم أنفسهم وأموالهم بنعيم جنّته ، وأطلعهم علي أسرار ملکوته ، فعزفت (1)أنفسهم عن الدنيا الدنية إلي جوار حضرته لما جذب أنفسهم بزمام عنايته إلي جنابه الأقدس ، وأجلسهم علي بساط أنسه في ظل جواره المقدس ، وناداهم في سرائرهم في ذلک المقام المشرف ، وخاطبهم في ضمائرهم بخطابه الجليل الأشرف ، وسقاهم من شراب جئته بالکأس الروية ، وأطلعهم علي ما أعد للمجاهدين في سبيله من المقامات السنيّة والدرجات العلية.

بذلوا أنفسهم فنالوافضلها ، وکانوا أحقّ بها وأهلها ، وصلوا بقدوم صدقهم إلي تلک المعاهد والمعالم، واستظّلوا بظلال تلک العواطف والمراحم ، يجاهدون

ص: 53


1- العزف - بفتح العين المهملة وسکون الزاي المعجمة -: الزهد . «ح» .

في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، قرعت أسماعهم(1) رنّة آيات الذکر الحکيم (إنَّ اللهَ اشتَرَي مِنَ المؤمِنِينَ أنفُسهُم وأموالَهُم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقّاً في التَّوراةِ وَالإنجِيل وَالقُرآنِ وَمَن أؤفَي بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبشِرُوا بَبَيعِکُمُ الَّذِي بَایَعتُم بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ) (2)فهاموا بلذيذ نعمتها طربة ، وقضوا بامتثال أوامرها من السعادة الأبديّة إرباً ، لمّا رؤا انّ الجهاد في سبيل ربّهم من أفضل الطاعات ، وبذل الوسع في إعلاء کلمة خالقهم من أعظم القربات ، تلقّوا حدود الصفاح بوجوههم الشريفة ، وصبروا علي ألم الجراح شوقاً إلي تلک المنازل المنيفة.

وکان أفضل من فاز بالمعلّي من سهامها، وتلقّي بشريف طلعته مواقع نصالها وسهامها ، سبط سيّد المرسلين ، وقرة عين إمام المتقين ، صفوة المصطفين ، أبا عبدالله الحسين ، الذي هُدِم رکن الايمان بوفاته ، وصم حبل الاسلام بفواته ، واهتزّ العرش لمصيبته ، وبکت الأفلاک لرزیّته ، وأمطرت السماء دماً و تراباً ، و حيرت من أولي العرفان أفکار وألباباً .

يا لها من مصيبة لا ترقي عبرتها ، ولا تخبو (3) زفرتها ، ولا تنسي واقعتها، ولا توشي جراحتها، تضرم نيران الأحزان في قلوب خالصي الايمان ، وتشيد قواعد الأشجان في نفوس أرباب أهل العرفان ، فهي التي کست السماء شفقاً من دماء شهدائها ، وأذکت في القلوب حرقاً بشدّة بلائها ، لم تَحدُث في الخلق مصيبة مثلها منذ قامت السماوات والأرض، ولم يغضب الجليل غضبها إلي يوم الحساب والعرض، زفرت جهنّم حين حدوثها زفرة

ص: 54


1- أي ضربت بشدّة الاعتماد .
2- سورة التوبة : 111.
3- أي ولا تسکن .

لولا أنّ الحق منعها إلي أجل مسمّي لأحرقت الأرض بزفرتها، وشهقت شهقة لولا الأمر الذي کتب الله لعباده لأهلکت الخلق بفضيع شهقتها، شردت علي خزّانها فخوطبت: قرّي فلأجعلنّک لقتلته سجناً مؤبّداً، ولأکتبنّ علي أغلالهم وأصفادهم دواماً مخلّداً، ولأجعلنّ فراعنة الأنبياء وأعداء الدين تستعيذ من عذابهم، ولأصيرّنّ الکفرة والفجرة من أهل سجّين يعجبوا من عقابهم، يشرف عليهم إبليس فيلعنهم، ويطلع عليهم عبدة الأوثان فتوبخهم، ولأجعلنّ وليّي وابن أوليائي، وصفّیي ونجل أصفيائي، صاحب هذه المصيبة العظمي، والواقعة الکبري، المجاهد بنفسه وولده، والموفي بعقده وعهده، الذي لم يجاهد جهاده نبي من أنبيائي، ولاصبر صبره مخلص من آمنائي، سيّد الشهداء في الدنيا والآخرة، ولا قيمن حججي علي عبادي من ذرّيتّه الطاهرة.

فيا إخواني، أفي غفلة أنتم من هذا الشهر الّذي أظلّکم ؟ أم في رقدة من هذا العشر الّذي نزل بکم ؟ أتعلمون أيّ رحم فيه للرسول قطعت ؟ وأيّ مصيبة علي بني البتول وقعت ؟ وأي سادة منهم علي الصعيد صرعت ؟ وأي قادة بکؤوس الحمام جرعت ؟ وأي کبد لسيّد الأنبياء فريت ؟ وأي مهجة منه بسهام الأعداء رميت ؟

فيا له من شهر لايحسن الجزع إلا في أيّامه ولياليه، وياله من عشر لا

يليق الهلع إلّا في أعجازه وبواديه، سقيت فيه بنو الرسول کؤوس الحتوف بعد الظماء، وأُسلبت أرواحهم بغروب(1) السيوف والظباء، وصارت أجسادهم علي الرمضاء بلا وطاء، منعوا فيه من شرب المباح، وصدروا من دم الجراح ،

ص: 55


1- الغَرب: الحدَّة، ومنه غَربُ السيف، أي کانت تُدَارَي حِدَتُه وتُتَّقي . «لسان العرب : 641/1 - غرب - ».

فيا ليت نفسي کانت لأنفسهم فداء ، ووجهي لأوجههم وقاء، فلو أنّ عين الرسول عاينت سبطه وقد تحوطت عليه بقية الأحزاب، وأحاطت به کتائب کفرة الکتاب، وهو يذکّرهم بآيات الله، ويحذّرهم من سخط الله، ويورد عليهم الحجة، ويوضح بهم المحجة، ولا يزدادون من عظته إلّا نفوراً، ولا من تذکِرَته إلّا غروراً، وراموا منه خطّة لا تليق بمثله، وطلبوا منه خصلة لا تحسن بفرعه وأصله .

فأبي أبو الأسد الهاصرة(1)، أو الليوث الحاسرة(2) وقدّم بينه وبين الله أفراطاً بين يديه، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا الوسع في طاعة ربّهم ووليّهم، واستشعروا الصبر في نصرة ابن نبيّهم، يرون القتل في العزّ حياة، والحياة في العزّ قتل، کشف الله عن بصائرهم، وتجلي لهم في سرائرهم، فرأوا ما أعدّ لهم من السعادة الباقية (في جَنّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةُ . وقيل لهم : کُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أسلَفتُم فِي الأيَّام الخَالِيَة)(3)فتلقّوا رماح الأعداء بصدور بنيت علي الاخلاص قواعدها، وبقلوب بنيت علي الايمان عقائدها، و قابلواصفاح الأشقياء بوجوه طالما أحيت ليلها بسجودها ورکوعها، وارضت ربّها بتهجّدها وخشوعها، محامية عن ابن إمامها ورسولها، تابعة أمر هاديها ودليلها، کلّ منهم قد أرضي بتصمّم عزيمته إلهه وربّه قائلاً : اليوم

ص: 56


1- أسدُهَصُورُ وهَصَّار وهَيصَرُ وهَيصَارُ .. يَکسِرُ ويُمِيلُ. «لسان العرب : 5/ 264. هصر- ». .
2- في الحديث : يخرج في آخر الزمان رجلُ يسمَي أمير العُصَبِ، وقال بعضهم : يسمّي أمير الغَضَب، أصحابه مُحسَّرَون مُحقَّرون مُقصَونَ عن أبواب السلطان ومجالس الملوک، يأتونه من کلّ أؤبٍ کأنّهم قَزَعَ الخريف، يُورّثُهُم الله مشارق الأرض ومغاربها، محسّرون محقرّون أي مؤذون محمولون علي الحسرة أو مطرودون متعبون من حَسَرَ الدابّة إذا أتعبها. « لسان العرب : 190/4 - حمسر - ».
3- سورة الحاقة : 22 - 24.

و ثواب الجزع عليه

تلقي الأحبّة، محمد وحزبه ، حتي إذا فازوا من السعادة بالدرجة العلية، وحازوا أعظم سهم من السعادة الأبديّة، وأصبحت أجسادهم بسيوف الأعداء مبضعة، وأطرافهم بصفاح الأشقياء مقطّعة، ورؤوسهم عن الأجساد منتزعة، وعلي الرماح مرفعة، قد سقوا من کؤوس الحتوف بالکأس المترعة وتلقّوا حدود السيوف بوجوه کانت إلي ربّها مسرعة، وعمّا نهي عنه ورعة، قد أشرق صعيد کربلاء بدمائهم، وشرف طفّ نينوي باسلابهم، وصار مختلف أرواح الأنبياء والمرسلين، ومهبط ملائکة الله المقربين، فهم التائبون العابدون الحامدون الراکعون الساجدون(1)يحسبهم الجاهل أمواتاً وهم أحياء عند ربّهم يرزقون (2)ويظنّهم رفاتاً وهم في الغرفات آمنون (3) (لاَ يَخزُنُهُمُ الفَزَعُ الأکَبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِکَهُ هَذَا يَومُکُمُ الَّذِي کَنتُم تُوعَدُونَ) (4)(فَرحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونً بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِن

خَلفِهِم الَّا خَوفُ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُون) (5)

ولمّا شاهد فوزهم بالشهادة العظمي، و نيلهم السعادة الکبري، وصار وجيداً من أهله وأسرته، فقيداً لإخوانه وصَحَبَتِهِ، وقد أحدقت به الأعداء من کلّ جانب، وضاقت به المسالک والمذاهب، وفوّقت(6) الأعداء نحوه سهامها ومعابلهاء وجرّدت عليه مناصلها و عواملها، وبنات المصطفي يلذن به صارخات، ويتوسّلن

ص: 57


1- إشارة إلي الآية : 112 من سورة التوبة
2- إشارة إلي الآية: 169 من سورة آل عمران .
3- إشارة إلي الآية : 37 من سورة سبأ
4- سورة الأنبياء : 103.
5- سورة آل عمران: 170.
6- الفُوقُ من السهم: موضع الوتر.. ومَشَقُّ رأس السهم حيث يقع الوتر. وَفَوَّقتُه تفويقاً: عملت له فُوقاً. وفَوَّقَ نبله تَفويقاً إذا فرضها وجعل لها أفواقاً. «لسان العرب:319/10 و 320 - فوق .

ضارعات، وهو يدافع عنهن، ويمانع دونهنّ، ويتلقّی السيوف بشريف طلعته، ويفرّق الصفوف بشدّة عزمته، قد قتلت رجاله، وذبحت أطفاله، وانتهکت حرمة الرسول بانتهاک حرمته، وعظمت مصيبة البتول لعظيم رزيته.

فما ظنّکم بسيّد المرسلين لو رآه في تلک الحال عديم الأعوان، فقيد الاخوان، ممنوعة من شرب المباح، مخضوبة بدم الجراح، قد أجمعت أئمّة السوء علي قتله، واجتمعت عصابة البغي لخذله ؟ هل کان يتلقي عنه السيوف بيديه وساعديه ؟ أم يدفع عنه الحتوف بجنبيه وعينيه ؟

بل لو رآه أمير المؤمنين ، وسيّد الوصييّن ، وهو يستغيث ولا يغاث،

ويستسقي فلا يسقي، قد أثخنه الجراح، وأثقله السلاح، وجعلته عصبة الضلال طعمة لمناصلها، ومَورداً لعواملها، وهو يحمل کَحَمَلات أبيه في أحد وبدر، ويتلقّی سيوف أهل البغي والغدر، لا يزيده قلّة الأنصار إلا بصيرة من أمره، ولا يکسبه تظافر الأشرار إلا إخلاصاً في علانيته وسره، أهل کان يليق الصبر بجلال کماله ؟ أم يتلقّی عنه السيوف بأعضائه وأوصاله ؟

بل لو رأته سيّدة النساء وهو يتلظي ظماً، ويتلهف عطشاً، وعاينت بناتها أساري علي الأقتاب، حياري بغير نقاب ولا جلباب، يطاف بهنّ في البلاد، ويتشرّفهنّ الحاضر والباد، وشاهدت تلک الوجوه التي طالما قبّلها الرسول المجتبي، وأکرمها الوصيّ المرتضي، أصحاب سورة هل أتي، وأرباب (قُل لَا أَسأَلکُم علَيهِ أَجراً إلّا المَودَّةَ فِي القُربَي (1) يسار بها علي رماح الأعداء مخضباً شيبها بالدماء، أکانت تهنأ لها الحياة بعدها أم تتمنّی

ص: 58


1- سورة الشوري : 23.

مجيء فاطمة عليها السلام يوم القيامة قائلة : إلهي احکم بيني وبين من ظلمني ومن قتل ولدي

من ظلمني ومن قتل ولدي

لا وثواب الجزع عليه

الممات عندها؟(1)

روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلّي الله عليه و آله قال: تقبل فاطمة يوم القيامة علي ناقة من نوق الجنّة، خطامها من لؤلؤ رطب، وقوائمها من الزمرّد الأخضر، وذنبها من المسک الأذفر(2) وعيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبّة من النور، پري باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله(3)وعلي رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون [رکناً، کلّ رکن مرصّع بالدرّ والياقوت يضيء کما يضيء الکوکب الدرّي في اُفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملک، وعن شمالها سبعون ](4)ألف ملک و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته : غضّوا أبصارکم حتي تجوز فاطمة، فتسير حتي تحاذي عرش ربّها و تزجّ بنفسها عن الناقة و تقول : إلهي وسيدي احکم بيني وبين من ظلمني، اللهم احکم بيني وبين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل الله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سلي تعطي، واشفعي تشفّعي، فوعزّتي وجلالي لايفوتني في هذا اليوم ظلم ظالم.

ص: 59


1- وردت في «ح» عدّة أبيات: و آل رسول الله تشبَی نساؤهم ومن حولهن الستر بهتک والخدرُ سبايا بأکوار المطايا حواسراً يلاحظهنّ العبدُ في الناس والحرُّ ورملة في ظلّ القصور مصانة يناط علي أقراطها التبر والدرَّ فويل يزيد من عذاب جهنّم إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر ملابسها .... من السمَّ سود وآخر قان من دم السبط يخرّ تنادي وأبصار الأنام شواخص وفي کلّ قلب من مهابنها ذعر
2- أي طيب الريح.
3- کناية عن أنّها مشمولة بعفو الله ورحمته، وتجيء إلي القيامة شفيعة للعباد معها رحمة الله وعفوه لهم
4- من أمالي الصدوق.

تحشر فاطمة عليها السلام وهي آخذة بقميص الحسين ملطخ بالدم

فتقول: إلهي ذرّيتي وشيعتني وشيعة ذرّيتّي ومحبّي[محّبي](1)ذرّيتّي، فإذا النداء من قبل الله: أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّوا ذّريتّها ؟ فيقومون وقد أحاطت بهم ملائکة الرحمة فتقدمهم فاطمة کلهم حتي تدخلهم الجنّة. (2)

وفي حديث آخر: قال صلّي الله عليه و آله : تحشر فاطمة و تخلع عليها الحلل وهي آخذة بقميص الحسين ملطخ بالدم وقد تعلّقت بقائمة العرش تقول : يا ربّ احکم بيني وبين قاتل ولدي، فيؤخذ لها بحقّها.(3)

ص: 60


1- من أمالي الصدوق.
2- أمالي الصدوق : 25 ح 4، عنه غاية المرام: 594 ح 45، والبحار: 43 / 219 ح 1، وعوالم العلوم: 11 /564 ح 4. وأورده في مناقب ابن شهرآشوب: 326/3، وروضة الواعظين : 148، والفضائل لشاذان: و في «ح» عدّة أبيات أخري إذا علي الدنيا الدنیّة ظفرت أيدي بغاة طغاتها بهداتها ف هناک ينصفها الاله بعدله وتسوق شيعتها إلي جنّاتها يوماً به تأتي بتولة أحمد تتمرغ الأملاک في خطواتها وخديجة الکبري وحوّا حولها مع مريم يبکيان من کرباتها وبکقها ثوب الشهيد مضمخ ودموعها تجري علي وجناتها تسبدي شکايتها الجبار السما ولها الخلائق هوّدت أصواتها يا مصرخ المستصرخين وناصر المستضعفين ومنتهي دعواتها هل أمة فعلت بال نبيهم کفعال أمية مع ساداتها غصبت نصيبي من أبي وأستضعفت بَعلي مزيل الکرب في شدّاتها وغدت إلي ولدي تسنُ سيوفها وسقته کأس الموت في حملاتها وسبت بناتي جهرة ومضت بها نحو الشام هديّة لبغاتها
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/ 8ح 21 ص 26 ح 6، مناقب ابن شهر آشوب : .327/3 وروي في صحيفة الامام الرضا عليه السلام : 89ح 21، وفيه تخريجات أُخري، فراجع.

تقبل فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومعها ألف نبي وألف وصي وألف شهید، و أبیات شعریة للصاحب بن عباد في ذلک

وألف شهيد، وأبيات شعرية للصاحب بن عباد في ذلک

وفي حديث آخر : انّها تقبل يوم القيامة ومعها ألف نبيّ وألف صدّيق وألف شهيد، ومن الکرّوبييّن ألف ألف يسعدونها علي البکاء، وانّها لتشهق شهقة فلا يبقي في السماء ملک إلا بکي رحمة لها، وما تسکن حتي يأتيها أبوها، فيقول: يا بنّية ، قد أبکيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح، فکفّي حتي يقدّسوا، فإن الله بالغ أمره. (1) سَوفَ تَأتِي الزَّهرَاءُ تَلتَمِسُ الحک مَ إذا حَانَ مَحشَرُ التَّعدِيلِ وَأبُوهَا وَبَعلها وَبَنُوهَا حَولَها وَالخِصَامَ غَير قَلَيلِ

وَتُنَادِي يَاربَّ ذبَّح أولاَ دِي لمَاذَا وَأنتَ خَيرُ مدِيلِ(2)

فَیُنَادي بمالکٍ ألهب النَّا رَوَأجَّج وخُذ بأهل الغلولِ

وَیُجَازَي کلُّ بِمَا کَان مِنهُ مِن عِقَاب التَّخلِيدِ (3)والتنکيل (4)

فيا إخواني ، أظهروا في هذا الشهر شعار الأحزان، وأفيضوا الدموع

المقرحة للأجفان، فإنّ البکاء في هذا الشهر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات، وإظهار الجزع لما نال عترة الوصيّ من أکمل القربات.

روي الشيخ الجليل الفقيه جعفر بن محمد [بن قولويه بإسناده إلي الإمام

ص: 61


1- کامل الزيارات : 87 ذح 16، عنه البحار: 225/45 ذح 17، وعوالم العلوم: 111/17ح2.
2- کذا في ديوان الصاحبه، وفي الأصل : يا ربّ تذبح .... وأنت أنت مزيل.
3- کذا في ديوان الصاحب، وفي الأصل: عذاب التجليد.
4- الأبيات للصاحب بن عباده المولود سنة «326 ه»، والمتوفّي سنة «385 ه»، انسظر ديوانه ص263، ومقتل الخوارزمي : 2/ 150، ومناقب ابن شهر آشوب: 3/ 328، والبحار :292/45 ، وعوالم العلوم: 589/17 .

في ثواب البکاء علي الحسين عليه السلام

أبي جعفر محمد ](1)بن علي الباقر عليه السلام قال : کان أبي علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتي تسيل علي خدّه بوّأه الله بها في الجنّة [غرفاً يسکنها ](2) أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خدّه لأذيً مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه [الله بها] (3) في الجنّة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذيً فينا فدمعت عيناه حتي تسيل علي خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذي و آمنه يوم القيامة من سخطه والنار (4)- (5)

وروي بإسناد متّصل إلي الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

کان يقول : إنّ الجزع والبکاء مکروه للعبد في کلّ ما جزع ما خلا البکاء علي الحسين عليه السلام فإنّه فيه مأجور(6)

وروي رضي الله عنه بإسناد متصل بالامام أبي عبد الله عليه السلام قال: من ذکر عنده الحسين عليه السلام فخرج من عينة [من الدموع] (7) مقدار جناح

ص: 62


1- أثبتناه لما يتطّلبه السياق.
2- من الکامل.
3- من الکامل.
4- کذا في الکامل، وفي الأصل: سخط النار.
5- تفسير القمي:291/2 ، کامل الزيارات : 100ح 1، ثواب الأعمال : 108ح 1، الملهوف : في مقدمة المؤلف، عنها البحار : 44/ 281 ح 13، وعوالم العلوم: 17 / 526ح4 وأخرجه في مدينة المعاجز :152/4ح 217، وعوالم العلوم : 17 / 532ح اعن القمّي.
6- ک امل الزيارات : 100ح 2، عنه البحار : 291/44ح 32، وعوالم العلوم : 17 /533 ح 5.
7- من الکامل.

ذباب کان ثوابه علي الله عزّ وجلّ ولم يرض له بدون الجنّة (1)

وروي رضي الله عنه عن مسمع بن عبدالملک البصري قال : قال لي أبو

عبد الله الصادق عليه السلام: يا مسمع، أنت من أهل العراق ؟

قلت : نعم . قال : أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟

قلت : يا مولاي ، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوي هذا الخليفة وأعداؤنا کثير من القبائل(2) من التصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا خبري عند ولد سليمان فيمثلون بي.

قال : أما تذکر ما صنع به ؟ قلت : بلي والله. قال : فتجزع؟

قلت: نعم والله وأستعبر لذلک حتي يري أهلي ذلک (3)، فأمتنع من الطعام

الشراب حتي يستبين ذلک في وجهي.

قال : رحم الله دمعتک، أما إنک من الذين يعدون في أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّاء أما إنّک ستري عند موتک حضور آبائي لک ووصيّتهم ملک الموت بک، وما

ص: 63


1- کامل الزيارات : 100 ح 3، عنه البحار : 291/44 ح 33، وعوالم العلوم: 17 / 533ح4.
2- في الکامل: من أهل القبائل.
3- في الکامل : أثر ذلک

يلقونک به من البشارة أفضل لک(1) ثمّ استعبر واستعبرت معه، فقال : الحمد لله الذي فضّلنا علي خلقه بالرحمة، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع، إنّ السماوات والأرض لتبکي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا، ومن يبکي لنا من الملائکة أکثر منکم، وما رقأت دموع الملائکة منذ قتلنا، وما بکي أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دمعته(2)علي خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها، حتي لا يوجد لها حرارة، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلک الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وإن الکوثر ليفرح بمحبينا إذا وردوا عليه(3)

يا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الکافور، وريح المسک، وطعم الزنجبيل، أحلي من العسل، وألين من الزبد، وأصفي من الدمع، وأذکر من العنبر، يخرج من تسنيم، ويمر في أنهار الجنان، يجري علي رضراض(4)الدّر والياقوت، فيه من القدحان أکثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجواهر، وما عين (5)بکت لنا الا نعمت بالنظر إلي الکوثر وسقيت منه(6)

ص: 64


1- زاد في الکامل : ولملک الموت أرق عليک وأشدّ رحمة لک من الأمّ الشفيقة علي ولدها، قال.
2- في الکامل : دموعه.
3- في الکامل: وإن الکوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتي انه ليذيقه من ضروب الطعام مالا يشتهي أن يصدر عنه.
4- الرضراض : الحصي أو صغارها.
5- في الکامل : وما من عين.
6- زاد في الکامل: من أحبنا، وإن الشارب منه ليعطي من اللذة والطعم والشهوة له أکثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.

وإنّ علي الکوثر أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين، فيقول له : انطلق إلي إمامک فلان فاسأله أن يشفع لک إذ کان عندک خير الخلق فإن خير الخلق لا تردّ شفاعته ، فيقول : يا مولاي ، اهلکت من العطش ، فيقول: زادک الله ظمأً وزادک عطشاً

قال مسمع: فقلت : يا مولاي ، کيف يقدر علي الدنو من الحوض ولم

يقدر عليه غيره؟(1)

قال : إنّه ورع عن أشياء قبيحة، وکفّ عن شتمنا إذا ذکرنا، وترک أشياء اجتري عليها غيره، وليس ذلک لحتبّنا، ولا لهويً منه لنا، ولکن ذلک لشدّة اجتهاده في عبادته، ولما(2)شغل به نفسه عن ذکر الناس، فأما قلبه فمنافق، ودينه النصب (3)وولاية الماضين، وتقدمه لهم علي کل أحد.(4)

وعن عبد الله بن بکير، قال : حججت مع أبي عبد الله عليه السلام، فقلت له يوماً: يا ابن سول الله ، لو نبش قبر الحسين عليه السلام هل کان يصاب في قبره شيء؟

فقال : يا ابن بکير، ما أعظم مسألتک (5)؟! إنّ الحسين بن علي عليه السلام

ص: 65


1- في الکامل: فاسأله أن يشفع لک، فيقول: تبرّأ منّي إمامي الّذي تذکره، فيقول: ارجع إلي ورائک فقل للّذي کنت تتولاّه وتقدّمه علي الخلق فاسأله إذا کان خير الخلق عندک أن يشفع لک، فإن خير الخلق من يشفع ، فيقول: إني أهلک عطشاً.
2- في الکامل : ولما قد.
3- في الکامل: ودينه النصب، واتباعه أهل النصب. والمراد من الماضين : الخلفاء الثلاثة.
4- کامل الزيارات : 101ح 6، عنه البحار :289/44 ح 31، وعوالم العلوم: 529/17 ح 13.
5- في الکامل: مسائلک.

مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلّي الله عليه و آله ومعه يرزقون ويحبرون، وإنّه لعن يمين العرش متعلق به يقول:(1) يا ربّ، انجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر إلي زوّاره لهو أعرف بأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنه لينظر إلي من يبکيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباکي، لو علمت ما أعدّ الله لک لفرحت أکثر ممّا حزنت، وإنّه ليستغفر له من کلّ ذنب وخطيئة.(2)

وعن ابن أبي عمير بإسناد متّصل إلي أبي عبد الله، قال: من ذکرنا عنده ففاض من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو کانت مثل زبد البحر.(3)

وروي الشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد متّصل إلي الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إنّ أبي کان إذا أهلّ شهر المحرّم لايري ضاحکة، وکانت الکآبة والحزن غالبين عليه، فإذا کان يوم عاشوراء کان يوم جزعه ومصيبته، ويقول : في مثل هذا اليوم قتل جدّي الحسين صلوات الله عليه. (4)

وروي ابن فضّال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي عليه السلام قال :

ص: 66


1- في الکامل: وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم
2- کامل الزيارات : 103ح 2، عنه البحار:292/44 ح 35 و 36، وعوالم العلوم: 17 /533ح 8.
3- المحاسن للسبرقي : 63/1ح 110، عنه البحار : 289/44 ح 30، وعوالم العلوم :527/17 ح 6. ورواه بهذا الإسناد أيضاً في کامل الزيارات : 103ح 8، عنه البحار : 44/284ح 20،وعوالم العلوم: 528/17ح 10.
4- أمالي الصدوق : 111ح 2، عنه البحار: 44/ 283 ح 17، وعوالم العلوم: 17 / 538ح1.

في بکاء زين العابدين علي أبيه عليهما السلام

من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم جزعه وبکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنان عينه، ومن سمّي يوم عاشوراء يوم برکة أو ادخر المنزله فيه شيئا لم يبارک له فيه، وحشره الله في زمرة يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله في أسفل درک من النار.(1)

وروي الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن قولويه القمّي رضي الله عنه قال : بکي علي بن الحسين بن علي عليه السلام علي أبيه صلوات الله عليه عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بکي حتي قال له مولاه، جعلت فداک، يابن رسول الله، إنّي أخاف عليک أن تکون من الهالکين(2)فقال : إنّما أشکو بثّي وحزني إلي الله وأعلم من الله مالا تعلمون، إنّي لم أذکر مصرع بني(3)فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلک.(4)

وروي رضي الله عنه قال : أشرف مولي لعلي بن الحسين عليه السلام وهو في سقيفة له ساجد يبکي، فقال له : يامولاي، أما آن لحزنک أن ينقضي ؟

فرفع رأسه إليه، فقال: ياويلک ثکلتک أمک، والله لقد شکي يعقوب إلي ربه

ص: 67


1- أمالي الصدوق : 112 ح 4، علل الشرائع : 227ح 2، عيون أخبار الرضا عليه السلام :298/1 ح 57، عنها البحار : 102/101 ح 1 و 2. وأخرجه في البحار : 44 / 284 ح 18، وعوالم العلوم: 17/ 539 ح 3 عن الأمالي.
2- کذا في الکمال، وفي الأصل: الجاهلين
3- کذا في الکمال، وفي الأصل: ابن.
4- کامل الزيارات : 107ح 1، عنه البحار:109/46 ح 2، وعوالم العلوم: 157/18 ح 2. ورواه الصدوق في الخصال: 272 ح 10، والأمالي : 121ح 5، عنهما البحار: 109/46ح 2، وعوالم العلوم : 158/18 ح 1.

أن الحسين عليه السلام قتيل العبرة

في أقلّ ممّا رأيت(1)حين قال : يا أسفي علي يوسف، إنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي.

قال: وکان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلي ولد عقيل، فقيل له :

لما تميل إلي ابن عمّک هؤلاء دون أولاد جعفر (2) ؟

قال : إنّي أذکر يومهم مع أبي عبد الله عليه السلام فأرقّ لهم.(3)

وروي أيضاً رضي الله عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة(4)، قتلت مکروباً، وحقيق عليّ أن لا يأتيني مکروب إلّا ردّه الله وقلبه إلي أهله مسروراً . (5)

فيا أصحاب القلوب السليمة ، والعقول المستقيمة، لا يظنّ ظان منکم بجهله، أو يلبس الشيطان علي عقله، أنّ ما حلّ بالسبط الشهيد من البلاء العتيد الهوانه علي ربه، أو لنقص في زلفته وقربه، ولکن الحقّ سبحانه يبتلي عباده الصالحين بالتکاليف الشاقّة في أنفسهم وأجسادهم، ويختبر أولياءه المخلصين بالمحن المتتابعة في أموالهم وأولادهم، ويحثهم علي جهاد أعدائه بأقوالهم وأفعالهم، ويوفّقهم لامتثال أوامره ونواهيه في جميع أحوالهم، قال سبحانه: (وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلکِن لِيَبلُوَا بَعضَکُم بَبَغضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي

ص: 68


1- کذا في الکمال، وفي الأصل: تري.
2- في الکمال : دون آل جعفر.
3- کامل الزيارات : 107ح 2، عنه البحار:110/46 ح ، وعوالم العلوم: 158/18ح 4.
4- قال المجلسي : أي قتيل منسوب إلي العبرة والبکاء، وسبب لها، أو أقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال، والأوّل أظهر. (
5- کامل الزيارات : 109ح7، عنه البحار : 279/44 ح ة، و عوالم العلوم:536/17 ح 3.

أن البلاء موکل بالأنبياء ، ثم بالأولياء، ثم بالأمثل

سَبِيلِ اللهِ فَلُن يُضِلَّ أعمَالَهُم»(1) وقال سبحانه: (أنَّي لَا أُضِيعُ عَمَل عَامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَر أَو أُنثَي بَعضُکُم مِن بَعض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأوذُوا فِي سِبيلِي وَقَاتَلِوا وَقُتِلُوا لأَکفَّرَنَّ عَنهم سَيَّئاتِهِم وَلادخِلَهَّم جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهَارُ ثَوَاباً مِن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوَاب) (2) وقال سبحانه : (أم حَسِبتُم أن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلَم الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنکُم) (3) (وَلَم يَستَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلاَ المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً (4)

وقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : البلاء (5)موکل بالأنبياء، ثمّ

بالأولياء، ثمّ بالأمثل فالأمثل(6)-(7)

ص: 69


1- سورة محمد صلّي الله عليه و آله : 4.
2- سورة آل عمران :195.
3- سورة آل عمران : 142.
4- سورة التوبة : 16.
5- قال المجلسي رضي الله عنه في البحار : 200/67 : البلاء : ما يختبر ويمتحن به من خير أو شرّ، وأکثر ما يأتي مطلقة الشر، وما أريد به الخير يأتي مقيدة کما قال تعالي: و بلاء حسنا) - سورة الأنفال : 17 -، وأصله : المحنة. والله تعالي يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شکره، وبما يکره ليمتحن صبره، يقال: بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلواً... بمعني امتحنه، والاسم: البلاء مثل سلام.
6- قال ابن الأثير في النهاية : 296/4 : الأمثل فالأمثل: أي الأشرف فالأشرف، والأعلي فالأعلي في الرتبة والمنزلة، ثمّ يقال : هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدني إلي الخير، وأماثل الناس: خيارهم.
7- روي هذا الحديث بألفاظ متفاوتة، انظر: مسند أحمد بن حنبل : 369/6 ، مستدرک الحاکم : 404/4 ، کنز العمال : 326/3 ح6778 و6780 - 1780 وروي عن الامام علي بن أبي طالب والامام الباقر والامام الصادق عليهم السلام، انظر : الکافي: 2/ 252ح 1 و 4 و ص 259 ح 29. ويأتي في ص 83 هامش 9.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ولو أراد اللهُ سبحانه بأنبيائه حيثُ بعثهم أن يفتح لهم کنوزَ الذّهبان، و معادنَ العِقيان (1) ومَغارس الجِنان، وأن يحشرَ معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعلَ، ولو فعل ذلک لسقط البلاءُ(2) وبطل الجَزاءُ، واضمحلّ (3) الانباء، وَلَما وجَبَ للقابِليِن أجور المبتَلين، ولا استحق المؤمنون(4) ثواب المحِسنين، ولا لزِمت الأسمَاءُ معانيها، ولکنَّ الله سبحانه جعل رسلَه أُولي قوّةٍ في عَزائمِهم، وضَعَفةً فيما تري الأعينُ من حالاتهم، مع قَناعةٍ تملأ ُالقلوبَ والعيونَ غنيً، و خصاصةٍ (5) تملأُ الأبصار والأسماع أذيً.

ولو کانت الأنبياءُ أهلَ قوِّةٍ لا تُرامُ، وعزّةٍ لا تُضامُ، ومُلکٍ تُمدُّ نحوه أعناقُ الرجال [و تُشدُّ إليه عُقَدّ الرَّحال] (6)، لکانَ ذلکَ أهونَ علی الخلق في الاعتبار، وأبعدَ لَهم عن الاستکبار، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرةٍ لهم، أو رغبةٍ مائلةٍ بهم، فکانت النيّاتُ مشترکةً، والحسناتُ مقتَسَمَةً، ولکنَّ الله سبحانه أراد أن يکونَ الاتَّباعُ الرسله، والتصديقُ بکتبه، والخشوعُ لوجهه، والاستکانةُ لأمره، والاستسلامُ الطاعته، أُموراً له خاصة، لا تَشوبها من غيرها شائبة، فکلّما کانت البلوي والاختبارُ أعظمَ کانت المثوبة والجزاءُ أجزلَ.(7)

روي حنّان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام [قال: آمن مع نوح من

ص: 70


1- الذّهبان: جمع ذهب. والوقيان : نوع من الذهب ينمو في معدنه .
2- أي الامتحان الّذي به يتميز الخبيث من الطيّب.
3- في النهج : اضمحلَت . والمراد : سقط الوعد والوعيد.
4- کذا في النهج، وفي الأصل: الموصوف، وهو تصحيف
5- خصاصة: فقر وحاجة.
6- من النهج
7- نهج البلاغة : 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة»، عنه البحار: 114/6 ح 11(قطعة). وج 141/13ح61(قطعة)وج469/14.ويأتي في ص 65 أيضاً.

ما عاناه نوح عليه السلام من قومه

من قومه ثمانية نفر.

وفي حديث وهب بن منبه (1)أنّ نوحاً عليه السلام دعا قومه إلي الله حتي انقرضت ثلاثة قرون منهم، کلّ قرن ثلاثمائة سنة يدعوهم سرّاً وجهراًفلا يزدادون إلّا طغياناً، ولا يأتي منهم قرن إلا کان أعتي علي الله من الذين من قبلهم، وکان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه علي رأس نوح فيقول: يا بني، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون

وکانوا يثورون إلي نوح فيضربونه حتي يسيل مسامعه دما، وحتي لايعقل شيئا مما يصنع به فيحمل ويرمي ( به )(2)في بيت أو علي باب داره مغشيا عليه، فأوحي الله تعالي إليه : (أَنّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَؤمِکَ إلاَّ مَن قَد آمَنَ)(3)، فعندها أقبل بالدعاء عليهم ولم يکن دعا عليهم قبل ذلک فقال : (رَبَّ لاَ تَذَر عَلَی الأَرضِ مِنَ الکَافِرِينَ دَیَّاراً) ) (4)إلي آخر السورة.

فأعقم الله تعالي أصلاب الرجال وأرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ ولد ](5)، وقحطوا في تلک الأربعين سنة حتي هلکت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء، فقال لهم نوح : (استَغفِرُوا رَبَّکُم إنَّه کَانَ غَفَّاراً) (6) فأعذر إليهم وأنذر فلم يزدادوا إلا کفراً، فلمّا يئس منهم أقصر عن کلامهم ودعا عليهم حتي أغرقهم الله سبحانه.(7)

ص: 71


1- من المجمع.
2- من المجمع.
3- سورة هود: 36.
4- سورة نوح : 26.
5- من المجمع.
6- سورة نوح : 10.
7- مجمع البيان: 2/ 434 - 435، عنه البحار:299/11 . وانظر : قصص الأنبياء : 84 ح 75 و 76، عنه البحار : 287/11 ح 9.

ما عاناه إبراهيم عليه السلام من قومه

وهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله وصفیّه لمّا کسر الأصنام وجعلها أجذَاذاً، وقطعها بشدّة عزمه أفلاذاً(1)

، قال بعضهم لبعض : (حَرَّقُوه - بالنار - وَأنصُرُوا آلِهَتَکُم إن کُنتُم فَاعِلينَ) (2)أي ناصريها، والمعني : انکم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار ؛ قيل : وکان الّذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أکراد فارس، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل (3)فيها إلي يوم القيامة ؛ وقيل : إنّما قاله نمرود(4)

قال السدّي : فجمعوا له الحطب حتي انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بکذا وکذا من ماله فُيشتري به حطب، وحتي انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطباً حتي جمعوا من ذلک ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا کيف يلقونه، لأنّهم کانوا قد صنعوا للنار حائطاًطوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرة، وملؤوه حطباً، وأجّجوا فيه النار، ولم يقدروا من الدّنو من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق ، وهي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها، ثم رموه، قال الله سبحانه:(5) (قُلنا يَا نَارُکُونِي بَرداً وسَلَاماً عَلَي إبرَاهِيمَ)».(6)

قال أبو العالية: لو لم يقل سبحانه:(وَسَلَاماً)لکانت تؤذيه من شدّة(7)

ص: 72


1- أجذاذة : أي قِطَعا، وکِسَراً. «النهاية: 1/ 250 - جذذ » والأفلاذ : جمع فِلَذٍ ، والفلذَ: جمع فِلذَة، وهي القطعة المقطوعة طولاً. «النهاية 3/ 470 - فلذ - »..
2- سورة الأنبياء : 68.
3- کذا في المجمع، و في الأصل والبحار: يتخلخل وتَجَلجَل في الأرض: أي ساخ فيها ودخل . «لسان العرب :121/11- جلل -
4- زاد في المجمع: وفي الکلام حذف.
5- زاد في المجمع: وفي الکلام حذف.
6- سورة الأنبياء: 69.
7- في المجمع : فجاء إبليس فدلّهم علي المنجنيق

بردها، ولکان بردها أشدّ عليه من حرها فصارت سلاماً(1) عليه، ولو لم يقل (عَلَی إبرَاهِيم ) لکان بردها باقياً إلي الأبد.

قال الصادق عليه السلام : لمّا أُجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن پرموا به في النار أتاه جبرئيل عليه السلام وقال: السلام عليک يا إبراهيم [ورحمة الله وبرکاته] (2)، ألک حاجة ؟

فقال : أمّا إليک فلا، فلمّا طرحوه دعا اللهُ سبحانه فقال : يا الله، يا واحد، يا أحد، ياصمد ، يامن لم يلد ولم يولد، ولم يکن له کفواً أحد، فحسرت النار عنه، فرأوه وانه لمحتبٍ ومعه جبرئيل عليه السلام وهما يتحدّثان في روضة خضراء.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله أن نمرود الجبّار لمّا ألقي إبراهيم عليه السلام في النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة(3) من الجنّة فألبسه القميص وأقعده علي الطنفسة وقعد معه يحدّثه. تمام الخبر.

قال کعب: لم تحرق منه النار غير وثاقه، قال الله سبحانه: (وَأرَادُوا بِهِ

کَيداً فَجَعَلنَاهُم الأخسَريِنَ).(4)

قال ابن عبّاس : هو ان الله سبحانه سلّط علي نمرود وخيله البعوض حتي

أخذت لحومهم، وشربت دماءهم، ووقعت واحدة في دماغه فأهلکته.(5)

ص: 73


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: سلامة.
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وطبقة، وکذا في الموضع الآخر. والطَّنفِسَة والطَّنفُسَة : النُّمرُقة فوق الرحل ؛ وقيل : هي البساط الذي له خَملُرقیق.لسان العرب : 127/6 - طنفس - ». .
4- سورة الأنبياء : 70
5- مجمع البيان : 54/4- 55، عنه البحار : 12 / 23 - 25.

ثمّ انّ الله سبحانه ابتلاه کما ذکر في محکم کتابه بالکلمات التي أتمّها، والمحن الّتي احتملها، ووفّي بها حتي أثني الله سبحانه عليه في کتابه بقوله:

(وَإبرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي ) والابتلاء هو الاختبار، وسمّي ذلک اختباراً؛ لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلک يجري علي جهة الاختبار والامتحان فأجري سبحانه علي أمره اسم أمور العباد علي طريق الاتّساع، وحقيقة الابتلاء تشديد التکليف.

ووجه آخر هو انّ الابتلاء علي ضربين؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه والآخر جائز، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تکشف الأيام عنه وهذا لا يصح عليه سبحانه، لأنه علّام الغيوب، والآخر أن يبتليه حتي يصبر علي ما يبتليه فيکون ما يعطيه علي سبيل الاستحقاق، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حکمة الله سبحانه انه لم يکل أسباب الامامة إلّا إلي الکافي المستقلّ بها الذي کشفت الأيّام عنه، ومما ابتلاه في نفسه ما ذکرناه أوّلآً وفي أهله حين خلص الله حرمته من عبادة القبطي، ثم في ولده حين أمر بذبح ولده في قوله: (إنّي أرَي فِي المَنامِ أنّي أذبَحُک)

روي محمد بن إسحاق بن يسار، أنّ إبراهيم عليه السلام کان إذا أراد إسماعيل وهاجر حمل علي البراق، فيغدو من الشام ويقيل بمکّة، ويروح من

ص: 74

مکّة فيبيت في الشام عند أهله، حتي إذا بلغ إسماعيل السعي أُري في المنام أن يذبحه، فقال : يا بني، خذ المدية والحبل وانطلق بنا إلي الشعب لنحتطب، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذکره الله عنه، فقال : يا أبت اشدد رباطي حتي لا أضطرب، واکفف عنّي ثيابک حتي لا تنتضح بدمي فتراه والدتي، واشحذ شفرتک، وأسرع مرّ السکين عليّ عنقي ليکون أهون عليّ فإنّ الموت شديد.

فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بنيّ علي أمر الله. قال : فأقبل شيخ علي إبراهيم، فقال : يا إبراهيم، ما تريد من هذا الغلام ؟ قال : أريد أن أذبحه. فقال : سبحان الله ! تريد أن تذبح غلاماً لم يعص الله طرفة عين قط. قال إبراهيم : إن الله أمرني بذلک . قال : ربک ينهاک عن ذلک، وإنّما أمرک بهذا الشيطان. فقال إبراهيم: لا والله، ثمّ قال الغلام: يا أبت، حمرّ وجهي، واشدد وثاقي.

فقال إبراهيم: الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليک اليوم، ثمّ تلّه لجبينه وأخذ المدية بيمينه، هذا والملائکة تنتحب والأرض تنحب، ثمّ رفع رأسه إلي السماء وانحني عليه بالمدية، و قلب جبرئيل المدية علي قفاها و اجتر إليه الفدية من ثبير، واجتر الغلام من تحته، ووضع الکبش مکان الغلام، ونودي من ميسرة مسجد الخيف: (أن يَا إبرَاهِيمُ قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا إنَّا کَذلِکَ نَجزِي المُحسِنِينَ إنَّ هذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ)(1)

ص: 75


1- سوره الصاقات: 104-106.

قال : ولحق إبليس بأُمّ الغلام حين زارت البيت، فقال لها: ما شيخ رأيته

بمني؟

قالت : ذاک بعلي . قال : فوصيف رأيته ؟ قالت : ذاک ابني . قال : فإنّي رأيته وقد أضجعه، وأخذ المدية ليذبحه. قالت : کذبت ! إبراهيم أرحم الناس، فکيف يذبح ابنه ؟ قال : فورب السماء والأرض، ورب هذه الکعبة، قد رأيته کذلک. قالت: ولم؟ قال: زعم أنّ ربّه أمره بذلک.

قالت : حقّ له أن يطيع ربّه، فوقع في نفسها أنّه قد أمر في ابنها بأمر، فلمّا قضت منسکها(1) أسرعت في الوادي راجعة إلي مني، واضعة يدها (2)علي رأسها، فلمّا جاءت [ سارة] (3)وأخبرت الخبر، قامت إلي ابنها تنظر مکان السکين من نحره فوجدته خدشاًفي حلقه، ففزعت واشتکت، وکان بدؤ مرضها الّذي هلکت فيه (4)

وهذا يعقوب إسرائيل الله ابتلاه الله بفراق يوسف، فبکي عليه حتي

ص: 76


1- في المجمع : نسکها.
2- في المجمع: يديها.
3- من المجمع.
4- مجمع البيان: 454/4 - 455، عنه البحار : 12/135. وانظر قصص الأنبياء : «المسمي عرائس المجالس» للثعلبي : 93 - 94.

قصة يوسف عليه السلام

ابيضّت عيناه من الحزن فهو کظيم(1)

روي أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام أنّ يعقوب کان يذبح کلّ يوم کبشاً يتصدّق منه ويأکل هو وعياله، وأنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً قوّاماً اعتري باب يعقوب عشيّة جمعة عند أوان إفطاره، وکان مجتازاً غريباً فهتف علي بابه فاستطعم هو وهم يسمعونه فلم يصدقوا قوله، فلمّا يئس أن يطعموه وغشيه الليل استعبر وشکا جوعه إلي الله سبحانه، وبات طاوياً، وأصبح صائماً صابراً حامداً لله تعالي، وبات يعقوب و آل يعقوب بطاناً، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم، فابتلاه الله سبحانه في يوسف عليه السلام ، وأوحي إليه أن استعدّ لبلائي، وارض بقضائي، واصبر للمصائب ، فرأي يوسف الرؤيا في تلک الليلة.

وروي أنّ يعقوب عليه السلام کان شديد الحبّ ليوسف، وکان يوسف من

أحسن الناس وجهاً.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله، قال : أُعطي يوسف شطر الحسن،

والنصف الآخر لسائر الناس

وقال کعب الأحبار: کان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخلقة، أبيض اللون، وکان إذا تبسم رأيت النور في ضواحکه، وإذا تکلّم رايت شعاع النور يلتهب عن ثناياه، ولا يستطيع أحد وصفه، وکان حسنه کضوء النهار عن (2)الليل، وکان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله عز ّوجلّ

ص: 77


1- إشارة للآية: 84 من سورة يوسف.
2- في المجمع: عند

وصوّره ونفخ فيه من روحه(1)

فحسده إخوته ودبّروا في أمره، وذلک أنّ يعقوب کان شديد الحبّ اليوسف، وکان يؤثره علي سائر أولاده فحسدوه، ثم رأي الرؤيا فصار حسدهم له أشد.

وقيل : إنّ يعقوب عليه السلام کان يرحمه وأخاه لصغرهما فاستثقلوا ذلک، ودبّروا في هلاکه کما حکي سبحانه عنهم في قوله:( اقتُلُوا یُوسُفَ أوِ اطرَحُوهُ أرضاً یَخلُ لَکُم وَجهُ أبِيکُم )(2)أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه.(3)

ولمّا أقبلوا إلي أبيهم وسألوه أن يرسل يوسف معهم وأظهروا النصيحة والمحبّة والشفقة علي يوسف، ولمّاهمّ يعقوب أن يبعثه معهم وحثّهم علي حفظه، وقال: (إنّي لَيَحُزُنُنِي أن تَذهَبُوا بهِ وَأَخَافُ أن يَأکُلَهُ الذَّئبُ وَأنتُم عَنهُ غَافِلُونَ) (4)وکانت أرضهم مذابة، وکانت الذئاب ضارية في ذلک الوقت.

وقيل : إنّ يعقوب رأي في منامه کأن يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، وإذا ذئب منها يحمي عنه، فکأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيّام، فمن ثم قال ذلک فلقّنهم العلّة وکانوا لا يدرون.

وروي عن النبي صلّي الله عليه وآله قال: لا تلقّنوا الکذب فيکذبوا، فإنّ

بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذئب يأکل الإنسان حتي لقّنهم أبوهم.

ص: 78


1- مجمع البيان :212/3 و 220.
2- سورة يوسف : 9.
3- مجمع البيان : 212/3 .
4- سورة يوسف : 13.

وهذا يدلّ علي أنّ الخصم لا ينبغي أن يلقن حجّة.

ولمّا ذهبوا به أخرجوه عن يعقوب مکرّماً، فلمّا وصلوا إلي الصحراء أظهروا له العداوة وجعلوا يضربونه وهو يستغيث بواحد واحد منهم فلا يغيثه، وکان يقول: يا أبتاه، فهموا بقتله، فمنعهم يهوذا – وقيل : لاوي - فذهبوا به إلي الجب، فجعلوا يدلونه فيه وهو يتعلّق بشفيره، ثمّ نزعوا عنه قميصه وهو يقول: لا تفعلوا، ردّوا علي القميص أتواري به.

فيقولون: ادع الشمس والقمر والأحد عشر کوکباً يؤنسنک(1)، فدلّوه في البئر حتي إذا بلغ نصفها فألقوه إرادة أن يموت وکان في البئر ماء فسقط فيه، ثمّ آوي إلي صخرة فيها فقام عليها، وکان يهوذا يأتيه بالطعام.

وقيل : وکلّ الله به ملکاً يحرسه ويطعمه.

وقيل : إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا أُلقي في النار عرياناً أتاه جبرئيل عليه السلام بقميص من حرير الجنّة فألبسه إيّاه ، فکان ذلک القميص عند إبراهيم عليه السلام ، فلمّا مات ورثه إسحاق، فلما مات إسحاق ورثه يعقوب، فلمّا شبّ يوسف جعل يعقوب ذلک القميص في تعويذ و علقه في عنق يوسف، فکان لا يفارقه، فلمّا ألقي في البئر عرياناً جاءه جبرئيل وکان عليه ذلک التعويذ، فأخرج منه القميص وألبسه إيّاه.

قيل : وهو القميص الّذي وجد يعقوب ريحه لمّا فصلت العير من مصر،

وکان يعقوب بفلسطين فقال: (إنَّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُف) (2)

وفي کتاب النبوّة، عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عمارة، عن

ص: 79


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: والإحدي عشر کوکباً تؤنسک.
2- سورة يوسف : 94.

مسمع أبي سيّار(1) عن الصادق عليه السلام قال: لمّا ألقي إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل وقال: يا غلام، من طرحک في الجبّ؟

قال : إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني، ولذلک في الجبّ طرحوني. فقال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ فقال: ذاک إلي إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

فقال له جبرئيل : إنّ إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب يقول لک: قل: اللّهمّ إنّي أسألک [بأن لک الحمد لا إله إلا أنت بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والاکرام] (2) أن تصلّي علي محمد و آل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ، فجعل الله له من ذلک يومئذ فرجاً، ومن کيد المرأة مخرجاً، وأتاه ملک مصر من حيث لم يحتسب.

وروي أنّ يوسف عليه السلام قال في الجت : يا إله إبراهيم وإسحاق

ويعقوب، ارحم ضعفي و قلّة حيلتي وصغري.

قال مجاهد : أوحي الله إليه وهو في الجبّ ونبّأه وأوحي إليه أن اکتم حالک ،واصبر علي ما أصابک، فإنّک ستخبر(3)

إخوتک بما فعلوا بک في وقت لا يعرفونک.

ولمّا فعلوا بيوسف ما فعلوا جاءوا أباهم عشاءً يبکون (4)کما ذکر سبحانه

ص: 80


1- کذا في المجمع، و في الأصل : مسمع بن سيّار .
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل : تجير.
4- إشارة إلي الآية:16من سورة يوسف.

ليلبسوا علي أبيهم، وإنّما أظهروا البکاء ليوهموا أنّهم صادقون، وفي هذا دلالة علي أنّ البکاء لا يوجب صدق دعوي الباکي في دعواه.

ولمّا سمع يعقوب بکاءهم وصياحهم فزع وقال : ما لکم؟

فقالوا: (يا أبَانَا ذَهَبنَا نَستَبِقُ - علي الأقدام ؛ وقيل : ننتصل(1) ونترامي فننظر أيّ السهام أسبق وَتَرَکنَایُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأکَلَهُ الذَّئبُ وَمَا أنتَ بِمُؤمِنٍ لَنَا - أي مصدّق - وَلَو کُنَّا صَادِقِينَ)(2). وأظهروا ليعقوب قميص يوسف ملطّخاً بالدم، وقالوا: هذا دم يوسف حين أکله الذئب ؛ قيل : إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها علي القميص ولم يمزّقوا الثوب، ولم يخطر ببالهم انّ الذئب إذا أکل إنساناً يمزّق ثوبه ؛ وقيل : إنّ يعقوب قال : أروني القميص، فأروه إيّاه، فلمّا رآه صحيحاً قال: يا بنيّ، ما رأيت ذئباً أحلم من هذا الذئب ! أکل ابني ولم يخرق قميصه.

وقيل : إنّه لمّا قال لهم يعقوب ذلک، قالوا: بل قتله اللصوص.

فقال عليه السلام : فکيف قتلوه وترکوا قميصه وهم إليه أحوج من قتله؟ (بَل سَوَّلَت لَکَم أنفُسُکُم أمراً أي زينّت لکم - فَصَبرُ جَمِيلُ) (3)أي صبري صبر

جميل لا أشکو إلي الناس.

وقيل: إنّما يکون الصبر جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالي، وفعل للوجه

الّذي وجب.

وقيل : إنّ البلاء نزل علي يعقوب في کبره، وعلي يوسف في صغره بلا

ص: 81


1- کذا في المجمع، و في الأصل: نتناصل
2- سورة يوسف : 17.
3- سورة يوسف : 18.

ذنب کان منهما، فأکّب يعقوب علي حزنه، وانطلق يوسف في رقّه، وکان(1) ذلک بعين الله سبحانه يسمع ويري، وکلّ ذلک امتحان من الله، ومکث يوسف عليه السلام في الجت ثلاثة أيّام.(2)

ثمّ جاءت السيّارة من قبل مدين يريدون مصر فاخطا وا الطريق، وانطلقوا بهيمون حتي نزلوا قريبا من الجبّ، وکان الجبّ في قفرة بعيدة من العمران، وإنّما هو للرعاة والمجتازة، وکان ماؤه ملحاً فعذب، فبعثوا رجلاً يقال له مالک بن داغر (3)ليطلب الماء ( فأدلَي دَلوَهُ) فتعلّق يوسف عليه السلام بالدلو(4) فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يکون

فنادي أصحابه وقال : (يَا بُشرَي هذَا غُلَامُ وأسَرُّوهُ)(5) من أصحابهم لئلّا يطلبوا منهم الشرکة فيه، وکانت إخوته قريب منهم فأتوهم وقالوا: هذا عبد لنا أبق منّا واختفي في هذا الجب(6)، وقالوا له بالعبرانية: لئن قلت أنا أخوهم قتلناک، فتابعهم(7) علي ذلک لئلّا يقتلوه، وطلبوا من القافلة أن يشروه منهم، فأذعنوا لهم بذلک ، فشر وه منهم کما قال سبحانه: (وَشَرَوهُ بِثَمَن بَخسٍ دَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ) (8) أي ناقص لا برکة فيه لأنّه حرام، وقوله سبحانه: (مَعدُودَة) أي قليلة، وذکر العدد عبارة عن القلّة ، وقيل : إنهم کانوا لا يزنون من الدراهم دون

ص: 82


1- في المجمع : وکلّ
2- مجمع البيان : 216/3 - 218. وانظر : عرائس المجالس: 110 - 116.
3- في العرائس : دعر ، وفي المجمع : زعر، وکذا في الموضع الآتي
4- سورة يوسف : 19
5- في المجمع : بالحبل.
6- في المجمع : الموضع.
7- کذا في المجمع، وفي الأصل : فبايعهم.
8- سورة يوسف: 20.

الأوقية، وکانوا يزنون الأوقية وهي أربعون درهماً فما زاد عليها ؛ وقيل : کانت الدراهم عشرين ، وکانوا إخوته عشرة فاقتسموها در همين در همين.

ذکر أبو حمزة الثمالي أن مالک بن داغر وأصحابه لم يزالوا يتعرّفون من الله الخير في سفرهم ذلک حتي فارقوا يوسف ففقدوا ذلک، وتحرّک قلب مالک اليوسف فأتاه، فقال : أخبرني من أنت ؟

فانتسب له يوسف ولم يکن مالک يعرفه، فقال : أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، فالتزمه مالک و بکي وکان مالک رجلاً عاقراً لا يولد له، فقال اليوسف: لو دعوت ربّک أن يهب لي ولداً ، فدعا يوسف ربّه أن يهب له ولداً ويجعلهم ذکوراً، فولد له اثنا عشر بطناً في کلّ بطن غلامان (وَکَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدَينَ)(1) أي من الزاهدين في شرائه لأنّهم لم يروا عليه آثار العبوديّة، ووجدوا فيه علامات الأحرار، فلذلک زهدوا فيه. (2)

ولمّا عرض للبيع في سوق مصر تزايدوا فيه حتي بلغ ثمنه وزنه ورقاً ومسکاً وحريراً، فاشتراه العزيز بهذا الثمن، وقال لامرأته راعيل – ولقبها زليخا۔ : (أکرِمِي مَثواهُ عَسَي أن يَنفَعَنَا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (3)، وإنّما قال ذلک لمّا رأي علي يوسف من الجمال والعقل والهداية في الأمور، والعزيز هو خازن الملک وخليفته وکان اسمه اطفير(4) والملک هو الريان بن الوليد ((5)وکان أصله

ص: 83


1- سورة يوسف: 20
2- مجمع البيان : 219/3 - 220. وانظر : عرائس المجالس : 116.
3- سورة يوسف : 21.
4- في العرائس: قطفير بن رحيب، وفي المجمع: واسمه قطفير، وکان لا يأتي النساء؛ وقيل: إنّ اسمه أظفير.
5- في العرائس : الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن الاوذ بن سام بن نوح عليه السلام .

من العماليق ؛ وقيل : إنّه لم يمت حتي آمن بيوسف واتّبعه علي دينه، ثم مات ويوسف عليه السلام حيّ فملک بعده قابوس بن مصعب(1) فدعاه يوسف إلي الاسلام فأبي أن يقبل.(2)

ولمّا أن استقرّ في منزل اطفير راودته زوجته زليخا عن نفسه، ورامت منه أن يواقعها ، وعلق قلبها بحبّه لما رأت من جماله وهيبته ؛ قيل: إنّ يوسف عليه السلام کان إذا مشي في أزقة مصر أشرق نور وجهه علي الحيطان کما يشرق نور انعکاس نور الشمس علي الحائط إذا قابلت الماء، کما قال سبحانه : (وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِهَا)معناه همّت هي بالفاحشة وهمّ يوسف بضربها ودفعها عن نفسه کما يقال : هممت بفلان أي بضربه أو إيقاع مکروه به، فيکون معني رؤية البرهان أنّ الله سبحانه أراه برهاناً علي انّه إن أقدم علي ما همّ به أهلکه أهلها أو قتلوه، أو ادّعت عليه المراودة علي القبيح وقذفته بأنّه دعاها إليه وضربها الامتناعها منه فأخبر سبحانه أنّه صرف عنه السوء والفحشاء اللّذين هما القتل وظنّ اقتراف الفاحشة به ويکون التقدير: (لَولا أن رَأَي بُرهَانَ رَبَّهِ) لفعل ذلک.(3)

ويؤيّد انّه لم يهمّ بالفاحشة قوله سبحانه: (کَذلِکَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوء

وَالفَحشَاءَ) (4) وقوله ذلک ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب. (5)

ثمّ انّ يوسف لمّا رأي شدّة إقبالها عليه والتزامها له ولّي فارّاً منها قاصداً

ص: 84


1- في العرائس: قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام.
2- مجمع البيان: 3/ 221. وانظر : عرائس المجالس: 117.
3- مجمع البيان : 3/ 223 - 224 . وانظر : عرائس المجالس: 118
4- سورة يوسف : 26.
5- مجمع البيان : 225/3.

للخروج من الباب، فسبقته إلي الباب و آرامت منعه من الخروج لتقضي شهوتها منه، ورام هو الفرار منها، فلحقته قبل أن يصل إلي الباب، والتزمته بقميصه من ورائه فقدته -کما حکي سبحانه - وإذا سیَّدها من وراء الباب، فلمّا رأته اندهشت وورّکت الذنب(1)علي يوسف لتبريء ساحتها عند زوجها وقالت : (مَا جَزَاءُ مَن أرَادَ بِأَهِلکَ سُوءاً، إلَّا أن يُسجَنَ أو عَذَابُ أَليمُ).(2)

وأراد يوسف براءة ساحته فقال : (هِي رَاوَدَتِني عَن نَفسِي) لمّا ذکرت المرأة ذلک لم يجد يوسف بدّاً من تنزيه نفسه، ولو کفّت عن الکذب لم يذکر يوسف شيئاً من ذلک، (وَشَهِدَ شَاهِدُ مِن أهلِهَا) وهو صبيّ في المهد ؛ قيل : إنّه کان ابن أُخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر، فقال: (إن کَانَ قَمِيصُهُ قُدَّمِن قُبُلٍ فَصَدقَت وَهُوَ مِنَ الکَاذِبيِنَ وَإن کَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُر فَکَذَبَت وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ)َ(3) لأنّه لو کان مقبلاً عليها لکان قميصه قدّ من قبل، فلمّا کان فارّاً منها کان القدّ من دبر لأنّه هو الهارب منها، وهي الطالبة له، وهذا الأمر ظاهر، فلمّا رأي زوجها ذلک علم خيانة المرأة، فقال : (إنَّهُ مِن کَيدِکُنَّ إنَّ کَيدکُنَّ عَظِيمُ) (ثم أقبل علي يوسف، فقال : (4)(يُوسُف أعرِض عَن هذا) ولا تذکر هذا الحديث طلباً للبراءة فقد ظهر صدقک وبراءتک، ثم أقبل علي زليخا وقال:

(وَاستَغفِرِي لِذَنبِک ) (5)؛ قيل : إنّه لم يکن غيوراً فسلبه الله الغيرة لطفاً منه بيوسف حتي کفي شرّه، ولهذا قال ليوسف: (أعرِض عَن هذَا)، واقتصر علي

ص: 85


1- وَرَّکَ فلان ذنبه علي غيره تَوريکاً: إذا أضافه إليه وقرفه به، وإنّه لمُؤَرَّکُ في هذا الأمر: أي ليس له فيه ذنب. «لسان العرب : 512/10 - ورک - »
2- سورة يوسف : 25.
3- سورة يوسف : 29 و 27.
4- سورة يوسف : 28 و 29.
5- سورة يوسف : 28 و 29.

هذا القدر، ثم قال لها : (وَ استَغفِرِي لِذَنبِکِ )فإنّ الذنب منک.(1)

ثمّ قال الله سبحانه:(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِن بَعدِ مَا رَأوُا الآيَاتِ (2)

، وذلک أنّ زليخا لم تزل تقتِل منه(3) في الذَّروةِ، والغارب(4) وکان مطواعاً لها وجملاً ذلولاً زمامه بيدها حتي أنساه ذلک ما عاين من الآيات وعمل برأيها في سجنه، وکيد النساء أعظم من کيد الشيطان لأنّ کيد الشيطان بالوسوسة ، وکيد النساء اللطف

لأنه بالمشاهدة وقوله سبحانه: (وَمِن شَرَّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ) (5) والمصريّات

أعظم النساء کيداً لأنّه معهنّ ما ليس مع غيره من البوائق والحيل.

وعن بعض العلماء : اني أخاف من النساء أکثر ممّا أخاف من الشيطان لأنّ الله سبحانه وتعالي يقول : (إنّ کَيد الشَّيطَان کَانَ ضَعِيفاً) (6)وفي النساء : (إنّ کَيدکُنَّ عَظِيمُ) وخاصّة إذا قارن ذلک عدم الغيرة في الأزواج، وهذا الأمر مرکوس في طبيعة أکثر رجال مصر.

قال شيخنا الشهيد شمس الدين محمد بن مکّي رضي الله عنه في کتاب الدروس: إنّ شرب ماء النيل يميت القلب، والأکل في فخارها، وغسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة ويورث الدياثة.(7)

ولمّا کثر اللغط في شأنها وشأن يوسف، وشاع الأمر بذلک، وتکلّمت

ص: 86


1- مجمع البيان: 227/3.
2- سورة يوسف : 35.
3- في «ح» : أي من زوجها۔
4- في حديث الزبير : فما زالَ يَفتِلُ في الذَّروَةِ والغارِبِ حتي أجابه عائشةُ إلي الخُروجِ . «لسان العرب: 1/ 644 - غرب - ».
5- سورة الفلق : 4.
6- سورة النساء : 76.
7- الدروس : 47/3 .

النسوة بذلک أنّ( امرَأَةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَفسه) (1)

وأظهروا الإنکار الفعلها وأشهروا خطأها دعتهنّ واستضافتهنّ وأظهرت حبّها إيّاه واستکتمتهنّ فأظهرنه، وأعتدت لکلّ واحدة منهنّ متکاً - أي وسادة -، وقدّمت له الفواکه أوّلاً،(وَاتَت کُلَّ وَاحِدَةِ مِنهُنَّ سِکَّيناً)لتقطيع الفواکه ، وکانت قد أجلست يوسف غير مجلسهنّ، وأمرته بالخروج عليه في هيأته، ولم يکن يتهيّاً له أن لا يخرج لأنّه بمنزلة العبد لها، (فَلَمَّا رَأَينَهُ أکبَرنَهُ) أي أعظمنه وتحيرن في جماله إذ کان کالقمر ليلة البدر(وَقَطَّعنَ أيدِيَهُنَّ)(2)بتلک السکاکين، فما أحسسن إلّا بالدم، ولم يجدن ألم القطع لاشتغال قلوبهنّ بيوسف عليه السلام ، والمعني : جرحن أيديهنّ، وليس معناه أبنّ أيديهنّ، لأن هذا مستعمل في الکلام، تقول للرجل: قطعت يدي : أي خدشتها.(3)

ثمّ قال الله سبحانه : (ثُمّ بَدَا لَهُم مِن بَعدِ مَا رَأوُا الآيَاتِ الدالّة علي براءة يوسف[وهي قدّ القميص من دبره وجزّ الأيدي] (4)لَیَسجُبُنَّهُ حَتَّي حِينٌ) (5) وذلک أنّ المرأة قالت لزوجها : إنّ هذا العبد قد فضحني في الناس، من حيث إنّه يخبرهم انّي راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإمّا أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه کما حبستني

فحبسه لذلک بعد علمه ببراءته وليظهر للناس أنّ الذنب کان له لأنّه ما يحبس إلّا المجرم ، وقيل: کان الحبس قريباً منها فأرادت انّها تکون إذا أرادت

ص: 87


1- سورة يوسف : 30.
2- سورة يوسف : 31
3- مجمع البيان : 3/ 230.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف : 35.

أن تراه أشرفت عليه ورأته، وقوله: (وَلَيَسجُنُنَّهُ حَتَّي حينٍ) قيل : حتي ينسي حديث الامرأة معه.(1)

ولمّا أدخل السجن أدخل معه غلامان للملک أحدهما صاحب شرابه، والآخر صاحب طعامه أنهي إلي الملک الأعظم أنّهما يريدان يسمّانه فأدخلهما إلي السجن، وکان يوسف لمّا دخل السجن عرفهما انّه يعبّر الرؤيا، فقال أحد العبدين للآخر: هلم حتي نجرّبه، فقال أحدهما وهو الساقي: رأيت أصل کرمة (2)عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وعصرتها في کأس الملک وسقيته إيّاها.

وقال الآخر : إنّي رأيت کأنّ فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة وسباع الطير تنهش منها(نَبَّئنَا بِتَأوِيِلهِ انَّا نَرَاکَ مِنَ المُحسِنِينَ)(3) إنّک ذو أفعال جميلة.

قيل: إنّما نسباه إلي الإحسان لأنّه کان إذا ضاق علي رجل مکانه وسّع له، وإن احتاج جمع له، وإن مرض قام عليه ؛ وقيل: إنّه کان يعين المظلوم، وينصر الضعيف، ويعود العليل ، وکان يحبو کلّ رجل بما يؤتي به ذلک اليوم من منزله من الطعام، وهذا مثل قول عيسي(وَأنَبَّئُکُم بِمَا تَأکُلُونَ وَمَا تَدَّ خِرُونَ فِي بُيُوتِکُم) (4) (ذَلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبَّي(5)

وقيل : قالا له: من أين عرفت ذلک ولست بکاهن ولا عرّاف ؟

ص: 88


1- مجمع البيان : 232/3.
2- في المجمع: حبلة.
3- سورة يوسف : 36.
4- سورة آل عمران : 49.
5- سورة يوسف :37.

فأخبرهما انّه رسول الله ، وانّه سبحانه علّمه ذلک.

وکان يوسف قبل ذلک في السجن لم يدعهم إلي الله لأنّهم کانوا يعبدون الأصنام، فلمّا رأي إقبالهم عليه وتوجّههم إلي قبول قوله وحسن اعتقادهم فيه رجا منهم القبول فأظهر انّه نبيّ ودعاهم إلي الله بالحکمة والموعظة الحسنة.

وروي أنّ أهل السجن قالوا له : قد أحببناک حين رأيناک.

فقال : لا تحبّوني، فوالله ما أحبّني أحد إلا دخل عليَّ من حبّه بلاء، أحبّتني عمّتي فنسبت إلي السرقة، وأحبّني أبي فألقيت في الجبّ، وأحبّتني امرأة العزيز فأُلقيت في السجن.(1)

ثم أقبل عليهم بالدعاء إلي الله سبحانه ، فقال : (يَا صَاحِبَي السَّجنِ أأَربَابُ مُتَفَرَّقُونَ - أي متباينون من حجر وخشب لا تضرّ ولا تنفع - خَيرُ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ) (2) الذي إليه الحشر والنشر (3) وبيده النفع والضرّ، أهو خير أم هذه الأصنام الّتي تعبدونها (ذَلِکَ – الّذي بينّت من توحيد الله(4) وعبادته وترک عبادة غيره هو الدَّينُ القَيَّمُ) (5)أي المستقيم الذي لا عوج فيه.

ثمّ عبّر عليه السلام رؤياهما، فقال : أما العناقيد الثلاثة فهي ثلاثة أيّام تبقي في السجن، ثمّ يخرجک الملک في اليوم الرابع وتعود إلي ما کنت عليه، وأمّا الآخر فقال له : أنت تصلب و تأکل الطير من رأسک، فقال : ما رأيت شيئاً

ص: 89


1- مجمع البيان : 3/ 232 - 233.
2- سورة يوسف : 39.
3- في المجمع : الخير والشرّ.
4- کذا في المجمع، و في الأصل: الّذي يثبت من توحيد الله.
5- سورة يوسف : 40.

وکنت ألعب، فقال يوسف:(قُضِيَ الأمرُ الَّذي فِيهِ تَستَفتِيَانِ)(1) وما قلته لکما فإنّه نازل بکما، (وقَالَ لِلَّذي ظَنَّ - أي تحقّق - أنَّهُ نَاجٍ مِنهُمَا - وهو الساقي -اُذکُرنِي عِندَرَ بَّکَ) أي اذکرني عند الملک اني محبوس ظلماً، فأنسي الشيطان الساقي أن يذکر يوسف عند ربه حتي لبث في السجن سبع سنين.

وعن النبي صلّي الله عليه و آله قال : عجبت من أخي يوسف عليه السلام

کيف استعان(2)بالمخلوق دون الخالق ؟!

ولولا کلمته ما لبث في السجن طول ما لبث يعني قوله: (انکُرنِي عِندَ

رَبَّکَ) .

وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : جاء جبرئيل عليه

السلام (3)إلي يوسف فقال: يا يوسف ، من جعلک أحسن الناس ؟

قال : ربيّ.

قال : فمن حبّبک إلي أبيک دون إخوتک ؟

قال: ربّي.

قال: من ساق إليک السيّارة؟

قال: ربي. قال: فمن صرف عنک الحجارة ؟

قال: ربّي .

ص: 90


1- سورة يوسف: 41.
2- سورة يوسف : 42.
3- في المجمع: استغاث.

قال: فمن أنقذک من الجبّ ؟

قال: ربّي قال: فمن صرف عنک کيد النسوة ؟

قال: ربّي.

قال: فإنّ ربّک يقول: ما دعاک إلي أن تنزل (1)حاجتک بمخلوق دوني؟

البث في السجن بضع سنين بما قلت.

قال: فبکي يوسف حتي بکي لبکائه الحيطان، فتأذّي أهل السجن لبکائه، فصالحهم علي أن يبکي يوماً ويسکت يوماً، فکان في اليوم الّذي يسکت أسوأ حالاً، والقول في ذلک: [انّ ](2)الاستعانة بمخلوق في دفع المضارّ والتخلّص من المکاره جائز غير منکر ولا قبيحاً، بل ربما يجب ذلک، وکان نبيّنا صلّي الله عليه وآله يستعين بالمهاجرين والأنصار و غيرهم فيما ينويه. ولو کان قبيحة لم يفعله صلّي الله عليه و آله ، وإنّما عوتب يوسف عليه السلام في ترک عادته الجميلة في الصبر والتوکّل علي الله سبحانه في کلّ أموره.

وإنّما کان يکون قبيحاً لو ترک التوکّل علي الله سبحانه في کلّ أموره أو اقتصر علي غيره، وفي هذا ترغيب في الاعتصام بالله تعالي والاستعانة به دون غيره عند نزول الشدائد، وأکثر المفسرين قالوا: إنّ مدّة إقامة يوسف في السجن کانت سبع سنين، وهذه السبع سوي الخمسة التي کانت قبل تعبير الرؤيا للساقي وصاحب الطعام.

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: علم جبرئيل عليه السلام يوسف

ص: 91


1- کذا في المجمع، وفي الأصل، تقول.
2- من المجمع.

عليه السلام وهو في السجن، فقال: قل في دبر کلّ صلاة فريضة: اللّهمّ اجعل لي فرجاً ومخرجاً، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب.

وروي شعيب(1)العقرقوفي عنه عليه السلام قال : لما انقضت المدّة وأذن الله ليوسف في دعاء الفرج وضع عليه السلام خده علي الأرض، ثمّ قال: اللهمّ إن کانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندک فإني أتوجّه إليک بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ففرّج الله عنه.

قال شعيب : فقلت : جعلت فداک، أندعو نحن بهذا الدعاء ؟

فقال : ادعوا بمثله، اللّهمّ إن کانت ذنوبي قد أخلقت عندک وجهي فانّي أتوجّه إليک بنبيک(2) نبي الرحمة، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام.(3)

ثمّ لمّا أذن الله بالفرج رأي الملک الرؤيا الّتي هالته وهي التي ذکرها الله سبحانه في کتابه وهي (وَقَالَ المَلِکُ - يعني الوليد بن الريّان - إنَّي أَرَي سَبعَ بَقَرَاتٍ )(4) إلي آخر الآيات، فلمّا قصّ رؤياه علي خواصّه (قَالُوا : هذه - أَضغَاثُ أحلَامٍ وَمَانَحنُ بَتَأوِيلِ الأحلَامِ بِعَالِمِينَ) (5)وکان جهلهم ،(6)سبب نجاة يوسف عليه السلام، لأن الساقي تذکّر حديث يوسف فجثا بين يدي الملک

ص: 92


1- کذا في المجمع - وهو الصحيح - ، وفي الأصل : أبو شعيب. راجع في ترجمته : معجم رجال الحديث: 34/9 رقم 5740.
2- في المجمع : بوجه نبيّک.
3- مجمع البيان : 234/3- 235.وانظر : تفسير القمي: 344/1- 345.
4- سورة يوسف: 43.
5- سورة يوسف : 44.
6- أي بتأويل رؤيا الملک.

فقال: أيّها الملک إنّي قصصت أنا وصاحب الطعام علي رجل في السجن منامين فخبّرنا بتأويلهما، وصدق في جميع ما وصف، فإن أذنت مضيت إليه وأتيتک بتفسير رؤياک، فأذن به الملک، فأتي يوسف في السجن، فقال: (أَيُّهَا الصَّدَّيقُ أفِينَا فِي سَبعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ)(1) إلي آخره لعلّي أرجع إلي الملک والعلماء الّذين جمعهم لتعبير الرؤيا فعجزوا عنها، فيعرفون فضلک، ويخرجوک من السجن.

فقال يوسف في جوابه : أمّا السبع بقرات السمان والسبع العجاف والسبع السنابل الخضر والسبع اليابسات فإنّهنّ سبع سنين مخصبات يتبعهنّ سبع سنين مجدبات (2) فادأبوا في الزراعة في تلک السنين المخصبة بجد واجتهاد، وکلّما تحصدونه ذروه في سنبله بغير دوس ولا تذرية (إلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأکُلُونَ) (3) وإنّما أمرهم بذلک ليکون أبقي وأبعد من الفساد، لأنّ السنبل إذا ترک بحاله لايقع فيه السوس ولا (4)يهلک وإن بقي مدّة من الزمان، وإذا صفّي أسرع إليه الفساد، (ثمّ يَأتِي مِن بَعدِ ذلِکَ سَبعُ شِدَادُ يَأکُلنَ مَا قَدَّمتُم لَهُنَّ)

« وأضاف الأکل إلي السنين

لأن الأکل يقع فيها أکثر.

وروي أنّ يوسف عليه السلام کان يقرّب زاد اثنين إلي واحد فيأکل نصفه فيشبع ويترک الباقي، فلمّا کان أوّل السنين المجدبة قرّب طعام اثنين إلي واحد فأکله، فقال: هذا أوّل السنين الشداد، وکانت السبع سنين المخصبات کثرت فيها الأمطار وفاض ماء النيل، فلمّا انقضت أمسک الله المطر ولم يوف النيل فوقع

ص: 93


1- سورة يوسف : 46.
2- في المجمع : قال يوسف في جوابه معبّراً ومعلّماً : أمّا البقرات السبع العجاف والسنابل السبع اليابسات فالسنون الجدبة، وأمّا السبع السمان والسنابل السبع الخضر فإنّهنّ سبع سنين مخصبات.
3- سورة يوسف : 47.
4- سورة يوسف: 48.

القحط وکان ما قضاه الله سبحانه.

وهذا التأويل من يوسف إنّما کان ممّا أطلعه الله عليه بالوحي من علم

الغيب ليکون من آيات نبوته عليه السلام (1)

فلمّا رجع الرسول إلي الملک وقصّ عليه ما قال يوسف قال:( ائئتُونِي بِهِ) که (2) ، فأتاه الرسول، وقال : أجب الملک، فأبي أن يجيبه، وأن يخرج معه حتي يتبيّن براءته ممّا(3)قذف به ، وقال للرسول : ارجع إلي الملک واسأله أن يفحص عن النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ ليعلم صحّة براءتي ولم يفرد امرأة العزيز حسن عشرة منه ورعاية أدب لکونها زوجة خليفة الملک(4)فخلطها بالنسوة.

ولو خرج يوسف مع الرسول من غير أن يعلم الملک براءته ما زالت في نفس الملک منه حالة (5)، وکان يقول: هذا الذي راود امرأة وزيري وخليفتي فيراه الملک بعين مشکوک فيه فأحب أن يراه بعد إزالة الشکّ من قلبه.

فأمر الملک بإحضار النسوة، فلمّا حضرن قال: ما شأنکنّ إذ راودتن

يوسف عن نفسه ودعوتنّه إلي أنفسکنّ ؟

(قُلنَ حَاشَ لِلهِ مَا عَلِمنَا عَلَيهِ مِن سُوعٍ) وما فعل شيئاً ممّا نسب إليه، واعترفن ببراءته، وانّه حبس مظلوماً . فقالت امرأة العزيز من بينهنّ: (الآنَ حَصحَصَ الحَقُّ أنَا رَاوَدتُهُ عَن نَفسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (6) في قوله:( هِيَ

ص: 94


1- مجمع البيان : 3/ 237 - 239.
2- سورة يوسف : 50.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وما
4- في المجمع: لکونها زوجة الملک أو زوجة خليفة الملک.
5- في العرائس: حاجة.
6- سورة يوسف : 51.

رَاؤَدتنِي عَن نَفسِي)(1) فلمّا ظهر أمر يوسف ، قال صلوات الله عليه :

(وَمَا أبَرَّيءُ؛ نَفسِي) (2)کره تزکية نفسه انقطاعاً إلي الله سبحانه(3)

ولمّا تبيّن للملک براءته من السوء قال: (وائتُونِي بِهِ أستَخِلصهُ لِنَفسِي)(4) فلمّا أتاه رسول الملک قال: قم، إن الملک يدعوک، فالق ثياب السجن عنک والبس ثياباً جدداً، فأقبل يوسف، و تنظف من درن السجن، ولبس ثيابه، وأتي الملک وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة.

وروي أنّ يوسف لمّا خرج من السجن تعلّق به أهل السجن وسألوه أن يدعو لهم، فقال: اللّهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار، ولا تعم عليهم الأخبار، فلذلک يکون أهل السجن أعرف الناس بالأخبار في کلّ بلدة، ولما خرج کتب علي باب السجن: هذه قبور الأحياء، وبيوت(5)الأحزان، وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء.

ولمّا وقف بباب الملک قال: حسبي ربّي من دنياي، وحسبي ربّي من خلقه عزّ جاره وجلّ ثناؤه ولا إله غيره، ولمّا دخل علي الملک قال: اللّهمّ إنّي أسألک بخيرک من خيره، وأعوذ بک من شرّه و شر غيره، ولمّا نظر إليه الملک سلّم عليه يوسف بالعربيّة، فقال له الملک: ما هذا اللسان ؟

قال: لسان عمّي إسماعيل، ثمّ دعا له بالعبرانية، فقال له الملک : ما هذا

اللسان ؟

ص: 95


1- سورة يوسف:26.
2- سورة يوسف: 53.
3- مجمع البيان : 3/240- 241.
4- سورة يوسف : 54.
5- في المجمع : وبيت.

قال: لسان آبائي .

قيل : کان الملک يتکلّم بسبعين لساناً، فکلّما کلّم يوسف بلسانٍ أجابه بذلک اللسان، فتعجّب الملک من ذلک، فقال: يا يوسف، إنّي أحبُّ أن أسمع رؤياي منک شفاهاً من غيرِ أن أتکلّم بها.

فقال يوسف : نعم، أيّها الملک، رأيتَ سبع بقرات سمان شهب غرّ حسان، کشف عنهنّ النيل، وطلعن عليک من شاطئه تشخب أخلافه لبناً، فبينا أنت تتعجّب من ذلک إذ نضب النيل فغار ماؤه، وبدايبسه، فخرج من حمئه ووحله (1)سبع بقرات عجاف شعث مقلصات البطون، ليس لهنّ ضروع، ولهنّ أنياب وأضراس وأکفّ کأکفّ الکلاب، وخراطيم کخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافتر سنهنّ افتراس السباع، وأکلن لحومهنّ، ومزّقن جلودهنّ، فبينا أنت تنظر وتتعجّب إذا سبع سنابل خضر وسبع أخر سود في منبت واحد عروقه في الثري والماء، فبينا أنت تقول في نفسک: آني هذا وهؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهنّ في الماء؟ إذهبّت ريح فذرت الأرفات (2)من اليابسات السود علي (3) المثمرات الخضر فاشتعلت فيهنّ النار وأحرقتهنّ وصرن سوداً متغيّرات، فهذا آخر ما رأيت، ثمّ انتبهت من نومک مذعوراً.

فقال الملک : ما شأن هذه الرؤيا بأعجب ممّا سمعته منک فما تري في

رؤياي ايّها الصدّيق ؟

فقال يوسف: أري أن تجمع الطعام وتزرع زرعاً کثيراً في هذه السنين

ص: 96


1- کذا في العرائس والمجمع، وفي الأصل: جماده
2- في العرائس : فردّت أوراق السود اليابسات. ومراده : الرُّفاتُ : وهو الحُطام من کلّ شيء تکَسَّر.
3- کذا في المجمع، و في الأصل، إلي

المخصبة وتبني الأهراء(1)والخزائن، فتجمع الطعام فيها بقصبه (2)وسنبله [ليکون قصبه و سنبله](3) علفاً للدوابّ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيکفيک من الطعام الّذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، ويأتيک الخلق من النواحي فيمتارون منک بحکمک، ويجتمع عندک من الکنوز مالم يجتمع الأحد.

فقال الملک: ومن لي بهذا ؟ ومن يجمعه ويبيعه ويکفي الشغل فيه ؟

فقال يوسف : (اجعَلنِي عَلَی خَزَائِنِ الأَرضِ إنَّي حَفِيظُ عَلِيمُ) ،(4) أحفظ الشيء أن يجري فيه خيانة، عليم بمن يستحقّ منها شيئاً أولا يستحقّ ؛ وقيل: عليم بالألسن، وذلک أن الناس يفدون (5)من کلّ ناحية، ويتکلّمون بلغات مختلفة.

وفي هذا دلالة علي ان الانسان يجوز له أن يظهر فضله عند من لا يعرفه؛

وقيل: إنّ الملک الأکبر فوض إليه أمر مصر ودخل بيته وأغلق بابه.(6)

وروي [أحمد بن] (7) محمد بن عيسي، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول : وأقبل يوسف علي جمع الطعام، فجمع في السبع السنين المخصبة وکبسه في الخزائن، فلمّا مضت تلک السنون وأقبلت السنون المجدبة أقبل يوسف علي بيع الطعام.

ص: 97


1- الهُؤيُ: بيت کبير ضَخم يُجمَع فيه طَعام السلطان، والجمع أفراء. «لسان العرب: 361/15- هرا- ». .
2- کذا في المجمع والعرائس، وفي الأصل: بنصبه.
3- من المجمع
4- سورة يوسف : 55.
5- کذا في المجمع، و في الأصل: يبدون.
6- مجمع البيان : 242/3 -243، عرائس المجالس : 126-127.
7- من المجمع

فباعهم في السنة الأولي بالدراهم والدنانير حتي لم يبق بمصر وما

حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملک(1) يوسف.

وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتي لم يبق بمصر وما حولها

حلي ولا جواهر إلا صار في ملکه (2)

وباعهم في السنة الثالثة بالدوات والمواشي حتي لم يبق بمصر وما

حولها دابة ولا ماشية إلّا صارت في ملکه.

ثم باعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتي لم يبق بمصر وما حولها

عبد ولا أمة (3) إلا صار في ملکه.

وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتي لم يبق بمصر وما حولها

دار ولا عقار إلّا صار في ملکه.

ثم باعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتي لم يبق بمصر وما

حولها نهر ولا مزرعة إلا صار في ملکه.

ثمّ باعهم في السنة السابعة برقابهم حتي لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ إلّا صار عبداً ليوسف عليه السلام، فملک أحرارهم وعبيدهم وأموالهم، وقال الناس: ما سمعنا ولا رأينا بملک أعطاه الله من الملک مثل ما أعطي يوسف. (4)

وقيل : إنّ الملک لمّا أراد توليته دعاه فتوّجه وردّاه وقلّده سيفه، وأمر بأن يوضع له سرير من ذهب، مکلّل بالدر والياقوت، ويضرب عليه کلّة

(5)

ص: 98


1- في المجمع: مملکة.
2- في المجمع: مملکته، وکذا في سائر المواضع الآتية.
3- کذا في المجمع، و في الأصل: دابّة - وهو تصحيف ..
4- مجمع البيان: 244/3 .
5- في العرائس : قبة. من

استبرق، وأمره أن يخرج متوّجاً؛ لونه کالثلج،(1) ووجهه کالقمر، يري الناظر وجهه في صفاء وجهه(2)، فانطلق فجلس علي السرير، ودانت له الملوک، فعدل بين الناس فأحبّه الرجال والنساء، وقال الناس : ما سمعنا ولا رأينا بملک أعطاه الله ما أعطي هذا الملک حکماً وعلماً (3)

ثمّ قال يوسف للملک: ما تري فيما خوّلني ربّي من ملک مصر وأهلها أشر عليَّ برأيک فإنّي لم أصلحهم لأفسدهم، ولم نجهم من البلاء لأکون بلاء عليهم، ولکنّ الله تعالي أنجاهم علي يدي.

قال له الملک: الرأي رأيک.

قال يوسف : إنّي أُشهد الله وأشهدک أيّها الملک أنّي قد أعتقت أهل مصر کلّهم، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت عليک أيّها الملک خاتمک وسريرک و تاجک علي أن لا تسير وأن لا تستولي ولا تحکم إلا بحکمي

قال له الملک: إنّ ذلک زيني وفخري أن لا أسير إلّا بسيرتک، ولا أحکم إلّا بحکمک، ولولاک لما قويت عليه، ولقد جعلت سلطاني عزيزاً ما يرام، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنک رسول الله، فأقم علي ما ولّيتک إنک لدينا مکين أمين (4) وکان يوسف لا يمتليء شبعاً من الطعام في الأيّام المجدبة ؛ فقيل له: أتجوع وفي يدک خزائن الأرض ؟

ص: 99


1- کذا في المجمع والعرائس، وفي الأصل، کالبلج. وقيل : الأبلَجُ: الأبيضُ الحسنُ الواسعُ الوجه... ويقال للرجل الطَّلِق الوجهِ: أبلجُ وبَلجُ. لسان العرب: 215/2 - بلج - »
2- .في العرائس : يري فيه من بياض وجهه الناظر صفاء لونه.
3- مجمع البيان :243/3، عرائس المجالس : 128.
4- إشارة إلي الآية: 54 من سورة يوسف

قال عليه السلام : أخاف أن أشبع فأنسي الجياع.(1)

وکان قطفير العزيز هلک في تلک الأيّام (2) وافتقرت أمرأته زليخا واحتاجت حتي سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرّک لو قعدت للعزيز - وکان يوسف يسمّي بالعزيز، وکلّ ملک کان لهم سمّوه بهذا الاسم ؟

فقالت : أستحي منه، فلم يزالوا بها حتي قعدت له، فأقبل يوسف في موکبه ،(3) فقامت إليه زليخا، فقالت : سبحان من جعل الملوک عبيدة بالمعصية، والعبيد ملوکآً بالطاعة !

فقال لها يوسف: أأنت تيک(4)؟

قالت: نعم، فأمر بها فحولت إلي منزله، وکانت هرمة، فقال لها يوسف:

ألست فعلت [بي](5)کذا وکذا ؟

قالت : يا نبيّ الله، لا تلمني فإنّي بليت ببلاء لم يبل به أحد. قال: وما هو؟

قالت : بليت بحبّک، ولم يخلق الله لک في الدنيا نظيراً، و بليت بأنّه لم تکن

في مصر امرأة أجمل منّي، و بليت بزوج عنّين.

قال يوسف : فما حاجتک ؟ قالت: اسأل الله ليردّ علئَّ شبابي، فسأل الله فردّ عليها شبابها، وتزوّجها

ص: 100


1- مجمع البيان: 244/3.
2- أي في تلک السنين الجدية.
3- کذا في المجمع والقتي، وفي الأصل: مرکبه.
4- کذا في المجمع، وفي القتي : أنت هاتيک ؟ وفي الأصل: أنت منک ؟
5- من المجمع والقني.

يوسف، ودخل بها فوجدها بکراً، ولما دخل بها قال: أو ليس هذا خيراً من ذاک ؟ وولدت له افراثيم (1)و ميشا. (2)

ثمّ انّ يعقوب وبنيه أصابهم ما أصاب الناس فجمعهم أبوهم، وقال: يا بنيّ، بلغني انّ الطعام يباع بمصر، وانّ صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه فإنّه يحسن إليکم، فتجهّزوا وساروا حتي أتوا مصر فدخلوا علي يوسف (فَعَرَفَهُم وهُم لَهُ مُنکِرُونَ) (3)وکانوا عشرة، وأمسک يعقوب بنيامين أخا يوسف لأمّه؛ قيل : کان بين أن قذفوه في الجبّ وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة، فلذلک أنکروه لأنّهم رأوه ملکاً جالساً علي السرير، عليه ثياب الملوک، ولم يخطر ببالهم أنّه يصير إلي تلک الحال، وکان يوسف ينتظر قدومهم عليه وکان اثبت له، فلمّا نظر إليهم وکلّمهم بالعبرانية، قال لهم: من أنتم ؟ وما أمرکم ؟ فإنّي أنکر شأنکم.(4)

[فلمّا جهّزهم وأعطاهم وأحسن إليهم في الکيل قال لهم: من أنتم ؟] (5)قالوا: نحن قوم من أرض الشام رعاة أصابنا الجهد، فجئنا نمتار. فقال : لعلّکم عيون جئتم تنظرون إلي عورة بلادي ؟

فقالوا : لا والله، ما نحن بجواسيس، وإنما نحن إخوة من أب واحد وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، ولو تعلم بأبينا لکرمنا عليک، فإنّه نبيّ الله، وابن أنبيائه، وإنّه لمحزون.

ص: 101


1- في المجمع: افرائيم.
2- مجمع البيان : 3/ 243، تفسير القتي:357/1.
3- سورة يوسف : 58.
4- مجمع البيان : 245/3، عرائس المجالس : 129.
5- من المجمع.

قال: وما الّذي أحزَنه، فلعل حزنه کان من قبل سفهکم وجهلکم ؟

قالوا: أيّها الملک، لسنا بسفهاء، ولا جهّال، ولا أتاه الحزن من قبلنا، ولکنّه کان له ابن أصغرنا(1) سنّاً، وإنّه خرج يوماً معنا إلي الصيد فأکله الذئب، فلم يزل بعده حزيناً باکياً

فقال لهم يوسف: کلّکم من أبٍ وأُمًّ؟ قالوا: أبونا واحد، وأمّهاتنا شتّي .

قال: فما حمل أباکم [ علي] (2)أن سرّ حکم کلّکم ؟ ألا حبس واحداً

منکم يستأنس به ؟

قالوا: قد فعل، وإنّما حبس واحداً منّا وهو أصغرنا لأنه أخو الّذي هلک

من أمّه، فأبونا يتسلّي به.

قال: فمن يعلم أنّ الّذي تقولونه حقّ؟ قالوا: أيّها الملک، إنا ببلاد لا يعرفنا أحد.

فقال يوسف: فائنوني بأخيکم الّذي من أبيکم إن کنتم صادقين فأنا

أرضي بذلک.

قالوا : إنّ أبانا يحزن علي فراقه وسنراوده عنه .

قال: فدعوا عندي رهينة حتي تأتوني بأخيکم الّذي من أبيکم، فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون ؛ وقيل : إنّ يوسف اختار شمعون لأنّه کان

ص: 102


1- في المجمع : کان له ابن کان أصغرنا
2- من المجمع.

أحسنهم رأياً فيه، فجعلوها (1)عنده. .

قيل: وکان يوسف أمر ترجماناً يعرف العبرانيّة أن يکلّمهم، وکان لا يکلّمهم بنفسه ليشبه عليهم، فإنّهم لو عرفوه لها موا في الأرض حياء من أبيهم، فکان في معرفتهم إيّاه مفسدة، (وَقَالَ لِفتيانِهِ أجعَلُوا بِضَاعَتَهُم فِي رِحَالِهِم) أي قال لعبيده وغلمانه : اجعلوا ثمن طعامهم وما کانوا جاوا به في أوعيتهم ؛ وقيل : کانت بضاعتهم النعال والادم (لَعَلَّهُم يَعرِفُونَهَا إذَا انقَلبُوا إلَي أهِلَهِم لَعَلَّهُم يَرجِعُون) (2) بعد ذلک لطلب الميرة مرّة أخري، وإنّما فعل ذلک ليعلموا أنّ يوسف ما فعل ذلک إلّا إکراماً لهم

وقيل: إنّه عليه السلام رأي لؤماً(3)، أن يأخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته

مع حاجتهم إليه، فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تفضّلاً وکرماً.(4)

(فَلَمَّا رَجَعُوا إلَي أَبِيهِم قَالُوا يَا أبَانَا مُنعِ مِنَّا الکَیلُ) (5)؛ قيل: إنّهم لمّا رجعوا إلي يعقوب سلّموا عليه سلاماً ضعيفاً، قال لهم: يابنيّ، مالکم تسلّمون سلاماً ضعيفاً؟ ومالي لا أسمع منکم (6)صوت شمعون ؟

قالوا: يا أبانا، جئناک (7)من عند أعظم الناس ملکاً، ولم ير الناس مثله حکماً وعلماً وخشوعاً وسکينة ووقاراً ولئن کان له شبيه في الدنيا فإنّه يشبهک،

ص: 103


1- في المجمع : فخلفوه
2- سورة يوسف : 62.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: يوماً.
4- مجمع البيان : 3/ 245-246.
5- سورة يوسف : 63.
6- في المجمع: فيکم.
7- في المجمع: إنا جئناک.

ولکنّا أهل بيت خلقنا للبلاء(1)، انّه اتّهمنا وزعم أن لايصدقنا حتي ترسل معنا بنيامين برسالة منک تخبره عن (2)حزنک، وما الّذي أحزنک ؟ وعن سرعة الشيب إليک، وذهاب بصرک، وقوله: (مُنعَ مِنَّا الکَيلُ) في المستقبل وإلّا فهم کانوا قد اکتالوا، أي منع منّا في المستقبل إن لم نأته بأخينا لقوله: (فَلَاکَیلَ لَکُم عِندِي وَلاَ تَقَرَبُونِ) (3)فأرسل معنا، فإن لم ترسله معنا منعنا الکيل فأرسله معنا(فَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (4)من أن يصيبه سوء أو مکروه.

(قَالَ - يعقوب : - هَل آمَنُکُم عَلَيهِ إلاَّ کَمَا أمِنتُکُم عَلَی أَخِيِه مِن قَبلُ)، وإنّما قرعهم عليه السلام ليحثّهم علي حفظه وکِلاءتِهِ وإلّا فإنّه کان يعلم أنّهم في هذه الحال لا يفعلون ما لا يجوز، ثمّ قال: (فَاللهُ خَيرُ حَافِظاً وَهُوَ أرحَمُ الرَّاحِمِينَ)(5) يرحم ضعفي، وکبر سنّي، ويردّه عليّ

روي في الخبر أنّ الله سبحانه قال: فبعزّتي وجلالي لأردّنّهما إليک بعد أن توکّلت عليَّ، (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُم) يعني أوعية الطعام (وَجَدوا بِضَاعَتَهُم رُدَّت إلَيهِم قَالُوا يَا أبَانَا مَا نَبغِي) أي أيّ [شيء](6)نطلب بعد هذا ؟ کال لنا، وَرَدَّ علينا بضاعتنا، أرادوا أن تطيب نفس يعقوب، ويرسل معهم أخاهم، أي فلا ينبغي أن نخاف علي أخينا ممّن قد أحسن إلينا هذا الإحسان، فأرسله معنا فإنّا تحفظه، ونردّه سالماً، (وَنَزدَادُ کَيلَ بَعِيرٍ) (7)لأنّ يوسف عليه السلام کان لا

ص: 104


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: شبيه في الدنيا إنّه ليشهد له.
2- في المجمع: ليخبره من.
3- سورة يوسف : 60.
4- سورة يوسف : 63.
5- سورة يوسف : 64.
6- من المجمع.
7- سورة يوسف: 65.

يزيد الرجل يأتي من الآفاق علي وقر بعير.

فلمّا رأي يعقوب عليه السلام رده البضاعة، وتحقّق عنده إکرام الملک إيّاهم وعزم علي إرسال ابن يامين، (قَالَ لَن أُزسِلَهُ مَعَکُم حَتَّي تُؤتُونِ مَؤثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأتُنَّني بِهِ) أي لتردّنّه إليّ.

قال ابن عبّاس: حتي تحلفوا بحقّ محمد خاتم النبييّن صلّي الله عليه و آله و سيّد المرسلين ألّا تغدروا بأخيکم، ولتأتنّني به (وإلَّا أنّ يُحَاطَ بِکُم) أي تغلبوا عليه، والمعني إلّا أن يحال بينکم وبينه بيد عالية، فحلفوا له بحقّ محمد ومنزلته من ربّه.

(قَالَ - يعقوب : اللهُ عَلي مَا تَقُولُ وَکِيلُ» (1)أي شاهد حافظ، وإنّما أرسل يعقوب ابن يامين معهم لأنّه علم أنّهم لمّا کبروا ندموا علي ما [کان] (2)فرط منهم في أمر يوسف، ولم يصّروا علي ذلک، ولهذا وثق بهم، وإنّما عيّرهم

بحديث يوسف حثّاً لهم علي حفظ أخيهم.(3)

ولمّا تجهّزوا للمسير قال يعقوب: (يَا بَنِيَّ لَا تَدخُلُوا مِن بَاب وَاحِدٍ وَأذخُلُوا مِن أَبوَابٍ مُتَفَرَّقَةٍ(4)خاف عليهم العين لأنّهم کانوا ذوي جمال وهيئة وکمال وهم إخوة أولاد رجل واحد.

وقيل: خاف عليهم حسد الناس لهم، وأن يبلغ الملک قوتهم وبطشهم فيحبسهم أو يقتلهم خوفا علي ملکه، والأوّل أصحّ، لأنّه ورد في الخبر عن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّ العين حقّ، والعين تستنزل الحالق، والحالق:

ص: 105


1- سورة يوسف : 66.
2- من المجمع.
3- مجمع البيان 3/ 247-248.
4- سورة يوسف: 67.

المکان المرتفع من الجبل وغيره، فجعل صلّي الله عليه و آله العين کأنّها تحطّ ذروة الجبل من قوّة أخذها، وشدّة بطشها.(1)

وروي أنّه صلّي الله عليه و آله کان يعوّذ الحسن والحسين عليهما السلام، فکان يقول: أُعيذکما بکلمات الله التامّة، من کلّ شيطان وهامة، ومن کلّ عين لامّة. (2)

وروي أنّ إبراهيم عليه السلام عوّذ ابنيه ، وأنّ موسي عوّذ بني هارون(3)

بهذه العوذة.

وروي أنّ بني جعفر کانوا غلماناً بيضاً فقالت أسماء بنت عميس: يا

رسول الله ، إنّ العين إليهم سريعة أفأسترقي لهم من العين ؟

فقال صلّي الله عليه و آله : نعم.(4)

وروي أنّ جبرئيل رقي رسول الله صلّي الله عليه و آله وعلّمه هذه الرقية:

بسم الله أرقيک، من عين کلّ حاسد، الله يشفيک. (5)

ص: 106


1- أخرجه في البحار:17/63 ح 5 عن زبدة البيان (انظر حاشية مصباح الکفعمي: 220).
2- أخرجه في البحار: 18/63 ح 7 عن دعائم الاسلام: 2/ 139 ح 488.وفي ج196/94 ح ، عن مجموعة الشهيد و دعوات الراوندي : 85 ح 217.
3- في المجمع: ابني.
4- أورده في مجمع البيان: 341/5 .وأخرجه في البحار : 26/63 ح 30، وج 132/95 ح 10 عن جامع الأخبار: 443.
5- أخرجه في البحار : 18 / 268 ح 31، وج30/95ح 14 عن أمالي الطوسي : 2/252. وقد روي في الأمالي بهذا اللفظ : بسم الله أرقيک من کل شيء يؤذيک، من شرّ کلّ نفس أو عين حاسد، والله يشفيک، بسم الله أرقيک.

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله [أنّه قال](1) : لو کان شيء يسبق القدر لسبقته العين.(2)

(وَلَمَّا دَخَلُوا - مصر - مِن حَيثُ أمَرَهُم أبُوهُم)(3) أي من أبواب متفرّقة؛

قيل: کان لمصر أربعة أبواب فدخلوا من أبوابها الأربعة متفرّقين(4)

ثمّ دخلوا علي يوسف مجتمعين وقالوا: هذا أخونا قد جئنا به کما أمرتنا، فقال: أحسنتم ، ثمّ أنزلهم وأکرمهم، ثم صنع لهم ضيافة وقال : ليجلس کلّ ابني أم علي مائدة، فجلسوا فبقي ابني(5) يامين قائماً. فقال له يوسف: مالک الاتجلس ؟

قال: أيّها الملک [إنک قلت: ](6) ليجلس کلّ ابني أمّ علي مائدة وليس لي

فيهم ابن أمّ.

فقال له يوسف: فما کان لک ابن أمّ. قال : بلي. قال : فما فعل؟ قال: زعم هؤلاء أنّ الذئب أکله. قال: فما بلغ من حزنک عليه؟

ص: 107


1- من المجمع.
2- أخرجه في البحار: 26/63 ح 27، وج 95 / 131 ح 9 عن مکارم الأخلاق : 414، إلّا أنّ فيهم : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.
3- سورة يوسف : 68.
4- مجمع البيان :249/3 ، عنه البحار:6/63 -7.
5- في المجمع : بني . وکذا في الموضع الآتي .
6- من المجمع.

قال: ولد لي أحد عشر ابنا کلّهم اشتقت له اسماً من اسمه.| قال يوسف: أراک شممت النساء وعانقتهنّ، وشممت الولد من بعده؟

قال: إنّ لي أباً صالحاً وقد قال لي : تزوّج لعلّ الله يخرج منک ذرّيّة تثقل

الأرض بالتسبيح.

فقال له يوسف : تعال فاجلس معي علي مائدتي.

فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف وأخاه حتي أجلسة الملک علي

مائدته.

فلمّا نهضوا بعد أن أکلوا قال: دعوا أخاکم يبيت عندي، فبات عند يوسف،

فقال له يوسف: أتحبّ أن أکون أخاک بدل أخيک الهالک ؟

فقال: من يجد - أيّها الملک -أخاً مثلک، لکن لم يلدک يعقوب ولا راحيل، فبکي يوسف، وقام إليه واعتنقه، وقال له : أنا أخوک يوسف، فلا تحزن علي ما صنعوا بنا فيما مضي، فإن الله قد أحسن إلينا، وجمعنا علي خيرٍ، ولا تعلمهم بذلک، وأنا لا أُفارقک.

فقال: يا أخي، تعلم اغتمام والدي بي. فقال: لا سبيل إلي ذلک إلّا أنّ السبيل إلي ما لا يحمل.

t

قال: لا أبالي .

قال: افعل ما بدا لک.

فقال: فإني أُدسّ صاعي في رحلک، ثمّ أنادي عليک بأنّک سرقته ليتهيّأ لي

ردّک بعد تسريحک معهم.

قال: افعل.

ص: 108

بجليلي

قال: وکانت الصاع أوّل مشربة للملک مصوغة من فضّة مموّهة بالذهب؛

وقيل: کانت من ذهبٍ مرصّعة بالجواهر، ثم لمّا وقع القحط جعلت مکيالاً يکال بها الطعام، ثمّ انطلقوا راجعين إلي أبيهم ومعهم أخوهم ابن يامين، فلمّا فصلوا عن مصر أرسل يوسف في أعقابهم رجاله، فنادوا فيهم:( أَيَّتُهَا العِيرُ إنّکُم لَسَا رقُونَ )(1)؛ قيل : إنّ يوسف أمر المنادي أن ينادي إنکم لسارقون ولن ترد سرقة الصاع، وإنّما عني به إنّکم سرقتم يوسف من أبيه، وألقيتموه في الجبّ.

وأقبلوا أصحاب العير علي أصحاب يوسف قائلين لهم: (مَاذَا تَفقِدُونَ قَالوا نَفقِدُ صُوَاعَ المَلِکِ -أي: صاعه ومشربته (2) وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ)(3)فأجابهم إخوة يوسف: (تَاللهِ لَقَد عَلمِتُم مَا جِئنَا لِنُفسِدَ فِي الأَرضِ وَمَا کُنَّا سَارِقِينَ) (4)فإنّکم اطّلعتم علي حسن سيرتنا مرّة بعد أخري، فقد علمتم أنّ السرقة ليست من شأننا؛ وقيل: إنّما قالوا ذلک لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم مخافة أن تکون وضعت بغير إذن الملک لأنّ من ردّما وجد لا يکون سارقاً؛ وقيل: إنّهم لمّا دخلوا مصر في أوّل مرّة رأوهم قد شدّوا أفواه دو ابّهم کي لا تتناول الحرث والزرع.

فردّوا العير بأجمعها إلي مصر، فلمّا حضروا عند يوسف قيل لهم: إنکم

السارقون.

قالوا: معاذ الله أن نکون سارقين

ص: 109


1- سورة يوسف: 70.
2- في المجمع: وسقايته
3- سورة يوسف: 71 و 72.
4- سورة يوسف: 73.

فقال لهم الّذين ناداهم: فما جزاء السارق عندکم (إن کُنتُم کَاذِبيِن)(1)

في قولکم : إنّا لم نسرق ؟

(قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحِلِه فَهُوَ جَزَاؤُهُ) (2)أي يسترقّ

وقيل: إنّ السّنة کانت في بني إسرائيل أنّ السارق يسترقّ بسرقته، وفي دين الملک الضرب والضمان، فلهذا قال لهم يوسف: ما جزاء السارق عندکم ؟

قالوا : يسترّق بسرقته، (فَبَدأَ بِأَوعِيَتهِم قَبلَ وِعَاءِ أَخِيهِ - لإزالة التهمة - ثُمَّ أستَخرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ) (3)، وإنّما بدأ بأوعيتهم لأنّه لو بدأ بوعاء أخيه العلموا أنّه هو الّذي وضعها فيه، فأقبلوا علي بنيامين، وقالوا له: فضحتنا و سوّدت وجوهنا، متي أخذت هذا الصاع ؟

فقال: وضع هذا الصاع في رحلي الّذي وضع الدراهم في رحالکم. (4)

فأقبلوا إخوة يوسف علي يوسف قائلين :(إن يَسرِق - بنيامين - فَقَد

سَرَقَ أخُ لَهُ مِن قَبلُ) فليست سرقته بأمر بديع فإنّه اقتدي بأخيه يوسف واختلف في السرقة الّتي أنبؤا بها يوسف ؛ فقيل: کانت منطقة إسحاق عليه السلام، وکانت عند عمّة يوسف، وکانت أکبر ولد إسحاق، وکانوا يتوارثونها بالکبر، وکانت تحضن يوسف و تربيّه بعد وفاة أمّه، و تحبّه حبّاً شديداً، فلمّا ترعرع أراد يعقوب أن يستردّه منها، فاحتالت وجاءت بالمنطقة وشّدتها علي وسط يوسف وادّعت أنّه سرقها، وکان من ستتهم استرقاق السارق، فحبسته بذلک السبب عندها.

ص: 110


1- سورة يوسف: 74.
2- سورة يوسف: 75.
3- سورة يوسف: 76.
4- مجمع البيان : 3/ 251 - 253، عرائس المجالس: 131 - 132.

قال: فأخفي يوسف تلک الکلمة الّتي قالوها (وَلَم يبدِهَا لَهُم )، بل (قَالَ أنتُم شَرُّ مَکَاناً) في السرق لأنکم سرقتم أخاکم من أبيکم (وَاللهُ أَعلَمُ بِمَا

تَصِفُونَ) (1)

والظاهر أنّه أسرّ هذا المقال في نفسه ، ثمّ جهر بقوله : (وَاللهُ أعلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) فأقبلوا بالخضوع علي يوسف والاستعطاف قائلين: (یَا أيُّهَا العَزِيزُ إنَّ لَه أَ باً شَيخاًکبِيراً فَخُذ أَحَدَنَا مَکَانَهُ)، إنّما قالوا هذا لما علموا أنّه استحقّه فسألوه أن يأخذ عنه بدلاً شفقة علي والدهم، ورقّقوا (2)في القول علي سبيل الاسترحام ومعناه کبيراً في السنّ؛ وقيل : کبيراً في القدر، فلا ينبغي أن يسترقّ ولده (إنَّا تَرَاکَ مِنَ المُحسِنينَ) .(3)

فأجابهم يوسف: (مَعَاذَ اللهِ أن نَأخُذَ إلَّا مَن وَجَدنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ)(4) أي نأخذ البريء بجرم السقيم، ولم يقل: «من سرق» تحرّزاً من الکذب، فلمّا استيأسوا من يوسف أن يجيبهم إلي ما سألوه انفردوا عن الناس من غير أن يکون معهم من ليس منهم يتناجون فيما يفعلون في ذهابهم لأبيهم بغير أخيهم وهل يرجعون أو يقيمون.

قال کبيرهم وهو روبيل، وکان أسنّهم، وکان ابن خالة يوسف، وهو الّذي نهي إخوته عن قتله: (أَلَم تَعلَمُوا أنَّ أبَاکُم قَد أَخَذَ عَلَيَکُم مَوثِقاً مِنَ اللهِ) فذکّرهم بذلک (فَلَن أبرَحَ الأرضَ) أي لا أزال بهذه الأرض، ولا أزول عنها

ص: 111


1- سورة يوسف : 77.
2- کذا في المجمع ، وفي الأصل : فرقعوا .
3- سورة يوسف : 78.
4- سورة يوسف: 79.

(حَتَّی يَاذَنَ لِي اَبِي)(1) في البراح والرجوع أو الموت فيکون ذلک عذراً إليّ

عند أبي. (2)

(اُرجِعوا إلَي أَبِيکُم فَقُولُوا يَا أبَانَا إنَّ أبنَکَ سَرَقَ وَمَا شَهِدنَا إلَّا بِمَا عَلِمنَا) به؛ وقيل: وما شهدنا انّ السارق يسترقّ إلّا بما علمنا أنّ الحکم ذلک، ولم نعلم أنّ ابنک سرق [أم لا] (3)؟ وإنّما قالوا ذلک إلا لما قال لهم يعقوب عليه السلام : وما يدري الملک انّ السارق يؤخذ بسرقته [ويسترقّ](4)، وإنّما علم ذلک بقولکم.

فقالوا:اشهدنا إلّا بما علمنا (وَمَا کُنَّا لِلغَيبِ حَافِظِينَ)(5)، أي لانعلم أسرق أم کذبوا عليه ؟ وإنّما نعلم منه ما کان يحدث في حضورنا معه، فإذا غاب الانعلم ما يصنع (6)(واسأًلِ القَريَة) أي أهل القرية، واسأل أهل العير، معناه: وسل من شئت من أهل مصر عن هذا الأمر، فإنّ هذا أمر شائع فيهم يخبرک به من سألته، وکان معهم جماعة من أهل مصر صاروا إلي الناحية الّتي کان فيها يعقوب، واسأل العير (الَّتي أقَبَلنَا فِيهَا) (7) أي القافلة الّتي أقبلنا فيها، وکانت القافلة من أرض کنعان، وکانوا يمتارون في مصر، وإنّما قالوا ذلک لأنّهم کانوا متّهمين عند يعقوب، فقال لهم يعقوب: ما عندي ان الأمر کما تقولونه، (بَل

سَوَّلَت لَکُم أَنفُسُکُم أَمراً فَصَبر جَمِيلُ) أي سأصبر صبراً جميلاً (عَسَي اللهُ أن يأتِيَنِي بِهِم جَميعاً) أي بيوسف وابن يامين وروبيل أو شمعون [ أو لاوي أو

ص: 112


1- سورة يوسف:80.
2- مجمع البيان : 2/254 - 255.
3- من المجمع.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف: 81.
6- يعنون انه سرق ليلاً وهم نيام، والغيب هو الليل
7- سورة يوسف: 82.

يهوذا] (1)(إنَّهُ هوَ العَلِيمُ الحَکِيمُ) (2)، (وَتَوَلَّي - يعقوب - عَنهُم) لشدّة الحزن لما بلغه خبر (حبس)(3) ابن يامين، وهاج ذلک وجده بيوسف لأنّه کان يتسلّي به، (وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَي يُوسفَ» أي واطول حزني علي يوسف.

عن سعيد بن جبير [أنّه قال ]:(4) لقد أُعطيت هذه الأمّة عند المصيبة مالم يعط الأنبياء قبلهم إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولو أعطيها الأنبياء لأُعطيها يعقوب،

(وَأبيَضَّت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ) والبکاء.

وسئل الصادق عليه السلام : ما بلغ من حزن يعقوب علي يوسف(5) ؟

قال: حزن سبعين حري ثکلي ؛ وقيل: إنّه عمي ستّ سنين،(فَهُوَ کَظِيمُ)(6) وهو المملوء من الهمّ والحزن، الممسک للغيض لا يشکوه إلي أهل زمانه، ولا يظهره بلسانه، ولذلک لقّب موسي بن جعفر عليهما السلام بالکاظم لکثره ما کان يتجرّعُ من الغيظ والغمّ طول أيّام خلافته لأبيه في ذات الله تعالي.

(قَالُوأ - أي قال إخوة يوسف لأبيهم: - تَاللهِ تَفتَؤُا تَذکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً) (7)أي هالکاً دنفاً، فاسد العقل، قريباً من الموت ؛ وقيل : إنّهم قالوا ذلک تبرّماً ببکائه إذ تنغّص عيشهم (8)بذلک (قَالَ - يعقوب في جوابهم : إنَّمَا أَشکُوا بَثَّي وَحُزنِي إلَي اللهِ).

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله أنّ جبرئيل أتي يعقوب فقال: يا

ص: 113


1- من المجمع
2- سورة يوسف : 83.
3- من المجمع
4- من المجمع
5- کذا في المجمع ، وفي الأصل : ما يبلغ حزن يعقوب .
6- سورة يوسف: 84
7- سورة يوسف : 85.
8- کذا في المجمع، وفي الأصل : عليهم - وهو تصحيف ..

يعقوب، إنّ الله يقرئک السلام ويقول: أبشر وليفرح قلبک، فوعزّتي وجلالي لو کانا میّتين (1)لنشر تهما لک اصنع طعاماً للمساکين فإنّ أحبّ عبادي إليّ المساکين، أتدري لم أذهبتُ بصرک، وقوِّستُ ظهرک ؟ لأنّکم ذبحتم شاة، وأتاکم فلان المسکين وهو صائم فلم تطعموه شيئاً، فکان يعقوب بعد ذلک إذا أراد الغذاء أمر منادياً ينادي: ألا من أراد الغذاء من المساکين فليتغذّ مع يعقوب ،

(وَأَعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا َتعلَمُونَ) (2)أي وأعلم صدق رؤيا يوسف، وأعلم أنّه حيّ،

وأنّکم ستجدونه.(3)

وفي کتاب النبوّة : بالاسناد عن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: إنّ يعقوب دعا الله سبحانه أن يهبط عليه ملک الموت، فأجابه فقال: ما حاجتک ؟

فقال: أخبرني هل مرّ بک روح يوسف في الأرواح ؟

قال: لا، فعلم أنّه حيّ ؛ وقيل : إنّهم لمّا أخبروه بسيرة الملک قال: لعلّه يوسف، فلذلک قال: (يَا بَنِيَّ أذهَبُوا فَتَحسَّسُوامِن یُوسُفَ وَ أَخيهِ) أي استخبروا من شأنهما، واطلبوا خبر هما، وانظروا ملک مصر ما اسمه ؟ وعلي أيّ دين هو ؟ فإنّه قد أُلقي في روعي أنّ الّذي حبس ابن يامين هو يوسف، وإنّه إنّما طلبه منکم، وجعل الصاع في رحله احتيالاً في حبس أخيه عند نفسه، (وَلاَ تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إنَّه لَا يَناَسُ مِن رَوحِ اللهِ إلَّا القَومُ الکَافِرُونَ) (4)

قال ابن عبّاس: يريد ان المؤمن من الله علي خيرٍ يرجوه في الشدائد

ص: 114


1- في «ح»: أي يوسف وأخوه بنيامين.
2- سورة يوسف :86.
3- في المجمع: ستسجدون له کما اقتضاه رؤياه.
4- سورة يوسف: 87.

والبلاء، ويشکره ويحمده في الرخاء، والکافر ليس کذلک.

سؤال : کيف خفي أخبار يوسف علي يعقوب في المدّة الطويلة مع قرب(1)

المسافة ؟ وکيف لم يعلمه بخبره لتسکن نفسه ويزول وجده ؟

الجواب : قال السيّد المرتضي رضي الله عنه : يجوز أن يکون ذلک ممکناً،

و [کان](2)عليه قادراً، لکن الله سبحانه أوحي إليه أن يعدل عن اطلّاعه علی خبره تشديداًللمحنة عليه، ولله سبحانه أن يشدّد (3) التکلّف وأن يسهّله.(4)

ولمّا قال يعقوب لبنيه: (اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِیِه)خرجوا

قاصدين مصر.(5)

وروي في کتاب النبوّة : بالاسناد عن الحسن بن محبوب، عن أبي إسماعيل الفرّاء، عن طربال، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبرٍ طويلٍ أنّ يعقوب کتب إلي يوسف:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلي عزيز مصر، ومظهر العدل، وموفي الکيل.

من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الّذي

جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً وأنجاه منها.

أخبرک أيّها العزيز، إنّا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعاً من الله ليبلونا

ص: 115


1- کذا في المجمع ، وفي الأصل : مدّة
2- من المجمع.
3- في المجمع: يصعّب.
4- مجمع البيان: 257/3 - 258.
5- مجمع البيان : 3/ 260.

عند السرّاء والضرّاء، وان مصائباً تتابعت علي منذ عشرين سنة ؛ أوّلها أنّه کان لي ابن سميته يوسف، وکان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي، وانّ إخوته من غير أمّه سألوني أن أرسله معهم يرتع ويلعب، فبعثته معهم بکرة فجاؤني عشاء يبکون، وجاءوا علي قميصه بدم کذب، وزعموا أنّ الذئب أکله، فاشتدّ لفقده حزني، وکثر علي فراقه بکائي حتي ابيضّت عيناي من الحزن، وکان له أخ وکنت به معجباً وکان لي أنيساً، وکنت إذا ذکرت يوسف ضممته إلي صدري فسکن بعض مابي وما أجد في صدري، وأنّ إخوته ذکروا الي (1) آنک سألتهم عنه وأمرتهم أنّ يأتوک به، فإن لم يأتوک به منعتهم الميرة، فبعثته معهم ليمتاروا [لنا] (2) قمحاًفرجعوا إليّ وليس هو معهم، وذکروا أنّه سرق مکيال الملک، ونحن أهل بيت لا نسرق، وقد حبسته عنّي وفجعتني به، [وقد اشتدّ الفراقه حزني حتي تقوس لذلک ظهري و عظمت] (3)به مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ، فمّن عليّ بتخليت سبيله وإطلاقه من حبسک، وطيّب لنا القمح، وعجّل سراح آل إبراهيم.

قال : فمضوا بکتابه حتي دخلوا علي يوسف في دار الملک وقالوا:

(يَا أَيُّهَا العَزِيزُ مَسَّنَا وَأهلَنَا الضّرُّ) (4)فتصدّق علينا بأخينا ابن يامين،

وهذا کتاب أبينا يعقوب أتينا به إليک يسألک تخلية سبيله، فمّن به علينا، وأخذ يوسف کتاب يعقوب، وقبّله ووضعه علي عينيه، وبکي وانتحب حتي بل دمعه القميص الذي عليه، ثم أقبل عليهم و (قَالَ هَل عَلِمتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) من إذلاله وإبعاده عن أبيه، وإلقائه في الجب، والاجتماع علي قتله وبيعه بثمن وکس، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف والتفريق بينهما حتي صار وحيداً

ص: 116


1- من المجمع.
2- من المجمع.
3- من المجمع.
4- سورة يوسف: 88.

ذليلاً[فيما] (1)بينکم لايکلّمکم إلّا کما يکلّم الذليل العزيز؟

وإنّما لم يذکر أباه يعقوب تعظيماً له، ورفعآً من قدره، وانّ ذلک کان بلاء له ليزداد به علوّ الدرجة عند الله تعالي، (إذ أَنتُم جَاهِلُونَ)(2) وکان هذا تلقيناً لهم بما يعتذرون به، وهذا هو الغاية في الکرم إذ صفح عنهم ولقّنهم وجه العذر(3) (قَالُوا أإنَّکَ لاَنتَ یُوسُف) ؟ قيل: إنّ يوسف لمّا قال لهم : (هَل عَلِمتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ)، رفع التاج عن رأسه وتبسّم إليهم، فلمّا أبصروا ثناياه کانّها اللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف وَ (قَالُوا أإنّکَ لاَنتَ یُوسُفَ) فقال: (أَنَا یُوسُفُ) المَظلوم المستحلّ منه المحرم، (وَهَذَا أَخِي) المَظلوم کظلمي (قَد مَنَّ اللهُ عَلَينَا) (4) بالاجتماع بعد طول الفرقة : (قَالُوا تَاللهِ لَقَد آثَرَکَ اللهُ علَينَا وَإِن کُنَّا لَخَاطئين) (5) أي اختارک بالحلم والعلم والملک(6) والحسن. (7)

قيل: إنّه عليه السلام لما عرفهم نفسه سألهم عن أبيه، فقال: ما فعل أبي

بعدي ؟

قالوا: ذهبت عيناه.

فقال: (اذهَبُوا بِقَيصِي هذَا)واطرحوه علي وجه أبي يعد مبصراً(8)

ص: 117


1- من المجمع،
2- سورة يوسف: 89.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: وکفتهم العذر.
4- سورة يوسف: 90.
5- سورة يوسف: 91.
6- في المجمع: والعقل.
7- مجمع البيان: 262/3 وبدون أن ينسب کتاب يعقوب إلي يوسف إلي کتاب النبوّة . کماهو أعلاه ..
8- کذا في المجمع، و في الأصل: منظراً.

(وَأتُونِي بِأَهِلِکُم أَجمَعيَن)(1)

وروي أنّ يوسف عليه السلام قال : إنّما يذهب بقميصي من ذهب به أوّلاً فقال يهوذا: أنا ذهبت به وهو متلطّخ بالدم، وأخبرته انّه أکله الذئب.

قال: فاذهب بهذا أيضاً واخبره أنّه حيّ، وافرحه کما أحزنته، فحمل القميص وخرج حافياً حاسراً حتی أتي يعقوب وکان معه سبعة أرغفة، وکانت مسافة ما بينهما ثمانين فرسخاً، فلم يستوف الأرغفة في الطريق وقد ذکرنا من (2)قبل شأن القميص، وإنّما أرسل القميص بأمر من جبرئيل عليه السلام قال له : أرسل إليه قميصک فإنّ فيه ريح الجنة لا يقع علي مبتلي ولا سقيم إلا صحّ وعوفي.

ثمّ انّ يوسف عليه السلام أمر لهم بمائتي راحلة وما يحتاج إليه من آلات السفر، فلمّا قربوا من يعقوب قال لأولاد أولاده الذين کانوا عنده : (وإنَّي لأَجِدُ رِيحَ یُوسُفَ).

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وجد يعقوب ريح قميص يوسف (3)عليه السلام حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين من مسيرة عشر ليال.

قال ابن عبّاس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إلي يعقوب. (4)وروي أنّ ريح الصبا استأذنت الله ربّها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف

ص: 118


1- سورة يوسف : 93.
2- من المجمع.
3- کذا في المجمع، و في الأصل: إبراهيم .
4- مجمع البيان : 261/3 .

قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها، فأتته بها، ولذلک يستروح کلّ محزون بريح الصبا، وقد أکثر الشعراء من ذکرها، فمن ذلک قولهم: فَإنَّ الصَّبَا ريحُ إذا مَاتَنَسَّمَت عَلَی نَفَسِ مَهمُومٍ تَجلَّت هُمُومُها

وقول أبي الصخر(1) الهذلي : إذَا قُلتُ هذَا حِينَ أسلُو يُهيجَنِي نَسِيمُ الصَّبَا مِن حَيثُ يَطَّلِعُ الفَجرُ

(لَولاً أَن تُفَنَّدُونِ) (2) أي: تقولون إنّه شيخ قد هرم وخرف، وذهب عقله، (َقَالُوا تَاللهِ إنَّک لَفِي ضَلَالِکَ القَدِيم) (3) عن الصواب في حبّ يوسف عليه السلام فإنّه کان عندهم أنّ يوسف قد مات منذ سنين، ولم يريدوا الضلال عن الدين.

(فَلَمَّا أَن جَاءَ البَسِيرُ) وهو يهوذا (ألقَاهُ عَلَی وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيراً) . قال الضحّاک : عاد إليه بصره بعد العمي ، وقوّته بعد الضعف ، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن . فقال للبشير (4): ما أدري ما أثيبک [به] (5)هوّن الله عليک سکرات الموت.

ولمّا قدموا أولاده عليه (قَالُوا يَا أَبانَا آستَغفِرز لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّاکُنَّا

خَاطِئِينَ)(6)

فقال لهم: (سَوفَ أُستَغفِرُ لَکُم رَبَّي إنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (7)؛ قيل: إنّه لم

معا

ص: 119


1- کذا في المجمع ، وفي الأصل : منجب
2- سورة يوسف: 94.
3- سورة يوسف: 95.
4- سورة يوسف: 99.
5- من المجمع.
6- سورة يوسف : 97.
7- سورة يوسف : 98.

يستغفر لهم في الحال، لأنّه أخرّهم إلي سحر ليلة الجمعة، روي ذلک عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه کان يستغفر لهم کلّ ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة حتي نزل قبول توبتهم.

وروي أنّ جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء: يارجاء المؤمنين لاتخيّب رجائي، وياغوث المؤمنين أغثني، وياعون المؤمنين أعنّي، وياحبيب التوّابين تب علي، فاستجب لهم.(1)- (2)

وفي حديث ابن محبوب، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ يعقوب قال الولده: تحملوا من ساعتکم إلي يوسف في يومکم هذا بأهليکم (3) أجمعين، فساروا من فورهم ويعقوب معهم وخالة يوسف [أمّ] (4)يامين فحثّوا السير فرحاً وسروراً تسعة أيّام إلي مصر.

فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند وأهل مصر. فقال يعقوب: پايهوذا ، هذا فرعون مصر ؟ قال: لا، هذا ابنک يوسف، ثمّ تلاقيا علي يوم من مصر، فلمّا دنا کلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليک يا مُذهب الأحزان.

ثمّ انّ يوسف اعتنق أباه و بکي، (وَقَالَ) لهم قبل دخول مصر: (آدخُلَوا مِصرَ إن شَاءَ الله آمِنيِنَ) (5)، وإنّما قال: (آمِنيِنَ )لأنّهم کانوا يخافون ملوک مصر، ولا يدخلونها إلّا بجوازهم ؛ قيل: دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنساناً،

ص: 120


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: له.
2- مجمع البيان: 263/3 .
3- في المجمع: تحملوا إلي يوسف من يومکم هذا بأهلکم.
4- من المجمع.
5- سورة يوسف : 99.

وخرجوا مع موسي و هم ستّمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً، (وَرفَعَ أَبَويهِ عَلَی العَرشِ) علي سرير ملکه إعظاماً لهما.

ثمّ دخل منزله واکتحل وادهن، ولبس ثياب العزّ والملک، فلمّا رأوه سجدوا له جميعاً إعظاماً له، وشکراً لله، ولم يکن يوسف في تلک المدة يدّهن، ولا يکتحل، ولا يتطيّب، حتي جمع الله بينه وبين أبيه وإخوته.

فلمّا رأوه (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) وکانت تحية الناس - في ذلک الزمان - بعضهم لبعضٍ يومئذ السجود، والانحناء، والتکفير، ولم يکونوا نهوا عن السجود الغير الله في شريعتهم، وأعطي الله تعالي هذه الأمّة السلام، وهو تحيّة أهل الجنّة.

(وَقَالَ) يوسف:(يَا أَبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤيَايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَهَا رَبَّي

حَقّاً) (1)في اليقظة.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : کان بين الرؤية و تأويلها

أربعون سنة.

وولد ليوسف من امرأة العزيز زليخا: أفرائيم(2) وميشا، ورحمة امرأة

ايوب، وکان بين يوسف وموسي عليهما السلام أربعمائة سنة.

وفي کتاب التبوة بالاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال يعقوب

اليوسف: حدّثني کيف صنع بک إخوتک ؟

قال: يا أبه دعني. قال: أقسمت عليک إلّا ما أخبرتني .

ص: 121


1- سورة يوسف: 100.
2- في المجمع: أفرايم.

فقال: أخذوني وأقعدوني علي رأس الجب، ثمّ قالوا: انزع قميصک، فقلت لهم: إنّي أسألکم بوجه يعقوب ألاّ تنزعوا قميصي عنّي، ولاتبدوا عورتي، فرفع فلان السکّين عليّ، فصاح يعقوب و خر مغشيّاً عليه، ثم أفاق، فقال: يا بنيّ، کيف صنعوا بک ؟

فقال يوسف: إنّي أسألک بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلّا أعفيتني،

قال: فترکه.

وروي أنّ يوسف قال ليعقوب عليهما السلام : يا أبة، لا تسألني عن صنع

إخوتي، واسأل عن صنع الله بي.

قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أن يعقوب عاش مائة وسبعاً (1)وأربعين سنة،

ودخل علي يوسف في مصر وهو ابن مائة سنة وثلاثين سنة، وکان عند يوسف في مصر سبع عشرة سنة، ثمّ توفّي صلوات الله عليه فنقل إلي الشام في تابوت من ساج، ووافق ذلک اليوم يوم مات عيصو، وکان يعقوب وعيصو ولدا في بطن واحد ودفنا في قبر واحد.

وکان يوسف عليه السلام قد مضي مع تابوت أبيه إلي بيت المقدس،

ولمادفنه رجع إلي مصر، وکان دفنه في بيت المقدس عن وصيّة منه إليه أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام، وعاش عليه السلام بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، ثمّ مات، وکان أوّل رسول في بني إسرائيل، وأوصي أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام.(2)

وعن أبي خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل يوسف السجن

ص: 122


1- کذا في المجمع - وهو الصحيح -، وفي الأصل: سنة.
2- مجمع البيان: 3/ 264 - 266.

وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ومکث فيه ثمانية عشرة سنة، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة، فذلک مائة سنة و عشر سنين.

قالوا: ولمّا جمع الله سبحانه شمله، وأقر عينه، وأتم له رؤياه، ووسع عليه في ملک الدنيا علم أنّ ذلک لا يبقي ولا يدوم، فطلب من الله سبحانه نعيماً لا يفني، و تاقت نفسه إلي الجنّة، فتمنّي الموت ودعا به، ولم يتمنّ ذلک نبي قبله ولا بعده، فقال:( رَبَّ قَد ءَاتَيتَنِي مِنَ المُلکِ وَعَلَّمتَنِي مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأرضِ أنتَ وَليّي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِماً وَألحِقنّي بِالصَّالِحينَ) (1) فتوفّاه الله تعالي بمصر وهو نبيّ، ودفن في النيل في صندوق من رخام، وذلک أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه، کلّ يحبّ أن يدفن في محلّته، لما

کانوا يرجون من برکاته، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه، ثم يصل (2)إلي جميع مصر، فيکون کلّهم شرکاء في برکته شرعاً، فکان قبره في النيل إلي أن حمله موسي عليه السلام لما خرج من مصر، ودفنه عند آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.(3)

وإنّما أوردت هذه القصة بتمامها ليکون ذلک تسلية للمؤمن التقّي وردّ علي الجاحد الشقيّ، فإنّ الله سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين، ليکون الجزاء علي قدر البلاء، والثواب علي قدر المشقّة، لأنّه سبحانه هو المدّبر الحکيم العليم بمصالح عباده في معاشهم ومعادهم ، فتارة يکون البلاء في النفس والولد - کما مر في قصّة يعقوب ويوسف - وتارة يکون في ضنک العيش والفقر کما ذکر سيّدنا أمير المؤمنين عليه

ص: 123


1- سورة يوسف : 101.
2- کذا في المجمع، وفي الأصل: رحل.
3- مجمع البيان : 266/3 ، عرائس المجالس: 142.

في إبتلاء موسي وهارون عليهما السلام

السلام عن موسي عليه السلام في قوله: (رَبَّ إنَّي لمَا أنزَلتَ إلَيَّ مِن خَير فَقِيرُ) (1)قال : والله ما سأله إلّا خبزاً يأکله، لأنّه (2)کان يأکسل بقلةَ الأرض، ولقد کانت خضرة البقلِ نُري من شفيف صِفاق بطنه(3)، لهزاله ، وتشذّب لحمه (4)- (5)

ولقد دخل هو وأخوه هارون عليهما السلام علي فرعون، وعليهما مدارعُ الصوف ، وبأيديهما العصيُّ، فشرطا له - إن أسلم - بقاء ملکه، ودوامَ عزه

فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوامَ العزّ، وبقاءَ الملک، وهما

علي ما ترونَ من حال الفقر والذلّ، فهلّا أُلقيَ عليهما أساورة من ذهب ؟ إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولُبسه! ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث [بعثهم](6) أن يفتح لهم کنوز الذَّهبان، ومعادن العِقيان، ومغارسَ الجِنان، وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء(7). کما ذکرنا أوّلاً (8)

کما حکي عن بعضهم انّه کان إذا أقبلت عليه الدنيا يقول: هذا ذنب

ص: 124


1- سورة القصص : 24.
2- کذا في النهج والمجمع، وفي الأصل: ولقد
3- کذا في النهج والمجمع، وفي الأصل : من صفاق سفاف بطنه. وشفيف : رقيق، يستشفّ ما وراءه. والصفاق: الجلد الباطن الّذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.
4- أي ّتفرّقه.
5- نهج البلاغة:226 خطبة رقم 160، مجمع البيان : 248/4.
6- من النهج.
7- نهج البلاغة: 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة».
8- في ص 40، وذکرنا تخريجات أخري.

عجّلت عقوبته ، وإذا افتقر أو أصابته خصاصة قال : مرحباً بشعار الصالحين (1)- (2)

فکذلک الأنبياء والأولياء يسرّهم ما ينزل بهم من البلاء، ويفرحون بما امتحنوا به من الابتلاء، راحة أرواحهم فيما فيه رضي خالقهم، ولذّة أنفسهم فيما يمتحنهم الله به في أموالهم وأجسادهم، وما يختاره من فيض ثمرات قلوبهم وأحفادهم، فلا يغرّنّکم الشيطان بغروره، ولا يفتننکم مروره فيلقي في روعکم، ويوسوس في صدورکم.

إنّ ما أصاب من کان قبلکم من الأنبياء والمرسلين، والأولياء

والصالحين، في الدار الفانية والحياة البالية، من جهد البلاء وشدّة اللأواء والامتحان بجهاد الأعداء، هواناً بهم علي خالقهم، وهظماً لهم لدي بارئهم، بل أنزل بهم البأساء والضرّاء، ووجّه إليهم محن دار الفناء، من سقم الأجساد، وتحمّل الأذي من أهل الجحود والعناد، فتحمّلوا المشاقّ في ذاته من أداء الفرائض والنوافل، وصبروا علي جهاد أعدائه من أهل الزيغ والباطل، يسوقون العباد بسوط وعظهم إلي غفران ربّهم، ويجذبون النفوس بصوت لفظهم إلي منازل قربهم، لا توحشهم مخالفة من خالفهم، ولا يرهبهم عناد من عاندهم، بل يصدعون بالحقّ، ويقرعون بالصدق، ويوضحون الحجّة، ويهدون إلي المحجّة لا يزيدهم قلّة الأنصار إلا تصميماً في عزائمهم، ولا يکسبهم تظافر الأشرار إلّا شدّة لشکائمهم، ليس في قلوبهم جليل إلّا جلاله، ولا في أعينهم جميل إلّا

ص: 125


1- أي علامتهم. «مجمع البحرين: 349/3 - شعر - »
2- تفسير القمّي : 200/1 ، عنه البحار: 340/13 ح 16، و ج 199/67 .ورواه في الکافي : 263/2 ح 12، عنه البحار : 15/72 ح 14. وأورده في إرشاد القلوب : 156.

في صبر أيوب عليه السلام

جماله، لما شربوا من شراب جتته في حضيرة قدسه، أتحفهم بمقام قربه وآنسه، يختارون قطع أوصالهم علي قطع اتّصالهم، وذهاب أنفسهم علي بعد مؤنسهم.

أما تري کيف أثني الله علي نبيّه أيّوب بقول:( إنَّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَّهُ أوّابُ ) (1)؟ انظر کيف شرّفه الله بإضافته إلي نفسه، وأثني عليه بالصبر الجميل في محکم التنزيل، وکان عليه السلام في زمن يعقوب بن إسحاق عليه السلام ، وتزوّج ليا(2)بنت يعقوب ؛ وقيل : رحمة بنت يوسف (3)، وولد له سبعة بنين وثلاث بنات.

وکان له من المال والمواشي مالا يحصي کثرة. قيل : کان له أربعمائة عبد ما بين زرّاع وحمّال وراع وغير ذلک، وکان في أخفض عيش وأنعم بال مدّة أربعين سنة، ولمّا زاد الله ابتلاءه و امتحانه لا ليعلم صبره وشدّة عزيمته، بل زيادة في درجته، ورفعة لمنزلته ، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا أيّوب، أربعون سنة لک في خفض العيش والنعمة، فاستعدّ للبلاء، وارض بالقضاء، فإنّک ستتبدّل بالنعمة محنة، وبالغني فقراً، وبالصحّة سقماً

فأجابه أيّوب : ليس عليّ بأس من ذلک إذا رضي الله به. عذّب بما شئت غير البعد عنک تجد أوفي محبّ بما يرضيک مبتهجاً

فمضي علي ذلک مدّة فصلّي صلاة الصبح، وأسند ظهره إلي المحراب وإذا

بالضجّة قد علت، وإذا بقائل يقول: يا أيّوب، إنّ مواشيک کانت في الواد الفلاني فأتاها السيل واحتملها جميعاً، وألقاها في البحر، فبينما هو کذلک إذ أتته رعاة

ص: 126


1- سورة ص : 44.
2- في قصص الأنبياء للراوندي : 141ح 151 : إليا.
3- وقيل : رحمة بنت أفراثيم بن يوسف عليه السلام . انظر تفسير البرهان : 53/4 ومابعدها ح 11، ففيه قصّة أيوب عليه السلام مفصّلة نقلاً عن تحفة الاخوان .

وجهه .

الإبل، فسألهم : ما الخبر ؟

فقال قائلهم: هبت علينا سموم عاصف لو هَبت علي جبل لأذابته بحرّها،

فأتت علي أرواح الإبل جميعها، ولم تترک منها کبيراً ولا صغيراً إلّا أهلکته.

فبينا هو يتعجّب من ذلک ويحمد الله ويشکره إذ أتت الأَکَرَةُ قائلين : قد نزلت بنا صاعقة فلم تترک من الزرع والأشجار والثمار شيئاً إلا أحرقته، فلم يزده ذلک ولم يغيره ولم يفتر لسانه عن ذکر الله وعن التسبيح والتقديس.

فبينما هو کذلک يحمد الله ويشکره إذ أتاه آت قدأتي باکياً حزيناً يلطم

وجهه ويحثو التراب علي رأسه، فسأله أيّوب: ما الخبر ؟

فقال: إنّ ابنک الأکبر أضاف باقي إخوته فوضع لهم الطعام وبعضهم قد ابتدأ بالأکل، وبعضهم لم يبتديء إذ خرّ السقف عليهم فماتوا جميعهم، فاستعبر أيّوب، ثم استشعر لباس الصبر، والتوکّل علي الله، و تفويض الأمر إليه، وأخذ في السجود قائلاً: يارب إذا کنت لي لا أبالي، ثمّ بعد ذلک حلّ به من الأسقام والأمراض في بدنه ما لا يوصف کثرة، ولم يشتک إلي مخلوق، ولم يفوض أمره إلي غير ربه سبحانه، وأمّا قوله: (أنّي مَسُّنِيَ الضُّرُّ وَأنَتَ أرحمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) فإنّما کان لما روي أنّ الشيطان أتاه في صورة طبيب فقال: إنّ أردت أنّ أشفيک من علّتک فاسجد لي، فإنّي أُزيل عنک ما يؤلمک، وأشفيک من علّتک، فصاح أيّوب عند ذلک، وأستغاث بالله قائلاً: (وأنَّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فولّي عنه إبليس، وقد يأس منه فأتي زوجته رحمة بنت يوسف ووسوس إليها.

روي أنّه أتاها في صورة طبيب، فدعته إلي مداواة أيّوب عليه السلام،

ص: 127


1- سورة الأنبياء : 83.

فقال : أُداويه علي أنّه إذا بريء قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سوي ذلک.

قال: فأشارت إلي أيّوب بذلک، فصاح واضطرب واستجار بالله وحلف

ليضربنّها مائة ضربة.

وقيل : أوحي الله إلي أيوب: يا أيوب، إنّ سبعين نبيّاً من أنبيائي سألوني هذا البلاء فلا تجزع، فلمّا أتاه الله بالعافية في بدنه اشتاق إلي ما کان عليه من البلاء، فلذلک قال سبحانه: (إنَّا وَجَدنَا هُ صَابِراً نِعمَ العَبد إنَّهُ أؤَّابُ)(1)

ولمّا انقضت المحنة وقرب الفرج أتاه جبرئيل بأمر الله بعد أن دامت به الأسقام والأمراض سبع سنين، وقال: يا أيّوب ، (ارکُض بِرِجِلِکَ)(2)أي ادفع الأرض برجلک (هذا مُغَتسَلُ بَارِدُ وَشَرَابُ)فرکض برجله فنبعت عينان فاغتسل من أحدهما فبريء، وشرب من الأخري

وروي عن الصادق عليه السلام أن الله تعالي أحيا له أهله الذين ماتوا

بأعيانهم قبل البليّة ، وأحيا أهله الّذين ماتوا وهو في البليّة.

قالوا: ولمّا ردّ الله عليه ولده وأهله وماله، وعافاه في بدنه أطعم أهل قرينه سبعة أيّام، وأمرهم أن يحمدوا الله ويشکروه، ثمّ أمره جبرئيل أن يأخذ ضغثاً وهو ملء الکفّ من الشماريخ وما أشبه ذلک، فيضربها ضربة واحدة براءة

اليمينه لأنّه کان قد حلف ليضربنّها ماءة ضربة.(3)

فانظر إلي شدّة إخلاصه، وعظيم اختصاصه، وحسن مراقبته لمعبوده

ومقابلته البلاء بالشکر في رکوعه وسجوده.

ص: 128


1- سورة ص : 44.
2- سورة ص : 42.
3- مجمع البيان : 59/4 و 478، عنه البحار :340/12 .

في إبتلاء عيسي بن مريم عليه السلام

وکذلک کان روح الله وکلمته المسيح بن مريم ، کان عليه السلام کما وصفه أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن بقوله: کان يَلبَسَ الخشِن، ويأکل الجشب(1)، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء (2)مشارق الأرض ومغاربها، ولم يکن له ولد يحزنه، ولا زوجة تفتنه، دابّته(3) رجلاه، وخادمه يداه. (4)

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: والله ما تبع عيسي شيئاً من المساويء قطّ، ولا انتهر يتيماً (5)قطّ، ولا قهقه ضاحکاً قطّ، ولا ذب ذباباً عن وجهه، ولا أخذ علي أنفه من شيء نتن قطّ،(6) ولا عبث قطّ.(7)»

وروي أنّه عليه السلام مرّ برهطٍ، فقال بعضهم لبعض: قد جاءکم الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة، فقذفوه بأمّه، فسمع ذلک عيسي عليه السلام، فقال: اللّهمّ أنت ربّي خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي، اللّهمّ العن من سبّني، وسبّ اُمّي، فاستجاب الله له دعوته، فمسخهم خنازير.

ص: 129


1- کذا في النهج. وفي الأصل: الحشيش - وهو تصحيف.. طَعامُ جَشِبُ ومجشوبُ: أي غليظ خَشِنَ. وقيل : هو الّذي لا أدم له. «لسان العرب: 265/1-جشب »
2- قال المجلسي رحمه الله : لعلّ المعني أن الإنسان إنّما يحتاج إلي الإدام لأنّه يعسر علي النفس أکل الخبز خالياً عنه. فأمّا مع الجوع الشديد فيلتذّ بالخبز ولا يطلب غيره، فهو بمنزلة الإدام، أو أنّه کان يأکل الخبز دون الشبع، فکان الجوع مخلوطاً به کالادام
3- في النهج: وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاکهته وريحانه ماتنبتُ الأرض للبهائم، ولم تکن له زوجة تفتِنُهُ ، ولا ولد يحزنُهُ . ولا مال يلفِتُهُ، ولا طمَعُ يذلّه دابّته....
4- نهج البلاغة : 227 خطبة رقم160، عنه البحار : 14/ 238 ح 16.
5- کذا في المجمع وفي الأصل، شيء.
6- کذا في المجمع ، وفي الأصل: ولا أخذ علي نفسه من بين شيء قطّ.
7- مجمع البيان :266/2 . عنه البحار: 263/14 . وانظر : عرائس المجالس: 398.

ولمّا مسخهم الله سبحانه بدعائه بلغ ذلک يهوذا وهو رأس اليهود، فخاف أن يدعو عليه، فجمع اليهود، فاتّفقوا علي قتله، فبعث الله سبحانه جبرئيل يمنعه منهم، ويعينه عليهم، وذلک معني قوله: (وَأَیَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ)(1)فاجتمع اليهود حول عيسي، فجعلوا يسألونه فيقول لهم : يا معشر يهود، إنّ الله تعالي يبغضکم، فثاروا (2)إليه ليقتلوه، فأدخله جبرئيل خوخة البيت الداخل، لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرئيل إلي السماء، فبعث رأس اليهود رجلاً من أصحابه اسمه ططيانوس(3)، ليدخل عليه الخوخة فيقتله، فدخل فلم يره، فأبطأ عليهم، فظنّوا أنّه يقاتله في الخوخة، فألقي الله عليه شبه عيسي، فلمّا خرج علي أصحابه قتلوه وصلبوه ؛ وقيل : ألقي الله عليه شبه وجه عيسي، ولم يلق عليه شبه جسده، فقال بعض القوم: إنّ الوجه وجه عيسي، والجسد جسد ططيانوس، فقال بعضهم : إن کان هذاططيانوس فأين عيسي ؟ وإن کان هذا عيسي فأين ططيانوس ؟ فاشتبه

الأمر عليهم.(4)

وعن رسول الله صلّي الله عليه و آله أنّ عيسي لم يمت، وانّه راجع إليکم

قبل يوم القيامة.

وقد صحّ عنه صلّي الله عليه و آله أنّه قال: کيف أنتم إذا نزل ابن مريم

فيکم (5)وإمامکم منکم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.(6)

ص: 130


1- سورة البقرة: 87 و 253.
2- في المجمع : فساروا.
3- في المجمع: طيطانوس، وفي العرائس : فلطيانوس، وکذا في المواضع الآتية.
4- مجمع البيان : 135/2 - 136، عرائس المجالس: 400.
5- کذا في غالبية المصادر، وفي الأصل : عليکم.
6- صحيح البخاري : 205/4 ، صحيح مسلم: 1/ 136 ب 71ح 244 و 245. وانظر أيضاً: المصنف لعبد الرزّاق:400/11 ح 20841، جواهر البحار في فضائل النبي المختار للنبهاني: 311/1 ، منتخب الصحيحين للنبهاني: 289، مسند أحمد بن حنبل :2/ 272 و 336، مسند أبوعوانة: 106/1 ، ابن حبّان : 8/ 283 - 284 ح6764الأسماء والصفات للبيهقي: 535، مصابيح البغوي: 516/3 ح4261، شرح السنّةللبغوي: 82/15 ، الفردوس: 342/3 ح 4916، جامع الأصول: 47/11 ح 7808، مطالب السؤول : 2/ 80، بيان الشافعي : 495 - 496ب 7،عقد الدرر : 229ب 10، الفصول المهمة : 294 في 12 و ص 295و ص 299، جمع الجوامع: 1/632، برهان المتقي : 159ب 9ح4 ، کنز العمّال : 14/ 332 ح 38840 وص 334ح 38845الجامع لأحکام القرآن للقرطبي : 101/4 ، وج106/16 ، فرائد فوائد الفکر: 22 ب 6،نور الأبصار: 188، ينابيع المودة :186 ب 56، فيض القدير:58/5ح 6440، العطر الوردي : 71، تصريح الکشميري: 97 ح 2، عقيدة أهل السنّة: 8ح 1 و 2، العمدة لابن بطريق: 431 ح903 و ص 432 ح 905، کشف الغمّة : 3/ 228 و 269 و 279، إثبات الهداة: 599/3 ح 63 و ص 606 ح 106، غاية المرام للبحراني : 698ح 65 و 697 ح 40 - 42 و ص 702 ح 128، حلية الأبرار : 2/ 692 و 693 و 698و 710 ، البحار :88/51 ب 1.

وقوله سبحانه: (وَرَافِعُکَ إليَّ) (1)؛ قيل: أي بعد نزولک من السماء في

آخر الزمان. (2)

وروي أنّ عيسي لمّا أخرجه قومه وأمّه من بين ظهرانيهم عاد إليهم مع الحواريّين، وصاح فيهم بالدعوة، فهمّوا بقتله، فرفعه جبرئيل إلي السماء . کما

مرّ-.

وروي أنّ الحوارييّن اتبّعوا عيسي، وکانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله ،

جعنا، فيضرب بيده إلي الأرض، سهلاً کان أو جبلآً، فيخرج لکلّ إنسان رغيفين يأکلهما، وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله، عطشنا، فيضرب بيده إلي الأرض، سهلاً

ص: 131


1- کذا الصحيح ، وفي الأصل : إلي آمنوا۔ والآية في سورة آل عمران: 55.
2- مجمع البيان : 449/1.

کان أو جبلاً، فتنبع عين ماء(1) فيشربون.

فقالوا: يا روح الله، من أفضل منّا، إذا جعنا أطعمتننا، وإذا عطشنا

سقيتنا(2)، وقد آمنّا بک واتبّعناک ؟

قال: : أفضل منکم من يعمل بيده، ويأکل من کسبه، فصاروا يغسلون

الثياب بالکراء.(3)

والحواري شدّة البياض، ومنه الحواري من الخبز لشدّة بياضه، فکأنّهم

هم المبيّضون للثياب. (4)

وقيل: إنّ الذي دلّهم علي المسيح کان رجلاً من الحواريين وکان منافقاً، وذلک أنّ عيسي جمعهم تلک الليلة، وأوصاهم، وقال: ليکفرنّ بي أحدکم قبل أن يصيح الديک، ويبيعني بدراهم يسيرة، وخرجوا وتفرّقوا، وکانت اليهود تطلبه، فأتي أحد الحوارّيين إليهم فقال (5)ما تجعلون لي إن دللتکم عليه ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها ودلهم عليه، فألقي الله عليه شبه عيسي عليه السلام لما دخل البيت، ورفع عيسي فأخذ وقال: أنا الذي دللتکم عليه؛ فلم يلتفتوا إلي قوله، وقتلوه وهم يظنّون آنه عيسي

فلمّا رفع عيسي وأتي عليه سبعة أيّام قال الله له :اهبط علي مريم التجمع لک الحواريين ، وتبتهم في الأرض دعاة ، فهبط عليها، واشتعل الجبل نورة، فجمعت له الحواريين، فبتهم في الأرض دعاة، ثمّ رفعه الله

ص: 132


1- في المجمع : فيخرج ماء.
2- في المجمع: إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا.
3- مجمع البيان :448/1 .
4- مجمع البيان: 447/1
5- کذا في المجمع - وهو الصحيح - ، و في الأصل: وقالوا.

في معجزة ميلاد يحيي بن زکريا عليهما السلام

تعالي في تلک الليلة، وهذه الليلة هي الليلة الّتي تسمّيها النصاري ليلة الدخنة ويدخّنوا فيها.

فلمّا أصبح الحواريون حدّث کلّ واحدٍ منهم بلغة من أرسله إليه(1) عيسي عليه السلام(2)

وکانت مريم بنت عمران أمّ عيسي ليس أبوها عمران أبو موسي بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، بل هو عمران بن الهشم (3)بن امون من ولد سليمان بن داود عليه السلام ، وکان بينه وبين عمران أبي موسي ألف وثمانمائة سنة.

وکانت امرأة عمران اسمها حتّة أمّ مريم، وهي جدّة عيسي وأختها إيشاع واسم أبيها فاقوذ بن قبيل، وهي امرأة زکريّا، فيحيي و مريم ولدا

خالة. (4)

وکان يحيي بن زکريّا کما وصفه الله سبحانه وأثني عليه في کتابه العزيز بقوله: (وَآتَيناهُ الحُکم صَبّیاً وَحَناناً مِن لَدُنَّا وَکَاةً؛ وَکَاَنَ تَقِيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَيهِ وَلَم يَکُن جَبَّاراً عَصِيّاً وَسَلامُ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَمُوتُ وَ يَومَ يَنبعَثُ حَيّاً) (5)وکانت ولادته آية من آيات الله سبحانه، لأنّ زکريّا لمّا رأي من کرامات الله لمريم حين کفلها، وکان يري عندها فاکهة الصيف في الشتاء، وفاکهة الشتاء في

ص: 133


1- في المجمع : إليهم.
2- مجمع البيان 448/1-449.
3- کذا في المجمع، وفي الأصل: اشهم.
4- أنظر : الکامل في التاريخ : 1 / 298 - وفيه: عمران بن ماثان -، عرائس المجالس :166 و 371، ومجمع البيان: 1/ 433 - 434، و ج503/3.
5- سورة مريم : 12-15.

أن قاتل يحيي عليه السلام کان ولد زنا، وکذلک قاتل الحسين بن

علي عليهما السلام .

الصيف، خلاف ما جرت به العادة، فسألها عن ذلک فيقول: «أنّي لک هذا ؟ فتقول : من رزق الله.(1)

فعندها دعا الله سبحانه، کما قال سبحانه:(إذ نَادَي رَبَّهُ نِدَاءًخًفِيّاً)(2)أي دعا ربّه سرّاً غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء، وفي هذا دلالة علي أن المستحب في الدعاء الإخفاء، فإنّه أقرب إلي الاجابة.

وفي الحديث: خير الدعاء الخفي، وخير الرزق ما يکفي.

وقيل: إنّما أخفاه لئلّا يهزأ به الناس فيقولوا: انظروا إلي هذا الشيخ سأل

الولد علي الکبر.(3)

قال ابن عبّاس : کان عمر زکريّاحين طلب الولد عشرين ومائة سنة،

وکانت امرأته أبنة ثمان وتسعين سنة.(4)

فأوحي الله إليه : (يَا زَکَريَّا انَّا نُبَشَّرُکَ بِغُلَامٍ اُسَمُهُ يَحيَي لَم نَجعَل لَهُ مِن

قَبلُ سَمِیّاً) (5)أي لم نسم أحداً قبله بهذا الاسم.

وکذلک الحسين عليه السلام لم يسم أحد قبله باسمه. وکان قاتل يحيي ولد زنا، وکذلک قاتل الحسين عليه السلام کان ولد زنا. وحمل راس يحيي بن زکريّا إلي بغي من بغايا بني إسرائيل. وکذلک حمل رأس الحسين إلي نجل بغيّة من بغايا قريش، ولم تبک

ص: 134


1- إشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران
2- سورة مريم : 3.
3- مجمع البيان : 502/3 .
4- مجمع البيان : 1/439، وفيه : يوم بشر بالولد.
5- سورة مريم: 7.

لا يقتل الأنبياء وولد الأنبياء إلا ولد زنا

السماء إلا عليهما بکت أربعين صباحاً.

وسئل الصادق عليه السلام عن بکائها، قال: کانت الشمس تطلع حمراء

و تغيب حمراء.(1)

وروي عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: خرجنا

مع الحسين عليه السلام إلي العراق فما نزل منزلاً، ولا ارتحل منه إلّا ذکر يحيي بن زکريّا(2)-(3)

وعن أبي جعفر عليه السلام ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله ، قال : لا

يقتل الأنبياء وولد الأنبياء إلّا ولد زنا(4)

وسئل الصادق عليه السلام عن قول فرعون: (ذَرُونِي أَقتُل مُوسَي)(5)

فقيل: من کان يمنعه منه ؟

قال: إنّه کان لرشده، ولم يکن ولد زنا، لأنّ الأنبياء والحجج لا يقتلها إلّا

ولد الزنا. (6)

ص: 135


1- انظر کامل الزيارات: 88ب 28، قصص الأنبياء للراوندي: 220 ح 291، بحار الأنوار:201/45 ب40، عوالم العلوم: 466/17 ب 2.
2- مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 85، عنه البحار: 45/ 298 ح 10 ، وعوالم العلوم: 608/17ح 3.
3- مجمع البيان: 504/3 ، عنه البحار : 175/14.
4- کامل الزيارات : 78 ح 9 و ص 79ح 10، عنه البحار: 27 / 240 ح 5 و 6. وأورده الراوندي في قصص الأنبياء: 220 ح 290 و 291، عنه البحار: 27 / 240ح 3 و 4.
5- سورة غافر : 26.
6- کامل الزيارات : 78 ح 7، علل الشرائع : 57ح 1، عنهما البحار: 27 / 239ح 2.وأخرجه في البحار: 132/13ح 35 عن العلل.

مناجاة للمؤلف رحمه الله

وکان يحيي أکبر من عيسي بستّة أشهر، وکلّف التصديق به، وکان أوّل مصدّق به، وشهد أنّه کلمة الله وروحه، وکان ذلک أحد معجزات عيسي عليه السلام، وأقوي الأسباب لإظهار أمره، فإن الناس کانوا يقبلون قوله لمعرفتهم بصدقه وزهده.(1)

فلهذا اجتمعت اليهود علي قتله (2)، فلمّا أحسّ بذلک فر منهم واختفي في أصل شجرة، فالتأمت عليه، فدلّهم إبليس عليه ؛ وقيل: إنّه جذب طرف ردائه فلاح(3) لهم في ظاهر الشجرة، فوضعوا عليه منشاراً، وقدوا أصل الشجرة ويحيي بنصفين، فأرسل الله سبحانه عليهم بخت نصّر، وکان دم يحيي يفور من أصل الشجرة، فقتل عليه سبعين ألفاً، وکذلک قتل بالحسين سبعون وسبعون ألفاً، وما أُخذ بثأره إلي الآن.

المناجاة

يا من أغرق أصحاب الأفکار الصائبة في بحار إلهيّته، وحيّر أرباب الأنظار الثاقبة في مبدأ ربوبيّته، ويا من تفرّد بالبقاء في قديم أزلیّته، ويامن توحّد بالعلي في دوام عظمته، ويامن وسم ما سواه بميسم ( کُلُّ شَيءٍ هَالِکُ إلَّا وَجهَهُ) (4)، و يامن جعل لکلّ حي إلي سبيل الموت غاية ووجهة، ويا

ص: 136


1- مجمع البيان : 1/ 438، عنه البحار : 169/14.
2- روي هذا في زکريّا عليه السلام ، انظر : علل الشرائع : 80ح 1، عنه البحار: 14/ 179ح15. وقصص الأنبياء للراوندي: 217 ح 284، عنه البحار: 14 / 181 ع 22.
3- في «ح» : أي فظهر.
4- سورة القصص : 88.

من رجوت وجوده منزه عن العدم، ويا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة والقدم، ويا من هدانا السبيل إلي ما يز لفنا برضوانه، وعرّفنا الدليل إلي ما يتحفنا بجنانه، ونصب لنا أعلاماً يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده ونحلته، وأثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجماً ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته، وجعلهم خاصّة نفسه من عباده، وولاة أمره في بلاده، لذّتهم في امتثال أوامره ونواهيه، وفرحتهم فيما يقرّبهم من حضرته ويرضيه، وکلّفهم بالتکاليف الشاقة من جهاد أعدائه، وألزمهم بکفّ أکفّ الملحدين في صفاته وآلائه.

فبذلوا وسعهم في إعلاء کلمته، وأجهدوا جهدهم إذعاناً لربوبيته، وقابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء، وتلقّوا بکرائم صدورهم رماح الأشقياء، حتي قطعت أوصالهم، وذبحت أطفالهم ، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وأنهبت أثقالهم وأموالهم، وأهديت إلي رؤوس البغاة رؤوسهم، واستلّت بسيوف الطغاة نفوسهم، وصارت أجسادهم علي الرمضاء منبوذة، وبصوارم الأعداء موقوذة(1) تسفي (2) عليهم الأعاصير بذيولها، وتطأهم الأشقياء بخيولها، وتبکي عليهم السموات السبع بأفلاکها، والأرضون السبع بأملاکها، والبحار ببينانها، والأعصار بأزمانها، والجنّة بولدانها، والنار بخزّانهاء والعرش بحملته، والفرش بحملته، أبدانهم منبوذة بالعراء، وأرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلي.

أسألک بحقّ ما ضقت کربلاء من أشباحهم، وجنّة المأوي من أرواحهم،

ص: 137


1- الوقذ: شدة الضرب. «لسان العرب:519/3 - وقذ - ».
2- سَفَتِ الريح الترابَ تَسفِيهِ سَفياض، إذا أذرَته. «صحاح الجوهري: 6 / 2377 - سفي »

وبحقّ ألوانهم الشاحبةفي عراها، وأوداجهم الشاخبة (1)في ثراها، وبما ضمّ صعيدها من قبورهم وظرائحهم، وما غيّب في عراصها من أعضائهم وجوارحهم، وبحقّ تلک الوجوه التي طال ماقبّلها الرسول، وأکرمتها البتول ، وبحق تلک الأبدان التي لم تزل تدأب في عبادتک ، وتکدح في طاعتک، طالما سهرت نواظرها بلذيذ مناجاتک، وأظمأت هواجرها طلباً لمرضاتک ، شاهدت أنوار تجلّيات عظمتک بأبصار بصائرها، ولاحظت جلال ربوبيتّک بأفکار ضمائرها، فأشرقت أنوار الهيّتک علي مرايا قلوبها ، فأضاءت الأکوان بانعکاس أشعّة ذلک النور الّذي هو کمال مطلوبها

أن تصلّي علي محمد و آل محمد، وأن تجعل قلوبنا معمورة بحبّهم، وأنفسنا مسرورة بقربهم، وألسنتنا بذکر مناقبهم ناطقة ، و أبداننا بنشر فضائلهم عانقة ، ومدائحنا إلي نحو جهاتهم موجّهة ، وقرائحنا بمعاني صفاتهم مفوّهة، وشکرنا موقوفاً علي حضرة رفعتهم، وذکرنا مصر وفاً إلي مدحة عظمتهم،

الانعتقد سواهم سبيلاً موصلاً إليک، ولانري غير حبّهم سبباً منجياً لديک، تري کل مجد غير مجدهم حقيراً، وکلّ غنيّ بغير ولا تهم فقيراً، وکل فخر سوي فخرهم زوراً، وکلّ ناطق بغير لسانهم زخرفاً وغروراً، وکلّ عالم بغير علمهم جاهلاً ، وکل إمام يدّعي من دونهم باطلاً.

فلک الحمد علي ما اطّلعنا عليه من سرّک المصون بعرفان فضلهم، وأهّلنا

له من علمک المخزون بالاستمساک بحبلهم.

ص: 138


1- في حديث الشهداء: أوداجُهم تَشخُبُ دماً، قيل: هي ما أحاط بالعنق من العروق الّتي يقطعها الذابح. «لسان العرب : 397/2- ودج - ».

اللّهمّ فثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونوّر بمصابيح

ولاتهم سبيل سلوکنا إليک في ظلمات الساهرة(1)وزیّن بذکرهم مجالس وعظنا، وشرّف بشکرهم نفائس لفظنا، واجعلنا وحاضري مجلسنا ممن يناله شفاعتهم يوم وقوفنا بين يديک، ومن تتلقّاهم الملائکة الکرام بالبشري حين العرض عليک، وأثبنا علي تحمّل الأذي فيهم من أعداء دينک ثواب الصدّيقين، وأيّدنا بروح قدسک، وانصرنا علي القوم الکافرين.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمد و آله الطاهرين.

ص: 139


1- الساهرة : الأرض ، الفلاة ؛ وقيل: أرض يجدّدها الله يوم القيامة. «لسان العرب: 4/382- سهر - .

ص: 140

المجلس الثاني في ذکر سيّد المرسلين، وما ناله من الأذي من

اشارة

المجلس الثاني في ذکر سيّد المرسلين، وما ناله من الأذي من أعداء الدين، وذکر وفاته، وذکر أمور تتعلّق بظلامة أهل بيته الطاهرين

صلوات الله عليهم أجمعين

الحمد لله الّذي وعد علي الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، وتوعد بالعذاب الأليم علي ترک التسليم لقضائه، وابتلي أنبياءه بالمحن السابقة في علمه في دار بلائه، وکلفهم بالتکاليف الشاقة من حکمه في منزل ابتلائه، وأمرهم بکف أکفّ الملحدين في آياته، ورغم أنوف الجاحدين لصفاته، وأطلعهم علي أسرار عظمته بصغر ما سواه لديهم ، وکشف عن أبصار بصائرهم فوعوا ما ألقاه إليهم، وتجلّي لهم في ضمائرهم فطاح وجودهم في شهودهم، وخاطبهم في سرائرهم ، فهاموا طرباً بلذةّ خطاب معبودهم، حصّن مدينة وجودهم بسور توفيقه من وساوس الشکّ، وحمي حوزة نفوسهم بتوفيق مشيئته من شُبه الشرک، وأطلعهم علي عيوب دار الغرور فرفضوها، وحذّرهم مصارع بطشها المشهور ففرضوها.

وصلوا بقدم صدقهم إلي عين اليقين، وشربوا من شراب الجنّة بکأس من

ص: 141

معين، وسلکوا مفاوز البرزخ إلي الدار الباقية، فکشفوا حجب غيوبه لأهل الحياة الفانية، وحذّرهم ما يلقون في سلوکهم - بعد مماتهم - إلي دار قرارهم، وأراهم عواقب أمورهم بعد الاخراج من ديارهم، وأمرهم باتخاذ الزاد البعيد السفرهم، وحسن الارتياد قبل انقطاع عذرهم، ما وهنوا في سبيل ربهم، وما ضعفوا وما استکانوا بل أيّدوا الحقّ وأهله، ونصروا وأعانوا وجاهدوا في الله بأيديهم وألسنتهم، ونصحوا في سبيل الله في سرّهم وعلانيتهم، وکان أفضل سابق في حلبة الاخلاص لربه، وأکمل داع دعا إلي الله بقالبه وقلبه، وخير مبعوث بدأ الله به وختم، وأجمل مبعوث بالمجد الأعبل والشرف الأقدم، کم تلقّي صفاح الأعداء بطلعته الشريفة ؟! وکم قابل رماح الأشقياء ببهجته المنيفة !!صاحب بدر الصغري والکبري ، وسيد أهل الدنيا والأخري ، الّذي لم يجاهد أحد في أحد جهاده، ولا جائد جَليد في حنين جلاده(1)، أشجع الخلق بالحقّ، وأصدع الرسل بالصدق.

تاج رسالته: (سُبحَان الَّذِي أسرَي) (2) وتوقيع نبوّته : (فَاوحَي إلَي عَبدِهِ مَا أوحَي) (3)، ودلالة محبّته : (مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی)(4)، وآية بعثه : (مَا کَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأي)(5) کل من الأنبياء مقدّمة جنده، وکلّ من الأولياء

خذ الميثاق علي من بعده بوفاء عهده، في صحف الخليل ذکره أشهر من أن يشهر، وفي توراة الکليم فضله من فلق الصبح أظهر، والمسيح في إنجيله دعا إليه وبشّر، وصاحب الزبور لمّا دعا باسمه أظهره الله علي جالوت و نصره أعني

ص: 142


1- الجلد: القوة والشدة، الصلابة. «لسان العرب : 125/3 - جلد - »
2- سورة الاسراء: 1.
3- سورة النجم: 10.
4- سورة الضحي : 3.
5- سورة النجم: 11.

الرسول صلي الله عليه وآله وأبو جهل

صاحب الحوض والکوثر، والتاج والمغفر، والدين الأظهر، والنسب الأطهر، محمد سيّد البشر، أشرف مبعوث إلي الکافّة، وخير مبعوث بالرحمة والرأفة، تحمّل أعباء الرسالة صابراً، وجاهد في الله مصابراً، ما أوذي أذاه نبيّ، ولاصبر صبره وليّ، کم راموا هدم بنيانه، وهدّ أرکانه، وإدحاض حجّته، وإذلال صحبته ؟ وأبي الله إلّا تأييده ونصره، وإعلاء فوق کلّ أمر أمره.

روي سيّدنا و مولانا الامام المفترض الطاعة الامام ابن الأئمّة، والسيّد ابن السادة، نجل النبيّ، وسلالة الوصيّ، الامام الزکي، أبو القائم المهديّ الحسن بن علي العسکري صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الطاهرين وولده الحجّة علي الخلق أجمعين ، أنُّ أبا جهل کتب إلي رسول الله صلّي الله عليه و آله - بعد أنّ هاجر إلي المدينة - : يا محمد، إن الخيوط (1)الّتي في رأسک هي الّتي ضيّقت عليک مکّة، ورمت بک إلي يثرب، وإنّها لاتزال بک إلي أن نوردک موارد الهلکة.. إلي آخر الکتاب.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله للرسول : إنّ أبا جهل بالمکار(2)يهدّدني، وربّ العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق، والقبول من الله أحقّ، لن يضر محمد من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله عزّوجلّ، ويتفضّل بکرمه وجوده عليه.

ثمّ قال للرسول : قل له : يا أبا جهل، إنّک راسلتني بما ألقاه الشيطان في خلدک (3) وأنا أجيبک بما ألقاه في خاطري الرحمن، إنّ الحرب بيننا وبينک

ص: 143


1- في تفسير العسکري: الخبوط. وهو من تخبطه الشيطان: إذا مسه بحبل أو جنون. وما في المتن «الخيوط» فلعله کناية عن الجنون.
2- في التفسير والمناقب، بالمکاره و العطب.
3- الخلد : البال والقلب .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بمصارع المشرکين في بدر

کافية (1)إلي تسعة وعشرين يوماً، وإن الله سيقتلک فيها بأضعف أصحابي، وستلقي أنت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان -وذکر عدداً من قريش - في قليب بدر مقتّلين، أقتل منکم سبعين، وآسر منکم سبعين، أحملهم علي الفداء (2) الثقيل.

ثمّ قال صلّي الله عليه و آله : ألا تحبّون أن أريکم مصرع (3)کلّ واحد من هؤلاء ؟ هلموا إلي بدر، فإن هناک الملتقي والمحشر، وهناک البلاء [الأکبر](4) فلم يجبه إلّا أمير المؤمنين ، وقال : نعم، بسم الله، فقال صلّي الله عليه و آله لليهود: اخطوا خطوة واحدة فإنّ الله يطوي الأرض لکم، ويوصلکم إلي هناک، فخطا القوم خطوة ، ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر.

فقال صلّي الله عليه و آله : هذا مصرع عتبة ، وذاک مصرع شيبة ، وذاک مصرع الوليد، إلي أن سمّي تمام سبعين، وسيؤسر فلان وفلان، إلي أن ذکر سبعين منهم، فلمّا انتهي (5) إلي آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل، يجرحه (6)فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثمّ قال: إنّ ذلک لحقّ کائن إلي بعد ثمانية وعشرين يوماً، فکان کما

ص: 144


1- في التفسير: کائنة.
2- کذا في التفسير والمناقب، و في الأصل: النداء
3- کذا في التفسير والمناقب، و في الأصل: مصارع.
4- من التفسير والمناقب
5- في التفسير والمناقب: انتهوا. .
6- کذا في التفسير والمناقب، وفي الأصل، آخرها فإن هذا مصرع أبي جهل يخرجه - وهو تصحيف ..

الهجرة إلي الحبشة

قال صلّي الله عليه و آله.(1)

ولمّا ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت کلّ قبيلة علي من فيها من المسلمين، يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن، وعصم اللہ سبحانه منهم من شاء، وحمي(2) الله نبيّه بعمّه أبي طالب رضي الله عنه ، فلمّا رأي رسول الله صلّي الله عليه و آله ما بأصحابه، ولم يقدر علي منعهم، ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلي أرض الحبشة ، وقال : إن بها ملکاً صالحاً، لا يُظلم ولا يُظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتي يجعل الله عزّ وجلّ للمسلمين فرجاً، وأراد به النجاشي، واسمه أصحمة، وهو بالحبشية عطيّة، وإنّما النجاشي اسم الملک، کقولهم تبع ، وکسري (3)، وقيصر .

فخرج إليها سرّاً أحد عشر رجلاً ، وأربع نسوة ، وهم : الزبير بن العوّام ، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمان بن عوف، وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته سهلة بنت سهيلبن عمرو، ومصعب بن عمير ، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته سلمة بنت أبي أميّة، و عثمان بن مظعون، و عامر بن ربيعة، وامرأته ليلي بنت أبي خيثمة، وحاطب بن عمرو، وسهيل (4) بن بيضاء، فخرجوا إلي البحر، وأخذوا سفينة إلي برّ (5)الحبشة بنصف دينار، وذلک في رجب، في السنة الخامسة من

ص: 145


1- التفسير المنسوب إلي الأمام العسکري عليه السلام : 294 -296، عنه البحار : 17 /342، و تفسير البرهان :115/1 ح 1. وأورده في الاحتجاج : 1/ 38، ومناقب ابن شهر اشوب : 1/68 . وأخرجه في البحار : 19 /265 مع 6 عن تفسير العسکري والاحتجاج وانظر : الأحاديث الغيبية : 5/2 - 8 ح 351.
2- في المجمع: ومنع.
3- کذا في المجمع ، و في الأصل : کقوله : کسري
4- في المجمع: سهیل.
5- في المجمع: أرض.

مبعث النبي صلّي الله عليه و آله(1)

ثمّ خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون إليها، وکان جميع من هاجر إلي الحبشة من المسلمين علي التعاقب، اثنين وثمانين رجلاً (2)سوي النساء والصبيان.

فلمّا علمت قريش بذلک وجّهت عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلي النجاشي وإلي بطارقته ليرّدوهم، وکان عمارة بن الوليد شابّاً حسن الوجه، وأخرج عمرو بن العاص أهله معه.

فلمّا رکبوا السفينة شربوا الخمر. فقال عمارة لعمرو بن العاص : قل لأهلک تقبلني، فلمّا انتشي(3)عمرو دفعه عمارة في الماء، ونشب (4)عمرو في صدر السفينة، وأخرج من الماء، وألقي الله العداوة بينهما في مسيرهما قبل أن يصلا إلي النجاشي

ثمّ وردا علي النجاشي ، فأنزلهم، ثمّ استدعي بهما وسألهما ما أقدمهما

إلي بلاده.

فقال عمرو: أيّها الملک، إنّ قوماً خالفونا في ديننا، وسبّوا آلهتنا(5) وصاروا إليک، فردّهم إلينا، فبعث النجاشي إلي جعفر، فحضر بين يديه، فقال: أيّها الملک، سلهم أنحن عبيد لهم ؟

فقال: لا ، بل أحرار. قال: سلهم ألهم علينا ديون يطالبونا بها؟

ص: 146


1- زاد في المجمع: وهذه هي الهجرة الأولي
2- کذا في المجمع، و في الأصل: إنساناً
3- الانتشاء : أوّل السکر.
4- نشب الشيء في الشيء : علق.
5- کذا في المجمع ، وفي الأصل: إلهنا.

قال: عمرو : لا، ما لنا عليکم ديون. قال: فلکم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها ؟ قال عمرو: لا. قال: فما تريدون منّا ؟! آذيتمونا ، فخرجنا من بلادکم(1)

قال جعفر: أيّها الملک، إن الله سبحانه بعث فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد، وبترک الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة، والزکاة، والعدل، والاحسان، وإيتاء ذي القربي، ونهانا عن الفحشاء، والمنکر، والبغي.

فقال النجاشي : بهذا بعث عيسي، ثمّ قال النجاشي (2) هل تحفظ ممّا أُنزل

علي نبيّک شيئاً ؟

قال : نعم .

قال: اقرأ، فقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ (وهُزَّي إلَيک بِجِذعِ النَّخلَةِ تُسَاقِط

عَلَيکِ رُطَباً جَنيّاً) (3) قال النجاشي: هذا والله هو الحقّ.

فقال عمرو: إنّه مخالف لنا، فردّه علينا.

فرفع الملک يده ولطم عمرو، وقال : اسکت والله لئن ذکرته بسوء لأفعلنّ بک، ثمّ قال : ارجعوا إلي هذا هديته، وقال لجعفر ولأصحابه: امکثوا أنتم سيوم، والسيوم: الآمنون، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناک بخير دار، وأحسن جوار، إلي أن هاجر رسول الله صلّی الله

ص: 147


1- في المجمع: ديارکم.
2- زاد في المجمع : لجعفر.
3- سورة مريم : 25.

في إيمان أبي طالب رضي الله عنه

عليه وآله إلي المدينة، وعلا أمره، وهادن قريشاً، وفتح خيبر، فوافي جعفر إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله بجميع من کانوا معه، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : لا أدري بأيّهما أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟

وأتي مع جعفر وأصحابه من الحبشة سبعون راجلآً، منهم اثنان وستّون من الحبشة، و ثمانية من أهل الشام، منهم (1) بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول الله صلّی الله عليه و اله سورة يس إلي آخرها، فبکوا حين سمعوا القرآن و آمنوا، وقالوا: ما أشبه هذا بما أُنزل علي عيسي !(2)

ثمّ لم يزل رسول الله صلّی الله عليه و آله يقاسي منهم الأهوال، ولکنّ الله سبحانه کان يمنعهم عنه بعمّه أبي طالب، وکان أبو طالب رضي الله عنه يظهر لهم أنّه موافق لهم في دينهم ليتمّ له ما يريد من حماية رسول الله، وإلّا فهو کان مسلماً موحداً.

وقد أجمعت العصابة من أهل البيت عليهم السلام انّه قد مات مسلماً وإجماعهم حجّة علي ما ذکر في غير موضع (3)، وسبب الشبهة في ذلک أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه کان يعلن بنفاق أبي سفيان، فشکا معاوية ذلک إلي مروان وعمر وعبد الله بن عامر فقالوا : إنّ إسلام أبيه أخفي من نفاق أبيک، فأظهر کفره، فجعل يقول: ألا إنّ أبا طالب مات کافراً، وأمر الناس بذلک فصارت سنّة.

وقال الصادق عليه السلام : مثل أبي طالب مثل أصحاب الکهف، أسرّوا

ص: 148


1- في المجمع: فيهم.
2- مجمع البيان: 2/ 233 - 234، عنه البحار : 413-411/18.ورواه في تفسير القمّي: 176/1 - 178، بتفاوت، عنه البحار: 18 / 414 ح 1.
3- انظر البحار : 35 / 139 نقلاً عن مجمع البيان.

الايمان وأظهروا الشرک، فآتاهم الله أجرهم مرّتين(1)

وقد صنّف الشيخ أبو جعفر بن بابويه، وأبو علي الکوفي(2)، وسعد القمّي(3)، وعلي بن بلال المهلّبي،(4) والشيخ المفيد (5)في فضائله، وقد أجمع أهل البيت علي ذلک - کما ذکرنا أوّلاً ..

وروي شعبة، عن قتادة، عن الحسن في خبر طويل انّه لمّا حضرت ابا

طالب الوفاة دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله و بکي و قال : يا محمد، إنّي أخرج من الدنيا ومالي غمّ إلاّ غمک ، و ستلقي هزواً وحروباً کثيرة من بني أميّة وبني المغيرة، فإذا متّ فخبّر أصحابک لينتقلوا من مکة إلي حيث شاؤا، فلا مقام لهم بمکّة بعدي.

ص: 149


1- أمالي الصدوق : 492 ح 12، معاني الأخبار: 285 ح 1، إيمان أبي طالب لفخّار بن معد: 321 - 322 و ص 362 و ص363. وأخرجه في البحار: 35/ 72ح 7 عن أمالي الصدوق. وفي ص 77ح 15 عن معاني الأخبار. وفي ص 158 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
2- إيمان أبي طالب لأبي علي الکوفي أحمد بن محمد بن عمار، المتوفّي سنة «346 ه » . رجال النجاشي : 95 رقم 236 ، فهرست الطوسي : 29 رقم 78».
3- فضل أبي طالب وعبد المطّلب وأبي النبي صلّی الله عليه و آله لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي أبي القاسم، المتوفي سنة «299 ه» أو «301 ه» من ثقاة الطائفة ووجهائهم. «رجال النجاشي : 177 رقم 467، فهرست الطوسي: 75 رقم 306». .
4- البيان عن خيرة الرحمن لأبي الحسن علي بن بلال بن أبي معاوية المهلّبي الأزدي . رجال النجاشي: 265 رقم 690، فهرست الطوسي :96 رقم402».
5- إيمان أبي طالب لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي المفيد، المتوفّي سنة «413 ه» ، طبع - ولأکثر من مرّة . ضمن «نفائس المخطوطات» الّتي قام بتحقيقها وإصدارها العلّامة الشيخ محمد حسن آل ياسين، وذلک سنة « 1372 ه »، کما طبع ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد» نشر مکتبة المفيد - قم - ، وطبع أخيرة بتحقيق مؤسسة البعثة - قم سنة « 1412 ه » -

فبکي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقال : ياعمّ، إنّک راحل من الدنيا، وإنّي راحل بعدک من مکّة إلي المدينة، وراحل بعد المدينة إلي الله، وإنّي وإيّاک نلتقي بين يدي الله بعد الموت، فيسألک عن الايمان بي، ويسألک عن ولاية ابنک علي.

ياعمّ، فاشهد بکلمة الاخلاص معي في حياتک قبل موتک، أُخاصم بها

عند ربيّ فترضي ربّک عن نفسي، وترضيني وترضي ولدک عليّاً.

ياعمّ، أما تأسف بنفسک أن يکون عليّ ولدک إمام أمّتي، وأسعد المقرّبين

في الجنان، وتکونَ الشقيّ المعذّب إن متَّ علي کفرک في النيران ؟

ياعمّ ، إنک تخاف عليَّ أذي أعاديّ ولا تخاف علي نفسک غداً عذاب

ربّي !

فضحک أبوطالب، وقال: ودعوتني وزعمت انّک ناصحي ولقد صدقت وکنت قدم أمينا(1)

وعقد علي ثلاثة وستّين (2) عقد الخنصر والبنصر وعقد الإبهام علي إصبعه الوسطي، وأشار بإصبعه المسبحة، يقول: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله.

فقام علي عليه السلام وقال: الله أکبر ، الله أکبر ، والّذي بعثک بالحقّ نبيّاً

لقد شفّعک الله في عمّک وهداه بک.

ص: 150


1- انظر «ديوان شيخ الأباطح أبي طالب» من جمع أبي هقان المهزمي: 41.
2- کذا في البحار، وفي الأصل: ثلاثة وتسعين. وتفسير ذلک أن الألف واحد واللام ثلاثون والهاء خمسة، والألف واحد والحاء ثمانية والدال أربعة والجيم ثلاثة والواو ستة والألف واحد والدال أربعة : فذلک ثلاثة وستون

امام

فقام جعفر وقال: لقد سُدتنا في الجنة يا شيخي کما سُدتنا في الدنيا.

فلمّا مات أبو طالب رضي الله عنه أنزل الله : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنّ

أرضِي وَاسِعَةُ فَإيّايَ فَاعبُدُونِ) (1)-(2)

تفسير وکيع : قال: حدّثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم،(3) عن أبيه ، عن أبي ذّر الغفاري قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب حتي آمن بلسان الحبشة، وقال لرسول الله صلّی الله عليه و آله : يا محمد ، أتفقه لسان الحبشة ؟

قال: يا عمّ، إن الله علّمني جميع الکلام.

قال: يا محمد، «اسدن ملصافافاطالاها(4)يعني : أشهد مخلصاً: لا إله إلا

الله، فبکي رسول الله وقال : إنّ الله أقرّ عيني بأبي طالب (5)

الصادق عليه السلام : لما حضرت أبا طالب الوفاة أوصي بنيه، فکان فيما أوصي قال : إنيّ أوصيکم بمحمد ، فإنّه الأمين في قريش، والصدّيق في العرب، فقد حباکم بأمر قبله الجَنان (6)، وأنکره اللسان مخافة الشنان (7)، وأيم الله لکأنّي أنظر قد محضته العرب درها، وصفّت له بلادها، وأعطته قيادها، فدونکم يا بني

ص: 151


1- سورة العنکبوت: 56.
2- بحار الأنوار: 35/ 79 عن مناقب ابن شهر آشوب - ولم أجده فيه -
3- کذا في البحار، وفي الأصل: حدّثنا شيبان، عن منصور وإبراهيم.
4- في البحار: لمصافا قاطالاها.
5- بحار الأنوار: 30 / 78 ح 18 عن مناقب ابن شهر آشوب - ولم أجده فيه .. وقال المجلسي رحمه الله : يمکن حمل هذا الخبر علي أنه أظهر إسلامه في بعض المواطن البعض المصالح بتلک اللغة، فلا ينافي کونه أظهر الاسلام بلغة أخري أيضاً في مواطن أخر.
6- الجنان : القلب .
7- الشنان : البغضاء. ومراده : لم أظهره باللسان مخافة عداوة القوم .

عبد المطّلب، فقوه بآبائکم وأمّهاتکم وأولادکم، کونوا له دعاة، وفي حربه حماة، فوالله لا سلک أحد سبيله إلّا رُشِد، ولا أخذ أحد بهداه إلّا سُعِد، ولو کان في نفسي مدّة، وفي أجلي تأخير لکفيته الکوافي، ودفعت عنه الدواهي، غير أنّي أشهد بشهادته، وأعظّم مقالته.(1)

وقال رجل لأمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين ، إنّک لبالمنزل الذي أنزلک

الله ، وأبوک يعذّب بالنار ؟

فقال أمير المؤمنين : فضّ الله فاک، والّذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، لو شفع أبي في کلّ مذنب علي وجه الأرض لشفّعه الله تعالي فيهم، أبي يعذّب بالنار وابنه قسيم الجنّة والنار!

ثمّ قال: والّذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفيء أنوار الخلق إلّا خمسة أنوار، نور محمد صلّی الله عليه و آله ، ونوري ، ونور فاطمة، ونور الحسن، ونور الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله سبحانه من قبل خلق آدم بألفي عام.(2)

وما روي من أشعاره الدالّة علي إسلامه الّتي تنفث في عُقَد السحر، وتُغيَّر في وجه شعراء الدهر (3) تزيد علي ثلاثة آلاف بيت، مذکورة في کتب المغازي،

ص: 152


1- أورده في روضة الواعظين: 139 -140، باختلاف، عنه البحار : 107/35 ضمن ح 34.وأورده في سيرة الحلبي : 375/1 طبع مصر، باختلاف أيضاً.
2- مائة منقبة: 174 ح 98 ، أمالي الطوسي:311/1 - 312 الاحتجاج : 229 - 230، إيمان أبي طالب لفخّار : 74، کنز الفوائد: 1/ 183، بشارة المصطفي : 249 ، البحار:69/35ح 3 و ص 110 ح 39، غاية المرام : 46 ح 63و ص 208 ح16، الدرجات الرفيعة: 50، الغدير :387/7 ح 7.
3- کذا في المجمع ، وفي الأصل، الّذي ينفث في عند السجود يغبر في وجوه شعر الدهر.

يکاشف فيها من کاشف النبي صلّی الله عليه وآله ، ويصحّح نبوّته.(1)

في محاسن البرقي(2)يونس بن ظبيان، قال رجل عند الصادق عليه

السلام : إنّ أبا طالب مات مشرکاً.

قال أبو عبد الله : أبعد قوله: ألم تعلموا أن نبينا لا مکذّب لدينا ولا يعني بقول الأباطل (3) وأبيض يُستسقي الغمام بوجهه ثِمال اليتامي(4)عِصمةُ للأراملِ فأظهره(5)ربُّ العبادِ بنصرهِ وأظهر ديناً حقّه غير باطل(6)؟

و تظافرت الروايات أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله قال عند وفاته : ياعمّ وصلتک رَحم وجزيت خيراً ياعمّ ، کفلتني صغيراً ، و أحظيتني کبيراً، فجزيت عنّي

ص: 153


1- مجمع البيان : 260/4 ، متشابه القرآن ومختلفه لابن شهر آشوب: 2/ 65. ولقد جمع أشعار شيخ الأباطح أبي طالب رضوان الله تعالي عليه: أبو هفّان عبد الله بن أحمد المهزمي، المتوفّي سنة «257 ه »، ورواها عفيف بن أسعد، عن عثمان بن جني الموصلي البغدادي النحوي، المتوفي سنة « 392ه». . وقد طبع أخيرة بتحقيق وإستدراک الشيخ محمد باقر المحمودي، وصدر عن مجمع إحياء الثقافة - قم -، وتلته طبعة أخري بتحقيق مؤسّسة البعثة - قم -.
2- لم أجده في المحاسن.
3- في بعض المصادر : لقد علموا أنّ ابننا لا مکذّب لديهم ولا يعني بقول الأباطل وفي بعضها : ألم تعلموا أنّ ابننا لا مکذّب لدينا ولا يعباً بقول الأباطل
4- في بعض المصادر : وربيع اليتامي.
5- في بعض المصادر : فأيّده.
6- انظر : إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: 21، الحجّة علي الذاهب : 305- 323، ديوان شيخ الأباطح : 26 - 37، الطرائف: 300 و 301 و305، البحار: 35/ 72ح 6 و ص 136ح 81 و ص 166.

خیراً

وفي رواية : فقد ربّيت وکفلت صغيراً، وآزرت و نصرت کبيراً

ثمّ أقبل علي الناس فقال : أم والله، لأشفعنّ لعميّ شفاعة يعجب بها

الثقلان(1)

فدعا له صلّی الله عليه و آله ، وليس للنبيّ أن يدعو بعد الموت لکافر لقوله تعالي: (وَلاَ تُصَلَّ عَلَی أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أبَداً) (2)، والشفاعة لا تکون إلّا لمؤمن

ولا يشفعون إلا لمني از تضي(3)

وأجمع أهل النقل من الخاصّة والعامة أن النبيّ صلّی الله عليه و آله قيل له:

ما ترجو لعمّک أبي طالب ؟

قال : أرجو له کلّ خير من ربيّ.(4)

ولمّا مات أبو طالب أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله أمير المؤمنين من بين أولاده الحاضرين بتغسيله وتکفينه ومواراته دون عقيل وطالب، ولم يکن من أولاده من آمن في تلک الحال إلّا أمير المؤمنين عليه السلام و جعفر، وکان جعفر ببلاد الحبشة، ولو کان کافراً لما أمر أمير المؤمنين بتغسيله وتولية أمره،

ص: 154


1- تاريخ اليعقوبي : 35/2، إيمان أبي طالب للشيخ المفيد : 25 - 26، متشابه القرآن ومختلفه:64/2 ، الحجّة علي الذاهب: 265، الطرائف: 305ح 393، شرح نهج البلاغةلابن أبي الحديد:76/14 ، بحار الأنوار: 35/ 125 ح 67 و ص 163، الغدير: 373/7.
2- سورة التوبة :84.
3- سورة الأنبياء : 28.
4- إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: 27، الحجّة علي الذاهب: 71 - 72، الطرائف: 305ح394، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 68/14 ، کنز الفوائد: 1/184، بحار الأنوار: 109/35 ح 38 و ص 151 و ص 156، الغدير: 7/ 373.

ولکان الکافر أحقّ به(1)

وتوفّي أبو طالب وخديجة في سنة ستّ (2) من الوحي، فسمّاه رسول الله صلّی الله عليه وآله عام الحزن. (3)

وقالت فاطمة بنت أسد وعلي صلوات الله عليه: أظهر إسلامک بسر

محمد.

فقال لهما: آمنت به منذ أربعين سنة. فقالا : جدّده.

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، فاکتموا ذلک

عليَّ.

فقال أمير المؤمنين : لقد أظهرت دين عيسي و ملّة إبراهيم.

في کتاب دلائل النبوّة : قال العباس: لما حضرت أبي طالب الوفاة قال له نبيّ الله صلّی الله عليه و آله : ياعمّ، قل کلمة واحدة أشفع لک بها يوم القيامة: «لا إله إلّا الله». .

وکانت جميلة بنت حرب تقول: يا أبا طالب، مت علي دين الأشياخ،

فرأيته يحرّک شفتيه ، وسمعته يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله. (4)

ص: 155


1- الفصول المختارة :229/2 ، عنه البحار: 35/ 173.
2- قيل : تسع ، وقيل : عشر.
3- تاريخ اليعقوبي : 35/2 ، قصص الأنبياء للراوندي : 317، الحجّة علي الذاهب : 261،البحار : 82/35ح 24.
4- أمالي الطوسي:271/1 - 272 ، عنه البحار :76/35 ح 11.

الخطيب في الأربعين: بالاسناد عن محمد بن کعب أنّ أبا طالب لمّا رأي

النبيّ صلّی الله عليه و آله يتفل في فم علي، فقال : ما هذا ، يا محمد ؟

قال: إيمان وحکمة. فقال أبو طالب لعليّ: يا بنيّ، انصر ابن عمّک وآزره.(1)

وإذا استقرأت ورمت معرفة من کان أشدّ متابعة، وأعظم حياطة للنبي صلّی الله عليه وآله، وأعظم محاماة عنه وعن دينه لم تجد في المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين مثل أبي طالب رضي الله عنه وولده، فإنّ أحداً لم يحام عن رسول الله کأبي طالب، فإنّه ذبّ عن رسول الله صلّی الله عليه و آله مدّة حياته بمکّة، وکذلک لما حضر في الشعب، حتي انّ رسول الله لم يمکنه بعد موته الاقامة بمکّة، وهبط عليه جبرائيل وقال: يا محمد، إنّ الله يقرئک السلام، ويقول لک : اخرج قد مات ناصرک. (2)

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ما نالت قريش منّي ما نالت وما أکره

حتي مات أبو طالب (3)

ثمّ لم يستقرّ حتي خرج صلّی الله عليه و آله إلي الطائف.

وکذلک ولده جعفر رضي الله عنه لم يزل يذبّ في إعلاء کلمة الاسلام ونصر الرسول صلّی الله عليه و آله حتي قتل في دار غربة مقبلاً غير مدبر، وسماه رسول الله صلّی الله عليه و آله «ذا الجناحين» لأنّ يديه قطعتا في الحرب، فأبدله

ص: 156


1- مناقب الخوارزمي : 78، عنه کشف الغمة : 288/1وأخرجه في البحار :249/28 ح42 عن الکشف.
2- البحار : 19 /14ح، وج 35/ 112ح 43، ص 137 ح 83 و ص 174.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 67/1، عنه البحار: 19/17 ح 9.

الله منهما جناحين يطير بهما في الجنّة، ووجد فيه بعد أن قتل بضع وتسعون رمية وطعنة، ليس منها شيء في دبره(1)

وهذا أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن، لم يجاهد أحد جهاده، ولا يواسي الرسول صلّی الله عليه و آله مواساته، وهو صلوات الله عليه صاحب الوقائع المشهورة، والمقامات المذکورة، الّتي اتفّق المخالف والمؤالف علي نقلها، وضربت الأمثال بشجاعته فيها، کبدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وأوطَاس(2)وغيرها من الغزوات والسرايا، وفدي رسول الله صلیّ الله عليه و آله بمبيته علي فراشه حتي أنزل الله فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَه ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ) (3) وما زال صلوات الله عليه يذبّ عن رسول الله صلّی الله عليه وآله ويکدح في إعلاء کلمته في حياته وبعد موته حتي قتل في محرابه راکعاً.

وکذلک ولداه الحسن والحسين صلّی الله عليهما، فإنّهما بالغا في النصيحة الجدّهما، وثابرا علي آثار دينه وقمع الملحدين فيه ، لتکون کلمة الله العليا ، وکلمة الّذين کفروا السفلي ، حتي قتلا في سبيل الله وذرّيتّهما وولدهما، وسبيت نساؤهما وذرّيتّهما.

وکذلک زيد بن علي بن الحسين صلوات الله عليه ، وولده يحيي بن زيد،

ومحمد بن زيد، وغيرهما من أولاده وأحفاده.

ص: 157


1- انظر : الاستيعاب : 211/1، عنه البحار:276/22 .وجامع الأصول: 248/9 ح 6124، عنه البحار: 58/21ح 10. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/ 760، عنه البحار : 61/21 -62.
2- أوطاس : واد في ديار هوازن ، فيه کانت وقعة ځين.. ويومئذ قال النبي صلي الله عليه و آله : حبي الوطيش. «معجم البلدان: 281/1 »
3- سورة البقرة: 207.

وکذلک بنو الحسن عبد الله ومحمد وإبراهيم وغيرهم کصاحب فخ ومن تابعه، وکانوا أکثر من ثلاثمائة من ولد أبي طالب، حتي قال سيّدنا أبو الحسن الثالث علي بن محمد الهادي العسکري صلّی الله عليه : ما أُصبنا بمصيبة بعد کربلاء کمصيبة صاحب فخّ.(1)

ومن حفدته مسلم بن عقيل، وولده الّذين شروا أنفسهم من الله بالثمن الأوفر، وقد صنّف فيهم کتاب مقاتل الطالبيّين (2)وتواريخهم وسيرتهم فلانطوّل بذلک، ولولا حسن اعتقادهم، وصفاء ودادهم، وشدّة جهادهم، وقوة اجتهادهم لما جعلهم الله خلفاءه في أرضه ، والأمناء علي سنّته وفرضه .

بحار العلم، ومعادن الحلم، وأئمّة الهدي، ومصابيح الدجي، أوّلهم عليّ وآخرهم المهديّ، کلّما خوي لهم نجم بزغ نجم طالع، وکلّما اختفي منهم علم بدا علم لامع، وکفي فخراً کون المهديّ من ذرّيتّه الّذي يملأ الله الأرض به قسطاًوعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.

وکان أبو طالب رضي الله عنه ربيّ رسول الله صلّی الله عليه و آله صغيراً،

ص: 158


1- روي في عمدة الطالب : 183 عن محمد الجواد بن علي الرضا عليهما السلام أنه قال: لم يکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ . عنه عوالم العلوم :363/21ح 7. وروي في معجم البلدان: 4/ 238 بهذا اللفظ ... ولهذا يقال لم تکم مصيبة بعد کربلاء أشد وأفجع من فخ. عنه البحار :165/48 و عن عمدة الطالب.
2- مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني - المتوفّي ببغداد سنة ستَ أو سبع وخمسين وثلاثمائة، ذکر فيه شهداءهم إلي أواخر المقتدر الّذي مات سنة «320 ه»، ابتدأ فيه بجعفر الطيار أول الشهداء من آل أبي طالب، وأختم بإسحاق بن عباس، المعروف به «المهلوس» الشهيد بأرمن، وذکر بعده جمعا متن حکي له قتلهم، وتبرأ من خطائه، وفرغ منه في جمادي الأولي سنة « 313 ها» . «الذريعة : 376/21 ». وقد طبع عدّة مرات، منها في إيران ستة «1307 ها»، وفي النجف سنة «1385 ه»، ومن ثمّ - بالأوفست علي طبعة النجف - في قم سنة «1405ه).

في شفقة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها علي رسول الله

صلي الله عليه و آله

وحصنه کبيراً.

وکانت زوجته فاطمة بنت أسد رضي الله عنها شديدة الحنّو والشفقة علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهي أحد الصالحات القانتات، ولمّا سمعت قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا جَاَءَکَ المُؤمِنَاتُ يُبَايِعنَکَ)

(1) کانت أوّل امرأة بايعت

رسول الله صلّی الله عليه و آله هي.

وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله من مکّة إلي المدينة علي قدمها، وکانت أبرّ الناس برسول الله صلّی الله عليه و آله ، وسمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : الناس يحشرون يوم القيامة عراة، فقالت : و اسوأتاه.

فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله : إني أسأل الله أن يبعثک کاسية. وسمعته يذکر ضغطة القبر، فقالت : واضعفاه. فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله : إني أسأل الله أن يکفيک ذلک.(2)

وفي الخبر أنّها أسلمت بعد عشرين يوماً من مبعث رسول الله صلّی الله عليه و آله علي يد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولدها، وجاءت إلي رسول الله صلي الله عليه و آله باکية واستزادت، فأمرها رسول الله صلّی الله عليه و آله أن تقتفي آثار ابنها.

وروي أنّها لمّاماتت دخل عليها رسول الله صلّی الله عليه و آله فجلس عند رأسها، وقال: يرحمک الله يا أمّي، کنت أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني،

ص: 159


1- سورة الممتحنة : 12.
2- روي نحوه في اعتقادات الصدوق: 58 -59 (المطبوع في مصّفات الشيخ المفيد، ج 5)، عنه البحار: 279/6. وأورده أيضاً شاذان في الروضة : 5 - مخطوط ..

و تعرين وتکسيني، وتمنعين نفسک من طيب الطعام و تطعميني، تريدين بذلک وجه الله والدار الآخرة، ثمّ أمر صلّی الله عليه و آله أن تغسل ثلاثاً، فلما بلغ الماء الذي فيه الکافور سکبه رسول الله صلي الله عليه و آله بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسها إيّاه ولفّها فوقه، ثمّ دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله أُسامة وأبا أيّوب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله صلّی الله عليه وآله وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل فاضطجع فيه، ثمّ قال: الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، [اللّهمّ](1) اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها، بحقّ نبيّک والأنبياء الذين من قبلي، فإنّک أرحم الراحمين.

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله بعد وضعها في الحد: يا فاطمة ، أنا محمّد سيّد ولد آدم ولا فخر، فإذا أتاک منکر و نکير فسألاک: من ربّک ؟ فقولي: الله ربّي، ومحمد نبیّي، والاسلام ديني، والقرآن کتابي، وابني عليّ إمامي ووليّي.

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ ثبّت فاطمة بالقول الثابت، ثمّ ضرب بيده اليمني علي اليسري فنفضهما، ثمّ قال: والّذي نفس محمّد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني علي شمالي.

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله کبر عليها أربعين تکبيرة، فسأله عمّار عن ذلک، فقال: يا عمّار، التفتّ عن يميني فنظرت أربعين صفّاً من الملائکة، فکبرت لکلّ صفّ تکبيرة.

وفي خبر آخر: يا عمّار، إن الملائکة قد ملأت الفضاء، وفتح لها باب من الجنّة، ومهد لها مهاد من مهاد الجنّة، وبعث إليها بريحان من ريحان الجنّة، فهي

ص: 160


1- من الفصول المهمة.

فيما لاقاه النبي صلي الله عليه و آله من الأذي في الطائف من

عتبة وشيبة

في روح وريحان وجنّة نعيم، وقبرها روضة من رياض الجنّة(1)

وکفاها رضي الله عنها فضلاً وفخراً في الدنيا والآخرة ان ولدها ذرّيّة رسول الله صلّی الله عليه و آله ونسله، وهم أحد الحبلين اللذين لم ينقطعا حتي پردا علي رسول الله صلّی الله عليه و آله الحوض، ولولا خوف الإطالة لأوردت من شعر أبي طالب رضي الله عنه الّذي يحث فيه بنيه علي نصر رسول الله صلّی الله عليه و آله و اتّباع هديه جملة مفيدة تنبيء عن حسن عقيدته، وإخلاص سريرته، لکن اقتصرت علي هذا القدر والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوکيل وإنما قالت الناصبة ما قالت فيه عداوة لولده أمير المؤمنين وحطّاً من قدره، ويأبي الله إلا أن يتمّ نوره ولو کره المشرکون.(2)

ولمّا توفّي أبو طالب رضي الله عنه اشتدّ البلاء علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فعمد لثقيف في الطائف، فوجد ثلاثة، هم سادة، وهم إخوة : عبد ياليل، و مسعود، وحبيب، بنو عمرو، فعرض صلّی الله عليه و آله عليهم نفسه.

فقال أحدهم: أنا أسرق باب (3)الکعبة إن کان الله بعثک بشيء قطّ، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرک ؟ وقال الآخر: والله لا أکلّمک بعد مجلسک هذا أبداً، فإن کنت نبيّاً کما تقول لأنت أعظم خطراً من أن يزد عليک الکلام، وإن کنت تکذب علي الله فلا ينبغي لي أن أکلّمک، وتهزّؤوا به وأفشوا في قومه ما

ص: 161


1- أمالي الصدوق : 258ح 14، روضة الواعظين:142، الفصول المهنة لابن الصباغ: 31. وأخرجه في البحار: 25 / 70ح 4 عن الأمالي والروضة، وفي ص 179 عن الفصول المهمّة. . وفي ج 350/81ح 22 عن الأمالي.
2- إشارة إلي الآية: 32 من سورة التوبة
3- في إعلام الوري: استار . وفي مصادر أخري : أمرط ثياب الکعبة، و مراده: أمزقها.

راجعوه(1) ثمّ أغروا به سفهاءهم، فقعدوا له صفّين علي طريقه.

فلمّا مرّ رسول الله صلّی الله عليه و آله بين صفّيهم جعلوا لا يرفع قدماً ولا يضعها إلاّ رضخوها بالحجارة حتي أدموا رجليه، فخلص منهم وهما تسيلان بالدماء، فعمد إلي حائط من حوائطهم ، واستظلّ بظلّ حبُلة - وهي الکرمة وهو مکروب موجع تسيل رجلاه دماً ، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما من بني عبد شمس، وهما من أکابر قريش، وکان لهم أموال بالطائف، فلمّا رآهما کره مکانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله.

وکلاهما قتلا يوم بدر وقتل معهما الوليد بن عتبة، قتل عتبة أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، ضربه علي هامته بالسيف فقطعها، وضرب هو عبيدة بن الحارث علي ساقه فأطتها(2) فسقطا جميعاً، وحمل شيبة - أخوه - علي حمزة فتضاربا بالسيفين حتي انثلما، وحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الوليد فضربه علي حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.

قال عليّ صلوات الله عليه : لقد أخذ الوليد يمينه بشماله فضرب بها هامتي، فظننت أن السماء سقطت علي الأرض، ثم اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي، أما تري الکلب فقد أنهر (3) عمّک ؟ فحمل عليه علي عليه السلام، ثمّ قال لحمزة: ياعمّ، طأطيء رأسک - وکان حمزة أطول من شيبة - فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ صلوات الله عليه فطرح نصف

ص: 162


1- في إعلام الوري: و أفشوا في قومهم الذي راجعوه به .
2- أي قطعها.
3- انهَرَ الطعنة : وسَعها . وأنّهرتُ الدم : أي أسلته . «لسان العرب: 5/ 237 - نهرّ -» . وفي مناقب ابن شهرآشوب : يهرّ . يقال : هرَّ الکلب یَهِرُّهريراً : إذا نَبَحَ وکَشَرَ عن أنيابه . «لسان العرب :261/5 - هرر -» .

رأسه، ثمّ أتي إلي عتبة وبه رمق فأجهز عليه.

واحتمل عبيدة رضي الله عنه وبه رمق، وحملاه عليّ وحمزة وأتيا به رسول الله صلّی الله عليه و آله و مخّ ساقه يسيل، فاستعبر رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال عبيدة : ألست أوّل شهيد من أهل بيتک ؟ قال: بلي، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي)(1)

رجعنا إلي تمام القصّة:

فلمّا رأيا رسول الله صلّی الله عليه وآله أرسلا غلاماً لهما يدعي عدّاس معه عنب - وهو نصرانيّ من أهل نينوي -، فلمّا جاء رسول الله صلّی الله عليه و آله قال له رسول الله : من أيّ أرض أنت ؟

قال: من أهل نينوي. قال صلي الله عليه و آله : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّي؟ فقال عدّاس : وما أعلمک بيونس ؟

قال صلّی الله عليه و آله : أنا رسول الله ، والله تعالي أخبرني بخبره، فلمّا أخبره بما أخبره الله به من شأن يونس خرّ عدّاس ساجداً الرسول الله صلّی الله عليه و آله (2)، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان دماً، فلمّا نظر عتبة و شيبة ما يصنع غلامهما سکتا، فلمّا أتاهما قالا: ما شأنک سجدت لمحمّد، وقبلت قدميه، ولم نرک فعلت بأحدٍ منّا ذلک ؟

ص: 163


1- انظر في وصف هذا الموقف في غزوة بدر : تفسير القمي: 265/1 ، مجمع البيان : 527/2، مناقب ابن شهر آشوب: 119/3 ، عنها ألبحار: 254/19 ح 3 و ص225 وص290.
2- في إعلام الوري : ساجد له .

رجوع رسول الله صلي الله عليه و آله من الطائف إلي مکة ،

و عرضه نفسه علي قبائل العرب

قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا

يدعي يونس بن متّي.

فضحکا وقالا: لا يفتننّک عن نصرانيتّک فإنّه رجل خدّاع.(1)

وروي أنّ المشرکين لمّا مضوا إلي بدر لقتال رسول الله صلّی الله عليه و آله کان عدّاس مع سيديه عتبة وشيبة، فسأل منهما: من هذا الّذي عزمتم علي حربه والوقيعة به ؟

فقالا له: يا عدّاس، أرأيت الّذي أرسلناک إليه بالعنب في الطائف ؟ قد اتّبعه قوم من الصُّباة، وقد قصدنا حربهم، و تفريق کلمتهم، وأن نأتي بهم إلي مکة ساري، ونعرفّهم ضلالهم.

فقال عدّاس : بالله يا سيّديَّ، ارجعوا من فورکم هذا إلي مکّة، والله لئن لقيتموه لا تفرحوا بالحياة بعدها، والله إنه نبي حق، وقوله صدق، فزجراه ولم يعبئا بکلامه.(2)

ثمّ إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله رجع إلي مکّة من الطائف واشتد البلاء، وأقبل المشرکون يردّون المسلمين ويفتنونهم عن دينهم، ثمّ أنّ النبي صلّی الله عليه و آله استجار بالأخنس بن شَريق ، وسهيل بن عمرو فتعلّا، ثمّ استجار بالمطعم بن عدّي حتي دبر في أمر الهجرة.(3)

وکان رسول الله صلّی الله عليه وآله يعرض نفسه علي قبائل العرب في

ص: 164


1- إعلام الوري : 64، عنه البحار : 6/19 ضمن ح 5.وأورده في مناقب ابن شهر آشوب: 68/1 ، عنه البحار:17/19ح 9.
2- المغازي للواقدي: 33، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :96/14. البحار: 330/19.
3- إعلام الوري:65، عنه البحار:7/19.

بيعة العقبة

الموسم، فلقي رهطاًمن الخزرج، فقال: ألا تجلسون أحدّثکم؟

قالوا: بلي، فجلسوا إليه، فدعاهم إلي الله، وتلا عليهم القرآن.

فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله انّه النبيّ الّذي کانوا يوعدوکم به اليهود(1)، فلا يسبقتّکم إليه أحد، فأجابوه، وقالوا له: إنّا ترکنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والسوء مثل مابينهم ، وعسي الله أن يجمع بينهم بک، فستقدم عليهم وتدعوهم إلي أمرک، وکانوا ستّة نفر.

فلمّا قدموا المدينة أخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول إلّا وفيها حديث رسول الله صلّی الله عليه و آله ، حتي إذا کان العام المقبل أتي الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا النبي صلّی الله عليه و آله ، فبايعوه علي بيعة النساء ألا يشرکوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، إلي آخرها، ثمّ انصرفوا وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم ، وکان يسمّي بينهم في المدينة «المقريء»(2) فلم تبق دار في المدينة إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار اميّة وحطيمة ووائل وهم من

الأوس.

ثمّ عاد مصعب إلي مکّة، وخرج من خرج من الأنصار إلي الموسم،

فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان في أيّام التشريق بالليل عند رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال صلي الله عليه و آله : أبايعکم علي الاسلام.

فقال بعضهم: يا رسول الله، نريد أن تعرّفنا ما لله علينا، وما لک علينا، وما

لنا علي الله .

ص: 165


1- في المناقب والبحار: الّذي کان يوعدکم به اليهود.
2- سمّي بذلک لأنّه کان يقرئهم القرآن.

فقال صلّی الله عليه و آله : أمّا ما لله عليکم فتعبدوه، ولا تشرکوا به شيئاً،

وأمّا ما لي عليکم فتنصرونني مثل نسائکم وأبنائکم، وأن تصبروا علي عضّ السيوف، وأن يقتل خيارکم.

قالوا: فإذا فعلنا ذلک فما لنا علي الله ؟

قال: أمّا في الدنيا فالظهور علي من عاداکم، وفي الآخرة رضوان الله والجنّة، فأخذ البراء بن معرور بيده، وقال: والذي بعثک بالحقّ نبيّاً لنمنعنّک بما نمنع به أُزرنا(1)، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناها کبار عن کبار.

فقال أبو الهيثم: إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنّا إن قطعناها أو قطعوها

فهل عسيت إن فعلنا ذلک، ثمّ أظهرک الله أن ترجع إلي قومک وتدعنا ؟

فتبسّم رسول الله، ثمّ قال : بل الدم الدم والهدم الهدم، أُحارب مسن حاربتم، و سالم من سالمتم، ثمّ قال صلي الله عليه و آله : أخرجوا لکم (2)اثني عشر نقيباً، فاختاروا، فقال: أُبايعکم کبيعة عيسي بن مريم للحوارييّن کفلاء علي قومهم بما فيهم، وعلي أن تمنعوني بما(3)تمنعون منه نساءکم وأبناءکم، فبايعوه علي ذلک، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب(4) هل لکم في محمّد

ص: 166


1- ال ابن الأثير في النهاية: 1/ 45: وفي حديث بيعة العقبة «لَنَمنَعنَّکَ ممّا نمنع به اُزُرَنَا» أي نساءنا وأهلنا، کنّي عنهنّ بالأزرِ؛ وقيل: أراد أنفسنا . وقد يکنّي عن النفس بالازار.
2- في المناقب والبحار: إليَّ
3- في المناقب والبحار: ممّا .
4- قال ابن الأثير في النهاية: 1/234 : في حديث بيعة الأنصار «نادي الشيطان: يا أصحاب الجُبَاجب» هي جمع جُبجُب - بالضمّ - وهو المستوَي من الأرض ليس بحَزن، وهي هاهنا منازل بمنیً، سمّيت به ، قيل: لأنّ کروش الأضاحي تُلقَي فيها أيّام الحج والجَبجَبَة : الکَرِش يُجعل فيها اللحم يُتزوّد في الأسفار .

في أمر رسول الله صلي الله عليه و آله أصحابه بالهجرة من مکة إلي

المدينة واجتماع دار الندوة

والصباة معه ؟ اجتمعوا علي حربکم، ثمّ نفر الناس من مني وفشي الخبر، فخرجوا في الطلب، فأدرکوا سعد بن عبّادة والمنذر بن عمرو، فأمّا المنذر فأعجز القوم، وأمّا سعد فأخذوه، وربطوه بنسع رحله، وأدخلوه مکّة يضربونه، فبلغ خبره جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أميّة فأتياه وخلّصاه.

وکان النبيّ صلّی الله عليه و آله في ذلک الوقت لم يؤمر إلّا بالدعاء والصبر علي الأذي، والصفح عن الجاهل، فطالت قريش علي المسلمين، فلمّا کثر عتوّهم أمر صلّی الله عليه و آله بالهجرة، فقال صلّی الله عليه و آله لأصحابه المؤمنين: إنّ الله قد جعل لکم داراً وإخواناً تأمنون بها، فخرجوا أرسالاً(1) يتسلّلون تحت الليل، حتي لم يبق مع النبي إلّا عليّ عليه السلام ، مع جماعة يسيرة من أصحابه، فحذرت قريش خروجه، وعلموا أنّه قد أجمع علي حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قُصيّ بن کِلاب يتشاورون في أمره، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد، فقال: أنا ذو رأي حضرت لموازرتکم.

فقال عروة بن هشام : نتربّص به ريب المنون، وقال أبو البختري

أخرجوه عنکم تستريحوا من أذاه

وقال العاص بن وائل وأميّة و اُبيّ ابنا خلف : نبني له علماً (2)نستودعه فيه،

فلا يخلص إليه(3)من الصباة أحد.

ص: 167


1- قال المجلسي رحمه الله : الأرسال - بالفتح - : جمع الرسل - بالتحريک - وهو القطيع من کلّ شيء، أي زمراً زمراً. ويحتمل الإرسال - بالکسر - : وهو الرفق والتؤدة.
2- زاد في المناقب : ونترک له فرجاً. يقال لما يبُني في جواد الطريق من المنازل يستدلّ بها علي الطريق: أعلامُ، واحدها عَلَم والعَلَم : المنار ... والعَلَامة والعَلَمَ: شيء يُنصب في الفلوات تهتدي به الضالّة . «لسان العرب:419/12 - علم - ». .
3- کذا الصحيح ، وفي الأصل: فلا يخلص منه إليه.

مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله صلي الله عليه و آله

وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان: نرحل بعيراً صعباً ونوثق محمّداً عليه کتافاً وشدّاً، ثمّ نقصع (1)البعير بأطراف الرماح فيوشک أن يقطعه بين الدکادک (2) إرباً إرباً.

فقال أبو جهل : أري لکم أن تعمدوا إلي قبائلکم العشرة فتنتدبوا من کلّ قبيلة رجلاً نجداً(3)، وتأتونه بياتاً، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعها، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلّب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل.

فقال أبو مرّة: أحسنت يا أبا الحکم، هذا الرأي فلا نعدلنّ له رأياً، فأنزل الله سبحانه : (يَمکُرُ بک الَّذِينَ کَفَروا لِيُثبتُوکَ أَو يَقتُلُوکَ أَو يُخرِجُوکَ) (4) الآية، فهبط جبرئيل علي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقال: لاتبت هذه الليلة علي فراشک الذي کنت تبيت عليه، فدعا عليّاً عليه السلام ، فقال : إنّ الله سبحانه أوحي إليّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلي غار ثور أطحل (5) ليلتي هذه وأمرني أن آمرک بالمبيت علي مضجعي، وأن ألقي عليک شبهي .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أو تسلم بمبيتي هناک ؟ قال صلّی الله عليه و آله : نعم.

فتبسّم أمير المؤمنين ضاحکاً، وأهوي إلي الأرض ساجداً، فکان أوّل من سجد لله شکراً، وأوّل من وضع وجهه علي الأرض بعد سجدته، فلمّا رفع رأسه

ص: 168


1- أي نجرحه بأطراف الرماح حتي يغضب .
2- جمع الدکداک : وهو أرض فيها غلظ.
3- النجد : الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره.
4- سورة الأنفال : 30.
5- الطَّحلَة - بالضمّ -: لَونُ بَين الغُبرة والسواد ببياضٍ قليلٍ . «القاموس المحيط : 6/4 -طحل - ».

قال: امض بما أمرت به، فداک سمعي و بصري وسويداء قلبي.

قال: فارقد علي فراشي، واشتمل بردي الحضرمي، ثمّ إنيّ أُخبرک يا علي انّ الله تعالي يمتحن أولياءه علي قدر إيمانهم ومنازلهم من دينهم،(1) فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل (2) وقد امتحنک الله يا ابن امّ بي، وامتحنني فيک بمثل ما امتحن خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبراً صبراً ( إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبُ مِنَ المُحسِنِينَ) (3)ثمّ ضمّه إلي صدره، واستتبع رسول الله صلّی الله عليه وآله أبو بکر وهند بن أبي هالة وعبيد الله(4) بن فُهَيرة، ودليلهم أُريقط (5)الليثي فأمرهم رسول الله بمکان ذکره لهم، ولبث (6)صلّی الله عليه و آله مع عليّ يوصيه، ثمّ خرج في فحمة العشاء(7) والرصد من قريش فقد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ليهجموا عليه، وکان صلّی الله عليه وآله يقول: (وَجَعَلنَا مِن بَين أَيديِهم سَداً وَمِن خَلفِهِم سَدّاً) (8)الآية، وکان بيده قبضة تراب، فرمي بها في رؤوسهم، ومضي حتي انتهي إلي أصحابه الذين واعدهم، فنهضوا (9)معه

ص: 169


1- في المناقب : دينه.
2- تقدمت تخريجاته ص 39هامش 16
3- سورة الأعراف: 56.
4- في المناقب : عبدالله ، وکذا في المواضع الآتية . وفي الکامل : عامر بن فُهَيرَة . وهو مولي الطُّفَيل بن عبدالله الأزديّ - اشتراه أبو بکر . انظر في ترجمته «الکامل في التاريخ : 68/2». .
5- في المناقب : أزيقطة . ولعلّه أبو واقد کما سيأتي في ص 85-. وفي تاريخ الطبري : 2/ 378 و 380 دليلهم : عبد الله بن أرقد.
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل:کتب - وهو تصحيف .
7- الفَحمَهُ من الليل: أوّله، أو أشدُّ سواده، أو ما بين غروب الشمس إلي نوم الناس. القاموس المحيط :158/4 - فحم - ».
8- سورة يس : 9.
9- في المناقب : فمضوا.

حتي وصلوا إلي الغار، وانصرف هند و عبيد الله بن فهيرة راجعين إلي مکّة.(1)

وکان قد اجتمع حول دار رسول الله صلي الله عليه و آله أربعمائة رجل

مکبّلين بالسلاح.

قال ابن عبّاس: فکان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام وأبو سفيان، ومن بني نوفل طعمة(2) بن عديّ وجبير بن مُطعم والحارث بن عامر، و من بني عبد الدار النضر بن الحارث، ومن بني أسد أبو البختري وزمعة (3) ابن الأسود و حکيم بن حزام (4) ومن بني مخزوم أبو جهل، ومن بني سهم نُبَيه ومُنبَّه ابنا الحجّاج، ومن بني جُمَح أميّة بن خلف، هؤلاء الرؤساء وغيرهم

ممّن (5) لا يعدّ من قريش.(6)

وأحاطوا بالدار إلي أن مضي من الليل شطره هجموا علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه شاهرين سيوفهم ، ففطن بهم فاخترط سيفه وشدّ عليهم فانحازوا عنه ، وقالوا: أين صاحبک ؟

قال : لا أدري ، أو رقيب کنت عليه ، ألجأتموه إلي الخروج ، فخرج.

ص: 170


1- مناقب ابن شهر آشوب: 181/ 1 - 183، عنه البحار: 25/19 ح 15 «إلي قوله : يتشاورون في أمره». . وأخرجه في البحار: 19 / 23 عن المنتفي في مولد المصطفي للکازروني، ولم أعثر علي غير طبعته الفارسيّة والمسماة «نهاية المسؤول في رواية الرسول». . وانظر في هجرته صلّی الله عليه و آله : الکامل في التاريخ : 101/2 وما بعدها.
2- في تاريخ الطبري: طعَيَمَة.
3- کذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: ربيعة.
4- کذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: مزاحم
5- کذا في المناقب وتاريخ الطبري ، وفي الأصل: ممّا
6- مناقب ابن شهر آشوب: 2/ 58، عنه البحار: 290/38 . وانظر تاريخ الطبري:370/2 .

في هجرة علي عليه السلام من مکة إلي المدينة

وکان أمير المؤمنين في تلک الحال ابن عشرين سنة، فأقام صلوات الله عليه بمکّة حتي أدّي أمانات رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وأدّي إلي کلّ [ذي](1) حقّ حقّه، ثمّ عزم صلوات الله عليه علي الهجرة.

فکان ذلک دلالة علي خلافته وإمامته وشجاعته، وحمل نساء النبيّ صلّی الله عليه و آله بعد ثلاثة أيّام، وفيهنّ عائشة، فله المنّة علی أبي بکر بحفظ ولده، ولعليّ عليه السلام المنّة عليه في هجرته، وعليّ ذو الهجرتين والشجاع هو الثابت (2)بين أربعمائة سيف، وإنّما أباته النبي علي ّفراشه ثقة بنجدته، فکانوا محدقين به إلي طلوع الفجر ليقتلوه ظاهراً، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم بأنّ قاتليه من جميع القبائل.(3)

وقد ذکرنا رؤساءهم الّذين اجتمعوا لقتله قبل ذلک.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عزم علي الهجرة قال له العباس: إنّ محمداً ما خرج إلّا خفية، وقد طلبته قريش أشدّ طلب، وأنت تخرج جهاراً في أثاث و هوادج ومال ونساء ورجال تقطع بهم السباسب(4) والشعاب من بين قبائل قريش، ما أري لک أن تمضي إلّا في خُفَارَة (5)خزاعة.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

ص: 171


1- من المناقب
2- في المناقب: والشجاع البائت.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 2/58 - 59، عنه البحار:289/38- 291.
4- السباسب : جمع السَّبسُب: المَفَازة أو الأرض المستوية البعيدة. «القاموس المحيط :81/ 1 - سَبَّه - ».
5- فير القوم: جيرهم . «المحيط في اللغة : 331/4 - خف »

إنّ المنيّة شربة مورودة لا تجزعنّ(1)وشدّ للترحيل إنّ ابن آمنة النبيّ محمداً رجل صدوق قال عن جبريل أرخ الزمام ولا تخف من عائق فالله يرديهم عن التنکيل إني بربّي واثق وبأحمد وسبيله متلاحق بسبيلِ

قالوا: وکمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل، فلمّا رآه (2) أمير المؤمنين عليه السلام اخترط (3) سيفه ونهض إليه، فصاح أمير المؤمنين عليه السلام فيه صيحة خرّ علی وجهه، وجَلَدَه(4)بسيفه، ثمّ مضي صلوات الله عليه ليلا.(5)

وکان مبيت أمير المؤمنين عليه السلام أوّل ليلة.

وأقام رسول الله صلّی الله عليه و آله في الغار ثلاثة أيّام، ولمّا ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء منتظرة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وکان أمير المؤمنين أمر ضعفاء المسلمين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن کلّ وادي وکان معه من النساء الفواطم (6) وأيمن بن أمّ أيمن (7)مولي رسول الله صلّی الله

ص: 172


1- في المناقب : لاتنزع
2- کذا في المناقب، و في الأصل: رأي.
3- في المناقب : سلّ.
4- في المناقب : جلله. يقال : جلدته بالسيف والسوط جلدة إذا ضربت جلده . «لسان العرب: 125/3 -جلد - »...
5- مناقب ابن شهر آشوب:59/2، عنه البحار:291/38.
6- أي : فاطمة بنت رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلّب - وقد قيل هي ضُباعة
7- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّ أيمن.

عليه وآله وغيرهم، وخرج عليه السلام إلي ذي طوي، وأبو واقد يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال أمير المؤمنين : أبا واقد، ارفق بالنسوة فإنّهنّ ضعائف.

قال : إنّي أخاف أن يدرکنا الطلب.

فال: اربع عليک،(1) إنّ النبي صلّی الله عليه و آله قال لي : يا علي، إنّهم لن يصلوا إليک من الآن بمکروه، ثمّ جعل أمير المؤمنين يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ويرتجز عليه السلام:

ليس إلّا الله فارفع ظتکا يکفيک ربّ العرش (2) ما أهمکا

فلمّا شارف ضجنان (3) أدرکه الطلب بثمانية فوارس، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً سيفه، فأقبلوا عليه وقالوا: يا غُدَر(4)، کيف أنت (5)ناج بالنسوة ؟ ارجع لا أبا لک.

قال: فإن لم أفعل أفترجعون؟ ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل

جناحاً، وکان يشدّ عليهم شدّ الأسد علي فريسته، وهو يقول:

خلّوا سبيل الجاهد المجاهدِ آليت لا أعبد غير الواح

فتقهقروا عنه، فسار ظاهرة حتي وافي ضجنان فتلوّم بها يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين، فصلّی ليلته تلک والفواطم يذکرون الله قياماً

ص: 173


1- أي توقّف وتحبّس.
2- في المناقب : الناس.
3- ضَجَنان: جبل قرب مکّة.
4- أي: يا غادر.
5- في المناقب : أظننت ياغدار آتک.

وقعوداً وعلي جنوبهم حتي طلع الفجر، فصلّی بهم صلاة الفجر، ثمّ سار بهم حتي وصل المدينة، وقد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم، وهو قوله تعالي:(الّذيِنَ يَذکُرُّونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلی جُنُوبِهِم - إلي قوله - أنَّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أَو أنثَي - فالذکر عليّ والأنثي فاطمة - بَغضُکُم مِن بَغضٍ - عليّ من الفواطم وهنّ من عليّ، إلي قوله - عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ(1)

وتلا رسول الله صلّي الله عليه و آله : (إنَّ اللهَ اشتَرَي مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسَهُم وَأموَالَهُم)(2)الآية، ثمّ قال : يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيماناً بالله وبرسوله، وأوّلهم هجرة إلي الله ورسوله، وآخرهم عهداًبرسول الله صلّی الله عليه وآله ، والّذي نفسي بيده لا يحبّک إلّا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضک إلّا منافق أو کافر.

وکان قيام علي بعد النبي بمکّة ثلاث ليال، ثمّ لحق برسول الله صلّی الله

عليه و آله (3)

روي السدّي، عن ابن عبّاس، قال: نزل قوله تعالي:(4)(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ انتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ) في عليّ بن أبي طالب حين هرب النبيّ صلّی الله عليه و آله عن المشرکين إلي الغار، ونام عليّ عليه السلام علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله ، ونزلت الآية بين مکّة والمدينة.

ص: 174


1- سورة آل عمران : 191- 195.
2- سورة التوبة: 111.
3- مناقب ابن شهر آشوب : 84/2-86 ، عنه البحار: 65/19 .
4- سورة البقرة : 207.

في دخول رسول الله صلي الله عليه و آله و صاحبه الغار

وروي أنّه لمّا نام أمير المؤمنين عليه السلام قام جبرئيل عند(1) رأسه،

و ميکائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي : بخ بخ من مثلک يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائکة ؟(2)

وروي أنّ الله عزّ وجلّ أوحي إلي جبرئيل و ميکائيل أنّي قد جعلت عمر

أحدکما أطول من الآخر، فأکما يؤثر صاحبه بالزيادة ؟ فلم يجيبا.

فأوحي الله إليهما: هذا عليّ بن أبي طالب قد آثر محمداًبعمره، ووقاه

بنفسه، فاهبطا إليه واحفظانه، فهبط جبرئيل و ميکائيل، الحديث.(3)

وأمّا المشرکون فرکبوا الصعب والذلول في طلب رسول الله صلّی الله عليه

وآله (4)

قال الزهري : ولمّا دخل رسول الله صلّی الله عليه و آله وأبو بکر الغار أرسل الله زوجاً من حمام ، حتي باضا في أسفل الثقب، والعنکبوت حتي تنسج بيتاً، فلمّا جاء سراقة بن مالک في طلبهما فرأي بيض الحمام ونسج (5)العنکبوت، قال: لو دخله أحد لانکسر البيض و تفسّخ [ بيت ](6)العنکبوت، فانصرف.

ص: 175


1- کذا في المجمع، وفي الأصل: علي .
2- مجمع البيان :301/1 . وفيه : بک الملائکة.
3- أمالي الطوسي : 2/ 83 -84، إحياء علوم الدين: 3/ 258، الروضة لشاذان: 2 مخطوط) ، إرشاد القلوب للديلمي: 224، تأويل الأيات : 89/1 ح 76. وأخرجه في البحار: 39/19 ص64 و ص 85 ح36و ص 86ح 37 عن بعض المصادر أعلاه .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 183.
5- في المجمع: وبيت.
6- من المجمع.

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ أعمِ أبصارهم عنّا، فعميت

أبصارهم عن دخوله، وجعلوا ينظرون(1)يميناً وشمالاً حول الغار.

وقال أبو بکر: لو نظروا إلي أقدامهم لرأونا.

وروي علي بن إبراهيم في تفسيره: کان رجل من خزاعة، يقال له أبو کرز، فما زال يقفو أثر رسول الله صلّی الله عليه وآله حتي وقف بهم علي الحجر (2)، فقال : [ هذه] (3) قدم محمد، هي والله أخت القدم التي في المقام، وقال: هذه قدم أبي قحافة والله، وقال: ماجاوزا هذا المکان، إمّا أن يکونا صعدا في السماء أو نزلا في الأرض.

وجاء فارس من الملائکة في صورة الإنس، فوقف علي باب الغار، وهو

يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا.

ونزل رجل من قريش فاستقبل باب الغار وبال، فقال أبو بکر: قد

أبصرونا يا رسول الله.

فقال صلّی الله عليه و آله : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم.(4)

(فَاَنزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلَيهِ) (5) أي علي رسوله صلي الله عليه وآله ، أي :

ألقي في قلبه ما سکن به، وعلم أنّهم غير واصلين إليه.

وفي تخصيص رسول الله صلّی الله عليه و آله بالسکينة، وعدم إدخال أبي

ص: 176


1- في المجمع: يضربون.
2- في المجمع : باب الغار.
3- من المجمع.
4- آورده عن علي بن إبراهيم في مناقب ابن شهر آشوب: 127/1 - 128، عنه البحار :77/199 ح 28.
5- سورة التوبة : 40.

بکر فيها، أقوي دليل علي عدم إيمانه، وقوّة يقينه صلّی الله عليه وآله ، ورباط جاشه، وقد أشرک الله المؤمنين مع رسوله في السکينة في هذه السورة وغيرها بقوله: (فَأَنَزَلَ اللهُ سَکينَتَهُ) علي رسوله وعلي المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها، وفي سورة إنّا فتحنا: (فَأَنَزَلَ اللهُ سَکيِنَتَهُ عَلَی رَسُولِهِ وَعَلَی المُؤمِنيِنَ وَأَلزَمَهُم کَلَمِةَ التَّقوی(1)

الآية.(2)

وقد ردّ رسول الله صلّی الله عليه و آله هند وعبد الله بن فُهيرة حين أوصلاه إلي الغار، وحبس أبي بکر لعلمه برباط جأشهما، وشدّة يقينهما، وقوّة إيمانهما، وانّهما لو قتلا ما أخبرا بمکان رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وحبس أبا بکر عنده خوفاً علي نفسه منه، لأنّه کان قد علم أوّلاً بعزم الرسول، وخاف إن أذن له کما أذن لهما أن تعلم قريشاً بمکانه فيخبرهم به إمّا رهبة أو نفاقاً.

وقد روي أبو المفضّل الشيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها ومکانه مع رسول الله صلّی الله عليه و آله في الغار، فقال لها عبد الله بن شدّاد بن الهاد: فأين أنتِ من علي بن أبي طالب حيث نام [في] (3) مکانه وهو يري أنّه يقتل ؟ فسکتت ولم تجد جواباً.

وشتّان بين قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ انتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ)(4) وبين قوله: (لَا تَخزَن إنَّ اللهَ مَعَنَا) (5) وکان النبي صلّی الله عليه و آله يقوّي قلبه، ولم يکن مع عليّ أحد يقوّي قلبه، وهو لم يصبه وجع، وعليُّ کان

ص: 177


1- سورة الفتح:26.
2- مجمع البيان: 31/3 ، عنه البحار: 19/ 33.
3- من المناقب .
4- سورة البقرة : 207.
5- سورة التوبة: 40.

أن الرسول صلي الله عليه و آله أسس مسجده بقبا

يرمي بالحجارة وهو علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وأبو بکر مختف بالغار، وعلي ظاهر للکفّار.

واستخلفه الرسول لردّ الودائع لأنّه کان أميناً، فلمّا أدّاها قام صلوات الله عليه علي سطح الکعبة، فنادي بأعلي صوته : يا أيها الناس، هل من صاحب أمانة ؟ هل من صاحب وصيّة ؟ هل من صاحب عدة له قِبَل رسول الله صلّی الله عليه و آله ؟ فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيّ صلّی الله عليه و آله.(1)

فنزل معه علي کلثوم(2) وکان أبو بکر في بيت خبيب(3)بن إساف، فأقام

النبيّ صلّی الله عليه و آله بقبا يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأتس مسجده، وصلي يوم الجمعة في المسجد الذي ببطن الوادي - وادي رانوقا(4) فکانت أوّل صلاة صلّاها بالمدينة، ثمّ أتاه غسان بن مالک وعبّاس بن عبادة في رجال من بني سالم، فقالوا: يا رسول الله ، أقم عندنا في العدّة والعدد والمنعة.

فقال صلّی الله عليه و آله : خلّوا سبيلها ، فإنّها مأمورة – يعني ناقته - ، ثمّ

ص: 178


1- مناقب ابن شهر آشوب : 57/2 - 58 ، عنه البحار:289/38 .
2- في المناقب : کلثوم بن هدم وهو کلثوم بن هدم بن امريء القيس بن الحارث بن مالک بن الأوس الأنصاري الأوسي، کان يسکن قباء، ويعرف بصاحب رسول الله صلي الله عليه و آله ، وکان شيخاً کبيراً، وأسلم قبل وصول النبي صلي الله عليه وآله إلي المدينة، توفي قبل بدر بيسير، وقيل: إنّه أوّل من مات من أصحاب رسول الله صلّی الله عليه و آله . «أُسد الغابة: 253/4 »
3- کذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : حبيب - وهو تصحيف .. وهو خُبيب بن إساف ؛ وقيل: يساف، ابن عِنَبة بن عَمرو الأنصاري الخزرجي: شهد بدراً وأحداًوالخندق، وکان نازلاً بالمدينة وتأخّر إسلامه حتي سار النبيّ صلّی الله عليه و آله إلي بدر، فلحق النبي صلّی الله عليه و آله في الطريق فأسلم. «أسد الغابة: 1/ 368 وج 101/2 - 102 »
4- في المناقب : رافوقا.

نزول النبي صلي الله عليه و آله في بيت أبي أيوب

تلقّاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة، فقال کذلک، ثمّ اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة ، ثمّ اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث، فانطلقت حتي إذا وازت دار بني مالک بن النجّار برکت علي باب مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهو يومئذ مِربِد(1)لغلامين يتيمين من بني النجّار، فلما برکت ورسول الله لم ينزل و ثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلّی الله عليه وآله واضع لها زمامها لايثنيها به، ثمّ التفّت إلي خلفها فرجعت إلي مبرکها أول مرّة فبرکت، ثم تجلجلت (2) ورزمت ووضعت جرانها، فنزل صلّی الله عليه و آله عنها، واحتمل أبو ايوب رحله ووضعه في بيته، ونزل رسول الله في بيت أبي أيّوب وسأل عن المربد فأخبر انّه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاهما معاذ، وأمر النبي صلّی الله عليه و آله ببناء المسجد، وعمل رسول الله صلّی الله عليه و آله بنفسه، وعمل فيه المهاجرون والأنصار، وأخذ المسلمون پر تجزون وهم يعملون، فقال بعضهم : لئن قعدنا والنبيّ يعمل لذاک منّا

العمل المضلّل

ص: 179


1- کذا في المناقب، و في الأصل : مزيد . وکذا في المواضع التالية. والمربد : موضع الإبل.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تخلخلت وتجلجلت : أي تخاضعت وتضعضعت . وما في الأصل لعلّه : تحلحلت - وهو الموافق لما في سيرة ابن إسحاق، ومعناه : تحرّکت. قال ابن الأثير في النهاية: 4 / 239 : «ثمّ تَلَحَلَتَ وأزَمَت، وَوَضَعَت جِرَائَها» تَلَخَلَتَ: أي أقامَت وَلَزِمَت مکانها ولم تَبرح، وهو ضدّ تَحَلحَل. وقال في ج 220/2 : «وأرز مت» أي صوَّتَت، والإز زام: الصوت لايفتح به الفَمُ، و «ناقةرازم» هي الّتي لا تتحرّک من الهزال. والجران باطن العنق ؛ وقيل: مقدّمه .

غزوات رسول الله صلي الله عليه وآله

والنبي صلّی الله عليه وآله يقول : لا عيش إلّا عيش الآخرة ربّ (1)ارحم الأنصار والمهاجرة

وعلي أمير المؤمنين يقول: لايستوي من يعمل (2) المساجدا يدأب فيها قائماً وقاعداً

ومن يُري عن الغبار(3) حائداً ثمّ انتقل من بيت أبي أيّوب إلي مساکنه الّتي بنيت له؛ وقيل: کانت مدّة مقامه بالمدينة إلي أن بني المسجد وبيوته من شهر ربيع الأوّل إلي صفر من السنة القابلة.(4)

ولمّا کان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه صلّی الله عليه و آله بقول: (أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بأَنَّهُم ظُلِمُوا)(5) الآية، وقلّد في عنق رسول الله صلّی الله عليه و آله سيفاً. وفي رواية : لم يکن له غمد، وقال: حارب بهذا قومک حتي يقولوا لا إله إلا الله .

وروي أهل السير أنّ جميع ما غزا رسول الله صلّی الله عليه و آله بنفسه ستّ وعشرون غزاة، علي هذا النسق: الأبواء، بواط(6)العشيرة، بدر الأُولي، بدر

ص: 180


1- في المناقب : اللّهمّ.
2- کذا في المناقب، و في الأصل : يعمر.
3- في المناقب: الغيار. - بمعني : الغيرة -، وکلاهما يناسب المقام. والحائد: المعرض والمائل عن الشيء
4- مناقب ابن شهر آشوب: 1/184- 186، عنه البحار : 122/19 ح 9.
5- سورة الحج :40.
6- بُّواط: واد من أودية القبلية........ وهو جبلُ من جبال جهينة، بناحية رَضوَي به غزاة للنبيّ صلّي الله عليه و آله .« مراصد الاطلّاع: 228/1» سعة

سرايا رسول الله صلي الله عليه و آله

الکبري، السويق، ذي أمر، أُحد، نجران، بنو سليم، الأسد، بنو النضير، ذات الرقاع، بدر الأُخري، دومة الجندل، الخندق، بنو قريظة، بنو لحيان، بنو قرد، بنو المصطلق، [الحديبيّة، خيبر، الفتح، حنين، الطائف](1) ، تبوک، بنو قينقاع، قاتل في تسع، وهي: بدر الکبري، وأُحد، والخندق، وبني قريظة،(2) وبني لحيان، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.

وأمّا سراياه فستّ وثلاثون، لا نطوّل بذکرها.(3)

وکان أمير المؤمنين عليه السلام قطب رحاها الّتي عليه تدور، وفارسها البطل المشهور، إلّا تبوک، فإنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله خلّفه علي المدينة لأنّه علم أنّه لا يکون فيها حرب، ولمّا لحق برسول الله صلّی الله عليه و آله وقال: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان، فردّه رسول الله صلّی الله عليه و آله من اللحوق، وقال: يا عليّ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، انّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک(4) فرجع صلوات الله عليه.

وکان المنافقون يتخرصون(5) الأخبار ، ويرجفونها في المدينة ، ويزوّدون

ص: 181


1- من المناقب .
2- زاد في المناقب : وبني المصطلق.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 186/1 و 212، عنه البحار : 172/19 ح 18.
4- انظر : مناقب ابن شهر آشوب: 15/3 -17، بحار الأنوار:254/37 - 289 ب 53 الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل: 5/ 182- 190 حيث يتبين من خلالها أن حديث المنزلة من حيث الأسانيد هو من أقوي الأحاديث والروايات الاسلاميّة الّتي وردت في مؤلفات جميع الفرق الاسلاميّة بلا استثناء، وان هذا الحديث يوضح لأهل الإنصاف من حيث الدلالة أفضليّة عليّ عليه السلام عليّ الأمة جمعاء، وأيضاً خلافته المباشرة - وبلا فصل - بعد رسول الله صلّی الله عليه و آله.
5- يتخرّصون : أي يفتعلون . ويرجفون : أي يخوضون في الأخبار السيئة وذکر الفتن التي يکون معها اضطراب في الناس .

موعظة جليلة للمؤلف رحمه الله

الأحاديث ليشوشّوا علي ضعفاء المؤمنين ، وکانوا کلّما ألقوا إلي المسلمين ما بينّوه من الإفک والإرجاف أمرهم أمير المؤمنين بالصبر، وأعلمهم أنّ ذلک لا حقيقة له، إلي أن رجع رسول الله صلّی الله عليه و آله مؤيّداً منصوراً قد خضعت له رقاب المشرکين، والتزموا الشرائط شرطها عليهم صلّی الله عليه و آله .

وکفي أمير المؤمنين فخراً ودلالة علي فضله و تقديمه ما صدر منه في بدر وأحد وخيبر والخندق، فإنّ القتلي کانت سبعين، قتل صلوات الله عليه بيده الشريفة ثمانية وعشرين، وقيل: ستّة وثلاثين، وقتلت الملائکة والناس تمام العدد.

موعظة جليلة فرّغ نفسک أيّها المؤمن متفکّراً بعين بصيرتک، وأيقظ قلبک أيّها المخلص ناظراً بعين باصرتک، أما کان الله سبحانه قادراً علي صب سوط عذابه(1) علي من آذي نبيّه ؟ أما کان جلّ جلاله عالماً عن نصب حبائل غوائله، وناجر وليه ؟ أما کان في شدة بطشه قوة تزيل جبال تهامة عن مراکزها، وتنسفها نسفاً(2)؟ أما کان في عموم سلطانه قدرة أن يخسف الأرض بأهلها، أو يسقط السماء عليهم کِسَفاً(3)لما ارتکبوا من خلاف نبيّهم ما ارتکبوا، واحتقبوا من کبائر الذنوب ما احتقبوا، واتخذوا الأصنام آلهة من دون مبدعهم وخالقهم، واستقسموا بالأزلام عتوّاً علي مالکهم ورازقهم، وجعلوا له البنات ولهم البنين بجائر قسمتهم،

نمود

ص: 182


1- إقتباس من الآية: 13 من سورة الفجر.
2- إقتباس من الآية: 105 من سورة طه.
3- إقتباس من الآية: 92 من سورة الاسراء

وبحروا البحيرة، وسيّبوا السائبة (1)ببدعة جاهليّتهم ؟ أما کان سبحانه قادراً حين آذوا الرسول وراموا قتله علي مسخهم قردة خاسئين (2) ؟ أکان عاجزاً لمّا أخرجوانبيّهم أن ينزل عليهم آية فتضلّ أعناقهم لها خاضعين (3)؟

بلي هو القادر الّذي لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، القاهر فلا يفلت من قبضة سطوته من دنا أو نأي، الّذي لا يزيد في ملکه طاعة مطيع من عباده، ولا ينقص من سلطانه معصية متهتّک بعباده، لکنه سبحانه أمهلهم بحلمه، وأحصاهم بعلمه، ولم يعاجلهم بنقمته، ولم يخلهم من رحمته، وفتح لهم أبواب الهدي إلي رضوانه، وحذّرهم سلوک سبيل الردي إلي عصيانه ، وکلّفهم بالتکاليف الشاقّة من بعثتهم علي طاعته ، وحذرهم من الأعمال الموبقة بنهيهم عن مخالفته، ونصب لهم أعلاماً يستدلّون بمنارهها من حيرة الضلالة في مدارج السلوک، ونجوماً يهتدون بأنوارها من مداحض الجهالة ومهالک الشکوک.

ولمّا کان سبحانه منزّهاً عن العرض والجسم، مقدّساً عن الترکيب والقسم، لا تخطر صفته بفکر، ولا يدرک سبحانه ببصر، ولا تعده الأيّام، ولا تحدّه الأنام، قصرت الأفکار عن تبصرة کماله، وحارت الأنظار عن تحديد جلاله، وحسرت الأبصار عن مشاهدة جماله، وتاهت الأفهام في بيداء معرفته، وکلّت الأوهام عن تعيين صفته.

لم يخلق سبحانه خلقه عبثاً، ولم يترکهم هملاً، بل أمرهم بالطاعة وندبهم إليها، وکلّفهم بالعبادة وأثابهم عليها، قال سبحانه: (وَمَا خَلَقَتُ الجِنَّ والإنسَ إلَّا

ص: 183


1- إقتباس من الآية: 103 من سورة المائدة
2- إقتباس من الآية: 65 من سورة البقرة، والآية : 166من سورة الأعراف .
3- إقتباس من الآية: 4 من سورة الشعراء

لِيَعبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ)(1) والعبث لا يليق بحکمته، والإغراء بالقبيح لا يحسن بصفته.

وجب في لطفه إعلامهم بما فيه صلاحهم في دنياهم وأُخراهم، وفي عدله تعريفهم مبدأهم ومنتهاهم، وجعل لهم قدرة واختيارة، ولم يجبرهم علي فعل الطاعة وترک المعصية اضطرارة، بل هداهم النجدين، وأوضح لهم السبيلين.

ولمّا کانت کدورات الطبيعة غالبة علي نفوسهم، وظلمة الجهالة مانعة من تطهيرهم وتقديسهم، والنفس الأمارة تقودهم إلي مداحض البوار، والشهوة الحيوانيّة تحثّهم علي ارتکاب موبقات الأوزار، والوسواس الخنّاس قد استولي بوساوسه علي صدورهم ، وزين لهم بزخارفه مزالق غرورهم، فوجب في عدله وحکمته إقامة من يسوقهم بسوط لفظه إلي ما يقرّبهم من حضيرة جلاله، ويزجرهم بصوت وعظه عمّا يوبق أحدهم في معاشه وماله، إذ أنفسهم منحطّة عن مراتب الکمال، غاوية في مسالک الوبال، منخرطة في سلک أن النفس الأمارة بالسوء إلّا من رحم، (2)غارقة في لجّة الجهل إلا من عصم، تقصر قواها عن تلقّي نفحات رحمته، وتضعف مراياها لعدم جلاها عن مقابلة أشعّة معرفته.

فأقام سبحانه لهم حججاً من أبناء نوعهم، ظاهرين في عالم الانسانيّة باطنين في عالم الروحانيّة، فظواهرهم أشخاص بشرية، وبواطنهم أملاک علويّة، قد توجّهم سبحانه بتيجان الحکمة، وأفرغ عليهم حلل العصمة، وطهرّهم من الأدناس، ونزّههم عن الأرجاس، فشربوا من شراب حبه (3) أشغلهم به عمن سواه، واطلّعوا علي أسرار ملکوته فما في قلوبهم إلّا إيّاه، لما انتشت نشاءة

ص: 184


1- سورة الذاريات : 56 و57.
2- إقتباس من الآية : 53 من سورة يوسف.
3- کذا الصحيح، وفي الأصل: حبهما.

نفوسهم من رحيق خطابه في عالم الذرّ، وسکنت هيبة عزّة جلاله شغاف قلوبهم حين أقرّ من أقرّ ، وأنکر من أنکر ، لم تزل العناية الأزليّة تنقلهم من الأصلاب الفاخرة إلي الأرحام الطاهرة، والألطاف الإلهية تمنحهم شرف الدنيا والآخرة.

جعلهم سبحانه السفراء بينه وبين عباده، والأمناء علي وحيه في سائر أنامه وبلاده، بشّرت الأنبياء الماضية بظهورهم، وأشرقت السماوات العالية بساطع نورهم، کتب أسماءهم علي سرادقات عرشه المجيد، وأوجب فرض ولايتهم علي عباده من قريب وبعيد، کلّفهم بحمل أعباء رسالته، وجعلهم أهلاً الأداء أمانته، يتلقّون بوجه باطنهم أنوار سبحات جمال عزته، ويقابلون بظاهر ضياء محاسن بهجاتهم عباده فيهتدون بنورهم إلي نعيم جنّته، (عِبَادُ مُکرَمُونَ لاَيَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيديِهِم وَمَا خَلفَهُم وَلَا يَشفَعُونَ إلَّا لِمَنِ أُرتَضَي وَهُم مِن خَشيَتِه مُشفِقُونَ)(1)

أصلهم نبيّ تمّمت به النبوّة، وکملت به الفتوّة، وانتهت إليه الرئاسة العامّة، وخصّ من الله بالکلمة التامّة، وأيّده سبحانه بنصره في المواطن المشهورة وأظهره بقهره علي أعدائه في حروبه المذکورة، وشدَّ أزره بوصيّه المرتضي، وشيّد ملّته بصفيه المجتبي، صارم نقمته، وحامي حوزته، الّذي لم يخلق الله خلقاً أکمل منه من بعده ولا قبله، ولم يدرک مدرک شأوه(2)ولا فضله، ولا أخلص مخلص لله إخلاصه، ولا جاهد مجاهد في الله جهاده من العامّة والخاصّة.

إن دارت حرب فهو قطب رحاها، أو توجّهت آمال فهو غاية رجاها، أو ذکر علم فهو مطلع شمسه، أو اشتهر فضل فهو قالب نفسه، باب علم مدينة

ص: 185


1- سورة الأنبياء : 26 - 28.
2- الشَّأو : الغاية، الأمد، السَّبق.

المصطفي، وقاضي دَينه، ومنجز عداته، وقاضي دِينه، طال بقوادم الشرف لا علي بقدمه علي الکتف .

ناداه البيت الحرام بلسان الحال، وناجاه الرکن والمقام بمعاني المقال: يا صاحب النفس القدسية، ويا منبع الأسرار الخفية، ويا مطلع الأنوار الإلهيّة، ويا دفتر العلوم الربّانيّة، أما تري ماحلّ بي من الأرجاس ؟ أما تنظر ما اکتنفني من الأدناس ؟ الأنصاب حولي منصوبة، والأزلام في عراصي مضروبة، والأصنام مرفوعة علي عرشي، والأوثان محدّقة بفرشي، تنضح بالدماء جدراني، وتستلم الأشقياء آرکاني، ويعبد الشيطان في ساحتي، ويسجد لغير الرحمن حول بَنيَّتِي.

فالغوث الغوث يا صاحب الشدّة والقوّة، والعون العون ياربّ النجدة والفتوة، خذ بمجامع الشرف بخلاصي واستنقاذي، وفز بالمعلاّ من سهامه فيک معاني وملاذي.

ولمّا شاهد ربّ الرسالة العامة تضعها بوصیّه، وعاين صاحب الدعوة التامّة تشقعها بوليّه، ناداه بلسان الاخلاص في طاعة معبوده، وأنهضه بيد القوّة القاهرة لاستيفاء حدوده، وفتح له إلي سبيل طاعة ربّه منهاجاً، وجعل کتفه الشريفة بأمر ذي المعارج لأخمصه(1) معراجة، وأمره بتستم(2) ذروة بيت ربه، و تنزيهه عن الرجس من الأوثان بقالبه وقلبه، و تکسير صحيح جمعها بيد سطوته، وإلقاء هبلها عن ظهره بشدّة عزمته.

روي بحذف الاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال : دخلنا مکّة

ص: 186


1- الأخمص: باطن القدم ومارقَّ من أسفلها وتجافي عن الأرض ؛ وقيل: الأخمَصُ خَصرُ القدم. «لسان العرب : 30/7 - خمص - ».
2- تم الشيء و تسمه : علاه . «لسان العرب :306/12 - سنم - ».

فتح مکة

يوم الفتح مع رسول الله صلّي الله عليه و آله وفي البيت وحوله ثلاثمائة وستّون صنماً، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله فأُلقيت جميعها عي وجوهها، وأمر بإخراجها، وکان علي البيت صنم - لقريش - طويل يقال له «هبل»، وکان من نحاس علي صورة رجل موتّد با وتادٍ من حديدٍ إلي الأرض في حائط الکعبة.

قال أمير المؤمنين ، فقال لي رسول الله : اجلس، فجلست إلي جانب

الکعبة، ثمّ صعد رسول الله صلّی الله عليه و آله علي منکبي، ثمّ قال لي : انهض بي، فنهضت به، فلمّا رأي ضعفي عنه، قال: اجلس، فجلست وأنزلته عنّي، فقال: قم - يا علي - علي عاتقي حتي أرفعک، فأعطيته ثوبي، فوضعه رسول الله صلي الله عليه و آله علي عاتقه، ثمّ رفعني حتي وضعني علي ظهر الکعبة، وکان طول الکعبة أربعين ذراعاً، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو أردت أن أمسک السماء بيدي لمسکتها.

وروي أنّه صلوات الله عليه لمّا عالج قلعه اهتزّت الکعبة من شدّة معالجته، فکسره وألقاه من فوق الکعبة إلي الأرض، ثمّ نادي رسول الله صلّی الله عليه و آله : انزل، فوثب من أعلي الکعبة کأنّ له جناحين.(1)

وقيل : إنّه صلوات الله عليه تعلّق بالميزاب، ثمّ أرسل نفسه إلي الأرض، فلمّا سقط صلوات الله عليه ضحک ، فقال النبي : ما يضحکک يا علي، أضحک الله سنّک ؟

قال: ضحکت - يا رسول الله - متعجّباً من اني رميت بنفسي من فوق

البيت إلي الأرض فما تألّمت، ولا أصابني وجع !

ص: 187


1- مناقب ابن شهر آشوب: 135/2 -136، وفيه عن جابر بن عبد الله ؛ وعن أبي مريم، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ؛ وعن ابن عبّاس.

فقال : کيف تتألّم يا أبا الحسن أو يصيبک وجع ؟! إنّما رفعک محمد،

وأنزلک جبرئيل(1)

وروي أنّ عمر تمنّي علي رسول الله صلّی الله عليه و آله أن يکسره ، فقال

صلّی الله عليه و آله : إن الذي عبده لا يکسره.

ولمّا صعد أبو بکر المنبر في بدء أمره نزل عن مقام رسول الله صلّی الله عليه و آله مرقاة، فلمّا صعد عمر نزل عن مقام أبي بکر مرقاة، فلمّا صعد عثمان نزل عن مقام عمر مرقاة، فلمّا تولّي أمير المؤمنين صلوات الله عليه صعد إلي مقام رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فسمع من الناس ضوضاء، فقال: ماهذا الّذي أسمع ؟

قالوا: لصعود إلي مقام رسول الله صلي الله عليه و آله الذي لم يصعد إليه

مَن تقدّمک.

فقال عليه السلام : سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : من قام مقامي ولم يعمل بعملي أکتبه الله في النار، وأنا والله العامل بعمله، الممتثل قوله، الحاکم بحکمه، فلذلک قمت هنا.

ثمّ ذکر في خطبته، فقال: معاشر الناس، قمت مقام أخي وابن عمي لأنّه أعلمني بسرّي وما يکون منّي، فکأنّه صلوات الله عليه قال: أنا الّذي وضعت قدمي علي خاتم النبوة، فما هذه الأعواد ؟ أنا من محمد و محمد منّي.

وقال صلوات الله عليه في خطبته (2): أنا کسرت الأصنام ، أنا رفعت

ص: 188


1- مناقب ابن شهر آشوب :141/2 .وانظر الغدير: 12/7.
2- في المناقب : خطبة الافتخار .

الأعلام، أنا ثبّتّ الاسلام.

[قال ابن نباتة: حتّی شدّ به أطناب الاسلام، وهدّ به أحزاب الأصنام،

فأصبح الايمان فاشياً بأقياله، والبهتان متلاشياًبصياله] ،(1) ولمقام إبراهيم شرف علي کلّ حجر لکونه مقاماً لقدم إبراهيم، فيجب أن يکون قدم عليّ أشرف من رؤوس أعدائه لأن مقامه کتف النبوّة، والغالية والمشبّهة من المجبّرة يقولون أکثر من هذا(2)

حتي روت المجبّرة عن النبي صلّی الله عليه و آله قال: لمّا بلغت سدرة المنتهي ليلة المعراج وضع الجليل سبحانه يده علي کتفي فأحسست ببردها علي

کبدي.(3)

وقيل في ذلک شعراً قيل لي قل في عليَّ المرتضي مدحاً يطفيء (4)ناراً موقده قلت لا يبلغ مدحي(5)رجلا حار ذو الجهل إلي أن عبده وعلي واضع أقدامه في مقام(6)وضع الله يده(7) وقيل أيضاً:

ص: 189


1- من المناقب.
2- مناقب ابن شهر آشوب : 135/2 - 136.
3- أورد مثل هذا الشهرستاني في الملل والنحل: 1/ 97 في «مشبهة الحشوية» بهذا اللفظ : حتي وجدت برد أنامله علي کتفي
4- في المناقب : کلمات تطفيء.
5- في المناقب : قولي.
6- في المناقب : وعلي واضعا رجلاً له ...... بمکان.
7- مناقب ابن شهر آشوب: 2/ 137 ناسباً الأبيات إلي أبي نؤاس. وانظر الغدير: 12/7 .

قالوا مدحت عليّ الطهر قلت لهم کلّ امتداح جميع الأرض معناه ماذا أقول بمن حطّت له قدم في موضع وضع الرحمن يمناه(1)

فيا من يتصدّي سواه للامامة، ويدوک(2)للزعامة، ويضعف سباله، ويرجل قذائه، وينتقص کمال الکامل ، وينکر فضل الفاضل ، ويکاثر بکثرة الأتباع، ويفاخر بالهمج الرعاع، يحسبه الظمآن ماء، حتي إذا جاءه لم يجده شيئاً، ويظنّه الجاهل إماماً وقد ضرب الحمق علي هامته من الجهل، ظلّاً وفيئاً، يدير لسانه في لهواته إذا سئل، ويجمد ريقه في بلعومه إذا جودل، يظنّ أنّه الفاضل الأعلم، وهو أجهل من البازل الأعلم، ويعذر انّه علم السنّة ، وهو أضل الحق والسنة.

تنحّ عن رتبة وليّ الحقّ في الخلق، و ميزان القسط والصدق، لفظه جلاء القلوب، ووعظه شفاء الکروب، ومعلّمه ربّ العالمين، ومؤدّبه سيّد المرسلين، ينصب له کلّ يوم علماً من علمه، ويفتح له باباً من حِکَمِهِ و حُکمِهِ ، يتبّعه اتباع الفصيل أثر أمّه، ويلازمه ملازمة شعاره (3)لجسمه.

ويک اربع علي ضلعک، و تفکّر في أصلک وفرعک، وطالع مراءة عقلک بعين الانصاف، واحذر ارتکاب طريقة الوقاحة والاعتساف، أليست أمّک صهاک ؟ أليس الخطاب أباک ؟ ألست جاحد النصوص علي أهل الخصوص ؟ ألست منکسّ الراية يوم القموص؟ أما في حنين وأوطاس کنت أوّل المدبرين

ص: 190


1- مناقب ابن شهر آشوب : 2/ 137 . وفيه :«لمن » بدل «بمن» .
2- في حديث خيبر : أنّ النبي صلّي الله عليه و آله قال: لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله علي يديه، فباتَ الناس يَدُوکون تلک الليلة فيمن يدفعها إليه، قوله: يَدُرکون أي يخوضون ويموجون ويختلفون فيه. والدَّوک: الاختلاط. وقع القوم في دَوکَةٍ ودَوکةٍ وبُوح أي وقعوا في اختلاط من أمرهم وخصومة وشر . «لسان العرب: 430/10 - دوک - ».
3- الشَّعار: ما ولي شَعَرَ جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب... وفي المثل : هم الشَّعار دون الدَّثار، يصفهم بالمودّة والقرب . «لسان العرب: 412/4 - شعر - ».

من الناس ؟ أأنت قاتل عمرو ومفرّق جموعه ؟ أأنت المتصدق بخاتمه في رکوعه ؟ أرضيک الرسول دون الخلق صهراً ؟ أم أوردک في الغدير من غدير الشرف ورداً وصدراً ؟

ويحک قف عند حدّک، ولا تفاخر بأبيک وجدّک، ولا تجار فرسان المجد فنضلّ في الحلبة طريحاً، ولا تساجل(1) أبطال الفخر فتصبح بسيوف الفضيحة طليحاً.

يا مغرور غرّتک دار الغرور، يا مثبور (2) وفتنتک ببطشها المشهور، وزينت لک سوء عملک فرأيته حسناً، فغادرتک بموبقات سيّئاتک مرتهناً، وعن قليل يسفر الصباح، ويري المبدع في دين الله ما حضر وأباح، و يکشف الجليل لک عن وجه غفلتک حجاباً، ويقوم الروح والملائکة صفّاً لا يتکلّمون إلّا من أذن له الرحمن وقال صواباً (3)، ويقف سيّد المرسلين، ووصيّه سيد الوصييّن، وابنته سيّدة نساء العالمين، ثمّ يؤتي بک موثوقاً بأغلالک، مرتهناً بأعمالک، يتبرّأ منک أتباعک، ويلعنک أشياعک، وملائکة العذاب تدعک إلي النار دعّاً، والزبانية تسفعک بعذبات العذاب سفعاً

فعندها يجثو سيّد المرسلين للخصومة، ويقف وصيّه المظلوم وابنته وينادي عليک باسمک، ويظهر للناس بعض حدّک ورسمک، وينظر في ديوان حسابک، وتتهيّأ ملائکة العذاب لأخذک وعذابک، ويقال لک علي رؤوس الأشهاد ومجمع العباد: يا قاطعاً رحم نبيّه، يا جاحداً فضل وليّه، يا منکراً نصّ الغدير، يا ظالماً أهل آية التطهير، ألست القائل : إنّ نبيّکم ليهجر، وقد قال الله في

ص: 191


1- ساجَلَ الرَّجلَ : باراه ... والمساَجَلَة: المفاخرة. «لسان العرب :326/11 - سجل - ».
2- المثبور : المغلوب، الملعون، المطرود، المعذب، المحبوس.
3- إقتباس من الآية : 38 من سورة النبأ .

خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يشکو فيها قريش

شأنه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي)(1)؟ ألست الزاعم أنّه غوي في حب وصّيه، والله يقول: (مَا ضَلَّ صَاحِبُکُم وَمَا غَوَي)) (2)؟ ألست المسند إلي رسول « ما ترکناه صدقة (3)؟

فلعن الله الحديث ومتخرّصه ومصدّقه، أما کان جزاء من أکلت الدنيا

بسلطانه ترک فدک لذرّيّته ؟ أما کان في شرع المروّة التغافل عن بقعة من الأرض ذات الطول والعرض لعترته ؟ هنالک تصحو من خمار خمرتک، وتفيق من غمار غمرتک، ويحقّ الحقّ، ويأتي النداء من قبل الحقّ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلسِلَةٍ ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعاً فَاسلُکَوهُ إنّه کَانَ لَا يُؤمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَی طَعَام المِسکِینِ فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هَا هُنَا حَمِيمُ وَلَا طَعَامُ إلَّا مِن غِسلِينٍ)(4)، فتجرّ مصفّداً، وتسحب مقيّداً، وتلقي في الجحيم مرکوساً، وتقذف في الحميم منکوساً، في شرّ سجن قعرها هاوية، وسجنتها زبانية، وما أدراک ما هيه نار حامية. (5)

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب فقال : ما لنا وقريش، وما

تنکر منّا قريش غير أنّا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلي فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم،

ص: 192


1- سورة النجم : 3.
2- سورة النجم : 2.
3- انظر : طبقات ابن سعد : 28/2 ، صحيح البخاري :96/4 -98، و ج25/5 وص 115-114 ص 177، وج 82/7 . وج 8/ 185، و ج 9/ 122، ص حيح مسلم: 1380/3 ح1759، الملل والنحل: 2131
4- سورة الحاقة: 36-30
5- إقتباس من الآية: 10 و 11 من سورة القارعة.

[وسخطوا مارضي الله، وأحبّوا ما کره الله، فلمّا اختارنا عليهم ](1)شرکناهم في حريمنا، وعرّفناهم الکتاب والسنّة، وعلمناهم الفرائض والسنن، و حفظناهم الصدق والدين (2)، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا حقّنا، والتوونا أسباب أعمالنا.

اللّهمّ فإنّي أستعديک علي قريش، فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ - بحقّي فإنّک الحکيم (3) العدل، فإنّ قريشاًصغرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني علي ميراثي من ابن عمّي، وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب(4)وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وکدّي، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقيه(5) وقالوا إنّک لحريص متّهم.

أليس بنا اهتدوا من متاه الکفر، ومن عمي الضلالة، وغيّ الظلماء ؟ أليس

أنقذتهم من الفتنة الصمّاء العمياء (6) ؟ ويلهم ألم أُخلّصهم من نيران الطغاة (7)وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الطماطمة(8)، ومجادلة القماقمة الّذين

ص: 193


1- من المناقب.
2- في المناقب : اللين، ودّيناهّم الدين و الاسلام .
3- في المناقب : الحکم
4- في المناقب : العرب والعجم.
5- کذا في المناقب، و في الأصل: وجسمي وشفيقي.
6- في المناقب: الفتنة الظلماء والمحنة العمياء
7- زاد في المناقب : وکره العتاة
8- في المناقب : الصماء طميم الناس : أخلاطهم وکثرتهم. والطَّمطَة : العَجمة. والطَّماطِم: هو الأعجم الذي لايُفصِح. «لسان العرب:371/12 - طمم -» .

کانوا عجم العرب، وغنم الحرب(1)، وقطب الأقدام، وحبال (2)القتال، وسهام الخطوب، وسلّ السيوف ؟ أليس بي تسنّموا(3) الشرف، ونالوا الحقّ والنصف ؟ ألست آية نبوة محمّد صلّی الله عليه و آله ، ودليل رسالته، وعلامة رضاه، وسخطه الّذي يقطع بي الدرع الدلاص، ويصطلم(4) الرجال الحراص، وبي کان يبري جماجم البهم (5)وهام الأبطال إلي أن فزعت تيم إلي الفرار، وعدّي إلي الانتکاص (6)

ألا وإنّي لو أسلمت قريشاً للمنايا والحتوف وترکتها لحصدتها سيوف الغواة، ووطأتها الأعاجم، وکرّات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابک الصافنات (7)، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل،(8) في طلاب الأعنّة، وبريق الأسنّة، ما بقوالهظمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا : إنّک

الحريص متهم .(9)

ثمّ قال بعد کلام :

ص: 194


1- أي الّذين يطلبون غنائمها.
2- في المناقب : جبال.
3- تسنّم الشيء : علاه وارتفع به.
4- الدَّلاص: الليَّن البراق الأملس، واصطلم : استأصل وأباد.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الهمم. واليهم: جمع بهمة: الفارس الذي لا يبالي في الحرب من شدة بأسه.
6- کذا في المناقب . وفي الأصل: إلي أن قرعت بهم إلي الفرار، وعدي إلي الانتقاص
7- السنابک : أطراف الحوافر. والصافنات: جمع الصافن: وهو الفرس القائم علي ثلاث قوائم، وطرف الحافر الرابعة . «المعجم الوسيط :453/1 و 517»
8- کذا في المناقب ، وفي الأصل : والقول. والأزل : شدة الزمان، وضيق العيش . والهزل : الضعف ، والهذيان وأسترخاء الکلام.
9- من المناقب . وفي الأصل عبارة « مابقوا ...» فيها تصحيف.

ألا وإنّي فتحت الاسلام، ونصرت الدين، وعزّزت الرسول، وثبّت(1) أعلامه، وأعليت مناره، وأعلنت أسراره، وأظهرت أثره وحاله، وصفيت الدولة، ووطأت الماشي(2)و الراکب، ثمّ قدتها صافية علي أنّي بها مستأثر.

[ثمّ قال بعد کلام:] (3)

سبقني إليها التيمي والعدوي کسباق الفرس احتيالاً واغتيالاً وخدعة

وغيلة.

ثمّ قال بعد کلامه:

يا معشر المهاجرين والأنصار، أين کانت سبقة تيم وعديّ إلي سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة [ألا کانت](4) يوم الأبواء، إذ تکافت الصفوف، و تکانفت الحتوف (5) وتقارعت السيوف ؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودّ إذ شمخ بأنفه، وطمح ببصره ؟

ولِمَ [لم ](6)يشفقا علي الدين وأهله يوم بواط إذ اسودّ الأفق، واعوجّ

عظم العنق (7)

ولِمَ لم يشفقا يوم رضوي إذ السهام تطير، و المنايا تسير ، والأسد تزأر ؟

وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان [ تصطکّ ، والآذان](8) تستک،

والدروع تهتک ؟

ص: 195


1- في المناقب : و پنيت .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : للماضي.
3- من المناقب
4- من المناقب
5- في المناقب : إذ تکاثفت الصفوف ، وتکاثرت الحتوف.
6- من المناقب
7- زاد في المناقب : وانحل سيل الغرق.
8- من المناقب

وهلا کانت مبادرتهما يوم بدر إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد

بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟

ولِمَ لم يشفقا علي الدين يوم بدر الثانية، والدعاس ترعب، والأوداج

تشخب، والصدور تخضب ؟

وهلا بادرا يوم ذات الليوث(1) وقد أمجّ التولب (2) واصطلم الشوقب،

وادلهم(3)الکوکب.

[ولم لا کانت شفقتهما علي الاسلام يوم الأکدر] ،(4) والعين تدمع،

والمنية تلمع، والصفائح تنزع.

ثم عدّد وقائع النبي صلّی الله عليه و آله ، ثمّ قال : فإنّهما کانا في النظارة.

ثمّ قال : فما هذه الدهماء والدهياء الّتي وردت علينا(5) من قريش ؟ أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وابن هذه الأفعال الحميدة - إلي آخر الخطبة ..

ومن جملة قصيدة للناشيء رحمة الله عليه : فلِمَ لم يثوروا(6) ببدرٍ وقد تبلت من القوم إذ بارزوکا ؟ ولِمَ عرَّدوا إذ شجيت العدي بمهراس أُحد وقد (7) نازلوکا ؟

ص: 196


1- أي غزوة حنين
2- أمجَّ: جَري جَرياً شديداً. والتولب : ولد الأتان من الحمار الوحشي إذا استکمل الحول.
3- الشوقب : الطويل من الرجال، النعام، الإبل . وادلهم : اشتد ظلامه.
4- من المناقب : وفيه «والعيون» بدل «والعين». .
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل: عليها.
6- کذا في المناقب، وفي الأصل : تثور . والتبل : الثأر
7- ي المناقب : ولم؟ وعرد: هرب . والمهراس : صخرة منقورة تسع کثيراً من الماء، وقد يعمل منه حياض للماء ، وهو هنا اسم ماء بأحد.

وَلِمَ أجمحوا يوم سلعٍ،(1) وقد ثبتَّ لعمرو ولِمَ أسلموکا ؟ ولِمَ يوم خيبر لم يثبتوا براية (2) أحمد واسترکبوکا ؟ فلاقيت مرحباً والعنکبوت واسداً يحامون إذ واجهوکا فدکدکن حصنهم قاهراً وطوّحت بالباب إذ حاجزوکا ولَم يحضروا بحنين وقد صککت بنفسک جيشاً صکوکا فأنت المقدّم في کل ذلک فله درّک لِمَ أخروکا ؟

ومن نهج البلاغة :

اللّهم إنّي أستعديک علي قريش، فإنّهم [قد] (3) فطعوا رحمي، وکفروا آياتي(4)، وأجمعوا علي منازعتي حقّاً کنت أولي به من غيري، وقالوا : ألا

[إنّ] (5) في الحقّ أن (6)تأخذه، وفي الحق [ أن]تُمنعه، فاصبر مغموماً، أو مُت متأسّفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ (7) ولا مساعد، إلّا أهل بيتي، فَضَنَتُن (8)(بهم عن المنية، فأغضيت علي القذي (9)، وجرعت ريقي علي الشَّجا(10) وصبرت علي الأذي، ووطّنت (11)نفسي علي کظم الغيظ، وما هو أمرّ

ص: 197


1- الجمع : استعمل بمعني إدامة النظر مع فتح العين. وسلع : موضع بقرب المدينة
2- في المناقب : صحابة.
3- من النهج والمناقب.
4- في النهج: وأکفَؤُوا إنائي. وهنا کناية عن تضييع الحقّ.
5- من النهج والمناقب.
6- من النهج والمناقب.
7- الرافد : المعين . والذات : المدافع
8- أي بخل
9- القذي : ما يقع في العين، ومراده عليه السلام : غضضت الطرف عنه.
10- الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد به غصة الحزن
11- في المناقب : وطبت .. وحر ، وفي النهج: وصبر من کظم الغيظ علي أم من القلقم. وآلم للقلب من وخز الشفار. والعلقم: الحنظل. والشفار: جمع شفرة: حد السيف ونحوه.

من العلقم، و آلم من حرّ الشفار.

وکذلک قوله صلوات الله عليه في خطبته الشقشقيّة: أما والله لقد

تقمّصا(1)ابن أبي قحافة - إلي آخرها - (2)

إذا تقرّر هذا فاعلم - أيّها المؤمن - [أن ](3) الدنيا لم تزل مصائبها مولعة بالأنبياء والمرسلين، ومطالبها عسرة علي الأولياء الصالحين، وأبناءها لم تزل ترمي بسهام حسدها من شيّد الله بالتقوي بنيانه، وشدّ بالاخلاص أرکانه، وأعلي بالطاعة مجده، وأسعد بالجّد جدّه، يحسد دنيّهم شريفهم، ويظلم قویّهم ضعيفهم، فتفکّروا في رأس أبنائها، وأساس زعمائها، أول کل حاسد، وأصل کل مارد، أعني الشيطان المغوي، والفتان المردي، کيف افتخر بعنصره النورانّي، وأصله النيراني، ورمي صفّي الله المجتبي عن قوس غروره، وأصمي منه المعابل بنبال فجوره، وأخرجه وروحه من الجنّة ينزع عنهما لباسهما، ويبدي لهما سوآتهما ، فلعنه الله بما أبدي من حسده، وأبان عن سوء معتقده، وأخرجه من نعيم جنّته، وقلّدته بشقوته طوق لعنته، فطلب النظرة منه سبحانه إلي يوم الدين، فقال: (أنظِرنِي إلَي يَومِ يُبَعثُونَ) (4)فقال سبحانه: ( إنَّکَ مِنَ المُنظَرِينَ) (5)فقال: (فَبعِزَّتِکَ لَأغوِيَنَّهُم أجمَعِينَ إلَّا عِبَادَکَ مِنهُم المُخلَصِينَ)(6)

ثمّ ينظره سبحانه کرامة به عليه ولم يمهله لمنفعة واصلة منه إليه ، ولکن

ص: 198


1- أي لبسها کالقميص .
2- مناقب ابن شهر آشوب : 201/2 -204، نهج البلاغة : 336 خطبة 217 ص48 خطبة 3
3- أثبتناه لضرورة السياق.
4- سورة الأعراف : 14 و 15. وانظر الآيتين : 79 و 80 من سورة ص .
5- سورة الأعراف : 14و 15. وانظر الآيتين : 79 و 80 من سورة ص .
6- سورة ص : 82 و 83.

أراد سبحانه ليبلو عباده أتهم أشدّ مخالفة لأمره، وحذراً من زوره ومکره، وتباعداً من موبقات زخارفه، و فراراً من موديات مواقفه، فصدق اللعين عليهم ظنّه، وزيّن لهم ما فرض عليهم وسنّه، فاتبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين، وعبدوه إلا قليلاً من المخلصين، واتّخذوه رّباً دون خالقهم، وأبتغوا عنده الرزق دون رازقهم، ونصروا أولياءه، وقهروا أعداءه، وذهبوا بهم کلّ مذهب، وسدّوا عليهم کلّ مطلب، واتخذوا الأوثان أربابا ، والأصنام أنصابة، وقتلوا النبتّين ، وفتنوا المؤمنين .

فهم أبناؤه المخلصون في طاعته، والمناصحون في متابعته ، زيّن لهم دينه، فاتّبعوا قوله وفعله ، وموه لهم سبيله، فاتّخذوه وجهة وقبلةً، وبحروا له البحيرة، وسيّبوا السايبة، ووصلوا الوصيلة بأحلامهم العازبة، فالصبور الشکور نوح، والخليل والکليم والروح، کم نصبت أسلافهم لهم العداوة والبغضاء، وأغرت أخلاقهم بهم السفهاء ؟ حتي نادي نوح : ربّ( أنّي مَغلُوبُ فَانتَصِر) (1)وأُلقي الخليل في نار ضرامها يستعر، وفرّ الکليم من الظالم الأشر، وابن مريم لولا أنّ الله تعالي رفعه إلي سمائه لأحلّوا به الشيء النکر.

ثمّ لم يزل الأشرار من أشياعه، والفجّار من أتباعه، والأرجاس من ذرّيته، والأوغاد من حفد ته، ترفع بالأنبياء (2) أوصياءهم، وتقصد بالأذي المخلصين من أوليائهم، إلي أن انتهت النوبة إلي سيّد المرسلين، وخاتم النبيين ، فنصبوا له غوائلهم، وفوّقوا نحوه معابلهم، حتي قتلوا في بدر وأُحد أهله، و راموا بجدّهم وجمعهم قتله، وأخرجوه عن عقر داره، وطردوه عن محلّ قراره، وحزّبوا أحزابهم علي حربه، ورکبوا الصعب والذلول في طلبه، وضربوا بطون

ص: 199


1- سورة القمر: 10.
2- کذا في الأصل .

دواخلهم لمتاجرته، وأغروا سفهاءهم وجهّالهم بمحاورته.

ولم يزل الله سبحانه مؤيّداً له بنصره، مشيّداً بنيانه بأخيه وصهره، قاصماً فقرات ظهور أولي النفاق بمشهور فقاره، قامعاً هامات ذوي الشقاق بمشحوذ غراره، مظهراً دين الاسلام بشدة عزمته، مدمّراً حزب الشيطان بعالي همّته، حتي أعلي الله بسيفه کلمة الاسلام وشيّدها، وأيّد ملّة الإيمان وأيّدها، وفلّ جنود الطغيان وفرقها، وأذلّ جموع العدوان ومزّقها، وقتل من قريش أبطالها وطواغيتها، وألقي عن البيت الحرام أنصابها وجوابيتها.

ولمّا علم الله أنه لا مزيد علي تعنّيه وإخلاصه، ولا أقرب إلي الرسول من قرباه واختصاصه، توجّه بتاج العصمة والزعامة، وجعل الامامة فيه وفي نسله إلي يوم القيامة.

ولمّا أکمل الله دين الحقّ وأظهره، ونصب علم العدل ويسّره، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسلکوا إلي سبيل رضوان الله منهاجاً، أراد الله أن ينقل نبيّه من داره الفانية إلي داره الباقية، وأن يتحفه بالحياة الدائمة في جنّة عالية، أنزل عليه بعد أن فتح حصون الشرک ودمّرها، وأعلي کلمة الحق وأظهرها، ونسف جبال الشرک وجعلها سراباً، وفتح لأهل الحق إلي عرفان جلاله أبواباً، وصير لهم باتّباع نبيه ووليه إلي رضوانه ماباً (إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتح وَرَأيتَ النَّاسَ يَدخُلَونَ فِي دِينَ الله أفوَاجا فَسَبَّح بِحَمدِرَ بَّکَ وَاستَغِفِرهُ انَّهُ کَانَ تَوَّاباً(1)

قال المفسّرون: لمّا نزلت هذه الآية (إنَّک مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ)(2) قال

ص: 200


1- سورة النصر: 1- 3.
2- سورة الزمر : 30.

في نعي رسول الله صلي الله عليه و آله نفسه

رسول الله صلّی الله عليه و آله : ليتني أعلم متي يکون ذلک، فأنزل الله سبحانه سورة النصر، فکان رسول الله صلّی الله عليه و آله يسکت بين التکبير والقراءة بعد نزول هذه السورة، فيقول : سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه.

فقيل : يا رسول الله ، لم تکن تقوله قبل هذا ! [ فقال] (1) أما إن نفسي نعيت إليّ، ثمّ بکي بکاء شديداً. فقيل : يا رسول الله، أو تبکي من الموت وقد غفر الله لک ما تقدّم من ذنبک وما تأخّر ؟!

قال: فأين هول المطّلع ؟ وأين ضيق القبر، وظلمة اللحد ؟ وأين القيامة

والأهوال؟

فعاش صلّی الله عليه و آله بعد نزولها عاماً تاماً .

ثمّ نزلت و(لَقَد جَاءَ کُم رَسُول مِن أنفسِکُم)(2)الآية إلي آخر السورة وهذه السورة آخر سورة کاملة نزلت من القرآن، فعاش صلي الله عليه و آله بعدها ستة أشهر، ثمّ لمّا مضي صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق (يَستَفتُونَکَ قُلی الله یُفتِيکُم فِي الکَلَالة)(3)إلي آخرها، فسمّيت آيةالصيف.(4)ثمّ لمّا أتمّ صلوات الله عليه و آله مناسکه نزل عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلَّغ

مَا أنزِلَ إَليکَ مِن رَبَّکَ وإن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتهُ) (5)

ص: 201


1- من المناقب.
2- سورة التوبة: 128.
3- سورة النساء :176.
4- مناقب ابن شهر آشوب : 234/1، عنه البحار : 22 /471 ح 20.
5- سورة المائدة : 67.

أن الله تعالي أوحي إلي النبي صلي الله عليه و آله أن ينصب علي

للناس ويخبرهم بولايته ، وقول النبي صلي الله عليه و آله :

من کنت مولاه فعلي مولاه»

روي العيّاشي (1) بإسناده عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن الکلبي ، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمد صلّی الله عليه و آله أن ينصب عليّاً عليه السلام للناس فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلي الله عليه و آله أن يقولوا حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلک عليه، فأنزل الله هذه الآية ، فقام صلوات الله عليه و آله بولايته يوم غدير خم

وروي هذا الخبر أيضاً الحاکم أبو القاسم الحسکاني بإسناده عن ابن أبي عمير إلي آخره في کتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل(2)، وفيه أيضاً (3)قال: لمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلّی الله عليه و آله بيد علي عليه السلام ورفعها، وقال : من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وقد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في

تفسيره. (4)

و[قد ](5)اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انّ الله أوحي إلي نبيّه صلّی الله عليه وآله أن يستخلف عليّاً عليه السلام ، فکان يخاف أن يشق ذلک علي جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالي هذه الآية(6)

ص: 202


1- تفسير العياشي : 331/1 ح 152، عنه البحار : 139/37ح 31، وتفسير البرهان :489/1 ح ، وعوالم العلوم: 50/3/15ح 16 « حديث الغدير».
2- شواهد التنزيل : 1/ 255 ح 249.
3- شواهد التنزيل :251/1 ح 245 ص 252 ح 247.
4- الکشف والبيان للثعلبي : 78( مخطوط)، عنه کشف المهمّ :107 ح 20 و ص 108ح22، والغدير: 217/1و ص 274.
5- من المجمع.
6- لفظ الجلالة من المجمع.

تشجيعاً له علي القيام بما أمره الله (1) بأدائه.(2)

الباقر والصادق عليهما السلام : لمّا نزلت هذه الآية وهي (اليَوم أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم وَأتمَمتُ عَلَيکُم نِعمَتِي )(3) إلي آخرها قال يهوديّ لابن عبّاس (4): لو

کان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيداً.

فقال ابن عبّاس: وأيّ يوم أکمل من هذا اليوم (5)-2(6)

وسأُورد خطبة رسول الله صلّی الله عليه و آله في أثناء هذا الفصل عند

ذکر خطبتي، فإنّي بنيتها علي خطبة رسول الله صلي الله عليه و آله .

وجاء في تفسير قوله تعالي: (فَأَوحَي إلَي عَبدِهِ مَا أوحَي) (7) ليلة المعراج في علي، فلمّا دخل وقته أوحي الله : بلّغ ما أُنزل إليک من ربّک في ليلة المعراج

(8)

ص: 203


1- لفظ الجلالة من المجمع.
2- مجمع البيان : 2/ 223، عنه البحار:249/37 - 250، و عوالم العلوم : 3/15 /352 «حديث الغدير) .
3- سورة المائدة : 3.
4- في المنافب العمر
5- في المناقب : العيد
6- مناقب ابن شهر آشوب : 22/3 ، عنه البحار: 156/37 ح 39، وعوالم العلوم:115/3//15 ح 148 «حديث الغدير» . وانظر الإبانة لابن بطة : 2/ 632-635ح 818-821.
7- سورة النجم : 10.
8- في المناقب : قال : بلّغ ما أنزل إليک من ربک وما أوحي، أي بلّغ ما أنزل إليک في علي عليه السلام ليلة المعراج. ونسب فيه الأبيات الآتية إلي الشريف المرتضي. وهو السيّد المرتضي علم الهدي ذو المجدين علي بن الحسين بن موسي، وهو إمام في الفقه ومؤسّس لأصوله، شاعر، متکلّم ، مفسر، ولد سنة «355» ه ، و توفّي سنة «436» ه.

في قوله تعالي: (واليوم أکملت لکم دينکم)

الله درّ اليوم ما أشرفا ودرّ من کان به أعرفا ساقَ إلينا فيه ربُّ العُلي ما أمرض الأعداء أو أتلفا وخصّ بالأمر عليّاً وإن بدل من بدّل أو حرّفا إن کان قولاً کافياً فالّذي قال بخم وحدَه قد کفي قيل له بلّغ فمن لم يکن مبلّغاً عن ربّه ما وفي (1)

عن أبي حاتم الرازي أنّ جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قرأ (فَإذَا

فَرَغتَ) (2) من إکمال الشريعة (فَانصَب) لهم عليّاً إماماً.

وروي النطنزي في کتابه الخصائص قال : لما نزل قوله :(اليومَ أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم) قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : الله أکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعدي.

وروي : لمّا نزل قوله:(إنَّما وَليُّکُم اللهُ وَرَسُولُهُ)(3) أمر الله سبحانه أن ينادي بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وضاق النبي بذلک ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم، فأنزل سبحانه : (يَا أيَّهَا الرَّسُولُ بَلَّغ مَا أنزِلَ إلَيکَ)(4) الآية، ثمّ أنزل (أذُکُرُوا نِعمةَ اللهِ عَلَيکُم) (5)ثمّ أنزل (واليَوم أکمَلتُ لَکُم دِينَکُم)، وفي

ص: 204


1- مناقب ابن شهر آشوب:21/3، عنه البحار:155/37 ح 39.
2- سورة الشرح : 7.
3- سورة المائدة :55.
4- سورة المائدة : 67.
5- سورة المائدة : 11 و 20. سورة الأحزاب: 9، سورة فاطر : 3. وانظر سورة البقرة: 231، سورة آل عمران: 103، سورة المائدة : 7.

رواة حديث الغدير

هذه الآية خمس إشارات(1) إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرحمن، وإهانة الشيطان، ويأس الجاحدين.

وفي الحديث أنّ الغدير عبد المؤمنين، وعبد الله الأکبر.

وعن ابن عبّاس قال: اجتمعت في ذلک اليوم - الّذي نصب رسول الله صلّی الله عليه و آله و فيه (2)عليّاً - خمسة أعياد : الجمعة والغدير وعيد اليهود والنصاري والمجوس، ولم يجتمع قبل ذلک قطّ.

والعلماء مطبقون علي قبول هذا الخبر، وإنّما وقع الخلاف في تأويله.

ذکره محمد بن إسحاق، وأحمد البلاذري، ومسلم بن الحجّاج، وأبو

إسحاق الثعلبي، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً.(3)

وذکر عن الصاحب کافي الکفاة رحمه الله أنّه قال : روي لنا قصّة غدير خم القاضي أبو بکر الجعابي عن أبي بکر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة،

ص: 205


1- في المناقب : بشارات .
2- أثبتناه لضرورة السياق.
3- في المناقب : ومسلم بن الحجّاج، وأبو نعيم الأصفهاني، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بکر بن مردويه، وابن شاهين، وأبو بکر الباقلاني، وأبو المعالي الجويني، وأبو إسحاق الثعلبي، وأبو سعيد الخرگوشي، وأبو المظفّر السمعاني، و أبو بکر بن شيبة ، وعلي بن الجعد، وشعبة ، والأعمش ، وابن عباس، وابن الثلاج، والشعبي، والزهري ، والأقليشي. وابن البيع، وابن ماجة، وابن عبد ربّه، والألکاني، وأبو يعلي الموصلي من عدّة طرق، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن بطّة من ثلاث وعشرين طريقة، وأبن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً في کتاب الولاية، وأبو العبّاس بن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بکر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً. وقد صنّف علي بن بلال المهلّبي کتاب الغدير، وأحمد بن محمد بن سعيد کتاب من روي غدير خمّ، ومسعود السجزي کتاباً فيه رواه هذا الخبر وطرقه، واستخرج منصور اللائي الرازي في کتابه أسماء رواته علي حروف المعجم.

والزبير، والحسن ، والحسين ، و عبد الله بن جعفر، وعبّاس بن عبد المطلّب، وعبد الله بن عبّاس، وأبي ذرّ، وسلمان، وعبد الرحمان ، و أبي برزة الأسلمي، وسهل بن حنيف، إلي أن عدّ قريباً من مائة من أکابر الصحابة.

ومن النساء قد رواه : فاطمة الزهراء، وعائشة، وأمّ سلمة، وأمّ هانيء بنت

أبي طالب، وفاطمة بنت حمزة.

والغدير بين مکّة والمدينة في واد يقال له وادي الأراک ، وهو علي أربعة

أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات عظام.

الصادق عليه السلام : تعطي حقوق الناس بشهادة عدلين (1) وما أعطي

علي حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس 1 - يعني الغدير -(2)- (3)

فضائل أحمد بن حنبل و أحاديث أبي بکر بن مالک وإبانة ابن بطّة وکشف الثعلبي عن البراء، قال: لمّا أقبلنا مع رسول الله صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع کنّا بغدير خمّ، فنادي صلّی الله عليه و آله : [ان] (4)الصلاة جامعة فکسح النبي صلّی الله عليه و آله بين (5)شجرتين، وأخذ بيد عليّ، وقال : ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟

قالوا : بلي ، يا رسول الله . ثمّ قال: ألست أولي من کلّ مؤمن بنفسه ؟ قالوا: بلي ، يا رسول الله .

ص: 206


1- في المناقب : شاهدين .
2- من المناقب
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 23 - 29، عنه البحار : 109/37 - 108 ح 39 و
4- من المناقب
5- في المناقب : تحت

قول عمر بن الخطاب لعلي عليه السلام : أصبحت مولاي

فقال : هذا مولي من أنا مولاه ، اللّهّم وال من والاه، وعاد من عاداه .

قال: فلقيه عمر بن الخطّاب، فقال: هنيئاً لک يا ابن أبي طالب، أصبحت

مولاي و مولي کلّ مؤمن ومؤمنة.

وروي هذا الحديث من عدّة طرق عن عمر بن الخطّاب.

السمعاني في فضائل الصحابة (1) قيل لعمر بن الخطّاب : إنا نراک تصنع

بعلیّ شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبيّ ؟!

قال: لأنه مولاي.(2) فقد أجري الله الحقّ علی لسانه، ولکن کان باطنه بخلاف ظاهره.

روي معاوية بن عمّار، عن الصادق عليه السلام في خبر قال: لمّا قال النبي : من کنت مولاه فعليّ مولاه، قال العدويّ: لا والله ما أمره بهذا، وما هو إلّا شيء تقوله، فأنزل الله سبحانه (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعضَ الأقَاوِيلِ - إلي قوله - عَلَی الکَافِرِينَ)(3)یعني محمداً، وقوله: (وَإنّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ) (4)

ص: 207


1- زاد في المناقب : بإسناده عن سالم بن أبي الجعد.
2- مناقب ابن شهر آشوب :35/3-36 ، عنه البحار: 37/159، وعوالم العلوم. 202/3/15 ح 270 و 207 ح 284«حديث الغدير». . انظر: مسند أحمد بن حنبل: 84/1 و 119 و 152، وج 4/ 281 و 370 و 372، وج361/5و 366و 370 و 419، فضائل الصحابة لأحمد: 563/2ح947 : ص569 ح 959 ص 598 ح 1021 ص 610ح 1042 و ص613 ح 1048 و 682 ح 1167 وص 705ح 1206. وانظر : کشف المهمّ : 99ح 1وص 103ح 11 ص 107ح 21 و ص 128 ح 53 وص 129 ح 55، عوالم العلوم المذکور: 60 ح 29 و ص 102 ح 118 وص 103ح 120 وص 202 ح 270 و 205 ح 278 ص 207 ح284 .
3- سورة الحاقّة: 41- 50.
4- سورة الحاقة: 51.

أقاويل المنافقين في ولاية علي عليه السلام

يعني عليّاً (1)

فهذا الحديث عن الصادق عليه السلام يؤيّد ما قلناه من فساد باطنه.

حسّان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر أنّ المنافقين لمّا رأوا رسول الله صلّی الله عليه و آله و آله رافعا يد علي، قال بعضهم لبعض : انظروا عينيه کأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل بهذه الآية:(وَإن يَکَادُ الَّذِين کَفَرُوا لَيُزلقُونَکَ بِأبصَارِهِم لَمَّا سَمِعوا الذَّکرَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجنُونُ) (2)- (3)

عبد العظيم الحسني : عن الصادق عليه السلام في خبر: قال رجل من بني عديّ: اجتمعت إليّ قريش ، فأتينا النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقالوا: يا رسول الله، إنّا ترکنا عبادة الأوثان واتّبعناک، فأشرکنا في ولاية عليّ عليه السلام ، فهبط جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلّي الله عليه و آله وقال:(لَئِنَ أَشرَکتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُکَ) (4)- (5)

قال الرجل : فضاق صدري، فخرجت هارباً لما أصابني من الجهد، فإذا أنا بفارس قد تلقّاني علي فرس أشقر، عليه عمامة صفراء تفوح منه رائحة المسک، وقال لي: يا رجل، لقد عقد محمد عقدة لايحلّها إلّا کافر أو منافق.

ص: 208


1- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 37، عنه البحار: 160/37 ، وکشف المهمّ : 170 ح 17، وعوالم العلوم: 141/3/15 ح 207 «حديث الغدير». .
2- سورة القلم: 51.
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 37. عنه البحار: 160/37 ، وعوالم العلوم:141/3/15 ح208«حديث الغدير». . ورواه في الکافي : 566/4ح 2. وفي التهذيب : 3/ 263 ح746، عنه کشف المهمّ : 169ح 16.
4- کذا في المناقب ، و في الأصل : قال: جاء رجل
5- سورة الزمر: 65.

[قال: ](1)فأتيت النبيّ صلّی الله عليه و آله فأخبرته، فقال : هل عرفت الفارس ؟ ذاک جبرئيل عليه السلام عرض عليک(2) الولاية، إن حللتم أو شککتم کنت خصمکم يوم القيامة(3)

الباقر عليه السلام قال : قام ابن هند و تمطّی (4)وخرج مغضباً واضعاً يمينه علي عبد الله بن قيس الأشعري، ويساره علي المغيرة بن شعبة، وهو يقول: والله لا نصدّق محمداً علي مقالته، ولا نقرّ لعلئّ بولايته، فنزل (فَلَا صَدَّق وَلَا صَلَّي) الآيات، فهمّ به رسول الله صلّی الله عليه وآله أن يرده ويقتله.

فقال جبرئيل : (لَا تُحرَّک بِهِ لِسَانَکَ لِتَعجَلَ بِهِ)(5)

فسکت [عنه] (6)

رسول الله صلّی الله عليه و آله)(7)بإسناد متصّل بالامام الصادق عليه السلام قال :(8)

وروي الشيخ الطوسي وأبو علي الطبرسي في تفسير هما(9) لمّا نصب رسول الله صلّی الله عليه و آله عليّاً علماً يوم غدير خمّ، وقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، وطار ذلک في البلاد،

ص: 209


1- من المناقب .
2- تفسير التبيان : 113/ 10 ، مجمع البيان : 302/5 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : 3/38، عنه البحار: 161/37، وعوالم العلوم: 149/3/15 ح224حديث الغدير».
4- أي تبختر و تکبّر
5- سورة القيامة:31.
6- من المناقب .
7- سورة القيامة: 16.
8- مناقب ابن شهر آشوب : 3/ 38، عنه البحار: 161/37، وعوالم العلوم:124/3/15ح174 حديث الغدير». .
9- تفسيرالتبیان113/10مجمع البیان352/5. وانظر شواهد التنزيل : 3812 وما بعدها.

فقدم علي رسول الله صلي الله عليه و آله النعمان بن الحارث الفهري، (1)فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّک رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والصوم والصلاة والزکاة فقبلنا، ثم لم ترض حتي فضّلت هذا الغلام، فقلت: من کنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا شيء منک أو أمر من الله ؟

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : والله الذي لا إله إلّا هو ان ّهذا من

فوتي النعمان بن الحارث وهو يقول: :( اللَّهُمَ إن کَانَ هذَا هُوَ الحَقُّ مِن عِنِدکَ فَأَمطِر عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ آئتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (2) فرماه الله بحجر علي رأسه فقتله، وأنزل الله تعالي(سَألَ سَائِلَ بِعَذَابٍ وَاقعٍ لِلکَافِرينَ ليَسَ لَهُ دَافِعُ مِنَ اللهِ ذِي المَعَارِج ِ)(3)-(4)

وروي أنّه في الحال قام يريد راحلته فرماه الله بحجر قبل أن يصل إليها.

وروي أن رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّا فرغ من غدير خمّ وتفرّق الناس اجتمع نفر من قريش يتأسّفون علي ما جري، فمر بهم ضبّ، فقال بعضهم : ليت محمداً أمّر علينا هذا الضبّ دون عليّ.

ص: 210


1- في المناقب : الحارث بن النعمان الفهري. وفي رواية: أبي عبيد جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدري. وفي التبيان أن السائل هو : النضر بن کلدة ، وفي المجمع : النضر بن الحارث بن کلدة .
2- سورة الأنفال: 32.
3- سورة المعارج: 1- 3.
4- مناقب ابن شهر آشوب:40/3 . عنه البحار: 37/ 162، وعوالم العلوم:68/3/15 ح 45 «حديث الغدير». . ورواه في الکافي :57/8 ح 18، عنه البحار : 35/ 323ح 22، والبرهان: 4/ 150، وغاية المرام : 425ب 184ح 1، ومدينة المعاجز : 2/ 265 ح 544.

أن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض

فسمع ذلک أبو ذّر، فحکي ذلک لرسول الله صلّی الله عليه و آله ، فبعث إليهم وأحضرهم، وأعرض عليهم مقالهم، فأنکروا وحلفوا، فأنزل سبحانه تعالي :

(يَحلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا)(1) الآية.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت

الغبراء، الخبر.

وفي رواية أبي بصير، عن الصادق عليه السلام : أنّ النبيّ صلّی الله عليه وآله قال : نزل عليَّ جبرائيل وأخبرني أنّه يؤتي يوم القيامة بقوم إمامهم ضبّ، فانظروا ألا تکونوا أُولئک، فأنزل سبحانه : (يَومَ نَدعُواکُلَّ أُناسٍ بِإمَامِهم)(2)-(3)

وروي شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في أماليه عن أحمد[ بن محمد] بن نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال : حدّثني أبي، عن أبيه أنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، إنّ الله سبحانه في الفردوس قصر لينة من فضة، ولبنة من ذهب، فيه مائة ألف خيمة من ياقوتة حمراء (4) ومائة ألف خيمة من ياقوتة خضراء ، ترابه المسک والعنبر، فيه أربعة أنهار : نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواکه، عليها(5)طيور أبدانها من لؤلؤ، وأجنحتها من ياقوت، تصوّت بأنواع الأصوات، إذا کان يوم الغدير ورد إلي ذلک القصر أهل السماوات يسبّحون الله(6)

ص: 211


1- سورة التوبة:74.
2- سورة الإسراء: 71. -
3- مناقب ابن شهر آشوب : 41/37 ، عنه البحار :163/37، وتفسير البرهان : 2/ 147ح 7، وعوالم العلوم: 163/3/15 ح 240 «حديث الغدير».
4- من المناقب .
5- في المناقب : فيه مائة ألف قبة حمراء.
6- في المناقب: عليه.

زيارة المؤلف رحمه الله لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام

ويقدّسونه ويهلّلونه، فتطاير تلک الطيور فتقع في ذلک الماء، وتتمرّغ علي ذلک المسک والعنبر، فإذا اجتمعت الملائکة طارت فتنفض ذلک عليهم، وانّهم في ذلک و اليوم (1) ليتها دون نثار فاطمة عليها السلام ، فإذا کان آخر اليوم نودوا : انصرفوا إلي مراتبکم فقد أمنتم من الخطر والزلل إلي قابل في هذا اليوم تکرمة المحمد وعليّ ، الخبر. (2)

وفي سنة أحد وعشرين وتسعمائة زرت مشهده الشريف صلوات الله عليه وکان الله سبحانه قد ألقي علي لساني خطبة جليلة، وکلمات فصيحة في فضله صلوات الله عليه وذمّ أعدائه، وأوردت في أثنائها خطبة النبي صلّی الله عليه وآله يوم الغدير (3)، والخطبة الّتي من کلام أمير المؤمنين عليه السلام التي أوردها شيخنا أبو جعفر الطوسي في مصباحه الکبير (4)، وضممتها ألفاظاً رائقة

ص: 212


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهر آشوب : 42/3، عنه البحار :163/37 ، وکشف المهم : 174ح 21،وعوالم العلوم: 152/3/15 ح 232 و ص 221 ح 304 «حديث الغدير». وأورده في فرحة الغرّي : 106، عنه البحار: 118/97 ح 9. وفي إقبال الأعمال: 468، عنه کشف المهمّ: 72ح 20. وأورد صدره في مصباح المتهجدّ : 737. وانّ حديث الغدير ممّا تواتر نقله وروايته عند علماء الفريقين، حيث رواه عن النبي صلّی الله عليه و آله نحو مائة وعشرين من الصحابة. ولقد أجاد يراع العلّامة الحجّة السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدّس سرّه في إحصاء تدوين الکتب التي أفردت في التأليف حول واقعة الغدير منذ القرن الثاني وحتي يومنا هذا. ويمکنک أيضاً مراجعة تخريجات الحديث في مصادر أهمّها: مناظرة الشيخ والد البهائي مع أحد علماء العامة في حلب : 49، صحيفة الامام الرضا عليه السلام : 172 - 224ح .109
3- انظر مثلاً : الاحتجاج للطبرسي: 58، عنه عوالم العلوم: 178/3/15 «حديث الغدير» .
4- مصباح المتهجدّ: 702.

خطبة يوم الغدير للمؤلف رحمه الله ، متضمنة خطبة النبي صلي الله

عليه و آله يوم الغدير ، وخطبة أمير المؤمنين عليه السلام التي

رواها الشيخ الطوسي في مصباحه

واستعارات شائقة، يطرب لها المؤمن التّقيّ، ويصدر عنها المنافق الشقيّ، فخطبت بها في ذلک اليوم الشريف في مشهده صلوات الله عليه تجاه ضريحه في جمع لا يحصي کثرة، وأحببت إيرادها في هذا المجموع لتکون تذکرة لمن کان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.

الخطبة

الحمد لله الذي ثبتّ بکلمة التوفيق قواعد عقائدنا، وأثبت في صحائف التصديق دلائل معارفنا، وذلّل لقلوبنا سلوک مشارع الايمان في مواردنا ومصادرنا، وسهّل لنفوسنا حزونة شرائع العرفان بقدم صدقنا واستقامتنا، وخاطبنا ببيان عنايته:

(أجيبُوا دَاعِيَ اللهِ)(1)فأجبنا، ونادانا بلسان سيّد بريّته :( أن آمِنُوا بِرَبَّکُم فَامَنَّا)(2)، وأمرنا بالتمسّک بعروة خليفته في خليقته فقلنا: ربّنا (سَمِعنَا وَأَطَعنَا) (3) لمّا سلک الناس مسالک المهالک، وارتکبوا متن الضلالة فلم يحصلوا من طائل علي ذلک، ورأوا شرار الضلالة وظنّوه سراباً، وشاهدوا علم الجهالة فحسبوه صواباً، سلکنا سبيل نبيّنا وعترته، واستقمنا علي طريقة وليّنا وذرّيّته ، الذي زيّن الله کتابه بذکر مناقبه، وأوضح في تنزيله عن شرف مراتبه، بدلالة إشارة (إنَّما وَلِیُّکُمُ)(4)، وآية عبارة (إنَّمَا يريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنکُم الرَّجسَ أهلَ

ص: 213


1- سورة الأحقاف : 31.
2- سورة آل عمران: 193.
3- سورة البقرة : 285، سورة النساء: 46، سورة المائدة: 7، سورة النور: 51.
4- سورة المائدة : 00.

البَيتِ وَيُطَهَّرَکُم)(1)

ولمّا علم الله صدق نبيّه، وإخلاص طويتّه ، ليس له ثان في الخلق، ولم يثنه ثان عن التوجّه إلي الحقّ، مصباح الظلام إذا العيون هجعت ، المتهجدّ القوّام إذا الجنوب اضطجعت، المستأنس بالحقّ إذا الليل سجا ، المستوحش من الخلق إذا الغسق دجا، له مع الله حالات و مقامات، وتقلبه في صحائف الاخلاص سمات وعلامات، لا يقصد بتهجدّه إلّا مولاه، ولا يرجو بتعبّده إلّا إيّاه، لولا جِدُّه لما قام للاسلام عمود، ولولا علمه لما عرف العابد من المعبود، اصطفاه سبحانه لنفسه، وأيّده بروح قدسه، وأوجب له عرض الولاية علي جِنّه وإنسه، وساوي بينه وبين الرسول في علمه وحلمه، وطمّه ورمّه، وجدّه ورسمه، وفضله وحقّه.

وجعل له في قلوب المؤمنين ودّاً، وأمر نبیّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير صدراً وورداً، وأن يثبت له في الأعناق إلي يوم التلاق عقداً و عهداً، وأن يرفع له بالرئاسة العامة في الآفاق علي الاطلاق شرفاً ومجداً.

فقام صلّی الله عليه و آله صادعاً بأمر الله، منفّذاً لحکم الله، خاطباً في الغدير علي منبر الکرامة ، مخاطباً للجم الغفير بفرض الامامة ، مبّينا أمر وصیّه ووليّ عهده، مظهراً شرف صفيّه وأخصّ الخلق من بعده، راغباً معاطياً طال ما شمخت تعزّزاًوکبراً، قاهراً أسي کم أظهرت لوليّ أمرها عقداًوعذراً، قاطعاً أسباب أولي النفاق بمبين وعظه، قامعاً هامات الشقاق بمتين لفظه.

ما أظهر صلّی الله عليه و آله شرفه و ميثاقه في الخطبة إلّا بعد أن أعلي الله في الملکوت الأعلي شأنه وخطبه، وأمر الصاقين الحافّين بالقيام علي قدم

ص: 214


1- سورة الأحزاب: 33.

الخدمة الاستماع النصّ الجليّ علي الامام العظيم، الّذي زينّ الله کتابه بذکر أسمائه بقوله:(إنَّهُ فِي أمَّ الکِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيُّ حَکِيمُ)(1)

صاحب الکرامات السامية، والمقامات العالية، وجه الله الّذي يتوجّه به إليه، وسبيله الّذي بسلوکه يفوز السالکون فيه يوم العرض عليه، ويده الباسطة في بلاده، وعينه الباصرة في عباده، وحبيبه حقّاً فمن فرط فيه فقد فرط في حبيب الله، ولسانه صدقاً فمن ردّ عليه فقد ردّ علي الله، لما شرب بالکأس الرويّة من شراب(يُحبُّهُم وَيُحبُّونَهُ) (2) وفاز بالدرجة العليّة من مقامات(لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَستَنبِطُونَه)(3) قابل بوجه باطنه أنوار تجلّيات قيّوم الملکوت، و ظهرت بانعکاس مرآة کمال عرفانه أسرار صاحب العزّة والجبروت، فصار قلبه مشکاة النور الإلهي من حضيرة جلاله ونفسه ، منبع السر الخفيّ من فيضان کماله.

جلّ أن يدرک وصفه بيان واصف، أو يوصف قدره بنان راصف، نقطة دائرة الموجودات فعليه مدارها، وصفوة خلاصة الکائنات فهو قيمها ومختارها، من نحو منطقه يعرف الحق فما زيد وعمر؟ وإلي مصباح علمه يعشق الخلق فما خالد وبکر ؟

من اعتقد أنّ الحق بميزان غير علومه يعرف فالوبال والنکال له وفيه ومن زعم أن الرب بمنطق غير بيانه يوصف فالتراب بل الکثکث (4)بفيه، کلّيّ العلم وجزئيّه به يعرف، وفضل العدل وجنسه برسمه وحده معرّف.

ص: 215


1- سورة الزخرف : 4.
2- سورة المائدة : 54.
3- سورة النساء : 83.
4- الکثکث: دُقاقُ التراب، وفُتاتُ الحجارة ؛ وقيل: التراب مع الحجر .«لسان العرب: 179/2- کشت - .

لا شرف إلّا لمن شرف باقتفاء آثاره، ولا سؤدد إلّا لمن استضاء بلوامع أنواره، ولا عُرف إلا لمن تمسک بأسبابه، ولا عَرَف إلا لمن تمسّک بترابه، فلک النجاة في بحار الضلالة، وعلم الهداة في أقطار الجهالة، من التجأ إلي کنف عصمته نجا، ومن غوي عن طريق طريقته هوي، لا يحبه إلا من علت همته، وغلت قيمته، فطابت آرومته، وارتفعت جرثومته.

فيا أيّها العارفون بفضله، المتمسّکون بحبله، السالکون سبيله، التابعون دليله، أبشروا بروح وريحان(1) ومغفرة ورضوان، وجنّات لکم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم (2)، قلتم ربنّا ثمّ استقمتم، وسلکتم سبيل نبيّکم و ولیّکم و تبتم، فأنتم خلاصة الله في خلقه، القائمون بوظائف عزائمه وحقّه، فهنّاکم الله في هذا اليوم الرحمة، وأتمّ عليکم النعمة، وجعلکم خير أمّة، وسلک بکم سبيل سيد الأئمّة، الذي ضربه الله مثلاً في محکم تنزيله، وشدّ به عضد نبيّه ورسوله، وهزم بعزمه الأحزاب، وقصم بسيفه الأصلاب، وجعل حبّه فارقة بين الکفر والإيمان، واتّباعه وسيلة إلي الفوز بنعيم الجنان.

فانشروا في هذا اليوم أعلام الإسلام بنشر فضله، وابشروا إذ سلکتم منهاج سبيله واستمسکتم بحبله، وأظهروا آثار النعمة فهو يوم الزينة للمخلصين من أتباعه، واشکروا حسن صنيع ربکم إذ جعلکم من خاصّته وأشياعه، وارعوا أسماعکم إلي ما أورد الرسول من شرفه في خطبته، واستضيئوا بلوامع أنواره واستسنّوا بسنّته.

فقد روي أنّه صلّی الله عليه و آله لمّا أتمّ مناسک حّجه، وفرغ من شعائر

ص: 216


1- إقتباس من الآية: 89 من سورة الواقعة
2- إقتباس من الآية: 21 و 22 من سورة التوبة.

عجّه و ثجّه(1)ناداه الله بلسان التشريف مبين فضله من لدنه ومکانته : يا أيها الأشول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالتهه.(2)

فأراد صلّی الله عليه و آله تأخير بلاغها إلي دار هجرته، و مستقرّ دعوته،

ظنّاً منه أنّها فريضة موسعة، وأنّ الأمر فيه مندوحة وسعة، وفَرَقاً من فرق الضالّين المضلّين، الزالّين المزلّين، أن يکذّبوا بالکتاب وحججه وبیّناته، وأن يتّهموا الرسول فيما أنزل عليه في وصيّه بمحاباته.

فعاتبه سبحانه علي ترک الاولي مهدّداً، ووعده العصمة علي من لجّ في الباطل واعتدي، وشرّف الله غدير خمّ بما أنزل فيه من الرحمة، وأتمّ من النعمة.

فقام صلّي الله عليه و آله فيه خاطباً علي منبر الکرامة ، موضحاً فضل درجة الامامة، هذا والجليل سبحانه يسدّده، وروح القدس عن يمينه يمجدّه، و ميکائيل عن يساره يعضده، وجبرئيل معظم شأنه وخطبه، وحملة العرش مادّة أعناقها لاستماع الخطبة، والروحانيون وقوف علي قدم الخدمة، والکروبيون صفوف لتلقّي نفحات الرحمة، والحور العين من القصور علي الأرائک ينظرون، والولدان المخلّدون لتشار السرور منتظرون، آخذاً بعضد من کان في المباهلة معاضده و مساعده، و في المصاولة عضده وساعده.

سيفه القاطع، ونوره الساطع، وصدّيقه الصادق، ولسانه الناطق، أخوه وابن عمّه، والخصّيص به کابن أمّه، ليث الشري(3)، غيث الوري ، أسد الله

ص: 217


1- في الحديث: أفضل الحجّ العج ّوالثلجُّ، العج: رفع الصوت بالتلبية، والثجُّ: صَبُ الدم وسَیَلان دماء الهدي، يعني الذبح. «لسان العرب: 318/2 - عجج - ».
2- سورة المائدة : 67.
3- الشَّري: موضع تُنسب إليه الأُسدُ. «لسان العرب : 431/14- شري -

المِحراب، (1)حليف المسجد والمحراب، قاصم العُداة ، وقاسم العِدات، في المعرکة ليث، وفي المخمصة غيث، طريقه أبلج، ونهجه أوضح منهج، بابه عند سدّ الأبواب مفتوح، وصدره لتلقّي نفحات الرحمن مشروح

کم عنيد بصارمه شدخ ؟ وکم صنديد ببطشه دوّخ ؟ وکم ريح للشرک أرکد؟ وکم نار للظلم أخمد ؟ وکم صنم جعله جذاذاً ؟ وکم وثن ترکه أفلاذاً ؟ قسيم الجنة والنار، و سيِّد المهاجرين والأنصار، و حياة المجديين لدي الاغوار، ونکال الظالمين يوم البوار، جعله الله للمصطفي ختناً ونفساً، وله الزهراء سکناًوعرساً، ورفع له فوق عرش المجد عرشاً، و خلقه أشدّ خلقة قوّة وإيماناً وبطشاً و کم أسد بثعلب رمحه قنص ؟ وکم صنديد حذراًمن حسامه کعَّ وقع ؟ أعلم من علي وجه الأرض، بالکتاب والسنّة والفرض، الإيمان بحبّه منوط، والکفر ببغضه مسوط (2)، أفصح من لفظ، وأنصح من وعظ، وأتقي من سجد لله ورکع، وأخشي من خشي الرحمن بالغيب وخضع، حلل الإمامة ربّنا علي هامة مجده أفرغ، ولبوس الزعامة نبيّنا علي قدّ قامته فصل وأسبغ، وله بالرئاسة العامّة فضَّل وشرَّف، ولأسماع أوليائه بذکر مناقبه لَذَّذَ وَشَنَّفَ، شهد الله له بالاخلاص وصدق، لما انه بخاتمه في رکوعه تصدق.(3)

الزاهد السالک، العابد الناسک، العالم العامل، الوليّ الکامل، صراط الله المستقيم، ونهجه القويم، وأمينه المأمون، وخازن سرّه المخزون، النجم في منزله هوي، والرسول في نصبه علماً للمسلمين ما ضلّ وما غوي ولا ينطق عن

ص: 218


1- المحِراب: شديد الحرب، شُجاعُ . «لسان العرب: 303/1 - حرب - ».
2- المخمَصَة : الجوع ، المجاعة.
3- مَسُوط: أي ممزوجُ و مخلوطُ . «لسان العرب :326/7- سوط - ».

المجلس الثاني: في ذکر سيد المرسلين و الهوي، المرجع في علم التوحيد إليه ، والمعوّل في معرفة الکتاب و السنّة عليه، أجلّ العالمين جلالاً، وأفصحهم مقالاً.

الامام الزکيّ القدسيّ الربانيّ الإلهيّ، أمير المؤمنين أبو الحسن عليّ الجليل العليّ، حامداً لله حمداً يليق بجلال عظمته، شاکراً لأنعمه شکراً يحسن بتمام نعمته، موضحاً دين الحقّ في خطبته، شارحاً قول الصدق في کلمته، قائلا : معاشر الناس، ألست أولي منکم بأنفسکم؟

قالوا: بلي ، يا رسول الله. قال: فمن کنت مولاه فهذا علي مولاه، ومن کنت نبيّه فعلّي إمامه ووليّه.

أيّها الناس، إنّ الله آخي بيني وبين عليّ، وزوّجه ابنتي من فوق عرشه، وأشهد علي ذلک مقربّي ملائکته، فعليّ منّي وأنا من علي، محبّه محبّي، ومبغضه مبغضي، وهو وليّ الخلق من بعدي.(1)

معاشر الناس ، إنّ هذا اليوم وهو يوم غدير خمّ من أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الّذي أمرني الله فيه بنصب عليّ أخي علماً لأمّتي، يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من سنّتي، وهو أمير المؤمنين، ويعسوب المتّقين، وقائد الغر المحجّلين.

أيّها الناس، من أحبّ عليّاً أحببته، ومن أبغض عليّاً أبغضته، ومن وصل عليّاً وصلته، ومن قطع عليّاً قطعته، ومن والي عليّاً و اليته، ومن عادي عليّاً عاديته.

أيّها الناس ، أنا مدينة الحکمة وعليّ بابها، لا تؤتي المدينة إلّا من قبل

الباب، وکذب من يزعم أنّه يحبّني ويبغض عليّاً

ص: 219


1- إشارة إلي الآيات: 3-1 من سورة النجم.

أيّها الناس، والّذي بعثني بالرسالة، وانتجبني للنبوة، ما أقمت عليّاً علماً في الأرض حتي نوّه الله بذکره في السماء، وفرض ولايته علي سائر ملائکته.

ثمّ قلت عقيبها: يا لها من خطبة نشر فيها صلّی الله عليه و آله لواء الإيمان ، وظهر منها رواء الإحسان، وخفق علم الحقّ في الملکوت الأعلي، و برق بارق العدل في أقطار الدنيا، فالملائکة المقرّبون مشغولون بتکرارها لاستظهارها، والولدان المخلّدون مأمورون بإظهارها وإشهارها، يحيي موات القلوب مزن سحابها، وينشي نشوات السرور في النفوس رحيق شرابها، و تنعش قلب المؤمن التقيّ بلذّة خطابها، وتتعس جدّ المنافق الشقيّ بشدّة عتابها.

يا لها من خطبة الحقّ منبرها، والصدق مخبرها ، والنبوّة أصلها، والإمامة نسلها، والنبيّ موردها ومصدرها، والوصيّ موردها ومصدرها، العهود فيها مؤکّدة، والعقود مشدّدة، والإيمان بامتثال نواهيها وأوامرها منوط، والکفر بمخالفة بواطنها وظواهرها مَسُوط، بلبل دوح فصاحتها يطرب أسماع القلوب بشهيّ نغمته، وسربال جمال بلاغتها يروق أبصار البصائر بوشيّ صنعته.

دقّت لها کؤوس الحبور في الملکوت الأعلي، وأُديرت کؤوس السرور في جنّة المأوي، وتلقّت الملائکة المقرّبون بالبشري أهل التحقيق علي مراکب التوفيق، وطافت الولدان المخلّدون علي أهل التصديق من الرحيق المختوم بأکواب وأباريق، وفتح رضوان باب الرضوان بأمر المهيمن السلام، وقال لأهل الولاية من المؤمنين : (اَذخُلُوهَا بِسَلامٍ) (1) ومشي بين أيديهم قائماً بشرائط

ص: 220


1- سورة الحجر : 46، سورة ق : 34.

الخدمة، وأجلسهم علي أرائک التعظيم مجرياً عليهم من الاکرام عادته ورسمه،(يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانُ مُخَلَّدُونَ بَأَکوَابٍ وَأبَارِيقَ وَکَأسٍ مِن مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاکِهَةٍ ممَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحمِ طَيرٍ ممَّا يَشتَهُونَ)

فابشروا - معاشر المؤمنين العارفين - بفضل هذا اليوم الشريف، والعيد المنيف، الذي أقام الله فيه عليّاً أمير المؤمنين علماً للمسلمين، وأمرکم باتّباع نيّر دليله في محکم تنزيله، فقال عزّ من قائل : (وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّق بِکُم عَن سَبِيِله) (1)-(2)

والله لقد نظرتم حيث نظر الله ، وواليتم من والي الله ، وعاديتم من عادي الله، أنتم الشعار والدثار، والأبرار الأطهار، طهرت ولادتکم، وخلصت طينتکم، فما المؤمنون إلّا أنتم، ولا المخلصون إلّا منکم، اختارکم الله لدينه ، واصطفاکم علي غيبه، فما خُلقت الجنّة إلا لکم، ولا برزت الجحيم إلّا لعدوّکم.

أنتم في النار تطلبون فلا توجدون، ومن الکوثر تردون ولا تصدّون، فلا يحزنکم إقبال الدنيا علي غيرکم، واجتماع أهلها علي إهانتکم وتأخيرکم، فإنّما هم ذئاب ضارية، بل کلاب عاوية، فلا تمدّوا أعينکم إلي ما متّعوا به من زينتهاء وفتنوا فيه من زهر تها ، من الثياب الموشّاة، والمراکب المغشّاة، والخيل المسوّمة، والنعم المطهّمة، والحلل المزرّرة، والعمائم المقوّرة، والرقاب الغليظة، والأقفاء العريضة، والعثانين (3) المصفّفة، واللحي المغلّفة ، والدور المزخرفة والقصور المشرفة، والأموال المکنوزة، والأمتعة المحروزة، والمنازل العامرة،

ص: 221


1- سورة الواقعة : 17 - 21.
2- سورة الأنعام : 103.
3- العُثنُوين من اللحية: ما نبت علي الذَّقَن وتحته سِفلاً ؛ وقيل : اللحية کلّها؛ وقيل : عُثنون اللحية: طرفها . «لسان العرب :276/13 - عثن - .

والجنان الغامرة، فإنّ ذلک متاع قليل، وجناب و بيل، مرجعه إلي زوال، وتملکه إلي انتقال.

وعن قليل يسفر الصباح، ويحيعل الداعي إلي الفلاح، ويحمَد المؤمن التقيّ غِبّ السُّري(1) وينجلي عن المنافق الشقّي غيابات الکري(2)، ويري أنّ ما کان فيه من النعيم الزائد ، والزبرج الجائد، إلّا(3) کسرابٍ بقيعةٍ،(4) أو حلم يقتضيها سويعة، ويتجلّی الجليل لحسابه، وتتهيّاً ملائکة العذاب لأخذه وعقابه، ويري سيّده عتيق الأوّل، وابن صهاک الزنيم الأرذل، في الدرک الأسفل ، والعذاب الأطول، مصفّدين مقرّنين، يستغيثان فلا يغاثان، ويناديان فلا يجابان، کلّما سدّت عليهما سيل المسالک استغاثا بخازن النار : يا مالک يامالک، نضجت منّا الجلود، يا مالک أثقلتنا القيود.

إذا أراد الله أن يحلّ بأهل النار أليم عذابه، و وخيم عقابه، أمر ملائکة العذاب بفتح کوة من سجنهما، فيتأذّي أهل النار من ريحهما ونتنهما، شرابهما حميم، وعذابهما مقيم، وأشياعهما من حولهما في السلاسل يسحبون، وبالمقامع يضربون، وفي النار يسجرون، وفي العذاب محضرون، يقولون: (رَبَّنَا أَخرِجنَا مِنَها فَإن عُدنَا فإِنَّا ظَالِمُون)(5)، فيجابون: (اخسَئوا فِيهَا وَلَا تُکَلَّمُونَ إنَّهُ کَانَ فَرِيقُ مِن عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغفِر لَنَا و اُرحَمنَا وَأَنتَ خَيرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذتُمُوهُم سِخرِيّاً حَتَّی أَنسَوکُم ذِکرِي وَکُنتُم مِنهُم تَضحَکُون إنَّي جَرَيتُهَمَ

ص: 222


1- غِبُّ الأمر ومغبَّتُه: عاقبته وآخره . السُّري : سير الليل بعامتّه.
2- غَيابة کلّ شيء: قعره. الکَرَي : النوم.
3- کذا في الأصل ، ولو کانت العبارة هکذا: «لم يکن إلّا » أو « ليس إلا » لکانت أصحّ . والزبرج : الوشي، الذهب، وکلّ شيء حسن. والجائد: الکثير، الغزير.
4- إقتباس من الآية: 39 من سورة النور.
5- سورة المؤمنون: 107.

اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أنَّهُم هُم الفَائِزُونَ)(1)

يطلع الله عليهما فيلعن، والملائکة تؤمّن، والنبيّ يعنّف، والوصيّ يؤفّف، والزهراء تتظلّم، والجحيم تتضرَّم، والزبانية تقمع، والنار تسفع (2)، هذا جزاء من وسم غير إبله ، وخالف الله ورسوله بقوله وعمله، ومنع الزهراء تراثها(3) من والدها سيّد المرسلين ، وآذي الله ورسوله وآذي إمام المسلمين وسيّد الوصيّين.

کلّ ذلک وأنتم علي الأرائک تنظرون، ومن الکفار تضحکون، ومن زيارة سادتکم لا تحجبون،(يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ َمختُوم خِتَامُهُ مِسکُ وَفِي ذَلِکَ

فَليَتَنَا فَسِ المِتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسنِيمٍ عَيناً يَشرَبُ بِهَا المُقرَّبُونَ) (4) إذا نظرتم إلي نبيّکم واليّکم علي الحوض للمؤمن يوردون، وللمنافق يطردون قلتم:( الحَمدُ للهِ الَّذي هَدَانَا لِهذَا وَمَاکُنَّالِنَهتَدِيَ لَولَا أَن هَدَانَا اللهُ ) فيجابون: (أن تِلکُمُ الجَنَّةُ أورِثتمُوهَا بِمَا کُنتُم تَعمَلُونَ)(5)

فاحمدوا ربّکم علي هذه النعمة التي أهّلکم لها، وجعلکم من أهلها، واقتدوا في هذا اليوم بسنّة ولیّکم ووسيلتکم إلي أمير المؤمنين وسيّد الوصييّن، فقد روي أنّه صلوات الله عليه خطب في هذا اليوم الکريم، والعيد العظيم، فقال - بعد أن حمد الله وأثني عليه، وذکر النبي وصلّی عليه -: أيّها الناس ، هذا يوم

ص: 223


1- سورة المؤمنون: 108-111.
2- سَفَعَته النارُ والشمسُ: لَفَفَحته لَفَحَاً يَسيراً فغيَّرت لون بشرته وسوّدته . «لسان العرب:157/8 - سفع مس»
3- الوِرثُ والازثُ والتُّراثُ والمِيراثُ : ما وُرِثَ . «لسان العرب: 2/ 200 - ورث .
4- سورة المطففين : 25- 28.
5- سورة الأعراف : 43.

عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، وعلت(1) الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الايضاح، ويوم الافصاح، ويوم الکشف عن المقام الصراح، ويوم کمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم بيان(2) العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم البرهان، ويوم دحر الشيطان.

هذا يوم الفصل الّذي کنتم توعدون(3) ويوم الملأ الأعلي إذ يختصمون ، ويوم النبأ العظيم الّذي أنتم عنه معرضون، ويوم الارشاد، ويوم محنة العباد، ويوم الدليل علي الروّاد، ويوم إبداء خفايا الصدور، ومضمرات الأمور، هذا يوم النصوص علي أهل الخصوص، هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم هود، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون ( هذا يوم الأمن المأمون )، هذا يوم إبراز المصون من المکنون، هذا يوم إبلاء السرائر.(4)

فلم يزل صلوات الله عليه يقول : هذا يوم ، هذا يوم،(5) ثمّ قال: فراقبوا الله عزّوجلّ واتّقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المکر ولا تخادعوه، وفتشوا ضمائرکم ولا(6) تواربوه، و تقرّبوا إلي الله بتوحيده وطاعة من أمرکم أن تطيعوه، ولا تمسکوا بعصم الکوافر، ولا يجنح بکم الغي فتضّلوا عن سواء السبيل باتّباع أولئک الّذين ضلّوا وأضلّوا، قال الله سبحانه عن طائفة ذکرهم بالذم في کتابه فقال سبحانه (7) (وَإذ يَتحَاجُّون فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء الَّذِينَ استَکبَرُاانَّا

ص: 224


1- في المتهجدّ: ورفعت، وفي المناقب : ورفع الدرج، وصحّت الحجج.
2- في المتهجد والمناقب: تبيان
3- کذا في المتهجدّ والمناقب، و في الأصل: کنتم به تکذبون.
4- في المتهجد والمناقب: ويوم الملأ الأعلي الذي أنتم عنه معرضون.
5- في المناقب : الذواد.
6- من المتهجد
7- کذا في المتهجد، وفي الأصل : فيجمع.

کُنَّالَکُم تَبَعاً فَهَل أَنتُم مُغنُون عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ)(1)

وقال سبحانه: (رَبَّنَا إنَّا أطَعنَا سَادَتَنَا وَکُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّوا السَّبِيلاً رَبَّنَا آتِهِم

ضِغفَين مِنَ العَذَاب وَالعَنهُم لَعناً کَبيِراً)(2)

أتدرون ما الاستکبار؟ هو ترک الطاعة لمن أُمروا بطاعته، والترفّع عمّن ندبوا إلي متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن کثير إن تدبّره متدّبر وعظه و زجره.

واعلموا عباد الله - أنّ الله سبحانه يقول في محکم کتابه :( إنّ اللهَ يُحِبُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبيِلهِ صَفّاً کأَنَّهُم بنُيَانُ مَرصُوصُ) (3) أتدرون ما سبيل الله ؟ ومن سبيل الله ؟ وما صراط الله ؟ ومن صراط الله ؟

أنا صراط الله الّذي نصبني (4) للاتّباع بعد نبيّه صلّی الله عليه و آله ، وأنا سبيل الله الذي من لم يسلکه بطاعة الله [فيه](5) هوي به إلي النار، وأنا حجة الله علي الأبرار والفجار، [ونور الأنوار] (6)، وأنا قسيم الجنّة والنار، فتيقّضوا من رقدة الغافلين (7)، [وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا إلي مغفرة من ربّکم] قبل أنّ يُضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتدعون فلا يسمع دعاؤکم،(8) وتصيحون فلا يُحفل بصيحتکم، وأن(9) تستغيثوا

ص: 225


1- سورة غافر : 47. وفي الأصل والمتهجدّ تصحيف، حيث فيهما صدر الآية المذکورة يليه ذيل الآية 21 من سورة إبراهيم : (فَهَل أنتُّم مُغنُونَ عَنَّا مِن عَذَابِ اللهِ مِن شَي قَالُوا لَوهَدَانَا اللهُ لَهَدينَاکُم).
2- سورة الأحزاب:67 و 68 . وفي المتهجدّ تقدّمت هاتان الآيتان علي الآية السابقة.
3- سورة الصفّ: 4.
4- کذا في المتهجدّ ، وفي الأصل: تصدي. وهذه الجملة جاءت في المتهجدّ بعد قوله: هوي به إلي النار
5- من المتهجد
6- من المتهجدّ
7- في المتهجدّ: فانتبهوا عن رقدة الغفلة.
8- من المتهجد
9- في المتهجدّ: فتنادون فلا يسمع نداؤکم ، وتضجون فلا يُحفل بضجيجکم، وقبل أن .

فلا(1) تغاثوا، بادروا بالطاعات قبل فوات الأوقات، فکأن قد جاءکم هادم اللّذات، ولات حين مناصٍ (2)، ولا محيص تخليص

عودوا رحمکم الله بعد انقضاء مجمعکم بالتوسعة علي عيالکم، والبرّ بإخوانکم، والشکر لله عزّ وجلّ علي ما منحکم، واجتمعوا يجمع الله شملکم، وتبارّوا يصل الله أُلفتکم، وتهانوا نعمة الله کما هنّأکم بالثواب(3)علي أضعاف الأعياد قبله وبعده إلّا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال، ويزيد في العمر، والتعطّف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه.

فافرحوا وفرّحوا إخوانکم باللباس الحسن، والمأکل الهنيء، والرائحة الطيّبة، وهنّؤا إخوانکم وعيالاتکم بالفضل من برّ کم، وما(4) تناله القدرة من استطاعتکم، وأظهروا البشر والحبور فيما بينکم ، والسرور في ملاقاتکم، والحمد لله علي ما منحکم ، وعودوا بالمزيد من الخير علي أهل التأميل لکم، وصلوا بکم ضعفاءکم بالفضل من أقواتکم(5)، وما تناله القدرة من استطاعتکم، وعلي حسب طاقتکم، فالدرهم فيه بمائة ألف درهم، والمزيد من الله عزّوجلّ ما لادرک له، وصوم هذا اليوم ممّا ندب الله تعالي إليه، وجعل الثواب الجزيل کفالة عنه، حتي لو أن عبدا من العبيد تعبّد به بالتشبيه من ابتداء الدنيا إلي انتهائها، صائماًنهارها، قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صيامه لتقاصرت إليه أيّام الدنيا [عن کفاية، ومن أسعف أخاه مبتدأ وبرّه راغباً فله کأجر من صام هذا اليوم

ص: 226


1- کذا في المتهجدّ، وفي الأصل: لن
2- في المتهجدّ: فلا مناَص نجاءٍ
3- في المتهجدّ : وتهادوا نعم الله کما منّاکم بالثواب فيه
4- في المتهجدّ : وهيّؤا لإخوانکم وعيالکم عن فضله بالجهد من جودکم وبما.
5- في المتهجد : وساووا بکم ضعفاءکم في ماکلکم.

قام ليلته]، ومن فطّر مؤمناً في ليلته کان کمن فطَّر فئاماً وفئاماً .

فلم يزل صلوات الله عليه يعدّ بيده الشريفة حتي عدّ عشراً . فنهض ناهض وقال: يا أمير المؤمنين ، وما الفئام ؟ (1)

قال: مائة ألف نبيّ وصدّيق وشهيد، فما ظنّکم بمن تکفّل عدداً من المؤمنين ؟ فأنا الضامن له علي الله تعالي الأمان من الکفر والفقر، وإن مات في يومه أو في ليلته أو فيما بعده إلي مثله [من غير ارتکاب کبيرة] (2) فأجره علي الله تعالي، ومن استدان لإخوانه فأسعفهم فأنا الضامن له علي الله، إن بقّاه أدّاه، وإن مات قبل تأديته تحمله عنه، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، [تهانوا النعمة في هذا اليوم] (3)، وليعلم بذلک الشاهد الغائب والحاضر البائن، وليعد القوي علي الضعيف، والغني علي الفقير، بذلک أمرني رسول الله عن الله .(4)

وفي الحديث أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان يخبر عن وفاته بمدّة ويقول: قد حان منّي خفوق من بين أظهرکم، وکان المنافقون يقولون: لئن مات محمد ليخرب دينه، فلمّا کان موقف الغدير قالوا:بطل کيدنا، فنزلت : (اليَومَ يَئِسَ الَّذِينَ کَفَرُوا مِن دِینِکُم) (5) -(6)

ص: 227


1- من المتهجدّ.
2- من المتهجدّ
3- من المتهجد. وفيه : «وليبلّغ» بدل «وليعلم»
4- مصباح المتهجّد : 755 - 758 - وليس فيه: «عن الله» -، عنه مناقب ابن شهر آشوب : 43/3. وأورده في إقبال الأعمال: 462- 464، عنه کشف المهمّ : 62 - 65. وأخرجه في البحار: 196/ 37 ، وعوالم العلوم: 118/3/15 ح 109 و ص 209ح290 «حديث الغدير» عن مناقب ابن شهر آشوب.
5- سورة المائدة : 3.
6- مناقب ابن شهر آشوب : 40/3 ، عنه البحار: 163/37 .

وکان الجمع الکبير والجمّ الغفير في الغدير حين أخذ البشير النذير بيد صنوه نور الله المبين، وسببه المتين، وإمام المتّقين، وأمير المؤمنين، أکثرهم ممّن الإلحاد دينه، والنفاق قرينه، قد استحوذ الشيطان علي قلبه، واستولي علي لبه، فأعطي بلسانه ما ليس في فؤاده ، وظهر علي صفحات وجهه ما أضمر من إلحاده، وأسرّ غدراً، وأخفي مکراً، ونصب لنبيّه الغوائل، وجادل في أمر الغدير بالباطل، وأرصد بابه لتنفر ناقته، وعاقد علي إنزال المنون بساحته، واستئصال شأفته.

وأطلع الله نبيّه علي ما دبّروا، ووقاه سيّئات ما مکروا، ولمّا أشرقت دار الهجرة بنور مقدمه، وشرفت أرجاؤها بموطيء قدمه ، وقد أکمل صلّی الله عليه و آله الدين بنصب و صيّه علماً لأمّته، وعمم النعمة بجعله حافظاً لشريعته، ونشر أعلام الإيمان بنشر مناقبه، وأعلي کلمة الاسلام بإعلاء مراتبه، وجلا أحکام الشريعة النبوّية في مدامس الاشتهار، وحلّي جيد الملّة الحنيفيّة بنفائس الافتخار(1)، ودارت رحي العدل علي قطبها، وأشرقت الأرض بنور ربّها، دعاه

ص: 228


1- في «ح »: نظم هذا المضمون علي بن حماد رحمه الله وقال: أخي الصحابة أشکالأفأفرده فقال لم يا رسول الله تفردني قال النبيّ لنفسي قد ذخرتک ما في الأرض لي من أخ إلّاک يشبهني أنا أخوک الّذي ترضي و أنت أخي ولا تزال تواسيني وتسعفني تشدّ أزري وترعي سنّتي وعلي کلّ الأمور تواتيني وتعضدني ما عشت أنت وزيري .... وإذا قضيتُ نحبي تواليني وتخلفني وأنت تغسّلني عند الوفاة فما يحلّ لغيرک عند الغسل ينظرني وأنت وارث علمي والأمين علي جميع أمري من سرَّ ومن علن وسوف تبدي لک الأعداء ما نقموا من الضغائن والأحقاد والإحن واستعمل الحلم عنهم وانتظر.... وبالإله عليهم فاستعن تعن ألقي إليه رسول الله سائر ما ألقي إليه من الرحمن ذي المنن علما بما کان وما قد يکون وما يقول في لقن أوحي إلي لقن وبعد دفن رسول الله کم ظهرت له معاجز قد دقّت علي... آل النبيّ إليکم کلّ مکرمة تتري علي رغم من ...... سفن النجاة الّتي قد فاز... لله ما حل في هاتيکم السفن قد جاد أجدائکم جود به... وصار ربعکم صوب... أنا ابن حماد العبدي فضلني ربّي بما خصّني فيکم و.... لاعذّب الله أمّي انّها شربت حبّ الوصيّ وأسقتنيه في اللبن وکان لي والد يهوي أبا حسن فصرت من ذي وذا أهوي أبا حسن يا نفس إنّ شبابي کان يغدرني في اللهو والشيب فيه اليوم يعذلني کم من أخ لک عللتيه ثمّ قضي نحب الحياة وأدرجتيه في الکفن وأنت عمّا قليل تلحقين به فأکثري الزاد للترحال واحتجن وسوف تلقين بعد الموت ما کسبت يداک من سيُء يا نفس أو حسن لولا اتکالي علي عفو الإله إذاً لکاد ذنبي بما أسلفت يؤنسني وليس لي عمل أرجو النجاة به إلّا موالاة مولاي أبي حسن أقول : وعلي بن حمّاد هو : أبو الحسن علي بن حمّاد بن عُبيد الله بن حماد العدويّ العبدي البصري، من معاصري الشيخ الصدوق والنجاشي . «انظر: الغدير :153/4، أدب الطفّ،161/2 - 198»..

بدء مرض النبي صلي الله عليه و آله

الله إلي جواره مختاراً، وناداه بلسان قضائه جهاراً : يا من أطلعته علي سرّي المصون، وغيبي المکنون، (إنَّکَ مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ) (1)

ولمّا انقضي أجله الجليل، وألقت به الأسقام مؤذنة بوشک الرحيل،

انصدعت لتوجعه قلوب المؤمنين، وهمعت لتألّمه عيون المسلمين .

وکان بدؤ مرضه صلّی الله عليه و آله يوم السبت أو يوم الأحد من صفر.

ولمّا اشتدّ مرضه قام صلّی الله عليه و آله آخذاً بيد عليّ عليه السلام، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجه إلي البقيع، فقال : السلام عليکم أهل القبور، ليهنئکم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن کقطع الليل المظلم، يتبع

ص: 229


1- سورة الزمر : 30.

النبي صلي الله عليه وآله يوصي قبل وفاته

آخرها أوّلها، إنّ جبرئيل کان يعرض عليَّ القرآن کلّ سنة مرّة، وهذه السنة عرضه عليَّ مرّتين، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.

فقام إليه عمّار بن ياسر وقال: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، إذا کان ذلک

من يغسّلک منّا ؟

قال: ذاک عليّ بن أبي طالب، إنّه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلّا أعانته

الملائکة علي ذلک.

قال: فمن يصلّي عليک منّا إذا کان ذلک ؟

قال: مه رحمک الله، ثمّ قال لأمير المؤمنين عليه السلام : ياعلي، إذا

رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وانق غسلي، وکفّنّي في طمريّ اللّذين أصلّي فيهما أو في بياض مصر وبرد يمانيّ، ولا تغال في کفني، واحملوني حتي تضعوني علي شفير قبري، فأوّل من يصلّي عليَّ الجليل جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل و ميکائيل وإسرافيل في جنود من الملائکة لا يحصي عددهم إلّا الله عزّ وجلّ، ثم الحافّون بالعرش، ثمّ أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون، يؤمون إيماء، ويسلّمون تسليماً، لا تؤذوني بصوت نادب ولا برنّة.

ثمّ قال لعمّه العبّاس: يا عبّاس، يا عمّ رسول الله، تقبل وصيّتي، وتنجز

عدتي، و تقضي ديني.

فقال العبّاس: يا رسول الله، عمّک شيخ کبير، ذو عيال کثير، وأنت تباري

الريح سمحاً وکرماً، وعليک وعد لا ينهض به عمّک.

فأقبل علي عليّ عليه السلام، فقال: تقبل وصيّتي، و تنجز عدتي، و تقضي

ديني ؟

ص: 230

الصلاة الأخيرة للنبي صلي الله عليه و آله بالناس

فقال: نعم، يا رسول الله.

فقال: ادن منّي، فدنا منه، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده، فقال: خذ هذا

فضعه في يدک، ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته، فدفع ذلک إليه، والتمس عصابة کان يشدّها علي بطنه إذا لبس الدرع، وروي أنّ جبرئيل أتاه بها من السماء، فجيء بها إليه، فدفعها إلي عليّ وقال: اقبض هذا في حياتي، ودفع إليه بغلته، وقال: امض علي اسم الله إلي منزلک.

ثمّ أُغمي علي رسول الله صلي الله عليه و آله ، وحضر وقت الصلاة، وأذَّن

بلال، ونادي: الصلاة يا رسول الله .

ففتح صلّی الله عليه و آله عينيه وقال: ادعوا لي حبيبي، فجعل يُعرَضُ عليه رجل فرجل وهو يُعرِض عنه، إلي أن حضر أمير المؤمنين فتهلّل وَجهُهُ، ثمّ قال : يا بلال، هلمّ عليَّ بالناس، فأجمع الناس.

فخرج صلّي الله عليه و آله متوکّئاً علي أمير المؤمنين بيده اليمني، وعلي الفضل بن العبّاس باليد الأخري، متعصّباً بعمامته، متوکّئاً علي قوسه، فصلّي بالناس جالساً، وقد کانت عائشة قد أرسلت إلي أبيها أن يصلّي بالناس، فنحّاه رسول الله صلّي الله عليه و آله وصلّي.

ثمّ قام وصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّه قد حان منّي خفوق من بين أظهرکم، فأيّ نبيّ کنت لکم ؟ ألم أجاهد بين أظهرکم، ألم تکسر رباعيتي ؟ ألم يعفّر جبيني ؟ ألم تسل الدماء علي حرّ وجهي حتي الثقت(1)لحيتي ؟ ألم أکابد الشدّة والجهد مع جهّال قومي ؟ ألم أربط حجر

المجاعة علي بطني ؟

ص: 231


1- لثقت : ابتلت .

الرسول صلي الله عليه و آله يعطي القصاص من نفسه

قالوا: بلي، يا رسول الله ، لقد کنت صابراً، وعن المنکر ناهياً، فجزاک الله

عنّا أفضل الجزاء.

قال: وأنتم جزاکم الله ربي ثم قال : إن ربّي سبحانه أقسم ألّا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتکم بالله أيّ رجل منکم کانت له قِبَل محمّد مظلمة فليقم وليقصّ،

فإنّ القصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في الآخرة علي رؤوس الملائکة والأنبياء؟

فقام إليه رجل - من أقصي القوم - يقال له سوادة بن قيس فقال: فداک أبي وامّي، إنّک - يا رسول الله - لمّا أقبلت من الطائف استقبلتک وأنت علي ناقتک العضباء وبيدک القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فلا أدري أعمداً أم خطأ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : معاذ الله أن أکون تعمّدت، ثمّ قال: يا بلال، قم إلي منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق، فخرج بلال وهو ينادي في سکک المدينة: معاشر الناس، من الّذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة ؟ فطرق بلال الباب علي فاطمة عليها السلام وهو يقول : يا فاطمة، قومي فوالدک يريد القضيب الممشوق، فصاحت فاطمة وهي تقول: وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا اليوم يومه ؟!

فقال : أما علمتِ أنّ أباک قد صعد المنبر وهو يودّع الناس ويعطي القصاص من نفسه ؟ فصاحت فاطمة وهي تقول: واعماه لغمّک يا أبتاه، من للفقراء والمساکين وابن السبيل بعدک يا رسول الله، يا حبيب الله، وحبيب القلوب ؟ ثمّ ناولت بلا القضيب، فجاء به وناوله رسول الله صلّی الله عليه و آله.

ص: 232

فقال رسول الله : أين الشيخ؟

فقال: ها أنذا يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. قال: قم فاقتصّ حتي ترضي۔

فقال الشيخ: اکشف لي عن بطنک يا رسول الله، فکشف صلّی الله عليه وآله عن بطنه، فقال الشيخ: أتأذن لي - يا رسول الله - أن أضع فمي علي بطنک ؟ فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : يا سوادة ، أتعفو أم تقتصّ ؟ قال : بل أعفو ، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : اللّهمّ اعف عن سوادة بن قيس کما

عفا عن نبيک.

ثمّ نزل رسول الله صلّی الله عليه و آله ودخل منزل أمّ سلمة وهو يقول:

ربّ سلّم أمّة محمد من النار، ويسّر عليهم الحساب.

فقالت أم سلمة: يا رسول الله، مالي أراک مغموما متغير اللون ؟

فقال صلّی الله عليه و آله :نعيت إليّ نفسي، فسلام لک منّي في الدنيا فلا

تسمعين صوت محمد بعد هذا أبداً.

فقالت أمّ سلمة: واحزناه حزناً لا تدرکه الندامة عليک يا محمد.

ثمّ قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ادع لي حبيبة نفسي وقرّة عيني فاطمة، فجاءت فاطمة وهي تقول: نفسي لنفسک الفداء، ووجهي لوجهک الوقاء، يا أبتاه، ألا تکلّمني کلمةً، فإني أراک مفارق الدنيا، وأري عساکر الموت تغشاک ؟

ص: 233

قول النبي صلي الله عليه وآله: «ائتوني بدواة وکتف ...»

وقول عمر:

«إن النبي قد اشتد به الوجع وهو يهجره

فقال: يا بنيّة، إنّي مفارقک، فسلام عليک منّي. قالت : يا أبتاه ، فأين الملتقي يوم القيامة ؟ قال: عند الحساب. قالت: فإن لم ألقک عند الحساب ؟ قال: عند الشفاعة لأمتّي. قالت : فإن لم ألقک عند الشفاعة لاُمتک.

قال: عند الصراط، جبرئيل عن يميني، و ميکائيل عن يساري، والملائکة من خلفي وقدّامي ينادون: ربّ سلّم أمّة محمد من النار، ويسّر عليهم الحساب.

قالت فاطمة عليها السلام : فأين والدتي خديجة ؟ قال: في قصر له أربعة أبواب إلي الجنّة.

وعن ابن عبّاس قال: اشتدّ برسول الله صلّی الله عليه و آله وجعه يوم

الخميس، فقال: ائتوني بدواة وکتف لأکتب لکم کتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر : إنّ النبيّ قد اشتدّ به الوجع وهو يهجر، عندکم القرآن حسبنا کتاب الله(1)، فاختلف الناس حينئذٍ بينهم، فمنهم من يقول: القول ما قال عمر،

ص: 234


1- انظر : صحيح مسلم : 1259/3ح 22، شرح نهج البلاغة: 2/55، وج 51/6 ، الملل والنحل للشهرستاني : 29/1، المسند للحميدي : 241/1ح526، طبقات ابن سعد:36/2 و 37، مسند أحمد بن حنبل: 293 و 355 ، صحيح البخاري: 39/1 ، وج85/4 و 121 ، المعجم الکبير للطبراني: 445/11 ح 12261، شرح السنّة للبغوي : 180/11ح 2755، الکامل في التاريخ: 2/ 320. . وأخرجه في البحار: 468/22 عن إعلام الوري: 141 ، إرشاد المفيد: 89. وفي ص 472 ح 21 عن مناقب ابن شهر آشوب : 235/1. وفي ص 474 عن أمالي المفيد : 36ح 3. وفي ص 498ح 44 عن کتاب سُليم بن قيس: 210.

نزول ملک الموت لقبض روح النبي صلي الله عليه وآله

فلمّا کثر اللغط(1)عند رسول الله صلّی الله عليه و آله قال: قوموا، فکان ابن عباس يقول: الرزيّة کلّ الرزيّة ما خلا بين رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين أن يکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم ولغطهم

ثمّ أُغمي علي رسول الله صلّی الله عليه وآله ، فلمّا أفاق قال: انطلقوابي إلي فاطمة، فجيء به حتي وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبکيان ويصيحان ويضطربان، وهما يقولان: أنفسنا لنفسک الفداء، ووجوهنا لوجهک الوقاء

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : يا علي، من هاذان ؟

فقال: ابناک الحسن والحسين، فعانقهما وقبلهما، وکان الحسن أشدّ بکاءً

من الحسين.

فقال أمير المؤمنين : کفّ يا حسن، فقد شققت علي رسول الله ، ونزل ملک

الموت، فقال: السلام عليک، يا رسول الله .

فقال : وعليک السلام ، يا ملک الموت، لي إليک حاجة، ألّا تقبض روحي

حتي يأتي جبرئيل أخي.

فخرج ملک الموت وهو يقول: وامحمداه، فاستقبله جبرئيل في الهواء،

وقال: يا ملک الموت، قبضت روح محمد صلّی الله عليه و آله ؟

قال: سألني ألا أقبضه حتي يلقاک فيسلم عليک وتسلم عليه.

فقال جبرئيل : يا ملک الموت، أما تري أبواب السماء قد فتحت لروح

محمد ؟ أما تري الحور العين قد تزيّنت لمحمد ؟

ص: 235


1- کذا الصحيح، وفي الأصل: اللفظ.

مناجاة الرسول صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام

ثمّ نزل جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليک، يا أبا القاسم.

فقال: وعليک السلام ادن منّي يا جبرئيل، فدنا منه، فنزل ملک الموت، فقال له جبرئيل : يا ملک الموت، احفظ وصيّة الله في روح محمدصلّی الله عليه وآله ، وکان جبرئيل عن يمينه، و ميکائيل عن يساره، وملک الموت آخذ بروحه صلّی الله عليه و آله ، وجبرئيل يقول: يا محمد(إنَّکَ مَيَّتُ وَإنَّهُم مَيَّتُونَ)(1) (کُلُّ نَفسٍ ذَائِقَهُ المَوتِ (2)-(3)

مسند أبي يعلي وفضائل أحمد: عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف أمّ سلمة به أنّه کان آخر عهد برسول الله صلّی الله عليه و آله عليّ عليه السلام، وکان رسول الله قد بعثه في حاجة غداة قبض، وکان يقول: جاء عليّ - ثلاث مرّات - قالت : فجاء عليّ قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لمّا علمنا انه له إليه حاجة، فانکب عليه علي، فکان آخر الناس به عهدا ، وجعل يساره ويناجيه(4)

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام أنّ عائشة دعت أباها فأعرض عنه رسول الله صلّی الله عليه و آله ، ودعت حفصة أباها فأعرض عنه، ودعت أمّ(5)

ص: 236


1- سورة الزمر: 30.
2- سورة آل عمران: 185، سورة الأنبياء : 35، سورة العنکبوت: 57.
3- أمالي الصدوق : 505 ح 6، عنه البحار: 507/22 ح 9. وأورد قطعات منه في مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 234 - 235، عنه البحار: 22 / 472. وانظر : الأحاديث الغيبية : 1/ 38ح 12.
4- مناقب ابن شهر آشوب236/1.
5- مسند أبي يعلي الموصلي : 12 / 364ح 1936، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل:286/2 ح 1171.

سلمة عليّاً عليه السلام فناجاه طويلاً (1) . حتي إذا اشتد کربه ، وارتفع أنينه، وعرق لهول الموت جبينه نادي لشدّة السياق: واکر باه.

فنادت فاطمة : واکرباه لکربک يا أبتاه . فأجابها مسکّناً لحرقتها بين القوم: لاکرب علي أبيک بعد اليوم.(2)

ثمّ سالت نفسه الشريفة صلّی الله عليه و آله مختاراً، فسالت لها العيون من شؤونها مدراراً، وانقطع بموته الوحي والتنزيل، وامتنع من الأرض. جبرئيل، وأظلمت المدينة بعد نورها وضيائها، وارتفع الضجيج من قصورها وأرحابها.(3)

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله لما دنا منه الأجل المحتوم جذب عليا إليه،

وغشاه بثوبه الذي عليه، ووضع فاه علي فيه، وجعل يناجيه.

فلما حضره الموت وقضي صلّی الله عليه و آله استل أمير المؤمنين عليه السلام من تحت الثوب، وترکه علي رسول الله صلي الله عليه و آله ؛ فقيل لأمير المؤمنين : ما الذي ناجاک به رسول الله صلّی الله عليه و آله ؟

فقال: علّمني ألف باب من العلم، ينتج کلّ باب إلي ألف باب ، وأوصاني

بما أنا به قائم إن شاء الله.(4)

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله جذب عليّاً تحت ثوبه، وجعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال: يا عليّ، ضع

ص: 237


1- مناقب ابن شهر آشوب:236/1-237، عنه البحار: 521/22 ح 29.
2- کشف الغمّة: 16/1 ، عنه البحار: 22 / 531.
3- أرحاب: جمع رحبة، وهي الصحراء.
4- في oالمناقب : فتح لي من کل باب ألف باب.

قبض النبي صلي الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين عليه السلام

تحت حنکه ، وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في هذا

المعني

رأسي في حجرک، فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدک، وامسح بها وجهک، ثمّ وجّهني إلي القبلة، وتول أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس، ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي، واستعن بالله سبحانه .

فأخذ عليّ برأسه، ووضعه في حجره، فأُغمي عليه، فبکت فاطمة، فأومأ

إليها بالدنوّ منه، فأسرّ إليها شيئاً فضحکت وتهلّل وجهها.

فسئلت عن ذلک، فقالت: أعلمني أنّي أوّل أهل بيته لحوقاً به.

ثمّ قضي صلّی الله عليه و آله ويد أمير المؤمنين عليه السلام تحت حنکه، ففاضت نفسه صلّی الله عليه و آله ، فرفعها أمير المؤمنين إلي وجهه فمسحه بها، ثمّ مدّ عليه إزاره، واستقبل بالنظر في أمره(1)

وممّا قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في نهج البلاغة في هذا المعني:

وقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلّی الله عليه و آله أني لم أرد علي الله ولا علي رسوله ساعة فقط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنکص(2)فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجد(3) أکرمني الله بها .

ولقد قُبض رسول الله صلّی الله عليه و آله وإن رأسه لعلي صدري، وقد سالت نفسه في کفّي، فأمررتها علي وجهي، ولقد وليت غسله صلّی الله عليه وآله والملائکة أعواني، فضجّت الدار والأفنية ؛ ملأ يهبط، وملا يعرج، وما فارقت سمعي هيئمة (4) منهم ، يصلون عليه حتي واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به متي حيّاً وميّتاً؟ فانفذوا علي بصائرکم، ولتصدق نيّاتکم في جهاد

ص: 238


1- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 237، عنه البحار: 521/22 - 522.
2- تنکص: تتراجع.
3- لجدة: الشجاعة
4- الهينمة: الکلام الخفي لا يفهم.

عدوّکم، فوالّذي لا إله إلّا هو إنّي لعلي جادّة الحقّ، وإنّهم لعلي مزلّة الباطل، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولکم !(1)

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام(2)

قال: قال الناس: کيف کانت الصلاة

ص: 239


1- نهج البلاغة : 311 خطبة رقم 197، عنه البحار: 22 / 540 ح 49 من قوله «ولقد قبض».
2- في «ح» : عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله بات آل محمد عليهم السلام بأطول ليلة حتي ظنوا أن لاسماء تظلهم، ولا أرض تقلهم، لأن رسول الله صلّی الله عليه وآله وتر الأقربين والأبعدين في الله. فبينما هم کذلک إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون کلامه، فقال: السلام عليکم أهل البيت ورحمة الله وبرکاته ، إنّ في الله عزاء من کلّ مصيبة، ونجاة من کل هلکة، ودرکاً لما فات : (کُلَّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإنَّمَا تُوفَّونَ أُجُورَکُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ)، [ آل عمران : 185 ]، إنّ الله اختارکم وفضّلکم وطهّرکم وجعلکم أهل بيت نبّيه، واستودعکم علمه، وأورثکم کتابه، وجعلکم تابوت علمه وعصا عزّه، وضرب لکم مثلاً من نوره، وعصمکم من الزلل، وآمنکم من الفتن، فتعزّوا بعزاء الله. فإنّ الله لم ينزع منکم رحمته، ولن يزيل عنکم نعمته، فأنتم أهل الله عزّوجلّ الذين بهم تمّت النعمة، واجتمعت الفرقة، وائتلفت الکلمة، وأنتم أولياؤه، فمن تولاّکم فاز، ومن ظلم حقّکم زهق، مودّتکم من الله واجبة في کتابه علي عباده المؤمنين، ثم الله علي نصرکم إذا يشاء قدير، فاصبر والعواقب الأمور، فإنّها إلي الله تصير، قد قبلکم الله من نبیّه وديعة، واستودعکم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدي أمانته أتاه الله صدقه، وأنتم الأمانة المستودعة، ولکم المودة الواجبة، والطاعة المفروضة، وقد قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله وقد أکمل لکم الدين، وبيّن لکم سبيل المخرج، فلم يترک لجاهل حجّة، فمن جهل أو تجاهل أو أنکر أو نسي أو تناسي فعلي الله حسابه، والله من وراء حوائجکم . وأستودعکم الله ، والسلام عليکم. فسألت أبا جعفر عليه السلام ممن أتاهم للتعزية. قال: من الله تعالي شأنه. نقل من کتاب اصول الکافي للکليني رحمه الله [ج 1ص 445 ح 19،عنه البحار: 22 / 537 ح 39].

أن أمير المؤمنين عليه السلام نزل قبر رسول الله صلي الله عليه و آله

عليه ؟ فقال عليّ عليه السلام: [إن] (1)رسول الله صلّی الله عليه وآله إمام حيا و ميّتاً فدخل عليه عشرة عشرة، فصلوّا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتي الصباح ويوم الثلاثاء، حتي صلّی عليه الأقرباء والخواصّ، ولم يحضر أهل السقيفة، وکان عليّ عليه السلام أنفذ لهم بريدة، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه صلّی الله عليه و آله.

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: إنما أنزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي: (إنَّ اللهَ وَمَلَائِکَتَهُ يُصَلُّون عَلَي النَّبِيَّ.(2)الآية.

وسئل الباقر عليه السلام : کيف کانت الصلاة علي رسول الله صلّی الله

عليه و آله ؟

فقال: لمّا غسله أمير المؤمنين عليه السلام وکفّنه وسجّاه أدخل عليه عشرة عشرة فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم فقال:( إنُّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ يُصَلُونَ عَلَی النَّبِيّ) الآية، فيقول القوم مثل ما يقول حتي صلّی عليه أهل المدينة والعوالي، واختلفوا أين يدفن ؟ فقال بعضهم: في البقيع، وقال آخرون : في صحن المسجد.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ الله لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر بقاع الأرض، فينبغي أن يدفن في البقعة الّتي قبض فيه، فاتّفقت الجماعة علي قوله. ودفن في حجرته.

ونزل في قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 240


1- سورة الأحزاب: 56.
2- من المناقب .

أمير المؤمنين عليه السلام يرثي النبي صلي الله عليه وآله

والفضل بن العبّاس وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنين : أنا الأوّل وأنا الآخر(1)

وأنشأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول:

نَفسي علي زَفَراتها محبوسةُ

يالَيتَها خرجت مع الزَّفراتِ

الاخَير بعدک في الحياة وإنّما

و أخشَي (2)مخَافَةَ أن تطولَ حياتي (3)

وله صلوات الله عليه : ألَا طرق النَّاعي بلَيلٍ فَراعنَي

وَأرَّقَني لمَّا استقلّ(4) مُنَاديا

فقلتُ له لمَّاسمعتُ الّذي نَعي(5)

أغيرَ رسولِ الله إن کنتَ (6)ناعِيا

فحقّق ما أسعفت(7)منه ولم أجد

وکان خليلي عزّتي وجماليا

ص: 241


1- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239 -240.
2- في الديوان: أبکي.
3- مناقب ابن شهر آشوب: 240/1 ، ديوان أمير المؤمنين عليه السلام : 57 ( دار الکتاب العربي) و ص 55 ( دار ابن زيدون) .
4- في الديوان : استهل.
5- في الديوان : لمّا رأيتُ الّذي أتي.. أغير رسول الله أصبح
6- في المناقب : فخفق ما أشفقت.
7- في الديوان : ولم يبل ... وکان خليلي عدّتي. وهذا البيت غير مذکور في طبعة دار الکتاب.

فَوَاللهِ ما أنساک أحمدُ ما مَشَت(1)

بي العيس(2)في أرضٍ وجاوزتُ واديا

وکنتُ متي أهبِط مِنَ الأرضِ تَلعَةً

أريدها أقرأينه جديد و باليا

شجاعُ (3)تَشطُّ الخيل عنه کأنَّما

يَرَينَ بِهِ لَيثاً عَلَيهنّ عاديا(4)

[وله عليه السلام :] ألا يا رسول الله کنتَ حمیً لنا

وکنت بنا برّاً ولم تک جافيا(5)

وکأن علي قلبي لذکر محمد(6)من المناقب(7)

وما جيب(8) من بعد النبي المکاويا(9)

ص: 242


1- في المناقب : مست .
2- في الديوان : العيش.
3- کذا في المناقب والديوان، وفي الأصل : بلغة.
4- في المناقب : أجد، وفي الديوان: أجد أثراً مِنهُ جَديراً وبافيا.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل: يشطي، وفي الديوان : جواد تشظّي وتشط : أي تبعد
6- في الديوان : ضاريا. مناقب ابن شهر آشوب: 241/1 ، ديوان أمير المؤمنين عليه السلام :126( دار الکتاب
7- العربي ) وص 153 ( دار ابن زيدون ) ، أنساب الأشراف: 592/1 .
8- في المناقب : رجائيا.
9- في المناقب : وما جاء . والمکاوي : جمع المکواة.

أفاطم صلّي الله ربّ محمّد

علي جدث أُمّي بيثرب ثاويا

فدي لرسول الله أمي وخالتي

وعمّي وزوجي(1) ثم نفسي وخاليا

فلو أنّ ربّ العرش أبقاک بيننا

سعدنا ولکن أمره کان ماضيا

عليک من الله السلام تحيّة

وأدخلتَ جنّات من العدن راضيا(2)

وقالت الزهراء صلوات الله عليها : قل للمغيّب تحت أطباق الثري

إن کنت تسمع صرختي وندائيا

ص بت عليَّ مصائب لو أنّها

و صبّت علي الأيّام عدن(3) لياليا

قد کنتُ ذات حميً بظلّ محمد

لا أخش من ضيم وکان جماليا

فاليوم أخشع للذليل وأتّقي

ضيعي وأدفع ظالمي بردائيا

ص: 243


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروحين
2- مناقب ابن شهر آشوب : 242/1،وأنساب الأشراف: 594/1 ، وفيه الأبيات منسوبة الصفية بنت عبد المطلب.
3- في المناقب : صرن.

فإذا بکت قمريّة في ليلها

شجناً علي غصن بکيت صباحيا

[فلاجعلنّ الحزن بعدک مؤنسي](1)

ولأجعلنّ الدمع فيک وشاحيا(2)

ماذا علي من شم تربة أحمد

ألا يشم مدي الزمان غواليا(3)

ولها صلوات الله عليها: کنتَ السواد لمقلتي يبکي عليک النساظر من شاء بعدک فليمت فعليک کنت أحاذر (4)

وقالت أم سلمة: فجعناه بالنبيّ وکان فينا إمام کرامة نعم(5) الإمام وکان قوامنا والرأس منّا فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ون(6)شتکي ماقد لقينا ويشکو فقدک البلد الحرام فلا تبعد فکلّ فتئً کريم سيدرکه وإن کرها الحمام(7)

ص: 244


1- من المناقب .
2- الوشاح : نسيج عريض يرصَّع بالجوهر، وتشدّه المرأة بين عاتقها وکشحَیها . «المعجم الوسيط : 2/ 1033 - وشح - ».
3- مناقب ابن شهر آشوب: 242/1. والغوالي: جمع الغالية: أخلاط من الطيب کالمسک والعنبر. «المعجم الوسيط : 660/2».
4- مناقب ابن شهر آشوب : 243/1
5- کذا في المناقب، و في الأصل: فنا.
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل : کرم
7- مناقب ابن شهر آشوب: 243/1 .

صفية بنت عبدالمطلب وحسان بن ثابت يرثيان النبي صلي الله

عليه و آله

وقالت صفيّة بنت عبد المطّلب (1)يا عَين جودي بدمع منک منحدر

ولا تَملّي وابکي(2) سيّد البشرِ

ابکي (3)-(4)الرسولَ فَقَد هَدَّت مصيبتُه

جميع قومي وأهل البدو والحضر

ولاتَملّي بکاک الدهر معولةً

عليه ما غرّد القُمريّ في السحر(5)

وقال حسان : إنّ الرزيّة لا رزيّة مثلها ميّت بطيبة مثله لم يفقد ميّت بطيبة أشرقت بحياته ظلم البلاد إنهم أو منجد والکوکب الدرّي أصبح أفلاً بالنور بعد تبلّج وتصعّد لله ماضمّت(6) حفيرة قبره منه وما فقدت سواري المسجد (7)

الکافي : اجتمعت نسوة بني هاشم، وجعلن يذکرن النبي صلّی الله عليه و آله ،

فقالت فاطمة عليها السلام : اترکن التعداد و عليکنّ بالدعاء.

ص: 245


1- صفيَة بنت عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، عمّة النبيّ صلّی الله عليه و آله ، أمّ الزبير بن العوّام، کانت من أشجع النساء في زمانها. انظر في ترجمتها: أعيان الشيعة : 7/ 390، الاصابة: 348/4 ، أعلام الزرکلي:206/3 .
2- في المناقب ، وبکّي
3- في المناقب : بکّي .
4- مناقب ابن شهر آشوب؛243/1، وأنساب الأشراف: 594/1.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الشجر
6- في المناقب : ضمنت .
7- مناقب ابن شهر آشوب: 244/1 .

أن النبي صلي الله عليه و آله أوصي علي عليه السلام بأن لا

يغسله غيره

مناجاة للمؤلف رحمه الله

وقالت فاطمة : قال النبيّ صلّی الله عليه و آله لعليّ: يا علي، من أُصيب

بمصيبة فليذکر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب (1)

روي يزيد بن بلال، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أوصي النبيّ صلّی الله عليه و آله : أن لا يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يري أحد عورته إلّا طمست عيناه.

قال: فما أتناول عضواً إلّا کان کأنّما نقله ثلاثون رجلا (2)حتي فرغت

من غسله.(3)

وروي أنّه لمّا أراد أمير المؤمنين تغسيله استدعي الفضل بن العبّاس ليعينه، وکان مشدود العينين، وقد أمره أمير المؤمنين عليه السلام [بذلک] (4) إشفاقاًعليه من العمي(5)

المناجاة

يا من جمال جلاله منزه عن التغيير والزوال، ويا من دوام کماله مقدّس عن الحدوث والانتقال، ويا من جلّ في ذاته وصفاته عن المعاني والأحوال. ويامن دلّ بافتقار مخلوقاته علي انّه الکبير المتعال.

سبحانک من قاهر تردّی بالجبروت والکبرياء، وتعاليت من قادر لا

ص: 246


1- مناقب ابن شهر آشوب : 1/ 238 - وليس فيه «وقالت فاطمة»، عنه البحار: 22 /522. ولم أجده في الکافي.
2- في المناقب: فما تناولت عضواً إلّا کأنّما يقلبه معي ثلاثون رجلاً
3- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239، عنه البحار: 22 /524.
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهر آشوب: 1/ 239 ، عنه البحار : 22 /524.

يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لا تشارک في وجوب وجودک، ولا تضاهي في فضلک وجودک، ولا يخرج عن سلطانک قويّ ولا ضعيف، ولا يفلت من قبضتک دنّي ولا شريف، ولا يخرج عن إحصائک وفي ولا طفيف، أنت الظاهر ببديع قدرتک، القاهر بعموم ربوبيّتک، حکمت بالموت، وقضيّت بالفوت، فلا رادّ لقضائک، ولا مفر من بلائک .

سبحانک أخرجتنا من عالم الغيب إلي عالم الشهادة، وقضيتّ لنا في دار بلائک بالحسني وزيادة، وجعلتَ لنا أرضک فراشاً، وسخرت لنا من رزقک معاشاً، ورکبت فينا أدوات معرفتک، و آلات عبادتک، من عقول کاملة، وأرکان عاملة، وجوارح مطيعة، وقویً مستطيعة.

وأودعت في أجسادنا من عجائب حکمتک، وغرائب صنعتک، أعدل شاهد علي وحدانيتک، وأکبر دال علي فردانيّتک، من آلات بسط وقبض ، ورفع وخفض ، وحرکة وسکون ، وظهور وبطون ، وطبائع مصرفة ، وقویً مختلفة ، من باصرة وسامعة، ومفرقة وجامعة، وماسکة ودافعة، وموصلة ومانعة، وذاکرة وحافظة، وذائقة ولافظة.

ونصبت لنا من خواصک أعلاماً جعلت قلوبها مواطن حبّک، ومعادن قربک، لما فازت بالدرجة العليّة من فيضان عنايتک، وشربت بالکأس الروية من شراب محبّتک، أطربها بلبل دوح عرفانک تشتهي نغمته، وأرقّها صوت مجيد فرقانک بفصيح کلمته، فطالعت جلال جمالک بأبصار بصائرها، وشاهدت أنوار تجلّيات عظمتک بأفکار سرائرها، فجرت في مضمار عشقها إلي حضيرة قدسک، وسلکت بقدم صدقها إلي مقام انسک، لم تقصر قواها عن الترقي في مدارج السلوک بتوفيقک و تأييدک، ولم تختلجها عوارض الشکوک بإرشادک

کار 1

ص: 247

وتسديدک، حتي إذا وردت من عين اليقين ورداً وصدراً، وکشف بها الحقّ المبين عن غوامض أسراره حجاباً و ستراً، وصار المحبّ حبيباً، والطالب مطلوباً.

جعلتهم معادن علمک ، و مواضع حکمک ، وتراجمة وحيک ، وسفرة أمرک، وعصمتهم من کلّ عيب ، ونزّهتهم من کلّ ريب ، وتوجتهم بتاج عنايتک، وأفرغت عليهم خلع کرامتک، وأسريت بهاديهم إلي الصفيح الأعلي، وسموت بساميهم إلي المقام الأدني، وأطلعته علي أسرار ملکوتک، وشرفته بخطاب حضرة جبروتک ، ووسمته بخاتم النبيين ، وسميته بأحمد ومحمد وطه وياسين ، وجعلته أفضل أهل السماوات وأهل الأرضين، وأيدته بوليک سيّد الوصيّين ، وفرضت ولاءها وولاء أهل بيتهما علي عبادک أجمعين، فقلت : (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِيِنَ)(1)

فمن سلک سبيلهم، واقتفي دليلهم، فهو ممّن الحقته جناح رحمتک،

وأورثته نعيم جنّتک، ورقمت اسمه في جرائد المنتجبين من خواصّک، وأثبتّ وسمه في صحائف الموسومين بإخلاصک.

ومن تولّی عن أمرهم، وأنکر عنهم برهم، وتوالي من جرت عليه نعمتهم، وعظمت لديه مننهم، واستطال علي الناس برفيع مجدهم، واشتهر بالباس بغرار حسدهم، وتاه في ظلمة ضلالته، وغرق في لجة جهالته، فهو ممن قلت فيه: (يُؤمنون بِالجِبتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ اللَّذِينَ کَفَروا هؤلاَءِ أهدَي مِنَ الَّذِينَ

ص: 248


1- سورة التوبة: 119.

آمَنُوا سَبِيلاً أولَئِکَ الَّذِينَ لَعَنَهُم اللهُ وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (1)

(يُرِيُدونَ أنَ يَتَحَاکَمُوا إلَي الطَّاغُوتِ وَقَد أمِرُوا أَن يَکفُرُوا بِهِ وَيُريِدُ الشَّيطَانُ أن يُضِلَّهُم ضَلَالاً بَعِيداً وَإذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إلَي مَا أنَزَلَ اللهُ وَإلَي الرَّسُولِ رَأيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّون عَنکَ صُدُوداً)(2) وأُولَئِکَ الَّذِينَ کَفَرُوا بِآيَاتِ رَبَّهم وَلِقَائِهِ فَحَبطَت أعمَالهُم فَلَا نُقِيم لَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَزناً ذَلِکَ جَزَاؤُهُم جَهنَّم بِمَا کَفَرُوا وَاتَّخَذوا آيَاتِي وَزُسُليِ هُزُواً.(3)

اللّهمّ إنّا لا نعلم نبيّاً من أنبيائک، ولا نعتقد وليّاً من أوليائک، ولا ملکاًمن حملة عرشک، ولا هابطاً بوحيک وأمرک، ولا أميناً علي غيبک وسترک، أفضل الديک من نبيک المصطفي، وأمينک المجتبي، الّذي انتجبته لرسالتک، واصطفيته بکلمتک، وختمت به أنبياءک، ووصيّه الذي اخترته لخلافتک، وقرنت طاعته بطاعتک، وضربته مثلاً في محکم تنزيلک، وشددت به عضد نبيّک ورسولک وأيّدته بالفضل والحکم، وآتيته بسطة في العلم و الجسم، وهزمت بجدّه الأحزاب، وقصمت بسيفه الأصلاب، وجعلت حبّه فارقاً بين الکفر والإيمان، وحبّه وسيلة إلي الفوز بنعيم الجنان.

الانعتقد ذنباً بعد الإلحاد في آياتک، والجحود لصفاتک، وادّعاء إلهاً سواک،

والتکبّر علي جلالک وعلاک، أعظم ولا أکبر، ولا أوثق ولا أشقّ، من ذنب من وضع من قدره، واجتري عليه بکفره، وقدّم عليه من لا يعادل عند الله شسع نعله، وأخره عمّن ليس له فضل کفضله، ولا أصل کأصله، وجحد نصّ رسولک

ص: 249


1- سورة النساء : 51 و 52.
2- سورة النساء : 60 و61.
3- سوررة الکهف : 105 و 109.

و حرّف آيات تنزيلک، وشهد أنّ طاعتک مقرونة بطاعته، وولايتک مشروطة بولايته، إذ هو «أُولوا الأمر الذي أمرت باقتفاء أثره، ونوهت في کتابک بذکره، وأمرت نبيک أن يأخذ ميثاق خلافته علي کلّ مقرّ بوحدانيّتک، معتقد لربوبيّتک، فمن ردّ مقال رسولک، وسلک غير سبيلک، فهو ممّن قلّدته لعنتک، ووعدته نقمتک، وأعددت له أليم عذابک، ووخيم عقابک.

ونشهد أنّه سبيلک القويم، وصراطک المستقيم، ونشهد أنّ من ابتزّه سلطانه غاصباً، وتسمّي باسمه کاذباً، وأنکر ما أوصيت من فرض ولايته، وأخفي ما أظهرت من حقّ خلافته، فقد بعد من الصواب، وحقّت عليه کلمة العذاب، فلا عذاب أعظم من عذابه، ولا عقاب أنکي من عقابه، إذ الثواب والعقاب علي مقدار الفعل المکتسب في دار البلاء، ومحلّه الابتلاء، ومن جحد الوصي منزلته، ورد ّعلي الرسول مقالته ، وأوّل نصّ الکتاب بالتأويل الواهي، والخيال الساهي، وقدّم من يستحقّ التأخير لنقصه، وأخر من قدّم الله ورسوله منصبه، ونصب العداوة لأهل بيت نبيه، وجحد الولاية بضلاله وغيه، وعدل بميراث الرسول عن أهله، ووضعه في غير محلّه، فهو ممّن أنکر أصول الإيمان، وانتظم في مسلک عبدة الأوثان، وأعداء الرحمن، ومقره في الدرک الأسفل، وجزاؤه العذاب الأطول، يتعوّذ فرعون وهامان من عذابه، وينفر عبدة الأوثان من أليم عقابه.

کما ذکرت هنا في فقرات نثري، وأوردت قديماً في خطبي وشعري،

مخاطباً من تجرّأ علي الله والرسول ، وغصب حقّ الوصي والبتول :

غرّتک دنياک فصرت حاکماًوللوصي والبتول ظالما وللنبي المصطفي مخاصماً فسوف تصلي بعد ذا سعيرا

ص: 250

عقوبة الذنب من الله علي مقدار ذنب العبد في دار البلا وظلم من يؤذي النبي المرسلا هل فوقه ظلم فکن بصيرا

اللّهمّ فکما جعلتنا من المستمسکين بحبل نبيک وعترته، والمستظلّين بظلال وليّک وذرّيته، المعتصمين بمعاقل محبيهم، الموسومين بخاصة شيعتهم، الواثقين بعروة عصمتهم، السالکين واضح طريقتهم فصلّ علي محمد و آله ، وأمتنا علي الحق الّذي هديتنا إليه من عرفان حقهم، وابعثنا علي النهج الذي نحن عليه من الاقرار بصدقهم، ومتّعنا بالنظر إلي جلال جمالهم في حشرنا، واجعلهم شفعاءنا إليک يوم نشرنا، وارزقنا منازل السعداء، واسقنا من حوضهم شربة لا نظمأ بعدها أبداً، إنّک علي کلّ شيء قدير، وبالاجابة جدير، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علي سيّدنا محمد

وآله الطاهرين .

ص: 251

ص: 252

المجلس الثالث: في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلة شريفة علي فرض إمامته، و...

اشارة

المجلس الثالث: في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلة شريفة علي فرض إمامته، والاستدلال علي کفر من أنکر نص خلافته، وذکر طرف من ظلامة سيدة النساء صلوات الله عليها، وذکر وفاتها، ووفاة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلي أبنائه الطاهرين

خطبة للمؤلف رحمه الله

في ذکر شيء من فضائل أمير المؤمنين، وذکر أدلّة شريفة

علي فرض إمامته ، والاستدلال علي کفر من أنکر نصّ خلافته ، وذکر طرف من ظلامة سيّدة النساء صلوات الله عليها، وذکر وفاتها ، ووفاة أمير المؤمنين

صلوات الله عليه وعلي أبنائه الطاهرين

الخطبة

الحمد لله الذي أسبغ علينا فضله العميم، وأسدي إلينا برّه الجسيم، وهدانا صراطه المستقيم، وسلک بنا سبيله القويم ، وجعلنا من أمّة رسوله الکريم، وشيعة وليه الأواه الحليم ، أعني سيد الوصيين ، وإمام المتقّين ، وحبل الله المتين ، ونوره المبين ، عليّ أمير المؤمنين ، المغصوب أمره ، المجهول قدره، المشهور فضله ، المنشور عدله ، المظلوم حقّه المکذوب صدقه ، المقتول في محرابه، المهدوم رکن الاسلام بمصابه، أفضل من ارتدي بالخلافة واتّزر، وأشرف من تسمّي بالإمامة واشتهر ، صنو الرسول و مواريه في رمسه ، وصارمه المسلول

ص: 253

ومواسيه بنفسه .

کم رکن للشرک هدم ، وکم صلب للکفر قصم ، وکم أدحض للجهل حجّة، وکم أمعن للبغي مهجة ، وکم أخفي للنفاق محجّة ، وکم أفاء الله علي المسلمين بسيفه أموالا ودياراً وحدائق ذات بهجة.

کتب الله بيد عظمته منشور ولايته ، وختم بطابع عنايته توقيع خلافته، وأوجب فرض ولايته علي کافّة بريّته ، وجعل الرئاسة العامّة إلي يوم القيامة فيه وفي ذرّيّته ، (إنَّمَا وَليُّکُم)(1)تاج سلطانه ، و (قُل لَا أَسأَلکُم) (2) خلعة عظيم شأنه ، وآية النجوي في حلية الفخر جواد سباقه ، وسورة هل أتي في عرصة المجد ميدان انطلاقه.

قرن الشمس مقعد أصله ، وهامة السماک مرکب فضله ، عدله عميم ، وفضله عظيم ، ونوره تامّ ، وجوده عامّ ، وعلمه بحر زاخر ، وکفّه جود هامر، ولفظه لؤلؤ منثور ، وعزمه سيف مشهور ، وحبّه شرف وفخر ، وبغضه نفاق وکفر.

يعشق جماله قلبي ، ويعتقد کماله لبّي ، ويهوي ذکره لساني ، ويعتاد شکره جناني ، و يحلو تکرّر لفظه في لهواتي ، ويجلو فصيح وعظه کرباتي ، کلامه شفاء غمومي ، وخطبه مجلية همومي ، ونهج بلاغته سبيل بلاغتي ، وغرر درره حلية فصاحتي ، ينشي مدحه نشوات السرور في فؤادي ، ويستعذب وصفه دقيق فکري في إصداري وإيرادي .

إن ابني من عدوّي ناب وظفر ، فزعت إلي الدعاء باسمه في الجهر

ص: 254


1- سورة المائدة : 55.
2- سورة الشوري : 23 .

والسرّ، ليجعل الله معاندي بصواعق توسّلاتي مقهوراً ، وبسهام دعواتي محسوراً، ويطرق لعيني مذؤوماً مدحوراً ، وأن يردّ الّذين کفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً (1)

اللهمّ اجعل کيده في تضليل ، وأرسل عليه حجارة من سجّيل (2) وشهباً ثاقبة يضعف عن تحمّل سعيرها الطوق ، وسحائب هلکه برد بارودها بمطر من تحت إلي فوق .

اللهمّ أرسل عليه شواظاً من نار ونحاس (3)، وبنادق من رصاص تترکه کهشيم المحتظر (4) ولا توفّقه للتوبة ، ولا ترشده للأوبة ، وصمّ سمعه عن سماع نصيحتي ، ولا تنفعه بتبياني و تذکرتي ، حتي تخرجه من دار الفناء وأنت عليه غضبان ، و تصليه جهنّم وقلبه غير مطمئنّ بالإيمان .

ربّنا أفرغ علينا صبراً علي ظلمه ، وأعظم لنا من لدنک أجراً علي هظمه،

واجعل لنا أُسوة بنبیّک وأهل بيته الأطهار ، وارفع لنا عندک درجة في منازل الأبرار ، إنّک ذو الفضل الجزيل ، والصنع الجميل . .

روي عن شمس فلک النبوّة ، وروح جسد الفتوّة ، ومن أعلي الله علي کلّ علوّ علوّه ، وأسمي علي کلّ سموّ سموّه ، بلبل دوح ( اقرَأ وَرَبُّکَ الأکرَمُ) (5) قاريء لوح (وَعَلَّمَکَ مَا لَم تَکُن تَعلَم)(6)، صدر مجلس(ألَم نَشرَح لَکَ

ص: 255


1- إقتباس من الآية : 25 من سورة الأحزاب
2- إقتباس من الآية : 2 و 4 من سورة الفيل
3- إقتباس من الآية :35 من سورة الرحمن .
4- إقتباس من الآية : 31 من سورة القمر .
5- سورة العلق : 3.
6- سورة النساء : 113.

صَدرَ کَ) (1) بدر مشرق (وَرَفَعنَا لَکَ ذِکرَکَ)(2)، تاج نبوّته (مَا کَانَ مُحَمَّدُ أَبَا أحَدٍ مِن رِجَالِکُم وَلکِن رَسُول اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّين) (3)ومنهاج ملّته (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلَام دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيِنَ) (4)، وقسم رسالته (يس وَالقُرآن اِلحَکِيمِ إنَّکَ لَمِنَ المُرسَلِينَ) (5) وصحيفة أدبه(خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجَاهِليِن)(6)، ومعراج رفعته (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَي)(7)، وکمال معرفته (سَنُقرِئُکَ فَلَا تَنسَی) (8)

رسخت قدمه في صعيد المجد الأطول ، وشمخت شجرته في روضة

الشرف الأعبل ، طار بقوادم التقديم لمّا أُسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي ، وفاز بدرجة التعظيم لمّا وطيء بأخمصه بساط العزّة والکبرياء ، نودي في ذلک المقام : دس البساط بنعليک ، وخوطب بلسان الحال: (انَّا أوحَينَا )(9)النبيّون طلائع جنودک ، والکروبيّون مقدّمة عديدک ، ( وانَّا فَتَحنَا) (10)علم نصرتک وتأييدک ، (وَلَسَوفَ يُعطِيکَ رَبَّکَ فَتَرضَي) (11)علامة رفعتک و تمجيد .

ص: 256


1- سورة الشرح : 1.
2- سورة الشرح : 4.
3- سورة الأحزاب : 40.
4- سورة آل عمران : 85.
5- سورة يس : 1- 3.
6- سورة الأعراف : 199 .
7- سورة الاسراء : 1.
8- سورة الأعلي : 6.
9- سورة النساء : 163.
10- سورة الفتح : 1.
11- سورة الضحي : 5.

الدنيا والآخرة في قبضة حکمک ، و علوم الأوّلين والآخرين کالقطرة في بحر علمک ، لم أخلق خلقاً أکرم منک عليّ ، ولم أنشيء نشأً أدني منک إليّ ، السبع الطباق ميدان سباقک ، وسدرة المنتهي غاية براقک ، شجرتک في دوحة المجد نسقت ، ونبعتک في ربوة العز سمقت ، قلبک خزانة علمي ، وشرعک مناط حکمي ، ويمنک موضع سّري ، وأمرک قرين أمري .

(مَن يُطع الرَّسُولَ فَقَد أطَاعَ اللهَ) (1)عنوان صحيفتک ، (فَاتَّبعُونِي يُحبِبکَمُ اللهُ)(2)توقيع رسالتک ، يا بدر دجي أسريت به ليلاً إلي حضرة قدسي، ويا شمس ضحي أبديت سناها من مقام أنسي ، خذ ما أتيتک بقوّة .

فإذا لسان حاله ، صلّی الله عليه و آله : يا من شرّفني - بلذيذ مناجاته بي إلي الصفيح الأعلي من سماواته ، وأطلعني علي أسرار ملکوته ، وأسمعني نغمة خطاب جبروته ، ربتي(3)وحق ما أزلفتني به من قربک ، وأتحفتني من خالص حبّک ، وما ضمّت عليه جوانحي وأحشائي من صحّة يقيني وولائي ، وما سکن من بهجتک في سواد ناظري وسويداء ما في قلبي إلّا جلال جمالک ، ولا في نفسي إلا بهاء کمالک ، صرفت کلّي نحو طاعتک ، ووجّهت وجهي إلي کعبة محبّتک ، ووقفت سمعي علي خطاب حضرتک ، حلية لساني شريف ذکرک، وراحة جناني دوام شکرک.

يا معبودي ومقصودي ، ومن له خضوعي وسجودي ، نوّر بمصابيح التوفيق سبيل سلوکي إليک ، واحملني علي مطايا التحقيق موضحاً أدلّة الحق عليک ، إنّک الهادي إلي طريق الرشاد، والموضح سبيل السداد ، هذا الّذي جليت

ص: 257


1- سورة النساء : 80.
2- سورة آل عمران : 31.
3- کذا في الأصل .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام

رين القلوب بذکر مفاخره ، وجلوت علي النفوس غروس مآثره ، ونقلت درّه من طور مراتبه ، وصببت قطرة من بحر مناقبه .

روي عنه بالروايات القاطعة ، والآثار الساطعة ، متّصلة إليه صلّی الله

عليه و آله أنّه صعد المنبر فخطب بعد أن اجتمع الناس إليه ، فقال :

يا معشر المؤمنين ، إنّ الله سبحانه أوحي إليّ أنّي مقبوض ، وان ابن عمّي علياً مقتول ، وإنّي - أيّها الناس - آخبرکم بخبرٍ إن عملتم به سلمتم ، وإن ترکتموه هلکتم ، إن ابن عمي علية هو أخي ووزيري ، وهو خليفتي ، وهو المبلّغ عنّي، وهو إمام المتقّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، إن استرشد تموه أرشدکم ، وإن تبعتموه نجوتم ، وإن خالفتموه ضللتم ، وإن أطعتموه فالله أطعتم ، وإن عصيتموه فالله عصيتم ، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نکثتم بيعته فبيعة الله نکثتم ، وإن الله سبحانه أنزل عليَّ القرآن ، وهو الّذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغي علمه عند غير علي هلک .

أيّها الناس ، اسمعوا قولي ، واعرفوا حقّ نصيحتي ، ولا تخلفوني في أهل بيتي إلّا بالّذي أمرتم به من حقّهم(1) فإنّهم حامتي و قرابتي وإخوتي وأولادي، وإنّکم مجموعون ومساءلون عن الثقلين ، فانظروا کيف تخلفوني فيهما ، إنهم أهل بيتي ، فمن آذاهم آذاني ، ومن ظلمهم ظلمني ، ومن أذلّهم أذلنّي ، ومن أعزهم أعزّني ، ومن أکرمهم أکرمني او [من نصرهم نصرني ، ومن خذلهم خذلني ، ومن طلب الهدي في غير هم فقد کذّبني].(2)

أيّها الناس ، اتّقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه، فإنّي خصيم لمن

ص: 258


1- في الأمالي : حفظهم .
2- من الأمالي .

آذاهم ، ومن کنت خصمه خصمه الله (1) ، أقول قولي [هذا] (2) وأستغفر الله لي ولکم.(3)

أقول : في موجب هذه الخطبة الّتي ذکر الرسول صلّی الله عليه و آله فيها شرف أمير المؤمنين ، وأبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين ، إذ اختصه بخلافته وإخوته ، وسجّل انّه الأولي بتدبير أمّته ، وأوضح عن شرف رتبته ، وأفصح برفعة منزلته بقوله : هذا أخي ووزيري وخليفتي والمبلّغ عنّي ، ثمّ زاده شرفاً بقوله : هو إمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وإنّما خصّ المتّقين بالذکر لکونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرهم وعلانيتهم ، وهم المتّبعون بأداء أمره ونواهيه في ظواهرهم وبواطنهم ، وهم الذين اهتدوا فزادهم الله هدي وآتاهم تقواهم (4) ، وهم الّذين اعتصموا بحبل الله فعصموا من الردي في دنياهم وأخراهم(5) ، وان کان صلوات الله عليه إماماً لجميع الخلق من الثقلين ، وسيّداً لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين وربّ المغربين

ثمّ عرّفنا صلّی الله عليه و آله إن استرشدناه استرشدنا ، وإن تبعناه نجونا، وإن خالفناه ضللنا ، وإن أطعناه فالله أطعنا ، وإن عصيناه فالله عصينا ، وإن

بالا

ص: 259


1- في الأمالي : خصمه خصمته
2- من الأمالي .
3- أمالي الصدوق : 62ح 11 ، عنه البحار :94/38 ح 10، وإثبات الهداة :1 /279ح .148ورواه في بشارة المصطفي : 16 - 17 بالاسناد إلي الصدوق. وأورده في مشارق أنوار اليقين : 52 - 53 ، عنه البحار : 23 /153 ح 118.
4- إقتباس من الآية : 17 من سورة محمد صلّی الله عليه و آله
5- إقتباس من الآية : 103 من سورة آل عمران .

بايعناه فالله بايعنا، وإن نکثنا بيعته فبيعة الله نکثنا .

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : إن الله أنزل عليَّ القرآن الّذي من خالقه ضلّ،

ومن ابتغي علمه عند غير عليّ هلک.

وما کان صلّی الله عليه و آله ليثبت له هذه الخصائص تشهّياً ، ولا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحاً ، بل بوحي يوحي ، لکونه صلي الله عليه و آله لا ينطق عن الهوي (1).

ولم يکن سبحانه ليوجب علينا متابعته ، ويفرض علينا ولايته ، ولا يحثّنا علي الاستمساک بعروته ، ويأمرنا بسلوک طريقته ، إلّا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبه ، وإخلاصه بقالبه وقلبه .

و قد طهّره سبحانه بالعصمة ، وأيده بالحکمة ، لا تأخذه فيه لومة لائم، ولا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم ، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة ، ونفسه معدن العلوم الربّانيّة والفضائل النفسانية ، إلي کعبة علومه تشدّ الرحال ، وببيت معارفه يطوف الرجال ، وعلي قواعد استنباطه تبني الأحکام ، وهو الذي وضع قوانين العلوم بأسرها، وتفرّد دون الخلق بضبطها وحصرها ، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت ، الأحکام الشرعيّة من تحقيقه و تبيينه تفرّعت ، وموازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها ، و قعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها و استقامت أوزانها ، والقواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشکالها ، وأقام البرهان علي وحدة الصانع ووجوب وجوده بستر تيب قضاياها وأشکالها.

کلّ علم لا يعزي إليه فهو باطل ، وکلّ نثر لا يحلّي بجواهر کلامه فهو

ص: 260

عاطل ، وکلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل ، وکلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل(1)، وکل فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.

ما من علم إلّا وهو أصله وفرعه ، وما من أدب إلّا وهو بصره وسمعه ، إليه يرجع المتالّهون في سلوکهم ، وبنور کشفه تکشف ظلمة الحيرة من سلوکهم ، أقدم الناس سلمة ، وأغزرهم علما ، وأعرفهم بکتاب الله ، وأذبّهم عن وجه رسول الله . .

سيفه القاطع ، ونوره الساطع ، وصدّيقه الصادق ، ولسانه الناطق ، وأنيس وحشته ، وجليس وحدته ، ووليّ عهده ، وأبو ولده ، وأفضل الخلق من بعده ، لم يسبقه الأولون بعلم و جهاد ، ولم يلحقه الآخرون بجدّ واجتهاد ، نصر الرسول إذ خذلوا، وآزره إذ فشلوا، وآثره بنفسه إذ بخلوا ، واستقام علي طريقته ، إذ غيرّوا وبدّلوا.

مجده شامخ ، وعلمه راسخ ، کم حجّة لمارق أدحض ، وکم شبهة لزاهق قوّض ، وکم علم للشرک نکسّ ، وکم جدّ للظلم أتعس ، وکم جمع للنفاق أرکس، وکم منطبق من أولي الشقاق أبلس ، أوّل من صام وصلي وتصدّق ، وأقام الإسلام في بدر و حنين واحد والخندق ، کم قصم فقار مشرک بذي الفقار ، کالوليد وعمرو وذي الخِمار(2) ردّت له الشمس وقد دنت للطفل ، حتي أدّي فرضه وعن طاعة ربّه ما اشتغل .

أوّل في الدين ذو قدم وله عزّ إذا انتسبا خصّه ربّي فصيّره لبني بنت النبيّ أبا

ص: 261


1- باقلُ : اسم رجل يضرب به المثل في العِيَّ . «لسان العرب : 62/11 - بقل -» .
2- هو مبيع بن الحارث ، من بني مالک .

قول النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام: «لک أشياء ليس لي مثلها»

فهو سيّد الوصييّن ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ، وعمه حمزه سيّد الشهداء ، وأخوه جعفر يسمّي ملکا ، سيّد الطيور في الجثة يطير مع الملائکة ، وأبوه سيّد العرب حامي رسول الله ، وجدّه رئيس مکة وجدّ جدّه عبد مناف سيّد العرب ، وحماته أمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبيّ صلّی الله عليه و آله ، وأمّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.

وروي الثقات عن رسول الله صلّی الله عليه و آله أنّه قال : يا عليّ ، لک أشياء ليس لي مثلها ؛ إنّ لک زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها ، ولک ولدين من صلبک وليس لي مثلهما من صلبي ، ولک مثل خديجة أمّ أهلک وليس لي مثلها، ولک حمو (1)مثلي وليس لي حمو مثلي ، ولک أمّ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب ، ولک أمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة وليس لي أمّ

مثلها .

سلمان وأبوذرّ والمقداد : أنّ رجلاً فاخر عليّاً عليه السلام فقال [النبيّ صلّی الله عليه و آله] (2) : إن فاخرت العرب فأنت أکرمهم ابن عمّ ، وأکرمهم نفساً وأکرمهم زوجة، وأکرمهم ولداً ، وأکرمهم أخاً ، وأکرمهم عمّاً ، وأعظمهم حلماً وأکثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً ، [وفي خبر :] (3) وأشجعهم قلباً ، وأسخاهم کفّاً.

وفي خبر آخر : أنت أفضل أمّتي فضلاً (4) وروي شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ

ص: 262


1- في المناقب : صهر ، وکذا في الموضع الآتي .
2- من المناقب
3- من المناقب
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 170، عنه البحار : 68/40 ح 102.

فاطمه بنت اسد رأت النبي صلّی الله عليه وآله يأکل تمراً له رائحة تزداد علي کلّ الأطائب من المسک والعنبر ، من نخلة لا شماريخ لها ، فقالت : ناولني - يا

رسول الله - أنل منها .

قال صلّی الله عليه و آله: لا تصلح إلا أن تشهدي معي لأن (1)

لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فشهدت الشهادتين ، فناولها فأکلت ، فازدادت رغبتها ، وطلبت أُخري لأبي طالب ، فأوعز إليها صلّی الله عليه و آله ألا تعطيه

إلا بعد الشهادتين .

الا

فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيماً ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها ، فأبت عليه،(2) إلّا أن يشهد الشهادتين ، فلم يملک نفسه أنّ شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تکتم عليه لئلّا تعيّره قريش ، فعاهدته علي ذلک ، وأعطته ما معها ودنا إليها ، فعلقت بعلي صلوات الله عليه في تلک الليلة ولمّا علقت بعليّ عليه السلام از داد حسنها ، وکان يتکلم في بطنها ، وکانت يوماً في الکعبة فتکلّم عليّ عليه السلام مع جعفر فغشي عليه ، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت علي وجوهها ، فمسحت علي بطنها وقالت : يا قرّة العين ، تخدمک (3)الأصنام فيّ داخلاً ، فکيف شأنک خارجا ؟! وذکرت لأبي طالب ذلک ، فقال : هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف. (4)

وروي الحسن بن محبوب ، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا أخذ فاطمة

ص: 263


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : إليه .
3- في المناقب : سجدتک .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 172 ، عنه البحار :17/35ح 14 ، وحلية الأبرار : 19/2ح 1.

ميلاد أمير المؤمنين علي عليه السلام في الکعبة

بنت أسد الطلق أتت الکعبة فانفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيّام تأکل من ثمار الجنّة وأرزاقها حتي ولدت أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الکعبة.

وقيل : إنّه لمّا أخذها المخاض أنّت الکعبة وقالت : ربّ إنّي مؤمنة بک وبما جاء من عندک من کتب ورسل ، مصدّقة بکلام جدّي إبراهيم ، فبحقّ الّذي بني هذا البيت ، وبحقّ المولود الّذي في بطني لما يسّرت عليَّ ولادتي .

فانفتح البيت ودخلت فيه وإذا بحوّاء و مريم و آسية وأمّ موسي ، وصنعن به کما صنعن برسول الله صلّی الله عليه و آله عند ولادته ، فلمّا ولدته سجد علي الأرض يقول : أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، [وأشهد أنّ عليّاً وصيّ محمد رسول الله] (1)بمحمد تختم النبوّة ، وبي تتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين ، ثمّ سلّم علي النساء، وأشرقت الأرض(2) بضيائها، فخرج أبو طالب وهو يقول : أبشروا، فقد خرج وليّ الله .

وفي رواية أُخري : أنّه لمّا خرجت به أمّه من البيت قال لأبي طالب: السلام عليک يا أبة ورحمة الله وبرکاته ، ثمّ تنحنح وقرأ : (بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ قَد أفلَحَ المُؤمِنُونَ) (3) الآيات ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : قد أفلحوا بک ، أنت والله أميرهم تميرهم من علومک فيمتارون ، وأنت والله دليلهم وبک يهتدون .

ووضع رسول الله صلّی الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجر اثنتا عشرة

ص: 264


1- من المناقب .
2- في المناقب : السماء .
3- سورة المؤمنون : 1.

عليّاً وظلامة الزهراء علي عينة - الحديث - فحتکه رسول الله بريقه ، وأذّن في أُذنه اليمني ، وأقام في اليسري ، فعرف الشهادتين وولد علي الفطرة.(1)

وروي أنّه لمّا ولد [عليّ عليه السلام] (2)أخذ أبو طالب بيد فاطمة - وعليّ

علي صدره و خرج ليلاً إلي الأبطح ونادي : ياربَّ هذا الغسق الدجي والقمر المبتلج المضيَّ بيَّن لنا من حکمک المقضيّ لماذا تري في اسم ذا الصبيّ؟ (3)

قال : فجاء شيء کالسحاب يدبّ علي وجه الأرض حتي حصل في صدر أبي طالب فضمه مع عليّ إلي صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مکتوب :

خ صصتما بالولد الزکيّ والطاهر المنتجب الرضيّ فاسمه مسن شامخ علي علي اشتق من العليّ (4)

قال : فعلّق (5) اللوح في الکعبة ، وما زال هناک حتي أخذه هشام بن عبد الملک لعنه الله ، وإجماع أهل البيت أنّه ولد في الزاوية اليمني في الکعبة، فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه

ص: 265


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 173 - 174، عنه البحار : 17/30 ذح 14.
2- من المناقب .
3- من المناقب . وفي «ح» : قال أبو طالب : سمّيته بعليّ کي يدوم له عزّ العلوّ وخير العزّ أدومه.
4- انظر کفاية الطالب :406، عنه الغدير : 347/7 . وفي الفضائل لشاذان : 56 - 57، عنهالبحار :102/35 - 103.
5- في المناقب : فعلّقوا .

أمير المؤمنين عليه السلام يقضي في رجل زني مرة بعد مرة

أن النبي صلي الله عليه وآله أخذ عليا عليه السلام من أبي طال

الکرامة لغيره ؟ فأشرف البقاع الحرم، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف

[بقاع](1) المسجد الکعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه ، فالمولود فيه يکون في غاية الشرف، وليس المولود في سيد الأيام يوم الجمعة في الشهر الحرام في البيت الحرام سوي أمير المؤمنين عليه السلام. (2)

وأجمع أهل البيت بأدلّة قاطعة بأنّه معصوم ، وأجمع الناس انّه لم يشرک

بالله أبداً ، وانّه بايع(3) النبيّ في صغره و ترک أبويه .

وروي جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلّی الله عليه و آله قال : ثلاثة لم يکفروا بالله (4) طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعليّ بن أبي طالب ، و آسية امرأة

فرعون. (5)

وروي أنّه أعترف رجل [محصن] (6) عند أمير المؤمنين عليه السلام أنه

زنا مرّة بعد مرّة وأمير المؤمنين يتغافل عنه حتي اعترف الرابعة ، فأمر صلوات الله عليه بحبسه ، ثمّ نادي في الناس ، ثمّ أخرجه بالغلس(7) ثمّ حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثمّ نادي : أيها الناس ، هذه حقوق الله لا يطلبها من کان عليه مثلها، فانصرفوا ما خلا عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله

عليهم. (8)

ص: 266


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/174 - 175 ، عنه البحار : 18/35 - 19.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تابع .
4- في المناقب : بالوحي .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177 .
6- من مناقب .
7- الغلس : ظلمة آخر الليل
8- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177 ، وزاد فيه : فرجمه ، ثمّ صلّی عليه

أبيات لديک الجن

وفي التهذيب أنّ محمد بن الحنفية کان ممّن رجع(1)

وکان أمير المؤمنين ممّن وصفه الله تعالي (وَأجبُنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ) (2)ثم قال : (وَمِن ذریَّتنَا يا أمة مُسلِمَةً لَکَ)(3)، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الأمَّةً قد فسّروه انّه عابد الأصنام ، وانّ من عبدها فقد لزمه الذلّ ، وقد نفي الله أن يکون الظالم إماماً (4)لقوله :(لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ) (5)

ووجدنا العامّة بأسرهم إذا ذکروا عليّاً قالوا: کرّم الله وجهه ، وأجروا ذلک

علي ألسنتهم ، يعنون بذلک : عن عبادة الأصنام.(6)ديک الجنّ (7)

شرفي محبّة معشر شرًّفوا بسورة هل أتي وولاي من في فتکه سمَّاه ذو العرش الفتي لم يعبد الأصنام قطّ ولا ألام ولا عتا ثبتاً إذا قدما سواه إلي المهاوي زلّتا ثقل الهدي وکتابه بعد النبيّ تشتّتا

ص: 267


1- تهذيب الأحکام : 11/10ذح 23 وفيه أن ذلک کان في قضيّة أخري .
2- سورة إبراهيم : 35.
3- سورة البقرة : 128.
4- في المناقب : خليفة .
5- سورة البقرة :124.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 177
7- هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، أصله من مؤتة ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد... وکان يتشيّع ، له مرات کثيرة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، توفّي سنة «235» ه. «الکني والألقاب :212/2 »

أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يشرب الخمر حتي قبل تحريمها

واحسرتا من ذلّهم وخضوعهم واحسرتا

طالت حياة عدوّهم حتّي متي وإلي متي؟ ثمّ انّه صلوات الله عليه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأکل ما ذبح علي

النصب ، وغير ذلک من الفسوق وقريش ملوّثون بها.(1)

روي قتادة ، عن الحسن البصري ، قال : اجتمع علي و عثمان بن مظعون

وأبو طلحة و أبو عبيدة ومعاذ بن جبل و سهيل بن بيضاء وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقّاص ، فأکلوا شيئاً، ثم قُدَّم إليهم شيئاً من الفضيح، فقام أمير المؤمنين عليه السلام و خرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلک ، فقال علي: لعن الله الخمر ، والله لا أشرب شيئاً يذهب بعقلي ، ويضحک بي من رآني ، و أزوّج کريمتي من لا أريد ، وخرج من بينهم ، فأتي المسجد ، وهبط جبرئيل بهذه الآية : (يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا - يعني الذين اجتمعوا في منزل سعد - إنَّمَا الخَمرُ والمَيسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزلَامُ رِجسُ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ ) (2) إلي آخرها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : تبا لها ، والله - يا رسول الله - لقد کان بصري فيها نافذ منذ کنت صغيراً.

قال الحسن :] (3)والله الّذي لا إله إلّا هو ما شربها (4)قبل تحريمها ولا

ساعة قطّ. (5)

ثمّ إنّه کان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربّيا رسول الله صلّی الله عليه و آله،

ص: 268


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 178 .
2- سورة المائدة : 90.
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ما شربتها .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 178 .

ليعينه علي أمره

وربّي النبي صلّی الله عليه و آله وخديجة لعلي عليه السلام ، وسمعنا(1)مذاکرة أنّه لمّا ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يفتح عينيه ثلاثة أيّام ، فجاء النبيّ صلّی الله عليه و آله ففتح عينيه ، ونظر إلي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : خصّني بالنظر ، وخصصته بالعلم .

وروي أنّ النبي صلّی الله عليه و آله حين تزوّج خديجة قال لعمّه أبي طالب : إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدک يعينني علي أمري ويکفيني ، وأشکر لک بلاءک عندي.

فقال أبو طالب : خذأیّهم شئت ، فأخذ عليّاً عليه السلام.(2)

نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّی الله عليه و آله بالقرابة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلي صدره، ويلفّني(3) في فراشه ، ويمسّني خدّه ،(4) ويشمّني عّرفّهُ(5)وکان يمضغ الشيء ويلقمنيه ، وما وجد لي کذبة في قول ولا خطلة (6) في فعل ، ولقد قرن الله به صلي الله عليه و آله من لدن لأن (7) کان فطيماً أعظم مَلَکٍ من ملائکته يسلک به طريق المکارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره، ولقد کنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي[ في](8) کلّ يوم عَلَماً من أخلاقه ،

ص: 269


1- في المناقب : وسمعت .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 179، عنه البحار : 38 /294 ح 1، وحلية الأبرار :28/2ح 2 (صدره).
3- في النهج : وأنا ولد ... يکنفني .
4- في المناقب والنهج : جسده
5- عرفه : رائحته الذکية .
6- لخطلة : واحدة الخَطَل ، وهو الخطأ ينشأ عن عدم الروية
7- من النهج.
8- من المناقب والنهج .

ويأمرني بالاقتداء به.(1)

فمن استقت عروقه من منبع النبوّة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، و تهدّلت أغصانه(2) من نبعة الامامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل، ولم يفارق النبيّ صلّی الله عليه و آله ساعة في حال حياته إلي حال وفاته ، لا يقاس به أحد من سائر الخلق ، وإذا کان صلوات الله عليه نشأ في أکرم آرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمي ، والشهاب الثاقب يسري ، و تعليم الرسول نافع(3)، ولم يکن الرسول صلّی الله عليه و آله ليتولي تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا علي ضربين (4) إمّا علي التفرّس فيه ، أو بالوحي من الله سبحانه ، فإن کان بالتفرّس فلا تخطيء فراسته ولا يخيب [ظنّه](5)، وإن کان بالوحي فلا منزلة أعلي ولا حال أدل علي الفضيلة والامامة منه. (6)

ثمّ إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله خصّه بسيّدة النساء دون غيره بأمر الله سبحانه ، وتولّي سبحانه عقدة نکاحها ، وأنزل في ذلک قرآناً يتلي إلي يوم القيامة.

روي ابن عبّاس رضي الله عنه وابن مسعود وجابر والبراء وأنس

ص: 270


1- نهج البلاغة : 300 خطبة رقم 192 ، عنه مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 180 ، والبحار :38 / 320 ح 33. وأخرجه في حلية الأبرار : 2/ 30ح 4 عن المناقب.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه أغصانه
3- في المناقب : ناجع.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : إلا علي خير بين .
5- من المناقب
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 180 ، عنه البحار : 38/ 295.

أن عليا عليه السلام کان کفو فاطمة عليها السلام

الجواب علي ما قالته الناصبة: تزوج النبي صلي الله عليه

وآله من الشيخين، وزوج عثمان بنتين

وأمّ سلمة ، ورواه السدّي وابن سيرين(1) و الباقر عليه السلام في قوله تعالي :

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً) قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (وَکَانَ رَبُّکَ قَديراً) (2)[القائم في آخر الزمان](3) لأنّه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة[ والقرابة ](4) إلّا له . (5)

عوتب صلّی الله عليه و آله في أمر فاطمة ، فقال : لو لم يخلق الله عليّ بن

أبي طالب ما کان لفاطمة کفو علي وجه الأرض.(6)

ومثله روي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، وزاد فيه : آدم و من

دونه (7)

قالت الناصبة : تزوّج النبي صلّی الله عليه و آله من الشيخين، وزوّج

عثمان بنتين .

قلنا : الترويج لا يدلّ علي الفضل ، وإنّما هو مبنيّ علي إظهار الشهادتين،

ثم إنّه صلّی الله عليه و آله تزوّج في جماعة ، وأما عثمان ففي زواجه خلاف کثير، وأنّه صلّی عليه و آله [کان زوّجهما من کافرين قبله ]، (8)وليس حکم

ص: 271


1- کذا في المناقب ، و في الأصل : سدير
2- سورة الفرقان : 54.
3- من المناقب .
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 181 ، عنه البحار :106/43 ، وعوالم العلوم : 279/11.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 181/2 ، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 11 / 282ح 17.
7- من المناقب .
8- مناقب ابن شهرآشوب : 181/2، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 281/11ح 13.

فاطمة مثل ذلک، لأنّها ولدت في الاسلام ، و من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، ووردت فيها آية التطهير ، وافتخر جبرائيل بکونه منهم ، وشهد الله لهم بالصدق ، ولها أمومة الأئمّة إلي يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين عليهما السلام، وعقب الرسول ، وهي سيّدة نساء العالمين ، وزوجها من أصلها وليس بأجنبيّ.

وأمّا الشيخان فقد توسلا إلي النبيّ بذلک .

وأمّا علي فتوسّل النبيّ إليه بعد ما ردّ خطبتهما ، والعاقد عليها(1) هو الله تعالي ، والقابل جبرائيل ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب النثار رضوان ، وطبق النتار شجرة طوبي ، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو الماشطة ، وأسماء صاحبة الحجلة (2)، ووليد هذا النکاح الأئمة الطاهرين عليهم السلام.(3)

مع انّه قد روي أنّ زينب ورقيّة لم يکونا ابنتي رسول الله صلّی الله عليه و آله علي الحقيقة ، بل ربيبتيه من جحش - کان زوج خديجة قبل رسول الله صلّی الله عليه و آله - روي ذلک صاحب کتاب الکشف واللمع، ورواه البلاذري(4) أيضاً ، وکانت زينب تحت أبي العاص بن الربيع ، وأمّا رقية فتزوّجها عتبة بن أبي لهب ومات علي کفره بعد أن طلّقها ، وتزوّج بها عثمان.

ص: 272


1- في المناقب : بينهما .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وسيّدة النساء صاحبة الحجلة
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 182 ، عنه البحار : 107/43 ، وعوالم العلوم : 282/11.
4- أنساب الأشراف: 397/1 و 401.

مؤاخاة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام

وصار أمير المؤمنين أخا رسول الله صلّی الله عليه و آله من ثلاثة أوجه:

[أولها :](1)لقوله عليه السلام : ما زال ينقل من الآباء الأخائر ، الخبر.

الثاني : أنّ فاطمة بنت أسد ربّت رسول الله صلّی الله عليه و آله حتي قال: هذه أمّي ، وکان رسول الله صلّی الله عليه و آله عند أبي طالب من أعزّ أولاده، ربّاه في صغره ، وحماه في کبره ، ونصره بالمال واللسان والسيف والأولاد ز[والهجرة ](2)، والأب أبوان : أب ولادة وأب إفادة ، ثمّ انّ العمّ والد، قال سبحانه حکايه عن يعقوب :( مَا تَعبُدونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إلهَکَ وَإلهَ آبَائِکَ إبرَاهِيمَ وَإسمَاعِيلَ) (3) الآية ، وإسماعيل کان عمّه .

وقال سبحانه حکاية عن إبراهيم : (وَإذ قَالَ إبرَاهِيمَ لأبِيِه آزَرَ) (4) قال

الزجاج : أجمع النسّابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ.

[والثالث :] (5)آخاه النبيّ صلّی الله عليه و آله في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يسبايعه أحد بايعه علي علي أن يکون له أخاًفي الدارين . وقال في مواضع کثيرة ، منها : يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي . وفي يوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعام ّصحتّه ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق.

وروي أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل وقال : إن الله تعالي آخي بين الملائکة : بيني وبين ميکائيل، وبين إسرافيل وعزرائيل ، وبين دردائيل و راحيل ، فأخي النبي صلّی

ص: 273


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- سورة البقرة : 133 .
4- سورة الأنعام : 74.
5- من المناقب .

الله عليه و آله بين أصحابه.

وروي خطيب خوارزم في کتابه (1) بالاسناد عن ابن مسعود ، قال النبي صلّی الله عليه و آله : أوّل من اتّخذ عليّ بن أبي طالب أسفاً إسرافيل ثمّ جبرائيل ، الخبر.

وعن ابن عبّاس ، قال : لما نزل قوله تعالي : (إنَّمَا المُومِنَونَ إخوَة) (2) آخي رسول الله صلّی الله عليه و آله بين الأشکال والأمثال : فآخي بين أبي بکر وعمر ، وبين عثمان وعبدالرحمان ، وبين سعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيّوب الأنصاري ، وبين أبي ذر وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد ، وبين أبي الدرداء و بلال ، وبين جعفر الطيّار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين أم سلمة وصفيّة ، حتي آخي بين أصحابه بأجمعهم علي قدر منازلهم ، ثمّ قال : يا عليّ، أنت أخي وأنا أخوک .

تاريخ البلاذري : قال علي عليه السلام : يا رسول الله ، أخسيت بين

أصحابک و ترکتني؟

فقال : أنت أخي ، أما ترضي أن تدعي إذا دعيتُ ، وتکسي إذا کسيتِ

وتدخل الجنة إذا دخلت ؟ !(3)

ص: 274


1- مناقب الخوارزمي : 31- وفيه : اسرافيل ، ثم ميکائيل، ثم جبرئيل -، عنه کشف الغمة :376/1 . وفي البحار : 110/39ح 17 عن الکشف
2- سورة الحجرات : 10.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/184 - 185 وزاد فيه : قال : بلي ، يا رسول الله ، عنه البحار : 38/ 335ح 10.

أبيات لأمير المؤمنين عليه السلام بعد مؤاخاة النبي صلي الله عليه واله له

وقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إذا کان يوم القيامة نادي منادٍ(1) من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوک إبراهيم ، ونعم الأخ أخوک عليّ بن أبي طالب. (2)

وروي أبو إسحاق العدل ، قال أبو يحيي : ما جلس عليّ صلوات الله عليه علي المنبر إلّا قال : أنا عبدالله ، وأخو رسول الله ، لا يقولها بعدي إلّا کذاب (3)

الصادق عليه السلام قال : لمّا آخي رسول الله صلّی الله عليه و آله بين أصحابه وترک عليّاً ، فقال له في ذلک ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : إنّما (4) اخترتک لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوک في الدنيا والآخرة.

فبکي عند ذلک أمير المؤمنين وقال : أقيک بنفسي أيّها المصطفي الّذي

هدانا به الرحمن من عَمَهِ (5)الجهل

بروحي أفديه(6)وما قدر مهجتي؟

المن أنتمي منه إلي الفرع والأصل

ومن ضمني مذ کنت طفلا ويافعة

وأنعشني بالبّر والعللّ والتهل(7)

ص: 275


1- في المناقب : نوديت .
2- مناقب ابن شهرآشوب 2: 189 ، عنه البحار : 38 / 337.
3- مناقب ابن شهرآشوب 2:186 ، عنه البحار : 38 / 337.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أنا .
5- العمة : الحيرة والتردد
6- في المناقب : وأفديک حوبائي . والحوباء : النفس .
7- العلّ : الشرب الثاني ، والنهل : الشرب الأول . وهذا کناية عن غاية اهتمامه صلّی الله عليه و آله بتربيته علي جميع الحالات

ومن جدّه جدّي ومن عمّه عمّي

: ومن أمه(1) أُمّي ومن بنته أهلي

ومن حين آخي بين من کان حاضراً

دعساني و أخاني وبيّن من فضلي

لک الفضل إني ما حييت لشاکرُ

لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل؟(2) قيل لقثم بن العبّاس : بأي شيء ورث عليّ النبي صلّی الله عليه و آله دون

العبّاس ؟

قال : لأنّه [کان] (3)أشدّنا به لصوقاً ، وأسرعنا به لحوقاً (4)

وقد علمنا أنّ أمير المؤمنين لم يکن أخاً للرسول في النسب ، فلمّا جعله شکلا له وأخا بين الأشکال والأمثال واستخلصه لنفسه علمنا بذلک أنّه الإمام الحقّ علي سائر المسلمين ، فلا يجوز لأحدٍ أنّ يتقدّمه ، ولا أن يتأمر عليه ، لأنّه شبه الرسول ومشاکله ، والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه وقاربه، فکما لا يجوز التقدم علي رسول الله صلّی الله عليه و آله (لَا تُقَدَّمُوا بَين يَديَ اللهِ وَرَسُوِلِه ) (5)کذلک لا يجوز التقدّم علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّه

ص: 276


1- في المناقب : أهله .
2- مناقب ابن شهرآشوب :186/2 - 187 ، عنه البحار : 28 / 337. وانظر ديوان الإمام علي عليه السلام - طبعة دار ابن زيدون -: 246.
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 188 ، عنه البحار : 340/38 .
5- سورة الحجرات : 1.

سد رسول الله صلي الله عليه و آله أبواب الصحابة وترک باب علي عليه السلام

مشابهه ومماثله ، ولهذا أمر الله نبيّه بسدّ أبواب الصحابة و ترک باب عليّ لکونه مماثله و مشابهه.(1)

روي أحمد في کتاب الفضائل(2) أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال في ذلک - لمّا تکلّم الناس -: والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولکن أمرت بشيء فاتّبعته(3)

تاريخ البلاذري ومسند أحمد في خبر قال عمرو بن ميمون (4) خلا ابن عباس مع جماعة ، فنالوا من علي ، فقام ابن عباس ، ثم قال : آف آف وقعوا في رجل قال له رسول الله صلّی الله عليه و آله : من کنت مولاه فعليّ مولاه ، ومن کنت وليه فعلي وليه.

وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي ، الخبر . وقال : لأدفعنّ الراية غدا إلي رجل ، الخبر .

وسدّ أبواب الصحابة إلّا بابه . ونام مکان رسول الله ليلة الغار . وبعث

ببراءة مع أبي بکر ، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه(5)

وفي فضائل أحمد : قال عبدالله بن عمر : ثلاثة أشياء کنّ لعليّ لو کان لي واحدة منها لکانت أحبّ إلي من حمر النعم ؛ أحدها : إعطاؤه الراية يوم خيبر، و تزويجه فاطمة ، وسدّ الأبواب .

ص: 277


1- نحوه في مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 189 ، عنه البحار : 38 / 340.
2- فضائل الصحابة : 2/ 581 ح 985، مسند أحمد :175/1 ، وج 369/4 .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 190.
4- من المناقب .
5- مناقب ابن شهرآشوب : 191/2 ، عنه البحار : 39 / 28.

وقيل : إنّ العبّاس خرج يوم سدّ الأبواب ، وهو يبکي ويقول : سددت

باب عمّک(1) وأسکنت ابن عمک ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : ما أخرجتک ولا أسکنته ، ولکنّ الله أسکنه . (2)

وفي رواية أنّه قال : أمّا عليّ فابن عمّ رسول الله وختنه ، وهذا بيته -

وأشار بيده إلي بيت علي - حيث ترون أمر الله تعالي نبيه أن يبني مسجده فبني فيه عشرة أبيات : تسعة لبنيه وأزواجه وأصحابه ، وعاشرها وهو متوسّطها لعليّ وفاطمة ، وکان ذلک في أوّل سنة الهجرة ؛ وقيل : کان في آخر عمر النبي صلي الله عليه و آله ، والأوّل أصحّ ، وبقي علي کونه مفتوح الباب إلي المسجد ، ولم يزل علي وولده فيه إلي أيام عبدالملک بن مروان ، فعرف الخبر فحسد القوم علي ذلک واغتاظ ، وأمر بهدم الدار ، وأظهر أنّه يريد أن يزيد في المسجد ، وکان في الدار الحسن بن الحسن فقال : لا أخرج ولا أمکّن من هدمها ، فضرب بالسياط ، وتصايح الناس ، وأُخرج عند ذلک ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد.(3)

وروي عيسي بن عبدالله أنّ دار فاطمة عليها السلام حول تربة النبي

صلّی الله عليه و آله ، وبينهما حوض(4)

وفي منهاج الکراجکي أنّه ما بين البيت الّذي فيه رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين الباب المحاذي لزقاق البقيع . فتح له باب وسدّ علي سائر الأصحاب ، من قلع الباب کيف يُسدّ عليه الباب ؟ قلع باب الکفر من التخوم ،

ص: 278


1- في المناقب : ويقول : أخرجت عمّک .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 191/2 ، عنه البحار : 39 / 28.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 191/ 2 - 192 ، عنه البحار : 29 / 29 ح 11.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 192، عنه البحار : 39 / 29 .

محبة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام

فتح له أبواب من العلوم (1)

ومن شدّة تحن رسول الله صلّی الله عليه و آله ما رواه ابن مسعود ، قال : رأيت کفّ عليّ في کف رسول الله صلّی الله عليه و آله وهو يقبّلها فقلت : ما منزلته منک ، يا رسول الله ؟

قال : منزلتي من الله (2)

وسئل النبيّ صلّی الله عليه و آله عن بعض أصحابه فذکره بخير (3) فقال

قائل : فعليّ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن

نفسي (4)

مَن نفسه مِن نفسه وجنسه من جنسه

وغرسه من غرسه(5) فهل له معادل ؟(6) وروي أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله کان إذا جلس وأراد أن يقوم لا

يأخذ بيده غير علي عليه السلام.(7)

أنساب الأشراف(8) قال رجل لابن عمر : حدّثني عن عليّ بن أبي

ص: 279


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 192 ، عنه البحار : 29/39
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 220 .
3- في المناقب : فذکر فيه .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 217.
5- في المناقب : وعرسه من عرسه .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 218/2 ، والبيت للسوسي .
7- مناقب ابن شهرآشوب : 219/2 ، عنه البحار : 297/38
8- أنساب الأشراف : 2/ 180 ع 211.

طالب.

قال : تريد أن تعلم ما کانت منزلته من رسول الله صلّی الله عليه و آله، فانظر إلي بيته من بيوت رسول الله صلّی الله عليه و آله ، هو ذاک بيته أوسط بيوت النبي صلّی الله عليه و آله(1)

وکان النبيّ (2)إذا غضب لم يجترئ عليه أحد أن(3)يکلمه إلا علي، وأتاه

يوما فوجده نائم فلم يوقظه .

لا شک انّ النبيّ صلّی الله عليه و آله کان أکبر سنّاً وأکثر(4) جاهاً من عليّ فلمّا کان يحترمه هذا الاحترام إمّا انّه کان من الله تعالي أو من قبل نفسه ، وعلي الحالين جميعاً أظهر للناس فضله، وعلوّ درجته عند الله ، ومنزلته عند رسول الله صلّی الله عليه و آله (5)

وروي عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله التزم عليّاً و قبله وقال : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد ، ذکره أبو يعلي الموصلي

في المسند.(6)

وانّه لمّا جرح أمير المؤمنين في رأسه من ضربة عمرو بن عبدودّ يوم الخندق ، فجاء إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله فشدّه ونفث فيه فبرأ ، فقال :

ص: 280


1- مناقب ابن شهرآشوب :219/2، عنه البحار : 38 / 297
2- أنساب الأشراف : 2/ 107 ح 44.
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأکبر
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 219، عنه البحار : 38 / 298 .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 220.

أين أکون إذا خضبت هذه من هذه؟(1)

وکان النبي صلّی الله عليه و آله إذا لم ير(2)عليّاً قال : أين حبيب الله،

وحبيب رسوله؟ (3)

وکان أمير المؤمنين من أوثق أصحابه عنده .

روي محمد بن الحنفيّة أنّ الّذي قذفت به مارية وهو خصي يقال له مابور

وکان المقوقس أهداه مع مارية(4) إلي النبي صلّی الله عليه و آله .

وکان (5) سبب القذف أن عائشة قالت لرسول الله صلّی الله عليه و آله : إن

إبراهيم ليس منک ، وإنّه من فلان القبطي.

فبعث رسول الله صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام وأمره بقتله ، فلمّا رأي عليّاً وما يريد به تکشف حتي يتبين لعلي أنّه أجبّ لا شيء له ممّا يکون للرجال ، فکفّ عليه السلام عنه(6)

وفي خبر أنّه کان ابن عمّ مارية ، (7)فأرسل عليّاً ليقتله ، فقال أمير المؤمنين : يا رسول الله ، أکون في أمرک کالسکّة المحماة - وفي رواية : أو المسمار المحمي - ولا يثنيني شيء حتي أمضي لما أمرتني به ، أو الحاضر پري ما لا يري الغائب .

ص: 281


1- مناقب ابن شهرآشوب : 220/2.
2- في المناقب : يلق.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 221.
4- في المناقب : الجاريتين .
5- تفسير القتي : 318/2 ، عنه البحار : 22 / 153 ح 8.
6- مناقب ابن شهرآشوب: 225/2.
7- أي الذي قذفت به .

دعاء الرسول صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام في عدة

مواضع ، وإرساله إياه إلي ثلاثة نفر آلوا باللات والعزي ليقتلوا

النبي صلي الله عليه وآله

فقال صلّی الله عليه و آله : الحاضر پري(1) ما لا يري الغائب .

قال أمير المؤمنين : فأقبلت متوشّحاً بالسيف فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلمّا أقبلت نحوه عرف أنّي أريده فأتي نخلة فرقي فيها ، ثمّ رمي بنفسه علي قفاه و شغر برجليه ، وإذا به أجبّ أمسح ماله مما للرجال قليل ولا کثير، فأغمدت سيفي ، وأتيت رسول الله صلّی الله عليه و آله فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي يصرف عنّا أهل البيت(2)

ودعا له رسول الله صلّی الله عليه و آله في عدّة مواضع : في قوله يوم

الغدير : اللّهمّ وال من والاه .

ودعا له يوم خيبر : اللّهمّ قه الحرّ والبرد.

ودعا له يوم المباهلة : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم

الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ودعا له لمّا مرض : اللّهمّ عافه و اشفه . وغير ذلک ، ودعا له بالنصر

والولاية ، والولاية لا تجوز إلّا لوليّ الأمر ، فبان بذلک إمامته.(3)

وفي أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه رضي الله عنه في خبر طويل أنّ النبي صلّی الله عليه و آله کان يوماً جالساً ، فقال : يا معاشر أصحابي ، أيّکم ينهض إلي ثلاثة نفر آلواء(4)باللات والعزّی ليقتلوني ، وقد کذبوا وربّ الکعبة؟ فأحجم الناس.

ص: 282


1- في المناقب : بل الشاهد قد پري
2- مناقب ابن شهرآشوب : 225/2 ، وزاد فيه : الامتحان .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 226، عنه البحار : 303/38 ح 5.
4- أي حلفوا .

فقال : ما أحسب عليّاً فيکم . فأُخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلک، فجاء إلي النبي صلّی الله عليه و آله ، وقال : أنا وحدي لهم سريّة ، يا رسول الله، فعمّمه ودرّعه وقلّده سيفه وأرکبه فرسه .

فخرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه فمکث ثلاثة أيام لا يصل إلي رسول الله صلي الله عليه و آله منه خبر لا من السماء ولا من الأرض ، فأقعدت فاطمة عليها السلام الحسن والحسين عليهما السلام علي ورکها ، وهي تقول: يوشک أن تؤتم هذين الغلامين .

فأسبل النبيّ صلّی الله عليه و آله عينيه يبکي ، ثمّ قال : معاشر الناس ، من

يأتيني بخبر علي فأُبشّره بالجنّة.

فافترق الناس في طلبه ، وأقبل عامر (1)بن قتادة يبشّر بعليّ ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أسيران ، ورأس ، وثلاثة أبعرة ، وثلاثة أفراس ، وقال : لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء رکباناً علي الأباعر، فنادوني : من أنت ؟

فقلت : أنا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فشدّ عليّ هذا المقتول ودارت(2)بيني وبينه ضربات ، وهبّت ريح حمراء سمعت صوتک فيها - يا رسول الله - وأنت تقول : قطعت لک جربّان (3) در عه ، فضربته ، فلم أحف(4)، ثم هبّت ريح صفراء سمعت صوتک فيها وأنت تقول : قلبت لک

ص: 283


1- کذا في جميع المصادر ، وفي الأصل : عمرو .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وثارت .
3- جربان : جيب القميص .
4- الأحفاء : المبالغة في الأخذ . وفي الأمالي : أخفه : أي لم أخف السيف في بدنه .

أن النبي صلي الله عليه و آله دفع الراية إلي علي عليه السلام يوم خيبر

الدرع عن فخذه ، فضربته ووکزته(1). فقال الرجلان : صاحبنا هذا کان يعدّ بألف فارس فلا تعجل علينا ، وقد بلغنا أنّ محمداً رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه .

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : أمّا الصوت الأوّل فصوت جبرئيل، والآخر فصوت ميکائيل ، فعرض النبي عليهما الإسلام فأبيا ، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بقتلهما ، فقتل أحدهما بعد أن عرض عليه الاسلام وأبي، وقال [الآخر] (2) الحقني بصاحبي ، فهمَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقتل الآخر ، فهبط جبرائيل و قال لرسول الله صلّی الله عليه و آله : لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق ، سخيّ في قومه .

فقال النبيّ : يا علي ، أمسک ، فإنّ هذا رسول الله جبرئيل يخبرني انه

سخيّ في قومه ، حسن الخلق .

فقال الرجل : والله ما ملکت مع أخ لي درهماً قطّ ، ولا قطبت (3) وجهي

في الحرب (4) ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله (5)

ومن قوّته وشدّته انه قلع باب خيبر.

روي أحمد بن حنبل ، عن مشيخته ، عن جابر بن عبد الله أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دفع الراية إلي عليّ صلوات الله عليه يوم خيبر بعد أن دعا له ،

ص: 284


1- الوکز: الضرب بجمع الکف والطعن والدفع.
2- أثبتناه لما يتطلبه المقام
3- القطوب : العبوس.
4- في الخصال : الجدب ، ولعله الأنسب . والجدب : القحط .
5- أمالي الصدوق : 93 ح 4، الخصال : 14 ح 41، عنهما البحار : 41/ 73ح 4، وج 390/71ح 49. وأخرجه في مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 236 ، وحلية الأبرار : 2/ 88ح 3 عن الأمالين

فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له : ارفق ، حتي انتهي إلي الحصن فاجتذب بابه وألقاه علي الأرض ، ثمّ اجتمع منّا سبعون رجلاً وکان جهدهم أن أعادوا الباب. (1)

أبو عبدالله الحافظ بإسناده إلي أبي رافع : لمّا دنا عليّ من القموص أقبلوا

پر مونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتي دنا من الباب فاقتلعه ، ثمّ رمي به خلف ظهره أربعين ذراعاً، ولقد تکلف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوا (2)

وروي أبو القاسم محفوظ(3) البستي في کتاب الدرجات أنّ أمير المؤمنين بعد أن قتل مرحب حمل علي القوم فانهزموا إلي الحصن ، فتقدّم إلي باب الحصن وضبط حلقته . وکان وزنها أربعين منّاً- وهر الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتي ظنّوا زلزلة ، ثمّ هزّه أخري فقلعه ، ودحا به في الهوي أربعين ذراعاً . (4)

أبو سعيد الخدري : (وهزّ حصن خيبر حتي] (5) قالت صفيّة : کنت جالسة علي طاق کما تجلس العروس ، فوقعت عليّ وجهي ، فظننت الزلزلة ؛ فقيل : هذا عليّ قد هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب.(6)

وفي کتاب رامش افزاي(7)قال : کان طول الباب ثمانية عشر ذراعاً،

وعرض الخندق عشرون ، فوضع صلوات الله عليه طرف الباب علي الخندق

ص: 285


1- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 293، عنه البحار : 41/ 279.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 293، عنه البحار : 41/ 279.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أبو القاسم بن محفوظ.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 294، عنه البحار : 41/ 280
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 294، عنه البحار : 41/ 280.
7- رامش افزاي آل محمد للشيخ محمد بن الحسين المحتسب ، ويعني بالفارسية : الطرب والعيش . «الذريعة : 59/10 » .

في توجه أمير المؤمنين عليه السلام إلي الله وإقباله عليه ، وإعراضه

عن الدنيا ..........

وضبط بيده الطرف الآخر ، حتي عبر الجيش وکانوا ثمانية آلاف [وسبعمائة رجل ، وفيهم من کان يتردّد ويخف عليه] (1)-(2)

روض الجنان : قال بعض الصحابة : ما عجبنا يا رسول الله من قوته في

حمله ورميه ، وإنّما عجبنا من إجساره وإحدي طرفيه علي يده !

فقال النبي صلّی الله عليه و آله کلاماً معناه : يا هذا ، نظرت إلي يده فانظر

إلي رجليه .

قال : فنظرت إلي رجليه فوجدتهما معلّقتين (3)في الهواء ، فقلت : هذا

أعجب (رجلاه (4) علي الهواء ؟

فقال النبي صلّی الله عليه و آله : ليستا علي الهواء وإنما هما علي

جناحي (5)جبرائيل.(6)

وأمّا توجّهه إلي الله وإقباله بقلبه وکلّيته عليه ، وإعراضه عن الدنيا فلا

يختلف فيه أحد.

تفسير وکيع وعطاء والسدّي : انّه قال ابن عبّاس : أُهدي إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله ناقتان سمينتان عظيمتان ، فقال لأصحابه : هل فيکم أحد يصلّی رکعتين بقيامهما ورکوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشيء، ولا يحدّث قلبه بفکر الدنيا أهدي إليه إحدي

ص: 286


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 296 ، عنه البحار : 61/ 280 .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فوجدتها متعلقتين .
4- من المناقب .
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : جناح .
6- مناقب ابن شهر آشوب : 2/295 ، عنه البحار :281/41 .

الناقتين؟

فقال لهم مرّة بعد مرّة ، فلم يجبه أحد من الصحابة ، فقام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فقال : أنا ۔ يا رسول الله - أصلّي رکعتين أکبر التکبيرة الأولي وإلي أن أسلم منهما ، لا أحدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا .

فقال : يا عليَّ، صلَّ صلَّي الله عليک ، فکبر أمير المؤمنين ودخل في الصلاة ، فلمّا سلم من الرکعتين هبط جبرئيل ، وقال : يا رسول الله ، إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول : أعط عليّاً إحدي الناقتين.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّي شارطته أن يصلّي رکعتين لا يحدث [فيهما ](1) نفسه بشيء من الدنيا ، وإنّه جلس في التشهد فتفکّر في نفسه أيّهما يأخذ.

فقال جبرائيل : إنّ الله يقرئک السلام ، ويقول لک : إنّه تفکّر أيّهما يأخذ، أسمنهما وأعظمهما فينحرها ويتصدّق بها لوجه الله ، فکان تفکّره لله عز وجل لا لنفسه [ولا للدنيا ](2) فبکي رسول الله صلّی الله عليه و آله وأعطاه کلتيهما ، وأنزل الله فيه : (إنَّ فِي ذَلِکَ لذِکرَی لِمَن کَانَ لَهُ قَلَبُ أو ألقيّ السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدُ)(3) أي يستمع أمير المؤمنين بأُذنيه إلي ما تلاه بلسانه من کلام الله ، لا يتفکر (4) بشيء من أمر الدنيا ، بمعني أنّه حاضر القلب في صلاته لله. (5)

الاول

ص: 287


1- من المناقب
2- من المناقب
3- سورة ق : 37.
4- کذا في المناقب - بتصرف - ، و في الأصل : يسمع بأذنيه إلي ما تلاه لسانه لا يتفکّر .
5- مناقب ابن شهرآشوب :20/2 ، عنه تأويل الآيات : 2/ 612 ح 8، والبرهان :228/4ح3وأخرجه في البحار : 161/36 ح 142 عن التأويل .

في غزارة علم أمير المؤمنين عليه السلام، وثناء الجاحظ علي علمه رغم انحرافه عنه

وأمّا سبقه بالعلم، فروي مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس في قوله(1) تعالي :(إنّمَا يَخشَي اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) (2)قال : کان عليّ يخشي الله ويراقبه ، ويعمل بفرائضه، ويجاهد في سبيله.(3)

وروي من طريق الخاصّة والعامّة أنّهم قالوا في قوله تعالي : (قُل کَفَی بِاللهِ شَهِيداً بَينِي وَبَينَکُم وَمَن عِنُدهُ عِلمُ الکِتَابِ) (4) هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وزعم بعض الناصبة أنّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام فيقال له : إنّ السورة مکّيّة ، وعبد الله بن سلام لم يسلم إلّا بعد أن هاجر النبي المدينة.

وروي عن ابن عباس : لا والله ما هو إلّا علي بن أبي طالب عليه

السلام.(5)

وقد ظهر علمه علي سائر الصحابة بالأدلّة الساطعة والحجج القاطعة .

قال الجاحظ : اجتمعت الأُمّة (علي) أنّ الصحابة کانوا يأخذون العلم عن أربعة : عليّ ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وقالت طائفة : و عمر بن الخطّاب ، ثم أجمعوا (6)[علي] (7) أنّ الأربعة کانوا أقرأ من

ص: 288


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فروي سليمان ، عن الضحاک في قوله
2- سورة فاطر : 28.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 28، عنه البحار : 145/40ح53..
4- سورة الرعد : 43.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 29 ، عنه البحار : 146/40 ، وتفسير البرهان :304/2ح 20 و 22، وينابيع المعاجز : 19.
6- من المناقب .
7- من المناقب .

عمر لکتاب الله.

وقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : يؤمّ القوم أقرأهم لکتاب الله ، فسقط

عمر.

ثمّ أجمعوا علي قول النبي صلّی الله عليه و آله : الأئمّة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد ، وبقي علي وابن عبّاس إذ کانا عالمين فقيهين قرشيّين فأکبرهما سنّاً وأقدمهما هجرة علي، فسقط ابن عبّاس وبقي عليّ أحقّ بالإمامة بالاجماع.

وکانوا يسألونه ولا يسأل هو أحداً . وقال النبيّ صلّی الله عليه وآله : إذا

اختلفتم في شيء فکونوا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام.(1)

قال صاحب کشف الغمّة رضي الله عنه کلاماً معناه : انّ الجاحظ کان عثمانيّاً شديد الانحراف عن أمير المؤمنين ، ولکنّ الله ألقي علي لسانه الحقّ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، ولو کان مع هذا الاعتراف معتقداً فضل أمير المؤمنين باطناً ظاهراً تارکاً لطريق التعصب والضلال ، مستمسکاً بدليل العقل والنقل لکان من أسعد الخلق ، وهذا الکلام حجة عليه فقد يهتدي به ، ويحتجّ بصحة استنباطه ، ويستضيء بواضح أدلته من ليس له قدرة علي استنباط الأدلّة من مظانّها ، فيکون ذلک سببة لتصحيح عقيدته ، وإزاحة شکّه، فيکون من الفائزين المنتظمين في سلک أصحاب السعادة الدائمة ، نعوذ بالله من سلوک

طريق الهوي ، والتسايب عن سبيل الهدي .

احرم فيکم(2) بما أقول وقد نال به العاشقون من عشقوا

ص: 289


1- مناقب ابن شهرآشوب : 29/2 ، عنه البحار : 146/40 .
2- في الکشف : منکم.

صرت کأنّي ذبالة(1) نصبت تضيء للناس وهي تحترقُ(2)

قال ابن عبّاس : عليّ علم علماً علمه رسول الله صلّی الله عليه و آله، ورسول الله علّمه الله ، فعلم النبيّ من علم الله ،(3)وعلم علي من علم النبيّ، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم عليّ الّاکقطرة في سبعة أبحر.(4)

قال ابن عبّاس : أعطي علي عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلم

بالعشر الباقي(5)

أمالي الطوسي(6): مز أمير المؤمنين بملأ فيهم سلمان ، فقال سلمان : قوموا فخذوا بحجزة هذا، فوالله لا يخبرکم بسرّ نبيکم صلّی الله عليه و آله أحد غيره.(7)

قال محمد بن المنذر :(8) سمعت أبا أمامة يقول : کان علي عليه السلام إذا قال شيئاً لم نشکّ فيه ، وذلک أنا سمعنا رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : خازن سرّي (بعدي )(9) عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (10)

ص: 290


1- الذبالة : الفتيلة
2- . کشف الغمة : 1/ 39- 40.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليّ .
4- مناقب ابن شهرآشوب :30/2 ، عنه البحار : 40/ 147.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 30/2 - وفيه : لأعلمهم -، عنه البحار : 147/40 .
6- أمالي الطوسي : 1/ 124، عنه البحار : 131/40 ح 9.
7- مناقب ابن شهرآشوب : 30/2 .
8- أمالي الصدوق : 440 ح 18 - وفيه : محمد بن المنکدر -، عنه البحار : 40/ 184ح66.
9- من المناقب .
10- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 30.

وقد اشتهر عن أبي بکر أنّه قال : فإذا استقمت فاتّبعوني ، وإذا زغت فقوّموني ، وقوله : أمّا الفاکهة فأعرفها ، وأمّا الأب فالله أعلم ، وقوله في الکلالة:[ أقول فيها برأيي ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمنيّ ومن الشيطان ، [الکلالة :](1) ما دون الوالد والولد.(2)

وعن النبيّ صلّي الله عليه و آله : أُعطي عليّ من الفضل جزءاًلوقسّم علي

أهل الأرض لوسعهم(3)حلية الأولياء (4): عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنه سئل عن علي عليه

السلام ، فقال : قشمت الحکمة عشرة أجزاء ، فأُعطي علي تسعة أجزاء ، والناس

جزءاً واحداً (5)

أبان بن تغلب (6) والحسين بن معاوية ، وسليمان الجعفري [وإسماعيل ابن عبدالله بن جعفر ]،(7) کلّهم رووا عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: لما حضرت رسول الله صلّی الله عليه و آله الوفاة دخل عليه علي عليه السلام فأدخل رأسه معه ، ثمّ قال له : يا علي ، إذا متُّ فغسّلني وکفّنّي وأقعدني واسألني واکتب.

تهذيب (8): فخذ بمجامع کفني وأجلسني ، ثمّ اسألني عمّا

ص: 291


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار : . 149/40 .وانظر الغدير : 104/7 وما بعدها.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار :149/40.
4- حلية الأولياء : 65/1.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 32، عنه البحار :.149/40 .
6- الکافي : 1/ 297 ح 8. .
7- من المناقب .
8- الأحکام تهذيب الأحکام : 1/ 430ذح 42

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام وقوله : «سلوني قبل أن تفقدوني»

شئت ](1)فوالله لا تسألني عن شيء إلّا أجبتک فيه.

قال أمير المؤمنين : ففعلت فأنباني بما هو کائن إلي يوم القيامة. (2)

وروي الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه بإسناد متصّل إلي الأصبغ بن نباتة : وقال :(3)لما جلس أمير المؤمنين عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس ظاهراًخرج إلي مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله متعمماً بعمامة رسول الله صلّی الله عليه و آله ، لابسة بردة رسول الله ، متنعّلاً نعل رسول الله ، متقلّداً سيف رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فصعد المنبر وجلس عليه متمکّناً (4) ثم شبک بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثمّ قال : يا معشر الناس ، سلوني (5)قبل (6)أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلّی الله عليه و آله ، هذا ما زقّني رسول الله زقّاًزقّاً.

سلوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتي تنطق [التوراة فتقول : صدق عليّ ما کذب ، لقد أفتاکم بما أنزل الله فيَّ ، وأفتيت أهل] (7)الإنجيل بإنجيلهم حتي ينطق الله الإنجيل فيقول: صدق عليّ وما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل الله في وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتي ينطق الله القرآن فيقول : صدق علي وما کذب ، لقد أفتاکم بما أنزل فيّ، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيکم أحد

ص: 292


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 37، عنه البحار : 152/40 .
3- من الأمالي .
4- في الأمالي : متحکة.
5- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : اسألوني ، وکذا في الموضع الآتي .
6- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : من قبل .
7- من الأمالي .

يعلم مانزل فيه ؟ ولولا آية في کتاب الله سبحانه لأخبرتکم [بما کان أوبما يکون](1) وبما هو کائن إلي يوم القيامة ، وهي هذه الآية : (يَمحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الکِتَابِ) (2)

ثمّ قال صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة ، لو سألتموني عن آيةٍ آية في ليل أُنزلت أم في نهار ، مکّیّها ومدنيّها، سفرِّیها وحضریّها، ناسخها ومنسوخها، ومحکمها ومتشابهها، و تأويلها وتنزيلها، لأخبرتکم به.

فقام إليه رجل يقال له ذغلب وکان ذرب اللسان (3) بليغاً في الخطب، شجاع القلب، فقال : لقد ارتقي ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلته اليوم لکم في مسألتي إيّاه، فقال : يا أمير المؤمنين: هل رأيت ربک ؟

قال: ويلک يا ذعلب لم أکن بالذي أعبد ربّاً لم أره. قال: فکيف رأيته ؟ صفه لنا.

قال: ويلک يا ذعلب، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولکن تراه (4)

القلوب بحقائق الإيمان .

ويلک يا ذعلب ، إنّ ربّي لا يوصف بالبعد، ولا بالحرکة، ولا بالسکون، ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا ذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، کبير الکبرياء لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة لا

ص: 293


1- من الأمالي.
2- سورة الرعد : 39.
3- لسان ذرب : فصيح ، فاحش .
4- في الأمالي : رأته .

يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرک لا بمجسّة (1) قائل لا بلفظ ، هو في الأشياء علي غير ممازجة ، خارج منها [علی](2) غير مباينة ، فوق کلّ شيء لا يقال : شيء فوقه ، أمام کل شيء ولا يقال: له أمام(3)، داخل في الأشياء لاکشيء في شيء داخل وخارج من الأشياء لاکشيء من شيء خارج.

فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثمّ قال : ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله

الأعدت إلي مثلها.

ثمّ نادي صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني .

فقام إليه الأشعث بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، کيف تؤخذ الجزية

من المجوس ، ولم ينزل عليهم کتاب ، ولا بعث الله فيهم نبيّاً ؟

فقال : بلي ، يا أشعث ، قد أنزل الله عليهم کتاباً ، وبعث فيهم (4) نبيّاً ، وکان [لهم] (5) ملک سکر ذات ليلة فدعا بابنته إلي فراشه فارتکبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلي بابه ، فقالوا: أيّها الملک ، دست علينا ديننا فأهلکته، فاخرج نطهّرک وتقيم عليک الحدّ.

فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا کلامي ، فإن يکن لي مخرج ممّا ارتکبت وإلّا

فشأنکم ، فاجتمعوا.

فقال لهم : هل علمتم أنّ الله سبحانه لم يخلق خلقاً أکرم عليه من أبينا آدم

ص: 294


1- المجسَة : موضع اللمس . أي مدرک لا بالحواش .
2- من الأمالي
3- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : ولا يقام به امام .
4- في الأمالي : إليهم.
5- من الأمالي

واُمناحوّاء؟

قالوا: لا.(1) قال : أفليس قد زوّج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟

قالوا: صدقت، هذا هو الدين ، فتعاقدوا علي ذلک ، فمحا الله مافي صدورهم من العلم ، ورفع عنهم الکتاب ، فهم الکفرة يدخلون النار بغير حساب ، والمنافقون أشدّ حالاً منهم(2)

فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلي مثلها

أبداً

ثمّ نادي صلوات الله عليه : سلوني قبل أن تفقدوني .

فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوکّئاًعلي عکازة ، فلم يزل يتخطّي الناس حتي دنا منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دلّني علي عملٍ إذا أنا عملته نجّاني الله من النار .

قال : يا هذا ، اسمع ، ثمّ افهم، ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغنيّ لا يبخل بماله علي أهل دين الله عز وجل ، وبفقير صابر، فإذا کتم العالم علمه ، وبخل الغني ، ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله إن الدار قد رجعت إلي بدئها - أي إلي الکفر بعد الإيمان - .

أيّها السائل ، لا تغترت بکثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم

ص: 295


1- في الأمالي : قالوا: صدقت أيها الملک
2- هنا تعريض بالسائل لأنه کان منهم.

مجتمعة وقلوبهم شتيّ

أيّها الناس ، إنّما الناس ثلاثة : زاهد ، وصابر ، وراغب .

فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ، ولا يحزن علي شيء منها

فاته.

وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإذا أدرک منها شيئاً صرف (عنها)(1) نفسه لما

يعلم من سوء عاقبتها.

وأمّا الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام. قال : يا أمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلک الزمان ؟

قال : ينظر إلي ما أوجب الله عليه من حق فيتولّاه ، وينظر إلي ما خالفه

فيتبرّأ منه ، وإن کان المخالف حبيباً قريباً .

قال : صدقت والله ، يا أمير المؤمنين ، ثمّ غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبسم عليه السلام علي المنبر ، ثمّ قال : ما لکم ؟ هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثمّ نادي : سلوني قبل أن تفقدوني ، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثني عليه ، وصلي علي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، ثم قال الحسن : قم يا حسن، فاصعد المنبر ، و تکلّم بکلام لا تجهلک قريش بعدي فيقولون : إنّ الحسن لا يحسن شيئاً .

قال الحسن : کيف أصعد وأتکلّم وأنت حاضر في الناس تسمع وتري؟ قال : بأبي أنت وأمّي واري نفسي عنک ، وأسمع وأري ولا تراني .

ص: 296


1- من الأمالي .

فصعد الحسن عليه السلام المنبر ، فحمد الله وأثني عليه بمحامد بليغة،

وصلّی علي النبيّ وآله صلاة موجزة ، ثمّ قال : أيها الناس ، سمعت جدّي رسول الله صلّی الله عليه وآله يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تدخل المدينة إلّا من بابها ، ثمّ نزل.

فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلي صدره.

ثمّ قال للحسين عليه السلام : قم يا بنيّ فاصعد المنبر ، و تکلّم بکلام لا تجهلک قريش بعدي ، فيقولون : إنّ الحسين لا يحسن(1)شيئاً ، وليکن کلامک تبعاً لکلام أخيک.

فصعد الحسين عليه السلام المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّی علي النبي [وآله] (2)صلاة موجزة ، ثمّ قال : معاشر الناس ، سمعت جدي رسول الله صلّی الله عليه وآله يقول : إنّ عليّاً مدينة هدي من دخلها نجا ، ومن تخلّف عنها هلک ، فنزل.

فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلي صدره وقبّله ، ثمّ قال :

أيّها الناس ، اشهدوا أنّهما فرخا رسول الله صلّی الله عليه و آله و وديعته التي استودعنيها ، وأنا أستودعکموها - معاشر الناس - ورسول الله صلّی الله عليه و آله مسائلکم عنه(3) -(4)

ص: 297


1- في الأمالي : لا يبصر
2- من الأمالي.
3- في الأمالي : سائلکم عنهما.
4- الأمالي للصدوق : 280 ح 1، التوحيد :304 ح 1، الاختصاص :235 ، الاحتجاج : 258، عنها البحار : 117/10 ح 1. وأخرج قطعات منه في البحار : 4/ 97 ح 4، و ج 461/14 ح 26، وج 8/70ح 1.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام جمع القرآن

ومن عجيب أمره صلوات الله عليه في هذا الباب أنّه لا شيء من العلوم

إلا وأهله يجعلون عليّاً قدوة فيه ، فصار قوله قبلة في الشريعة.(1)

أبو نعيم في الحلية(2) والخطيب في الأربعين : بالإسناد عن السدي ، عن عبد خير (3) عن علي عليه السلام ، قال : لمّا قبض رسول الله صلّی الله عليه و آله أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتي أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتي جمعت القرآن(4)

وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّه إلي أن لا يضع رداءه علي عاتقه إلّا للصلاة حتي يؤلّف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدّة إلي أن جمعه ، فخرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنکروا مصيره بعد انقطاعه(5)، فقالوا : لأمر ما جاء أبو الحسن(6) فلمّا توسّطهم وضع الکتاب بينهم، ثمّ قال : إنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال : إنّي مخلّف فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلّوا ؛ کتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا کتاب الله وأنا العترة.

فقام إليه الثاني ، فقال : إن يکن عندک قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا

فيکما ، فحمل صلوات الله عليه الکتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجّة(7)

وعن الصادق عليه السلام أنّه حمله وولّي راجعاً وهو يقول :(فَنَبَذُوهُ

دو

ص: 298


1- مناقب ابن شهرآشوب: 40/2 ، عنه البحار : 154/40 ، وج 51/92ح 18.
2- حلية الأولياء : 67/1 .
3- کذا في المناقب والحلية ، وفي الأصل : الحسين .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 41/2 ، عنه البحار :155/40 ، وج 52/92 .
5- في المناقب : بعد انقطاع مع البته ، والالبة : الجماعة.
6- في المناقب : الأمر ما جاء به أبو الحسن
7- مناقب ابن شهر آشوب: 41/2 ، عنه البحار : 155/40 ، و ج 52/92.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم الصحابة بالقراءات

وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاَشتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِسَ مَا يَشتَروُنَ) (1)- (2)

فأمّا ما روي أنّه جمعه أبو بکر وعمر وعثمان فإنّ أبا بکر قال - لمّا التمسوا منه أن يجمع القرآن - : کيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلّی الله عليه وآله ولا أمرني به ؟(3)

رواه البخاري في صحيحه.(4)

ومنهم العلماء بالقراءات(5)، وکان علي أعلم الصحابة بالقراءات (6)حتي

أن القرّاء السبعة إلي قراءته يرجعون.

فأمّا حمزة والکسائيّ فيعوّلان علي قراءة عليّ عليه السلام و ابن مسعود،

وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلي عليّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجري الاعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أقرأ من عليّ بن أبي طالب للقرآن.

فأمّا نافع وابن کثير وأبو عمرو فمعظم قراء تهم ترجع إلي ابن عباس ،

وقرأ ابن عباس علي عليّ عليه السلام.

وأما عاصم فقرأ علي أبي عبد الرحمان السلمي ، وقال أبو عبد الرحمان: قرأت القرآن کلّه علي عليّ بن أبي طالب ، فقالوا: أفصح القراءات قراءة عاصم،

دلا

ص: 299


1- سورة آل عمران : 187.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 41/2 ، عنه البحار : 156/40 ، و ج 52/92 .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 42/2 ، عنه البحار : 156/40 ، وج 53/92 .
4- صحيح البخاري : 225/6.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بالقرآن
6- کذا الأنسب في المقام ، وفي الأصل : بالقرآن .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم الصحابة بکتاب الله تعالي

لأنّه أتي بالأصل ، وذلک أنّه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقّق من الهمز ما سهّله(1)غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

والعدد الکوفي في القرآن منسوب إلي عليّ صلوات الله عليه ، وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره،(2) وإنّما کتب الناس العدد عن التابعين من أهل الأمصار (3)- (4)

ومنهم المفسّرون کعبدالله بن العبّاس، وعبدالله بن مسعود ، وأبيّ بن کعب،

و زيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدّم.

تفسير النقّاش : قال ابن عباس : جُلّ ما تعلّمت من التفسير من عليّ بن

أبي طالب عليه السلام

وقال ابن مسعود : أُنزل القرآن(5) علي سبعة أحرف ، ما منها إلّا وله ظهر

وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام علم الباطن والظاهر.(6)

فضائل العکبري : قال الشعبيّ : ما أحد أعلم بکتاب الله بعد نبيّ الله من

عليّ بن أبي طالب عليه السلام» (7)

ص: 300


1- في المناقب : ما لينه
2- حيث أنّ عدد أهل المدينة منسوب إلي أبي جعفر يزيد بن القعقاع القاريء وشيبة بن نصّاح وإسماعيل بن جعفر ، وعدد أهل البصرة منسوب إلي عاصم بن أبي الصباح الجحدري وأيوب بن المتوکّل ، وعدد أهل مکّة منسوب إلي مجاهد وإسماعيل المکي، وعدد أهل الشام منسوب إلي عبدالله بن عامر . انظر «زبدة التفاسير لفتح الله الکاشاني : 2- مخطوط - ».
3- في المناقب : وإنّما کتب عدد ذلک کل مصر عن بعض التابعين .
4- مناقب ابن شهرآشوب : 42/2 ، عنه البحار :156/40 ، و ج 53/92 .
5- في المناقب : جل ما تعلمت ... من علي بن أبي طالب وابن مسعود ، انّ القرآن أنزل
6- مناقب ابن شهرآشوب : 43/2، عنه البحار : 157/40.
7- مناقب ابن شهرآشوب : 43/2 ، عنه البحار : 157/40.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أفقه الصحابة

تاريخ البلاذري و حلية الأولياء (1): قال أمير المؤمنين عليه السلام : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل ، إنّ ّ وهب لي قلبا عقوط ولساناً سؤولاً.

قوت القلوب : قال علي عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في

تفسير الفاتحة.(2)

ومنهم الفقهاء وهو أفقههم ، فإنّه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر عنه ، ثمّ إن

جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون.

أمّا أهل الکوفة ففقهاؤهم : سفيان الثوريّ ، والحسن بن صالح بن حيّ، وشريک بن عبدالله ، وابن أبي ليلي ، وهؤلاء يفرّعون المسائل ويقولون : هذا قياس قول عليّ بن أبي طالب ، ويترجمون الأبواب بذلک.

وأمّا أهل البصرة فقهاؤهم : الحسن ، وابن سيرين ، وکلاهما کانا يأخذان عن ابن عبّاس ، وهو أخذ عن عليّ بن أبي طالب(3)، وابن سيرين يفصح بأنّه(4)

أخذ عن أهل الکوفة وعن عبيدة السلماني ، وهو أخصّ الناس بعلي صلوات الله عليه.

وأمّا أهل مکة فأخذوا عن ابن عبّاس ، وعن عليّ عليه السلام. وأمّا أهل المدينة فعنه أخذوا(5)

ص: 301


1- أشراف الأنساب :98/2ح 27 ص 99 ح 28 ، حلية الأولياء: 67/1 .
2- مناقب ابن شهرآشوب :43/2 ، حسنه البحار :157/40. وما في الأصل وقع فيه التصحيف ، وصححّناه وفقاً لما في المناقب .
3- في المناقب : يأخذان عمّن أخذ عن عليّ .
4- في المناقب : السمعاني ، وهو اشتباه . انظر جامع الرواة :531/1 .
5- مناقب ابن شهرآشوب:44/2، عنه البحار : 158/40.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أعلم أهل المدينة بالفرائض

وقد صنّف الشافعي کتاباً مفرداً في الدلالة علي اتّباع أهل المدينة لعلي

عليه السلام وعبد الله .

وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما

علمنا حکم أهل البغي.

ولمحمد بن الحسن کتاب يشتمل علي ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي

بناء علي فعله عليه السلام(1)

مسند أبي حنيفة : هشام بن الحکم قال : قال الصادق عليه السلام لأبي

حنيفة : من أين أخذت القياس ؟

قال : من قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت حسين سألهما(2) عمر في الجد مع الإخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أنّ شجرة انشعب منها غصن، وانشعب (3) من الغصن غصنان أيما أقرب إلي أحد الغصنين، أصاحبه الّذي يخرج معه أم الشجرة؟

فقال زيد : لو أنّ جدو لاًانبعث فيه (4) ساقية ، وانبعث من الساقية ساقيتان،

أيّما أقرب(5) ، أحد الساقيتين إلي صاحبتهما أم الجدول ؟(6)

ومنهم الفرضيّون وهو أمهرهم(7). فضائل أحمد: قال عبدالله : إنّ أعلم

ص: 302


1- مناقب ابن شهرآشوب :44/2 ، عنه البحار : 159/60 .
2- في المناقب : شاهدهما
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وانبعث.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : من .
5- مناقب ابن شهرآشوب: 44/2 ، عنه البحار :40/159.
6- في المناقب : أشهرهم.
7- فضائل الصحابة : 1/ 534 ح 888..

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام أکثر الصحابة رواية

أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال الشعبي : ما رأيت أفرض من عليّ بن أبي طالب ، ولا أحسب منه، وقد سئل - وهو علي المنبر يخطب - : رجل مات وترک امرأة وأبوين وابنتين ، کم نصيب الامرأة ؟

قال عليه السلام : صار ثمنها تسعاً ، فلقبت بالمسألة المنبريّة.

شرح ذلک : للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة فکان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صارت إلي سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقي أربعة وعشرون، للبنتين ستّة عشر وللأبوين ثمانية .

وهذا القول صدر منه صلوات الله عليه إمّا علي سبيل الاستفهام ، أو علي قولهم صار ثمنها تسعاً (1)، أو بين کيف [يجيء](2) الحکم علي مذهب من يقول بالعول، أو علي سبيل الانکار فبيّن الحساب والجواب ، والقسمة والنسبة بأوجز لفظ(3)

ومنه أنّه سئل عليه السلام عن عدد تخرج منه الآحاد صحاحاً لاکسر فيها ، فقال من غير ترو : اضرب أيام سنتک في أيّام أسبوعک ، والآحاد هي النصف والثلث والربع والخمس ، هکذا إلي العشرة.

ومنهم الرواة وهم نيف وعشرون رجلاً، منهم : ابن عباس ، وابن مسعود،

ص: 303


1- زاد في المناقب : أو علي مذهب نفسه.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 44/2، عنه البحار :159/40 .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام وضع أصول الکلام

[وجابر الأنصاري ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وأنس ،] وأبو سعيد الخدري، وأبو رافع ، وغيرهم ، وهو صلوات الله عليه أکثرهم رواية ، وأثبتهم حجة، ومأمون الباطن ، لقوله صلّی الله عليه و آله : علي مع الحقّ والحق ّمع عليّ.

قال الترمذي والبلاذري : قيل لعلي صلوات الله عليه : ما لک (1) أکثر

أصحاب النبيّ صلّی الله عليه و آله حديثاً ؟

قال : کنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سکتّ ابتدأني.(2)

ومنهم المتکلّمون وهو الأصل في الکلام. قال النبيّ صلّی الله عليه و آله:

عليّ ربّانّي هذه الأّمّة. (3)

قال صلوات الله عليه : أوّل معرفة الله توحيده ، وأصل توحيده نفي

الصفات عنه ، إلي آخر الخبر.(4)

وهو الّذي وضع أصول الکلام وفرع المتکلّمون علي ذلک ، فالإماميّة يرجعون إلي الصادق عليه السلام ، وهو إلي آبائه ، والمعتزلة والزيديّة يرجعون إلي رواية القاضي عبد الجبّر[بن] أحمد ، عن أبي (5)عبدالله الحسين البصري، وأبو إسحاق عبّاس ، عن أبي هاشم الجبّائيّ ، عن أبيه أبي علي ، عن أبي يعقوب الشام ، عن أبي الهذيل العلاف ، عن أبي عثمان الطويل ، عن واصل بن(6)

ص: 304


1- في المناقب : ما بالک ؟
2- في المناقب : وأتقنهم
3- الجامع الصحيح: 637/5 ح 3722.
4- أنساب الأشراف:98/2 ح 26.
5- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 45. عنه البحار : 159/40 - 160.
6- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 45، عنه البحار : 160/40 .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أفصح الخلق

عطاء ، عن أبي هاشم عبدالله بن محمد بن علي ، عن أبيه محمد بن الحنفيّة ، عن أبيه صلوات الله عليه.(1)

ومنهم الخطباء والفصحاء، وهو أفصح الخلق ، ألا تري إلي خطبه مثل: خطبة التوحيد، (2)[والشقشقية] (3)، والهداية ، والملاحم ، واللؤلؤة ، والغرّاء، والقاصعة ، والافتخار ، وخطبة الأشباح ، والدرة اليتيمة ، والأقاليم ، والوسيلة ، والطالوتيّة ، والقصبيّة، والنخيليّة ، والسلمانية ، والناطقة ، والدامغة والفاضحة؟(4)

بل تفکّر في نهج البلاغة فإنّ فيه عجباً لمن کان له حظّ من الذوق السليم، والفهم القويم ، وأکثر الخطباء والبلغاء من مواعظه أخذوا ، ومن شواظه اقتبسوا، وعلي مثاله احتذوا ، وإذا تأمّل من له قلب سليم ولب مستقيم رأي من کلامه صلوات الله عليه ما يدلّ علي أنه صلوات الله عليه کان آية من آيات الله ، وحجّة لرسول الله صلّی الله عليه و آله دالة علي صحّة نبؤّته ، لکون کلامه قد اشتمل من أدلة التوحيد ، والتعظيم للملک المجيد، وإبطال کلما يدعي من دونه، وإدحاض حجّة من ألحد في آياته ، وأبدع في صفاته ، من الملاحدة والمشبّهة والمعطّلة والمجبّرة ما لا مزيد عليه .

وقد يذمّ مقال القائلين من متألّهة الحکماء کأُرسطوطاليس و جالينوس

ص: 305


1- مناقب ابن شهرآشوب : 46/2 ، عنه البحار : 161/40 .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : والدرة ، واليتيمة، والوسيلة .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 47/2 ، عنه البحار : 162/40 .

وبطليموس ، وغيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة ، وشققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة ، وغاصوا في بحار المعارف الإلهيّة ، وهو صلوات الله عليه لم يتردد إلي عالم غير سيّد المرسلين ، ولم يکن بمکّة وما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة وغيرها من پسند عنه ذلک ، وإنما کانوا جاهلية أجلافة لا بصيرة لهم بالعلوم ، ولا تمييز بين صحيح الفکر وفاسده ، ولا استنباط دليل يهديهم إلي سبيل الرشاد، ولو کان لهم أدني فکر صائب و ترتيب مقدّمات تهديهم إلي سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، ولا نصبوا الأنصاب ، ولا استقسموا بالأزلام ، ولا بحروا البحيرة ، ولا سيّبوا السائبة ، ولا وصلوا الوصيلة ، ولا وأدوا البنات ، ولا عظّموا هبل واللّات ، ولم يعتقدوا من الجاهليّة ، ولا أبطلوا القول بالدليل القاطع، ولم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلي عهد رسول الله صلّی الله عليه و آله.

وإنّما سمّوا جاهليّة لفرط جهلهم ، وشدّة عنادهم ، وعدم انقيادهم ، فإذا خرج رجل منهم لم يتردّد إلي عالم ، ولم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي والطبيعي والإلهي والعلوم الرياضيّة من الحساب والهندسة وغيرها ، ثم أتي بکلام أبطل مقالهم ، وأدحض حجتهم ، وأبطل شبهتهم، ودلّ علي وحدة الصانع سبحانه وقدمه ، وحدوث ما سواه ، وعلي قدرته واختياره، وعلمه بالحريّ الزماني وغيره مما کان قبل أن يکون وما هو کائن ، ونزّههه عمّا لا يليق بکماله ، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الّذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعالي عمّا يقول الظالمون علواً کبيراً.(1)

ص: 306


1- اقتباس من الآية : 43 من سورة الإسراء .

قال شيخنا وسيّدنا ومفخرنا السيّد الجليل محمد الرضي الموسوي رضي الله عنه في خطبة کتاب نهج البلاغة : من کلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومن عجائبه التي تفرّد بها ، وأمن المشارکة فيها أنّ کلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذکير والزواجر إذا تأمّله المتأمّل ، وفکّر فيه المتفکّر، وخلع عن قلبه أنّه کلام مثله ممن عظم قدره [ونفذ أمره](1) وأحاط بالرقاب ملکه ، لم يعترضه الشکّ في أنّه کلام مَن لا حظّ له في غير الزهادة ، ولا شغل له في غير العبادة ، قد قبع في کسر بيت (2)، أو انقطع في (3) سفح جبل ، لا يسمع إلّا حسّه ، ولا يري إلّا نفسه ، ولا يکاد يوقن بأنّه کلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه يقطّ الرقابة،(4) ويجدّل الأبطال، ويعود به ينطف (5)دماً ، ويقطر مُهَجاً ، وهو مع ذلک زاهد الزهّاد ، وبدلّ الأبدال (6)، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، الّتي جمع [بها] (7)بين الأضداد ، وألّف بين الأشتات.(8)

قال الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد عند شرحه الخطبة الّتي قالها أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند تلاوتة(ألهَاکُم التَّکَاثُرُ) (9) وهي : ياله

ص: 307


1- من النهج .
2- کسر بيت : جانب الخباء .
3- في النهج : إلي .
4- يقطّ الرقاب : يقطعها عرضاً . فإن کان القطع طولاً قيل : يقد
5- ينطف : يسيل.
6- الأبدال : قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم ، إذا مات منهم واحد بدلّ الله مکانه آخر، والواحد : بدل أو بديل .
7- من التهج والمناقب .
8- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 35-36 وفي «عبده» : 12، عنه مناقب ابن شهرآشوب: 49/2 .
9- سورة التکاثر : 1.

مراماً ما أبعده ! [وزَوراً ما أغفله] (1) وخطراً ما أفظعه(2)! إلي آخرها(3)، وقد أتي في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذکر الموت ، والتحذير من الدنيا ، وما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السکرات والغمرات ، وذکر من اعتزّ بالدنيا ورکن إليها:

هذا موضع المثل ملعاياظليم وإلا فالتّخوية (4)من أراد أن يعظ ويخوّف الناس ، ويعرّفهم قدر الدنيا و تقلّيها بأهلها فليأت بمثل هذا الکلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة وإلّا فليسکت ، فإنّ السکوت أصلح، والعيّ خير من منطق يفضح صاحبه.

ولعمري من وقف علي هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية : والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وينبغي إذا اجتمع الفصحاء وتليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها کما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرقاع :

قلم أصابَ من الدَّواهِ مِدَادها(5)

فقيل لهم في ذلک ، فقالوا : إنّا نعلم سجدات الشعر کما تعلمون أنتم

سجدات القرآن.

وإنّي لأطيل التعجّب من رجل يخطب في مقام الحرب بکلام يدلّ علي أنّ طبعه مشابه لطباع الأسود والنمور وغيرهما من السباع الضارية ، ثمّ يخطب

ص: 308


1- من النهج ، والزور : الزائرون .
2- کذا في النهج ، وفي الأصل : ما أوصفه .
3- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 338 خطبة رقم 221.
4- الملع : السير السريع . ويقال : خوي الطائر ، إذا أرسل جناحيه
5- صدره :تُرجِی أغنّ کأن إبرة روقه.

لله في ذلک المقام بعينه إذا أراد الموعظة بکلام يدلّ علي أنّ طبعه مشابه لطباع الرهبان لابسي المسوح الّذين لم يأکلوا لحماً، ولم يريقوا(1)دماً قطّ، فتارة يکون في صورة سقراط الحبر اليونانّي ، ويوحنّا المعمدان الإسرائيليّ ، وعيسي بن مريم الإلهيّ ، وتارة يکون في صورة عتيبة بن الحارث اليربوعيّ ، وعامر بن الطفيل العامريّ ، وبسطام بن قيس الشيبانيّ.

وأُقسم بالّذي تقسم الأمم کلّها به ؛ لقد تلوت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلي الآن أکثر من ألف مرّة ، وما تلوتها مرّة إلا وأحدثت في قلبي وجيباً ، وفي أعضائي رعدة ، وخيل لي مصارع من مضي من أسلافي ، وتصورت في نفسي أنّي أنا ذلک الشخص الّذي وصف أمير المؤمنين صلوات الله عليه في

قوله :

فکم أکلت الأرض من عزيز جسدٍ ، وأنيق لون کان في الدنيا غذي ترف،

وربيب شرف ، إلي آخرها(2)

وکم قال الناس ، وکم سمعت ، وما دخل کلام ما دخل هذا الکلام من قلبي (3)، فإمّا أن يکون ذلک لفرط حبي لصاحبه ، أو أنّ نيّة القائل کانت صادقة، ويقينه ثابت ، فصار لکلامه تأثير في النفوس. (4)

وقال أيضاً الفاضل ابن أبي الحديد عند شرحه کلامه صلوات الله عليه في خطبة الأشباح (5): عالم السرّ من ضمائر(6)المضمرين ، إلي آخر الفصل : لو

ص: 309


1- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : يرتعوا
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 240 خطبة رقم 221.
3- في شرح النهج : فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الکلام في نفسي
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 152/11 - 153.
5- کذا في النهج ، وفي الأصل : ضمير
6- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 134 خطبة رقم 91.

سمع النضر بن کنانة هذا الکلام لقال لقائله ما قاله عليّ بن العبّاس بن جريح

الإسماعيل بن بلبل : قَالُوا أبُو الصَّقرِ مِن شَيبَانَ قُلتُ لَهُم

حَاشا وَکَلّا وَلِکِن مِنه.(1) شيبان

وَکَم أبٍ قَد عَلَا بابنٍ ذُرا شَرَفٍ (2)

کَمَا عَلَابِرَسُولِ اللهِ عدنَانُ إذ کان يفخر به علي عدنان وقحطان ، بل کان يقرّ به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن (3) ويقول له : إنّه لم يُعفِ ما شيِّدتُ من معالم التوحيد ، بل أخرج الله تعالي لک من ظهري ولداً ابتدع من علوم التوحيد في جاهليّة العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهليّة النبط (4)، بل لو سمع هذا الکلام أرسطوطاليس القائل بأنّه تعالي لا يعلم الجزئيّات ؛ لخشع قلبه ، وقَفّ شعره(5)، وارتعدت فرائصه، واضطرب قلبه ، أما تري ما عليه من الرواء والجزالة والفخامة(6) مع ما قد أشرب من الحلاوة والطلاوة واللطف والسلاسة ؟ لا أري کلاماً قطّ يشبه هذا الکلام إلّا أن يکون کلام الخالق سبحانه ، فإنّه نبعة من تلک الشجرة ، أو جدول

ص: 310


1- في شرح النهج : کلا ولکن لعمري منه .
2- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : يابن له شرفاً
3- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : بل کان يفخر علي عدنان وقحطان ، بل کان يفخر علي إبراهيم الخليل.
4- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : ويقول له : إن الله قد أخرج من صلبي ولد وستدأ من معالم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تشيده أنت في جاهلية النبط.
5- کذا في شرح النهج ، وفي الأصل : لا يعلم الحري الزماني لفق شعره .
6- في شرح النهج : من الرواء والمهابة ، والعظمة والفخامة ، والمتانة والجزالة .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أوفر الفصحاء والبلغاء حظا

وخطبته الخالية من الألف، وخطبته الخالية من النقطة

من ذلک البحر ، أو جذوة من تلک النار.(1)

ومنهم الفصحاء والبلغاء وهو أوفرهم حظّاً .

قال السيّد الرضي الموسوي رضي الله عنه : کان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ظهر مکنونها ، وعنه أخذت قوانينها. (2)

قال الجاحظ في کتاب الغرّة : کتب عليّ إلي معاوية : غرّک عزّک ، فصار

قصار ذلک ذلّک ، فأخش فاحش فعلک فعلک تهدأ بهذا ، و السلام (3)

وروي أبو جعفر بن بابويه رضي الله عنه بإسناده عن الرضا عليه السلام،

عن آبائه عليهم السلام أن الصحابة اجتمعت فتذاکروا أنّ الألف أکثر دخولا في الکلام من غيره، فارتجل صلوات الله عليه الخطبة المونقة(4)وهي : حمدت من عظمت منّته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته (5)ها

، وتمّت کلمته ، ونفذت مشيئته،

وبلغت قضيّته (6) ، إلي آخرها

ثمّ ارتجل صلوات الله عليه خطبة أخري علي غير نقطة ،(7) أوّلها . الحمد

ص: 311


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 23/7 - 24.
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 34.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/48، عنه البحار : 163/40 . وأورد القطعة الأخيرة في مطالب السؤول : 1/ 176، عنه البحار : 83/78 ح 86.
4- انظر : شرح نهج البلاغة : 140/19 ، الخرائج والجرائح : 2/ 740ح 56، کفاية الطالب : 393 مطالب السؤول : 1/ 173 ، مصباح الکفعمي :741 في 49، الصراط المستقيم: 1/ 222، البحار :304/41 ح36، و ج 340/77 ، إثبات الهداة : 499/2 ح 372 و ص 514 ح 432 و ص 519 ح 457.
5- في بعض المصادر : وسبقت رحمته غضبه .
6- أي حکمه وقضاؤه.
7- في المناقب : من غير النقط ، التي أولها .

أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أشعر الشعراء والبلغاء ، وأن من

داره خرجت دائرة العروض

الله أهل الحمد و مأواه ، وله أوکد الحمد(1)، وأحلاه ، وأسرع الحمد وأسراه ، وأظهر الحمد وأسماه ، وأکرم الحمد وأولاه ، إلي آخرها.

ومثل قوله : من جهل شيئاً عاداه ، مثل قوله سبحانه : (بَل کَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بِعلمِهّ) (2) وقوله : المرء مخبوء تحت لسانه ، مثله : (وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ)(3)وقوله : قيمة کلّ امريء ما يحسنه ، مثله (4): وإنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيکُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ) (5)- (6)

ومنهم الشعراء والبلغاء [وهو أشعرهم](7)

قال الجاحظ في البيان والتبيين[وفي کتاب فضائل بني هاشم أيضاً،

والبلاذري في أنساب الأشراف] (8): إنّ عليّاً کان أشعر الصحابة .

تاريخ البلاذري(9) کان أبو بکر يقول الشعر، وعمر يقول الشعر ، وعثمان

يقول الشعر ، وعلي أشعر الثلاثة.

ومنهم العروضيّون و من داره خرجت دائرة العروض.

روي أنّ الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي الباقر [أو علي بن الحسين ](10) عليه السلام، ووضع لذلک أصولاً.

ص: 312


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأهل الحمد
2- سورة يونس : 39.
3- سورة محمد صلّی الله عليه و آله : 30.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قوله .
5- سورة البقرة : 267.
6- مناقب ابن شهرآشوب:48/2 ، عنه البحار :163/40 .
7- من المناقب .
8- من المناقب .
9- أنساب الأشراف : 152/2ح155.
10- من المناقب .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أحکم أصحاب اللغة العربية ،وأنه ليس للوعاظ مثل ما له من الأمثال والعبر والمواعظ

والزواجر، وأنه أرجح الفلاسفة

ومنهم أصحاب اللغة العربيّة وهو أحکمهم.

قال أبو محمد القاسم(1)الحريري في کتابه درة الغواص(2) روابن فياض في شرح الأخبار (3): إن الصحابة اختلفوا في الموءودة ، فقال لهم علي عليه السلام : إنها لا تکون موءودة حتي تأتي عليها التارات السبع.

فقال له عمر: صدقت أطال الله بقاءک ، أراد بذلک [المبيّنة] (4)بقوله سبحانه : (وَلَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ من سُلَالَةٍ مِن طِينٍ) (5)إلي آخرها، فأشار إلي أنه إذا (6)استهل بعد الولادة ثمّ دفن فقد وُئد(7)

ومنهم الوعّاظ وليس لأحد من الأمثال والعبر [والمواعظ](8)والزواجر ما له ، نحو قوله : من زرع العدوان حصد الخسران ، من ذکر المنيّة نسي الأمنيّة، من قعد به العقل قام به الجهل ، يا أهل الغرور ما ألهجکم بدار خيرها زهيد، وشرّها عتيد ، ونعيمها مسلوب ، [وعزيزها منکوب] (9)، ومسالمها محروب، ومالکها مملوک ، وتراثها متروک ، وصنّف عبدالواحد الآمدي کتاب غرر الحکم (10) علي حروف المعجم من کلامه عليه السلام.

ومنهم الفلاسفة وهو أرجحهم عليه السلام.

ص: 313


1- کذا الصحيح ، وفي الأصل : أبو القاسم. وهو أبو محمد القاسم بن علي الحريري ، منسوب إلي صناعة الحرير أو بيعه ، ولد قرب البصرة سنة446ه ، وتوفّي فيها سنة 516 ه. «مقدّمة کتاب : درّة الغوّاص في أوهام الغواصّ» .
2- درّة الغوّاص : 8.
3- من المناقب
4- من المناقب . وفي درّة الغواصّ : وأراد علي عليه السلام بالتارات السبع طبقات الخلق السبعة المبينة في قوله تعالي .
5- سورة المؤمنون : 12.
6- من المناقب
7- قصد عليه السلام بذلک أن يدفع قولَ من توهّم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بالتداوي فقد وأدّته .
8- من المناقب
9- من المناقب
10- غُرر الحِکم و دُرَر الکَلِم ، جمعه عبد الواحد بن محمد الآمدي التميمي ، المتوفّي سنة «510» ه .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أکيس المنجمين

قال : أنا النقطة ، أنا الخطّ ، [أنا الخطّ،] (1) أنا النقطة ، أنا النقطة والخطّ.

فقال جماعة : إنّ النقطة (2) هي الأصل ، والجسم حجابه ، والصورة حجاب الجسم ، لأن النقطة هي الأصل ، والخط حجابه [ومقامه](3)، والحجاب غير الجسد الناسوتي.

وسئل صلوات الله عليه عن العالم العلوي ، فقال : صور عارية عن الموادّ، عالية عن القوّة والاستعداد ، تجلّي لها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقي في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله ، وخلق الإنسان ذا نفسٍ ناطقة ، إن زکّاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارک بها السبع الشداد.

قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا : لم يکن فيلسوفاً شجاعاً قطّ إلاّ

عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (4)

ومنهم المنجّمون وهو أکيسهم.

سعيد بن جبير ، قال : استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان ؛ قيل : إنّ اسمه کان مرخان بن شاسو(5) استقبله من المدائن إلي جسر توران ،(6) فقال : يا أمير المؤمنين ، تناحست النجوم الطالعات، وتمازجت النحوس بالسعود(7)، وإذا کان مثل هذا اليوم وجب علي الحکيم الاختفاء ، ويومک هذا يوم صعب قد

ص: 314


1- من المناقب .
2- في المناقب : القدرة.
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 2/ 48 - 49، عنه البحار : 164/40- 165.
5- في المناقب : وفي رواية قيس بن سعد : مرجان بن شاشوا
6- في المناقب : بوران
7- في المناقب : وتناحست السعود بالنحوس .

اقترن فيه کوکبان ، وانکفأ فيه الميزان ، وانقدح من برجک النيران ، وليس الحرب لک بمکان.

فقال أمير المؤمنين : أيّها الدهقان ، المنبيء بالآثار ، المخوف من الأقدار، ما کان البارحة صاحب الميزان ، وفي أيّ برج کان صاحب السرطان؟ وکم الطالع من الأسد والساعات في الحرکات ؟ وکم بين السراري والزراري ؟

قال : سأنظر في الاسطرلاب.

فتبسّم أمير المؤمنين وقال : ويلک يا دهقان ، أنت مسيّر الثابتات ؟ أم کيف تقضي علي الحادثات(1)؟ وأين ساعات الأسد من المطالع ؟ وما الزهرة من التوابع و الجوامع ؟ وما دور السراري المحرّکات ؟ وکم قدر شعاع المنيرات؟ وکم التحصيل بالغدوات ؟

فقال : لا علم لي بذلک ، يا أمير لمؤمنين .

فقال له : يا دهقان ، هل نتج علمک أنّه انتقل بيت ملک الصين ، واحترقت دور بالزنج ، وخمد بيت نار فارس ، وأنهدمت منارة الهند، وغرقت سرانديب، وانتفض حصن الأندلس [ونتج بترک الروم بالروميّة] (2) وفي رواية : البارحة وقع بيت بالصين ، وأنفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديّان اليهود بايلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلک ملک افريقية ، أکنت عالماً بهذا؟

قال : لا ، يا أمير المؤمنين . وفي رواية : أظنّک حکمت باختلاف المشتري وزحل ، إنّما أنارا لک في الشفق ، ولاح لک شعاع المرّيخ في السحر،

ص: 315


1- في المناقب : الجاريات
2- من المناقب .

واتّصل جرمه بجرم القمر.

ثم قال صلوات الله عليه : البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في کلّ عالم سبعون ألفاً ، والليلة يموت مثلهم ، وأومأ بيده إلي سعد بن مسعدة الخارجي (1)وکان جاسوساً للخوارج في عسکره ، وقال : هذا منهم ، فظن الملعون بأنّه يقول : خذوه ، فأخذ بنفسه فمات ، فخرّ الدهقان ساجداً ، فلمّا أفاق قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألم أروّک من عين اليقين (2)؟

قال : بلي ، يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام : أنا وصاحبي لا غربيّون ولا شرقيّون ، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلک ، أمّا قولک انقدح من برجک النيران(3) فکان الواجب أن تحکم به لي لا علي ، أمّا نوره وضياؤه فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه فذهب عنّي، وهذه مسألة عقيمة احسبها إن کنت حاسباً.

فقال الدهقان : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّک وليّ

الله (4)

قلت : اللّهمّ إنّک أطلعته علي أسرار عظمتک ، وأظهرته علي آثار قدرتک ، وجعلت قلبه مشکاة مخزون علمک ، ونفسه مراة مکنون حلمک ، وکشفت عن بصر بصيرته فشاهد غرائب حکمتک ، وعرجت بروحه إلي

ص: 316


1- في المناقب : الحارثي .
2- في المناقب : التوفيق.
3- کذا في المناقب ، وزاد في الأصل : وظهر منه السرطان . وذکر في هامش البحار أن هذه الجملة مشطوب عليها في النسخ . وهي أيضاً ليست في کلام الدهقان .
4- مناقب ابن شهر آشوب:51/2 - 52. عنه البحار :166/40 -168، ومدينة المعاجز :154/2ح464.

الصفيح الأعلي فعاين عجائب صنعتک ، وأريته ملکوت سماواتک فعلم من اختلاف حرکاتها ما أشبه علي غيره ، وأحصي بلطيف روحانيّته مقادير کل من أفلاکها وتقديره في مسيره ، ولاحظ ما رصعت به أجرامها من درر دراريها وزواهرها ، وزينّت صفيحها بجواهر نیرّاتها من ثابتها وسائرها ، فالشمس والقمر بحسبان حسابه عرف انتقالهما بتحوّلهما، وبکشف صور الأشياء الهويته علم مقدار صعودهما وهبوطهما.

آتيته من لدنک علماً فخرق بتأييدک صفوف ملائکتک ، وکشفت الحجاب عن بصيرته فشاهد صفات أشباحهم بعين عنايتک ، فعرّفنا هيئاتهم ، و اختلاف أشخاصهم ، وأعلمنا بتقارب درجاتهم وخواصهم ، حتي کأنه عمر فيهم عمره ، وأقام بينهم دهره، وشارکهم في الإخلاص بعبادة معبودهم ، وشابههم بخشوعهم في رکوعهم وسجودهم ، وساواهم في الاذعان بالطاعة لرّبهم ، وساماهم في شرف منازلهم وقربهم.

فأصبح يخبرنا عن شدّة اجتهادهم في تعظيم مبدعهم ، وإخلاص جهادهم في توجهّهم إلي معبودهم وتضرعهم ، ووصف لنا من عظم أجسادهم ما أذهل عقولنا ، وأعلمنا من تفاوت أشباحهم ما حيرّنا، وأرجف قلوبنا بقوله صلوات الله عليه: ثمّ فتق ما بين السماوات العلي فملاهنّ أطواراً من ملائکته ، منهم سجود لا يرکعون ، ورکوع لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون(1) ومسبّحون لا يسأمونَ - إلي قوله صلوات الله عليه: - ومنهم الثابتة في الأرضين السفلي أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أرکانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أکتافهم ، ناکسة دونه أبصارهم ، متلفَعون (2)

ص: 317


1- أي قائمون صفوفة لا يتفارقون
2- التلقع : الالتحاف بالثوب ، وهو أن يشتمل به حتي يجتل جسده. «لسان العرب : 320/8 . = لفع- ». .

تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزّة وأستار القدرة ، لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالأماکن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر(1)

فکان صلوات الله عليه في ذلک کما وصف نفسه بقوله : لأنا بطرق السماء

أعلم منّي بطرق الأرض. (2)

فبهذا أوضح لنا عرفان صفات أفلاکها ، وبيّن هيئات نفوسها وأملاکها ، وکشف عن خواصّ نيّراتها ، واختلاف حرکاتها ، وهبوطها وصعودها ، ونحوسها وسعودها ، واجتماعها و افتراقها ، وما أجري سبحانه من العادة من حوادث العالم عند غروبها وإشراقها ، وتأثيرات أشعّة أجرامها في الأجسام الحيوانيّة والنباتيّة ، وما أودع سبحانه في کرة العناصر من کمونها وظهورها بتقدير الإرادة الواحدیّة و أرانا أنّ القادر المختار قد جعل له التصرف في العالم العلوي کما جعل له التصرّف في العالم السفليّ ، وأوجب له فرض الولاية علي کل روحاني و جسماني ، فلهذا ردّت له الشمس وعليه سلمت ، وانقادت له أملاکها وله أسلمت ، وزوّجه الجليل سبحانه بسيّدة نساء الدنيا والآخرة في صفوف ملاَهم ، وزادهم بحضور عقدة نکاحه شرفاً إلي شرفهم ، وجعل نثار طوبي لشهود عرسه نثراً، وأثبت الإمامة والزعامة فيه وفي غرسه إلي حين حلول القيامة الکبري.

فيا أصحاب الأرصاد والزيجات ، ومعتقدي التأثيرات بالاقترانات

ص: 318


1- نهج البلاغة (د. صبحي الصالح) : 41 - 42 خطبة رقم 1
2- نهج البلاعة (د. صبحي الصالح : 280 خطبة رقم 189.

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أعرف الصحابة بعلم

و الفرائض والحساب

مجيدسعد

والامتزاجات ، دسّوا في التراب هامات رؤوسکم، وامسحوا اسطرلابکم وبطليموسکم ، فهذا هو العالم المطلق الذي کشف الله له من حجب غيوبه کلّ مغلق وسقاه بالکأس الرويّة من عين اليقين ، وجمع فيه ما تفرّق في غيره من علوم الأولين والآخرين ، فقال سبحانه وهو أصدق القائلين: (وَکُلَّ شَيءٍ أحصَینَاهُ فِي إمَام مُبِينٍ) (1)

اللّهمّ فبحقّ ما أوجبت له من فرض الطاعة علي العامّة والخاصّة ، وجعلت له بعد نبيّک الرئاسة العامّة والخاصّة ، فصلّ علي محمد و آل محمد وأرقمنا في دفاتر المخلصين من أرقّائه وخدمه ، وأثبتنا في جرائد المطوّقين بطوق العبوديّة لخدمة شريف حرمه ، إنّک علي کلّ شيء قدير .

ومنهم الحسّاب، وکان صلوات الله عليه أعرف الصحابة بعلم الفرائض

والحساب.

روي ابن أبي ليلي أن رجلين جلسا يتغدّيان في سفرٍ ومع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة ، فمرّ بهما ثالت فواکلاه ، فلمّا نهض أعطاهما ثمانية دراهم عوضاً عمّا أکل.

فقال صاحب الخمسة : أنا آخذ بعدد أرغفتي وخذ أنت بعدد أرغفتک ،

فأبي صاحب الثلاثة ، واختصما وارتفعا إلي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال : هذا أمر فيه دناءة (2) والخصومة فيه غير جميلة ، والصلح أحسن.

فقال صاحب الثلاثة : لا أريد إلّا مر الحق والقضاء.

فقال عليه السلام : إن کنت لا ترضي إلّا بمرّ القضاء ، فإنّ لک درهم واحد

ص: 319


1- سورة يس : 12.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : زيادة .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو أکثر أصحاب الکيمياء حظ

من الثمانية ، ولصاحبک سبعة ، أليس کانت لک ثلاثة أرغفة ولصاحبک خمسة ؟ قال : بلي.

[قال :](1)فهذه أربعة وعشرون ثلثا أکلت منها ثمانية والضيف ثمانية ،

فلمّا أعطاکما الثمانية الدراهم کان لصاحبک سبعة ولک واحد(2)

ومنهم أصحاب الکيمياء ، وهو أکثرهم حظّأ.

سئل عليه السلام عن الصنعة ، فقال : هي أخت النبوّة ، وعصمة المروّة ، والناس يتکلّمون فيها بالظاهر، وإنّي لأعلم ظاهرها وباطنها ، ما هي والله إلّا ماء جامد ، وهواء راکد ، ونار جائلة ، وأرض سائلة .

وسئل عليه السلام في أثناء خطبته عن الکيمياء : هل لها حقيقة ؟ فقال : نعم ، کانت وهي کائنة وستکون . فقيل : من أي [شيء](3)هي ؟

قال : من الزئبق الرجراج ، والأسرب و الزاج ، والحديد المزعفر ،

و زنجار النحاس الأخضر والحبور الا توقف علي عابرهنّ].(4)

فقيل : فهمنا لا يبلغ إلي ذلک.

فقال : اجعلوا البعض أرضاً، واجعلوا البعض ماء، وأفلجوا الأرض

بالماء فقد تمّ

فقيل : زدنا ، يا أمير المؤمنين.

ص: 320


1- من المناقب .
2- رواه إبراهيم بن هاشم القمي في کتابه «قضايا أمير المؤمنين عليه السلام» ح 118 بإسناده إلي ابن أبي ليلي - وهو عندنا قيد التحقيق -.
3- من المناقب .
4- من المناقب .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو الأصل في علم المکاشفة

علي طريق الصوفية

فقال : لا زيادة عليه ، فإن الحکماء القدماء ما زادوا عليه لئلاّ يتلاعب

الناس بها.(1)

ومنهم الصوفيّة ومن تکلم في علم المکاشفة(2)علي طريق الصوفية ، قالت مشايخهم : إنّه الأصل في علومهم ، ولا يوجد لغيره إلّا اليسير ، وأکثر مشايخهم يتّصل سلسلة بکميل بن زياد ، وهو تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواصّه.(3)

روي مولانا أبو عبد الله الصادق عليه السلام ، ورواه أيضاً أبو أمامة الباهلي ، کلاهما عن النبيّ صلّی الله عليه وآله في خبر طويل ، واللفظ لأبي أمامة : أنّ الناس دخلوا علي النبي صلّی الله عليه و آله يهنؤونه بولادة الحسين عليه السلام، فقام رجل من وسط الناس ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، رأينا من عليّ عجباً في هذا اليوم !

قال : وما رأيتم ؟

فقال : أتيناک لنسلّم عليک ، ونهنئک بولدک ، فَحجَبَنا عنک ، وأعلمنا أنّه هبط عليک مائة ألف ملک و أربعة وعشرون ألف ملک ، فعجبنا من إحصائه عدد الملائکة.

فأقبل عليه النبي صلّی الله عليه و آله متبسّماً ، وقال : ما أعلمک أنّه هبط

عليّ مائة وأربعة وعشرون ألف ملک ؟(4)

ص: 321


1- مناقب ابن شهرآشوب : 52/2 ، عنه البحار :168/40 .
2- في المناقب : المعاملة.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 54/2 عنه البحار : 169/40 .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : مائة ألف ملک و أربعة وعشرون ملک .

فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، سمعت مائة ألف لغة ، وأربعة

وعشرين ألف لغة ، فعلمت أنّهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف ملک .

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : زادک الله علماً وحلماً ، يا أبا

الحسن ؟(1)

قال الفرغاني شارح قصيدة نظم السلوک في حضائر الملائکة من نظم الشيخ عمر بن الفارض المصري العارف الصوفي(2)عند شرحه لهذا البيت، وهو:

وحُز بالولاء ميراثَ أرفَعِ عَارفٍ غَدا هَمّهُ إيثارَ تأثيرِ هِمَّةِ

«وحز»: أي اجمع ، وفي قوله : «بالولاء» مرهم معني الحبّ المذکور، ومعني حبّ أهل البيت عليهم السلام علي اصطلاح الشيعة القائلين بالولاء، و «أرفع عارف» المراد به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنه صاحب المعرفة الحقيقية بالأصالة وغيره بالتبعيّة ، فإنّ النسبة إلي الولاية التي هي منبع العلوم الحقيقية والمعارف الأصلية لا تصحّ إلّا من جهته وحيثيته ، فإنّه کان مظهر الولاية الأحمدية حيث انشقت عن نبوته صلّی الله عليه و آله الذي کان انشقاق القمر صورة ذلک الانشقاق وهو باطنه وسرّه الظاهر بسبب ظهوره فإنّ کلّ معني لا بدّ أن يظهر له صورة محسوسة ، وکان عليّ عليه السلام هو أرفع عارف في الدنيا من حيث ما حضر أصله بقوله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ،

ص: 322


1- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 55، عنه البحار : 170/40 - 171.
2- هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل ، المصري المولد والدار ، عرف بابن الفارض لأن أباه - علي ما يظهر من هذا اللقب - کان يکتب فروض النساء علي الرجال . «مقدمة ديوانه المطبوع». . والبيت المذکور هو في ص 75 من الديوان .

أن أمير المؤمنين علي عليه السلام هو واضع النحو

وهو علم الحقيقة ما خلا أصله صلّی الله عليه و آله.

وقوله : «غدا همّه ايثار تأثير همّة» يعني انّه آثر الصبر علي تأثير همّته.

انظر کيف تظاهر وتظافر خلق في غاية الکثرة وجماعة جمّة علي إيذائه ووضعه وقمعه ومحاربته ومقابلته حتي قام الشيخ العارف سعيد مدافعتهم ومقاتلتهم في الظاهر بالسيف ، ولم يسلط عليهم همّته الفعّالة وهمّه الدفعهم وإهلاکهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم واير ولا ديار مع تحقّقه بذلک لکن ترکهم بمعرفته علي الحقيقة لوقوع ذلک کله ، وان لا مندوحة عمّا جري علي نحو ما جري ، فلذلک ترک التأثير بالهمّة ووکلّ الأمر إلي مجزيه

تعالي و تقدّس.

ومنهم النحاة ، وهو واضع النحو ، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسي بن عمرو الثقفي ، عن عبدالله بن إسحاق الحضرمي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، عن ميمون الأقرن، [عن عنبسة الفيل،] (1)عن أبي الأسود الدؤلي، عنه عليه السلام ، والسبب في ذلک أن قريشاً کانوا يتزوّجون في الأنباط ، فرفع فيما بينهم أولادهم فأفسدوا لسانهم ، حتي انّ بنت حرملة بن خويلد الأسدي(2) کانت متزوّجة في الأنباط ، فقالت : إن أبوي مات وترک علئَّ مال کثير (3)، فلمّا رأوا فساد لسانها أخبروا أمير المؤمنين عليه السلام فأسّس

النحو.

وروي أن أعرابيّاً سمع من سوقي يقرأ : إنّ الله بريء من المشرکين

ص: 323


1- من المناقب .
2- في المناقب : أنّ قريشاً کانوا يزوجون بالأنباط ، فوقع فيما بينهم أولاد ، ففسد لسانهم ، حتي أن بنتا لخويلد الأسدي .
3- والصحيح أن تقول : إن أباي مات وترک علئ مالا کثيرة .

ورسولِهِ ، فشجّ رأسه ، فخاصمه إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له في ذلک ، فقال : إنّه کفر بالله في قراءته .

فقال صلوات الله عليه : إنّه لم يتعمد ذلک.

وروي أنّ أبا الأسود کان في بصره سوء وله بنيّة تقوده إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالت : يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرمضاء ! تريد التعجّب ، فنهاها عن مقالتها ، وأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلک فأسس النحو.

وروي أنّ أبا الأسود کان يمشي خلف جنازة ، فقال قائل : من المتوفّي ؟

فقال أبو الأسود : الله ، ثمّ إنّه أخبر عليّاً عليه السلام بذلک فأسس النحو

ودفعه(1) إلي أبي الأسود، وقال : ما أحسن هذا النحو ، فسمّي نحواً.

قال ابن سلّام : کانت الرقعة : الکلام ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف جاء

المعني.

فالإسم : ما أنبأ عن المسمّي. والفعل : ما أنبأ عن حرکة المسمّي. والحرف : ما أوجد معني في غيره .

وکتب صلوات الله عليه : وکتبه علي بن أبي طالب ، فعجزوا عن ذلک ، فقالوا : أبو طالب : اسمه لا کنيته (2)، وقالوا : هذا ترکيب مثل[در احناو](3)حضرموت وبعلبک.

ص: 324


1- في المناقب : فأسس النحو ، فعلي أي وجه کان وقعه
2- کذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : اسمه کنيته
3- من المناقب .

في إخلاص أمير المؤمنين عليه السلام وسبقه بالجهاد وأعماله الصالحة

وقال الزمخشري في الفائق(1) : تُرِک في حال الجر علي لفظه في حال

الرفع ، لأنه اشتهر بذلک وعُرف ، فجرَی مجری المثل الّذي لا يغيّر.(2)

وأمّا إخلاصه وسبقه بالجهاد والأعمال الصالحة الّتي لم يقصد بها إلّا

وجه الله فقد شهد الله له بها في کتابه ، وکذلک رسول الله صلّی الله عليه و آله.

روي أنّه لمّا أسر العبّاس بن عبد المطّلب[يوم بدر] (3) أقبل المسلمون يعيّرونه بکفره بالله وقطيعة الرحم ، وأغلظ له أمير المؤمنين عليه السلام القول، فقال العباس : ما لکم تذکرون مساوئنا ولا تذکرون محاسننا ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ألکم محاسن ؟

فقال : نعم ، إنّا لنعمرّ المسجد الحرام ، ونحجب الکعبة ، ونسقي الحاج، ونفي العاني(4)فأنزل الله تعالي - ردّاً علي العبّاس ووفاقاً لعليّ بن أبي طالب عليه السلام -](5) : (مَا کَانَ لِلمُشرِکِينَ أَن يَعمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ) (6) الآية ، ثم قال:(إنّما يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَوم الآخِرِ)(7) الآية، ثم قال :

(أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجّ وَعَمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ کَمَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ

الآخرِ)(8)الآية.(9)

وروي إسماعيل بن خالد ، عن عامر . وابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس . ومقاتل ، عن الضحّاک ، عن ابن عبّاس . والسدّي ، عن أبي صالح. وابن

ص: 325


1- الفائق في غريب الحديث : 1/ 14.
2- مناقب ابن شهر آشوب : 46/2-47، عنه البحار : 161/40 -162.
3- من المناقب .
4- العاني : الأسير .
5- من المناقب .
6- سورة التوبة : 17 - 19.
7- سورة التوبة : 17 - 19.
8- سورة التوبة : 17 - 19.
9- أسباب النزول للواحدي : 163.

آبي خالد وزکريّا(1)عن الشعبي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام.

[الثعلبي والقشيريّ والجبّائي والفلکي في تفاسيرهم ، والواحدي في أسباب نزول القرآن (2) عن الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن کعب القرظي . وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ووکيع بن الجرّاح وشريک القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان والسدي وأبي مالک] (3) ومرّة الهمداني وابن عبّاس أنّه افتخر العبّاس بن عبد المطّلب ، فقال : أنا عمّ محمد ، وأنا صاحب سقاية الحجيج ، فأنا أفضل من عليّ بن أبي طالب.

فقال شيبة بن عثمان أو طلحة أو عثمان : وأنا أعمّر بيت الله الحرام،

وصاحب حجابته ، فأنا أفضل.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً ، فقال : أنا أفضل منکما ، لقد

صلّيت قبلکما بستّ سنين ، وأنا أجاهد في سبيل الله.

وفي رواية الحاکم أبي القاسم الحسکاني (4)بإسناده عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينا شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب ، فقال : بماذا تتفاخران ؟

فقال العبّاس : لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد سقاية الحاجّ. وقال

شيبة : أُوتيت عمارة المسجد الحرام.

فقال أمير المؤمنين : لقد استحييت لکما فقد أُوتيت علي صغري مالم

ص: 326


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي عن ابن عبّاس وعطاء وابن جريح ومقاتل ، عن الضحاک والسدّي ، عن أبي صالح وزکريا.
2- أسباب النزول : 164.
3- من المناقب ، وفي الأصل : وروي السدي وأبو مالک .
4- شواهد التنزيل : 329/1 ح 328.

تؤتيا .

فقالا : وما أُوتيت يا علي ؟ قال : ضربت خراطيمکما بالسيف حتي آمنتما بالله ورسوله .

فقام العبّاس مغضباً يجرّ ذيله حتي دخل علي رسول الله صلّی الله عليه

و آله وقال : أما تري ما استقبلني به عليّ ؟

فقال صلّی الله عليه و آله : ادعوا لي عليّاً ، فدعي له ، فقال : ما حملک

علي ما استقبلت به عمّک ؟

فقال : يا رسول الله صلّی الله عليک و آلک ، صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب ، ومن شاء فليرض ، فنزل جبرائيل وقال : يا محمد ، إن ربّک يقرئک السلام ويقول لک : اتل عليهم (أجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ) (1) الآيات.

فقال العبّاس : أنا قد رضيت - ثلاث مرّات - (2)

في کتاب أبي بکر الشيرازي بإسناده عن مقاتل ، [عن مجاهد ،](3) عن ابن عبّاس في قوله تعالي : (رِجَالُ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةُ وَلاَ بَيعُ عَن ذِکِر اللهِ - إلي قوله - بِغَيرِ حِسَابٍ) (4) قال : والله هو أمير المؤمنين.

ثمّ قال بعد کلام : (5)وذلک » أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله أعطي عليّاً

ص: 327


1- سورة التوبة : 19.
2- مناقب ابن شهرآشوب:68/2-69، عنه البحار : 63/41 - 64.
3- من المناقب .
4- سورة النور : 37 و 38.
5- من المناقب .

[يوماً ](1)ثلاثمائة دينار أهديت إليه ، قال علي : فأخذتها وقلت : والله الأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي من هذه الدنانير ، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلّی الله عليه و آله أخذت منها مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير ، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي في هذه الليلة بمائة دينار علي امرأة فاجرة ، فاغتممت غماً شديداً.

فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله متي ، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير ، فأصبح الناس(2) يقولون : إنّ عليّاً في هذه الليلة تصدق بمائة دينار علي رجل سارق ، فاغتممت لذلک غمّاً شديداً ، وقلت : والله لأتصدّقنّ في هذه الليلة بصدقة يقبلها الله منّي ، فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول الله صلّی الله عليه و آله وخرجت من المسجد ومعي المائة دينار الباقية ، فلقيت رجلاً فأعطيته إيّاها ، فأصبح الناس يقولون : إنّ عليّاً تصدق البارحة علي رجل غني ، فاغتممت لذلک غما شديدا ، وأتيت رسول الله صلي الله عليه و آله فأخبرته .

فقال : يا عليّ ، [هذا جبرئيل يقول لک : إنّ الله عزّ وجلّ قد قبل صدقاتک ، وزکّي عملک ،](3) إن المائة دينار الأولي التي تصدقت بها وقعت في يد امرأة فاسدة فرجعت إلي منزلها وتابت إلي الله تعالي من الفساد، وجعلت تلک الدنانير رأس مال لها(4) ، وهي في طلب بعل تتزوّج

ص: 328


1- من المناقب .
2- في المناقب : أهل المدينة ، وکذا في الموضع الآتي
3- من المناقب .
4- في المناقب : رأس مالها .

[به ،](1) وإن الصدقة الثانية وقعت في يد سارق فرجع إلي منزله وتاب إلي الله من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها ، وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يد غني لم يزکّ ماله منذ سنين ، فرجع إلي منزله ووبّخ نفسه وقال : شحّاً عليک يا نفس ، هذا عليّ بن أبي طالب تصدّق عليَّ بمائة دينار ولا مال له ، وأنا قد أوجب الله عليَّ في مالي الزکاة أعواما کثيرة لم أزکه، فحسب ماله وزګاه وأخرج زکاة ماله کذا وکذا ديناراً ، وأنزل الله سبحانه فيک : (رِجَالُ لَا تُلهِيهِم تِجَارَةُ وَلَا بَيعِ ُعَنِ ذِکر اللهِ) (2) الآية.

أبو الطفيل : رأيت عليّاً عليه السلام يدعو اليتامي فيطعمهم العسل حتي

قال بعض أصحابه : لوددت انّي کنت يتيماً .(3)

محمد بن الصمّة ، عن أبيه ، [عن عمّه ،](4) قال : رأيت في المدينة رجلاً علي کتفه(5)قربة وفي يده صحفة يسقي ويطعم الفقراء ويقول : اللّهمّ وليّ المؤمنين ، وإله المؤمنين ، وجار المؤمنين ، اقبل قرباني [الليلة ](6)، فما أمسيت أملک سوي ما في صحفتي و غير ما في قربتي(7)، فإنّک تعلم أنّي منعته نفسي من شدّة سغبي لطلب القربة إليک. (8)

اللّهمّ فلا تخلق وجهي ، ولا تردّ دعوتي . فأتيته وتأمّلته (9)، فإذا هو أمير

ص: 329


1- من المناقب
2- سورة النور : 37.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 74 - 75، عنه البحار : 28/41 - 29.
4- من المناقب
5- کذا في المناقب ، و في الأصل : في المدينة عليا وعلي کتفه
6- من المناقب
7- في المناقب : وغير ما يواريني .
8- في المناقب : مع شدة سغبي في طلب القربة إليک غنمة . والسغب : الجوع.
9- في المناقب : فأتيته حتي عرفته .

المؤمنين عليه السلام [فأتي رجلاً فأطعمه](1)-(2)

روت الخاصّة والعامة [منهم : ابن شاهين المروزيّ ، وابن شيرويه الديلمي ، عن الخدري وأبي هريرة] (3) أنّ عليّاً عليه السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمة طعاماً ، فقالت : ما کان إلّا ما أطعمتک منذ يومين ، آثرتک به علي نفسي وعلي الحسن والحسين.

فقال : ألا أعلمتني فأتيکم بشيء ؟

فقالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحيي من الله أن أکلّفک ما لا تقدر عليه، فخرج واستقرض [من النبي صلّی الله عليه و آله](4) ديناراً ، وخرج يشتري به شيئاً ، فلقيه المقداد قائلاً : ما شاء الله ، فناوله عليّ عليه السلام الدينار ، ثمّ دخل المسجد ووضع رأسه ونام ، فخرج النبي صلّی الله عليه و آله فإذا هو به ، فحر که وقال : ما صنعت ؟ فأخبره ، فقام وصلي معه ، فلمّا قضي النبيّ صلاته قال : يا أبا الحسن ، هل عندک شيء نفطر عليه فنميل معک ؟ فأطرق لا يجد جوابا حياء منه، وکان الله قد أوحي [إليه] (5)أن يتعشّي تلک الليلة عند عليّ ، فانطلقا حتي دخلاً علي فاطمة وهي في مصلّاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما ، فسألها علي عليه السلام : أنّي لک هذا؟

قالت : هو من عند الله(6) إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب(7) قال : فوضع النبيّ صلّی الله عليه و آله کفّه المبارک بين کتفي عليّ ، وقال:

ص: 330


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهر آشوب: 79/ 2 ، عنه البحار : 29/61 -30.
4- اشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران
5- من المناقب .
6- في المناقب : من فضل الله ورزقه
7- اشارة إلي الآية : 37 من سورة آل عمران

في شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام

هذا بدل دينارک ، ثم استعبر النبيّ [باکياً ](1)، وقال : الحمد لله الذي لم يعتني حتي رأيت في ابنتي ما رأي زکريا لمريم(2)

وأمّا شجاعته فهي أشهر من أن تشهر ، حتي انّ النبيّ صلّی الله عليه و آله

کان يهدّد به قريشاً .

روي (3)عن رسول الله صلّی الله عليه و آله أنّه قال لأهل الطائف : والّذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزکاة ، أو لأرسلنّ [إليکم](4)رجلاً منّي - أو کنفسي - فليضربنّ أعناق مقاتليکم ، وليسبين ذراريکم ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال:

هذا (5)

وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال : قوله سبحانه : (وَالّذين مَعَهُ

أشِدَّاء عَلَي الکُفّارِ)(6) أن عليا منهم(7)

فواعجباً لمن يقايس من لم يصب محجمة [من ](8)دم في جاهليّة ولا إسلام مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمساً وثلاثين رجلاً مبارزاً دون الجرحي ، وکانوا من أماثل قريش وأبطالها وشجعانها والمشهورين بالنجدة والبأس ، حتي سمّي الله سبحانه وأقعة بدر بالبطشة الکبري ، وما ذاک إلّا لهلاک من هلک فيها ، فإنّه حصل بقتلهم هظيمة عظيمة في الشرک وأهله ، وکانت

ص: 331


1- من المناقب
2- مناقب ابن شهرآشوب :76/2 - 77، عنه البحار : 30/41 .
3- في المناقب : تاريخ النسوي : قال عبد الرحمان بن عوف : قال النبي ..
4- من المناقب . وفيه : «لأبعثن» بدل «لأرسلت»
5- في المناقب : قال : فرأي الناس أنه عني أبا بکر وعمر ! فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال : هذا.
6- سورة الفتح : 29.
7- مناقب ابن شهرآشوب: 2/85، عنه البحار :68/41 .
8- من المناقب

أسماء الذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام في بدر وأحد

القتلي سبعين من سادات قريش وأعيانهم ، قتل علي منهم خمساً وثلاثين رجلاً ، وقتلت الملائکة وباقي الناس تمام العدد.

وأسماء الّذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام: الوليد بن عتبة ،

والعاص بن سعيد بن العاص ، وطعمة(1) بن عدي بن نوفل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، ونوفل بن خويلد ، وزمعة(2) بن الأسود، والحارث بن زمعة ، والنضر بن الحارث بن عبد الدار ، وعمير بن عثمان بن کعب عم طلحة ، وعثمان ومالک أخوا طلحة(3)، ومسعود بن أبي أميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاکهة بن المغيرة ، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة (4)، وعمرو بن مخزوم، والمنذر بن أبي رفاعة ، و منبه بن الحجاج السهمي ، والعاص بن منّبه ، وعلقمة بن کلدة ، وأبو العاص بن قيس بن عديّ ، ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، ولوذان بن ربيعة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، و مسعود بن أمية بن المغيرة ، [ الحاجب بن السائب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة] بن لوذان ، وزيد بن مليص ، وعاصم بن أبي عوف ، وسعيد بن وهب ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن جميل بن زهير ، والسائب بن سعيد(5) بن مالک ، وأبو الحکم بن الأخنس ، وهشام بن أبي(6)أمية ؛ وقيل: إنه قتل بضعة وأربعين رجلاً.

وقتل عليه السلام يوم أحد کبش الکتيبة طلحة بن [أبي] (7)طلحة ، وابنه

ص: 332


1- في المناقب : ومطعم.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ربيعة . وکذا في المورد التالي .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وعثمان أخو طلحة
4- من المناقب .
5- کذا في المناقب ، و في الأصل : ومعاذ بن عامر ...سعد .
6- من المناقب .
7- من المناقب . واسم أبي طلحة هو: عبدالله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار ، وإليه ينتسب آل الشيبي الذين لا يزال مفتاح الکعبة في أيديهم حتي اليوم.

أبا سعيد ، وإخوته خالداً و مخلّداً وکلدة والمخالس (1)، وعبد الرحمان بن حميد بن زهرة ، والحکم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطاة ، وأميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن أميّة ، ومسافع ، وعمرو بن عبدالله الجمحي ، بشر بن مالک المغافري ، وصواب مولي عبد الدار، وأبا حذيفة بن المغيرة ، أو قاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة (2) سوي من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا إشکال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشکال في هزيمة أبي بکر ، هل ثبت إلي وقت الفرج أو انهزم ؟(3)

قال الشيخ أبو علي الطبرسي في کتابه مجمع البيان : ذکر أبو القاسم البلخي انه لم يبق مع النبي صلّی الله عليه وآله[ يوم أحد](4) إلا ثلاثة عشر نفساً ، خمسة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.

فأمّا المهاجرون فعلي عليه السلام وأبو بکر وطلحة وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، وقد اختلف في الجميع إلا في عليّ عليه السلام

وطلحة.

وقد روي عن عمر بن الخطاب[انّه] (5) قال: رأيتني أصعد في الجبل کأني أروي ولم يرجع عثمان (6)من الهزيمة إلا بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلّی الله عليه و آله: لقد ذهبت فيها عريضة.(7)

ص: 333


1- في المناقب : والمحالس . وفي بعض المصادر : الجلاس .
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 82- 83، عنه البحار :65/41-66 .
4- من المجمع .
5- مجمع البيان: 524/1 .
6- من المجمع .
7- مجمع البيان: 524/1 .

کيفية قتل أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن عبدود في يوم

الأحزاب

وقتل عليه السلام يوم الأحزاب عمرو بن عبدودّ.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره : کان عمرو بن عبد ود فارس قريش ، وکان قد قاتل يوم بدر حتي ارتثّ(1) وأثبته الجراح فلم يشهد أحداً ، فلمّا کان يوم الخندق خرج مُعلماً ليري مشهده ، وکان يعدّ بألف فارس ، وکان يسمّي فارس يليل ، لأنه أقبل في رکب من قريش حتي إذا هو بيليل - وهو واد قريب من بدر - عرض لهم بنو بکر بن وائل في عدد ، فقال لأصحابه: امضوا، [فمضوا ،] (2)فقام في وجوه بني بکر حتي منعهم من آن يصلوا إليه ، فعرف بذلک ، وکان الموضع الّذي حفر فيه الخندق يقال له المدادي وکان أوّل من طفره عمرو وأصحابه ، فقيل في ذلک :

عمرو بن عبد کان أوّل فارس جزع المداد وکان فارس يليل وذکر ابن إسحاق أنّ عمرو بن عبد وکان ينادي: هل من مبارز ؟ فقام علي عليه السلام وهو مقتع بالحديد فقال : أنا له يا نبيّ الله. فقال: إنّه عمرو ، اجلس.

ونادي عمرو: ألا رجل - وهو يؤتبهم ويقول : أين جئتکم التي تزعمون

أنّ من قتل منکم دخلها -؟

فقام عليّ عليه السلام وقال : أنا له يا رسول الله. ثم نادي الثالثة وقال :

ولقد بححت من النداء بجمعکم هل من مبارز

ص: 334


1- أي حمل من المعرکة .
2- من المجمع.

ووقفت إذ جبن المشجّع موقف البطل المناجز

إنّ السماحة والشجاعة في الفتي نعم(1)الغرائز

فقام أمير المؤمنين وقال: أنا له يا رسول الله. فقال: إنه عمرو.

فقال أمير المؤمنين : وإن کان عمرة ، ثم استأذن رسول الله صلي الله عليه

و آله فأذن له.

وروي الحاکم أبو القاسم الحسکاني (2)بالإسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جدّه (3) ، عن حذيفة ، قال فألبسه رسول الله صلّی الله عليه و آله درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعممه بعمامته السحاب ، علي رأسه تسعة أکوار ، فقال له : تقدم

فمضي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّاوّلي(4) : اللّهمّ احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن

فوق رأسه ، و من تحت قدميه.

قال ابن إسحاق : فمشي أمير المؤمنين إليه وهو يقول :

لاتعجل فقد أتا ک مجيب صوتک غير عاجز ذونية وبصيرة والصدق منجي کلّ فائز إنّي لأرجو أن أقيم

عليک نائحة الجنائز

ص: 335


1- في المجمع : خير.
2- شواهد التنزيل : 10/2 ح 634.
3- قيل : «عن جدّه» زائدة .
4- کذا في المجمع ، وفي الأصل : دنا .

من ضربة نجلاء يبقي ذکرها عند الهزاهز فلما دنا أمير المؤمنين عليه السلام منه قال عمرو : من أنت ؟

قال : أنا علي

قال : ابن عبد مناف. قال : أنا عليّ بن أبي طالب.

قال : غيرک يا ابن أخي من أعمامک لمن هو(1) أسن وأکبر منک فإني

أکره أن أهريق دمک.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لکنّي والله ما أکره [أن] (2) أهريق دمک، فغضب ونزل عن فرسه و سلّ سيفه کأنّه شعلة نار ، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله أمير المؤمنين بدرقته ، وضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس أمير المؤمنين فشجّه، وضربه أمير المؤمنين علي حبل عاتقه فسقط.

وفي رواية حذيفة : فسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع علي

قفاه، وثارت بينهما عجاجة ، فسمع عليّ يکبّر .

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : قتله والّذي نفسي بيده ، فکان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا عليّ يمسح سيفه بدرع عمرو ، فکبّر عمر بن الخطّاب ، وقال : يا رسول الله قتله ، فحزّ أمير المؤمنين رأسه وأقبل به إلي رسول الله صلي الله عليه و آله ووجهه يتهلّل .

فقال له عمر : هلا سلبته در عه فإنّه ليس في العرب درع خير منها ؟

ص: 336


1- من المجمع
2- من المجمع

فقال : ضربته فاتّقاني بسوء ته فاستحييت أن أسلب ابن عمّي.

وروي الحاکم أبو القاسم الحسکاني،(1) أن عبدالله بن مسعود کان يقرأ :

(وَکَفَي اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ - بعليّ -(2)

وخرج أصحابه منهزمين حتي طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون (3)فوجدوا نوفل بن عبد العزي قد سقط ، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة ، فقال : موتة (4)أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضکم أقاتله.

قال ابن إسحاق : فنزل إليه علي عليه السلام فطعنه في ترقوته حتي

أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق.

قال : وأرسل المشرکون إليّ رسول الله صلّی الله عليه و آله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم ، فقال النبي صلّی الله عليه و آله : هو لکم لا نأکل ثمن الموتي.

وذکر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أبياتاً ، (منها)(5)

نَصَر الحجارةَ من سفاهة رأيه ونَصرتُ ربَّ محمّدٍ بصواب فضربته وترکته متجدّلاً کالجذع بين دکادک وروابي(6) و عففت عن أثوابه ولو أنّني کنت المقطّر بزّني أثوابي(7)

ص: 337


1- شواهد التنزيل : 7/2 . 9 ح 629 - 632.
2- سورة الأحزاب : 25.
3- من المجمع.
4- في المجمع : قتلة .
5- من المجمع.
6- الدکادک : جمع دکداک : الرمل اللين . والروابي : جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الأرض .
7- أي قتلته ولم أفکّر في سلبه ، ولو کان هو الذي قتلني لأخذ أثوابي .

قصيدة للمؤلف رحمه الله بهذا المعني

وروي عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، قال : إنّ عليّاً لمّا قتل عمرو حمل رأسه وألقاه بين يدي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقام أبو بکر وعمر فقبّلا رأس عليّ عليه السلام.

وروي عن أبي بکر بن عيّاش أنّه قال : ضَرب عليّ ضربة ما کان في الاسلام أعزّ منها - يعني ضربة عمرو - وضرب عليّ ضربة ما کان في الاسلام أشأم منها - يعني ضربة ابن ملجم عليه لعنة الله (1)

قلت في المعني : يامنکراً فضل الوصيّ وحقّه حسداً وغدرا وعليه أعلن بالتقدّم بعد خير الخلق طرّا هلا جسرت بيوم سلع في الوغا وأجبت عمرا إذ ضلّ يخطر شبه ليث الغاب يزأر مکفهرّا في کفه ماضي الغرار ب حده الأعناق تبرا أسدي جري بأسه قد فاق في الآفاق ذکرا لا ينثني عن قرنه إذ لا يري الأحجام غدرا نادي فصرت تحيد عنه م خافة وتروم سترا شبه الکماع إذا جرت من ربّها ترجو مفرّا هلا أجبت کما أجاب مجدل الأبطال قسرا أعني الوصي أخا النبيّ أجلّ

خلق الله قدرا من أطلع الرحمن في بدر به للحق بدرا وکذاک في الأحزاب شدّ به لخير الخلق أزرا

ص: 338


1- مجمع البيان : 342/4 - 344، عنه البحار : 202/20 -206.

نادي ألا هل من مبارز م نکم ويحوز فخرا فأجابه هاقد أتاک مجيب صوتک لن يفرّا في معرک کلّا ولا اولي المبارز منه ظهرا

م ن

کان دون الخلق للهادي النبيّ أخاً وصهرا کم أسبغت حملاته في الحرب جامعةٍ ويسرا

فتخالسا نفسيهما وترامقا بالظرف شزرا هذا الدين الحقّ قام مؤيداً عزّاً ونصرا وقرينه في الحرب أضحي ناصراً عزّاً ونسرا فعلاه منه بصارم کم هدّ رکناً مشمخرا فهوي کجذع في الثري نسحرته أبد الدهر نحرا وأفاض من فيض الدماء حلل عليه صبغن حمرا وأبان م نه الرأس ثمّ أتي به المختار جهرا أعني به مولي الوري وإمامهم برّاً وبحرا من بالزعامة والصرامة والامامة کان أحرا ليث الحروب مجدل أبطالها فتکاًوصبرا رفع الفخار لمجده في هاشم نسباً أغرا ماخاب متّخذ ولايته ليوم الحشر ذخرا کلّا ولا تربت يداه ولا غدا مسعاه خسرا من فيه سورة هل أتي أبداً مدي الأيام تقرا ردّت عليه الشمس حتي عاد وقت الفرض عصرا فقضي فريضته وعادت ک الشهاب إذا استمرّا هذا الّذي قبّلت منه الرأس تلبيساً ومکراً

ص: 339

في شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم حنين .

وفديته بالروح لکن في حشاک حشوت غدرا حتي إذا خلت الديار من النبيّ وعدن قفرا أبديت ما أخفيت من فرط النفاق وجرت کفرا

عن مذهب الحقّ السوي فجئت يا مغرور نکرا

وأمّا قتلاه عليه السلام يوم حنين فقتل أربعين رجلاً وفارسهم(1)، أبو جَزوَل(2)، وإنّه صلوات الله عليه قدّه بنصفين بسيفه بضربة واحدة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلي القربوس.

ووقوفه صلوات الله عليه يوم حنين وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلي أن ظهر المدد من السماء(3) من أعظم الآيات علي صحّة إمامته ، وان هذه کرامة أکرمه الله بها ، وقوة اخته الله بفضلها ، وکذلک جميع خواصّه الّتي اصطفاه الله بها إذا استقرأها من له قلب سليم ولبّ مستقيم قضي منها عجباً، واستدل بها أنّ الله سبحانه ما أيّده بهذه الفضائل الّتي تخرج عن طوق البشر إلّا لکونه أفضل خلقه ، وأقربهم منزلة من جلال کبريائه ، وأحق الخلق بالرئاسة العامة في أمر الدين والدنيا ، لکونه أکمل الخلق في علمه وحلمه وزهده ،

ص: 340


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّا قتلاه عليه السلام يوم أحد فقتل أربعين رجلاً . وقد ذکرت أسماءهم من قبل - وفارسهم
2- کان أبو جرول يرتجز ويقول : أنَا أبو جَزوَلَ لا بَراحُ حتي نُبيحَ القومَ أونُباح فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فَضرب عجز بعيره فَصَرَعه ، ثمّ ضربه فَقَطَّره، ثمّ قال : قد عَلمِ القومُ لدي الصباح آنّي في الهيجاء ذو نصاح فکانت هزيمة المشرکين بقتل أبي جَروَل لعنه الله . انظر «إرشاد المفيد :143/1 » .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 83/7 ، عنه البحار : 66/41 .

وتوجّهه إلي معبوده ، وإخلاصه بطاعة ربّه في سرّه وعلانيته ، وجهاده في سبيل خالقه ، وشدّة بأسه ، ومحاماته عن صاحب الدعوة و بذله نفسه وقاية له من أعدائه ، فيظهر له بذلک أعظم دليل علي وجوب اتّباعه ، وهذه مقدّمة إجماعيّة لا يختلف فيها مسلم ، بل جميع الأمّة مجمعة علي صحّة ذلک ، المؤالف والمخالف، إلا ما شذّ من أهل الزيغ والتعصّب بالباطل ، الذين لا يعبأ بشذوذهم ، لکونهم قد خرجوا عن ربقة المؤمنين والصغري ضرورية ، فثبت انّه صلوات الله عليه واجب الطاعة علي الأحمر والأبيض.

روي أنّ عمرو بن العاص قال : والله ما أحد يعيّر بفراره من عليّ

طالب.

ولمّا نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق دخل عمرو بن العاص علي معاوية مبشّراً فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقي شعوبه.(1)

صاحب الفائق (2) قال : کانت ضربات علي أبکاراً . إذا اعتلي قدّ، وإذا

اعترض قطّ ، وإذا أتي حصناً هدّ.

وقالوا أيضاً : کانت ضربات علي أبکاراًلاغُوناً؛ يقال : ضربه بکر أي [قاطعة] (3) لا يحتاج أن يثنّی ، والعوان التي يحتاج أن تثنّی . زعمت الفرس أنّ أصول الضرب سبعة(4)، وکلّها مأخوذة عنه صلوات الله عليه ، [وهي : ](5) علويّة

ص: 341


1- مناقب ابن شهرآشوب: 85/2-86، عنه البحار :69/41 .
2- الفائق في غريب الحديث للزمخشري : 125/1 .
3- من المناقب .
4- في المناقب : ستة .
5- من المناقب .

في کرم أمير المؤمنين عليه السلام

و سفليّة وغاله وماله وحاله (1)وجر وهام(2)

ولولا خوف الإطالة لأوردنا نبذة يسيرة بالنسبة إلي کثرة قتلاه بين يدي رسول الله صلّی الله عليه و آله و بعده ؛ کمرحب في خيبر ، وذي الخمار والعنکبوت ، وما لا يحصي کثرة في غزاة السلاسل ، وقتاله بعد الرسول الناکثين والقاسطين والمارقين في وقعة الجمل حتي بلغ إلي قطع يد الجمل ثمّ قطع رجليه حتي سقط ، وله ليلة الهرير خمسمائة وست وثلاثين تکبيرة - وفي رواية : سبعمائة (3)

وقال صلوات الله عليه : لو تظاهرت العرب علي قتالي لما ولّيت عنها.

وکانت قريش إذا رأته في الحرب تواصت خوفاً منه ، وکان رسول الله

صلّی الله عليه واله يخوّف المشرکين به. (4)

وأمّا کرمه فلا مزيد عليه حتي انّه آثر بقوته وقوت عياله حتي أنزل الله

فيه وفي زوجته وابنيه سورة تتلي إلي يوم القيامة.

وروي المخالف أنّ عليّاً عليه السلام کان يحارب رجلاً من المشرکين،

فقال المشرک : يا ابن ابي طالب ، هبني سيفک ، فرماه إليه.

فقال المشرک : عجباً يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليَّ

سيفک ؟

ص: 342


1- في المناقب : وغلبة
2- في المناقب : وجرهام. .
3- في المناقب : وله ليلة الهرير ثلاثمائة تکبيرة، أسقط بکلّ تکبيرة عدوّاً ، وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم، وفي رواية : سبعمائة ، ولم يکن لدرعه ظهر ، ولا لمرکوبه کرّ وفرّ
4- مناقب ابن شهر آشوب: 83/2 - 84، عنه البحار : 67/41-68. و قطعا

تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه وهو راکع

فقال : يا هذا ، إنّک مددت إليَّ يد المسألة ، وليس من الکرم أن يردّ السائل ، فرمي الکافر بنفسه إلي الأرض و أسلم، وقال : هذه شيمة (1)أهل الدين، وقبّل قدم أمير المؤمنين .

وقال جبرائيل في حقّه : لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتي إلّا علي.(2)

وحسبه صلوات الله عليه فضيلة صدقته بخاتمه في رکوعه حتي أنزل الله فيه (إنَّمَا وَلیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّکَاةً وَهُم رَاکِعُونَ)(3) وأجمع الموالف والمخالف انها نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدق بخاتمه في رکوعه ، رواه أبو بکر الرازي في کتاب أحکام القرآن (4)علي ما حکاه المغربي عنه والطبري والرّماني ، وهو قول مجاهد والسدّي. وأمّا علماء أهل البيت لا يختلفون في ذلک کأبي جعفر الباقر وابنه أبي عبد الله عليهما السلام. ورواه أبو صالح ، عن ابن عبّاس.

وأورد الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره بإسناد متصل ، قال: بينا ابن عبّاس رضي الله عنه جالس علي شفير زمزم يقول: قال رسول الله صلّی الله عليه و آله إذ أقبل رجل معتمّ(5) بعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله صلّی الله عليه وآله إلّا قال الرجل : قال رسول الله صلّی الله عليه و آله .

ص: 343


1- في المناقب : سيرة.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 2/ 87 نقلاً عن أبي السعادات في فضائل العشرة، عنه البحار :69/41.
3- سورة المائدة : 55.
4- أحکام القرآن : 446/1 .
5- في المجمع : متعمم .

فقال ابن عباس : سألتک بالله - يا أيّها الرجل - من أنت ؟

فکشف العمامة عن وجهه وقال: أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ،

ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي ، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول الله صلیّ الله عليه و آله بهاتين وإلّا فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا ، يقول : عليّ قائد البررة، وقاتل الکفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلي السماء ، فقال : اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلّی الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئاً ، وکان علي راکعاً فأوما بخنصره اليمني إليه - وکان يتختّم فيها - فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره ، وذلک حين صلاة النبيّ صلّی الله عليه وآله (1)، فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلي السماء وقال: اللّهمّ إنّ أخي موسي سألک وقال: (رَبَّ اشرَح لِي صَدرِي وَيَسَّر لِي أمرِي وَ احلُل عُقدَةً مِن لِسَانِي يَفقَهُوا قَولِي وَأجعَل لي وَزِيراً مِن أهِلي هَارُون أخِي اشدُد بِهِ أزرِي وَأشرِکهُ فِي أمرِي)(2)فأنزلت عليه قرآن ناطقاً: (سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأخّيکَ وَنَجعَلُ لَکُمَا سُلطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إلَيکُمَا،) (3)

اللّهمّ وأنا محمد نبيّک وصفيک فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ،

واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً اشدد به أزري .

قال أبو ذرّ : فوالله ما استتمّ رسول الله کلامه حتي نزل عليه جبرائيل من

عند الله ، فقال : يا محمد ، اقرأ.

ص: 344


1- في المجمع : وذلک بعين رسول الله صلي الله عليه و آله
2- سورة طه : 25 - 32.
3- سورة القصص : 25.

قال : وما أقرأ؟

قال : اقرأ (إنَّما وَلیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلَاةَ

وَيُؤتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم راَکِعُونَ)(1)

وروي هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه ، وروي أبو بکر الرازي في کتاب أحکام القرآن ، علي ما حکاه المغربي عنه والطبري والرّماني ، وهو قول مجاهد والسدّي ، وهو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام.(2)

وفي رواية أخري أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دخل المسجد والناس بين راکع

و ساجد فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاک أحد شيئاً ؟

فقال : نعم ، خاتم من فضة. فقال النبي صلّی الله عليه و آله : من أعطاکه ؟ قال : ذلک القائم - وأومأ بيده إلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه - . فقال النبي صلّی الله عليه و آله : علي أي حال أعطاکه ؟ قال : أعطاني وهو راکع.

فکبّر النبي صلّی الله عليه و آله ، ثمّ قرأ (وَمَن يَتَولَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ

آمَنُوا فإنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ) (3)

فأنشأ حسّان بن ثابت (4)

ص: 345


1- سورة المائدة : 55.
2- مجمع البيان : 2/ 210، عنه البحار:195/35 .
3- سورة المائدة : 56.
4- في المناقب : خزيمة بن ثابت .

أبيات لحسان بن ثابت بهذا المعني

أبا حسن تفديک روحي(1) ومهجتي وکلّ بطيء في الهدي ومسارع أيذهب مدحيک المحبر ضائعاً وما المدح في جنب الإله بضائع فأنت الّذي أعطيتَ إذ کنتَ راکعاً زکاة فدتک النفس یَاخَير رَاکِع فأنزل فيک الله خير ولاية وبينّها في محکمات الشرائع(2)

فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهية ، والآراء الساهية ، فقد عدل عن الظاهر ، وارتکب الطريق الجائر ، وأعمت العصبّية قلبه فما له من قوّة ولا ناصر، وأصمت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر، حبک الشيء يعمي ويصم وإلا فالظاهر الّذي لا يعدل عنه في هذه الآية أن الله سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق والولاية عليهم فقال : (إنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ)

أي (3)الّذي يتولّي مصالحکم و تدبير کم هو الله الّذي لا إله إلّا هو، ثمّ من بعده رسول الله صلّی الله عليه وآله ، يفعل فيکم ما يفعل بأمر الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُون الزَّکَاةَ وَهُم رَاکِعُون) (4)أي في حال رکوعهم.

وفي هذه الآية أعظم دلالة علي صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد رسول الله بلا فصل ، والدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر ، فصارت الولاية منحصرة في الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة يؤتون

ص: 346


1- في المجمع : نفسي.
2- مجمع البيان : 210/2 - 211. وانظر : مناقب ابن شهرآشوب :2/3 -6 ، کشف الغمة : 301/1 و 311، عنهما البحار :189/35 ح 13 وص 194ح 15 و ص196 ح 16.
3- من المجمع .
4- سورة المائدة : 55.

الزکاة وهو راکعون ، کما تقول : إنّما الفصاحة للعرب ، فحصرت الفصاحة فيهم وتفيتها عن غيرهم ، وکما تقول : إنّما أکلت رغيفاً ، وإنّما رأيت زيداً ، فتفيت أکل أکثر من رغيف ورؤية غير زيد.

ووجه آخر وهو أن الولاية مختصّة بمن ذکرنا هو انّه سبحانه قال : (إنَّمَا وَلیَّکُمُ اللهُ) فخاطب جميع المؤمنين ، ودخل في الخطاب النبيّ وغيره، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج النبي من جملتهم لکونهم مضافين إلي ولايته ، ثم قال :

(وَالَّذيِنَ آمَنُوا،) فوجب أن يکون الّذي خوطب بالآية غير الّذي حصلت له الولاية ، ولا أدّي أن يکون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلي أن يکون کلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه ، وهذا باطل ، فثبت بذلک الولاية العامة لله ولرسوله وللمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون ، وليس الأحد أن يقول : إنّ لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) جمع ولا يجوز أن يتوجّه إلي أمير المؤمنين علي الانفراد، وذلک أنّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد علي سبيل التعظيم والتفخيم ، وذلک أشهر في کلامهم من الاستدلال عليه ، وليس لهم أن يقولوا : إن المراد بقوله : (وَهُم رَاکِعُونَ) انّ هذه سمتهم(1) فلا يکون حالاً الإيتاء الزکاة وذلک لأنّ قوله : (يُقِيمُون الصَّلَاة) قد دخل فيه الرکوع، فإذا

حملناه علي أنّ من سمتهم(2) الرکوع کان ذلک کالتکرار الغير مفيد ، وتأويل المفيد أولي من البعيد الذي لا يفيد ، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام کما ثبتت لله ولرسوله.(3)

کلمات القاها جناني إلي لساني ، وسجعات أملاها إيماني علي بياني ،

ص: 347


1- في المجمع: شيمتهم .
2- في المجمع : صنعهم.
3- راجع مجمع البيان : 211/2 - 212.

و مناجاة توسّلت بها إلي ربي ، وفقرات أسداها صادق عهدي إلي قلبي:

اللّهمّ إنّک طهّرت قلوبنا من کلّ ريب ، ونوهت نفوسنا من کلّ عيب ، وجعلتها مأوي الإخلاص لولاية وليک ، ومثوي الإمحاض(1) لوصيّ نبيّک ، لا نعتقد بعد نبيّک أقرب منه إليک، ولا نعلم وليّاً نتوسل به سواه لديک ، قرنت طاعته بطاعتک ، وأوجبت ولايته کولايتک ، ونوّهت بذکره في محکم تنزيلک ، وشددت به عضد نبيّک ورسولک ، وأفرغت علي أعطاف إمامته خلع الرئاسة الکبري ، وجعلته أفضل خلقک بعد رسولک في الدنيا والأخري ، لا يدخل الجنّة إلا مستمسکاً بحبله ، ولا يذوق النار إلا جاحد لفضله، حبّه فرض علي کافّة بريتّک ، وبغضه کفر موجب لنکال عقوبتک.

يطرب ذکره قلبي ويکشف مدحه کربي ، وينشي وصفه نشوة السرور في

سرائري ، وينتج ذکره نشاءة الحبور في ضمائري.

حبّه منوط بلحمي ودمي ، ولفظه شفاي من أوصابي وسقمي ، لا تقبل صلاتي إلّا بالصلاة عليه ، ولا تخلص طاعتي إلّا بتفويض أموري إليه، لما جعلت حبه عنوان الإيمان بک ، والتفريط في جنبه تفريط في جنبک ، فهو وليک في عبادک حين أخذت عليهم الميثاق ، وخليفتک في بلادک علي الاطلاق ، ولسانک الناطق بالحق ، ويدک الباسطة علي الخلق ، من أطاعه أدخلته جنتک وإن عصاک ، ومن عصاه خلدته نارک وإن أطاعک ، کنز علمک ، و معدن حکمک ، و مشرق أنوارک ، ومظهر أسرارک.

(هَل أَتَي (2) في شأنه أتيت ، (انَّمَا وَلِیُّکُ)م (3)بها في بيانه أنزلت ، وآية

ص: 348


1- کل شيء أخلصته فقد أمضته . «الصحاح : 1104/3 - محض -» .
2- سورة الانسان : 1 وما بعدها.
3- سورة المائدة : 55.

المباهلة (1) تشهد بمساواته لنبيّک ، والإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيک ، ومائدة شرفه بحديث: «لحمک لحمي»(2)کملت ، وملّة الاسلام بنصبه علماً للأمّة کملت، وسمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته ، وقدّرت انّي أقلّ خدمه وإن کنت من حفدته.

إذا ذکرت صغائر ذنوبي وکبائرها، وموبقات عيوبي وتکاثرها ، قرعت باب الرجاء بيد حبّه ، وتوسلت إلي خالقي بإخلاصه وقربه ، فيناجيني بلسان نبيّه في سرائري ، ويخاطبني ببيان وليه في ضمائري: «حبّ علي حسنة لايضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة»(3)، فيحلو مکرّر حديثها في الهواتي ، ويجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي

لا أعتقد بعد توحيد ربّي و تنزيهه عما لا يليق بکماله والاقرار لنبي بعدم المماثل له في شرفه وجلاله أوجب طاعة ، ولا أفوض متابعة ، ولا أثبت إيماناً ، ولا أعلي تبياناً ، ولا أشدّ رکناً ، ولا أبين معني ، ولا أوضح حجّة ، ولا أهيع

ص: 349


1- فَمَن حَاجَّکَ فَيهِ مِن بَعد مَا جَاءَکَ مِنَ العِلم فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أبنَاءَنَا وَأبنَاءَکَم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُم وَأنَفُسَنَا وأنفُسَکُم ثُمَ نبَتهِل فَنَجعَل لَعنَهَ اللهِ عَلَي الکاذِبِينَ) آل عمران : 61.
2- ورد هذا الحديث بألفاظ متفاوتة ، انظر : إحقاق الحق: 4 / 78 و149 و 245 - 248و482 و 484 - 486، و ج 1 / 5 - 2، وج6/ 443 - 448. وج 61/15 و 664 و692، و ج 117/16 ، و ج 249/20 و 290 و 292 و 295 و 315.
3- أورده الديلمي في فردوس الأخبار : 2/ 142 ح 2725 عن معاذ، عنه کشف الغمة : 93/1 ، والبحار : 304/39 ح 118. وأخرجه في مناقب ابن شهرآشوب : 197/ 3 عن أبي تراب في الحدائق ، والخوارزمي في الأربعين بإسنادهما عن أنس ، والديلمي في الفردوس ، وجماعة ، عن ابن عمر ، عنه البحار : 256/39 ح 31.وفي البحار : 248/39 ح 10 عن کشف الغمة .

محجّة ، ولا أشمخ فخراً ، ولا أرفع ذکراً ، من الاذعان بالطاعة لنهيه وأمره، ولا يعتاد بالمتابعة لسرّه و جهره.

فيا من يحسده علي ما آتاه الله من فضله ، ويدّعي رتبته ، وهو لا يعادل عند الله شسع نعله ، لقد طرت مستکبراً، وتعاظمت صغيراً ، وأوثقت نفسک ، وأنکرت جنسک ، وجهلت قدرک ، وشبت درّک ، وبادرت خالقک بمعصيتک ، ولم يحسن يوماً تؤخذ فيه بناصيتک ، أتريد أن تستر الشمس بکفّک ، أو تنقص البحر بغرفک ، و تجار الجواد بأناتک ، أو تنال السماء بينانک ؟

و يک ارفق بنفسک ، ولا تفخر بغرسک ، فهذا الّذي شرفت بذکره مقالي ، ووجّهت إلي کعبة جوده امالي، ورجوته معادي في حشري ، ونوري في قبري، وکنزي لفقري ، ووجهتي في عسري ويسري ، هو البحر الّذي لا ينزف ، والعارف الّذي لا يعرف ، والشمس الّتي لا تخفي ، والنور الذي لا يطفأ ، المنزه بکماله عن الأنداد ، الجامع في خصاله بين الأضداد ، يحيي بجوده الآمال، ويميت بفتکه الأبطال ، وتصل بکفّه الاقصار ، و تقطع بسيفه الآجال.

إن ذکر ليل فهو راهب دجاه ، أو ذکر حرب فهو قطب رحاه ، أسد الله المحراب ، حليف المسجد والمحراب ، يجز بصارمه الأعناق ، ويدر بنائله الأرزاق ، نقمة الله علي أعدائه ، ورحمته لأوليائه ، الشامخ بأنفه في الحرب، والمتواضع من عظمته للرب ، الناسک في خطوته ، والفاتک بسطوته ، قتّال الأبطال إذا الحروب وقعت ، وبدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت ، امتحن الله به خلقه ، وأبان بالأدلّة الواضحة صدقه ، و أکرمه بالشهادة التي فضّله بها علي من سواه ، وأحبّ سبحانه لقاءه ، کما أحبّ صلوات الله عليه لقاءه ، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه ، وتعالي عن التمثيل في طهارته وقدسه .

ص: 350

تعصّبت عصب الضلالة لقتاله ، وتحزّبت أحزاب الجهالة لاغتياله، وضربت إلي حربه بطون رواحلها ، وأجلبت علي هظمه بأبطال کفرها و باطلها.

فتبّاً لها من أمةً الغدر شعارها، والمکر دثارها ، والنفاق قرينها، والشقاق حديثها ، خسرت صفقتها ، وکسدت تجارتها ، فما أضمي فيها ، وظمي ريّها، وأضلّ سعيها ، وأشقي ميّتها وحيّها ، تاهت في بيداء حيرتها ، وغرقت في متلاطم شقوتها ، وزيّن الشيطان لها سوء فعلها ، ودلّاها بغروره فأوقعها في ورطة جهلها.

أفهذاکان جزاء نعمة ربّها عليها ، و مننه إليها ؟! إذ أقام لها وليّاً من أوليائه يثقف (1)، أودها ، ويقوم عوجها ، ويوضح بها الدليل ، ويهديها سواء السبيل ، أن تشن عليه غاراتها ، وتطلبه بنزاتها(2)، وتقصده في نفسه وعترته ، وتغمده في حفدته وشيعته ، و تنصب له الغوائل ، وتضمي منه المقاتل ، وأن تتقدمه أوغادها سامریّها وعجلها، وأن تجلب مرافقها عليه بخيلها ورجلها ، وأن تجمع فتاقها علي حربه في صفّينها وجملها ، وأن تنکر فجّارها ما بيَّن الرسول من قربه بتفضيلها وجملها .

وهکذا لم يزل الدنّي يحسد العليّ ، والطفيف يحسد الشريف ، والباخل يحسد الباذل ، واللئيم يحسد الکريم ، والأوغاد تتقدّم الأمجاد ، والناس أميل في أشکالهم ، وأشبه بأمثالهم ، أتباع کلّ ناعق ، وأشياع کل زاهق ، العلم أکسد بضاعة تجبي إليهم ، والکتاب أنکد کلمة تتلي عليهم ، يبدلّونه بأهوائهم،

ص: 351


1- الأو: العوج ، والثقاف : هو تقويم المعوج . «لسان العرب : 75/3 - أود -
2- قتلته النزُة : أي الشهوة . «لسان العرب : 417/5 - نزز -». والتَنرَّي : التوثُّب والتسرُّع ...والانتِزاءُ والتَّنرَّي أيضاً : تسرع الإنسان إلي الشرَّ . «لسان العرب : 320/15 - نزا » .

ويلحدون في آياته ، ويکذّون بیّناته ، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة (1) ويقصدون من سفه أحلامهم لتبديلهم بکل حجة ، ولما روي صلوات الله عليه شدّة شکيمتهم، وخبث عقيدتهم ، يحرّفون الکلم عن مواضعه ، ويعدلون بالحقّ عن مواقعه، لا يجيبون صوته ، ولا يرهبون سوطه ، ولا يستجيبون لدعائه ، ولا يجعلون بندائه ، فبرم من صحبتهم ، وتظلّم من معصيتهم ، وشکاهم إلي الله في

خطبه ونثره ، واستعدي عليهم الله في سره وجهره.

کقوله صلوات الله عليه :

اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم ،

وأبدلهم بي شرّاً منّي

اللّهمّ مث قلوبهم (2) کما يُماث الملح في الماء.(3)وکقوله صلوات الله عليه - من جملة کلامه -:

أيّها القوم الشاهدة أبدانهم(4)، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلي بهم أمراؤهم، صاحبکم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت - والله - أن معاوية صارفني بکم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ متي عشرة منکم وأعطاني رجلاً منهم!

يا أهل الکوفة ، منيت منکم بثلاث واثنتين : صمّ ذوو اسماع، وبکم ذوو کلام ، وعمي ذوو أبصارٍ ، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء ، ولا إخوان ثقةٍ

ص: 352


1- إشارة إلي الآية : 7 من سورة آل عمران .
2- أي أذيها.
3- نهج البلاغة : 67 خطبة رقم 25. وانظر البحار : 19/34 .
4- کذا في النهج ، وفي الأصل : أيها المشاهد أبدانهم .

من کلام أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب به أصحابه

ا عند البلاء! تربت أيديکم ! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ! کلّما جمعت من جانبٍ تفرّقت من آخر ، والله لکأنّي ابکم(1) فيما إخالکم : [أن] (2) لو حمس الوغي ، وحمي الضراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها . وإنّي لعلي بينّة من ربّي ، ومنهاج من نبیّي ، وإنّي لعلي الطريق الواضح القطه لقطاً. (3)

و من کلام له صلوات الله عليه يخاطب به أصحابه :

يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحِجال (4) وددت أنّي لم أرکم ولم أعرفکم معرفةً - والله - جرّت ندماً ، وأعقيت سدماً (5) قاتلکم الله ! لقد ملأتم قلبي قَيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرّعتموني نُغب الهمام أنفاساً ، وأفسدتم (6)عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان ؛ حتي [لقد] (7)قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولکن لا علم له بالحرب.

الله أبوهم ! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً(8) وأقدم فيها مَقاماً منّي ؟! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وهاأنذا قدر ذرفت علي الستّين(9) ولکن لا

ص: 353


1- من النهج . وإخال : أظن. وحمس : اشتد . والوغي : الحرب .
2- من النهج . وإخال : أظن. وحمس : اشتد . والوغي : الحرب .
3- نهج البلاغة : 142خطبة رقم 97
4- ربّات الحجال : النساء
5- کذا في النهج ، وفي الأصل : ذم . والسدم : الهم مع أسف أو غيظ
6- کذا في النهج ، و في الأصل : وجرّعتموني قعب البهتان ، وأفسدتم . ونُغب : أي جُرَع. والهمام : الهمّ. والمراد أنّ أنفاسه أمست همّأ يتجرّعه جرعة بعد جرعة.
7- من النهج
8- أي عالجه وزاوله وعاناه .
9- أي زدت علي الستّين . وفي رواية المبرد . نيفت ، و هو بمعناه .

من کلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذم أهل العراق

رأي لمن لا يُطاع !(1)

ومن کلام له في ذمّ أهل العراق :

أمّا بعد [ - يا أهل العراق - ](2) ، فإنّما أنتم کالمرأة الحامل ، حملت فلمّا أتمّت أملصت (3) ومات قيّمها، وطال تأيّما(4)، وورثها أبعدها . أما والله ما أتيتکم اختياراً ، ولکن جئت إليکم شوقا . ولقد بلغني أنکم تقولون : إعلي (5)يکذب ، قاتلکم الله تعالي ! فعلي من أکذب ؟ أعلي الله ؟ فأنا أوّل من آمن به ! أم علي نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه کلّا - والله - ولکنّها لهجة غبتم عنها، ولم تکونوا

من أهلها. (6)

وغير ذلک من مقاماته المشهورة ، ومکاناته المرموزة ، فبعدأ لها من أمّة شرت الضلالة بالهدي ، والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرها علي النار ، وأولاها بغضب الجبّار ؟! ثم لم يجترئ أعلامها بغصب حقّه و تکذيب صدقه ، حتي أعلنوا بسبّه علي منابرهم ، وتشادقوا بثلبه في منائرهم ، وأبي الله إلا أن يتمّ نوره، ويجري في خلقه أموره.

وأخفي الأعداء فضله حنقاً ، وکتم مدحه الأولياء فرقاً، وظهر من بينهما ما طبق الآفاق ، وملأ الأوراق ، واستمرّت به الأزمان، وسادت به الرکبان ، وثبت علي الحق من ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ،(7)

ص: 354


1- نهج البلاغة : 70 خطبة رقم 27.
2- من النهج.
3- أملصت : أسقطت، وألقت ولدها ميتا
4- قيّمها : زوجها . وتأيّهما : خلوّها من الأزواج .
5- من النهج.
6- نهج البلاغة : 100 خطبة رقم 71.
7- إشارة إلي الآية : 27 من سورة إبراهيم.

معجزة أمير المؤمنين عليه السلام في قطع يد السارق الأسود

وإرجاعها مکانها

واستقام علي الصدق من طاب خيمه(1) وصفا معينه ، وکانت ينابيع أصوله ظاهرة ، لا تحرّکه الرياح العواصف ، کما قال صلوات الله عليه : لو ضربت خيشوم (2) المؤمن بسيفي علي أن يسبغضني لما بغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها علي المنافق علي أن يحبّني لما أحبني ، وذلک عهد عهده إليّ رسول الله صلّی الله عليه و آله (3) لا يحبّک إلّا مؤمن ، ولا يبغضک إلّا منافق.(4)

روي الحاتمي بإسناده إلي ابن عبّاس ، قال : دخل أسود علي أمير المؤمنين عليه السلام وأقرّ أنّه سرق ، فسأله عليه السلام ثلاث مرات ، فقال : يا أمير المؤمنين ، طّهرني فإنّي سرقت ، فأمر عليه السلام بقطع يده ، فأخذ يمينه بشماله ومضي ، فاستقبله بن الکوّاء فقال : من قطع يدک ؟

فقال : ليث الحجاز ، وکبش العراق ، ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجّهال، کريم الأصل ، شريف الفضل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيين من آل يس ، المؤيّد بجبرائيل، المنصور بميکائيل ، حبل الله المتين ، المحفوظ بجنود السماء أجمعين ، ذلک والله أمير المؤمنين علي رغم الراغمين - في کلام له - .

فقال ابن الکوّاء : قلع يدک وتثني عليه ! قال : لو قطعني إرباً إرباً لمل ازددت له إلّا حبّاً ، فدخل ابن الکوّاء علي

ص: 355


1- الخيم: الشيمة والطبيعة والحلق والسجنية ...والخيم: الأصل. «لسان العرب: 194/12 - خيم - »
2- الخيشوم : أصل الأنف .
3- کذا، وفي النهج : وذلک أنّه قضي فانقضي علي لسان النبيّ الأمّي صلّی الله عليه و آله وسلّم ؛ أنّه قال : يا علي ، لا يبغضک مؤمن ، ولا يحبّک منافق .
4- نهج البلاغة : 477 حکمة رقم 45، عنه البحار :296/39 ح 97.وانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 83/4 ، عنه البحار : 39/ 290.

أمير المؤمنين وأخبره بقصّة الأسود.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن الکوّاء ، إنّ محبيّنا لو قطّعناهم إرباً إرباً لما ازدادوا لنا إلّا حبّاً ، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا إلّا بغضاً.

وقال أمير المؤمنين للحسن عليه السلام : عليک بعمّک الأسود .

فأحضر الحسن عليه السلام الأسود بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام، فأخذ يده فنصبها في موضعها ، وغطّاها بردائه ، وتکلّم بکلمات أخفاها ، فاستقرّت يده کما کانت ، فصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إلي أن استشهد بالنهروان ، ويقال : کان اسم الأسود أفلح(1)

وأمّا من کان من أعدائه بسبّه موسوم، وببغضه موسوم ، وأصله دنيّ ، وخيمه خني ، قد اکتنفه فجور الآباء وعهر الأمّهات ، وأحاطت به رذالة الأقرباء والأمور المظلمات ، فأعلن بسبّه وبغضه ، ولم يحسن الله يوم حشره وعرضه ، وزيّن له الشيطان سوء عمله، وقبيح زلله ، فاتّخذ بغضه وسيلة إلي أئمّة الضلال، و تقرّباً إلي الآثمة الضلاّل ، فأحلّ الله بهم أليم عقابه و وخيم عذابه ، في دار الفناء

ص: 356


1- مناقب ابن شهرآشوب : 235/2 ، عنه البحار : 210/41ح24. وأورد نحوه شاذان في الفضائل : 172 - 173. والروضة في الفضائل : 42 (مخطوط) ، عنهما البحار : 281/40- 283 ح 44. وفي الخرائج والجرائح : 561/2 ح 19 (مختصراً)، عنه البحار : 202/41 ح 15،وج 188/79 ح24، ومستدرک الوسائل : 151/18 ح 11.وأخرجه في إثبات الهداة : 518/18 ، ح 454 (مختصراً) عن الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب . وفي مدينة المعاجز : 68/2ح403 عن البرسي - ولم نجده في مشارق أنوار اليقين - إلا أن ما فيه يوافق ما في الفضائل والروضة. وفي ص 71ح 404 عن السيّد الرضي في المناقب الفاخرة.

في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وما حدث لمن لعن أو شتم

علي عليه السلام

قبل يوم الجزاء ، ولعنهم کما لعن أصحاب السبت إذا اعتدون سبتهم ، وأنزل بهم نکاله لما صرفوا عن آيات الله بزورهم و بهتهم، وجعلهم عبرة في بلاده ، و تذکرة لعباده ، و غيرّ سبحانه صورهم ، وقطع بدعائه دابرهم ، فقد خرجوا عن حدّ الإحصاء ، وفاتوا العدّ والاستقصاء ، وبلغت أخبارهم من التواتر حدّاً شافياً ، وقدرة کافياً.

کما روي عن الأعمش ، [عن رواته ،](1) عن حکيم بن جبير ؛ وعن عقبة الهجري ، عن عمّته ؛ وعن أبي يحيي ، قال: شهدت عليّاً عليه السلام علي منبر الکوفة يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، ورثت نبيّ الرحمة ، ونکحت سيدة نساء الأمّة(2)، وأنا سيّد الوصيين ، وآخر أوصياء النبييّن ، لا يدّعي ذلک غيري إلا أصابه الله بسوء.

فقال رجل من عبس : من الذي لا يحسن أن يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ؟ فلم يبرح مکانه حتي تخبّطه الشيطان ، فجرّ برجله إلي باب المسجد.(3)

العياشي (4) بإسناده إلي الصادق عليه السلام في خبر قال النبي صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، إنّي سألت الله سبحانه أن يوالي بيني وبينک ففعل ، وسألته أن

ص: 357


1- من المناقب .
2- في المناقب : أهل الجنة .
3- مناقب ابن شهرآشوب :314/2 - 342، عنه مدينة المعاجز : 284/2 ح 553. وأورده في کشف الغمة : 284/1مرسلاً. وأخرجه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2/ 287 عن الغارات. وفي البحار : 205/41ح 22 عن إرشاد المفيد : 352/1 - 353، والمناقب .والخرائج والجرائح :209/1 ح 51.
4- تفسير العياشي :141/2 ح 11، عنه البحار : 36/ 100ح 44.

يؤاخي بيني وبينک ففعل ، وسألته أن يجعلک وصيّي ففعل.

فقال رجل: والله لصاعٍ من تمر في شنّ (1) بالٍ خير ممّا سأل محمد ربّه ، هلّا سأل ملکاً يعضده علي عدوهّ، أو کنزاً يستغني به علي فاقته ؟ فأنزل سبحانه (فَلَعَلَّکَ تَارِکُ بَعضَ مَا يُوحَي إليَکَ) (2) الآية . وفي رواية : انه أصاب قائله علة .(3)

أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ، قال : لمّا قال النبيِّ صلّی الله عليه و آله: يا علي، لولا أنّي أخاف أن يقال فيک کما قالت النصاري في المسيح لقلت اليوم فيک مقالة لا تمرّ بملأٍ من المسلمين إلّا أخذوا التراب من تحت قدميک (4) قال الحارث بن عمرو الفهري لقوم من أصحابه : ما وجد محمد لابن عمّه مثلاً إلا عيسي بن مريم يوشک أن يجعله نبيّاً من بعده والله إن آلهتنا الّتي کنّا نعبد خير منه ، فأنزل الله تعالي:( وَلَمَا ضُرِبَ ابنُ مَرَيَمَ مَثلاً إذَا قَومُکَ مِنهُ يَصِدُّونَ - إلي قوله : وَإنَّهُ لَعِلمُ لِلسَّاعَةِ فَلَاَ تَمتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هذَا صِرَاطَ مُستَقِيمُ) (5)

وفي رواية أنّه نزل أيضاً (إن هُوَ إلّا عَبدُ أنعَمنَا عَلَيهِ) (6)، فقال النبي

صلّی الله عليه و آله : يا حارث ، اتقّ الله وارجع عمّا قلت من العداوة لعليّ.

فقال : إذا کنت رسول الله ، وعليّ وصيّک من بعدک ، وفاطمة بنتک سيّدة

ص: 358


1- الشن : القربة الخلقة «خ».
2- سورة هود : 12. وفي الأصل والمنافب : (فَلَعَلَّکَ بَاخِعُ نَفسَکَ) ، وهي الآية: 6 من سورة الکهف . وما أثبتناه وفقاً لما في العيّاشي.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 342، عنه البحار :40/ 72 ذح 19 وعن أمالي المفيد :279 ح 5، وأمالي الطوسي:105/1 .
4- کذا في المناقب ، وزاد في الأصل : الخبر . ممّا يوهم بتقطيع الخبر
5- سورة الزخرف : 57 - 11.
6- سورة الزخرف : 59.

نساء العالمين، والحسن والحسين ابناک سيّدا شباب أهل الجّنة ، وحمزة عمّک سيّد الشهداء، وجعفر الطيّار ابن عمک يطير مع الملائکة في الجنّة ، والسقاية للعبّاس عمک ، فما ترکت لسائر قريش وهم ولد أبيک ؟

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ويلک يا حارث ، ما فعلتُ ذلک ببني

عبد المطّلب ، لکنّ الله سبحانه فعله بهم.

فقال الحارث : (اللهُمَّ إنّ کَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِکَ فَأمطِر عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ) (1) فأنزل الله سبحانه : ( وَمَا کَانَ اللهُ لِيُعَذَّبَهُم وَأنتَ فِيهِم) (2) فدعا رسول الله صلي الله عليه و آله الحارث فقال: إمّا أن تتوب أو ترحل عنّا.

فقال : إنّ قلبي لا يطاوعني للتوبة ، لکنّي أرحل عنک ، فرکب راحلته ، فلمّا أصحر أرسل (3) الله عليه طيراً من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة ، فأنزلها علي هامته فخرجت من دبره إلي الأرض، ففحص برجله ، وأنزل سبحانه (سَأَلَ سَائِلَ بِعَذَابِ وَاقع) (4) للکافرين بولاية عليّ ، [قال :](5) هکذا نزل به جبرائيل عليه السلام (6)

قال زياد بن کليب : کنت جالساً في نفر فمرّ بنا محمد بن صفوان مع عبيد الله بن زياد ، فدخلا المسجد ، ثمّ رجعا إلينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان ،

ما

ص: 359


1- سورة الأنفال : 32 و 33.
2- سورة الأنفال : 32 و 33.
3- في المناقب : أنزل. وأصحر : أي صار في الصحراء
4- سورة المعارج: 1
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب:342/2 -343، عنه البحار : 35/ 320 ح 17.

فقلنا: ما شأنه؟

فقال: إنّه قام في المحراب وقال : إنّه من لم يسب عليّاً بيّنةً(1)فأنا أسته

بيّنة ، فطمس الله بصره.

وقد روي هذا عمرو بن ثابت ، عن أبي معشر.

البلاذري(2)والسمعاني والمامطيري (3)والنطنزي والفلکي أنّ سعد بن

مالک مرّ برجل يشتم عليّاً عليه السلام ، فقال : ويحک ما تقول ؟

قال: أقول ما تسمع. فقال : اللّهمّ إن کان کاذباً فاهلکه ، فخبطه جمل بختّي فقتله.(4)

ابن المسيّب قال : صعد مروان العنبر وذکر عليّاً عليه السلام فشتمه ، قال سعيد بن المسيب : فهوّمت عيناي فرأيت کفّاً في منامي خرجت من قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله - يري الکف ولا يري الذراع - عاقدة علي ثلاث وستين (5)، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي (أکَفَرت بِالَّذِي خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ ين

نُطفَةٍ ثُمَّ سَؤَّاکَ رَجُلاً ) (6)؟

قال : فما مرّت بمروان إلّا ثلاث حتي مات .

ص: 360


1- في المناقب : بنية . وکذا في الموضع التالي .
2- أنساب الأشراف: 2/ 177 ح204.
3- هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله المامطيري ، و مامطير : بليدة بناحية آمل طبرستان .
4- في أنساب الأشراف والمنافب : فخبطه جمل حتي قتله. والبخت والبختية : هي الإبل الخراسانية . «لسان العرب:9/2 - بخت - »
5- علي حساب العقود العقد علي ثلاث وستين هو أن يثتي الخنصر والبنصر والوسطي ويأخذ ظفر الإبهام بباطن العقدة الثانية من السبابة ، فأشار بعقد الثلاثة إلي أنه لا يعيش أکثر منها.
6- سورة الکهف : 37.

مناقب إسحاق [العدل] (1)انه کان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليه السلام علي المنبر ، فخرجت کف من قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله - يري الکفّ ولا يُري الذراع - عاقدة علي ثلاث وستّين ، وإذا کلام من القبر: ويلک [من أمويّ](2)(أکَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ) الآية ، وألقت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال: فما نزل عن المنبر إلّا وهو أعمي يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتي مات(3)

وروي علماء واسط أنّه لما رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقَّ السور ، ودخل المدينة ، وأتي الجامع ، وصعد المنبر، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه(4)، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.

وقال هاشمّي : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه - وهو يغطّيه - فسألته عن سبب ذلک ، فقال : نعم ، قد جعلت علي نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلک إلّا أخبرته ، کنت شديد الوقيعة في عليّ ، کثير الذکر له بالمکروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا باتٍ أتاني في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي؟ فضرب شقّ وجهي؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود کما تري.(5)

ص: 361


1- من المناقب
2- من المناقب
3- مناقب ابن شهرآشوب :343/2 - 344، عنه البحار : 318/39ح 19 ، ومدينةالمعاجز : 283/2 -284ح 511 و 552 إلي قوله : فخبطه جمل حتي قتله.
4- کذا في المناقب ، و في الأصل : فيه.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 344/2 ، عنه البحار :319/39 ح 20، ومدينة المعاجز :314/1 ح 198 من قوله «قال هاشمي».. وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : 115 ، والروضة في الفضائل : 10 (مخطوط)، عنهما البحار :42/8 ح 10. وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : 241 ح 6. وأخرجه في مدينة المعاجز : 1/ 314 ح 199 عن البرسي - ولم نجده في مشارق أنوار اليقين - وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان

وکان بالمدينة رجل ناصبيّ ، ثم تشيّع بعد ذلک ، فسئل عن السبب ، فقال: إنّي رأيت في منامي عليّاً عليه السلام يقول[لي] (1): لو حضرت صفّين مع من کنت تقاتل ؟

قال: فأطرقت أفکّر ، فقال عليه السلام: ياخسيس ، هذه مسألة تحتاج إلي [هذا ](2)الفکر العظيم ! اصفعوا قفاه ، فصفعت(3)حتي انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا کنت عليه. (4)

روي شيخنا ووسيلتنا إلي ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عماد الدين محمد بن علي بن الحسين [بن موسي] (5)بن بابويه القتي في أماليه ، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمّد بن جرير الطبري ، قال: حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم (6) قال: حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أن زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال: لقد هممت أن أغلق بابي ثم لا أخرج من بيتي حتي يأتيني أجلي ، بلغني أن زاعماً منکم يزعم أني أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلّی الله عليه و آله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الکرب عند الزلازل، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقکم رجل قرأ القرآن فوقّره ، (وأخذ العلم

ص: 362


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : اعطوا قفاه ، فصفقت.
4- مناقب ابن شهرآشوب :344/2 ، عنه البحار :7/42 ح 7.
5- من الأمالي .
6- في الأمالي : خيثم (خثيم) .

فوفّره ](1)، وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً علي مضض الحرب ، شاکراً عند اللأواء والکرب ، عمل بکتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عنده سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه کبيراً، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتي وضعت الحرب أوزارها، مستمسکاً بعهد نبيّه صلّی الله عليه و آله ، لا يصدّه صادّ، ولا يمالي عليه مضاد، ثمّ مضي النبيّ صلّی الله عليه و آله وهو عنه راض.

أعلم المسلمين علماً، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت(2)نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء (3) في السبرات ، وخشع (4)لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذّات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، کريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيه ، واقتفي آثار وليه ، فکيف أقول فيه ما يوبقني؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فکفّوا عنّا الأذي ، وتجنّبوا طريق الردي.(5)

وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسي الدقّاق و محمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمّد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيي بن(6) زکريّا القطّان ، قال: حدّثنا أبو محمد بکر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمّد ، قال: حدّثنا الفضل بن العباس ، قال حدّثنا عبد القدوس الوراق ، قال: حدّثنا

ص: 363


1- من الأمالي.
2- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت . وظلفت : منعت .
3- في الأمالي : الطهور . والسبرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة .
4- کذا في الأمالي ، و في الأصل : وخضع
5- أمالي الصدوق : 352 ح 1، عنه البحار : 117/40 ح 2.
6- من الأمالي .

حديث أبي جعفر الدوانيقي للأعمش في فضل علي عليه السلام

محمد بن کثير ، عن الأعمش.

وحدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المکتّب ، قال: حدّثنا أحمد بن يحيي القطّان ، قال: حدّثنا بکر بن عبد الله بن حبيب ، قال: حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه(1) ، قال: حدّثنا محمد بن کثير ، عن الأعمش.

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما کتب إلينا من أصفهان ، قال: حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين ، قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال: حدّثنا مندل بن علي العنزي (2)، عن الأعمش.

وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال: حدّثنا علي بن عيسي الکوفي ، قال: حدثّنا جرير(3) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم علي بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش، قال: بعث إليَّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال: فبقيت (4) متفکر فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إلي [في](5)هذه الساعة إلّا ليسألني عن فضائل علي عليه السلام ، ولعلي إن أخبرته قتلني.

قال: فکتبت وصيّتي ، ولبست کفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت و عنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثمّ قال: ادن منّي ،

ص: 364


1- في الأمالي : عبدالله (عبيد الله بن محمد بن باطريه (ناطويه) .
2- في الأمالي : العنزي العتري
3- وکذا في الموضع التالي .. 31، کذا في الأمالي ، وفي الأصل : حريز .
4- ني الأمالي : فقمت .
5- من الأمالي .

فدنوت حتي کادت تمس ّرکبتي رکبته ، قال: فوجد منّي رائحة الحنوط ، فقال: والله لتصدّقتّني وإلا لأصلبنّک.(1)

فقلت : ما حاجتک ، يا أمير المؤمنين ؟ قال : ما شأنک متحنّطاً ؟

قلت : أتاني رسولک في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسي أن يکون أمير المؤمنين بعث إليَّ [في](2) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليه السلام . فلعليّ إن أخبرته قتلني ، فکتبت وصيّتي ، ولبست کفني.

قال : وکان متّکئاً فاستوي جالساً وقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، سألتک

- يا أعمش(3)کم حدّيثا ترويه في فضائل علي عليه السلام؟ -

قال : فقلت : يسيراً، يا أمير المؤمنين. قال : کم. قلت : عشرة آلاف وما زاد.

فقال : يا سليمان ، لأحدّثنّک بحديث في فضل عليّ عليه السلام تنسي

کلّ حديث [سمعته] (4)

قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين.

قال: إنّي کنت هارباً من بني أميّة وکنت أتردّد في البلدان (5) و أتقرّب إلي الناس بفضائل عليّ عليه السلام ، وکانوا يطعموني ويزوّدوني حتي وردت إلي

ص: 365


1- في الأمالي : لتصدقني أو لأصلبتک .
2- من الأمالي.
3- في الأمالي : سألتک بالله يا سليمان .
4- من الأمالي.
5- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان .

بلاد الشام ، وإنّي لفي کساء خلق ما عليَّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أکلّم الناس في عشاء [يعشوني](1)، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام إليهما وقال : مرحباً بکما، ومرحباً بمن اسمکما علي اسمهما ، وکان إلي جانبي شابّ فقلت: يا شابّ ، ما الصبّيان ؟ ومن الشيخ ؟

قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحب عليّاً إلا وهذا(2) الشيخ ، فلذلک سمّي أحدهما الحسن و الآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلي الشيخ، فقلت: أيّها الشيخ ، هل لک حاجة في حديثٍ أقرّ به عينک ؟

قال : إن أقررت عيني أقررت عينک .

قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : کنّا قعوداً عند رسول الله صلّی الله عليه و آله إذ جاءت فاطمة عليها السلام وهي تبکي ، فقال لها النبي صلّی الله عليه و آله: ما يبکيک يا فاطمة؟

قالت: يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين با تا۔

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله: يا فاطمة ، لا تبکي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منک ، ورفع النبيّ صلّی الله عليه و آله يديه إلي السماء ، وقال : اللّهمّ إن کانا أخذا برّاً أوبحراً فاحفظهما وسلمهما ، فنزل جبرائيل عليه السلام من السماء وقال: يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئک السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة، و أبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وکلّ الله بهما ملکاً.

قال: فقام رسول الله صلّی الله عليه و آله فرحاً ومعه أصحابه حتي أتي

ص: 366


1- من الأمالي .
2- من الأمالي .

حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن (1)معانقاً للحسين عليه السلام ، وإذا الملک الموکلّ بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.

قال : فمکث النبيّ صلی الله عليه و آله يقبّلهما حتي انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلّی الله عليه و آله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول: والله لأشرّفنّکما کما شرفکم الله عزّ وجلّ.

فقال له أبو بکر: ناولني أحد الصبييّن أخفّف عنک.

فقال: يا أبا بکر ، نعم الحاملان ، ونعم الراکبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرج حتي أتي باب المسجد فقال: يا بلال ، هلمّ عليَّ بالناس ، فنادي منادي رسول الله صلي الله عليه و آله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلّی الله عليه و آله في المسجد ، فقام علي قدميه ، فقال: يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي أفضل الناس جدّاً وجدّة ؟

قالوا : بلي ، يارسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ جدهما محمد صلّی الله عليه و آله ، وجدتّهما

خديجة بنت خويلد.

يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي خير الناس أمّاً وأباً ؟ قالوا : بلي ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ،

وأمّهما فاطمة بنت رسول الله صلّی الله عليه و آله.

يا معشر الناس ، هل أدلکم علي خير الناس عمّاً وعمّة؟

ص: 367


1- في الأمالي : حتي أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن .

قالوا: بلي ، يا رسول الله .

قال : الحسن الحسين فإنّ عمهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائکة

وعمّتهما أمّ هانيء بنت أبي طالب.

يا معشر الناس ، هل أدلّکم علي خير الناس خالاً وخالة ؟ . قالوا: بلي ، يا رسول الله.

قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثم قال بيده هکذايحشرنا الله (1)، ثمّ قال : اللّهمّ إنّک تعلم أن الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنة ، وجدهما في الجنة ، وجدتّهما في الجنّة ، [وأباهما في الجنّة ، وأمّهما في الجنّة] (2) ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في

الجة.

اللّهمّ إنّک تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار . قال : فلمّا قلت ذلک للشيخ قال : من أنت يا فتي ؟ قلت : رجل من أهل الکوفة. قال : أعربيّ أنت أم مولي؟ قلت : بل عربيّ قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الکساء ، فکساني خلعته،

ص: 368


1- الظاهر أن رسول الله صلي الله عليه و آله ضمهما إلي صدره وأشار إلي الناس : هکذا يحشرنا الله .
2- من الأمالي .

وحملني علي بغلته فبعتها بمائة دينارٍ ، وقال: يا شابّ(1) أقررت عيني فوالله الأقرن عينک ، ولأرشدک إلي شابّ يقرّ عينک اليوم.

قال : قلت : أرشدني.

قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذنّ ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن أمّه ، وأما المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن أمّه.

قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتي أتي بي إليَّ باب الأمام، فإذا برجل خرج إليَّ وقال: أمّا البغلة والکسوة فأعرفهما ، والله ما کان فلان يکسوک ويحملک إلّا لأنّک تحبّ الله ورسوله ووصي رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال: قلت: أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : کنّا قعوداً عند رسول الله صلّی الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة تبکي بکاء شديداً، فقال لها رسول الله صلّی الله عليه و آله: ما يبکيک ، يا فاطمة؟

قالت: يا أبة ، عيرّتني نساء قريش وقلن: إنّ أباک زوّجک من معدم لا مال

فقال لها النبيّ صلّی الله عليه و آله: لا تبکي فوالله ما زوّجتک حتي زوجک الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلک جبرائيل و ميکائيل ، وإنّ الله سبحانه اطلع علي أهل الأرض (2)فاختار من الخلائق أباک فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجک إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعلي أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس کقا، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،

ص: 369


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ.
2- في الأمالي : الدنيا .

والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، واسمهما في التوراة شبير و شبر لکرامتهما علي الله سبحانه.

يا فاطمة ، لا تبکي فوالله إذا کان يوم القيامة يکسي أبوک حلّتين ، وعليّ

حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فأُنا وله عليّاً لکرامته علي الله.

يا فاطمة ، لا تبکي فإنّي إذا دعيت إلي ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا

شفّعني الله شفّع عليّ معي

يا فاطمة ، لا تبکي فإنّه إذا کان يوم القيامة ينادي منادٍفي أهوال ذلک اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّک إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوک علي بن أبي طالب.

يا فاطمة ، علي يعينني علي مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم

القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلک قال : يا بنيّ ممّن أنت ؟

قلت : من أهل الکوفة. قال : أعربيّ أنت أم مولي ؟ قلت : عربيّ

قال : فکساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثم قال : يا

شات ، أقررت عيني ولي إليک حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله.

قال : فإذا کان غداً فائت مسجد آل فلان کيما تري أخي المبغض لعليّ بن

أبي طالب عليه السلام.

قال : فطالت عليَّ تلک الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الّذي وصف لي وقمت في الصفّ الأوّل فإذا إلي جانبي شابّ متعمّم فذهب ليرکع فسقطت

ص: 370

عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ماعلمت ما تکلّمت (به ) (1)في صلاتي حتي سلم الامام ، فقلت : يا ويحک ما الّذي أري بک ؟

فبکي وقال لي : انظر إلي هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل،

فدخلت ، فقال لي : کنت مؤذّناً لآل فلانٍ کلما أذّنت (2) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وکلّما کان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتکأت علي هذا الدکّان الّذي تري فرأيت في منامي کأنّي في الجنة وفيها رسول الله صلّی الله عليه و آله وعلي عليه السلام فرحين ، ورأيت کأنّ النبي صلّی الله عليه و آله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه کأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال: اسق الجماعة ، فسقاهم (3) ثمّ رأيته کأنّه قال : اسق المتّکيء علي

هذا(4) الدکان.

فقال الحسن عليه السلام: يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في کلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة؟ ! فأتاني النبيّ صلّی الله عليه وآله وقال: مالک عليک لعنة الله تلعن عليّاً ، وعليّ منّي ، [وتشتم عليّاً وعلي منّي] (5)؟ ورأيته کانّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال: قم غيرّ الله ما بک من نعمة ، فانتبهت[ من نومي](6) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير .

ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدک ؟

ص: 371


1- من الأمالي .
2- في الأمالي : أصبحت .
3- في الأمالي : فشربوا .
4- من الأمالي .
5- من الأمالي .
6- من الأمالي .

فقلت : لا.

فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه إلّا مؤمن،

ولا يبغضه إلّا منافق.

قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين . قال : لک الأمان. فقلت : ما تقول في قاتل الحسين عليه السلام ؟ فقال : في النار ، وإلي النار .

قلت : وکذلک من يقتل ولد رسول الله صلّی الله عليه و آله في النار ، وإلي

النار.

قال : يا سليمان ، الملک عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت.(1)قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر،

ص: 372


1- أمالي الصدوق : 253ح 2، عنه مدينة المعاجز : 311/1 ح 196، وج 276/3 ح 894، وغاية المرام : 657ح108 ، وحلية الأبرار : 137/2 ح 1. ورواه في مناقب ابن المغازلي : 143 ح 188، ومناقب الخوارزمي: 200، وبشارة المصطفي : 170 - 175. وأورده في روضة الواعظين: 120 - 124، وفضائل شاذان : 116 - 121. وأخرجه في البحار :37 / 88ح 55 عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفي ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة. وفي ج 302/43 ، وعوالم العلوم:60/16-61 عن کشف الغمّة : 1/ 523 - 525 مختصراً. وفي مدينة المعاجز : 11/4ح 1051عن عيون المعجزات :60 - 61. وفي غاية المرام :653ح 107 عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة . وفي حلية الأبرار : 2/ 138ح 2 عن مناقب الخوارزمي.

حتي يتبع بالأذي ذرّيّته ، وقصد بالأدا(1) عترته ، فکم علويّ أضحي منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر، وأسبغ حکم وقهر ، قد أکلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلي حقويه ، وأثرّت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن کثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم

وکم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم، وکم حسينيّ انتظم في سلک الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم، سل فخّاً (2)وما حلّ بال الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، و خراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.

تري مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اکمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها، ويکشف الکروب بالعکوف بحضراتها ومبانيها.

کلّما تقادمت الأيام تجدّد فجرهم ، وکلّما تعاقبت الأعوام تعالي ذکرهم، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تتمت بجدهم الرسالة ، وعلت کلمتهم في الآفاق ، لما أقيم أبوهم وليّاً علي الإطلاق ، شد الله بزکيهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم علي برهان ربوبيّته ، وزن بعابدهم أوراد عبادته ، وبين بباقرهم وصادقهم أسرار شريعته ، وأظهر بعالمهم وکاظمهم أنوار حکمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزونة في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتباع سبيل

ص: 373


1- کذا في الأصل
2- فخّ : واد بمکّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسن يوم التروية سنة تسع وستين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... «مراصد الاطلاع:1019/3».

هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسکريهم وزکيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم، صاحب الشرکة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله علي بريتّه ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في أمّة جدّه ، والداعي إلي الحقّ بجدّه وجهده .

ذکره راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وکربي ، وخياله نصب

سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلي رؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الي بهجته وإن بعد المرام ، أودّ لو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبودية في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة رکابه ، أسير بين يديّ طرفه ولو علي رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يدي ومن

خلفي ، وأسارع إلي أمره بقلبي وقالبي ، و أستظلّ بظلّ جواده وذلک أقصي مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربکم ، و تتحوا عن طريق وليّ أمرکم.

هذا علّة وجودکم ، هذا دليلکم علي معبودکم ، هذا صاحب زمانکم ، هذا ناصب أعلامکم، هذا وسيلتکم إلي ربکّم يوم حشرکم ، هذا نورکم الذي يسعي بين أيديکم ومن خلفکم حين بشرکم ، هذا الّذي وعدکم به سيد المرسلين ولا

خلف لوعده ، هذا الذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المبارکة ، هذا خليفة الله بلا مشارکة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الأسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذريّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أرکان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادع بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا

ص: 374

طلب بحر العلم ، هذا إمام الأمّة ، هذا صاحب (وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئمَِّةً»(1)، هذا الّذي لولا وجوده لصاخت الأرض بکم، ولأخذکم العذاب من فوقکم ومن تحت أرجلکم، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.

غضّوا أبصارکم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتکم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلکم إليه، لا يقبل الله منکم صرفاً ولا عدلاً إلّا باتبّاع سبيله ، ولا يقيم لکم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.

فلا أزال أهتف بهذه الکلمات مدّة مسيري في ظلّ رکابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتي إذا التقي الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقیّضت الأجساد بثعلب رمحي شکاً شکاً، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتکاً فتکاً ، لا أوقر کبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم، ولا أغمد حسامي حتي أبيد أميرهم ومأمورهم.

الونشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلک الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءي لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولاذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جات جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدها بعالي صوتي ، ولشفيت عليک صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتي أجعلها في عرصة الجمع تذکرة لمن کان له قلب أو ألقي السمع.

ص: 375


1- سورة القصص : 5.

قصيدة للمؤلف رحمه الله في الامام المهدي عليه السلام

يا ابن من أسري به الله إلي حضرته

وبه أظهر دين الحقّ من بعثته

يا سمّي الفاتح الخاتم يانور الهدي

يا منار الحائر التائه في حيرته

يا أمان الملک الجبار في عالمه

يا أمين المصطفي المختار في أمّته

کم غياب عن عليل عظمت علّته

کم حجاب من مشوق مات من غصّته

لو تزره عائداً لو في الکري أحييته

وبثثت الروح بعد الموت في جثّته

لم يزل منک جمال في سويداء قلبه

وخيال في سواد الطرف من مقلتِه

مستمر عهده من عالم الذرّ إلي

أن يوافيکم غداً بالصدق في رجعته

نوره مذت منکم صار لا يخشي بکم

زخرفاً من باطل يوديه في ظلمتهِ

مذ خلا عمّا سواکم قلبه صار له

ذکرکم دأباًبه يأنس في خلوته

نحوکم منطقه کالدرّ في ترصيعه

ببديع يطرب الأسماع من دقّته

ص: 376

بيان من معان صرفها في مدحکم

يزدريه الجاهل الهالک في شبهته

قسما بالله ثم المصطفي أکرم من

أرسل الله وبالأطهار من عترته

انّ لي صدق يقين بولاکم لا أري

و غيره ينقذ للإنسان في لعنته

يامليکاً جعل الله له في ملکه

بسطة منها مدار الخلق في قبضته

لونهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت

ومنعت الفلک الدوّار عن دورته

کلّما فکّرت في جرمي وما أسلفته

من کبير موبق أسعفت من تبعته

قال لي حسن يقيني لک حصن مانع

ذلک المولي الّذي بالغت في مدحته

حّجة الوقت وليّ الله

في عالمه

ساطع البرهان والظاهر في حجّته

بحر علم طود حلم لا يضاهي مجده

کنز جود لا يسامي في علا رفعته

غائب عن مقلتي لکن بقلبي حاضر

لم يزل فيه خيال من سنا بهجته .

ص: 377

ما حدث لمن لعن أو شتم علي عليه السلام

يا مديد العمر صل صبا تقضّي عمره

في انتظار و اشفِهِ بالوصل من علّته

يا إلهي إن تقضّي أجلي من قبل أن

تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته

فامح عنّي موبقات ليس تحصي کثرة

واجعلنّي يوم حشر الخلق في زمرته

أقول : إنّ هذه الجملة المعترضة التي قررتها ، والأبيات المسطّرة الّتي ذکرتها ، ليست من ملازمات المجلس المذکور ، ولا من غصون المقصد المذکور، لکن لمّا صبت الصبابة شآبيبها علي قلبي ، وأضرمت الکآبة لهيبها في لبّي ، وذلک لمّا ألقي الله علي لسان الحائد عن الحق ، ونطق به الجاحد من الصدق ، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والأخري ، فصار ومن انتمي إليه تحري الله أحق وأحري ، أوحي جناني إلي لساني ، وألقي بياني علي بناني ، هذه الکلمات المحلّاة بترصيعي و تسجيعي ، والأبيات المستمعة بمعاني بياني و بديعي ، فصارت کالعقد في صدر الخريدة ، أو العهد في صدر الجريدة.

ولنرجع إلي تمام المجلس الموعود ، والله المستعان علي کلّ جبّار کنود.

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : کان إبراهيم بن هاشم المخزومي واليا علي المدينة ، وکان يجمعنا کلّ يوم جمعة قريبا من المنبر ويشتم عليّاً عليه السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، فرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، ألا يحزنک ما يقول هذا ؟

قلت : بلي ، والله .

ص: 378

قال : افتح عينيک انظر ما يصنع الله به ، وإذا هو قد ذکر عليّاً فرمي به من

فوق المنبر فمات(1)

عثمان بن عفّان السجستاني :[ إنّ محمد بن عبّاد](2) قال : کان في جواري رجل صالح ، فرأي النبي صلّی الله عليه و آله في منامه علي شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الأمة ، فاستسقيت فأبيا علئَّ ، فأتيت النبي صلّی الله عليه و آله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإن في جوارک رجل يلعن عليّاً فلم تنهه ، ثم ناولني سکّيناً ، وقال : اذهب فاذبحه.

قال : فخرجت فذبحته ودفعت السکّين إليه ، فقال : يا حسين ، اسقه، فسقاني ، فأخذت الکأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون : فلان ذبح علي فراشه ، وأخذ الشرطة الجيران ، فقمت إلي الأمير ، فقلت: أصلحک الله أنا فعلت به هذا والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاک الله خيرا .(3)

عبد الله بن السائب وکثير بن الصلت ، قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الکوفة في مسجد الرحبة ليحملهم علي ست أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل أهدب (4)، قد سدّ مابين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟

ص: 379


1- مناقب ابن شهراشسوب : 245/2 ، عنه البحار : 320/39، ومدينة المعاجز : 285/2 ح 554.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 345، عنه البحار : 39/ 320.وأخرجه في مدينة المعاجز :286/2 ح 555عن مناقب ابن شهرآشوب والثاقب في المناقب : 239ح 202.
4- الأهدل : المسترخي الشفة السفلي الغليظها . والأهدب : طويل شعر الأجفان .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بما يلقاه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده

قال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلي زياد، فانتبهت فزعاً فسمعت

الواعية ، وأنشأت أقول قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم (1)حين أدّاهم إلي الرحبة

يدعو علي ناصر الإسلام حين يري

الله علي المشرکين الطول والغلبة

ماکان منتهياً عمّا أراد به(2)

ح تي تناوله النقّاد ذو الرقبة

فأسقط الشقّ منه ضربة عجباً

کما تناول ظلماً صاحب الرحبة (3)-(4)ولمّا أتمّ الله سبحانه به دينه ، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه ، قاتل علي تأويل القرآن کما قاتل علي تنزيله ، وشدّ أرکان الإيمان بواضح دليله، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه ، وبيّن طريق الأحکام بصائب حکمه ، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته ، وأدحض حجّة أولي الغيّ بصائب حکمته، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله : لتقاتلنّ بعدي الناکثين والقاسطين

ص: 380


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بحمله .
2- في الأمالي : بنا.
3- المراد من «صاحب الرحبة» أمير المؤمنين عليه السلام.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 345/2، عنه البحار : 321/39 . ورواه في أمالي الطوسي : 1/ 238 (مختصراً) ، عنه البحار : 314/39 ح 10.وفي ج 2/ 232، عنه البحار :6/42ح 6.وأخرجه في مدينة المعاجز : 262/2 ح 542، عن الأمالي - الرواية الثانية - والمناقب .

والمارقين.(1)

روي الحسن وقتادة أنّ الله أکرم نبيّه صلّی الله عليه وآله بأن لم يره تلک النقمة ، ولم ير في أمّته إلّا ما قرّت به عينه ، وکان بعده صلّی الله عليه و آله نقمة شديدة .

وقد روي أنّه صلّی الله عليه و آله أُري ما تلقي أمّته من بعده ، فما زال

منقبضاً ولم ينبسط ضاحکاً حتي لقي الله تعالي.

وروي جابر بن عبدالله الأنصاري [قال] (2) : إنّي لأدناهم من رسول الله صلّی الله عليه و آله في حجّة الوداع بمني حين(3) قال : لألفينّکم ترجعون بعدي کفاراً يضرب بعضکم رقاب بعض ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الکتيبة التي تقاتلکم (4)، ثمّ التفت إلي خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ - ثلاث مرّات - فرأينا ان جبرئيل غمزه(5)، فأنزل الله علي أثر ذلک (فَإمَّا نَذهَبَنَّ بِکَ فَإنَّا مِنهُم مُنتَقُونَ)(6) بعليّ بن أبي طالب عليه السلام(7)

ص: 381


1- حديث مشهور روي من طريق الخاصة والعامة ، انظر الأحاديث الغيبية : 72/1-80ح 35-38 ففيه جملة وافرة من المصادر .
2- من المجمع.
3- في المجمع : حتي .
4- في المجمع : تضاربکم.
5- انظر في هذا المعني : أمالي المفيد : 112 ح 4، عنه البحار : 304/32 ح268.وأمالي الطوسي: 75/2 ، عنه إثبات الهداة : 309/1 ح 239.ومناقب ابن شهرآشوب : 219/3.وتأويسل الآيات : 559/2ج 18، عنه البحار : 22 / 313ح 279 ، والبرهان : 144/4ح4.
6- سورة الزخرف: 41.
7- مجمع البيان : 49/5 ، عنه البحار :150/9وج290/32 ح 242 وماتبله . وج23/36 ذح 6.

لولا أمير المؤمنين عليه السلام ما علم حکم أهل البغي

وقال الشافعي کلاماً معناه : إنّما علم الناس قتال أهل البغي من عليّ عليه

السلام. (1)

وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب ما علمنا حکم أهل البغي، ولمحمد بن الحسن کتاب يشتمل علي ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناها علي فعله صلوات الله عليه ، والأصل في قتال أهل البغي قوله سبحانه :

(وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأصِلحُوا بَينَهُمَا فَإنَ بَغَت إحدَاهُمَا عَلَی الأخرَي فَقَاتِلُوا الَّتي تَبغِي ... ) (2) فإذا بغت طائفة من أهل الاسلام علي آخري وقلنا بوجوب قتالهم للأمر ، فقتال الطائفة الخارجة علي إمام الحقّ أولي ، وقد قاتل أمير المؤمنين عليه السلام الناکثين والقاسطين والمارقين وهم أهل البصرة وعائشة وطلحة والزبير وعبدالله بن الزبير وغيرهم وهم الناکثون الذين نکثوا بيعته ، وقاتل أهل الشام معاوية ومن تابعه وهم القاسطون أي الحائرون ؛ وقيل : أهل النهروان وهم الخوارج ، وهؤلاء جميعهم عندنا کفّار محکوم بکفرهم، لأن الإمامة عندنا من شرائط الإيمان کما انّ التوحيد والعدل والنبوة من أرکانه وشروطه ولا يستحق الثواب الدائم إلا به ، ولقول النبيّ صلّی الله عليه و آله : «يا عليّ ، حربک حربي ، وسلمک سلمي»(3) وهذا الحديث لم يختلف أحد من أهل الاسلام فيه ، وقد رواه أهل الخلاف في صحاحهم.(4)

ص: 382


1- کنز العرفان للمقداد السيوري :386.ونقل عن أبي حنيفة قوله : لولا سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في أهل البغي ماکنا نعرف أحکامهم. «شرح الأصول الخمسة : 141».
2- سورة الحجرات : 9.
3- الإفصاح : 128، تلخيص الشافي : 2/134 - 135 ، مناقب ابن المغازلي : 50 مناقب ابن شهرآشوب : 217/3 ، مناقب الخوارزمي : 129، شرح المقاصد : 308/5 لسان الميزان : 2/ 438.
4- رووه بهذا اللفظ : يا عليّ ، أنا حرب لمن حاربک ، وسلم لمن سالمک .انظر : مسند أحمد: 442/2 ، سنن ابن ماجة :52/1 ، سنن الترمذي : 656/5 ،المستدرک علي الصحيحين : 149/3، تاريخ بغداد : 137/7 ، مناقب ابن المغازلي :64 ، أسد الغابة :11/3 ، ذخائر العقبي :25 ، الإحسان : 61/9 ، مجمع الزوائد : 169/9.

بدء فتنة عائشة ومضيها إلي مکة، واستئذان طلحة والزبير من أمير

المؤمنين عليه السلام في المضي إلي مکة

وقال رسول الله صلّي الله عليه و آله : ما سمع واعيتنا أهل البيت أحد فلم

يجبنا إلّا أکتبه الله علي منخريه في النار (1)-(2)

وکانت عائشة لمّا اجتمع الناس لقتل عثمان من أعظم المحرّضين عليه، کانت تقول : اقتلوا نعثلاً(3) قتل الله نعثلاً. وکانت تقول : هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنّته، وترکته في الفتنة ومضت إلي مکّة ، وکانت تؤلّب عليه وتقول : لا يصلح للخلافة إلّا ذو الاصبع - يعني طلحة - .(4)

ولمّا سمعت بقتله أقبلت من مکّة قاصدة المدينة ، وفي کلّ منزل تثني علي طلحة وترجو أن يکون الأمر له، فلمّا وصلت إلي مکان في طريق مکة يقال له «سرف» وسمعت ببيعة علي عليه السلام قالت : ردّوني ، وأنصرفت راجعة إلي مکّة تنتظر الأمر ، وجعلت تؤلّب علي علي عليه السلام ، وکاتبت طلحة والزبير وعبدالله بن عامر بن کريز، فلحقوا بها بعد أن طلبوا من أمير

ص: 383


1- قال المجلسي رحمه الله : لعلّ المراد أن مع سماع الواعية وترک النصرة العذاب أشد ، وإلّا فالظاهر وجوب نصرتهم علي أيّ حال.
2- روي الصدوق في الأمالي : 118ح 6 قول الحسين عليه السلام : فوالذي نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم وأعيتنا أحد فلا يعيننا إلا أکسبه الله لوجهه في جهنم . عنه البحار : 256/44ح 4، ومدينة المعاجز : 171/2 ح 473، وعوالم العلوم : 147/17ح 3.
3- قال ابن الأثير في النهاية : 5/ 80: النَعثَل : الشيخ الأحمق . ومنه حديث عائشة: «اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلا ً» تعني عثمان . وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط : 59/4 : النَعثَل : الذَکَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، و يهودي کان بالمدينة ، ورجل لخياني کان يُشبَّه به عثمان.
4- انظر : کشف الغمة : 238/1- 239 ، و نهج الحقّ وکشف الصدق : 368-369.

خروج عائشة إلي البصرة

المؤمنين عليه السلام الأذن في المضي إلي مکّة.

فقال لهم : ما تريدون بعضکم إلي مکّة ، وليس موسم حجّ؟ فقالوا: نريد العمرة.

فقال عليه السلام : والله ما تريدون إلّا الغدرة، ثمّ أذن لهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق ، فأدرکوا عائشة بمکّة ، وعزموا علي قتال أمير المؤمنين ، ونکثوا بيعته ، وأرادوا عبدالله بن عمر علي البيعة، فقال: تريدون أن تلقوني في مخالب عليّ وأنيابه، لا حاجة لي بذلک.

ثمّ أدرکهم يعلي بن منية من اليمن(1) وأقرضهم ستّين ألف دينار ، وأرسلت عائشة إلي أمّ سلمة تلتمس منها الخروج معها فأبت ، وأتاحفصة فأجابت، وصوّبت رأيها ، ثمّ خرجت عائشة في النفر الأول عامدة إلي البصرة لکثرة ما بها من أهل النفاق وشيعة بني أميّة ، حتي إذا کانت بالحوأب وهو ماء علي طريق البصرة من مکّة، صاحت کلابه عليها ، فقالت : ما هذا الماء ؟

فقيل : اسمه الحوأب.

فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وکانت قد سمعت من رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول لنسائه : أيّتکنّ صاحبة الجمل الأدبّ(2)تنبحها کلاب الحوأب ؟(3)

ص: 384


1- في البحار : قادماً من اليمن .
2- جَمَلَ أدَبَّ : کثير الوبر. «المحيط في اللغة : 267/9 - دب -» .
3- انظر : المصنف لعبد الرزاق : 365/11 ح 20753، المعيار والموازنة : 28 ، الفتن النعيم بن حماد : 1/ 83 ح 188 و ص84ح 189 ، المصنّف لابن أبي شيبة : 259/15 - 260ح19617، مسند إسحاق بن راهويه : 891/3-892ح 1569. ومن أراد المزيد من مصادر هذا الحديث فليرجع إلي الأحاديث الغيبية : 1/135 ح 78.

خروج أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلي الربذة، ومنها إلي

ذي قار، وکتابه إلي أهل الکوفة

وروي الأعثم في الفتوح(1) وشير ويه في الفردوس ، وابن مردويه في فضائل علي ، والموقق في الأربعين ، وشعبة والشعبي أنّ عائشة لمّا سمعت نباح الکلاب قالت : أي ماء هذا؟

فقالوا : الحوأب.

قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنّي نهيت ، قد سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله وعنده نساؤه [يقول] (2) : ليت شعري أيّتکنّ صاحبة الجمل الأدب [تخرج] وتنبحها کلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها ويسارها قتلي کثيرة ،

و تنجو بعد ما کادت تقتل ؟

ثمّ لم تعتبر بما رأت وسمعت من رسول الله صلّی الله عليه و آله لشدّة حنقها وعداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام حتي قصدت البصرة بخيلها ورجلها.

فلمّا نزلت الخريبة خارج البصرة قصدهم عثمان بن حنيف رضي الله عنه . وکان والياً علي البصرة من قبل أمير المؤمنين - فحاربهم حرباً شديداً ، وسمّي ذلک اليوم (3)يوم الجمل الأول» وأصدعهم المصاع، ومنعهم من دخولها أشدّ المنع، وعلموا أنّه لا طاقة لهم به ، ثم کتب إلي أمير المؤمنين يخبره الخبر ، ثمّ بعد ذلک دعوا عثماناً إلي الصلح علي أن يکون علي حاله في يده بيت المال والامرة والجمعة والجماعة والمسجد الجامع ، ويقيموا علي حالهم في الخريبة حتي يجمع الناس علي أمر فيه صلاح المسلمين ، وإلي أن يصل إليهم أمير

ص: 385


1- الفتوح: 2/ 460.
2- من المناقب .
3- من المناقب .

المؤمنين عليه السلام.

فقال طلحة لأصحابه في السرّ: والله لئن قدم عليّ البصرة لنؤخذنّ بأعناقنا، وحثّهم علي بيات عثمان و نقض عهده ، فأجابوه وقصدوا عثمان في ليلة مظلمة وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة، وقتلوا من شرطه خمسين رجلا ً، واستأسروه، ونتفوا شعر لحيته ، وحلقوا رأسه ، وحبسوه.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولّي علي المدينة أخاه سهل بن حنيف ، فلمّا بلغه الخبر کتب إلي عائشة : أعطي الله عهداً لئن لم تخلوا سبيله الأبلغ من أقرب الناس إليکم ، فأطلقوه . وبعثت عائشة إلي الأحنف بن قيس تدعوه ، فأبي واعتزل في الجَلحاء علي فرسخين من البصرة في ستّة آلاف رجل ، ثمّ بعث طلحة والزبير عبدالله بن الزبير في جماعة إلي بيت المال فقتل أبا سالمة الزطي وکان علي بيت المال ؛ وقيل : معه خمسين رجلاً من أصحابه.

وخرج أمير المؤمنين عليه السلام في ستّة آلاف رجل من المدينة ونزل بالربذة، ومنها إلي ذي قار بالقرب من الکوفة ، وأرسل الحسن وعمّار إلي الکوفة وکتب معهم :

من عبدالله ووليّه علي أمير المؤمنين إلي أهل الکوفة حمية (1) الأنصار وسام العرب ، ثمّ ذکر ماتّم علي عثمان وفعل طلحة و الزبير وعائشة (2)، ثم قال: ألا إن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها ، وجاشت جيش المرجل، وقامت الفتنة علي القطب ، فأسرعوا إلي أميرکم ، وبادروا عدوّکم.

فلمّا بلغا الکوفة قال أبو موسي الأشعري: يا أهل الکوفة ، اتّقوا الله ولا

ص: 386


1- في المناقب : جبهة .
2- من المناقب .

تقتلوا أنفسکم ، إن الله کان بکم رحيماً (وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمَّداً) (1) الآية وجعل يثبّط الناس ، وکان رأسا من رؤساء المنافقين لأمير المؤمنين عليه السلام، وکانت عائشة قد أرسلته أن يثبط الناس عن علي عليه السلام، فسکّته عمار.

فقال أبو موسي : هذا کتاب عائشة تأمرني أن أثبّط الناس من أهل

الکوفة ، وأن لا يکونّن لنا ولا علينا ليصل إليهم صلاحهم.

فقال عمّار : إن الله تعالي أمرها بالجلوس فقامت، وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس!! فقام زيد بن صوحان ومالک الأشتر في أصحابهما وتهددوه ، فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ: (المَ أحَسِبَ النَّاسُ أن يُترَکُوا أن يَقولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ)(2) الآيات.

ثمّ قال : أيها الناس ، سيروا إلي أمير المؤمنين ، وانفروا إليه أجمعين ،

تصيبوا الحقّ راشدين.

ثمّ قال عمّار : هذا ابن عمّ رسول الله يستنفرکم فأطيعوه - في کلام له ..

وقال الحسن بن علي عليهما السلام: أجيبوا دعوتنا، وأعينونا علي ما

بلينا به - في کلام له -، فخرج قعقاع بن عمرو ، و هند بن عمرو ، وهيثم بن شهاب ، وزيد بن صوحان ، والمسيّب بن نجبة ، و يزيد بن قيس ، وحجر بن عديّ ، وابن مخدوج ، والأشتر ، يوم الثالث في تسعة آلاف ، فاستقبلهم أمير المؤمنين علي فرسخ، وقال: مرحباً بکم أهل الکوفة سنام العرب ، وفئة الإسلام ، و مرکز الدين - في کلام له - وخرج إلي أمير المؤمنين من شيعته من أهل البصرة من

ص: 387


1- سورة النساء : 93.
2- سورة العنکبوت : 1 و 2.

کتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلي طلحة والزبير ، وکتابه إلي عائشة

ربيعة ثلاثة آلاف رجل ، وبعث الأحنف إلي أمير المؤمنين: إن شئت جئتک في مائتي فارس فکنت معک ، وإن شئت اعتزلت ببني سعد وکففت عنک ستّة آلاف سيف ، فاختار أمير المؤمنين اعتزاله.

ثمّ کتب أمير المؤمنين إلي طلحة والزبير : أمّا بعد :

فإنّي لم أرد الناس حتي أرادوني ، ولم أُبايعهم حتي أکرهوني ، وأنتما ممّن أراد بيعتي ، ثمّ قال عليه السلام بعد کلام: ودفعکما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه کان أوسع لکما من خروجکما منه بعد إقرارکما.

البلاذري : قال : لمّا بلغ أمير المؤمنين قولهما: ما بايعناه إلا مکرهين

تحت السيف ، قال : أبعدهما الله إلي أقصي دار وأحرّ نار.

وکتب أمير المؤمنين عليه السلام إلي عائشة : أمّا بعد:

فإنّک خرجت من بيتک عاصية لله تعالي ولرسوله محمد صلّی الله عليه و آله تطلبين أمرأ کان عنک موضوعاً ، ثمّ تزعمين أنک تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبريني ما للنساء وقود العساکر والاصلاح بين الناس ؟ وطلبت کما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني أميّة ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الّذي عرّضک للبلاء ، وحملک علي العصبّية، لأعظم إليک ذنباً من قتلة عثمان ، وما غضبت حتي أغضبت ، ولا هجت حتي هيّجت ، فاتّقي الله - يا عائشة - وارجعي إلي منزلک ، واسبلي عليک سترک.

فقال طلحة والزبير: احکم کما تريد، فلن ندخل في طاعتک.

ص: 388

أبيات لحبيب بن يساف الأنصاري، وإرسال أمير المؤمنين عليه السلام

زيد بن صوحان وابن عباس إلي عائشة فوعظاها و خوفاها

وقالت عائشة: لقد جلّ الأمر عن الخطاب ، وأنشأ حبيب بن يساف

الأنصاري: أبا حسن أيقظت من کان نائماً

وما کلّ من يدعو(1) إلي الحق يتبع

وإنّ رجالاً بايعوک وخالفوا

و هواک وأجروا في الضلال وضيّعوا(2)

وطلحة فيها والزبير قرينة

وليس لمالايدفع الله مدفعُ

وذکرهم قتل ابن عفّان خدعة

هم قتلوه والمخادع يخدع تاريخ الطبري والبلاذري أنّه ذکر مجيء طلحة والزبير عندالحسن البصري،

فقال : يا سبحان الله ! ما کان للقوم عقول أنّ يقولوا ، والله ما قتله غيرکم.

تاريخ الطبري : قال يونس النحوي: فکّرت في أمر عليّ وطلحة والزبير إن کانا صادقين أنّ عليّاً عليه السلام قتل عثمان، فعثمان هالک، وإن کذبا عليه فهما هالکان.

ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان وابن عبّاس فوعظاها

وخوّفاها.

فأجابتهم: لا طاقة لي بحجج عليّ.

ص: 389


1- في المناقب : وما کان من يدعي .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وأوضعوا

فقال ابن عبّاس: لا طاقة لک بحجج المخلوق ، فکيف طاقتک بحجج

الخالق ؟(1)

ولمّا رأي أمير المؤمنين انّ الشيطان قد أستحوذ ، وانّ الآيات والنذر لا تغني عنهم ، زحف عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين ، وعلي ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس ، وعلي ميسرته عمّار بن ياسر و شريح بن هانيء، وعلي القلب محمد بن أبي بکر وعدي بن حاتم، وعلي الجناح زياد بن کعب و حجر بن عديّ ، وعلي الکمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير ، وعلي الرجّالة أبو قتادة الأنصاري، وأعطي رايته محمد بن الحنفية، ثمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلي صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ، ويقول لعائشة: إن الله أمرک أنّ تقرّي في بيتک ، فاتّقي الله وارجعي، ويقول لطلحة والزبير: خبأتما نساء کما وأبرزتما زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله واستغررتماها (2)

فيقولان: إنّما جئنا للطلب بدم عثمان ، وأن نرد الأمر شوري .

وألبست عائشة درعاً ، وضربت علي هودجها صفائح الحديد ، وألبس الهودج أيضاً درعاً، وکان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة (3) وهو علي جمل يدعي عسکرا.(4)

ابن مردويه في کتاب الفضائل : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير: أما تذکر يوماً کنت مقبلاً بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول الله صلّی الله عليه

ص: 390


1- مناقب ابن شهرآشوب : 149/3 -153، عنه البحار : 117/32 ح 94.
2- في المناقب : واستفززتماها
3- في المناقب : وکان الهودج لواء أهل البصرة .
4- إلي هنا رواه في أنساب الأشراف : 239/2 .

و آله فرآک معي وأنت تتبسّم إلي ، فقال : يا زبير ، أتحبّ عليّاً ؟

فقلت : وکيف لا أحبّه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس

الغيره ؟!

فقال : إنّک ستقاتله وأنت ظالم له . فقلتَ: أعوذ بالله من ذلک . فقال: اللّهم نعم. فقال: أجئت تقاتلني ؟ فقال: أعوذ بالله من ذلک .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دع هذا ، بايعتني طائعاً، ثم جئت

محارباً ، فما عدا ممّا بدا ؟!

فقال: لا جرم والله لا قاتلتک . قال: فلقيه عبدالله ابنه ، فقال: جُبناً جُبناً.

فقال: يا بنيّ ، قد علم الناس أنّي لست بجبان، ولکن ذکّرني عليّ شيئاً

سمعته من رسول الله صلّی الله عليه وآله فحلفت [أن](1)لا أقاتله.

فقال : دونک غلامک فلان فأعتقه کفّارة عن يمينک.

فقالت عائشة: لا والله ، [بل] (2) خفت سيوف ابن أبي طالب ، فإنّها طوال حداد ، تحملها سواعد أنجا(3)، ولئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلک ، فرجع

ص: 391


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : أمجاد . ورجل نَجدُ : شجاع ماض فيما يعجز عنه غيره ؛ وقيل : هو الشديد البأس ؛ وقيل : هو السريع الإجابة إلي ما دعي إليه . «لسان العرب : 417/3.

إلي القتال.

فقيل لأمير المؤمنين: إنّه قد رجع. فقال : دعوه ، فإن الشيخ محمول عليه.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس ، غضّوا أبصارکم ، وعضّوا علي نواجذکم ، وأکثروا من ذکر ربّکم ، وإيّاکم وکثرة الکلام فإنّه فشل.

ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفّين ، [فقالت :](1) انظروا إليه فإنّه

يفعل کفعل رسول الله صلّی الله عليه وآله يوم بدر.

فقال أمير المؤمنين : يا عائشة ، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين.

فجدّ الناس في القتال، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللّهمّ أعذرت وأنذرت ، فکن لي عليهم من الشاهدين ، ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم (وَ إن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا)(2) الآية.

فقال مسلم المجاشعي : ها أنذا يا أمير المؤمنين ، فخوّفه أمير المؤمنين

بقطع يمينه وشماله وقتله.

فقال : لا عليک يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات الله ، فأخذوه وهو يدعوهم إلي الله فقطعوا(3)يده اليمني ، فأخذ المصحف بيده اليسري فقطعت ، فأخذه بأسنانه فقتل رضي الله عنه ، فقالت أمّه:

- نجد» .

ص: 392


1- من المناقب .
2- سورة الحجرات : 9.
3- في المناقب : فأخذه ودعاهم إلي الله فقطعت .

بروز محمد بن الحنفية للقتال

ياربّ إنّ مسلماً أتاهم بمحکم التنزيل إذ دعاهم يتلو کتاب الله لا يخشاهم فرمّلوه رمّلت لحاهم

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الآن طاب الضراب ، ثمّ قال لابنه محمد بن الحنفيّة والراية في يده : يا بنيّ ، تزول الجبال ولا تزول ، عضّ علي ناجذک ، أعر الله جمجمتک ، تد في الأرض قدميک، ارم ببصرک أقصي القوم وغضّ بصرک ، واعلم أن النصر من عند الله (1) ، ثمّ صبر سويعة ، فصاح الناس من کلّ جانب من وقع النبال.

فقال أمير المؤمنين: تقدّم يا بنيّ ، وقال : اطعن بها طعن أبيک تحمد لا خير في حرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا [المسدّد والضرب بالخطّي] ،(2) والمهنّد.(3)

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلي ابنه محمد يوم

الجمل وقال: تزول الجبال ولا تزول - الکلام المتقدّم -، ثمّ قال: احمل ، فتوقّف محمد قليلاً ، فقال أمير المؤمنين: احمل.

فقال: يا أمير المؤمنين ، أما تري السهام کأنّها شآبيب المطر؟

فدفع أمير المؤمنين في صدره وقال: أدرکک عرق من أمّک ، ثمّ أخذ عليه السلام الراية منه وهزّها وأنشد الأبيات المتقدمة، ثمّ حمل عليه السلام، وحمل الناس خلفه ، ففرّق عسکر البصرة کما تتفرق الغنم من سطوة الذئب ، ثمّ رجع

ص: 393


1- نهج البلاغة : 55خطبة رقم 11، عنه البحار : 195/32ح 144، وج 39/100 ح.41.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 3/153 -155، عنه البحار : 32/ 172ح 132.

أبيات لخزيمة بن ثابت

عليه السلام ودفع الراية إلي محمد ، وقال له : امح الأولي بالأخري وهؤلاء الأنصار معک ، وضمَّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدرييّن، فحمل حملات منکرة ، وأبلي بلاء حسناً ، وقتل خلقاً کثيراً، وصيّر عسکر الجمل کر ماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، ورجع إلي أمير المؤمنين.

فقال خزيمة بن ثابت: أمّا إنه لو کان غير محمد لافتضح.

وقال الأنصار: لولا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن والحسين لما قدّمنا

علي محمد أحداً.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أين النجم من الشمس والقمر؟ أين نفع

ابني من ابن رسول الله صلي الله عليه و آله ؟

وأنشأ خزيمة بن ثابت رضي الله عنه يقول :

محمّد مافي عودک اليوم وضمة

ولا کنت في الحرب الضروس معرّدا(1)

أبوک الذي لم يرکب الخيل مثله

عليّ وسمّاک النبيّ محمّدا

وأنت ب حمد الله أطول هاشم

لساناً وأنداها بما ملکت يدا

سوي أخويک السيّدين کلاهما

إمام الوري والداعيان إلي الهدي

ص: 394


1- التعريد : الفرار ؛ وقيل : سرعة الذهاب في الهزيمة . «لسان العرب :288/3 -غرد

قيل لمحمد بن الحنفية: لِمَ کان أبوک يغرر بک في الحرب ولم يغرر

بالحسن والحسين ؟

قال: لأنّهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه (1)

وروي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر الأشتر أن يحمل ، فحمل وقتل هلال بن وکيع صاحب ميمنة الجمل ، وکان زيد بن صوحان يحمل ويقول :

ديني ديني وبيعتي بيعتي.(2)

وجعل مخنف بن سليم (3)يقول : قد عشت يا نفس وقد غنيت دهراً وقبل اليوم ما عييت وبعد ذا لا شک قد فنيت أمامللت طول ما حييت

فخرج عبدالله بن اليثربي يقول : يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن ذاک الّذي يعرف حقّاً بالفتن

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً:

ص: 395


1- أورده في شرح نهج البلاغة : 244/1 باختلاف يسير ، عنه البحار : 99/42. وفي ذوب النضار لابن نما - بتحقيقنا: 55. وأورده في کشف الغمة : 2/ 25 بهذا اللفظ : قيل لمحمد بن الحنفية رحمه الله : أبوک يسمح بک في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهما السلام !! فقال : هما عيناه وأنا يده ، والانسان يقي عينيه بيده. وقال مرة أخري - وقد قيل له ذلک -: أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلي الله عليه وآله . عنه البحار : 96/42 ح 27.
2- في المناقب : وبيعي بيعي
3- کذا في البحار ، وفي الأصل والمناقب : مسلم. وهو مخنف بن سليم الأزدي ، ابن خالة عائشة . راجع رجال الطوسي : 58 رقم 12.

إن کنت تبغي أن تري أبا الحسن فاليوم تلقاه مليّاً فاعلمن

وضربه ضربة فقتله.

فخرج بنو ضبّة وجعل بعضهم يقول : نحن بنو ضبة أعداء عليّ ذاک الذي يعرف فيهم بالوصيّ

وقال آخر منهم: نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل والموت أحلي عندنا من العسل ردّوا علينا شيخنا بمرتحل إنَّ عليّاً بعد من شرّ النذل

وقيل: إنّ ابن اليثربي عمرو - أخوه عبدالله المذکور - يقول : إن تنکروني فأنا ابن اليثربي قاتل علباء ثم هند الجملي

ثمّ (1)ابن صوحان علي دين عليّ

فبرز إليه عمّار رضي الله عنه قائلاً: لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي اثبت أقاتلک، علي دين عليّ

فأرداه عمار عن فرسه وجر برجله إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقتله

بيده.

فخرج أخوه أيضاً قائلاً أضربکم ولو أري عليا ع ممته أبيض مشرفيّا وأسمراً عنطنطاً خطيّا(2) أبکي عليه الولد والوليا

ص: 396


1- في المناقب : يوم.
2- الأسمر : الرمح . وعنطنط : الطويل . والخَطُّ : مرفاً السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح .

فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام متنکّراً وهو يقول: يا طالباً في حربه عليّا يمنحه(1) أبيض مشرفيّا اثبت لتلقاه(2)بها مليّا مهذّباً سميدعاً،(3) کمیّا

فضربه فرمي بنصف رأسه ، قنادي عبدالله بن خلف الخزاعي صاحب

منزل عائشة بالبصرة لعليّ: أتبارزني؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أکره ذلک ، ولکن ويحک يا ابن

خلف ما راحتک في القتل وقد علمت من أنا ؟

فقال : ذرني من بذخک يا ابن أبي طالب ، ثمّ قال: إن تدن منّي ياعليّ فترا فإنّني دان إليک ش برا بصارم يسقيک کأساً مرّا إنّ في صدري عليک وترا

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً يا ذا الّذي تطلب منّي الوترا إن کنت تبغي أن تزور القبرا حقّاً وتّصلي بعد ذاک جمرا فادن تجدني أسداً، هزبرا

أذيقک (4)اليوم ذعافاً صبرا فضربه أمير المؤمنين عليه السلام فطيّر جمجمته .

ص: 397


1- في المناقب : يمنعه
2- في المناقب : ستلقاه .
3- السميدع : السيد الشريف السخي والشجاع.
4- في المناقب : اصطک. واصحطه : أي أدخله في أنفه . والذعاف : السم الذي يقتل من ساعته

مصرع طلحة ، وأبيات للسيد الحميري

فخرج مازن الضبي قائلاً: لا تطمعوا في جمعنا المکلّل الموت دون الجملّل المجل

فبرز إليه عبدالله بن نهشل قائلاً: إن تنکروني فأنا ابن نهشل فارس هيجاء وخطب فيصل

فقتله. وکان طلحة يحثّ الناس ويقول: عباد الله ، الصبر الصبر - في کلام له ..(1)

قال (2): وکان مروان بالقرب منه ، فقال: والله لا أطلب أثراً بعد عين، ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبداً ، فرمي طلحة بسهم فأصاب رکبته ، والتفت إلي أبان بن عثمان ، وقال: لقد کفيتک أحد قتلة أبيک.

وفي ذلک يقول السيّد الحميري من جملة قصيدته : واغتر طلحة عند مختلف القنا

عبل الذراع شديد عظم(3) المنکب

فاختل حبّة قلبه بمدلق

ريان من دم جوفه المتصبّب

في مارقين من الجماعة فارقوا

دين الهدي وحيا (4) الربيع المخصب

ص: 398


1- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 155 - 157، عنه البحار :175/32 - 177.
2- نقله ابن شهرآشوب عن البلاذري في أنساب الأشراف: 29/2 .
3- في المناقب : أصل.
4- في المناقب : باب الهدي وجباء والجباء: الحوض.

وکانت بنو ضّبة مکتنفي الجمل ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فکانوا کرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، وکان کلّ من استقبل قبض علي زمام الجمل ، وانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله ، وأتي برأسه إلي أمير المؤمنين عليه السلام .. القصّة.

فقالوا العامّة: قتل طلحة والزبير وخرج عبدالله بن عامر ، وقال: يا

عائشة ، صافحي عليّاً علي يدي(1)

فقالت : کبر(2)عمرو عن الطوق ، وجل أمر عن العتاب ، ثمّ تقدمت .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتي قطع أيدي ثمانية وتسعين رجلا، ثم تقدّمهم کعب بن سور الأزدي - وکان قاضياً علي البصرة - وهو يقول :

يا معشر الناس عليکم أمّکم فإنّها صلاتکم وصومکم والحرمة العظمي التي تعمّکم لا تفضحوا اليوم فداکم قومکم

فقتله الأشتر.

فخرج وائل بن کثير باکياً مرتجزاً: ياربّ فارحم سيّد القبائل کعب بن سور غرّة الأوائل

ص: 399


1- في المناقب : فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر من يدي علي ، فصالحي عليّاً .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : شب. قال في القاموس المحيط : 259/3 - طوق -: «کَبِرَ عمروُ عَن الطَّوقِ» يضرب لمُلابس ما هو دون قدره ، وهو عمرو بن عديّ....

فقتله الأشتر أيضاً.

فخرج ابن جبير الأسدي(1) يقول: قد وقع الأمر بما لا يحذر والنبل يأخذن وراء العسکر

وأنا في خدرها المشهر

فبرز إليه الأشتر قائلاً اسمع ولا تعجل جواب الأشتر واقرب تلاقي کأس موت أحمر

ينسيک ذکر الهودج(2) المشهر فقتله ، ثمّ قتل عمير الغنوي وعبدالله بن عتاب بن أسيد ، ثمّ جال في

الميدان جولاً وهو يقول:

و نحن بنو الموت به غذينا فخرج إليه عبدالله بن الزبير فطعنه الأشتر فأرداه ، وجلس علي صدره اليقتله، فصاح عبدالله: اقتلوني ومالکاً، واقتلوا مالکاً معي ، وقصدوه(3) من کل

جانب فخلّاه ورکب فرسه ، فلمّا رأوه راکباً تفرّقوا عنه ؛ وقيل : إنّه فر من تحت

الأشتر وفي ذلک يقول :

أعايش لولا أنني کنتُ طاوياً ثلاثاً(4) لألفيت ابن أختک هالِکاً

ص: 400


1- في المناقب : ابن جفير الأزدي
2- في المناقب : الجمل
3- في المناقب : فقصد إليه.
4- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 63/1 - 64: وکان الأشتر طاوياً - أي جائعاً - ثلاثة أيّام لم يطعم ، وهذه عادته في الحرب.

غَداةَ یُنادي والرماحُ تنوشُه وسمر العوالي اقتلوني ومالکاً فنجّاه منّي سبعة وشبابه وإنّي شيخ لم أکن متماسکاً

وشدّ رجل من الأزد علي محمد بن الحنفية وقال : يا معشر الأزد ، کرّوا۔ فضربه محمد بن الحنفيّة ، فقطع يده ، وقال : يا معشر الأزد ، فرّوا.

فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلاً : ارحم إلهي الکهل (1)من سليم وانظر إليه نظرة الرحيم(2)

فقتله عمرو بن الحمق.

فخرج جابر الأزدي قائلاً : يا ليت أهلي من عمار حاضري من سادة الأزد وکانوا ناصري(3)

فقتله محمد بن أبي بکر .

وکانت عائشة تنادي بأعلي صوتها: أيها الناس عليکم بالصبر ، فإنما

يصبر الأحرار.

فأجابها کوفيّ:

قلنا(4) لها وهي علي مهوات ان تناسواک أمّهات

في مسجد الرسول ثاويات والتحم القتال وشکت السهام الهودج حتي کأنّه جناح نسر أو شوک قنفذه

ص: 401


1- في المناقب : الکل .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الرحمة
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : حاضري .
4- في المناقب : قلت .

أن أمير المؤمنين عليه السلام أوصي محمد بن أبي بکر بأن يدرک

أخته عائشة

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما أراه يقاتلکم إلّا هذا الهودج ، اعقروا الجمل. وفي رواية : عرقبوه فإنّه شيطان.

وقال أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بکر : إذا عرقب الجمل فادرک أُختک فوارها ، فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبيّ ، ثمّ عرقب أُخري (عبد الرحمان] (1)فوقع علي جنبه ، فقطع عمار نسعه ، فأتاه أمير المؤمنين عليه السلام ودق رمحه علي الهودج ، وقال : يا عائشة ، أهکذا أمرک رسول الله أن تفعلي ؟

فقالت : يا أبا الحسن ، ظفرت فأحسن ، وملکت فأسجح(2) . فقال لمحمد بن أبي بکر : شأنک وأختک فلا يدنو أحد منها سواک .

قال محمد بن أبي بکر : فقلت لها : ما فعلت بنفسک ؟ عصيت ربّک ، وهتکت سترک ، ثمّ أبحت حرمتک ، وتعرّضت للقتل ، فذهب بها إلي دار عبدالله بن خلف الخزاعي ، فقالت: أقسمت عليک أن تطلب عبدالله بن الزبير جريحا کان أو قتيلاً، فقلت : إنه کان هدفا للأشتر ، فانصرف محمد إلي المعرکة (3)فوجده بين القتلي ، فقال : اجلس يا ميشوم أهل بيته ، فأتاها به ، فصاحت وبکت ، ثم قالت : يا أخي استأمن له من علي ، فأتي أمير المؤمنين عليه السلام : فاستأمن له منه .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أمنته وأمنت جميع الناس . وکانت وقعة الجمل بالخريبة ، وقع القتال بعد الظهر ، وانقضي عند المساء،

ص: 402


1- من المناقب .
2- أي قدرت فسهل وأحسن العفو .
3- في المناقب : العسکر .

عدد القتلي يوم الجمل

وکان مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه عشرون ألفاً ، منهم البدرون ثمانون رجلاً ، و ممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ، ومن الصحابة غير هؤلاء ألف وخمسمائة رجل ، وکانت عائشة في ثلاثين ألفاً أو يزيدون ، منها المکيون ستمائة رجل.

قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفاً . وقال الکلبي : قتل من عسکر(1) علي ألف راجل وسبعون فارساً ؛ منهم زيد بن صوحان ، وهند الجملي ، وأبو عبد الله العبدي ، وعبد الله بن رقيّة .

وقال أبو مخنف والکلبي : قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة أربعة آلاف رجل ، و من بني عديّ ومواليهم تسعون رجلاً ، ومن بني بکر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل، والباقي من أخلاط الناس إلي تمام تسعة آلاف إلا تسعين رجلاً ، والقرشيّون منهم طلحة ، والزبير ، وعبد الله بن عتاب بن أسيد ، وعبدالله بن حکيم بن حزام ، وعبد الله بن شافع بن طلحة ، ومحمد بن طلحة ، وعبدالله ابن أبي خلف (2) الجمحي ، وعبد الرحمان بن معد ، او عبدالله بن معد](3)

و عرقب الجمل أوّلاً أمير المؤمنين عليه السلام ، ويقال : مسلم بن

عدنان ، ويقال : رجل من الأنصار ، ويقال : رجل من ذهل.(4)

قلت : ولما صارت أحاديث هذه الفتنة الصماء، والمحنة العظمي

ص: 403


1- في المناقب : أصحاب
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عبدالله بن خلف .
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهر آشوب : 157/3- 162 ، عنه البحار :177/32 - 182 .

ضروريّة لايختلف في صحّتها ، ومتواترة لايشکّ في واقعتها ، ونقلها المخالف، ودوّنها الموالف ، وصارت في وضوحها کالشمس ، منزّهة عن الشک واللبس .

أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في کفر من أضرم نارها ، وشبّ أوارها(1)

وارتکب عارها ، واحتقب أوزارها ، ورکب جملها، وسلک سبلها.

وأمّا المنافق الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها ، ويصوّب فعل قائدها وسائقها ، ويرتکب التعسّف في تأويلها ، والتعصّب في تنزيلها ، ويعتذر لمن سلب وقودها ، ونصبت عمودها ، وخالفت بعلها ونبيّها ، وحاربت سيّدها وولتها.

ولمّا رأيت شدّة عضتها ، وحدة کلتها، لا يرتدع بوعظ واعظ ، ولا ينتفع بلفظ لافظ ، قد طبع الشيطان علي قلبها ، واستحوذ علي فيها ، فغرقت في لجّة نفاقها ، وتاهت في بيداء شقاقها ، قد أحدقت الطغاة بجملها ، وحقت البغاة بمحملها ، تمثّلتها في فکري ، وعنّفتها بزجري ، وخاطبتها بلسان الحال ، وعنّفتها ببيان المقال ، وقلت مشيراًإليها ، وزارياً عليها

أيّها المائحة في غرب غيّها وجهلها ، المخالفة أمر ربّها وبعلها ، المنافقة بإسلامها ، والخارجة علي إمامها ، الباغية بخروجها وحربها ، الکافرة بقالبها وقلبها ، ما للنساء وعقد البنود ؟ وما لذوات وقود الجنود ؟ ألم تؤمرين بالقرار في منزلک ؟ أما کان لک شغل شاغل بمغزلک ؟ نهيت أن تتبرّجي(2) وعن بيتک

ص: 404


1- الأوار : شدّة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش . «لسان العرب : 4/ 35 - اور .
2- إشارة إلي قوله تعالي في سورة الأحزاب : 32 و 33 :( يَانِسَاءَ النَّبيَّ...وَقَرنَ فِي بُيُوتِکُنَّ وَلا تَبَرَّجن تَبَرَّجَ الجَاهِلِيَّةِ الاولَي).

أن لا تخرجي ، فهتکت حجابک ، وأسفرتِ نقابک ، وقدت الفتنة بخطامها ، وأرخيت لها فاضل زمامها ، فحبطت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، وکشرت عن نابها ، ومرقت عجلاً بها، لمّا أقبلتِ يحثّ بک جملک ، عصيت ربک بتفصيلک وجملک ، خرجت من ديارک بطرأ ورئاء الناس ، وفصلت عن قرارک تکتفک الأوغاد الأرجاس ، لما علمک سيّد المرسلين بخروجک ، جريت في تيه الضلال بل فروحک .

يا صاحبة العطفة ، کفرت بالّذي خلقک من نطفة ، يا ربّة الهودج ، خالفت ربک في المولج والمخرج ، أظهرت غلاً کامناً بحربک ، وحسداً قاطناً في قلبک ، لمّا انتقلت الزهراء إلي جوار ربّها ، امتنعت من حضور عزيتها وقربها ، وتعلّلت باستيلاء علة علي هامتک وفسادک ، وذلک أعظم دليل علي کفرک وإلحادک ، فهلّا تعلّلت يوم مسيرک علي بعيرک ، قاصدة حرب حليلها بعيرک وبغيرک ؟ ولم لا عصبت رأسک يوم موت ولدها ؟ بل أظهرت الشماتة بهلاک فلذّة کبدها ، وأقبلت علي بغلک ، ولم تراع حرمة بعلک ، ولم ترعوي عن جهلک ، بل أجلبي علي هضم آل الرسول بخيلک ورجلک .

فلعنة الله علي فرعک و أصلک ، وقومک وأهلک ، آمثّلک في يوم البصرة في محملک ، تحرّضين الأوغاد بقولک وعملک ، کالحيّة النافثة بسمّها ، أو الذئبة الضارية بکلمها ، حتي إذا خاب أملک ، وعقر جملک ، وقتلت رجالک ، وخذلت أبطالک ، وصار طلحتک طليحاً ، وزبيرک طريحاً ، ومعلّاک سفيحاً ، ونافسک

منيحاً.

ألحفک ساتر العورات جناح رحمته ، وأسبل عليک مقيل العثرات ستر مغفرته ، وأرجعک إلي قرارک الذي أخرجک الشيطان منه ، وأعادک إلي منزلک الذي فصلک العدوان عنه ، وسدّ عنک باب الانتقام ، وستر منک ما فضحته

ص: 405

قصيدة للمؤلف رحمه الله في ذم عائشة

الآثام، کلّ ذلک وجدک يغلي بنار حقدک ، وحودک يشبّ بضرام حسدک ، ثم أتبعت بالطلقاء وأبناء الطلقاء علي حربه ، وأغريت الأشقياء اللصقاء بسبّه، وفعلت إلي ابن هند محرّضة له عليه ، وأغريت بني حرب بإرسال شواظ حربهم إليه ، ونبذت کلّ عهدٍ عهده الرسول إليک فيه ، ثائرة بدم عثمان وکنت من أعظم خاذليه ، لمّا وضعت قميصه علي رأسک ، وحفت به الأوغاد من أرجاسک. .

حقّت عليکِ کلمة العذاب ، واستوجبتِ اللعنة من ربّ الأرباب ، وأقسم لوشاهدتک يوم بصرتک ، وقد انفردت من أهلک وأسرتک ، وعقر بعيرک ، وقلّ نصيرک ، وقتل جندک ، وفلّ حدّک ، لم أولک منِي صفحاً ، ولم أطوِعنک کشحاً ، و لقرعت سمعک بقوارع عذلي ، ولوجأت(1) خدّک بسبت نعلي ، ولسفعت ناصيتک بسوطي ، ولرفعت بلعنتک صوتي ، لا لأنّي مخالف سيّدي في فعله ، ولا زار علي صفحه بفضله ، إذ ستر بحلمه ما فضح منک ، وعفا بمنّه ما صدر عنک ، بل غضباً لله ، و تعصّباً لأولياء الله .

يا من عصت بخروجها قصداً لحرب وليّها کفرت بأنعم ربّها وخلاف أمر نبيّها وأتت من البلد الحرام بفتنة من غيتها تذکي سعير ضرامها بسفيهها زهريّها وبذي السلا أحببت (2) غادرٍ تيميّها وکذا بنجل طريدها وعتلها أمويها تنحب عليها عاريات الحبوب عند مجيّها ومضت لشدّة حقدها لم ت عتبر بعویّها

ص: 406


1- الوجء : اللکز، الضرب.
2- کذا في الأصل .

حتي إذا نشرت صحائف بغيها من طيّها في عصبةٍ سلکت سبيل عنيدها وعصيّها صارت حماة بعيرها قد فلّ حلّ نديّها بسيوف أقوام علت أعلامهم بعليّها

صنو الرسول وخير أمّته وربّانيها وأب الحروب وربّها ومدار قطب رحيّها

بدريّها أحدها سلعیّها جملیّها

علويّها قدسيّها نوریّها مهديّها أعني قصيّ رتبته من ذاتها وقصيّها أبدت خضوعاً ظاهراً والغدر حشو طویّها فلذاک موت السبط أبد الغلّ من مخفيها

وأتت علي بغل تحثّ بکفرها وفديّها فالله يلعن حشدها من تيمها وعسديها

والسائقين بعيرها ومن استظلّ بفيها

لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الفتنة الّتي طار شررها ،

وشاع خبرها ، واشتهرت أوغادها ، وأظهرت أحقادها ، وعمّت بليّتها ، وغمّت ظلمتها، وأحرق لهبها ، واشتدّ کلبها ، وأبرزت أعداء الرحمن فيها رؤوسها ، وبذلت في طاعة الشيطان نفوسها، وسلکت طريق البغيّ بقتالها مولاها ، وارتکبت سبيل الغيّ فما أحقّها بخزي الله وأولاها ، لم تشکر ربها علي ما أولاها ، ولم تحفظ نبيّها فيما أوصاها، الّذي أضرمت المخدّرة المصونة مقباسها ، ووصلت البّرز الميمونة أمراسها ، وأقامت السجاعة المطرقة سوقها ، وأظهرت الأصيلة المعرقة فسوقها ، حتي قتلت رجالها ، وجدّلت أبطالها ، وعقر مرکبها ،

ص: 407

فيالها فتنة کفر قتامها لراکبها ، وغمر غمامها کتائبها ، وبرقت بوارق صفاحها في سحائب غبرتها ، ولمعت أسنّة رماحها في ظلمة فترتها ، فکم اقتطفت فيها رؤوس ، واختطفت نفوس ، وأريق دم ، وبري قدم ، وأبين عضد وساعد ، وأبيد معاضد ومساعد، أشنع فتنة في الاسلام حدثت ، وأفضع واقعة بها القصاص تحدّثت ، قطعت آجال رجالها بمصاعها ، وصبغت أثباج أبطالها بجريانها.

يالها فتنة کانت رأساً لک فتنة ، وبدعة وضعت أساساً لأقبح سنّة ، وهل قتال القاسطين إلّا فرع شجرتها ؟ وهل جهاد المارقين إلّا شزرة من جمرتها ؟ وهل اقتدي ابن حرب إلّا بحربها ؟ وهل اغترف نجل هند إلّا من شربها ؟ وهل نسج الطاغي إلّا علي منوالها ؟ وهل احتذي الباغي إلّا بمثالها ؟

وکان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثر جلاها ، وطلاع ثناياها ، وفحل

شولها ، وصاحب قولها ، وخائض هولها ، والمخصوص بقوّتها وحولها ، کبش الکتيبة ، مشهور الضريبة ، جبر صدع الاسلام ، لما کسر الأصنام ، ونصب من الحقّ الأعلام، لمّا خفض الأنصاب والأزلام ، کم کسر بعامله منصوباً ؟ وکم وفّر من نائله نصيباً ؟ کاسر هبل الکفرة ، وعاقر جمل الغدرة ، الفائز من قداح النجدة بمعلّاها ، والحائز من خلال الشجاعة بأعلاها ، قاطع أمراس(1) البغاة ، وقالع أساس الطغاة ، منه تعلّم الناس الشجاعة في قتالهم ، ومن علومه فزعوا مآخذ

أقوالهم.

بنصرته جماعة الحقّ نصرت ، وبطريقه طريقة العلم ظهرت ، لمّاصبغ

ص: 408


1- المَرِس : الشديد الّذي مارَسَ الأُمورَ وجرَّبها ، والجمع : أمراس .

الحمرة نجيع (1)الأبطال صعيد البصرة، صار بياض وجه الاسلام لا يرهقه فترة ، لکن بقي خدّ الخارجة من عتبة بيتها لقتاله صار حالکاً ، وداخل فيضها من يدها منتزعاً هالکاً.

دراية فرحها نکيساً، وتدبير فکرها معکوساً ، وصارت کرّتها خاسرة ، وهمّتها قاصرة ، وسلعتها بائرة ، وخسرت الدنيا والآخرة ، وقرعت بقوارع الملام، وکملت بمعابل الکلام.

فيا من يصوّب آراءها ، ويداوي أدواءها ، ويستخفّ وزرها ، ويستقلّ شرّها، ويسدّد اجتهادها، ويصوّب مرادها ، لقد أبعدت مرماک ، واتّبعت هواک ، ومهّدت قاعدة نفاقک ، وغرست في ظلمة محاقک ، وأوردت تصحيح المعتل من فعل و ترجيح المرجوع من نقلک ، لقد اجتثت أصولک ، وفسد معقولک ، وعتم قياسک ، وقلع أساسک ، واهملت قضيّتک ، وانقبضت بسطتک ، وفلّت غرستک، وقلّت بطشتک .

يا من عصت ربّها بخروجها وحربها ، وتعصّبت علي مولاها بقالبها وقلبها ، أنّي لک هذه الشجاعة والقوّة ، والشدّة والنخوة ؟ أمن أبيک يوم خيبر ؟ أم من جدّک المبجّل الموقّر ، صاحب خوان بن جذعان ، وناصب أنصاب الأوثان ، أقتم قريش أصلاً ، وألأمهم فعلاً ، وأرذلهم بيتاً، وأنذلهم حيّاً وميّتاً ...... (2)من آل قصي ، ولا في السراة من بني لؤي ، فأنتم يا ابنة الکاذب المصدّق، کما قال فيکم الشاعر وصدق :

ويقضي الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود فإنّک لو رأيت عبيد تيم وتيما قلت إنّهم العبيد

ص: 409


1- النَّجيع : الدمُ .
2- غير مقروءة في الأصل .

فلعن الله ابن صهّاک المغتلمة ، ونجل البغيّة حنتمة ، فهو الّذي أعلي قدرکم، وأسمي ذکرکم ، ورفع بعضکم ، وصحّح المکسّر من جمعکم ، وجعلکم أعلاماً تفضلون علي أولياء الله ، تفخرون علي أهل بيت نبيّکم وبهم فخرکم ، وتتأمّرون علي عترة ولیّکم و بهم علا أمرکم ، وزيّن الشيطان للأمّة الضالّة اتّباعکم ، وصيّر هم أشياعکم وأتباعکم ، فاتّبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين ، وأطاعوه إلّا قيلاً من المخلصين ، ونبذوا کتاب الله وراء ظهورهم ، وحرّفوا کلام الله بزخرفهم وغرورهم ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، ونصروا من أوجب العقل له أن يخذل ، ونصبوا العوائل لأهل بيت نبيّهم ، وأراقوا القواتل الذرّيّة ولیّهم ، وجعلوا أحفادهم إلي يوم الناس هذا عالة يتکفکفون ، وخاملين

لا يعرفون .

قد أبکم الفقر فصيحهم ، وقبح العسر صبيحهم ، يرهن أحدهم إزاره السدّ فورته ، ويبذل مقداره لفرط عسرته ، منعتموهم ما فرض الله لهم في محکم تنزيله، وحرمتموهم ما أوجب لهم من الحقّ علي لسان رسوله ، حتي نکحت به الفروج المحرّمة ، واستبيحت من دين الله کلّ حرمة ، واشتريت منه البغايا والقيان ، وصار زمام الاسلام بأيدي عبدة الصلبان ، فأنتم أصل البلاء ، وفرع الشقاء ، وحمة الشيطان ، وجمة البهتان ، هذه الشجرة الملعونة في القرآن ، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعداء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، قربتموها وکان أحق أن تبعد ، ونشأتموها وکان أولي أن تعضد، وغرستم أصلها علي رقاب المؤمنين ، وسقيتم فرعها بدماء المهاجرين الأولين ، رآهم الرسول ينزون علي منبره نزو القردة فمارئي بعد ضاحکاً حتي بلغ من الحياة أمده

روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنّ رسول الله صلّی الله

ص: 410

عليه و آله رأي في منامه أنّ قرود اًتنزوا علي منبره و تنزل وتصعد ، فساءه ذلک واغتم ، ولم ير بعدها ضاحکاً حتي مات .

(وَالشَّجرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ) (1)هم بنو أميّة أخبره سبحانه بتغلّبهم (2)

علي مقامه وقتلهم ذريته.(3)

روي عن منهال بن عمرو ، قال : دخلت علي علي بن الحسين عليه

السلام ، فقلت : کيف أصبحت ، يا ابن رسول الله ؟

قال : أصبحنا والله کبني إسرائيل في أيدي القبط ، يذبّحون أبناءهم ،

ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البريّة بعد رسول الله صلّی الله عليه و آله يلعن علي المنابر ، وأصبح من يحبّنا منقوصاً حقّه بحبّه إيّانا. (4)

وقيل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، قتل الحسين بن علي عليه السلام،

ص: 411


1- سورة الاسراء : 60.
2- کذا في المجمع ، وفي الأصل : تغليبهم .
3- انظر : کتاب سليم بن قيس : 153، سنن الترمذي : 5/ 414 ح 3350، الکافي : 222/8 ح 280 ، تفسير العيّاشي : 2/ 298 ح 98 ، تفسير القمّي : 431/2، مستدرک الحاکم : 3/ 170 - 171 ، أمالي الطوسي : 2/ 300، إعلام الوري : 46، مجمع البيان : 424/3 ، ترجمة الامام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق : 198 ح 327، مناقب ابن شهرآشوب : 35/4 ۔36، تفسير الرازي : 236/20 ، الکامل في التاريخ : 3/ 407، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 /16 ، تفسير القرطبي : 20 / 132 ، البداية والنهاية :48/10 ، تأويل الآيات: 281/1 ح 12، تفسير الصافي : 351/5 إثبات الهداة :1 /156 ح 16 و ص 366 ح 479، البحار : 44/ 58ح 7، و ج 61/ 155 و ص 168ح 23 ، تفسير نور الثقلين : 3/ 180 ح 281 ، و ج 65/4 - 66ح87.
4- انظر : مقتل الخوارزمي : 71/2 - 72، مجمع البيان : 3/ 424، مناقب ابن شهر اشوب:169/4،البحار :175/45 ضمن ح 22، عوالم العلوم : 17 /409 -410 ضمن ح6، إحقاق الحقّ : 121/12.

فبکي حتي اختلج جنباه ، ثم قال : واذلّاه لأمّة قتل ابن دعيّها ابن بنت

نبیّها.(1)

فهل تجرّوا علي أولياء الله إلّا بکم ؟ وهل ألحدوا في دين الله إلّا بسببکم ؟ ما أقام أبوک ابن صهّاک والياًمن بعده ولا قلّده ولاية عهده إلّا لعلمه بقوّة شقاقه ، وشدّة نفاقه ، وعظيم إلحاده ، وعميم فساده ، فقام عدوّ الله ناسجاً علي منواله ، مقتدياً بأقواله وأفعاله ، فرفع بضبع المنافق الشقيّ ، وأعلا کعب المارق الغويّ ، أعني ابن هند البغيّة ، رأس العصابة الأمويّة ، فولّاه رقاب المسلمين ، وأذلّ بتوليته أعلام المؤمنين ، ومهدّ له قواعد ظلم الأطهار ، وأوضح له مقاصد هضم الأخيار ، وقرن دولته بدولته ، وولايته بولايته ، ثمّ جعل الأمر شوري بعد انقضاء أجله ، وانتهاء أکله ، بيد ابن عوفه قرين الشيطان وأليفه ، رأس الغدرة الکذبة ، أصحاب ليلة العقبة ، الّذين نصبوا الغوائل لنبيّهم ، وأضمروا له القواتل بغیّهم ، وراموا تنفير ناقته ، واستئصال شأفته ، و أطلع الله نبيّه علي ما أضمروا ، وحاق بهم سيئّات ما مکروا.

ما أدخله الزنيم في مشورته ، ولا جعله اللعين قياس نتيجته ، إلا لعلمه بخبث سريرته ، وسوء عقيدته ، وبغضه للحقّ وأهله ، وتعصبه للباطل بقوله وفعله ، فجعلها في البيت الّذي رسخت في الشرک قوائمه ، وشمخت بالظلم دعائمه ، و شقيت بالنفاق شجرته ، وشاعت في الآفاق بدعته .

أوّل الاثمة ، وثالث الظلمة ، وفرع الشجرة الملعونة ورأس الأمّة المفتونة، حتي إذا قام منه زرع الباطل علي سوقه ، وعم المسلمين بظلمه وفسوقه ، أجمعت الأمّة علی خلعه وخذله ، واجتمعت لحربه وقتله ، وسقته من کؤوس

ص: 412


1- مجمع البيان : 61/ 155.

نزول أمير المؤمنين عليه السلام - بعد انقضاء حرب الجمل -

في الرحبة

المنون صبراً ، واخترمته بسيوف الحتوف صبراً، وأعادته طريحاً مهيناً ، وطليحاً ظميناً ، وأخرجه الله من دار الفناء ملوماًمحسوراً ، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ، حتي إذا عاد الحقّ إلي أهله ، والتفت الفرع علي أصله ، وقام بأمر الله وليّه الکامل ، وجاء الحقّ وزهق الباطل ، ظهر کامن غلّک وحسدکِ ، واشتعلت نار البغي في فؤادک وجسدي ، وشيّدت ما شيّد أبوک وعمّکِ، وأظهرت الطلب بدم المخذول بزعمکِ ، ونصر الله الحقّ علي رغمک ، وخاب من سهام الخير وعد سهمک .

ثمّ لم يزل غلّک يغلي عليک ، و حقدک يلقي إليک ، والخنّاس يوسوس في صدرک ، وينفث في سرّک ، حتي أغريت الجبّار العنيد بعداوته ، وحمّلت الشيطان المريد علي مناجزته ، فکفر الطليق بأنعم ربّه ، و أجهد اللصيق جهده في حربه ، ورابطه ثمانية عشر شهراً ، مجدّاً في عداوته سرّاً وجهرة ، فلولا خليفة أبيک ، ونتيجة ذويک . لما حصل ما حصل ، ولا اتصل من اتّصل ، فأنتم أصل البغي وفرعه ، وموقف الظلم وجمعه ، ووتر العدوان وشفعه ، وبصر الشيطان وسمعه ، فلعناً الله علي أصولک الماضية ، وقرونک الخالية ، وجموعک الباغية ، وجنودک الطاغية ، لعنأ لا انقطاع لعدده ، ولانفاد لأمده ، آمين ربّ العالمين .

ولنرجع إلي تمام المجلس :

نزل صلوات الله عليه بعد انقضاء الحرب في الرحبة السادس من رجب وخطب فقال : الحمد لله الّذي نصر وليه ، وخذل عدوّه ، وأعزّ الصادق المحقّ ، وأذلّ الناکث المبطل.

ثمّ إنّه عليه السلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربايجان ، والأحنف

ص: 413

بن قيس من البصرة ، وجرير بن عبد الله البجلي من همذان فأتوه إلي الکوفة ، ووجّه جرير إلي معاوية يدعوه إلي طاعته.(1)

وأمّا عائشة فإنّ أمير المؤمنين ردّها إلي المدينة وأرسل معها قريباً من

مائتي امرأة(2) ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتي لحقت بمعاوية بالشام ووضعت قميص عثمان ملطّخاً بالدم علي رأسها .

فقال عمرو لمعاوية : حرّک لها جوارها نحن (3)، فأخذه معاوية وصعد

المنبر ، فکان من أمر صفّين ما أنا ذاکره :

لمّا قدم جرير علي معاوية يدعوه إلي طاعة أمير المؤمنين عليه السلام توقّف معاوية وماطل جرير وطاوله حتي قدم عليه شرحبيل ، فصعد معاوية المنبر وخطب ، وقال : أيّها الناس ، قد علمتم أنّي خليفة عمر وعثمان ، وقد قتل عثمان مظلوماً ، وأنا وليّه وابن عمه وأولي الناس بالطلب بدمه ، فما رأيکم ؟

فقالوا: نحن طالبون بدمه .

فدعا عمرو بن العاص ووعده أن يطعمه مصر - وکان واليأ عليها من قبل

عثمان - فسار إليه ، وکان يتثاقل في مسيره.(4)

فقال له غلام له يقال له وردان : تفکر في أمرک أنّ الآخرة مع عليّ والدنيا

مع معاوية .

ص: 414


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فأقره في
2- مناقب ابن شهرآشوب : 164/3 .
3- انظر : تاريخ اليعقوبي : 183/2، تذکرة الخواصّ : 81، تاريخ الطبري : 544/4 ،تجارب الأمم : 331/1 ، الکامل في التاريخ : 3/ 258، فقد ذکرت فيهما کيفيّة إرسال عائشة إلي المدينة ، وفي عدد النساء اللاتي أرسلهنّ أمير المؤمنين عليه السلام مع
4- کذا في الأصل . عائشة اختلاف .

کتاب معاوية إلي أهل المدينة، وجواب أهل المدينة له

فقال عمرو: ي اقاتل الله وردانة وفطنته

لقد أصاب الذي في القلب ورداناً (1)

فقال له ابن عمرو : ألا ياعمرو ما أحرزت نصراً ولا أنت الغداة إلي رشادِ أبعت الدين بالدنيا خساراً فأنت لذاک من شرّ العبادِ

[فانصرف جرير ،] (2)وکتب معاوية إلي أهل المدينة : إنّ عثمان قتل مظلوماً، وعليّ آوي قتلته ، فإن دفعهم إلينا کففنا عنه ، وجعلنا الأمر شوري بين المسلمين کما جعله عمر عند وفاته ، فانهضوا معنا - رحمکم الله - إلي حربه.

فأجابوه بکتاب : معاوي إن الحقّ أبلج واضحُ

وليس کما ربصت (3) أنت ولا عمرو

نصبت لک (4)اليوم ابن عفّان خدعة

کما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر

ص: 415


1- البيت في المناقب هکذا : لا قاتل الله ورداناً وابنه أبدي لعمري ما في الصدر وردان .
2- من المناقب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل غير مقروءة .
4- في المناقب : لنا.

کتاب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام

رميتم عليّاً بالّذي لم يضرّه

وليس له في ذاک تسهي(1) ولا أمر

فما ذنبه إن نال عثمان معشر

أتوه من الأحياء يجمعهم مص(2)

وکان علي لازماً قعر بيته

وهمته التسبيح والحمد والذکر

ف ما أنتما لا درّ درّ أبيکما

وذکرکم الشوري وقد وضح الأمر

فما أنتما والنصر منّا وأنتما

طليقا أساري ماتبوح به الخمر(3)وأرسل معاوية أبا مسلم الخولاني بکتاب إلي أمير المؤمنين عليه السلام، من

جملته :

وکان أنصحهم لله خليفته الأوّل ، ثمّ خليفة خليفته ، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلماً ، فکلّهم حسدت ، وعلي کلّهم بغيت ، عرفنا ذلک من (4) نظرک الشزر ، وقولک الهجر ، و تنفّسک الصعداء ، وإبطاؤک عن الخلفاء ، وفي کلّ ذلک تقاد کما يقاد الجمل المغشوش ، ولم تکن لأحدٍ منهم (5) أشدّ حسداً منک لابن

ص: 416


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : سعي.
2- کذا في المناقب ،وفي الأصل غير مقروءة.
3- في المناقب : طليق أساري ما تبوح بها الخمر .
4- في المناقب : ثم .
5- من المناقب .

جواب أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية

عمک ، وکان أحقّهم ألاّ تفعل [ذلک](1)لقرابته وفضله ، فقطعت رحمه ، و قبّحت حسنه ، وأظهرت له العداوة ، وبطنت له بالغشّ ، و الّبت الناس عليه ، فقتل معک في المحلّة ، وأنت تسمع الواعية (2)، لا تدرأ عنه بقول ولا فعل .

فلمّا وصل أبو مسلم وقرأ الکتاب علي الناس قالوا : کلّنا قاتلون ،

ولأفعاله منکرون .

فکان جواب أمير المؤمنين عليه السلام:

وبعد، فإنّي رأيتک قد أکثرتَ في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ، ثمّ حاکم القوم إليّ أحملکم علي کتاب الله وسنة رسوله صلّی الله عليه و آله ، وأمّا الّذي تريده في خدعة (3) الصبي عن اللبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلک [ودون هواک] (4) لعلمت أنّي من أبرأ الناس من دم عثمان ، وقد علمت أنّک من أبناء الطلقاء الّذين لا تحلّ لهم الخلافة.

قال : ثمّ صعد عليه السلام المنبر وحضّهم علي ذلک .

قال ابن مردويه : قال قيس بن أبي حازم التميمي وأبو وائل : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أتفروا إلي بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلي من يقول کذب الله ورسوله .

وجاء رجل من عبس إلي أمير المؤمنين عليه السلام فسئل : ما الخبر ؟

فقال : إنّ في الشام يلعنون قتلة عثمان ، ويبکون علي قميصه.

ص: 417


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : الهائعة
4- في المناقب : وأمّا تلک الّتي تريدها فإنّها خدعة

مکاتبات بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية

فقال عليه السلام : ما قميص عثمان بقميص يوسف ، ولا بکاؤهم عليه إلا

کبکاء أولاد يعقوب ، فامّا فتح الکتاب وجده بياضاً فحولق.

وکتب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام : ليت القيامة قد قامت فتري

المحقّ من المبطل.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : (يَستَعجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤمنُونَ بِهَا

وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا (1)

وکتب معاوية أيضاً إلي أمير المؤمنين - بعد کلام طويل -:

يا عليّ ، اتّق الله ، ولا تفسدنّ سابقة قدمک ، و ذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله ، فإنّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تعمدن بباطل في حقّ من لا حق له ، فإن تفعل ذلک فلن تضرّ إلّا نفسک ، ولا تمحق إلّا عملک .

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام - بعد کلام طويل -

عظتي لا تنفع من حقّت عليه کلمة العذاب ، ولم يخف العقاب ، ولا يرجو الله وقاراً ، ولم يخف إلّا حذاراً (2)، فشأنک وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد الله عزّ وجلّ في ذلک بالمرصاد.

ثم قال في آخر کلامه :

فأنا أبو الحسن قاتل جدّک عتبة ، وعمّک شيبة ، وخالک الوليد بن عتبة ،

وأخيک حنظلة الّذين سفک الله دماءهم علي يدي في يوم بدر ، وذلک السيف معي ، وبذلک القلب ألقي عدوّي .

ص: 418


1- سورة الشوري : 18 .
2- في المناقب : ولم يخف حذارة.

خروج معاوية ونزل صفين

[و من کلامه] (1) ومتي ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناکلين ، وبالسيوف مخوفين ، فالبث قليلاً تلحق الهيجاء جمّل ، فسيطلبک من تطلب ، ويقرب منک من تستبعد ، وأنا مرقل نحوک في جحفل(2) من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم ، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيک وخالک وجدّک ، وما هي من الظالمين ببعيد.

فنهاه عمرو عن مکاتبته ولم يکتب بعدها إلّا بيتاً واحداً: ليس بيني وبين قسيس عتاب غير طعن الکلا وضرب الرقاب

قال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتلت الناکثين وهؤلاء القاسطين وسأقاتل المارقين ، ثمّ سار أمير المؤمنين راکباً فرس رسول الله صلّی الله عليه وآله وقصده في تسعين ألفاً.

قال سعيد بن جبير : منها تسعمائة رجل من الأنصار وثمانمائة من

المهاجرين.

وقال عبد الرحمان بن أبي ليلي : وسبعون رجلاً من أهل بدر ؛ وقيل : مائة

وثلاثون رجلاً.

وخرج معاوية في مائة ألف وعشرين ألف ، يتقدّمهم مروان وقد تقلّد

بسيف عثمان ، فنزل[صفّين](3) في المحرّم علي شريعة الفرات .

ص: 419


1- من المناقب .
2- المرقل : المسرع . والجحفل : الجيش .
3- من المناقب .

نزول أمير المؤمنين عليه السلام بصفين

ومنعوا عسکر أمير المؤمنين عليه السلام من الماء ، فأنفذ أمير المؤمنين

صعصعة (1)بن صوحان العبدي فقال في ذلک عنفاً.

فقال معاوية : أنتم قتلتم عثمان عطشاً.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : رؤوا السيوف من الدماء ترووا من الماء

والموت في حياتکم قاهرين خير من الحياة في دنياکم مقهورين (2)

وقال الأشتر رضي الله عنه : ميعادنا الآن بياض الصبح لا يصلح الزاد بغير ملح

وحملوا في سبعة عشر ألف رجل حملة واحدة فغرق بعضهم وانهزم الباقون من عسکر معاوية ، فملک الشريعة أصحاب علي عليه السلام ، فأمر أمير المؤمنين أن لا يمنعونهم من الماء ، وکان نزوله عليه السلام بصفّين لليال بقين من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين ، فأمر معاوية النقّابين أن ينقّبوا تحت عسکر علي أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال أمير المؤمنين : فلو آنّي أطعت عصيت قومي إلي رکن اليمامة أو شئام ولکنّي إذا أبرمت أمراً تخالفني أقاويل الطغام فتقدّم الأشتر وقتل صالح بن فيروز العکّي (3)ومالک بن الأدهم وزيد(4) بن عبيد

ص: 420


1- في المناقب : شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة
2- في المناقب : في موتکم قاهرين .
3- کذا في وقعة صفّين :174 ، وفي الأصل : العاملي ، وفي المناقب : العتلي. وفي وقعة صفّين هکذا عد الباقين : و مالک بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيک الغسّاني ، والأجلح بن منصور الکندي - وکان فارس أهل الشام - وإبراهيم بن وضَّاح الجمحي، وزامل بن عبيد الحزامي ، ومحمد بن روضة الجمحي
4- في المناقب : زياد.

تعبئة الجيشين للقتال

الکناني وزامل بن عبيد الخزاعي ومالک بن روضة الجُمحي مبارزة، وطعن الأشعث لشُرَحبِيل بن السَّمط ولأبي الأعور السلمي ، فخرج حوشب ذو الظليم وذو الکلاع في نفر فقالوا : أمهلونا هذه الليلة :

فقالوا : لا نبيت إلّا في معسکرنا ، فانکشفوا۔

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر (1)بن

عمرو الأنصاري إلي معاوية ليدعواه إلي الحقّ فانصرفا بعد ما احتجّا عليه.

ثمّ أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام [شبث بن ربعي و ](2) عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وزياد بن خصفة(3) بمثل ذلک ، فکان معاوية يقول : سلّموا إلينا قتلة عثمان النقتلهم به ، ثمّ نعتزل الأمر حتي يکون شوري ، فتقاتلوا في ذي الحجّة وأمسکوا في المحرم ، فلمّا استهلّ صفر سنة سبع وثلاثين أمر أمير المؤمنين عليه السلام فنودي في عسکر الشام بالاعذار والانذار ، ثمّ عبّي عسکره فجعل علي ميمنة الجيش الحسنين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل ، وعلي ميسر ته محمد بن الحنفيّة ومحمد بن أبي بکر وهاشم بن عتبة المرقال ، وعلي القلب عبدالله بن العبّاس والعبّاس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث ، وعلي الجناح سعد (4)بن قيس الهمداني وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعديّ بن حاتم ، وعلي الکمين عمّار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الکناني وقبيصة بن

ص: 421


1- في وقعة صفّين : بشير . وأضاف إليهما شبث بن ربعي التميمي.
2- من وقعة صفّين والمناقب
3- کذا في وقعة صفّين ، وفي الأصل والمناقب : حفص
4- کذا في وقعة صفين والمناقب ، وفي الأصل : سعيد . وکذا في الموضع الآتي

جابر الأسدي .

وجعل معاوية علي ميمنته ذا الکَلاع الحميري وحوشب ذا الظليم ، وعلي

الميسرة عمرو بن العاص وحبيب بن مَسلمة ، وعلي القلب الضحّاک بن قيس الفهري وعبد الرحمان بن خالد بن الوليد ، وعلي الساقة بسر بن أرطاة الفهري ، وعلي الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري وهمام بن قبيصة النمري ، وعلي الکمين أبا الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي .

فبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلي معاوية أن أخرج إليّ أبارزک ، فلم يفعل ، وقد جري بين العسکرين أربعون وقعة تغلّب فيها أهل العراق : أوّلها يوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن مسلمة ، والثانية بين المرقال و(أبي) (1)الأعور السلمي ، والثالثة بين عمّار وعمرو بن العاص ، والرابعة بين محمد بن الحنفيّة وعبيد الله بن عمر ، والخامسة بين عبد الله بن عبّاس والوليد بن عقبة ، والسادسة بين سعد بن قيس وذي الکلاع، إلي تمام الأربعين ، وکان آخرها ليلة الهرير(2)

ولأبطال أهل العراق مع أبطال أهل الشام وقعات وحروب وأشعار الانطوّل بذکرها خوف الملل ، ففي بعض أيّامها جال أمير المؤمنين عليه السلام

في الميدان قائلاً :

أنا علي فاسألوني تخبروا ثمّ ابرزوا لي في الوغي وابتدروا سيفي حسام وسناني يزهرُ منّا النبيّ الطاهر المطهّرُ وحمزة الخير ومنّا جعفر وفاطمُ عرسي وفيها مفخرُ

ص: 422


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 164/3-169.

بدء المبارزات بين الطرفين

هذا لهذا وابن هند محجرُ مذبذب مطرد مؤخّر

فاستلحقه(1) عمرو بن الحصين السکوني علي أن يطعنه فرآه سعيد بن

قيس فطعنه .

وأنفذ معاوية ذا الکلاع إلي بني همدان فاشتبکت الحرب بينهم إلي الليل ،

ثم انهزم أهل الشام ، وأنشد أمير المؤمنين عليه السلام :

فوارس من همدان ليسوا بعزل غداة الوغي من شاکر وشبام يقودهم حامي الحقيقة ماجد سعيد بن قيس والکريم محام جزي الله همدان الجنان فإنّهم سهام العدي في يوم کل حمام(2)

ونادي خالد السدوسي من أصحاب علي عليه السلام : من يبايعني علي الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف ، فقاتلوا حتي بلغوا فسطاط معاوية ، فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه ، وأنفذ معاوية إليه : يا خالد ، لک عندي إمرة خراسان[متي] (3) ظفرت فاقصر ويحک عن فعالک هذا ، فنکل عنه ، فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلي الليل .

وخرج حمزة بن مالک الهمداني من أصحاب معاوية قائلاً لهاشم

المرقال :

يا أعور العين ومافينا عور تبغي ابن عفّان و نلحَي مَن غَدَر (4)

ص: 423


1- في المناقب : فاستخلفه .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 171 - 172 .
3- من المناقب .
4- أورد الأرجاز في وقعة صفين : 367 هکذا : يا أعورَ العين وما بي من عَوَر أثبُت فإنّي لستُ من فَزعَي مُضر نحن اليمانون وما فينا خَوَر کيفَ تري وقع غُلام من عُذَر يَنعي ابن عَفّانٍ ويَلحی مَن غَدَر سِيَّان عِندِي مَن سَعَي ومن أمَر

استشهاد هاشم المرقال و عبدالله بن بديل الخزاعي

فقتله المرقال ، فهجموا علي المرقال فقتلوه رحمة الله عليه ، فأخذ سفيان بن الثور رايته(1) فقاتل حتي قتل ، فأخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتي قتل، فأخذها أبو الطفيل الکناني مرتجزاً: يا هاشم الخير دخلت الجنّه قتلت في الله عدوّ السنّه (2)

فقاتل حتي جرح فرجع القهقري ، وأخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء

الخزاعي مرتجزاً :(3)

أضربکم ولا أري معاويه برج العين العظيم الحاويد فيها کلاب عاويه.(4)

فهجموا عليه فقتلوه ، فأخذها عمرو بن الحمق وقاتل أشدّ قتال ، وخرج من أصحاب معاوية ذو الظليم ، وبرز من عسکر عليّ عليه السلام سليمان بن صرد الخزاعي ، وحملت الأنصار معه حملة رجل واحد ، فقُتل ذو الظليم وذو

ص: 424


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فجر شيبان بن الثور رأسه . وهو تصحيف.
2- أورد الأرجاز في وقعة صفين : 309 هکذا يا هاشم الخَيرِ جُزيتَ الجنّة قتلتَ في اللهِ عدُوَّ السُّنَّه والتَّارکي الحقّ وأهلَ الظنَّه أعظِم بِما فُزتَ بِهِ من مِنَّه صیَّرني الدَّهرُ کأنّي شَنَّه يا ليتَ أهلِي قَد عَلَوني رَنَّه و من حَوبةٍ وعَمَّةٍ وَکَنَّه
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : خاوية.
4- نسب هذه الأرجاز في وقعة صقين: 399 إلي مالک الأشتر ، وبهذا اللفظ : أضربُهُم ولا أرَي مُعاوِيَة الأخزَرَ العَينِ العظيمَ الحاوِيَة هوت به في النار أمُّ هاويَة جَاوَرَهُ فيها کِلابُ عاوِيَة أغوي طَغاماً لاهَدَتهُ هادية.

الکلاع وساروا (1)إليهم وکاد معاوية يؤخذ .

وخرج عُبيد الله بن عمر ودعا محمد بن الحنفية إلي البراز ، فنهض محمد

فنهاه أبوه ، وکان لعنة الله عليه وعلي أبيه يقول : أنا عُبيد الله ينميني عمر خيرُ قريشٍ مَن مَضيَ ومن غَبر

فقتله عبد الله بن سوار ؛ ويقال : حريث بن خالد(2) ؛ ويقال : هانيء بن الخطّاب ؛ ويقال : محمد بن الصبيح ، فأمر معاوية بتقديم سبعين راية ، وبرز عمّار في رايات ، فقُتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل ، ومن أصحاب عليّ مائتا رجل.

وخرج العراد بن الأدهم ودعا العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب ، فقتله العباس ، فنهاه عليّ عليه السلام عن المبارزة ، فقال معاوية : من قتل العبّاس فله عندي کذا ما يشاء ، فخرج رجلان لخميان (3)، فدعاه أحدهما إلي البراز .

فقال : إن أذن لي سيّدي أبارزک ، وأتي عليّاً عليه السلام ، فلبس علي

سلاح العباس ، ورکب فرسه متنکرّاً.

فقال الرجل : أذن لک سيّدک ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أُذِنَ

لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا)(4) فقتله ، ثمّ برز الآخر، فقتله.

ص: 425


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل ، و ساير ، وفي وقعة صفين : واستدار القوم .
2- في وقعة صفّين : 299 : څريث بن جابر الحنفيّ .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : نحيبان . واللخم : حي باليمن .
4- سورة الحج : 39.

استشهاد أويس القرني

وخرج حَجل بن عامر (1) العبسي فطلب البراز ، فبرز إليه ابنه (2)آثال ، فلمّا رآه أبوه قال : انصرف إلي أهل الشام فإنّ فيها أموالا جمة فقال أبنه : يا أبة انصرف إلينا فجنّة الخلد مع عليّ.

وعبّي معاوية أربعة صفوف فتقدّم أبو الأعور السلمي يحرّض أهل الشام، ويقول : يا أهل الشام ، إيّاکم والفرار فإنّه سبّة وعار ، فدقّوا (3)[علي] أهل العراق، فإنّهم أهل فتنة ونفاق ، فبرز سعيد بن قيس وعديّ بن حاتم والأشتر والأشعث ، فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفّاً ، وانهزم الباقون.

وبرز عبدالله بن جعفر فقتل خلقا کثيراً حتي استغاث عمرو بن العاص، وأتي أويس القرني وهو متقلّد بسيفين ؛ وقيل : کان معه مرماة ومخلاة من الحصي ، فسلّم علي أمير المؤمنين عليه السلام و ودعه وبرز مع (4)رجّالة ربيعة ، فقتل من يومه ، فصلّی عليه أمير المؤمنين ودفنه .

ثمّ إنّ عمّار کان يقاتل ويقول : نحن قتلناکم(5) علي تنزيله ثمّ قتلناکم علي تأويله ضرباً يزيل الهامَ عن مَقيله ويذهل الخليلَ عن خليلهِ(6)

ص: 426


1- في الأصل والمناقب : حجل بن أثال ، والصحيح ما أثبتناه وفقاً لوقعة صفّين: 443.
2- کذا في المناقب ، وهو الصحيح ، وفي الأصل : أبوه .
3- من المناقب .
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : معه.
5- في المناقب : ضربنا کم.
6- أورد الرجز في وقعة صفين : 341هکذا : نحن ضربناکم علي تنزيله فاليوم نضربکم علي تأويله ضرباً يُزيلُ الهامَ عن مَقيلِه ويذهل الخليلَ عن خليلهِ؟ أو يَرجِعَ الحقُّ إلي سبيلهِ وما في المناقب يختلف عمّا هو في الأصل ورقعة صفّين .

بروز أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن العاص متنکرا

ثمّ قال : والله لو قتلونا حتي بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ

وهم علي الباطل (1)

وبرز أمير المؤمنين عليه السلام ودعا معاوية وقال : أسألک أن تحقن دماء المسلمين وتبرز إليّ وأبرز إليک ، فيکون الأمر لمن غلب ، فبهت معاوية ولم ينطق بحرف ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الميمنة فأزالها، ثمّ حمل علي الميسرة فطحنها ، ثمّ حمل علي القلب وقتل منهم جماعة، ثمّ أنشد :

فهل لک في (2)أبي حسن عليّ لعلّ الله يمکّن من قفاکا دعاک إلي البراز فکعت عنه ولو بارزته تربت(3) يداکا

وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام وخرج متنکّراً ، فخرج عمرو بن

العاص مرتجزاً :

يا قادة الکوفة من أهل الفتن يا قاتلي عثمان ذاک المؤتمن کفي بهذا حَزَنا مِن (4) الحَزَن أضربکم ولا أري أبا الحسن(5)

ص: 427


1- قوله : «ثمّ قال : والله علي الباطل» ليس في المناقب . وسيأتي هذا الکلام مکرّراً في ص 450، فراجع .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : من .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : تبت . وانظر الأبيات في وقعة صفين : 432.
4- في المناقب : مع
5- رويت هذه الأرجاز والأرجاز التي تليها في وقعة صفّين : 371 منسوبة إلي عمرو بن العاص ، وبهذا اللفظ : أنا الغلام القرشيّ المؤتمن الماجدُ الأبلجُ ليث کالثَّطن يرضي به الشامُ إلي أرض عدن يا قادة الکوفة من أهل الفتن يأيّها الأشرافُ من أهل اليمن أضَربُکُم وَلَا أري أبا حسن أعني عليّاً وابنَ عمَّ المؤتَمَن کفي بهذا حَزَناً من الحَزَن.

فتناکل(1)عنه عليّ عليه السلام رجاء أن يتبعه عمرو ، فتبعه ، فرجع أمير

المؤمنين إليه مرتجزاً أنا الغلام القرشي المؤتمن الماجدُ الأبلجُ ليث کالشَّطن (2) يرضي به السادة من أهل اليمن [من ساکني نجد ومن أهلِ عَدَن](3) أبو الحسين فاعلمن وأبو الحسن جاک يقتاد العنان والرسن

فولّي عمرو هارباً ، فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه ، فاستلقي

علي قفاه وأبدي عورته ، فصفح عنه أمير المؤمنين استحياء وتکرّماً .

فقال له معاوية : أحمد الله الّذي عافاک ، وأحمد استک الّذي وقاک.

في ذلک يقول أبو نؤاس : فلا خير في دفع الأذي(4) بمذلّة کما ردّها يوماً بسوء ته عمرو

ثمّ دعا أمير المؤمنين معاوية إلي البراز ، فنکل عنه ، فخرج بسر بن أرطاة

طامعاً في علي ، فصرعه أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستلقي علي قفاه وکشف عورته ، فانصرف عليّ عليه السلام.

فقال أهل العراق (5): ويلکم يا أهل الشام ، أما تستحيون من معاملة

المخانيث ؟! لقد علّمکم رأس المخانيث عمرو في الحرب کشف الاساءة.

ولمّا رأي معاوية کثرة براز عليّ أخذ في الخديعة ، فأنفذ عمرو إلي ربيعة

ص: 428


1- أي نکص وأظهر الجبن .
2- الأبلج : المشرق الوجه أو منفصل الحاجبين . والشطن : الحبل المضطرب أو الطويل
3- من المناقب ، وليس فيه العجز الأخير : «جاک يقتاد...»..
4- في المناقب : الردي .
5- نسب هذا القول في المناقب إلي أمير المؤمنين عليه السلام .

مکاتبات بين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس

فوقعوا فيه ، فقال : اکتب إلي ابن عباس وغيره ، فکتب : طال البلاء فما يدري له آسِ بعد الإله سوي رِفق ابن عبّاس

فکان جواب ابن عبّاس : يا عمرو حسبک من خُدعٍ ووَسواسِ

فاذهب فمالک في ترک الهدي(1)آس

إلا بوادر (2) طعن في نحورکم

تشجي النفوس له في النقع إفلاسِ

إن عادت الحرب عدنا فالتمس هرباً

في الأرض أو سلّماً في الأُفق يا قاسي

ثمّ کتب إليه معاوية أيضاً:

إنّما بقي من قريش ستّة نفر : أنا وعمرو بالشام، وسعد وابن عمر في الحجاز ، وعلي وأنت في العراق ، علي خطبٍ عظيم، ولو بويع لک بعد عثمان

الأسرعنا فيه .

فأجابه ابن عبّاس :

دعوتَ ابن عبّاس إلي السلم خدعة (3)

وليس لها حتي تموت بقابِل(4)

ص: 429


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الأذي .
2- البوادر : جمع البادرة ، طرف السهم من جهة النصل . وفي وقعة صفّين : 413 : تواتر
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بدعة.
4- في المناقب : بخادع . والأبيات طويلة وردت في وقعة صفّين : 416 منسوبة إلي الفضل ابن عبّاس .

کتاب معاوية إلي أمير المؤمنين عليه السلام، وجواب أمير المؤمنين له

وکتب إلي عليّ عليه السلام :

أمّا بعد ، فإنّا لو علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبک ما بلغت لِمَ تجهّمنا بعضنا علي بعض ؟ وإن کنّا قد غلبنا علي عقولنا فقد بقي لنا ما نرمّ(1) به ما مضي ، ونصلح به ما بقي ، وقد کنت سألتک الشام علي ألّا تلزمني لک طاعة ولا بيعة ، فأبيتَ ، وأنا أدعوک اليوم إلي ما دعوتک إليه أمس ، فإنّک لا ترجو من البقاء إلّا ما أرجو ، ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف ، وقد والله رقت الأجساد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل علي بعض يستذلّ به عزيز ، ويسترقّ به حرّ.

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام :

أمّا قولک إنّ الحرب قد أکلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت ، ألا ومن أکله الحقّ فإلي النار ، وأمّا طلبک إلي الشام فإنّي لم أکن لأعطيک [اليوم](2)ما منعتک أمس ، وما استواؤنا في الخوف والرجاء (3)، فلست أمضي علي الشک متي علي اليقين ، وليس أهل الشام علي الدنيا بأحرص من أهل العراق علي الآخرة.

وأمّا قولک إنّا بنو عبد مناف فکذلک نحن ، وليس أميّة کهاشم ، ولا حرب کعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان کأبي طالب ، ولا الطليق کالمهاجر ، ولا الصريح کاللصيق ، ولا المحقّ کالمبطل ، ولا المؤمن کالمدغل ، وفي أيدينا فضل النبوّة الّذي أذللنا به العزيز ، وأنعشنا به الذليل ، وبعنا بها الحرّ.

ص: 430


1- في المناقب : نصلح . وکلاهما بمعني واحد .
2- في المناقب : والرضا.
3- من المناقب .

وأمر معاوية ابن خَديج الکندي أن يکاتب الأشعث ، والنعمان بن بشير أن يکاتب قيس بن سعد في الصلح ، ثمّ أنفذ عمر و حبيب بن مسلمة والضحاک بن قيس إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا کلّموه قال : أدعوکم إلي کتاب الله وسنّة رسوله ، فإن تجيبوا إلي ذلک فللرشد أصبتم ، وللخير وفّقتم ، وإن تأبوالم تزدادوا من الله إلّا بعداً.

فقالوا : قد رأينا أن تنصرف عنّا فنخلّي بينکم وبين عراقکم ، وتخلّون

بيننا وبين شامنا ، فتحقن (1) دماء المسلمين.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لم أجد إلّا القتال أو الکفر بما أُنزل علي

محمد صلّي الله عليه و آله.

ثمّ برز الأشتر وقال : سوّوا صفوفکم.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس ، من يبع يربح في هذا اليوم - في کلام له - ألّا إنّ خضاب النساء الحنّاء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير في عواقب الأمور ، ألّا إنّها إحن بدريّة ، وضغائن أحديّة ، وأحقاد جاهليّة، ثمّ قرأ عليه السلام : (فَقَاتِلُوا أئمَّةَ الکُفرِ إنَّهُم لَا أيمَانَ لَهُم لَعَلَّهُم يَنتَهُونَ)(2)

ثمّ تقدّم عليه السلام وهو يرتجز : دُبُّوا دَبِيبَ النَّملِ لا تفُوتوا

وأصبِحُوا فِي حَربِکُم وَبِيتَوا

ک يما تَنَالُوا الدين أو تَمُوتوا

أو لَا فإنَي طَالما

عُصِيتَ

ص: 431


1- في المناقب: فتحن نحقن
2- سوره التوبه :12

استشهاد أبي الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر

قد قُلتم لو جئتنا فجيتُ(1) ثمّ حمل عليه السلام في سبعة آلاف(2) رجل فکسروا الصفوف . فقال معاوية لعمرو : اليوم صبر وغداً فخر.

فقال عمرو : صدقت ، ولکنّ الموت حقّ ، والحياة باطل ، ولو حمل عليّ

في أصحابه حملة أخري فهو البوار .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فما انتظارکم إن کنتم تريدون الجنّة ؟ فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلاً: أحمد ربّي فهو الحميد ذاک الّذي يفعل ما يريد

دين قويم وهو الرشيدُ

فقاتل حتي قُتل . وبرز عمّار بن ياسر ، وکان له من العمر ثمانون سنة ، فجعل يقول: اليوم نلقي الأحبّه محمداً وحزبه

والله والله لو قتلونا حتي بلغوا بنا سعفاتِ هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وهم علي الباطل ، وهو الّذي قال رسول الله صلي الله عليه و آله في حقّه : عمّار جلدة بين عيني ، تقتله الفئة الباغية لأنالهم شفاعتي» (3)، فقاتل

ص: 432


1- انظر ديوان الإمام علي بن أبي طالب (طبعة دار الکتاب العربي) : 54 ففي آخره : قَد قُلُتُمُ لَو جِئتَنا فَجِيتُ لَيسَ لکّم ما شِئتُم وَشِيتُ بَل ما يريدُ المُحيِيُ المُمِيتُ
2- في المناقب : في سبعة عشر ألف .
3- انظر الأحاديث الغيبية :218/1 - 228.

استشهاد خزيمة بن ثابت الأنصاري

حتي قُتِل. (1)

وبرز خزيمة بن ثابت الأنصاري قائلاً : کم ذَا يُرجّي أن يعيشَ الماکثُ والناس موروث ومنهم وارث

هذا عليُّ مَن عَصاه ناکثّ(2)

فقاتل حتي قتل . وبرز عدي بن حاتم قائلاً أبعد عنا وبسعد هاشم وابن بديل صاحب الملاحم

ترجو البقاء من بعد با اين حاتم(3)

فما زال يقاتل حتي فقئت عينه . وبرز الأشتر قائلاً : سيروا إلي اللهِ ولا تعرَّجوا دينُ قويمُ و سبيل مُنهَجُ(4)

وقتل جندب بن زهير ، فلم يزالوا يقاتلوا حتي دخلت وقعة الخميس وهي ليلة الهرير ، وکان أصحاب عليّ عليه السلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسکر معاوية ، ويقولون : عليّ المنصور ، وهو عليه السلام يرفع رأسه إلي السماء ساعة بعد ساعة ويقول : اللّهمّ إليک نقلت الأقدام ، وإليک أفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، ومدّت الأعناق ، وطلبت الحوائج ، وشخصت الأبصار . اللّهمّ افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين .

ص: 433


1- قوله : «وبرز عمّار...حتي قُتِل» لم يرد في المناقب .
2- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين : 398.
3- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين : 403.
4- انظر هذه الأرجاز في وقعة صفّين :404.

وکان عليه السلام يحمل عليهم مرّة بعد مرّة ويدخل في غمارهم ويقول: الله الله في البقيّة ، الله الله في الحرم والذرّيّة ، فکانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل، فلمّا أصبح صلوات الله عليه کان القتلي من عسکره أربعة آلاف رجل ، وقتل من عسکر معاوية اثنين وثلاثين ألفاً ، فصاحوا : يا معاوية ، هلکت العرب، فاستغاث بعمروٍ ، فأمره برفع المصاحف .

قال قتادة : کانت القتلي يوم صفّين ستّون ألفاً . وقال ابن سيرين : سبعون ألفاً ، وهو المذکور في أنساب الأشراف ، ووضعوا علي کلّ قتيل قصبة ، ثمّ عدّوا القصب. (1)

قلت : أعظم بها فتنة يملّ من رصفها البنان ، ويکلّ عن وصفها اللسان، ويخفق لذکرها الجنان ، ويرجف لهولها الانسان ، طار شررها فعمّ الآفاق، وسطع لهبها فعم بالاحراق ، وارتفع رهج سنابکها فبلغ أسباب السماء ، وضاقت سبيل مسالکها فانسدّ باب الرجاء.

يالها فتنة اطّيّرت رؤوس رؤوسها عن أبدانها ، وابترت نفوس قرومها بخرصانها ، وبرقت بوارق صفاحها في غمائم عبر تھا ، وضعفت رواعد هزبر أبطالها في سحائب مزنها ، قد کفر النقع شمسها، وأخرس الهول نفسها ، وأبطلت مواقع صفاحها حرکات أبطالها ، وصبغت أستة رماحها أثباج رجالها بحرباتها، لا يسمع فيها إلا زئير أسد غابها سمر القنا ، ولا تري منها إلّا وميض بريق مواضي الأستة والضبا، کم افترست ثعالب عواملها ليثاً عبوساً؟ وکم اخترمت بحدود مضاربها أرواحة ونفوسة ؟ وکم أرخصت في سوق قيامها علي ساقها نفيساً ؟ وکم أذلّت بتواصل صولات حملات

ص: 434


1- مناقب ابن شهرآشوب : 174/3 - 181 ، عنه البحار : 32/ 580 - 589.

قرومها رئيساً ؟

أبدان الشجعان ضرام وقودها ، وأجساد الأمجاد طعام حديدها ، ما صيحة عاد و ثمود بأهول من وقعة صفعتها ، ولا ظلّة أصحاب الأيکة بأصحي من ظلمة ظلّتها ، طفي نحرها فأعرق ، واضطرم جرها فأحرق ، وعمّ قطرها فاجتاج فرعها وأصلها، ودارت رحي منونها فطحنت خيلها ورجلها ، صبح

عادياتها يذهل السامع، وقارعة قوارعها تصخّ المسامع ، تزلّ الأقدام التکاثر زلزالها ، ويحجم الأبطال لخطر نزالها، اختلط خاثرها بزبادها ، وأشبهت أمجادها بأوغادها ، وموافقها بمنافقها ، ومخالفها بموالفها ، ودنيّها بشريفها ، وصريحها بحليفها ، وبرّها بفاجرها ، ومؤمنها بکافرها، فئة تقاتل في سبيل الله وآخري کافرة ، وفرقة تبتغي عرض الحياة الدنيا وفرقة ترجو ثواب الآخرة.

قد فتحت أبواب الجنان الأرواح بذلت وسعها في طاعة ربّها ووليّها ، وشجرة درکات النيران لأنفس أخلفت عهد إمامها ونبيّها ، طالت ليلة هريرها فکم حلايلاً تمت ؟ واضطربت حطمة سعيرها فکم أطفالاً أيتمت ؟ امتدت ظلمتها ، واشتدت سدفتها ، وثلمت صفاحها ، وحطمت رماحها ، وعلا ضجيجها، وارتفع عجيجها ، وتکادمت فحولها ، وتصادمت خيولها ، وتزاّرت آسادها ، و تقطّرت أمجادها.

وکان أمير المؤمنين عليه السلام نجمها الثاقب ، وسهمها الصائب ، وليثها الخادر ، وعينها الهامر ، وبحرها الزاخر ، وبدرها الزاهر ، کم أغرق في لجة بطشه منافقاً ؟ وکم أخرق بشهاب سيفه متنافقأ ؟

جبريل في حروبه مکتب کتابته ، وميکائيل في وقائعه يعجب من

ص: 435

ضرائبه، وملک الموت طوع أمر حسامه ، وروح القدس يفخر بثبات جأشه وإقدامه .

کم فلّ بحدّ غضبه حدّاً ؟ وکم قدَّ بعزم ضربه قداً؟ وکم عفّر في الثري

بصارمه جبيناً و خدّاً ؟ وکم بني للاسلام بجهاده فخراً و مجداً؟

أمثّله في فکرتي ، وأصوّره في سريرتي ، في حالتي مسيره بکتائبه إلي خصمه ، وجلوسه علي وسادته لنشر غرائب علمه ، طوداً يقلّه طرف ، وبحراً يظلّه سقف ، إن تکلّم بيّن وأوضح ، وإن کلم هشم و أوضح ، يقط الأصلاب بضربه ، ويقصّ الرقاب في حربه، آية الله في خلقه ، ومعجز النبيّ علي صدقه، و مساويه في وجوب حقّه ، ومضاهيه في خَلقه وخُلقه ، أفضل خلق من بعده، وأشرف مشارک له في مجده ، کلّ من الرسل الأولي عاتبه ربه علي ترک الأولي؛ قال سبحانه في آدم :( وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی)(1)، وفي نوح : (إنّي أعِظُکَ أن تَکُونَ مِنَ الجَاهِليِنَ) (2) وفي الخليل : (قَالَ أوَلَم تُؤمِن) (3) وفي الکليم :

(فَعَلتُهَا إذاً وأنَا مِنَ الضَّالَّينَ)(4)، وفي داود : (وَظَنَّ دَاوُدَ أنَّمَا فَتَنَّاهُ) (5) وفي سليمان : (إنّي أحبَبتُ حُبَّ الخَيرِ عَن ذِکرِ رَبَّي )(6)، وفي يونس : (وَذَا النُّونِ إذ َذهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ ) (7)

وأمير المؤمنين باع نفسه من ربّه ، وحبس قلبه علي حبّه ، ووقف

ص: 436


1- سورة طه : 121.
2- سورة هود : 46.
3- سورة البقرة :260.
4- سورة الشعراء : 20 .
5- سورة ص : 24.
6- سورة ص : 32.
7- سورة الأنبياء : 87.

جسده علي طاعته ، وفرغ روحه لمراقبته ، أطلعه سبحانه علي جلال عظمته ، وکمال معرفته ، وسقاه من شراب حبه ، واختصه بشرف قربه ، فما في فؤاده إلّا إيّاه ، وما في لسانه إلّا ذکراه ، يفني وجوده في شهوده إذا هو ناجاه ، ويصفو أبحر ندّه في سجوده عمّا سواه ، قد استشعر لباس المراقبة ، وحاسب نفسه قبل المحاسبة.

يأنس بالظلام إذا الليل سجي ، ويستضيء بأنوار الکشف إذا الغسق دجا، ويستوحش من الخلق في حال خلوته مع حبيبه ، ويستنشف نفحات الحق إذ هو کمال مطلوبه ، رقي تقدّم صدقه صفوف الکروبيّين بروحانيّته ، وطار بقوادم عشقه ففات أشباح الصافّين الحافّين بإخلاص محبته ، جذبته يد المحبة بزمام العناية إلي حضرة معشوقه ، وأزاحت کدورات الطبيعة عن مسالک طريقه ، حتي إذا آپس من جانب طور قيّوم الملکوت أنوار عظمته ، واستأنس بمناجاة صاحب العزّة والجبروت واطلع علي أسرار الهيته ، وقرع بيد إخلاصه شريف بابه ، وأصغي بصماخ (وَتَعَيِهَا أُذُنُ وَاعِيَةُ)(1) إلي لذيذ خطابه ، وأشعر قلبه لباس الخضوع بين يديه ، وأحضر لبّه جلال من وجّه مطايا عزمه إليه ، وشاهد بعين يقينه عزّة هيبة سلطانه ، وقطع العلائق عمّا سوي القيام بشروط الخدمة الکبرياء عظم شأنه .

کشف فياض العناية به الحجاب عن جلال کمال عزّته ، ورفع النقاب عن ذلک الجناب فأدرک بکمال عرفانه بهجة حضرته ، أجلسه علي بساط المنادمة في غسق الدجا ، وناجاه بلسان المحبة وقد برح الخفا ، وسقاه بالکأس الروية من شراب ( يُحِبُّهُم وَيُحبُّونَهُ)(2) ويشب في مدارج السلوک إلي عين اليقين

ص: 437


1- سورة الحاقة : 12.
2- سورة المائدة : 54.

يقينه ، و توّجه بتاج وإنَّمَا وَليُّکُمُ) (1)ونفعه نحلة (وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقيِماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّق بِکُم) (2)وجعل له الرئاسة العامّة في خلقه ، وقرن طاعته بطاعته ، وحقّه بحقّه ، وأثبت في ديوان الصفيح الأعلي منشور عموم ولايته ، ووقّع بيد القدرة العليا توقيع شمول خلافته ، يطالع رهبان صوامع العالم الأشرف في اللوح المحفوظ أحرف صفاته ، ويصغي بصماخ توجّهاتها إلي لذيذ مناجاته ، فتحتقر شدّة کدحها في طاعة ربّها في حبّ طاعته ، وتري عبادتها لمبدعها کالقطرة في اليمّ في جانب عبادته.

باهي الله به ليلة الفراش (3) أمينيه جبرئيل و ميکائيل ، وناداهما بلسان الابتلاء وهو العالم من أفعال عباده بکلّ دقيق و جليل : إني قد جعلت عمر أحدکما أطول من عمر الآخر ، فأیّکما يؤثر أخاه بالزيادة ؟ فکلّ منهما بخل ببذل الزيادة لأخيه ، وتلکأ عن جواب صانعه و منشيه ، فأوحي إليهما : هلاکنتما کابن أبي طالب ؟! فإنّه آثر أخاه بالبقية من أجله، وبات مستاقا (4)بسيوف الأعداء من أجَله ، اهبطا إلي الأرض فاحسنا کلاءته وحفظه ، وامنعاه من کيد عدوه في

حالتي المنام واليقظة.

وکذلک يوم أُحد وقد ولّوا الأدبار ، واعتصموا بالفرار ، وأسلموا الرسول إلي الجبن ، ولم يعد بعضهم إلّا بعد يومين ، هذا ووليّ الله يتلقّي عنه السيوف

ص: 438


1- سورة المائدة : 50.
2- سورة الأنعام : 152.
3- حديث مبيت أمير المؤمنين علي عليه السلام علي فراش رسول الله صلّی الله عليه و آله من الأحاديث المتواترة والمشهورة ، انظر : الفصول المائة في حياة أبي الأئمّة : 1/227 - 263 فقد أوفي الکلام في هذا الحديث
4- کذا في الأصل .

بشريف طلعته ، ويمنع عوامل الحتوف بشدة عزمته ، حتي باهي الله يومئذ ملائکته ببطشه القوّي ، ونادي منادٍ من السماء : لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتي إلّا

عليّ

وفي بدر إذا التقي الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، وشخصت الأعين، وخرست الألسن ، وجبت الجيوب ، ووجبت القلوب ، کان صلوات الله عليه و آله قاصم أبطالها ، وميتمّ أشبالها ، وليث ناديها ، وصل داريها ، صب الله بشدة بطشه علي أعدائه سوط عذابه ، وأنزل بالملحدين في آياته من صولة سطوته وخيم عقابه .

صاحب بطشتها الکبري ، وناصب رايتها العظمي ، جعل الله الملائکة المسومين فيها من جملة حشمه وجنده ، ولواء الفتح المبين خافقاًعلي هامة رفعته ومجده ، وشمس الشرک ببدر وجهه مکوّرة ، وجموع البغي بتصحيح عزمه مکشرة ، وهل أتاک نبأ الخصم الألد ؟ أعني مقدام الأحزاب عمرو بن ود البطل الأعبل ، وفارس يليل ، إذ أقبل برز کالليث القرم ، ويهدر کالفحل المغتلم، ويصول مدلاً بنجد ته ، ويجول مفتخراً بشدته ، ويشمخ بأنفه کبراً، ويبذخ بخده صعراً، قد تحامته الفرسان خوفاً من سطوته ، وأحجمت عنه الشجعان حذرة من صولته ، وانهلعت قلوب الأبطال لما طبق الخندق بطرفه ، وذهلت عقول الرجال لما شزرهم بطرفه ، کالأسد الکاسر في غابه ، أو النمر الکاشر عن نابه ، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وأحجمت الأنصار لما سمعت زئير الأسد المبادر ، وامتدّت نحوه الأعناق ، وشخصت إليه الأحداق ، وخشعت الأصوات، وسکنت الحرکات ، وهو يؤنّب بتعنيفه ، ويجبر بتأفيفه .

فعندها أشرق بدر الحقّ من شفق الفتوة ، وطلعت شمس المجد من برج

ص: 439

النبوّة ، وأقبل علم الاسلام يرفل في ملابس الجلال ، وتبدّی نور الايمان يخطر في حلل الکمال ، کالطود الشامخ في مجده ، أو البحر الزاخر عند مدّه ، قد أيده الله بروح قدسه ، وأوجب من ولائه ما أوجب من ولاء نفسه ، وأيده بالعصمة التامة ، وشرّفه بالرئاسة العامّة، کالقمر المنير في کفّه شهاب ساطع ، أو الموت المبير إذا علا بسيفه القاطع ، حتي إذا قارنه وقاربه وشزره بطرفه عند المصاولة علاه بمشحوذ العذاب لو علا به رضوي لغادر کثيباً مهيلاً ، ولو أهوي به علي أکبر طود في الدنيا لصيّره منفطراً مقلولاً، فخر کالجذع المنقعر ، أو البعير إذا نحر ، يخور بدمه ، ويضطرب لشدّة ألمه ، قد سلبته ملابس الحياة أيدي المنية ، وکسته من نجاح دمه حلّة عدميّة، وکفي الله المؤمنين القتال بوليّه المطلق ، وصدّيق نبيّه المصدّق ، الذي أعزّ الله الاسلام وأهله بعزمه ، وأذلّ الشرک وجنده بقدمه .

فيا من کفر بأنعم ربه ، وأجلب بخيله ورجله علي حربه ، ورابطه مصابراً، وعانده مجاهراً، وأظهر نفاقه الکامن ، وغلّه الباطن ، ألم يکن أبوک في تلک المواطن رأساً للمشرکين ؟ ألم يکن في حرب نبيه ظهيرة للکافرين ؟ ألست ابن آکلة الأکباد البغية ؟ ألست زعيم العصابة الأمويّة ؟ ألست فرع الشجرة الملعونة؟ ألست رأس الأمّة المفتونة ؟ أليس قائد أحزاب المشرکين أباک ؟ أليس أوّل المبارزين في بدر جدّک وخالک وأخاک ، أديرت کؤوس المنون بيد ولي الله عليهم ، وبطرت الحتوف من کثب إليهم ، وأنزل سبحانه (وفَاضرِبُوا فَوقَ الأَغناقِ وَأضرِبُوا مِنهُم کُلَّ بَنَانٍ) (1)منهم ذلک بما قدّمت أيديهم ، قلبت أشلاءهم بعد الموت في القلب ، (وَلَو تَرَی إذ فَزِعُوا فَلَا فَوتَ

ص: 440


1- سورة الأنفال : 12.

قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام

وَأخِدُوا مِن مَکَان قَرِيبً) (1)، لرأيت أعناقهم تقطع صبراً ، وأشلاءهم تبضّع هبراً ، وأمراء هم قد ولّوا الأدبار ، ثمّ لا ينصرون ، وأسراءهم کأنّما يساقون إلي الموت وهم ينظرون.

هؤلاء أسلافک الماضية ، وآباؤک الغاوية ، الّذين قصّ الله قصصهم في محکم تنزيله ، ولعنهم علي لسان نبيّه ورسوله ، وسمّاهم الشجرة الملعونة في القرآن (2) والعصابة الخارجة عن الايمان ، الذين اتخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، واستقسموا بالأزلام خلافاً لأمر الله ، وکان سيّدنا ووليّ أمرنا ومعتقدنا ووسيلتنا إلي ربّنا حينئذٍ أوّل من أسلم لربّ العالمين ، قائماً يومئذ بنصر سيّد المرسلين .

مقالکم في أحدٍ أعل هبل وقوله الله أعلي وأجل أوّل من آمن بالله ومن صلّی وصام تابعاً خير الرسل وخير من واسي النبيّ في الوغا وخير من في الله نفسه بذل يا من تلمني في هواه لا تلم فحبّه وجدته خير العمل من کفّه رجوت أسقي شربة ختامها مسک وفي ذلک فل أنا الذي من عهده مستمسک بعروة عقد ولاها لا تحل خير ولي ليس يحصي فضله ومجده عزّ عن الوصف وجل

ب عد إلهي ونبیّي لا أري سواه ينجيني إذا الخطب نزل في القلب منّي منزل لحبه متحکّم بصدق عهدي لم يزل أهتف باسمه إذا خطب عرا وأسأل الله به

وأبتهل فإننّي ومن أجل کيده بسا حتي العکس جابني الأمل (3)

ص: 441


1- سورة سبأ : 51.
2- إشارة إلي الآية : 60 من سورة الاسراء .
3- البيت لا يخلو من اضطراب - کما تلاحظ .. !

رفضت رجسين تسمّيا بما سمّاه ذو العرش قديماً في الأول ودنت ديناً قيّماً إنّهما في الکفر شرّ من يغوث وهبل وهکذا ثالثهم أظلم من حلّ علي وجه الثري أو ارتحل ومن أتت لحربه و خالفت إلهها وبعلها يوم الجمل وسائقي بعيرها وقائدي نفيرها ومن رضي ومن دخل ومن بصفّين عليه جرّدوا بيض الضبا واعتقلوا سمر الأسل وأقبلوا يقدمهم زعيمهم رأس النفاق والغرور والحيل نجل الطغاة الطلقاء والّذي لعنهم في محکم الذکر نزل ومن عن الحق السوي مرقوا وخالفوا جميع أرباب الملل کلّهم قد فارقوا دين الهدي وقارفوا الکفر بقول وعمل عليهم من ذي الجلال لعنة دوامها حتي القيام متّصل ما سيّرت أفلاکها بشمسها وابتلج الصبح وأظلم الطَفَل(1)

اللّهمّ يا من أفرغ علي أعطاف عقولنا ألطاف کرامته ، وحلّي أجياد نفوسنا بجلي عنايته ، ورفع قواعد ملتنا ، وجمع علي التقوي کلمتنا ، وأثبت في دوحة الايمان أصولنا ، وسقي بزلال الاخلاص فروعنا ، و تمّم باتّباع سبيل نبيّه ووليّه

حدودنا ورسومنا ، فصرنا لا نعتقد سواه قديماً أزليّاً ، ولا نري وجوداً غير وجوده أبدي ديموميا ، ننزّهه عن الشريک والعديل، ونقدّسه عن الشبيه والمثيل، خلقنا لننرّهه ونمجده ، وأوجدنا لنعبده ونوحدّه ، وجعل نفع ذلک واصلاً إلينا ، ومضاعفاً علينا ، لا لحاجة منه إلي عبادتنا ، ولا لفائدة عائدة إليه من

طاعتنا.

ص: 442


1- الطَفَل : المساء .

ظهر لأفکارنا بآثار صنعته ، واحتجب عن أبصارنا بکبريائه وعظمته، وفرض علينا بعد الإقرار بأنّه الواحد الأحد المبتدع المخترع ، و عرفان ما يصحّ علي ذاته الشريفة ويمتنع ، و تعاليه عمّا لا يليق بجلاله من تعارض خلقه، والاذعان بالتسليم لأمره وقضاء حقّه ، سلوک سبيل من أقامهم هداة إليه ، وإدلاء في مفاوز الضلالة عليه ، والتسليم لأمرهم ، والتنويه بذکرهم ، والاخلاص بشکرهم ، والاتّضاع لقدرهم ، والاغتراف من بحر علمهم ، والاعتراف بصواب حکمهم ، وأن لا يقدّم عليهم من سجد لصنم ، أو استقسم بزلم ، أو بحر بحيرة ، أو عتر عتيرة ، قد نمته الخبيثون والخبيثات ، وحاق به دناءة الآباء و عهر الأمّهات.

ونعتقده انّه سبحانه قرن حبّهم بحبّه ، وجعل حربهم کحربه ، وسلمهم کسلمه ، وعلمهم من علمه ، فهم أولوا الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعته ، وهداة الخلق إلي ما اختلفوا فيه من فرض دينهم وسنّ حسدهم من لعنه الله وغضب عليه ، وأعدّ له خزه يوم يقوم الناس لديه .

أغري الشيطان بهم سفهاءه ، وأعلي عليهم أولياءه ، وزيّن للناس اتّباعهم، وجعلهم أشياعهم وأتباعهم ، وستي رأس الکذبة صديقهم ، وأساس الظلمة فاروقهم ، وخائن الأمّة وليّ أمرهم ، وأجهل الأمّة کاتب وحيهم ، وولوا الناس بغرورهم ، وحرّفوا کتاب الله بزورهم ، وأخلفوا عهد الرسول ونبذوا ميثاقه المأخوذ عليهم ، وجرّدوا عليهم سيوفهم وعواملهم ، وفوّقوا نحوهم سهامهم ومعابلهم .

ثمّ تفکّر في حال الرجس اللئيم ، والدنس الأثيم ، ابن آکلة الأکباد ،

ونتيجة الآثمة الأوغاد ، وما أظهر من الکفر والالحاد ، والبغي والعناد، وليس ذلک ببدع من قبيح فعله ، وزنيم أصله ، فهو من قوم طوّقهم الله بطوق لعنته في

ص: 443

قصيدة للمؤلف رحمه الله في مثالب أعداء أمير المؤمنين عليه

السلام

الدار الفانية ، وأعدّ لهم أليم عقوبته في جحيمه الهاوية.

اللّهمّ إنّا نتقرّب إليک بلعنته وسبّه ، وتکفير مصوّبي اجتهاده في حربه ، ولما تصوّرت شدّة شکيمته في غيّه، وخبث سريرته بيغيه ، وأذاه للنبيّ وأهله، وعداوته للوصيّ ونجله ، کنت أخاطبه بکلمات أوحاها جناني ، وأقصده بلعنتي في سرّي وإعلاني ، وأذبحه بذکر مساويه ببليغ نثري ، وأورد نبذة من مخازيه بفصيح شعري ، فمن جملة ذلک أبيات القاها خالص الايمان علي بنان نطقي، وأهداها الملک الديّان إلي لسان صدقي ، تحلّي الطروس بذکرها ، و تسرّ النفوس بنشرها ، وهي هذه : يا ابن البغيّة يا رأس البغاة ويا

نجل الطغاة وأهل الزيغ والزلل

وأهل بدر وأُحدٍ والذين سروا

الحرب خير الوري بالبيض والأسل

ومن بلعنتهم جاء الکتاب وفي

الأحزاب ذکرهم حتي القيام جلي

و يا ابن من کان رأس المشرکين ويا

رأس النفاق وأهل الشرک والخطل

رمتم بأن تطفئوا نور الهدي بعدت

أحزابکم مثل سهل الأرض والجبل

فأرسل الله جندة لم تروه علي

جموعکم فانثنيتم خائبي الأملِ

.

يقسومواهد

ص: 444

حتي إذا قام دين الحقّ منتصباً

يزهو فخاراً إذ المحفوظ منه

وذل ماعز من تراکم وغدا

مکسراً جمعها للکسر من هبل

وعمرو ودّکم أمسي کودکم

مقسماً بحسام الضيغم البطل

هادي الخليقة محمود الطريقة

معصوم الحقيقة نور الله في الأزل

ليث الکتيبة مشهور الضريبة

ذي القربي القريبة ثاني خاتم الرسل

نفس الرسول وواقيه بمهجته

وناصر دينه بالقول والعمل

ربّ الفراش إذا المختار اخرج من

مقامه في الدجا يسري علي وجل

بدت لأهل العلي أنوار طلعته

فوق الفراش کبدرٍ تمّ في الطَفلَ

من جدّک الرجس في بدرٍ و خالک مع

و أخيک عمّا لقوه منه قف وسَل

يُنبيک صارمه عنهم بأنّهم

مابين منعفر منه ومنجدل

ص: 445

يا أکفر الخلق من بدوٍ ومن حضر

وأظلم الناس في حلٍّ ومرتحل

لم تؤمنوا رغباً في الدين بل رهباً

وخشيته من حسام قاطع الأجل

في کف أبلج يوم الروع طلعته

کالشمس مشرقة في دارة الحمل

غدا وليدکم من ثدي صارمه

البان صرف الردي بالغلّ والنهل

کهف الأنام وهاديهم ومنقذهم

ومن بهم سالک في أوضح السبل

وغيث ما حلتم إن أزمّة قرعت

وغيث صارخهم في الحادث الجلل

سل عن فضائله جماً فإنّ له

في الذکر ذکر جليل سار کالمثل

يوم القموص علي شأناً بسطوته

إذ ردّ شانئه بالخذل والفشل

کانت حصوناً حصاناً في شوا

هقها إلي ذراها سحاب المزن لم تصل

فافتضّ بالذکر الصمصام عذرتها

فأصبحت من دماء القوم في حلل

ص: 446

في عدد القتلي من العسکرين ، ورفع المصاحف

وظيخها(1) طاح قد صارت سلالمه

منکساً منه أعلاها إلي السفل

يا قالع الباب يا باب النجاح ومن

أوقفت دون الوري في بابه أملي

أرجو بک الله يوم الحشر ينقذني

وأن يضاعف ما قد قلَّ من عملي

ولا يجبهني حيث الفضيحة بي

أولي ويستر ما أخفيت من زللي

ولا تکلني إلي نفسي وتجعلني

في کلّ حال علي علياه متّکلي

ولمّا جري ما جري في ليلة الهرير وکان القتل فاشياً في عسکر معاوية کمابيّنّا أوّلاً أنّ القتلي کانت من عسکر علي عليه السلام أربعة آلاف رجل ، ومن عسکر معاوية اثنين وثلاثين ألفاً ؛ وقيل : أکثر کما ذکر فأصبح معاوية وقد أسقط في يده ، وأشرف علي الهلکة ، فقال لعمرو : نفرّ أو نستأمن ؟

قال : نرفع المصاحف علي الرماح ونقرأ : (ألَم تَرَ إلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِن الکِتَابِ يُدعَونَ إلَي کِتَابِ اللهِ لِيَحکُمَ بَينَهُم) (2)فإن قبلوا حکم القرآن رفعنا الحرب وواقفناهم(3)إلي أجل مسمّي ، وإن أبي بعضهم إلّا القتال فللنا شوکته (4) ووقعت الفرقة بينهم .

ص: 447


1- کذا في الأصل
2- سورة آل عمران : 23.
3- في المناقب : ورافعنا بهم .
4- في المناقب : شوکتهم ، وتقع بينهم الفرقة ، وآمر بالنداء : فلسنا ولستم من المشرکين ...

فرفعوا المصاحف علي الرماح، وبان من جملتها مصحف يقال إنّه مصحف الإمام وحملوه علي أربعة رماح، وأتبعوه بأربعمائة مصحف أخري، ونادوا من کلّ جانب : فلسنا ولستم من المشرکين، ولا المجمعين علي الردّة، فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين وللبلدة، وإن تدفعوها ففيها الفناء وکلّ بلاء إلي مدّة.(1)

وکان جلّ عسکر أمير المؤمنين منافقين عليهم لعائن الله کمسعر بن فدکي ، وزيد بن حصين الطائي ، والأشعث بن قيس الکندي ، وغيرهم، ممن کان أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين في الباطن ، وإنّما خرجوا معه تعصّباً لأنّهم کان لهم أضراب وأنداد عند معاوية، فخرجوا حميّة لذلک وللدنيا، ولهذا کان أکثرهم ممّن حضر حرب الحسين عليه السلام، واستحلّوا منه کلّ حرمة ، وأظهروا له کامن عداوتهم ، فلعنة الله عليهم ، وکذلک خذلوا مسلم بن عقيل وزيد ابن علي بن الحسين حتي قتل بين ظهرانيهم، لم يراعوا فيه حرمة جدّه رسول الله ، فلهذا رمي الله بلدتهم بالذلّ الشامل والسيف القاطع، واستجاب دعاء سيّد الوصييّن صلوات الله عليه بقوله : اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف الذالّ المیّال (2)يبيد خضراءهم ، ويستأصل شأفتهم (3)

قيل : إنّ رجلاً من ذوي العقول من أهل الکوفة لمّا رأي سبايا الحسين عليه السلام وحرم رسول الله صلّی الله عليه و آله وبناته يطاف بهنّ في شوارع الکوفة علي أقتاب الجمال کأساري الخزر والترک عمد إلي جميع ما يملک من

ص: 448


1- مناقب ابن شهرآشوب : 182/ 3
2- الذيّال : الّذي يجرّ ذيله علي الأرض تبختراً. والميّال : الظالم
3- نهج البلاغة : 174 خطبة رقم 117، شرح نهج البلاغة : 277/7 ، الکامل في التاريخ :587/4 ، البحار : 91/34 ح 941،وج 332/41 ح 54، وج 327/66 .

في کثرة من مات في سجن الحجاج، وسيرته مع أهل العراق

عقار و غيره فباعه وارتحل عنها ، وقال : بلد يطاف فيه بعيال رسول الله ونسائه. وترفع رؤوس رجالهم علي رؤوس الرماح لا يفلح أبداً، فما عسي أن يقال في بلدة خذل أهلها الوصيّ المرتضي، ونافقوا سبط خاتم الأنبياء، وراموا قتله، وانتهبوا ثقله، ونکثوا بيعته ، ثمّ کانت واقعة سيّد الشهداء، وقرّة عين سيدة النساء، وخامس أصحاب الکساء، کاتبوه ووعدوّه النصر علي عدوّه، فجرّدوا عليه سيوفهم وعواملهم، وقتلوه عطشاناً، وسبوا ذراريه ونساءه، ليس منهم رجل رشيد ينکر فعلهم، بل ضربت عليهم الذلّة وشملهم خزي الدنيا ( وَلَعذَابُ الآخِرَةِ أخرَي وَهُم لا يُنصَرُونَ )(1)

فلهذا منعهم الله لطفه، وأحلّ بهم غضبه، وسلّط عليهم غلام ثقيف الّذي توعّدهم به أمير المؤمنين، وزياد بن أميّة، وغيرهم، من الخارجين في الاسلام حتي صارت براحاً کأن لم تغن بالأمس(2).

روي أنّه مات في سجن الحجّاج مائة وعشرون ألف من غير قتل(3) وکان سجنه ليس له سقف يضلّ من حرًّ أو قرّ، وکان عليه لعنة الله لا يرفع عنهم سيفه ولا سوطه، وکان لا يخاطبهم إلّا بالتهديد والوعيد ويقول : يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق، إنّه قد ضاع سوطي فأقمت مقامه السيف ، والله لألحوَنّکُم لَحوَ العَصَا(4)، ولأضربنّکم ضرب غرائب الإبل، ولمّا تجهّز عليه اللعنة إلي حرب الأزارقة قال : والله لا أري أحداً منکم بعد ثلاث إلّا

ص: 449


1- سورة فصلت: 16.
2- إشارة إلي الآية : 24من سورة يونس .
3- انظر : الکامل في التاريخ :587/4 .
4- انظر الکامل في التاريخ :376/4 - 377. واللحاء : ما علي العصا من قشرها.

کلام أمير المؤمنين علي عليه السلام مع أهل الکوفة

ضربت عنقه ، ثمّ بعد ثلاث سار في أزقّة الکوفة فلم ير أحداً ، وکان الرجل منهم يرسل أمته من منزل العسکر لتلحقه بزاده ولا يجسر علي الدخول لذلک.

وهذا معني قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إنّي والله - يا أهل

الکوفة - أعلم ما يصلحکم، ولکنّي لا أفسد نفسي بصلاحکم.(1)

معني کلامه عليه السلام : انّه لا يقيم أودهم إلّا الظلم والعسف والقتل کما فعل الحجّاج وغيره بهم، ولو کان الايمان قد أثلج في قلوبهم، والاخلاص قد باشر نياتهم، لابتغوا الدليل المرشد ، والهادي الناصح ، والمعلّم المشفق، الّذي جعله الله لسانه في خلقه ، وعينه في عباده ، وأيّده بالعصمة ، وقلده أحکامه، لا يوازي في العلم، ولا يضاهي في المجد، فنافقوه وخذلوه وغدروا به بعد أن لاحت علامات النصر ، وسطعت أنوار الفتح ، وطلع فجر الحق ، وأشرف صلوات الله عليه بثبات جأشه ، وقوة نصيحته ، وحياطته للاسلام وأهله، علي إدحاض الباطل وجد أصله، واستئصال شأفته ، فتقاعسوا عن نصره، وأظهروا مکنون نفاقهم، وأبدوا مستور شقاقهم ، وقالوا ما قالوا ، وواجهوه بما واجهوا ، فعليهم العائن الله ما أخبث نياتهم ، وأدغل قلوبهم، وأعظم فتنتهم، فلهذا أنزل الله بهم ما أنزل، وأحل بهم ، فلا تراهم إلي يوم الناس إلا مقهورين مضطهدين تسومهم الاعتام سوءً العذاب ، ويفتح عليهم من الأذي کلّ باب، لا يخلصون من فتنة إلّا

ص: 450


1- انظر : نهج البلاغة : 99 خطبة رقم 69.

انخداع أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام حين رفع المصاحف

البلاد وقعوا فيما هو أعظم منها ، ولا ينجون من ظالم إلّا أتاهم ظالم ينسيهم ذکر الظالم الأوّل.

روي أنّ مسعر بن فدکي و زيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس وکانوا من جلّة عسکر أهل العراق قالوا لأمير المؤمنين لمّا رفعت المصاحف : أجب القوم إلي کتاب الله .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويحکم والله ما رفعوا المصاحف إلّا

خديعة ومکيدة حين علمتموهم.

وقال خالد بن معمّر السدوسي: يا أمير المؤمنين ، أحبّ الأمور إلينا ما

کفينا مؤنته.

فلمّا سمع عسکر أهل العراق کلامهم أقبل إلي أمير المؤمنين منهم عشرون ألفاً يقولون: يا عليّ، أجب القوم إلي کتاب الله إذ دعيت وإلّا دفعناک برّمتک إلي القوم ، أو نفعل بک کما فعلنا بعثمان.

فأجابهم صلوات الله عليه ، فقال : احفظوا عنّي مقالتي فإنّي آمرکم

بالقتال، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لکم.

قالوا: فابعث إلي الأشتر ليأتيک ، فبعث يزيد بن هانيء السبيعي يدعوه.

فقال الأشتر رضي الله عنه : قد رجوتُ أن يفتح الله لا تعجلني ، وشدّد في القتال، فقالوا حرّضته علي الحرب، ابعث إليه بعزيمتک فليأتيک وإلّا والله اعتزلناک(1)

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا يزيد، عد إليه فقل له : أقبل إلينا فإنّ

ص: 451


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : اغترفناک .

رجوع الأشتر، واختيار المخدوعين لأبي موسي

الفتنة قد وقعت.

فأقبل الأشتر يقول : يا أهل العراق، يا أهل الذلّ والوهن، أحين علوتم

القوم وعلموا أنّکم لهم قاهرون رفعوا المصاحف خديعة ومکراً؟

فقالوا: قاتلناهم في الله ونصالحهم في الله. فقال : أمهلوني ساعة، أحسست بالفتح، وأيقنت بالظفر . قالوا: لا. قال : أمهلوني عدوة فرسي.

فقالوا : إنّا لسنا نطيعک ولا لصاحبک ، ونحن نري المصاحف علي رؤوس

الرماح ندعي إليها.

فقال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم إلي وضع الحرب فأجبتم.

فقام جماعة من بني بکر بن وائل، فقالوا: يا أمير المؤمنين ، إنّ أجبت

القوم أجبنا، وإن حاربت حاربنا، وإن أبيت أبينا.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن أحقّ من أجاب إلي کتاب الله ، وإنّ معاوية وعمرواً، وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحّاک بن قيس ليسوا بأصحاب دين و قرآن ، أنا أعرف منکم بهم، قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً - في کلام له -، ثمّ اتّفقوا علي أن يقيموا حکمين، فقال أهل الشام : قد اخترنا عمرو اً.

فقال الأشعث وابن الکوّاء ومسعر بن فدکي وزيد الطائي: نحن اخترنا أبا

موسي.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إبتکم عصيتموني في أوّل الأمر فلا

ص: 452

تعصوني الآن.

فقالوا : إن أبا موسي کان يحذّرنا ممّا وقعنا فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه ليس بثقة، إنّه فارقني وخذّل الناس

عنّي ، ثمّ هرب منّي حتي أمنته بعد شهر ، ولکن هذا ابن عبّاس اولّيه ذلک .

فقالوا : ما نبالي أنت کنت أو ابن عبّاس. قال : فالأشتر. فقال الأشعث: رجل مسعر حرب وهل نحن (1)إلّا في حکم الأشتر؟

قال الأعمش : حدّثني من رأي عليّاً عليه السلام يوم صفّين وهو يصفق إحدي يديه علي الأخري ويقول : يا عجباً أعصي ويطاع معاوية ! ثمّ قال : قد أبيتم (2) إلّا أبا موسي؟

قالوا: نعم. قال : فاصنعوا ما بدا لکم، اللّهمّ إنّي أبرأ إليک من صنيعهم.

فقال خريم (3)بن فاتک الأسدي: لو کان للقوم رأي يرشدون به أهل العراق رموکم بابن عبّاس لکن رموکم بشيخ من ذوي يمنٍ لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس

فلمّا اجتمعوا کان کاتب أمير المؤمنين عليه السلام عبيد الله بن أبي رافع ، وکاتب معاوية عمير بن عبّاد الکلبي ، فکتب عبيد الله بن أبي رافع: هذا ما

ص: 453


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : يجز .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قال : رمتم.
3- کذا في أعيان الشيعة :315/6 ، وفي الأصل والمناقب : خزيم.

في صلح الحديبية ، وإخبار النبي صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين

عليه السلام بأن له مثلها يعطيها وهو مضطهد

تقاضي عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان .

فقال عمرو: اکتبوا اسمه واسم أبيه هو أميرکم أمّا أميرنا فلا. فقال الأحنف : لا تمح إسم إمارة المؤمنين ، فلم يقبلوا منه .

فقال أمير المؤمنين : امح نزحه الله ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام(1): الله أکبر ، واحدة بواحدة، وسنّة بسنّة، ومثل بمثل ، إنّي لکاتب رسول الله يوم الحديبيّة.

روي أحمد في المسند(2) أن النبيّ صلّی الله عليه و آله أمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يکتب يوم الحديبيّة : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: هذا کتاب بيننا وبينک فافتحه بما نعرفه، واکتب : باسمک اللّهمّ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله صلّی الله عليه و آله وسهيل بن عمرو وأهل مکّة.

فقال سهيل : لو أجبتک إلي هذا لأقررت لک بالنبوة.

فقال : امحها يا عليّ ، فجعل أمير المؤمنين يتلکّأ ويأبي فمحاها النبيّ صلي الله عليه و آله، وکتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و أهل مکّة .

روي محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان ، عن محمد بن کعب أن النبيّ

صلّی الله عليه و آله قال لعلي: فإنّ لک مثلها تعطيها وأنت مضطهد(3)

ص: 454


1- في المناقب : لا تمح اسم إمارة المؤمنين ، امح نزحه من الله ، فقال علي عليه السلام .
2- مسند أحمد:86/4 - 87.
3- انظر فيه وفيما يليه : وقعة صفّين : 509، تفسير القمّي: 313/2 ، خصائص النسائي :152ح186 ، المسترشد: 70، دلائل النبوّة للبيهقي : 147/4 ، إرشاد المفيد : 63، تنزيه الأنبياء:186، الذخيرة : 406، أمالي الطوسي: 191/1 ، مناقب الخوارزمي: 193 ح 231، مجمع البيان: 5/ 119، إعلام الوري : 106 و 191، الخرائج والجرائح : 116ح192، الکامل لابن الأثير :232/2، وج 3/ 320، مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 184،شرح نهج البلاغة : 232/2 ، الفصول المهمّة : 97، کشف الغمّة : 210/1، سبل الهدي 123/5.

اتفاق الحکمين : عمرو بن العاص وأبو موسي الأشعري

الماوردي في أعلام النبوّة أنّه قال صلّی الله عليه و آله : ستسأم مثلها يوم

الحکمين.

وفي رواية : ستدعي إلي مثل هذا فتجيب وأنت علي مضض.

وفي رواية : إن لک يوماً - يا عليّ - مثل هذا اليوم، أنا أکتبها للآباء، وأنت

تکتبها للأبناء.

فقال عمرو : يا سبحان الله ! نشبّه بالکفّار ونحن مسلمون مؤمنون .

فقال عليه السلام : يا ابن الباغية(1) أو لم تکن للمشرکين وليّاً وللمؤمنين عدوّاً؟ أو لم تکن في الضلالة رأساً وفي الاسلام ذنباً ؟ - في کلام له - فکتبوا أن يحکموا بما في کتاب الله وينصرفوا والمدّة بينهم سنة واحدة کاملة ويکون مجتمع الحکمين بدومة الجندل .

فلمّا اجتمعا قال عمرو لأبي موسي : نخلع هذين الرجلين ونختار لهذه

الأمّة، فأجابه أبو موسي إلي ذلک وقال : سمّ لي رجلاً يليق لهذا الأمر.

قال عمرو: يا أبا موسي، أنت أولي أن تسمّي رجلاً يلي أمر هذه الأمّة ،

فإنّي أقدر علي أن أبايعک منک علي أن تبايعني.

قال أبو موسي : أسمّي لک عبد الله بن عمر .

ص: 455


1- في المناقب : النابغة .

فقال عمرو: فإني أسمّي لک معاوية بن أبي سفيان.

وفي رواية : انّ عمرو قال : إنّهما ظالمان فإنّ عليّاً آوي قتلة عثمان، وأمّا معاوية فخذله، فتخلعهما ونبايع عبد الله بن عمر لزهادته واعتزاله عن الحرب .

فقال أبو موسي: نعم ما رأيت.

قال : فإنّي قد خلعت معاوية فاخلع أنت عليّاً، وإن شئت فاخلعه غداً فإنّه يوم الاثنين، وکان ذلک بينهما، فلمّا أصبحا خرجا إلي الناس، فقالا: قد اتّفقنا، فقال أبو موسي: تقدّم فاخلع صاحبک بحضرة الناس.

فقال عمرو : سبحان الله ! أتقدّم عليک وأنت في موضعک وسنّک وفضلک مقدّم في الاسلام والهجرة، ووافد رسول الله صلّی الله عليه و آله إلي اليمن، وصاحب مقاسم أبي بکر، وعامل عمر، وحکم أهل العراق ، فتقدّم أنت ، فقدمه .

فقال أبو موسي لعنه الله : إنا والله - أيّها الناس - قد اجتهدنا رأينا ولم نر أصلح للأمّة من خلع هذين الرجلين ، وقد خلعت عليّاً ومعاوية کخلع خاتمي

هذا.

فقال عمرو: لکنّي خلعت صاحبه کما خلع وأثبت معاوية کخاتمي

[هذا] (1) وجعله في شماله . (2)

فلعنة الله علي عمرو وصاحبه. فوالله لقد علما الحقّ وأنّه مع أمير المؤمنين

ص: 456


1- من المناقب
2- مناقب ابن شهرآشوب: 182/2 - 185، عنه البحار : 312/33 - 314 إلي قوله : « وأنت مضطهد ».

يدور حيث ما دار ، وأنّه کتاب الله الناطق الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولکن الحقد القديم، والنفاق الکامن، والميل مع الدنيا وأهلها کيف مالت، والشيطان المغويّ.

فلعنة الله عليهم کأنّهم لم يسمعوا قول الله سبحانه : ( يّا أيُّها الَّذين آمَنُوا

اتَّقُوا اللهَ وَکُونوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (1) وقوله سبحانه : و (أفَمَن يَهدِي إلي الحَقّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم مَن لاَ يَهدَّي إلّا أن يُهدَی فَمَالکُم کَيفَ تَحکُمُونَ) (2) وقوله سبحانه : ( تِلکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعلُهَا لِلَّذينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرِض وَلَا فَسَاداً واَلعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ) (3) بلي والله سمعوها ووعوها -کما قال أمير المؤمنين - ولکن حلت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها(4)، وعدلوا بالحقّ عن أهله، ووضعوه في غير محلّه ، واتّبعوا کلّ ناعق، واقتدوا بکلّ ناهق.

و تبّاً لدنيا يقدّم فيها الأشرار علي الأخبار، والأوغاد علي الأبرار،

وسحقاً لأمّة عدلت سيّد الخلق وأعلمهم وأفضلهم، وأکملهم علماً وحلماً وطاعة لله، وحياطة لرسول الله ، ونصراً للاسلام وأهله، وجهاد في الله، وقرباً من رسول الله صلّی الله عليه و آله ، أول الناس إسلاماً ، وأقربهم من الله مقاماً، لم يشرک بالله طرفة عين، ولّاه الله أمر خلقه في کتابه ، وأقامه إماماً لبريته في تنزيله وعلي لسان رسوله ، فقام بأمر الله صادعاً، وبالحقّ ناطقاً.

کم غرّر نفسه في المهالک لإقامة دين الحقّ؟ وکم قذف بذاته في أضيق

ص: 457


1- سورة التوبة : 119.
2- سورة يونس: 35.
3- سورة القصص : 83.
4- نهج البلاغة : 49- 50 خطبة رقم 3. والزِبرِج: الزينة من وَشي أو جوهر .

المسالک في الحروب لإعلاء کلمة الصدق ؟ حتي قتل أبطال المشرکين، وکسر أصنام الملحدين، وأدخل الناس في دين الله أفواجاً، بمن لا يعادل عند الله جناح بعوضة، أجهل الخلق أباً وأمّاً، والأمهم أصلاً وفرعاً، ربّي في حجر الشرک، ونشي في معهد الکفر، وارتضع ثدي النفاق، فرع الشجرة، وأصل الفجرة، ورأس المنافقين، وأساس القاسطين، الذي لعنه رسول الله صلّی الله عليه و آله ولعن أباه وابنه في قوله : اللّهمّ العن الراکب والقائد والسائق (1)

فتبّاً لها أمّة ضالة، وسحقاً لها طائفة عن الحقّ عادلة، ما أشدّ جهلها ، وأسفه حلمها، وأضعف عقولها، وأخسر صفقتها ، و أکسد تجارتها ؟ إذ عدلت عن مهابط التنزيل إلي مواطن الأباطيل ، وعن أعلام الإيمان إلي أحزاب الشيطان، واستبدلوا بالدرّ الثمين السرجين ، واتّبعوا ما يتلو الشيطان(2)

روي في معني قوله سبحانه : ( وَمِنَ النَّاس مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَی حَزفٍ) (3)

أنّه کان أبو موسي وعمرو.

وروي ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة ، قال : کنت مع أبي موسي علي شاطيء الفرات ، فقال : سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتي بعثوا حکمين ضالّين ضالّ من اتّبعهما، ولا تنفکّ أمورکم تختلف حتي تبعثوا حکمين يضلّان ويضلّ من

تبعهما.

ص: 458


1- وقعة صقين : 220، عنه البحار : 190/33 ، والمقصودون هم: أبو سفيان، ومعاوية وأخوه.
2- إقتباس من الآية : 102 من سورة البقرة
3- سورة الحجّ: 11.

رجوع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحکم إلي الکوفة

فقلت : أعيذک بالله أن تکون أحدهما.

قال : فخلع قميصه وقال : برّأني الله من ذلک کما بأني من قميصي(1)

اللّهمّ العن عمرواً وأبا موسي، ومن أشار بتحکّمهما، ورضي بحکمهما، وصوّب اجتهادهما، وحسّن رأيهما، وشکّ في نفاقهما، وحصّر لعنهما ، إنّک أشدّ بأساً وأشدّ تنکيلاً.

ولمّا رجع أمير المؤمنين عليه السلام بعد التحکّم إلي الکوفة اجتمعت الفرقة المارقة عن الايمان، أهل الزيغ والبهتان، وقالوا : إنّ عليّا قد حکم في دين الله، وکلّ من حکم في دين فقد کفر، لقوله سبحانه : ( وَمَن لَم يَحکُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأولَئِکَ هُم الکافِرُونَ)(2)ودخلت عليهم الشبهة في ذلک ، فهم الضالّون المضلون الذين قال الله فيهم : ( (قُل هَل نُنَبَّئُکُم بِالأخسَرِينَ أعمَالاً . قال أمير المؤمنين لمّا سئل عن معناها : هم أهل حروراء، ثمّ قال : - الَّذِينَ ضلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أنَّهم يُحسِبُونً صُنعاً - في قتال أمير المؤمنين عليه السلام - أُولَئِکَ الَّذين کَفَرُوا بِآيَاتِ رَبَّهِم وَلِقَائِهِ فَحَبطَت أعمَالُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزناًذَ لِکَ جَزَاؤُ هُم جَهَنَّمُ بِمَا کَفَرُوا - بولاية عليّ بن أبي طالب - وَاتَّخَذُوا آيَاتِي - القرآن - وَرُسُلي - يعني محمّداً - هُزواً (3) واستهزوا (4) بقوله صلّی الله عليه و آله : من کنت مولاه فعليّ مولاه.

ص: 459


1- مناقب ابن شهرآشوب : 181/3 - 182، عنه البحار : 311/33 - 562.وانظر : تاريخ اليعقوبي : 2/ 190، ومروج الذهب :403/2 .
2- سورة المائدة : 44.
3- سورة الکهف : 106-103.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : استهزاء .

تفسير الفلکي : قال النبيّ صلّی الله عليه و آله في قوله سبحانه : ( يَومَ تَبيَضُّ وُجُوهُ وَتَسوَدُّ وُجُوهُ فَأمَّا الَّذِينَ آسوَدَّت وُجُوهُهُم » (1) فهم الخوارج (2)

وقال صلّی الله عليه و آله فيهم: يأتي قوم من بعدي يحتقر أحدکم صلاته في جنب صلاتهم وعبادتهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية ، طوبي لمن قتلهم وقتلوه.(3)

وروي البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في کتبهم أنّ ذا الخويصرة

التميمي((4)أتي النبي صلّی الله عليه و آله وقال : أعدل بالسوية.

فقال له رسول الله صلّی الله عليه و آله : ويحک، إنّ لم أعدل أنا فمن

يعدل ؟

فقال عمر: ائذن لي حتي أضرب عنقه .

فقال : دعه فإنّ له أصحاباً ، فذکر وصفه (5) فنزل (وَمِنهُم مَن يَلمزُکَ فِي

الصَّدَقاتِ ) (6)

وروي من طرق شتّي أنّه ذکروه بين يدي (7)رسول الله صلّی الله عليه و آله

ص: 460


1- سورة آل عمران: 106.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 186/3 - 187، عنه البحار : 326/33 - 327ح 573. وانظر : العمدة لابن البطريق : 461 ح 9687.
3- انظر : الأحاديث الغيبية : 281/1 - 307ح164 - 177.
4- هو حرقوص بن زهير رئيس الخوارج.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وصيه.
6- سورة التوبة : 58.
7- في المناقب : مسند أبي يعلي الموصلي وإيانة ابن بطّة العکبري وعقد ابن عبد ربّه الأندلسي وحلية أبي نعيم الأصفهاني وزينة أبي حاتم الرازي وکتاب أبي بکر الشيرازي أنّه ذکر بين يدي ..

قول رئيس الخوارج حرقوص بن زهير لرسول الله صلي الله عليه

وآله : أعدل بالسوية !

بکثرة العبادة ، فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : لا أعرفه ، فإذا هو قد طلع.

فقالوا : هو هذا.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّي لأري بين عينيه سفعة(1) من الشيطان ، فلمّا رآه قال : هل حدّثتک نفسک إذ طلعت علينا إنّه ليس في القوم مثلک ؟

قال: نعم، ثمّ دخل المسجد فوقف يصلّی، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : ألا رجل يقتله؟ فجرّد(2) أبو بکر عن ذراعيه وصمد نحوه فرآه راکعاً، فقال : أقتل رجلاً يرکع ويقول : لا إلّا الله !

فقال صلّی الله عليه و آله : لست بصاحبه.

ثم قال : ألا رجل يقتله ؟ فقام عمر فرآه ساجداً، فقال : أقتل رجلاً يسجد

ويقول: لا إله إلّا الله !

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : اجلس فلستَ بصاحبه، قم يا عليّ، فإنک

أنت قاتله، فمضي وانصرف، فقال : ما رأيته .

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : أما إنه لو قتل لکان أوّل فتنة وآخرها.

وفي رواية : هذا أوّل قرن يطلع في أمّتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي

اثنان.

وقال ابن عبّاس : أنزل الله فيه ( ثَانِيَ عِطفِهِ ليُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي

ص: 461


1- السفعة : العلامة.
2- في المناقب : فحسر.

قول الخوارج لأمير المؤمنين عليه السلام : لا حکم إلا لله

الدُّنيا خِزيُ - القتل - وَنُدِيقُهُ يَوم القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيقِ) (1) بقتاله أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمّ إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ورؤساؤهم زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي - الذي تقدّم ذکره وهو ذو الثديّة - وقالوا: لا حکم إلّا لله.

فقال عليه السلام : کلمة حقّ يراد بها باطل.

قال حرقوص: فتب من خطيئتک ، وارجع عن فعلتک (2)، واخرج بنا إلي

عدونا نقاتلهم حتي نلقي ربنّا.

فقال عليه السلام : قد أردتکم علي ذلک فعصيتموني ، وقد کتبنا بيننا وبين القوم کتاباً وشروطة، وأعطيناهم عليها عهوداً ومواثيقاً، وقد قال الله سبحانه :

(وَأوفُوا بِعَهدِ. اللهِ إذَا عَاهَدتُم(3)

فقال حرقوص: فذلک ذنب ينبغي أن تتوب عنه .

فقال أمير المؤمنين : ما هو ذنب ، ولکنّه عجز من الرأي، وضعف في

العقل، وقد تقدّمت ونهيتکم عنه.

فقال ابن الکواء: الآن صحّ عندنا أنّک لست بإمام، ولو کنتَ إماماً لما

رجعت .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ويلکم ، قد رجع رسول الله صلّی الله

وه 1

ص: 462


1- سورة الحجّ : 9.
2- في المناقب : قصتک
3- سورة النحل : 91.

عليه و آله عام الحديبية عن قتال أهل مکة، ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: لا حکم إلا لله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وکانوا اثني عشر ألف رجل من أهل الکوفة والبصرة وغيرهما، ونادي مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي، وأمير الصلاة عبد الله بن الکواء، والأمر شوري بعد الفتح، والبيعة لله علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وخرجوا من الکوفة إلي المدائن، ثمّ إلي النهروان ، واستعرضوا الناس ، وقتلوا عبد الله بن خبّاب بن الارت، وکان عامل أمير المؤمنين عليه السلام علي النهروان.

فقصدهم أمير المؤمنين عليه السلام وأرسل إليهم ابن عبّاس، وقال : امض إلي هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا؟ فلمّا وصل إليهم قالوا: ويلک يا ابن عبّاس أکفرت کما کفر صاحبک علي بن أبي طالب ؟؟

وخرج خطيبهم عتّاب بن الأعور الثعلبي ، فقال ابن عبّاس : من بني

الاسلام ؟ قال : الله ورسوله.

قال : فالنبيُ أحکم أموره وبيّن حدوده أم لا؟ قال : بلي. قال : فالنبيّ بقي في دار الاسلام أم ارتحل ؟ قال : بل ارتحل قال : فأُمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده ؟ قال : بل بقيت. قال : فهل أحد قام بعمارة ما بناه؟ قال : نعم.

ص: 463

قال : من هو؟ قال : الذرّية والصحابة . قال : فعمروها أم خرّبوها؟ قال : بل عمّروها. قال : فالآن هي معمورة أم خراب ؟ قال : بل خراب. قال : خرّبها ذرّيتّه أم أمّته؟ قال : بل أمتّه. قال : أنت من الذرّية أم من الأمّة ؟ قال : من الأمّة.

قال : أنت من الأمّة وخرّبت دار الاسلام، فکيف ترجو الجنّة ؟ - و جري بينهما کلام کثير - ثمّ حضر أمير المؤمنين عليه السلام بمائة رجل، فلمّا قابلهم خرج إليه ابن الکوّاء في مائة رجل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنشدکم بالله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلي کتاب الله ، فقلت لکم : إنّي أعلم بالقوم منکم - وذکر مقاله إلي أن قال - فلمّا أبيتم إلي الکتاب اشترطت علي الحکمين أن يحييها ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإنّ حکما بحکم القرآن فليس لنا أن نخالف حکمه ، وإن أبيا فنحن منه (1)براء.

ص: 464


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : منهم.

توجه أمير المؤمنين عليه السلام لقتال الخوارج

قالوا: أخبرنا أتراه عدلاً تحکيم الرجال في الدماء(1)

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن ليس الرجال حکّمنا، وإنّما حکّمنا القرآن، والقرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق، وإنّما يتکلّم به الرجال.

قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينک وبينهم؟

قال : ليعلم الجاهل، ويثبت العالم، ولعلّ الله يصلح في هذه المدّة هذه

الأمّة، وجرت بينهم مخاطبات وجعل بعضهم يرجع، فأعطي أمير المؤمنين عليه السلام راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه. فنادي أبو أيوب: من جاء إلي هذه الراية، وفارق الجماعة فهو آمن ، فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميّزوا منهم ، وأقام الباقون علي الخلاف.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام استنفر الناس فلم يجيبوه ، فقال : أمرتکم أمري بمنعرج اللوي فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحي الغي

ثم استنفر هم فنفر معه ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم وهو يقول : إلي شرّ خلق من شراة تحزّبوا وعادوا إله الناس ربّ المشارق

ثمّ توجّه أمير المؤمنين نحوهم ، وکتب إليهم علي يد (2) عبد الله بن أبي عقب، وفيها : والسعيد من سعدت به رعيّته، والشقيّ من شقيت به رعيّته ، وخير

الخلاو

ص: 465


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : الدنيا .
2- في المناقب : يدي

الناس خيرهم لنفسه، وشرّ الناس شرهم لنفسه، وليس بين الله وبين أحد قرابة ، و( کُلُّ نَفسٍ بِمَا کَسَبَتُ رَهِينَةُ )(1)

فلمّا وصل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام استعطفهم فأبوا إلّا قتاله ، و تنادوا أن دعوا مخاطبة عليّ وأصحابه وبادروا إلي الجنّة ، وصاحوا: الرواح الرواح إلي الجنّة، وأمير المؤمنين يعبيء أصحابه ونهاهم أن يتقدّم إليهم أحد.

فکان أوّل من تقدّم من الخوارج أخنس بن العيزر(2) الطائي ، وجعل

يقول : ثمانون من حيي جديلة قتّلوا علي النهر کانوا يخضبون العواليا ينادون لا لا حکم إلّا لربّنا حنانيک فاغفر حوبنا والمساويا هم فارقوا من جار في الله حکمه فکلّ إلي (3) الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أمير المؤمنين عليه السلام.

وخرج عبد الله بن وهب الراسبي، وقال : أنا ابن وهب الراسبي الشاري أضرب في القوم لأخذ الثار ح تي تزول دولة الأشرار ويرجع الحق إلي الأخبار

فقُتل.

وخرج مالک بن الوضّاح قائلاً: إنّي لبائع مايفني بباقية ولا أُريد لدي الهيجاء تربيضا

ص: 466


1- سورة المدّثر : 38.
2- في المناقب : العيزار ، وفي البحار : العزير .
3- في المناقب : علي .

في القتلي من العسکرين

وخرج إلي أمير المؤمنين عليه السلام الوضّاح بن الوضّاح من جانب ،

وابن عمّه حرقوص من جانب، فقتل الوضّاح، وضرب ضربة علي رأس حرقوص فقطعه، ووقع [رأس] (1) سيفه علي الفرس فشرد وأرجله في الرکاب حتي أوقعه في دولاب خراب فصارت الحروريّة کرمادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصفٍ .

وکان المقتولون من عسکر أمير المؤمنين عليه السلام: رؤبة بن وبر البجلي ، ورفاعة بن وائل الأرحبي، والفياض بن خليل الأزدي، وکيسوم بن سلمة الجهني ، وحبيب بن عاصم الأزدي ، إلي تمام تسعة ، وانفلت من الخوارج تسعة ، کما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام في بدء الأمر، فقال : إنهم لا يقتلون منّا عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة .(2)

أبو نعيم الأصفهاني : عن سفيان الثوري أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر

أن نفتّش علي المُخدَج بين القتلي فلم نجده .

فقال رجل: والله ما هو فيهم.

ص: 467


1- من المناقب .
2- انظر : الکامل للمبّرد :102/3 ، مقتل الامام أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 22، الفتوح لابن أعثم: 120/4 ، الهداية الکبري : 137، کمال الدين : 120/1 ، نهج البلاغة : 93خطبة رقم 59، المحاسن والمساوئ : 385، السنن الکبري للبيهقي : 185/8 ، تاريخ بغداد : 365/14 ، مناقب ابن المغازلي : 406، البدء والتاريخ : 224/5 ، مناقب الخوارزمي : 263 ح 245، شرح نهج البلاغة : 273/2 ، إعلام الوري : 173، الخرائج والجرائح: 228/1 ، الکامل في التاريخ : 345/3 ، مطالب السؤول : 132، الفخري :95، کشف الغمّة : 274/1، مشارق أنوار اليقين : 80، مجمع الزوائد: 241/6، کنزالعمّال : 290/11 .

العثور علي المخدج بين القتلي

فقال صلوات الله عليه : والله ما کذبت ولا کذّبت . وروي (1)أنّ أمير المؤمنين قال : اطلبوا المُخدَج. فقالوا : لم نجده.

فقال : والله ما کذبت ولا کذّبت ، يا عجلان ، ائتني ببغلة رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فأتاه بالبغلة، فرکبها وجال في القتلي، [ثم ](2)قال: اطلبوه هاهنا.

قال : فاستخرجوه من تحت القتلي في نهر وطين، فسجد أمير المؤمنين

شکراً لله .

تاريخ القّمي: إنّه رجل أسود، عليه قريطق ، مُخدَج اليد (3)، أحد ثدييه

کثدي المرأة ، عليه شعيرات مثل شعيرات تکون علي ذنب اليربوع (4).

وفي مسند الموصلي : حبشيّ (مثل البعير ) (5)في منکبه مثل ثدي المرأة ،

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق الله ورسوله.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : من يعرف هذا؟ فلم يعرفه

أحد.

ص: 468


1- انظر : سنن أبي داود :245/4 ، صحيح مسلم :749 ذح 156.
2- من المناقب.
3- قريطق : تصغير قرطق ، وهو قباء. ومُخدَجُ اليد : ناقصها .
4- اليَربُوعُ: حيوان صغير علي هيئة الجُرَذ الصغير ، وله ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر ، وهو قصير اليدين طويل الرجلين . « المعجم الوسيط : 1/ 325» .
5- من المناقب .

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام القاصعة

فقال رجل: أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت : إلي أين تريد؟ فقال : هذه ، وأشار إلي الکوفة ، ومالي بهذا(1)معرفة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق، هو من الجان. وفي رواية : هو من الجنّ

وفي مسند الموصلي: من زعم من الناس أنه رآه قبل مصرعه فهو

کاذب.

وفي مسند أحمد: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : أما إنّه أخبرني خليلي بثلاثة إخوة من الجنّ هذا أکفرهم(2)، والثاني له جمع کثير، والثالث فيه ضعف.

وفي رواية عن سعد بن أبي وقّاص : هو شيطان الردهة (3)

وإلي هذا أشار أمير المؤمنين في خطبته القاصعة (4) : ألا وقد أمرني الله سبحانه بقتال أهل البغي والنکت و الفساد في الأرض ، فأمّا الناکثون فقد قاتلت، وأمّا القاسطون فقد جاهدت، وأمّا المارقة فقد دوّخت، وأمّا شيطان الردهة فقد کفيته بصعقنةٍ سمعت لها وجبة قلبه ورجّة صدره(5)

ص: 469


1- في المناقب : بها .
2- في المناقب : أکبرهم.
3- الرَّدهة : النُّقرة في الجبل قد يجتمع فيها الماء، وشيطان الرَّدهة : ذو الثَدِيّة وُجِد مقتولاً في ردهة.
4- نهج البلاغة : 299 - 300 خطبة رقم 192.
5- الصَعقة : الغشيّة تصيب الإنسان من الهول. ووجبة القلب : اضطرابه وخفقانه. ورجّة المصدر : اهتزازه وار تعاده .

أبيات للحميري

[للحميري : ](1) إنّي أدينُ بما دان الوصيُّ به يوم الخُرَيبة (2)من قتل المحلّينا وما به دان يوم النهر دنت به وبايعت کَفّه کَفّي بصفّينا في سفير ما سفکت فيها إذا حضروا وأبرزَ الله للقسط المَوازينا تلک الدماء معاً يا ربّ في عنقي ثمّ اسقِني مثلَها آمينَ آمينا(3)

الحميري: ومارقة في دينهم فارقوا الهدي ولم يأتلوا بغياً عليه وحکّموا سطوا بابن خبّاب وألقي بنفسه وقتل ابن خبّاب عليهم محرّم فلمّا أبوا في الغيّ إلّا تمادياً سما لهم عبل الذراعين ضيغم فأضحوا کعا دٍأو ثمود کأنّما تساقوا عقاراً أسکرتهم فنوّموا(4)

ثم لما انقضي أمر الخوارج عليهم اللعنة خاض الناس في أمر الحکمين ، فقال بعض الناس: ما يمنع أمير المؤمنين عليه السلام أن يأمر بعض أهل بيته فيتکلم ؟

فقال الحسن عليه السلام : قم فتکلم في هذين الرجلين : عبد الله بن

قيس ، وعمرو بن العاص .

ص: 470


1- من المناقب .
2- الخُرَيبة : موضع بالبصرة کانت فيه واقعة الجمل .
3- العقد الفريد: 285/3 ، الأغاني : 373/7، أعيان الشيعة : 416/3دیوان السید الحميري : 418
4- ديوان السيد الحميري : 372. ، ديوان السيد

خطبة الامام الحسن عليه السلام وابن عباس في أمر عبدالله بن

قيس وعمرو بن العاص

فقام الحسن عليه السلام، فقال : أيّها الناس، إنّکم قد أکثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنّما بعثناهما(1)ليحکما بکتاب الله فحکما بالهوي علي الکتاب ، ومن کان هکذا لم يسمّ حکماً ولکنّه محکوم عليه، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إن أفضي (2) بها إلي عبد الله بن عمر، فأخطأ في ذلک في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها، وفي أنّه لم يستأمره، وفي أنّه لم يجتمع عليه الأنصار والمهاجرون الّذين نفذوها لمن بعده ، وإنّما الحکومة فرض من الله، وقد حکم رسول الله صلّی الله عليه و آله سعداً في بني قريظة فحکم فيهم بحکم الله لا شکّ فيه، فأنفذ رسول الله صلّی الله عليه و آله حکمه ولو خالف ذلک لم يجزه، ثمّ جلس.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس : قم فتکلّم.

فقام، وقال : أيّها الناس، إن للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد الله بن قيس لهُديً من ضلالة، وبعث عمرو الضلالة من هدي(3) فلما التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو علي ضلالته ، والله لئن حکما بالکتاب لقد حکما عليه ، وإن حکما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا عليّ شيء، وإن کانا قد حکما بما سارا إليه لقد سار عبد الله وإمامه علي ، وسار عمرو وإمامه معاوية، فما بعد هذا من غيب ينتظر، ولکنّهم سئموا الحرب وأحبّوا البقاء، ودفعوا البلاء، ورجا کلّ قوم صاحبهم.

ص: 471


1- في المناقب : بعثا.
2- في المناقب : أوصي
3- في المناقب : بهدي إلي ضلالة ... بضلالة إلي الهدي

خطبة عبدالله بن جعفر في أمر عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص،

وکلام أمير المؤمنين عليه السلام

ثمّ قال عليه السلام لعبد الله بن جعفر : قم فتکلّم.

فقام عبد الله ، وقال : أيّها الناس، إن هذا الأمر کان النظر فيه إلي عليّ عليه السلام والرضي فيه لغيره فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم: لا نرضي إلّا بهذا فارض به فإنّه رضانا، وأيم الله ما استفدناه علماً، ولا انتظرنا منه غائباً، ولا أمّلنا ضعفه، ولا رجونا به صاحبه، ولا أفسدا بما عملا العراق، ولا أصلحا الشام، ولا أماتا حقّ عليّ، ولا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحقّ رقية راقي ولا نفحة شيطان، وإنّا اليوم علي ما کنّا عليه أمس، وجلس.

ومن کلام أمير المؤمنين عليه السلام(1)ألّا ومن دعا إلي هذا الشَّعار (2)

فاقتلوه، ولو کان تحت عمامتي هذه ، فإنّما حُکّم الحکمان ليحييا ما أحيي القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرنا القرآن إليهم اتّبعناهم، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا، فلم آت - لا أبا لکم - بُجراً، ولا ختلتکم عن أمرکم، ولا لبّسته.(3)عليکم، إنّما اجتمع رأي ملئِکم علي اختيار رجلين ، أخذنا (4) عليهما ألّا يتعدّيا القرآن، فتاها عنه، وترکا الحقّ وهما يبصرانه ، فکان الجور هواهما فمضيا عليه، وقد سبق استثناؤنا

ص: 472


1- نهج البلاغة : 185 خطبة رقم 127.
2- الشَّعار: علامة القوم في الحرب والسفر، وهو ما يتنادون به ليعرف بعضهم بعضاً.
3- البُجر : الشرّ والأمر العظيم. وختلتکم : خدعتکم. والتلبيس : خلط الأمر وتشبيهه حتي لا يعرف. وفي الأصل : لا أبا لکم بجواب ، لا قلبتکم عن أمرکم ، ولا لبسنّه عليکم. وما أثبتناه في المتن وفقاً للنهج.
4- کذا في النهج ، وفي الأصل : أخذتما .

خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام

عليهما - في الحکومة بالعدل والصَّمد (1)للحق - سوء رأيهما ، وجور حکمهما.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الخطبة المذکورة في نهج البلاغة (2)من کلامه عليه السلام الّذي رواه نوف البکالي أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بها قائماًعلي حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام، وهي الّتي أوّلها : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق، وعواقب الأمر، إلي آخرها، فلمّا فرغ من خطبته عليه السلام نادي بأعلا صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، ألا وإنّي معسکر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلي الله تعالي فليخرج.

قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف، وللحسن في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيّوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم علي أعدادٍ أخر وهو يريد الرجعة إلي صقين ، فما دارت الجمعة حتي ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه ، فتراجعت العساکر ، فکنّا کأغنامٍ فقدت راعيها تتخطّفها الذئاب من کلّ مکان .(3)

قلت : ولمّا تفکّرت في هذه العصابة المارقة عن الدين، الخارجة عن الحقّ المبين، الّتي کفي الله المؤمنين فتنتها ، وأدحض حجّتها، واستأصل شأفتها ، وأوضح فسادها، وبيّن إلحادها، علي لسان لسانه الناطق ، وأمينه الصادق ، خير الخلق بعد نبيّ الله، وأعلمهم بصفات الله ، وأقومهم بحدود الله، نظمت هذه

ص: 473


1- الصمد: القصد.
2- نهج البلاغة : 260 خطبة رقم 182 .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 187 - 194، عنه البحار :338/33 - 394 ح 618 من قوله : « ثم إنهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ». .

قصيدة للمؤلف رحمه الله في الخوارج

الأبيات تقرّباً إلي الله بلعنتهم وسبّهم، ووشحت نظامي بذمّهم وثليهم، وأوضحت من مساوئهم، وکشفت عن مخازيهم، وخاطبتهم خطاب المجاهد المناجز، وقاتلتهم مقاتلة المصاول المبارز، وجردت عضب لساني من عمد مقولي وطعنت بعامل نظامي في أعداء معاذي وموئلي ، قاتل الناکثين والقاسطين والمارقين ، أعلي من فاز بالمعلّا من قول رب العالمين :( وَکَاَیَّن مِن نَبِيًّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبَّيُّون کَثِيرُ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا استَکَانُوا وَالله حِبُّ الصَّابِرِينَ) (1) يا أمّة فارقت منهاج هاديها وأوضعت بوجيف في مغاويها وأصبحت عن طريق الحقّ خارجة کالتبل تمرق من محني راميها سوق العسوف بها قامت فأنفسها بالسيف أُرخص منها سعر غاليها ما ان شري الله منها أنفسة زهقت في النهروان بل الشيطان شاريها عن نور شمس الهدي أبصارها برقت إذ البصائر فرط الجهل معشيها زلّت مطالبها ضلّت مذاهسبها عمت مصائبها خابت مساعيها تري حرورا بها معني لأعظمها لمّا غدا البغي نحو الحتف داعيها رامت علي الحق أن تعلو بشيهتها فانّهد بنيانها وانحطّ عاليها تنکبت عن طريق الرشد وارتکبت سبل الضلال فأضحي حتفها فيها بسيف أعلا الوري جدّاً وأشرفها جدّاً وأعظمها مجداً وواليها وخير من فرض الله الولاء له علي الخلائق دانيها وقاصيها وأعظم الناس قدر بل وأسمحهم کفّاً وأجملهم وصفاً وبنويها أخ الرسول وفاديه بمهجته وخير أمّته طرّاً وقاضيها

ص: 474


1- سورة آل عمران : 146.

ومن إذا أشکلت في الدين معضلة ف هو الّذي بقضاياه يجليها في محکم الذکر کم في مدحه نطقت آياته وجلت عنه معانيها عن حاز بالبضعة الزهراء مکرمة دون العباد فلا خلق يدانيها الله زوجها والروح ش اهدها أکرم بشاهدها أعظم بواليها نثار طوبي لحسد العرس يومئذٍ کان النثار فيا طوبي مواليها في سورة الدهر حاز الفخر من مدحٍ في شأنه انزلت سبحان منشيها حتي القيامة تتلي في خصائصه يسرّ قلب أولي الايمان تاليها يا من يروم بلا علم مراتبه أقدام رومک زلّت عن مراقبها أبالأصول الّتي شاعت فضائحها أم بالفروع التي جمت مخازيها ترجو بجهلک يا مغرور منزلة من المهيمن لا ترقي معاليها منّتک نفسک سلطاناً مناصبه لا يستطيع خبيث الأصل يأتيها هي الخلاقة بالنصّ الجليّ من الله الجليل فما أعلي مبانيها

ص: 475

فصل في مقتله صلوات الله وسلامه عليه ، وما ورد فيه من الأحاديث

اشارة

الصحيحة عن أئمّة الهدي وغيرهم من أهل العلم . روي الشيخ محمد بن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد صحيح متصّل إلي عليّ بن الحسن بن فضال ، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا علي بن موسي ، عن أبيه موسي بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : خطبنا رسول الله صلّی الله عليه و آله ذات يوم - قلت: وربّما کانت هذه الخطبة آخر جمعة من شهر شعبان - فقال : أيّها الناس، قد أظلکم شهر الله بالبرکة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات.

شهر دعيتم فيه إلي ضيافة الله، وجعلتم من أهل کرامة الله ، أنفاسکم فيه تسبيح، ونومکم فيه عبادة، وعملکم فيه مقبول، ودعاؤکم فيه مستجاب ، فأسألوا الله ربّکم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقکم لصيامه و تلاوة کتاب الله فيه ، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم - إلي تمام الخطبة ، ذکرها الشيخ المذکور رضي الله عنه في أماليه، إلي أن قال : - أيّها الناس، إن

ص: 476

أبواب الجنان مفتحة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّکم أن لا يغلقها عليکم، وأبواب النيران مغلقة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربکم أن لا يفتحها عليکم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربکم ألّا يسلّطها عليکم.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت وقلت: يا رسول الله ، ما أفضل

الأعمال في هذا الشهر الشريف ؟

فقال : يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل، ثمّ بکي رسول الله صلّی الله عليه و آله، فقلت: يا رسول الله ، ما يبکيک ؟

قال : أبکي لما يستحلّ منک في هذا الشهر ، کانّي بک وأنت تصلّي لربک ، وقد انبعث أشقي الأوّلين وأشقي الآخرين، شقيق (1)عاقر ناقة ثمود، فضربک علي قرنک ضربة خضب منها لحيتک.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت: يا رسول الله ، أفي سلامة من

ديني؟

فقال : في سلامة من دينک .

ثمّ قال صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، من قتلک فقد قتلني، ومن أبغضک فقد أبغضني، ومن سبّک فقد سبّني، لأنّک منّي کنفسي ، روحک من روحي ، وطينتک من طينتي، إنّ الله سبحانه خلقني وإيّاک، واصطفاني وإياک، واختارني للنبوّة، واختارک للامامة، فمن أنکر إمامتک فقد أنکر نبوّتي.

يا عليّ، أنت وصيتيّ ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي، وخليفتي علي أمّتي في

ص: 477


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : شبيه .

إخبار النبي صلي الله عليه و آله بمقتله عليه السلام

حياتي وبعد موتي، أمرک أمري، ونهيک نهيي ، أُقسم بالّذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البريّة إنّک لحجّة الله علي خلقه، وأمينه علي سرّه(1)، وخليفته علي عباده (2)

تفسير وکيع والسدّي وسفيان وأبي صالح: أنّ عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالي : ( أوَلَم يَرَوا أنَّا نأتِي الأَرضَ نَنقُصهَا مِن أطرَافِهَا) (3)قال : هو يوم قتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال: يا أمير المؤمنين ، لقد کنتَ الطرف الأکبر في العلم ، اليوم نقص علم الاسلام، ومضي رکن الايمان.

وروي الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي (4) عن مالک، [عن سمّي ،] (5)عن أبي صالح، قال : لمّا قتل عليّ بن أبي طالب قال ابن عبّاس : هذا اليوم نقص العلم والفقه من أرض المدينة، ثمّ قال : إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، لکن يقبض العلم بقبض العلماء، حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس دوننا(6) جهالاً، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا

سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله سبحانه :( رَبَّ اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِي مُؤمِناً) ، وقد کان قبر أمير المؤمنين عليه السلام مع نوح في

ص: 478


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بريّته .
2- أمالي الصدوق: 84 ح 4، عيون أخبار الرضا عليه السلام: 295/1 ح 53، فضائلالأشهر الثلاثة : 77ح 11، عنها البحار:356/96ح 25.وأخرجه في البحار : 190/42 ح 1 عن الأمالي والعيون
3- سورة الرعد: 41.
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي المازني عن الشافعي
5- من المناقب .
6- في المناقب : رؤساء.

السفينة ، فلمّا خرج من السفينة ترک قبره خارج الکوفة، فسأل نوح ربّه المغفرة لعلي وفاطمة قوله : ( وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ ) ، ثمّ قال: ( وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ -لال محمد - إلَّا تَبَاراً )

وروي أنّه نزل فيه - أي في قاتل علي -: (1) (وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلبِونَ) (2)

وروي أبو بکر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو بکر الشيرازي في نزول القرآن، أنّه قال سعيد بن المسيّب : کان أمير المؤمنين يقرأ : ( إذِ انبَعَثَ أشقَاهَا ) (3) قال : والّذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا - وأشار بيده إلي رأسه ولحيته(4)

وروي الثعلبّي والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحّاک . وروي ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمّار وعن ابن عديّ وعن الضحّاک . والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة. وروي الطبري والموصلي عن عمّار. وروي أحمد بن حنبل عن الضحّاک أنّه قال (5)النبيّ صلّی الله عليه و آله : يا عليّ، أشقي الأوّلين عاقر ناقة ثمود، وأشقي الآخرين قاتلک .

ص: 479


1- سورة الشعراء: 227.
2- سورة نوح : 28.
3- سورة الشمس : 12.
4- نعي أمير المؤمنين عليه السلام نفسه کثيراً، انظر : الأحاديث الغيبّية : 132/2 - 150ح 27 4- 441.
5- کذا في المناقب ، وفي الأصل : وروي الثعلبّي والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وجابر بن سمرة عن عمّار أنّه قال .

أن أمير المؤمنين عليه السلام سهر في ليلة مقتله

وفي رواية : من يخضّب هذه من هذا.

وروي الحسن البصري انّه عليه السلام سهر في تلک الليلة الّتي ضرب

فيها ولم يخرج لصلاة الليل علي عادته ، فقالت أمّ کلثوم : ما هذا السهر؟

قال : إنّي مقتول لو قد أصبحت . فقالت : مر جعدة فليصلّ بالناس.

[قال : نعم، مروا جعدة ليصلّ](1)، ثمّ مرّ وقال : لا مفرّ من الأجل، وخرج

قائلاً

خلّوا سبيل الجاهد المجاهد في الله ذي الکتب وذي المشاهد في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلي المساجد

وروي أنّه عليه السلام سهر في تلک الليلة فأکثر الخروج والنظر إلي السماء، وهو يقول : والله ما کذبت ولا کذّبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثمّ يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر نادي ابن النباح (2) الصلاة، فقام فاستقبلته الإوز، فصحن في وجهه ، فقال : دعوهنّ، فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح، و تعلّقت حديدة غلق (3) الباب بمئزره، فشدّ إزاره وهو يقول:

أشدد حيازيمک للموت فإن الموت لاقيک ولا تجزع من الموت إذا حلّ

بناديک

ص: 480


1- من المناقب .
2- في المناقب علي.
3- في المناقب : ابن التياح

أمير المؤمنين عليه السلام ينعي نفسه

فقد أعرف أقواماً وإن کانوا ص عاليک (1) مساريع إلي الخير وللشرّ

متاريک (2) أبو صالح الحنفي: قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله في منامي، فشکوت إليه ما لقيت من أمّته من الأود واللدد(3) وبکيت، فقال : لا تبک يا علي، والتفتَ والتقتُّ، فإذا رجلان مصفّدان ، وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما.

وروي أنّه عليه السلام قال لابنته أمّ کلثوم: يا بنيّة ، إنّي أراني قلّ ما

أصحبکم.

قالت : وکيف ذاک يا أبتاه ؟

قال : رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله في المنام وهو يمسح الغبار عن

وجهي ، ويقول: يا عليّ، لا عليک قضيت ما عليک .

قالت: فما مکثنا حتي ضرب في تلک الليلة.

وروي أنّه قال : يا بنيّة ، إني رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله يشير إليّ

بکفّه، ويقول: يا عليّ، إلينا، فإنّ ما عندنا خير لک.

أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد، والرفاعي ، والثقفي جميعاً ، قالوا : لما رجع أمير المؤمنين عليه السلام من حرب الخوارج وقتلهم الله علي يده ، وأنجز ما وعده ، اجتمع في مکّة جماعة من الخوارج فقالوا: إنّا شرينا أنفسنا لله فلو

ص: 481


1- الصعاليک : جمع الصعلوک ، وهو الفقير ، الضعيف .
2- انظر خصائص الأئمّة عليهم السلام : 63.
3- الاود : الاعوجاج . اللدد : الخصومة.

العاص، وشغف ابن ملجم بقطام التميمية.

أتينا أئمّة الضلال، وطلبنا غِرّتهم أرحنا العباد والبلاد منهم.

فقال عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله : أنا أکفيکم عليّاً، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَک : أنا أکفيکم معاوية ، وقال عمرو بن بکر التميمي: أنا أکفيکم عمرو بن العاص، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، ثمّ تفرّقوا، فدخل ابن ملجم الکوفة فرأي رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة ، وکان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها، وخطبها فأجابته بمهر ذکره العبدي في کلمته: فلم أر مهراً، ساقهُ ذو سماحةٍ کمهر قَطام من فصيح وأعجم

ث لاثة آلافٍ وعبدُ وقَينَةُ وقتل(1)عليّ بالحسام المسمّم فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا ولا فتک إلّا دون فتک(2) ابن ملجم

فقبل أبن مُلجَم ذلک ، ثمّ قال : يا ويلک ، ومن يقدر عليّ قتل عليّ ، وهو فارس الفرسان، ومغالب الأقران، والسبّاق إلي الطعان؟ وأمّا المال فلا بأس عليَّ منه.

قالت : اقبل، فقبل ، وقال لها : إنّي ما أتيت هذه البلدة إلّا لذلک ، ولم أُظهر

ذلک لأحد إلّا لک.

قالت : فإنّي أرسل إلي جماعة رأيهم رأيک في ذلک ، فبعثت إلي ابن عمّ لها يقال له وردان (3) بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بَجَرة، وأعانه رجل من وکلاء عمرو بن العاص فأطعمتهم

ص: 482


1- في المناقب : وعبد وفتية وضرب علي
2- في المناقب : ولا قتل إلا دون قتل
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : ورقاء.

ضرب ابن ملجم لأمير المؤمنين عليه السلام

اللوزينج والجوزينق وسقتهم الخمر العکبري، فنام شبيب و تمتّع ابن ملجم معها، ثمّ قامت فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير، و تقلّدوا أسيافهم.

وقيل : إنّ ابن ملجم قال لها : أترضين منّي بضربة واحدة ؟

قالت: نعم، ولکن اعطني سيفک، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ، ثمّ مضوا وکمنوا له مقابل السدّة، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم، وقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتک ، فقد فضحک الصبح، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث، فقال : قتلته يا أشعث، وخرج مبادراً ليمضي إلي أمير المؤمنين

عليه السلام، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف.

وعن عبد الله بن محمد (1) الأزدي، قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب، وسمعت قائلاً يقول: الحکم لله يا علي لا لک ولا لأصحابک، وسمعت عليا يقول: فزت وربّ الکعبة، ثمّ قال: لا يفوتنکم الرجل.

وکان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، ومضي هارباً حتي دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره، فقال:

العلّک قتلت أمير المؤمنين ؟ فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فقتله الأزدي،

وأمّا ابن مُلجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه.

وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال : النفس بالنفس، إن أنا متّ فاقتلوه کما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي.

وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن هلکت فاصنعوا به ما يفعل

ص: 483


1- في المناقب : محمد بن عبد الله .

بقاتل النبيّ صلّی الله عليه و آله .

فسئل : ما معناه؟ فقال : اقتلوه، ثمّ حرّقوه بالنار.

فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله،

ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلکتهم..

وفي محاسن الجوابات عن الدينوريّ: أنّ ابن ملجم قال : لقد سألت الله

أن يقتل به شرّ خلقه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد أجاب الله دعوتک، يا حسن، إذا

متّ فاقتله بسيفه.

روي أنّه عليه السلام قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ، فإن أصحّ

فأنا وليّ دمي، إن شئت عفوت، وإن شئت استنفذت، وإن هلکت فاقتلوه.

وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام وسمعوا قوله : فزت وربّ

الکعبة ، وارتفع الصياح في المسجد : قُتِل أمير المؤمنين ، أقبل أهل الکوفة رجالاً ونساء بالمصابيح، فوجدوا أمير المؤمنين عليه السلام مطروحاً في محرابه فارتفعت أصوات الناس بالبکاء والنحيب.

وأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا علي قدميه وأعلنا بالبکاء والنحيب ، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه و محاسنه، ويقول: هکذا ألقي الله ، هکذا ألقي رسول الله ، هکذا ألقي فاطمة، هکذا ألقي جعفر الطيّار، وسمع أمير المؤمنين بکاء بناته ، فقال : احملوني إلي المنزل لأودّع بناتي وأهلي ،

ص: 484

فوضع إحدي يديه علي کتف الحسن، والأُخري علي کتف الحسين، ومضيا به إلي حجرته ورجلاه تخطّان الأرض، وقد علا لونه الاصفرار، ولمّا وصل إلي الحجرة تنفّس الصبح ، فقال : يا صبح ، اشهد لي عند ربّک أنّني منذ کفلني رسول الله صلّی الله عليه و آله طفلاً إلي يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً، ثمّ قال : اللّهمّ اشهد وکفي بک شهيداً أنّي لم أعص لک أمراً، ولا ترکت فرضاً، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرک.

وروي ابن نباتة في خبر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد ضربت في الليلة الّتي قبض فيها يوشع بن نون، ولأُقبضنّ في الليلة الّتي رفع (1)فيها عيسي عليه السلام

عن الحسن عليه السلام في خبر : ولقد صعد بروحه في الليلة الّتي صعد

فيها بروح يحيي بن زکريّا عليهما السلام.

وکان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله في عداد مراد. قال ابن عبّاس : من نسل قدار عاقر ناقة صالح، وقصّتهما واحدة، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب کما عشق ابن ملجم قطاماً.

وسُمِعَ ابن ملجم يقول : لأضرب عليّاً بسيفي هذا، فذهبوا به إليه

عليه السلام، فقال : ما اسمک؟

قال : عبد الرحمان بن ملجم. قال : نشدتک بالله عن شيء تخبرني به ؟ قال : نعم.

ص: 485


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : قبض .

قال : هل مرّ بک رجل متوکّئاً علي عصا وأنت في الباب فمشقک بعصاه ،

ثمّ قال : بؤساً لک يا أشقي من عاقر ناقة ثمود؟

قال : نعم. قال : هل کان الصبيان يسمّونک ابن راعية الکلاب ؟ قال : نعم.

وروي أنّه أتي ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام يبايعه فردّه مرتين أو ثلاثاً، ثمّ بايعه و توتق منه ألا يغدر ولا ينکث ، فقال : والله ما رأيتک تفعل هذا بغيري.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : امض يا ابن ملجم، فوالله لتخضبنّ هذه

من هذا - وأشار إلي لحيته ورأسه ..

وروي أنّ ابن ملجم أتي أمير المؤمنين عليه السلام يستحمله، فقال : يا

غزوان احمله علي الأشقر ، ثمّ قال عليه السلام : أريد حياته ويريد قتلي عذيري من خليلي(1)من مراد(2)

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام کان کثيراً ما يقول : ما يمنع أشقاها ؟ أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ وکان يقول : والله ليخضنّ هذه من دم هذا، ثمّ يشير إلي لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير (3).

ص: 486


1- في المناقب : عذيرک من خليلک
2- مناقب ابن شهرآشوب :308/3-313 ، عنه البحار : 236/42 -240ح 45.
3- انظر: الطبقات الکبري : 33/3، مقتل أمير المؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا: 41ح26، الآحاد والمثاني :148/1 ح176، أنساب الأشراف: 500/2 ح 545.

اجتماع الأطباء لأمير المؤمنين عليه السلام

وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّ ابن ملجم يسمّ بسيفه ويقول: إنّه

سيقتلک به فتکةً يتحدّث بها العرب، فبعث إليه ، فقال له : لم تسمّ سيفک ؟

قال : لعدوّي وعدوک، فخلّا عنه ، وقال : ما قتلني بعد.

وقال ابن عبد الرحمان السلمي: أخبرني الحسن بن علي عليه السلام أنّه سمع أباه في ذلک السحر يقول : يا بنيّ ، إنّي رأيت رسول الله صلّی الله عليه و آله الليلة في المنام، فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت من أمّتک من الأود واللدد؟

فقال : ادع عليهم.

فقلت : اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منّي(1). ثمّ انتبه وجاء مؤذّنه يؤذنه بالصلاة ، فخرج فاتورة الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأمّا الآخر فضربه في رأسه وذلک في صبيحة يوم الجمعة لتسع عشرة من رمضان صبيحة بدر.

وروي أنّه جمع الأطبّاء لأمير المؤمنين عليه السلام، وکان أبصرهم بالطب أثير (2) بن عمرو السکوني، وکان صاحب کسري يتطبّب له، وهو الّذي تنسب إليه صحراء أثير فأخذ رئُة شاة حارّة فتتبّع عرقاً منها فأخرجه وأدخله في جراحة أمير المؤمنين عليه السلام، ثم نفخ العرق واستخرجه فإذا عليه بياض دماغ وإذا الضربة قد وصلت إلي أمّ رأسه .

ص: 487


1- انظر نهج البلاغة : 99 خطبة رقم 70، عنه البحار:79/34ح 936، وج 226/42 ح 37.
2- کذا في الاستيعاب، وفي الأصل : کثير ، وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 43ح 28 أنّ طبيبه کان ابن أثير الکندي .

وصية أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام

فقال : يا أمير المؤمنين ، اعهد فإنّک ميّت(1)

فعندها أوصي أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين صلوات الله عليهما بالوصيّة الّتي رواها سيّدنا ومفخرنا السيّد محمد الرّضي الموسويّ في کتاب نهج البلاغة من کلام أمير المؤمنين ، وهي قوله عليه السلام :

ومن وصيّة له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن

ملجم عليه اللعنة :

أُوصيکما بتقوي الله، وألّا تبغياً الدنيا وإن بغتکما، ولا تأسفا علي شيء منها زوي عنکما، وقولا بالحقّ، واعملا للآخرة(2) وکونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

أوصيکما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه کتابي بتقوي الله، ونظم أمرکم، وصلاح ذات بينکم، فإنّي سمعت جدّکما رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول: صلاح ذات البيت أفضل من عامة الصلاة والصوم.

الله الله في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتکم.

الله الله في جيرانکم، فإنّهم وصيّة نبيّکم، وما زال عليه السلام يوصي بهم

حتي ظننّا(3) أنه سيورثهم.

والله الله في القرآن لا يسبقکم بالعمل به غيرکم . والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينکم.

ص: 488


1- الاستيعاب : 62/3.
2- في النهج : للأجر.
3- کذا في النهج ، وفي الأصل : ظننت

والله الله في بيت ربّکم، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترک لم تناظروا . والله الله في الجهاد بأموالکم وأنفسکم وألسنتکم في سبيل الله.

وعليکم بالتواصل والتباذل ، وإيّاکم والتدابر والتقاطع، ولا تترکوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فيولّی عليکم أشرارکم ثمّ تدعون فلا يستجاب

لکم.

[ثم] (1)قال : يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّکم تخوضون دماء المسلمين

خوضاًتقولون :(2) قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتل فيَّ (3) إلّا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثّلوا بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله صلّی الله عليه و آله يقول : إيّاکم والمُثلة ولو بالکلب العقور .(4)

أبو بکر الشيرازي في کتابه عن الحسن البصري ، قال : أوصي عليّ صلوات الله عليه عند موته للحسن والحسين عليهما السلام وقال لهما : إذا أنا متّ فإنّکما ستجد ان عند رأسي حنوطاً من الجنّة و ثلاثة أکفان من استبرق الجنّة فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وکفّنوني.

قال الحسن عليه السلام : فلمّا قبض عليه السلام وجدنا عند رأسه طبقاً

ص: 489


1- من النهج .
2- کژرت هذه الجملة في الأصل .
3- في النهج : لا تقتلت بي
4- نهج البلاغة :421 رقم 47، عنه البحار: 256/42 ح 78. وروي الوصيّة أيضاً ابن أبي الدنيا في مقتل الامام أمير المؤمنين عليه السلام ص 45 وما بعدها ، فراجع.

من الذهب عليه خمس شمّامات من کافور الجنّة ، وسدراً من سدر الجنّة .

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحکام(1) عن سعد الاسکافي قال : حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال (2): لمّا أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام : غسّلاني وکفّناني وحنّطاني، واحملاني علي سريري، واحملا مؤخّره تکفيان مقدّمه، فإنّکما تبتهيان إلي قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن موضوع، فالحداني واشرجا اللبن علي ، وارفعا لبنة من عند (3) رأسي فانظرا ما تسمعان.

وعن منصور بن محمد بن عيسي، عن أبيه، عن جدّه[زيد بن عليّ، عن

أبيه، عن جدّه ](4)الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذکر فيه:

أوصيکما وصيّة فلا تظهرا علي أمري أحداً، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمني لوحاً وأن يکفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه وکفّناه وضعاه علي اللوح، وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرة صلاة إمام، ففعلا بما رسم عليه السلام، فوجدا اللوح وعليه مکتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ادّخره نوح النبي لعليّ بن أبي طالب،

ص: 490


1- تهذيب الأحکام: 106/6 ح 3ورواه في الکافي : 457/1 ح 9، وفرحة الغريّ: 30، عنهما البحار: 213/42 ح 14.وأخرج قطعة منه في البحار :251/42 ح 53 عن الکافي
2- من المناقب .
3- في المناقب : ممّا يلي .
4- من المناقب .

وأصابا الکفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط قد أضاء نوره علي نور النهار.

وروي أنّ الحسين عليه السلام قال وقت الغسل : أما تري خفّة أمير

المؤمنين؟

فقال الحسن : يا أبا عبد الله ، انّ معنا قوماً يعينونا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير، ولم نزل نتّبعه إلي أن وردنا الغريّ، فأتينا إلي قبر کما وصف عليه السلام ونحن نسمع خفق أجنحة کثيرة وضجّة وجَلَبة (1) فوضعنا السرير وصلّينا علي أمير المؤمنين عليه السلام کما وصف النا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضّدنا عليه اللبن.

وفي الخبر عن الصادق عليه السلام : فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعدما أشرجنا عليه اللبن ، وإذا ليس في القبر شيء، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين

عليه السلام کان عبداً صالحاً، فألحقه الله بنبيّه صلّی الله عليه و آله ، وکذلک يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتي لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق و مات (2) وصيه بالمغرب لألحق الله الوصيّ بالنبيّ.

وفي خبر عن أمّ کلثوم بنت علي عليه السلام : فانشقّ القبر عن ضريح فإذا

هم بساجة(3) مکتوب عليها بالسريانيّة:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ

ص: 491


1- الجَلَبة - بالتحريک : اختلاط الصوت
2- من المناقب .
3- الساحة : الطيلسان الواسع المدور .

سعي إسماعيل بن عيسي العباسي عام 293 في تخريب قبر أمير ام المؤمنين عليه السلام

محمد صلّی الله عليه و آله قبل الطوفان بسبعمائة سنة .

وعنها رضي الله عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين عليه السلام سمع ناطق

يقول : أحسن الله لکم العزاء في سيّدکم و حجّة الله علي خلقه.

التهذيب(1)في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسي العبّاسي غلاماً أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين في جماعةٍ وقال : امضوا إلي هذا القبر الذي قد افتتن به النّاس ويقولون انّه قبر عليّ حتي تنبشوه (2)إلي قعره، فحفروا حتي نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلي موضع صلب عجزوا عنه ، فنزل الحبشي وضرب ضربة سمع طنينها في البّر(3)، ثمّ ضرب ثانية وثالثة ، ثم صاح صيحة وجعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا علي يده من أطراف أصابعه إلي ترقوته (4) دم فحملوه علي بغل، ولم يزل ينتثر من عضده وسائر شقّه الأيمن فرجعوا إلي العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلي القبلة وتاب من فعله و تولّي و تبرّأ، ومات الغلام من وقته ، ورکب في الليل إلي عليّ بن مصعب ابن جابر وسأله أن يجعل(5)علي القبر صندوقاً.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه : حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الکوفي ، قال : حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج ، قال : رأينا هذا الصندوق

ص: 492


1- هذيب الأحکام: 111/6 ح16. وفيه إسماعيل بن عديّ العبّاسي .
2- في التهذيب : القبر .
3- کذا في التهذيب ، وفي الأصل والمناقب : تنبشون .
4- في التهذيب : مرفقه .
5- في التهذيب والمناقب : يعمل .

العلة في إخفاء قبر أمير المؤمنين عليه السلام

وذلک قبل أن يبني الحسن بن زيد الحائط .(1)

أقول: وإنّما أمر أمير المؤمنين عليه السلام بإخفاء قبره عن غير أهله وولده لأمرٍ لا نعلم نحن سرّه، ولتکن المحنة أشدّ، والبلاء أعظم، أو لکثرة أعدائه، وقصدهم إطفاء نوره، أو غيرهما؛ کخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته ، کالناکثين والقاسطين والمارقين الذين غرروا بأنفسهم في حربه ، ورابطوه قاصدين إطفاء نوره واستئصال شأفته، حتي قتلوه في محرابه راکعاً ، وأعلنوا بسبّه علي منابرهم، وقتلوا ولده وشيعته ، وسبوا نساءه وبناته وولده ، ثمّ تتبعوا أبرار شيعته بالأذي والقتل ، کما فعل زياد بن أبيه والحجّاج، وغيرهما ، وکانوا يقتلون علي التهمة والظنّة، حتي روي أنّهم سمعوا برجل يحدث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله وقتلوه غيلة (2)، فما ظنّک لو علموا بموضع قبره؟ وهو عليه السلام أعلم بما قال وأوصي.

ولم يکن قبره عليه السلام مخفيّاً عند ولده وأهله وأحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم، حتي أنّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتي من المدينة لزيارته وأخفي نفسه في الحياة وزاره ليلاً ورجع من فوره إلي المدينة، وکذلک الباقر عليه السلام. : روي جابر بن عبد الله الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : أتي علي بن الحسين عليه السلام زائراً أمير المؤمنين فوضع خدّه علي القبر ،

ص: 493


1- مناقب ابن شهرآشوب: 348/2 - 350، عنه البحار : 234/42 -236 ح 44.
2- الغيلة : المکر.

وقال : السلام عليک يا وليّ(1) الله في أرضه، وحجّته علي عباده، إلي آخر الزيارة، ثمّ قال : اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليک والهة(2) وسبل الراغبين إليک شارعة، إلي آخره ، کما ذکر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه(3)

ولم يزل قبره عليه السلام مخفيّاً عند العامة معلوماً عند الخاصة إلي أن انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن - أعني بني أميّة عليهم لعائن الله - فأظهره الصادق عليه السلام لخاصّته وأصحابه (4)

وکان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته، وکان معلوماً لأکثر الناس في تلک الناحية، حتي أنّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصّيد في ناحية الغرييّن والثويّة وأرسل الکلاب فلجأت [الظباء] (5) إلي أکمة ورجعت الکلاب، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها وصنعت الکلاب مثل الأول، فسئل شيخاً من بني أسد فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله الله حرماً لا يأوي إليه شيء إلّا أمن .(6)

ص: 494


1- في الصحيفة السجّادية ومصباح المتهجّد: يا أمين . وهذه الزيارة معروفة بزيارة أمين
2- المخبتين : الخاشعين . والهة : متحيّرة من شدّة الوجد
3- مصباح المتهجد: 738، الصحيفة السجّادية الجامعة : 590 دعاء 250. وانظر أيضاً : کامل الزيارات : 39 ب 11ح 1 ، مزار الشهيد : 95، البلد الأمين : 295، مصباح الکفعمي : 480، فرحة الغريّ: 40.
4- انظر : إرشاد المفيد : 12.
5- من المناقب .
6- مناقب ابن شهرآشوب: 350/2 . ورواه مفصلاً في فرحة الغري: 119 وفيه أنّ الخليفة هو هارون الرشيد ، عنه البحار :329/42 ح16.

قضي أمير المؤمنين عليه السلام نحبه ليلة الحادي والعشرين، ونعي الخضر عليه السلام له

ولنرجع إلي تمام الحديث:

ولمّا فرغ أمير المؤمنين من وصيّته وکانت ليلة الحادي والعشرين وذهب شطر من الليل فتحت أبواب السماء، وزيّنت الجنان، و تهيّأت أرواح الأنبياء والأولياء لاستقبال روحه الشريفة صلوات الله عليه . قال عليه السلام للحسن والحسين : احملوني إلي هذا البيت، ودعوني وحدي، واغلقوا عليَّ الباب، واجلسوا خارج الباب إلي أن أمضي إلي جوار الله تعالي، فوضعوه عليه السلام وفعلوا ما أمرهم، فلم يلبثوا إلاّ قليلاً حتي سمعوا أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لا إله إلّا الله ، فلما سمع الحسن والحسين تهليله صلوات الله عليه لم يتمالکا إلي أن دخلا عليه، فوجدوه قد قضي صلوات الله عليه نحبه ، فأخذوا في تجهيزه کما ذکرنا أوّلاً صلوات الله ورحمته وبرکاته عليه وعلي روحه وبدنه ، ولعنة الله علي ظالمه وقاتله ومانعه حقّه.

وروي الکليني في الکافي(1) أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السلام جاء شيخ يبکي وهو يقول : اليوم انقطعت علاقة النبوّة ، حتي وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام - وذلک حين موته قبل أن يخرجوه ويأخذوا في جهازه . فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال : رحمک الله ، فلقد کنت أول الناس إسلاماً ، وأفضلهم إيماناً ، وأشدّهم يقيناً، وأخوفهم من الله، وأطوعهم لنبيّ الله ، وأفضلهم مناقباً، وأکثرهم سوابقاً، وأشبههم به خَلقاً وخُلقاً ، وسيماء وفضلاً وکنتَ أخفضهم صوتاً، وأعلاهم طودا، وأقلهم کلاماً، وأصوبهم منطقاً ،

ص: 495


1- الکافي : 454/1ح 4، عنه البحار: 303/42 ح 4 وعن کمال الدين : 387 ح 3.وأخرجه في مدينة المعاجز : 65/3ح730 عن الکافي .

مقتل ابن ملجم عليه اللعنة

وأشجعهم قلباً، وأحسنهم عملاً(1) وأقواهم يقيناً، حفظت ما ضيعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذا اجتمعوا، وعلوت إذا هلعوا، ووقفت إذا أسرعوا، وأدرکت أوتار ما ظلموا

کنتَ علي الکافرين عذاباً واصباً، وللمؤمنين کھفاً وحصناً، کنت کالجبل الراسخ لا تحرّکه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، کنت للأطفال کالأب الشفيق ، وللأرامل کالبعل العطوف، قسمت بالسوية، وعدلت بالرعيّة، وأطفأت النيران، وکسرت الأصنام، وذللت الأوثان، وعبد الرحمن - في کلام کثير - فالتفتوا فلم يروا أحداً، فسئل الحسن عليه السلام عنه ، فقال : کان الخضر، فارتجّت الدار بالبکاء والنحيب ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون .(2)

ولمّا رجع الحسن والحسين عليهما السلام من دفن أمير المؤمنين عليه السلام أمر الحسن عليه السلام بإخراج ابن ملجم والاتيان به، فأمر عليه السلام فضربت عنقه، واستوهبت أمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّي إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار، وأما الرجلان اللذان کانا مع ابن ملجم في العقد علي معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدهما ضرب معاوية علي إليته وهو راکع ، وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظنّ أنّه عمرو، وکان قد استخلفه لعلّة وجدها .(3)

وممّا رثي به عليه السلام قول سيّدنا و مولانا الحسن السبط التابع لمرضاة

ص: 496


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : علماً.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 347/2 ، عنه مدينة المعاجز : 68/3 ح 731.
3- إرشاد المفيد : 18 وفيه : خارجة بن أبي حبيبة العامري، مناقب ابن شهرآشوب : 313/3

في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام

الله صلوات الله عليه:

أين من کان لعلم المصطفي في الناس بابا أين من کان إذا ما أقحط الناس سحابا أين من کان إذا نو دي في الحرب أجابا

أين من کان دعا و مستجاباً ومجاب(1)

وسمع هاتف من الجنّ يقول: يا من يوم إلي المدينة قاصداً أدّ الرسالة غير ما متوان قتلت شرار بني أميّة سيّداً خير البريّة ماجداًذا شان ربّ الفضائل في السماء وأرضها سيف النبيّ وهادم الأوثان بکت المشاعر والمساجد بعدما بکت الأنام له بکلّ مکان

صعصعة بن صوحان :

إلي من لي بأنسک يا أخيّا ومن لي أن أبثّک مالدیّا طوتک خطوب دهر قد تولّي کذاک خطوبه نشراً وطيّا فلو نشرت قواک إلي المنايا شکوت إليک ما صنعت إليّا بکيتک يا عليّ بدمع (2)عيني فلم يغن البکاء عليک شيّا کفي حزناً بدفنک ثمّ إنّي نفضت تراب قبرک من يديّا وکانت في حياتک لي عظات وأنت اليوم أوعظ منک حيا فيا أسفي عليک وطول شوقي إليک لو أت ذلک ردّ شياً

ص: 497


1- مناقب ابن شهرآشوب : 312/3 .
2- في المناقب : الدّر .

العلامات التي ظهرت عند مقتل أمير المؤمنين عليه السلام

وله أيضاً:

هل خبّر القبر سائليه أم

قر ّعيناً بزائريه؟ أم هل تراه أحاط علماً بالجسد المستکن فيه؟ لو علم القبر من يواري تاه علي کلّ من يليه يا موت ماذا أردت منّي حقّقت ما کنت أتّقيه ياموت لو تقبل افتداء لکنت بالروح أفتديه دهر رماني بفقد الفي أذمّ دهري وأشتکيه(1)

عن ابن عبّاس رضي الله عنه : لقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام علي

أرض الکوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيّام دماً

أبو حمزة، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه

السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وفي أخبار الطالبيّين أن الروم أسروا قوماً من المسلمين فأتي بهم الملک فعرض عليهم الکفر، فأبوا، فأمر بإلقائهم في الزيت المغلي، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم ، فبينا هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلي أصحابه الذين ألقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلک ، فقالوا: قد کان ذلک ، فنادي مناد من السماء في شهداء البّر والبحر انّ عليّ بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلوا عليه، فصلّينا عليه ونحن راجعون إلي مصارعنا.

أبو ذرعة الرازي، عن منصور بن عمّار أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال :

تري هذه الصخرة في وسط البحر، يخرج من هذا البحر طائر في کلّ يوم مثل

ص: 498


1- مناقب ابن شهرآشوب : 314/3 - 315.

أبيات لأبي الأسود الدؤلي في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام

النعامة فيقع عليها، فإذا استوي واقفاً تقيّاً رأساً، ثمّ تقيأ يداً، وهکذا عضواً عضواً، ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلي بعض حتي يستوي إنساناً قاعداً، ثمّ يهمّ بالقيام، فإذا همّ للقيام نقره نقرةً فيأخذ رأسه، ثمّ يأخذ عضواً عضواً کما قاءه ، فلمّا طال عليَّ ذلک ناديته يوماً: ويلک من أنت ؟

فالتفت إليّ ذليلاً وقال : أنا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين عليه السلام،

وکلّ الله بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلي يوم القيامة.(1)

وسأل أبو مسکان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغريّ . فقال : نعم، إنّهم لمّا جاءوا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام انحني أسفاً وحزناً علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه . (2)

وممّا رثاه به أبو الأسود الدؤلي رضي الله عنه:

ألا ياعين ويحک فاسعدينا ***ألا فابکي أمير المؤمنينا

رزئنا خير من رکب المطايا *** وأفضلها (3)ومن رکب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها ***ومن قرأ المثاني والمبينا (4)

إذا استقبلت وجه أبي حسين *** رأيت البدر راق الناظرينا

يقيم الحدّ لا يرتاب فيه *** ويقضي بالسرائر(5)مستبينا

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** فلاقرّت عيون الشامتينا

ص: 499


1- مناقب ابن شهرآشوب: 346/2 - 347، عنه البحار :308/42-309 ح 9.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 348/2.
3- في المناقب : وحثحثها ، وفي الديوان : ويسها، وفي الأعيان : وفارسها. وحثحثها : أي أسرعها
4- في الديوان والأعيان : والمئينا .
5- في المناقب : بالفرائض .

ما قاله عمران بن حطان الخارجي في ابن ملجم ، وجواب بکر بن

أفي شهر الصيام فجعتمونا ***بخير الناس طرّاً أجمعينا

ومن بعد النبيّ فخير نفس *** أبو حسن وخير الصالحينا

کأنّ الناس إذ فقدوا عليّاً *** نعام جال في بلد سنينا

وکنّا قبل مهلکة بخير *** نري فينا وصيّ المسلمينا

فلا والله لا أنسي عليّاً *** وحسن صلاته في الراکعينا

لقد علمت قريش حيث کانت *** بأنّک خيرها نسباً(1) و دينا

فلا تشمت معاوية بن حرب *** فإنّ بقيّة الخلفاء فينا(2)

ولمّا قال عمران بن حِطّان الخارجي لعنة الله عليه في ابن ملجم : يا ضربة من تقي ما أراد بها إلّا ليدرک من ذي العرش رضوانا إنّي لأذکره حيناً فأحسبه أوفي البريّة عند الله ميزانا(3)

أجابه بکر(4)بن حمّاد التاهرتي معارضاً له:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة *** هدَّمتَ ويلک للإسلام أرکانا

قتلتَ أفضل من يمشي علي قدمٍ *** وأوّل الناس إسلاماً وإيماناً

وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما *** سنَّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

ص: 500


1- في المناقب : خيرهم حسباً.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 315/3 ، ديوان أبي الأسود الدؤلي : 71 رقم 45، أعيان الشيعة : 403/7 . وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة وفي عدد أبياتها؛ فقد نسبت في الاستيعاب وکفاية الطالب لأمّ الهيثم بنت العريان النخعيّة ، ونسبت في الکامل في التاريخ لأمّ العريان ، ونسبت في الأغاني وإنباه الرواة وتاريخ الطبري للدؤلي .
3- الفرق بين الفرق : 72، الغدير : 324/1.
4- کذا في الأصل والاصابة :179/3، وفي الاستيعاب: 472/2 : أبو بکر، وفي الغدير :326/1 : بکر بن حسّان الباهلي .

کلام للمؤلف رحمه الله

عيد صهر الرسول ومولاه(1) وناصره أضحت مناقبه نوراً وبرهانا وکان منه علي رغم الحسود له مکان هارون من موسي بن عمرانا وکان في الحرب سيفاً صارماً ذکراًليثاً إذا مالقي الأقران أقرانا ذکرتّ قاتله والدمع منحدر فقلت سبحان ربّ الناس سبحانا إنّي لأحسبه ما کان من بشرٍ يخشي المعاد ولکن کان شيطانا أشقي مراد إذا عدّت قبائلها وأخسر الناس عند الله ميزانا کعاقر الناقة الأولي الّتي جلبت علي ثمودَ بأرض الحجر خسرانا قد کان يخبرهم أن سوف يخضبها ق بل المنّية أزمانفأزماناً فلا عفا الله عنه ماتحمله ولا سقي قبر عمران بن حطانا القوله في شقيًّ ظلَّ مجترماً ونال ماناله ظلماً وعدوانا يا ضربة من تقيّ ما أراد بها إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا بل ضربة من غويّ أورثته لظي وسوف يلقي بها الرحمن غضبانا کأنّه

لم يرد قصداً بضربته إلّا ليصلي عذاب الخلد نيرانا(2)

قلت : يا من حبّه أعظم وسائلي إلي ربّي في حشري، ويا من ذکره أطيب ما يخطر بقلبي ويمرّ بفکري، ويا من ولاه رأس إيماني واعتقادي ، ويا من مدحه راحة روحي وأقصي مرادي ، مصابک جدّد أحزاني، وهيّج أشجاني ، وقرّح مقلتي، وأجري عبرتي، وأسهر ناظري، وأظهر سرائري ، کلما أردت أن أکفکف دموعي ذکت نيران الأسي في ضلوعي ، وکيف لا أذيب فؤادي بنار حسراتي ، وأصاعده دماً من شؤوني بتصاعد زفراتي، وأشقّ لمصابک فؤادي لا

ص: 501


1- في الغدير: صهر النبيّ ومولانا .
2- الغدير: 326/1 - 327.

قميص حزني، وأحرّم رقادي لوفاتک علي قريح جفني ، و حبّک جُنّتي وجَنّتي في دنياي وآخرتي، وولاؤک معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي؟

کتبت أحرف خالص اعتقادي في حبک علي صفحات سرائري، وظهرت آثار محض ودادي لمجدک علي وجهات بواطني وظواهري، عمّر الله لحبّک في قلبي منزلاً شامخاً، وثبّت بي في طريق شکوکي إلي عرفانک قدماً راسخاً، لمّا شرّفني ربّي باتّباعک ، وأکرمني بولائک، ونزّهني عن دنس الشکّ في أمرک، وأطلعني علي جلال مجدک و فخرک ، وأعلمني أنّ أفضل الأعمال حبّک ، وأقرب القربي إلي الرسول قربک.

وقفت خالص ودّي علي باب جلالک ، ووجّهت شکري إلي کعبة إفضالک ، لا أريد بعد الله ورسوله منک بدلاً، ولا أبغي عن اتّباع سبيلک حولاً، بل طوّقت بطوق العبوديّة عنقي، ووسمت بميسم الرقية لجنابک حسّي ومفرقي، راجياً أن يثبتني في جرائد أرقّائک عبداً حبشيّاً، وإن کنت علويّاً قرشي .

نزّهک الله عن الدنيا الفانية، واختار لک الدار الباقية، وابتلي عباده بولائک، وأخبرهم باتّباعک، فمن اتّبع سبيلک فقد اتّبع سبيل المؤمنين ، وانتظم في سلک المخلصين ، وأسلم لربّ العالمين، واستمسک بحبله المتين ، ومن تولّي عن أمرک، وخفض المرفوع من قدرک، ولم يفق واضح أمرک، وکذّب بعلانيتک وسرّک ، وغشي بصره عن نور عدلک ، وقدّم عليک من لا يعادل عند الله شسع نعلک ، وسمّي الکاذب صدّيقاً، والجاهل فاروقاً، فقد ألحد في دين الله، وکب بنات الله ، وصار اسمه في صحائف التحقيق مذؤوماً مدحوراً، وغضب الله عليه ولعنه وأعّد له جهنّم وساءت مصيراً، وخرج من عبادة الله إلي عبادة

ص: 502

الشيطان ، واتّبع ما تتلو الشياطين علي ملک سليمان (1)

أنت نور الحقّ، ومحنة الخلق ، والسبب المتّصل بين الله وعباده ، والنهج

الموصل لسالکه إلي سبيل رشاده، لمّا أعلي الله علي کل شأن شأنک ، ورفع علي کلّ بنيان بنيانک ، و توّجک بتاج العلم، وحلّاک بحلية الحلم، فصارت نفسک أشرف النفوس الإنسيّة، وروحک أطهر الأرواح القدسيّة، وقلبک مشکاة الأنوار الإلهية، وذاتک مظهر الأسرار الربّانيّة، وقرن طاعتک بطاعته، ومعصيتک بمعصيته، يدخل الجنّة من أطاعک وإن عصاه، ويدخل النار من أبغضک وإن والاه.

وأمر رسوله أن يوردک في الغدير من زلال الاختصاص کأساً رويّاً، وأن يرفع لک بآية التطهير في سماء الاخلاص مکاناً عليّاً، وأن يکمل الاسلام بعد نقصه بولايتک ، وأن يتم الايمان بصريح نصه علي خلافتک ، فقام صلّی الله عليه و آله آخذاً ميثاقک علي الأسود والأحمر، موجباً ولاءک علي کلّ من أخلص بالوحدانيّة لربه وأقرّ، وأخلصک بالاصطفاء، وخصّک بسيّدة النساء ، وأعلمنا أن الله سبحانه تولّي عقدة نکاحها بشريف إرادته ، وأشهد علي ذلک مقرّبي ملائکته وقرن حبّه بحبّک ، وجعل ذرّيته من صلبک .

فشمخت لذلک معاطس أقوام حسداً وکفراً، وأضمروا في حياة نبيّهم الجلال رفعتک حقداً وغدراً، حتي إذا نقل الله نبيه إلي جواره، واختصّه بدار قراره، أظهروا ما کمن من نفاقهم، وأشهروا ما بطن من شقاقهم، واتّخذوا عجلاًکقوم موسي، وفارقوا الحقّ کأمّة عيسي، وبالغوا في إخفاء دين الله بآرائهم،

ص: 503


1- اقتباس من سورة البقرة : 102.

وراموا إطفاء نور الله بأفواههم، وخالفوا الرسول بما أکّد عليهم بوصيّته ، وقطعوا الموصول ممّا أمر الله بصلته من عترته، واتّخذوا الولائج من دون الله ورسوله ، وأجهدوا جهدهم في تحريف کتاب ربّهم وتبديله، وعبدوا الطاغوت وقد أمروا أن يکفروا به ، وصدّقوا من اتّفق النقل والعقل علي تکذيبه ، وأقاموا مقام الرسول صلّی الله عليه و آله شيطاناً مريداً، و جبّاراً عنيداً، وجهولاً ظلوماً، وعتلّاً؟ زنيماً، وأکفأوا الاسلام، و عبّروا الأحکام، وحرّفوا الکتاب بأهوائهم، وأوّلوا القرآن بآرائهم، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلا رسمها، ولا من الشريعة النبويّة الّا اسمها .

ثم لم يقنعوا باغتصاب تراثک، وانتهاب ميراثک، حتي نصبوا لک غوائلهم، ودفنوا لاخترامک حبائلهم، وجرّدوا عليک مناصلهم وعواملهم، وفوّقوا نحوک سهامهم ومعابلهم ، ولم يترکوا عهداً فيک إلّا نکثوه، ولا وعداً إلا أخلفوه، وعدلوا بک من لا يمتّ بنسبک، ولا يتصّل بسببک.

ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم ، وأبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم وبغيهم، وجعلوا خلافة الله ملکاً عضوضاً، وما عاهدوا الرسول عليه عهداً منقوضاً، و تواصوا بظلمک وهضمک ، وتعاهدوا علي إخفاء فضلک وعلمک ، وموّهوا علي الأمّة المفتونة بزورهم، وشبّهوا عليها بغرورهم ، وأغرّوا سفهاءها بسبّک، وحملوا طلقاءها علي حربک، حتي اغتالوک في حال توجّهک إلي معبودک ، وقتلوک حين رکوعک وسجودک ، وهدموا دين الاسلام بهدم بنيتک ، وفرّقوا کلمة الايمان بفرق هامتک ، وغاوروک في محرابک طريحاً، وبين أصحابک طليحاً.

قد صدقت ما عاهدت الله عليه ، ووفيت بما ندبک سبحانه إليه، ففزت

ص: 504

.

بالشهادة الّتي فضّلک بها، واصطفاک بفضلها، فکنت لوقتها منتظراً، وبوصفها مشتهراً، بما أعلمک به الصادق الأمين، ومن هو علي الغيب ليس بضنين(1) بقوله صلّی الله عليه و آله : لتخضبنّ هذه من هذ(2) وبقوله صلّی الله عليه و آله : کأنّي وأنت قائم تصلّي لربّک وقد انبعث أشقي الأوّلين والآخرين فضربک علي هامتک ضربة خضب منها لحيتک (3) وقال سبحانه في شأنک، ومن أصدق من الله قيلاً: ( رِجَالُ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلیهِ؛ فَمنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً)؟ (4)

فلأنفذنّ لمصابک ماء شؤوني، ولأحر منّ لذيذ الکري علي عيوني ، ولأستنفذنّ العمر في مدائحک و مراثيک ، ولأبکينّ الدهر علي ما حلّ بک وبنيک ، ولاذيبنّ بنار حزني فؤادي ، ولأصعدنّه دماً من مقلتي بطول سهادي ، ولأندبنّک آناء ليلي ونهاري، ولأجعلنّ الحزن يمهجتي ألفاً، والبکاء علي مقلتي وقفاً ووجّهنّ إلي غاصبي حقّک مطايا لعني وهضمي، ولأقرعنّ هامات مکذّبي صدقک بمقامع نثري ونظمي ، ولابيّنن ما دلّسوا بغرورهم، ولأُظهرنّ ما أخفوا من باطلهم وزورهم، معتقداً ذلک من أعظم الوسائل إلي ربّي في حشري ، وأکمل الفضائل يوم بعثتي من قبري .

فمن جملة ذلک قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها، و تسرّ النفوس بتواصل مقاطعها ، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف الکتاب ، والله الموفّق للصواب :

ص: 505


1- اقتباس من سورة التکوير :24.
2- انظر : الأحاديث الغيبية : 48/1 ح 19 و ص 49 ح20 وص51ح22.
3- انظر : الأحاديث الغيبية :53/1 ح 23.
4- سورة الأحزاب : 23.

قصيدة للمؤلف رحمه الله في حق أمير المؤمنين عليه السلام

صرف الردي بفني الزمان موکل ولهم

بأسياف المنّية تقتل

وهُم لأسهم فتکه غرض فليس لهم

سبيل عنه أن يتحوّلوا في حکمة بقضائه في أخذهم بالموت جمعة لا يجور ويعدل کم غادرت قدراته من قاهر في الترب مقهوراً تطأه الأرجل عفت العواصف قبره بهبوبها وعلي ثراه السائمات تهرول أين الملوک بنو الملوک ومن هم کانوا إذا رکبوا يذوب الجندل لعب الزمان بهم فعمّا قد جري في حقهم من صرفه لا تسألوا بليت محاسنهم وشتّت شملهم وخلت مجالسهم وأفني المنزل واستبدلوا بطن الثري من ظهرها واروعتا بحشاي ممّا استبدلوا يا من حديث مدامعي من أجلهم في صحن خدّي مطلق ومسلسل عتي خذوا خبر الصبابة اني مابين أرباب الغرام معدل سقمي لدعواي المحبة معجز إذ دمع عيني مذنأيتم مرسل يا من حقيقة محنتي في حبّهم منها سقامي مجمل ومفصّل ما ان ضممت إلي زلال لقاکم إلا ولي من فيض دمعي منهل کلّا ولا عنّي تأخّر وصلکم إلا وهيّجني غرام مقبل فلأندينّ بحرقةٍ من لوعتي رضوي يذوب لها ويذبل بالخيف خفت منيتي إذ لم أنل بمني المني منکم فخطبي مشکل وبجمع أجمعتم قطيعة صبّکم فغدا جمالکم يخد ويزمل ورميتم قلبي بجمرة لوعة بشِواظها منّي أصيب المقتل

ف لأصرفن مودّتي عنکم إلي قوم لهم في المجد باع أطول قوم هم اما وليّک عادل أو عالم أو حاکم أو مرسل

ص: 506

ا أو عابد أو حامد أو زاهد أو ماجد أو عاضد أو مفضل أو فائز يوم الغدير برتبة بعلوّها خضع السماک الأعزلُ مولي إليه في الحساب حسابنا وعليه في ذاک المقام نعوّل وإذا بنو الدنيا توالت مثلها فإليه من دون الخلائق نسعد فرض الإله علي الأنام ولاءهُ فرضاً به نزل الکتاب المنزل إن کنت مرتاباً فسل عن إنّما(1) فهي الدليل لمن يصحّ ويعقل کتف النبيّ لأخمصيک مواطيء فلذاک خدّ سواک حقّاً أسفل يا أوّل الأقوام إيماناً بما أوحي الإله لابن عمّک من عل يا آخراً عهداً به لمّا قضي حزت العلي أنت الأخير الأوّل ما رمتُ نظماً فيک إلّا زانه سحراً يزيّن مقولي ويجمّل وإذا مديح سواک رامت فکرتي سمح القريض له وکلّ المقول وإذا طغي ريب الزمان بعسره فدعائي باسمک للعسير يسهّل أعمالنا

منقوصة مقصورة إن لم يصححّها ولاک و يکمّل مديحک ألبسني ملابس رفعة لعلوّها فوق المجرّة أرفل کم منبر شرّفته بمدائح في وصف مجدک فضلها لا يجهل وخطابة رصّعتها بجواهر هام الثناء بها عليک يکلّل تعنوا وجوه أولي التقي لجلالها وذوو الشقاء حسداً بها يتضاءلوا ماطال مجد بالمکارم والتقي إلّا ومجد علاک منه أطول رقمت حروف علاک في الصحف الأولي مفروضة إذ ماسواها مهمل

ص: 507


1- أي قوله تعالي في سورة المائدة : 55: و إَّنّما وَلیَّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم رَاکِعُونَ ).

سل عنه بدراً والوليد وعتبة تنبيک عن ندب يقول ويفعل قدّ ابن ميشا فانثني وحسامه بدمائه متوشّح متسربل وقموص خيبر مذ آبيد غدت لها قمص المذلّة والإهانة تشمل وبنو قريظة لم يزل ربّ العلي بيديک يا مولي الأنام يزلزلُ أعمالنا في حشرنا وصلاتنا بسوي ولائک ربّنا لا يقبل علقت يدي منه بأوثق عروة يفني الزمان وحبلها لا يفصلُ يا من يقيس به سواه سفاهة ما أنت إلا أعفک (1) لا يعقل تربت يداک فضلّ سعيک في الوري أيقاس بالدرّ الثمين الجندلُ من تيم من أعلامها مافضلها ما مجدها من حبترٍ من نعثل بل ما الأکاسرة العظام وما القياصرة الکرام ومن يجور ويعدل فيه بنوح والخليل وبالکليم وبابن مريم وهو منهم أفضل يا زائرة جدث الوصيّ معظماً وله علي البيت الحرام يفضل ويري الخضوع لديه خير وسيلة بثوابها يتوسّل المتوسّل قف خاشعاً والثم ثراه ففضله وکماله من کلَّ فضل أکمل واعدد قيامک في صعيد مقامه سبباً إلي رضوانِ رَبَّک يوصل وجميع ما تأتي به من طاعة جزماً بغير ولائه لا يقبل وأبلغه عنّي بالسلام تحية هي خير مايهدي إليه ويرسل ومدائحا في غير وصف کماله ترصيعها وبديعها لا يجمل وإليه أبدي بسالخطاب ألوکه عن صدق إخلاصي رواها المقول من بعد ما نأتي به من طاعةٍ بأدائها يتنفّل المتنفّل

ص: 508


1- الأعفک : الأحمق.

وإذا فرض أو إقامة سنّة أو زورة منها النجاة تؤمّل قف ثمّ قل يا خير من لولائه في مهجتي دون الخلائق منزل و معارج الدعوات حول ضريحه وعسليه أملاک السماء تنزل ترکوک ياطود العلوم وقدّموا رجساً بحبَّة خردل لا يعدل وبنوا قواعد دينهم سفهاً علي جرفٍ فتاهوا في الضلال وضلّلوا وتراث أحمد منک حازوه وما استحيوا وللقرآن جهلاً أوّلوا وعلي عبادة عجلهم عکفوا وأض حي السامريّ بهم إليه يعدلوا ولزوجک الزهراء عن ميراثها حجبوا وحکم الله فيها بدلوا وعليک من بعد النبيّ تحزّبت أحزابهم وأتوا لحربک يرفلوا وغدا برا کسبة البعير بعيرها للکفر والإلحاد مسنها يحمل وأتت من البلد الحرام بفتنةٍ لبّ اللبيب لها يحير ويذهل لم أنسها وجموعها من حولها لضبا العوامل والمناصل مأکل حتي إذا شرفت بعصبة بغيها ورأت بنيها حولها قد قتلّوا أبدت خضوعة واستقالت عثرة ما أن يقال ومثلها لا يحمل ثمّ انثنت نحو ابن هند والحشا منها به للحقد نار تشعل جعلت دم المقتول حقّاً شبهة منها بدار أخ الرسول تؤمّل ماتيم مرّة من أميّة فانکصي فالبغي يصرع طالبيه ويخذل أغراک غلّ في فؤادک کامنُ يغلي مراجله وحقد أوّل لم تجر بعد المصطفي من فتنةٍ إلا وبغيک وردها والمنهل فلذاک رأس القاسطين ورهطه بک في الضلال تتابعوا وتوغّلوا والمارقون عن الهدي والسابقون إلي الردي وبنهروان جدّلوا منک أحتدوا وبک اقتدوا في ضيمهم وعلي اجتهادک في خروجک عولوا

ص: 509

أغواهم الشيطان حتي أکفروا بحر العلوم وخطّأوه وجهّلوا وعدوا عليه مصلّياً متهجّداً بتخشّع وتضرّع يتبتّل کفروا بأنعم ربّهم ونبيّهم ووليّهم إذ ضيّعوا ما حملوا بکت السماوات العلي لمصابه بدم عبيط لا بدمع يهمل أذکت رزيّته بقلبي لوعة حتي الممات رسيسها يتجلجل وعلي عيوني حرّمت طيب الکري فلذا بفيض نجيعها لا تبخل صلّی عليک الله يا من ديننا حقّاً بغير ولائه لا يسقبل وعلي الّذين تقدّموک وفا رقوادين الهدي و وکيد عهدک أهملوا العناً وبيلاً ليس يحصي عدّه حتي القيامة وصله لا يفصل ما ارتاح ذو شجن ينشر صارماً عصفت جنوب واستمرّت شمائل

ص: 510

فصل في ذکر سيدة النساء صلوات الله وسلامه عليها

خطبة للمؤلف رحمه الله

نبدأ من ذلک بخطبة في ذکر شيء من مناقبها و تزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع المرضاة الله أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام ، وهي هذه :

الحمد لله الّذي أعلا بعليّ أمره کلمة رسوله ونبيّه وانمي له في سماء المجد قدراً، وأوضح أحکام شريعته بوصيّه في أمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً و نصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً.

وأمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير ورداً وصدراً، وأن يخاطب الجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلي

حين حلول الطامّة الکبري قدراً، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والانسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبي لشهود العرس نثراً، وتولّي سبحانه عقدة نکاحها بلسان العناية الإلهيّة ، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الأزليّة : إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلک فخراً.

يا له نکاحاً وليه الملک الجليل ، وعقد شاهداه جبرائيل وميکائيل ، و جمعا (1)

خطبته علي منبر الکرامة راجيل ، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه

ص: 511


1- کذا في الأصل .

ياقوتاً ودرّاً، يتفاخرن به في قصور دار المقامة ، ويتهادينه في منازل السرور إلي يوم القيامة ، تلک أرواح سالکي طريق الحقّ من أهل الامامة ، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان ...(1)مهر الولاء وجود عين الوجود في الکربين ، أعني صاحب بدر وأحد وحنين ، لم يکن للزهراء کفو ما بين المشرفين والمغربين ، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً

بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحکيم، قد کفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان(2) والخافقان ، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ، ويجعل الله بذريتهما لدين الحقّ بعد الطي نشرة ، أمناء الحقّ من نجلهما، وهداة الخلق من نسلهما، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث و ليوث في قري، وقراع فهم أسد الشري، سادة الخلق وأعلام الوري، فعليهم أهل بيت و مقام وصفا، ومناجاة بصدق وصفا، من لهم بالمجد حقّاً وصفا، نال من ذي العرش صلوات الله تتراً، توقيراً وبرّاً.

نحمد ربّنا علي ما اختصّنا به من عرفان حقّهم ، ونشکره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً.

ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريک له ، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً

ووزراً، وترمض من منکرها سحراً وبحراً .

ص: 512


1- الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة
2- کذا في الأصل .

ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الّذي أطلعه الله علي أسرار ملکوته ليلة

الاسراء، وشرّفه حضرة جبروته علي الخلق طرّاً.

صلّی الله عليه صلاة عرفها کالمسک عطرة، ونشرها کالروض نشراً وعلي آلها الّذين من استمسک بحبل ولائهم فاز من الله بالبشري ، وحاز السعادة الکبري في الدنيا والأخري، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنود الحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً.

يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّکم علي تجارةٍ تنجيکم من عذاب أليم(1) وسعادة باقية ببقاء الربّ الرحيم ، وجنّات لکم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم(2)، أن تسلکوا سبيل ولي الله في برّه وبحره ، والداعي إلي الله علي بصيرة من أمره ، والمخلص بطاعته لرّبه في سرّه وجهره ، وعيبة علمه ، وموضع سرّه ، ووجهه الواضح في خلقه ، ولسانه الناطق بحقّه، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده .

صاحب الخندق وبدر، وقاتل الوليد وعمرو ، الّذي دکّ الله بيده حصن

القموص ، واختصه بأشرف النصوص علي الخصوص.

بحر العلم، طود الحلم، وينبوع الکرم، ومعدن الحکم.

أفصح الخلق لساناً، وأوضحهم بياناً، وأکرمهم بناناً ، وأعلاهم في الشرف

تبياناً.

السائق الصادق، والصادع الناطق ، والفاتح الخاتم، والمتصدّق في

ص: 513


1- إقتباس من سورة الصفّ: 10.
2- إقتباس من سورة التوبة : 21 و 22.

قصيدة في حق الزهراء عليها السلام

رکوعه بالخاتم.

نفسه نفس الرسول، وعرسه الطاهرة البتول، سيّدة نساء الأمّة، وامّ السادة الأئمّة ، وابنة شفيع المحشر، وحليلة ساقي الکوثر، الخاشعة الزاهدة ، الراکعة الساجدة ، الصائمة القائمة، العاملة العالمة ، السالکة الناسکة ، العفيفة الشريفة، المتهجدّة المتعبّدة ، البتولة الطاهرة ، سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، أمّ الحسنين ، وابنة شفيع الکونين ، وحليلة إمام الثقلين.

تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت، وتبتهج الأرض سرورة إن عليها

خطرت، شجرة دوحة النبوّة ، ودرّة صدفة الفتوّة ، نور من نور خلقت ، وشمس من شمس أشرقت ، فضلها لا يخفي ، ونورها لا يطفي ، لمّا کان والدها لقلادة النبوّة واسطة ، کلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة ، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً ، و تولّي سبحانه عقدة نکاحها في حضيرة القدس ، وجعل جبرائيل وميکائيل من جملة خدمها ليلة العرس: بنت خير الخلق طرّاً وأجلّ الخلق قدرا

من بها الله بصنو المص

في أصفي وبرّا عالم الأمّة والهادي لها برّاً وبحرا

ولا سما الخلق مجداً نسباً

کان وصهرا وبأحدٍ شدّمنه الله للمختار أزرا وببدر أطلع الحق به للحق بدرا هازم الأحزاب والقاتل ذاک اليوم عمرا سل به خيبرکم هدبها رکناً وقصرا ناصب الراية لمّاکعّ مَن کَعّ وفرّا

ص: 514

في حنين نصر الله به الاسلام نصرا

رفع الله له

في الدوح بالإمرة أمرا

کان بالزهراء من کلّ عباد الله أحري لم يکن

کفوا لها لولاه بين الناس يدري جعل الله لها خمس ج ميع الأرض مهرا طهرت مع نجلها من س ائر الأرجاس طهرا ذکرها يوم الکساء في الذکر بتلي مستمّرا بعلها قامع هامات جنود الشرک قهرا قاصم الأصلاب والقاسم للأسلاب قسرا وامرح فکري مدحة في وصفه نظماً ونثرا فرأيت الله قد أعلي له في الذکر ذکرا هل أتي(1)فيه وفي زوجته وابنيه تقرا آثروا بالقوت لکّا أن وفوا عهداً ونذرا عبد الخالق لمّاعبد الأقوام جهرا هبلاً ثمّ يسغوث وسواعاً ثمّ نسرا

مذبني بالبضعة الزهراء أهدي الله عطرا شرفاً منه لهاقد فاق في الآفاق ذکرا عرفه مسن يثرب في مکّةٍ ينفح نشرا

روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متصل قال : لمّا زوج رسول الله صلّی الله عليه و آله فاطمة من علي عليه السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل ،

ص: 515


1- المراد سورة الإنسان .

جملة من مناقبها عليها السلام

فقال : يا محمد ، ما تصنع؟

قال : أدخل فاطمة بعليّ

قال : إنّ ربّک يقرؤک السلام ، ويقول لک : لا تحدث شيئاً حتي آتيک ، ثمّ عرج جبرائيل وهبط علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسک الجنّة ، وزعفران من زعفران الجنّة ، مضروب بماء الحياة ، وقال الرسول الله صلّی الله عليه و آله : ربک يقرؤک السلام ، ويقول لک : مرّ فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها ، ففعلت ذلک ، فکانت صلوات الله عليها بعد ذلک إذا حکّت رأسها بالمدينة تفوح رائحته من مکّة ، فيقول الناس : ما هذه الرائحة ؟

فيقال : إن فاطمة قد حکت رأسها بالمدينة اليوم ، فهذه رائحة الطيب الذي

أهداه الله إليها.

وروي الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليها السلام وما يمنعني من ذلک إلّا أنّي لم أتجرّأ علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وإنّ ذلک ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتي دخلت علي رسول الله صلّی الله عليه و آله ذات يوم فقال : يا علي.

فقلت: لبيّک ، يا رسول الله . قال : هل لک في التزويج ؟

قلت : رسول الله صلّی الله عليه و آله أعلم ، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش(1) وإني لخائف علي فوات فاطمة ، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتي

ص: 516


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : بعض بنات نساء قريش .

أتاني رسول الله صلّی الله عليه و آله فقال لي : أجب النبيّ وأسرع، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم ، قال : فأتيته مسرعاً ، فإذا هو في حجرة أمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا نظر إليَّ تهلّل وجهه فرحاً، وتبسّم حتي نظرت إلي بياض أسنانه يبرق.

فقال : يا عليّ ، أبشر ، فإن الله سبحانه قد کفاني ما کان أهمني من أمر

تزويجک.

فقلت : وکيف ذلک ، يا رسول الله ؟

فقال : أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما

وشممتهما، وقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟

فقال : إنّ الله سبحانه أمر سکّان الجنّة (1)من الملائکة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان کلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس و حمعسق ، ثمّ نادي منادٍ من تحت العرش:

ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب، ألا إنّي أُشهدکم أني قد زوجت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله من علي بن أبي طالب رضي متي بعضهما البعض.

ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائکة فنثرت من سنبل الجنّة وقرنفلها، وهذا ممّا نثرته الملائکة.

ص: 517


1- في الأمالي : الجنان .

ثمّ أمر الله سبحانه ملکاً من ملائکة الجنّة يقال له راحيل(1)، وليس في الملائکة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض ، ثمّ نادي منادٍ : ألا يا ملائکتي وسکّان جنّتي، بارکوا عليّ علي حبيب محمد صلّی الله عليه و آله وفاطمة بنت محمد فقد بارکت عليهما ، ألا إنّي قد زوجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين(2)

فقال راحيل الملک : يا ربّ وما برکتک عليهما بأکثر مما رأينا [لهما ](3)

في جنّتک ودار رضوانک ؟

فقال عزّ وجلّ : يا راحيل ، إنّ من برکتي عليهما أنّ أجمعهما علي محبّتي،

وأجعلهما حجّة علي خلقي ، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ، ولأنشئنّ منهما ذرّية أجعلهم خزّاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ، ودعاة إلي ديني ، بهم أحتجّ علي خلقي بعد النبيّين والمرسلين.

فأبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ أکرمک بکرامة لم يکرم بمثلها أحداً، وقد زوّجتک ابنتي علي ما زوّجک الرحمن ، ورضيت بما رضي الله لها، فدونک أهلک ، فإنّک أحقّ بها منّي ومن کلّ أحد، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة

ص: 518


1- کذا في الأمالي ، وفي الأصل : راجيل . وکذا في المواضع الآتية
2- في «ح»: سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [أنه] قد وجد بالکوفة بعد قتل الحسين عليه السلام درّة حمراء وقد کتب فيها بخطّ کوفيَ جلي هذا الرباعي بحسن الخطّ: أنا درّ من السماء نثروني يوم تزويج والد الحسنين کنت أصفي من اللجين ولکن صبّغتني دماء نحر حسين
3- من الأمالي ، وفيه بعده : في جنانک و دارک .

إليکما، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منکما ما يتّخده علي الخلق حجّة الأجاب فيکما الجنّة وأهلها ، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب

أنت ، وکفاک برضي الله رضي.

قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، أبلغ بقدري حتي ذکرتُ في

السما(1) وزوّجني ربّي في ملائکته ؟؟

فقال صلّی الله عليه و آله : إنّ الله سبحانه إذا أکرم وليّه أکرمه بما لا عين

رأت ولا أذن سمعت، فأحباها الله لک.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سجد شکراًلله : (رَبَّ أوزِعنِي أَن

أَشکرَ نِعمَتَکَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ (2)

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله: آمين .(3)

الخرگوشي في کتابيه شرف المصطفي واللوامع ، بإسناده عن سلمان. وأبو بکر الشيرازي أيضاً روي في کتابه . وأبو إسحاق الثعلبي، وعليّ بن أحمد الطائي ، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير . وروي أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس. وعن [أبي مالک ، عن] (4) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة ، عن الصادق عليه السلام.

ص: 519


1- في الأمالي : الجنّة
2- سورة النمل : 19.
3- أمالي الصدوق : 448 ح 1، عيون أخبار الرضا عليه السلام: 222/1 ح 1 ص225ح2، عنهما البحار : 101/43 ح 12، وفي ص 103ح 12 عن تفسير فرات :156.
4- من المناقب .

وروي مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي :

(مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ )(1)قال : عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما علي صاحبه ، وفي رواية : (بيَنَهُمَا بَرزَخُ) (2) رسول الله صلّی الله عليه وآله (يَخرُجُ مِنهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالمَرجَانُ)(3) الحسن الحسين عليهما السلام.(4)

أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس أنّ فاطمة عليها السلام بکت للجوع والعري، فقال لها رسول الله صلّی الله عليه وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجک، فوالله إنّه سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة، وأصلح بينهما، فأنزل سبحانه :( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقيَانِ) ، يقول : أنا الله أرسلت البحرين : عليّاً بحر العلم، وفاطمة بحر النبوّة، يلتقيان : يتّصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما، ثمّ قال : (بَينَهُمَا بَرزَخُ) أي مانع رسول الله صلّی الله عليه و آله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا(فَبِأيَّ آلاَءِ رَبَّکُمَا) يا معشر الجنّ والإنس (تُکَذبَان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء، فاللؤلؤ الحسن ، والمرجان الحسين ، لأنّ اللؤلؤ الکبار والمرجان الصغار، ولا غرو أن يکونا بحرين لسعة فضلهما وکثرة خيرهما ، فإنّ البحر ما سمّي بحراً إلّا لسعته، وأجري النبيّ صلّی الله عليه و آله فرساً فقال : وجدته بحراً.(5)

القاضي أبو محمد الکرخي في کتابه عن الصادق عليه السلام، عن فاطمة

ص: 520


1- سورة الرحمن: 19.
2- سورة الرحمن : 20
3- سورة الرحمن : 22.
4- مناقب ابن شهرآشوب:318/3 - 319، عنه البحار : 31/43ح39.
5- مناقب ابن شهرآشوب: 319/3 ، عنه البحار :99/24 ح6.

عليها السلام قالت : لمّا نزلت (لاَ تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَکُم کَدُعَاءِ بَعضِکُم بَغضاً) (1) هبت رسول الله صلّی الله عليه و آله أن أقول له يا أبة ، فکنت أقول : يا رسول الله ، فأعرض عنّي مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أقبل عليَّ ، وقال : يا فاطمة ، إنّها لم تنزل فيک ولا في أهلک ولا في نسلک ، أنت منّي وأنا منک ، إنّما أنزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والکبر ، قولي : يا أبة ، فإنّها أحيي للقلب ، وأرضي للرب.(2)

سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح في قوله سبحانه : ( وَإذَا النُّفُوسُ زُوَّجَت) (3) قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلّا إذا قطع الصراط زوجه الله علي باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين[ ألف] (4)حوراء من حور الجنّة إلّا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه زوج البتول فاطمة في الدنيا ، وهو زوجها في الجنّة ، ليست له في الجنّة زوجة غيرها من نساء الدنيا ، لکن له في الجنّة سبعون ألف حوراء، لکلّ حوراء سبعون ألف خادم(5)

عن الصّادق عليه السلام قال : حرّم الله النساء علی عليّ ما دامت فاطمة

حيّة لأنّها طاهرة لا تحيض.

وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين (6) سمّيت مريم بتولاً لأنّها بتلت عن

ص: 521


1- سورة النور: 63.
2- مناقب ابن شهرآشوب:320/3 ، عنه البحار :32/43- 32، وعوالم العلوم :74/11 ح6.
3- سورة التکوير : 7.
4- من المناقب.
5- مناقب ابن شهرآشوب:324/3 - 325، عنه البحار :154/43 .
6- الغريبين : 28 (مخطوط). وفيه : وقال الليث : البتول کل امرأة منقطعة عن الرجال لا شهوة لها. وقال أحمد بن يحيي : ستيت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا عن دينها ... وفي الأصل والمناقب والبحار : «عبيد» بدل «أبو عبيد» .

الرجال ، وسمّيت فاطمة بتولاً لأنّها بتلت عن النظير.

أو هاشم العسکري قال : سألت صاحب العسکر عليه السلام : لِمَ سمّيت

فاطمة الزهراء ؟

قال : کان وجهها يزهر الأمير المؤمنين من أوّل النهار کالشمس الضاحية ،

وعد الزوال کالقمر المنير ، وعند غروب الشمس کالکوکب.(1)

وروي عن الباقر والصادق عليهما السلام، ورواه أيضاً عامر الشعبيّ والحسن البصري [سفيان الثوري ومجاهد وابن جبير وجابر الأنصاري ] (2) عن النبيّ صلّی الله عليه و آله أنّه قال : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني . أخرجه البخاري عن المسوّر بن مخرمة.

وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله .(3)

ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد، عن عبد الله بن الزبير - في خبر - عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : دخل الحسن بن عليّ علی جدّه رسول الله صلّی الله عليه و آله و هو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلي النبيّ صلّی الله عليه و آله سرّاً فرأيته قد تغيّر لونه ، ثمّ قام صلّی الله عليه و آله حتي أتي منزل فاطمة ، فأخذ بيدها فهزّها هزّاً، وقال لها : يا فاطمة ، إياک وغضب عليّ ، فإنّ الله يغضب لغضبه ، ويرضي ترضاه ، ثمّ جاء إلي علي عليه السلام فأخذه بيده ، ثمّ هزّها هزّاً خفيفة ، ثمّ قال :

ص: 522


1- مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 330، عنه البحار :16/43 .
2- من المناقب.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 332/3 ، عنه البحار : 39/43 .

يا أبا الحسن ، إيّاک وغضب فاطمة ، فإنّ الملائکة تغضب لغضبها ، وترضي الرضاها.

فقلت (1): يا رسول الله ، مضيت مذعوراً ورجعت مسروراً ؛

فقال : يا معاوية ، کيف لا أسرّ وقد أصلحت بين اثنين هما أکرم أهل

الأرض علي الله ؟(2)

قلت : في روايته لهذا الحديث ثمّ خلافه له وارتکاب ما حذّر الرسول صلّی الله عليه و آله من أنّ الله يغضب لغضب عليّ ، ويرضي لرضاه أکبر دليل علي نفاقه واستهزائه بقول النبيّ صلّی الله عليه و آله، وقلّة مبالاة بأمره ونهيه، و خروج عن الدين بقالبه وقلبه ، وأنّه لا يعتقد الاسلام ديناً، ولا الله ربّاً، ولا محمداً رسولاً ، ولا کان متمسّکاً بالکتاب ، ولا أنّه منزل من عند الله ، ولا مقرّاً بما أنزل فيه ، ولا معتقداً ما وعد الله من الحشر والنشر والحساب ، والجنّة والنار وما أعد الله فيهما من الثواب والعقاب ، فلهذا أظهر ما أبطن من بغض النبيّ وأهله، وأجلب عليهم بخيله ورجله ، وأفضي بوصيّه إلي فتنته، وأسرته وذروته وشيعته ، بالانتقام منهم، وإظهار الأحقاد البدريّة فيهم ، فالله حسبه وطلبته ، وهو بالمرصاد لکلّ ظالم.

قال الشيخ محمد بن بابويه القمّي رضي الله عنه : وهذا الحديث ليس بمعتمد لأنّهما منزهان [عن] (3)أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلّی الله

ص: 523


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فقلنا .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 2/334، عنه البحار : 42/43 -43. وعوالم العلوم :154/11 ح 1.
3- من المناقب.

عليه و آله(1)

الباقر والصادق عليهما السلام: أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله کان لا ينام

حتي يقبّل عرض وجه فاطمة ، ويضع وجهه بين ثدييها .(2)

أُتي برجل إلي الفضل بن الربيع زعموا أنّه سبّ فاطمة فقال لابن غانم :

انظر في أمره ما تقول ؟

قال : يجب عليه الحدّ.

فقال له الفضل : إذاً کأمّک إن حددته ، فأمر به أنّ يضرب بألف سوط ، وأنّ

يصلب في الطريق .(3)

أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، بالاسناد عن أبي ذّر الغفاري ، قال : بعثني النبيّ صلّی الله عليه و آله أدعوا عليا ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فقال : عد إليه فإنّه في البيت فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحي تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعلي : إنّ النبيّ يدعوک ، فخرج متوشّحاً حتي أتي النبيّ صلّی الله عليه و آله ، فأخبرت النبيّ بما رأيت، فقال : يا أبا ذر، لا تعجب فإنّ لله ملائکة سياحون في الأرض، موکّلون بمعونة آل محمد.

الحسن البصري وابن إسحاق ، عن عمّار وميمونة أنّ کليهما قالا: وجدت فاطمة نائمة والرحي تدور ، فأخبرت رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک ،

ص: 524


1- انظر التخريجة السابقة
2- مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 334، عنه البحار : 42/43 ، وعوالم العلوم :134/11 ح 4.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 335/3، عنه البحار:43/43ذح 42، وعوالم العلوم :152/11 ح 1.

کلام فضة القرآني

فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوحي إلي الرحي أن تدور فدارت.

وقد أورد هذا الحديث أبو القاسم البستيّ في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه . وروي أنّها عليها السلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بکي ولدها فرؤي المهد يتحرّک وکان ملک يحرّکه.

وروي عن الباقر عليه السلام، قال : بعث رسول الله صلّی الله عليه و آله

سلمان إلي منزل فاطمة عليها السلام بحاجة.

قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتي سلّمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من داخل البيت والرحي تدور من خارج ما عندها أنيس ، فأخبرت رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک ، فتبسّم ، وقال : يا سلمان ، إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلي مشاشها(1)تفرّغت لطاعة الله فبعث الله ملکاً يقال له زوقابيل ؛ وقيل : جبريل، فأدار لها الرحي، وکفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة. (2)

أبو القاسم القشيري في کتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن قافلة

الحجّ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟

فقالت : (وقُل سَلام فَسَؤفَ يَعلَمُونَ ) (3). فسلّمت عليها ، فقلت : ما تصنعين هاهنا ؟

ص: 525


1- أي رؤوس العظام اللينة.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 337/3 - 338، عنه البحار : 45/43 - 46، وعوالم العلوم : 155/11 ح 4 و ص 183ح 22.
3- سورة الزخرف: 89.

قالت : (مَن يُضلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ )(1)

فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس ؟

قالت : ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَکُم عِندَ کُلَّ مَسجِدٍ) (2) فقلت : من أين أقبلت ؟

قالت : ( أُولَئِکَ يُنَادَونَ مِن مَکَانٍ بَعِيدٍ (3).

فقلت : أين تقصدين؟

فقالت : ( وللهِ عَلَی النَّاس حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً (4) .

فقلت : متي انقطعت ؟

فقالت (وَلَقَد خَلَقنَا السَّموَاتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّة أيَّامٍ) (5)

فقلت : أتشتهين طعاماً ؟

فقالت : ( وَمَا جَعَلنَاهُم جَسَداً لا يَأکُلُونَ الطَّعام )(6)

فأطعمتها . ثمّ قلت : هرولي و تعجّلي.

فقالت : (لاَ يُکَلَّفُ اللهُ نَفساً إلاَّ وُسعَهَا)(7)فقلت: أردفک .

ص: 526


1- سورة الأعراف:186.
2- سورة الأعراف: 31.
3- سورة فصلت : 44.
4- سورة آل عمران : 97.
5- سورة ق: 38.
6- سورة الأنبياء : 8.
7- سورة البقرة : 286.

فقالت : (لَو کَانَ فِيهِمَا الِهَةً إلاَّ اللهُ لَفَسَدتَا)(1)

فنزلت وأرکبتها ، فقالت : (سُبحان الَّذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَاکَنَّا لَهُ

مُقرِنينَ ) (2).

فلمّا أدرکنا القافلة قلت : هل لک أحد فيها ؟

قالت : ( يا دَاؤُدُ إنَّا جَعَلنَاکَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ) (3)

(وَمَا مُحَمَّد إلَّارَسُولُ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ) (4)

( يَا يَحيي خُذِ الکِتابَ بِقُوَّةٍ)(5)

(يَا مُوسَی .. إنّني أنَا اللهُ) (6)

فصحت بهذه الأسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها (7) ، فقلت :

من هؤلاء منک ؟

قالت : (المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا) (8)فلما أتوها قالت : (يَا أَبَتِ استَأجِرهُ إنَّ خَيرَ مَنِ استَأجَرتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) (9) فکافوني بأشياء فقالت :

(وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) (10)فزادوا عليَّ فسألتهم عنها ، فقالوا: هذه أمّنا فضّة

ص: 527


1- سورة الأنبياء: 22.
2- سورة الزخرف : 13
3- سورة ص : 26.
4- سورة آل عمران : 144.
5- سورة مريم : 12.
6- سورة طه : 11 و 14.
7- کذا في المناقب ، و في الأصل : موجهين إلي
8- سورة الکهف: 46.
9- سورة القصص : 26.
10- سورة البقرة: 261.

کلام للمؤلف رحمه الله

جارية الزهراء صلّی الله عليها ، ما تکلّمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن(1)

قلت : يا أصحاب الفکر الصائب ، والنظر الثاقب ، والقلب السليم، واللبّ المستقيم، تفکّروا في هذه النفس التي قدّسها الله وطهّرها وأطلعها علي أسرار کلامه ، و طهّرها وشرّفها بخدمة أولي نهيه وأمره، وأطلعها ببرکات فضلهم علي مکنون سرّه ، وجعل قلبها مشکاة نور حکمته ، وباطنها مرآة کمال معرفته ، وأسکن حبّه سويداء فؤادها ، وجعل ذکره أقصي مرادها ، فصارت لا تنطق إلّا بکلامه المجيد، الّذي

(لاَ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وِلاَ مِن خَلفِهِ تَنزيلُ من حَکِيمٍ حَمِيدٍ)(2)

وأذهب عنها کلفة المشقّة في استنباط غرائبه ، وإعمال الفکرة في إظهار عجائبه ، وجعل جبلتها مطبوعة عليه ، وفکرتها مصبوبة لديه، ينبي عن مقاصدها بوجيز کلماته ، ويخبر عن مطالبها بعزيز آياته ، فهو في لوح نفسها مسطور، وفي رقّ علمها منشور، فکأنّه روضة أنيقة بين يديها ، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها ، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه وأنوارها، وتقتطف ما أرادت من فواکه تلک وثمارها، لمّا أخلصت له بطاعتها، وعظّمت ما عظّم الله من جلالة سيّدتها ، وعلمت أن الله سبحانه عصمها وصفاها، وعلي نساء العالمين اصطفاها، وجعل والدها کلمته التامّة في خلقه ، وبعلها لسانه الناطق بحقّه ، وذرّيتّها أولياءه علي عباده ، وعترتها أمناءه في بلاده، لا يقبل الله عمل عامل إلا بولايتهم، ولا يدخل الجنة إلا مستمسکاً بعروة محبّتهم ، تشارکهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم، وساوتهم في وفاء نذورهم وعهودهم، فأدخلها سبحانه في

ص: 528


1- مناقب ابن شهرآشوب : 343/3 - 344، عنه البحار : 86/43 -87.
2- سورة فصلت : 2.

کرامة شهرة بنت مسکة بنت فضة جارية الزهراء عليها السلام

زمرتهم، وأشرکها في مدحتهم ، وجعل ذکرها في جملة ذکره مذکوراً، في قوله سبحانه : ( إنَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُوراً) »(1)وأثبت في صحائف الايمان شرفها ورفعتها، وأصلح بصلاحها ولدها وحفدتها.

مالک بن دينار قال : رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة علي دابّة نحيفة والناس ينصحونها لتنکص وهي تمتنع ، فلما توسطنا البادية کلّت دابتها فعذلتها في إتيانها وعنّفتها فرفعت طرفها (2)إلي السماء ، وقالت : لا في بيتي ترکتني ، ولا إلي بيتک حملتني ، فوعزّتک وجلالک لو فعل هذا بي غيرک لما شکوته إلا إليک، فإذا شخص أتاها من الفيفاء ((3)وفي يده زمام ناقة وقال لها : ارکبي ، فرکبت وسارت الناقة کالبرق الخاطف ، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها: من أنتِ ؟

فقالت : أنا شهرة بنت مسکة بنت فضّة جارية (4)الزهراء عليها السلام.

وروي أنّ فاطمة عليها السلام سألت من رسول الله صلّی الله عليه و آله خاتماً، فقال لها : إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من الله عزّ وجلّ خاتماً، فإنّک تنالين حاجتک.

قال : فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة، الّذي طلبتِ منّي تحت المصلّی ، فرفعت المصلّی فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في إصبعها وفرحت ، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها کأنّها في الجنّة فرأت

ص: 529


1- سورة الانسان: 5.
2- في المناقب : رأسها .
3- الفيفاء : البادية
4- ي المناقب : خادمة

ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها، قالت : لمن هذه القصور ؟

قالوا: لفاطمة بنت محمد.

قال : فکأنّها دخلت قصراً من تلک ودارت[فيه] (1) فرأت سريراًقد مال علي ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال علي ثلاث قوائم ؟ فلمّا أصبحت دخلت علي رسول الله صلّی الله عليه و آله وقضت القصة.

فقال النبيّ صلّی الله عليه و آله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لکم الدنيا ، إنّما لکم الآخرة، وميعادکم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غزارة ، فأمرها النبيّ صلّی الله عليه وآله أن تردّ الخاتم تحت المصلي، فردّته ، ثمّ نامت علي المصلّی فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة ، ودخلت ذلک القصر ، ورأت السرير علي أربع قوائم ، فسألت عن حاله ، فقالوا : رددت الخاتم فرجع السرير إلي هيئته .

أبو جعفر الطوسي : عن الصادق عليه السلام ، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتي انتهت إلي القبر وقالت: خلّوا عن ابن عمي، فوالّذي بعث محمداً بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعن قميص رسول الله صلّی الله عليه و آله علي رأسي ، ولأصرخنّ إلي الله؟(2)، فما ناقة صالح بأکرم علي الله منّي ، ولا الفصيل علي الله بأکرم من ولدي..(3)

قال سلمان : فوالله لقد رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها

ص: 530


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، و في الأصل : ولأخرجن.
3- في المناقب : فما ناقة صالح بأکرم علي الله من ولدي .

حتي لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي ، إنّ الله سبحانه بعث أباک رحمة فلا تکوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتي سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا .(1)

في الصحيحين (2): أنّ عليّاً عليه السلام قال لفاطمة : إنّي أشتکي ممّا أندأ

بالقِرِب.

فقالت: والله وأنا أشتکي يديّ ممّا أطحن بالرحي، وکان قد أتي النبي صلّی الله عليه وآله بسبي ، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلي رسول الله صلّی الله عليه و آله و تطلب منه جارية ، فدخلت علي النبيّ صلّی الله عليه و آله وسلّمت ورجعت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مالک ؟

فقالت : والله ما استطعت أن أکلّم رسول الله صلّی الله عليه و آله من هيبته ،

فانطلق علي معها ، فقال لهما رسول الله صلّی الله عليه و آله : لقد جاءت بکما إلي حاجة.

فقال أمير المؤمنين لرسول الله صلّی الله عليه و آله : إنّ فاطمة قد طحنت بالرحي حتي مجلت کفّاها، وقمّت البيت حتي دکنت ثيابها، وخبّره بمرادهما.

فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : أريد أن أبيعهم وأنفق أثمانهم علي

أهل الصفّة ، وعلّمها تسبيح الزهراء

وعن أبي بکر الشيرازي (3) أنّها لمّا ذکرت حالها للرسول بکي صلّی الله

ص: 531


1- مناقب ابن شهرآشوب: 338/3- 340، عنه البحار :46/43 ح46، وعوالم العلوم : 156/11 ح6 صدره
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : کتاب الشيرازي : وفي الصحيحين
3- في المناقب : کتاب الشيرازي .

عليه و آله وقال : يا فاطمة ، والّذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتک ما سألت.

يا فاطمة ، إني لا أريد أن ينفکّ عنک أجرک إلي الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمک عليّ يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ إذا طلب حقّه منک ، ثمّ علمها صلاة التسبيح.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مضيت تريدين من رسول الله صلّی الله

عليه و آله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.

قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول الله صلّی الله عليه و آله من عند فاطمة أنزل الله سبحانه عليه :(1) (وَإمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبَّکَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَیسُوراً) (2) يعني قولاً حسناً . فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول الله صلّی الله عليه وآله جارية للخدمة وسماها فضة.

تفسير القشيري : عن جابر الأنصاري ، قال : رأي رسول الله صلّی الله عليه و آله فاطمة صلّی الله عليها وعليها کساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلّی الله عليه وآله ، وقال : يابنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.

فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله علي نعمائه ، والشکر لله علي آلائه ، فأنزل

سبحانه ( وَلَسَوفَ يُعطِيک رَبُّک فَتَرضَي)(3)

أبو صالح المؤذّن في کتابه بالاسناد عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّی

ص: 532


1- لفظ الجلالة من المناقب .
2- سورة الإسراء : 28.
3- سورة الضحي : 5.

الأمر الإلهي بتزويج أمير المؤمنين من فاطمة عليهما السلام

دخل علي فاطمة وإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها[ فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : أنت منّي يا فاطمة] (1)، ثم جاءها سائل فناولته إياها (2)

وفي مسند الرضا عليه السلام أن رسول الله صلّی الله عليه وآله قال : يا فاطمة، لا يغرّنّک الناس أن يقولوا بنت محمد و عليک لبس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بثمنها رقبة فأعتقتها، فسر رسول الله صلّی الله عليه و آله بذلک . (3)تاريخ بغداد(4) بالاسناد عن بلال بن حمامة : طلع علينا النبيّ صلّی الله عليه و آله ووجهه مشرق کالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلک ، فقال : بشارة من ربّي أتني لأخي عليّ بن أبي طالب وابنتي فاطمة ، وأنّ الله زوّج عليّاً بفاطمة وآمر رضوان خازن الجنان فهر شجرة طوبي فحملت رقاعة بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائکة من نور، ودفع إلي کل ملک صکّاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائکة في الخلائق : أين محبّو عليّ وفاطمة عليهما السلام ؟ فلا يبقي محبّاً لنا إلّا دفعت إليه صکّاً براءة من النار ، بأخي وابن عمّي وابنتي فکاک رقاب رجال ونساء من أمُتي .

ص: 533


1- من المناقب.
2- مناقب ابن شهرآشوب :341/3 - 343، عنه البحار :85/43 -86 ح 8.
3- مناقب ابن شهرآشوب :343/3 . ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام: 44/2 ح 161، وفيه: يا فاطمة لا يقول الناس إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة ..، عنه البحار : 81/43 ح 2، وعوالم العلوم :269/11 ح 9.
4- تاريخ بغداد: 210/4.

وفي رواية : أنّ في الصکوک : براءة من العليّ الجبّار ، لشيعة علي وفاطمة

من النار .(1)

ابن بطّة والسمعاني في کتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس وأنس بن مالک ، قالا: بينا رسول الله صلّی الله عليه و آله جالس إذ جاء عليّ ، فقال : يا عليّ، ما جاء بک ؟

قال : جئت أسلّم عليک.

قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله سبحانه زوّجک فاطمة ، وأشهد علي تزويجها أربعين ألف ملک، وأمر سبحانه شجرة طوبي أن انثري عليهم الدر والياقوت ، وهنّ يتهادينه إلي يوم القيامة ، وکانوا يتهادونه ويقلن : هذا تحفة خير النساء.

وفي رواية ابن بطّة عن عبد الله : فمن أخذ منه شيئاً أکثر ممّا أخذ منه

صاحبه أو أحسن افتخر به علي صاحبه إلي يوم القيامة.

وفي رواية خبّاب بن الأرت، أنّ الله تعالي أوحي إلي جبرئيل أن زوّج النور من النور، وکان الوليّ الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميکائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائکة السماء والأرض ، ثمّ أوحي سبحانه إلي شجرة طوبي أن انثري ما عليک ، فنشرت الدرّ الأبيض، والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلي بعض.

ص: 534


1- مناقب ابن شهرآشوب :346/3 ، عنه البحار : 123/43 ذح 31 وعن کشف الغمّة :352/1 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 246.

وفي خبر أنّ الخطيب کان ملکاً يقال له راحيل(1)، وقد جاء في بعض الکتب أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :

الحمد لله الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائکة روحانيين ، ولربوبيّته مذعنين ، وله علي ما أنعم علينا شاکرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب، أسکننا في السماوات ، وقريباً من السرادقات ، وحبس (2)عنّا النهم من الشهوات ، وجعل شهوتنا ونهمتنا في تسبيحه و تقديسه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشرکين ، و تعالي بعظمته عن إفک الملحدين.

ثمّ قال بعد کلام(3) : اختار الملک الجبّار صفوة کرمه، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتقّين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته، المبادر إلي کلمته، عليّ الوصول بفاطمة البتول ، ابنة الرسول.

وروي أنّ جبرئيل روي عن الله سبحانه أنّه قال عقيبها : الحمد ردائي، والعظمة کبريائي ، والخلق کلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من عليّ صفوتي ، اشهدوا يا ملائکتي.

وکان بين تزويج فاطمة بعلي صلّی الله عليهما في السماء وتزويجهما في الأرض أربعين يوماً، زوجها رسول الله صلّی الله عليه و آله من علي عليه السلام

ص: 535


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : راجيل . وکذا في المواضع الآتية
2- في المناقب : وقرّبنا إلي السرادقات ، وحجب .
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : بعد ذلک.

أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : يوم السادس منه .(1)

علي (2)بن جعفر ، عن موسي بن جعفر عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلّی الله عليه و آله جالس إذ دخل عليه ملک له أربعة وعشرون وجهاً ، فقال له : حبيبي جبرئيل ، لم أرک في هذه الصورة ؟؟

قال الملک : لست بجبرئيل، أنا محمود ، بعثني الله أن أزوج النور من

النور.

قال : مَن بِمنَ ؟ قال : فاطمة من عليّ.

قال : فلمّا ولّي الملک إذا بين کتفيه : محمّد رسول الله ، عليّ وصيّه . فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : منذ کم کتب هذا(3) بين کتفيک ؟ فقال : من قبل أنّ يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام. وفي رواية : أربع وعشرين ألف عام.

وروي أنّه کان للملک عشرون رأساً، في کلّ رأس ألف لسان، وکان اسم

الملک صرصائيل.

وبالاسناد عن أبي أيّوب ، قال : دخل النبيّ صلّی الله عليه و اله علي

ص: 536


1- مناقب ابن شهرآشوب :346/3 -349، عنه البحار : 109/43- 110.
2- روي هذا الحديث الصدوق في معاني الأخبار: 103ح1، الخصال: 640 ح 17، الأمالي: 474 ح 19.
3- کذا في المناقب ، وفي الأصل : منذ کم کنت وهذا ؟

خطبة النبي صلي الله عليه وآله في تزويج فاطمة عليها السلام

فاطمة وقال : يا فاطمة ، إنّي أمرت بتزويجک من عليّ من البيضاء(1). وفي رواية : من السماء

وعن الضحّاک ، قال : دخل النبيّ صلّی الله عليه و آله علي فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته منّي ، وفضله في الاسلام، وإنّي سألت الله أن يزوّجک خير خلقه ، وأحبّهم إليه ، وقد ذکر من أمرک شيئاً فما ترين ؟

فسکتت ، فخرج رسول الله صلّی الله عليه و آله ، وهو يقول: الله أکبر،

سکوتها إقرارها.

وخطب رسول الله (2) صلّی الله عليه و آله في تزويج فاطمة أمام العقد علي المنبر ، رواها يحيي بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة ، بإسناده عن أنس ابن مالک مرفوعاً، ورويناها نحن عن الرضا عليّ بن موسي عليه السلام ، فقال :

الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحکامه ، وأعزّهم بدينه ، وأکرمهم بنبيّه محمد صلّی الله عليه و آله ، إنّ الله تعالي جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمر مفترضاً، وشج بها الأرحام، وألزمها الأنام ، فقال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً )(3) ثمّ إنّ الله سبحانه أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ ، وقد

ص: 537


1- في المناقب : بتزويجک من البيضاء.
2- أخرج هذه الخطبة في کشف الغمة: 348/1 نقلاً من مناقب الخوارزمي:242، عنه البحار : 119/43 ح 29.
3- سورة الفرقان : 54.

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في زواجه

زوّجتها إيّاه علي أربعمائة مثقال فضّة، أرضيت يا عليّ ؟

فقال صلوات الله عليه : رضيت ، يا رسول الله . .

وروي ابن مردويه أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله قال لعليّ: تکلّم

يا عليّ خطيباً لنفسک. .

فقال : الحمد لله الّذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، و أنذر بالنار من يعصيه ، نحمده علي قديم إحسانه و اياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحبيه ، وسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستکفيه ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريک له شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمّداً عبده ورسوله صلّی الله عليه و آله صلاة تزلفه وتحظه ، وترفعه وتصطفيه ، والنکاح ممّا أمر الله [به] (1)ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدرّه الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله صلّی الله عليه و آله زوّجني ابنته فاطمة علي خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا.

[وفي خبر : زوّجتک ابنتي فاطمة علي ما زوّجک الرحمن ، وقد رضيت

بما رضي الله لها ، فدونک أهلک فإنّک أحقّ بها منّي] (2)

وفي خبر : فنعم الأخ أنت، ونعم الصهر ، ونعم الختن أنت، فخرّ أمير المؤمنين عليه السلام ساجداً، فلمّا رفع أمير المؤمنين عليه السلام رأسه قال رسول الله صلّی الله عليه و آله : بارک الله عليکما، وبارک فيکما، وأسعد جدَّکما وجمع شملکما(3)، وأخرج منکما الکثير الطيّب ، ثمّ أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بطبق بُسر وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء وأمرهمنّ بضرب الدفّ.

ص: 538


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- في المناقب : بينکما .

في مهر الزهراء عليها السلام

وقيل للنبيّ صلّی الله عليه و آله : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما

مهرها في السماء ؟

فقال صلّی الله عليه وآله : سل عمّا يعنيک ، ودع ما لا يعنيک. فقيل : هذا ممّا يعنينا ، يا رسول الله .

قال : مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشي عليها مبغضاً لها

ولولدها مشي عليها حراماً إلي أن تقوم الساعة.

وفي الجلاء والشفاء عن الباقر عليه السلام - في خبر طويل -: جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا و ثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ.

ثمّ (1)إنّ النبي صلّی الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : قم فبع الدرع، فباعه بخمسمائة درهم من أعرابي ، وأتي النبيّ صلّی الله عليه و آله بها .

فقال : أعرفت الأعرابي ؟ قال : لا. قال : کان ذاک جبرئيل ، وأتاني بدرعک .

قال الصادق عليه السلام(2)وسکب الدراهم في حجره، فأعطي منها قبضة کانت ثلاثة وستّين أو ستّة وستّين إلي أمّ أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلي أسماء بنت عميس للطيب ، وقبضة إلي أمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عمّاراً، وأبا بکر

ص: 539


1- روي نحو هذا في دلائل الامامة : 13، عنه مدينة المعاجز : 325/2 - 326 و ص 443 - 444 ح16.
2- رواه الطوسي في الأمالي: 39/1 .

مراسم زواج أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام .

وبلالاً لابتياع ما يصلحها، فکان ممّا اشتروه : قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم ، وقطيفة سوداء خيبريّة، وسرير مزمّل بشريطٍ، وفراشان من خَيش مصر(1) حشو أحدهما ليف، والآخر من جزّ الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخِر (2)، وستر من صوف ، وحصير هَجَري ، ورحي اليد، وسقاء من آدم، ومِخضَب(3) من نحاس ، وقفّة (4) للّبن، ومطهرة للماء مزفّتة (5)، وجرّة خضراء وکيزان خزف.

وفي رواية : ونطع من أدم، وعباء قطراني ، وقربة ماء.

وکان من تجهيز عليّ داره انتشار رمل لبن ، وخشبة من حائط إلي حائط

للثياب ، وبسط إهاب کبش ، ومخدّة ليف.

أبو بکر بن مردويه قال : لبث أمير المؤمنين عليه السلام بعد عقده تسعة . وعشرين يوماً ، فقال له جعفر وعقيل : سل رسول الله صلّی الله عليه و آله أن

يدخل عليک أهلک ، فعرفت أمّ أيمن ذلک ، وقالت : هذا من أمر النساء، وخلت به أيضاً أم سلمة وطالبته بذلک ، فدعاه النبيّ صلّی الله عليه و آله ، وقال : حبّاً وکرامة ، فأتي الصحابة بالهدايا والتحف ، فأمر رسول الله صلّی الله عليه و آله بطحن البرّ و خبزه، وأمر عليّاً بذبح البقر والغنم، فکان النبيّ صلّی الله عليه و آله

ص: 540


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : جنس. والخَيش : ثيابُ رقاقُ النسج ، غلاظُ الخُيُوط ، تُتَّخدُ من مُشَاقَةٍ الکَتّان ومن أؤدَئه . « لسان العرب :301/6 - خيش -» .
2- الإذخِر : حشيش طيّب الرائحة ، أطول من الثيّل .
3- المِخضَب : إناء تغسل فيه الثياب .
4- في المناقب : قعب.
5- في المناقب : وشن للماء ومطهرة مزفّتة .

يفصل اللحم ولم ير علي يده أثر الدم

فلمّا فرغوا من الطبخ أمر رسول الله صلّی الله عليه و آله عليّاً أن ينادي علي رأس داره: أجيبوا رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فأجابوه من النخلات والزروع، فبسط التطوع في المسجد ، وصدر الناس وهم أکثر من أربعة آلاف رجل ، وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء، ثمّ عادوا في اليوم الثاني فأکلوا، وفي الثالث أکلوا مبعوثة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، ثمّ دعا رسول الله صلّی الله عليه و آله بالصحاف فملئت ، ووجه إلي منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة ، وقال : هذه لفاطمة وبعلها ، ثم دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد علي ، وقال : بارک الله لک في ابسنة رسول الله ؛ يا علي ، نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة ، نعم البعل عليّ .

وکان رسول الله صلّی الله عليه و آله أمر نساءه أن تزيّنها ويصلحن من شأنها في حجرة أمّ سلمة فاستدعين من فاطمة عليها السلام طيباً فأتت بقارورة ، فسئلت عنها ، فقالت : کان دحية الکلبّي يدخل علي رسول الله صلّی الله عليه و آله فيقول : يا فاطمة ، هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّک ، فکان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء، فيأمرني رسول الله صلّی الله عليه و آله بجمعه، فسألت رسول الله صلّی الله عليه و آله عن ذلک ، فقال : عنبر يسقط من زغب أجنحة جبرئيل ، وأتت بماء ورد فسألتها عنه أمّ سلمة ، فقالت : هذا عرق رسول الله صلّی الله عليه و آله کنت آخذه عند قيلولته عندي.

وروي أنّ جبرئيل أتي بحلّةٍ قيمتها الدنيا ، فلمّا لبستها تحيّرت نسوة

قريش منها ، وقلن : أتي لک هذا؟

ص: 541

ما أنشأن نساء النبي صلي الله عليه و آله في زفاف الزهراء عليها

السلام

قالت : هو من عند الله سبحانه(1)

تاريخ الخطيب : بإسناده إلي ابن عبّاس وجابر (2) أنّه لمّا کانت الليلة الّتي زفّت فيها فاطمة إلي عليّ عليهما السلام کان النبي صلّی الله عليه و آله أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، و ميکائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملک يشيعونها من خلفها ، يسبّحون الله ويقدّسونه حتي طلع الفجر.

کتاب مولد فاطمة عليها السلام عن ابن بابويه رضي الله عنه - في خبر - أنّ النبيّ صلیّ الله عليه وآله أمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليها السلام، وأن يفرحن ويرجزن ويکبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي الله.

قال جابر : فأرکبها رسول الله صلّی الله عليه وآله [علي ](3) ناقته . وفي رواية : علي بغلته الشهباء ، وأخذ سلمان بزمامها ، وحولها سبعون حوراء والنبيّ صلّی الله عليه و آله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبي قدامهم يرجزن ، فأنشأت أمّ سلمة رضي الله عنها : سرنا(4) بعون الله جساراتي واشکرنه في کلّ حالات واذکرن ما أنعم ربّ العُلي من کشف مکروه و آفات

ص: 542


1- في «ح» : کما قيل لمريم أمّ عيسي عليه السلام فقالت کقولها : ( هُوَ مِن عِندِ اللهِ) [سورة آل عمران: 37.]
2- في المناقب : تاريخ الخطيب ، وکتاب ابن مردويه ؛ وابن المؤذّن ؛ وابن شيرويه الديلميّ ، بأسانيدهم عن علي بن الجعد ، عن أبن بسطام ، عن شعبة بن الحجّاج ؛ وعن علوان ، عن شعبة ، عن أبي حمزة الضبعيّ ، عن ابن عبّاس وجابر .
3- من المناقب
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : سرّت .

فقد هدانا بسعد کفر وقد أنعشنا ربّ السموات فسرن مع خير نساء الوري تسفدي بعمّات وخالات يابنت من فضّله ذو العلي بالوحي منه والرسالات

ثمّ قالت عائشة: يانسوة استرن بالمعاجر واذکرن ما يحسن في المحاضر

واذکرن ربّ الناس إذ يخصّنا بدينه مع کل عبد شاکر فالحمد لله عليّ إفضاله والشکر لله العزيز القادر سرن بها فالله أعلي قدرها(1) وخصها منه بطهر طاهر

ثمّ قالت حفصة: فاطمة خير نساء البشر ومن لها وجه کوجه القمر فضّلک الله علي کلّ الوري بفضل من خُصّ بأي السو(2) زوّجک الله

فتئً مفضّلاً(3) أعني عليّاً خير مَن في الحضر فسرن جاراتي بها فيالها (4) کريمة بنت عظيم الخطر

ثمّ قالت معاذة أمّ سعد بن معاذ: أقول قولاً فيه ما فيه وأذکر الخير وأبديه محمد خير بني آدم ما فيه من کبر ولا تيه بفضله عرَّفنا رشدنا(5) ف الله بالخير يجازيه

ص: 543


1- في المناقب : فالله أعطي ذکرها
2- في المناقب : الزمر.
3- في المناقب : فاضة.
4- في المناقب : بها إنّها .
5- أي دليلنا .

دعاء النبي صلي الله عليه و آله لهما عليهما السلام في زواجهما

ونحن مع بنت نبيّ الهدي ذي شرف قد مکّنت فيه في ذروة شامخة أصلها فما أري شيئاً يدانيه

وکانت النسوة يرجعن أوّل بيت من کلّ رجز، ثم يکبّرن حتي دخلن الدار ، ثم أنفذ رسول الله صلّی الله عليه و آله إلي علي ودعاه إلي المسجد، ثمّ دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارک الله لکَ في ابنة رسول الله صلّی الله عليه و آله.

کتاب ابن مردويه : أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله دعا بماء، فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثمّ مجّها في القعب ، ثمّ صبّ منها علي رأسها، ثمّ قال : أقبلي ، فلما أقبلت نضح بين ثدييها ، ثمّ قال : أدبري ، فلمّا أدبرت نضح بين کتفيها، ثمّ دعا لهما.

أبو عبيد في غريب الحديث أنّه قال : اللهم أو نسهما أي ثبّت الودّ بينهما.

وروي أنّه صلّی الله عليه و آله قال: اللّهمّ إنّهما أحب خلقک إليّ فأحبّهما وبارک في ذرّيتّهما ، واجعل عليهما منک حافظاً، وإني أعيذهما وذرّيتّهما بک من الشيطان الرجيم

[وروي أنّه دعا لها فقال] (1): أذهب الله عنکِ الرجس وطهّرکِ (2) تطهيراً.

وروي أنّه قال : مرحباً ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان ، ثم خرج إلي الباب وهو يقول : طهّرکما الله وطهّر نسلکما، أنا حرب لمن حاربکما ، وسلم لمن سالمکما، أستودعکما الله وأستخلفه عليکما، وباتت عندها أسماء بنت

ص: 544


1- من المناقب .
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عنکم الرجس وطهّرکم .

عميس اسبوعاً بوصيّة خديجة إليها، فدعا لها النبيّ صلّی الله عليه و آله في دنياها وآخرتها.

ثمّ أتاهما في صبيحتهما، وقال : السلام عليکم، أدخل رحمکما الله ، ففتحت له أسماء الباب ، وکانا نائمين تحت کساء، فقال: علي حالکما، فأدخل رجليه بين أرجلهما، فأخبر الله عن أورادهما(تَتَجَافَي جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ) (1)الآية ، فسأل عليّاً : کيف وجدت أهلک ؟

قال : نعم العون علي طاعة الله . وسأل فاطمة ، فقال : کيف وجدتِ بعلک ؟ فقالت: خير بعل.

فقال : اللّهمّ اجمع شملهما، وألّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذرّيتّهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّيّة طيّبة طاهرة مبارکة ، واجعل في ذرّيّتهما البرکة ، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرک إلي طاعتک ، ويأمرون بما يرضيک ، ثمّ أمر بخروج أسماء ، وقال : جزاک الله خيراً ، ثمّ خلا بها بعد ذلک بإشارة الرسول صلّی الله عليه وآله.

وروي أنّ رسول الله صلّی الله عليه و آله لمّا کانت صبيحة عرس فاطمة جاء النبيّ بعسّ (2)فيه لبن ، فقال لفاطمة : اشربي فداک أبوک ، وقال لعليّ: اشرب فداک ابن عمّک .(3)

ص: 545


1- سورة السجدة : 16.
2- العس : القدح أو الإناء الکبير .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 349/3 -356، عنه البحار : 111/43 - 117 ح 23 و 24.

فصل في مولدها وأحوالها وأسمائها وکناها عليها السلام

اشارة

ولدت فاطمة بمکّة بعد النبوة بخمس سنين ، وبعد الاسراء بثلاث سنين، في العشرين من جمادي الأخري ، وإقامتها مع أبيها بمکّة ثماني سنين ، ثم هاجرت إلي المدينة فزوجّها من عليّ بعد مقدمه (1) المدينة بسنتين؛ أول يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : اليوم السادس منه ، ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون منه بعد بدر . (2)

وقبض صلّی الله عليه و آله وکان لها ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاشت بعده اثنين وسبعين يوماً ، ويقال: خمسة وسبعين ؛ وقيل : أربعة أشهر، وقال القرباني: أربعين يوماً وهو أصحّ.

وولدت الحسن والحسين ولها اثنتا عشرة سنة(3)

وتوفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدي عشرة من الهجرة، ومشهدها بالبقيع ، وقالوا : إنّها دفنت في بيتها،

ص: 546


1- في المناقب : مقدمها.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 3/ 357.
3- في المناقب : وولدت الحسن ولها اثنتا عشرة سنة .

کلام للمؤلف رحمه الله

وقالوا : قبرها بين قبر رسول الله صلّی الله عليه و آله و بين منبره.(1)

وکناها : أمّ الحسن، وأمّ الحسين ، وأمّ محسن ، وأمّ الأئمّة ، وأمّ أبيها.

وأسماؤها علي ما ذکره أبو جعفر القمّي -: فاطمة ، البتول، الحصان ، الحرة، السيّدة العذراء ، الزهراء، الحوراء، المبارکة ، الطاهرة ، الزکيّة ، الراضية ، المرضّية ، المحدّثة ، مريم الکبري ، الصدّيقة ؛ ويقال لها في السماء : النورية ، السماويّة، الحانية (2)الزاهدة، الصفيّة ، المتهجدّة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيّدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، وأمّ الأئمّة ، وزهرة فؤاد شفيع الأمّة ، الزهراء المحترمة ، والغراء المحتشمة ، المکرّمة .(3)

فيامن يروم حصر مناقبها ، ويطلب ضبط مراتبها ، ويسأل عن معاليها ومحامدها، ويبحث عن خصائصها ومحامدها، لقد رمت حصر کواکب السماء الدنيا ، وأردت عدّ رمل عالج و الدهناء، هذه ابنة من أخذ عهده علي أهل الأرض والسماء ، وعرج بروحه وبدنه قاب قوسين أو أدني ، ورقمت أحرف أسمائه علي العرش المجيد، وجعل شفيع من استمسک بعروة عصمته يوم الوعيد.

القرآن منشور نبوّته ، والروح الأمين سفير رسالته ، «أرسله بالهدي و دين الحقّ)(4)بشير بعثته ، (فاتَّبِعُونِي يُحبِبکُمُ اللهُ) 4 (5)دليل محبّته ، وکَتَبَ

ص: 547


1- مناقب ابن شهر آشوب: 357/3 ، عنه البحار : 43/ 180 ح16.
2- أي المشفقة علي زوجها وأولادها.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 357/3 - 358، عنه البحار : 16/43 ح 15.
4- في سورة التوبة : 33، وسورة الفتح: 28، وسورة الصفّ : 9: (أرسَلَ رَسُولَه بِالهُديَ وَدِينِ الحق.
5- سورة آل عمران: 31.

اللهُ لأَغِلِبَنَّ أنَا وَرُسُلِي) (1)علم بصيرته ، ختم سجلّ ولايته (مَا کَانَ مُحَمّدُ أبَا أحَدٍ مِن رِجَالِکُم وَلَکِن رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيَّينَ) ، (2)وتوقيع علّة رسالته

(وَمَا أرسَلنَاکَ إلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ)(3) بها، نشأ في حجر الفتوّة ، وربّي في دار النبوّة ، وأضجع في مهد العصمة ، وأرضع ثدي الحکمة، ثمّ(4) أدخل مکتب (سَنُقرِئُکَ فَلاَ تَنسَی) وأدب بأدب و (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأعِرض عِنِ الجَاهِلِينَ) (5) ، فبلغ من القيام بشروطها الغاية القصوي.

مدّت يد العصمة بقلم القدرة علي لوح نفسه (وَعَلَّمَکَ مَا لَم تَکُن

تَعلَمُ )(6)، وخوطب بلسان العزّة والرفعة : ( اقرَأ بِاسمِ رَبَّکَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسَانَ مِن عَلَق اقرَأ وَرَبَّک الأکرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ) (7)

لمّا استندت عناية المعلّم سبحانه بتهذيبه وتأديبه ، وشرّفه باختصاصه بتعليمه وتقريبه ، تفجرّت ينابيع الحکمة من صفا سريرته ، وظهرت أسرار العناية من ضفا روحانيّته ، وزفّت يد الإرادة الأزليّة عروس الرسالة النبويّة إليه ، وحلتها ماشطة المحبة الإلهيّة في ملابس الألطاف الخفيّة عليه ، وأفرغت علي أعطاف نبوتّه من ملابس الرئاسة العامّة تعظيماً وتوقيراً، وضربت علي

ص: 548


1- سورة المجادلة :31.
2- سورة الأحزاب : 40.
3- سورة الأنبياء : 107.
4- سورة الأعلي: 6.
5- سورة الأعراف: 199 .
6- سورة النساء : 113
7- سورة العلق: 1۔ 4.

هامة رفعته حجلة (إنَّا أَرسَلنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً )(1)، (وَدَاعياً إلي اللهِ بِإذِنِهِ وَسَرَاجاً مُنِيراً)(2)

لمّا انشرح صدره بخطاب ( الَم نَشرَح لَکَ صَدرَکَ )(3)، وعلا أمره

بمقال (وَرَفَعنَالَکَ ذِکرَکَ ) (4)، وصار قلبه مشکاة النور الإلهيّ ، وفضله حتي القيامة غير متناهي ، اجلس في صدر صفة مشارق فيضان الأنوار الإلهيّة علي جنانه ، فأضاءت الأکوان بانعکاس أشعّة مرآة کمال عرفانه ، فأظهر بدروس علومه من الايمان ماکان دارساً، وأنار بوضع قواعد شرعه من الاسلام ما کان طامساً.

وهذه النبذة الّتي أوردتها، واللمعة التي ذکرتها قطرة من بحر صفته ،

وذرّة من طود مدحته ، اللّهمّ اجعلنا من المهتدين بواضح دليله ، السالکين في منجم سبيله، المهتدين بأبرار عترته، المستضيئين بأنوار ذرّيتّه.

وأمّا بعلها فحسبک ما نطق به القرآن من خصائصه وفضائله ، ووضح بالبرهان الساطع فيه من مناقبه ودلائله ، (إنَّمَا وَلِیُّکُم)(5)عنوان منشور ولايته ، و(قُل لَا أسأَلُکُم)(6) توقيع مسطور نسبته ، وسورة هل أتي نزلت في رفعة عظيم إخلاصه، وآية النجوي (7)وردت في صفاته وخواصّه، خسف الله

ص: 549


1- سورة الفتح : 8.
2- سورة الأحزاب: 46.
3- سورة الشرح: 1
4- سورة الشرح: 4.
5- سورة المائدة : 55.
6- سورة الشوري : 23.
7- أي قوله تعالي في سورة المجادلة : 12: (يَا أيَّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيتُم الرَّسُولَ فَقَدَّمُوا بَين يَدَي نَجوَاکُم صَدَقَهً ذَلِکَ خَيرُ لَکُم وَأطهَرُ فَإن لَم تَجِدُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورُ رَحِيمُ ) .

بشمس وجهه بدر الشرک في بدر وأحد ، وأخمد بنور طلعته نار الکفر يوم عمرو بن ودّ، وهزم أحزابه بجدّ عزائمه، وقطع أسبابه بحدّ صارمه ، وشدّاً أزر الايمان ببطشه شد، وأليس دين الاسلام بفتکه شرفاً ومجداً.

لمّا آثر بالقرص في صيام نذره، ردّ الله له القرص بعد مغيبه وستره،

وأثبت في الذکر العزيز ذکره، وأعلي في الکتاب المجيد قدره ، تتلي آيات مدحه ومدح ذرّيّته إلي يوم القيامة ، وتنشر رايات شکره بإعجازه ومناديه إلي حين حلول الطامّة ، سمّاه الله وزوجته وابنيه في محکم تنزيله أبراراً(1)وزادهم

في ديوان شکره بمدحه إيّاهم فخاراً.

فالحمد لله الّذي أوضح لقلوبنا سلوک سبيلهم، وزادها لهم هدي ونوراً . وشرح صدورنا لاتّباع دليلهم ، وألبسها من ملابس ولائهم تزکية وتوقيراً . وقرّبنا زلفي من رضوانه بعرفان حقّهم ، وجعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، وسقانا من زلال خالص حبهم شراباً طهوراً . ثمّ أنزل لذّة زلاله في مذاق أفئدتنا منذ عالم الذر حين قال ربّنا : (الَستُ بِرَبَّکُم)(2)فاقرّ من اقرّ، وأنکر من أنکر ، ولم تزل عين عنايتهم تحرسنا من ظلم الضلال الأکبر إلي أن جعل الله لنا في عالم الشهادة بروراً وطهوراً . لولا استمساکنا بعروة عصمتهم، والتزامنا بحبل مودتهم ، واتّباعنا سبيل شرعتهم لم نکن شيئاً مذکوراً.

طهّرنا ربّنا بفاضل طهورهم من دنس الشرک، ونزّهنا باتّباع زاهر نورهم من دين الشکّ ، وخلص إبريز خالص معتقدنا بنار حبّهم عند السبک ، ورفع لنا في مقام المجد منبراً وسريراً.

ص: 550


1- في قوله تعالي في سورة الانسان : 5 : ( إ نَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأنَ کان مَزَاجُهَا کَافُوراً ) .
2- سورة الأعراف : 172.

ووسم قلوبنا بميسم مودّتهم وطهّرها من الزلل، ورقم علي إبريز خالص معتقدنا أحرف حبّهم في دار ضرب الأزل، وأذاقنا من رحيق عنايتهم ما لذّته في مذاق أفئدتنا لم تزل کأساً کان مزاجها کافوراً.

تشهد أنّهم أبواب وسائلنا إلي ربّنا، وأسباب اتّصالنا بمنازل قربنا، فلهذا

وجّهنا إلي کعبة شرفهم مطايا حبّنا، واعتقدنا ما سوي جلال جنابهم من الخلق هباء منثوراً.

هل أتي نصّ هل أتي إلا في مدحة فضلهم ؟ وهل أنزلت آية النجوي إلّا تزکية لفعلهم ؟ وهل دنا بقدم الصدق إلي الملکوت الأعلي غير جدّهم صاحب آيات( إنّا أرسَلنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشَّراً ونذِيراً ) (1)

(وَدَاعِياً إلَي اللهِ بِإذِنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (2)

ردّ الله له القرص حين آثر في صيامه بالقرص ، وعليه الرسول بالرئاسة العامّة يوم الغدير نصّ ، وله الله بالبضعة الزهراء دون الخلق خصّ ، وجعله نسباً وصهراً وکان ربّک قديراً (3)

لمّا لم يثنهم عن الوفاء بعهد ربّهم ثاني ، ولم يکن لهم بالاخلاص في الطاعة من الخلق ثاني، أثني عليهم بآيات المثاني ، فقال :( يُوفُونَ بِالنَّذرِ وَيَخَافُونَ يَوماً کَانَ شَرُّهُ مُستَطِيراً) (4)

مصابيح ظلام إذا العيون هجعت، ومجارع أکرام إذا الغيوث منعت ،

ص: 551


1- سورة الفتح : 8.
2- سورة الأحزاب: 46.
3- إشارة إلي الآية : 54من سورة الفرقان .
4- سورة الإنسان: 7.

يؤثرون في صومهم بقوت يومهم ولا يخشون أزمّة قرعت، (وَيطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبَّهِ مِسکِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً)(1)

لم يتبعواصدقاتهم منّاً ولا أذي لمّا تصدّقوا، وما فاهوا بما يکدر الصنعة وما نطقوا ، بل قالوا في سرائر ضمائرهم لمّا تصدّقوا و صدقوا: (إنَّمَا نُطعِمُکُم لِوَجهِ اللهِ لا نُرِيدُمِنکُم جَزَاءً وَلًا شُکُوراً )(2)

إنّا نطمع أن يغفر لنا ربِّنا خطايانا يوم الدين ، إنّا نرغب أن يخلصنا ببذل معروفنا بالصالحين ، إنّا نطلب إليه أن يرقم أسماءنا في دفاتر المخصلين ، ( إنّا نَخَافُ مِن رَبَّنَا يَوماًعَبُوساً قَمطَرِيراً) (3)

تحقّقوا أن لا ملجأ من الله إلّا إليه ، وفرقوا من مقام التوبيخ حين العرض عليه ، وأشفقوا يوماً يعضّ الظالم علي يديه (4)( فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِکَ اليَوم وَلَقَّاهم نَضرَةً وَسُرُوراً)(5)

أجلسهم علي بساط أنسه في ظلّ جنابه ، وسقاهم من شراب قدسه أصفي شرابه ، وجعلهم خاصّة نفسه في دار ثوابه(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (6)

متقابلين فيها علي مضاعفات الأسرّة والفرش ، في جنّة صعيدها رضوان الله و سقفها العرش ، قد نزع الله ما في صدورهم من غلّ و غشّ ،( مُتَّکِئِیِنَ فِيهَا

ص: 552


1- سورة الإنسان : 8.
2- سورة الإنسان: 9.
3- سورة الإنسان: 10.
4- إشارة إلي الآية : 57 من سورة الفرقان
5- سورة الإنسان: 11.
6- سورة الإنسان : 12.

قصيدة في معني «سورة الانسان»

عَلي الأرائِکِ لا يَرَونَ فِيهَا شَمساً وَلاَ زَمهَريِراً(1)

ظلالها ممدودة عليهم

قطوفها دانية إليهم

ولدانها قسائمة لديهم

کلولو يحسبه منثورا

يطوف بالأکواب والکؤوس

في مجلس التطهير والتقديس

صار بأمر باريء النفوس

لهم شراباً سائغاً طهورا

جوهرها من فضّة نقيّة

من کوثر مترعة رويّة

موضوعة في الغرف المبنيّة

قدّرها مدبّرهاتقديرا

من دارهم منبع عين تسنيم

و ارقّ باللطف من النسيم

مقسم في جنة النعيم

يکسهم بشر به سرورا

عن سلسبيل سلسبيل تخبر

بانّ بدء جزئه من کوثر

ص: 553


1- سورة الإنسان: 13 .

خصّوا به من ذي الجلال الأکبر

ي زيدهم بصفوه حبورا

طووا ثلاثاً لم يذوقوا مطعماً . بل آثروا

بقوتهم تکرّما

فقال فيهم ذو العلي ونعما

قال مديحاً فيهم مشهورا

إن شئت فاتل سورة الانسان

تري لهم شأناً عظيم الشأن

به أقرّخالص الإيمان

لمّاعدا الرجس به کفورا

وإنّما وليّکم(1)في المائدة

عليهم بکلّ فضل عسائدة

يمجّها مسمع ذي المعاندة و ف ينثني

بغيظه مقهورا

إنّ عصبة النصّاب أضحت عازلة

النار في فضلهم مجادلة

إذا ت لونا آية المباهلة (2)

ولّوا علي أدبارهم نفورا

ص: 554


1- سورة المائدة : 55.
2- سورة آل عمران : 61.

لخير المرسلين آل

إليهم المرجع والمال

يوماً عبوساً کالحاً عسيرا

آل العبا خصّوا بآي الذکر

و والنصف من شفيع يوم الحشر

ونزّهوا من کلّ عيب يجري

في غيرهم وطهّروا تطهيرا

يامن يروم رتبة الامامة

سواهم والأمر والزعامة

بغير علم متقناً أحکامه

لقد رقوت موبقاً خطيرا

أتحسب الإمرة والخلافة

ب الکبر والغلظة والخلافة

أم بأب م ثل أبي قحافة

بؤخاسئاً مذمماً مدحوراً

سل أمّک البغية الشقية

صهّاک عن أصولک العليّة

فإنّها أخبر بالقضيّة فلا تکن بغيرها

فخورا

غرّتک دنياک فصرت حاکماً

وللوصّي والبتول ظالماً

ص: 555

وللنبيّ مؤذياً

مخاصماً

فسوف تصلي بعد ذا سعيرا

عقوبة الذنب من الله

علي

مقدار ذنب العبد في دار البلا

وظلم من يؤذي النبيّ المرسلا

هل فوقه ظلم فکن بصيرا

دع رتبة الوصيّ خير من بري

إلهنا وخير من فوق الثري

بعد النبيّ المصطفي هادي الوري

عنه اسأل التوراة والزبورا

والصحف الأولي ومن أتي بها

من لدن ذي العرش ومن صحابها

سل برّة المزمور في کتابها

معيّناً مبيّناً مسطورا

صاحب بدر و حنين وأحد

ا وخيبر وخندق يوم ابن ودّ

إذ ضلّت القلوب منه ترتعد

فصار من سطوته مثبورا

جلّله عضباً بائنا ذکر

فخرّ کالجذع الغريم المنعقر

له من المنون ورداً وصدر

معفراً بدمه تعفيرا

ص: 556

سل کلّ باغٍ غادر مشافق

من ناکث وقاسط ومارق

ماذا لقوا من الإمام الصادق

في حربهم فاسأل به خبيرا

الناقلوب ملئت من حبه

وحبّ أهل

بيته وصحبه

لمّاعلمنا قربه من ربّه

بارئنا زدناهديً ونورا

اللّهمّ فکما جعلت له في فؤادي ودّاً، لا أعادي له وليّاً، ولا أوالي له ضدّاً فصلّ علي محمد وآله واجعل لي بصدق ودادي عندک عهداً يوم ألقاک في معادي منشوراً .

وأشهد أن لا إله إلّا الله شهادة أعدّها لهول القيامة وظلماته نوراً مستنيراً ،

وعلي الملحدين في آياته سيفاً مشهوراً.

وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل من أتي علي الطاعة بالنعيم

بشيرا، وبالجحيم علي المعصية نذيراً.

صلّی الله عليه وعلي آله سادة الخلق أوّلاً وآخرة، الّذين أذهب الله عنهم

الرجس وطهّرهم تطهيراً(1)

روي الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي في أماليه : قال : حدّثنا الحسن بن مهران ، قال : حدّثنا مسلمة بن

ص: 557


1- إشارة إلي الآية : 33 من سورة الأحزاب .

في قصة نزول آيات (وإنّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُها

کَافُوراً... مَشکُوراً) في عليّ وفاطمة والحسن والحسين

عليهم السلام وجاريتهم فضّة

خالد ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام.

وروي هذا الحديث بعينه شعيب بن واقد، عن القاسم بن بهرام، عن

ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه .(1)

وروي الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان لعلوم القرآن (2)أنّ هذه الآيات وهي : ( إنّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن کأس کَاسٍ مِزَاجُهَا کَافُوراً - إلي قوله - وَکَانَ سَعيُکُم مَشکُوراً ) (3) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجارية لهم تسمّي فضّة .

ومضمون القصّة بالاسناد المتقدّم عن الصادق عليه السلام و ابن عبّاس ، قالوا: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلّی الله عليه و آله ومعه رجلان ، فقال أحدهما لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيک نذراً إن الله (4) عافاهما.

فقال صلوات الله عليه : أصوم ثلاثة أيّام شکراً لله سبحانه ، وکذلک قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبّيان : ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام، وکذلک قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صيّاماً وليس عندهم شيئاً من الطعام ، فانطلق أمير المؤمنين عليه السلام إلي جار له يهوديّ يعالج الصوف

ص: 558


1- في الأمالي : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبدالعزيز بن يحيي الجلودي البصري ، قال : حدّثنا محمّد بن زکريّا ، قال : حدّثنا شعيب بن واقد ... عن ابن عبّاس ؛ وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي ، قال : حدّثنا الحسن بن مهران ........ عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام في قوله عزّ وجلّ.
2- مجمع البيان: 404/5.
3- سورة الإنسان: 5- 22.
4- لفظ الجلالة أثبتناه من الأمالي .

اسمه شمعون ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هل لک أن تعطيني جزازاً (1) من صوف تغزلها لک ابنة محمد بثلاثة أصواع من شعير؟

قال اليهودي : نعم. فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام بذلک ، فقبلت وأطاعت ، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکلّ واحد قرصاً(2)وصلّی أمير المؤمنين عليه السلام صلاة المغرب مع رسول الله

ص: 559


1- في الأمالي : جرّة .
2- في «ح»: في کتاب زهد النبيّ صلّی الله عليه و آله[لأبي محمد جعفر بن أحمد القمّي] : لمّا نزلت آية :( وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أجمَعِينَ لَهَا سَبعَةُ أبوَابٍ لِکُلَّ بَابِ مِنهُم جُزءُ مَقسومُ) (سورة الحجر : 43 و 44] بکي النبي صلّی الله عليه و آله بکاء شديداً، وبکي أصحابه لبکائه ، ولم يدر وا مانزل به جبرئيل عليه السلام، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يکلّمه ، وکان النبيّ صلّی الله عليه و آله إذا رأي فاطمة عليها السلام فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلي بابها فوجد بين يديها شعير وهي تطحن فيه وتقول: (وَمَا عِندَ اللهِ خَيرُ وأبقَی ) [سورة القصص : 60] فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي ، فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مکاناً بسعف النخل ، فلمّا خرجت نظر سلمان إلي الشملة وبکي وقال : واحزناه ! إنّ قيصر و کسري لفي السندس والحرير وابنة محمد عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مکاناً ، فلمّا دخلت فاطمة عليها السلام علي النبيّ قالت : يا رسول الله ، إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فوالذي بعثک بالحقّ نبيّاً ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلّا مسک [المسک : الجلد] کبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا ، فإذا کان الليل افترشناه ، وإنّ مرفقتنا [المرفقة: المخدّة] لمن أدم حشوها ليف. ثمّ قالت : يا أبت فدتک نفسي، ما الّذي أبکاک ؟ فذکر لها ما نزل به جبرئيل من الآية ، فسقطت فاطمة عليها السلام علي وجهها ، وهي تقول : الويل، ثمّ الويل لمن دخل النار . فسمع سلمان ، فقال : يا ليتني کنت کبشاًفأکلوا لحمي ومزقوا جلدي . وقال أبو ذر : يا ليت أمّي کانت عاقراً ولم تلدني وقال عمار: يا ليتني کنت طائرة في القفار ولم يکن علي حساب ولا عقاب. وقال علي عليه السلام : يا ليت السباع مؤقت لحمي ، وليت أمّي لم تلدني ، ولم أسمع بذکر النار . ثمّ وضع عليّ عليه السلام يده عليَّ رأسه وجعل يبکي ويقول : وأبعد سفراه! واقلّة زاداه ! في سفر القيامة يذهبون ، في النار يتردّدون، وبکلاليب النار يتخطّفون ، مرضي لا يعاد سقيمهم، وجرحي لا يداوي جريحهم، أسري لا يفک أسيرهم ، من النار يأکلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلّبون ، وبعد لبس القطن والکنّان مقطّعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرّنون. [أخرجه في البحار : 203/ 8 ] وفي الکتاب المذکور أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله قال : أخبرني عن النار - يا أخي جبرئيل - حين خلقها الله تعالي ، فقال : إنّه سبحانه أوقد عليها ألف عام فابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف عام فاسودّت . فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ، ولا ينطفيء لهبها ، والذي بعثک بالحقّ نبيّاً لو أن مثل خرق إبرة خرج منها علي أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم ، ولو أن رجلا دخل جهنم ثم أخرج منها لهلک أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه ، لما يرون به ... الحديث. (أخرجه في البحار:305/8.

صلّی الله عليه و آله ، ثمّ أتي منزله فوضع الخوان وجلسوا يتعشّون خمستهم ، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام وإذا مسکين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليکم يا أهل بيت النبوّة، أنا مسکين من مساکين المسلمين أطعموني ممّا تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنّة ، فوضع أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يده، ثمّ قال : فاطم ذات المجد واليقين يابنت خير الناس أجمعين أماترين البائس المسکين قد قام بالباب(1) له حنين يشکو

إلي الله ويستکين يشکو إلينا جائعاً حزين کل امرء بکسبه رهين من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنّة دهين حرّمها الله علی الضنين وصاحب البخل يقف حزين تهوي به النار إلي سجّين

شرابه الحميم والغسلين

ص: 560


1- في الأمالي : جاء إلي الباب .

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول : أمرک سمع يا ابن غمّ وطاعة مابي من لوم ولا ضراعة غدّيت باللبّ وبالبراعة أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الأخيار والجماعة وأدخل الجنّة في شفاعة

وعمدت إلي ما کان علي الخوان جميعه فدفعته إلي المسکين ، وباتوا جياعاً، وأصبحوا صائمين لم يذوقوا إلّا الماء القراح ، ثمّ عمدت إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکل واحد قرصاً، وصلّي أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلّی الله عليه و آله المغرب، ثمّ أتي المنزل، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام إذا يتيم ينادي بالباب : السلام عليکم أهل بيت النبوة ، أنا يتيم من يتامي المسلمين، أطعموني ممّا تأکلون أطعمکم الله علي موائد الجنّة، فرمي(1) أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يدّه ، ثمّ قال : فاطم بنت السيّد الکريم بنت نبيّ ليس بالزنيم قد جاءنا الله بذا اليتيم من يرحم اليوم هو الرحيم موعده في جنّة النعيم حرّمها الله علي اللئيم وصاحب البخل يقف ذميم تهوي به النار إلي الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول: فسوف أعطيه ولا أبالي وأؤثر الله علي عيالي

ص: 561


1- في الأمالي : فوضع. وکذا في الموضع الآتي .

أمسوا جياعاً وهم أشبالي أصغرهما يقتل في القتال بکربلاء يقتل باغتيال القاتليه الويل مع الوبال تهوي به النار إلي سفال کبولة زادت علي الاکبال

ثمّ عمدت إلي جميع ما علي الخوان من الخبز فأعطته اليتيم وباتوا

جياعاً لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صيّاماً، فعمدت فاطمة إلي الثلث الباقي من الصوف فغزلته ، وطحنت الباقي من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لکل واحد قرصاً، وصلّی أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلّی الله عليه و آله صلاة المغرب ، وأتي المنزل فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة کسرها أمير المؤمنين عليه السلام وأراد وضعها في فيه إذا أسير من أساري المشرکين ينادي بالباب : السلام عليکم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّونا ولا تطعمونا ، فرمي أمير المؤمنين عليه السلام باللقمة من يده، ثمّ قال : فاطم يا بنت النسبي أحمد بنت نبيّ سيّد مسدّد(1) قد جاءنا(2) الأسير ليس يهتدي مکبّلاً في غلّه مقيّد

يشکو إلينا الجوع قد تقدّد من يطعم اليوم يجده في غد عند العليّ الواحد الموحّد مايزرع الزارع سوف يحصد

[فأعطيه ولا تجعليه ينکد](3)

ص: 562


1- في الأمالي : مسوّد .
2- في الأمالي : جاءک .
3- من الأمالي.

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول : لم يبق ممّا کان غير صاعٍ قد دبرت کفّي مع الذراع

ش بلاي والله هما جياع ياربّ لا تترکهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع عبل الذراعين(1)طويل الباع وما علي رأسي من قناع إلّاعباً نسجتها بصاع

وعمدت إلي ما کان علي الخوان جميعه فدفعته إلي الأسير ، وباتوا ليلتهم

جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.

قال شعيب في حديثه : وأقبل عليّ بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلّی الله عليه و آله وهما يرتعشان کالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهما رسول الله صلّی الله عليه وآله قال : يا أبا الحسن شدّ ما يسوءني ما آري بکم.

فقام رسول الله صلّی الله عليه و آله و انطلق مع عليّ عليه السلام إلي منزل فاطمة عليها السلام، فإذا هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها في وجهها ، فلمّا رآها رسول الله صلّی الله عليه و آله ضمّها إليه ، وقال : واغوثاه أنتم منذ ثلاث فيما أري، فهبط جبرئيل عليه السلام ، وقال : خذ يا محمّد ما هيّاً الله لک في أهل بيتک.

قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ [قال : ](2)(هَل أَتَي عَلَی الانسَانِ حِينُ مِنَ

الدَّهِر - حتي بلغ - إنَّ هذَا کَانَ لَکُم جَزَاءً وَکَانَ سَعيُکُم مَشکُوراً)(3)

ص: 563


1- أي ضخمهما.
2- من الأمالي.
3- سورة الإنسان : 1- 22.

وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبيّ صلّی الله عليه و آله حتي دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأي ما بهم فجمعهم ، ثمّ انکبّ عليهم يبکي ويقول : أنتم منذ ثلاث فيما أري وأنا غافل عنکم ! فهبط عليه جبريل بهذه الآيات : ( إنَّ الأبرَارَ يشرَبُونَ مِن کَأسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُوراً عَيناً يَشرَبُ بِهَا

عِبَادُ اللهِ يُفَجَّرونَهَا تَفجِيراً)(1)

قال : هي عين في دار النبي صلّی الله عليه وآله تفجرّ إلي دور الأنبياء

والمرسلين (2)

وفي الحديث (3) أن رسول الله صلّی الله عليه و آله سئل عن هذه ، فقال : هي عين في داري في الجنّة ، ثمّ سئل مرّة أخري ، فقال : هي عين في دار عليّ .

فقيل : يا رسول الله ، ألم تقل عين في داري؟ فقال : إنّ داري ودار علي في الجنّة واحدة ..

(يُوفُونَ بِالنَّذرِ - يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضّة - وَيَخَافُونَ يَوماً کَانَ شَرُّه مُستَطِيراً - أي عابساًکلوحاً . وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبُّهِ - أي علي شهوتهم للطعام وإيثارهم له -مِسکِيناً - من مِساکين المسلمين - وَيَتِيماً - من يتامي المسلمين - وَأسِيراً - من أساري المشرکين ، ويقولون إذا أطعموهم : - إنَّمَا نُطعِمُکُم لِوَجِه اللهِ لا نُرِيدُ مِنکُم

ص: 564


1- سورة الإنسان : 5 و 6.
2- في الأمالي : والمؤمنين .
3- قد سئل النبيّ صلّی الله عليه و آله عن شجرة طوبي أين هي ؟ فقال صلّی الله عليه و آله : هي في داري في الجنّة ، وقد سأله آخر فقال صلّی الله عليه و آله : هي في دار عليّ عليه السلام في الجنّة ، فقيل له في ذلک ، فقال : إن داري ودار علي واحدة في الجنّة . انظر : تفسير فرات الکوفي : 75-76.

جَزَاءً وَلَا شُکُوراً (1) أي جزاء يجازوننا به من نفع عاجل ، ولا نريد أن تشکرونا عليه عن الخلق بل فعلناه لله ، قال : والله ما قالوا هذا لهم ولکنّهم أظهروه في أنفسهم، فأخبر الله بإضمارهم وأثني عليهم ليرغّب في ذلک الراغب.

عن سعيد بن جبير و مجاهد : قال الله سبحانه : ( فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِکَ اليَومِ وَلَقّاهُم نَضرَةً - في الوجوه - وَسُرَوراً - في القلوب - وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً - يسکنونها - وَحَرِيراً - يلبسونه ويفترشونه - مُتَّکِئِينَ فِيهَا عَلَی الأرَائِکِ - والأريکة : السرير عليه الحجلة - لَا يَرَونَ فِيهَا شَمساً يتأذّون بحرّها.

قال ابن عبّاس : بينا أهل الجنة في الجنّة إذ يرون نوراً مثل الشمس قد أشرقت له الجنان ، فيقول أهل الجنّة : يا ربّ ، إنّک قلت وقولک الحقّ - في کتابک : (لَا يَرَونَ فِيهَا شَمساً وَلاَ زَمهَرِيراً) ، فيرسل الله جلّ اسمه جبرئيل فيقول : ليس هذا بشمس ولکن عليّاً وفاطمة ضحکا من شيء أعجبهما فأشرقت الجنان من نور ضحکهما .

ص: 565


1- سورة الانسان: 7-9.

فصل في وفاتها عليها السلام

اشارة

فصل في وفاتها(1)عليها السلام

عن جابر بن عبدالله ، قال : قال رسول الله صلّی الله عليه و آله لعليّ عليه السلام قبل موته : السلام عليک أبا الريحانتين ، أوصيک بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهدّ رکناک عليک ، فلما قضي رسول الله صلّی الله عليه و آله قال أمير المؤمنين عليه السلام : هذا!(2)الرکن الأوّل، فلمّا ماتت فاطمة قال : هذا الرکن الثاني.

وروت عائشة أنّ النبيّ صلّی الله عليه و آله دعا فاطمة فسارّها فبکت،

ثمّ دعاها فسارّها فضحکت ، فسئلت عن ذلک ، فقالت : أعلمني أنه مقبوض فبکيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحکت.

وعن أمّ سلمة رضي الله عنها وعائشة أيضاً أنّها لمّا سئلت عن بکائها وضحکها قالت : أخبرني النبيّ أنّه مقبوض ، ثمّ أخبرني أنّ بنيّ سيصيبهم بعدي شدة فبکيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به ، فضحکت .

ص: 566


1- ذکرت في «ح» 8 أبيات شعريّة لعلي بن حمّاد رحمه الله ، مطلعها: فلمّا قضي الهادي النبيّ تناکروا .. غير انّي لم أتمکّن من قراءة بعض ألفاظها ، ولم أعثر عليها في مصدر آخر کي يسهل عليَّ ذلک ، فترکتها ، آملاً تثبيتها في طبعات لاحقة إن شاء الله تعالي.
2- کذا في المناقب ، وفي الأصل يحتمل القراءتين : «هذا» ، «هد» . الاهل

وأيضاً عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة لا تخطي مشيتها مشية رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فقال رسول الله صلّی الله عليه و آله : مرحباً بابنتي ، فأجلسها عن يمينه ، وأسرّ إليها حديثاً فبکت، ثمّ أسر إليها حدّيثا فضحکت ، فسألتها عن ذلک ، فقالت: ما أفشي سرّ رسول الله صلّی الله عليه و آله ، حتي إذا قبض صلّی الله عليه و آله سألتها ، فقالت : إنّه أسر إلي ، فقال : إنّ جبرئيل کان يعارضني بالقرآن کل سنّة مرّة، وإنّه عارضني (به ) (1)العام مرتين ، ولا أراني إلا وقد حضر أجلي ، وإنّک أوّل أهل بيتي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لک ، فبکيت لذلک ، ثمّ قال: ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء المؤمنين(2)؟ فضحکت لذلک.

روي أنّها صلّی الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم،

منهدّة الرکن ، باکية العين ، محترقة القلب ، يغشي عليها ساعة بعد ساعة ، و تقول الولديها : أين أبوکما الّذي کان أشدّ الناس شفقة عليکما فلا يدعکما تمشيان علي الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملکما علي عاتقه کما لم يزل يفعل بکما، ثمّ مرضت و مکثت أربعين ليلة، ثمّ دعت أمّ أيمن وأسماء بنت عميس (3) وعليّاً صلوات الله عليه ، وأوصت إلي علي بثلاث : أن يتزوّج بابنة [أختها ](4) أمامة لحبّها أولادها ، وأن يتخذ نعشاً لأنها کانت رأت الملائکة بصورة فصوّرته ووصفته لأمير المؤمنين عليه السلام ، وألّا يشهد أحد جنازتها

ص: 567


1- من المناقب .
2- في المناقب : نساء العالمين المؤمنين
3- انظر هامش البحار : 181/43 - 182 حيث استظهر أنّ أسماء مصحف سلمي امرأة أبي رافع ، أو سلمي امرأة حمزة بن عبدالمطّلب - وهي أخت أسماء - ، أو أسماء بنت يزيد بن السکن ، فراجع.
4- من المناقب .

علة دفنها عليها السلام ليلاً

متن ظلمها ، وألّا يترک أحد منهم يصلّي عليها.

وذکر مسلم، عن عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة - في خبر طويل - يذکر فيه أن فاطمة أرسلت إلي أبي بکر تسأل ميراثها من رسول الله صلّی الله عليه و آله ، فمنعها - والقصة مشهورة ، فهجرته ولم تکلّمه حتي توفّيت ولم يؤذن بها أبو بکر ، ولم يصل عليها.

الواقدي : أنّ فاطمة عليها السلام أوصت إلي عليّ إذا حضرتها الوفاة ألّا

يصلّی عليها أبو بکر ولا عمر ، فعمل بوصيّتها.

وعن ابن عبّاس ، قال : أوصت فاطمة إلي عليّ عليهما السلام ألّا يعلم

- إذا ماتت - أبا بکر ولا عمر ، ولا يصلّيا عليها.

قال : فدفنها عليّ عليه السلام ليلاً ولم يعلمهما بذلک ، وغيّب قبرها.

وعن عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله ستّة

أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها عليّ ليلاً، وصلّی علي عليها.

وعن الزهري أن فاطمة دفّنت ليلاً، دفنها أمير المؤمنين والحسن

والحسين عليهم السلام ، وغيّبوا قبرها .

وفي روايتنا أنّه صلّی عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم

السلام و عقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار وبريدة.

وفي رواية أخري : والعباس وابنه الفضل. وفي رواية أخري : وحذيفة وابن مسعود .

الأصبغ بن نباتة أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها ليلاً، فقال : إنّها کانت ساخطة علي قوم کرهت حضورهم جنازتها، وحرام علي من

ص: 568

في تغسيلها عليها السلام

يتولّاهم أن يصلّي علي أحدٍ من ولدها.

وروي أنّه صلوات الله عليه سوّی قبرها مع الأرض مستوياً وقالوا: إنه

سوّی حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتي لا يعرف قبرها.

وروي أنّه صلوات الله عليه رشّ أربعين قبراً حتي لا يتبّين قبرها من

القبور فيصلّوا عليها(1)

روي أبو عبدالله حمّويه (2)بن عليّ البصري ، وأحمد بن حنبل (3) وأبو عبدالله بن بطّة ، بأسانيدهم قالت سلمي (4) امرأة أبي رافع : اشتکت(5) فاطمة شکواها التي قبضت فيها وکنت أمرّضها فأصبحت يوماً أسکن ما کانت، فخرج عليّ عليه السلام إلي بعض حوائجه وقالت : اسکبي لي غسلاً. فسکبت ، وقامت واغتسلت أحسن ما يکون من الغسل، ثمّ لبست أثوابها الجدد، ثمّ قالت : افرشي فراشي وسط البيت ، ثمّ استقبلت القبلة ونامت، وقالت : أنا مقبوضة ، وقد اغتسلت فلا يکشفني (6)أحد، ثمّ وضعت خدّها علي يدها، (7)ثمّ ماتت .

وعن أسماء بنت عميس ، قالت : أوصت فاطمة إليّ ألّا يغسّلها إذا ماتت

إلا أنا وعليّ، فأعنت عليّاً علي غسلها .

ص: 569


1- کذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه.
2- کذا في المناقب، و في الأصل : روي عبدالله بن حمويه .
3- فضائل أحمد:629/2 ح 1074 و ص 725ح1243..
4- کذا في المناقب ، وفي الأصل : رملة.
5- کذا الصحيح ، وفي الأصل : أمّ سلمي
6- کذا في المناقب ، وفي الأصل : فلا يکقنني
7- کذا في المناقب ، وفي الأصل: يدها علي خدها .

کلام أمير المؤمنين عليه السلام عند دفنها عليها السلام

وعن أبي الحسن الخزّاز القمّي في الأحکام الشرعيّة : سئل أبو عبدالله

عليه السلام عن فاطمة من غسّلها ؟

فقال : غسلها أمير المؤمنين عليه السلام لأنها کانت صديقة لم يغسلها إلا

صدّيق.

تهذيب الأحکام(1): روي سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه

السلام ، قال : سألته عن أوّل من جعل له النعش.

قال : فاطمة بنت محمّد صلّی الله عليها .

وفي رواية عبدالرحمان أنّها قالت لأسماء: استريني سترک الله من النار -

يعني بالنعش -.

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال عند دفنها : (2)

السلام عليک يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتک النازلة في جوارک، والسريعة اللحاق بک، قلَّ عن صفيّتک صبري ، ورقَ فيها تجلّدي ، إلا أن في التأسّي بعظيم فرقتک وفادح مصيبتک موضع تعزّ، ولقد وسّدتک في ملحود قبرک ، وفاضت بين صدري ونحري نفسک ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة، أمّا حزني فسرمد، وأما ليلي فمسّهد ، إلي أن يختار الله لي دارک الّتي أنت بها مقيم، وستنبئک ابنتک ، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد، ولم يخلق الذکر، والسلام عليکما سلام مودّع لا سئم ولا قال : فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء

ص: 570


1- تهذيب الأحکام:469/1ح 184 ، عنه البحار :212/43 ح 42.
2- الکافي: 458/1، عنه البحار : 193/43 ح 21.

ما قاله أمير المؤمنين والهاتف عند رجوعه عليه السلام من دفن

الزهراء، وفي موضع قبرها عليها السلام

ظنّ بما وعد الله الصابرين.

وروي أنّه لمّا سار بها إلي القبر المبارک خرجت يد فتناولتها، وانصرف.

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام: ذکرت أباودّي(1) فبتّ کأنّني بردّ الهموم الماضيات وکيل لکلّ اجتماع من خليلين فرقة وکلّ الّذي دون الفراق قليل وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمد دليل علي أن لا يدوم خليل

فأجابه هاتف : يريد الفتي ألّا يموت خليله وليس له إلّا الممات س بيل فلا بدَّ من موت (2)ولا بدّ من بلي وإنّ بقائي بعدکم لقليل إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي فإنّ بکاء الباکيات قليل ستعرض عن ذکري وتنسي مودّتي ويحدث من بعد الخليل (3) خليل (4)

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه : الأصوب أنّها مدفونة في دارها ، أو في الروضة ، ويؤيّد ذلک قول النبيّ صلّی الله عليه و آله : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة.

وفي البخاري وصحيح مسلم : ما بين بيتي ومنبري. وقال صلّی الله عليه و آله : منبري علي ترعة من ترع الجنّة .

ص: 571


1- أي من کان يلازم ودّي وحبّي.
2- لعلّه من تتمّة أبياته عليه السلام لا کلام الهاتف ، ولو کان من کلام الهاتف فلعلّه ألقاه علي وجه التلقين.
3- في المناقب : ويحدث بعدي للخليل بديل.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 361/3 - 365، عنه البحار : 43/ 180- 184 ذح 16.

کلام للمؤلف رحمه الله

وقالوا : حدّ الروضة ما بين القبر إلي المنبر إلي الأساطين الّتي تلي صحن المسجد.

أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام، فقال : دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد.

عن يزيد بن عبدالملک ، عن أبيه، عن جدّه ، قال : دخلت علي فاطمة

عليها السلام فبدأتني بالسلام، ثمّ قالت : ما غدا بک ؟

قلت : طلب البرکة.

قالت : أخبرني أبي وهو ذا : من سلَّم عليه وعليَّ ثلاثة أيّام أوجب الله له الجنّة.

قلت لها: في حياته وحياتک ؟

قالت : نعم ، وبعد موتنا (1)ياقبر فاطمة الّذي ما مثله قبر بطيبة طاب فيه مبيتا إذ فيه(2) حلّت زهرة الدنيا التي بحلي محاسن وجهها حليتا فسقي ثراک الغيث مابقيت به ن ور القبور بطيبة وبقيتا ف لقد برياها ظلت مطيبة وغداک مسکي في الأنوف قتيتا

قلت : أيّها الکريمة الممجّدة، المظلومة المضطهدة ، القانتة العفيفة ، السيّدة الشريفة ، المغصوبة ميراثها، المسلوبة تراثها، المحرومة نحلتها،

ص: 572


1- مناقب ابن شهرآشوب: 365/3، عنه البحار : 185/43ح17.
2- في المناقب : فيک .

المنهوبة بلغتها ، المشهور في الذکر ذکرها، المخفّي من دون القبور قبرها ، الّتي امتحن الله فيها أمّة أبيها ، فلم ترع حرمته فيها ، وفوقت نحوها سهام ظلمها، وأنزلت بساحتها مطايا هضمها ، حتي ماتت بغضتها عليها ساخطة ، و من خيرها قانطة.

أوّل مظلوم بعد الرسول من الرجال بعلها، وأضيع حقّ بعد النبيّ حقّها .

فيا لها من أمّة غادرة، وصحبة کافرة، وعصبة مارقة، وثلّة منافقة، أجلبت علي هدم الاسلام بجنودها وأحزابها ، ومنعت مساجد الله أن يذکر فيها اسمه ، وسعت في خرابها ، أعاد عتيقها الأوّل دين الجاهليّة بعد الضعف شديداً، وصير الثاني الأرذل بناء الکفر بعد الاندراس مشيّداً ، أطاع الشيطان وعصي الرحمن في يوم السقيفة ، وولي المسلمين بغرور وشهادة زور بشبهته السخيفة ، ومنع الزهراء نحلتها من والدها سيد المرسلين، و آذي الله ورسوله إذ أذي إمام المسلمين وسيّد الوصيّين.

فلعن الله السقيفة ومن حوت ، والعصابة الناصبة وماروت ، حملوا الناس علي أکتاف آل الرسول فيها ، وجحدوا النص الجليّ علي الامام العليّ فأبعد بها وبذويها، فاجتماع الأرجاس في ساحتها سبب لاغتيال سيد الأوصياء ، وتعصب عصب الضلال في عرصتها وسيلة لاغتصاب تراث سيدة النساء، وسمّ سبط المصطفي وغلبة ظلمة الظلمة في باحتها طريق إلي قتل سيّد الشهداء وخامس أصحاب الکساء. .

فأبعد بزمن صار فيه عتيق تيم للمسلمين إماماً ، ولعنت أمّة رضيت بالدلام نجل صهّاک بأمور الدين قوّاماً، أليس هو الّذي حمل بني أميّة علي رقاب المسلمين ؟ أليس هو الّذي منع الزهراء نحلتها وردّ شهادة

ص: 573

أمير المؤمنين ؟ أما جعل أمر خلافة الله شوري ؟ أما لفق من باطل القول زخرفاً وغروراً ؟ أما أسند إلي النبيّ الأمّيّ : «ما ترکناه صدقة» بزوره وکذبه ؟ فلعن الله الکاذب في جدّه ولعبه ، فهو زعيم الفتنة ورأسها، وأصل المحنة وأساسها ، والمصلّي والسابق في الجمل وصفّين ، والقائد والسائق في قتل ذرّيّة سيّد المرسلين.

فما قام ثالث القوم إلّا لمشورته وإشارته ، ولا تجرّی ابن حرب علي حرب أمير المؤمنين إلا بوصيّته وإرادته ، ولا سفک دم السبط الشهيد إلا وهو مثبت في صفحات صحيفته، وطامته في الظلم عالية ، وبدعته في الغيّ غالية ، والشيطان يسوق الناس إلي اتّباعه ، وهو في الحقيقة من بعض جنده وأتّباعه ، و تجرّأت عصبته علي المؤمنين بکلّ ناد ، ورمتهم عن قوس واحدة دون العباد ،

حتي لقد برح الخفاء ، وانقطع الرجاء

اللّهمّ العنه وأشياعه وأتباعه ومحبّيه والمائلين إليه ، والمتفّقين عليه ،

والمعتقدين لإمامته ، والناهضين بأجنحته ، والمستّنين بسنّته ، والمتسمين بسمته ، الّذين أسّس علي الباطل دينهم، وفصل من ينبوع الشرع معينهم ، وبنيت علي غير تقوي الله مساجدهم، وشيّدت بعداوة أهل بيت رسول الله مشاهدهم ، کلّ منهم في ثوبه ضلّ عابس ، وفي بدنه قلب حامس ، إذا عاينتهم يروقک عيانهم، وإذا رأيتهم تعجبک أجسامهم ، کأنّهم خُشب مسنّدة ، أو صور علي الجدران مجسّدة ، إذا تليت عليهم سورة هل أتي تلت وجوههم عبس و تولّي ، وإذا قرأت عليهم آية النجوي حقّت عليهم کلمة العذاب والبلوي.

مساجدهم بواطن الفجّار، ومدارسهم معادن الأشرار، فهم الوجوه

الخاشعة العاملة الناصبة، والطائفة المارقة الزاهقة الکاذبة ، يسندون کلّ منکر

ص: 574

في العالم إلي ربّهم ، وينسبون کبائر بني آدم إلي خالقهم بزورهم وکذبهم، ويعتقدون ربّهم جمادات حدود وأقطار، مدرک في الدنيا والآخرة بحاسّة العيان والابصار ، يشبهون علي الهمج الرعاع بأقاويلهم المزخرفة ، ويتسترون عند النزاع بحجّة التکلفة، ملّتهم محرفة ، وقلوبهم مغلفة ، وعمائمهم کقباب بيض علي کنف ، وقلوبهم من عمص الحقّ سود وغلف.

يسبون النبي والوصيّ بتکفير أبويهما ، ويسندون العيوب الموصمة بکفرهم إليهما، وأي ّسبّ أعظم من أن يقال للرجل : يا ابن الکافر ؟ وأيّ خطب أفضع من نسبة سيّد الأوّلين والآخرين إلي أنّه يهجر في المحاضر، تعاهدوا علي خلاف نبيهم ، وتعاقدوا علي إخراج الحق عن سيّدهم ووليّهم، وجحدوا نص الغدير ، وضلّلوا الهادي البشير ، ونصبوا أنصاب الشرک بنصب شقیّهم و عتيقهم، وسؤّدوا وجه الاسلام إذ وسموه بزکيّهم وصدّيقهم ، وهو أکذب من أبي تمامة ، وأحقر من قلامة في قمامة ، أنتهت إليه الزعامة ، أم حبرت له الامامة ، من أبيه أبي قحافة ، ذي الرذالة والخلافة ؟ الّذي کان اسمه في المجد کالنون في حال الاضافة ، تقلّد عارها في الدارين ، وباء بإثمها في الخافقين .

ثمّ لم يجتزيء بکفرها في حياته حتي احتقب وزرها بعد وفاته ،

وأوصي بها إلي ابن صهّاک لعلمه بشدة عناده ، و عظيم إلحاده، فقام عدّو الله ناسجاً علي منواله ، متقرّباً في عداوة آل الرسول بأقواله وأفعاله ، وهدّ الجمل وصفّين ، ومن قتل فيهما من المسلمين إلا جدول من بحره، وشعبة من کفره .

اللّهمّ إنّا نتقرّب إليک بلعنته في دار الفناء ، راجين بذلک الفوز في دار البقاء ، أبغضناه حبّاً لک ، وعصيناه طاعة لأمرک ، وخالفناه موافقة لکتابک ، وشنأناه رجاء لثوابک، لمّا قرعت أسماعنا رنّة آيات (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ

ص: 575

اللهِ مِن بَعد مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ أن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولِئکَ لَهُم اللَعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ) (1) و نعقت في أفکارنا نعمة بينّات(إنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُهِيناً )(2)، ورسخت في أفهامنا کلمة سيّد أنبيائک ومبلّغ أنبائک : فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله ، ومن آذي الله أکبّه الله علي منخريه في النار .(3)

وتجلّت لألبابنا رواية السيد ابن السادة ، الفائز بدرجتي السعادة والشهادة ، فرع نبيک ، وسلالة وليّک ، المجاهد في سبيلک ، والداعي إلي الرضا من آل رسولک ، زيد بن إمام المتقّين ، علي بن الحسين زين العابدين ، زاد الله شرفاً إلي شرفه ، وأحلّه من جوار جده في أعلي غرفه ، وهو ما روي عنه الشيخ العالم العامل ، الوليّ الکامل ، المخصوص بکشف أسرار الکلام المجيد القدسّي، شيخنا ووسيلتنا إلي ربّنا أبو علي الطبرسي، أفاض الله عليه تيجان رحمته ، وحشره في زمرة نبيّه وأئمّته .

ص: 576


1- سورة الرعد: 25.
2- سورة الأحزاب: 57.
3- قاله رسول الله صلّی الله عليه و آله مرارة : انظر: بحار الأنوار: 279/21 ، و ج 236/22 ،وج 143/23ح97 و ص 234، وج 62/27 و63 ح 21، وج 38/28 ح 1وص. 85 وص303 ح 48، و ج 288/36 ح 110 وص308ح 146، و ج 66/37 - 68 ح 38 و ص69 و ص 85، و ج 23/43 ح 17 و 24 ح 20 و ص 39 ح 40 و41، ص 54 ح 48، وص76 ح 63 وص80 ح 69 و ص 91 و 92 ح16 و 133 ح 32 وص 171 ح 11 و ص 172 ح 13 وص199 ح 29 وص202 و 204 ح 31، وج 283/49 ، و ج 239/103 ح 43 ، ص 250 ح 40، وج 38/104 ح 36 فقد أخرجه بألفاظ مختلفة وعن عدّة مصادر معتبرة.

قال : حدّثني الحاکم أبو القاسم الحسکاني القامي (1)، قال : حدّثنا أبو عبدالله الحافظ ، قال: حدّثني أحمد بن [محمد بن أبي](2)دارم الحافظ ،

قال : حدّثنا علي بن أحمد العجلي، (3)قال : حدّثني عباد بن يعقوب . قال : حدّثني أرطاة بن حبيب ، قال : حدّثني أبو خالد الواسطي - وهو آخذ بشعره - قال : حدّثني زيد بن عليّ - وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني أبي سيّد العابدين - وهو آخذ بشعره -، قال : حدّثني أبي السيّد الشهيد أبو عبدالله الحسين - وهو آخذ بشعره -، قال : حدّثني أبي أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين - وهو آخذ بشعره -، قال : قال لي سيّد الأوّلين والآخرين محمد بن عبدالله الصادق الأمين - وهو آخذ بشعره -: يا علي، من آذي منک شعرة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذي الله ، ومن آذي الله فعليه لعنة الله .(4)

وقد علمنا يا إلهنا ما أسدي إلي سليلة نبيّک ، وحليلة وليّک ، من اغتصاب تراثها ، وانتهاب ميراثها ، واغتصاب نحلتها من أبيها، واستصفاء بلغتها وبلغة بنيها، قائلاً: آتوني بنار وحطب لأحرق منزلها علي من حوي (5) ناوية إطفاء نور الله بناره ولکلّ امريء ما نوي ، مخالفاً بقوله وفعله سيّد المرسلين ، سالّاً سيف بغيه علي أمير المؤمنين وإمام المتّقين ، فظهر لأفکارنا ، ونعق في أسرارنا ،

ص: 577


1- کذا في الأصل ، ولعلها «القاضي» .
2- من المجمع.
3- من المجمع.
4- مجمع البيان :370/4. و روي مثله في أمالي الطوسي : 66/2 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام: 1/ 250ح3، وأمالي الصدوق: 271 ح 10، عنها البحار : 206/27 ح 13.
5- الامامة والسياسة: 19/1 ، عنه البحار : 28 / 354ح69. وأخرجه في البحار : 28 / 231 ح 16و 17 عن تفسير العياشي: 306/2ح 134 وأمالي المفيد :49. وفي ص 307ح 50 عن إثبات الوصيّة : 112.

بالأدلّة الساطعة ، والحجج القاطعة ، أنّ الجمل وصفّين ، وقتل ذرّيّة خاتم النبيّين ، نتيجة قياسه، وثمرة غراسه ، إذ هو الّذي أعلي الطلقاء القاسطين، ورفع کعبهم علي رقاب المسلمين ، مع علمه بأنّهم الشجرة الملعونة في القرآن، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعني بني أميّة الضالّين المضلّين، الزالّين المزلّين ، کفرة الکتاب ، وبقيّة الأحزاب (1)

ص: 578


1- في «ح» : روي عن الصادق القمّي أن جميع الأئمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا علي الشهادة : قتل علي عليه السلام فتکّاً، وسم الحسن عليه السلام سرّاً، و[قتل] الحسين عليه السلام جهرة ، وسم الوليد بن عبدالملک زين العابدين عليه السلام، وسمّ إبراهيم بن الوليد الباقر عليه السلام وسم أبو جعفر المنصور الصادق عليه السلام، وسمّ الرشيد الکاظم عليه السلام، وسمّ المأمون الملعون الرضا عليه السلام، وسمّ المعتصم محمّد الجواد عليه السلام ، وسم المعتز علي بن محمد عليه السلام ، وسمّ المعتمد الحسن بن علي عليه السلام، وأما القائم عجل الله فرجه فروي أنه هرب خوفا من المتوکل عليه اللعنة لأنه أراد قتله ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو کره الکافرون ، وکان أول من استفتح بالظلم من أخر عليّاً عن الخلافة، وغصب فاطمة ميراث أبيّها، وقتل المحسّن في بطن أمه، ووجاء عنق سلمان ، وقتل سعد بن عبادة ، ومالک بن نويرة ، وداس بطن عمار بن ياسر ، وکسر أضلاع عبدالله بن مسعود بالمدينة ، ونفي أبا ذر إلي الربذة، وأشخص عمار بن قيس، وغرب الأشتر النخعي ، وأخرج عدي بن حاتم الطائي ، وسيّر عميراً بن زرارة إلي الشام ، ونفي کميل بن زياد إلي العراق ، وخاض في دم محمد بن أبي بکر ، ونکب کعب بن جبل جارية بن قدامة ، وعذب عثمان بن حنيف ، وعمل ما عمل بحباب بن زهير و شريح بن هانيء، ونحو هؤلاء ممن مضي قتيلا وعاش في غصّة ذليلاً، نقل من کتاب الفخري النجفي رحمه الله . فانظروا - يا إخواني - إلي فعل أوائلهم، واقتفاء أرجاس بني أميّة آثارهم، يقتلون من قاربهم، ويعذبون من ظاهرهم ، کقتل معاوية عمّار بن ياسر وزيد بن صوحان و صعصعة بن صوحان وحنيف بن ثابت و أويس القرني ومالک الأشتر و محمد بن أبي بکر وهاشم المرقال و عبدالرحمان بن حسان وغيرهم، وتسليط زياد بن سمية علي قتل الألوف من الشيعة بالکوفة ، وهو الّذي دسّ في قتل الحسن بن علي عليهما السلام إلي جعدة بنت أشعث بن قيس ، وتبعه ابنه يزيد علي ذلک الظلم حتي قتل الحسين بن علي عليهما السلام في نيف وسبعين رجلاً ؛ منهم تسعة من بني عقيل ، وثلاثة من بني جعفر الطيار ، و تسعة من بني عليّ عليه السلام ، وأربعة من بني الحسن عليه السلام، وستة من بني الحسين عليه السلام، والباقي من أصحابه ، وقتل زيد بن علي بن الحسين علي يد نصر بن خزيمة الأسدي ، وصلبه يوسف بن عمر بالکناسة في الکوفة عرياناً فکسي من بطنه جلدة سترت عورته وبقي مصلوباً أربع سنوات، وکان لا يقدر أحد يندب عليه ، وألقوا امرأة زيد علي المزبلة بعدما دقت بالضرب حتي ماتت ، وعبيد الله بن زياد لعنه الله يصلب الشيعة علي جذوع النخل ، ويقتّلهم ألوان القتل، وهو الّذي خرب سناباد لمّا رجم أهلها من کان مع رأس الحسين فبقيت خراباً إلي الآن. «الفخري» [ انظر منتخب الطريحي : 3-5 ]

اللّهمّ العنه بما أعلي من قدرهم ، ورفع من ذکرهم ، وسدّ من خلّتهم، وکر

من قلبهم.

اللهمّ العنه بعدد کلّ نفاق أخفاه ، و شقاق أبداه ، وحقّ اغتصبه، وظلم

نصبه ، وعهد نقضه ، وإمام رفضه.

اللّهمّ العنه بعدد کلّ رطب ويابس ، ولين و جامس ، وبرّ وفاجر، وعاجز

وقادر .

اللّهمّ العنه بعدد کل مکيل وموزون، ومتروک ومخزون، ومعدود

ومحسوب ، ومرقوم و مکتوب.

اللّهمّ العنه بعدد ما أنبتت الأرض منذ خلقت ، وأحيت السماء منذ فتقت،

والعن أبويه وعترته ، و ابنيه وابنته ، وأنصاره و شيعته .

اللّهمّ أذقه أليم عذابک ، و وخيم عقابک ، واجعله في أسفل درک من الدرک الأسفل ، وأخفض منزل في العذاب الأطول ، يشرف عليه إبليس فيلعنه ، وتطلع عليه عبدة الأوثان فتوبخه، شرابه حميم ، وعذابه مقيم ، وطعامه زقّوم، وکتابه في سجين مرقوم ، ومقره في تابوت من حديد ، وعذابه في کلّ أن جديد ، قد وضعت سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً في فيه ، وأخرجت من دبره، ووضعت أغلال من قدميه إلي حقويه زيادة في ضلاله وسعره، يتأذّی أهل

ص: 579

النيران من رائحة قصبه ، وينفر عبدة الأوثان من مشامته وقربه.

اللّهمّ اجعله في سفال الفيلوق مديداً غمّه ، طويلاً همّه ، وافراً حزنه ،

والعن من لا يلعنه.

اللّهمّ العنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً جزيلاً ، فإنک أشدّ بأساً وأشدّ تنکيلاً

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علي محمدٍ وآله الطاهرين(1)

تمّ المجلد الأوّل ولله الحمد ، ويليه المجلّد الثاني بإذنه تعالي .

ص: 580


1- في الأصل : تمّ المجلس الثالث يوم الجمعة ثالث .... بعد طلوع الأسد بخمسة أيّام .

المجلد 2

اشارة

سرشناسه : مجدی، محمدبن ابی طالب، قرن ق 11

عنوان و نام پديدآور : تسلیه المجالس و زینه المجالس الموسوم بمقتل الحسین علیه السلام/ تالیف محمدبن ابی طالب الحسین الموسوی الحائری الکرکی؛ تحقیق فارس حسون کریم

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ج 2

فروست : (موسسه المعارف الاسلامیه؛ 84 و 85)

شابک : 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 30000ریال(دوره) ؛ 964-6289-09-6(ج.1) ؛ 964-6289-11-8(ج.2)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : کتابنامه

موضوع : حسین بن علی(ع)، امام سوم، 61 - 4ق. -- سرگذشتنامه

خاندان نبوت -- سوگواریها

واقعه کربلا، ق 61

شناسه افزوده : کریم، فارس حسون، 1331 - . محقق

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP41/5/م 24ت 5

رده بندی دیویی : 297/9534

شماره کتابشناسی ملی : م 78-4071

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فهرست قبلی

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

تسلیة المجالس وزینة المجالس

المؤَسُومُ ب

مَقتَلُ الحُسیِنِ عَلَیهِ السَلَامُ

تَألیفُ السَیّدِ الادیب مُحمّدبن اَبی طالبِ الحُسَینی الموُسَوِی الحائِریّ الکرکی

« من أَعَلَامَ القَرن العَاشِرِ»

الجزُء الثَانی

تحقَیقُ قَدِس حسَّوُنَ کَریمَ

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

المجلس الرابع: فی خصائص الامام الثانی سبط المصطفی، ورابع أصحاب الکساء ...

اشارة

فی خصائص الامام الثانی سبط المصطفی، ورابع أصحاب الکساء، ذی المآثر والمنن ، مولانا وسیّدنا أبی محمد الحسن ، وذکر شیء من فضائله المختصّة به والمشترکة مع جدّه وأبیه وأمه وأخیه صلوات الله علیهم أجمعین

الخطبة : الحمد لله الذی جعل حمده سبیلاً متّصلاً إلی نعیم جئته ، وسبب متصلاً بعمیم رحمته ، وشکره وسیلة لشاکره إلی المزید من نعمته ، وذکره شرفاً الذاکره فی سرّه وعلانیته ، وبنی قواعد دینه علی توحیده ومعرفته ، وأخذ عباده بتقدیسه وتنزیهه عمّا لا یلیق بربوبیته ، ونصب لهم أعلاماً یهتدی بها المتردّد فی تیه حیرته، وأطلع فی سماء العرفان أنجماًینجو بزواهرها ضالّهم فی ظلمة شبهته ، وجعل تلک الأعلام الواضحة ، والأنجم اللائحة، عبادة مکرمین من خواصّه ، وأولیاء معصومین قد صفاهم واصطفاهم بإخلاصه.

أوّلهم نبیّ تممت به الرسالة والنبوة ، وإمام انتهت إلیه الرئاسة والفتوّة، لمّا جعله سبحانه أشدّ خلقه بسطة فی العلم والجسم والقوّة، واختصّه الرسول بالوصیّة والخلافة والاخوّة ، ثبت فی العقل والنقل عموم رئاسته ، وقبح فسی

ص: 7

الحقیقة والطریقة تقدیم من قصر عن رتبته .

نحمد ربّنا علی ما أطلعنا علیه من سرّه المکنون، وعلمه المخزون ، ونزّهنا عن اتّباع کلّ ناعق بالباطل، وزاهق بغیر الحقّ قائل ، وبنی علی حبّ آله قواعد عقائدنا، ورکز فی جبلّتنا معرفة سادتنا وأئمّتنا ، وانّهم أولوا الأمر الذین ألزم عباده بطاعتهم، وحثّ أنامه علی متابعتهم ، فمن سلک غیر سبیلهم، واهتدی بغیر دلیلهم ، قاده سوء اختیاره إلی الشقاوة السرمدیّة، وأوقعه ضلال سعیه فی الهلکة الأبدیّة.

لا نشکّ فی کفر من تقدّمهم غاصباً، وتسمّی بغیر اسمه کاذباً، واستوجب اللعنة بإلحاده فی دین الله، واستحقّ العقوبة بجحده ولایة الله، وتوالی فی الله أولیاءهم، وتعادی فی الله أعداءهم، ویلعن الحانث صدّیقهم، والناکث فاروقهم، والثالث زهوقهم، والرابع زندیقهم، الّذی کان إسلامه نفاقاً، ودینه شقاقاً، وطبعه غدراً، ومعتقده کفراً، الباغی بحربه ، والکافر بربّه، والخارج علی إمام الحقّ بجنده ، والباغی علی ولیّ الخلق بحسده ، والمدبّر فی قتل السیّد الزکی، قرة عین النبیّ ، و ثمرة قلب الوصیّ ، والمدیف له قواتل سمومه بغدره ، والمفسد رؤساء جنوده بمکره.

اللّهمّ العنه والعن کلّ منقاد طوعاً لأمره، وکلّ شاک فی ضلاله وکفره .

ص: 8

فصل فیما ورد فی فضل السید الشکور، والامام الصبور، سبط خیر المرسلین ...

اشارة

فیما ورد فی فضل السید الشکور، والامام الصبور، سبط خیر المرسلین ، ورهط إمام المتقّین ، ونجل سیّد الوصیّین ، ونتیجة سیّدة نساء العالمین ، رابع الخمسة المیامین، وثالث الأولیاء المنتجبین، الّذی جعله الله

وأخاه أشرف خلقه أجمعین.

الجدّ النبیّ ، والأب الوصیّ ، والأمّ الزهراء ، والدار البطحاء، فضله معروف ، وکرمه موصوف ، یخل الغیث بفیض کفّه ، ویخجل البحر بسبب عرفه ، أصوله کریمة ، وأیادیه عمیقة ، وحبّه فرض واجب ، وودّه حکم لازب ، وطاعته تمام الایمان، ومعصیته سبیل الخسران، الناطق بالحکمة، والمؤیّد بالعصمة ، إمام الأمّة، وثانی الأئمّة ، مَن حبّه من النیران جُنّة ، واتّباعه سبیل موصل إلی نعیم الجَنّة ، وولاؤه علی أهل الأرض فرض لا سنّة، ذو النسب الطاهر ، والحسب الفاخر، والمجد الأعبل ، والشرف الأطول ، والعلم المأثور، والحلم المشهور، الّذی تردّی بالمجد واتزر، وتصدّی للبذل واشتهر، وظهر عنه العلم وانتشر، وبخدمته الأمین جبرئیل افتخر.

آل عمران تشهد للرسول بنبوّته یوم المباهلة ، وسورة الانسان تنبیء عن کمال فضیلته حین المفاضلة ، وأحزاب المجد بحجّة آیة تطهیرها لعصمته

ص: 9

ناصرة، وأبصار الفخر إلی نضرة بهجته یوم الکساء ناظرة، شاطر الله ماله مراراً وآثر المسکین والیتیم والأسیر بقوّته إیثاراً، وکان للمسلمین نوراً ومناراً وللعارفین غیثاً مدراراً، تشمخ المنابر فخراً إن علاها بقدمه، وتشرق المحاضر سروراً إذا غمرها بکرمه ، موات الآمال یحیی بوابل جوده ، وأموات الافضال تنشر بهاطل جوده، والرئاسة العامة تتجلّی علی رفعة إمامته، والمناقب التامّة تخطر بین یدی زعامته.

من اتّخذه بضاعة ربحت تجارته فی الدنیا والآخرة ، و من تولّی عن أمره إلی غیره معاندة أضحت کرّته خاسرة، رضیت به وبأهل بیته سادة عمّن سواهم، ورسمت جبهتی بمیسم العبودیّة لجلال علاهم، فإن رقمونی فی دفاتر عبید هم ، وأثبتونی فی جرائد عدیدهم، فذلک غایة مرادی وأقصی منای. وإن طردونی عن أبواب کرمهم ، ومحونی من جرائد خدمهم، فیا شقوتی و خیبة مسعای .

اللّهمّ نوّر قلبی بحبّهم، واشرح صدری بقربهم ، ولا تخلنی من حیاطتهم، ولا تصرف وجهی عن وجههم، والحظنی بعین عنایتهم، ولا تنزع منّی برکة رأفتهم ، إنّک علی کلّ شیء قدیر .

محمد بن إسحاق ، بالاسناد : جاء أبو سفیان إلی علی علیه السلام، فقال :

یا أبا الحسن ، جئتک فی حاجة.

قال : وفیما جئتنی؟

قال : تمشی معی إلی ابن عمک محمد فتسأله أن یعقد لنا عقداً، ویکتب لنا

کتاباً .

فقال أمیر المؤمنین: لقد عقد لک رسول الله صلّی الله علیه و آله عقداً لا یرجع عنه أبداً، وکانت فاطمة من وراء الستر، والحسن یدرج بین یدیها وهو

ص: 10

طفل من أبناء أربعة عشر شهراً (1)، فقال : یا بنت محمد ، قولی لهذا الطفل یکلّم لی جدّه فیسود بکلامه العرب والعجم.

فأقبل الحسن علیه السلام علی أبی سفیان وضرب بإحدی یدیه علی أنفه والأخری علی لحیته ، ثمّ أنطقه الله سبحانه بأن قال : یا أبا سفیان، قل: لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله ، حتی أکون لک شفیعاً.

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: الحمد لله الّذی جعل من ذرّیة محمد

المصطفی نظیر یحیی بن زکریّا، آتاه(2) الحکم صبیّاً.

واستغاث الناس إلیه علیه السلام من زیاد بن أبیه ، فرفع یده وقال : اللّهمّ خُذ لنا ولشیعتنا من زیاد بن أبیه ، وأرنا فیه نکالاً عاجلاً، إنّک علی کلّ شیء

قدیر.

قال : فخرج خراج فی إبهام یمینه ؛ ویقال : السلعة (3) وورم إلی عنقه ،

فمات لا رحمه الله . (4)

قال محمد بن إسحاق : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله ما بلغ الحسن بن علیّ ، کان یبسط له بساط علی باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطریق، فما یراه أحد من خلق الله إلّا قام إجلالاً له ، فإذا علم قام

ص: 11


1- وردت هذه القصة فی کتب السیر عند ذکر فتح مکّة سنة ثمان للهجرة حین جاء أبو سفیان إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله لیبرم عهد المشرکین ویزید فی مدّته . وقد قیل کان عمر الحسن علیه السلام خمس سنین ، وفی الکامل فی التاریخ : 241/2انّه غلام
2- فی المناقب : (وَآتَینَاهُ الحُکمَ صَبیّاً ) سورة مریم : 12.
3- فی المناقب : خراج فی إبهام یمینه یقال لها : السلعة.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 6/4 - 7، عنه البحار : 326/43 ح 6..
آنه کان علیه السلام یسمع الوحی فیحفظه، وإخباره علیه السلام

بمقتله علی ید زوجته

فدخل داره فیمرّ الناس، ولقد رأیته فی طریق مکّة ماشیاً فما أحد من خلق الله راه إلّا نزل و مشی.

أبو السعادات فی الفضائل : إنّ الشیخ أبو الفتوح أملی فی المدرسة الناجیة أنّ الحسن بن علیّ علیه السلام کان یحضر مجلس رسول الله صلّی الله علیه و آله وهو ابن سبع سنین فیسمع الوحی فیحفظه ، فیأتی إلی أمّه فیلقی إلیها ما حفظه، فلمّا دخل علیها أمیر المؤمنین علیه السلام وجد عندها علماً بالتنزیل، فسألها عن ذلک، فقالت : من ولدک الحسن، فتخفّی یوماً فی الدار وقد دخل الحسن فأراد أن یلقیه إلیها فأُرتج(1) علیه، فعجبت (2) فخرج أمیر المؤمنین علیه السلام وضمّه إلیه وقبّله.

وفی روایة : یا أمّاه ، قلَّ بیانی ، وکلّ لسانی ، لعلّ سیّداً یرعانی .(3)

الحسین بن أبی العلاء، عن جعفر بن محمد علیه السلام : قال الحسن بن علیّ علیه السلام لأهل بیته : یا قوم، إنّی أموت بالسم کما مات رسول الله صلّی الله علیه و آله .

فقال له أهل بیته : ومن الّذی یسمّک ؟ قال : جاریتی أو امرأتی. فقالوا له : أخرجها من ملکک علیها لعنة الله .

ص: 12


1- أرتِجَ علی القاریء ... إذا لم یقدر علی القراءة کأنّه أطبِقَ علیه ، کما یرُتَجُ الباب ، وکذلک ارتُتِجَ علیه . ولا تقل : ارتُجَّ علیه بالتشدید . «الصحاح : 317/1 - رتج - ».
2- فی المناقب : فعجبت امه من ذلک ، فقال : لا تعجبین یا أمّاه ، فإنّ کبیراً یسمعنی واستماعه قد أوقفنی ، فخرج ...
3- مناقب ابن شهرآشوب: 7/4 ، 8عنه البحار :338/43ح 11.

فقال : هیهات من إخراجها ومنیّتی علی یدها، مالی منها محیص، ولو أخرجتها لم یقتلنی غیرها، کان قضاء مقضیاً وأمراً واجباً من الله ؛ فما ذهبت الأیّام حتّی بعث معاویة إلی زوجته بالسمّ

فقال الحسن لها: هل عندک شربة لبن ؟

فقالت: نعم، فأتت باللبن وفیه السمّ الّذی بعث به معاویة ، فلمّا شربه وجدمسّ [ السمّ ](1)فی بدنه ، فقال : یا عدوّة الله ، قتلتینی قاتلک الله، أما والله لا تصیرین منّی خلفاً، ولا تصیبین(2)من الفاسق اللعین عدو الله خیراً أبداً .(3)

محمد الفتّال النیشابوری فی کتاب مونس الحزین : بالاسناد عن عیسی ابن الحسن ، عن الصادق علیه السلام : قال بعضهم للحسن بن علیّ فی احتمال الشدائد من معاویة ، فقال صلوات الله علیه کلاماً معناه: لو دعوت الله سبحانه لجعل العراق شاماً والشام عراقاً، ولجعل الرجل امرأةً والمرأة رجلاً.

فقال السائل (4) ومن یقدر علی ذلک ؟

فقال علیه السلام : انهضی، ألا تخجلین وتستحین أن تقعدی بین الرجال ؟ فوجد الرجل نفسه امرأة بینّة کالنساء، ثمّ قال : قد صارت عیالک رجلاً ویقاربک و تحملین منها وتلدین (5)ولداً خنثی، فکان کما قال علیه السلام، ثمّ إنّهما تابا و جاءا إلیه ، فدعا لهما، فأعادهما الله تعالی إلی الحالة الأولی.(6)

ص: 13


1- من المناقب .
2- فی المناقب : لا تصیبین منّی خلفاً ، ولا تنالین .
3- مناقب ابن شهر آشوب :8/4، عنه البحار : 327/43 ذح6.)
4- فی المناقب : الشامی
5- فی المناقب : و تقاربک و تحمل عنها وتلد.
6- مناقب ابن شهر آشوب : 8/4 - 09 عنه البحار : 327/43 ضمن ح 6.

قال أحدهما علیهما السلام فی قوله : (هَل یَستَوِی الَّذین یَعلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعلَمُونَ) (1): نحن الّذین نعلم، وعدوّنا لا یعلم، وشیعتنا أولوا الألباب . (2)

وقیل للحسن علیه السلام : إنّ فیک عظمة .قال: لا، العظمة لله،

بل فیَّ عزّة، قال الله تعالی : ( وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ

وَلِلمُؤمِنِینَ)(3)

وقال واصل بن عطاء : کان الحسن علیه السلام علیه سیماء الأنبیاء،

وبهاء الملوک .(4)

محمد بن أبی عمیر(5)عن رجاله ، عن أبی عبدالله علیه السلام، عن الحسن بن علی علیه السلام قال : إنّ الله سبحانه مدینتین: إحداهما فی المشرق والأخری فی المغرب، علیهما سور من حدید، وعلی کل مدینة ألف[ ألف ](6) باب ، لکلّ باب مصراعان (7)من ذهب ، وفیهما سبعون ألف لغة، یتکلّم کلّ واحد بخلاف لغة صاحبه، وأنا أعرف جمیع اللغات وما فیهما وما بینهما وما علیهما

حجّة لله غیری وغیر أخی الحسین علیه السلام(8)

ص: 14


1- سورة الزمر: 9.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 9/4.
3- سورة المنافقون : 8.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 9/4، عنه البحار : 338/43 ح 12.
5- کذا الصحیح ، وفی الأصل والمناقب : محمد بن عمیر .
6- من المناقب .
7- کذا فی المناقب ، و فی الأصل : مصراع
8- مناقب ابن شهرآشوب : 9/4 - 10، عنه البحار : 337/43 ح 7، وعوالم العلوم :109/16 ح6 وعن بصائر الدرجات : 339 ص 493 ح 11. وأخرجه فی البحار : 41/27 ح 2، وج 326/57ح 6 عن البصائر بطریقیه .
فی قضائه علیه السلام، وخطبة له علیه السلام .

الکلینی فی کتابه الکافی(1): انّه جاء فی حدیث عمرو بن عثمان ، عن أبی عبدالله علیه السلام أنّه سئل الحسن عن امرأة جامعها زوجها، فقامت بحرارة جماعه فساحقت جاریة بکراً، وألقت النطفة إلیها، فحملت .

فقال علیه السلام : أمّا فی العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البکر، لأنّ الولد لا یخرج منها حتی تذهب عذر تھا ، ثمّ ینتظر بها حتی تلد فیقام علیها الحدّ ویؤخذ الولد فیردّ إلی صاحب النطفة ، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم.

قال : فاطلع أمیر المؤمنین علیه السلام فرآهم یضحکون، فقصّوا علیه

القصّة ، فقال : ما أحکم إلّا بما حکم به الحسن.

وفی روایة : لو أنّ أبا الحسن لقیهم ما کان عنده إلّا ما قال الحسن . (2)

محمد بن سیرین : أنّ علیّاً علیه السلام قال لابنه الحسن: أجمع الناس، فلمّا اجتمعوا قام صلوات الله علیه فخطب الناس، فحمد الله وأثنی علیه، وتشهدّ ، ثمّ قال : أیّها الناس، إنّ الله اختارنا [لنفسه ]،(3) وارتضانا لدینه، واصطفانا علی خلقه، وأنزل علینا کتابه ووحیه، وأیم الله لا ینقصنا أحد من حقّنا شیئاً إلّا انتقصه الله من حقّه ، فی عاجل دنیاه و آجل آخرته ، ولا یکون علینا دولة إلا کانت لنا العاقبة (وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِینٍ )(4) ثمّ نزل وجمع بالناس، وبلّغ أباه، فقبّل بین عینیه ، وقال : بأبی أنت وأمّی و(ذُرَّیَّةً بَعضُهَا مِن

ص: 15


1- الکافی : 202/7 ح 1، عنه البحار : 352/43ح 30، وعوالم العلوم:109/16 ح 5.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 10/4 - 11.
3- من المناقب .
4- سورة ص : 88.
قیل للحسن علیه السلام : إن فیک عظمة ، قال : لا ، العظمة لله

بَغضٍ وَاللهُ سَمِیعُ عَلِیمُ(1)

فی کتاب العقد لابن عبد ربّه الأندلسی وکتاب المدائنی أیضاً: قال عمرو بن العاص لمعاویة: لو أمرت الحسن بن علی أن یخطب علی المنبر ، فلعلّه یحصر فیکون ذلک وضعاً من قدره عند الناس، فأمر الحسن بذلک.

فلمّا صعد المنبر تکلّم فأحسن ، ثمّ قال : أیّها الناس، من عرفنی فقد عرفنی، ومن لم یعرفنی فأنا الحسن بن علی بن أبی طالب ، أنا ابن أوّل المسلمین إسلاماً ، وأمّی فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله ، أنا ابن البشیر النذیر ، أنا ابن السراج المنیر، أنا ابن من بعث رحمة للعالمین .

وعن ابن عبد ربّه أیضاً: أنّه قال : لو طلبتم ابناً لنبیّکم ما بین لابتیها (2)لم

تجدوا غیری وغیر اخی

فناداه معاویة : یا أبا محمد ، حدّثنا بنعت الرطب - وأراد بذلک أن یخجّله ویقطع علیه کلامه - ، فقال : نعم تلقحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس، ویطیّبه (3)القمر.

وفی روایة المدائنی : الریح تنضجه،(4) واللیل یبّرده ویطیّبه. وفی روایة المدائنی قال : فقال عمرو: انعت لنا الخرأة. قال: نعم، تبعد الممشی فی الأرض الصحصح (5) حتی تتواری من القوم،

فی

ص: 16


1- سورة آل عمران : 34.
2- أی ما أحاطت به الحرتان من المدینة .
3- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : ویصنعه .
4- فی المناقب : تنفخه .
5- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : الصحیح . والصحصح: ما استوی من الأرض وکان أجرد.
فی خشیته من ربه، وحجه وصدقته علیه السلام

ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تمسح باللقمة و الرمّة -یرید العظم والروث - ولا تبل فی الماء الراکد (1)

وفی روضة الواعظین: أنّ الحسن علیه السلام کان إذا توضّأً ارتعدت مفاصله، واصفرّ لونه، فقیل له فی ذلک. فقال : حقّ علی کلّ من وقف بین یدی ربّ العرش أن یصفرّ لونه ، و ترتعد مفاصله.

وکان صلوات الله علیه إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ویقول: اللّهمّ ضیفک (2)ببابک، یا محسن، قد أتاک المسیء، فتجاوز عن قبیح ما عندی بجمیل ما عندک ، یا کریم.

وعن الصادق علیه السلام: أنّ الحسن علیه السلام حجّ خمساً وعشرین

حجّة علی قدمیه.

وبالاسناد(3) عن القاسم بن عبد الرحمان، عن محمد بن علی علیه السلام : قال الحسن علیه السلام: إنّی لأستحیی من ربّی أن ألقاه ولم أمش إلی بیته ، فمشی عشرین مرّة من المدینة علی رجلیه.

وفی کتابه (4) بالاسناد: ان الحسن علیه السلام قاسم ربّه ماله نصفین . وعن شهاب بن عامر أن الحسن قاسم ربّه ماله مرّتین حتّی تصدّق بفرد

نعله.

ص: 17


1- مناقب ابن شهرآشوب : 11/4-12 - ، عنه البحار :355/43 ح 33.
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : صفیک
3- حلیة الأولیاء : 37/2 .
4- أی حلیة الأولیاء لأبی نعیم الأصفهانی .

وفی روایة : أنّه تصدّق ثلاث مرّات یقاسم ربّه ماله حتی إنّه کان لیعطی

نعلاً ویمسک نعلاً، ویعطی خفّاً ویمسک خفّاً.

وکان یمشی فی طریق مکّة ، وإنّ النجائب لتقاد معه. (1)

روی أنّه دخلت علی الحسن علیه السلام امرأة جمیلة وهو فی صلاته

فأوجز فی صلاته ، ثمّ قال لها : ألک حاجة؟

قالت : نعم. قال : وما هی؟ قالت: قم فأصب منّی فإنّی وفدت ولا بعل لی.

قال : إلیک عنّی لا تحرقینی بالنار ونفسک ، فجعلت تراوده عن نفسه وهو یبکی ویقول: ویحک إلیک عنّی، واشتدّ بکاؤه، فلمّا رأت ذلک بکت لبکائه ، فدخل الحسین علیه السلام ورآهما یبکیان، فجلس یبکی ، وجعل أصحابه یأتون ویجلسون ویبکون حتی کثر البکاء وعلت الأصوات، فخرجت الأعرابیّة ، وقام القوم، ولبث الحسین علیه السلام بعد ذلک وهو لا یسأل الحسن عن ذلک إجلالاً له، فبینا الحسن علیه السلام ذات یوم(2)نائماً إذ استیقظ وهو یبکی ، فقال الحسین علیه السلام : ما شأنک، یا أخی؟

قال : رؤیا رأیتها. قال : وما هی؟ قال : لا تخبر أحداً ما دمت حیّاً.

ص: 18


1- مناقب ابن شهرآشوب : 14/4 ، عنه البحار : 339/43 ح 13.
2- فی المناقب : لیلة .
فی سعره سخائه علیه السلام

قال : نعم .

قال : رأیت یوسف علیه السلام فی المنام فجئت أنظر إلیه فیمن نظر ، فلمّا رأیت حسنه بکیت، فنظر إلیّ فی الناس ، فقال : ما یبکیک ، یا أخی ، بأبی وأمّی ؟

فقلت : ذکرتک وامرأة العزیز، وما ابتلیت به من أمرها، وما لقیت فی

السجن ، وحرقة الشیخ یعقوب، فبکیت من ذلک ، وکنت أتعجّب منه .

فقال علیه السلام: فهلّا تعجّبت ممّا کان من المرأة البدویّة بالأبواء؟

وللحسن علیه السلام: ذری کدر الأیّام إنّ صفاءها تولی بأیّام السرور الذواهب وکیف یغرّ الدهر من کان بینه وبین اللیالی محکمات التجارب

وله علیه السلام : قل للسمقیم بغیر (1)دار إقامة حان الرحیل فودّع الأحبابا إنّ الّذین لقیتهم وصحبتهم صاروا جمیعاً فی القبور ترابا

و من سخائه علیه السلام أنّه سأله رجل فأعطاه خمسین ألف درهم وخمسمائة دینار وقال : ائت بحمّال یحمل لک، فأعطی الحمّال طیلسانه ، وقال : هذا الکری للحمّال .

وجاءه بعض الأعراب فقال : أعطوه ما فی الخزانة، فوجدوا فیها عشرون

ألف درهم، فدفعها إلی الأعرابی.

فقال الأعرابی : هلّا ترکتنی أبوح بحاجتی وأُظهر مدحتی؟؟

ص: 19


1- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : تغیر .

فأنشأ صلوات الله علیه : نحن أناس عطاؤنا خضل(1)پرتع فیه الرجاء والأمل تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً علی ماء وجه من یسل لو علم البحر فضل(2) نائلنا الغاض من بعد فیضه خجل (3)

أبو جعفر المدائنی - فی حدیث طویل -: قال : خرج الحسن والحسین

وعبدالله بن جعفر حجّاجاً ففاتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا، فرأوا فی بعض الشعاب خباءً رثّاً و عجوزاً فاستسقوها.

فقالت : اطلبوا هذه الشویهة، ففعلوا واستطعموها فقالت : لیس إلّا هی فلیقم أحدکم فلیذبحها حتی أصنع لکم طعاماً ، فذبحها أحدهم، ثمّ شوت لهم من لحمها، وأکلوا وقیّلوا عندها، فلمّا نهضوا قالوا لها: نحن نفر من قریش نرید هذا الوجه، فإذا نحن انصرفنا وعدنا فالممی بنا فإنّا صانعون بک خیراً، ثمّ رجلوا.

فلمّا جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضرباً، ثمّ مضت الأیّام وأضرّت بها الحال فرحلت حتی اجتازت بالمدینة ، فبصر بها الحسن علیه السلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دینار، وبعث معها رسولاً إلی الحسین علیه السلام فأعطاها مثل ذلک، ثمّ بعثها إلی عبدالله بن جعفر فأعطاها مثل ذلک.

ودخل علیه رجل (4)فقال : یا ابن رسول الله، إنّی عصیت رسول الله صلّی

الله علیه و آله.

ص: 20


1- الخضل : کلُّ شیء نَدٍیُتر شّف نداه
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : علم
3- مناقب ابن شهرآشوب : 14/4 - 16، عنه البحار:340/43 ح 14.
4- فی المناقب : ودخل الغاضریّ علیه علیه السلام
فی عفوه علیه السلام

فقال علیه السلام : بئس ما فعلت ، کیف فعلت ؟

فقال : إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله قال : لا یفلح قوم ملکت علیهم امرأة، وقد ملکت علیَّ امرأتی فأمرتنی أن أشتری غلاماً (1) فاشتریته وقد أبق منّی.

فقال صلوات الله علیه : اختر أحد ثلاثة : إن شئت قیمة عبد . فقال : هاهنا

لا تتجاوز ! قد اخترت، فأعطاه ذلک.

وقال أنس : حیّت (2)جاریة للحسن علیه السلام بطاقة ریحان ، فقال لها : أنت حرّة لوجه الله ، فقلت له فی ذلک ، فقال : أدّبنا الله سبحانه وقال: ( وَإذّا حُیَّیتُم بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأحسَنَ مِنهَا)(3)وکان أحسن منها إعتاقها (4)

وروی المبّرد قال : رآه شامیّ راکباً فجعل یلعنه و الحسن علیه السلام لا یردّ، فلمّا فرغ أقبل علیه الحسن وضحک وقال : أیّها الشیخ، أظنّک غریباًولعلّک شبّهتنی ، فلو استعنتنا أعنّاک (5) ولو سألتنا أعطیناک ، ولو استرشدتنا أرشدناک ، ولو استحملتنا حملناک ، وإن کنت جائعاً أشبعناک، وإن کنت عریاناً کسوناک ، وإن کنت محتاجاً أغنیناک ، وإن کنت طریداً آویناک، وإن کنت ذا حاجة قضیناها لک، فلو کنت حرّکت رحلک إلینا، وکنت ضیفاً لنا إلی وقت ارتحالک کان أعود علیک ، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاًعریضاً، ومالأًّ کثیراً.

ص: 21


1- فی المناقب : عبداً.
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : جاءت .
3- سورة النساء: 86.
4- مناقب اب شهرآشوب : 16/4 - 18 ، عنه البحار : 341/43ح 15.
5- فی المناقب : فلو استعتبتنا أعتبناک . أی لو استرضیتنا فرضّیناک .
فی شبهه علیه السلام برسول الله صلّی الله علیه و آله

فلمّا سمع الرجل کلامه بکی، ثمّ قال : أشهد أنّک خلیفة الله فی أرضه ، الله أعلم حیث یجعل رسالته، وکنت أنت وأبوک أبغض خلق الله إلیَّ، فالآن أنت أحبّ الخلق إلیَّ، وحوّل رحله إلیه، وکان ضیفه إلی أن ارتحل، وصار معتقداً محبّتهم.(1)

وروی البخاری والموصلّی : قال إسماعیل بن خالد لأبی جحیفة : رأیت

رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟

قال : نعم، وکان الحسن علیه السلام یشبهه .

أبو هریرة [قال](2): دخل الحسن یوماً وهو معتم فظننت أنّ (3)النبیّ صلّی الله علیه و آله قد بعث.

وروی الغزالی : انّ النبیّ صلّی الله علیه و آله قال الحسن : أشبهت خَلقی

وخُلقی(4)

دعا أمیر المؤمنین علیه السلام محمد بن الحنفیّة یوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنو ضبّة ، فلمّا رجع انتزع الحسن الرمح من یده، وقصد قصد الجمل، وطعنه برمحه، ورجع إلی والده ، وعلی الرمح أثر الدم، فتمغّر وجه محمد من ذلک ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا تأنف فإنّه ابن النبیّ وأنت ابن علیّ .(5)

ص: 22


1- مناقب ابن شهرآشوب : 19/4، عنه البحار :344/43 ذح 16.
2- من المناقب .
3- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : أن.
4- مناقب ابن شهرآشوب : 20/4 - 21، عنه البحار :293/43 - 294.
5- مناقب ابن شهرآشوب :21/4، عنه البحار : 187/32ح 137، وج 345/43 ذ ح 17 .
مفاخرة الحسن علیه السلام مع معاویة

وطاف الحسن علیه السلام بالبیت یوماً فسمع رجلاً یقول : هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت إلیه فقال : قل : هذا ابن علی بن أبی طالب، فأبی خیر من امّی (1)

وتفاخرت قریش والحسن علیه السلام ساکت لا ینطق ، فقال له معاویة :

[یا](2)أبا محمد مالک لا تنطق ؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب، ولا بکلیل اللسان.

فقال الحسن علیه السلام : ما ذکروا فضیلة الأولی محضها ولبابها (3)

أخبار أبی حاتم (4) إنّ معاویة فخر یوماً، فقال : أنا ابن بطحاء مکة، أنا ابن أغزرها(5) جوداً، وأکرمها جدودة، وأنا ابن من ساد قریشاً فضلاً ناشئاً وکهلاً.

فقال الحسن علیه السلام: یا معاویة ، أعلیَّ تفتخر ؟! أنا ابن عروق الثری ، أنا ابن مأوی التقی، أنا ابن من جاء بالهدی ، أنا ابن من ساد أهل الدنیا ، بالفضل السابق، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصیته معصیة الله ، فهل لک أب کأبی تباهینی به، وقدیم کقدیمی تسامینی به ؟ قل: نعم، أو لا.

فقال معاویة : بل أقول: لا، وهی لک تصدیق . (6)

ص: 23


1- مناقب ابن شهرآشوب : 21/4 ، عنه البحار : 345/43 صدر ح 18.
2- من المناقب .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 21/4 ، عنه البحار : 103/44 ح 10.
4- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : أمثال أبی حازم .
5- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : أعرفها.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 21/4 - 22، عنه البحار :103/44 ح 11 وعن کشف الغمّة :575/1 .

وقال معاویة یوماً للحسن علیه السلام : أنا خیر منک. قال : وکیف ذاک، یا ابن هند؟ قال : لأنّ الناس قد اجتمعوا علیَّ ولم یجمعوا علیک.

قال الحسن : هیهات هیهات لشرّ ما علوت، یا ابن آکلة الأکباد، المجتمعون علیک رجلان؛ بین مطیع ومکره، فالطائع لک عاص لله، والمکره معذور بکتاب الله، وحاشی لله أن أقول أنا خیر منک فلا خیر فیک ، ولکنّ الله برّأنی من الرذائل کما برّأک من الفضائل.

کتاب الشیرازی : روی سفیان الثوری ، عن واصل، عن الحسن ، عن ابن عبّاس فی قوله سبحانه : ( وَشَارِکُهُم فِی الأَموَالِ وَالأَولاَدِ) (1)أنّه جلس الحسن بن علی علیه السلام و یزید بن معاویة یأکلان الرطب ، فقال یزید: یا حسن، إنّی مذ کنت أبغضک.

فقال الحسن : یا یزید، اعلم أنّ إبلیس شارک أباک فی جماعه فاختلط الماء أن فأورثک ذلک عداوتی، لأنّ الله سبحانه یقول : ( وَشَارِکُهُم فِی الأموَالِ وَالأَولاَدِ ) وشارک الشیطان حرباً عند جماعه فولد له صخر، فلذلک کان یبغض جدی رسول الله صلّی الله علیه و آله.

هرب سعید بن سرح(2) من زیاد إلی الحسن علیه السلام، فکتب الحسن

إلیه یشفع فیه.

فکتب زیاد إلی الحسن :

ص: 24


1- سورة الإسراء : 64.
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : سعد بن أبی شرح .
کتاب زیاد بن أبی سفیان إلی الحسن علیه السلام
فی تواضعه علیه السلام

من زیاد بن أبی سفیان إلی الحسن بن فاطمة. أمّا بعد:

فقد أتانی کتابک تبدأ فیه باسمک قبل اسمی وأنت طالب حاجة، وأنا

سلطان وأنت سوقة(1) وذکر نحواً من ذلک.

فلمّا قرأ الحسن الکتاب تبسّم وأنفذ بالکتاب إلی معاویة، فکتب معاویة إلی زیاد لعنه الله یؤنّبه ویأمره أن یخلّی عن أخی سعید وولده وامرأته وردّ ماله وبناء ما قد هدمه من داره، ثمّ قال :

وأمّا کتابک إلی الحسن باسمه واسم أمّه لا تنسبه إلی أبیه، وأمّه بنت

رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وذلک أفخر له إن کنت تعقل (2)

کتاب الفنون (3)عن أحمد المؤدّب ونزهة الأبصار : أنّه مر الحسن علیه السلام بقوم فقراء وقد وضعوا کسیرات لهم علی الأرض وهم یلتقطونها ویأکلونها، فقالوا له : هلمّ یا ابن رسول الله إلی الغذاء ، فنزل وقال : إنّ الله لا یحبّ المستکبرین (4) وجعل یأکل معهم حتی اکتفوا والزاد علی حاله ببرکته، ثمّ دعاهم إلی منزله (5)وأطعمهم وکساهم (6)

وفی العقد : أنّ مروان بن الحکم قال للحسن بن علی علیه السلام بین

ص: 25


1- الشوقة : الرعیة.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 22/4 - 23، عنه البحار : 104/44ح 12 وعن کشف الغمّة :573/1.
3- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : العیون .
4- إقتباس من قوله تعالی فی سورة النحل : 23.
5- فی المناقب : ضیافته.
6- مناقب ابن شهرآشوب : 23/4 ، عنه البحار :351/43ح 28 .
أبیات للحسن علیه السلام...........

یدی معاویة : أسرع الشیب إلی شاربک یا حسن . ویقال : إنّ ذلک من الخرق.

فقال علیه السلام : لیس کما بلغک ولکنّا معشر بنی هاشم أفواهنا عذبة وشفاهنا طیبة(1)، فنساؤنا یقبلن علینا بأنفاسهنّ، وأنتم معشر بنی أمیّة فیکم بخر شدید ، فنساؤکم یصرفن أفواههنّ وأنفاسهنّ إلی أصداغکم، فإنّما یشیب منکم موضع العذار من أجل ذلک.

فقال مروان : أما إنّ یا بنی هاشم فیکم خصلة سوء. قال : وما هی؟ قال : الغلمة (2)

قال: أجل، نزعت من نسائنا ووضعت فی رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالکم ووضعت فی نسائکم، فما قام الأمویّة إلا هاشمی، ثمّ خرج، وأنشد صلوات الله علیه : ومارست هذا الدهر خمسین حجّة

وخمساً أرجّی قابلاً بعد قابلِ

فما أنا فی الدنیا بلغت جسیمها

ولا فی الّذی أهوی کدحت بطائلِ

وقد أشرعتنی فی المنایا أکقها (3)

وأیقنت أنی رهن موت معاجل(4)

ص: 26


1- فی المناقب : طیّبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا .
2- الغلمة : شهوة الجماع.
3- استظهر فی هامش البحار: فقد أشرعت فی المنایا أکفها .
4- مناقب ابن شهرآشوب :23/4 -24، عنه البحار : 105/44ح 13.
صعوده علیه السلام علی کتف رسول الله صلّی الله علیه وآله فی صلاته

قیل لمجنون : الحسن کان أفضل أم الحسین ؟

قال : الحسن، لقوله سبحانه :(رَبَّنَا آتِنَا فِی الدُّنیَا حَسَنَةً وَفِی الآخِرَةِ

خسته (1) ولم یقل : حسینة .(2)

روی أبو یعلی الموصلّی فی المسند : عن ثابت البنانی، عن أنس وعبدالله ابن شیبة (3)، عن أبیه أنّ النبیّ صلّی الله علیه و آله قام إلی صلاة و الحسن متعلّق به ، فوضعه النبیّ صلّی الله علیه و آله إلی جانبه وصلّی ، فلمّا سجد أطال السجود فرفعت رأسی من بین القوم فإذا الحسن علی کتف النبی صلّی الله علیه و آله، فلما سلّم قال له القوم: یا رسول الله، لقد سجدت فی صلاتک سجدة ما کنت تسجدها ، کأنّما یوحی إلیک.

فقال صلّی الله علیه و آله : لم یوح إلیَّ ، ولکنّ ابنی کان علی کتفی فکرهت

أن أعجّله حتی نزل.

وفی روایة أُخری أنّه قال: إنّ ابنی ارتحلنی فکرهت أن أعجّله حتی

یقضی حاجته.

وفی روایة أُخری : قال : کان النبیّ صلّی الله علیه و آله یصلّی بنا وهو ساجد فیجیء الحسن وهو صبیّ صغیر حتی یصیر علی ظهره أو رقبته فیرفعه رفعاً رفیقاً، فلمّا صلّی صلاته قالوا: یا رسول الله ، إنّک لتصنع بهذا الصبیّ شیئاً لم تصنعه بأحد؛

فقال : هذا ریحانتی .

ص: 27


1- سورة البقرة : 201.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 24/4 .
3- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : شبیب .
فی محبة رسول الله صلّی الله علیه و آله للحسن علیه السلام
فی میلاده و تسمیته علیه السلام

وعن أبی هریرة : قال : ما رأیت الحسن قطّ إلّا فاضت عینای بدموعها ،

وذلک أنه أتی یوماً یشتدّ حتی قعد فی حجر رسول الله صلّی الله علیه و آله فجعل یقول فی لحیة رسول الله صلّی الله علیه و آله هکذا وهکذا و رسول الله صلّی الله علیه و آله یفتح فمّه، ثمّ یدخل فمّه فی فمه ، ویقول : اللّهمّ إنّی أحبّه فأحسبه وأحبّ من یحبّه ، یقولها ثلاث مرّات.

عبدالرحمان بن أبی لیلی : کنّا عند النبیّ صلّی الله علیه و آله فجاء الحسن

وأقبل یتمرّغ علیه فرفع قمیصه وقبّل زُبیبته.(1)

الخدریّ : إنّ الحسن علیه السلام جاء والنبیّ صلّی الله علیه و آله یصلّی فأخذ بعنقه وهو جالس ، فقام النبیّ صلّی الله علیه و آله و إنّ الحسن لیمسک بیدیه حتی رکع.

وعن أبی هریرة : کان النبیّ صلّی الله علیه و آله یقبّل الحسن، فقال

الأقرع بن حابس : إنّ لی عشرة من الولد ما قبّلت أحداً منهم.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : من لا یرحم لا یُرحم. (2)

وروی من طرق العامّة ، ورواه أصحابنا رضی الله عنهم فی کتبهم : عن أمیر المؤمنین علیه السلام، وعن علی بن الحسین، وعن أسماء بنت عمیس ، قالت : لمّا ولدت فاطمة الحسن علیهما السلام جاءنی النبیّ صلّی الله علیه و آله وقال : یا أسماء، هاتی ابنی ، فدفعته إلیه فی خرقة صفراء، فرمی بها، وقال : یا

ص: 28


1- مناقب ابن شهرآشوب :24/4- 25، عنه البحار :294/43 ح 55. وانظر ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من القسم غیر المطبوع من طبقات ابن سعد : 40ح40 ، ففیه مصادر کثیرة للحدیث.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 25/4 ، عنه البحار :295/43 ح 56.

أسماء، ألم أعهد إلیکم ألّا تلقوا المولود فی خرقة صفراء؟ فلففته فی خرقة بیضاء ودفعته إلیه، فأذّن فی أذنه الیمنی، وأقام فی الیسری، وقال لعلیّ: أیّ شیء سمّیت ابنی هذا؟

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: ما کنت لأسبقک باسمه ، وقد کنت أحبّ

أن أسمّیه حربة.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : وأنا لا أحبّ أن أسبق ربّی باسمه، ثمّ هبط جبرئیل ، فقال : السلام علیک یا محمد، العلی الأعلی یقرؤک السلام، ویقول: علیّ منک بمنزلة هارون من موسی ولا نبیّ بعدک، سم ابنک هذا باسم ابن هارون.

قال : وما اسم ابن هارون، یا جبرئیل ؟ قال : شبّر .

قال : لسانی عربّی

قال : سمّه الحسن.

قال : فلمّا کان یوم سابعه عقّ عنه بکبشین أملحین، وأعطی القابلة فخذاً ، وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً، وطلی رأسه بالخلوق (1)، ثمّ قال : یا أسماء الدم فعل الجاهلیّة.

قالت : فلمّا ولد الحسین فعل مثل ذلک (2)

ص: 29


1- الخلوق : طیب معروف مرتب یتخذ من الزعفران وغیره من أنواع الطیب و تغلب علیه الحمرة والصفرة.
2- مناقب ابن شهرآشوب:25/4 - 26، عنه البحار : 238/43ح 4 وعن عیون أخبارالرضا علیه السلام :25/2 ح 5، وصحیفة الرضا علیه السلام :240ح 146.

قال الباقر علیه السلام - فی خبر -: فوزنوا الشعر فکان وزنه درهما

ونصفاً (1)

الصادق علیه السلام و ابن عبّاس وأبو هریرة أیضاً : إنّ فاطمة عادت رسول الله صلّی الله علیه و آله فی مرضه الّذی عوفی منه ومعها الحسن علیه السلام والحسین علیه السلام، فأقبلا یغمزان ممّا یلیهما من ید رسول الله صلّی الله علیه و آله حتی اضطجعا علی عضدیه وناما ، فلمّا انتبها خرجا فی لیلة ظلماء مدلهمّة ذات رعد و برق وقد أرخت السماء عزالیها ، فسطع لهما نور، فلم یزالا یمشیان فی ذلک النور ویتحدثان حتی أتیا حدیقة بنی النجّار فاضطجعا وناما ، إلی تمام الحدیث(2) وهذا الحدیث أوردته مستوفی من أمالی الشیخ الجلیل أبی جعفر محمد بن علی بن بابویه القمی رضی الله عنه عند ذکر ماتمّ للأعمش مع أبی جعفر المنصور الدوانیقی قبل هذا المجلس، فلا حاجة لإعادته.

وکان مولده صلّی الله علیه و آله بالمدینة لیلة النصف من شهر رمضان عام أحد سنة ثلاث من الهجرة ؛ وقیل : سنة اثنتین ، وجاءت به فاطمة علیها السلام یوم السابع من مولده فی خرقة من حریر الجنّة ، وکان جبرئیل أتی بها رسول الله صلّی الله علیه و آله فسمّاه حسناً، وعق عنه کبشاً، فعاش مع جدّه سبع سنین وأشهراً ؛ وقیل : ثمان ، ومع أبیه صلوات الله علیه ثلاثین سنة ، وبعده تسع سنین ، وفی روایة: عشر سنین.

وکان صلوات الله علیه ربع القامة ، وله محاسن کثّة (3)

ص: 30


1- مناقب ابن شهرآشوب :26/4 .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 26/4.
3- کذا فی المناقب ، و فی الأصل : کثیر. ویقال : کث اللحیة : إذا اجتمع شعرها وکثر نبته وجعد من غیر طول .
فی وفاته علیه السلام

وأصحابه (1) أصحاب أبیه.

و بابه : قیس بن ورقاء (2)المعروف بسفینة ورشید الهجری؛ ویقال : ومیثم

التمار.

و بویع بعد أبیه یوم الجمعة الحادی والعشرین [من] (3) شهر رمضان فی

سنة أربعین.

وکان أمیر جیشه عبیدالله بن العبّاس ، ثمّ قیس بن سعد بن عبادة .

وکان عمره لمّا بویع سبعاً وثلاثین سنة ، فبقی فی خلافته أربعة أشهر و ثلاثة أیّام، ووقع الصلح بینه وبین معاویة لعنه الله فی سنة إحدی وأربعین، ثمّ خرج علیه السلام إلی المدینة فأقام بها عشر سنین.

وسمّاه الله تعالی الحسن، وسمّاه فی التوراة شبّراً. وکنیته : أبو محمد وأبو القاسم.

وألقابه : السیّد، والسبط، والأمین، والحجّة، والبرّ، والتقیّ، والزکیّ،

والمجتبی، والسبط الأوّل، والزاهد.

وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وظلّ مظلوماً، ومات

مسموماً.

وقبض بالمدینة بعد مضیّ عشر سنین من ملک معاویة ، فکان فی سنی إمامته أوّل ملک معاویة، ومرض صلوات الله علیه أربعین یوماً ومضی للیلتین

ص: 31


1- البحار : 112/44 ح6 عن المناقب .
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : بن أبی ورقاء .
3- من المناقب .
فی ذکر أولاده وزوجاته علیه السلام

بقیتا من صفر سنة خمسین من الهجرة ؛ وقیل : سنة تسع وأربعین وعمره سبعة وأربعون سنة وأشهر؛ وقیل: ثمان وأربعون ؛ وقیل : فی تمام سنة خمسین من الهجرة.

وکان معاویة بذل لجعدة بنت محمد بن الأشعث الکندی وهی ابنة أمّ فروة أخت(1) أبی بکر بن أبی قحافة عشرة آلاف دینار، وإقطاع عشرة ضیاع من سقی سُورا(2) وسواد الکوفة علی أن تسمّ الحسن علیه السلام وتولّی الحسین علیه السلام غسله وتکفینه ودفنه، وقبره بالبقیع عند جدته فاطمة بنت أسد.(3)

وأولاده خمسة(4) عشر ذکراً و بنت واحدة ، عبدالله و عمر والقاسم أمّهم أمّ ولد، والحسین الأثرم والحسن أمّهما خولة بنت منظور بن رباب الفزاریّة، وعقیل والحسن أمّهما أمّ بشیر بنت أبی مسعود الخزرجیّة ، وزید وعمر من الثقفیة ، وعبد الرحمان من أمّ ولد، وطلحة وأبو بکر أمهما أم إسحاق بنت طلحة التیمی، وأحمد وإسماعیل والحسن الأصغر، ابنته أم الحسن فقط؛ ویقال : وأم الحسین وکانتا من أم بشیر الخزاعیّة، وفاطمة من أمّ إسحاق بنت طلحة، وأمّ عبدالله وأمّ سلمة ورقیّة لأمّهات أولاد.

وقتل مع الحسین علیه السلام من أولاده: عبدالله والقاسم وأبو بکر . والمعقّبون من أولاده اثنان: زید بن الحسن، والحسن بن الحسن. فی کتاب قوت القلوب : انّ الحسن علیه السلام تزوّج مائتین وخمسین

ص: 32


1- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : بنت.
2- موضع بالعراق ، وهو من بلد السریانیین ..
3- مناقب ابن شهرآشوب : 28/4 - 29 ، عنه البحار : 134/44ح 3.
4- فی المناقب : ثلاثة .

امرأة ؛ وقیل : ثلاثمائة(1)، وکان أمیر المؤمنین علیه السلام ینضجر من ذلک .(2)

أبو عبدالله المحدّث فی رامش افزای: إنّ هذه النساء کلّهنّ خرجن فی

جنازته حافیات .(3)

ص: 33


1- لقد تعدّدت القصص عن زوجات الحسن علیه السلام وطلاقه ! والّذی یبدو أنّها حیکت بعده بفترة ، وإلّا فطیلة حیاته علیه السلام لم نر معاویة ولا واحداً من زبانیته عاب الحسن علیه السلام بذلک ، وهو الّذی کان یتسقّط عثرات الحسین علیه السلام ، فلم یجد فیه ما یشینه ، فهو ممّن أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً. ولو کان هناک بعض الشی لزمّر له معاویة وطبل، أضف إلی ذلک کلّه أنّ المراجع التاریخیة وکتب الأنساب والرجال لا تعدّ له من النساء والأولاد أکثر من المعتاد فی ذلک العصر، فلو کان أحصن سبعین امرأة أو تسعین لکان أولاده یعدّون بالمئات. فانظر لطبقات ابن سعد فلا تجده یسمّی للحسن علیه السلام أکثر من ست نساء وأربع أمهات أولاد . والمدائنی کذلک لم یعد للحسن علیه السلام أکثر من عشر نساء کما فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید :21/16 .
2- إشارة واحدة من أمیر المؤمنین علیه السلام کانت تکفی فی أنّ یمتنع الحسن علیه السلام عمّا لا یرتضیه له أبوه وولی أمره وأمیر المسلمین جمیعاً، وأمیر المؤمنین علیه السلام أعرف الناس بطواعیة ابنه البارّ له ، وانّه المعصوم المطهّر بنص الکتاب والسنة الثابتة الصحیحة، وقد نصّ هو أیضاً علی عصمته فیما أخرجه الحافظ أبو سعید بن الأعرابی فی معجمه الورقة 107/أ: أخبرنا داود بن یحیی الدهقان ، أخبرنا بکّار بن أحمد ، أخبرنا إسحاق - یعنی بن یزید -، عن عمرو بن أبی المقدام ، عن العلاء بن صالح ، عن طارق بن شهاب ، قال : سمعت علیا یقول : المعصوم منّا أهل البیت خمسة : رسول الله وأنا وفاطمة والحسن والحسین.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 29/4 - 30، عنه البحار : 168/44ح 4.

فصل فی أمره علیه السلام مع معاویة علیه لعنة الله

خطبة للحسن علیه السلام صبیحة وفاة أمیر المؤمنین علیه السلام

فصل فی أمره علیه السلام مع معاویة علیه لعنة الله

لمّا مات أمیر المؤمنین علیه السلام خطب الحسن علیه السلام بالکوفة ، فقال : أیّها الناس ، إنّ الدنیا دار بلاء وفتنة ، وکلّ ما فیها فإلی زوال و اضمحلال - إلی أن قال : وإنّی أبایعکم علی أن تحاربوا من حاربت ، وتسلموا من سالمت.

فقال الناس : سمعنا وأطعنا فمرنا بأمرک یا إمام المؤمنین ، فأقام بالکوفة

شهرین (1)

وروی صاحب مقاتل الطالبیّین : انّ الحسن خطب صبیحة اللیلة التی قتل فیها أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال : لقد قبض الله فی هذه اللیلة رجلاً لم یسبقه الأولون ، ولا یدرکه الآخرون [بعمل ](2)، ولقد کان یجاهد بین یدی رسول الله صلّی الله علیه وآله یقیه بنفسه، ولقد کان یوجّهه برایته فیکتنفه جبرئیل عن یمینه ، ومیکائیل عن یساره، فلا یرجع حتی یفتح الله علیه ، ولقد توفّی فی اللیلة الّتی عرج فیها بعیسی بن مریم ، والتی توفّی فیها یوشع بن نون، ولا خلّف صفراء ولا بیضاء إلّا سبعمائة درهم بقیت من عطائه أراد أن یبتاع بها خادماً

ص: 34


1- مناقب ابن شهرآشوب: 31/4 ، عنه البحار : 54/44 ح 6.
2- من المقاتل .
کتاب الحسن علیه السلام إلی معاویة یخبره بعلمه أن معاویة

دس إلیه الرجال

لأهله، ثم خنقته العبرة ، فبکا [وبکی](1)الناس معه.

ثمّ قال : أیّها الناس، من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا الحسن ابن محمد المصطفی صلّی الله علیه و آله ، أنا ابن البشیر، أنا ابن النذیر، أنا ابن الداعی إلی الله عزّ وجلّ بإذنه، وأنا ابن السراج المنیر، وأنا من أهل البیت الّذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً، والّذین افترض الله مودّتهم ، فقال :( قُل لَا أَسألُکُم عَلَیه أجراً إلَّا المَوَدَّةَ فِی القُربَی وَمَن یَقتَرِف حَسَنَةً نَزِد لَهُ فِیهَا

حُسناً ) (2) فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البیت .

قال : فقام ابن عبّاس رضی الله عنه فدعا الناس إلی بیعته فاستجابوا

وقالوا: ما أحبّه إلینا وأحقّه بالخلافة، فبایعوه، ثمّ نزل عن المنبر.

قال : ودسّ معاویة رجلاً من[ بنی ] (3)حمیر إلی الکوفة، ورجلاً من بنی

القین إلی البصرة یکتبان إلیه بالأخبار، فدلّ علی الحمیری عند لحاّم جریر(4) و دلّ علی القینی بالبصرة فی بنی سلیم فأخذا وقتلا.

وکتب الحسن علیه السلام إلی معاویة :

أمّا بعد: فإنّک دسست إلیَّ الرجال کانّک تحب اللقاء، وما أشکّ فی ذلک فتوقّعه إن شاء الله، وقد بلغنی أنّک شمتّ بما لا یشمت (5)به أهل الحجی، وإنّما مثلک فی ذلک کما قال الأوّل :

ص: 35


1- من المقاتل
2- سورة الشوری : 23.
3- من المقاتل
4- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : لجام بن حریز .
5- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : انّک تسمّیت بما یسمّی .
کتاب عبدالله بن عباس من البصرة إلی معاویة
جواب معاویة له علیه السلام

وقل للّذی یبغی خلاف الّذی مضی تأخّر(1) الأخری مثلها فکأن قد وإنّا ومن قد مات منّا فکالذی یروح فیمسی فی المبیت ویغتدی

فأجابه معاویة:

أمّا بعد: فقد وصل إلیّ کتابک، وفهمت ما ذکرت فیه ، وقد علمت بما حدث فلم أفرح قطّ ولم أشمت ولم آس، وإنّ علی بن أبی طالب لکما قال أعشی بنی قیس بن ثعلبة (2)

فأنت الجواد وأنت الّذی إذا ما القلوب ملأن الصدورا جدیر بطعنة یوم اللقاء

تضرب فیها النساء النحورا

وما مزید من خلیج البحار

یعلو الآکام ویعلو الجسورا(3) بأجود منه بما عنده فیعطی الألوف (4)ویعطی البدورا

قال : وکتب عبدالله بن عبّاس من البصرة إلی معاویة:

فأمّا بعد: فإنّک ودسّک أخا بنی قین إلی البصرة تلتمس من غفلات (5)

قریش مثل الّذی ظفرت به من یمانیتک لکما قال أمیّة بن الصلت (6)

العمرک إلی والخزاعی طاویا(7) کنعجة عاد حتفها تتحفر أثارت علیها شفرة بکراعها فضلّت بها من آخر اللیل تنحر

ص: 36


1- فی المقاتل : تجهز .
2- کذا فی المقاتل، وفی الأصل : أعشی بنی تغلبة .
3- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : خلیج البحور ... النحورا .
4- کذا فی المقاتل، وفی الأصل غیر مقروءة.
5- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : غیلان .
6- فی المقاتل : قال بن الأسکر .
7- فی المقاتل : طارق.
کتاب الحسن علیه السلام إلی معاویة
جواب معاویة لابن عباس

شمت بقوم من صدیقک أهلکوا أصابهم یوما من الموت أصفر(1)

فکتب إلیه معاویة :

أمّا بعد: فإنّ الحسن کتب إلیَّ بنحو ممّا کتبت ، وأنبأنی بما لم أحسن ظنّاً وسوء رأی ، وإنّک لم تصب مثلک ومثلی ولکن مثلیاً کما قال طارق الخزاعی : فوالله ما أدری وإنّی لصادق إلی أیّ من

یظنّنی أتعذّر (2) اعنف إن کانت زبینة أهلکت ونال بنی لحیان شرفانفروا

وکتب الحسن علیه السلام إلی معاویة : من عبدالله الحسن بن أمیر المؤمنین إلی معاویة بن أبی سفیان. سلام علیک ، فإنّی أحمد الله الذی لا إله إلا هو.

أمّا بعد:

فإنّ الله تعالی بعث محمداً صلّی الله علیه و آله رحمة للعالمین ، ومنّة علی المؤمنین ، وکافّة إلی الناس أجمعین ، لینذر من کان حیّاً، ویحقّ القول علی الکافرین، فبلّغ رسالات الله وأقام علی أمر الله حتی توفّاه الله وهو غیر مقصّر ولا وان حتی(3) أظهر الله به الحقّ ، ومحق به الشرک ، ونصر به المؤمنین ، وأعزَّبه العرب ، وشرّف به قریشاً خاصّة ، فقال سبحانه : (وَإنَّهُ لذِکرُ لَکَ وَلِقَومِکَ) (4)فلمّا توقی صلّی الله علیه و آله تنازعت سلطانه العرب، فقالت قریش: نحن قبیلته وأسرته وأولیاؤه فلا یحلّ لکم أن تنازعونا سلطان محمد فی الناس

ص: 37


1- فی المقاتل : من الدهر أعسر.
2- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : إلی من تظنّینی له أتعذّروا.
3- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : حین .
4- سورة الزخرف: 44.

وحقّه ، فرأت العرب أن القول ما قالت قریش وانّ الحجّة لهم فی ذلک علی من ینازعهم أمر محمد صلّی الله علیه و آله ، فأذعنت (1)لهم العرب وسلّمت ذلک ، ثمّ حاججنا نحن قریشاً بمثل ما حاجت به العرب ، فلم تنصفنا قریش إنصاف العرب لها إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج ، فلمّا صرنا اهل بیت محمد واوّلناه (2) إلی محاجّتهم وطلب النصف بینهم (3)باعدونا واستولوا بالاجتماع علی ظلمنا ومراغمتنا و العنت منهم لنا ظالمین عند الله وهو الولی والنصیر

وقد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبین علینا فی حقّنا و سلطان نبیّنا صلّی الله علیه وآله وإن کانوا ذوی فضیلة وسابقة فی الاسلام فأمسکنا عن منازعتهم مخافة علی الدین أن یجد المنافقون والأحزاب بذلک مغمزاً یثلمونه به ، أو یکون لهم بذلک سبب لما أرادوا من فساده ، والیوم فلیعجب المتعجّب من توبک - یا معاویة - علی أمر لست من أهله لا بفضل فی الدین معروف ، ولا أثر فی الاسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن أعد قریش لرسول الله صلّی الله علیه و آله ، ولکنّ الله خیربک ، وستردّ فتعلم لمن عقبی الدار، تالله لتلقین عن قلیل ربّک ، ثمّ لیجزینّک (4)بما قدّمت یداک وما الله بظلّامٍ للعبید .

إنّ علیّاً لمّا مضی لسبیله رحمة الله علیه یوم قبض ویوم یبعث حیّاً ولانی المسلمون الأمر من بعده ، فأسأل الله ألّا یزیدنا فی الدنیا الفانیة شیئاً ینقصنا به غداً فی الآخرة ممّا عنده من کرامته ، وإنّما حملنی علی الکتاب إلیک الاعذار

ص: 38


1- فی المقاتل : فأنعمت .
2- فی المقاتل : وأولیائه .
3- فی المقاتل : منهم.
4- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : ولکتابه والله حسبک لیجزینّک .
جواب معاویة له علیه السلام

کتاب معاویة إلی عماله علی النواحی بعد مقتل أمیر المؤمنین

فیما بینی وبین الله سبحانه فی أمرک ، ولک فی ذلک إن فعلت الحظّ الجسیم، وللمسلمین فیه صلاح، فدع التمادی فی الباطل وادخل فیما دخل فیه الناس من بیعتی فإنّک تعلم أنّی أحقّ بهذا الأمر منک عند الله وعند کلّ أواب حفیظ ومن له قلب منیب ، واتق الله ودع البغی واحقن دماء المسلمین فوالله مالک من خیر فی أن تلقی الله من دمائهم بأکثر ممّا أنت لاقیه ، وادخل فی السلم والطاعة ولا تنازع الأمر ممّن هو أحقّ به منک لیطفیء الله(1) النائرة بذلک ، وتجتمع الکلمة ، ویصلح ذات البین ، وإن أنت أبیت إلّا التمادی فی غیّک نهدت إلیک بالمسلمین فحاکمتک حتی یحکم الله بیننا وهو خیر الحاکمین.

وأجابه (2) معاویة علی یدی جندب الأزدی موصل کتاب الحسن علیه

السلام :

فهمت ما ذکرت به محمداً صلّی الله علیه و آله وهو أحقّ الأوّلین والآخرین بالفضل کلّه ، وذکرت تنازع المسلمین الأمر بعده فصرحت بنمیمة فلان وفلان وأبی عبیدة و غیره، فکرهت ذلک لک لأن الأمّة قد علمت أنّ قریشاً أحقّ بها ، وقد علمت ما جری من أمر الحکمین ، فکیف تدعونی إلی أمر إنّما تطلبه بحق أبیک وقد خرج أبوک منه ؟

ثمّ کتب:

أمّا بعد:

فإنّ الله یفعل فی عباده ما یشاء (3) لا معقّب لحکمه وهو سریع

ص: 39


1- لفظ الجلالة أثبتناه من المقاتل .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 31/4 .
3- إقتباس من سورة الحجّ : 18.

دانایی

الحساب(1)، فاحذر أن تکون منیّتک علی یدی رعاع الناس وآیس أن تجد فینا غمیزة ، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فیه وبایعتنی وفیت لک بما وعدت ، وأنجزت لک ما شرطت، وأکون فی ذلک کما قال أعشی قیس(2) وإن أحدٍ أسدی إلیک کرامة

فأوف بما یسدعی إذا متّ وافیا

فلا تحسد المولی إذا کان ذا غنیً

ولا تجفه إن کان للمال نائیا

ثمّ الخلافة لک من بعدی وأنت أولی الناس بها.

وفی روایة : لو کنت أعلم أنّک أقوی للأمر ، وأضبط للناس ، وأکبت للعدوّ ، وأقوی علی جمع الأموال منّی لبایعتک لأنّنی أراک لکلّ خیر أهلاً . ثمّ قال : إن أمری وأمرک شبیه بأمر أبی بکر [وأبیک] (3)بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله .

ثمّ کتب :

فادخل فی طاعتی [ ولک الأمر من بعدی](4) ولک ما فی بیت مال العراق بالغاً ما بلغ تحمله إلی حیث أحببت ، ولک خراج کور العراق یثبته معاویة لک إعانة علی نفقتک (5) یجیبها أمینک و یحملها إلیک کلّ سنة ، ولک ألا یستولی علیک

ص: 40


1- إقتباس من سورة الرعد: 41.
2- فی المناقب : أعشی بنی قیس. وهو میمون بن قیس بن جندل من بنی قیس بن ثعلبة الوائلی أبو بصیر ، یقال له أعشی بکر بن وائل والأعشی الکبیر ، توفّی سنة «7» ه. «أعلام الزرکلی : 300/8 ».
3- من المناقب.
4- من المقاتل .
5- فی المقاتل : ولک خراج أی کور العراق شئت معونة لک علی نفقتک .
علی علیه السلام

بالاساءة ، ولا تقضی دونک الأمور، فلا تعصی فی أمرٍ أردت به طاعة الله عزّ وجلّ أعاننا الله وإیّاک علی طاعته إنّه سمیع مجیب.

قال جندب : فلمّا أتیت الحسن علیه السلام بکتاب معاویة قلت له : إنّ الرجل سائر إلیک فابدأه بالمسیر حتی تقاتله فی أرضه وبلاده وعمله ، فإمّا إنّک تقدر انّه ینقاد لک فلا والله حتی تری أعظم (1)من یوم صفّین .

فقال : أفعل. ثمّ کتب معاویة إلی عماله علی النواحی نسخة واحدة :

بسم الله الرحمن الرحیم

من عبدالله معاویة أمیر المؤمنین إلی فلان وفلان ومن قبله من المسلمین . سلام علیکم ، فإنّی أحمد الله الّذی لا إله إلّا هو إلیکم.

أمّا بعد:

فالحمد لله الّذی کفاکم مؤنة عدوّکم وقتلة خلیفتکم إنّ الله بلطفه نتّج (2)العلیّ بن أبی طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله، وترک أصحابه متفرّقین مختلفین ، وقد جاءتنا کتب أشرافهم وقادتهم یلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إلیَّ حین یأتیکم کتابی بجدکم(3)و جندکم وحسن عدتکم فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلک الله أهل البغی والعدوان، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته .

وما أعظم .

ص: 41


1- فی المقاتل : إنّه یتناولک فلا والله حتی پری
2- فی المقاتل : أتاح.
3- فی المقاتل : بجهدکم.
خطبة للحسن علیه السلام بعد سماعه بتوجه معاویة إلی العراق

قال : فاجتمعت العساکر إلی معاویة وسار قاصداً إلی العراق، وبلغ الحسن خبر مسیره وانّه قد بلغ جسر منبج، فتحرّک عند ذلک وبعث حجر بن عدیّ یأمر الناس بالتهیّؤ للمسیر ، ونادی المنادی : الصلاة جامعة ، فأقبل الناس یثوبون ویجتمعون ، فصعد علیه السلام المنبر فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال :

أمّا بعد:

فإنّ الله کتب الجهاد علی خلقه وسمّاه کرهاً، ثمّ قال لأهل الجهاد من المؤمنین : (وَاصبِرُوا إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِینَ) (1) فلستم - أیّها الناس -بنائلین ما تحبّون إلّا بالصبر علی ما تکرهون ، إنّه بلغنی أنّ معاویة بلغه انّا کنّا أزمعنا

[علی] (2) المسیر إلیه فتحرّک لذلک ، اخرجوا رحمکم الله إلی معسکرکم بالنخیلة

حتی ننظر وینظرون ، ونری ویرون (3)

قال : وإنّه فی کلامه یتخوّف خذلان الناس إیّاه ، فسکتوا فما تکلّم منهم أحد ولا أجابه بحرف، فلمّا رأی ذلک عدیّ بن حاتم قال : أنا ابن حاتم (4) سبحان الله ! ما أقبح هذا المقام ؟ ألا تجیبون إمامکم وابن بنت نبیّکم ؟ أین خطباء مضر ؟ أین المتبلغون الخوّاضون (5) من أهل مصر الّذین ألسنتهم کالمخاریق فی الدعة ، فإذا جاء(6)الجدّ فرواغون کالثعالب ؟ أما یخافون مقت

ص: 42


1- سورة الأنفال : 46.
2- من المقاتل.
3- فی المقاتل : حتی ننظر و تنظروا، ونری و تروا .
4- بعده - فی الأصل - کلمة غیر مقروءة.
5- فی المقاتل : أین خطباء مضر؟ أین المسلمون ؟ أین الخوّاضون ...؟
6- فی المقاتل : ج.

الله ولا عیبها وعارها؟

ثمّ استقبل الحسن بوجهه وقال: أصاب الله بک المراشد، وجنّبک المکاره، ووفّقک لما یحمد ورده وصدره، وقد سمعنا مقالتک ، وانتهینا (1)إلی أمرک ، وأسمعنا وأطعنا(2)فیما قلت ورأیت ، وهذا وجهی إلی معسکری فمن أحب أن یوافی فلیواف ، ثمّ مضی لوجهه ، فخرج من المسجد ودابتّه بالباب فرکب ومضی إلی النخیلة ، وأمر غلامه أن یلحقه بما یصلحه، وکان عدیّ أوّل الناس عسکراً.

ثمّ قام قیس بن سعد بن عبادة رضی الله عنه ومعقل الریاحی وزیاد بن صعصعة (3)التمیمی فأنّبوا الناس ولا موهم وحرّضوهم، وکلّموا الحسن بمثل کلام عدیّ بن حاتم فی الاجابة والقبول.

فقال لهم الحسن علیه السلام: صدقتم ما زلت أعرفکم بصدق النیة

والوفاء بالقول والمودّة الصحیحة ، فجزاکم الله خیراً ، ثمّ نزل.

وخرج الناس فعسکروا ونشطوا للخروج ، وخرج الحسن إلی المعسکر واستخلف علی الکوفة المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب وأمره باستحثاث الناس وأشخاصهم إلیه ، فجعل یحثّهم حتی التأم العسکر.

ثم إنّ الحسن علیه السلام سار فی عسکر عظیم وعدّة حسنة حتی أتی دیر عبدالرحمان فأقام به ثلاثاً حتی اجتمع الناس ، ثمّ دعا عبید الله بن العبّاس، فقال : یا ابن عمّ ، إنّی باعث معک اثنی عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر،

ص: 43


1- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : وأتینا .
2- فی المقاتل : وسمعنا منک وأطعناک .
3- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : خصفة .
خطبة للحسن علیه السلام فی عسکره فی ساباط

الرجل منهم یزید علی الکتیبة(1) فسر بهم ، وألن لهم جانبک ، وابسط وجهک ، وادنهم من مجلسک ، فإنّهم بقیّة ثقة أمیر المؤمنین علیه السلام، وسر بهم علی شطّ الفرات حتی تقطع بهم الفرات(2) ثمّ سر إلی مسکن، ثمّ امض حتی تستقبل معاویة ، فإنّ أنت لقیته فاحبسه حتی آتیک فإنّی فی أثرک، ولیکن خبرک عندی فی کلّ یوم، وشاور هذین - یعنی قیس بن سعد وسعید بن قیس

، وإذا لقیت معاویة فلا تقاتله حتی یقاتلک ، فإن أُصبت [فقیس بن سعد علی الناس ، وإن أُصیب قیس](3) فسعید بن قیس ، فسار حتی نزل الفلّوجة ، ثمّ أتی مسکن.

وکان أکثر عسکر مولانا الحسن علیه السلام أخلاط من شیعة ومحکّمة و شکّاک وأصحاب عصبیّة وفتن و نفاق ، فسار صلوات الله علیه حتی أتی حمام عمر ، ثم أخذ علی دیر کعب [ ثم بکر] (4) فنزل ساباط ، فلمّا أصبح نادی بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطب وقال تجربة لهم لیظهر لهم بواطنهم :

أمّا بعد:

فإنّی أرجو أن أکون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله الخلقه ، وما أصبحت محتملاً علم مسلم ضغینة ، ولا مریداً له بسوء ولا غائلة ، ألّا وإن لکم ما تکرهون فی الجماعة خیر مما تحبون فی الفرقة ، ألّا وإنی ناظر لکم خیراً من نظرکم لأنفسکم ، فلا تخالفوا أمری، ولا تردوا علیَّ رأیی غفر الله لی ولکم، وأرشدنی وإیّاکم لما فیه المحبّة والرضا.

ص: 44


1- فی المقاتل : الرجل منهم یزن الکتیبة .
2- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : التراز .
3- من المقاتل .
4- من المقاتل .
هجوم عسکر الحسن علیه السلام علی الأمام وجرحه

وفضائل الامام الحسن علی

فقالوا: والله یرید أن یصالح معاویة ویسلّم الأمر إلیه ، کفر والله الرجل کما کفر أبوه ، فثاروا علیه وأنهبوا فسطاطه حتی أخذوا مصلّاه من تحته ، ونزع مطرفه عبدالرحمان بن جمال الأسدی ، وطعنه جرّاح بن سنان الأسدی فی فخذه فشقّه حتی خالط اربیته ، وسقط الحسن علیه السلام بعد أن ضرب الّذی

طعنه واعتنقه فخرّا جمیعاً إلی الأرض، فوثب عبدالله بن الخطل الطائی فنزع المعول من یده فخضخضه به وأکبّ ظبیان بن عمارة علیه فقطع أنفه ، ثمّ أخذوا الآجر فشد خوا وجهه ورأسه حتی قتلوه.

وحمل الحسن علیه السلام علی سریر إلی المدائن وبها سعد بن مسعود ووال علیها من قبله ، وکان أمیر المؤمنین علیه السلام قد ولّاه علیها فأقرّه الحسن علیه السلام

ثمّ إنّ جماعة من رؤساء القبائل کتبوا إلی معاویة بالطاعة فی السرّ واستحثّوه علی المسیر نحوهم وضمنوا له تسلیم الحسن علیه السلام إلیه عند دنّوه من عسکره، وورد علیه کتاب قیس بن سعد وکان قد أنفذه الحسن مع عبیدالله بن العبّاس عند مسیره من الکوفة لیلقی معاویة وجعله أمیراً وبعده قیس یعلمه بما فعل عبید الله بن العباس عند مسیره.

وقصّته إنّ معاویة نزل قریة یقال لها الجنوبیّة(1)فأقبل عبیدالله حتی نزل بازائه ، فلمّا کان الغد وجّه معاویة بخیل إلیه ، فخرج إلیهم عبید الله فیمن معه فضربهم حتی ردّهم إلی معسکرهم ، فلمّا کان اللیل أرسل معاویة إلی عبید الله بن العبّاس أنّ الحسن قد راسلنی فی الصلح وهو مسلم الأمر إلیَّ ، فإن دخلت فی

ص: 45


1- فی المقاتل : الحبوضیّة بمسکن .
إلتحاق عبیدالله بن العباس بمعاویة ، وخطبة قیس بن سعد فی الناس

طاعتی الآن کنت متبوعاً وإلّا دخلت وأنت تابع ، ولک إن جئتنی الآن أن أُعطیک ألف ألف درهم ، اعجل فی هذا الوقت نصفها ، وإذا دخلت الکوفة النصف الآخر، فأقبل عبید الله لیلاً فدخل عسکر معاویة فوفی له بما وعده ، وأصبح الناس ینتظرون أن یخرج فیصلّی بهم، فلم یخرج حتی أصبحوا فطلبوه فلم یسجدوه فصلّی بهم قیس بن سعد، ثمّ خطبهم فقال :

أیّها الناس، لا یهولنّکم ولا یعظمن علیکم ماصنع هذا الرجل الوله الوزع ، إنّ هذا وأباه وأخاه لم یأتوا بخیر قطّ ، إنّ أباه عمّ رسول الله صلّی الله علیه و آله خرج علیه یقاتله فی بدر فأسره أبو الیسر کعب بن عمرو الأنصاری وأتی به رسول الله صلّی الله علیه وآله فأخذ فداءه فقسمه بین المسلمین ، وإن أخاه ولاه أمیر المؤمنین علیه السلام علی البصرة فسرق مال الله ومال المسلمین فاشتری به الجواری ، وزعم أنّ ذلک له حلال ، وإنّ هذا ولاه أمیر المؤمنین علیه السلام علی الیمن فهرب من بسر بن أرطاة وترک ولده حتی قتلوا وصنع الآن ما صنع.

قال : فتنادی الناس : الحمد لله الّذی أخرجه من بیننا، انهض بنا إلی عدوّنا، فنهض وخرج إلیه بسر بن أرطاة فی عشرین ألفاً فصاحوا بهم : هذا أمیرکم قد بایع ، وهذا الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسکم؟

فقال لهم قیس بن سعد : اختاروا أحد شیئین(1) إما القتال مع غیر إمام، أو

تبایعون بیعة ضلال ؟

فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا وضربوا أهل الشام حتی ردّوهم إلی

ص: 46


1- فی المقاتل : إحدی اثنتین .
المکاتبات بین معاویة وقیس بن سعد

مضاربهم (1)

فکتب معاویة إلی قیس یدعوه ویستیه . فکتب إلیه قیس : لا والله لا تلقانی أبداً إلّا وبینی وبینک الرمح فکتب إلیه معاویة :

إنّما أنت یهودی بن یهودی ، تشقی نفسک وتقتلها فیما لیس لک ، فإن ظهر أحبّ الفریقین إلیک فبدّلک وعزلک ، وإن ظهر أبغضهما إلیک نکل بک ، وقد کان أبوک أوتر غیر قوسه ، ورمی غیر غرضه ، فأکثر الحز وأخطأ المفصل (2) فخذله قومه وأدرکه یومه، فمات بحوران طریداً غریباً، والسلام.

فکتب إلیه قیس : أمّا بعد:

فإنّما أنت وثن من هذه الأوثان ، دخلت فی الاسلام کرهاً، وأقمت علیه فرقاً ، وخرجت منه طوعاً، ولم یجعل الله لک فیه نصیباً، لم تقدم إسلامک، ولم تحدث نفاقک ، ولم تزل حرباً لله ولرسوله ، وحزباً من أحزاب المشرکین ، فأنت عدوّ الله وعدوّ رسوله والمؤمنین من عباده ، وذکرت أبی ، ولعمری ما أوتر إلّا قوسه ، ولا رمی إلا غرضه ، فشغب علیه من لا یشقّ غباره ، ولا یبلغ کعبه ، وکان أمراً مرغوباً عنه ، مزهوداً فیه ، وزعمت أنّی یهودیّ [بن یهودیّ] (3) وقد علمت

ص: 47


1- فی المقاتل : مصافهم.
2- کذا فی المقاتل ، وفی الأصل : النصل .
3- من المقاتل.
إبرام الصلح بین الامام الحسن علیه السلام ومعاویة

وعلمنا أنّ أبی من أنصار (1)الدین الّذی خرجت عنه ، وأعداء الدین الّذی دخلت فیه وصرت إلیه ، والسلام.

فلمّا قرأ معاویة کتابه أغاظه فأراد إجابته ، فقال له عمرو : مهلاً ، إن کاتبته أجابک بأشأم(2)من هذا، وإن ترکته دخل فیما دخل فیه الناس ، فأمسک عنه .

قال : وجعل أهل العراق یستأمنون إلی معاویة ویدخلون علیه قبیلة بعد قبیلة ، فازدادت بصیرة الحسن علیه السلام بنیاتهم ، فکتب معاویة بالصلح إلیه وأنفذ بکتب أصحابه علیّ ید عبدالله بن عامر وعبد الرحمان بن سمرة فدعواه إلی الصلح، وزهداه فی الأمر، وأعطیاه ما شرط له معاویة ، وألّا یتبع أحد بما مضی، ولا ینال أحد من شیعة علی بمکروه، ولا یذکر علی إلا بخیر، وأشیاء اشترطها ، فأجابهما الحسن علیه السلام الی ذلک وانصرف قیس بمن معه إلی الکوفة ، وانصرف الحسن إلیها أیضاً، وأقبل معاویة قاصداً الکوفة ، وأقبل إلی الحسن وجوه الشیعة وأکابر أصحاب أمیر المؤمنین یلومونه ویتباکون علیه جزعاً ممّا فعل . (3)

وإنّما أجاب علیه السلام إلی ذلک لأنّه علم أنّ أکثر عسکره منافقون

ص: 48


1- فی المقاتل : وقد علمت وعلم الناس أنی وأبی من أنصار
2- فی المقاتل : بأشد.
3- مقاتل الطالبیّین : 32-43، عنه شرح نهج البلاغة : 30/16. ورواه فی إرشاد المفید: 187 ، عنه البحار : 362/43 ، وعوالم العلوم: 137/16 ح 2وعن شرح النهج. وأخرجه فی کشف الغمة: 532/1 عن مسند أحمد بن حنبل ، وفی ص537 - 538 عن الارشاد ، وفی ص 547 عن کتاب معالم العترة الطاهرة للجنابذی . وفی البحار : 214/25 ح 5 عن کنز الفوائد :458/2 ح 22 و ص 459 ح 34. وانظر : مناقب ابن شهرآشوب :31/4 وما بعدها.

ومحیلة لا یسدّ بهم ثغر، ولا ینقضی بهم أمر، وأکثرهم کانوا یکاتبون معاویة من قبل أن یخرج من الشام، وعلم الحسن علیه السلام ذلک منهم وتحقّقه ، وربما کانوا ینصرفون إلی معاویة إذا التقی الجمعان ویقاتلونه إلّا قلیلاً منهم لا یقاومه الجمهور العظیم والجمّ الغفیر ، فأجاب علیه السلام من بعدما علم وتحقّق احتیال معاویة واغتیاله غیر انّه لم یجد بدّاً من إجابته .

فقال الحسین : أُعیذک من هذا بالله ، فأبی.

وأنفذ إلی معاویة عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب فتوثّق منه لتأکید الحجّة بأن یعمل فی الناس بکتاب الله وسنّة رسوله ، والأمر من بعده شوری ، وأن[ یترک سبّ علیّ ، وأن یؤمن شیعته ولا یتعرّض لأحد منهم و] (1)یوصل إلی کلّ ذی حقّ حقّه ، ویوفّر علیه حقّ کلّ سنة خمسون ألف درهم، فعاهده معاویة علی ذلک وحلف علی الوفاء [به] (2) ، وشهد بذلک عبدالله ابن الحارث وعمرو بن أبی سلمة وعبدالله بن عامر بن کریز وعبدالرحمان ابن أبی سمرة و غیرهم.

وروی أنّ الحسن علیه السلام قال فی صلح معاویة : أیّها الناس ، لو طلبتم ما بین جابلقا وجابرسا رجلاً جدّه رسول الله صلّی الله علیه و آله ما وجدتموه غیری وغیر أخی ، وإن معاویة نازعنی حقّاً هولی فترکته لصلاح الأمّة وحقن دمائها ، وقد بایعتمونی علی أن تسالموا من سالمت، وقد رأیت أن أسالمه، وأن یکون ما صنعت حجّة علی من کان یتمنّی هذا الأمر، (وَإِن أَدرِی لَعَلَّهُ فِتنَةُ لَکُم وَمَتَاعُ إلَی حِینٍ .(3)

ص: 49


1- من المناقب .
2- من المناقب .
3- سورة الأنبیاء: 111.

وفی روایة : (1)إنّما هادنت حقناً للدماء وصیانتها، وإشفاقاً علی نفسی

وأهلی والمخلصین من أصحابی. .

وروی أنّه علیه السلام قال : یا أهل العراق ، إنّما سمحت بنفسی علیکم

الثلاث : قتلکم أبی ، وطعنکم إیّای فی فخذی ، وانتهابکم متاعی .(2)

وروی الشعبی ، عن سفیان بن اللیل (3) قال : أتیت الحسن علیه السلام حین بایع معاویة فوجدته بفناء داره وعنده رهط ، فقلت : السلام علیک یا مذلّ

المؤمنین.

فقال : وعلیک السلام ، یا سفیان ، انزل ، فنزلت فعقلت راحلتی ، ثمّ أتیت

فجلست إلیه ، فقال : کیف قلت یا سفیان؟

قلت : السلام علیک یا مذلّ المؤمنین . فقال : ماجر هذا منک إلینا.

فقلت : إی والله بأبی أنت وأمّی أذللت رقابنا حتی أعطیت هذا الطاغیة

البیعة ، وسلّمت الأمر إلیه ، اللعین بن اللعین ، بن آکلة الأکباد ، ومعک مائة ألف کلهم یموتون دونک.

قال : یا سفیان ، إنّا أهل بیت إذا علمنا الحق تمسکنا به ، وإنّی سمعت علیّاً

علیه السلام یقول : سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله یقول : لا تذهب اللیالی

ص: 50


1- فی المناقب : سخی. أی جعلنی سخیّاً فی ترککم .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 33/4 - 34، عنه البحار : 56/44 .
3- کذا الصحیح ، وفی الأصل : لبید ، وفی المقاتل : بن أبی لیلی .
خطبة معاویة فی النخیلة قبل دخوله الکوفة

والأیّام حتی یجتمع أمر هذه الأمّة علی رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، یا کل ولا یشبع ، لا ینظر الله إلیه ، ولا یموت حتی لا یکون له فی السماء عاذر ، ولا فی الأرض ناصر ، وإنّه لمعاویة(1)، وإنی عرفت ان الله بالغ أمره، (2)ثمّ قام إلی المسجد وقال : یا سفیان ، إنّی سمعت علیّاً علیه السلام یقول : سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله یقول : یرد علیّ الحوض من أهل بیتی ومن أحبّنی من أمّتی کھاتین - یعنی السبابتین -.

یا سفیان ، إنّ الدنیا تسع البّر والفاجر حتی یبعث الله إمام الحقّ من آل

محمد صلّی الله علیه و آله .

قال : وسار معاویة حتی نزل النخیلة وجمع الناس فخطبهم خطبة طویلة قبل أن یدخل الکوفة ، من جملتها انّه قال : ما اختلفت أمّة بعد نبیها إلّا ظهر

أهل (3)باطلها علی أهل حقّها ، ثمّ انتبه فندم ، فقال : إلّا هذه الأمّة ، ثم قال : ألا

إنّ کلّ شیء أعطیته الحسن تحت قدمی هذه ، وکان والله غدّاراً لعنة الله علیه.

وقیل : إنّ معاویة صلّی بالناس الجمعة بالنخیلة ، ثمّ خطب وقال : إنّی والله ما قاتلتکم لتصلّواولاتتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزکّوا، إنکم لتفعلون ذلک ، ولکن إنّما قاتلتکم لأتأمر علیکم، فأعطانی الله ذلک وأنتم کارهون. فأیّ تهتک أعظم

ص: 51


1- کتاب الفتن لنعیم بن حمّاد: 116/1 ح267، الاختصاص : 82، اختیار معرفة الرجال :111 - 112 ح 178، الملاحم والفتن : 24 ب 14، النهایة لابن الأثیر: 362/2 ، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : 108/4 ، وج 44/16 - 45، لسان العرب: 286/12 ،البدایة والنهایة : 220/6 ، کنز العمّال :348/11 - 349 ح 31708، البحار: 217/33ضمن ح 492، وج 23/44 -24ح7 وص60 ضمن ح 7.
2- إقتباس من سورة الطلاق : 3.
3- من المقاتل.

من هذا علیه لعنة الله ولعنة اللاعنین؟

وقیل : إنّ الحسین علیه السلام دخل علی أخیه باکیاً ثمّ خرج ضاحکاً

فقال له موالیه : ما هذا؟

قال : العجب من دخولی علی إمام أرید أن أعلمه فقلت : ما دعاک إلی

تسلیم الخلافة؟

قال : الّذی دعا أباک فیما تقدّم. ولمّا انقضی أمر الصلح طلب معاویة البیعة من الحسین علیه السلام.

فقال الحسن علیه السلام: یا معاویة ، لا تکرهه فإنه لن یبایع أبداً أو یقتل ، ولن یقتل حتی یُقتل أهل بیته، ولن یقتل أهل بیته حتی یقتل أهل الشام(1)

قال : فلمّا تم لمعاویة ما أراد وخطب وذکر علیّاً فنال منه ومن الحسن

والحسین.

فقال الحسن : أیّها الذاکر علیّاً، أنا الحسن وأبی علی ، وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأمّی فاطمة وأمّک هند ، وجدّی رسول الله وجدّک حرب ، وجدّتی خدیجة وجدّتک قتیلة ، ولعن الله أخملنا ذکراً، وألأمنا حسباً، وشرّنا قوماً(2) وأقدمنا کفرا ونفاقا

فقال الناس: آمین ، ونحن نقول أیضاً: آمین.

ص: 52


1- قوله : «وقیل : إن الحسین علیه السلام ... أهل الشام» فی مناقب ابن شهرآشوب :.34/4-35.
2- فی المقاتل : قدما.
یقدم الکوفة علی مقدمة معاویة

قال : ثمّ إنّ معاویة دخل الکوفة بعد فراغه من خطبته بالنخیلة وبین یدیه خالد بن عرفطة ومعه رجل یقال له حبیب بن حمّار یحمل رایته ، حتی دخل الکوفة وصار إلی المسجد فدخل من باب الفیل ، واجتمع الناس إلیه.

روی عطاء بن السائب ، عن أبیه ، قال : بینا علیّ علیه السلام علی المنبر

یخطب إذ دخل رجل ، فقال : یا أمیر المؤمنین ، مات خالد بن عرفطة.

فقال أمیر المؤمنین : والله مامات، إذ دخل رجل آخر، فقال :

یا أمیر المؤمنین ، مات خالد بن عرفطة.

فقال صلوات الله علیه : والله ما مات ولا یموت حتی یدخل من باب هذا

المسجد - یعنی باب الفیل - برایة ضلالة یحملها له حبیب بن حمّار(1) فوثب رجل ، فقال : یا أمیر المؤمنین ، أنا حبیب بن حمّار.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إنّه ما أقول، فقدم خالد بن عرفطة علی

مقدّمة معاویة یحمل رایته حبیب بن حمّار . (2)

قیل : ولمّا تمّ الصلح بین معاویة والحسن أرسل إلی قیس بن سعد بن عبادة یدعوه إلی البیعة فأبی، وکان رجلاً طویلاً إذا رکب الفرس المسرف

ص: 53


1- فی بعض المصادر : عمّار ، وفی بعضها : حمّاد، وفی بعضها : جمَاز .
2- الإیضاح لابن شاذان: 330، بصائر الدرجات: 298 ح 11، الهدایة الکبری: 161، خصائص الأئمّة : 52، إرشاد المفید : 174، الاختصاص : 280، تیسیر المطالب : 37، إعلام الوری : 177، الثاقب فی المناقب :267 ح 231، الخرائج والجرائح: 745/2ح 63، مناقب ابن شهرآشوب:270/2 ، الملاحم والفتن: 113، کشف الیقین: 99/98ح90، نهج الحقّ وکشف الصدق : 243، إرشاد القلوب: 225، الإصابة : 410/1، إثبات الهداة :439/2 - 440 ح 118، البحار : 288/41 ح 12 وص313، و ج 161/42ح 33، ج259/44 ح 11.
خطبة للحسن علیه السلام بأمر معاویة

خطّت رجلاه الأرض ، فلما أرادوا أن یدخلوه إلیه قال : إنّی حلفت أن لا ألقاه إلّا بینی وبینه الرمح أو السیف ، فأمر معاویة برمح أو سیف فوضعه بینه وبینه الیوفی فی یمینه(1)

وکان قد انعزل فی أربعة آلاف وأبی أن یبایع ، فلمّا أتمّ الأمر لمعاویة لم

یجد بدّاً من ذلک و أقبل علی الحسن وقال : أنا فی حلّ من بیعتک.

قال : نعم ، فوضع یده علی فخذه ولم یمدّها إلی معاویة ، فجثا معاویة علی

سریره ، و أکبّ علی قیس حتی مسح علی یده فما رفع إلیه قیس بده.

وقیل : إنّ معاویة أمر الحسن بعد الصلح أن یخطب وظنّ أنّه سیحصر .

فقال علیه السلام : إنّما الخلیفة من سار بکتاب الله وسنّة رسوله صلّی الله علیه و آله و لیس الخلیفة من سار بالجور ذاک مِلکُ ملکَ مُلکاً یتمتّع فیه قلیلاً، ثمّ تنقطع لذّته وتبقی تبعته ، (وَإِن أذرِی لَعَلَّهُ فِتنَةُ لَکُم وَمَتَاعُ إلَی حِینٍ)(2)

ثمّ انصرف الحسن علیه السلام بعد ذلک إلی المدینة ، ورجع معاویة إلی الشام ، وأراد البیعة لابنه یزید ، فلم یکن علیه أثقل من أمر الحسن علیه السلام، فجعل یحتال علی قتله ، وسیأتی تمام القصة عند ذکر وفاته صلوات الله علیه (3)

قلت : وکان سیّدنا ومولانا سبط الرسول، ومهجة البتول ، ثابت الجأش ، حمّی الأنف ، لا تأخذه فی قول الحقّ لومة لائم، ولا یثنی عزیمته عن الأمر بالمعروف مخافة شاغب ولا غاشم، خذلته الغدرة الفجرة، وخانته الاثمة الکفرة، وأسلموه إلی الحتف ، وساقوه إلی الموت، وأظهروا له الطاعة ودینهم

ص: 54


1- فی المقاتل : لیبر یمینه .
2- سورة الأنبیاء : 111.
3- مقاتل الطالبیین : 44 - 47.

النفاق ، وبذلوا النصیحة وطبعهم الشقاق.

وکان علیه السلام عالماً بذلک من لئیم طبعهم ، متحقّقاً لغدرهم وخذلهم، متیقّناً ممالاتهم عدوه علیه ، عالماً بإنفاذ رسائلهم إلیه ، قد مال بهم الهوی ، وأغواهم حبّ الدنیا، فباعوا الآخرة الباقیة ، بلذّتها الزائلة الفانیة .

هل أغوی ابن حرب بحربه واستحثّه علی طلبه إلا حبّ زینتها، والافتتان بزهرتها ، وطلب متاعها ، والتلذّذ باستماعها، والمیل مع بنتّها ، إیثاراً من حطامها ، ویتمتّع بزائل أیّامها ، وکانت جماعة أکابرهم ورؤسائهم وأعیانهم وزعمائهم فی کلّ حین لهم عیون ورسل و مکاتبات إلی اللعین بن اللعین ، فعلیه وعلیهم لعنة الله ولعنة اللاعنین ، وإنّما سار بهم علیه السلام إلی خصمه مع شدّة یقینه بغدرهم ، وعلمه (1)قبیح نکثهم ومکرهم، قیاماً للحجّة علیهم، وتوجیهاً القطع المعذرة منهم ، لئلّا یقولوا یوم القیامة : (إنّا کُنَّا عَن هذَا غَافِلیِنَ) (2)أو یقولوا: لو سرت بنا إلی عدوّک لوجدتنا لک من الناصحین ، فأقام علیهم الحجّة بمسیره، وأظهر خفی نفاقهم بتدبیره ، وکان ذلک فرض الله علیه ، وما فوض من الرئاسة العامّة إلیه، مع علمه بخذلهم لأبیه وغدرهم به ، فأذعن للهدنة ، وأطفا بصلحه الفتنة ، ودرک علیهم الحجّة غباءوا بغضب من الله بشملهم، وخزی فی الدارین ببغیهم، وسیجازی کلّ بفعله ، ولا یحیق المکر السیء إلا بأهله ، کلّ ذلک وهو علیه السلام کما وصف الله إباءه فی محکم ذکره، ونوّه فیه بمدحه وشکره ، فقال سبحانه فی کتابه المبین وذکره الحکیم:( أذِلَّةٍ عَلَی المُؤمِنِینَ أعِزَّةٍ عَلَی الکَافِرِینَ یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیِل اللهِ وَلاَ یَخَافُونَ لَومَةً لَائِمٍ ذلِکَ

ص: 55


1- کذا الصحیح ، وفی الأصل : علمهم.
2- سورة الأعراف : 172.
أن یزید بن معاویة رأی زوجة عبدالله بن عامر بن کریز فهام بها وأراد الزواج بها، غیر أنها أرادت الزواج من الحسن علیه السلام

فَضلُ اللهِ یُؤتِیهِ مَن یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعُ عَلِیمُ)(1)

وکذلک کان صلوات الله علیه سالکاً طریق شیخه ووالده ، بانیاً فی مکارم الأخلاق علی قواعده ، ساعیاً فیما فیه الصلاح لأمّة جَدّه ، ناصراً مظلومهم بجهده وجِدّه، کالطود الشامخ علی المتکبّرین، وکالماء الرائق للمؤمنین ، لا یخضع إذا قلَّ ناصره ، ولا یضرع إذا غلب قاهره ، کما قال الأوّل : لا یسخرج القرمنی غیر ما بیه ولا ألین لمن لا یبتغی لینی

وکذلک کان أخوه سیّد الشهداء، وخامس أصحاب الکساء، لا یقذع صفاته ، ولا یکدر صفاءه ، ذا أنف حمی وطبع أبی ، لمّا کان مجده أرفع من السماک الأعزل وأعلی ، رأی القتل فی العزّ حیاة والحیاة فی الذل قتلاً، صلّی الله علیهما وعلی جدهما وأبیهما وأمّهما.

روی أنّ یزید بن معاویة علیه وعلی أبیه وعلی المعتقد إسلامهما والشاکّ فی کفرهما لعنة الله والملائکة والناس أجمعین رأی زوجة عبدالله بن عامر بن کریز، وهی أمّ خالد بنت أبی جندل بن سهیل بن عمرو ، وکانت من الجمال والحسن فی الغایة القصوی ، فهام بها حتی امتنع من الطعام والشراب ، و آلی أمره إلی ملازمة الفراش من شدّة السقم والشغف بها ، فعاده أبوه لعنه الله ، فشکا ذلک إلیه وأعلمه بسبب علّته ، وکان الرجل منزله المدینة ، فأرسل معاویة إلی عامله علیها أن أرسل إلی بعبدالله بن عامر موقّراً معظّماً له، قائماً بجمیع ما یحتاج إلیه فی سفره ، وفیما فیه صلاح أهله.

فلمّا وصل عبدالله إلی معاویة أراه من التعظیم والتبجیل ما لا مزید علیه ،

ص: 56


1- سورة المائدة : 54.

ثمّ قال : إنّی ما دعوتک إلا لأنی تفکّرت فی رجل أعتمد علیه فی أُموری وأجعله عیبة سرّی، فما رأیت أصلح لذلک إلّا أنت ، وقد أردت أن أولّیک البصرة ، وأزوّجک ابنتی رملة أخت یزید لأنّی ما وجدت لها کفواً غیرک ، فاغترّ الأحمق بقوله ، فأتاه فی الیوم الثانی وقال : إنّی عرفتها ذلک فرضیت ، وقالت: کفو کریم ، ولکن له زوجة ولا یلیق بمثلی أن أکون عند رجل له زوجة غیری ، فإن طلّق زوجته کنت له أهلاً ، وکان لی بعلا، فرضی عبدالله بذلک و طلّق زوجته ام خالد، فلمّا انقضت عدّتها طلب من معاویة ما وعده .

فقال : إنّ أمرها إلیها ، وإنّها قالت : إذا کان الرجل لم یوف لابنة عمّه وهی

من الجمال والحسن علی ما لیس عندی فکیف یوفی لی ؟ وامتنعت.

ثمّ إنّ معاویة أرسل بأبی الدرداء صاحب رسول الله صلّی الله علیه وآله أن یخطبها - أی أمّ خالد - علی ابنه یزید، وکانت الصحابة إذا ورد أحد منهم المدینة أوّل ما یبدأ بالسلام علی النبیّ صلّی الله علیه و آله ، ثمّ یأتی إلی سیّدنا الحسن بن رسول الله صلّی الله علیه و آله تبرّکاً به وتیمّناً بطلعته الشریفة صلوات الله علیه ، فدخل أبو الدرداء علی الحسن علیه السلام ، فقال : ما أقدمک - یا عم - المدینة ؟ فأعلمه بالقصة.

فقال : یا أبا الدرداء ، هل لک أن تذکرنی لها ؟ فمضی أبو الدرداء وأعلمها ما کان من أمر بعلها، وأنه طلقّها ، وأنّ معاویة أرسله لیخطبها علی ابنه یزید ، وأعلمها بمقالة الحسن علیه السلام، فقالت : یا عم، اختر لی أیّ الرجلین أصلح.

فقال أبو الدرداء : أعلمک أنّی رأیت رسول الله صلّی الله علیه وآله یقبّل الحسن ویضع شفته علی شفته ، وإنّی مشیر علیک أن تضعی شفتک موضعاً وضع

ص: 57

أن الحسن علیه السلام خطب عائشة بنت عثمان

رسول الله صلّی الله علیه و آله شفته .

فقالت : رضیت بالحسن ، وزوّجته نفسها ، فوصل الخبر بذلک إلی معاویة ،

فأقامه ذلک وأقعده ، ولعن أبا الدرداء.

ثمّ إنّ عبد الله بن عامر أتی المدینة حقیراً خائباً ممّا أمّل، وأتی الحسن وقال : یا ابن رسول الله ، إنّ لی عند أهلک - ابنة عمّی - أمانات وودائع لی وللناس ، فإن تفضّلت بإعلامها بذلک فافعل.

فمضی به الحسن إلیها وضرب بینهما حجاب ، فأتته بالأمانات الّتی کانت

عندها ، فبکی الرجل واشتدّ حزنه ، وبکت المرأة من وراء الستر.

فقال الحسن علیه السلام: ألک هویً فی ابنة عمّک ؟ فقال : نعم ، یا ابن رسول الله .

وفی روایة : انّه صلوات الله علیه قال : أولا ترضی أن أکون محلّلکما ؟ فطلّقها الحسن صلوات الله علیه وردّها إلی بعلها کرماً منه وتفضّلاً ورأفة بأمّة جدّه صلوات الله وسلامه علیه .(1)

عن عبدالملک بن عمیر والحاکم [والعبّاس] (2)قالوا: خطب الحسن علیه

السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : اُزوّجها من عبد الله بن الزبیر.

ثمّ إنّ معاویة کتب إلی مروان وهو عامله علی الحجاز یأمره أن یخطب أمّ کلثوم بنت عبدالله بن جعفر لابنه یزید، فأتی مروان عبدالله بن جعفر فأخبره

بذلک .

ص: 58


1- مناقب ابن شهرآشوب: 38/4ملخصّاً، عنه البحار : 171/44 ضمن ج5، وعوالم العلوم: 303/16 ح 1.
2- من المناقب .

فقال عبدالله : إنّ أمرها لیس إلیّ ، إنّما أمرها إلی سیّدنا أبی عبدالله

الحسین وهو خالها ، فأخبر الحسین بذلک.

فقال : أستخیر الله تعالی ، اللّهمّ وفّق لهذه الجاریة رضاک من آل محمد ،

فلمّا اجتمع الناس فی مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله أقبل مروان حتی جلس إلی الحسین علیه السلام وعنده جماعة من الجلّة (1)، وقال:[ إن ](2) أمیر المؤمنین معاویة أمرنی بذلک وأن أجعل مهرها حکم أبیها بالغاً ما بلغ مع صلح ما بین هذین الحیّین مع قضاء دینه، واعلم أنّ من یغبطکم بیزید أکثر ممّن یغبطه بکم، والعجب کیف یستمهریزید و بوجهه یستسقی الغمام ، وهو کفو من لا کفو له ؟ فردّ خیراً یا أبا عبد الله .

فقال الحسین علیه السلام : الحمد لله الّذی اختارنا لنفسه ، وارتضانا الدینه، واصطفانا علی خلقه - إلی آخر کلامه -، ثمّ قال : یا مروان، قد قلت فسمعنا ، أمّا قولک : مهرها حکم أبیها بالغاً ما بلغ ، فلعمری لو أردنا ذلک ما عدونا سنّة رسول الله صلّی الله علیه و آله فی بناته ونسائه وأهل بیته [وهو ](3)اثنتا عشرة أوقیّة یکون أربعمائة وثمانون درهماً.

وأمّا قولک : مع قضاء دین أبیها ، فمتی کنّ نساؤنا یقضین عنّا دیوننا؟

وأمّا صلح ما بین هذین الحیین ، فإنّا قوم عادیناکم فی الله فلم نکن

نصالحکم للدنیا ، فقد أعیا النسب فکیف السبب ؟

وأمّا قولک : العجب من یزید کیف یستمهر ؟! فقد استمهر من هو خیر من

یزید ، ومن أبی یزید ، ومن جدّ یزید .

ص: 59


1- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : الجهلة
2- من المناقب .
3- من المناقب .

وأمّا قولک : بن یزید کفو من لا کفو له ، فمن کان کفوه قبل الیوم فهو کفوه

الیوم، ما زادته مارته فی الکفاءة شیئاً.

وأمّا قولک : بوجهه یستسقی الغمام ، فإنّما کان ذلک بوجه رسول الله صلّی

الله علیه و آله.

وأمّا قولک : من یغبط منّاله أکثر ممن یغبطه بنا ، فإنّما یغبطنا به أهل الجهل

ویغبطه بنا أهل العقل.

ثمّ قال الحسین - بعد کلام -: فاشهدوا جمیعاً أنّی قد زوّجت أمّ کلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر علی أربعمائة وثمانین درهماً، وقد نحلتها ضیعتی بالمدینة ، أو قال : أرضی بالعقیق ، وإنّ غلّتها فی السنة ثمانیة آلاف دینار ففیها لهما غنی إنّ شاء الله .

قال : فتغیّر وجه مروان ، وقال : ما أتیتم إلا غدراً یا بنی هاشم، تأبون إلّا العداوة ، فذکّره(1) الحسین علیه السلام خطبة الحسن عائشة بنت عثمان و فعله ، ثمّ قال : فأین موضع الغدر یا مروان (2)؟

وقال الحسن علیه السلام : إنّ لله مدینتین : إحداهما بالمشرق والأخری بالمغرب فیهما خلق لم یهمّوا بمعصیة الله قطّ ، والله ما فیهما وما بینهما حجّة لله علی خلقه غیری و غیر أخی الحسین علیه السلام .(3)

ص: 60


1- کذا فی المناقب ، و فی الأصل : فذکر .
2- مناقب ابن شهرآشوب : 38/4 - 40، عنه البحار : 207/44 ح 4، وعوالم العلوم :87/17 ح 2.
3- مناقب ابن شهرآشوب : 40/4 .ورواه فی بصائر الدرجات: 339 ح 4 و 5 وص493 ح 11 وص 494 ح 12، الکافی : 462/1 ح 5، م ختصر بصائر الدرجات: 11 و 12، الاختصاص : 291، المحتضر 104:
قول الحسن علیه السلام لأبی بکر: انزل عن مجلس أبی ، وقول

الحسین علیه السلام یوما لعمر: انزل عن منبر أبی

فضائل السمعانی : قال أُسامة بن زید: جاء الحسن علیه السلام إلی أبی بکر وهو یخطب علی منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فقال : انزل عن مجلس أبی.

قال : صدقت هذا مجلس أبیک ، ثمّ أجلسه فی حجره و بکی. فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : والله ما هذا من أمری. قال : صدقت والله صدّقتک وما اتهمتک . (1)

وفی روایة الخطیب (2) ان الحسین علیه السلام قال یوماً لعمر : انزل عن

منبر أبی وامضی إلی منبر أبیک.

فقال عمر: لم یکن لأبی منبر ، وأخذنی وأجلسنی معه ، ثم سألنی : من

علمک هذا؟

فقلت : والله ما علمنی أحد.(3)

ص: 61


1- ترجمة الامام الحسن علیه السلام من القسم غیر المطبوع من طبقات ابن سعد: 68ح108 باختلاف، أنساب الأشراف: 26/3 رقم 41.
2- تاریخ بغداد : 141/1 .
3- مناقب ابن شهر آشوب: 40/4 .

فصل فی ذکر وفاته علیه السلام

إخباره علیه السلام بوفاته مسمومة

لمّا تمت من إمرة معاویة عشر سنین عزم علی البیعة لابنه یزید لعنه الله ، ولم یکن أثقل علیه من الحسن علیه السلام وسعد بن أبی وقاص، فأرسل بما دشه لسعد بن أبی وقّاص فقتله به ، ثمّ أرسل إلی ابنة الأشعث: انّی أزوّجک من ابنی یزید علی أن تسمّی الحسن ، وبعث إلیها بمائة ألف درهم ، ففعلت وسمّته ، فسوّغها المال ولم یزوّجها من یزید، فتزوّجها رجل من بنی طلحة فأولدها، فکان إذا جری کلام عیّروهم وقالوا: یا بنی مسممة الأزواج (1)

کتاب الأنوار : قال : إنّه علیه السلام قال : لقد سقیت السمّ مرتین وهذه

الثالثة.

کتاب روضة الواعظین : إنّ الحسن علیه السلام قال : لقد سقیت السمّ مراراًما سقیت مثل هذه المرّة، لقد تقطّعت کبدی قطعة قطعة فجعلت أقلّبها بعود معی ، ثمّ قال للحسین علیه السلام : یا أخی إنّی مفارقک ولاحق بربّی، وقد سقیت السمّ، ورمیت بکبدی فی الطشت ، وإنی لعارف بمن سقانی ، ومن أین دهیت، وأنا أخاصمه إلی الله سبحانه .

ص: 62


1- مناقب ابن شهرآشوب: 42/4، عنه البحار : 155/44 ح 25 وعن الارشاد اللمفید: 192
أنه علیه السلام أوصی بأن یجدد عهده عند جده صلّی الله علیه

وآله

فقال له الحسین علیه السلام : فمن سقاکه؟

قال : ما ترید منه ؟ أترید أن تقتله ؟ إن یکن هو هو فالله أشدّ نقمة منک، وإن لم یکن هو فما أحب أن یؤخذ [بی] (1)بریء ، فبحقّی علیک إن تکلّمت بکلمة واحدة ، وانتظر ما یحدث الله فیّ.

وفی خبر: بالله أُقسم علیک إن تهریق فی أمری محجمة دم.(2)

وحکی أنّ الحسن علیه السلام لمّا أشرف علی الموت قال له الحسین

علیه السلام : أرید أنّ أعلم حالک یا أخی.

فقاله له الحسن : سمّعت رسول الله صلّی الله علیه و آله یقول : لا یفارق العقل منّا أهل البیت ما دامت الروح فینا ، فضع یدک فی یدی حتی إذا عاینت ملک الموت أغمز یدک ، فوضع یده فی یده ، فلمّا کان بعد ساعة غمزیده غمزاً خفیفاً، فقرب الحسین أذنه من فمه ، فقال : قال لی ملک الموت: أبشر فإنّ الله عنک راض وجدّک شافع.(3)

وکان الحسن علیه السلام أوصی بأن یجدّد عهده عند جدّه ، فلما مضی السبیله غسّله الحسین وکفّنه وحمله علی سریره ، فلمّا توجّه بالحسن إلی قبر جدّه صلّی الله علیه و آله أقبلوا إلیه بجمعهم وجعل مروان یقول : یا ربّ هیجا هی خیر من دعة ، أیدفن عثمان فی أقصی المدینة ویدفن الحسن مع النبی ؟ أما لا یکون ذلک أبداً وأنا أحمل السیف.

فبادر ابن عبّاس وکثر المقال بینهما حتی قال ابن عبّاس : ارجع من حیث

ص: 63


1- من المناقب .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 42/4 ، عنه البحار : 158/44 ح28.
3- مناقب ابن شهرآشوب: 43/4 ، عنه البحار :160/44 ح 29.
أبیات للصقر الصفدی

جئت فإنّا لا نرید دفنه هاهنا، لکنّا نرید [أن] (1)نجدّد عهداً بزیارته ، ثمّ نردّه إلی جدّته فاطمة فندفنه عندها بوصیّته ، فلو کان أوصی بدفنه عند النبیّ لعلمت أنک أقصر باعاً من ردّنا عن ذلک، لکنه کان أعلم بحرمة قبر جدّه من أن یطرق إلیه (2) هدماً، ورموا بالنبال جنازته صلوات الله علیه حتی سلّ منها سبعون سهماً.

قال ابن عبّاس : وأقبلت امرأة(3) علی بغل برحلی فی أربعین راکباً تقول :

مالی ولکم تریدون أن تدخلوا بیتی من لا أهوی ولا أُحبّ؟

فقال ابن عبّاس - بعد کلام -: عائشة یوماً علی جمل ویوماً علی بغل .(4)

فنظمه الصقر البصری رضی الله عنه : ویوم الحسن السبط (5)علی بغلک أقبلت(6) ومایست ومانعت وخاصمت وقاتل وفی بیت رسول الله فی الکلّ(7) تحکّمت

هل الزوجة أولی با المواریث من

البنت

لک التسع من الثمن وللکلّ

تملکت (8)

ص: 64


1- من المناقب .
2- فی المناقب : علیه .
3- فی المناقب : عائشة.
4- مناقب ابن شهرآشوب: 44/4 ، عنه البحار :156/44 - 157 ذح 25 وعن إرشادالمفید : 192-193.
5- فی المناقب : الهادی .
6- فی المناقب : أسرعت.
7- فی المناقب : بالظلم.
8- فی المناقب : فبالکل تحکّمت .
أبیات للحسین علیه السلام فی رثاء أخیه الحسن علیه السلام

تجمّلت تبغّلت وإن عشت تفیّلتِ(1)

ولمّا وضع الحسن علیه السلام فی قبره أنشأ سیّدنا ومولانا أبو عبدالله

الحسین علیه السلام: أدهنُ رأسی أم أُطیّب مجالسی

ورأسک م عطور وأنت سلیب

أو استمتعُ الدنیا بشیء أُحبُّهُ

الاکلّ ما أدنی إلیک حبیب

فلا زلت أبکی ماتغنّت حمامة

علیک وماهبّت صبا وجنوب

وما هملت عینی من الدمع قطرة

وما اخضرّ فی دوح الحجاز قضیب

بکائی طویلُ والدموعُ غزیرة

وأنت بعید والمزار قریب

غریب وأطراف البیوت تنوشُهُ(2)

ألاکلّ من تحت التراب غریب

فلا یفرح الباقی خلاف الّذی مضی

فکلّ فتی للموت فیه نصیب

ولیس حریب من أُصیب بماله

ولکنّ من واری أخاه حریب

ص: 65


1- مناقب ابن شهرآشوب :44/4 - 45.
2- فی المناقب : تحوطه .
أبیات لسلیمان بن قتة، وأخری لدعبل بن علی الخزاعی

نسیبک من أمسی یناجیک طرفه

ولیس لمن تحت التراب نسیب(1)

وقال سلیمان بن قتّة یرثی الحسین علیه السلام: یاکذّب الله من نعی حسناً لیس لتکذیب نعیه ثمن(2)کنت حلیفی(3) وکنت خالصتی لکلّ حیّ من أهله سکن أجول فی الدار لا أراک وفی الدار أُناس جوارهم غبن بدّلتهم منک لیت إنّهم أضحوا وبینی وبینهم عدن(4)

وقال دعبل بن علی الخزاعی رضی الله عنه : تعزَّ بمن قد مضی أُسوة فإنّ العزاء یسلّی الحزن بموت النبیّ وقتل الوصیّ وذبح الحسین وسمّ الحسنه(5)

عن عمر بن بشیر الهمدانی ، قال : قلت لأبی إسحاق : متی ذلّ الناس ؟ قال : حین مات الحسن علیه السلام، وادّعی زیاد ، وقتل حجر.(6)

عن هشام بن سالم وجمیل بن درّاج ، عن الصادق علیه السلام أنّ الحسن

علیه السلام توفّی وهو ابن ثمان وأربعین سنة .

ص: 66


1- مناقب ابن شهرآشوب:45/4 ، عنه البحار : 160/44 ذح 29، وعوالم العلوم :299/16 ح 1.
2- کذا فی الدیوان ، وفی الأصل : حسن.
3- فی المناقب : خلیلی
4- مناقب ابن شهرآشوب :45/4 ، عنه البحار : 161/44 ح 30، وعوالم العلوم :300/16ح 1.
5- مناقب ابن شهرآشوب : 46/4 ، دیوان دعبل الخزاعی : 303.
6- مقاتل الطالبیین : 50.
تکبیر معاویة بعد سماعه بوفاة الحسن علیه السلام

وروی أیضاً أنّه توفّی وهو ابن ستّ وأربعین (1)

روی الزمخشری فی کتابه ربیع الأبرار، وروی ابن عبد ربّه فی کتابه العقد(2)أنّه لمّا بلغ إلی معاویة بموت الحسن سجد وسجد من حوله ، وکبّر وکبّروا معه، فدخل

[ علیه](3) ابن عبّاس بعد ذلک ، فقال معاویة : یا ابن عبّاس ، أمات أبو محمد؟

قال : نعم، ورحمة الله علیه ، وبلغنی تکبیرک وسجودک ، أما والله لا یسدّ

جثمانه حفرتک ، ولا یزید انقضاء أجله فی عمرک.

[قال : ] أحسبه ترک صبیة صغاراً ولم یترک علیهم کثیر معاش. فقال ابن عباس : إنّ الّذی وکلهم إلیه غیرک ، وکلّنا کنّا صغاراً فکبرنا. قال : فأنت تکون سیّد القوم بعده.

قال : أمّا وأبو عبدالله الحسین علیه السلام حیّ فلا (4)قال شیخنا السعید الشهید محمد بن مکّی الفقیه رضی الله عنه فی دروسه :

ولد الحسن لیلة(5)الثلاثاء بالمدینة منتصف شهر رمضان سنة اثنتین من

الهجرة .(6)

وقال المفید: سنة ثلاث ، و قبض بها مسموماً یوم الخمیس سابع صفر سنة

ص: 67


1- مقاتل الطالبیین : 50.
2- ربیع الأبرار :186/4 ، العقد الفرید:361/4 - 362.
3- من المناقب .
4- مناقب ابن شهرآشوب: 43/4 ، عنه البحار :159/44 ، وعوالم العلوم: 298/16 ح 1.
5- فی الدروس: یوم.
6- الدروس: 102، عنه البحار : 134/44 .
تواب زیارة رسول الله صلّی الله علیه و آله أو أحد الأئمة علیهم

السلام

تسع وأربعین أو سنة خمسین من الهجرة، عن سبع أو ثمان وأربعین سنة .

قال الحسن للنبی صلّی الله علیه و آله : یا رسول الله ، ما لمن زارنا؟

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : من زارنی حیّاً أو میّتاً، أو زار أخاک

حیّاً أو میّتاً کان حقّاً علیَّ أن أستنقذه یوم القیامة.(1)

وقیل للصادق علیه السلام : ما لمن زار واحد منکم؟

قال : کان کمن زار رسول الله صلّی الله علیه و آله ، إنّ لکلّ إمام عهداً فی عنق أولیائهم وشیعتهم، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زیارة قبورهم، فمن زارهم رغبة فی زیارتهم وتصدیقاً لما رغبوا فیه کان أئمّته شفعاؤه یوم القیامة .(2)

ص: 68


1- أخرجه فی البحار : 373/99 ح 8 عن الهدایة : 67.وفی ج 140/100 ح7 عن علل الشرائع : 460، وفی ص 141ح8- 11 عن کامل الزیارات: 11.وح 12عن أمالی الصدوق : 57ح،4 وح13 عن ثواب الأعمال : 107 ع 1، وح15 عن ثواب الأعمال : 107 - 108ح 2، وفی ص 259ح 6 عن کامل الزیارات.
2- أخرجه فی البحار : 116/100 ح 1 عن عیون أخبار الرضا علیه السلام وعلل الشرائع وفی ص 117ح 2 و 3 و 6عن کامل الزیارات ، وح ، عن العیون والعلل ۔
ندبة للمؤلف رحمه الله

یا من نسبه من کلّ نسب أعلی، وسببه من کلّ سببٍ أقوی ، ومجده بکلّ فضل أولی ، وحبّه شرف الآخرة والأولی ، جدّک فارس البراق لیلة الإسراء، وأبوک أوّل السبّاق إلی دین الهدی ، وأمّک سیّدة نساء الدنیا والأخری، قد اکتنفتک الأصول الطاهرة ، واحتوشتک المحامد الفاخرة، طوت بقوادم الشرف وخوافیه (1) وتسمّت ذروة الشرف وأعالیه ، فلاشرف الّا وإلیک منتهاه ، ولا سؤدد إلّا وأنت بدؤه وقصاراه .

همّتک أعلی من هامة السماک الأعزل، ورفعتک أسمی من رفعة السماء وأطول، عالیة مبانیک ، هامیة أیادیک ، صادقة أقوالک ، زاکیة أفعالک، غامر إنضالک، وافر نوالک، طاهرة آباؤک وأمّهاتک ، ظاهرة فی صحائف المجد سماتک.

نزّهت عن کلّ عیب ، وقدّست من کلّ ریب، لاجرم من کان جدّه خاتم النبیّین ، جاز أن یقول : أنا أشرف خلق الله أجمعین ، ومن کان أبوه سید الوصیّین ، کان مجده فی الشرف أعلی من علّیّین ، ومن کانت أمّه سیّدة النساء کان أفخر من أشرقت علیه ذکاء

رزؤک یا ابن المصطفی أجری عبرتی، وسمّک یا نجل المرتضی أسهر

ص: 69


1- الخوافی : جمع الخافیة ، وهی الریش الصغار الّتی فی جناح الطیر عند القوادم .

مقلتی ، وهضمک أطال حزنی، وظلمک أذوی عصبی، أمّا لیلی فزفرة وعبرة ، وأما نهاری فحیرة وفکرة، أتفکّر فی فوادح مصائبکم ، وأتذکّر عظیم نوائبکم ، وأتصور علم الاسلام والدکم ، وإمام الأنام قائدکم، خیر الأمّة بعد نبیها ، وخیر الملّة وحفیّها، الذی أخذ الله میثاق ولاته علی خلقه ، وأحیی بمعین علمه موات حقّه ، وجعله الهادی إلیه ، والدلیل علیه.

کلّ علم لا یؤخذ عنه فهو ضلال ، وکلّ دین لا یتلقّی منه فهو محال ، لولا جهاده لما قام عمود الاسلام، ولولا بیانه لما عرف الحلال من الحرام، قلبه مخزن علم الله ، ونفسه مشرق نور الله ، بحر لا یدرک قراره ، وسائق لا یشق غباره، لا یعرف الله إلّا من سلک سبیله ، ولا ینجو فی تیه الضلالة إلا من اتبع دلیله ، کیف اجتمعت أمّة السوء علی قتاله ، وانبعث أشقاها لاغتیاله ، وصیّره ضّمناً فی حال رکوعه ، ملقیً فی خلال خشوعه ؟ بعد أن سلبوه تراث ابن عمّه ، وغصبوه میراث شقیق دمه ولحمه، وجعلوا ولی أمرهم أرذلهم نسباً، وإمام عصرهم أخملهم حسباً، أخفض بیت فی تیم بن مرة، وأکذب منعوت بالصدق والا مرّة، لمّا شادوا بالباطل سقیفتهم، وسمّوه بخلاف تسمیة ربّهم خلیفتهم، هدموا من الحقّ ما شیّد ولیّ الله بجدّه وجهده، وطمسوا من الصدق ما بین فی صدره وورده ، وفرقوا کلمة الاسلام بجبتهم وفاروقهم، وعطلّوا أحکام القرآن بثالثهم طاغوتهم.

فتبّاً لها من أمّة سوء شرت الضلالة بالهدی ، وباعت الآخرة بالأولی ، وعدلت بصفوة الله من لا یمت بفضله ، بل ولا یعدل عند الله شرک نعله، وأهانت خلافة الله حتی تلاعبت بها أُولوا الأخلاق الذمیمة ، والأعراق الموصومة ، وصیّروها ملکاً عضوضاً ، وعهد منقوضاً، فعاد المؤمن فیها یحذر من فیّه وظلّه،

ص: 70

ویخفی شخصه عن صحبه وأهله ، ویبتغی نفقا فی الأرض أو سلّماً فی السماء ، وینحجر فی الزوایا خشیة الرقباء، یری حتفه بعینیه ، ویسمع لعنه بأُذنیه ، وکیف لا یخشی بادرتهم، ویحذر فاقرتهم، وهو یری صنیعهم لسیّدهم وولیهم،

وخذلهم هادیهم وخلیفة نبیّهم ، وأذاهم له بقولهم وفعلهم، وإجلابهم علیه بخیلهم ورجلهم ، وحربهم له فی صفّینهم وجملهم ، وقتلهم له فی قبلة مسجده ، وفتکهم به فی حال تهجدّه ، وتصبیرهم ولدیه سبطی نبی الرحمة، وفرعی شفیع الأمّة ، وسیّدی شباب أهل الجنّة ، ومن جعل الله وجودهما فی الخلق أعظم منّة ، ما بین مسموم ومقتول، ومهضوم ومخذول ؟

فأبعدها الله من أمّة خبل سعیها، ودام غیّها ، وطال شقاها ، وخاب رجاها، تقتل ذرّیّة نبیّها بین ظهرانیها ، وتسبی بنات رسولها وهی تنظر إلیها، لیس فیها رشید پردعها ، ولا سدید یدفعها ، فما أبعدها من رحمة الله وأشقاها، وأحقّها بخزی الله و أولاها ؟ قد أوثقها الله بذنوبها ، وختم علی قلوبها وغرّها سرابها ، و تقطّعت أسبابها ، فارتدّت علی أعقابها ، وضلّت فی ذهابها وإیابها ، قد طوّقها الله طوق لعنته ، وحرّم علیها نعیم جنّته ، فالمؤمن فیها حامل حتفه علی کتفه ، وناظر هلکه بطرفه ، یسلقونه بحداد ألسنتهم ، ویعنّفونه بفضیع مقالتهم ، فهو بینهم کالشاة بین الذئاب ، أو الغریب تحتوشه الکلاب ، وعلماؤهم یتجسّسون علی عورات المؤمنین ، ویبتغون زلات الصالحین، ویحرّمون ما أحلّ الله بأهوائهم، ویحلّون ما حرّم الله بارائهم، ویسفّهون أحلام من التزم بحبل أهل بیت نبیّه ، ویستهزئون بمن استمسک بولاء عترة ولیّه ، وهم مع ذلک یتولّی بعضهم بعضاً، ویعظّم بعضهم بعضا، وما ذاک إلّا لاختصاص قول المؤمنین بآل محمد صلّی الله علیه و آله فلعداوتهم لهم رموهم عن قوس واحدة.

ص: 71

بعض الفتاوی الغریبة لأبی حنیفة والشافعی ومالک وداود بن علی

أن الله سبحانه هتأ النبی صلّی الله علیه و آله بحمل الحسین علیه

هذا أبو حنیفة النعمان بن ثابت یقول : لو أنّ رجلاً عقد علی أنّه عقد نکاح

وهو یعلم أنّها أمّه ثمّ وطئها لسقط عنه الحدّ ولحق به الولد.

وکذلک قوله فی الأخت والبنت وسائر المحرمات ویزعم أنّ هذا نکاح

شبهة أوجب سقوط الحدّ عنه.(1)

ویقول: لو أنّ رجلاً استأجر غسّالة، أو خیّاطة ، أو خبّازة، أو غیر ذلک من أصحاب الصناعات ثمّ وثب علیها ووطئها وحملت منه لأسقطت عنه الحدّ وألحقت به الولد.

ویقول : إذا لفّ الرجل علی إحلیله حریرة ثمّ أولجه فی فرج امرأة لیست

له بمحرم لم یکن زانیاً ، ولا یجب علیه الحد.

ویقول : إنّ الرجل إذا تلوّط بغلام فأوقب لم یجب علیه الحدّ، ولکن یردع

بالکلام الغلیظ والأدب والخفقة والخفقتین بالنعل ، وما أشبه ذلک.

ویقول : إنّ شرب النبیذ الصلب المسکر حلال طلق إذا طبخ وبقی علی

الثلث وهو سنّة وتحریمه بدعة.

وقال الشافعی: إنّ الرجل إذا فجر بامرأة فحملت وولدت بنتاً فإنّه یحلّ للفاجر أن یتزوّج بها ویطأها ویستولدها لا حرج علیه فی ذلک ، فأحلّ نکاح البنات . (2)

وقال : لو أنّ رجلاً اشتری أخته من الرضاعة ثمّ وطئها لما وجب علیه

الحدّ ، وکان یجوّز سماع الغناء بالقصب وما أشبهه.

ص: 72


1- الأمّ للشافعی :153/5 ، الفقه علی المذاهب الأربعة للجزیری:66/44 و 124.
2- الفقه علی المذاهب الأربعة للجزیری: 66/4 و 124.
قصیدة للمؤلف رحماء الله

وکان مالک بن أنس یری سماع الغناء بالدفّ وأشباهه من الملاهی ،

ویزعم أنّ ذلک سنّة ، وکان یجیز وطیء الغلمان الممالیک بملک الیمین .

وقال داود بن علی الأصفهانی(1) إنّ الجمع بین الأختین بملک الیمین

حلالا طلق ، والجمع بین الأمّ والبنت غیر محظور.

فأقیم هؤلاء الفجور وکلّ منکر فیما بینهم واستحلّوه ، ولم ینکر بعضهم علی بعض ، مع أنّ الکتاب والسنّة والإجماع تشهد بضلالهم فی ذلک ، وعظّموا أمر المتعة واستنکروها وضلّلوا فاعلها ، مع أنّ القرآن والسنّة یشهدان بصحّتها، وأنّ النبیّ صلّی الله علیه و آله أباحها ، وفعلت علی زمانه ، ومات صلّی الله علیه وآله وهی جاریة فی الصحابة وغیرهم حتی حرّمها الثانی بجهله وکفره و تعصّبه بالباطل ، فصوبوا آراءه ، وسددوا اجتهاده فی تحریمها ، فیعلم أنهم لیسوا من أهل الدین، ولکنّهم من أهل العصبّیة والعداوة لآل محمد صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین.

ولنختم المجلس بقصیدة أملاها خالص إیمانی علی جنانی ، وألقاها محض اعتقادی إلی فؤادی ، وکتبتهاید محبّتی علی لوح فکرتی ، واستخرجتها صناعة بلاغتی من خزانة فصاحتی ، أسأل الله أن یجعلها صدر جریدة عملی، وبیت قصیدة أملی ، وهو حسبنا ونعم الوکیل : عصرُ الشبابِ تولّی وانقضی منی

طیف حلم زَمَضی فی غمضة الوسنِ

ص: 73


1- داود بن علی بن خلف الأصبهانی، المعروف بالظاهری ، ولد عام «202» ه، وتوقی عام « 270» هم، ولد بالکوفة ، ورحل إلی نیسابور ، ونشأ ببغداد وتوفّی بها، من تصانیفه : کتابان فی فضائل الشافعی. «معجم المؤلّفین : 139/4».

وخاننی جلدی لمّا دنا أجلی

وأقبل الشیب بالترحال یؤذننی

سبعون عاماً مضت ماکان أجمعها

إلّاکومض بریق لاح فی مزی

لم أستفد صالح فیها ولا عملاً

إلی رضا الله فی الأخری یقربنی

فکّرت فی عصب من أسرتی سلفوا

وأهل ودّی وفیمن کان یصحبنی

فما وجدت لهم عینا ولا أثرة

ولیس حی سوای من بنی زمنی

أیقنت انّی بهم لا شکّ ملتحقّ

وانّ دهری بسهم الموت یرشقنی

فعادنی منهم عید فسال دماً

دمعی لذکرهم کالعارض الهتن

علمت من عادة الدهر الخؤون بأنّ

الشیب والموت مقرونان فی قرنی

وابیضّ فودیّ ولکن سودت صحفی

کبائر ذکرها ماعشت یحزننی

أیّام عمری فی دنیای مذقصرت

طالت خوادع آمالی فیاغبنی

ص: 74

وکلّما ضعفت منّی القوی قَوِیَت

و عزیمتی فی الّذی فی الحشر یوبقنی

لم أستفد فی حیاتی غیر صدقٍ ولا

و ص فو اعتقادی وإیمانی علیه بُنی

بحبّ أحمد والأطهار عترته

و أوّلی الن هی وذوی الآلاء والمنن

قوم هم العروة الوثقی فمن علقت

بها یداه رآها أحصن الجنن

لا یقبل الله من أعمالنا عملاً

إلّا بحبّهم فی السر والعلن

ماذا أقول لقوم کان والدهم

للمصطفی خیر منصوب ومؤتمن

ربّ الغدیر وقام السعیر

وذی العلم الغزیر مبین الفرض والسنن

وصاحب النص فی آی العقود

فإنّما ولیّکم إن تستل تستبن

کّل إلی علمه ذو حاجة وإذا

أخبرته فهو عنهم بالکمال غنی

به استقامت طریق الحقّ واتّضحت

وثبّت الله مابالدین من وهن

ص: 75

توراة موسی وإنجیل المسیح له

فی طیّها نشر ذکر واضح السنن

أهل السماء وأهل الأرض لوطلبوا

أن یحصروا عدّمافیه من الحسن

ضاقت مذاهبهم عجزاً ومابلغوا

معشار ماجاء فی المولی أبی حسن

س ل عنه بدراً وأحزاب الطغاة بنی

و حرب وعمرو بن ودَّ عابدِی الوَثَن

الاعلاه بمشحوذ الغرار هوی

ی صافح الأرض بالکفّین والذقن

علیّ علی کتف المختار معتمداً

و طهارة البیت من رجس ومن در

ماقلته قطرة من بحر مدحته

یکلّ عنه بیان الماهر اللسن

هل أتی هل أتی إلّا له شرف

آیات مدحته تتلی مدی الزمن

الله مادحه والذکر شاهده

هذی المکارم لا تعبان من لبن

به قواعد إیمانی علت شرفاً

ف صرف ودّی له أرجوه یسز لفنی

ص: 76

باله وبه أرجو النجاة غداً

إذا عرابی داعی الموت یطلبنی

وصرت فی اللحد منبوذاً وفارقنی

رهطی وأنکرنی من کان یعرفنی

وطال فی الترب مکثی وانمحی أثری

کأنّنی أری الدنیا ولم ترنی

وقمت بین یدی ربی وطائر أع

مالی بما کان من فعلی یذکرنی

هناک أرجو إذا

نودیت منفرداً

بثابت القول ربی أن یثبتنی

من عالم الذر حتی الآن حبهم

فی مهجتی مستقلا یفارقنی

وهکذا بغض من ناواهم حسداً

به دین إذا ما الله یسألنی

یا من هموا فی حیاتی عدّتی وهُمُوا

عقدی وعهدی إذا ألُففّت فی کفنی

وجسدی لما نسالکم لا ینقضی فإذا

ذکرته هاج بی من لوعتی حزنی

وما لقسی بسعد خیر الخلق والدکم

ص نو النبیّ من الأرجاس یقلقنی

ص: 77

من الذی نفقت سوق الفسوق وقا

م البغی منهم علی ساق من الفتن

لولا عتیقُ وثانیه لما ظهرت

من آل حَربٍ خَفایا الحِقد والضغن

ولا غدا الصنو فی المحراب منجد؟

قدقُدَّ مفرقه فی ظلمة الدجن

من بعد ما کفروا بالله إذ نصبوا

له الحروبَ وثنّوا بابنه الحسن

هرّوا بسمّهم منه الحشا فتوی

خلف المنون من الأوغاد ذی الاجن

وجدی وصبری موصول ومنقطع

لرزئه وفؤادی بالغموم منی

یابن النبیّ ویانجل الوصیّ ویا

أعلی الوری نسباً یاخیر ممتحن

الذکر صدّک عن بیت الرسول ودف

من الأوّلین به حزنی یستهّدنی

وفعل من اقدموا للمنع تقدّمهم

أمّ الشرور علی بغل یحیّرنی

وإن تفکّرت فی یوم الطفوف وما

علیکم ثمّ هاج الوجد فی بدنی

ص: 78

وذکر صنوک مقتولاً علی ظمأ و من الصبابة

تطوینی وتنشرنی

لهفی علی مساجد بالطفّ یهتف بال

اسطغاة هل ناصر فی الله ینصرنی

هل من رحیم له فی الله معتقد

یری أوامی وما ألقی فیسعفنی

هل عالم أنّ جدّی المصطفی وأبی

وصیّه المرتضی حقّاً فیسعدنی

ألیست البضعة الزهراء أمّی وال

طیّار عمّی فلا خلق یساجلنی

لم آتکم رغبة فیکم ولا طمعاً

فی مسلککم بل خشیت الله یمقتنی

بترک فرض جهاد القاسطین فکا

انت حّجة الله إذ خالفت تلزمنی

وکنت أعلم أنّ الغدر طبعکم

و لکن رجاء ثواب الله یسترنی

وددت لو کان بعد المشرقین غداً

منکم مقامی وعنکم نازح وطنی

یاناکصین علی أعقابکم تربت

یداکم فانثنیتم راکدی السفنِ

ص: 79

ألیس بالطهر جدی والوصیّ أبی

علیکم الله أعلانی وشرفنی

بما استبحتم دمی والله أوجب فی ال

تنزیل ودّی وصفّانی وطهّرنی

من کلّ رجس وفی یوم الکساء رسوا

ل الله خ امسهم بالنصّ صیّرنی

وهذه النسوة اللاتی ترون بنا

ت المصطفی فانتهوا یاعادمی الفطن

منعتموهنّ من شرب المباح فعد

ن یشتکین الظماء بالمدمع الهتن

یا أمّة سفهت بالبغی أنفسها

فرأیها فالذّی اختارت إلی أفنِ

أجبت أن لناعلم بأنّک أو

ا ل

ی الناس بالناس من بادٍ ومقتطنِ

وانّ جدّک هادیهم وشیخک وا

الیهم وأنتم معاذ الخلق فی المحن

الکنّما زینة الدنیا وزهرتها

نقد ومن ذا یبیع النقد بالظنن

لم یقس ماتم فی بدر فلیس لنا

قلب لما صار فیها غیر مضطعن

ص: 80

بعد الولید بها

جزر کجزرکم کوماً من البدنِ

فمذ تحقّق أن القوم طبعهم

غدرٍ وجمعهم بالله لم یهنِ

رأی ج هادهم فرضاً فناجزهم

علی سواءٍ فلم ینکل ولم یهنِ

وباع نفساً علت فوق السها شرفاً

من ذی المعارج بالغالی من الثمن

بجنّة طاب مثواهافساکسنها

قد فاز منها بعیش فی الخلود هنی

وناجز القوم فی أبرار عترته

فما استکانوا إلی الأعداء من وهن

ح تی إذا استلبوا أرواحهم وغدوا

طعم المناصل والخطیة اللدن

أضحی فتی المصطفی فرداً فوا أسفی

علی الفرید ویاوجدی ویاشجن

ض رام وجدی إذا أجریت مصرعه

بفکری شبّ فی قلبی فیحرقنی

فیرسل الطرف مدراراً فیطفی نا

ر الحزن لکن بفیض الدمع یغرقنی

ص: 81

لهفی علی نسوة ضلّت مهتُکة

ویسترن تلک الوجوه الغرّ بالردی

تساق عنفاً علی الأقستاب لیس تری

إلا زنیماً

من الأرجاس ذا ظغن

کنسوة من أُساری الشرک طیف بها

وبرزت جهرة فی سائر المدن

یا أشرف الخلق جدّاً فی الوری وأباً

وأسمح الناس بالآلاء والمننِ

ومن به عذت من ریب الزمان ومن

حططت رحلی به عند انتهاء زمنی

حزنی لمنالکم لا ینقضی ولو أنّ اک

لحد أصبح بعد الموت یسترنی

لو کنت حاضرکم فی کربلا لرأی

ست القتل فرضاًبه الجبّار الزمنی

وکنت أجعل وجهی جنّة لک من

سهام قوم بغاة فیک تقصدنی

حتی أضل وأوصالی مقطّعة أذبّ عنک وعین الله

تلحضنی

وصرت فی عصبةٍ جادت بأنفسها

فذکر ماصنعت فی الفخر غیر دنیّ

ص: 82

باعت من الله أرواحاً مطهرّة

مافی الّذی بذلت فی الله من غبن

مولای إذ لم أنسل فضل الشهادة بال

جهاد

فیک ولا التوفیق أسعدنی

فقد وقفت لسانی فی جهاد اولی الی

ضلال من فیکم بغیاً یؤنّبنی

عتیق یغلی أراه قیمة لعتی

قهم وانظره أدنی من الثمن

وهکذا الظالم الثانی وثالثهم

ذو الغیّ أخبث مغرور ومفتی

وعصبة صرعت حول البعیر علی

أکفار رتبهم الله أطلعنی

وتابعوا الرجس فی صفّین لعنهم

فرض علئَّ له الرحمن وفّقنی

وهکذا أنا نحو المارقین بغا

ة النهر فی کل آن مرسل لعنی

هذا أعتقادی به أرجو النجاة إذا

اوقفت بین یدی ربی لیسالنی

ثمّ الصلاة علیکم کلمّا سجعت

حمائم الأیک فی دوحٍ علی فنن

ص: 83

ص: 84

المجلس الخامس: فی خصائص الامام السبط التابع لمرضاة الله أبی عبدالله الحسین علیه السلام

اشارة

فی خصائص الامام السبط التابع لمرضاة الله أبی عبدالله الحسین علیه السلام، وما تمّ علیه من أعدائه ، وذکر شیء من فضائله ، وما قال الرسول صلّی الله علیه و آله فی حقّه ، وما جری علیه من الأمور الّتی امتحنه الله بها واخته بفضائلها حتی صار سیّد الشهداء وسیلة لأهل البلاء، و تعزیة لأهل العزاء ، صلوات الله علیه وعلی جدّه وأبیه ، وأمّه وأخیه، والأئمّة من بنیه، ولعن الله من ظلمهم،

خطبة للمؤلف رحمه الله

واغتصبهم حقهم، آمین ربّ العالمین

الحمد لله الّذی طهّر بزلال الاخلاص قلوب أولیائه ، وألزم نفوس الخواصّ بحمده وثنائه ، وأطلع أحبّاءهُ علی جلال عظمته وکبریائه ، ورفع خلصاءه من حضیض النقصان إلی أوج الکمال باحتضانه ، وسرّح عقولهم فی دوح معرفته فرتعوا فی تلک الریاض المونقة، وشرح صدورهم بافاضة أنوار عنایته علی قوابل أنفسهم المشرقة ، فاقتطفوا بأنامل إخلاصهم ثمار العرفان من تلک الحدائق المغدقة ، واستنشقوا بمشام هممهم عاطر أنوارها وأزهارها المحدقة ، واساموا ابصار بصائرهم فی خمائل جمالها ، فشاهدوا ما تکلّ عن

ص: 85

وصفه الألسن، واجتنوا من ثمرات شجرات دوحها ما تشتهی الأنفس وتلذّ الأعین .

ولمّا عاینوا أنهار العنایة قد فجرّت خلالها تفجیراً. وأدارت ولدان المحبّة علی خالص المودِة کأساً کان مزاجها کافوراً، ارتاحت أرواحهم إلی أسیر ..(1) زلال تلک الکؤوس المترعة ، وسارت منهم النفوس إلی موارد مشارع معرفة الملک القدّوس مسرعة، حتی إذا شربوا بالکأس الروّیة من شراب إخلاص المحبّة ، انبسطت أرواحهم من لذّة حلاوة الشربة، وکشف لهم الغطاء عن السرّ المحجوب ، واطلّعوا من أحوال البرزخ علی خفیات الغیوب .

ولمّا اطلّع سبحانه علی حقیقة إخلاصهم تفرّد بإحبائهم واختصاصهم، و ثبّت فی مداحض الأقدام أقدامهم، وأثبت فی دفاتر الاعظام مقامهم، وصیّرهم الوسائط بینه وبین عباده ، والرسائل لأنامه فی بلاده، واصطفاهم بالعصمة التامّة، واجتباهم بالرئاسة العامّة ، فأنقذوا الجهّال بإفاضة علومهم، وو از نوا الجبال برزانة حلومهم، ونفعوا العلیل بفصیح وعظهم، وشفوا الغلیل بمبین لفظهم، وساقوا الناس بسوط حکمهم إلی شریعة ربهم ، ونادوا الخلق بصوت عزمهم إلی منازل قربهم ، وعادوا فی الله أعداءه، ووالوا فی الحقّ أولیاءه ، حتی أشرقت بنور هداهم الأقطار، وازّینّت بذکر علاهم الأمصار، ورفل الحقّ فی سرابیل العزّة والافتخار، وخطر الصدق فی میادین القوّة والاشتهار ، ویسرت معالم الایمان بمعالم علمهم ، وظهرت أحکام القرآن بواضح حکمهم ، ورسخت أصول الدین فی صعید القوّة بجدّهم، وبسقت فروع الشرع فی سماء العزّة بجهدهم، فعلوم التوحید منهم ینابیعها تفجرت ، وأسرار التنزیل بقوانین معارفهم ظهرت ، والعدل والحکمة صحة استنباطهم طرائقها قرّرت .

ص: 86


1- غیر مقروءة فی الأصل .

لم یخلق الله خلقاً أکرم علیه منهم ، ولم یصدر عنه من العلوم ما صدر

عنهم .

ولمّا تمّت کلمتهم ، وکملت صفتهم، وشملت رئاستهم ، وعمّت خلافتهم،

وعمر برّهم، وعلا أمرهم، وخلصت قلوبهم ، وصعبت نفوسهم، وأفاض الجلیل سبحانه علی أفئدتهم أنوار جلال عظمته ، ورقّی أرواحهم إلی سماء العرفان فاطلّعوا علی أسرار الهیّته ، أراد سبحانه أن لا یترک خصلة من خصال المجد ، ولا مزّیة من مزایا الفخر إلّا ویجعلهم عیبتها ومجمعها و منبعها ومشرعها وموئلها ومرجعها و مربعها ، ففازوا من خلال الکرم بالعلی من سهامها ، والأعلی من مقامها، حتی وصفهم سبحانه بأشرف خصال الکرامة ، وأنزل قرآناً تتلی آیات مدحتهم فیه إلی یوم القیامة، وحازوا من المعارف الربّانیّة والأحکام الشرعیّة ما ینفع العلیل ، ویبّل الغلیل.

عنهم أصول العلوم أخذت، وبنهم أولوا المعارف احتذت، وعلی قواعدهم بنوا، وعن أعلامهم رووا، وجعلهم الله لسانه الناطق بحقّه ، ومناره الساطع فی خلقه.

ولمّا انتهت فی الکمال رتبتهم ، و علت فی الجلال غایتهم ، وعرفوا المبدع حقّ معرفته ، ونزّهوه عمّا لا یلیق بصفته ، صفّوا فی مقام الخدمة أقدامهم ، ونصبوا فی حضرة العزّة أبدانهم، ولحظوا بعین التعظیم جلال مبدعهم ، وشاهدوا بعین الیقین کمال مخترعهم ، اشتاقت أنفسهم إلی المقام الأسنی، وتاقت أرواحهم إلی الجناب الأعلی ، من جهاد أعداء ربّهم ، والممّوهین بزورهم وکذبهم ، الذین باض الشرک فی رؤوسهم ، وفرّخ و ثبت الکفر فی نفوسهم ، ورسخ ونعق ناعق النفاق فی قلوبهم فاتبّعوه، ودعاهم داع الشقاق فی صدورهم فأطاعوه ،

ص: 87

فأجلبوا علی حرب الفتی ، وثنّوابقتال الوصیّ ، و تلبّثوا بسمّ الزکیّ ، وکفروا بأنعم ربّهم العلیّ.

وکان أفضل من جاهدهم فی الله حقّ جهاده، و بذل نفسه لله بجدّه

واجتهاده، وتلقّی حرّ الحدید بذاته وولده ، وقاتل بجدّ مجید بعد أبیه وجدّه .

ثانی السبطین ، وثالث أئمّة الثقلین ، وخامس الخمسة ، أشرف من بذل فی الله نفسه ، منبع الأئمّة ، و معدن العصمة ، السیّد الممجّد ، والمظلوم المضطهد، سیّد شباب أهل الجنّة ، ومن جعل الله حبه فرضاً لا سنّة ، وولاءه من النار أعظم جنّة، سبط الأسباط ، وطالب الثأر یوم الصراط ، أشرف من مشی علی وجه الأرض، وأقوم من قام بالستة والفرض، وأفضل من بکت السماء لقتله ، وأمجد من اجتمعت أمّة السوء علی خذله.

الإمام الشهید ، والولیّ الرشید ، قرّة عین سیّدة النساء ، وثمرة قلب سیّد الأوصیاء ، ومن شرفت بمصرعه کربلاء، وصارت مختلف أملاک السماء ، السیّد الماجد ، والولیّ المجاهد ، قتیل العبرة ، وسلیل العترة، وفرع السادة البررة ، الإمام المظلوم، والسید المحروم، الذی مصیبته لا تنسی ، وحرّها لا یطفی، المنهتک الحرمة ، والمخفور الذمة ، الّذی لا یحقّ الجزع إلّا علی مصیبته ، ولا یلیق الهلع إلّا من واقعته ، الصبور عند البلاء، والشکور عند الرخاء.

کان للسائل کنزاً، وللعائذ عزّاً ، وللمجدب غیثاً، وللمستصرخ مغیثاً ، عبرة کلّ مؤمن ، وأسوة کلّ ممتحن ، صفوة المصطفین ، وأحد السیّدین ، وابن صاحب بدر وأحد وحنین ، سیّدنا و مولانا أبا عبدالله الحسین، الّذی هضمت مصیبته الاسلام هضماً ، وهدماً محنته الایمان هدمة، وألبست قلوب المؤمنین کرباً

وغمّاً

ص: 88

با

یا لها مصیبة شق لها المؤمنون قلوبهم لا جیوبهم، وتجافت لعظمها عن المضاجع جنوبهم ، وأمطرت السماء دماً و تراباً، وخبرت من أخی العرفان أفکاراً وألباباً، واضطربت لهولها السبع العلی ، واهتزّ لها عرش الملیک الأعلی.

النبیّ والوصیّ فیها أهل العزاء، وسیّدة النساء تودّ لو تکون له النداء ،

أنسی کلّ مصیبة مصابها ، وأمر کلّ طعم صابها، وأدارت کؤوس الأحزان علی قلوب المؤمنین ، وجدّدت معاهد الأشجان فی نفوس المخلصین ، کسیت السماء بحمرة نجیع شهدائها سقفاً، وأذکت فی قلوب المؤمنین بفادح زنادها حرقاً ، وأنفذت بتراکم أحزانها ماء الشؤون، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب فأسالتها دم من العیون ، فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون . أی مصیبة طمت وعمت وأشجت قلوب المؤمنین وأعمت.

فیا إخوانی عزّوا نبیّکم المصطفی فی هذا الیوم بسبطه ، اسعدوا ولیّکم المرتضی فی مصابه برهطه ، فإنّ البکاء فی هذا العشر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أکمل القربات، ولما کانت هذه المصیبة لم تقع منذ خلق الله السماوات والأرض واقعتها ، ولا أنهتکت حرمة نبی ولا ولیّ کانهتاک حرمتها، ولا غضب الله غضبها علی من شبّ ضرامها، ونصب أعلامها، وقاد جنودها، وعقد بنودها، أردت أن أنفت حزازة (1)صدری ، وأبوح بما فی سرّی ، وأخاطب المؤمنین من إخوانی بما خطر فی جنانی ، ونطق به لسانی ، فقلت من شدّة أسفی ، وفرط لهفی ، ودمعی

ص: 89


1- نَفَتَتِ القِدُرُ تَنِفتُ نَفتأ .. إذا کانت ترمی بمثل السهام من الغَلی. «لسان العرب: 100/2- نفت - . والحزازة : وجع فی القلب من غیظ ونحوه. «لسان العرب: 335/5 - حزز -» .

یملی ولا یمل ، ووجدی یقلی ولا یقل :

یا إخوانی، تفکّروا فی هذا الخطب الجسیم، والرزء العظیم، أیقتل ابن رسول الله فی مفازة من الأرض من غیر ذنب ارتکبه ، ولا وزر احتقبه ، ولا فریضة بدّلها ، ولا سنّة أبطلها ؟ فتجتمع عصابة تزعم أنّها من أمّة جدّه ، وسالکة منهاجه من بعده ، فتحرم علیه الماء المباح ، و تجعل ورده من دم الجراح، لا تأخذها به رأفة، ولا تخشی أن ینزل بها من غضب الله آفة، وهو یستغیث بأوغادها فلم یغیثوه ، ویستعین بهم ولم یعینوه ، بل قست قلوبهم فهی کالحجارة أو أشد قسوة ، ونقضوا عهدهم کالّتی نقضت غزلها من بعد قوّة، لم یوقّرواشیبته ، ولم یذکروا قربته، ولا رحموا صبیته ، ولا احترموا نسوته ، ولا راعواغربته ، ولا استهابوا حرمة جدّه ، ولا تألّموا من خلف وعده ، بل ذبحوا أطفاله ، وهتکوا عیاله ، وقتلوا ذرّیتّه ، واستأصلوا أسرته ، وانتهبوا ثقله ، واستباحوا قتله ، وأضرموا النار فی مضاربه، وسدّوا علیه أبواب مطالبه ، وأظهروا ما کان کامناً من نفاقهم ، وأبدوا ما أخفوا من سقامهم.

فأیّ مسلم یعتقد إسلامهم ؟ وأیّ عاقل یؤوّل مرامهم ؟ فلا یشکّ فی کفرهم إلّا من بلغ فی الغی غایتهم ، وسلک فی البغی جادّتهم ، فأحوال الملاحدة منکری الصانع أحسن من أحوالهم، وأفعال جاحدی الشرائع أضرب من فعالهم وأقوالهم ، إذ هم یعتقدون ما حسّن العقل حسناً صریحاً، وما قبح العقل شنیعاً قبیحاً، وأهل الملل المنسوخة والشرائع المفسوخة من أهل الکتاب وغیرهم یعظّمون ذراری أنبیائهم ، ویثابرون علی محبّة أبنائهم ، ویتبّرکون بآثارهم و مزاراتهم ، ویسجدون لصورهم المصّورة فی بیعهم ودیاراتهم، وهذه الطائفة المارقة، والعصابة المنافقة، من بقایا الأحزاب ، وسفهاء الأعراب ، کانوا أهل

ص: 90

ضرّ و متربة ، وعسر ومسغبة ، یخافون أن یتخطّفوا من دارهم، وینفوا عن قرارهم ، قد ضربت علیهم الذلّة ، وشملتهم البلیة ، وألجأتهم الأعداء إلی المفاوز المقفرة والبوادی المنقطعة ، وأجلتهم خصماؤهم عن القری المحتفّة بالجنان الملتقة ، والعیشة الرضیّة ، والأقوات الشهیّة ، کما قال سیّدنا ومولانا أمیر المؤمنین علیه السلام : واعتبروا بحال ولد إسماعیل وبنی إسحاق وبنی إسرائیل علیهم السلام، فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه (1)الأمثال !

تأمّلوا أمورهم (2) فی حال تشتّتهم وتفرّقهم، لیالی کانت الأکاسرة والقیاصرة أرباباً لهم یحتازونهم (3)عن ریف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدنیا ، إلی منابت الشیح ، ومها فی الریح، ونکَد (4) المعاش، فترکوهم عالةً مساکین إخوان دَبرٍ ووَبرٍ (5)، أذلَّ الأمم داراً ، وأجسدبهم قراراً، لا یأوون إلی جناح دعوة یعتصمون بها، (6)ولا إلی ظلّ أُلفةٍ (7) یعتمدون علی عزّها، فالأحوال مضطربة ، والأیدی مختلفة ، والکثرة متفرّقة ، فی بلاء أزل(8)، وأطباق جهل ؟ من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة.

فانظروا إلی مواقع نعم الله علیهم حین بعث إلیهم رسولاً، فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع علی دعوته اُلفتهم ، کیف نشرت علیهم النعمة جناح کرامتها ،

ص: 91


1- أی تشابه .
2- فی النهج : أمرهم .
3- أی یقبضونهم عن الأراضی الخصبة.
4- المهافی : المواضع التی تهفو فیها الریاح أی تهب . والنکد : الشدة والعسر .
5- الدَبَر : القرحة فی ظهر الدابّة . والوَبَر : شعر الجمال . والمراد أنهم رعاة .
6- أی لم یکن فیهم داع إلی الحقّ فیأووا إلیه ویعتصموا بمناصرة دعوته .
7- کذا فی النهج ، وفی الأصل : ولا إلی لغة
8- الأزل : الشدة.

وأسالت لهم جداول نعمتها(1) والتفّت الملّة بهم فی عوائد برکتها، فأصبحوا فی نعیمها(2) عرقین ، وفی (3)خضرة عیشها فکهین ، قد تراحت لهم الأمور(4) فی ظلّ سلطان قاهر ، و آوتهم الحال إلی کنف عزًّ غالبٍ ، وتعطفت الأمور علیهم فی ذُری مُلک ثابت ، فهم حکّامُ علی العالمین، وملوک فی أطراف الأرضین، یملکون الأمور علی من کان یملکها علیهم، ویمضون الأحکام فیمن (5)کان یمضیها فیهم ! لا تغمز لهم قناة ، ولا تقرع لهم صفاة(6)- (7)انتهی کلامه.

قلت : فما کان جزاء من أسدی هذه المنّة إلیهم، وأسدل النعمة علیهم، إلّا أن ترکوه میّتاً لم یکفّن ، ومحبوراً لم یدفن ، وأظهروا ما کان من حقدهم مخفیّاً ، ونشروا من غیّهم ما کان منطویاً ، وأنکروا وصیّته ، وأهانوا ذرّیتّه ، وجحدوانصّه وعهده ، وأخلفوا وعده و عقده ، وجعلوا زمام أمورهم بأیدی أدناهم نسباً، والأمهم حسباً، وأقلهم علماً ، وأسفههم حلما ، لا فی السراة القصوی من قصّتهم، ولا فی المرتبة العلیا من لومهم، ثمّ لم یقنعوا بما فعلوا، فلم یعترفوا إذ جهلوان ولم یتحولوا إذ غیّروا وبدّلوا، ولم یستجیبوا إذضلّوا، وضلّوا حتی دبّروا فی قطع دابرهم، وإخفاء مآثرهم ، یجرّ عونهم الغصص، ویوردونهم الربق،(8) ویأکلون

ص: 92


1- فی النهج : نعیمها.
2- فی النهج : نعمتها.
3- کذا فی النهج ، و فی الأصل : وعن.
4- فی النهج : قد تربعت الأمور بهم. وتربعت: أقامت .
5- کذا فی النهج ، و فی الأصل : علی من.
6- القناة : الرمح . وغمزها: جسّها بالید لینظر هل هی محتاجة للتقویم والتعدیل فیفعل بها ذلک. والصفاة : الحجر الصلد. وقرعها : صدمها لتکسر .
7- نهج البلاغة : 297 ضمن خطبة رقم 192.
8- االربق : الکرب.

مشاهدة المؤلف رحمه الله قبرأ کتب علیه : هذا قبر السیدة ملکة

بنت الحسین علیه السلام

تراثهم، ویحوزون میراثهم.

ثمّ لم تزل الأوغاد تنسخ علی منوالهم، وتقتدی بأفعالهم وأقوالهم، إلی أن شنّوا علیهم الغارات، وعقدوا لحربهم الرایات ، واصطفّوا لقتالهم بصفّینهم وبصرتهم، وابتدروالبوارهم وبوار شیعتهم، ثمّ اغتالواوصیّه فی محرابه ساجداً راکعاً ، وخذلوه متهجّداً خاشعاً، وجرّعواسط نبیّهم ذعاف سمومهم ، وصرعوا رهطه فی کربلاء بشدّة عزمهم و تصمیمهم.

ثمّ جعلوا سبّ ذرّیّته علی منابرهم فی جوامعهم، وهمزعترته فی محاضرهم و مجامعهم، شرطاً من شروط صلواتهم ، وشطراً من أوراد عباداتهم ، وجعلوا شیعتهم إلی یوم الناس هذا أذلّاء مقهورین، وضعفاء مستورین ، قد کعمتهم(1) التقیّة ، وشملتهم البلیّة ، یقصدونهم فی أنفسهم وأموالهم، ویغزّون السفهاء من جهّالهم ، ویعیّرونهم بزیارة قبور أولیائهم وساداتهم ، ویبّدعونهم فی قصد مشاهد أئمتّهم ، بغض آل الرسول مرکوز فی جبلّتهم ، وهظم الطاهرة البتول مرموز فی خطابهم ومحاورتهم.

ولقد شاهدت فی القریة الظالم أهلها ، النائی عن الحقّ محلّها ، المغضوب علیها ، المنصوب علم الکفر لدیها، أعنی بلدة دمشق الشام محلّ الفجرة الطغاة ، شرقّی مسجدها الأعظم، وبیت أصنامها الأقدم، الّذی لا طهّر ولا قدّس ، بل علی شفا جرف هار آسَّس ، معدن العقوق ، ومرکز الفسوق ، وبیت النار ، ومجمع الفجّار، ومنبع الأشرار ، و شرّ من مسجد ضرار ، خربة - کانت فیما تقدّم مسجداً - مکتوب علی صخرة عتبة بابها أسماء النبی وآله والأئمة الاثنی عشر علیهم

ص: 93


1- الکمام : شیء یجعل علی فم البعیر ... وقد یجعل علی فم الکلب لئلا ینبح . «لسان العرب: 522/12 - کعم - ».

السلام، وبعدهم : هذا قبر السیّدة ملکة بنت الحسین علیه السلام بن أمیر المؤمنین ولفرط بغضهم لأهل بیت نبیّهم ، ترکوا القیام بعمارة ذلک المقام إلی أن استهدم ، ثمّ جعلوه مطرحاً لقماماتهم ، ومر میً لنجاساتهم وقاذوراتهم، فهزّت أریحیة الایمان رجلاً ممن تمسّک بولائهم أن یمیط الأذی والقاذورات عن تلک الخربة، لأنها وإن لم تکن مدفنا لأحد من ذرّیتّهم فقد شرفت بنسبتها إلیهم ، فجدّد بناءه واتّخذه مسجداً مهیّئاً للصلاة.

فلمّا أتمّه وأماط الأرجاس عنه وألقی القمامة علم بذلک شیخ إسلامهم وبلغام (1)زمانهم وأحد أعلامهم وأکثر أصنامهم ، عدوّ الله ورسوله ، الکافر بفعله وقوله ، المانع مساجد الله أن یذکر فیها اسمه ، التام فی النفاق حدّه ورسمه ، فأقبل الشقیّ فی جمع من المنافقین ، والعصب المارقین وأمر بهدم ذلک المسجد، وأن یعاد مطرحاً للقمامات والقاذورات کما کان أوّلاً، وأحضر معه رجلاً نصرانیّاً ممّن یعالج قطع الأحجار وأمره أن یمحو أسماء النبیّ والأئمّة الطاهرین عن تلک الصخرة قائلاً : ترک هذه الأسماء علی هذه الصخرة من أعظم بدعة فی الاسلام، أفمن کان هذا دینهم ومعتقدهم هل یشکّ عاقل فی کفرهم وارتدادهم، أو یرتاب فی إلحادهم ؟ ولیس ذلک ببدع من نفاقهم ، فهم فرع الشجرة الملعونة فی القرآن ، و أتباع جند الشیطان، وأعداء الرحمن ، شر من قوم لوط و ثمود ، وأخبث من عاد قوم هود ،فهم الکافرون الجاحدون المنافقون المارقون ، (یُریدُونَ لِیُطفئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللُه مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوکَرِهَ الکَافِرُونَ) (2). اللَّهمَ العنهم وأشیاعهم وأتباعهم لعناً وبیلاً، وعذّبهم عذاباً ألیماً.

ص: 94


1- کذا فی الأصل .
2- سورة الصف : 8.

فصل فی مناقب مولانا إمام الثقلین ، وثانی السبطین ، وأحد السیدین...

اشارة

فی مناقب مولانا إمام الثقلین ، وثانی السبطین ، وأحد السیدین، أبی عبدالله الحسین صلوات الله وسلامه علیه

فمنها ما اختصّ به فی حیاته ، ومنها ما ظهر بعد وفاته ، فلنبدأ بما حصل فی حیاته وقبل مولده.

فی کتاب الأنوار : إنّ الله سبحانه هنّأ النبیّ صلّی الله علیه و آله بحمل الحسین علیه السلام و ولادته ، وعزّاه بقتله ، فعرفت فاطمة ذلک فکرهته ، فنزل قوله تعالی :( حَمَلَةُ أمُّهُ کُرهاً وَوَضَعَتهُ کُرهاً وَحَملُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهراً )(1) فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم یولد مولود لستّة أشهر فعاش غیر الحسین وعیسی علیهما السلام.

غرر أبی الفضل بن خیرانة (2) أنّ فاطمة علیها السلام اعتلّت لمّا ولدت الحسین علیه السلام و جفّ لبنها ، فطلب له رسول الله صلّی الله علیه و آله مرضعاً فلم یجد ، فکان رسول الله صلّی الله علیه و آله یأتیه فیلقمه إبهامه فیمصّها ، فیجعل الله له فی إبهام رسول الله صلّی الله علیه و آله رزقاً یغذوه .

ص: 95


1- سورة الأحقاف : 15.
2- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : عن أبی الفضل بن جبیر .

وقیل : إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله کان یدخل لسانه فی فیه فیغزّه(1) کما یغرّ الطیر فرخه ، فیجعل الله له فی ذلک رزقاً یغذوه ، ففعل ذلک أربعین یوماً

ولیلة ، فنبت اللحم واشتدّ العظم منه من لحم رسول الله صلّی الله علیه و آله .(2)

عن بَرّة ابنة أمیّة الخزاعی قالت : لمّا حملت فاطمة بالحسن علیه السلام خرج النبیّ صلّی الله علیه و آله فی بعض حوائجه(3) فقال لها : إنّک ستلدین غلاماً قد هنّانی به جبرئیل فلا ترضعیه حتی أصیر إلیک.

قالت : فدخلت علی فاطمة حین وضعت (4) الحسن علیه السلام ولها(5)

ثلاث ما أرضعته ، فقلت لها : أعطینیه حتی أرضعه.

قالت : کلّا، ثمّ أدرکتها رقّة الأمهات فأرضعته ، فلمّا جاء النبیّ صلّی الله

علیه و آله قال لها : ماذا صنعت ؟

قالت : أدرکتنی علیه رقّة الأمّهات فأرضعته .

فقال صلّی الله علیه و آله : أبی الله سبحانه إلا ما أراد، فلمّا حملت بالحسین علیه السلام قال لها : یا فاطمة ، إنّک ستلدین غلاماً قد هنّأنی به جبرئیل فلا ترضعیه حتی أجیء إلیک ولو أقمت شهراً.

قالت : أفعل ، وخرج رسول الله صلّی الله علیه و آله فی بعض حوائجه(6)

ص: 96


1- أی یزقّه.
2- مناقب ابن شهرآشوب :50/4 ، عنه البحار :253/43ح 31، ومدینة المعاجز :492/3ح 100 وص493ح 1005، وعوالم العلوم : 21/17 ح 14 و 1.
3- فی المناقب : وجوهه .
4- فی المناقب : ولدت .
5- فی المناقب : وله.
6- فی المناقب : وجوهه.
أن الحسین علیه السلام لما منع من الماء کان یحفر الموضع فینبع ماء

طیب

فولدت فاطمة الحسین علیهما السلام، فما أرضعته حتی جاء رسول الله صلّی الله علیه و آله فقال لها : ماذا صنعتِ ؟

قالت: ما أرضعته . فأخذه رسول الله صلّی الله علیه و آله فوضع (1)لسانه فی فمه ، فجعل الحسین علیه السلام یمت حتی قال النبی صلّی الله علیه و آله : إیهاً حسین ، إیهاً حسین ، ثمّ قال : أبی الله إلا ما یرید هی فیک وفی ولدک - یعنی الامامة .. (2)

ولمّا منع الحسین علیه السلام من الماء أخذ سهماً وعدّ فوق خیام النساء

تسع خطوات ، فحفر الموضع ، فنبع ماء طیّب فشربوا وملأوا قربهم(3)

وروی الکلبی : أنّ مروان قال للحسین علیه السلام : لولا فخرکم بفاطمة

بما کنتم تفخرون علینا ؟

فوثب الحسین علیه السلام فقبض علی حلقه وعصره ، ولوی عمامته فی عنقه حتی غشی علیه ، ثمّ ترکه ، ثمّ تکلّم وقال آخر کلامه : والله ما بین جابلقا (4) وجابرسا رجل ممّن ینتحل الإسلام أعدی لله ولرسوله ولأهل بیته منک ومن أبیک إذ کان ، وعلامة ذلک أنک إذا غضبت سقط رداؤک عن منکبک.

قال : فوالله ما قام مروان [من مجلسه ](5) حتی غضب فانتفض فسقط

ص: 97


1- فی المناقب : وجوهه.
2- مناقب ابن شهرآشوب : 50/4 ، عنه البحار : 254/43 ح 32، ومدینة المعاجز :493/3ح1006،وعوالم العلوم :22/17 ح 2.
3- مناقب ابن شهرآشوب :50/4 ، عنه مدینة المعاجز : 494/3 ح 1007.
4- کذا فی المناقب ، و فی الأصل : جابر قا.
5- من المناقب .
فی إطاعة الحتی للحسین علیه السلام

رداؤه عن عاتقه . (1)

زرارة بن أعین : قال : سمعت الصادق علیه السلام یحدّث عن آبائه علیهم السلام أنّ مریضاً شدید الحمّی عاده الحسین علیه السلام ، فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّی عن الرجل ، فقال الرجل : رضیت بما أوتیتم [به](2) حقا، والحتی تهرب منکم.

فقال الحسین علیه السلام : والله ما خلق الله شیئاً إلّا وقد أمره بالطاعة لنا. قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نری الشخص یقول : لبّیک.

قال : ألیس أمیر المؤمنین أمرکِ ألّا تقربی إلا عدوّاً لنا أو مذنباً لکی تکونی کفّارة لذنوبه ، [ فما بال هذا] (3)؟ وکان المریض عبدالله بن شدادّ

اللیثی . (4)

تهذیب الأحکام (5): [قال أبو عبدالله علیه السلام : (6) إن امرأة کانت

ص: 98


1- مناقب ابن شهرآشوب: 51/4 ، عنه البحار : 206/44ح 2، وعوالم العلوم :86/17حا وعن الاحتجاج : 299. وأخرجه فی مدینة المعاجز: 497/3 ح 1011 عن الاحتجاج . وفی ص 498 ح 1012 عن المناقب .
2- من المناقب
3- من المناقب
4- مناقب ابن شهرآشوب: 51/4 ، عنه البحار:183/44ح8، ومدینة المعاجز : 499/3ح1013، وعوالم العلوم 48/17 ح 1. وروی مثله فی رجال الکشی: 87، عنه البحار : 183/44 ح 9، وعوالم العلوم :48/17ح2.
5- تهذیب الأحکام: 470/5 ح293، عنه البحار :183/44 ح 10، ومدینة المعاجز :506/3 ح 1023، وعوالم العلوم : 47/17 ح 3.
6- من المناقب .
فی إنطاق الحسین علیه السلام الطفل الرضیع

تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فمال بیده حتی وضعها علی ذراعها فبقیت(1)یده فی ذراعها حتی قطع الطواف ، فأرسل إلی الأمیر واجتمع الناس، وأرسل إلی الفقهاء فجعلوا یقولون : اقطع یده فهو الذی جنی الجنایة.

فقال : هاهنا أحد(2)من ولد رسول الله صلّی الله علیه واله ؟

فقالوا: نعم، الحسین بن علیّ علیه السلام قدم اللیلة ، فأرسل إلیه فدعاه ، فقال : انظر ما لقی هذان، فاستقبل الکعبة ورفع یدیه و مکث طویلاً یدعو، ثمّ جاء إلیهما حتی تخلّصت یده من یدها ، فقال الأمیر : ألّا نعاقبه بما صنع ؟

قال : لا .(3)

صفوان بن مهران : قال : سمعت الصادق علیه السلام یقول : رجلان اختصما فی زمن الحسین علیه السلام فی إمرأة وولدها ، فقال واحد: هذا لی، وقال الآخر: هولی، فمرّ بهما الحسین علیه السلام فقال لهما: فیما تمرجان ؟

قال أحدهما : إنّ هذه الامرأة لی. وقال الآخر : بل الولد والامرأة لی.

فقال للمدّعی الأوّل : اقعد ، فقعد ، وکان الغلام رضیعاً ، فقال الحسین علیه

السلام : یا هذه ، اصدقی من قبل أن یهتک الله سترکِ .

فقالت : هذا زوجی، والولد له ، ولا أعرف هذا. فقال علیه السلام للغلام : انطق بإذن الله .

ص: 99


1- فی المناقب : فأثبت الله .
2- کذا فی المناقب ، و فی الأصل : فقیل : هنا رجل .
3- مناقب ابن شهرآشوب : 51/4 .
أن الحسین علیه السلام أری الأصبغ رسول الله صلّی الله علیه وآله

وأمیر المؤمنین علیه السلام

فقال الغلام : ما أنا لهذا، ولا لهذا، وما أبی إلّا راعی لآل فلان . فأمر علیه

السلام برجمها.

قال جعفر علیه السلام (1): فلم یسمع أحدانّ غلاماً نطق بعدها(2)

الأصبغ بن نباتة : قال : سألت الحسین علیه السلام، فقلت : یا سیدی ،

أسألک عن شیء أنا به موقن ، وإنّه من سرّ الله وأنت المسرور إلیه ذلک السرّ.

فقال : یا أصبغ ، أترید أن تری مخاطبة رسول الله صلّی الله علیه و آله

لأبی دون(3) یوم مسجد قُبا ؟

قلت : هو الّذی أردت.

قال : قم ، فإذا أنا وهو بالکوفة ، فنظرت فإذا أنا بالمسجد من قبل أن یرتد إلیّ بصری ، فتبسّم فی وجهی ، ثمّ قال : یا أصبغ ، إنّ سلیمان علیه السلام أُعطی الریح غدوّها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد أعطیت أکثر ممّا أُعطی.

فقلت : صدقت والله یا ابن رسول الله.

فقال : نحن الّذین عندنا علم الکتاب وبیان ما فیه ، ولیس عند أحد من خلقه ما عندنا لأنّنا أهل سرّ الله ، ثمّ تبسّم فی وجهی ، ثمّ قال : نحن آل الله ، وورثة رسول الله صلّی الله علیه و آله.

فقلت : الحمد لله علی ذلک ، ثمّ قال : أُدخل، فدخلت فإذا أنا برسول الله صلّی الله علیه و آله مختبیء فی المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمیر المؤمنین

ص: 100


1- کذا فی المناقب ، وفی الأصل : أبو جعفر - وهو تصحیف ..
2- فی المناقب : فلم یسمع أحد نطق ذلک الغلام بعدها.
3- فی المناقب : لأبی دون والدون: الخسیس، عبر به عن الأول و الثانی تقیة .
أن جبرئیل علیه السلام کان یدعو لبیعة الحسین علیه السلام ، وأن

أصحابه لم ینقصوا ولم یزیدوا رجلا

علیه السلام قابض علی تلابیب الأعسر(1)، فرأیت رسول الله صلّی الله علیه وآله یعض علی الأنامل وهو یقول : بئس الخلف خلفتنی أنت وأصحابک ، علیکم لعنة الله ولعنتی ، الخبر.(2)

کتاب الإبانة : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبیر یقول : قلت للحسین

علیه السلام: إنّک تذهب إلی قوم قتلوا أباک، وخذلوا أخاک !

فقال علیه السلام : لإن أُقتل فی موضع کذا وکذا أحبّ إلیّ من أن یستحلّ

بی مکّة، عرّض به علیه السلام.

کتاب التخریج : عن العامریّ بالإسناد عن هبیرة بن مریم(3)، عن ابن عبّاس ، قال : رأیت الحسین علیه السلام قبل أن یتوجّه إلی العراق علی باب الکعبة وکفّ جبرئیل فی کفّه، وجبرئیل ینادی : هلمّوا إلی بیعة الله سبحانه .

وعُنّف ابن عبّاس علی ترکه الحسین علیه السلام، فقال : إنّ أصحاب الحسین لم ینقصوا رجلاً ولم یزیدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .

وقال محمد بن الحنفیّة : وإنّ أصحابه عندنا لمکتوبون بأسمائهم وأسماء

آبائهم(4)

ص: 101


1- الأعسر : الشدید أو الشؤوم، والمراد به الأوّل أو الثانی .
2- مناقب ابن شهرآشوب: 51/4 - 52، عنه البحار : 184/44 ذح 11، ومدینة المعاجز :500/3 ح1015 و ص 501ح 1016، وعوالم العلوم : 49/17 ح 1 وص50ح 1.
3- فی المناقب : بریم.
4- مناقب ابن شهرآشوب:52/4 - 53، عنه البحار : 185/44ح 12، ومدینة المعاجز:503/3ح 1017 - 1019 ، وعوالم العلوم : 54/17 ح 2 و ص 41ح 1.

فصل فی مکارم أخلاقه علیه السلام

سأل رجل الحسین(1) علیه السلام حاجة ، فقال صلوات الله علیه : یا هذا ، سؤالک إیّای یعظم لدیّ ، ومعرفتی بما یجب لک یکبر علیّ، ویدی تعجز عن نیلک ممّا أنت أهله ، والکثیر فی ذات الله قلیل ، وما فی ملکی وفاء لشکرک ، فإن قبلت المیسور دفعت عنّی مؤنة (2)الاحتیال لک ، والاهتمام لما أتکلّف من واجب حقّک.

فقال الرجل : یا ابن رسول الله ، أقبل [ الیسیر ](3)، وأشکر العطیّة ، وأعذر علی المنع ، فدعا الحسین علیه السلام بوکیله وجعل یحاسبه علی نفقاته حتی استقصاها ، ثمّ قال : هات الفاضل من الثلاثمائة ألفاً، فأحضر خمسین ألفا من الدراهم . فقال : ما فعلت الخمسمائة دینار ؟

قال : هی عندی.. قال : احضرها، فدفع الدراهم والدنانیر إلی الرجل، فقال : هات من

ص: 102


1- فی جمیع المصادر باستثناء مقتل الخوارزمی : الحسن.
2- فی المقتل : مرارة . وفی الکشف : «الاحتفال» بدل «الاحتیال» . یقال : احتفل فی الأمر: أی بالغ فیه .
3- من المقتل.

یحمل معک هذا المال ، فأتاه بالحمالین ، فدفع الحسین إلیهم رداءه لکراء حملهم حتی حملوه معه ، فقال مولیّ له : والله لم یبق عندنا درهم واحد.

قال : لکنّی أرجو أن یکون لی بفعلی هذا عند الله أجر عظیم .(1)

قیل : خرج الحسن علیه السلام فی سفر فأضلّ طریقه لیلاً، فمرّ براعی غنم فنزل عنده وألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح دله علی الطریق ، فقال له الحسن علیه السلام : إنّی ماض إلی ضیعتی(2) ثمّ أعود إلی المدینة ، ووقّت له وقتاً قال : تأتینی فیه ، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشیء من أموره عن قدوم المدینة ، فجاء الراعی وکان عبداً لرجل من أهل المدینة فصار إلی أبی عبدالله الحسین علیه السلام وهو یظنّه الحسن ، فقال : یا مولای ، أنا العبد الذی بتَّ عندی لیلة کذا وأمرتنی (3) أن أصیر إلیک فی هذا الوقت ، وأراه علامات عرف الحسین علیه السلام انّه کان الحسن علیه السلام.

فقال الحسین علیه السلام : لمن أنت ؟ فقال : لفلان. قال : کم غنمک ؟

قال : ثلاثمائة.

ص: 103


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 153/1 .ورواه فی مطالب السؤول:9/2، عنه کشف الغمة :588/1 - 559.ورواه فی الفصول المهمة : 157، عنه حلیة الأبرار :63/3 ح 6 وعن المطالب .وأخرجه فی البحار : 347/43ح 20 عن الکشف.
2- الضیعة : النخل والکرم والأرض
3- فی المقتل : ووعدتنی

فأرسل علیه السلام إلی الرجل فرغبّه حتی باعه الغنم والعبد فأعتقه ووهب له الغنم مکافأة عمّا صنع بأخیه ، وقال : إنّ الّذی بات عندک أخی وقد کافیتک بفعلک به .(1)

وروی الحسن البصری : قال : کان الحسین سیداً ، زاهداً، ورعاً، صالحاً ناصحاً، حسن الخلق ، فذهب ذات یوم مع أصحابه إلی بستان له وکان فی ذلک البستان غلام له یقال له صافی ، فلمّا قرب من البستان رأی الغلام قاعداً یأکل خبزاً، فنظر الحسین إلیه وجلس مستتراً ببعض النخل، فکان الغلام یرفع الرغیف فیر می بنصفه إلی الکلب ویأکل نصفه ، فتعجّب الحسین علیه السلام من فعل الغلام، فلمّا فرغ من الأکل قال : الحمد لله ربّ العالمین . اللّهمّ اغفر لی ولسیّدی وبارک له کما بارکت علی أبویه برحمتک یا أرحم الراحمین.

فقام الحسین علیه السلام وقال : یا صافی ، فقام الغلام فزعاً، فقال :

یا سیدی وسید المؤمنین إلی یوم القیامة ، إنّی ما رأیتک فاعف عنّی.

فقال الحسین علیه السلام : اجعلنی فی حل یا صافی لآنی دخلت

بستانک بغیر إذنک.

فقال صافی : یا سیّدی ، بفضلک وکرمک وسؤددک تقول هذا.

فقال الحسین علیه السلام : إنّی رأیتک ترمی بنصف الرغیف إلی الکلب

وتأکل نصفه ، فما معنی ذلک ؟

فقال الغلام : إنّ [هذا ](2)الکلب ینظر إلیّ حین أکلی ، فإنّی أستحی منه یا

ص: 104


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 153/1 .
2- من المقتل.

سیّدی لنظره إلیّ ، وهذا کلبک یحرس بستانک من الأعداء، وأنا عبدک وهذا کلبک نأکل من رزقک معاً.

فبکی الحسین علیه السلام وقال : إن کان کذلک فأنت عتیق الله ووهبت

لک الفی دینار بطیبة من قلبی.

فقال الغلام : إنّ أعتقتنی لله فإنّی أُرید القیام بیستاتک.

فقال الحسین : إنّ الکریم(1) إذا تکلّم بالکلام ینبغی له أن یصدقه بالفعل ، وأنا قلت حین دخلت البستان : اجعلنی فی حلّ فإنّی دخلت بستانک بغیر إذنک ، فصدقت قولی ، ووهبت البستان لک بما فیه ، غیر أن أصحابی هؤلاء جاءوالأکل الثمار والرطب فاجعلهم أضیافاً لک ، وأکرمهم لأجلی أکرمک الله یوم القیامة وبارک لک فی حسن خلقک وأدبک.

فقال الغلام : إنّ کنت أوهبت لی بستانک فإنّی قد سبلته لأصحابک

وشیعتک.

قال الحسن البصری : فینبغی للمؤمن أن یکون فی الفعال کنافلة(2)رسول

الله صلّی الله علیه و آله .(3)

وروی : أنّ الحسین علیه السلام کان جالساً فی المسجد، مسجد النبی صلّی الله علیه و آله فی الموضع الّذی کان یجلس فیه أخوه الحسن علیه السلام، بعد وفاة أخیه علیه السلام ، فأتاه أعرابی فسلّم علیه ، فرد علیه السلام وقال : ما حاجتک ؟

ص: 105


1- فی المقتل : الرجل .
2- الناقلة : الذرَیّة من الأحفاد والأسباط .
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 153/1 -154.

قال : إنّی قتلت ابن عمّ لی وقد طولبت بالدیة ، وقد قصدتک فی دیة

مسلّمة إلی أهلها.

قال : أقصدت أحداض قبلی ؟

قال : نعم، قال: قصدتُ عتبة بن أبی سفیان فناولنی خمسین دیناراً ،

فرددتها علیه ، وقلت: لأقصدنّ خیراً منک وأکرم.

فقال عتبة : و من خیر منّی وأکرم لا أمّ لک ؟ فقلت : الحسین وعبد الله بن

جعفر(1)، وقد أتیتک بدء اًلتقیم بها عمود ظهری و تردّنی إلی أهلی .

فقال الحسین علیه السلام : یا أعرابی ، إنّا قوم نعطی المعروف علی قدر

المعرفة.

فقال : سل، یا ابن رسول الله . فقال الحسین : ما النجاة من الهلکة ؟ قال : التوکّل علی الله. فقال : ما أوفی للهمة ؟ فقال : الثقة بالله. فقال : ما أحصن ما یتحصّن به العبد ؟ قال : بحبّکم أهل البیت . قال : ما أزین ما یتزیّن به العبد؟ قال : علم یزینّه حلم.

ص: 106


1- فی المقتل : إما الحسین بن علی وإما عبدالله بن جعفر .

قال : فإن أخطأه ذلک . قال : عقل یزیّنه تُقی . قال : فإن أخطأه ذلک . قال : سخاء یزیّنه خلق حسن . قال : فإن أخطأه ذلک . قال : شجاعة یزیّنها ترک العجب . قال : فإن أخطأه ذلک.

قال : والله یا ابن رسول الله إن أخطأ المرء هذه الخصال فالموت أنسب به

من الحیاة.

وفی روایة أنّه قال : فصاعقة تنزل علیه من السماء فتحرقه .

فضحک الحسین علیه السلام وأمر بعشرة آلاف درهم له وقال : هذا قضاء دیتک الّتی وجبت علیک ، وعشرة آلاف أخری ترمّ(1) بها معیشتک ، فأخذ الجمیع الأعرابی وأنشأ یقول: طربت و ماهاج بی(2)مقلق ومابی سقامُ ولا معشق (3) ولکن طربت لآل الرسول فسهاج بی (4)الشعر والمنطق هم الأکرمون هم الأنجبون نجوم السماء بهم تشرق

ص: 107


1- الرقم : إصلاح الشیء.
2- فی المقتل : قلقت و ما هاجنی.
3- فی المقتل : موبق.
4- فی المقتل : ففاجأنی .

فأنت الامام(1) بدر الظلام ومعطی الأنام إذا أملقوا سبقت الأنام إلی المکرمات فأنت الجواد فلا تلحق(2) أبسوک الّذی فاز بالمکرمات فقصّر عن سبقه السبق بکم فتح الله باب الرشاد(3)وباب الضلال بکم مغلق(4)

ص: 108


1- فی المقتل : الهمام.
2- فی المقتل : وأنت سبقت الأنام إلی الطبیبات ... وما .
3- فی المقتل : الهدی.
4- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 155/1- 157، باختلاف .

فصل فیما جاء فی فضله علیه السلام من الأحادیث المسندة

إخبار النبی صلّی الله علیه وآله باستشهاد الحسین علیه السلام

روی بحذف الإسناد : أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله قال یوماً لأمّ

سلمة : اجلسی علی الباب فلا یلجنّ علیّ أحد.

قال : فجاء الحسین علیه السلام وهو وحف(1)، قالت: فذهبت أتناوله فسبقنی ، فلمّا طال علیَّ خفت أن یکون قد وجد رسول الله صلّی الله علیه و آله علیَّ شیئاً، فتطلّعت من الباب فوجدته یقلّب بکفّیه شیئاً والصبیّ نائم علی بطنه ودموعه تسیل، فأمرنی أن أدخل، فدخلت وقلت : یا رسول الله صلّی اللہ علیک ، إنّ ابنک جاء فذهبت أتناوله فسبقنی ، فلمّا طال علیَّ خفت أن تکون وجدتَ فی نفسک علیَّ شیئاً، فتطلعت من الباب فوجدتک تقلّب بکفّیک شیئاً ودموعک تسیل والصبیّ نائم علی بطنک.

فقال صلّی الله علیه و آله : إنّ جبرئیل أتانی بهذه التربة الّتی یقتل علیها

ابنی ، وأخبرنی إنّ أمتّی تقتله.(2)

ص: 109


1- کذا فی المقبل ، وفی الأصل ، وصیف . والوحف: المسرع.
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 158/1 . و روی نحوه فی أمالی الصدوق : 120ح 2، عنه البحار : 225/44 ح 8، وعوالم العلوم : 128/17ح 10.

وفی روایة أخری: عن أمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت علی رسول

الله صلّی الله علیه و آله ، فقالت : یا رسول الله ، إنّی رأیت حلماً منکراًاللیلة.

قال : وما هو؟ قالت : رأیت کأنّ قطعة من جسدک قطعت ووضعت فی حجری.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : رأیت خیراً، تلد فاطمة إن شاء الله

غلاماً فیکون فی حجرک.

فولدت فاطمة الحسین علیه السلام فکان فی حجری کما قال صلّی الله علیه و آله ، فدخلت یوماً علی رسول الله صلّی الله علیه و آله فوضعته فی حجره، ثمّ حانت منّی التفاتة فإذا عینا رسول الله صلّی الله علیه وآله تهرقان بالدموع، فقلت: یا نبیّ الله ، بأبی أنت وأمّی مالک.

فقال صلّی الله علیه و آله وسلم: أتانی جبرئیل وأخبرنی إنّ أمتّی ستقتل

ابنی هذا.

فقلت : هذا؟ فقال : نعم ، وأتانی بتربة من تربته حمراء (1) وفی روایة أمّ سلمة : أخبرنی جبرائیل إنّ أمتّی ستقتله بأرض العراق. فقلت : یا جبرائیل، أرنی تربة الأرض الّتی یقتل بها ، فأرانی،(2) فهذه

ص: 110


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 158/1 -159. ورواه فی مستدرک الحاکم : 176/3 ، دلائل الامامة : 72، إرشاد المفید : 250، ترجمة الامام الحسین علیه السلام من تاریخ دمشق : 232/183 .وأخرجه فی البحار : 238/44 ح 30، وعوالم العلوم : 127/17 ح7 عن الارشاد .
2- فی المقتل : قال .

تربتها .(1)

وعن ابن عباس : قال : ما کنّا نشکّ و أهل البیت متوافدون علی أن

الحسین علیه السلام یقتل بالطفّ .(2)

روی بالاسناد : أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله قال : هبط علیَّ جبرائیل علیه السلام فی قبیل من الملائکة قد نشروا أجنحتهم یبکون حزناً علی الحسین ، وجبرائیل معه قبضة من تربة الحسین علیه السلام تفوح مسکاً أذفر ، فدفعها إلی النبیّ صلّی الله علیه وآله ، وقال : یا حبیب الله ، هذه تربة ولدک الحسین علیه السلام وسیقتله اللعناء بأرض یقال لها کربلاء

قال : فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : حبیبی جبرائیل ، وهل تفلح

امّة تقتل فرخی وفرخ ابنتی ؟

فقال : لا ، بل یضربهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر

الدهر.

وقال شرحبیل بن أبی عون: إنّ الملک الذی جاء إلی النبیّ إنّما کان ملک البحار، وذلک أنّ ملکاً من ملائکة الفردوس (3)نزل إلی البحر الأعظم، ثمّ نشر أجنحته وصاح صیحة ، وقال فی صیحته : یا أهل البحار، البسوا أثواب الحزن فإن فرخ محمد مقتول مذبوح ، ثمّ جاء إلی النبیّ صلّی الله علیه و آله ، فقال : یا حبیب الله ، تقتتل علی هذه الأرض [فرقتان؛ ](4)فرقة من أمّتک ظالمة معتدیة

ص: 111


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 159/1 .
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 160/1 .
3- فی المقتل : الفرادیس.
4- من المقتل.

فاسقة یقتلون فرخک الحسین بن بنتک بأرض کرب وبلاء، وهذه تربته.

قال : ثمّ ناوله قبضة من أرض کربلاء وقال : تکون هذه التربة عندک

حتی تری علامة ذلک، ثمّ حمل ذلک الملک من تربة[ الحسین فی بعض أجنحته فلم یبق ملک فی سماء الدنیا إلا شمّ تلک التربة ](1) وصار لها عنده أثر وخبر .

قال : ثمّ أخذ النبیّ تلک القبضة الّتی جاء بها الملک فشمّها وهو یبکی ویقول فی بکائه : اللّهمّ لا تبارک فی قاتل الحسین ولدی ، وأصلِهِ نار جهنّم ، ثمّ دفع القبضة إلی أمّ سلمة وأخبرها بمقتل الحسین علیه السلام علی شاطیء الفرات وقال : یا أمّ سلمة ، خذی هذه التربة إلیک فإنّها إذا تغیّرت وتحوّلت دما عبیطاً فعند ذلک یقتل ولدی الحسین ، فلمّا أتی علی الحسین سنة کاملة من مولده هبط علی رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم اثنا عشر ملکاً أحدهم علی صورة الأسد، والثانی علی صورة الثور، والثالث علی صورة التنیین، والرابع علی صورة بنی آدم،(2) والثمانیة الباقیة (3)علی صور شتی محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم ، یقولون : یا محمد ، إنّه سینزل بولدک الحسین بن فاطمة ما نزل بهابیل من قابیل(4)

قال : ولم یبق فی السماء ملک إلّا نزل إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله کلّ یعزّیه بالحسین علیه السلام ویخبره بثواب ما یعطی، ویعرض علیه تربته ،

اسم

ص: 112


1- من المقتل
2- فی المقتل : ولد.
3- فی المقتل : الباقون .
4- زاد فی المقتل : وسیعطی مثل أجر هابیل ، ویحمل علی قاتله مثل وزر قابیل .

والنبیّ صلّی الله علیه وآله یقول : اللّهمّ اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتّعه بما طلبه .

قال المسور بن مخرمة : ولقد أتی النبیّ صلّی الله علیه و آله ملک من ملائکة الصفیح الأعلی لم ینزل إلی الأرض منذ خلق الله الدنیا ، وإنّما استأذن ذلک الملک ربه ونزل شوقاً منه إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فلمّا نزل إلی الأرض أوحی الله سبحانه إلیه أن اخبر محمداً بأنّ رجلاً من أمّته یقال له یزید لعنه الله تعالی یقتل فرخه الطاهر ابن الطاهرة نظیرة البتول مریم

قال : فقال الملک : إلهی وسیّدی ، لقد نزلت من السماء وأنا مسرور بنزولی إلی نبیّک محمد ، فکیف أخبره بهذا الخبر ؟! لیتنی لم أنزل علیه ، فنودی الملک من فوق رأسه : أن امض لما أمرت، فجاء وقد نشر أجنحته [حتی وقف] (1)بین یدی رسول الله صلّی الله علیه و آله وقال : السلام علیک یا حبیب الله ، إنّی استأذنت ربّی فی النزول إلیک فأذن لی ، فلیت ربّی دقّ جناحی ولم آتک بهذا الخبر ، ولکنّی مأمور، یا نبی الله ، اعلم أنّ رجلاً من أمّتک یقال له یزید زاده الله عذاباً ، یقتل فرخک الطاهر ابن فرختک الطاهرة نظیرة البتول مریم ، ولم یتمتع بعد ولدک ، وسیأخذه الله معاوضة علی أسوء عمله، فیکون من أصحاب النار.

قال : فلمّا أتی علی الحسین سنتان کا ملتان خرج النبیّ صلّی الله علیه و آله فی سفر ، فلمّا کان (2)ببعض الطریق وقف وأسترجع ودمعت عیناه ، فسئل عن ذلک ، فقال : هذا جبرائیل یخبرنی عن أرض بشاطیء الفرات یقال لها

ص: 113


1- من المقتل.
2- صار - خ ل -

کربلاء یقتل فیها ولدی الحسین بن فاطمة .

فقیل : من یقتله ، یا رسول الله ؟

قال : رجل یقال له یزید ، لا بارک الله له فی نفسه ، وکأنّی أنظر إلی مصرعه ومدفنه بها وقد أهدی رأسه ، ما ینظر أحد إلی رأس الحسین ولدی فیفرح إلّا خالف الله بین قلبه ولسانه ، یعنی لیس فی قلبه ما یقول(1) بلسانه من

الشهادة.

قال : ثمّ رجع رسول الله صلّی الله علیه و آله من سفره ذلک مغموماً، ثمّ صعد المنبر فخطب ووعظ الناس ، والحسن والحسین بین یدیه ، فلمّا فرغ من خطبته وضع یده الیمنی علی رأس الحسن، والیسری علی رأس الحسین علیهما السلام، ثمّ رفع رأسه إلی السماء ، فقال : اللّهمّ إنّی محمد عبدک ونبیّک ، وهذان أطائب عترتی ، وخیار ذریتی وأرومتی ومن أخلفهما(2)فی أمّتی.

اللّهمّ وقد أخبرنی جبرائیل بأنّ ولدی هذا مخذول مقتول . اللّهمّ بارک لی فی قتله ، و اجعله من سادات الشهداء ، إنّک علی کلّ شیء

قدر بر

اللّهمّ ولا تبارک فی قاتله و خاذله.

قال : فضجّ الناس بالبکاء فی المسجد ، فقال النبیّ صلّی الله علیه و آله :

أتبکون ولا تنصرونه ؟ اللّهمّ فکن أنت له ولیّاً وناصراً.

قال ابن عبّاس : خرج(3) النبیّ صلّی الله علیه و آله فی سفر قبل موته بأیّام

ص: 114


1- فی المقتل : ما یکون .
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : أخلفهم.
3- کذا فی المقنل ، وفی الأصل : ثم خرج.

یسیرة، ثمّ رجع وهو متغیّر اللون محمرّ الوجه، فخطب خطبة بلیغة موجزة وعیناه تهملان دموعاً، ثمّ قال : أیّها الناس ، إنّی قد خلّفت فیکم الثقلین ؛ کتاب الله وعترتی وأرومتی ومراح قلبی وثمرتی، لم (1)یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض ، ألا وإنّی أنتظرهما ، ألا وإنّی لا أسألکم فی ذلک إلّا ما أمرنی ربّی، إنّی أسألکم المودّة فی القربی، فانظروا لا تلقونی غداً علی الحوض وقد أبغضتم عترتی و ظلمتموهم ، ألا وإنّه سترد علیَّ فی القیامة ثلاث رایات من هذه الأمّة : رایة سوداء مظلمة فتقف علیَّ فأقول : من أنتم ؟ فینسون ذکری ویقولون : نحن أهل التوحید من العرب ، فأقول : أنا أحمد نبیّ العرب والعجم، فیقولون: نحن من أمّتک ، فأقول : کیف خلّفتمونی فی أهلی وعترتی من بعدی وکتاب ربّی ؟ فیقولون : أما الکتاب فضیّعنا ومزّقنا، وأمّا عترتک فحرصنا علی أن نبیدهم (2)عن جدید الأرض ، فأولّی وجهی ، فیصدرون ظماء عطاشاً مسودّة وجوههم.

ثمّ ترد علیّ رایة أخری أشدّ سواداً من الأولی [فأقول لهم : من أنتم ؟ ] (3) فیقولون کالقول الأوّل بأنّهم من أهل التوحید، فإذا ذکرت لهم اسمی عرفونی ، وقالوا: نحن أمّتک، فأقول : کیف خلّفتمونی فی الثقلین الأکبر والأصغر؟ فیقولون : أمّا الأکبر فخالفنا ، وأمّا الأصغر فخذلنا، (وَمَزَّقنَاهُم کُلَّ مُمَزَّ قٍ )(4)، فأقول لهم : إلیکم عنّی ، فیصدرون ظماء عطاشاً مسودّة وجوههم .

ثمّ ترد علیَّ رایة أخری تلمع نوراً ، فأقول : من أنتم ؟ فیقولون : نحن أهل

ص: 115


1- فی المقتل : ومزاج مائی و ثمرتی ، ولن.
2- فی المقتل : ننبذهم .
3- من المقتل.
4- سورة سبأ : 19.
إخبار الحسن علیه السلام وکعب الأحبار باستشهاد

الحسین علیه السلام

کلمة التوحید والتقوی ، نحن أمّة محمد، ونحن بقیّة أهل الحقّ الّذین حملنا کتاب الله ربّنا فحلّلنا حلاله ، وحرّمنا حرامه، وأحببنا ذرّیة محمد فنصرناهم من کلّ ما نصرنا [به ](1)أنفسنا، وقاتلنا معهم، وقتلنا من ناواهم، فأقول لهم : أبشروا، فأنا نبیّکم محمد ، ولقد کنتم فی دار الدنیا کما وصفتم ، ثمّ أسقیهم من حوضی فیصدرون رواءُ.

ألا وإنّ جبرئیل قد أخبرنی بأنّ أمّتی تقتل ولدی الحسین بأرض

کربلاء، ألا فلعنة الله علی قاتله وخاذله آخر الدهر.

قال : ثمّ نزل عن المنبر ولم یبق أحد من المهاجرین والأنصار إلّا وتیقّن

بأنّ الحسین علیه السلام مقتول.

ولمّا أسلم کعب الأحبار وقدم المدینة جعل أهل المدینة یسألونه عن الملاحم الّتی تکون فی آخر الزمان وکعب یخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ثمّ قال کعب: نعم، وأعظمها فتنة وملحمة هی الملحمة التی لا تنسی أبداً، وهو الفساد الّذی ذکره الله سبحانه فی الکتب ، وقد ذکره فی کتابکم بقوله : ( ظَهَرَ الفَسَادَ فِی البَرَّ والبَحرِ) (2) وإنّما فتح بقتل هابیل، ویختم بقتل الحسین علیه السلام.(3)

روی عبدالله [بن عبدالله] (4) بن الأصمّ، عن عمّه یزید بن الأصم قال : خرجت مع الحسن من الحمّام ، فبینا هو جالس إذ أتته اضبارة من الکتب ، فما

ص: 116


1- من المقتل.
2- سورة الروم: 41.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 162/1 - 165.
4- من المقتل.
إخبار أمیر المؤمنین باستشهاد الحسین علیهما السلام

نظر فی شیء منها حتی دعا الخادم بإحضار مخضب فیه ماء، ثمّ دلکها(1)

فقلت : یا أبا محمد ، من أین هذه الکتب ؟

فقال : من العراق ، من عند قوم لا یقصرون عن باطل، ولا یرجعون إلی حقّ، ثمّ قال : إنّی لست أخشاهم علی نفسی ولکن أخشاهم علی ذاک . وأشار إلی الحسین علیه السلام .. .

وعن ابن عبّاس رضی الله عنه : قال : أخذ بیدی علیّ بن أبی طالب علیه السلام، فقال : یا عبد الله بن عبّاس ، کیف بک إذا قتلنا، وولغت الفتنة فی أولادنا، وسبیت ذرارینا ونساؤنا کما تسبی الأعاجم؟

قلت : أُعیذک بالله یا أبا الحسن ، یا ابن عم، لقد کلّمتنی بشیءٍ ساءنی ، وما ظننت أنّه یکون ، أمّا تری الایمان ما أحسنه، والاسلام ما أزینه ؟ أتراهم فاعلین ذلک ؟ لعلّها غیر هذه الأمّة.

قال : لا والله ، بل هذه الأمّة ، فأمرض قلبی وساءنی وصرت إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله فخبرته علی استحیاء وخوف، وشارکتنی فی ذلک میمونة وکأنّی أریدها بالحدیث.

فقال النبیّ صلّی الله علیه و آله : الله أکبر، من أخبرک بذلک ؟ قلت : أخبرنی به علیّ

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : ائت علیّاً فادعه ، فإذا هو بالباب

فدخل فأمره بالجلوس ، فقال : حبیبی مالی أراک متغیّر اللون ؟

قال : خیراً یا رسول الله .

ارد

ص: 117


1- فی المقتل : دعا الخادم بالمخضب والماء فألقاها فیه ، ثمّ دلکها .
إخبار النبی صلّی الله علیه و آله باستشهاد أمیر المؤمنین

والحسین علیهما السلام

قال : لعلّک ذکرت أمراً فأحزنک ؟ قال : قد کان ذلک.

قال : إنّ عبد الله قد حدّث عنک بما حدّث ، فمن أین قلت ؟ لقد أمرضت

قلبی واحزنتنی.

قال : إنّ ابنتک فاطمة أخبرتنی انّها رأت رؤیاًأقلقتنی عندما قصتها

علیّ.

فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : ما هیأته ؟ قال : أخبرتنی انّ قائلاً یقول لها : ستکون بعدک فتنة ، وانّه یؤخذ منک ولدک وولد ولدک فلولا أن الله یرید الّا یهلک العباد کلّهم لرجمهم کما رجم قوم لوط بالحجارة.

فقام النبیّ صلّی الله علیه و آله وسمع المنام من فاطمة علیها السلام وقال لها : إنّ ولدک یقتل، وزوجک یقتل(1) وتحمل نسائی وبناتی إلی الشام، والملائکة بذلک تخبرنی، وجاءنی جبرئیل وهو یقرأ علیک السلام ویقرأ علیّاً السلام ویعزینی فیکما وفی ولدیکما ولا تسکن الفتنة إلّا بکما، وإن الله جلّ جلاله وعدکما(2) الأجر والثواب ، ولی عند الله فضیلة لیست لغیرک بصبرک واحتسابک علی ما أبلاک ، وعلی ولدک من بعدک ، وإنّه لیعطیک - یاعلیّ - علماً(3)من نور فتجلس علی حوضی وبین یدیک ولدان من نور، فکلّ من أراد الشرب من الناس والصدّیقین غیر النبیّین والمرسلین والشهداء البرّییّن والبحریّین یکتب فی رقّ فیعرض علیک فیأخذ الولدان أوانی من نور فیسقون

ص: 118


1- فی المقتل : و ذریّتک تقتل
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : وفی ولدکما... وعدک
3- فی المقتل : قلَماً .
کلام للمؤلف رحمه الله

أولیاء (1)بإذنک ، وإذا أذن لأحد منهم إلی الجنّة کتبت له رقعة إلی رضوان فهی جوازه حتی یدخل الجنّة.

علیک السلام بعدی ، وأنت الخلیفة علی کلامی(2) وکتاب ربّی وسنّتی فلا تکن من القاعدین ، والعن الکسلین ، إنّ الله سبحانه قد منعک من حرام الدنیا ولم یجعل لها علیک سبیلاً ولا علی ولدک ، وجعل قوتهم قدراً منها لیقلّ حسابهم(3)، ووهب لمن تمسّک بسیرتک واعتقد محبّتک ونصرة ولدک ، شفاعتک والنظر إلیک جزاء بما کانوا یکسبون لا یطردون (4) عنها ولهم فیها ما تشتهی أنفسهم، فإن کانت لهم حاجة عند ربّهم فی آبائهم وأزواجهم وأولادهم وإخوانهم قضاها ، فبشّر عنّی اُمّتی وعرّفها ذلک ، فإنّ السعید یقبل ، والشقّی یحرم (5)

قلت : سعیر وجدی بتأسّفی لا تخمد ، وغزیر دمعی بتلهّفی لا یجمد ،

وزفراتی من التراقی تصاعد، وحسراتی بتجدّد ساعاتی تتجدّد ، حزناً علی دین الحقّ کیف قوّضت أرکانه ، ونقضت ایمانه ، وبدلت أحکامه، ونکست أعلامه ، وانمحت آثاره، وخمدت أنواره ، وارتفعت أوغاد المنافقین علی أمجاده، وعلت کلمة المارقین فی بلاده، وارتدّت أهل ملته علی الأعقاب ، وعلت علی الرؤوس فیه الأذناب ، لمّا مات صاحب الشریعة الغرّاء، والملة الزهراء، والدین الظاهر، والنسب الطاهر، والحسب الفاخر، محمد سیّد

ص: 119


1- فی المقتل : تکتب لهم برقّ من نور فیأخذه الولدان و تملأ أوانی ... أولئک .
2- فی المقتل : کتابی.
3- فی المقتل : الحساب.
4- فی المقال : لا یصرفون .
5- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی :166/1- 169.

الأوائل والأواخر.

ظهر الفساد فی البّر والبحر(1)، واشتهر العناد فی البدو والحضر، وأظهرت الأحقاد القدیمة ، وغیّرت الطرائق القویمة ، وعلت الأسافل علی الأعالی، وانحط من سعر الاسلام کلّ غالی ، وصار زمامه فی أیدی أرذاله، وقوامه فی قبضة جهّاله ، وسلطانه إلی أعداء صاحب دعوته مفوّضاً، وبنیانه بأکفّ الملحدین فی آیاته مقوضاً، فأجهدوا جهدهم فی إدحاض حجّته ، وبذلوا وسعهم فی إبطال أدلّته، ولمّا رأوا دعوته قد حکمت ، وفروضه قد استحکمت ، وقدمه فی صعید القوّة راسخة، وفروعه فی سماء العزّة شامخة ، وأصوله فی القلوب ثابتة ، ومسله(2) فی النفوس ثابتة ، وأنواره فی الآفاق ساطعة ، وحدوده الأسباب الشرک قاطعة.

لم یتمکّنوا من إطفاء نوره ، ولم یتحکّموا فی إخفاء منشوره ، ولم یجدوا إلی هدم بنیانه سبباً، وما استطاعوا أن یظهروه وما استطاعوا له نقباً، أظهروا النصیحة للأنام والغدر حشو صدورهم، وأضمروا هدم الاسلام بزخرفهم وغرورهم.

فکان أوّل تدبیرهم فی تغییر قواعده ، وأعظم تزویرهم فی إبطال مقاصده ، صرف الأمر عن ذرّیّة نبیّهم ، والعدول بالحقّ عن عترة ولیهم ، فنقضوا عهد الرسول إلیهم فیهم ، وخالفوا نصّه فی الغدیر وغیره علیهم ، وراموا بوارهم عن جدید الغبراء ، وإعدامهم من أقطار الدنیا ، ولو یجدوا موافقاً علی جاهلیتهم، مدافعا عن معتقدهم ونحلتهم، لعبدوا الأصنام، ولاقتسموا بالأزلام، ولعظّموا الرجس من الأوثان، ولاشتغلوا بعبادة الشیطان عن عبادة

ص: 120


1- إقتباس من الآیة : 41 من سورة الروم .
2- کذا فی الأصل .

الرحمن، وهم وإن لم ینصبوا الأنصاب جهرة ولم یتّخذوا الأصنام آلهة فقد أحدثوا من الفساد فی البلاد، والعدوان علی العباد ، والظلم لآل الرسول، والهضم لذرّیّة البتول ، ما نقضوا عبادة الأوثان عن عشر عشیره، ویختفر بعظیم الأنداد فی جنب حقیره ، من ظلم سادتهم وأمرائهم ، ومن قرن الله ذکره بذکرهم ، فقتلوهم فی محاریب صلواتهم، وخذلوهم فی حروبهم وغزواتهم، وأرهفوهم برحی سمومهم ، ولم یراقبوا الله فی هدیهم وفدیتهم ، وشنّوا علیهم غاراتهم ، ونصبوا العداوة لأحفادهم وذرّیّاتهم.

فانظر إلی صاحب المحنة العظیمة ، والواقعة الجسیمة ، والمصیبة الّتی أنفدت بتراکمها ماء الشؤون ، وقرحت بتفاقمها الأمان والجفون ، مصیبة أشرف الثقلین، وسبط سیّد الکونین ، وابن صاحب بدر وأحد وحنین ، أبی عبدالله الحسین ، کاتبوه وراسلوه ، ووعدوه وعاهدوه ، حتی إذا انقطعت معذرته بظنة وجود الناصر، ولزمه القیام بأمر الله فی الظاهر ، خذلوه وأسلموه ، وجحدوه وقتلوه، وسقوه من غروب سیوفهم کؤوس الحمام، وسؤّدوا بقتله وقتل ولده وجه الاسلام.

فیا عیونی لمصیبته بعبرتی لا تبخلی ، ویا کربتی لرزیّته عن حشاشتی لا تنجلی ، ویا حرقتی لما ناله لا تخمدی ، ویا زفرتی لمصرعه من التراقی تصاعدی، ألغیره أذخر حزنی وبکائی ؟ أم علی سواه أصف وجدی وبلوائی ؟ أم علی هالک بعده أنثر جواهر نثری ؟ أم علی قانت غیره أسمط بالمراثی شعری ؟

یهیج فی وجدی إذا ذکرت غربته ، وتضطرب أحشائی وقلبی إذا

تصورت محبّته ، و تذکو آثار الأسی فی جوانحی بفضیع مصرعه، وینحلّ قلبی

ص: 121

قصیدة للمؤلف رحمه الله

بصبری ویجود طرفی بمدمعه ، إذا مثّلت شیبه بدمائه مخضوباً، وکریمه علی القناة منصوباً، ونساءه علی الأقتاب حیاری ، وأبناءه فی الأصفاد أساری ، و شلوه علی الرمضاء طریحاً ، وطفله بسهام الأعداء ذبیحاً، وثقله نهیباً ، ورداءه سلیباً، وجبینه تریباً، ویومه عصیباً، وجسده بسهام البغاة صریعاً، وثغره بقضیب الطغاة قریعاً، ذکت بثوران الأسی فی أضلعی ، وأغرقتنی بفیضها أدمعی ، ونفی ذکره عن عینی رقادی ، وأطال حزنی لیلی بسهادی .

فها أنذا لواقعته حلیف الأحزان ، ألیف الأشجان ، قریح الأجفان ، جریح الجنان، أقطع لیلی بالتأسّف والأنین ، ونهاری بالتأوّه والحنین ، وأوقاتی بإهداء تحیّاتی و صلواتی إلیه ، وساعاتی بلعن من اجتری بکفره علیه ، ویروی لسانی عن جنانی ، وبنانی عن إیمانی ، غرراً من بدائع نثری ونظمی ، ودرراً من تواضع حکمی و فهمی ، آشنّف بها المسامع ، وأشرّف المجامع ، وأسیل بتردادها المدامع ، وأشجی بإنشادها الطبائع ، وأقمع بها هامة الکفور الجاحد، وأقطع دابر الکنود الحاسد ، وأبوح بسرّی فی شعری ، وأنوح ودمعی من طرفی یجری، وأقول وفؤادی بنار حزنی یتأجّج ، ولسانی من شدّة نحیبی یتلجلج :

حزن قلبی وهیامی ونحولی وسقامی الاعلی عیش تقضّی لم أنل منه مرامی

لا ولا م ن فقد آلا فتناء وا

عن مقامی

بل لقومٍ من بنی المخ ستار

سادات کرام من أبوهم صاحب الکو ثرفی یوم القیام والّذین أمّهم ذو شرف فی المجد سامی أصبحوا فی کربلا ما بین مقتول وظامی فی صعید الطفّ قد جر رعکاسات الحمام

-

ص: 122

من نجیع النحر یسقی صدراً

بعد الاوام

ونساءٍ

حساسراتٍ غاب عنهنّ المحامی عترة المختار خیر الی ناس من خاصًّ وعامی لهف قلبی لشهید ضلّ مخفور الذمام حرّ صدری لإمامٍ طاهرٍ وابن إمام جسمه غودر ضمناً بسیوف وسهام طول حزنی لتریب ال خدّ منه النحردامی رأسه من فوق رمح مخجل بسدر التمام وبنات المصطفی شبه اُساری نجل حامی فکذا قلبی وطرفی فی احتراق وانسحام وکذا عن مقلتی حز نی نفی طید با مسنامی فاصطباری فی انتقاض وجوابی فی تمامی وإذا فکّرت فیما قد جری زاد هیامی

حاسرات یتسترّ نبأطراف الکمام ویساقون بلا رف اسق إلی شرّ الأنام یابنی المختار ماحد ل بکم یذکی ضرامی و بعاشور یزید از حزن لی فی کلّ عام واسح الدمع من طر ف لفرط الحزن دامی

ثمرات نثرها

کاک در فی سلک النظام یزدریها الناصب الهائم فی تیة الظلام وإلیها المؤمن المخا لص یصغی باحتشام واحتراق وزفیر مسن فؤاد مستهام

ص: 123

یابنی طه من صفا کم من کلّ دامی حبّکم غدّی به قلبی ومخّی وعظامی قد أُضیعت حرمة المختار

فی الشهر الحرام

حین أصبحتم لقا بین

الروابی والأکام بکت السبع علیکم بدماءً کالغمام إن یکن فاتکم نصری برمحی وحسامی

ف لکم أنصر بالحججة فی کلّ مقام

ولمن ناواکم ارد می بکلم من کلامی اهشم الهامات من ا ل الولید

وهشام وزیاد وابن سعد وبنی حرب اللئام وکذا أفلق قحف ابن قحاف بملامی وابن خطّاب ومن یتا لوه من بخل اللئام وکذا من قادت الفتنة تعباً بالرمام وأتت فی جحفلٍ تهوی من البیت الحرام وعلی أشیاعهم لعنی

أوالی ب دوام من حجازیّ وبصری ی وکوفیّ وشامی وبهذا أرتجی من خالقی یوم قیامی محشراً، فی ضمن قوم هم معاذی واعتصامی أهل أرکان وبیت وحطیم ومقام

بولاهم

یقبل الله صلاتی وصیامی وعلیهم صلوات نامیات بسلامی ما شدت فی الایک ورق

ساجعات

بغرام

ص: 124

المجلس السادس: فی ذکر مقامات أذکر فیها ما تمّ علی الحسین علیه السلام بعد موت معاویة...

اشارة

فی ذکر مقامات أذکر فیها ما تمّ علی الحسین علیه السلام بعد موت معاویة علیه اللعنة والعذاب ، وذکر ولایة یزید علیه من الله ما یستحقّ من العذاب المهین أبد الآبدین إلی یوم الدین، وغیر ذلک من رسائل صدرت إلیه علیه السلام من موالیه ومخالفیه ، وما أجاب عنها، صلوات الله وسلامه علیه، وعلی آبائه الطاهرین، وأبنائه المنتجبین

الا

خطبة للمؤلف رحمه الله

الخطبة الحمد لله الّذی جعل البلاء موکّلاً بأنبیائه وأولیائه ، والابتلاء وسیلة لهم إلی اجتبائه واصطفائه ، وکلّفهم ببذل الأرواح فی جهاد أعدائه ، وشری منهم الأنفس والأموال بنعیمه الباقی ببقائه ، وربحت تجارتهم لمّا أوقعوا عقد بیعة ربّهم ، وفازت صفقتهم لمّا حازوا من الزلفی بقربهم ، و شمرّوا عن ساق فی سوق عباده إلی طاعته ، وکشفوا عن ساعد الاستنقاذ أنامه من ورطة معصیته ، و تلقّوا حرّ الصفاح بوجوههم وأجسادهم ، وصبروا علی مضّ الجراح لاستخلاص الهلکی وإرشادهم، فأغری الشیطان سفهاءهم، وحمل أولیاءه علی حربهم ،

ص: 125

فرکبوا الصعب والذلول فی قتالهم، وخالفوا نصّ الرسول بکفرهم وضلالهم ، و قصد و هدم فی أنفسهم وأموالهم، وحاربوهم بخیلهم ورجالهم، فاستشعروا لباس الصبر الجمیل طلباً للثواب الجزیل ، وباعوا النزر القلیل بالباقی الجلیل ، وجاهدوا الفجرة بجدّهم وجهدهم، وحاربوا الکفرة بذاتهم وولدهم، وتبرّموا بالحیاة فی دولة الظالمین، واستطابوا الممات لغلبة الضالّین ، وامتثلوا أمر الله بعزائم أبیّة ، و أُنوف حمیّة ، وأصول نبویّة ، وفروع علویّة ، و أرواح روحانیّة ، وأنفس قدسیّة ، وقلوب علی تقوی الله جبلت ، وبالحقّ قضت وعدلت.

عرجت أرواحها إلی المحلّ الأسنی، ورقت نفوسها إلی الملکوت الأعلی ، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء فی جنّة المأوی ، ولاحظت بأفکار ضمائرها ما أعدّ للمجاهدین فی سبیله فی دار الجزاء، فآثرت الآخرة علی الأولی ، وما یبقی علی ما یفنی.

فیا من یخطّیء صوابهم ، ویستحبّ عتابهم ، ویستعذب ملامهم، ویسفّه أحلامهم ، ویتلو بنیة فاسدة مشترکة : (وَلاَ تُلقُوا بِأیدِیکُم إلَی التَّهلُکَةِ) (1)» جهلاً منه بمواقع التنزیل، وغیّاً عن مواضع التأویل ، تبّت یدک ، وفلَّ جدّک ، لقد نافقت بإسلامک ، وأخطأت عن مرامک ، وعشی عن ضوء شمس الحقّ إنسان عینک ، واستولی الشکّ علی مشوب یقینک ، أتعلم من أنزل فی بیوتهم، وورد الذکر فی صفاتهم ونعوتهم، وفخر جبریل یوم العبا بصحبتهم ، وأنزلت سورة «هل أتی» فی مدحتهم ؟

یا ویلک أتورد حجّتک ، وتورّک شبهتک ، علی قوم الدنیا فی أعینهم أقلّ من کلّ قلیل، وعزیزها لدیهم أذلّ من کلّ ذلیل ؟ علمهم لدنیّ، وکشفهم

ص: 126


1- سورة البقرة : 195.

رحمانیّ ، أطلعهم سبحانه علی مصون سرّه ، وقلّدهم ولایة أمره فی برّهِ و بحره ، وسهله ووعره، فهم الوسائل إلیه ، والأدلّاء علیه ، قصرت الأفهام عن إدراک جلالهم، وحصرت الأوهام عن تصوّر کمالهم، فاقوا الخضر فی علم الباطن والظاهر، وفاتوا الحصر بالدلیل القاطع و المعجز الباهر ، فالخلیل یفخر بأبوّ تهم ، والکلیم یقصر عن رتبتهم، والمسیح بأسمائهم یبریء الأکمه والأبرص ویحیی الموتی بإذن الله ، والروح الأمین یتنزّل علیهم فی منازلهم بأمر الله.

لمّا علموا أنّ الحیاة الفانیة مبالغة لهم عن حصول مطلوبهم، قاطعة عن الوصول إلی محبوبهم ، حاجبة عن منازل قربهم ، حاجزة عن جوار ربّهم ، قطعوا العلائق للاتصال بالمحلّ الأسنی ، وخلعوا لباس العیش الدنیّ الاولی ، وتلقّوا بوجههم الصفاح والرماح، وصبروا بشدّة عزمهم علی مضّ الجراح، تشوّفاً إلی الاتصال بمنازل القبول و الرضوان ، وتشوق إلی الاستظلال بأظلّة تلک العواطف والامتنان ، وبذلوا أنفسهم فنالوافضلها ، وکانوا أحقّ بها وأهلها ، وکان أعظم من أطاع الله منهم بجدّه وجهده ، وأخلص لله ببذل نفسه وولده ، وأراد أن تکون کلمة الله العلیا ، وکلمة الّذین کفروا السفلی ، وسبب الله الأقوی، ودینه الأعلی ، إمام الأمّة ، وأب الأئمّة ، ومنبع الحکمة، ومجمع العصمة ، صاحب الأصل السامی، و الفرع النامی، والمجاهد المحامی ، معاذی وملاذی یوم حشری وقیامی ، وحیاتی ومماتی وارتجالی و مقامی ، والأوّاه الحلیم ، الجواد الکریم ، صاحب المصیبة العامة ، والرزیّة الطاقة ، والواقعة الکبری ، و المحنة العظمی ، قتیل العبرة ، وصریع الفجرة ، وسلیل البررة، وسراج العترة ، وطاهر الأسرة.

النبوّة أصله، والامامة نسله ، خاتم أصحاب الکساء ، ابن خیر الرجال وخیر النساء ، جدّه النبیّ ، وأبوه الوصی ، وأمّه الزهراء ، ومغرسه البطحاء، طار

ص: 127

بقوادم الشرف وخوافیه ، وتعالی فی سماء الکرم بمعالیه ، أشرف خلق الله ، وأفضل شهید فی الله ، الباذل ذاته فی الله ، البائع نفسه من الله ، القائم بأمر الله ، الصادع بحکم الله ، المخلص بجهاده فی الله ، الموفی بما عاهد علیه الله.

کتف الرسول مرکبه ، وثدی البتول مشربه ، کلّ شرف لشرفه یخضع ، وکلّ مجد لمجده یصرع، وکلّ مؤمن له ولأبیه وجدّه یتبع ، وکلّ منافق عن سبیله وسبیل آله یتکعکع، لا یقبل الله إیمان امریء إلّا بولائه ، ولا یزکّی عمل عامل إلّا باتّباعه ، ولا یدخل الجنّة إلّا مستمسکاً بحبله ، ولا یصلّی النار إلّا منکراًالفضله ، أطول خلق فی المجد باعاً وذراعاً، وأشرف رهط فی الفخر ذرّیّة وأشیاعاً، جدّه علیّ ، وجده نبیّ ، وأبوه ولیّ ، وولده أطهار ، ونجله أبرار.

المجاهد الصبور ، الحامد الشکور ، منبع الأئمّة ، وسراج الأمّة، أطهر الأنام أصلاً، وأظهرهم فضلاً، وأزکاهم فعلاً ، وأتقاهم نجلاً، وأنداهم کفّاً، وأعلاهم وصفاً ، وأشرفهم رهطاً ، وأقومهم قسطاً، سؤدده فاخر ، و معدنه طاهر ، لا یقذع صفاته ، ولا تغمز قناته ، ولا یدرک ثناؤه ، ولا یحصی نعماؤه ، کم أغنی ببره عائلا ؟ وکم آثر بقوته سائلاً ؟ أفخر أسباط الأنبیاء، وأفضل أولاد الأولیاء، محیی اللیل برکوعه وسجوده ، و مجاری السیل بنائله وجوده ، و أقوی من بذل فی الله غایة مجهوده ، و أسمی من استأثر من العلی بطارفه وتلیده .

إمام المشرفین والمغربین ، ونتیجة القمرین ، بل الشمسین ، وابن مجلی الکربین ، عن وجه سید الکونین ، فی بدر و حنین، ومصلّی القبلتین ، وصاحب الهجرتین، سیّدنا ومولانا أبا عبدالله الحسین ، علیه تحیّاتی بتوالی صلواتی تتلی ، وفی فضله تروی قصائدی ، وبذکره تنجح مقاصدی ، وبسببه تتصّل أسبابی ، وفی حضرته محطّ رکابی ، و لرزیّته تتصاعد زفراتی ، ولمصیبته تتقاطر

ص: 128

قصیدة للمؤلف رحمه الله

عبراتی، ولواقعته تستهلّ شؤونی ، ولقتله لا تبخل بدمعها عیونی .

فها أنذا أنشد من قلب جریح ، وأروی عن طرف قریح:

ولّی الشباب فقلبی فیه حسرات

: وفی حشای لفرط الحزن حرقاتُ

وحسین ولّی شبابی وانقضی عمری

حلّت بجسمی لفرط الضعف آفاتُ

فی کلّ یومٍ یزید الوهن فی جسدی

وتعترینی من الأسقام فتراتُ

وابیضّ فودّی ولکن سوّدت صحفی

کبائر صدرت عنّی وزلّاتُ

إذا تذکّرتها أذکت رسیس جوی

فی مهجتی وجرت فی الخدّ عبرات

کم لیلة بتّ أحسبها بموبقة

تذکو لتذکارها فی القلب جمراتُ

کانّ ما کان من شرح الشباب ومن

الذّات عیش مضت إلا مناماتُ

اعملت فکری فی قومٍ صحبتهم

لم

یبق من أثرهم إلّا الروایات

سألت ربعهم عنّی فجاوبنی

من الصدی کلّ من نادیتَهم ماتوا

ص: 129

یذیب تذکارهم قلبی ویجعله

دمعاً

یصاعده وجد وزفراتُ

سبعون عاماً تقضّت صرت أحصرها

فی عدّها لفناء عمری علاماتُ

لم أستفد صالحاً فیها ولا علقت

یدی بما فیه لی فی الحشر منجاتُ

سوی اعتصامی بمن فی مدحهم نزلت

من المهیمن فی التنزیل آیاتُ

فی سورة الدهر والأحزاب فضلهم

مقامهم قصرت عنه المقاماتُ

وفی العقود من المسجد الرفیع لهم

عقود مدح لهافیهم إشاراتُ

لیوث حرب إذا نیرانها اضطرمت

و غیوث جدب إذا ماعمّ ازماتُ

مطهّرون من الأرجاس إن وصفوا

منزّهون عن الأدناس ساداتُ

هم المصابیح فی جنح الدجافلهم

فیه

من الله بالاخلاص حالاتُ

هم البحار إذا وازنت فضلهم

بها

فعلمهم فیه زیاداتُ

باعوا من الله أرواحاًمطهّرة

أثمانها

من جوار الله جنّاتُ

ص: 130

یطاف منها علیهم فی منازلهم

من الرحیق بأیدی الحور کاساتُ

ناداهم الله بالتعظیم إذ لهم

أرواح صدق سمیعات مطیعاتُ

أن أبذلوا أنفساً فی طاعتی فلکم

و ببذلها فی جنان الخلد روضاتُ

أجاب منهم لسان الحال انّ لنا

رضاک روح وریحان وراحاتُ

الخلد والجنّة العلیا ولذّتها

فی جنب حبّک إیّانا حقیراتُ

أنت المراد وأنت السؤل قد صدقت

منا لأمرک فی الدنیا العزیماتُ

هذا الحسین الّذی وفّی ببیعته

الله صدقاً فوافته السعادات

نال المعالی ببذل النفس مجتهداً

لم تثنه من بنی الدنیا خیالاتُ

إن قیل فی الناس من أعلی الوری نسبة

أومت إلیه

أصول هاشمیّاتُ

أعلی الوری حسباً أقواهم سبباً

و أزکاهم نسباً مافیه شبهاتُ

الجدّ أکرم مبعوث و والده

فی الله

کم کشفت منه ملمّاتُ

ص: 131

حزنی لماناله لا ینقضی فإذا

ذکرته هاج بی للوجد حسراتُ

وینشنی الطرف متنّی والحشا لهما

فی الخدّ والقلب عبرات وحرقاتُ

الم انسه فی صعید الطفُ مُنعفراً

قسد أثخنته من القوم الجراحاتُ

یشکو الاوام ویستسقی ولیس لعصا

بةٍ به أحدقت فی الله رغباتُ

لهفی علیه تسریب الخدّ قد قطعت

أوصاله من أکفّ القوم شفراتُ

أردوه فی الترب تعفوه الریاح له

من الدماء سرابیل وخلعاتُ

وصیّروا رأسه من فوق ذابلهم

و کبدرٍ تمّ به تجلی الدجناتُ

وسیّدات نساء العالمین لها

فوق الرحال لفرط الحزن أنّاتُ

تساق والصدر فیه من تألّمها

عقود دمع لها فی الخدّ حبّاتُ

یسترن منهنّ بالایدی الوجوه وفی

قلوبهنّ من التبریح جمراتُ

پسندبن من کان کهف العائذین ومن

فی کفّه لذوی الحاجات نعماتُ

ص: 132

علی بعد موت معاویة أو فی الأنام فتیً وفی ببیعته

وخیر من ربحت منه التجاراتُ

من عرفت فیه أصلاب مطهّرة

من کلّ رجس وأرحسام زکیّاتُ

وأمّهات وآباء علت شرفاً

علی السماک وأجداد وجدّاتُ

إن عدّعلم وحکم کان فیه لهم

بالخطب والحرب آراء ورایاتُ

فی حبّهم قدمی ما أن لثابتها

و حتی اضطجاعی فی لحدی مزلّاتُ

أبکی لخطبهم بدل الدموع دماً

کأنّنی لعظیم الحزن مقلاة

إذا ذکرت ابن بنت المصطفی وبه

قد أحدقت من جنود البغی ثلّاثُ

وصار فیهم وحیداً لانصیر لها

منهم ولا من له فی الخیر عاداتُ

قوم بغاة شروا دین الضلالة بال

هدی فخابت لهم للخسر صفقاتُ

و حزناً علیه لکی

تطفی سعیراً لها فی القلب لدغاتُ

إذا خبت زادهامنّی رسیس جویً

یذیب ناحل جسمی منه نفحاتُ

ص: 133

یا للرجال أما للحقّ من عصب

لها

وفاء وأناف حمیّاتُ

تذبّ عن أهل بیت للأنام هم

نور به تنجلی عنهم مغمّاتُ

قوم لهم نسب کالشمس فی شرف

و تزینّه أوجهُ منهم نقیّاتُ

البذل ش یمتهم والمجد همّتهم

والذکرفیه لهم فضل ومِدحاتُ

البیت یزهو إذا طافوا به ولهم

مجد به شرّفت منهم بیوتاتُ

أخنی الزمان علیهم فانثنی وهم

فی کربلا السیوف البغی طعماتُ

أولی رؤوس وأطراف مقطّعة

تُقرأ علیها من الله التحیات

نفسی الفدا لهم صرعی جسومهم

| تسفی علیها من الأعصاب قتراتُ

أرواحها فارقت أجسادها فلها

بذاک فی دار عفو الله غرفاتُ

حزنی لنسوته حسری مهتّکة

إلی یزید بها تسری الحمولاتُ

اُولی وجوه الحرّ الشمس ضاحیة

ما آن لها من هجیر القیظ ستراتُ

ص: 134

إصابة معاویة باللقوة فی وجهه

حتی إذا دخلوا شرّ البلاد علی

شر العباد بدت منه المسرّاتُ

وعاده عید أفراح بمقدمهم

ع لیه أسری ووافته البشاراتُ

فأظهر الکفر والإلحاد حینئذ

بقوله لیت أشیاخی الأولی فاتوا

فی یوم بدر رأوا فعلی وما کسبت

و پدی لطابت لهم بالصفو أوقاتُ

ولا استهلّوا وقالوا یا یزید لقد

بک انجلت من غموم الحزن کرباتُ(1)[ذکر الإمام أحمد بن اعثم الکوفی آنّ معاویة لما حجّ حجّته الأخیرة ارتحل من مکّة ، فلمّا صار بالأبواء ونزلها قام فی جوف اللیل لقضاء حاجته ، فاطلّع فی بئر الأبواء ، فلمّا اطلّع فیها اقشعرّ جلده وأصابته القوة فی وجهه ، فأصبح وهو لما به مغموم، فدخل علیه الناس یعودونه ، فدعوا له وخرجوا من عنده ، وجعل معاویة یبکی لما قد نزل به.

فقال له مروان بن الحکم : أجزعت یا أمیر المؤمنین ؟

فقال : لا یا مروان، ولکنّی ذکرت ما کنت عنه عزوفاً ، ثمّ إنّی بکیت فی إحنی ، وما یظهر للناس منّی، فأخاف أن یکون عقوبة عجّلت لی لما کان من دفعی حقّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام، ومافعلت بحجر بن عدیّ وأصحابه ، ولولا هوای من یزید لأبصرت رشدی ، وعرفت قصدی .

ص: 135


1- سقط من الأصل - ما بعد هذا - مقدار صفحة واحدة أو صفحتین، ولعل القصیدة لم تنته بعد .

أن معاویة یأخذ البیعة لابنه یزید ویوصیه

قال : ولمّا أخذ البیعة لیزید أقبل علیه فقال : یا بنیّ ، اخبرنی الآن ما أنت صانع فی هذه الأمّة ، أتسیر فیهم بسیرة أبی بکر الصدیق الّذی قاتل أهل الردّة ، وقاتل فی سبیل الله حتی مضی والناس عنه راضون؟

فقال : یا أمیر المؤمنین ، إنّی لا أطیق أن أسیر بسیرة أبی بکر، ولکن

آخذهم بکتاب الله وسنّة رسوله.

فقال : یا بنیّ، أتسیر فیهم بسیرة عمر بن الخطّاب الّذی مصر الأمصار، وفتح الدیار ، وجنّد الأجناد ، وفرض الفروض ، ودوّن الدواوین ، وجبی الفیء ، وجاهد فی سبیل الله حتی مضی والناس عنه راضون؟

فقال یزید: لا أدری ما صنع عمر ، ولکن آخذ الناس بکتاب الله والسنّة .

فقال معاویة : یا بنیّ ، أفتسیر فیهم بسیرة ابن عمک عثمان بن عفّان الّذی

أکلها فی حیاته ، وورثها بعد مماته ، واستعمل أقاربه ؟

فقال یزید : قد أخبرتک یا أمیر المؤمنین ، إن الکتاب بینی وبین هذه الأمّة

به أخذهم وعلیه أقتلهم.

قال : فتنفّس معاویة الصعداء وقال : إنّی من أجلک آثرت الدنیا علی الآخرة ، ودفعت حقّ علیّ بن أبی طالب، وحملت الوزر علی ظهری ، وإنّی الخائف انک لا تقبل و صیّتی فتقتل خیار قومک، ثمّ تغزو حرم ربّک فتقتلهم بغیر حق، ثمّ یأتی الموت بغتة ، فلا دنیا أصبت ، ولا آخرة أدرکت.

یا بنیّ ، إنیّ جعلت هذا الملک مطعماً لک ولولدک من بعدک ، وإنّی موصیک بوصة فاقبلها فإنّک تحمد عاقبتها ، وإنّک بحمد الله صارم حازم ؛ انظر أن تثب

ص: 136

علی أعدائک کو ثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن کجبن الضعیف النکل ، فإنّی قد کفیتک الحلّ والترحال، وجوامع الکلم والمنطق ، ونهایة البلاغة ، ورفع المؤنة ، وسهولة الحفظ ، ولقد وطأت لک یا بنیّ البلاد، وذللت لک رقاب العرب الصعاب ، وأقمت لک المنار، وسهلت لک السبل، وجمعت لک اللجین والعقیان ، فعلیک یا بنیّ من الأمور بما قرب مأخذه ، وسهل مطلبه ، وذر عنک ما اعتاص علیک.

واعلم - یا بنیّ - أن سیاسة الخلافة لا تتمّ إلّا بثلاث : بقلب واسع، وکفّ بسیط ، وخلق رحیب ، و ثلاث أخر: علم ظاهر ، وخلق طاهر ، ووجه طلق ، ثم تردف ذلک بعشر آخر: بالصبر، والأناة والتودّد ، والوقار ، والسکینة ، والرزانة ، والمروءة الظاهرة، والشجاعة، والسخاء، والاحتمال للرعیّة بما تحبّ وتکره.

ولقد علمت - یا بنیّ - أنّی قد کنت فی أمر الخلافة جائعاً شبعان ، بشماً شهوان، أصبح علیها جزعة، وأمسی هلعة، حتی أعطانی الناس ثمرة قلوبهم ، وبادروا إلی طاعتی، فادخل - یا بنیّ - من هذه الدنیا فی حلالها، واخرج من حرامها، وانصف الرعیّة ، وأقسم فیهم بالسویّة.

واعلم - یا بنیّ - أنّی أخاف علیک من هذه الأمّة أربعة نفر من قریش : عبدالرحمان بن أبی بکر ، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبیر ، وشبیه أبیه الحسین بن علیّ.

فأمّا عبدالرحمان بن أبی بکر فإنّه إذا صنع أصحابه صنع مثلهم وهو رجل همّته النساء ولذّة الدنیا فذره - یا بنیّ - وما یرید، ولا تأخذ علیه شیئا من أمره فقد علمت ما لأبیه من الفضل علی هذه الأمّة ، وقد یحفظ الولد فی أبیه.

وأمّا عبدالله بن عمر فإنّه رجل صدق وحش من الناس، قد أنس بالعبادة ، وخلا بالوحدة فترک الدنیا وتخلّی منها ، فهو لا یأخذ منها شیئاً، وإنّما

ص: 137

تجارته من الدنیا کتجارة أبیه عمر بن الخطّاب، فاقرأ علیه - یا بنیّ - منک السلام وأبعث إلیه بعطایاه موفّرة مهنّاة.

وأمّا عبد الله بن الزبیر فما أخوفنی منه عنتاً فإنّه صاحب خلل فی القول ، وزلل فی الرأی ، وضعف فی النظر ، مفرّط فی الأمور ، مقصرّ عن الحقّ، وإنّه لیجثو لک کما یجثو الأسد فی عرینه ، ویراوغک روغان الثعلب ، فإذا أمکنته منک فرصة لعب بک کیف شاء، فکن له - یا بنیّ - کذلک ، واحده کحذو النعل بالنعل ، إلّا أن یدخل لک فی الصلح والبیعة فأمسک عنه و احقن دمه ، وأقمه علی ما یرید.

وأمّا الحسین بن علی، فأوه أوه یا یزید، ماذا أقول لک فیه ؟ فاحذر أن

تتعرّض له إلّا بسبیل خیر ، وامدد له حبلاً طویلاً، وذره یذهب فی الأرض کیف یشاء ، ولا تؤذه ولکن أرعد له وأبرق ، وإیّاک والمکاشفة له فی محاربة بسیف أو منازعة بطعن رمح، بل أعطه وقرّبه وبجّله ، فإن جاء إلیک أحد من أهل بیته فوسّع علیهم وأرضهم ، فإنهم أهل بیت لا یسعهم إلّا الرضا والمنزلة الرفیعة .

وإیّاک - یا بنیّ - أن تلقی الله بدمه فتکون من الهالکین ، فقد حدّثنی ابن عبّاس ، فقال : حضرت رسول الله صلّی الله علیه و آله عند وفاته وهو یجود بنفسه وقد ضمّ الحسین إلی صدره وهو یقول : هذا من أطائب أرومتی ، وأبرار عترتی ، و خیار ذّریتیّ، لا بارک الله فیمن لم یحفظه من بعدی.

قال ابن عبّاس : ثمّ أغمی علی رسول الله ساعة ثمّ أفاق فقال : یا حسین ، إنّ لی ولقاتلک یوم القیامة مقاماًبین یدی ربّی وخصومة ، وقد طابت نفسی إذ جعلنی الله خصماً لمن قاتلک یوم القیامة.

یا بنیّ ، فهذا حدیث ابن عبّاس وأنا أحدّثک عن رسول الله صلّی الله علیه

ص: 138

کلام للمؤلف رحمه الله

آله انّه قال : أتانی یوماً حبیبی جبرئیل فقال : یا محمد ، إنّ أمتّک تقتل ابنک حسیناً ، وقاتله لعین هذه الأمّة ، ولقد لعن النبی صلّی الله علیه وآله قاتل حسین

مراراً.

فانظر -یا بنیّ -، ثمّ انظر أن تتعرّض له بأذی ، فإنّه مزاج ماء رسول الله ، وحقّه والله یا بنیّ - عظیم ، وقد رأیتنی کیف کنت أحتمله فی](1) حیاتی ، واضع له رقبتی وهو یجبهنی بالکلام القبیح الذی یوجع قلبی فلا أُجیبه ، ولا أقدر له علی حیلة، لأنّه بقیّة أهل الأرض فی یومه هذا. (2)

قلت : لعن الله معاویة ما أشدّ نفاقه ، وأعظم شقاقه ؟ فإنّه کان یعرف الحقّ لکن الشقاق و حبّ الدنیا غلب علی قلبه ، حتی کفر بأنعم ربّه ، وارتدّ عن الدین الّذی کان قد تدیّن به ظاهراً ، وأبوه من قبله لا باطناً، وهب إنّه کان فی الظاهر والباطن مسلماًولیس کذلک ، ألیس قد کفر بحرب أمیر المؤمنین ، وقتل جماعة من المهاجرین الأوّلین ، کخزیمة بن ثابت وعمّار وغیرهما من أکابر الصحابة والتابعین لهم بإحسان ؟ فهو إمّا کافر أصلی أو مرتدًّ عن الإسلام، فعلی کلا الأمرین لا تقبل توبته لقول رسول الله صلّی الله علیه وآله : یاعلیّ ، حربک حربی(3)

وقوله صلّی الله علیه و آله : محاربوا علیّ کفرة(4). وقوله صلّی الله علیه و آله : یا علی، من آذی شعرة منک فقد آذانی ، و من

ص: 139


1- ما بین المعقوفتین أثبتناه من مقتل الخوارزمی..
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 173/1 - 176.
3- انظر : إحقاق الحق:440/6 - 441، و ج 296/7 ، وج 70/13 .
4- انظر فی معناه : إحقاق الحق: 235/4 و 238 - 239 و276 و 277، و ج 331/7 و 337،وج 580/15، و ج 279/17 ، و ج470/18 .

آذانی فقد آذی الله ، ومن آذی الله فعلیه لعنة الله(1)

وممّا یدلّ علی کفره وإلحاده فعله بالامام السبط التابع لمرضاة الله أبی محمد الحسن علیه السلام من شنّ الغارات علیه ، وإفساد قلوب الناس له ، وبذل الأموال فی حربه ، وإفساد جموعه وجنوده ، ثمّ دسّ السمّ له حتی ألقی کبده وحشاه ، ومضی شهیداً مظلوماً مسموماً، فهل فی فعله هذه الأفعال الشنیعة من حرب أمیر المؤمنین و موارطته ثمانیة عشر شهراً ، ثمّ قتل سبعة من أکابر الصحابة بعد کحجر بن عدی و أصحابه ، ثمّ بسبّه أمیر المؤمنین علیه السلام علی المنابر الأکما قال الله سبحانه :( فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحدَهُ وَکَفَرنَا بِمَا

کُنَّا بِهِ مُشرِکِینَ فَلَم یَکُ یَنفَعُهُم إیمَانُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا )(2) وکقول فرعون لمّا أدرکه الغرق :( قَالَ آمَنتُ أنَّهُ لَا إلهَ إلّا الَّذِی آمَنَت بِهِ بَنوا إسرَائِیلَ وَأنَا مِنَ المُسلِمِینَ) (3) فردّ الله سبحانه علیه بقوله :(الآنَ وَقَد عَصَیتَ قَبلُ وَکُنتَ مِنَ المُفسِدِینَ) (4)

فکان حال معاویة لمّا رأی علامات الموت کحال فرعون و الکفّار الّذین ذکر هم سبحانه بقوله : ( فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا )، فعلیه وعلی من یعتذر له ، ویصّوب آراءه واجتهاده فیما علم بطلانه من الدین ضرورة لعنة الله ولعنة اللاعنین ، لأنّ إنکار ولایة أمیر المؤمنین وحربه ، واستحلال وسفک دمه ودم ذرّیّته وشیعته ، کحال منکری الشرائع من الصلاة والزکاة والحجّ والنبوّة ، فهل یحلّ لمؤمن یؤمن بالله والیوم الآخر أن یصوّب اجتهاده ، ویؤول مراده ، ویمهّد له العذر علی فعله ؟

ص: 140


1- انظر : إحقاق الحق: 380/6 ۔ 394، و ج588/16 - 599، و ج 537/21 - 543.
2- سورة غافر : 84 و 85.
3- سورة یونس: 90.
4- سورة یونس: 91.

تتمة وصیة معاویة لابنه یزید علیهما اللعنة

وإذا قبّحنا باب تصویب اجتهاده وإنکار ما علم من الدین ضرورة بطلانه من استحلال حرب أمیر المؤمنین ، وقتل ذرّیّته وشیعته ، فالیهود والنصاری والمجوس وعبدة الأصنام أن یعتذروا ویحتجّوا علینا باجتهاده ویقولوا: نحن ساقنا اجتهادنا إلی القول بصحّة ما اعتقدناه من خلافکم ففعله علیه اللعنة والعذر له من أعظم حجّة لهم علینا فلا نمنع من سبّه ، ولا نقول بإیمانه إلا من حاله کحاله فی الکفر والبغی ، وعداوة الحقّ وأهله.

وأقول : إنّ معاویة علیه اللعنة مع کفره ونفاقه کان یری أهل الشام والهمج الرعاع الصلاح واللین والتحلّم والصفح عن المسیء منهم حتی استمال قلوب الناس ، وصاروا یعدونه من أکابر الصحابة ، ویسمونه «خال المؤمنین» ، و«کاتب الوحی» ، ویرون القتال معه جهاداً ، وکان الحسن والحسین صلوات الله علیهما إذا دخلا علیه أراهم من التعظیم والإجلال ما لا مزید علیه مع کفره وبغضه لهما فی الباطن.

وأمّا یزید علیه اللعنة فإنّ حاله کانت فی الظاهر بخلاف حاله ، لأنّه کان متهتّکاً متظاهراً بالفجور وشرب الخمر والتماجن والتشبیب بالنساء واقتناء الکلاب والفهود و آلات اللهو ، وکان قد اتّخذ قرداً وکلّف به وأخدمه رجالاً ، وسمّاه قیساً ، کان إذا رکب أرکبه معه فی موکبه والخدم مکتنفة به وعلیه ثیاب الدیباج ، وکان إذا جلس للشرب أحضره معه فی مجلسه ویسقی الحاضرین الخمر.

فمن کانت هذه حاله کیف یلیق بأهل الصلاح والدین أن یقرّوا ببیعته ، أو یدخلوا تحت طاعة أولاد الأنبیاء وشیعتهم؟ فلولا جهاد سیّدنا أبی عبدالله علیه السلام ، و بذله نفسه وولده فی إظهار کفره ، وعدم الرضا بفعله ، وأمره بالمعروف ،

ص: 141

کلام للمؤلف رحمه الله

موت معاویة

ونهیه عن المنکر فی متاجرته، لفسد نظام الاسلام، وارتدّ أکثر الناس علی الأعقاب ، ولحصل فتق فی الإسلام لیس له راتق ، فجزاه الله عن الاسلام وأهله أفضل الجزاء.

ولنرجع إلی ما کنّا فیه :

ثمّ قال معاویة : وانظر یا بنیّ - أهل الحجاز فإنّهم أصلک و فرعک ، فأکرم

من قدم علیک ، ومن غاب عنک فلا تجفه ولا تعنّفه.

وانظر أهل العراق فإنّهم لا یحبّونک أبداً، ولا ینصحونک ، ولکن دارهم ما أمکنک ، وإن سألوک أن تعزل عنهم کلّ یوم عاملاً فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد أهون من سلّ مائة ألف سیف.

وانظر أهل الشام فإنّهم بطانتک وظهارتک ، وقد بلوت بهم وعرفت ثباتهم(1)، وهم صبّر عند اللقاء، حماة فی الوغی، فإن رابک(2) أمر من عدوّ یخرج علیک فانتصر بهم ، فإذا أصبت حاجتک فارددهم إلی بلادهم یکونوا

[بها](3) لوقت حاجتک ، ثمّ أغمی علی معاویة ، فلم یفق بقیّة یومه من غشیته ، فلمّا أفاق قال : اوه اوه جاء الحقّ وزهق الباطل ، ثمّ قال : إنّی کنت بین یدی رسول الله صلّی الله علیه و آله ذات یوم وهو یقلّم أظفاره، فأخذت القلامة ، وأخذت بشقص من شعره علی الصفا ، فجعلتها فی قارورة فهی عندی ، فاجعلوا الشعر والأظفار فی فمی وأُذنی ، ثمّ صلّوا علیَّ و وارونی فی حفرتی(4)

ص: 142


1- فی المقتل : نیاتهم.
2- فی المقتل : دار بک.
3- من المقتل
4- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 176/1 - 177.

فلیت یا شعری کیف لم یستحی من الله ورسوله وقد بارز أهل بیته بالعداوة ونصب الغوائل لهم والوقیعة فی أسفارهم وانسارهم(1) أجسادهم ؟! ثمّ عقد الأمر عند موته وولایة عهده لابنه یزید الّذی لا یوازیه کافر، ولا یلحقه فاجر، أکفر الخلق بالله ، وأبغضهم للحقّ وأهله ، وأشدّ الخلق تهتّکاًمع خلعه جلباب الحیاء، وتظاهره بشرب الخمور، وتعاطی الزنا والفجور، وسفک الدماء المحرّمة ، وغصب الأموال المحترمة ، فعلیه وعلی أبیه أشد العذاب وأعظم النکال ، والله لو واروه فی حفرة النبیّ صلّی الله علیه و آله لم یغن عنه ذلک من الله شیئاً، کما لم یغن عن الأوّلین الّذین دفنا إلی جانبه صلّی الله علیه و آله ونزّهه الله عنهما ونقلهما عنه ، (وَقِیلَ لَهُمَا اذخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلیِنَ (2) وهو یرجو مع قبیح فعله الشفاعة من النبیّ ، ویتبرّک بشعره وظفره، والله یقول :( وَلَا یَشفَعُون إلاَّ لِمَنِ از تَضَی (3)

ثمّ انقطع کلام معاویة ولم ینطق بشیء، وخرج یزید علی عادته فی التهتک واللهو والصید فی یومه ذلک إلی نواحی حوران للنزهة والصید وترک أباه بحاله ، وقال للضحاک بن قیس : انظر لا تخف علیَّ شیئاً من أمره، وتوقی معاویة من غیر ولیس یزید حاضر، فکان ملکه علیه اللعنة تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، ومات بدمشق یوم الأحد لأیام خلت من شهر رجب سنة ستین ، وهو ابن ثمان وسبعین سنة.

قال : فخرج الضحّاک من دار معاویة لا یکلم أحداً والأکفان معه حتی دخل المسجد الأعظم ونودی له فی الناس، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ،

ص: 143


1- کذا فی الأصل
2- سورة التحریم: 10.
3- سورة الأنبیاء : 28.

کتاب الضحاک بن قیس لیزید یخبره بموت معاویة ، وقدوم

یزید لدمشق

ثمّ قال : إن أمیر المؤمنین معاویة قد ذاق الموت ، وشرب بکأس الحتف ، وهذه أکفانه ، ونحن مدرجوه فیها ، ومدخلوه قبره ، ومخلون بینه وبین عمله، فمن

کان منکم یرید أن یشهد فلیحضر بین الصلاتین ولا تقعدوا عن الصلاة علیه ، ثمّ

نزل عن المنبر وکتب إلی یزید:

[بسم الله الرحمن الرحیم ](1)

الحمد لله الّذی لبس[ زرداء](2)البقاء، وکتب علی عباده الفناء ، فقال

سبحانه : (کُلُّ مَن عَلَیهَا فَانٍ وَیَبقَی وَجهُ رَبَّکَ ذُو الجَلَالِ وَالاکرَامِ)(3)

العبدالله أمیر المؤمنین یزید من الضحّاک بن قیس. أمّا بعد:

فکتابی (4) وفی الأصل : فکتب .

لا بعد موت معاویة إلی أمیر المؤمنین کتاب تهنئة ومصیبة ، فأمّا التهنئة فبالخلافة الّتی جاءتک عفواً ، وأمّا المصیبة فبموت أمیر المؤمنین معاویة ، فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، فإذا قرأت کتابی هذا فالعجل العجل لتأخذ الناس بالبیعة ، بیعة أخری مجدّدة.

قال : فلمّا ورد الکتاب علی یزید وقرأه وثب من ساعته صائحاً باکیاً، وأمر بإسراج دوابّه ، وسار یرید دمشق ، فصار إلیها بعد ثلاث من موت معاویة ، وخرج [الناس ](5)إلی استقباله ، فلم یبق أحد یطیق حمل السلاح إلّا رکب

ص: 144


1- من المقتل.
2- من المقتل.
3- سورة الرحمن: 29 و 27.
4- کذا فی المقبل ،
5- من المقتل.

تهنئة الناس لیزید بالخلافة وتعزیتهم له بموت أبیه

[وخرج ](1) حتی إذا وافی اللعین قریباً من دمشق و جعل الناس یتلقّونه فیبکون

ویبکی معهم.

ثمّ نزل فی قبة خضراء لابنه وهو معتمّ بعمامة خزّ سوداء متقلّداً سیف أبیه ، فلمّا دخلها نظر فإذا قد فرش له فرش کثیرة بعضها علی بعض، ما یمکن الأحد أن یرقی علیها إلّا بالکراسی ، فصعد حتی جلس والناس یدخلون علیه یهنّئونه بالخلافة ویعونه بأبیه ، ویزید یقول : نحن أهل الحقّ وأنصار الدین ، فأبشروا یا أهل الشام فإنّ الخیر لم یزل فیکم وسیکون بینی وبین أهل العراق ملحمة ، وذلک انّی رأیت فی المنام منذ ثلاث لیال کأن بینی وبین (2)أهل العراق نهر یطرد بالدم العبیط [ویجری] (3) جریاً شدیداً، وجعلت أجتهد فی منامی أن أجوزه فلم أقدر حتی جاء عبید الله بن زیاد فجازه بین یدی وأنا أنظر إلیه.

قال : فأجابه أهل الشام وقالوا: یا أمیر المؤمنین، امض بنا حیث شئت

فنحن بین یدیک ، وسیوفنا هی الّتی عرفها أهل العراق فی صفّین .

فقال یزید: أنتم لعمری کذلک ، ثمّ قال : أیّها الناس، إن معاویة کان عبداً من عباد الله أنعم الله علیه ، ثمّ قبضه إلیه ، وهو خیر ممّن بعده ، ودون من کان قبله ، ولا أزکّیه علی الله ، فهو أعلم به منّی، فإن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنوبه ، ولقد ولّیت هذا الأمر من بعده ولست أقصر عن طلب حق، ولا أعتذر من تفریط فی باطل ، وإذا أراد الله شیئاً کان ، فصاح الناس من کلّ جانب : سمعنا وأطعنا ، یا أمیر المؤمنین.

قال : فبایع الناس باجمعهم یزید وابنه معاویة بن یزید من بعده، وفتح

ص: 145


1- من المقتل.
2- فی المقتل : بینکم.
3- من المقتل.

کتاب یزید بن معاویة إلی الولید بن عتبة یولیه علی المدینة

إخبار النبی صلّی الله علیه و آله بخلافة یزید ، واستشارة الولید بن

بیوت الأموال وأخرج أموالا جلیلة(1)ففرّقها علیهم، ثمّ عزم علی إنفاذ الکتب إلی [جمیع] (2) البلاد بأخذ البیعة له ، وکان مروان بن الحکم والیاً علی المدینة فعزله وولی مکانه ابن عمّه الولید بن عتبة بن أبی سفیان ، وکتب إلیه یقول :

بسم الله الرحمن الرحیم

من عبدالله یزید أمیر المؤمنین إلی الولید بن عتبة .

أمّا بعد:

فإنّ معاویة کان عبداً من عباد الله أکرمه فاستخلفه ومکّن له ، ثمّ قبضه إلی روحه وریحانه أو عقابه (3)، عاش بقدرٍ ، ومات بأجلٍ، وقد کان عهد إلی وأوصانی أن أحذر آل أبی تراب وجرأتهم علی سفک الدماء، وقد آن - یا ولید - أن ینتقم الله للمظلوم (4)عثمان من آل أبی تراب بآل أبی سفیان ، فإذا ورد علیک کتابی هذا فخذ البیعة[لی] (5)علی جمیع الخلق فی المدینة .

قال : ثمّ کتب فی رقعة صغیرة :

أمّا بعد:

فخذ الحسین وعبدالله بن عمر وعبدالرحمان بن أبی بکر وعبدالله بن الزبیر بالبیعة أخذاً عنیفاً لیست فیه رخصة، فمن أبی علیک فاضرب عنقه ، و ابعث إلیَّ برأسه ، والسلام .(6)

ص: 146


1- فی المقتل : جزیلة.
2- من المقتل.
3- فی المقتل : إلیَّ روحه وریحانه ورحمته وثوابه .
4- من المقتل.
5- فی المقتل : وقد علمت یا ولید أن الله تعالی منتقم للمظلوم
6- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 177/1 - 180.

عتبة لمروان بن الحکم

وروی عن مکحول، عن أبی عبیدة الجرّاح ، قال : قال رسول الله صلّی الله علیه وآله : لا یزال أمر أمّتی قائماً بالقسط حتی یکون أوّل من یثلمه رجل من بنی أمیة [ یقال له یزید] (1)

وبإسناد متّصل بأبی ذرّ رضی الله عنه قال : سمعت رسول الله صلّی الله

علیه وآله یقول : أوّل من یبدّل دینی رجل من بنی أمیّة .

قال ابن اعثم : فلمّا ورد الکتاب علی الولید بن عتبة قرأه واسترجع، ثمّ قال : یا ویح الولید بن عتبة من دخوله فی هذه الأمارة ، مالی وللحسین ؟ ثمّ بعث إلی مروان فدعاه وقرأ الکتاب علیه ، فاسترجع مروان، ثمّ قال : رحم الله معاویة.

فقال الولید : أشر علیَّ برأیک.

فقال مروان : أری أن ترسل إلیهم فی هذه الساعة فتدعوهم إلی الطاعة والدخول فی بیعة یزید ، فإن فعلوا قبلت ذلک منهم، وإن أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن یعلموا بموت معاویة ، فإنهم إن علموا بموته وثب کل واحد منهم وأظهر الخلاف ودعا إلی نفسه ، فعند ذلک أخاف أن یأتیک منهم ما لا قبل لک به ، إلا عبدالله بن عمر فإنّی لا أراه ینازع، فذره عنک ، وابعث إلی الحسین وعبدالرحمان بن أبی بکر وعبدالله بن الزبیر فادعهم إلی البیعة ، مع أنی أعلم أن الحسین خاصّة لا یجیبک إلی بیعة یزید أبداً، ولا یری له علیه طاعة ، والله إنی لو کنت موضعک لم أراجع الحسین فی کلمة واحدة حتی أضرب عنقه ، فأطرق الولید بن عتبة ، ثمّ رفع رأسه وقال : لیت الولید بن عتبة لم یولد.

ص: 147


1- من المقتل.

قال : ثمّ دمعت عیناه ، فقال له عدّو الله مروان : أیّها الأمیر ، لا تجزع بما ذکرت لک ، فإنّ آل أبی تراب هم الأعداء فی قدیم الدهر ولم یزالوا ، وهم الّذین قتلوا عثمان ، ثمّ ساروا إلی معاویة فحاربوه ، فإنّی لست آمن - أیّها الأمیر - إنّ أنت لم تعاجل الحسین خاصة أن تسقط منزلتک عند أمیر المؤمنین یزید.

فقال الولید : مهلاً - یا مروان - اقصر من کلامک وأحسن القول فی ابن

فاطمة ، فإنّه بقیّة ولد النبیّین.

قال : ثمّ بعث الولید بن عتبة إلی الحسین وعبد الرحمان بن أبی بکر وعبدالله بن عمر وعبد الله بن الزبیر فدعاهم، وأقبل الرسول وهو عمرو بن عثمان ، فلم یصب القوم فی منازلهم ، فمضی نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبی صلّی الله علیه و آله ، فسلّم، ثمّ قال : إنّ الأمیر یدعوکم ، فصیروا إلیه .

فقال الحسین : تفعل إن شاء الله إذا نحن فرغنا من مجلسنا، فانصرف الرسول وأخبر الولید بذلک ، وأقبل عبد الله بن الزبیر علی الحسین ، فقال : یا أبا

عبدالله ، إن هذه ساعة لم یکن الولید بن عتبة یجلس فیها للناس، وإنی قد

أنکرت بعثته إلینا فی مثل هذا الوقت ، فتری لما بعث إلینا (1)؟

فقال الحسین علیه السلام : أُخبرک إنّی أظنّ أنّ معاویة هلک ، وذلک انّی رأیت البارحة فی منامی کأنّ منبر معاویة منکوس، ورأیت النار تشتعل فی داره، فتأوّلت ذلک فی نفسی بأنّه قد مات.

قال ابن الزبیر : فاعمل علی ذلک بأنّه کذلک ، فما تری أن تصنع إذا دعیت

إلی بیعة یزید ؟

ص: 148


1- فی المقتل : أنکرت بعثه ... أفتری لماذا بعث إلینا ؟

وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبیر لمبایعة یزید

فقال الحسین علیه السلام : لا أبایع أبداً، لأن الأمر إنّما کان لی بعد أخی الحسن فصنع معاویة ما صنع ، وحلف لأخی الحسن انّه لا یجعل الخلافة لأح من بعده من ولده ، وأن یردّها علیّ إن کنت حیّاً، فإن کان معاویة قد خرج من دنیاه ولم یف لی ولا لأخی فوالله لقد جاءنا مالا قوام (1) لنا به ، أتظنّ أنّی أبایع یزید ، ویزید رجل فاسق معلن بالفسق ، وشرب الخمر، واللعب بالکلاب والفهود ، ونحن بقیّة آل رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ والله لا یکون ذلک أبداً، فبینما هما فی المحاورة إذ رجع الرسول وقال للحسین : أبا عبدالله ، إن الأمیر قاعد لکما خاصة فقوما إلیه ، فزبره الحسین وقال : انطلق إلی أمیرک لا أمّ لک أنا صائر إلیه الساعة إن شاء الله ولا قوّة إلا بالله.

قال : فرجع الرسول إلی الولید فأخبره بذلک ، وقال : إنّ الحسین قد أجاب

وهو صائر إلیک هذه الساعة فی أثری.

فقال مروان : غدر والله الحسین.

فقال الولید : مهلاً لیس مثل الحسین یغدر ، ولا یقول ما لا یفعل ، ثمّ أقبل الحسین علی الجماعة وقال : قوموا(2) إلی منازلکم فإنّی صائر إلیه فأنظر ما

عنده .

فقال له ابن الزبیر : إنّی أخشی(3) علیک أن یحبسوک عندهم ولا یفارقونک

أبداً حتی تبایع أو تقتل.

فقال : لست أدخل علیه وحدی ، ولکن أجمع أصحابی وخدمی

ص: 149


1- فی المقتل : قرار .
2- فی المقتل : صیروا .
3- فی المقتل : خائف.

مجیء الحسین علیه السلام إلی الولید بن عتبة

وأنصاری و أهل الحقّ من شیعتی ، وآمر کلّ واحد منهم أن یأخذ سیفه مسلولاً تحت ثیابه ، ثمّ یصیروا بإزائی ، فإذا أنا أومأت إلیهم وقلت: «یا آل الرسول ، ادخلوا» دخلوا وفعلوا ما أمرتهم به ، ولا أعطی القیاد من نفسی ، فقد علمت والله أنّه قد أتی من الأمر ما لا قوام له ، ولکن قدر الله ماض ، وهو الّذی یفعل فی أهل البیت ما یشاء ویرضی.

ثمّ وثب الحسین فصار إلی منزله ، ثمّ دعا بماءٍ فاغتسل ، ولبس ثیابه ، وصلّی رکعتین ، فلمّا انفتل من صلاته أرسل إلی فتیانه وموالیه وأهل بیته فأعلمهم شأنه ، ثمّ قال : کونوا بباب هذا الرجل ، فإذا سمعتم صوتی و کلامی وصحت: «یا آل الرسول» فاقتحموا بغیر إذن، ثم أشهروا السیف(1)ولا تعجلوا، فإن رأیتم ما لا تحبّون فضعوا سیوفکم فیهم واقتلوا من یرید قتلی.

قال : ثمّ خرج الحسین من منزله ، وفی یده قضیب رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وهو فی ثلاثین رجلاً من موالیه وشیعته حتی أوقفهم علی باب الولید ، ثمّ قال : انظروا ما أوصیکم(2) به فلا تعدوه وأنا أرجو أن أخرج إلیکم سالماً، ثمّ دخل الحسین علیه السلام علی الولید وسلم ، وقال : کیف أصبح

الأمیر ؟

قال : فردّ علیه الولید ردّاً حسناً، ثمّ أدناه وقرّبه ، وکان مروان حاضراً فی مجلس الولید ، وکان بین الولید و مروان قبل ذلک منازعة ، فلماً نظر الحسین إلی مروان جالساً فی مجلس الولید ، قال : أصلح الله الأمیر الصلح(3)

ص: 150


1- فی المقتل : السیوف
2- فی المقتل : ما أوصیتکم.
3- فی المقتل : الصلاح.

أن الحسین علیه السلام عارضه فی طریقه مروان بن الحکم

وجرت بینهما محادثة

لیلا بعد موت معاویةخیر من

لما

الفساد، وقد آن لکما أن تجتمعا، الحمدلله الذی أصلح ذات بینکم.

قال : فلم یجیباه بشیء فی هذا، فقال الحسین علیه السلام: هل ورد

علیکم خبر من معاویة؟ فإنّه قد کان علیلاً وقد طالت علته ، فکیف هو الآن ؟

قال : فتأوه الولید ، ثمّ قال : یا أبا عبد الله ، آجرک الله(1)فی معاویة ، فقد کان لک عمّ صدق، ووالی عدل ، فقد ذاق الموت ، وهذا کتاب أمیر المؤمنین یزید.

فقال الحسین علیه السلام: إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، وعظّم الله لکما

الأجر، ولکن لماذا دعوتنی ؟

فقال : دعوتک للبیعة الّتی قد اجتمع علیها الناس.

قال : فقال الحسین علیه السلام : إن مثلی لا یعطی بیعته سرّاً، وإنّما یجب أن تکون البیعة علانیة بحضرة الجماعة، ولکن غدا إذا دعوتَ الناس إلی البیعة دعوتنا معهم ، فیکون أمراً واحداً.

فقال له الولید : لقد قلتَ فأحسنت القول وکذا کان ظنّی فیک ، فانصرف

راشداًحتی تأتینا غداً مع الناس.

قال : فقام مروان ، وقال : إنه إن فارقک الساعة ولم یبایع فإنّک لا تقدر علیه بعدها أبداً حتی تکثر القتلی بینک وبینه ، فاحتبسه عندک ولا تدعه یخرج أو یبایع وإلّا فاضرب عنقه.

قال : فالتفت الحسین إلیه ، وقال : ویلی علیک یا ابن الزرقاء، أتأمره بضرب عنقی ؟ کذبت والله ولؤمت، والله لو رام ذلک أحد من الناس لسقیت

ص: 151


1- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.

الأرض من دمه ، فإن شئت ذلک فقم أنت فاضرب(1)عنقی إن کنت صادقاً.

قال : ثمّ أقبل الحسین علی الولید وقال : أیّها الأمیر ، إنّا أهل بیت النبوّة ،

ومعدن الرسالة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ویزید رجل فاسق ، شارب خمر، قاتل النفس، معلن بالفسق، ومثلی لا یبایع مثله ، ولکن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أیّنا أحقّ بالخلافة والبیعة.

قال : فسمع من بالباب صوت الحسین فهمّوا أن یقتحموا الدار بالسیوف،

وخرج إلیهم الحسین علیه السلام فأمرهم بالانصراف ، وأقبل الحسین إلی منزله ، فقال مروان للولید: عصیتنی حتی أفلت الحسین من یدک ، أما والله لا تقدر منه علی مثلها ، والله لیخرجنّ علیک وعلی یزید.

فقال الولید: ویحک یا مروان، أشرت علیَّ بقتل الحسین ، وفی قتله ذهاب دینی ودنیای ، والله ما أُحبّ (2)

أن أملک الدنیا بأسرها وانّی قتلت الحسین ، ما أظنّ أحداًیلقی الله یوم القیامة بدم الحسین إلّا وهو خفیف المیزان عند الله ، لا ینظر إلیه ، ولا یزکّیه ، وله عذاب ألیم.

قال : وخرج الحسین علیه السلام من منزله یسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحکم قد عارضه فی طریقه ، فقال : یا أبا عبد الله ، إنّی لک ناصح فأطعنی تر شد و تسدّد.

فقال الحسین علیه السلام : وما ذاک قال : إنّی آمرک ببیعة یزید فإنّه خیر لک فی دینک ودنیاک .

ص: 152


1- فی المقتل : فرم أنت ضرب
2- فی المقتل : والله إنّی لا أحبّ.

قال : فاسترجع الحسین علیه السلام وقال : علی الاسلام العفا إذ قد بلیت الأمّة براع مثل یزید ، ثمّ أقبل الحسین علی مروان ، وقال : ویحک تأمرنی ببیعة یزید، ویزید رجل فاسق ، لقد قلت شططاً، لا ألومک علی قولک لأنک اللعین الذی لعنک رسول الله صلّی الله علیه و آله وأنت فی صلب أبیک الحکم بن أبی العاص ، ومن لعنه رسول الله فإنّه لا ینکر منه أن یدعو إلی بیعة یزید ، ثمّ قال : إلیک عنّی یا عدو الله فإنّا أهل بیت رسول الله علی الحقّ والحقّ فینا ، وقد سمعت جدّی رسول الله صلّی الله علیه وآله یقول : الخلافة محرّمة علی آل أبی سفیان الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأیتم معاویة علی منبری فابقروا بطنه(1)، فوالله لقد رآه أهل المدینة علی منبر جدی رسول الله صلّی الله علیه وآله فلم یفعلوا ما أمرهم به فابتلاهم الله بابنه یزید .

قال : فغضب مروان ، ثمّ قال : والله لا تفارقنی أو تبایع لیزید صاغراً، فإنکم آل أبی تراب قد ملئتم کلاماً و أشربتم بغض آل أبی سفیان ، وحقیق علیهم أن یبغضوکم.

فقال الحسین علیه السلام : ویلک إلیک عنّی ، فإنّک رجس وإنّا أهل بیت

ص: 153


1- السنُة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : 151ح 814، مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام لمحمد بن سلیمان الکوفی : 300/2ح 775 وص305 ح 779 و ص 780وص318 ح 790، أنساب الأشراف: 128/1 ح369 وص128 - 129 ح 371، تاریخ الطبری :58/10، الکامل لابن عدی : 1255/3 ، و ج 5/ 1844 و ص 1951، وج 2125/6 وص2416، و ج2544/7، معانی الأخبار : 346 ح 1، تاریخ بغداد :181/12 ، شرح نهج البلاغة :176/15 ، الملاحم والفتن : 111 وص168- 169ب 19، میزان الاعتدال : 613/2 ، الأصول الستّة عشر ، کتاب عبّاد العصفری : 19،وقعة صفّین: 216 و ص 221، سیر أعلام النبلاء : 149/3 ، البدایة والنهایة :133/8 ، المطالب العالیة :313/4 ح 4499.

کتاب یزید إلی الولید بن عتبة یأمره بأخذ البیعة ثانیة علی أهل

المدینة وبقتل الحسین علیه السلام

مجیء الحسین علیه السلام عند قبر النبی صلّی الله علیه و آله

الطهارة الّذی أنزل الله فینا : ( إنَّما یُرِیدُ الله لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرَّجسَ أهلَ البَیتِ وَیُطَهَّرَکُم تَطهِیراً )(1) فنکس مروان رأسه ، فقال له الحسین : أبشر یا ابن الزرقاء بکلّ ما تکره من الرسول صلّی الله علیه و آله یوم تقدم علی جدّی رسول الله صلّی الله علیه و آله فیسألک عن حقّی وحقّ یزید.

قال : فمضی مروان مغضباً حتی دخل علی الولید فخبّره بما کان من مقالة الحسین علیه السلام، وکان ابن الزبیر قد خرج لیلاً قاصداً مکّة حین اشتغلوا بالحسین ، فبعث الولید بن عتبة فی طلبه فلم یقدروا علیه وفاتهم، فکتب الولید إلی یزید یخبره الخبر بما کان من ابن الزبیر ، ثمّ ذکر له بعد ذلک أمر الحسین ، فلمّا ورد الکتاب علی یزید و قرأه غضب غضباً شدیداً ، وکان إذا غضب أنقلبت عیناه فصار أحول، فکتب إلی الولید بن عتبة :

من عبدالله أمیر المؤمنین یزید إلی الولید بن عتبة .

أمّا بعد:

فإذا ورد علیک کتابی هذا فخذ البیعة ثانیاًعلی أهل المدینة وذر عبدالله ابن الزبیر فإنّه لا یفوتنا، ولیکن مع جواب کتابی رأس الحسین ، فإنّ فعلت ذلک فقد جعلت لک أعنّة الخیل ، ولک عندی الجائزة العظمی والحظّ الأوفر، والسلام .

فلمّا ورد الکتاب علی الولید وقرأه عظم ذلک علیه ، ثمّ قال : لا والله لا

یرانی الله بقتل أبن نبیّه (2)

بعد موت معاویة ولو جعل یزید لی الدنیا بما فیها.

قال : وخرج الحسین علیه السلام من منزله ذات لیلة وأقبل إلی قبر جدّه صلّی الله علیه و آله ، فقال : السلام علیک یا رسول الله ، أنا الحسین بن فاطمة ،

ص: 154


1- سورة الأحزاب : 33.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : بنته .

فرخک وابن فرختک ، وسبطک الّذی خلفتنی فی أمّتک ، فاشهد علیهم یا نبیّ الله أنّهم قد خذلونی ، وضیّعونی ، ولم یحفظونی ، وهذه شکوای إلیک حتی ألقاک .

قال : ثمّ قام فصفّ قدمیه فلم یزل راکعاً ساجداً.

قال : وأرسل الولید إلی منزل الحسین علیه السلام لینظر أخرج من المدینة أم لا، فلم یصبه فی منزله ، فقال : الحمد لله الّذی(1) خرج ولم یبتلنی الله (2) بدمه.

قال : ورجح الحسین إلی منزله عند الصبح.

قال : فلمّا کانت اللیلة الثانیة (3) خرج إلی القبر أیضاً وصلّی رکعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل یقول : اللّهمّ هذا قبر نبیّک محمد ، وأنا ابن بنت نبیّک ، وقد حضرنی من الأمر ما قد علمت.

اللّهمّ إنّی أحبّ المعروف ، وأُنکر المنکر، وأنا أسألک یا ذا الجلال والاکرام بحقّ [هذا] (4)القبر ومن فیه إلّا اخترت لی ما هو لک رضی ، ولرسولک رضی.|

قال : ثمّ جعل یبکی عند القبر حتی إذا کان قریباً من الصبح وضع رأسه علی القبر فأغفی ، فإذا هو برسول الله صلّی الله علیه و آله قد أقبل فی کتیبة من الملائکة عن یمینه وعن شماله وبین یدیه حتی ضمّ الحسین إلی صدره وقبّل بین عینیه وقال : حبیبی یا حسین کانّی آراک عن قریب مرملاً بدمائک ، مذبوحاً

ص: 155


1- فی المقتل : إذ.
2- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
3- فی المقتل : الثالثة .
4- من المقتل.

مجیء الحسین علیه السلام عند قبر أمه فاطمة وأخیه الحسن

علیهما السلام

مجیء محمد بن الحنفیة عند الحسین علیه السلام للنصیحة

بأرض کربلاء ،(1) بین عصابة من أمّتی ، وأنت مع ذلک عطشان لا تسقی ، و ظمآن لا تروی ، وهم مع ذلک یرجون شفاعتی ، لا أنالهم الله شفاعتی یوم القیامة.

حبیبی یا حسین ، إنّ أباک وأمّک وأخاک قدموا علیَّ وهم مشتاقون إلیک ،

وإنّ لک فی الجنان لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة.

قال : فجعل الحسین علیه السلام فی منامه ینظر إلی جدّه ویقول : یا

جدّاه ، لا حاجة لی فی الرجوع إلی الدنیا ، فخذنی إلیک وأدخلنی معک فی قبرک .

فقال له رسول الله صلّی الله علیه و آله : لا بدّ لک من الرجوع إلی الدنیا حتی ترزق الشهادة ، وما قد کتب الله لک فیها من الثواب العظیم ، فإنّک وأباک وأخاک وعمّک وعمّ أبیک تحشرون یوم القیامة فی زمرة واحدة حتی تدخلوا الجنّة.

قال : فانتبه الحسین علیه السلام من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤیاه علی أهل بیته و بنی عبد المطّلب ، فلم یکن فی ذلک الیوم فی مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّاً من أهل بیت رسول الله صلّی الله علیه و آله ولا أکثر باکٍ ولا باکیة منهم .

قال : وتهیّاً الحسین صلوات الله علیه للخروج من المدینة ومضی فی جوف اللیل إلی قبر امه علیها السلام فودّعها ، ثمّ مضی إلی قبر أخیه الحسن علیه السلام ففعل کذلک ، ثمّ رجع إلی منزله وقت الصبح، فأقبل إلیه أخوه محمد ابن الحنفیّة وقال : یا أخی أنت أحبّ الخلق إلیَّ وأعزهم علیَّ ، ولست والله أدّخر النصیحة لأحد من الخلق ، ولیس أحد أحقّ بها منک لأنّک مزاج مائی

ص: 156


1- کذا فی المقبل ، وفی الأصل والبحار : من .

ونفسی وروحی و بصری ، وکبیر أهل بیتی ، ومن وجبت طاعته فی عنقی ، لأنّ الله تبارک وتعالی قد شرّفک علیَّ وجعلک من سادات أهل الجنّة ، وأرید أن أشیر علیک فاقبل متی.

فقال الحسین علیه السلام : یا أخی ، قل ما بدا لک .

فقال : أُشیر علیک أن تتنحّی عن یزید وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلک إلی الناس تدعوهم إلی بیعتک ، فإنّ بایعک الناس حمدت الله علی ذلک وقمت فیهم بما کان رسول الله صلّی الله علیه و آله یقوم به فیهم حتی یتوقاک الله (1)وهو عنک راض ، والمؤمنون عنک راضون کما رضوا عن أبیک وأخیک ، وإن اجتمع الناس علی غیرک حمدت الله علی ذلک وسکتّ ولزمت منزلک (2) فإنّی خائف علیک أن تدخل مصراً من الأمصار، أو تأتی جماعة من الناس فیقتتلون فتکون طائفة منهم معک وطائفة علیک فتقتل بینهم.

فقال الحسین علیه السلام : فإلی أین أذهب ؟

قال : تخرج إلی مکّة ، فإن أطمأنّت بک الدار بها فذاک ، وإن تکن الأخری خرجتَ إلی بلاد الیمن ، فإنّهم أنصار جدّک وأبیک ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوبا (3)، وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمأنّت بک الدار [فذاک](4) وإلّا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزته(5) من بلد إلی بلد ، حتی تنظر ما یؤل إلیه أمر الناس ویحکم الله بیننا وبین القوم الفاسقین.

ص: 157


1- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : حمدت الله علی ذلک وتسکت منزلک .
3- فی المقتل : وهم أرأف و أرق قلوباً
4- من المقتل.
5- فی المقتل : وصرت .

قال : فقال الحسین علیه السلام : یا أخی ، والله لو لم یکن فی الدنیا ملجأ ولا مأوی لما بایعت یزید بن معاویة ، فقد قال جدّی صلّی الله علیه و آله : اللّهمّ لا تبارک فی یزید.

قال سیّدنا ومولانا علم العترة الطاهرة، ومصباح الأُسرة الفاخرة، السید علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس رضی الله عنه وأرضاه فی کتابه الذی ذکر فیه ما تمّ علی الامام السعید أبی عبدالله الحسین علیه السلام : ولعلّ [بعض] (1)من لا یعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة معتقداً(2) أنّ الله سبحانه لا یتعبّد بمثل هذا الحال (3)، أما سمع فی القرآن الصادق المقال أنّه سبحانه تعبّد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالی : (فَتُوبُووا إلَی بَارِئِکُم فَاقتُلُوا أنفُسَکُم ذلِکُم خَیرُ لَکُم عِندَ بَارِئِکُم)(4)

ولعلّه یعتقد [أنّ معنی ] (5) قوله سبحانه : (وَلاَ تُلقُوا بِأَیدِیکُم إلَی التَّملُکَةِ)(6) أنّه هو القتل ، ولیس الأمر کذلک ، وإنّما التعبّد به من أعظم (7) درجات السعادة والفضل .

وقد ذکر صاحب المقتل المرویّ عن الصادق علیه السلام فی تفسیر هذه

الآیة ما یلیق بالعقل:

فروی عن أسلم قال : غزونا نهاوند - أو قال غیرها - فاصطففنا والعدوّ

ص: 158


1- من الملهوف
2- فی الملهوف: یعتقد .
3- فی الملهوف : هذه الحالة
4- سورة البقرة: 54.
5- من الملهوف
6- سورة البقرة : 195.
7- فی الملهوف : أبلغ .

صفّین لم أرَ أطول منهما ولا أعرض، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدینتهم ، فحمل رجل متا علی العدو ، فقال الناس : لا إله إلّا الله ألقی هذا بنفسه إلی التهلکة.

فقال أبو أیّوب الأنصاری رضی الله عنه : إنّما تؤوّلون (1)هذه الآیة علی أنّه حمل هذا الرجل یلتمس الشهادة ، ولیس کذلک ، إنّما أُنزلت فینا، لأتاکتا(2) قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلّی الله علیه و آله و ترکنا أهالینا وأموالنا لأن تقیم فیها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله سبحانه إنکاراً علینا لما وقع (3)فی نفوسنا من التخلّف عن[ نصرة ](4)رسول الله صلّی الله علیه و آله لإصلاح أموالنا و ولا تلقوا بأیدیم إلی التهلکة ) ، معناه : إنّ تخلفتم عن رسول الله صلّی الله علیه وآله وأقمتم فی بیوتکم ألقیتم بأیدیکم إلی التهلکة ، وسخط الله علیکم فهلکتم، وذلک ردّ علینا فیما قلنا وعزمنا علیه من الاقامة ، و تحریض لنا علی الغزو ، وما نزلت هذه الآیة فی رجل حمل علی العدّو یحرّض أصحابه علی أن یفعلوا کفعله ویطلب الشهادة بالجهاد فی سبیل الله رجاء ثواب الآخرة.(5)

قلت : وهذا معنی قول النبیّ صلّی الله علیه و آله : کل برًّ فوقه برّ حتی

یخرج الرجل شاهراً سیفه فی سبیل الله فیقتل فلیس فوقه برّ .(6)

ص: 159


1- کذا فی الملهوف، وفی الأصل : تتلون .
2- کذا فی الملهوف. وفی الأصل : قلنا.
3- فی الملهوف: فأنزل الله إنکال لما وقع .
4- من الملهوف.
5- الملهوف علی قتلی الطفوف: 100.
6- أخرجه فی الوسائل: 10/11 ح 25 عن التهذیب :122/6ح 209، والخصال : 9ح 31، والکافی:53/5 ح2.

وصیة الحسین علیه السلام لأخیه محمد بن الحنفیة

ثمّ نرجع إلی تمام الحدیث:

قال : قطع محمد بن الحنفیّة الکلام وبکی ، فبکی [معه] (1) الحسین علیه السلام ساعة ، ثمّ قال : یا أخی ، جزاک الله خیرا فقد نصحتَ و أشرتَ بالصواب ، وأنا عازم علی الخروج إلی مکّة ، وقد تهیّأت لذلک أنا وإخوتی وبنو أخی و شیعتی ممّن أمرهم (2) أمری ورأیهم رأیی ، وأمّا أنت یا أخی فما علیک أن تقیم بالمدینة ، فتکون لی عینا علیهم لا تخف عنی شیئاً من أمورهم.

ثمّ دعا الحسین علیه السلام بدواة وبیاض وکتب هذه الوصیّة لأخیه

محمد رضی الله عنه :

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا ما أوصی به الحسین بن علیّ بن ابی طالب إلی أخیه محمد المعروف بابن الحنفیّة ، أنّ الحسین یشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتیة لا ریب فیها، وأنّ الله یبعث من فی القبور ، وأنّی لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح فی أمّة جدّی صلّی الله علیه و آله ، أُرید أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنکر، وأسیر بسیرة جدّی محمد صلّی الله علیه و آله و أبی علیّ بن أبی طالب علیه السلام، فمن قبلنی بقبول الحقّ فالله أولی بالحقّ، ومن ردّ علیَّ هذا أصبرد(3) حتی یقضی الله بینی وبین القوم

ص: 160


1- من المقتل والبحار.
2- کذا فی المقبل ، وفی الأصل والبحار : وشبعتی و أمرهم .
3- فی المقتل : صبرت .

بالحقّ [ویحکم بینی وبینهم] (1) وهو خیر الحاکمین ، وهذه وصیتّی یا أخی إلیک ، وما توفیقی إلّا بالله ، علیه توکلّت وإلیه اُنیب.

قلت : وهذه الوصیّة معنی قول أمیر المؤمنین صلوات الله علیه الّذی رواه سیّدنا و مفخرنا السیّد محمد الرضیّ بن الحسین الموسوی رضی الله عنه فی کتابه الّذی جمعه من کلام جدّه أمیر المؤمنین علیه السلام وسمّاه با «نهج البلاغة» فی باب الکلام القصیر فی قوله صلوات الله علیه :

روی ابن جریر الطبری فی تاریخه(2)عن عبدالرحمان (3) بن أبی لیلی الفقیه - وکان ممّن خرج لقتال الحجّاج مع ابن الأشعث - أنّه قال فیما کان یحض به الناس علی القتال (4): إنّی سمّعت علیّاً رفع الله روحه(5)فی الصالحین، وأثابه ثواب الشهداء والصدّیقین ، یقول - لمّا(6)لقینا أهل الشام - : أیّها المؤمنون ، إنّه من رأی عدواناً یعمل به و منکراً یدعی إلیه، فأنکره بقلبه فقد سلم و بریء (7)ومن أنکره بلسانه فقد أجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنکره بالسیف لتکون کلمة الله العلیا وکلمة الظالمین السفلی(8) فذلک الّذی أصاب سبیل الهدی ، وأقام علی الطریقة المثلی(9)، ونور فی قلبه الیقین .(10)

ص: 161


1- من المقتل .
2- تاریخ الطبری : 357/6 .
3- کذا فی الطبری والنهج ، و فی الأصل : عبدالله .
4- فی النهج : الجهاد.
5- فی النهج : درجته .
6- فی النهج : یوم .
7- أی من العذاب المترتب علی فعل المنکر والرضا به لأنه خرج بمجرد ذلک عن العهدة .
8- فی النهج : هی العلیا ... هی السفلی.
9- فی النهج : وقام علی الطریق.
10- نهج البلاغة : 541 رقم 373، عنه البحار : 608/32 ح 480، و ج 89/100 ح 69.

خروج الحسین علیه السلام إلی مکة

وقوله علیه السلام : فمنهم المنکر للمنکر بیده ولسانه وقلبه ، فذلک

المستکمل لخصال الخیر.

ثمّ قال بعد کلام یجری مجری ذلک : وما أعمال البرّ کلّها والجهاد فی سبیل الله عند الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلّاکنفثةٍ(1) فی بحر لجّیّ ، وإنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لا یقرّبان من أجل ، ولا ینقصان من رزقٍ، وأفضل من ذلک کلّه کلمة عدلٍ عند سلطان (2) جائر(3)

وعن أبی ُجحیفة ، قال : سمعت أمیر المؤمنین علیه السلام(4) یقول : إنّ أوّل ما تُغلبون علیها من الجهاد [ الجهاد] (5)بأیدیکم، ثم بألسنتکم، ثمّ بقلوبکم، فمن لم یعرف بقلبه معروفاً ، ولم ینکر منکراً ، قلب(6) فجعل أعلاه أسفله .(7)

قال : ثمّ طوی الحسین علیه السلام الکتاب و ختمه بخاتمه ودفعه إلی أخیه محمد ، ثمّ ودّعه وخرج فی جوف اللیل (8)یرید مکّة فی جمیع أهل بیته ، وذلک لثلاث لیال مضین من شهر شعبان سنة ستّین ، فلزم الطریق الأعظم،

ص: 162


1- یراد ما یمازج النفس من الریق عند الفخ . واللجی : الکثیر الموج.
2- فی النهج : إمام.
3- نهج البلاغة : 542 رقم 374، عنه البحار : 89/100ح 70.
4- بمعنی یُحدِث أثراً شدیداً علیکم إذا قمتم به.
5- من النهج.
6- کذا فی التهج ، وفی الأصل : قلب قلبه .
7- نهج البلاغة :542 رقم 375، عنه البحار :89/100 ح 71.
8- من قوله : «فلمّا ورد الکتاب علی الولید» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار : 327/44 ۔230 عن کتابنا هذا، وکذا عوالم العلوم : 177/17

وجعل [یسیر ] (1)یتلو هذه الآیة : (فَخَرجَ مِنهَا خَائفاً یَتَرَقَّبُ قَاَلَ رَبَّ نَجَّنِی مِنَ القَوم الظَّالِمِینَ)(2)فقال له ابن عمّه [ مسلم بن عقیل بن أبی طالب] (3): یا ابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطریق وسلکنا غیر الجادّة کما فعل ابن الزبیر کان عندی[خیر] (4)الرأی ، فإنّا نخاف من الطلب.

فقال : لا یا ابن العمّ، لا فارقت هذا الطریق أو أنظر أبیات مکّة أو یقضی الله فی ذلک ما یحبّ، فبینا الحسین بین مکة والمدینة إذ استقبله عبدالله بن مطیع العدویّ ، فقال : أین ترید یا أبا عبدالله ، جعلنی الله فداک ؟

فقال : أمّا فی وقتی هذا فإنّی أرید مکّة ، فإذا صرت إلیها استخرت الله .

فقال عبد الله بن مطیع : خار الله لک فی ذلک، وإنّی أشیر علیک بمشورة

فاقبلها منّی.

فقال الحسین علیه السلام : ما هی؟

قال : إذا أتیت مکّة فاحذر أن یغرک أهل الکوفة فإنّ فیها قتل أبوک ،

وطعن أخوک طعنة کادت [أن ](5) تأتی علی نفسه فیها ، فالزم فیها الحرم فأنت سیّد العرب فی دهرک ، فوالله لئن هلکت لیهلکنّ أهل بیتک بهلاکک ، والسلام .

قال : فودّعه الحسین ودعا له بالخیر ، وسار حتی وافی مکّة ، فلمّا نظر إلی جبالها جعل یتلو : و(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلقَاءَ مَدیَنَ قَالَ عَسَی رَبَّی أَن یَهِدِیَنی سَوَاءَ السَّبِیلِ)(6)

ص: 163


1- من المقتل
2- سورة القصص: 21
3- من المقتل
4- من المقتل
5- من المقتل
6- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 1/ 180- 189.

فصل فیما جری للحسین علیه السلام بعد وصوله إلی مکّة

اشارة

قال (1) ولمّا دخل الحسین مکّة جعل أهلها یختلفون إلیه ، وکان قد نزل بأعلی مکّة ، ونزل عبدالله بن الزبیر داره ، ثم تحول الحسین إلی دار العباس ، وکان أمیر مکة من قبل یزید عمر بن سعد ، وهاب ابن سعد أن یمیل الحجّاج مع الحسین لما (2)یری من کثرة اختلاف الناس إلیه من الآفاق ، فانحدر إلی المدینة وکتب بذلک إلی یزید لعنه الله ، وکان الحسین أثقل الخلق علی ابن الزبیر لأنه کان یطمع أن یبایعه أهل مکّة ، فلمّا قدم الحسین صاروا یختلفون إلیه وترکوا ابن الزبیر ، وکان ابن الزبیر یختلف بکرة وعشیّة إلی الحسین ویصلّی معه.

وبلغ أهل الکوفة أنّ الحسین قد صار فی(3) مکّة، وأقام الحسین علیه السلام فی مکّة باقی شهر شعبان ورمضان وشوّال وذی القعدة ، وکان عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر بمکّة فأقبلا جمیعاً وقد عزما أن ینصرفا إلی المدینة ، فقال ابن عمر : یا أبا عبد الله اتق الله ، فقد عرفت عداوة أهل هذا البیت لکم ، وظلمهم إیّاکم ، وقد ولی الناس هذا الرجل یزید ، ولست أمن أن تمیل الناس إلیه لمکان الصفراء والبیضاء فیقتلوک فیهلک بقتلک بشر کثیر ، فإنّی سمعت

ص: 164


1- أی أحمد بن اعثم الکوفی.
2- قوله : «وهاب ابن سعد .... لما» أثبتناه کما فی المقتل ، وما فی الأصل مصحف
3- فی المقال : إلی ..

رسول الله صلّی الله علیه و آله یقول : حسین مقتول ، فلئن خذلوه ولم (1)ینصروه لیخذلنّهم الله إلی یوم القیامة ، وأنا أشیر علیک بالصلح وتدخل فیما دخل فیه الناس ، واصبر کما صبرت لمعاویة حتی یحکم الله بینک وبین القوم الظالمین .

فقال الحسین علیه السلام: بابا عبدالرحمان ، أنا أدخل فی صلحه وقد

قال النبیّ فیه وفی أبیه ما قال ؟!

فقال ابن عبّاس : صدقت، قد قال النبیّ صلّی الله علیه و آله : مالی ولیزید ؟ لا بارک الله فی یزید ، فإنّه یقتل ولدی وولد ابنتی الحسین علیه السلام، والذی نفسی بیده لا یقتل ولدی بین ظهرانی قوم فلا یمنعونه إلا خالف الله بین قلوبهم وألسنتهم(2)ثمّ بکی ابن عبّاس وبکی الحسین معه ، وقال : یا ابن عبّاس ، أتعلم أنّی أبن بنت رسول الله ؟

قال ابن عباس : اللّهمّ نعم ، ما نعرف أحداً علی وجه الأرض ابن بنت رسول الله غیرک ، وانّ نصرک لفرض علی هذه الأمّة کفریضة الصیام والزکاة، لا یقبل الله أحدهما دون الآخر.

فقال الحسین : فما تقول فی قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله من وطنه وداره، و [موضع ](3) وقراره ومولده ، وحرم رسوله ، و مجاورة قبر جدّه ومسجده، وموضع مهاجره فترکوه خائفاً مرعوباً لا یستقرّ فی قرار ، ولا یأوی إلی وطن ، یریدون بذلک قتله ، وسفک دمه ، وهو لم یشرک

ص: 165


1- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : فلن .
2- المعجم الکبیر : 129/3 ح 2861، الفردوس للدیلمی : 285/4 ح 6841، مثیرالأحزان : 22، مجمع الزوائد: 190/9 ، الخصائص الکبری: 237/2 ، جمع الجوامع :857/1 و 1001، کنز العمّال : 166/11ح 31061، بحار الأنوار : 266/44 ح 24.
3- من المقتل.

بالله شیئاً ولم یغیر ما کان (1)علیه رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟

فقال ابن عبّاس : فماذا أقول فیهم ؟ أقول فیهم إنّهم کفروا بالله ورسوله ولا یأتون الصلاة إلّا وهم کسالی (یُرَاؤُون النَّاسَ وَلَا یَذکُرُونَ اللهَ إلَّا قَلیِلاً)(2) وأمّا أنت یا ابن رسول الله فإنّک رأس الفخار ، ابن رسول الله [وابن وصیّه](3)، وابن بنته ، فلا تظنّ - یا ابن رسول الله - أنّ الله غافلاً عمّا یعمل الظالمون (4)، وأنا أشهد أنّ من رغب عنک فماله من خلاق (5)

فقال الحسین علیه السلام : اللّهمّ فاشهد.

قال ابن عبّاس : یا ابن رسول الله ، کأنّک تنعی إلیَّ نفسک وترید منّی أن أنصرک ، والله لو ضربت بسیفی بین یدیک حتی تتخلع یدای لما کنت بالّذی أبلغ من حقّک عشر العشیر.

فقال ابن عمر : یا ابن عباس ، ذرنا من هذا.

ثمّ أقبل ابن عمر علی الحسین فقال : مهلاً - یا أبا عبدالله - عما قد أزمعت علیه ، وارجع معنا إلی المدینة وادخل فی صلح القوم، ولا تجعل لهؤلاء الّذین لا خلاق لهم علیک حجّة ، وإن أحببت ألّا تبایع فأنت متروک ، فعسی یزید لا یعیش إلا قلیلاً فیکفیک الله أمره.

فقال الحسین علیه السلام : أفّ لهذا الکلام .

ص: 166


1- فی المقتل : ولم یتغیر عما کان
2- سورة النساء: 142.
3- من المقتل.
4- إقتباس من الآیة : 2 4 من سورة إبراهیم .
5- إقتباس من الآیتین : 102 و 200 من سورة البقرة .

فقال ابن عمر : إنّی أعلم أنّ الله تبارک وتعالی لم یکن لیجعل ابن بنت نبیّه علی خطأ ، ولکن أُخشی أن یضرب وجهک هذا الحسن بالسیوف ونری من هذا

الأمر ما لا نحب (1)فارجع معنا إلی المدینة ولا تبایع أبداً ، واقعد فی منزلک.

فقال الحسین علیه السلام : هیهات ، إنّ القوم لا یترکونی إن أصابونی ، فإن لم یصیبونی فإنهم یطلبوننی أبدأ حتی أبایع أو یقتلوننی، أما تعلم أنّ من هوان الدنیا علی الله أنّه أتی برأس یحیی بن زکریّا إلی بغیّ من بغایا بنی إسرائیل والرأس ینطق بالحجّة علیهم فلم یضرّ ذلک یحیی بل ساد الشهداء ؟ أو لا تعلم أن بنی إسرائیل کانوا یقتلون ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس سبعین نبیّاً ثمّ یجلسون فی أسواقهم کأنّهم لم یصنعوا شیئاً فلم یعجل الله (2)علیهم، ثمّ أخذهم بعد ذلک أخذ عزیز ذی انتقام ؟ اتّق الله - یابا عبد الرحمان - ولا تدعنّ نصرتی .

یا ابن عمر ، إنّ کان الخروج یثقل علیک فأنت فی أوسع عذر واجلس عن

القوم ولا تعجل بالبیعة لهم حتی تعلم ما یؤول الأمر إلیه. .

قال : ثمّ أقبل الحسین علیه السلام علی ابن عباس ، فقال : یا ابن عباس ، إنک ابن عم والدی ، ولم تزل تأمر بالخیر مذ عرفتک ، وکان أبی یستشیرک ، فامض إلی المدینة فی حفظ الله (3)، ولا تخف علئَّ شیئاً من أخبارک ، فإنّی مستوطن هذا الحرم ومقیم فیه أبداً ما رأیت أهله یحبّونی(4)وینصرونتی فإذا هم خذلونی استبدلت بهم غیرهم.

قال : فبکی ابن عبّاس وابن عمر ، ثم ودّعهما فسارا إلی المدینة ، وأقام

ص: 167


1- فی المقتل : وتری من هذه الأمّة ما لا تحب
2- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
3- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
4- کذا فی المقبل ، وفی الأصل : یخیرونی .
یدعونه علیه السلام بالمسیر إلیهم

الحسین بمکّة قد لزم الصوم والصلاة.

قال : واجتمعت الشیعة بالکوفة فی منزل سلیمان بن صرد الخزاعی ، فلمّا تکاملوا فی منزله قام فیهم خطیباً ، فحمد الله وأثنی علیه ، وصلّی علی النبیّ و آله ، ثمّ ذکر علی بن أبی طالب علیه السلام فترحّم علیه و ذکر مناقبه الشریفة ، ثمّ قال :

یا معشر الشیعة ، إنّکم قد علمتم بأنّ معاویة قد هلک وصار إلی ربّه ، وقدم علی عمله ، وسیجزیه الله بما قدّم، وقد قعد فی موضعه ابنه یزید اللعین ، وهذا الحسین بن علیّ قد خالفه وصار إلی مکّة هارباً من طواغیت آل أبی سفیان، وأنتم شیعته وشیعة أبیه ، وقد احتاج إلی نصر تکم، فإن کنتم تعلمون أنکم ناصروه و مجاهدو عدوّه فاکتبوا إلیه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

فقال القوم : بل نؤوبه وننصره ونقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا بین یدیه ، فأخذ سلیمان بذلک علیهم عهداً و میثاقاً انّهم لا یغدرون ولا ینکثون ، ثمّ قال : اکتبوا إلیه الآن کتاباً من جماعتکم انکم له کما ذکرتم، وسلوه القدوم علیکم.

فقالوا: أفلا تکفینا أنت الکتاب إلیه ؟ فقال سلیمان : لا ، بل تکتب إلیه جماعتکم. قال : فکتب القوم إلیه :

بسم الله الرحمن الرحیم للحسین بن علیّ أمیر المؤمنین من سلیمان بن صرد والمسیّب بن نجبة و حبیب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبدالله بن وال وجماعة شیعته من

ص: 168

سلام علیک .

أمّا بعد :

فالحمد لله الّذی قصم عدوّک وعدوّ أبیک من قبل الجبّار العنید ، الغشوم الظلوم، الّذی ابتر (1) هذه الأمّة أمرها، وغصبها فیئها ، وتأمّر علیها بغیر رضا منها ، ثم قتل خیارها، واستبقی شرارها، وجعل مال الله دولة بین جبابرتها وعتاتها، فبعداً لهم کما بعدت ثمود، ثم إنّه قد بلغنا ان ولده اللعین قد تأمّر علی هذه الأمّة بلا مشورة ولا إجماع، وبعد، فإنّا مقاتلون معک وباذلون أنفسنا من دونک ، فأقبل إلینا فرحا مسرورة، أمیرة مطاع ، إماما، خلیفة مهدیة، فإنه لیس علینا إمام ولا أمیر إلا النعمان بن بشیر ، وهو فی قصر الامارة وحید طرید، لا نجتمع معه فی جمعة ولا جماعة، ولا نخرج معه إلی عید، ولا نؤدی إلیه الخراج ، یدعو فلا یجاب ، ویأمر فلا یطاع، ولو بلغنا آئک أقبلت إلینا لأخرجناه عا حتی یلحق بالشام، فأقبل إلینا فلعلّ الله تعالی یجمعنا بک علی الحقّ، والسلام علیک یا ابن رسول الله ورحمة الله وبرکاته .

ثمّ طووا الکتاب وختموه ودفعوه إلی عبدالله بن سبیع الهمدانی وعبدالله

ابن مسمع بن بکری(2)

قال : فقرأ الحسین علیه السلام الکتاب وسکت، ولم یجبهم بشیء، ثمّ قدم علیه قیس بن مسهر الصیداوی وعبدالله بن عبدالرحمان الأرحبی وعامر

ص: 169


1- ابتز : اغتصب.
2- فی المقتل : عبدالله بن مسمع البکری .

ابن عبید السکونی،(1) وعبدالله بن وال التیمی ومعهم نحو من مائة وخمسین کتاباً من الرجل و الثلاثة والأربعة یسألونه القدوم علیهم والحسین علیه السلام یتأنّی فلا یجیبهم بشیء.

ثمّ قدم علیه بعد ذلک هانیء بن هانیء السبیعی وسعید بن عبدالله الحنفی

بهذا الکتاب ، وهو آخر کتاب ورد علیه من الکوفة :

بسم الله الرحمن الرحیم

إلی الحسین بن أمیر المؤمنین ، من شیعته وشیعة أبیه علی أمیر المؤمنین

علیه السلام.

أمّا بعد:

فإنّ الناس ینتظرونک لا رأی لهم غیرک فالعجل العجل یا ابن رسول الله ، فقد اخضرّت الحبّات (2) وأینعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم إذا شئت، فإنّما تقدم علی جندٍ مجنّدة لک، والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته .

فقال الحسین لهانیء بن هانیء السبیعی وسعید بن عبدالله ، خبرّانی ، من

اجتمع علی هذا الکتاب الّذی کتب معکما إلیّ ؟

فقالا : یا بن رسول الله ، اجتمع علیه شبث بن ربعی وحجّار بن أبجر

ویزید بن الحارث ، وذکروا له جماعة.

ص: 170


1- فی المقتل : السلولی
2- فی المقتل : الجناب. والجناب : الفناء ، وما قرب من محلة القوم.
جواب الحسین علیه السلام لأهل الکوفة

فقام الحسین علیه السلام و تطّهر (1) وصلّی رکعتین بین الرکن والمقام، ثم

انفتل من صلاته وسأل ربه الخیرة، ثمّ کتب إلی أهل الکوفة :

من الحسین بن علیّ إلی الملأ من المؤمنین . سلام علیکم.

أمّا بعد:

فإنّ هانیء بن هانیء وسعید بن عبدالله قدما علیَّ من رسلکم ، وقد فهمت ما اقتصصتم ، ولست أقصّر عمّا أحببتم ، وقد أرسلت إلیکم أخی وابن عمّی مسلم بن عقیل بن أبی طالب ، وقد أمرت أن یکتب إلیّ بحالکم ورأیکم، وهو متوجّه إلی ما قبلکم إن شاء الله ، فإنّ کنتم علی ما قدمت به رسلکم فقوموا مع ابن عمّی وبایعوه ولا تخذلوه ، فلعمری ما الامام العامل بالکتاب والعادل (2) بالقسط کالّذی یحکم بغیر الحقّ ، جمعنا الله وإیّاکم علی الهدی ، وألزمنا وإیّاکم کلمة التقوی ، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته .(3)

ص: 171


1- فی المقتل : وتوضّأ .
2- فی المقتل : القائم.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 190/1 -196.

فصل فی إرسال مسلم بن عقیل إلی الکوفة

خروج مسلم بن عقیل من مکة قاصدة المدینة ومنها إلی الکوفة

ثمّ دعا الحسین علیه السلام بمسلم بن عقیل رضی الله عنه ودفع إلیه الکتاب وقال : إنّی موجّهک إلی أهل الکوفة ، وهذه کتبهم إلیّ ، وسیقضی الله من أمرک ما یحبّ ویرضی ، وأنا أرجو أن أکون أنا وأنت فی درجة الشهداء ، فامض علی برکة الله وعونه حتی تدخل الکوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها وادع الناس إلی طاعتی ، فإن رأیت الناس مجتمعین علی بیعتی فعجّل علی بالخبر حتی أعمل علیَّ حسب ذلک إن شاء الله تعالی.

قال : ثمّ عانقه الحسین و بکیا جمیعاً، وکان الحسین علیه السلام ینظر إلی مصرعه ، فخرج مسلم من مکّة قاصداً المدینة مستخفیاً لئلاً یعلم به بنو أمیّة ، فلما دخل المدینة بدأ بمسجد النبیّ صلّی الله علیه و آله فصلّی عنده ، ثم أقبل(1)فی جوف اللیل ، فودّع أهل بیته ، ثمّ استأجر دلیلین من قیس عیلان یدلّانه علی الطریق ، ویمضیان به إلی الکوفة علی غیر الجادّة ، فخرج الدلیلان به من المدینة لیلاً و سارا فأضلاً الطریق، واشتد بهما العطش فماتا عطشاً، وسار(2) مسلم و من معه إلی الماء وقد کادوا أن یهلکوا عطشاً، فکتب مسلم إلی الحسین علیه السلام :

ص: 172


1- فی المقتل : خرج.
2- فی المقتل : وصار .
کتاب مسلم إلی الحسین علیه السلام وجوابه
کتاب الحسین علیه السلام إلی أشراف البصرة

[بسم الله الرحمن الرحیم](1)

أمّا بعد:

فإنّی خرجت من المدینة لیلاً مع دلیلین استأجرتهما فضلّا عن الطریق واشتدّ بهما العطش فماتا ، ثم صرنا إلی الماء بعد ذلک – وقد کدنا نهلک - وأصبنا الماء بموضع یقال له «المضیق» وقد تطیرت من وجهی ، فرأیک فی إعفائی .

فعلم الحسین علیه السلام أنّه قد تشأّم وتطیّر ، فکتب إلیه :

[بسم الله الرحمن الرحیم

من الحسین بن علی إلی مسلم بن عقیل](2)

أمّا بعد:

فقد خشیت أن لا یکون حملک علی الکتاب إلیّ والاستعفاء من وجهک

إلّا الجبن والفشل، فامض لما أُمرت به.

فلمّا وصل الکتاب إلیه وجد همّاً وحزناً فی نفسه ، ثمّ قال : لقد نسبنی أبو

عبدالله إلی الجبن ، ثمّ سار مسلم حتی دخل الکوفة .(3)

وکتب الحسین علیه السلام کتاباً إلی أشراف البصرة مع مولی له یقال له سلیمان ویکنّی أبا رزین یدعوهم فیه إلی نصرته ولزوم طاعته ؛ منهم : یزید بن مسعود النهشلی، والمنذر بن الجارود العبدی ، فجمع یزید بن مسعود بنی تمیم وبنی حنظلة وبنی سعد، فلمّا حضروا قال : یا بنی تمیم ، کیف ترون موضعی فیکم، وحسبی منکم ؟

ص: 173


1- من المقتل.
2- من المقتل.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی:196/1 -197.

قالوا : بخّ بخّ ، أنت والله فقرة الظهر ، ورأس الفخر، حللت فی الشرف

وسطة، وتقدّمت فیه فرطاً.

قال : فإنّی قد جمعتکم لأمرٍ أرید أن أشاورکم فیه وأستعین بکم علیه . فقالوا : والله إنّا نمنحک النصیحة ، ونجهد لک الرأی ، فقل نسمع.

فقال : إنّ معاویة مات فأهون به هالکاً مفقوداً، وإنّه قد انکسر باب (1) الجور، وتضعضعت أرکان الظلم، وقد کان أحدث بیعة عقد بها أمراًأظنّ أنّه قد أحکمه ، وهیهات بالّذی أراد ، اجتهد إلیه ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام یزید - شارب الخمر ورأس الفجور - یدّعی الخلافة علی المسلمین ، ویتأمّر علیهم ، مع قصر حلم، وقلّة علم، لا یعرف من الحق موطیء قدمه ، فأُقسم بالله قسماً مبروراً انّ الجهاد فی الدین أفضل من جهاد المشرکین.

وهذا الحسین بن علیّ ابن بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ذو الشرف الأصیل والرأی الأثیل ، [له ](2) فضل لا یوصف ، وعلم لا ینزف، وهو أولی بهذا الأمر السابقته وسنّه وقدمه و قرابته ، یعطف علی الصغیر ، ویحنو علی الکبیر ، فأکرم به راعی رعیة ، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحقّ ، ولا تستکّعوا (3)فی وهدة الباطل ، فقد کان صخر بن قیس قد انخذل (4)بکم یوم الجمل، فاغسلوها بخروجکم إلی ابن رسول الله صلّی الله علیه و آله ونصرته ، والله لا یقصّر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذلّ فی ولده ،

ص: 174


1- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : انکسرت نار
2- من الملهوف.
3- التسکع : التمادی فی الباطل .
4- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : فقد صخر بن قیس انخذل
جواب یزید بن مسعود النهشلی للحسین علیه السلام

والقلّة فی عشیرته ، وها أنذا قد لبست للحرب لامتها، وأدرعت لها بدرعها، من لم یقتل یمت، ومن یهرب لم یفت، فأحسنوا رحمکم الله فی رد الجواب.

فتکلّمت بنو حنظلة ، فقالوا: یا أبا خالد ، نحن نبل کنانتک ، وفرسان عشیرتک ، إن رمیتَ بنا أصبتَ، وإن غزوتَ بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة إلّا خضناها ، ولا تلقی والله شدّة إلاّ لقیناها ، نصول(1)بأسیافنا ، ونقیک بأبداننا.

وتکلّمت بنو سعد بن زید ، فقالوا: یا أبا خالد، إن أبغض الأشیاء إلینا مخالفتک والخروج من رأیک(2)، وقد کان صخر بن قیس أمرنا بترک القتال فحمدنا أمرنا و بقی عرّنا فینا، فأمهلنا نراجع المشورة ویأتیک رأینا.

وتکلّمت بنو عامر بن تمیم، فقالوا: یا أبا خالد ،انّ نحن بنو أبیک وخلفاؤک(3) ، ولا نرضی إن غضبتَ ، ولا نقطن إنّ ضعنتَ، والأمر إلیک ، فادعنا نجبک ، وأمرنا نطعک ، والأمر لک إذا شئت.

فقال : والله یا بنی سعد ، لئن فعلتموها لأرفع الله السیف عنکم أبداً، ولا

زال سیفکم فیکم . ثمّ کتب إلی الحسین علیه السلام :

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا بعد :

فقد وصل إلیّ کتابک ، وفهمت ما ندبتنی إلیه ودعوتنی له بالأخذ بحظیّ من طاعتک، والفوز بنصیبی من نصرتک، وأنّ الله لم یخل الأرض قطّ من عاملٍ

ص: 175


1- فی الملهوف : ننصرک.
2- فی الملهوف : خلافک والخروج عن رأیک
3- فی الملهوف : وحلفاؤک .
دخول مسلم الکوفة واختلاف الناس إلیه177

علیها بخیر ، أو دلیل علی سبیل نجاة ، وأنتم حجّة الله علی الخلق وودیعته فی أرضه ، تفرّعتم من زیتونة أحمدیّة ، هو أصلها ، وأنتم فرعها، فأقدم سعدتَ بأسعد طائر ، فقد ذللت لک أعناق بنی تمیم و ترکتهم أشد تابعة فی طاعتک من الإبل الظماء لورود الماء یوم خِمسها ، وقد ذلّلت لک بنی سعد وغسلت درک صدورها بماء سحابة مزن حین استهل برقها یلمع(1)

فلمّا قرأ الحسین علیه السلام الکتاب ، قال : مالک آمنک الله یوم الخوف ، وأعزّک وأرواک یوم العطش ، فلمّا تجهّز المشار إلیه للخروج إلی الحسین علیه السلام بلغه قتله قبل أن یسیر ، فجزع من انقطاعه عنه.

وأمّا المنذر بن الجارود خاف أن یکون الکتاب دسیساً من عبید الله بن زیاد، وکانت بحریة ابنة المنذر بن الجارود تحت عبیدالله بن زیاد فأخذ المنذر الرسول والکتاب وأتی به إلی عبید الله بن زیاد فقتله ، ثمّ صعد المنبر فخطب وتوعد الناس من أهل البصرة علی الخلاف وإثارة الإرجاف.

ثمّ بات تلک اللیلة ، فلمّا أصبح استناب أخاه عثمان بن زیاد عسلی البصرة، وأسرع هو إلی الکوفة (2) ولمّا دخل مسلم الکوفة - وکان قبل وصول ابن زیاد إلیها - نزل فی دار مسلم (3)بن المسیب ، وهی دار المختار بن أبی عبیدة الثقفی.

قال : وجعلت الشیعة تختلف إلیه وهو یقرأ علیهم کتاب الحسین علیه

ص: 176


1- فی الملهوف : حتی استهلّ برقها فلمع .
2- الملهوف علی قتلی الطفوف : 110 - 114.
3- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : سالم
خطبة النعمان بن بشیر فی الناس بعد سماعه بقدوم مسلم

السلام، والقوم یبکون شوقاً منهم إلی مقدم الحسین علیه السلام، ثم تقدم إلی مسلم رجل من همذان یقال له عابس الشاکری ، فقال :

أمّا بعد ، فإنّی لا أخبرک عن الناس بشیء ، فإنّی لا أعلم ما فی أنفسهم ، ولکنّی أخبرک عمّا أنا موطّن علیه نفسی ، والله لأجیبنّکم إذا دعوتم، وقاتلنّ معکم عدوّکم ، ولأضربنّ بسیفی دونکم حتی ألقی الله ، لا أرید بذلک إلّا ما عنده .

ثمّ قام حبیب بن مظاهر الأسدی الفقعسی ، فقال : أنا والله الذی لا إله إلا

هو علی مثل ما أنت علیه.

قال : وتتابعت الشیعة علی کلام هذین الرجلین ، ثمّ بذلوا لمسلم الأموال،

فلم یقبل منها(1)شیئاً.

قال : وبلغ النعمان بن بشیر قدوم مسلم واجتماع الشیعة إلیه وهو یومئذ أمیر الکوفة ، فخرج من قصر الامارة مغضبا حتی دخل المسجد الأعظم، فنادی فی الناس وصعد المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال :

أمّا بعد ، یا أهل الکوفة ، اتقوا الله ربّکم ولا تسارعوا إلی الفتنة والفرقة ،

فإنّ فیها سفک الدماء ، وقتل الرجال ، وذهاب الأموال ، واعلموا أنّی لست أقاتل إلا من قاتلنی، ولا أثب إلا من وثب علی ، ولا أنته نائمکم ، فإنّ أنتم انتهیتم عن ذلک ورجعتم وإلّا فوالله الّذی لا إله إلا هو لأضربنّکم بسیفی مابقی قائمه فی یدی(2)، ولو لم یکن منکم ناصر ، إتی أرجو أن یکون من یعرف الحقّ منکم أکثر ممّن یرید الباطل.

ص: 177


1- فی المقتل : منهم .
2- فی المقتل : ما ثبت قائمه بیدی .
کتاب عبدالله بن مسلم إلی یزید یخبره بقدوم مسلم إلی الکوفة

وحثه علی استبدال عامله علی الکوفة

فقام إلیه عبدالله بن مسلم (1) بن سعید الحضرمی فقال : أیّها الأمیر ، إنّ هذا

الّذی (2)أنت علیه من رأیک إنما هو رأی المستضعفین.

فقال له النعمان بن بشیر : یا هذا ، والله لأن أکون مستضعفاً(3) فی طاعة الله تعالی أحبّ إلیَّ من أن أکون من الغاوین فی معصیة الله ، ثم نزل عن المنبر ، ودخل القصر، فکتب عبدالله بن مسلم (4) إلی یزید لعنه الله :

[بسم الله الرحمن الرحیم] (5)

العبد الله یزید أمیر المؤمنین من شیعته من أهل الکوفة .

أمّا بعد:

إنّ مسلم بن عقیل قدم الکوفة ، وقد بایعته الشیعة للحسین علیه السلام وهم خلق کثیر ، فإن کانت لک بالکوفة حاجة فابعث إلیها رجلاً قویّاً ینفّذ فیها أمرک ، ویعمل فیها کعملک فی عدوّک ، فإنّ النعمان بن بشیر ضعیف أو هو مستضعف(6)، والسلام.

وکتب إلیه عمارة بن الولید بن عقبة بن أبی معیط وعمر بن سعد بن أبی وقاص بمثل ذلک ، فلمّا اجتمعت الکتب عند یزید لعنه الله دعا بغلام کان لأبیه

یقال له سرجون فأعلمه بما ورد علیه ، فقال له : أُشیر علیک بما تکره .

ص: 178


1- فی المقتل : فقام إلیه مسلم.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : الحضرمی أیها انها الذی .
3- فی المقال : والله لئن أکون من المستضعفین .
4- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : سعید .
5- من المقتل.
6- فی المقتل : یتضعف .
کتاب یزید إلی عبیدالله بن زیاد یولیه فیه علی الکوفة

قال : وإن کرهت. قال : استعمل عبیدالله بن زیاد علی الکوفة.

قال : إنّه لا خیر فیه - وکان یزید یبغضه - فأشر بغیره ، فقال : لو کان

معاویة حاضراً أکنت تقبل منه ؟

قال : نعم.

قال : فهذا عهد عبیدالله علی الکوفة، أمرنی معاویة أن أکتبه فکتبته

وخاتمه علیه ، فمات وبقی العهد عندی .

قال : ویحک قد أمضیته(1)ثمّ کتب: من عبدالله یزید إلی عبیدالله بن زیاد. سلام علیک .

أمّا بعد:

فإنّ الممدوح مسبوب یوماً، والمسبوب ممدوح یوما، ولک مالک ،

وعلیک ما علیک ، وقد انتمیت و نمیت إلی کلّ منصب ، کما قال الأول : رفعت فجاوزت السحاب برفعة فمالک إلّا مقعد الشمس مقعد

وقد ابتلی زمانک بالحسین من بین الأزمان، وابتلی [به] (2)بلدک من دون البلدان ، وابتلیت به من بین العمّال ، وفی هذه تعتق أو تکون عبداً تعبد کما تعبد العبید، وقد أخبرتنی شیعتی من أهل الکوفة انّ مسلم بن عقیل فی الکوفة یجمع الجموع، ویشقّ عصا المسلمین ، وقد اجتمع إلیه خلق کثیر من شیعة أبی

ص: 179


1- فی المقتل : ویحک فامضه .
2- من المقتل.

تراب ، فإذا أتاک کتابی هذا فسر حین تقرأه حتی تقدم الکوفة فتکفینی أمرها فقد ضممتها إلیک، وجعلتها زیادة فی عملک ، فاطلب مسلم بن عقیل طلب الخرز ، فإذا ظفرت به فخذ بیعته أو اقتله إن لم یبایع ، واعلم أنّه لا عذر لک عندی دون ما أمرتک، فالعجل العجل ، الؤَحاء (1) الؤحاء، والسلام.

ثمّ دفع الکتاب إلی مسلم بن عمرو الباهلی وأمره أن یسرع [السیر إلی عبیدالله] (2)، فلمّا ورد الکتاب علی ابن زیاد وقرأه أمر بالجهاز وتهیّاً للمسیر وقد کان الحسین قد کتب إلی أهل البصرة کما أشرنا أوّلاً.

فسار وفی صحبته مسلم بن عمرو الباهلی ، والمنذر بن جارود، وشریک ابن عبدالله الهمدانی ، فلمّا وصل قریب الکوفة نزل، فلمّا أمسی دعا بعمامة سوداء فاعتّم بها متلثّماً، ثمّ تقلّد سیفه ، وتوشّح قوسه ، وأخذ فی یده قضیباً ، واستوی علی بغل له ، ورکب معه أصحابه ، وأقبل حتی دخل من طریق البادیة ، وذلک فی لیلة مقمرة والناس متوقّعون قدوم الحسین علیه السلام، وهم لا یشکّون انّه الحسین فهم یمشون بین یدیه ویقولون : مرحباً بک یا ابن رسول الله ، قدمت خیر مقدم

فرأی عبیدالله بن زیاد من إرادة (3)الناس بالحسین ما ساءه ، فسکت ولم یکلمهم، فتکلّم مسلم بن عمرو الباهلی ، وقال : إلیکم عن الأمیر یاترابیّة ، فلیس هذا من تظنّون ، هذا عبید الله بن زیاد.

فتفرّق الناس عنه ، و تحصّن النعمان بن بشیر وهو یظنّه الحسین ، فجعل

ص: 180


1- من المقتل.
2- من المقتل.
3- فی المقتل : تباشیر .
مسیر ابن زیاد إلی الکوفة

یناشده الله والفتنة ، وهو ساکت من وراء الحائط ، ثمّ قال له : افتح الباب علیک لعنة الله، وسمعها جماعة، فصاحوا: ابن مرجانة والله ، وفتح الباب ، وتفرّق الناس ، ونودی بالصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخرج ابن زیاد وقام خطیبة ، وقال : إنّ أمیر المؤمنین یزید ولّانّی مصرکم و ثغرکم، وأمرنی بإنصاف المظلوم منکم ، وإعطاء محرومکم، والاحسان إلی سامعکم ، والشدة علی مریبکم، وأنا متّبع أمره، ومنقفّذ فیکم عهده ، فأنا لمحتکم ومطیعکم کالوالد البارّ، وسیفی وسوطی علی من ترک أمری.

وسمع مسلم بن عقیل بمجیء ابن زیاد و مقالته ، فانتقل عن موضعه حتی أتی دار هانیء بن عروة المذحجی(1)فدخل، ثمّ أرسل إلیه : إنّی أتیتک التجیرنی وتؤوینی لأنّ ابن زیاد قدم الکوفة ، فاتّقیته علی نفسی ، فخرج إلیه هانیء وقال : لقد کلّفتنی شططاً، ولولا دخولک [ داری] (2) أحببت أن تنصرف عتی ، غیر أنی أجد ذلک عاراً علیّ أن یکون رجلاً أتانی مستجیراً فلا أجیره، انزل علی برکة الله.

وجعل عبید الله یسأل عن مسلم ولا یجد أحداً یرشده إلیه ، وجعلت الشیعة تختلف إلی مسلم فی دار هانیء ویبایعونه للحسین سرّاً، ومسلم بن عقیل یکتب أسماءهم عنده ویأخذ علیهم العهود ألا ینکثوا ولا یغدروا حتی بایعه أکثر من عشرین ألفاً، وهمّ مسلم أن یثب بعبید الله بن زیاد فمنعه هانیه ، وقال : جعلت فداک ، لا تعجل فإن العجلة لا خیر فیها.

ص: 181


1- فی المقنل : المرادی .
2- من المقتل .

ودعا عبیدالله مولیً له یقال له معقل ، وقال له : هذه ثلاثة آلاف(1) درهم خذها إلیک والتمس مسلم بن عقیل حیث ما کان من الکوفة ، فإذا علمت (2)موضعه فادخل علیه وأعلمه أنّک من الشیعة وعلی مذهبه ، وادفع إلیه هذه الدراهم، وقل : استعن بها علی عدوّک ، فإنّک إذا دفعت إلیه الدراهم وثق ولم یکتمک من أمره شیئاً ، ثمّ اغد علیَّ بالأخبار.

فأقبل معقل حتی دخل المسجد الأعظم ، فنظر إلی رجل من الشیعة یقال له مسلم بن عوسجة ، فجلس إلیه ، ثمّ قال : یا عبدالله ، أنا رجل من أهل الشام غیر أنی أحبّ أهل هذا البیت ، ومعی ثلاثة آلاف درهم أحببت أن أدفعها إلی رجل بلغنی انّه قدم إلی بلدکم هذا لیأخذ البیعة لابن رسول الله صلّی الله علیه وآله ، فإن رأیت أن تدلنی علیه حتی أدفع إلیه المال الذی معی وأبایعه ، وإن شئت فخذ بیعتی قبل أن تدخلنی (3)علیه.

قال : فظنّ مسلم أنّ القول علی ما یقوله : فأخذ علیه الأیمان المغلّظة والعهود انّه ناصح ویکون عوناً لابن عقیل علی ابن زیاد، وأعطاء معقل من العهود ما وثق به مسلم بن عوسجة.

وکان شریک بن عبدالله الأعور الهمدانی قد نزل فی دارهانیء،(4) وکان یری رأی علی بن أبی طالب علیه السلام، وحکی معجزاته علیه السلام، ثم مرض شریک فی دار هانیء وعزم ابن زیاد أن یصیر إلیه ، ودعا شریک مسلماً

ص: 182


1- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : هذه ألف
2- فی المقتل : عرفت .
3- فی المقتل : تدلنی.
4- فی «ح»: وکانت أخت هانیء زوجة شریک قیل : منعته من قتل ...

بن عقیل ، وقال له : غداً یأتینی هذا الفاسق عائداً، وإنّی أُشاغله بالکلام فاخرج علیه واقتله ، واجلس فی قصر الامارة ، وإن أنا عشت فسأکفیک أمر البصرة ، ثمّ جاء ابن زیاد حین أصبح عائداًشریک فجعل یسأله ، فهمَّ مسلم بن عقیل أن یخرج علیه فیقتله ، فمنعه هانیء عن الخروج ، وقال : فی داری نسوة وصبیة ، وإنّی لا آمن الحدثان، وجعل شریک یقول : ما الانتظار بسلمی أن تحیّیها حی سلیمی وحیّ من یحییها هل شربة عندها أُسقی علی ظما وإن تلفت وکانت منیتی فیها(1)

فقال ابن زیاد: ما یقول الشیخ ؟

فقیل : إنّه مُبَرسَمُ (2)، فوقع فی قلب ابن زیاد آمر ، فرکب من فوره ورجع إلی القصر ، وخرج مسلم بن عقیل إلی شریک من داخل البیت ، فقال : ما منعک من الخروج إلی الفاسق وقد أمرتک بقتله ؟ فقال : [ منعنی من ذلک] (3)حدیث سمعته من عمّی علیّ بن أبی طالب علیه السلام قال : لا إیمان لمن قتل بالغدر مسلماً (4)، فلم أحبّ أن أقتله به فی منزل هذا الرجل.

فقال شریک : أما لو قتلته قتلت فاسقاً فاجراً منافقاً کافراً .

محمد

فتلک أحلی من الدنیا وما فیها

ص: 183


1- البیت الثانی فی المقتل هکذا: ثمّ اسقنیها وإن تجلب علی ردی وأمّا فی «ح» فقد ورد هذان البیتان : وإنّ تخشیت من سلمی مراقبة لاتطمأن إلی سلمی وتأمنها
2- البرسام : علة معروفة .
3- من المقتل.
4- فی المقتل : الایمان قید الفتک . فلیس تأمن یومأ من دواهیها أخرج إلیها بکأس الموت اسقیها

قال : فلم یلبث (1)شریک بعدها إلّا ثلاثاً حتی مات رحمه الله ، وکان من

خیار الشیعة وعبّادها ، وکان یکتم الایمان تقیّة.

وخرج ابن زیاد فصلّی علی شریک ورجع إلی القصر ، فلمّا کان من الغد أقبل معقل علی مسلم بن عوسجة وقال : إنّک کنت وعدتنی أن تدخلنی علی هذا الرجل لأدفع إلیه هذا المال فما الذی بدا لک؟

فقال : إنّا اشتغلنا بموت هذا الرجل وکان من خیار الشیعة . فقال معقل : أو مسلم بن عقیل فی دار هانیء ؟ قال : نعم.

قال : قم بنا إلیه حتی أدفع إلیه هذا المال ، فأخذ بیده وأدخله علی مسلم، فرحبّ به وأدناه ، وأخذ بیعته وأمر بقبض ما معه من المال ، وأقام معقل فی دار هانیء بقیّة یومه حتی أمسی ، ثمّ أتی ابن زیاد فخبّره الخبر، فبقی ابن زیاد متعجب لذلک ، ثم قال لمعقل : اختلف کل یوم إلی مسلم ولا تنقطع عنه فإنّک إن قطعته استراب و خرج من منزل هانیء فالقی فی طلبه عناء.

ثمّ دعا ابن زیاد محمد بن الأشعث لعنه الله وأسماء بن خارجة الفزاری وعمرو بن الحجّاج، وکانت رویحة بنت عمرو تحت هانیء ، فقال ابن زیاد خبّرونی ما الّذی یمنع هانیء من المصیر إلینا؟

فقالوا: أصلح الله الأمیر ، إنّه مریض.

فقال ابن زیاد : إنّه کان ما یضاً غیر أنّه برأ، وجلس علی باب داره ، فلا

علیکم أن تصیروا إلیه وتأمروه أن لا یدع ما یجب علیه من حقّنا.

ص: 184


1- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : قال : ثمّ فما لبث .

فقالوا: نفعل ذلک ، فبینا عبیدالله بن زیاد مع هؤلاء القوم فی المحاورة إذ دخل علیه رجل من أصحابه یقال له مالک بن یربوع التمیمی، فقال : أصلح الله الأمیر ، إنی کنت خارج الکوفة أجول علی فرسی إذ نظرت إلی رجل خرج من الکوفة مسرعاً یرید البادیة فأنکرته ، ثمّ إنّی لحقته وسألته عن حاله ، فذکر انّه من أهل المدینة ، ثمّ نزلت عن فرسی ففتّشته، فأصبت معه هذا الکتاب ، فأخذه ابن زیاد ففضّه فإذا فیه :

بسم الله الرحمن الرحیم

إلی الحسین بن علی.

أمّا بعد :

فإنّی أخبرک انه بایعک من أهل الکوفة نیّفاً علی عشرین ألف رجل ، فإذا

أتاک کتابی فالعجل العجل ، فإنّ الناس کلّهم معک ، ولیس لهم فی یزید هویً .

فقال ابن زیاد : أین هذا الرجل الّذی أصبت(1) معه الکتاب ؟ قال : هو بالباب. فقال : انتونی به ، فلمّا وقف بین یدیه ، قال : ما اسمک ؟ قال : عبدالله بن یقطین (2)قال : من دفع إلیک هذا الکتاب ؟

قال : دفعته إلیّ امرأة لا أعرفها، فضحک ابن زیاد ، وقال : اختر أحد

اثنتین : إمّا أن تخبرنی من دفع إلیک الکتاب ، أو القتل ؟

اما ا.

ص: 185


1- ارسل - خ ل - .
2- فی المقتل : یقطر
إحضار هانیء عند ابن زیاد

فقال : أمّا الکتاب فإنّی لا أخبرک ، وأما القتل فإنّی لا أکرهه لأنّی لا أعلم

قتیلاً عند الله أعظم أجراً ممن یقتله مثلک.

قال : فأمر به ، فضربت عنقه رضی الله عنه .

ثمّ أقبل علی محمد بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج وأسماء بن خارجة ، وقال : صیروا إلی هانیء فاسألوه أن یصیر إلینا فإنّا نرید مناظرته ، فأتواهانیء وهو جالس علی باب داره ، فسلّموا علیه ، وقالوا: ما یمنعک من إتیان الأمیر وقد ذکر غیر مرّة؟

فقال : ما منعنی من المصیر إلیه إلّا العلّة .

فقالوا: صدقت، ولکنّه بلغه انک تقعد علی باب دارک فی کلّ عشیّة ، وقد استبطأک والابطاء والجفاء لا یحتمله السلطان، ونحن نقسم علیک إلّا ما رکبت معنا، فدعا هانیء بثیابه فلبسها ، ثمّ رکب وسار مع القوم حتی إذا صار بباب القصر کأنّ نفسه أحسّت بالشرّ فالتفت إلی حسّان بن أسماء ، فقال : یا ابن أخی ، إنّ نفسی تحدّثنی بالشرّ.

فقال حسّان : سبحان الله یا عمّ ! ما أتخوّف علیک فلا تحدّثنّ نفسک بشیء ، ثمّ دخل القوم علی ابن زیاد ، فلمّا نظر إلیهم من بعید التفت إلی شریح القاضی وکان فی مجلسه ، فقال : «أتتک بخائن رجلاه»((1) وأنشد : أرید حیاته ویرید قتلی خلیلی من عذیری(2)من مراد

فقال هانیء : وما ذاک ، أیّها الأمیر ؟

ص: 186


1- مثل جاهلی
2- فی المقتل : عذیری من خلیل .

فقال : یا هانیء، جئت بمسلم بن عقیل وجمعت له الرجال والسلاح فی

الدور حولک ، وظننت أنّ ذلک یخفی علیَّ؟(1)

قال هانیء : ما فعلت.

فقال ابن زیاد : بل فعلت ، ثمّ استدعی بمعقل حتی وقف بین یدیه ، فقال

ابن زیاد: أتعرف هذا؟

فنظر هانیء إلی معقل فعلم أنّه کان عیناً علیهم ، فقال هانیء : أصلح الله الأمیر ، والله ما بعثت إلی مسلم ولا دعوته ، ولکنّه جاءنی مستجیراً فاستحییت من ردّه وأخذنی من ذلک ذمام ، فأمّا إذ علمت فخلّ سبیلی حتی أرجع إلیه و آمره أن یخرج من داری ، وأُعطیک من العهود والمواثیق ما تثق به انّی أرجع إلیک واضع یدی فی یدک.

فقال ابن زیاد : والله لا تفارقنی أو تأتینیّ بمسلم. فقال : إذاً والله لا آتیک به ، أنا آتیک بضیفی تقتله أیکون هذا فی العرب ؟! فقال ابن زیاد : والله لتأتینی به . فقال هانیء : والله لا آتیک به .

قال : فتقدّم مسلم بن عمرو الباهلی ، فقال : أصلح الله الأمیر ، ائذن لی فی

کلامه.

فقال : کلّمه بما أحببت ولا تخرجه من القصر، فأخذ مسلم بن عمرو بید هانیء فنحاه ناحیة ، فقال : ویحک یا هانیء أنشدک الله أن تقتل نفسک

ص: 187


1- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل .

وتدخل البلاء علی عشیرتک بسبب مسلم، یا هانیء سلّمه إلیه فإنّه لا یقدم

علیه بالقتل ، وأُخری انّه لیس علیک من ذلک ملامة فإنّه سلطان.

فقال هانیء : بلی والله علیَّ من ذلک أعظم عار وأکبر (1)خزی إنّ أُسلّم جاری وضیفی ، ورسول ابن رسول الله صلّی الله علیه و آله وأنا حیّ صحیح الساعدین (2)کثیر الأعوان ، والله لو لم أکن إلا وحدی لا ناصر لی لما سلّمت أبداً ضیفی حتی أموت دونه ، فردّه مسلم بن عمرو إلی ابن زیاد وقال : أیها الأمیر ، إنّه أبی أن یسلّم مسلماً أو یقتل ، فغضب ابن زیاد ، وقال : ائتینی به وإلّا ضربت عنقک.

فقال : والله إذاً تکثر البارقة حول دارک.

فقال ابن زیاد : أبالبارقة تخوّفنی؟ ثمّ أخذ قضیباً کان بین یدیه فضرب

به وجه هانیء حتی کسر أنفه وشجّ حاجبه.

قال : وضرب هانیء بیده إلی قائم سیف من سیوف أصحاب عبیدالله فجاذبه الرجل ومنعه من السیف ، وصاح ابن زیاد : خذوه ، فأخذوه وألقوه فی بیت من بیوت القصر وأغلقوا علیه بابه .

قال : فوثب أسماء بن خارجة ، فقال : أیّها الأمیر أمرتنا بالرجل أن

تأتیک به ، فلما جئناک به هشمت و جهه وسیلت دمه .

قال : وأنت هاهنا أیضاً، فأمر به فضرب حتی وقع لجنبه ، فجلس أسماء

ابن خارجة ناحیة من القصر وهو یقول : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون، إلی نفسی

ص: 188


1- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : أکثر .
2- فی المقتل : صحیح شدید الساعدین .

أنعاک یا هانیء.

قال : وبلغ ذلک الخبر إلی مذحج فرکبوا بأجمعهم وعلیهم عمرو بن الحجاج فوقفوا بباب القصر ، ونادی عمرو : یا ابن زیاد، هذه فرسان مذحج لم نخلع طاعة ولا فارقنا جماعة ، فَلِمَ تقتل صاحبنا ؟

فقال ابن زیاد لشریح : ادخل علی صاحبهم ، فانظر إلیه ، ثمّ أخرج إلیهم

وأعلمهم أنّه لم یقتل.

قال شریح : فدخلت علیه ، فقال : ویحکم هلکت عشیرتی ، أین أهل الدین فینقذونی من ید عدوهم وابن عدوهم (1)[ثم قال] ، والدماء تسیل علی الحیته : یا شریح، هذه أصوات عشیرتی أدخل منهم عشرة لیرونی وینقذونی ، فلما خرجت تبعنی حمیر بن بکیر وقد بعثه ابن زیاد علیَّ عیناً، فلولا مکانه الأخبرت القوم بخبره.

قال : فخرج شریح ، فقال : یا هؤلاء، لا تعجلوا بالفتنة ، فإنّ صاحبکم لم

یقتل ، فانصرف القوم.

ثمّ خرج ابن زیاد حتی دخل المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ التفت فنظر إلی أصحابه عن یمین المنبر وشماله فی أیدیهم الأعمدة والسیوف ، فقال : أمّا بعد ، یا أهل الکوفة ، اعتصموا بطاعة الله ورسوله وطاعة أئمّتکم ، ولا تختلفوا فتهلکوا وتندموا وتذلوا و تقهروا، ولا یجعلنّ أحد علی نفسه سبیلاً، وقد أعذر من أنذر ، فما أتمّ الخطبة حسناً حتی سمع الصیحة ، فقال : ما هذا؟

ص: 189


1- من المقتل .
هجوم مسلم علی قصر ابن زیاد

فقیل : أیّها الأمیر ، الحذر الحذر ، فهذا مسلم بن عقیل قد أقبل فی جمیع من(1) بایعه ، فنزل عن المنبر مسرعاً وبادر حتی دخل القصر وأغلق علیه الأبواب ، فأقبل مسلم بن عقیل ومعه ثمانیة عشر ألفاً أو یزیدون، وبین یدیه الأعلام والسلاح وهم مع ذلک یلعنون ابن زیاد ویزید وزیاد، وکان شعارهم : «یا منصور أمت »

وکان مسلم قد عقد لعبد الله الکندی علی کندة وقدمه أمام الخیل ، وعقد المسلم بن عوسجة علی مذحج[وأسد] (2)، وعقد لأبی تمامة بن عمر الصائدی

علی تمیم وهمدان ، وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلی علی أهل المدینة ، وأقبل مسلم یسیر حتی أحاط بالقصر ولیس فی القصر إلا نحواً من ثلاثین رجلاً من الشرط ، ومقدار عشرین من الأشراف ، ورکب أصحاب ابن زیاد و اختلط القوم واقتتلوا قتالاً شدیداً، و ابن زیاد فی جماعة من الأشراف قد وقفوا علی جدار القصر ینظرون إلی محاربة الناس.

قال : وجعل رجل من أصحاب ابن زیاد یقال له کثیر بن شهاب و محمد ابن الأشعث والقعقاع بن شور (3) و شبث بن ربعی ینادون بأعلی أصواتهم من فوق القصر : ألا یا شیعة الحسین ، الله الله فی أنفسکم وأهالیکم وأولادکم ، فإنّ جنود الشام قد أقبلت ، وإنّ الأمیر عبیدالله قد عاهد الله لئن أقمتم علی حربکم ولم تنصرفوا من یومکم لیحرمّکم العطاء، ولیفرّقنّ مقاتلیکم فی مغازی أهل الشام ، ولیأخذنّ البریء بالسقیم، والشاهد بالغائب حتی لا یبقی منکم بقیّة من

ص: 190


1- فی المقتل : جمع ممن .
2- من المقتل.
3- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : الفقاع بن سوید .
وصول مسلم إلی دار طوعة بعد أن خذله من معه

أهل المعصیة إلا أذاقها وبال أمرها.

فلمّا سمع الناس ذلک جعلوا یتسلّلون وتخاذلون عن مسلم، ویقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجیل الفتنة وغداً تأتینا جموع أهل الشام ؟ ینبغی لنا أن نقعد فی منازلنا وندع هؤلاء القوم حتی یصلح الله ذات بینهم.

قال : وکانت المرأة تأتی أخاها وابنها وزوجها وأباها فتشرّده من بین القوم و تقول : ما لنا وللدخول بین السلاطین ، فجعل القوم یتسللون والنهار یمضی، فما غابت الشمس حتی بقی مع مسلم عشرة من أصحابه ، واختلط الظلام فدخل مسلم المسجد الأعظم لیصلّی المغرب فتفرّقت عنه العشرة ، فلمّا رأی ذلک استوی علی فرسه ومضی فی بعض الأزقة وقد أثخن بالجراح لا یدری أین یذهب ، حتی صار إلی امرأة یقال لها طوعة ، وقد کانت قبل ذلک أمّ ولد للأشعث بن قیس فتزوّجها رجل یقال له أُسید الخضرمی، فولدت له بلال بن أسید، وکانت المرأة واقفة بباب دارها تنتظر ابنها، فسلّم علیها مسلم فردت علیه.

فقال : یا أمة الله ، اسقینی، فسقته ، فجلس علی بابها . فقالت: یا عبد الله ، ما شأنک ، ألست قد شربتَ؟

فقال : بلی ، ولکنّی ما لی فی الکوفة من منزل، وإنّی لغریب قد خذلنی من کنتُ أثق به، فهل لک فی معروف تصطنعیه إلیَّ ؟ فإنی من أهل بیت شرف وکرم، ومثلی من یکافیء بالاحسان.

فقالت : ومن أنت ؟ فقال : یا هذه، ذری عنک التفتیش وأدخلینی منزلک فعسی الله أن

ص: 191

کافیک عنّا بالحسنی.

فقالت: یا عبدالله ، خبّرنی باسمک ، فإنی أکره أن تدخل منزلی من قبل

معرفة خبرک ، وهذه الفتنة قائمة ، وهذا اللعین ابن زیاد بالکوفة .

فقال لها : أنا مسلم بن عقیل.

فقالت المرأة : قم فادخل، فأدخلته منزلها فجاءته بالمصباح، وأتته بالطعام فأبی أن یأکل ، فلم یکن بأسرع من أن جاء ولدها ، فلمّا دخل رأی من أمّه أمراً منکراًمن دخولها ذلک البیت وخروجها وهی تبکی.

فقال لها : یا أمّاه، ما قضیتّک (1)؟

فقالت: یا بنیّ ، اقبل علی شأنک ، فلمّا ألحّ علیها قالت: یا بنیّ ، إنّی أخبرک بأمر فلا تفشیه ، هذا مسلم بن عقیل فی ذلک البیت ، وکان من قضیّته (2)کذا وکذا، فسکت الغلام ولم یقل شیئاً ، ثمّ أخذ مضجعه.

فلمّا أصبح ابن زیاد نادی فی الناس أن یجتمعوا، ثمّ خرج من القصر فدخل المسجد وصعد المنبر ، وقال : أیّها الناس، إنّ مسلم بن عقیل السفیه أتی هذه البلدة ، فأظهر الخلاف وشقّ العصا ، وقد برئت الذمّة من رجل أصبناه فی داره ، ومن جاء به فله دیته ، والمنزلة الرفیعة من أمیر المؤمنین یزید، وله فی کل یوم حاجة مقضّیة ، ثمّ نزل عن المنبر ودعا بالحصین بن نمیر ، فقال : ثکلتک أمک إن فاتتک سکّة من سکک الکوفة ان لم تضیّق علی أهلها أو یهدوک إلی مسلم، فوالله لئن خرج من الکوفة سالماً لتزهقّ أنفسنا فی طلبه ، فانطلق الآن

ص: 192


1- فی المقال : ما قصتک ؟
2- فی المقتل : قصته .
إرسال الجیش لمحاصرة مسلم فی دار طوعة

فقد سلّطتک علی دور الکوفة وسککها ، فانصب المراصد ، وجدّ(1) فی الطلب حتی تأتینی بهذا الرجل.

وأقبل محمد بن الأشعث حتی دخل علی ابن زیاد ، فلمّا رآه رحب به ، وأقبل أبن تلک المرأة الّتی مسلم فی دارها إلی عبد الرحمان بن محمد بن الأشعث، فخبّره بمکان مسلم فی دار طوعة ، ثمّ تنحّی.

فقال ابن زیاد: ما الّذی سارّک یا عبد الرحمان ؟ فقال : أصلح الله الأمیر ، البشارة الکبری.

فقال : وما ذاک ؟ فأخبره الخبر، فسر عدوّ الله ، وقال : قم فائتنی به ولک ما بذلت من الجائزة والحظّ الأوفر(2) ثمّ أمر ابن زیاد خلیفته عمرو بن حریث لعنه الله أن یرسل مع محمد بن الأشعث ثلاثمائة رجل من صنادید أصحابه ، فرکب محمد بن الأشعث حتی وافی الدار.

وسمع مسلم وقع حوافر الخیل وأصوات الرجال فعلم أنّه قد أتی ، فبادر مسرعة إلی فرسه فأسرجه وألجمه ، وأفرغ علیه لامة حربه ، وتقلّد بسیفه ، والقوم یرمون الدار بالحجارة، ویلهبون النار فی أطراف (3)القصب ، فتبسم مسلم، ثمّ قال : یا نفس ، اخرجی إلی الموت الّذی لیس منه محیص ، ثمّ قال للمرأة : رحمک الله وجزاک خیر ، اعلمی أنّی ما أتیت إلّا من قبل(4) ابنک ، ولکن افتحی الباب ، ففتحت الباب ، وخرج مسلم فی وجوه القوم کالأسد المغضب

ص: 193


1- فی المقتل : وخذ.
2- فی المقتل : الأوفی.
3- فی المقتل : هواری .
4- فی المقتل : أنی ابتلیت من قبل .

فجعل یضاربهم بسیفه حتی قتل منهم جماعة کثیرة، وبلغ ذلک ابن زیاد فأرسل إلی محمد بن الأشعث یقول : بعثناک إلی رجل واحد لتأتینا به فثلم فی أصحابک ثلمة عظیمة ، فکیف إذا أرسلناک إلی غیره؟

فأرسل[ إلیه](1) ابن الأشعث: أیّها الأمیر ، أنتظنّ (2)أنّک بعثتنی إلی بقّال من بقّالی (3)الکوفة ، أو جرمقانیّ من جرامقة الحیرة؟ أولا تعلم أیّها الأمیر أنّک بعثتنی إلی أسد ضرغام، وسیف حسام، فی کفّ بطل همام ، من آل خیر الأنام ؟

فأرسل إلیه ابن زیاد أن أعطه الأمان فإنّک لا تقدر علیه إلا به. (4)

فجعل محمد بن الأشعث ینادیه : ویحک یا مسلم لا تقتل نفسک لک الأمان ، ومسلم یقول : لا حاجة لی فی أمان الغدرة الفجرة، ثمّ جعل یقاتلهم وهو یقول:

أقسمت لا أُقتل إلّا حرّاً وإن رأیت الموت شیئاً نکرا أکره أن أخدع أو أغرّا أو یخلط البارد سخناً حرّا کلُّ امرءٍ یوماً سیلقی شرّا أضربکم ولا أخاف ضرّا(5)

ص: 194


1- من المقتل.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : انظر .
3- کذا فی البحار ، وفی الأصل والمقتل : بقاقیل .
4- من قوله : «حتی قتل منهم جماعة کثیرة» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :354/44عن کتابنا هذا. وکذا فی عوالم العلوم :203/17 .
5- رویت هذه الأرجاز فی المقتل هکذا: أقسمت لا أُقتل إلّا حرّا وإن رأیت الموت شیئاً مرّا کلّ امریء یوماً ملاق شرّا رُدّ شعاعُ الشمسِ فاستقرّا أضربکم ولا أخاف ضرّا ضرب همام یستهین الدهرا ویُخلط البارد سُخناً مُرّا ولا أُقیم للأمان قدرا أخاف أن أخدع أو أغّرّا

لا بعد موت معاویة

19:

فناداه ابن الأشعث: ویحک یا ابن عقیل، انّک لا تکدّ ولا تغرّ، والقوم

لیسوا بقاتلیک ، فلا تقتل نفسک. .

فلم یلتفت إلیه وجعل یقاتل حتی أُثخن بالجراح وضعف عن القتال ، فتکاثروا علیه من کلّ جانب ، وجعلوا یرمونه بالنبل والحجارة ، فقال مسلم : ویلکم ما لکم ترمونی بالحجارة کما یرمی الکفّار وأنا من أهل بیت النبوّة الأبرار ؟ ویلکم أما ترعون حقّ رسول الله صلّی الله علیه و آله ولا حق ذرّیتّه ، ثمّ حمل علیهم مع ضعفه فهزمهم وکسرهم فی الدروب والسکک، ثمّ رجع وأسند ظهره إلی باب دار من تلک الدور ، ورجع القوم إلیه ، فصاح بهم محمد بن الأشعث: ذروه حتی أکلمه ، فدنا منه وقال : ویحک یا مسلم لا تقتل نفسک أنت آمن ودمک فی عنقی ، وأنت فی ذمّتی.

فقال مسلم: یا ابن الأشعث، أتظنّ أنّی أعطی بیدی یداً وأنا أقدر علی القتال ؟ لا والله لا کان ذلک ، ثمّ حمل علیه حتی ألحقه بأصحابه ، ثمّ رجع إلی موقعه فوقف وهو یقول : اللّهمّ إنّ العطش قد بلغ منّی فلم یجتریء أحد أن یسقیه ویدنو منه.

فأقبل ابن الأشعث علی أصحابه ، وقال : والله إنّ هذا لهو العار والشنار

أن تجزعوا (1)من رجل واحد ، فحملوا علیه ، وحمل علیهم.

وقال ابن الأشعث: احملوا علیه بأجمعکم حملة رجل واحد، فقصده رجل من أهل الکوفة یقال له بکیر بن حمران ، فاختلفا بضربتین ضرب بکیر ضربة علی شفة مسلم العلیا وضرب ضربة مسلم بن عقیل فبلغت الضربة إلی

ص: 195


1- فی المقتل : أتجزعون؟
سارة مسلم بن عقیل

جوفه فسقط قتیلاً فطعن من ورائه ، فسقط إلی الأرض، فأخذ أسیراً، ثمّ أخذ فرسه و سلاحه ، وتقدّم رجل من بنی سلیم یقال له عبدالله بن العبّاس فأخذ عمامته ، فجعل یقول : اسقونی شربة.

فقال مسلم بن عمرو الباهلی : لا والله لا تذوق الماء أو تذوق الموت .

فقال له مسلم: ویلک ما أجفاک وأقسی قلبک ، أشهد علیک إن کنت من قریش فإنّک(1) ملصق ، وإن کنت من غیر قریش فأنت دعیّ ، من أنت یا عدوّ الله ؟

قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنکرته، ونصح الأمام إذ غششته ، وسمع

وأطاع إذ خالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلی.

فقال له مسلم : لأمّک الهبل یا ابن باهلة ، أنت أولی بالحمیم والخلود فی نار جهنّم ، إذ آثرت طاعة آل أبی سفیان علی آل الرسول صلّی الله علیه و آله .

ثمّ قال : ویحکم یا أهل الکوفة ، اسقونی شربة من ماء، فأتاه غلام لعمرو ابن حریث المخزومی بقلِةٍ من ماء وقدح قواریر فصب القلّة فی القدح وناوله ، فأخذ مسلم القدح ، فلمّا أراد أن یشرب امتلأ القدح دماً، فلم یقدر أن یشرب من کثرة الدم ، وسقطت ثنایاه فی القدح، فامتنع من شرب الماء فأخذوه وحملوه علی بغل، فدمعت عیناه ، وقال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

فقال له عبید الله بن العبّاس : من یطلب مثل الذی طلبتَ لا یبکی .

فقال : والله إنّی لا أبکی علی نفسی ، ولکن أبکی علی أهلی المقبلین - أعنی الحسین علیه السلام -، ولمّا أُرکب البغل ونزع عنه السیف قال لمحمد

ص: 196


1- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : فأنا .

بعد موت معاویة ابن الأشعث: أتستطیع أن تبعث رجلاً عن لسانی یبلغ حسیناً فإنّی لا أراه إلا قد خرج إلی ما قبلکم هو وأهل بیته فیقول له : إنّ مسلم بن عقیل بعثنی إلیک وهو أسیر فی أیدی العدو یسار(1) به إلی القتل فارجع بأهلک ولا تغترّ بأهل الکوفة فإنّهم أصحاب أبیک الّذین(2)کان یتمنّی فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الکوفة قد کذّبونی فکذبتک (3)

فقال ابن الأشعث: لأفعلنّ، ومعنی قول مسلم : «کذبتک» : أنّ مسلم کان قد کتب إلیه علیه السلام کتاباً ذکر فیه کثرة من بایعه ، فهو معنی قوله «کذّبونی فکذبتک»، ثمّ أتی به وأدخل علی ابن زیاد ، فلم یسلّم، فقیل له : سلّم علی الأمیر.

فقال مسلم للقائل : اسکت لا أم ّلک ، ما هولی بأمیر فأسلّم علیه ، وأخری انّه ما ینفعنی السلام علیه وهو یرید قتلی ، فإن استبقانی فسیکثر سلامی علیه .

فقال ابن زیاد : لا علیک سلّمت أمّ لا تسلّم ، إنّک مقتول. فقال مسلم: إن قتلتنی فقد قَتَل من هو شرّ منک من هو خیر مّنی..

ثمّ قال ابن زیاد : یا شاقّ، یا عاقّ، خرجت علی إمامک ، وشققت عصا

المسلمین ، وألقحت الفتنة.

فقال مسلم : کذبت یا ابن زیاد ، وإنّما شقّ عصا المسلمین معاویة وابنه یزید ، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوک زیاد علج من علوج ثقیف (4)، وأنا

ص: 197


1- فی المقتل : یذهبون .
2- فی المقتل الذی .
3- فی المقتل : کذبونی، فکتبت إلیک . ولیس لمکذوب رأی .
4- فی المقتل : زیاد بن عبید بن علاج من ثقیف .

أرجو أن یرزقنی الله الشهادة علی یدی شر خلقه(1)، فوالله ما خلعت ولا غیّرت ، وإنّما أنا فی طاعة إمام الحسین بن علیّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ونحن (2)أولی بالخلافة من معاویة وابنه وال زیاد.

فقال له ابن زیاد : یا فاسق، ألم تکن تشرب الخمر فی المدینة ؟

فقال مسلم : أحقّ بشرب الخمر منّی من یقتل النفس الحرام ، ویقتل علی

العداوة والغضب والظنّ وهو فی ذلک یلهو ویلعب کأنه لم یصنع شیئاً.

فقال له ابن زیاد: یا فاسق ، منّتک نفسک أمراً حال الله دونه وجعله

لأهله.

فقال مسلم : و من أهله ، یا ابن مرجانة ؟

فقال : أهله یزید.

فقال مسلم : الحمد لله ، رضینا بالله حَکَماً بیننا وبینکم ؟ فقال ابن زیاد : أتظنّ أنّ لک من الأمر شیء؟ فقال : لا والله ما هو الظنّ ، ولکنّه الیقین. فقال ابن زیاد : قتلنی الله إن لم أقتلک[ شرّ قتله](3)

فقال مسلم : أمّا إنّک لا تدع سوء القتلة ، وقبیح المثلة، وخبث السریرة ، ولؤم الغلبة (4)، والله لو کان معی عشرة ممّن أثق بهم وقدرت علی شربة من ماء

ص: 198


1- فی المقتل : بریته .
2- فی المقتل : فهو
3- . من المقتل.
4- فی المقتل : الفعلة .
وصیة مسلم بن عقیل قبل استشهاده

طال علیک أن ترانی فی هذا القصر الملعون والملعون من بناه ، ولکن إن کنت عزمت علی قتلی فأقم رجلاً من قریش أوصی إلیه بما أرید، ثمّ نظر مسلم إلی عمر بن سعد ، وقال : إنّ بینی وبینک قرابة فاستمع منّی ، فامتنع عمر بن سعد .

فقال ابن زیاد : ما یمنعک من الاستماع إلی ابن عمّک ؟

فقام عمر إلیه ، فقال : أوصیک ونفسی بتقوی الله فإنّ تقوی الله منها درک

کلّ خیر ، ولی إلیک حاجة.

فقال عمر: قل ما أحببت .

فقال مسلم : حاجتی أن تستردّ فرسی وسلاحی من هؤلاء القوم فتبیعه وتقضی عنّی دَینی وقدره سبعمائة درهم استدنتها فی مصر کم ، وأن تستوهب جثّنی فتواریها إذا قتلنی هذا الفاسق، وأن تکتب إلی الحسین بن علیّ أن لا یقدم فینزل به ما نزل بی.

فقال عمر: أیّها الأمیر ، إنّه یقول کذا وکذا.

فقال ابن زیاد : أمّا [ما ](1)ذکرت من دَینک فإنّما هو مالک تقضی به دَینک ، ولسنا نمنعک أن تصنع فیه ما أحببت ، وأمّا جسدک فإذا نحن قتلناک - والخیار فی ذلک إلینا - فلسنا نبالی ما صنع الله بجثّتک ، وأمّا الحسین فإنّه إن لم یردنا لم نرده ، وإن أرادنا لم نکف عنه.

وفی روایة أُخری : انّه قال : وأمّا الحسین فلا ولا کرامة ، ولکن أرید - یا ابن عقیل - أن تخبرنی لماذا(2) جئت هذا البلد وأمرهم جمیع وکلمتهم واحدة

ص: 199


1- من المقتل.
2- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : بماذا؟

فأردت أن تفرّق علیهم أمرهم و تحمل بعضهم علی بعض ؟

فقال مسلم: لیس لهذا أتیت ، ولکن أهل هذا المصر زعموا أنّ أباک قتل خیارهم، وسفک دماءهم، وأنّ معاویة حمل فیهم غنیّهم (1)بغیر رضا منهم، وغلبهم علی ثغورهم الّتی أفاء الله علیهم ، وأنّ عاملهم یتجبّر ویعمل أعمال کسری و قیصر، فأتینا لنأمر بالعدل وندعوا إلی حکم الکتاب ، وکتا أهل ذلک ولم تزل الخلافة لنا وإن قهرنا علیها ، رضیتم بذلک أم کرهتم، لأنّکم أوّل من خرج علی إمام الهدی وشقّ عصا المسلمین ، ولا نعلم لنا ولکم (مثلا )(2)إلا قول الله : ( وَسَیَعلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أیَّ مُنقَلَبٍ یَنقَلِبُونَ)(3)

قال : فجعل ابن زیاد یشتمه ویشتم علیّاً والحسن والحسین.

فقال مسلم : أنت وأبوک أحقّ بالشتیمة ، فاقض ما أنت قاض یا عدوّ الله ،

فنحن أهل بیت البلاء موکل بنا.

فقال ابن زیاد : اصعدوا به إلی أعلی القصر واضربوا عنقه ، وأتبعوا رأسه

جسده .

فقال مسلم : أما والله یا ابن زیاد ، لو کنت من قریش وکانت (4) بینی وبینک رحم لما قتلتنی ولکنّک ابن أبیک، فازداد ابن زیاد غیضاً(5)، ثم دعا برجل من أهل الشام کان مسلم قد ضربه علی رأسه ضربة منکرة ، فقال له : خذ مسلم بن

ص: 200


1- فی المقتل : وأنّ معاویة حکم فیهم ظلمة.
2- من المقتل.
3- سورة الشعراء : 227.
4- فی المقتل : أو کان
5- فی المقتل : غضبة.
استشهاد مسلم بن عقیل رضوان الله علیه ، وإخراج هانی بن عروة

إلی السوق

بعد موت معاویة عقیل ، واصعد به إلی أعلی القصر ، واضرب عنقه لیکون ذلک أشفی لصدرک .

قال : فأصعد مسلم إلی أعلی القصر وهو یسبّح الله ویستغفره ویقول : اللهم احکم بیننا وبین قوم غرّونا وخذلونا ، حتی آتی به إلی أعلی القصر ، وتقدّم ذلک الشامیّ إلیه فضرب عنقه صلوات الله ورحمته وبرکاته علیه ، ثمّ نزل الشامیّ إلی ابن زیاد وهو مذعور.

فقال ابن زیاد : ما الّذی ذعرک؟

قال : رأیت ساعة قتلته رجلاً بحذائی أسود شدید السواد کریه المنظر وهو عاضّ علی اصبعه - أو قال علی شفته - ففزعت منه فزعاً لم أفزع مثله ، فتبسم ابن زیاد ، وقال : لعلک دهشت وهذه عادة لم تعتدها.

قال : ثمّ دعا ابن زیاد بهانیء بن عروة أن یخرج فیلحق بمسلم.

فقال محمد بن الأشعث: أصلح الله الأمیر ، إنّک قد عرفت منزلته (فی المصر ) (1)وشرفه فی عشیرته ، وقد علم قومه أنّی وأسماء (2)بن خارجة جئناک به ، فأنشدک الله أیّها الأمیر إلّا وهبته لی ، فإنّی أخاف عداوة قومه لی فإنّهم سادة أهل الکوفة ، فزبره ابن زیاد وأمر بهانیء بن عروة فأخرج إلی السوق إلی مکان یباع فیه الغنم ، و هو مکتوف ، وعلم هانیء أنّه مقتول ، فجعل یقول : وامذحجاه وأین بنی (3)مذحج ؟ واعشیرتاه و أین بنی عشیرتی ؟ ثمّ أخرج یده من الکتاف ، فقال : أما من عصا أو سکّین أو حجر یدرأ(4)به الرجل عن نفسه ؟ فوثبوا إلیه

ص: 201


1- من المقتل.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : مسلم.
3- فی المقتل : متی ، وکذا فی الموضع الآتی .
4- فی المقتل : یجاحش.
استشهاد هانی بن عروة وصلبه مع مسلم منکسین
أبیات لعبدالله بن الزبیر الأسدی فی مسلم وهانیء

فشدّوه ، ثمّ قالوا له : أمدد عنقک.

فقال : ما أنا بمعینکم علی نفسی، فضربه غلام لابن زیاد بالسیف ضربة

فلم تعمل فیه شیئاً.

فقال هانیء : إلی الله المعاد و المنقلب ، اللّهمّ إلی رحمتک ورضوانک ، اللّهمّ اجعل هذا الیوم کقارة لذنوبی، فإنی ما غضبت إلا لابن نبیک محمد صلّی الله علیه و آله ، فتقدّم الغلام ثانیة فقتله رحمة الله وبرکاته علیه.

ثمّ أمر ابن زیاد بمسلم وهانی، فصلبا منکسین.

روی أنّ مسلماً کان من أشجع الناس قلباً و أشدّهم بطشاً. ولقد کان من قوته انّه کان یأخذ الرجل بیده فیرمی به فوق البیت، فلعنة الله علی قاتله وخاذله..

ولمّا صلبا منکسین رضی الله عنهما قال فیهما عبدالله بن الزبیر الأسدی :

فإن کنت ما (1)تدرین ما الموت فانظری

إلی هانی بالسوق وابن عقیل

إلی بطل قد هشمّ السیف وجهه

وآخر یهوی من جدار (2) قتیل

أصابهما ریب المنون(3) فأصبحا

أحادیث من یسری بکلّ سبیل

ص: 202


1- فی المقتل : إذا کنت لا
2- فی المقتل : طمار .
3- فی المقتل : أمر الأمیر .
کتاب عبید الله بن زیاد إلی یزید یخبره بمقتل مسلم وهانیء

تری جسداً قد غیّر الموت لونه

ونضح دمٍ قد سال کلّ مسیل

فتی کان أحیا من فتاة حییة

وأقطع من ذی شفرتین صقیل(1)

أیرکب أسماء الهمالیج(2) آمناً

وقد طلبته

مذحج بقبیل (3)

ف إن أنتم لم تثأروا بأخیکم

فکونوا أیامی ، رضیت (4)بقلیل

قال : ثمّ کتب عبیدالله بن زیاد إلی عدوّ الله یزید لعنه الله :

بسم الله الرحمن الرحیم

العبدالله یزید أمیر المؤمنین من عبیدالله بن زیاد.

الحمد لله الّذی أخذ لأمیر المؤمنین بحقّه وکفاه مؤونة عدوّه ، ثمّ ذکر فیه قصة مسلم وذکر هانی بن عروة ، وکیف أخذهما وقتلهما ، ثمّ قال : وقد بعثت برأسهما مع هانیء بن حیّة (5) الوادعی والزبیر بن الأروح التمیمی، وهما من أهل الطاعة والسنّة والجماعة ، فلیسألهما أمیر المؤمنین عمّا أحبّ فإنّ عندهما

ص: 203


1- زاد فی المقتل البیت التالی : وأشجع من لیث بخفان مصحر وأجرأ من ضار بغابة غیل
2- الهمالیج : جمع هملاج، وهو البرذون.
3- فی المقتل : بذحول. وزاد فیه البیت التالی : تطوف حوالیه مراد وکلهم علی رقبة من سائل ومسول
4- فی المقال : بغایا.
5- فی تاریخ الطبری: هانیء بن أبی حیّة ، وفی الکامل فی التاریخ : هانیء بن حیّة الوداعی .
جواب یزید علی کتاب عبیدالله بن زیاد
کلام للمؤلف رحمه الله

علماً وفهماً وصدقاً وورعاً.

قال : فلمّا ورد الکتاب والرأسان علی یزید لعنه الله أمر بالرأسین فنصبا

علی باب دمشق ، ثمّ کتب إلی ابن زیاد

أمّا بعد:

فإنّک عملت عمل الحازم، وصِلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد کفیتَ ووفیتَ ، وقد سألتُ رسولیک فوجدتهما کما زعمتَ، وقد أمرتُ لکلّ واحد منهما بعشرة آلاف درهم وسرّحتهما إلیک ، فاستوص بهما خیراً، وقد بلغنی انّ الحسین قد عزم علی المصیر إلی العراق ، فضع المراصد والمناظر والمسالح واحترس ، واحبس علی الظنّ ، واقتل علی التهمة ، واکتب إلیّ بذلک کلّ یوم بما یحدث من خبر (1)

قلت : یا من بذل نفسه فی طاعة ربّه وولیّ أمره، وأجهد جهده فی جهاد أعداء الله فی علانیته وسرّه ، وکشف عن ساق فی طلب السعادة الباقیة ، وشمرّ عن ساعد لتحصیل الدرجة العالیة ، حزنی علیک أقلقنی ، وما أسدی إلیک أرّقنی ، ودمعی لما أصابک أغرقنی ، ووجدی لمصابک أحرقنی ، أدّیت الأمانة جاهداً ، وبذلت النفس مجاهداً ، صابراً علی ما أصابک فی جنب الله ، مصابراًبقلبک

اء الله ، لم تضرع ولم تفشل ، ولم تهن ولم تنکل ، بل قابلتَ الأعداء

بشریف طلعتک ، وقاتلتَ الأشقیاء بشدّة عزمتک.

عاهدوک وغدروا، وأخلفوک وکفروا، واستحبّوا العمی علی الهدی، واختاروا الدنیا علی الأخری ، فطوّقهم الله بذلک أطواق العار، وأعدلهم بقتالک

ص: 204


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 197/1 - 215.

أطباق النار، وجعلهم ضرام وقودها، وطعام حدیدها، وأفراط جنودها ، فلقد حقّت علیهم کلمة العذاب بخذلانهم إیّاک ، ونکصوا علی الأعقاب إذ استبدلوابک سواک .

فأبعد بالکوفة وساکنیها ، وأهالیها وقاطنیها ، فلیست واقعتک بأعظم من واقعة عمّک وقتله فی محرابه ، ولا خذلک بأعظم من خذل الزکیّ وغدر أصحابه ، ولا نقض عهدک بأقبح من نقض عهد المقتول بین خاصّتهم وعامّتهم، ولا خفر ذمّتک بأشنع من خفر ذمّة المصلوب بکناستهم.

فلقد غدروا بعد مواثیقهم وأیمانهم ، وکفروا بعد تظاهرهم بإیمانهم ، فحرمهم الله ریح الجنّة ، وطوّقهم أطواق اللعنة ، ورمی مصرهم بالذلّ الشامل ، والخزی الکامل ، والسیف القاطع، والعذاب الواقع ، لیس له من الله من دافع(1)حتی صارت حصیداً کأن لم تغن بالأمس(2) وبراحاً خالیة من الإنس ، للبوم فی أرجائها تغرید، وللوحش فی عراصها تطرید، وأهلها عبادید(3)فی الأقطار، و متفرّقون فی الأمصار ، قد أذاقهم الله الخزی فی الحیاة الدنیا ولهم فی الآخرة عذاب النار.

لمّا خذلوا الحق وأهله ، واسترهبوا الجهاد وفضله، وآثروا الدعة والراحة، واستشعروا السفاهة والوقاحة ، سلّط الله علیهم شرّ خلیقته، وأدنی بریتّه ، نجل سمیّة الزانیة ، وزعیم العصابة الباغیة ، ثمّ قفّاه بالخصیم الألد، والکفور الأشدّ، الغیّ یظلّه عن التعریف ، ألأم نغل من ثقیف ، الذیّال المیّال ،

ص: 205


1- إقتباس من الآیة : 2 من سورة المعارج .
2- إقتباس من الآیة : 24 من سورة یونس
3- عبادید : متفرّقون .

المغتال القتّال ، السفّاک الفتّاک ، الهتّاک الأفّاک ، فداسهم دوس السنبل وذراهم ذری الحبّ کما قال فیه بعض عارفیه: جاءنا أعمش اختفش ارحمیمة برجلها وأخرج إلینا ثیاباً قصاراً، والله ما عرق فیها عنان فی سبیل الله ، فقال : بایعونی فبایعناه ، وفی هذه الأعواد ینظر إلینا بالتصغیر ، وننظر إلیه بالتعظیم، یأمرنا بالمعروف و نجیبه ، وینهانا عن المنکر ونرتکبه ، فاستعبد أحرارهم، وأباد خیارهم، وأذلّ بالتسخیر رجالهم، وأیتم بفتکه أطفالهم، فتفرقوا أیادی سبأ، واتّخذوا سبیلهم فی الأرض سرباً.

فانظر إلی فروع أُصولها فی زمانک، ونتائج مقدّماتها فی أوانک ، هل

ترهم إلّا بین شرطی ذمیم، أو عتلّ زنیم ، أو ممسک لئیم ، أو معتد أثیم؟

بغض ذرّیّة الرسول فی جبلتهم مرکوز ، والتغامز علیهم بالحواجب فی طبیعتهم مرموز ، یقصدونهم فی أنفسهم وأموالهم، ویهضمونهم بأقوالهم وأفعالهم، ویتجسّسون علی عوراتهم، ویتّبعون عثراتهم، وبالأعین علیهم یتلامزون ، وإذا مرّوا بهم یتغامزون ، إن رأوا فضیلة من فضائلهم کتموها، وإن بدرت منهم صغیرة أکبر وها، یغرون بهم سفاءهم ، وینصرون علیهم أعداءهم ، أتباع کلّ ناعق ، وأشیاع کلّ مارق، لا یستضیؤون بنور العلم، ولا یترتّبون برتبة الحلم، یدعون حبّ ذرّیّة نبیهم ، وصفحات وجوههم تنطق بتکذیبهم ، ویظهرون النصیحة لعترة ولیّهم، ویقولون بألسنتهم ما لیس فی قلوبهم ، یؤذون الجار، ویهضمون الأخیار ، ویعظّمون الأشرار ، ویحسدون علی ربع دینار.

ولقد أقمت فیهم مدّة ، و صحبت منهم عدّة، وعمّرت المساکن المونقة ،

وغرست الحدائق المغدقة ، أکثر ..(1)سوادهم، ولا آکل زادهم، أکافی علی الحسنة بعشر أمثالها ، وأجازی بالهدیّة أضعاف أثقالها ، وأتعفّف عن ولائمهم،

ص: 206


1- غیر مقروءة فی الأصل .
قصیدة للمؤلف رحمه الله فی الحسین علیه السلام

بعد موت معاویة وأتصلّف عن مطاعمهم، حذراً من مننهم، وتقصّیاً عن نعمتهم ، کما قال الأول :

فلا ذا یرانی واقفاً فی طریقه ولا ذا یرانی جالساً عند بابه

فنصبوا حبائل حسدهم قصداًلوقوعی ، وأوفوا قواتل سمومهم لیجتاحوا أصلّی وفروعی، وأطلعنی ربّی علی فساد ضمائرهم، وخبث سرائرهم ، فاتخذت اللیل ستراً، وفصلت عن قراری سرّاً، قد أذهل الخوف لبّی، وأرجف الوجل قلبی، ملتفتاً إلی ما خلفی ، قد أحال الفرق لونی وغیّر وضعی، قائلاً : (رَبَّ نَجَّنِی مِنَ القَوم الظَّالِمِینَ )(1)، ولا تجعلنی فتنة للقوم الکافرین(2) عامداً أفضل مشهد ، وأکرم مرقد، وخیر صعید، وأفخر شهید ، سیّد الشهداء، وأشرف أولاد الأنبیاء، صاحب کربلاء، حتی إذا استقرت فیّ الدار ، وأمنت - البوار ، خمدت مسرای عند الصباح ، وجعلت مثوای حضرة خامس الأشباح، واتّخذت بلدته موطناً ومستقرّاً، ونزلاً مستمرّاً، وهلمّ جرّا، وتلوت : (سُبحَانَ الَّذِی أسرَی (3)

ولمّا سئمتُ صحبتهم ، وقلوتُ جبلتهم، جعلتُ أشرح ما صدر لی عنهم،

وأُوضح ما تمّ علیَّ منهم، بسحر حلال من شعری ، وراتق زلال من نثری.

فمن جملة ذلک أبیات من جملة قصیدة مطوّلة قلتها حین فررت ، ونظمت فیها ما ذکرت، وأوردتُ ما تمّ علی السید المجید ، والسبط الشهید ، علیه أفضل الصلوات، وأکمل التحیات کربلاکم فیک من شیب خضی

بدم النحر وکم هام نقیف

ص: 207


1- سورة القصص : 21.
2- إقتباس من الآیة: 85 من سورة یونس .
3- سورة الإسراء : 1.

وسعیدٍ بصعید الطفّ ثاوٍ

رأسه یعلی علی رمح ثقیف

لبنی الزهراء أرباب المساعی

والمعالی والعوالی والسیوف

زلفت نحوهم عصبة سوءٍ

و لیس فیهم غیر زندیق وکوفی

لعن الله بنی الکوفة لم

نیک فیهم من بعهد الله یوفی

سل یزیداً قائماً بالقسط من

حاز المعالی من تلید وطریف

صلبوه بعد خذل ثمّ قتل

و آه ممّا حلّ بالبدن الشریف

فلذا صارت براحاً وخلت

أرجاؤها من قاطن فیها وریف

وغدت أبناؤها فی کلّ فجًّ

و بین شرطیّ زنیم وعریف

ولئیم وذمیم ورجیم

وشقیّ وغویّ وطفیف

وجبان یوم زحف وقراع

وعلی الجارات باللیل زحوف

هم فروع لأصول لم یرقّوا

لبسنی الزهراء فی یوم الطفوف

ص: 208

کلام للمؤلف رحمه الله

أسفوا إن لم یکونوا ذا اجتها

د مثل آبائهم بین الصفوف

فاستحلّوا من بینهم کل سوء

وأحلّوا بهم کلّ مخوف

فلذا نحوهم وجهت دمی

وعلیهم أنا داع بالحتوف

ولما أسدوه من بغی وظل

-م تسرّه

بالسوء دانی وألیف

ومن الله علیهم لعنات

دائماً تتری بلاکمّ وکیف

ماشکاذو حرفة ماناله

من فاجرٍ بالبغی والظلم عسوف

فیا من یعنّفنی بسبّهم، ویؤفّفنی بثلبهم ، ویعیبنی بعیبتهم ، ویخطئنی

بتخطئتهم ، ویعیّرنی ویتجسّس علی عوراتی ، ویسلک مسلکهم فی التفحّص عن زلاتی ، لا تلمنی علی ما صدر منّی، ولا تفنّدنی و تصدعنی ، فلا بدّ للملان أن یطفح، وللصوفی عند غلبة الحال أن یشطح، فمهد لقاعدة نظمی ونثری عذراً ، ولا ترهقنی من أمری عسراً.

أما سمعت أخبار آبائهم الأوّلین ؟ أما رأیت آثار أسلافهم الأقدمین ؟ جدّل الوصیّ فی جامعهم، وطعن الزکیّ بین مجامعهم، وقتل ابن عقیل لدی منازلهم ، والأجلاب علی السبط الشهید بقبائلهم وقنابلهم ، وسبی ذراریه علی أقتاب رواحلهم ، هو الّذی أطلق لسانی بما وصفت ، وأجری بنانی بما صغت

ص: 209

قصیدة للمؤلف رحمه الله فی مسلم بن عقیل

ورصفت ، فلا تعذلنی علی نحیبی وعویلی ، ولا تصدّنی لبکائی عن سبیلی ، إلّا من اتّخذ فی الأرض النفاقه نفقاً، وجری فی تیه ضلاله حیفاً وعنفاً ، وسأختم هذا المجلس الجلیل ، بمرثیة السیّد النبیل، مسلم بن عقیل : لهسف قلبی وحرقتی وعویلی

وبکائی حزناً لخیر قتیل

نجل عمّ النبیّ خیر وفیّ

عاهد الله مسلم بن عقیلِ

خ ذلوه وأسلموه إلی الحی

فوفی بعهد آل الرسول

وتلقّی السیوف منه بوجه

لم تهن فی رضا الملیک الجلیلِ

نصر الحقّ باللسان وبالقد

سب وحاز الثنا بسباع طویل

ومن الله باع نفساً رقت فی

المجد أعلا العسلی بصبرٍ جمیل

بذل النفس فی رضا ابن

ولیّ الله صنو الرسول زوج البتول

لست أنسی الأوغاد إذ خذلوه

والعدا

یطلبونه بذحول

وهو یسطو کلیث غاب فکم جدلّ

رجساً بالصارم المصقول

ص: 210

ثمّ صبّت علیه منهم شابیب

سهام کصوب مزن هطول

وهولا یخشی السهام ولا یضرع

اللقاسطین أهل الغلول

ویصدّ الکماة عنه بغضب

کم جریح منه وکم من قتیل

کم هزیم من بأسه وقتیل

فرّ منه یقفو سبیل قبیل

ثمّ لمّا أبلی بلاء عظیماً

و

صار یشکو الضما بقلب غلیل

غادرته السهام

من وقعها

ذا جسد من ضنی الجراح کلیل

وغدا فی ید البغاة أسیراً

لهف قلبی علی الأسیر الذلیل

ثمّ من بعد أسره جرّعوه

کأس حتف بأمر شرّ سلیل

من أبوه إلی سمیّة یسمو

فرعه لا یسمو بأصل أصیل

یابنی المصطفی لما نالکم صبری

فیصبر لکن طویل عویل

وإذا رمتُ أن أکفکف دمعی

قال قلبی للطرف جدّبهمول

ص: 211

فعلی من سواهم آثر الدمع

وأرثی بالنظم من حسن قیل

وهم قادتی وأسباب إیمانی

وقربی من خالقی ووصول

کشف الله لی بهم کلّ منشور

من الحقّ عن کفور جهول

فغدا حبّهم وبغض أعادیهم

بقلبی ما آن له من مزیل

وبإکفار من تقدّمهم أوضح

و عن حجّتی بصدق دلیل

من کتاب وسنّة وقیاس

رکبته ذوی الحجی والعقول

نصّ خیر الأنام یوم غدیر

لیس فی الذکر فیه من تبدیل

وکذا إنّما ولیّکم فاتلُ إن

شئت إذا ماتلوتَ بالترتیل

تجد الله بالزعامة اصطفاهم

ففی الخلق ما لهم من مثیل

فلهم أرتجی لبرد او امی

من رحیق من حوضهم سلسبیل

ومدیحی فی فضلهم لیس یحصی

بنظام کالذّر فی التعدیل

ص: 212

وإلیهم أُهدی عقود بسناء

ان مسن قواد بالشکر غیر ملول

ما دجی اللیل ثم وأسفر صبا

ح وزقا طائر بدوح ظلیل

ص: 213

ص: 214

المجلس السابع: فی مسیر الحسین علیه السلام إلی العراق ومن تبعه...

اشارة

فی مسیر الحسین علیه السلام إلی العراق ومن تبعه من أهله وإخوانه وبنی أخیه وبنی عمّه صلوات الله علیهم أجمعین

خطبة وقصیدة للمؤلف رحمه الله

الخطبة الحمد لله الوفیّ وعده ، العلیّ مجده ، الغالب جنده ، العامّ رفده ، لا راد الحکمه ، ولا مغیّر لعلمه ، المبدع المصوّر ، والمخترع المقدّر ، الظاهر لخلقه بخلقه ، والشامل لهم بلطفه ورزقه ، حجب أفکارهم عن تصوّر کماله ، وردع أبصارهم عن إدراک جلاله ، وتجلّی لأولیائه بشواهد حکمته ، وظهر لقلوبهم ببدائع صنعته ، فانقادت قلوبهم بأزمّة التوفیق إلی مقام عرفانه، ووردوا مناهل التحقیق من فیض لطفه وإحسانه ، وشربوا بالکأس الرویّة من شراب عنایته ، ووقفوا علی قدم الصدق فی مقام طاعته.

فأشرق نور الحقّ علی مرایا قلوبهم فطاح وجودهم فی شهودهم، لمّا عاینوا من بهجة محبوبهم، فأصبحت قلوبهم بأنوار عرفان جلال مبدعهم مشرقة ، ونفوسهم بالملکوت الأعلی من حصون صانعهم متعلّقة ، فأطلعهم سبحانه علی أسرار الصفیح الأعلی ، وأراهم لما أعدّ للمجاهدین فی سبیله فی ذلک المقام الأسنی ، من منازل مونقة ، وحدائق مغدقة ، وأنهار متدفّقة ، وحسان

ص: 215

معشقة ، وولدان ضیاء جمالها قد أشرق ، و ثیاب من سندس بطائنها من استبرق، أکلها دائم، وساکنها سالم، لا یذوق الموت ، ولا یخشی الفوت ، ظلّها ظلیل، دورها سلسبیل ، وسقفها عرش الرحمن، وخدمها الحور الحسان، (یَطُوفَ عَلَیهِم وِلدَانُ مُخَلَّدُونَ بِأکوَابٍ وأبَارِیقَ وَکَأسٍ مِن مَعِینٍ لَا یُصَدَّعُونَ عَنَهَا وَلاَ

یُنزِفُونَ وَفَاکِهَةٍ مِمَّا یَتَخَیَّرُونَ وَلَحم طَیر مِمَّا یَشتَهُون وَحُورعِینُ کَأمثَالِ اللُّؤلُؤِ

المَکنُونِ جَرَاءً بِمَا کَانُوا یعَمَلونَ) (1)

فاختاروا الاقامة فی دار المقامة ، والاستظلال بتلک الأطلال ، وکرهوا الرجوع من دار البقاء إلی دار الفناء ، والعود من المحل الأعلی إلی المقام الأدنی ، ومن الصفیح الأرفع إلی الخراب البلقع ، فطلبوا إلی ربّهم الّا یهبطهم من درجتهم، ولا یزحزحهم عن لذّتهم ، ولا یخرجهم من جنّتهم ، ولا یحطّهم عن رتبتهم.

فتجلّی لأفکارهم، وخاطبهم فی أسرارهم : إنّی قد جعلت الدنیا طریقاً

یسلک به إلی نعیمی المقیم، وسبیلاً یتوصل به إلی ثوابی الجسیم، فلولا امتثال عبادی اوامری ، و انزجارهم عن زواجری ، والاخلاص بطاعتی ، والا محاص فی محبّتی ، و تحمل المشاق فی عبادتی ، والاستظلال بأروقة طاعتی ، لم أخلق خلقی ، ولم أبسط رزقی ، لکن أبدعتهم لیعرفونی ویوحدونی وینزهونی ، ( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلَّا لِیَعبُدُونِ) (2)

فاتّبعوا دلیلی، وجاهدوا فی سبیلی ، وصابروا أعدائی ، وانصروا أولیائی ، أجعلکم خزّان علمی فی عبادی ، وأُمناء وحیی فی بلادی ، و شهدائی

ص: 216


1- سورة الواقعة : 17 - 24.
2- سورة الذاریات: 56.

علی بریّتی ، وأولیائی فی خلیقتی ، ولأقرنّن طاعتکم بطاعتی، ومودّتکم بمودتی، وولاءکم بولائی ، ورضاکم برضائی ، إن تنصرونی أنصرکم وأثبّت أقدامکم ، وإنّ تقرضونی أجازکم وأضاعف أعمالکم.

فرجعت أجسادهم إلی الحضیض السفلیّ ، واستقرّت أرواحهم العالم العلویّ ، تطالع جمال حضرة معبودها فی جمیع حالاتها، وتستضیء بأنوار جلال مبدعها بأبصار کمالاتها حین توجّهاتها، تری کل ما سواه مضمحلاًّ باطلاً ، وکلّ ما عداه للعدم قابلاً ، فوصلوا أسبابهم بأسبابه ، وقطعوا العلائق عمّا سوی الاتّصال بعزیز جنابه ، ووقفوا علی قدم الخدمة فی جنح الظلام، ونادوا محبوبهم بلسان الاجلال والابتهال

فاستخلصهم لنفسه لما أخلصوا بطاعته ، واصطفاهم علی خلقه لما صدقوا

فی محبّته ، وتوّجهم بتیجان کرامته ، وأفرغ علیهم حلل عصمته، وأطلعهم علی مکنون سرّه ، وقلّدهم ولایة أمره ، فساقوا الخلق إلی طاعة ربّهم ، ونصروا الحقّ بقالبهم وقلبهم ، قد صدقت منهم العقائد والعزائم ، یجاهدون فی سبیل الله ولا یخافون لومة لائم، حتی إذا أدّوا النصیحة حقّها فی جنب الله ، وبذلوا أرواحاً وأجساداً قد أخلصت صدقها فی طاعة الله ، ورقوا فی معارج السعادة إلی منازل الشهادة ، وسلکوا سبیل المجد بقدم الجد، واتّبعوا دلیل التجاة إلی عین الحیاة ، ورکبواسفینة الهدی ، و تنکّبوا سبیل الردی ، وجاهدوا فی الله بأنفسهم وأموالهم، وأنکروا المنکر بأفعالهم وأقوالهم.

أوذوا فصبروا، وابتلوا فشکروا، یعدّون البأساء نعمة، والضرّاء رحمة ، والجهاد فی الله منحة ، والقتل فی سبیل الله حیاة باقیة ، والبلاء فی الله عیشة راضیة ، فحسدوا علی ما اختصّهم الله به من قربه ، وبذلوا الأجساد والأولاد فی

ص: 217

حبّه ، ونفوا عن عقر دارهم ، وأخرجوا من منازلهم وقرارهم.

ضاقت بهم الأرض بعد رحبها ، وقصدتهم الأعداء بفتکها وحربها ، وکانت واقعة السبط الشهید أبی عبدالله أفضع محنة، وأشنع فتنة ، لم یحدث منذ وجود العالم مثلها ، ولم یقع فی الزمن المتقادم عدیلها ، أخرج ابن الرسول من حرم جدّه خائفاً ، وللحیاة فی دولة الظالمین عائفاً ، وللدنیا وأهلها قالیاً ، وللشهادة فی الله راجیاً ، قد تبرّم بالبقاء فی دولة الأشرار ، وسئم الحیاة فی سلطان الفجّار .

فنصبوا له المهالک، وسدّوا علیه المسالک ، لم یأمن فی حرمٍ یأمن فیه الطیر الطائر ، والوحش الجائر، ولم یطمئنّ فی بلد یسکنه البرّ والفاجر ، فوعده النصر علی أعدائه قوم ذووا أحلام عازبة ، وأیمان کاذبة ، لم یثلج فی قلوبهم برد الایمان ، ولم یزالوا بنکثهم أحزاب الشیطان، حتی إذا لزمته الحجّة بوجود الناصر، والقیام بجهاد الظالمین فی الظاهر ، وأمّ مصرهم ببنیه وبناته ، وسار نحوهم بإخوانه وأخواته ، وبلغ ضعفهم ، و توسّط جمعهم، خانواعهده ، و أخلفوا وعده ، فلیتهم إذ نکثوا أیمانهم ، ونقضوا أمانهم، ترکوه پذهب حیث شاء، أو یرجع من حیث أتی ، بل سدّوا علیه الموارد، وقعدوا له المراصد ، وجنّدوا لمنعه جموعهم وجنودهم، وأرهفوا لقتله حدّهم وحدیدهم، وحرموا علیه ورد الماء المباح، ورفعوا علیه حدود الصفاح ، فصار فی أیدیهم رهیناً ، وبسیوفهم ضمیناً، ثمّ ساقوا بناته وحلائله اساری ، تحسبهم من هول ما أصابهم سکاری و ما هم بسکاری ، یسار بهم بین الأعداء علی الأقتاب ، ویساقون عنفاً بغیر نقاب ولا جلباب ، قد قشر حرّ الشمس وجوههم، وغیّر هجیر القیض جسومهم.

فوا أسفا علی تلک الأبدان المصرّعة، والأجساد المبضّعة، والأطراف

المقطّعة، والرؤوس المرفعة.

ص: 218

وا لهفاه لتلک الوجوه الّتی هتکت بعد صونها وحجابها ، وبرّزت بین طواغیتها وکذّابها ، فدمعی علیهم مهتون ، وقلبی لمصابهم محزون. .

فیالله وللاسلام أیقتل نجل الرسول بین ظهرانیکم ، وتسبی نساؤه

وذراریه بین أیدیکم، ویراق دمه وأنتم تنظرون ، وللحقّ تخذلون ، وللباطل تنصرون ؟ لا منکر ینکر بقلبه ولسانه، ولا دافع یدفع بحسامه وسنانه ، ولاذو أنف حمّی یغضب الله ، ولا صاحب دین قویم یجاهد فی سبیل الله ، فأنتم أکفر أمّة کفرت بعد إیمانها ، وأفجر فرقة تظاهرت ببغیها وبهتانها ، لم ترض بقائد النجاة دلیلاً، أولئک کالأنعام بل هم أضلّ سبیلاً(1)، بأنعم عدل بها هادیها عن الحق السویّ، وأسامها راعیها فی المرعی الوبی.

فیا سبط نبیّی ، ورهط ولیّی ، ویا سبیل نجاتی ، ویا سلیل هداتی ، مصیبتک أرخصت فی سوق أحزانی عبراتی، وأسعرت بلهیبها فی جنانی حسراتی، وحرمت علی جفونی طیب منامی ، وأفرغت علی جسدی أثواب سقامی ، ضاقت بک الدنیا یا ابن الرسول ومن أجلک خلقت ، وشدوا علیک القضایا نجل البتول وأبوابه دونک غلقت ، أخرجوک من حرم جدّک خائفاً تترقّب ، ونفوک عن مسقط رأسک وذهبوا بک کل مذهب، حتی إذا وجهت وجهة آمالک ، وظعنت بعیالک وأطفالک ، نحو أناس لم ینصروا الحقّ مذ کانوا، ولم یؤثروا الصدق مذ خانوا، ولم یغضبوا لله ، ولا انقادوا لأولیاء الله ، بل الغدر شیمتهم، والکذب سجیّتهم، إن خلفوا خبثوا، وإن عاهدوا نکثوا ، اضر من ضافر إذا جرّدت السیوف ، وألأم من مادر إذا طرقت الصنوف ، أنباط أسقاط ، أنذال أرذال ، أنکاد أوغاد، للوصیّ وابنه خذلوا، وللسبط الشهید وولده قتلوا، تساق بنات نبیّهم

ص: 219


1- إقتباس من الآیة : 44 من سورة الفرقان .

قصیدة للمؤلف رحمه الله

علی الأقتاب فی أسواقهم وشوارعهم، وتشهر رؤوس أبناء ولیّهم علی الرماح فی رحابهم و مجامعهم.

فیا دموعی لمصابهم حدّی بالدموع خدّی ، ویا زفراتی تصاعدی بسعیر حسراتی ووجدی ، ویا کبدی لرزئهم تقطّعی ، ویا أحشائی حزناً علیهم تضعضعی ، وعمی لطرفی إن لم یسح دماً بقرینهم ، وسحقاً لقلبی إن لم ینقطع أسفاً لمحنتهم، لمّا کست السماء حمرة نجیع شهدائهم شفقاً، آروت فی فؤادی بانعکاس آشعّة لهیبها حرقاً ، فقلبی حریق بسعیر حزنی ، وطرفی غریق بمعین جفنی ، مثل ثفنات وجوههم من أثر السجود علی الرماح، کالکواکب الدرّیّة بضیائها أو کشمکاةٍ فیها مصباح.

فلهذا وقفت بکائی وجزعی علیهم، وصرفت المراثی من نظمی ونثری إلیهم ، أنثر فی ثری ضرائحهم عبراتی ، وأصاعد فی صعید مراقدهم زفراتی، وأهدی إلی أرواحهم سلامی وتحیّاتی ، وأصلّی علی أشباحهم عقیب صلواتی ، وفی جمیع آناتی ، وأنشد لعظیم مصیبتی فی خلواتی ، ولجسیم رزّیتی نحیبی وآنّاتی :

یامصاب السبط أورثت البکا

أعینُاً والقلب وجداً وعنا

وعلی عینیّ حرّمت الکری

ومزجت الدمع منّی بالدما

لا ت لمنی أیّها العاذل إن

نُحت بالترجیع من فرط الجوا

ص: 220

وجری دمعی دماًمنّا علی

سبط خیر الرسل فی الطفّ جری

وعلی الأبرار من أسرته

أهل بیت و

مقام وصفا

صرّعوا فیه ظماة قد سقوا

بکؤوس الموت من بعد الظما

صاعدت نیران أحشائی الحشا

مدمعاً

قانٍ علی خدّی جری

خیر أهل الأرض أضحواصرّعاً

بشبا البیض وأطراف القسنا

سادة الخلق أُولی الأمر الّذی

مدحهم حقّاً أتی فی هل أتی

بکت الأرض دماًمذصرّعوا

ف رقها حزناً وأطباق العلا

کربلا منک فؤادی ملؤه

من عظیم الوجد کرب و بلا

کم شموس غربت فیک وکم

من بدور أفلت بعد الضیا؟

ووجوه لبنات المصطفی

هتکت من بعد صون وحیا

ص: 221

وجسوم غیّرت أوصافها

منهم البؤغا(1)من بعد السنا

وقلوب ظامیات لم تر

غیر ورد الموت من کفّ الردی

کم علت فوق العوالی منهم

طلعت أنوارها تسجلو الدجی

وأُبینت عضد مع ساعد

وأکفّ کبحور فی الندی

ویری الناظر من أوجههم

اثفنات کنجوم فی السبرا

یاعیونی إن تضنّی بالبکا

لهم لانلت فی الدنیا المنی

وکذا یاحرقتی إن سکنت

منک أحشائی أو طرفی غفا

أیّها الراکب وجناء لها

أثر فی الخدّمن جذب البرا

ت قطع الال کسرال نافل(2)

لیس یثنیها

کلال ووجا

لاتهاب السیر فی جنح الدجی

وکذا لا تخشی حرّ الضحی

ص: 222


1- البَوغَاء: التراب الناعم الهابی فی الهواء.
2- کذا فی الأصل ، ولعلها : تقطع الأتلال ناقة .

عجّ بأرض حلّ فیها سیّد

مجده أرفع قدراً من ذکا

خیر من جاهد فی الله ومن

فی سبیل الله بالنفس سخا

ترکوه فی العرا منجدلاً

ذا فؤاد یشتکی حر الصدا

بدر تم صار من بعد الثرا

وعلوّ المجد ضمناً فی الثری

کربلا مذ أشرقت من دمه

أظلمت فی الخلق أعلام الهدی

یاشریک الذکر من ذکرک فی

مهجتی من حرّ أشجانی لظا

وبخدّی لحمة من أدمعی

فیضها أربی علی بحر ظلما

ما در وا کم فریت من بغیهم

و کبد للمصطفی والمرتضی

یامصابة أهله فاطمة

وأبوها وعلی ذو العلا

أیّها القاصد بیت الله بال

ا عجّ والثّج إذا نلت المُنی

من تمام الحجّ والعمرة عجّ

بضریح ضمّ خیر الأنسبیا

ص: 223

أبلغته من سلامی مازکا

من فؤاد ضمنه صدق الولا

ثمّ قل یاخیر مبعوث به

کشف الله عن الخلق العمی

لوتری س بطک فرداً ماله

ناصر یفدیه من جهد البلا

وبنات لک قد أثخنتها

و من مدید السیر افراط العنا

وأکفّأاً بریت من ساعی

کان فی راحاتها بحر الندی

ووجوهاً کالمصابیح لها

فی ظلام اللیل نسور یستضا

کم تجافت عن وثیر الفرش آج

سادها تخلص لله الدعا

أصبحت فی کربلا مخضباً

و شَیبها بالدم من حد الظبا

یابنی الزهراء ممّا نالکم

مدمعی من فرط حزنی مارقی

وکذا نار الأسی فی کبدی

حرّها یذکی رسیساً فی الحشا

وبقلبی لوعة ما آن لها

فیکم حتّی مماتی منتهی

ص: 224

أنتم س فن نجاتی لا أری

غیرکم ینقذ إن خطب عرا

وبکم أرجو إذا ما نشرت

صحف الأعمال فی یوم القضا

ان ی رانی الله رقأ خالصاً

ا لعلامجدکم العالی البنا

آه م ن نسوتکم یسرا

بها

حسراً یمشون فی ذلّ السبا

ب ین أرجاس لهم أفئدة

ملئت حقدأ کجلمود قسا

ف وق أقتاب بها یسری إلی ال

رجس نجل ابن زیاد ذی الشقا

د مزجت الدمع فیکم بدم

وعلی عینی إذ نفث البکا

وبقلبی حرقة من هظمکم

حرّهامنذ وجودی ماخبا

کم مراث فسیکم أرسلتها

نظمهاینبیء عن صدق الولا

یزدریها حاسدی من غیظه

ح ین یطویها ولبّی بالثنا

ویری للبغض منه وجهة

ذا امتناع لاح مافیه خفی

ص: 225

یظهر النصح وفی أحشائه

مِن نظامی حرّنار تصطلی

ویرانی ضاحکاً مبتسماً

بمدیح وثناء ودعا

وإذا ماغبت عنه

سل من بغیه

غضباً به عرضی بسرا

یختل الأغمار بالزهد وفی

ق لبه الفاسد مکسر ودهسا

وتری فی فرض عرضی جاهداً

معلناًکالنار فی جزل الغضی

فإذا فکّرت فیما نالکم

هان ما ألقاه من فرط الأسی

وأری الصبر جمیلاً غبّه

و فاسلّی القلب منّی بالأسی

یاعیاذی وملاذی إن عرت

غصّة تعرض فی الحلق شجا

کلّ عامٍ ینقضی أقضی من

حقّکم مأتم حزن وعزا

وأسیل الدمع من نظم بکم

راق یستفدیه ربّ النهی

وتراه شابنی فی فمه

علقماً لا یزدریه ذی الشقا

ص: 227

وأُبکّی شیعة فی حبّکم طاب منها

فرعها والمحتدی

وبکم أرجونجاتی من لظی

حرّها ینزع بالفح الشوی

وعلیکم صلوات مسابدا

کوکب أظهره لیل بدا

وعلی من منعوکم حقّکم

العنات مالها من منتهی

ص: 227

فصل فی خروج الحسین صلوات الله علیه إلی العراق ، وما

خروج الحسین علیه السلام من مکة ووصوله التنعیم ........... 228

جری علیه فی طریقه، ونزوله فی الطف(1)

قیل : جمع الحسین علیه السلام أصحابه بعد أن وصل إلیه کتاب مسلم بطاعة أهل العراق وحسن نیّاتهم وانقیادهم فعزم علیه السلام علی الخروج وأعطی کلّ واحیر منهم عشرة دنانیر وجملاً یحمل علیه رحله وزاده ، ثم إنّه طاف بالبیت و تهیّأ للخروج وحمل بناته وأخواته علی المحامل، فقصد(2)من مکّة یوم الثلاثاء یوم الترویة لثمان مضین من ذی الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلاً من شیعته وموالیه وأهل بیته ، فلمّا خرج اعترضه أصحاب الأمیر عمرو بن سعید بن العاص فجالدهم بالسیاط ولم یزد علی ذلک فترکوه وصاحوا علی أثره: ألا تتّقی الله تعالی تخرج من الجماعة ، و تفرق بین هذه الأمّة ؟

فقال الحسین علیه السلام : (لِی عَمَلی وَلَکُم عَمَلُکُم) (3) الآیة.

وسار صلوات الله علیه حتی صار بالتنعیم، ولقی هناک عیراً تحمل الورس و الحلل إلی یزید بن معاویة لعنه الله من عامله بالیمن ، فأخذ الحسین

ص: 228


1- انظر فیما یتعلق بهذا الفصل : الفتوح لابن اعثم الکوفی : 119/5 وما بعدها، تاریخ الطبری :382/5 وما بعدها.
2- فی المقتل : وفصل.
3- سورة یونس: 41.

ذلک کلّه وقال لأصحاب الإبل : لا أکرهکم، من أحبّ أن یمضی معی إلی العراق أوفیناه کراه حسناً، وأحسنّا صحبته ، ومن أراد فرقتنا من مکاننا هذا وفیناه کراه بقدر ما قطع من الطریق ، فمن فارقه حاسبه ووفّاه حقّه،(1) ومن مضی معه أعطاه کراه وکساه . (2)

وإنّما أخذ علیه السلام العیر لأنّها کانت من أموال المسلمین ، وکان حکم المسلمین إلیه صلوات الله علیه ، وکان خروجه قبل أن یعلم بقتل مسلم ؛ وقیل : کان خروجه من مکّة یوم قتل مسلم بعد أن کتب إلیه مسلم بأخذ البیعة واجتماع الناس علیه وانتظارهم إیّاه.

وروی ابن جریر - بحذف الاسناد - عن الأعمش قال : قال لی أبو محمد الواقدی وزرارة بن صالح (3) لقبنا الحسین علیه السلام قبل أن یخرج إلی العراق بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالکوفة ، وأن قلوبهم معه وأسیافهم علیه .

فأومأ بیده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائکة عدداً لا

یحصیه إلّا الله عزّ وجلّ.

فقال علیه السلام : لولا تقارب الأشیاء، وسقوط الأجر (4) لقاتلتهم بهؤلاء،(5) ولکنّی أعلم علماً أن هناک مصرعی، وهناک مصارع أصحابی، لا

ص: 229


1- فی المقتل : ما قطع من الأرض، فمن فارقه منهم حوسب وأوفاه حقّه .
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 220/1 نقلاً عن ابن اعثم
3- فی الملهوف : خلج. وذکر فی مستدرکات علم الرجال : 25/ 3 زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدهما شخصین ، وکلاهما تشرف بلقاء الحسین علیه السلام، ولعل الاسمین لشخص واحد.
4- فی الملهوف : وحضور الأجل
5- فی الملهوف : یقینا.

خطبة الحسین علیه السلام حین عزمه علی الخروج إلی العراق

ینجو منهم إلّا ولدی علی(1)- (2)

وروی سیّدنا و مولانا ، السیّد الجلیل علیّ بن موسی بن جعفر بن محمد ابن طاووس الحسینی رضی الله عنه أنّ مولانا الحسین علیه السلام لما عزم علی الخروج إلی العراق قام خطیباً ، فقال :

الحمدلله ، وما شاء الله ، ولا قوّة إلّا بالله ، وصلّی الله علی رسوله ، خطّ

الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی جید الفتاة ، وما أولهنی إلی أسلافی اشتیاق یعقوب إلی یوسف ، وخُیّر لی مصرع أنا لاقیه ، کأنّی بأوصالی تتقاطعها عسلان(3) الفلوات بین النواویس و کربلاء، فیملأن متی أکراشاًجوفاً ، وأجوفة (4) سغباً، لا محیص عن یوم خطّ بالقلم، رضاء الله رضانا أهل البیت ، نصبر علی بلائه ویوفّینا أجور الصابرین، لن تشذّ عن رسول الله صلّی الله علیه و آله لحمته ، هی مجموعة علیه(5) فی حضیرة القدس، تقرّ بهم عینه، وینجز بهم وعده ، من کان باذلاًفینا مهجته ، وموطّناً علی لقاء الله نفسه ، فلیرحل [معنا ]، فإنّی راحل إن شاء الله (6)-(7)

وذکر محمد بن یعقوب الکلینی فی کتاب الرسائل عن محمد بن یحیی .

ص: 230


1- انظر : دلائل الامامة : 74، نوادر المعجزات: 107ح 1 ، الدرّ النظیم : 167 (مخطوط). إثبات الهداة : 588/2 ح68، البحار : 364/44 .
2- الملهوف علی قتلی الطفوف : 124. 126و 130.
3- فی الملهوف: تقطعها ذئاب.
4- فی الملهوف : وأجریة.
5- فی الملهوف : له
6- انظر : مثیر الأحزان : 41، کشف الغمّة :29/2 ، البحار : 366/44 367.
7- الملهوف علی قتلی الطفوف : 126.

کتاب الحسین علیه السلام إلی بنی هاشم

عن محمد بن الحسین ، عن أیّوب بن نوح، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعیل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال : ذکرنا خروج الحسین علیه السلام و تخلّف ابن الحنفیّة عنه ، فقال أبو عبدالله علیه السلام : یا حمزة ، إنّی سأحدّثک (1)بحدیث لا تسأل عنه بعد مجلسک (2)هذا، إنّ الحسین علیه السلام لمّا فصل متوجّهاً دعا(3) بقرطاس وکتب فیه :

بسم الله الرحمن الرحیم

من الحسین بن علی بن أبی طالب إلی بنی هاشم

أمّا بعد:

فإنّه من لحق بی منکم استشهد، ومن تخلّف [عنّی ](4)لم یبلغ مبلغ الفتح،

والسلام . (5)

وذکر شیخنا المفید محمد بن [محمد بن] (6)النعمان رضی الله عنه [فی کتاب مولد النبیّ صلّی الله علیه و آله ومولد الأوصیاء صلوات الله علیهم (7) بإسناده إلی أبی عبد الله علیه السلام ، قال : لمّا سار أبو عبد الله علیه السلام من

ص: 231


1- فی البحار : سأخبرک.
2- فی الملهوف : مجلسنا.
3- فی الملهوف : أمر.
4- من الملهوف. وفیه : لم یبلغ الفتح.
5- انظر : بصائر الدرجات:481 - 482 ح 5، کامل الزیارات : 75، دلائل الامامة : 77، نوادر المعجزات : 109ح، 6تیسیر المطالب : 91. الخرائج والجرائح : 771/2 ذح93، المناقب لابن شهرآشوب: 76/4 ، مختصر بصائر الدرجات: 6، إثبات الهداة :557/2 ح18، البحار :81/42 ح 12،وج84/45. وج 13و ص 87 ح 23 .
6- من الملهوف.
7- من الملهوف.

أن الله تعالی أمد الحسین علیه السلام بأفواج من الملائکة

ومن مسلمی الج

وصول الحسین علیه السلام إلی ذات عرق

[مکّة لیدخل] (1)المدینة لقیه أفواج من الملائکة المسومة والمردفة ؟(2) فی أیدیهم الحراب ، علی نجب من نجب الجنّة ، فسلّموا علیه وقالوا: یا حجّة الله علی خلقه بعد جدّه وأبیه وأخیه ، إنّ الله سبحانه أمدّ جدّک صلّی الله علیه و آله بنا فی مواطن کثیرة ، وإنّ الله أمدّک بنا.

فقال لهم : الموعد حفرتی و بقعتی التی أستشهد فیها ، وهی کربلاء ، فإذا

وردتها فأتونی.

فقالوا : یا حجّة الله ، مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشی من عدّو یلقاک فنکون

معک ؟

فقال : لا سبیل لهم علی ، ولا یلقونی بکریهة أو أصل إلی بقعتی.

وأتته أفواج مسلمی(3) الجنّ، فقالوا: یا سیّدنا ، نحن شیعتک وأنصارک ، فمرنا بأمرک و ما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل کلّ عدوّ لک وأنت بمکانک لکفیناک ذلک .

فجزاهم الحسین خیراً، وقال لهم : أما قرأتم کتاب الله المنزل علی جذی رسول الله صلّی الله علیه و آله : (أَینَمَا تَکُونُوا یُدرِککُمُ المَوتُ وَلَؤکُنتُم فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةً ) (4) وقال سبحانه : ( لَبَرَزَ الّذِینَ کُتِبَ عَلَیهِمُ القَلُ إلَی مَضَاجِعهِم)(5) ؟ وإذا أقمت بمکانی فبماذا یبتلی (6)هذا الخلق المتعوس ؟ وبماذا

ص: 232


1- من الملهوف.
2- فی الملهوف : المسومین والمردفین .
3- فی الملهوف : من مؤمنی .
4- سورة النساء : 78.
5- سورة آل عمران : 154.
6- فی الملهوف : فبم یمتحن ؟

یختبرون ؟ ومن ذا یکون ساکن حفرتی بکربلاء وقد اختارها الله تعالی[لی] ](1) یوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشیعتنا، وتکون لهم أماناًفی الدنیا والآخرة ؟ ولکن تحضرون یوم السبت ، وهو یوم عاشوراء الّذی فی آخره أُقتل ، ولا یبقی بعدی مطلوب من أهلی ونسبی وإخوتی وأهل بیتی ، ویسار برأسی إلی یزید لعنه الله .

فقالت الجنِّ : نحن والله یا حبیب الله وابن حبیبه ، لولا أنّ أمرک طاعة وأنّه

لا یجوز لنا مخالفتک(2) قتلنا جمیع أعدائک قبل أن یصلوا إلیک.

فقال لهم علیه السلام : نحن و الله أقدر علیهم منکم، ولکن(لِیَهلِکَ مَن

هَلَکَ عَن بَیَّنَةِ وَیَحیَی مَن حَئَّ عَن بَیَّنَةٍ) (3).-(4)

ثمّ سار الحسین صلوات الله علیه حتی بلغ ذات عرق(5) فلقیه رجل من

بنی أسد یقال له بشر بن غالب ، فقال الحسین : من أین أقبلت ؟

قال : من العراق. قال : کیف خلّفت أهل العراق ؟

ص: 233


1- من الملهوف
2- زاد فی الملهوف : لخالفناک و .
3- سورة الأنفال : 42.
4- الملهوف علی قتلی الطفوف: 129 - 130. ومن قوله : «روی محمد بن یعقوب فی کتاب الرسائل» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار : 330/44 - 331 عن کتابنا هذا. وکذا فی عوالم العلوم : 179/17 .
5- ذات عرق: مُهَلّ أهل العراق ، وهو الحدّبین نجد وتهامة ؛ وقیل : عرق جبل بطریق مکة ومنه ذات عرق . وقال الأصمعی : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلی ثنایا ذات عرق. وعرق هو الجبل المشرف علی ذات عرق . (معجم البلدان :107/4 - 108»

کتاب الولید بن عتبة إلی ابن زیاد یعلمه بتوجه الحسین علیه

السلام إلی العراق

فقال : یا ابن رسول الله ، خلّفت القلوب معک والسیوف مع بنی أمیّة . فقال : صدقت إنّ الله یفعل ما یشاء.

فقال الرجل : یا ابن رسول الله ، خبرنی عن قول الله سبحانه : ( یَومَ نَدعُوا

کُلَّ أُنَاسٍ بإمَامِهِم )(1)

فقال الحسین : نعم ، یا أخا بنی أسد، هما إمامان ، إمام هدی دعا إلی هدی ، وإمام ضلالة دعا إلی ضلالة ، فهذا ومن أجابه إلی الهدی فی الجنّة ، وهذا ومن أجابه إلی الضلالة فی النار.

قال : واتّصل الخبر بالولید بن عتبة أمیر المدینة بأنّ الحسین علیه السلام

توجه إلی العراق ، فکتب إلی ابن زیاد :

أمّا بعد:

فإنّ الحسین قد توجّه إلی العراق وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فاحذر - یا ابن زیاد - أن تأتی إلیه بسوء فتهیّج علی نفسک

[وقومک] (2)، أمراً فی مدّة(3) الدنیا لا یسده(4) شیء ، ولا تنساه الخاصّة والعامّة

أبداً ما دامت الدنیا .

قال : فلم یلتفت ابن زیاد إلی کتاب الولید. (5)

ص: 234


1- سورة الاسراء : 71.
2- من البحار.
3- فی المقتل والبحار : هذه
4- فی البحار : لا یصده .
5- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 220/1- 221، الملهوف علی قتلی الطفوف :131 ومن قوله : «واتّصل الخبر بالولید» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار368/44 عن کتابنا هذا. وکذافی عوالم العلوم: 218/17 .

وصول الحسین علیه السلام إلی الثعلبیة

قال : ثم سار صلوات الله علیه حتی نزل الثَّعلبیّة وقت الظهیرة فوضع رأسه فرقد، ثمّ استیقظ ،(1) فقال : رأیت هاتف (2)یقول : أنتم تسرعون (3) والمنایا تسرع بکم إلی الجنة.

فقال له ابنه علیّ : یا أباه، ألسنا علی الحقّ ؟

فقال : بلی، یا بنیّ ، والّذی إلیه مرجع العباد .

فقال : یا أباه ، إذن لا نبالی بالموت.

فقال الحسین علیه السلام : جزاک الله خیر ما جزی ولداً عن والده .

ثمّ بات صلوات الله علیه ، فلمّا أصبح إذا برجل من أهل الکوفة یکنّی أبا چرة الأزدی قد أتاه فسلّم علیه ، ثمّ قال : یا ابن رسول الله ، ما الّذی أخرجک من حرم الله وحرم جدّک صلّی الله علیه و آله ؟

فقال الحسین علیه السلام : ویحک یا أبا هرّة، إنّ بنی أمیّة أخذوا مالی فصبرت ، وشتموا عِرضی فصبرت ، وطلبوا دمی فهربت ، وأیم الله لتقتلنی الفئة الباغیة ولیلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً وسیفاً قاطعاً، ولیسلّطنّ علیهم من یذلّهم حتی یکونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملکتهم امرأة [ منهم] (4) فحکمت فی أموالهم ودمائهم

ص: 235


1- الثعلبیّة : من منازل طریق مکّة من الکوفة بعد الشقوق وقبل الخزیمیّة ، وهی ثلثا الطریق ، وأسفل منها ماء یقال له الضّویجعة علی میل منها مشرف ، وإنما سمیت بالثعلبیّة الإقامة ثعلبة بن عمرو بها ؛ وقیل : سمیّت بتعّلّبة بن دو دان بن أسد وهو أوّل من حفرها ونزلها . «معجم البلدان : 78/2 » .
2- فی المقتل : فارساً.
3- فی الملهوف: تسیرون.
4- من المقتل والملهوف.

[حتی أذلّتهم ](1)-(2)

وفی کتاب تاریخ غر الریاشی بإسناده عن راوی حدیثه قال : حججت فترکت أصحابی وانطلقت أتعسف الطریق وحدی ، فبینا أنا أسیر إذ رفعت طرفی إلی أخبیة وفساطیط ، فانطلقت نحوها حیث أتیت أدناها ، فقلت : لمن هذه الأبنیة ؟

فقالوا: للحسین علیه السلام. قلت : ابن علیّ وابن فاطمة علیهما السلام؟ قالوا: نعم. قلت : أین هو؟

قالوا: فی ذلک الفسطاط ، فانطلقت نحوه ، فإذا الحسین علیه السلام متّکٍ علی باب الفسطاط یقرأ کتباً بین یدیه ، فسلّمت فردّ علیَّ ، فقلت : یا ابن رسول الله ، بأبی أنت وأمّی ما أنزلک فی هذه الأرض القفراء الّتی لیس فیها ریف ولا منعة ؟

قال : إنّ هؤلاء أخافونی ، وهذه کتب أهل الکوفة وهم قاتلیّ ، فإذا فعلوا

ذلک لم یدعوا والله محرماً إلّا انتهکوه ، بعث الله إلیهم من یقتلهم حتی یکونوا أذلّ من فرم(3)الأمّة.

قال : ثمّ سار صلوات الله علیه وحدّث جماعة من فزارة وبجیلة قالوا :کنّا

ص: 236


1- من الملهوف.
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 226/1 ، الملهوف علی قتلی الطفوف :131 - 132.
3- الفرم : خرقة الحیض

مع زهیر بن القین لمّا أقبلنا من مکّة ، فکنّا نسایر الحسین علیه السلام حتی الحقناه ، وکان إذا أراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحیة (1)

فلمّا کان فی بعض الأیّام نزل فی مکان لم نجد بدّاً من أن نازله فیه ، فبینا

نحن نتغدّی من زادٍ (2) لنا إذ أقبل رسول الحسین علیه السلام حتی سلم.

ثمّ قال : یا زهیر بن القین ، إنّ أبا عبدالله علیه السلام بعثنی إلیک لتأتیه ،

فطرح کلّ منا ما فی یده حتی کانّما علی رؤوسنا الطیر.

فقالت له امرأته (3) - وهی دیلم بنت عمرو -: سبحان الله ، أیبعث إلیک ابن

رسول الله صلّی الله علیه و آله ثمّ لا تأتیه ؟! فلو أتیته فسمعتَ من کلامه.

فمضی إلیه زهیر، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر

بفسطاطه فقوض وبثقله(4)ومتاعه فحوّل إلی الحسین علیه السلام.

وقال لامرأته : أنتِ طالق ، فإنّی لا أحب أن یصیبک بسببی إلّا خیر ، وقد عزمت علی صحبة الحسین علیه السلام لأفدیه بروحی ، وأقیه بنفسی، ثمّ أعطاها حقّها (5)وسلّمها إلی بعض بنی عمّها لیوصلها إلی اهلها.

فقامت إلیه[و ودّعته ](6)وبکت ، وقالت: کان(7) الله لک، أسألک أن

ص: 237


1- انظر: تاریخ الطبری : 393/5 -394، إرشاد المفید: 223، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام من تاریخ دمشق: 211ح268، إعلام الوری : 229، الکامل فی التاریخ:39/4 ، البدایة والنهایة :169/8 ، البحار : 186/44 ح 14.
2- فی الملهوف : بطعام.
3- فی الملهوف: زوجته.
4- کذا فی الملهوف: وفی الأصل: بفسطاطه وثقله .
5- فی الملهوف: مالها
6- ن الملهوف.
7- فی الملهوف: خار .

وصول الحسین علیه السلام إلی زرود

تذکرنی فی القیامة عند جدّ الحسین علیه السلام.

ثمّ قالَ لأصحابه : من أراد (1)أن یصحبنی ، وإلّا فهو آخر العهد [متی ](2)

به .

وهذا الحدیث نقلته من کتاب إغاثة الملهوف لسیّدنا علیّ بن موسی بن

جعفر بن طاووس.(3)

ورأیت حدیثاً أنّ زهیر رضی الله عنه قال لأصحابه لمّا ودّعهم : إنّی کنت غزوت بَلَنجَر (4)مع سلمان الفارسی رضی الله عنه ، فلمّا فتح الله علینا اشتدّ سرورنا ، فقال سلمان : أفرحتم بما أفاء الله علیکم؟

قلنا: نعم.

فقال : إذا أدرکتم شبّان آل محمد فکونوا أشدّ فرحاًلقتالکم معهم(5) منکم بما أصبتم الیوم، وأنا أستودعکم الله تعالی ، ثم ما زال مع الحسین علیه السلام حتی قتل رحمه الله (6)

وقیل : إنّ الحسین علیه السلام لمّا وصل إلی زرود لقی رجلاً علی راحلة، فلمّا رآه الرجل عدل عن الطریق ، وکان الحسین علیه السلام قد وقف

ص: 238


1- فی الملهوف : من أحبّ منکم.
2- من الملهوف.
3- الملهوف علی قتلی الطفوف : 132 - 133 . وانظر : رقعة الطف : 161- 162.
4- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : عزمت بلخ. و بلنجر : مدینة بلاد الخزر خلف باب الأبواب : «معجم البلدان : 489/1 » .
5- فی المقتل : بقتالکم معه.
6- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 225/1 .

وصول خبر استشهاد مسلم وهانیء إلی الحسین علیه السلام، وقیل

وصله الخبر وهو فی منطقة زبالة

ینتظره ، فلمّا عدل مضی و ترکه.

قال عبدالله بن سلیم(1) والمنذر بن المشمعل(2)الأسدیّان: فعدلنا إلی

الراکب ، فسلمنا علیه ، فرد علینا، فقلنا: مم الرجل ؟

فقال : أسدیّ.

قلنا : ونحن أسدّیان ، فما الخبر؟

قال : الخبر إنّ مسلم بن عقیل وهانیء بن عروة قتلا ، ورأیتهما یجرّان فی

الأسواق.

فأتینا الحسین علیه السلام: فقلنا : إنّ عندنا خبراً ، فنظر إلی أصحابه ،

فقال : ما دون هؤلاء سرّاً.

قلنا : أرأیت الراکب الذی عدل عن الطریق ؟ إنّه أخبر بکذا وکذا. فقال : إنا لله وإنّا إلیه راجعون.

قلنا: ننشدک الله فی نفسک وهؤلاء الصبیة فإنّه لیس لک فی الکوفة ناصر قریب [ولا شیعة ، فنظر الحسین إلی بنی عقیل فقال لهم : ما ترون فقد قتل مسلم ؟ فبادر] (3) بنو عقیل فقالوا: قتل صاحبنا، وننصرف! إنّک والله لست کمثل مسلم، ولو قد نظر الناس إلیک ما عدلوا بک أحد، وإنّا والله لا نرجع حتی ندرک ثأرنا أو نذوق الموت کما ذاق أخونا، فنظر الحسین إلینا ، وقال : لا خیر فی

ص: 239


1- فی المقتل : سلیمان
2- کذا فی المقبل ، وفی الأصل : والمراد بن إسماعیل ، وفی وقعة الطف : والمذری بن المشمعل
3- من المقتل .

أبیات للحسین علیه السلام

الحیاة بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه یسیر لا محالة ، فقلنا: خار الله لک .(1)

وقیل : إنّ الخبر أتی الحسین بقتل مسلم فی زُبالة (2)، فعرف بذلک جماعة ممن تبعه ، فتفرق عنه أهل الأطماع والارتیاب ، وبقی معه أهله وخیار أصحابه .

قال : وارتجّ الموضع لقتل مسلم وسالت الدموع کل مسیل .(3)

ثمّ سار الحسین علیه السلام قاصداًلما دعاه الله إلیه ، فلقیه الفرزدق،

فسلّم علیه ودنا منه وقبّل یده ، فقال له الحسین : من أین أقبلت ؟

قال : من الکوفة. قال : کیف خلّفت الناس (4)؟

فقال الفرزدق : یا أبا عبدالله ، کیف ترکن إلی أهل الکوفة وهم الّذین قتلوا

ابن عمّک مسلم وشیعته ؟

فاستعبر الحسین علیه السلام باکیاً، ثمّ قال : رحم الله مسلماً، فقد صار إلی روح الله و ریحانه ، وجنته(5)ورضوانه ، قد قضی ما علیه وبقی ما علینا، ثمّ أنشأ یقول:

فإنّ تکن الدنیا تعدّ نفیسة

فإن ثواب الله أعلی وأنبلُ

ص: 240


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 228/1 - 229، وانظر : وقعة الطّف : 164.
2- زبالة : منزل معروف بطریق مکّة من الکوفة ، وهی قریة عامرة بها أسواق بین واقصة والثعلبیّة ... بعد القاع من الکوفة وقبل الشقوق فیها حصن وجامع لبنی غاضرة من بنی أسد. «معجم البلدان :129/3 ».
3- الملهوف علی قتلی الطفوف : 136.
4- فی المقتل : أهل الکوفة.
5- فی المقنل و الملهوف : وتحیته .

کتاب الحسین علیه السلام إلی سلیمان بن صرد والمسیب بن نجبة

ورفاعة بن شداد

وإن تکن الأرزاق قسماً مقدّراً

فقلّة سعی(1)، المرء فی الکسب (2)أجمل

وإن تکن الأموال للترک جمعها

فما بال متروک به المرء یبخل

وإن تکن الأجساد(3) للموت أُنشئت

فقتل امریء بالسیف فی الله أفضل قال : وکتب الحسین علیه السلام إلی سلیمان بن صرد والمسیّب بن نجبة ورفاعة بن شداد وجماعة من الشیعة بالکوفة ، وبعث به مع قیس بن مسهر الصیداوی .

فلمّا قارب دخول الکوفة اعترضه الحصین بن نمیر صاحب عبید الله بن زیاد لعنه الله لیفتّشه ، فأخرج الکتاب ومزّقه ، فحمله الحصین إلی ابن زیاد لعنه

فلما مثل بین یدیه ، قال : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شیعة علیّ بن أبی طالب وابنه الحسین علیه السلام. قال : فلماذا مزقت الکتاب ؟ قال : لئلّا تعلم ما فیه ؟ قال : وممّن الکتاب ؟ وإلی من؟

ص: 241


1- فی المقتل والملهوف: حرص.
2- فی المقتل : الرزق ، وفی الملهوف : السعی، وجاء فیهما هذا البیت ثالثأ
3- فی المقنل و الملهوف : الأبدان . وجاء فیهما هذا البیت ثانیة .

قال : من الحسین علیه السلام إلی جماعة من أهل الکوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زیاد وقال : والله لا تفارقنی حتّی تخبرنی بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتلعن الحسین وأباه وأخاه ، أو لأقطّعنّک (1)إربا إربا.

فقال : أمّا القوم فلا أخبرک بأسمائهم، وأمّا لعن الحسین وأبیه وأخیه

فأفعل.

فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنی علیه ، وصلّی علی النبیّ صلّی الله علیه و آله ، وأکثر من الترحم علی علی وولده علیهم السلام، ثم لعن عبید الله بن زیاد وأباه ، ولعن عتاة بنی أمیة عن أولهم وآخرهم.

ثمّ قال : (2)[أیّها الناس ]، أنا رسول الحسین بن علیّ علیه السلام إلیکم،

وقد خلّفته بموضع کذا فأجیبوه.

فأخبروا ابن زیاد بذلک ، فأمر بإلقائه من أعلی القصر ، فأُلقی من هناک

فمات رحمه الله.

وبلغ الحسین علیه السلام موته فاستعبر باکیاً، وقال : اللهم اجعل لنا

ولشیعتنا منزلاً کریماً، واجمع بیننا وبینهم فی مستقلاً من رحمتک (3)، إنّک علی کلّ شیء قدیر.

وروی أنّ هذا الکتاب کتب من الحاجز، وقیل غیر ذلک .(4)

ص: 242


1- فی الملهوف : وإلا قطعتک .
2- من الملهوف
3- فی الملهوف: مستقرّ رحمتک .
4- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 223/1 ، الملهوف علی قتلی الطفوف :134-136.

ارتحال الحسین علیه السلام عن ژبالة وخطبته فی الناس یخبرهم

باستشهاد مسلم وهانیء وقیس بن مسهر

وورد الخبر بقتل قیس علیّ الحسین علیه السلام وهو بزبالة، وکان قد تبعه خلق کثیر من المنازل الّتی کان یمرّ بها لأنّهم کانوا یظنّون استقامة الأمر له صلوات الله علیه.

فلمّا سار من زبالة قام فی الناس خطیباً ، فقال : إنّ أهل الکوفة وثبوا علی مسلم بن عقیل وهانی بن عروة فقتلوهما وقتلوا قیس بن مسهر، (1)فمن أحب منکم أن ینصرف فلینصرف من غیر حرج، لیس علیه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه وأخذوا یمیناً وشمالاً حتی بقی فی أصحابه الّذین جاءوا معه من المدینة(2)، وإنّما أراد أن یصحبه إنسان إلا علی بصیرة.

ثمّ سار علیه السلام حتی بقی علی مرحلتین من الکوفة ، فقال رجل من

القوم : الله أکبر.

فقال الحسین : ممّا کبّرت؟ قال : رأیت نخیل الکوفة. قال الأسدیّان : هذا مکان ما رأینا فیه نخلاً قطّ. قال الحسین علیه السلام : فما تریانه ؟ قالا : والله نری أسنّة (3)الرماح، و آذان الخیل. قال الحسین علیه السلام : وأنا أری ذلک ، فهل لنا ملجأ ؟

ص: 243


1- فی بعض المصادر : عبدالله بن بقطر (یقطر)، وهو أخو الحسین علیه السلام من الرضاعة.
2- فی المقتل : مکّة.
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : قال : ما تریان إلا أستة .

وصول الحسین علیه السلام إلی ذی ځم، والتقاء الحر بن یزید

الریاحی معه علیه السلام

قالا: بلی ، ذو خُسَم(1) إلی جنبک فمل إلیه عن یسارک ، فإن سبقت القوم

إلیه فهو کما ترید، فأخذ ذات الیسار، وطلعت الخیل ، فعدلوا إلیه و سبق الخیل إلی ذی حسم ، فنزل صلوات الله علیه فیه ، فجاء الحرّ بن یزید الریاحی فی الف رجل فوقفوا.

فقال الحسین علیه السلام لأصحابه : اسقوا القوم ومدّوهم ، فسقونم حتی

ارتووا وکانوا شاکّین فی السلاح.

فقال الحسین علیه السلام : من قائدکم ؟

فقالوا: الحرّ بن یزید الریاحی، فناداه الحسین ، وقال : یا حرّ، لنا أم

علینا ؟

فقال الحرّ: بل علیک. فقال الحسین علیه السلام : لا حول ولا قوّة إلا بالله العظیم.

قال : ودنت صلاة الظهر ، فقال الحسین للحجاج بن مسروق : أذَّن

یرحمک الله وأقم الصلاة حتی نصلّی.

قال : فأذّن ، فلمّا فرغ من أذانه صاح الحسین بالحرّ، فقال : أترید أن

تصلّی بأصحابک وأصلّی بأصحابی ؟

فقال الحرّ: بل أنت صل ونصلّی بصلاتک، فتقدّم الحسین علیه السلام وصلّی بالعسکرین جمیعاً ، فلمّا فرغ من صلاته وثب قائماً واتّکی علی قائم

ص: 244


1- اسم جبل ، کان النعمان یصطاد فیه ، وبینه وبین ذیب الهجانات إلی الکوفة ثلاث وثلاثون می .

کتاب عبیدالله بن زیاد إلی الحر بن یزید یأمره بالتضییق علی

الحسین علیه السلام

سیفه ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : أیّها الناس معذرة إلیّ وإلی(1) من حضر من المسلمین ، إنّی لم أقدم إلی هذا البلد حتی أتتنی کتبکم ، و قدمت علی رسلکم أن أقدم إلینا فإنّه لیس علینا إمام ، فلعلّ الله یجمعنا بک علی الهدی ، فإن کنتم علی عهدکم فقد جئتکم ، فإن تعطونی ما أطمئنّ إلیه وأثق به من عهودکم ومواثیقکم أدخل مصرکم معکم ، وإن لم تفعلوا وکنتم کارهین لقدومی انصرفت إلی المکان الّذی جئت منه ، والسلام.

فقال له الحرّ: أما والله ما ندری بهذه الکتب التی تقول . فقال: یا عقبة (2)بن سمعان ، أخرج الخرجین وأخرجها ، فنشر الکتب بین

یدیه .

.

فقال الحرّ: لسنا من هؤلاء وإذا بکتاب قد ورد من الکوفة من عبید الله بن زیاد إلی الحرّ:

أمّا بعد:

یا حرّ، فإذا أتاک کتابی فجعجع بالحسین ولا تفارقه حتی تأتینی به ، فإنّی قد أمرت رسولی أن یلازمک فلا یفارقک حتی تأتینی بإنفاذ أمری إلیک ، والسلام.

فلمّا قرأ الکتاب بعث إلی بقایة من أصحابه (3)فدعاهم، ثمّ قال : ویحکم قد ورد علیَّ کتاب هذا اللعین ابن زیاد یأمرنی أن أقدم علی الحسین بما یسوءه

ص: 245


1- فی المقتل : معذرة إلیکم أقدمها إلی الله وإلی .
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : عتبة .
3- فی المفتل : إلی ثقات أصحابه .

ولا والله لا تطاوعنی نفسی بذلک ولا تجیبنی.

قال : فالتفت إلیه رجل من أصحاب الحرّ یقال له أبو الشعثاء الکندی إلی

رسول ابن زیاد فقال له : فیما جئت ثکلتک أمّک؟

فقال : أطعت إمامی، ووفیت ببیعتی ، وجئت برسالة أمیری.

فقال له أبو الشعثاء : لعمری لقد عصیت ربّک ، وأطعت إمامک ، وأهلکت نفسک ، والتبست (1) عاراً، فبئس الإمام إمامک ، قال الله سبحانه :(2) (وَجَعَلنَاهُم أئِمَّةً یَدعُونَ إلَیِ النَّارِ وَیَومَ القِیَامَةِ لَا یُنصَرُونَ (3)

وقام الحسین علیه السلام علی قدمیه عند ذلک ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : أیّها الناس ، إنّا أهل بیت نبیّکم صلّی الله علیه و آله ، ونحن أولی بولایة هذا الأمر علیکم من هؤلاء المدّعین ما لیس لهم ، السائرین فیکم بالظلم والعدوان ، فإن تتقّوا و تعرفوا الحقّ لأهله فیکون ذلک رضی ، وإن کرهتمونا و جهلتم حقّنا، وکان رأیکم علی خلاف ما جاءت به کتبکم انصرفت عنکم.

فأجابه الحرّ بما أجابه ، وقال : أُمرنا إن لقیناک لا تفارقک حتی نقدم بک

علی الأمیر.

قال : فتبسّم الحسین صلوات الله علیه ، ثمّ قال : یا ابن یزید، أولا تعلم أنّ الموت أولی من ذلک ؟ ثمّ التفت الحسین إلی أصحابه وقال : احملوا النساء وارکبوا حتی ننظر ما) الّذی یقدر أن یصنع هذا وأصحابه .

ص: 246


1- فی المقتل : واکتسبت
2- سورة القصص: 41.
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : ماذا ؟

قال : فرکب أصحاب الحسین وساقوا النساء بین أیدیهم لینصرفوا إلی مکّة، فتقدّمت خیل أهل الکوفة حتی حالت بینهم وبین المسیر ، وضرب الحسین بیده إلی سیفه ، وقال : یا ابن یزید، ثکلتک أمّک ، ما الذی ترید أن تصنع ؟

فقال الحرّ: أما والله یا حسین ، لو قالها أحد من العرب غیرک لرددتها علیه کائناً من کان ، ولکن والله مالی إلی ذکر أمّک من سبیل ، غیر انّی لا بد أن أنطلق بک إلی ابن زیاد.

فقال الحسین علیه السلام : أما والله لا أتبعک أو تذهب نفسی. فقال الحر: إذاً والله لا أفارقک أو تذهب نفسی ونفس أصحابی .

قال الحسین علیه السلام : فذر أصحابک وأصحابی وابرز إلی ، فإن

قتلتنی حملت رأسی إلی ابن زیاد ، وإن قتلتک أرحت الخلق منک.

فقال الحرّ: إنّی لم أؤمر بقتالک ، وإنّما أمرت أن لا أُفارقک أو أقدم بک علی ابن زیاد، وأنا کاره والله أن أبتلی بشیءٍ من أمرک ، غیر أنّی أخذت بیعة القوم وخرجت إلیک ، وأنا أعلم أنّه ما یوافی أحد من هذه الأمّة یوم القیامة إلِّا وهو یرجو شفاعة جدّک ، وأنا خائف إن قاتلتک أن أخسر الدنیا والآخرة، لکن یا أبا عبد الله ، لا أقدر علی الرجوع إلی الکوفة فی وقتی هذا، فخذ فی غیر الطریق وامض حیث شئت حتی أکتب إلی ابن زیاد انّ الحسین خالفنی الطریق فلم أقدر علیه ، وأنا أنشدک الله فی نفسک.

فقال : یا حرّ ، کأنّک تخبرنی أنّی مقتول . قال الحرّ: نعم یا أبا عبد الله ، ما أشکّ فی ذلک إلّا أن ترجع من حیث

ص: 247

جئت.

فقال الحسین علیه السلام : لا أدری ما أقول لک، ولکن أقول کما قال خوالأوس لابن عمّ له لقیه وهو یرید نصر رسول الله صلّی الله علیه و آله فقال :

أین تذهب أنّک مقتول ؟

فقال : سأمضی وما بالموت عار علی الفتی

إذا مانوی حقّاً وجاهد مسلما

وواسی الرجال الصالحین بنفسه

وفارق مذموماً وخالف مجرماً

أقدم نفسی لا أرید بقاءها

التلقی خمیساً فی الوغی(1)وعرمرما

ف إن عشت لم أُذمم

وإن مت لم ألم کفی بک ذلّاً أن

تعیش فترغما ثمّ أقبل الحسین علیه السلام علی أصحابه ، وقال : هل فیکم أحد

یعرف (2)الطریق علی غیر الجادة ؟

فقال الطرمّاح (3) : نعم ، یا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطریق. فقال الحسین علیه السلام : سر بین أیدینا ، فسار الطرماح واتّبعه الحسین

ص: 248


1- فی المقتل : النزال .
2- فی المقتل : یخبر
3- هو الطرماح بن عدی الطائی .

أرجاز للطرماح

صلوات الله علیه وأصحابه ، وجعل الطرمّاح یرتجز [ویقول] (1)

یا ناقتی لا تجزعی(2)من زجر وامضی بنا قبل طلوع الفجر بخیر فتیان وخیر سفر آل رسول الله آل (3) الفخر السادة البیض الوجوه الزهر(4) الطاعنین بالرماح السمر الضاربین بالسیوف (5) البتر حتی تحلّی بکریم النجر(6)الماجد الجدّ(7) الرحیب الصدر أتی به(8)الله لخسیر أمر(9)

عمّره الله بقاء الدهر یامالک النفع معاً والضرَّ أیّد حسیناً، سیّدی بالنصر علی الطغاة من بقایا الکفر علی اللعینین سلیلی صخر یزید لا زال حلیف الخمر

وابن زیاد العهر و ابن العهر(10)

ص: 249


1- من البحار
2- فی المقتل والبحار : لا تذعری
3- فی المقتل : أهل
4- فی المقتل : الغر.
5- فی المقتل : بالصفاح .
6- فی البحار : الفخر
7- فی المقتل : الحر.
8- فی البحار : أثابه .
9- بقیّة الأرجاز فی المقنل هکذا : عمّره الله بقاء الدهر و زاده من طیّبات الذکر یا مالک النفع معاً والضرَّ أیّد حسیناً سیّدی بالنصر علی الطغاة من بقایا الکفر علی اللعینین سلیلی صخر وابن زیاد العاهر ابن العهر فأنت یا ربّ به ذو البر وما فی واقعة الطف یختلف عن المتن والمقتل.
10- من قوله : «ثمّ أقبل الحسین علیه السلام» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار 387/44 - 379 عن کتابنا هذا. وکذا فی عوالم العلوم: 229/17 .

نزول الحسین علیه السلام عذیب الهجانات

قال : وأصبح الحسین علیه السلام من وراء عذیب الهجانات(1) وإذا بالحرّ قد ظهر له(2)أیضا فی جیشه، فقصد الحسین ، فقال : ما وراءک ، یابن یزید ؟ ألیس أمرتنا أن نأخذ علی غیر الطریق فأخذنا وقبلنا مشورتک ؟

فقال : صدقت، ولکن هذا کتاب ابن زیاد ورد علیَّ یؤنّبنی ویضعفّنی فی

أمرک.

قال الحسین : فذرنا ننزل بقریة نینوی أو الغاضریّة ؟

فقال الحرّ: والله ما أستطیع ذلک ، هذا رسول ابن زیاد معی، وإنّما بعثه

عیناً علیَّ.

فأقبل زهیر بن القین علی الحسین ، فقال : یابن رسول الله ، ذرنا نقاتل

هؤلاء القوم فإنّ قتالنا إیاهم الساعة أهون علینا من قتال من یأتینا بعدهم.

فقال الحسین علیه السلام : صدقت یا زهیر ، ولکن ما کنت بالّذی أبدأهم

بالقتال حتی یبدأونی.

فقال زهیر : سربنا حتی ننزل کربلاء فإنّها [علی] (3) شاطیء الفرات

فنکون هناک ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنّا علیهم بالله .

قال : فدمعت عینا الحسین علیه السلام ، وقال : اللّهمّ إنّی أعوذ بک من

ص: 250


1- عذیب الهجانات قریب من عذیب القوادس، وعذیب القوادس ماء بین القادسیة والمغیثة ، بینه وبین القادسیة أربعة أمیال ، وقیل غیر ذلک . «معجم البلدان : 92/4» .
2- فی المقتل : عارضه .
3- من المقتل .

الکرب والبلاء، ونزل الحسین فی موضعه ونزل الحرّ حذاءه (1)

وقام إلی الحسین رجل من شیعته یقال له هلال بن نافع الجملی؟(2)، فقال : یا ابن رسول الله ، ألست تعلم أنّ جدّک رسول الله صلّی الله علیه وآله لم یقدر أن یشرب الناس محبّته ، ولا أن یرجعوا من أمره إلی ما یحبّ(3)، وقد کان

[منهم ](4) منافقون یعدونه النصر ویضمرون له الغدر ، ویلقونه بأحلی من العسل،

ویخلفونه بأمر من الحنظل حتی قبضه الله تعالی إلیه ، وأنّ أباک أمیر المؤمنین علیه السلام کان فی مثل ذلک ، فقوم اجتمعوا علی نصره وقاتلوا معه الناکثین والقاسطین والمارقین [ وقوم قعدوا عنه وخذلوه](5)حتی آتاه الله أجله فمضی إلی رحمة الله ورضوانه ، وأنت الیوم عندنا فی مثل تلک الحالة ، فمن نکث عهده وخلع بیعته فلن یضرّ إلاّ نفسه ، والله تعالی مغن عنه ، فسربنا معافی راشداً إن شئت مشرقاً و مغرباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا کرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا علی نیّاتنا وبصائرنا ، نوالی من والاک ، ونعادی من عاداک .

ثمّ وثب إلیه رجل من شیعته یقال له بریر بن خضیر الهمدانی ، فقال : والله یا ابن رسول الله ، لقد منّ الله تعالی بک علینا أن نقاتل بین یدیک ، وتقطّع

[فیک ](6) أعضاؤنا ، ثمّ یکون جدّک صلّی الله علیه و آله شفیعاً لنا یوم القیامة ، لا أفلح قوم ضیعّوا ابن [بنت] (7) نبیّهم، أفّ لهم غداً ما یلاقون، ینادون بالویل والثبور فی نار جهنّم .

ص: 251


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 229/1 -234. وانظر: وقعة الطفّ :167-173.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : البجلی
3- فی المقتل : ما کان أحبّ.
4- من المقتل .
5- من المقتل .
6- من المقتل .
7- من المقتل .

نزول الحسین علیه السلام کربلاء

قال : فجمع الحسین علیه السلام ولده وإخوته وأهل بیته بین یدیه ، ثم نظر إلیهم، فبکی ساعة، ثمّ قال : اللّهمّ إنّا عترة نبیّک صلّی الله علیه و آله وقد أُخرجنا وطردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا ، و تعدّت بنو أمیة علینا ، فخُذلنا بحقّنا، وانصرنا علی القوم الظالمین.

ثمّ نادی علیه السلام بأصحابه ورحل من موضعه (1)حتی نزل کربلاء فی یوم الأربعاء أو الخمیس، وذلک فی الیوم الثانی من المحرم سنة إحدی وستین ، ثمّ أقبل علی أصحابه ، فقال : الناس عبید الدنیا ، والدین لعق علی ألسنتهم یحوطونه ما درّت(2)معایشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الدیّانون.

ثمّ قال : أهذه کربلاء (3)؟ فقالوا: نعم.

فقال : هذا موضع کرب و بلا ، هاهنا مناخ رکابنا و محطّ رحالنا، ومقتل

رجالنا، ومسفک دمائنا(4)

فنزل القوم وحطّوا أثقالهم ناحیة من الفرات، وضربت خیمة الحسین الأهله وبنیه وبناته ، وضرب إخوته وبنو عمّه خیامهم حول خیمته ، وجلس

ص: 252


1- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : ودخل موضعه.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : ما دارت.
3- فی «ح» وردت هذه الأبیات : وجدّ السری یطوی الفیافی إلی أن أتی فی سیره أرض کربلا فلم ینبعث مهر الحسین بخطوه فقال الله یا صحب ما هذه الفلا فقالوا تسمّی کربلا قال هوّنوا مسیر کم یاقوم قد نزل البلا
4- انظر : الفتوح لابن أعثم:149/5، مطالب السؤول : 36/2 ،نظم درر السمطین :216أمالی الصدوق: 132، تیسیر المطالب : 92، المناقب لابن شهر آشوب :97/4 ، مثبر. الأحزان : 49، کشف الغمة : 47/4 . البحار :315/44.

أبیات للحسین علیه السلام

الحسین علیه السلام یصلح سیفه ومعه جون مولی أبی ذرّ العفّاری، فأنشأ الحسین یقول : یادهر أفٍّ لک من خلیل کسم لک بالإشراق والأصیلِ من طالب بحقّه قتیل (1)والدهر

لا یقنع بالبدیل وکلّ حئًّ سالک سبیلِ ما أقرب الوعد من الرحیلِ وإنّما الأمر إلی الجلیل [سبحانه جلّ عن المثیل] (2)

فسمعت بذلک أُخت الحسین زینب وأمّ کلثوم ، فقالت : یا أخی ، هذا کلام

من أیقن بالموت.

فقال : نعم ، یا أُختاه ، لو ترک القطا لغفا ونام.

فقالت زینب : واثکلاه لیت الموت أعدمنی الحیاة ، مات جدّی رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ومات أبی علیّ ، وماتت أمّی فاطمة ، ومات أخی الحسن، والآن ینعی إلیَّ أخی الحسین نفسه.

قال : وبکت النسوة ، ولطمن الخدود ، و شققن الجیوب ، وجعلت أمّ کلثوم تنادی(3): وامحمّداه ، واعلیّاه ، وااُمّاه ، وأحسناه ، واحسیناه ، واضیعتاه ، یا أبا

عبدالله .

فعزّاها الحسین وصبّرها ، وقال : یا أُختاه ، تعزّی بعزاء الله ، وارضی بقضاء الله ، فإن سکّان السماء یفنون(4) وأهل الأرض یموتون، (کِلُّ شَیءٍ

ص: 253


1- فی المقتل : من صاحبٍ وطالبٍ قتیل .
2- من المقتل.
3- فی المقتل : وجعلت أخته تنادی.
4- فی المقتل : فإن أهل السماء یفوتون .

کتاب ابن زیاد إلی الحسین علیه السلام

هَالِکُ إلَّا وَجهَهُ )(1)

یا أُختاه ، کان أبی وجدّی وأخی وأمّی أفضل منّی وقد ذاقوا الموت،

وصاروا تحت الثری ، وانّ لی ولهم ولکلّ مؤمن أسوة برسول الله.

وعزّاها الحسین : یا أُختاه یا أمّ کلثوم ویا زینب و یا فاطمة ، انظرن إذا

قتلتُ فلا تشققن علیَّ جیباً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تقلن هجراً.

وقال الطرمّاح بن عدیّ : الوجه عندی فی ذلک یا ابن رسول الله أن ترکب معی جمازة فإنّی[ أبلغ ] بک اللیلة قبل الصباح أحیاء طی، وأسوّی لک أمورک ، وأُقیم بین یدیک خمسة آلاف مقاتل یقاتلون عنک.

فقال الحسین علیه السلام : لیس من مروّة الرجل أن ینجو بنفسه ویهلک

أهله وعیاله.

فقال له أصحابه : إنّ هؤلاء إذا لم یجدوک لم یفعلوا بالعیال مکروهاً ، فلم

یلتفت إلی قولهم ، وجزی الطرمّاح خیراً.

وأقبل الحرّحتی نزل بإزاء الحسین بکربلاء وکتب ابن زیاد إلی الحسین علیه السلام :

أمّا بعد :

یا حسین ، فقد بلغنی نزولک بکربلاء ، وقد کتب إلیّ أمیر المؤمنین یزید آن لا أتوسّد الوثیر ، ولا أشبع من الخمیر ، أو ألحقک باللطیف الخبیر ، أو ترجع إلی حکمی وحکم یزید.

(2)

ص: 254


1- سورة القصص: 88.
2- من المقتل.

ابن زیاد یأمر عمر بن سعد بتولی قتال الحسین علیه السلام

فلمّا ورد کتابه علی الحسین علیه السلام وقرأه رماه من یده ، وقال : لا

أفلح قوم شروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.

فقال له الرسول : الجواب یا أبا عبد الله ..

فقال له : ماله عندی جواب، لأنّه قد حقّت علیه کلمة العذاب ، فرجع الرسول إلی ابن زیاد ، فخبّره بذلک ، فغضب عدوّ الله أشدّ الغضب، ثمّ جمع أصحابه وقال : من منکم یتولّی قتال الحسین أتولّی به(1)أیّ بلد شاء ؟ فلم یجبه أحد، والتفت إلی عمر بن سعد بن أبی وقّاص وقد کان قبل ذلک بأیّام قد عقد له عهداً وولّاه الریّ وتستر ، وأمره بحرب الدیلم فأراد أن یخرج إلیها ، فلمّا کان ذلک أقبل علیه ابن زیاد ، فقال : أرید أن تمضی إلی حرب الحسین فإذا نحن فرغنا من أمره سرتَ إلی عملک.

فقال عمر بن سعد: أیّها الأمیر ، إن رأیت أن تعفینی عن قتال الحسین

منعماً علیَّ

فقال ابن زیاد : فإنّا قد أعفیناک ، فاردد علینا عهدنا الّذی کتبناه لک

واجلس فی منزلک حتی نبعث غیرک.

فقال عمر: فأمهلنی الیوم حتی أنظر فی أمری. قال : قد أمهلتک .

قال : فانصرف عمر بن سعد إلی منزله لیستشیر إخوانه ومن یثق به ، فلا یشیر علیه أحد بذلک غیر أنّهم یقولون : آثر الله واتّق ربّک ولا تفعل ، وأقبل إلیه حمزة بن المغیرة بن شعبة وهو ابن أُخته ، فقال : أنشدک الله یا خال أن تسیر إلی

ص: 255


1- فی المقتل : بولایة .

مسیر عمر بن سعد نحو الحسین علیه السلام

[قتال ](1)الحسین فإنّک تأثم بذلک وتقطع رحمک ، فوالله لئن خرجت من

سلطان الأرض کلّها هو خیر لک من أن تلقی الله بدم الحسین.

قال : فسکت عمر وفی قلبه من الری ما فیه(2) ، فلما أصبح أقبل علی ابن

زیاد، فقال له : ما عندک یا عمر؟

فقال : أیّها الأمیر ، إنک ولیتنی هذا بعمل ، وقد تسامع الناس به ، فإن رأیت أن تفسده لی و تولّی غیری فافعل ، فإنّ فی الکوفة أسماء بن خارجة ، وکثیر بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث، وغیرهم .

فقال له ابن زیاد : لا تعلّمنی بأشراف الکوفة ، فإنّی لا أستأمرک فیمن أرید أن أبعث ، فإن سرت أنت فرّجت عنّا هذه الغمّة ، وأنت الحبیب القریب ، وإلّا فاردد علینا عملنا(3) والزم منزلک فإنّا لا نکرهک.

قال : فسکت عمر، وغضب ابن زیاد ، وقال : یا ابن سعد، والله لئن لم تمض إلی حرب الحسین(4) وتتولّاه لأضربنّ عنقک ، ولأهدمنّ دارک ، ولأنهبنّ مالک [ ولا أُبقی علیک ](5) کائناً ما کان.

فقال : إذا فأنا سائر إلیه غداً، فجزاه ابن زیاد خیراً، ووصله وأعطاه ، وضمّ إلیه أربعة آلاف فارس ، وقال له : خذ بکظم الحسین، وحل بینه وبین ماء الفرات أن یشرب منه ، ثمّ سار عمر بن سعد فی أربعة آلاف نحو الحسین ، وکان

ص: 256


1- من المقتل .
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : ما فی قلبه
3- فی المقتل : عهدنا
4- فی المقتل : لم تسر إلی الحسین .
5- من المقتل .

مجیء رسول ابن سعد إلی الحسین علیه السلام

[الحر ](1) عنده ألف فذلک خمسة آلاف، ثمّ دعا عمر بن سعد برجل من أصحابه یقال له عروة بن قیس ، فقال له : امض إلی الحسین فاسأله ما الذی جاء به إلی هذا الموضع؟ وما الّذی أخرجه من مکّة ؟

فقال عروة : أیّها الأمیر ، إنّی کنت قبل الیوم أکاتب الحسین ویکاتبنی ،

وأنا أستحی أن أصیر إلیه ، فإنّ رأیت أن تبعث غیری ، فبعث ابن سعد برجل یقال له کثیر بن عبدالله الشعبی(2)، وکان ملعوناً ناصبیّاً شدید العداوة لأهل البیت علیهم السلام فسلّ سیفه ، فلمّا رأی أبو ثمامة الصائدی(3)قال للحسین : یا ابن رسول الله ، قد جاءک شر الناس وأجرأهم علی سفک الدماء.

قال : فقام الحسین وقال له : ضع سیفک حتی نکلّمک فقال : لا ولا کرامة ،

إنّما أنا رسول فإنّ سمعتَ منّی بلّغتُ ما أُرسلتُ به ، وإن أبیتَ انصرفتُ.

فقال له أبو ثمامة : تکلّم بما ترید ولا تدن من الحسین فإنّک رجل فاسق ، فغضب ورجع إلی ابن سعد ، وقال : إنّهم لم یترکونی أن أدنو من الحسین فأُبلّغه رسالتک فابعث غیری ، فأرسل إلیه برجل یقال له قرة بن قیس الحنظلی ، فلما أشرف علی عسکر الحسین قال الحسین لأصحابه : هل تعرفون الرجل ؟

فقال حبیب بن مظاهر: نعم، یا ابن رسول الله ، هذا رجل من بنی تمیم ثمّ من بنی حنظلة ، وقد(4) کنت أعرفه حسن الرأی ، وما ظننت أنّه یشهد هذا المشهد، ثمّ تقدّم الحنظلی حتی وقف بین یدی الحسین علیه السلام وأبلغه

ص: 257


1- من المقتل.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : یقال غبلان بن عبدالله السبیعی .
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : الصیداوی.
4- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : هذا رجل من تمیم وقد .

کتاب ابن سعد إلی ابن زیاد

رسالة عمر بن سعد .

فقال الحسین علیه السلام: یا هذا، أبلغ صاحبک انّی لم أرد هذا البلد ،

ولکن کتب إلیّ أهله أن آتیهم یبایعونی ویمنعونی وینصرونی ، فإن کرهتمونی انصرفت عنکم من حیث جئتُ.

ثمّ وثب إلیه حبیب بن مظاهر ، وقال : ویحک یا قرّة ، عهدی بک وأنت حسن الرأی فی أهل البیت، فما الذی غیّرک حتی جئتنا بهذه الرسالة ، فأقم عندنا وانصر هذا الرجل الّذی قد أتانا الله به؟

فقال الحنظلی : سمعت مقالتک ، وهو أحقّ بالنصر من غیره ، ولکنی أرجع إلی صاحبی بالرسالة وأنظر فی ذلک ، ثمّ انصرف وأخبر ابن سعد بمقالة الحسین.

فقال ابن سعد : الحمدلله ، والله إنّی لا أرجو أن یعافینی الله من حربه ، ثمّ

کتب إلی ابن زیاد :

إلی الأمیر عبیدالله بن زیاد من عمر بن سعد.

أمّا بعد:

فإنّی نزلت بالحسین ، ثمّ بعثت إلیه رسولاً وسألته عمّا أقدمه ، فذکر انّ أهل الکوفة أرسلوا یسألونه القدوم علیهم لیبایعوه وینصروه ، فإذا قد بدا لهم فی نصرته فإنه ینصرف من حیث أتی ویلحق بیزید بن معاویة ، أو یلحق بأیّ بلد أردت فیکون کواحد من المسلمین، فأحببت أن أعلم الأمیر بذلک.

فلمّا قرأ ابن زیاد کتاب عمر فکّر ساعة ، ثمّ قال : الآن وقد علقت مخالیبنا یرجو ابن أبی تراب النجاة منها، هیهات لانجیّ الله ابن زیاد إن نجا منها

ص: 258

کتاب ابن زیاد إلی ابن سعد، وخطبته فی جامع الکوفة

الحسین ، ثمّ کتب إلی ابن سعد:

أمّا بعد :

فقد بلغنی کتابک وما ذکرت من أمر الحسین ، فإذا ورد علیک کتابی هذا فأعرض علیه البیعة لیزید، فإن فعل وأجاب إلی البیعة وإلّا فائتنی به ، والسلام.

فلما ورد الکتاب علی ابن سعد قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون، أخاف أنّ ابن زیاد لا یقبل العافیة ، والله المستعان ، فلم یعرض ابن سعد علی الحسین ما أرسل به ابن زیاد لأنّه علم أنّ الحسین لا یبایع یزید أبداً.(1)

قال : ثمّ جمع ابن زیاد الناس فی جامع الکوفة ، ثمّ خرج فصعد المنبر ، ثمّ قال : أیّها الناس ، إنّکم بلوتم آل أبی سفیان فوجدتموهم کما تحبّون ، وهذا أمیر المؤمنین یزید قد عرفتموه حسن السیرة، محمود الطریقة، محسناً إلی الرعیة ، یعطی العطاء فی حقّه ، قد أمنت السبل علی عهده، وکذلک کان أبوه معاویة فی عصره، وهذا ابنه یزید من بعده یکرم العباد، ویغنیهم بالأموال ویکرمهم ، وقد زادکم فی أرزاقکم مائة مائة ، وأمرنی أن أوفّرها علیکم وأخرجکم إلی حرب عدوه الحسین ، فاسمعوا له وأطیعوا.

ثمّ نزل عن المنبر ووفّر للناس العطاء، وأمرهم أن یخرجوا إلی حرب الحسین علیه السلام، ویکونوا عوناً لابن سعد علی حربه ، فأوّل من خرج شمر بن ذی الجوشن فی أربعة آلاف، فصار ابن سعد فی تسعة آلاف، ثمّ أتبعه بیزید بن رکاب الکلبی فی ألفین ، و الحصین بن نمیر السکونی فی أربعة آلاف، وفلان المازنی فی ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان فی ألفین ، فذلک عشرون ألفاً.

ص: 259


1- فی المقتل : لا یجیبه إلی ذلک أبدأ .

کتاب ابن زیاد إلی شبث بن ربعی

ثمّ أرسل إلی شبث بن ربعی أن أقبل إلینا فإنّا نرید أن نوجه بک إلی حرب

الحسین ، فتمارض شبث وأراد أن یعفیه ابن زیاد، فأرسل إلیه :

أمّا بعد:

فإنّ رسولی خبّرنی بتمارضک ، وأخاف أن تکون من الّذین إذا لقوا الّذین آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلی شیاطینهم قالوا إنّا معکم إنّما نحن مستهزءون(1) إن کنت فی طاعتنا فأقبل إلینا مسرعاً، فأقبل إلیه شبث بعد العشاء لئلّا ینظر الملعون إلی وجهه فلا یری علیه أثر العلّة ، فلمّا دخل رحّب به و قرّب مجلسه ، وقال : أحبّ أن تشخص إلی قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد علیه.

فقال : أفعل أیّها الأمیر (2)

فما زال یرسل إلیه بالعساکر حتی تکامل عنده ثلاثون ألفاً ما بین فارس وراجل، ثمّ کتب إلیه ابن زیاد : إنّی لم أجعل لک علّة فی کثرة الخیل والرجال ، فانظر لا أُصبح ولا أُمسی إلا وخبرک عندی غدوة وعشیّة، وکان ابن زیاد یستحثّ عمر بن سعد علی قتال الحسین علیه السلام، وعمر بن سعد یکره ذلک(3)

قال : والتأمت العساکر عند عمر بن سعد لستّة أیّام مضین من المحرم (4)وأقبل حبیب بن مظاهر إلی الحسین علیه السلام ، فقال : یا ابن رسول الله ، هاهنا

ص: 260


1- إشارة إلی الآیة : 14 من سورة البقرة.
2- کذا فی خل الأصل والمقتل ، وفی الأصل : الرجل
3- فی المقتل : یکره أن یکون قتل الحسین یده .
4- فی البحار : وکان ابن زیاد یستحت عمر بن سعد لستة أیام مضین من المحرّم.

توجه حبیب بن مظاهر إلی بنی أسد یحثهم علی نصرة الحسین

علیه السلام

حیّ من بنی أسد بالقرب منّا أفتأذن لی بالمصیر إلیهم [ اللیلة](1) فأدعوهم إلی نصرتک، فعسی الله أن یدفع بهم الأذی عنک ؟

قال : قد آذنت لک ، فخرج حبیب إلیهم فی جوف اللیل مستنکراً مستعجلاً

حتی أتی إلیهم فعرفوه أنّه من بنی أسد، فقالوا: ما حاجتک ، یا ابن عمّنا؟

فقال : إنّی قد أتیتکم بخیر ما أتی به وافد إلی قوم، أتیتکم أدعوکم إلی نصرة ابن بنت نبیکم فإنه فی عصابة من المؤمنین ، الرجل منهم خیر من ألف رجل، لن یخذلوه، ولن یستمره بید أعدائه (2)، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به ، وأنتم قومی وعشیرتی، وقد أتیتکم بهذه النصیحة ، فأطیعونی الیوم فی نصرته تنالوا بها شرف الدنیا والآخرة (3)، فإنّی أُقسم بالله لا یقتل أحد منکم فی سبیل الله مع ابن بنت رسول الله صابراً محتسباً إلّا کان رفیقاً لمحمد صلّی الله علیه و آله فی علّیّین.

قال : فوثب إلیه رجل من بنی أسد یقال له عبدالله بن بشر ، فقال : أنا أوّل

من یجیب إلی هذه الدعوة، ثمّ جعل یرتجز [ویقول ](4) قد علم القوم إذا تواکلوا(5)وأحجم الفرسان أو تثاقلوا(6)أنّی شجاع بطل مقاتل (7) کأنّنی لیث عسرین باسل

ص: 261


1- من المقتل
2- فی البحار : ولن یسلّموه أبدأ .
3- فی المقتل : وحسن ثواب الآخرة .
4- من البحار.
5- فی المقتل : تناکلوا.
6- فی المقتل : إذ تناضلوا.
7- فی المقتل : إنّی الشجاع البطل المقاتل .

ثمّ تنادی (1)رجال الحیّ حتی التأم(2)، منهم تسعون رجلاً فأقبلوا یریدون الحسین علیه السلام، وخرج رجل فی ذلک الوقت من الحیّ یقال له [فلان ](3) ابن عمرو حتی صار إلی عمر بن سعد فأخبره بالحال ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه یقال له الأزرق الشامی - وهو الّذی قتله و بنیه قاسم بن الحسن علیه السلام واحدأ بعد واحد -، فضمّ إلیه أربعمائة فارس ووجّه [به](4) نحو حیّ بنی أسد، فبینا أولئک القوم قد أقبلوا یریدون عسکر الحسین علیه السلام فی جوف اللیل إذ استقبلتهم خیل ابن سعد علی شاطیء الفرات، وبینهم وبین عسکر الحسین النهر (5) فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالاً شدیداً، وصاح حبیب بن مظاهر بالأزرق : ویلک مالک ومالنا ؟ انصرف عنّا ودعنا پیشقی بنا غیرک (6) ، فأبی الأزرق أن یرجع، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعین إلی حیّهم ، ثمّ إنّهم ارتحلوا فی جوف اللیل خوفاً من ابن سعد أن یبیّتهم، ورجع حبیب بن مظاهر إلی الحسین علیه السلام فخبره بذلک.

فقال علیه السلام: لا حول ولا قوّة إلّا بالله .

قال : ورجعت خیل ابن سعد حتی نزلوا علی شاطیء الفرات ، فحالوا بین الحسین وأصحابه و بین الماء ، وأضرّ العطش بالحسین وأصحابه ، فأخذ الحسین

ص: 262


1- فی المقتل : بادر ، وفی البحار : تبادر .
2- اجتمع - خ ل -
3- من المقتل.
4- من المقتل.
5- کذا فی المقتل والبحار ، وفی الأصل : النهر .
6- فی المقتل : دعنا واشق بغیرنا.

معجزة للحسین علیه السلام باستخراج الماء العذب بعد أن أضر به

وبأصحابه العطش

اله

علیه السلام فأساً وجاء إلی وراء خیمة النساء فخطا فی (1)الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ، ثمّ حفر هناک ، فنبعت له عین من الماء العذب ، فشرب الحسین علیه السلام وشرب الناس بأجمعهم وملؤا أسقیتهم ، ثمّ غارت العین ، فلم یر لها أثر .(2)

وبلغ ذلک ابن زیاد ، فأرسل إلی عمر بن سعد : بلغنی أنّ الحسین یحفر الآبار، ویصیب الماء، فیشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد علیک کتابی فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضیّق علیهم ، ولا تدعهم یذوقوا الماء، وافعل بهم کما فعلوا بالزکیّ عثمان.

فعندها ضیّق علیهم عمر بن سعد غایة التضییق .

ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبیدی فضمّ إلیه خیلاً عظیمة ، وأمره أن ینزل

علی الشریعة التی [هی](3)حذاء عسکر الحسین.

قال : فنزلوا علی الشریعة ، فلمّا اشتدّ العطش بالحسین دعا بأخیه العبّاس بن علیّ فضمّ إلیه ثلاثین فارساً وعشرین راجلاً وبعث معه عشرین قربة ، فأقبلوا فی جوف اللیل حتی دنوا من الفرات.

فقال عمرو بن الحجّاج : من أنتم ؟

فقال رجل من أصحاب الحسین علیه السلام یقال له هلال بن نافع الجملی (4) أنا ابن عمّ لک من أصحاب الحسین ، جئت أشرب من هذا الماء الّذی

ص: 263


1- فی المقتل : علی.
2- انظر أیضاً: مناقب ابن شهر اشوب : 50/4 عنه مدینة المعاجز : 3/ 494 ح 1007.
3- من المقتل.
4- کذا فی المقتل ، و فی الأصل والبحار : البجلی .

إلتقاء الامام الحسین علیه السلام بعمر بن سعد

منعتمونا إیّاه(1)

فقال عمرو : اشرب هنیئاً.

فقال هلال: ویحک کیف تأمرنی أن أشرب و الحسین بن علیّ ومن معه

یموتون عطشاً ؟؟

فقال عمرو : صدقت ، ولکن أُمرنا بأمر لا بدّ أن ننتهی إلیه ، فصاح هلال

بأصحابه ، فدخلوا الفرات، وصاح عمرو بالناس ، فاقتتلوا علی الماء قتا لاًشدیداً ، فکان قوم یقاتلون وقوم یملأون [ القرب ](2) حتی ملؤها ،[قتل من أصحاب عمرو بن الحجاج جماعة] (3) ولم یقتل من أصحاب الحسین أحد، ثمّ رجع القوم إلی معسکرهم ، فشرب الحسین ومن کان معه ، ولهذا (4)سمّی العبّاس علیه السلام السقّاء.

ثمّ أرسل الحسین علیه السلام إلی عمر بن سعد لعنه الله : إنّی أرید أن اکلّمک فالقنی اللیلة بین عسکری وعسکرک، فخرج إلیه ابن سعد فی عشرین وخرج إلیه الحسین فی مثل ذلک ، فلمّا التقیا أمر الحسین علیه السلام أصحابه فتنوا عنه ، فبقی معه أخوه العبّاس وابنه علیّ الأکبر ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقی معه ابنه حفص وغلام له.

فقال له الحسین علیه السلام : ویلک یا ابن سعد، أما تتقّی الله الّذی إلیه معادک ؟ أتقاتلنی وأنا ابن من علمت ؟ ذر هؤلاء القوم وکن معی فإنّه أقرب لک إلی الله تعالی .

ص: 264


1- فی المقاتل : عنه .
2- من المقتل.
3- من المقتل.
4- فی البحار : ولذلک .

کتاب ابن زیاد إلی ابن سعد یأمره بقتل الحسین علیه السلام

أن الحسین علیه السلام رأی فی منامه کأن کلابا قد شدت علیه

لا إلی العراق

فقال عمر بن سعد : أخاف أن تهدم داری. فقال الحسین علیه السلام : أنا أبنیها لک. فقال : أخاف أن تؤخذ ضیعتی. فقال الحسین علیه السلام: أنا أخلف علیک خیراً منها من مالی بالحجاز . فقال : لی عیالی(1) وأخاف علیهم.

[فقال : أنا أضمن سلامتهم.

قال : ](2)ثمّ سکت ولم یجبه إلی شیء ، فانصرف عنه الحسین علیه السلام وهو یقول : مالک ذبحک الله علی فراشک عاجلاً، ولا غفر لک یوم حشرک ؟ فوالله إنّی لا أرجو أن تأکل من برّ العراق إلّا یسیراً.

فقال ابن النحس سعد: فی الشعیر کفایة عن البرّ - مستهزئاً بذلک القول (3)-، ثمّ رجع ابن سعد إلی معسکره، وإذا کتاب ابن زیاد قد ورد علیه یؤنّبه ویضعّفه ویقول : ما هذه المطاولة ؟ انظر إن بایع الحسین وأصحابه فابعث بهم إلیّ سالمین ، وإن أبوا فازحف إلیهم حتی تقتلهم وتمثّل بهم فإنّهم لذلک مستحقّون ، فإذا قتلت الحسین فأوطیء الخیل ظهره وبطنه ، فإنّه عاقّ شاقّ، فإذا فعلت ذلک جزیناک جزاء السامع المطیع ، وإن أبیت ذلک فاعتزل خیلنا وجندنا وسلّم الجند والعسکر إلی شمر بن ذی الجوشن فإنّه أحزم منک أمراً، وأمضی عزیمة .

ص: 265


1- فی المقتل والبحار : عیال .
2- من المقتل
3- من قوله : «فلم یعرض ابن سعد» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :385/44 - 389 عن کتابنا هذا. وکذا فی عوالم العلوم : 236/17 .

وروی أنّ ابن زیاد بعث رجلاً یقال له جویریة بن زیاد (1)[وقال ](2): إذا أوصلت کتابی هذا إلی عمر بن سعد فإن قام من ساعته لحرب الحسین فذاک ، وإن لم یقم فخذه وقیّده ، وأبعث به إلیَّ ، ویکون شمر بن ذی الجوشن الأمیر علی الناس.

فوصل الکتاب [وکان فی الکتاب] (3): إنی لم أبعثک یا ابن سعد لمنادمة الحسین ، فإذا أتاک کتابی هذا فخیّره بین أن تأتینی به أو تقاتله ، فوثب ابن سعد من ساعته و أخبر الحسین بذلک ، فقال الحسین علیه السلام : أخرّنا إلی غیر(4)

وأقبل العبّاس إلی القوم الّذین مع عمر بن سعد ، فقال : یا هؤلاء ، إنّ أبا عبدالله یسألکم الانصراف عنه باقی یومکم حتی ننظر (5)فی هذا الأمر، ثمّ نلقاکم به غده.(6)

قال : فخبّر القوم بذلک أمیرهم ، فقال عمر بن سعد الشمر : ماذا تری؟ قال : أنا أری رأیک أیها الأمیر ، فقل (7)ما تشاء.

فقال عمر بن سعد : إنّی أحببت ألّا أکون أمیراً فلم أترک وأکرهت ، ثمّ أقبل

عمر بن سعد علی أصحابه ، فقال : الرأی عندکم.

فقال رجل من أصحابه وهو عمرو بن الحجّاج : سبحان الله ! والله لو کانوا

ص: 266


1- فی المقتل : جویرة بن یزید التمیمی.
2- من المقتل.
3- من المقتل.
4- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 236/1 246. وانظر وقعة الطف : 175 - 189، الملهوف علی قتلی الطفوف: 128 - 142.
5- فی المقتل ینظر
6- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : نلقاک غداً.
7- فی المقتل : فافعل .

إلی العراق من أهل الترک والدیلم ویسألوا هذه الخصلة(1) لکان ینبغی أن نجیبهم إلی ذلک ، فکیف وهم آل الرسول ؟

فقال عمر بن سعد : خبّر وهم أنّا قد أجّلناهم باقی یومنا.

فنادی رجل من أصحاب ابن سعد : یا شیعة حسین ، إنّا قد أجّلنا کم یومنا إلی غدٍ، فإن استسلمتم ونزلتم علی الحکم وجّهنا بکم إلی الأمیر، وإن أبیتم ناجزناکم ، فانصرف الفریقان، وجاء اللیل فبات الحسین علیه السلام لیلته تلک راکعاً وساجداً وباکیاً ومستغفراً ومتضرّعاً، وکذلک کانت صبیحته علیه السلام، وکان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة.

وقیل(2)لعلی بن الحسین ما أقل ولد أبیک؟؟

فقال علیه السلام : العجب کیف ولدت أنا له، إنّه کان یصلّی فی الیوم

واللیلة ألف رکعة ، فمتی کان یتفرّغ للنساء ؟

وکذلک أصحابه با تواکذلک لهم دویّ کدویّ النحل ، وأقبل شمر فی نصف اللیل [یتجسّس ](3) ومعه جماعة من أصحابه حتی قرب من عسکر الحسین علیه السلام، والحسین رافع صوته یتلو هذه الآیة ، (وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذین کَفَرُوا إنَّما نُملِی لَهُم خَیرُ لِأَنفُسِهِم إنَّمَا نُملِی لَهُم لِیَزدَادُوا إثماً )(4)الآیة : ثمّ تلا:(مَا کَانَ اللهُ لِیذَرَ المُؤمِنِینَ عَلَی مَا أَنتُم عَلَیهِ حَتَّی یَمِنزَ الخَبِیثَ مِنَ الطَّیّبِ) (5)

ص: 267


1- فی المقتل : اللیلة.
2- انظر: الملهوف علی قتلی الطفوف: 154، البحار: 196/44 ح 10، و ج 311/82ح17 ، وعوالم العلوم : 61/17 ح 1.
3- من المقتل
4- سورة آل عمران : 178.
5- سورة آل عمران : 179.

التنهشه وفیها کلب أبقع

فصاح رجل من أصحاب شمر وقال : نحن ورب الکعبة الطیّبون وأنتم الخبیثون ، وقد میّزنا منکم، فقطع بریر بن خضیر صلاته ، ثمّ ناداه : یا فاسق، یا فاجر ، یا عدوّ الله ، یا ابن البوّال علی عقبیه ، أمثلک یکون من الطیبّین والحسین من الخبیثین ؟! والله ما أنت إلّا بهیمة لا تعقل ، فأبشر بالخزی یوم القیامة ، فصاح به شمر وقال : أیّها المتکلّم ، إنّ الله قاتلک وقاتل صاحبک عن قریب.

فقال بریر: یا عدوّ الله ، أبالموت تخوّفنی ، والله إنّ الموت مع ابن رسول الله أحبّ إلی من الحیاة معکم، والله لا نال شفاعة محمد قوما أراقوا دماء ذریاته،(1) وأهل بیته .

وأقبل رجل من أصحاب الحسین ، فقال : یا بریر ، إن أبا عبدالله یقول : ارجع إلی مکانک(2) ولا تخاطب القوم، فلعمری لئن کان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ فی الدعاء فلقد نصحتَ وأبلغتَ.

فلمّا(3)کان وقت السحر خفق الحسین علیه السلام برأسه ، ثمّ استیقظ ،

فقال : أتعلمون ما رأیت فی منامی الساعة ؟ رأیت کأنّ کلاباً قد شدّت علئَّ[لتنهشنی] (4) وفیها کلب أبقع رأیته أشدها ، وأظنّ الّذی یتولّی قتلی رجل أبرص من بین هؤلاء، ثمّ إلی رأیت جدّی رسول الله صلّی الله علیه وآله ومعه جماعة من أصحابه وهو یقول لی : یا بنیّ ، أنت شهید آل محمد ، وقد استبشرت بک ملائکة السماوات (5) وأهل الصفیح الأعلی فلیکن إفطارک عندی اللیلة ، فعجّل

ص: 268


1- فی المقتل : ذریته.
2- فی المقتل : موضعک .
3- انظر أیضاً : البحار : 3/45، وج183/61 ح 50.
4- من المقتل.
5- فی المقتل : وقد استبشر بک أهل السماوات .

خطبة الامام الحسین علیه السلام فی أصحابه لیلة عاشوراء

ولا تتأخّر، فهذا ملک من السماء قد نزل لیأخذ دمک فی قارورة خضراء ، فهذا ما رأیت ، وقد أزف الأمر واقترب الرحیل من هذه الدنیا ، لا شکّ فی ذلک.(1)

قال : فلطمت زینب وجهها وصاحت. فقال الحسین علیه السلام : مهلاً، یا أختاه ، لا یشمت(2) القوم بنا.

ثمّ جمع الحسین علیه السلام أصحابه باللیلة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ

أقبل علیهم ، فقال :

أمّا بعد، فإنّی لا أعلم أصحاباً أصلح(3)منکم، ولا أهل بیت اثر (4)ولا أفضل من أهل بیتی ، فجزاکم الله [عنّی](5)جمیعا خیرة، وهذا اللیل قد غشیکم فاتخذوه جملاً ، ولیأخذ کلّ رجل منکم بید رجل من أهل بیتی ، و تفرّقوا فی سواد [هذا] }(6) اللیل وذرونی وهؤلاء، فإنّهم لا یریدون غیری .

فقال له إخوته وبنو عمّه وأولاد عبدالله بن جعفر : ولِمَ نفعل ذلک ؟ لنبقی بعدک! لا أرانا الله ذلک أبداً، وکان الّذی بدأ بهذا القول العبّاس بن أمیر المؤمنین ، ثمّ تابعوه الباقون.

ثمّ نظر الحسین علیه السلام إلی بنی عقیل فقال : حسبکم من القتل

بصاحبکم مسلم ، اذهبوا فقد آذنت لکم.

وروی من طریق آخر: فتکلّم إخوته وجمیع أهل بیته ، وقالوا: یا ابن

ص: 269


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی :250/1 - 252.
2- فی الملهوف: لا تشمتی .
3- فی الملهوف : خیر .
4- فی الملهوف : أبر .
5- من الملهوف.
6- من الملهوف.

رسول الله ، ما تقول الناس لنا؟ وماذا نقول لهم؟ إنّا(1)ترکنا شیخنا وکبیرنا وابن [بنت ](2)نبینّا ولم نرمِ معه بسهم، ولم نطعن برمح، ولم نضرب بسیف ، لا والله یا ابن رسول الله لا نفارقک أبداً ولکنّا نفدیک (3) بأنفسنا حتی تُقتل بین یدیک و نرِد موردک ، فقبح الله العیش بعدک.

ثمّ قام مسلم بن عوسجة، وقال : نحن نخلفک (4) هکذا وننصرف عنک وقد أحاط بک هذا العدوّ ! والله لا یرانی الله أبداً أفعل ذلک حتی أکسر فی صدورهم رمحی ، وأضاربهم بسیفی ما ثبت قائمه بیدی ، ولو لم یکن لی سلاح أقاتلهم به

القذفتهم بالحجارة، ولم أفارقک أو أموت.

قال : وقام سعید بن عبدالله الحنفی فقال : لا والله یا ابن رسول الله لا نخلیک أبدأ حتی نعلم أنّا قد حفظنا فیک رسول الله صلّی الله علیه و آله(5) ولو علمت أنّی أقتل [فیک ](6) ثمّ أُحیی ، ثمّ أحرق ، ثمّ أذری ، یفعل ذلک بی سبعین مرّة، ما فارقتک حتی ألقی حمامی من دونک ، فکیف وإنّما هی قتلة واحدة ، ثمّ أنال الکرامة الّتی لا انقضاء لها؟!

ثمّ قام زهیر بن القین ، وقال : والله یا ابن رسول الله وددت أنّی قتلت ، ثمّ نشرتُ ألف مرّة وأنّ الله تعالی قد دفع هذه الفتنة عنک(7) وعن هؤلاء الفتیة من إخوتک وولدک وأهل بیتک.

ص: 270


1- فی الملهوف : إذ
2- من الملهوف.
3- فی الملهوف: نقیک.
4- فی الملهوف : نخلیک.
5- فی الملهوف: حتی یعلم الله .. فیک وصیة رسوله محمد صلّی الله علیه و آله
6- من الملهوف.
7- فی الملهوف : قد دفع بذلک القتل عنک .

وتکلّم جماعة أصحابه بنحو من ذلک ، وقالوا : أنفسنا لک الفداء نقیک بأیدینا ووجوهنا ، فإذا نحن قُتلنا بین یدیک نکون قد وفینا لربنّا [وقضینا ](1) ما علینا.

وقیل لمحمد بن بشیر الحضرمی فی تلک الحال : قد أُسر ابنک بثغر الریّ. فقال : عند الله أحتسبه ونفسی ، ما کنت أحبّ أن یؤسر وأبقی بعده .

فسمع الحسین علیه السلام قوله ، فقال : رحمک الله ، أنت فی حلّ من

بیعتی، فاعمل فی فکاک ابنک.

فقال : أکلتنی السباع حیّاً إن فارقتک. قال : فأعط ابنک هذه الأثواب البرود(2)یستعین بها علی(3) فکاک أخیه . فأعطاه خمسة أثواب قیمتها ألف دینار.

قال : فلمّا کان الغداة أمر الحسین بفسطاطه فضرب، وأمر بجفنة فیها

مسک کثیر وجعل عندها نورة ، ثمّ دخل لیطلی.

فروی أنّ بریر بن خضیر (4)وعبدالرحمان بن عبد ربّه الأنصاری وقفا علی باب الفسطاط فتطلّیا بعد الحسین علیه السلام، فجعل بریر یضاحک عبدالرحمان

فقال له عبدالرحمان : یا بریر ، أتضحک؟! ماهذه ساعة ضحک ولا

باطل (5)

ص: 271


1- من الملهوف
2- فی الملهوف: هذه البرود. والبود: ثوب .
3- فی الملهوف: فی
4- فی الملهوف: حصین .
5- کذا فی الملهوف: وفی الأصل : أتضحک هذه حال باطل ؟

نصیحة بریر للقوم بعدم التعرض للحسین علیه السلام

فقال بریر : لقد علم قومی أنّی ما أحببت الباطل که ولا شابّاً ، وإنّما أفعل ذلک استبشاراً بما نصیر إلیه فوالله ما هو إلّا أن نلقی(1) هؤلاء القوم بأسیافنا تعالجهم بها ساعة، ثمّ نعانق الحور العین .(2)

قال : ورکب أصحاب عمر بن سعد ، فقرّب إلی الحسین علیه السلام فرسه فاستوی علیه ، وتقدّم نحو القوم فی نفرٍ من أصحابه ، وبین یدیه بریر بن خضیر فقال له الحسین علیه السلام : کلّم القوم، فتقدّم بریر حتی وقف قریباً من القوم وقد زحفوا نحو الحسین بأجمعهم ، فقال لهم بریر: (3)یا قوم، اتّقوا الله فإنّ ثقل محمد صلّی الله علیه وآله قد أصبح بین أظهرکم، هؤلاء ذرّیتّه وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندکم وما الّذی تریدون أن تصنعوه بهم ؟

فقالوا: نرید أن نمکّن منهم الأمیر ابن زیاد فیری رأیه فیهم.

فقال لهم بریر: أفلا تقبلون (4)منهم إن یرجعوا إلی المکان الذی جاءوا منه ؟ ویلکم - یا أهل الکوفة أنسیتم کتبکم و عهودکم التی أعطیتموها وأشهد تم الله علیها ؟ یا ویلکم أدعوتم أهل بیت نبیّکم وزعمتم أنّکم تقتلون أنفسکم دونهم، حتی إذا أتوکم أسلمتموهم إلی ابن زیاد، وحرمتموهم (5)عن ماء الفرات؟ بسما خلّفتم نبیّکم فی ذرّیتّه ، مالکم لا سقاکم الله (6)یوم القیامة ، فبئس

القوم أنتم.

ص: 272


1- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : بما یصیر ، فوالله ما هو إلا نلقی .
2- الملهوف علی قتلی الطفوف :151 -155.
3- فی المقتل : یا هؤلاء.
4- فی المقتل : ترضون.
5- فی البحار : وحلاتموهم.
6- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل .

خطبة أخری للحسین علیه السلام حین رأی صفوف القوم

کأنها السیل

فقال له نفر منهم : یا هذا، ما ندری ما تقول ؟

فقال بریر: الحمد لله الّذی زادنی فیکم بصیرة ، اللّهمّ إنّی أبرأ إلیک من فعال هؤلاء القوم ، اللّهمّ ألق بأسهم بینهم حتی یلقوک وأنت علیهم غضبان، فجعل القوم یرمونه بالسهام ، فرجع (1)بریر إلی ورائه.

وتقدّم الحسین علیه السلام حتی وقف بإزاء (2) القوم، فجعل ینظر إلی صفوفهم کأنّهم (3) السیل ، ونظر إلی عمر بن سعد واقفاً فی صنادید الکوفة ، فقال : الحمد لله الّذی خلق الدنیا فجعلها دار فناء وزوال، ومتصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقیّ من فتنته ، فلا تغرّنّکم هذه الدنیا ، فإنّها تقطع رجاء من رکن إلیها ، و تخیّب طمع من طمع فیها ، وأراکم قد اجتمعتم علی أمرٍ قد أسخطتم الله فیه علیکم، وأعرض بوجهه الکریم عنکم، وأحلّ بکم نقمته ، وجنّبکم رحمته ، فنعم الرب ربّنا هو ، وبئس العبید أنتم، أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول صلّی الله علیه وآله ، ثم أنتم قد رجعتم(4) إلی ذرّیتّه وعترته تریدون قتلهم، لقد استحوذ علیکم الشیطان وأنساکم ذکر الله ، فتبّاً لکم ولما تریدون ، إنّا الله وإنّا إلیه راجعون ، هؤلاء قوم کفروا بعد إیمانهم ، فبعداً للقوم الظالمین.

فقال عمر بن سعد : ویلکم کلّموه فإنّه ابن أبیه ، والله لو وقف فیکم هکذا یوماً جدیداً لما انقطع ولا حصر، فکلّموه، فتقدّم إلیه شمر ، فقال : یا حسین ،[ما] (5)هذا الّذی تقول ؟ أفهمنا حتی نفهم .

ص: 273


1- کذا فی المقتل والبحار، وفی الأصل : فجعل .
2- فی المقتل : قبالة.
3- فی المقتل : کأنها.
4- فی المقتل والبحار : ثمّ إنّکم زحفتم
5- من المقتل والبحار.

قال علیه السلام : أقول : اتّقوا الله ولا تقتلون، فإنه لا یحلّ لکم قتلی ، [ولا انتهاک حرمتی](1) فإنّی ابن بنت نبیّکم، وجدّتی خدیجة زوجة نبیّکم، ولعلکم قد بلغکم قول نبیکم صلّی الله علیه و آله : الحسن والحسین سیّدا

[شباب ](2) أهل الجنّة(3) فإن کذبتمونی فإن فیکم من الصحابة مثل جابر بن عبدالله [ وسهل بن سعد (4)وزید بن أرقم وأنس بن مالک فاسألوهم عن هذا الحدیث فإنهم یخبرونکم انهم سمعوه من رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وإن کنتم فی شک من أمری أفلست ابن بنت نبیکم؟ أتشکون فی ذلک ؟ فوالله ما(5) بین المشرفین والمغربین ابن بنت نبی غیری ، أتطلبونی بدم أحد قتلته منکم، أو بمال استملکته(6)، أو بقصاص من جراحات واستهلکته (7)؟ فسکتوا لا یجیبونه.

ثمّ قال علیه السلام : والله لا أُعطی(8) بیدی إعطاء الذلیل ، ولا أفرّ فرار العبید ، عباد الله ، إنّی عذت بربّی وربّکم [أن ترجمون وأعوذ بربّی وربّکم] (9)من کل متکبر لا یؤمن بیوم الحساب.

فقال شمر : یا حسین ، الشمر یعبد الله علی حرف إن کان یدری ما تقول.

ص: 274


1- من المقتل والبحار.
2- من المقتل.
3- زاد فی المقتل : ما خلا النبیین والمرسلین ، فإن صدقتمونی بما أقول وهو الحق، والله ما تعمدت کذبأ مذ علمت أن الله یمقت علیه أهله. ومن قوله : «ورکب أصحاب عمر بن سعد» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :5/45- 6 عن کتابنا هذا.
4- من المقتل.
5- لیس - خ ل -.
6- کذا فی المقبل ، وفی الأصل : استهلکته .
7- من المقتل.
8- فی المقتل : أعطیهم.
9- من المقتل.

تعبئة الحسین علیه السلام وعمر بن سعد أصحابهما یوم عاشوراء

قال : فسکت الحسین علیه السلام، وناداه حبیب بن مظاهر : إنّی أظنّک تعبد الله علی سبعین حرفاً یا فاسق ، وأنا أشهد أنّک ما تدری ما تقول، وأنّ الله تعالی قد طبع علی قلبک.

فقال له الحسین علیه السلام(1) حسبک یا أخابنی أسد، فقد قضی القضاء،

وجفّ القلم، والله بالغ أمره ، وإنی لأشوق إلی جدّی وأبی وأمّی وأخی وأسلافی من یعقوب إلی یوسف علیه السلام وأخیه ، ولی مصرع أنا ملاقیه (2)

ثمّ إنّ الحسین علیه السلام عبّأ أصحابه وکان ذلک الیوم یوم عاشوراء، وکان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، وفی روایة أخری: إثنان وثمانون راجلاً ، فجعل علی میمنته زهیر بن القین ، وعلی میسر ته حبیب بن مظاهر، ودفع اللواء إلی أخیه العباس ، و ثبت الحسین علیه السلام مع أهل بیته فی القلب.

وعبّاً عمر بن سعد أصحابه ، فجعل علی میمنته عمرو بن الحجّاج، وعلی میسر ته شمر، وثبت هو فی القلب ، وکان جنده (3) اثنین وعشرین

وفی روایة عن الصادق علیه السلام : ثلاثین ألفا لما رواه ابن بابویه رضی الله عنه فی أمالیه فی قول الحسن الحسین علیهما السلام : یزدلف إلیک ثلاثون ألفاً. (4)

وروی أن الحسین علیه السلام لما أحاط به القوم وأمراؤهم وأیقن

ص: 275


1- فی المقتل : یا حسین بن علی أنا أعبدالله علی حرف إنّ کنت أدری ما نقول .
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 252/1 -254.
3- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : وکانوا علی اثنین وعشرین ألفاً.
4- أمالی الصدوق : 101ح 3، مناقب ابن شهرآشوب :86/4. مثیر الأحزان : 23،الملهوف علی قتلی الطفوف: 99، إثبات الهداة : 556/2 ح 7، البحار : 218/45 ح 44.

خطبة للحسین علیه السلام فی أصحابه یوم عاشوراء

أن الحسین علیه السلام دعا عمر بن سعد وأخبره بأنه لا یفرح بعد

أنّهم ](1) قاتلوه قام خطیباً فی أصحابه ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : قد نزل من الأمر ما ترون، إنّ الدنیا قد أدبرت (2)وتنکّرت، وأدبر معروفها ، حتی لم یبق منها إلّا صبابة کصبابة الإناء، أو (3) خسیس عیش کالمرعی الوبیل ، أما ترون الحقّ لا یعمل به ، والباطل لا یتناهی عنه ؟ لیرغب المؤمن فی لقاء الله ، وإنّی لا أری الموت إلا سعادة ، والحیاة (4) مع الظالمین إلّا برماً.

وروی عن زید بن علیّ، عن أبیه - بحذف الأسانید -، قال : خطب الحسین علیه السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : أیّها الناس، خطّ الموت علی بنی آدم خطه (5)القلادة علی جید الفتاة ، ما أولعنی بالشوق إلی أسلافی ، وإن لی مصرعاً أنا لاقیه ، کأنّی أنظر إلی أوصالی تقطّعها وحوش الفلوات قد ملأت منّی أکرشها ، رضی الله رضانا أهل البیت نصبر علی بلائه الیوفینا أجور الصابرین، لن تشذ عن رسول الله صلّی الله علیه وآله لحمته (6) وعترته ، ولن تفارقه أعضاؤه ، وهی مجموعة له فی حضیرة القدس، تقرّ بهم(7)

وروی أنّه لمّا عبّاً عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسین علیه السلام، ورتّبهم [فی] (8) مراتبهم، وأقام الرایات فی مواضعها، وعبّاً [الحسین أصحابه

ص: 276


1- من المقتل.
2- فی المقتل : تغیرت
3- فی المقتل : من .
4- فی المقتل : والعیش .
5- فی المقتل : کمخط.
6- کذا فی المقتل، وفی الأصل : حرمته .
7- فی المقتل : بها.
8- من المقتل.

فی] (1) المیمنة والمیسرة، وأحاطوا بالحسین من کلّ جانب حتی جعلوه فی مثل الحلقة، فخرج حتی أتی الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ینصتوا ، حتی قال لهم : ویلکم ما علیکم ان تنصتوا إلیّ ، فتسمعوا قولی ، وإنّما أدعوکم إلی سبیل الرشاد.

ثمّ قال - بعد کلام طویل -: الا إنّ الدعیّ بن الدعیّ، قد رکز بین اثنتین ، بین السلّة (2) والذلة ، وهیهات منّا آخذ الدنیّة ، أبی الله [ ذلک] (3)ورسوله ، جدود

طابت ، وحجور طهرت ، و أنوف حمیّة ، ونفوس أبیّة ، ألا وقد أعذرت وأنذرت ،

ألا إنّی زاحف بهذه الأسرة علی قلّة العتاد، وخذلة الأصحاب ، ثمّ أنشأ: فإن نهزم فهزّامون قدما وإن نُهزم فغیر مهزّمینا وما ان طبّنا جبن ولکن م نایانا ودولة آخرینا

ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا کریث ما یرکب الفرس، حتی تدور بکم[ دور] (4) الرحی، عهد عهده إلیَّ أبی [عن جدّی](5) فاجمعوا أمرکم وشرکاءکم، ثمّ کیدونی فلا تنظرون ، اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وأبعث علیهم سنیناً کسنین یوسف ، وسلّط علیهم غلام ثقیف یسقیهم کأساً مصبرة، ولا یدع منهم(6) أحدا إلا قتله [قتلة ] (7)بقتلة ، وضربة بضربة ، ینتقم لی ولأولیائی ولأهل بیتی منهم، فإنّهم غرّونا وخذلونا، وأنت ربّنا، علیک توکلّنا، وإلیک أنبنا، وإلیک

تی

ص: 277


1- من المقتل.
2- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : القلة ، وفی المقتل : القتلة.
3- من المقتل. وفی الملهوف : وهیهات منا الذلة، یأبی الله لنا ذلک ورسوله والمؤمنون ، حجور طابت ، وحجور طهرت.
4- من المقتل.
5- فی المقتل : فیهم.
6- فی المقتل : فیهم.
7- من المقتل.

الحسین بدنیا ولا آخرة

قتل فی الحملة الأولی من أصحاب الحسین علیه السلام خمسون رجلا

المصیر (1)

ثمّ قال صلوات الله علیه : ادعوا لی عمر بن سعد ، فدعی له . وکان کارهاً لا یحبّ أن یأتیه - ، فقال : یا عمر، أنت تقتلنی وتزعم أنّ الدعیّ بن الدعیّ یولیک الریّ وجرجان ، والله لا تتهنّأ بذلک أبداً، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع ، فإنّک لا تفرح بعدی بدنیا ولا آخرة، ولکانّی برأسک علی قصبة قد نصبت بالکوفة ، یترا ماه الصبیان بالحجارة ویتّخذونه غرضاً بینهم (2)

فاغتاض (3) عمر بن سعد من کلامه ، ثمّ صرف وجهه عنه ونادی

بأصحابه : ما تنتظرون ؟ احملوا علیه بأجمعکم.

قال : فدعا الحسین علیه السلام بفرس رسول الله صلّی الله علیه و آله المرتجز ، فرکبه وعبّاً أصحابه ، وزحف إلیه عمر بن سعد ونادی غلامه دریداً : قدم رایتک ، ثم وضع عمر سهمه فی قوسه ، ثمّ رمی ، وقال : اشهدوا لی عند الأمیر عبید الله أنّی أوّل من رمی الحسین ، فرمی أصحابه کلّهم بأجمعهم ، فما بقی أحد من أصحاب الحسین علیه السلام إلا أصابه من سهامهم.(4)

قیل : فلمّا رموهم هذه الرمیة قلّ أصحاب الحسین علیه السلام ، وبقی القوم الّذین یذکرون ، وقتل فی هذه الحملة الأولی من أصحاب الحسین خمسون رجلاً رحمة الله علیهم(5)فعندها ضرب الحسین علیه السلام بیده إلی .

ص: 278


1- انظر الأحادیث الغیبیة : 311/2ح 572.
2- تیسیر المطالب : 90-97.
3- فی المقتل : فغضب.
4- فی المقتل : من رمیتهم سهم.
5- من قوله : «فرمی أصحابه کلهم» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار : 12/45 عن کتابنا هذا. وکذا فی عوالم العلوم :255/17.

إلتحاق الحر الریاحی بالحسین علیه السلام

الحیته ، وقال : اشتدّ غضب الله علی الیهود والنصاری إذ جعلوا له ولداً ، واشتدّ غضب الله علی المجوس إذ عبدت [ الشمس والقمر و ]((1) النار ، واشتد غضب الله علی قوم اتّفقت أراؤهم علی قتل ابن بنت نبیّهم ، والله لا أُجیبهم إلی شیء ممّا یریدونه أبداً حتی ألقی الله وأنا مخضّب بدمی.

ثمّ صاح علیه السلام : أما من مغیثٍ یغیثنا لوجه الله تعالی ؟ أما من ذابّ

یذبّ عن حرم رسول الله ؟

وکان الحرّ حین أمره عبیدالله بن زیاد بالمسیر الی حرب الحسین و خرج

من منزله نودی ثلاث مرات: یا حرّ، أبشر بالجنّة ، فالتفت فلم یر أحد.

فقال : ثکلت الحرّامّه ، یمضی إلی حرب ابن رسول الله ویدخل الجنّة !

فنمّ ذلک الکلام فی فؤاده ، فلمّا سمع الحسین علیه السلام یستغیث أضطرب قلبه ، ودمعت عیناه ، فخرج باکیاً متضرّعاً مع غلام له ترکیّ ، وأتی إلی عمر بن سعد ، وقال : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟

فقال : إی والله قتالاً أیسره [أن] (2)تسقط الرؤوس وتطیح الأیدی . فقال : أما لکم فی الخصال الّتی عرض علیکم رضی؟ قال : والله لو کان الأمر إلیّ لفعلت ، ولکن أمیرک قد أبی ذلک .

فأقبل الحر حتی وقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الأفکل(3)فقال له المهاجر بن أوس : والله إنّ أمرک لمریب ، ولو قیل : من أشجع أهل الکوفة ؟ لما

ص: 279


1- من المقتل ، وفی الملهوف : إذ عبدوا الشمس والقمر دونه.
2- من المقتل.
3- الأفل: العدة من برد أو خوف. «لسان العرب: 19/11 - أفکل -» .

عدوتک ، فما هذا الّذی أری منک ؟

فقال : والله إنّی أخیّر نفسی بین الجنّة والنار، فوالله لا أختار علی الجنّة

شیئاً ولو قطّعت وحرّقت.

ثمّ ضرب فرسه قاصداً الحسین علیه السلام ویده علی رأسه ، وهو یقول :

اللّهمّ إنّی تبت فتب علئَّ ، فقد أرعبت قلوب أولیائک وأولاد نبیّک.

وقال للحسین علیه السلام : جعلت فداک ، أنا صاحبک الّذی حبستک عن الرجوع، و سایر تک فی الطریق ، والله الذی لا إله إلا هو، ماظننت أنّ القوم یردّون علیک ما عرضتَ علیهم ، والله لو حدّثتنی(1) نفسی أنّهم یقتلوک لما رکبتها منک(2) أبداً ، وإنّی قد جئتک تائباً إلی ربّی ، ومواسیک بنفسی حتی أموت بین یدیک ، فهل تری لی من توبة ؟

قال : نعم ، یتوب الله علیک ویغفر لک ، ما اسمک ؟ قال : أنا الحرّ قال : أنت الحرّ کما سمّتک أمّک إن شاء الله فی الدنیا والآخرة ، انزل .

قال : أنا لک فارساًخیر منّی لک راجلاً ، أقاتلهم علی فرسی ساعة، وإلی النزول مصیری ، ثم قال (3) یا ابن رسول الله ، کن أوّل خارج علیک ، فائذن لی لأکون أوّل قتیل بین یدیک ، وأوّل من یصافح جدّک غداً - وإنّما قال الحرّ: لأکون أول قتیل من المبارزین ، وإلّا فإنّ جماعة کانوا قد قتلوا فی الحملة

ص: 280


1- فی المقتل : لو سولت لی.
2- فی المقتل : أنّهم یقتلونک لما رکبت هذا منک
3- من هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار : 13/45 عن کتابنا هذا وعن مناقب ابن شهر اشوب والکامل فی التاریخ : 64/4. وکذا فی عوالم العلوم :257/17.

أرجاز للحر الریاحی،واستشهاده رحمة الله علیه

الأولی کما ذکر -، فکان أوّل من تقدّم إلی براز القوم ، وجعل ینشد ویقول : إنّی أنا الحرّ ومأوی الضیف

أضرب فی أعناقکم بالسیف

عن خیر من حلّ بأرض(1) الخیف

أضربکم ولا أری من حیف وروی أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسین علیه السلام قال رجل من تمیم یقال له یزید بن سفیان : أما والله لو لحقته لأتبعته السنان ، فبینا هو یقاتل ، وانّ فرسه المضروب علی أذنیه وحاجبیه ، وان الدماء لتسیل ، إذ قال الحصین : یا یزید، هذا الحرّ الّذی کنت تتمنّاه [ فهل لک به](2)؟

قال : نعم.

قال : فخرج إلیه ، فما لبث الحرّ أن قتله وقتل أربعین فارساً و راجلاً، فلم

یزل یقاتل حتی عرقب (3) فرسه ، وبقی راجلاً [فجعل یقاتل] (4) وهو یقول :

إنی أنا الحرّ ونجل الحرّ أشجع من ذی لبدٍ هزبر ولست بالجبان عند الکرّ لکنّنی الوقوف عند الفرّ(5)

ثمّ لم یزل یقاتل حتی قتل رحمة الله علیه ، فاحتمله أصحاب الحسین

ص: 281


1- فی المقتل : بوادی .
2- من المقتل.
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : غرقت
4- من المقتل.
5- روی الأرجاز فی المقتل هکذا: إن تعقروا بی فأنا ابن الحرّ ولست بالخوار عند الکرّ أشجع من ذی لبدة هزبر لکننی الثابت عند الفرّ

علیه السلام حتی وضعوه بین یدی الحسین علیه السلام و به رمق، فجعل الحسین یمسح وجهه ویقول : أنت الحرکما سمّتک أمّک، وأنت الحرّ فی الدنیا ، وأنت الحرّ فی الآخرة.

ورثاه رجل من أصحاب الحسین علیه السلام، وقیل : بل رثاه علیّ بن

الحسین علیه السلام: النعم الحرّ حرّ بنی ریاح صبور عند مختلف (1) الرماح ونعم الحرّ إذ نادی حسین فجاد بنفسه عند الصیاح (2)

وروی أنّ الحرّکان یقول : البت لا أُقتل حتی اقتلا أضربهم بالسیف ضرباً معضلا الاناکل عنهم ولا معلّلا لا عاجز عنهم ولا مبدّلا

أحمی الحسین الماجد المؤمّلا(3)وکان من أراد الخروج ودّع الحسین صلوات الله علیه ، وقال : السلام علیک یا ابن رسول الله ، فیجیبه : وعلیک السلام، ونحن خلفک ، ویقرأ علیه السلام : (فَمِنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن یَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِیلاً) (4)

ثمّ برز بریر بن خضیر الهمدانی رضی الله عنه بعد الحرّ ، وکان من عباد الله

الصالحین ، فبرز وهو یقول :

ص: 282


1- فی المقتل : مشتبک.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : الصفاح .
3- روی الأرجاز فی المقتل هکذا: الیت لا أقتل ح تی اقتلا أضربهم بالسیف ضرباً معضلا ولا أصاب الیوم إلّا مقبلا الاناکلأً فیهم ولا مهلّلا
4- اسورة الأحزاب : 23.

أرجاز لبریر بن خضیر ، واستشهاده رحمة الله علیه

أبیات لبجیر بن أوس الضبی قاتل بریر بن خضیر

أنا بریر وأبی خضیر یروّغ الأسد عن الزبیر یعرف فینا الحبر بن الحبر أضربکم ولا أری من ضیر

کذاک فعل الخیر من بریر(1)وجعل یحمل علی القوم وهو یقول : اقتربوا منّی یا قتلة المؤمنین ، اقتربوا

متی یا قتلة أولاد البدریین ، اقتربوا منی یا قتلة أولاد رسول ربّ العالمین وذرّیتّه الباقین ، وکان بریر أقرأ أهل زمانه ، فلم یزل یقاتل حتی قَتَل ثلاثین رجلاً، فبرز إلیه رجل یقال له یزید بن معقل ، فقال لبریر: أشهد أنک من

المضلین.

بربر

فقال له بریر: هلمّ فلندع الله أن یلعن الکاذب منّا، وأن یقتل المحقّ منّا المبطل ، فتصاولا فضرب یزید لبریر ضربة خفیفة لم تعمل شیئاً، وضربه بریر ضربة قدّت المغفر ووصلت إلی دماغه فسقط قتیلاً.

قال : فحمل رجل من أصحاب ابن زیاد فقتل بریراً رحمة الله علیه ، وکان

یقال لقاتله بجیر بن أوس الضبی ، فجال فی میدان الحرب وجعل یقول : سلی تخبرنی عنّی وأنت ذمیمة

غداة حسین والرماح شوارع

ألم آت أقصی ماکرهت ولم تحل

غداة الوغی والروع ما أناصانع

ص: 283


1- روی الأرجاز فی المقتل هکذا: أنا بریر وفتی خضیر یعرف فی الخیر أهل الخیر أضربکم ولا أری من ضیر کذاک فعل الخیر من بریر

معی یزنی لم تخنه کعوبه

وأبیض مشحوذ الغرارین قاطع

فجرّدته فی عسصبة لیس دینهم

کدینی وإنّی بعد ذالک لقانع

وقد صیّروا(1) للطعن والضرب حسّرا

وقد

جالدوا لو أنّ ذلک نافع

فأبلغ عبیدالله إذ مالقیته

بأنّی مطیع للخلیفة سامع

قتلتُ بریراً

ثمّ جلت بهمّةٍ

غداة الوغی لمّا دعا من یقارع قال : ثمّ ذکر له بعد ذلک أنّ بریرا کان من عباد الله الصالحین فجاءه ابن

عمّ له وقال : ویحک یا بجیر ، قتلتَ بریر بن خضیر فبأیّ وجه تلقی ربّک ؟

قال : فندم الشقیّ ، وأنشأ یقول : فلو شاء ربّی ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جائر

فقد کان ذا عار علیَّ وشبهة (2)

بعیّر بها الأبناء عند المعاشر

ص: 284


1- فی المقتل : صبروا.
2- فی المقتل : لقد کان ذلک الیوم عارأ وسبة

أرجاز لوهب بن عبدالله بن حباب الکلبی

فیا لیت إنّی کنت فی الرحم حیضة

ویوم حسین کنت ضمن المقابر (1)

فیا سوأتی ماذا أقول لخالقی ؟

وما حجّتی یوم الحساب القُماطر؟ ثمّ برز من بعده وهب بن عبدالله بن حباب الکلبی ، وقد کانت معه امّه

یومئذ ، فقالت : قم یا بنیّ ، فانصر ابن بنت رسول الله.

فقال : أفعل یا أمّاه ولا أقصّر، فبرز وهو یقول :

إن تنکرونی فأنا ابن الکلبی

سوف ترونی وترون ضربی(2)

وحملتی وضربتی فی الحرب

أدرک ثأری بعد ثأر ص حبی

وأدفع الکرب أمام(3) الکرب

لیس جهادی(4) فی الوغی باللعب ثمّ حمل فلم یزل یقاتل حتی قتل منهم جماعة ، فرجع إلی أمّه وامرأته

فوقف علیهما ، فقال : یا أمّاه أرضیت؟

فقالت : ما رضیت إلّا أن تقتل بین یدی الحسین . فقالت امرأته : بالله لا تفجعنی فی نفسک .

ص: 285


1- فی المقتل : فی رمس قابر
2- فی المقتل والبحار : وصولتی .
3- فی المقتل : بیوم
4- فی المقتل : فما جلادی .

استشهاد وهب بن عبدالله الکلبی وامرأته رحمة الله علیهما

فقالت أمّه : یا بنیّ ، لا تقبل(1)قولها، وارجع فقاتل بین یدی ابن رسول الله صلّی الله علیه وآله فیکون غدا فی القیامة شفیعاً لک بین یدی الله ، فرجع

قائلاً:

إنّی

زعیم لک أمّ وهب بالطعن فیهم تارة والضرب ضرب(2) غلام مؤمن بالربّ حتی یذیق القوم مرّ الحرب إنّی امرؤ ذو مرّة وعصب حسبی إلهی من علیم حسبی (3)

فلم یزل یقاتل حتی قتل تسعة عشر فارساً واثنی عشر راجلاً، ثمّ قطعت یداه ، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه ، وهی تقول : فداک أبی وأمّی ، قاتل دون الطیبّین حرم رسول الله ، فأقبل کی یردّها إلی النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معک.

فقال الحسین علیه السلام: جزیتم من أهل بیت خیراً ، ارجعی إلی النساء

رحمک الله ، فانصرفت.

وجعل یقاتل حتی قتل رضوان الله علیه.

قال : فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاماً له فضربها بعمود کان معه فشدخها وقتلها، وهی أوّل امرأة قتلت فی عسکر(4) الحسین علیه السلام.

ص: 286


1- فی المقتل : لا تسمع .
2- فی المقتل : فعل ..
3- روی فی المقتل هذا الرجز هکذا: إنی امرؤ ذو مسرة وعصب حسبی بنفسی من علیم حسبی
4- فی المقتل : حرب . ولست بالخوار عند النکب إذا انتمیت فی کرام العرب

أرجاز لعمرو بن خالد الأزدی،واستشهاده رحمة الله علیه

ورأیت حدیثةاً أن وهب هذا کان نصرانیّاً، فأسلم [هو وأمّه] (1)علی ید الحسین علیه السلام، فقتل فی المبارزة أربعة وعشرین رجلاً واثنی عشر فارس ، ثمّ أخذ أسیراً، فأتی به عمر بن سعد ، فقال : ما أشدّ صولتک؟ ثمّ أمر فضربت عنقه ، ورمی برأسه إلی عسکر الحسین علیه السلام، فأخذت أمّه الرأس فقبلته ، ثمّ رمت بالرأس إلی عسکر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته ، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت [به ](2) رجلین.

فقال لها الحسین : ارجعی یا أمّ وهب ، أنت وابنک مع رسول الله صلّی الله علیه و آله فی الجنّة ، فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء ، فرجعت وهی تقول : إلهی لا تقطع رجائی

فقال لها الحسین علیه السلام : لا یقطع الله رجاءک أمّ وهب .

ثمّ برز من بعده عمرو بن خالد الأزدی ، وهو یقول : الیوم یانفس إلی الرحمن ت مضین بالروح وبالریحان الیوم تجزین علی الاحسان قد کان منک غابر الزمان ما خط فی اللوح لک الدیان لا تجزعی فکل حی فان

والصبر أحظی لک بالأمان(3)

ثمّ قاتل حتی قتل رضی الله عنه.

ص: 287


1- من المقتل.
2- من المقتل.
3- روی الرجز الأخیر فی المقتل هکذا: ما خطّ باللوح لدی الدیّان لا تجزعی فکلّ حیّ فان فالیوم زال ذاک بالغفران والصبر أحظی لک بالأمان

أرجاز لخالد بن عمرو الأزدی ، وأخری لسعد بن حنظلة التمیمی،

وأخری لعمیر بن عبدالله المذحجی، واستشهادهم رحمة الله علیهم.

ثمّ تقدّم ابنه خالد بن عمرو، وهو یرتجز: صبراً علی الموت بنی قحطان کیما تکونوا (1)فی رضی الرحمن ذی المجد والعزّة والبرهانِ وذی العلا والطول والاحسان یا لیتنی قد صرت بالجنان فی قصر درّ حسن البنیان(2)

فلم یزل یقاتل حتی قتل رضوان الله علیه.

ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة التمیمی، وهو یقول : صبراً علی الأسیاف والأسنّه صبراً علیها لدخول الجته وحور عین ناعمات هنّه لمن

یرید الفوز لا بالظنّه یانفس للراحة فاجهدنّه (3) وفی طلاب الخیر فارغبّته

ثمّ حمل فقاتل قتالاً شدیداً ، ثمّ قتل رضوان الله علیه .

وخرج من بعده عمیر بن عبدالله المذحجی ، وهو یرتجز: قد علمت سعد وحی مذحج أنّی لدی الهیجاء لیث مُحرج(4)أعلو بسیفی هامة المدجّج وأترک القرن لدی التعرّج فریسة الضبع الأزلّ الأعرج [فمن تراه واقفاً بمنهج ](5)

ولم یزل یقاتل حتی قتله مسلم الضبابیّ وعبدالله البجلیّ. ثمّ برز من بعده مسلم بن عوسجة رضی الله عنه ، وهو یرتجز .

ص: 288


1- فی المقتل : نکون
2- روی آخر الرجز فی المقتل هکذا: ذی المجد والعزة والبرهان یا أبتا قد صرت فی الجنان
3- فی المقتل : فاطرحته.
4- فی المقتل : أنّی لیث الغاب لم أهجهج .
5- من المقتل.

أرجاز لمسلم بن عوسجة، واستشهاده رحمة الله علیه

إن تسألوا عنّی فإنّی ذو لبد من فرع قوم من ذری بنی أسد فمن بغانا(1)حائد عن الرشد وکافر بدین جبّار صمد

ثمّ قاتل قتالاً شدیداً فسقط إلی الأرض و به رمق، فمشی إلیه الحسین علیه السلام ومعه حبیب بن مظاهر ، فقال له الحسین علیه السلام: رحمک الله یا مسلم، (فَمِنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن یَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبِدیلاً) (2) ثمّ دنا منه حبیب ، فقال : یعزّ علیَّ مصرعک ، یا مسلم ، أبشر بالجنّة.

فقال له قولاً ضعیفاً: بشّرک الله بخیر . فقال له حبیب : لولا أعلم أنّی فی الأثر الأحببت أن توصی إلیَّ بکلّ ما

أهمّک.

فقال مسلم : فإنّی أوصیک بهذا. وأشار إلی الحسین علیه السلام - فقاتل

دونه حتی تموت.

فقال حبیب : لأنعمنّک عیناً. ثمّ مات رضوان الله علیه . قال : فصاحت جاریة له: یا سیداه ، یا ابن عوسجتاه . فنادی أصحاب ابن سعد مستبشرین : قتلنا مسلم بن عوسجة.

فقال شبث بن ربعی لبعض من حوله : ثکلتکم أمّهاتکم، أمّا إنّکم تقتلون أنفسکم بأیدیکم ، و تذلّون عزّ کم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ؟ أما والّذی

ص: 289


1- فی المقتل : بغانی.
2- سورة الأحزاب : 23.

إضرام النار فی مخیم الحسین علیه السلام

أسلمت له ، لربّ موقف له فی المسلمین کریم، لقد رأیته یوم آذربیجان قتل ستّة من المشرکین قبل أن تلتئم خیول المسلمین.

ثمّ حمل شمر بن ذی الجوشن فی المیسرة، فثبتوا له وقاتلهم أصحاب الحسین علیه السلام قتالاً شدیداً وإنّما هم إثنان وثلاثون فارساً، فلا یحملون علی جانب من أهل الکوفة إلّا کشفوهم(1) فدعا عمر بن سعد بالحصین بن

نُمیر فی خمسمائة من الرماة ، فأقبلوا(2) حتی دنوا من الحسین وأصحابه ، فرشقوهم بالنبل ، فلم یلبثوا أن عقروا خیولهم، وقاتلوهم حتی انتصف النهار ، واشتدّ القتال ، ولم یقدروا أن یأتوهم إلّا من جانب واحد، لاجتماع أبنیتهم، وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال لیقوّضوها عن أیمانهم وشمائلهم، لیحیطوا بهم(3)، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسین یتخللون [ بینها] (4) فیشدون علی الرجل وهو یقوّض وینهب فیرمونه عن قریب فیصرعونه ویقتلونه.

فقال ابن سعد : احرقوها بالنار وأضرموا فیها.

فقال الحسین علیه السلام : دعوهم یحرقوها فإنّهم إذا فعلوا ذلک لم

یجوزوا إلیکم، فکان کما قال صلوات الله علیه .

وقیل : أتاه شبث بن ربعی ، وقال : أفزعنا النساء فاستحیا ، وأخذوا لا یقاتلونهم إلّا من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زُھیر بن القَین فقتلوا أبا عُذرة

ص: 290


1- فی المقتل : کشفوه.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : فاقتتلوا، وهو تصحیف.
3- فی المقتل : بها.
4- من المقتل.

صلاة الحسین علیه السلام بأصحابه یوم عاشوراء

الضبابی من أصحاب شمر.

فلم یزل یُقتل من أصحاب الحسین الواحد والاثنان فیبیّن ذلک فیهم القلّتهم، ویُقتل من أصحاب عمر العشرة [والعشرون] (1) فلا یبیّن فیهم ذلک لکثرتهم.

فلمّا رأی ذلک أبو ثمامة الصیداویّ قال للحسین علیه السلام : یا أبا

عبدالله ، نفسی لنفسک الفداء ، هؤلاء اقتربوا منک ، ولا والله لا تقتل حتی أقتل دونک ، وأحبّ أن ألقی الله ربّی وقد صلّیت هذه الصلاة ، فرفع الحسین رأسه إلی السماء وقال : ذکرت الصلاة جعلک الله (2) من المصلّین ، نعم هذا أول وقتها.

ثمّ قال : سلوهم أن یکفّوا عنّا حتی نصلّی ، فکفّوا عنهم ، فصلّی الحسین

علیه السلام وأصحابه .

فقال الحصین بن نُمیر : إنها لا تقبل .

فقال حبیب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله ، وتُقبل منک یا ختّار، فحمل علیه الحصین بن نمیر، وحمل علیه حبیب فضرب وجه فرسه بالسیف فشبّ (به )(3)الفرس ووقع عنه الحصین فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.

فقال الحسین علیه السلام لزهیر بن القین وسعید بن عبدالله : تقدّما أمامی حتی أصلّی الظهر ، فتقدّما أمامه فی نحو من نصف أصحابه حتی صلّی بهم صلاة

الخوف.

ص: 291


1- من المقتل .
2- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل والبحار .
3- من البحار .

استشهاد سعید بن عبدالله الحنفی رحمة الله علیه

أرجاز لعبدالرحمان بن عبدالله الیزنی،واستشهاده رحمة الله علیه.

وروی أنّ سعید بن عبدالله الحنفی تقدّم أمام الحسین علیه السلام، فاستهدف لهم یرمونه بالنبل ، کلّما أخذ الحسین علیه السلام یمیناً وشمالاً قام بین یدیه ، فما زال یرمی حتی سقط إلی الأرض ، وهو یقول : اللّهمّ العنهم لعن عاد و ثمود ، اللّهمّ أبلغ نبیّک السلام عنّی ، وأبلغه ما لقیت من ألم الجراح ، فإنّی أردت ثوابک فی نصرة(1) ذریة نبیّک ، ثمّ مات رضی الله عنه ، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوی ما به من ضرب السیوف وطعن الرماح .(2)

ثمّ خرج عبدالرحمان بن عبدالله الیزنی ، وهو یقول : أنا ابن عبدالله من آل یزن دینی علی دین حسین وحسن أضربکم ضرب فتیً من الیمن أرجو بذاک الفوز عند المؤتمن

ثمّ حمل فقاتل حتی قُتل.

ثمّ تقدّم جون مولی أبی ذرّ الغفاری وکان عبداً أسود، فقال له الحسین

علیه السلام: أنت فی إذن منّی ، فإنّما تبعتنا طلباً للعافیة ، فلا تبتل بطریقنا.

فقال : یا ابن رسول الله ، أنا فی الرخاء ألحس قصاعکم (3)

أخذلکم ؟! والله إن ریحی لمنتن ، وإن حسبی للئیم ، ولونی لأسود ، فتنفّس علیَّ بالجنّة ، فیطیب ریحی ، ویشرف حسبی ، ویبیضّ وجهی ، لا والله لا أفارقکم حتی یختلط هذا الدم الأسود مع دمائکم.

ص: 292


1- فی المقتل والبحار: أردت بذلک نصرة .
2- من قوله : «ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :18/45 - 21. وکذا فی عوالم العلوم : 261/17 وما بعدها.
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : الرخاء الحسن صاحبکم.

أرجاز لجون مولی أبی ذر الغفاری، واستشهاده رحمة الله علیه

استشهاد عمرو بن خالد الصیداوی رحمة الله علیه

ثمّ برز للقتال ، وهو [ینشد و ]

(1)یقول :

کیف یری الکفّار ضرب الأسود

بالسیف ضرباً عن بنی محمد

أذبّ عنهم باللسان والید

أرجو به الجنّة یوم المورد(2)

ثمّ قاتل حتی قُتل ، فوقف علیه الحسین علیه السلام ، وقال : اللّهمّ بیّض وجهه ، وطیّب ریحه ، واحشره مع الأبرار، وعرّف بینه وبین محمد و آل محمد.

وروی عن الباقر، عن علیّ بن الحسین علیهم السلام : أنّ الناس کانوا یحضرون المعرکة، ویدفنون القتلی ، فوجدوا جّونابعد عشرة أیّام تفوح منه رائحة المسک رضوان الله علیه (3)

قال : ثمّ برز عمرو بن خالد الصیداویّ فقال للحسین علیه السلام : یا أبا عبدالله ، قد هممتُ أن ألحق بأصحابی ، وکرهتُ أن أتخلّف وأراک وحیداً من (4)أهلک قتیلاً.

فقال له الحسین علیه السلام : تقدّم فإنّا لاحقون بک عن ساعة، فتقدّم

فقاتل حتی قُتل رضوان الله علیه .

ص: 293


1- من البحار.
2- روی الأرجاز فی المقتل هکذا: کیف یری الفجّار ضرب الأسود ب المشرفیّ القاطع المهتد أحمی الخیار من بنی محمد أذبّ عنهم باللسان والیسد أرجو بذاک الفوز عند المورد من الإله الواحد الموحّد
3- من قوله : «ثمّ برز للقتال وهو ینشد ویقول : کیف یری» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :22/45 - 23. وکذا فی عوالم العلوم :266/17 .
4- فی الملهوف: بین.

استشهاد حنظلة بن سعد الشبامی و شوید بن عمر بن أبی المطاع

رحمة الله علیهما

قال : وجاء حنظلة بن سعد الشبامی فوقف بین یدی الحسین علیه السلام یقیه السهام والرماح والسیوف بوجهه و نحره، وأخذ ینادی : ( یَا قَومِ إنَّی أخَافُ عَلَیکُم مِثلَ یَوم الأَحزَابِ مِثلَ دَأبِ قَومِ نُوحٍ وَعَادٍوَثَمُودَ وَالَّذِینَ مِن بَعدِهِم وَمَا اللهُ یُرِیدُ ظُلماً لِلِعبَادِ وَیَا قَوم إنَّی أخَافُ عَلَیکُم یَومَ التَّنَادِ یَومَ تُوَلُّونَ مُدبِرِینَ مَا لَکُم مِنَ اللهِ مِن عَاصِمٍ) (1)

یا قوم، لا تقتلوا حسیناً فیسحتکم الله بعذابٍ وقد خابَ من افتری(2)

ثمّ التفت إلی الحسین علیه السلام وقال : أفلا نروح إلی ربّنا ونلحق

بإخواننا؟

فقال له الحسین علیه السلام : بلی (3)، ژح إلی ما هو خیر لک من الدنیا وما

فیها ، وإلی مُلکٍ لا یبلی.

وقاتل حتی قَتل أبطالاً ، وصبر صبراً جمیلاً علی احتمال الأهوال (4)

حتی قُتل رضی الله عنه .

قال : وتقدّم [سُوید ](5)بن عمر بن أبی المطاع، وکان شریفاً کثیر الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ فی الصبر علی الخطب النازل ، حتی سقط بین القتلی وقد اُثخن بالجراح ، فلم یزل کذلک ولیس به حراک حتی سمعهم یقولون : قتل الحسین ، فتحامل وأخرج سکّیناً من خفّه ، وجعل یقاتل حتی قُتل رضوان

ص: 294


1- سورة غافر : 30- 33.
2- إقتباس من الآیة:61 من سورة طه .
3- فی الملهوف : بل.
4- فی الملهوف : وصبر علی احتمال الأهوال .
5- من الملهوف.

أرجاز للحجاج بن مسروق و زهیر بن القین البجلی وسعید بن عبدالله

الحنفی ، واستشهادهم رحمة الله علیهم

الله علیه .

ثمّ خرج الحجّاج بن مسروق وهو مؤذّن الحسین علیه السلام، وهو

یقول :

أقدم حسین هادیاً، مهدیاً الیوم تلقی جدّک النبیّا ثمّ أباک ذا الندی(1) علیّا[والحسن الخیر الرضا الولیّا وذا الجناحین الفتی الکمیّا وأسد الله الشهید الحیّا] (2)

ثمّ حمل ، فقاتل حتی قُتل .

ثمّ خرج من بعده زُهیر بن القَین [ البجلی ]،(3) رضی الله عنه ، وهو یرتجز :

أنا زهیر وأنا ابن القین أذودکم بالسیف عن حسین إنّ حسیناً أحد السبطین من عترة البّر التقیّ الزین ذاک رسول الله غیر المین أضربکم ولا أری من شینِ

* یا لیت نفسی قسمت قسمین *

فقاتل حتی قَتَل مائة وعشرین رجلاً، فشدّ علیه کُثیر بن عبدالله الشعبیّ

و مهاجر بن أوس التمیمیّ فقتلاه.

فقال الحسین علیه السلام حین صرع زهیر : لا یبعدک الله [ یا زهیر] (4)

ولعن قاتلک لعن الّذین مسخوا قردة وخنازیر.

ثمّ خرج سعید بن عبدالله الحنفیّ ، وهو یرتجز: أقدم حسین الیوم تلقی أحمدا وشیخک الحبر علیّاً ذاالندی

ص: 295


1- فی المقتل : العلا .
2- من المقتل
3- من المقتل
4- من البحار .

أرجاز لحبیب بن مظاهر الأسدی ، واستشهاده رحمة الله علیه

ارجاز لهلال بن نافع الجملی

وحسناً کالبدر وافی الأسعدا وعمّک القرم الهمام الأرشد(1)ح مزة لیث الله یدعی أسدا وذا الجناحین تبوّأ مقعدا

فی جنّة الفردوس یعلو صعدا (2)

فلم یزل یقاتل حتی قُتل.

ثمّ برز حبیب بن مظاهر الأسدی ، وهو یقول : أنا حبیب وأبی مظهرّ فارس هیجاء وحرب تسعر وأنتم عند العدید أکثر ونحن أعلی حجّة وأقهر (3) وأنتم عند الهیاج غدّر ونحن أوفی منکم وأصبر](4)

فقتل اثنین وستّین رجلاً، فقتله الحصین بن نمیر وعلّق رأسه فی عنق

فرسه.

ثمّ برز هلال بن نافع البجلیه(5)، وهو یقول : أرمی بها معلمة أفواقها والنفس لا ینفعها إشفاقها مسمومة تجری بها أخفاقها لیملأن أرضها رشاقها

فلم یزل یرمیهم حتی فنیت سهامه، ثمّ ضرب بیده إلی سیفه فاستلّه،

ص: 296


1- فی المقتل : القرم الهجان الأصیدا.
2- روی الرجز الأخیر فی المقتل هکذا وحمزة لبث الإله الأسدا فی جنة الفردوس نعلو صعدا ومن قوله : «فقاتل حتی قُتل مائه وعشرین» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :25/45-26
3- فی المقتل : وأظهر .
4- من المقتل.
5- لعله هو نفسه نافع بن هلال الجملی . وقد ذکرنا أن نسبة الجملی أصح.

أرجاز أخری لهلال بن نافع الجملی ، واستشهاده رحمة الله علیه

أبیات لشاب قتل أبوه فی المعرکة وأبیات لأمه، واستشهاده

رحمة الله علیه

وجعل یقول : أنا الغلام الیمنی البجلیّ(1)دینی علی دین حسین وعلیّ إن أُقتل الیوم فهذا أملی فذاک رأیی وألاقی عملی

فقَتَل ثلاثة عشر رجلاً فکسّروا عضدیه ، وأخذ أسیراً ، فقام إلیه شمر

فضرب عنقه.

قال : ثمّ خرج شابّ قُتل أبوه فی المعرکة، وکانت أمّه معه ، فقالت له أمّه : اخرج یا بنیّ وقاتل بین یدی ابن رسول الله ، فخرج ، فقال الحسین علیه السلام : هذا شابّ قُتل أبوه ، ولعلّ أمّه تکره خروجه.

فقال الشابّ : أمّی أمرتنی بذلک ، فبرز وهو یقول : أمیری حسین ونعم الأمیر سرور فؤاد البشیر النذیر

علیّ وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظیر؟

له طلعة مثل شمس الضحی له غرّة

مثل بدر منیر وقاتل حتی قُتل ، وحزّ رأسه ورمی به إلی عسکر الحسین علیه السلام، فحملت أمّه رأسه وقالت : أحسنت یا بنی ّ، یا سرور قلبی ، ویا قرّة عینی ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خیمة وحملت علیهم ، وهی تقول : أنا عجوز سیّدی ضعیفة (2) خاویة بالیة

نحیفة أضربکم بضربة عنیفة دون بنی فاطمة الشریفة

ص: 297


1- فی المقتل : الجملی
2- فی المقتل : أنا عجوز فی النساء ضعیفة .

استشهاد عابس بن أبی شبیب الشاکری رحمة الله علیه

وضربت رجلین فقتلتهما ، فأمر الحسین علیه السلام بصرفها ودعا لها .

وجاء عابس بن ابی شبیب(1) الشاکری ومعه شوذب مولی شاکر ، فقال :

یا شوذب، ما فی نفسک أن تصنع؟

قال : ما أصنع؟! أقاتل حتی أُقتَل.

قال : ذاک الظنّ بک ، تقدّم بین یدی أبی عبدالله حتی یحتسبک (2)کما احتسب غیرک ، فإنّ هذا یوم ینبغی لنا أن نطلب فیه الأجر بکلّ ما نقدر علیه ، فإنّه لا عمل بعد الیوم وإنما هو الحساب.

فتقدّم فسلّم علی الحسین علیه السلام ، وقال : یا أبا عبد الله ، [أما ](3) والله ما أمسی علی وجه(4) الأرض قریب ولا بعید أعزّ [علی ](5)ولا أحبّ إلیَّ منک ، ولو قدرت علی أن أدفع عنک الضیم أو القتل بشیءٍ أعزّ علیَّ من نفسی ودمی لفعلت، السلام علیک یا أبا عبدالله ، أشهد أنّی علی هداک وهدی أبیک، ثمّ مشی (6)بالسیف نحوهم.

قال ربیع بن تمیم : فلمّا رأیته مقبلاً عرفته . وقد کنت شاهدته فی المغازی - وکان أشجع الناس ، فقلت : أیّها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبی شبیب ، لا یخرجنّ إلیه أحد منکم ، فأخذ ینادی : ألا رجل ؟ ألا رجل ؟

فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة ، فرمی بالحجارة من کلّ جانب،

ص: 298


1- کذا الصحیح ، وفی الأصل : عابس بن شبیب . وکذا فی الموضع الآتی
2- فی المقتل : حتی أحتسبک و یحتسبک.
3- من البحار.
4- فی المقتل : ظهر .
5- من البحار.
6- فی البحار : مضی.

استشهاد عبدالله وعبدالرحمان الغفاریان رحمة الله علیهما

فلمّا رأی ذلک ألقی درعه ومغفَره ، ثمّ شدّ علی الناس ، فوالله لقد رأیته یطرد أکثر من مائتین من الناس ، ثمّ إنّه (1)تعطّفوا علیه من کلّ جانب ، فقُتل ، فرأیت رأسه فی أیدی رجال ذوی عدّة ، هذا یقول : أنا قتلته ، والآخر یقول کذلک .

فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم یقتله إنسان واحد ، حتی فرق

بینهم بهذا القول.

ثمّ جاءه عبدالله وعبدالرحمان الغفاریّان، فقالا : یا أبا عبدالله ، السلام

علیک، أحبینا أن نقتل بین یدیک وندفع عنک.

فقال : مرحباً بکما، ادنوا منی ، فدنوا منه (2)، وهما یبکیان ، فقال : یا ابنی

أخی ما یبکیکما ؟ فوالله إنّی لأرجو أن تکونا بعد ساعة قریری العین.

فقالا: جعلنا الله فداک ، والله ما علی أنفسنا نبکی ولکن نبکی علیک نراک

قد أُحیط بک ولا نقدر علی أن نمنعک (3)

فقال : جزاکما الله یا ابنی أخی بوجدکما من ذلک ومواساتکما إیای

بأنفسکما أحسن جزاء المتّقین ، ثمّ استقدما وقالا :

السلام علیک یا ابن رسول الله . .

فقال : وعلیکما السلام ورحمة الله وبرکاته . فقاتلا حتی قُتلا رضی الله عنهما.

ص: 299


1- فی البحار : إنّهم.
2- کذا فی المقتل والبحار ، وزاد فی الأصل : ثمّ قاتلاً حتی قُتلا. ثمّ جاءه سیف بن الحارث بن سریع ومالک بن سریع فدنوا منه
3- فی البحار : ننفعک .

أرجاز لغلام ترکی کان للحسین علیه السلام، واستشهاده رحمة الله علیه

استشهاد یزید بن زیاد بن الشعثاء رحمة الله علیه

قال : ثمّ خرج غلام ترکیّ کان للحسین علیه السلام ، وکان قارئاً للقرآن،

فجعل یقاتل [ویر تجز] (1) ویقول :

البحر من طعنی وضربی یصطلی والجوّمن سهمی ونبلی یمتلی إذا حسامی بیمینی ینجلی ینشقّ قلب الحاسد المبجّل

فقتل جماعة ، ثمّ سقط صریعاً ، فجاءه الحسین علیه السلام فبکی و وضع خدّهُ علی خدّهِ ، ففتح عینیه فرأی الحسین علیه السلام فتبسم، ثمّ صار إلی ربّه رضی الله عنه.

[قال : ثمّ رماهم یزید بن زیاد بن الشعثاء بثمانیة أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وکان کلّما رمی قال الحسین علیه السلام : اللّهمّ سدّد رمیته ، واجعل ثوابه الجنّة ، فحملوا علیه فقتلو]. (2)

وکان یأتی الحسین علیه السلام الرجل بعد الرجل ، فیقول : السلام علیک یا ابن رسول الله ، فیجیبه الحسین ، ویقول : وعلیک السلام ونحن خلفک، ثمّ یقرأ : ( فَمِنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن یَنتَظِرَ) (3) ( حتی قتلوا عن آخرهم رضوان الله علیهم ، ولم یبق مع الحسین إلّا أهل بیته .

وهکذا (4)یکون المؤمن یؤثر دینه علی دنیاه ، وموته علی حیاته فی سبیل الله ، وینصر الحق وإن قتل، قال سبحانه : ( وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیِل اللهِ أموَاتاً بَل أحیَاءُ عِندَ رَبَّهم یُرزَقُونَ)(5) وقال النبیّ صلّی الله علیه

ص: 300


1- من البحار.
2- من البحار.
3- سورة الأحزاب : 23.
4- الکلام من هنا للخوارزمی .
5- سورة آل عمران : 169.

و آله : کلّ قتیل فی جنب الله شهید، ولمّا وقف رسول الله صلّی الله علیه و آله علی شهداء أُحد وفیهم حمزة رضی الله عنه قال : أنا شهید علی هؤلاء القوم زمّلوهم بدمائهم فإنّهم یحشرون یوم القیامة وأوداجهم تشخب دماً، فاللون لوم الدم، والریح ریح المسک(1)[فهم](2) کما قیل : کسته القنا حلّة من دم فأضحت لدی الله من أرجوان ج زته معانقة الدارعین معانقة القاصرات الحسان (3)

ولقد أحسنتُ فی وصفهم، وبالغت نعیهم بالتعزیة ، وسمّیتها با «مجریة العبرة ومحزنة العترة» وهی الّتی وضعتها لتعزیة المؤمنین یوم التاسع من المحرم ، وستأتی فی المجلس التاسع یوم التاسع إن شاء الله ، وهی مشتملة علی نکت لطیفة ، و استعارات ظریفة ، وأشعار رائقة ، وعبارات شائقة ، أنشأتها بإذن الله ، وأوردتها علی المنبر بحضور جمع من المؤمنین ، قبالة ضریح سیّد الشهداء ، وثالث الأوصیاء، وخامس أصحاب الکساء فی حضرته الشریفة، أبکیت بها عیون المؤمنین ، وأحزنت قلوب المخلصین ، راجیاً أن یکون جزائی عنها و ثوابی منها ثواب المستشهدین بین یدی حضرته ، الباذلین أنفسهم دونه ودون أسرته.

ولمّا قُتل أصحاب الحسین علیه السلام ولم یبق إلّا أهل بیته ، وهم : ولد علیّ ، وولد جعفر ، وولد عقیل ، و ولد الحسن ، وولده صلوات الله علیه اجتمعوا

ص: 301


1- من قوله : «فَقَتل اثنین وستّین» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :27/45 -22 عن کتابنا هذا.
2- من المقتل.
3- انتهی کلام الخوارزمی .

أرجاز عبدالله بن مسلم بن عقیل ، واستشهاده رحمة الله علیه

أرجاز جعفر و عبدالرحمان ابنا عقیل ، واستشهادهما رحمة

الله علیهما

وودّع(1) بعضهم بعضاً، وعزموا علی الحرب، فأوّل من برز من أهل بیته عبدالله ابن مسلم بن عقیل بن أبی طالب علیه السلام ، وهو یرتجز ویقول : الیوم ألقی مسلماً وهو أبی وفستیة بادوا علی دین النبیّ لیسوا بقوم(2)عرفوا بالکذب لکن خ یار وکرام النسب

[من هاشم السادات أهل الحسب] (3)فقاتل حتی قتل ثمانیة وتسعین رجلاً فی ثلاث حملات، ثمّ قتله عمرو

ابن صُبیح الصیداویّ و أسد بن مالک.

ثمّ خرج من بعده جعفر بن عقیل ، وهو[ یرتجز و] (4) یقول : أنا الغلام الأبطحیّ الطالبیّ من معشر فی هاشم وغالبِ ونحن حقّاً سادة الذوائبِ هذا(5)حسین أطیب الأطائبِ

* من عترة البر التقیّ العاقبِ *

فقتل خمسة عشر فارساً، ثمّ قتله بشر بن سوط الهمدانی(6)

ثمّ خرج من بعده أخوه عبدالرحمان بن عقیل ، وهو یقول : أبی عقیل فاعرفوا مکانی مسن هاشمٍ وهاشمٍ إخوانی

ص: 302


1- فی البحار : یودع.
2- فی المقتل : کقوم
3- من البحار.
4- من البحار.
5- فی المقتل : فینا.
6- ذکر فی وقعة الطفّ : 267 آن قاتله عمرو بن صبیح الصُدّائی . وفی ذوب النضار: 122: عمرو بن صُبیح الصیداویّ طلبه المختار رحمه الله فأتوه وهو علی سطحه بعد ما هدأت العیون، وسیفه تحت رأسه ، فأخذوه وسیفه ، فقال : قبّحک الله من سیف ، ما أبعدک علی قربک ؟! فجیء به إلی المختار، فلمّا کان من الغداة طعنوه بالرماح حتی مات .

أرجاز محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب، واستشهاده رحمة

الله علیه

أرجاز عون بن عبدالله بن جعفر ، واستشهاده رحمة الله علیه

کهول صدق سادة الأقرانِ هذا حسین شامخ البنیانِ

وسیّد الشیب مع الشبّان (1) فقتل سبعة عشر فارساً ، ثمّ قتله عثمان بن خالد(2)الجهنیّ.

وخرج من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب ، وهو یقول :

نشکو إلی الله من العدوان قتال (3) قوم فی الردی عمیان قد ترکوا معالم القرآنِ ومحکم التنزیل والبیانِ (4)

*وأظهروا الکفر مع الطغیان *

ثمّ قاتل حتی قتل عشرة أنفس، ثمّ قتله عامر بن نهشل التمیمی .

ثمّ خرج من بعده عون بن عبدالله بن جعفرِ ، وهو یقول: إن تنکرونی فأنا ابن جعفر شهید صدق فی الجنان أزهرِ یطیر فیها بجناح أخضرِ کفی بهذا شرفاً فی المحشر

ثمّ قاتل حتی قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانیة عشر رجلاً، ثمّ قتله

عبدالله بن قُطبة الطائی.

ص: 303


1- روی الرجز الأخیر فی المقتل هکذا : فینا حسین سیّد الأقران وسیّد الشباب فی الجنان
2- ذکر فی وقعة الطف : 247 أنّ عثمان بن خالد بن أسیر الجهنّی و بشر بن حوط القابضی الهمدانی اشترکا فی قتل عبدالرحمن بن عقیل بن أبی طالب ، واشترکا فی سلبه. وهما کانا فی الجبّانة فأخذهما المختار رحمه الله فضرب أعناقهما، ثمّ أحرقهما بالنار . انظر : ذوب النضار : 118.
3- فی المقتل : فعال.
4- فی البحار : والتبیان. وروی الرجز الأخیر فی المقتل هکذا : قد ترکوا معالم القرآن وأظهروا الکفر مع الطغیان

أرجاز القاسم بن الحسن علیه السلام، واستشهاده رحمة الله علیه

ثمّ خرج من بعده عبدالله بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام .

وفی أکثر الروایات أنّه القاسم بن الحسن علیه السلام وهو غلام صغیر لم یبلغ الحلم، فلمّا نظر الحسین علیه السلام إلیه قد برز اعتنقه وجعلا یبکیان حتی غشی علیهما، ثمّ استأذن الحسین علیه السلام فی المبارزة، فأبی الحسین أن یأذن له، فلم یزل الغلام یقبّل یدیه ورجلیه حتی أذن له، فخرج ودموعه تسیل علی خدیّه ، وهو یقول : إن تنکرونی فأنافرع الحسن سبط النبیّ المصطفی والمؤتمن هذا حسین کالأسیر المرتهن بین أناس لاقوا صوب المزن

وکان وجهه کفلقة القمر ، فقاتل قتالاً شدیداً حتی قَتَل علی صغره . خَمسة

و ثلاثین رجلاً.

قال حمید : کنت فی عسکر ابن سعد، فکنت أنظر إلی هذا الغلام علیه

قمیص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما .

فقال عمرو بن سعد الأزدیّ : والله لأشدّنّ علیه .

فقلت : سبحان الله ! وما ترید بذلک ؟ والله لو ضربنی ما بسطت إلیه یدی ،

یکفیک هؤلاء الّذین تراهم قد احتوشوه.

قال : والله لأفعلنّ ، فشدّ، فما ولی حتی ضرب رأسه بالسیف ووقع الغلام

الوجهه ، ونادی : یا عمّاه.

قال : فجاءه الحسین کالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف، وشدّ شدّة اللیث الحرب فضرب عمراً قاتله بالسیف ، فاتّقاه بیده فأطنّها من المرفق ، فصاح

ص: 304

أرجاز عبدالله بن الحسن علیه السلام ، واستشهاده رحمة الله علیه

فتنحّی عنه ، وحملت [خیل] (1) أهل الکوفة فاستنقذوه من ید الحسین ، فوقف الحسین علی رأس الغلام وهو یفحص [برجلیه(2)، فقال الحسین : یعزّ علی عمّک أن تدعوه فلا یجیبک ، أو یجیبک ولا ینفعک (3)، بعداً لقوم قتلوک .

ثمّ احتمله ، فکأنّی أنظر إلی رجلی الغلام یخطّان فی الأرض ، وقد وضع صدره علی صدره ، فقلت فی نفسی : ما یصنع؟ فجاء حتّی ألقاه بین (4) القتلی من أهل بیته.

ثمّ قال : اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً یا بنی عمومتی ، صبراً یا أهل بیتی، لا رأیتم هواناً بعد هذا الیوم أبداً.

ثمّ خرج عبدالله بن الحسن الّذی ذکرناه أوّلاً وهو الأصحّ أنّه برز بعد

القاسم ، وهو یقول : إن تنکرونی فأنا ابن حیدره

ضرغام آجام ولیث قسوره

علی الأعادی مثل ریح صرصره

[وأکیلکم بالسیف کیل السندره] (5) فقَتَل أربعة عشر رجلاً ، ثمّ قَتَله هانی بن ثُبیت الحضرمی لعنه الله فاسودّ

وجهه

ص: 305


1- من المقتل والبحار .
2- من المقتل.
3- فی المقتل والبحار : فلا یعینک .
4- فی المقال : مع .
5- من المقتل.

أرجاز أبو بکر وعمر ابنا علی علیه السلام، واستشهادهما رحمة

الله علیهما

ثمّ تقدّم إخوة الحسین علیه السلام عازمین علی أن یموتوا دونه ، فأوّل من خرج منهم أبو بکر بن علیّ ، واسمه عبیدالله(1) وأمّه لیلی بنت مسعود بن خالد بن ربعی التمیمیّة ، فتقدم ، وهو یرتجز ویقول: شیخی علیّ ذوالفخار الأطول من هاشم الصدق الکریم المفضل هذا حسین بن النبیّ المرسل عنه نحامی(2) بالحسام المصقل تفدیه نفسی من أخ مبجّل [یا ربّ فامنحنی ثواب المجزل]

(3)

فلم یزل یقاتِل حتی قَتَله زَحرُ بن بدر النخعی ؛ وقیل : عبدالله بن عتبة

الغنویّ.

ثمّ برز من بعده أخوه عمر بن علیّ ، وهو یقول : أضربکم ولا أری فیکم زُحَر(4) ذاک الشقیّ بالنبیّ قد کفر یا زحریازحر تداین من عمر العلک الیوم تبوء من سقر شرّ مکانٍ فی حریق وسعر لأنّک الجاحد یاشرّ البشر

ثمّ حمل علی زحر قاتل أخیه فقتله ، واستقبل القوم وجعل یضرب بسیفه

ضرباً منکراً وهو یقول: خلّواعداة الله خلّوا عن عمر خلّوا عن اللیث العبوس المکفهر

ی ضربکم بسیفه ولا یفرّ ولیس فیها (5) کالجبان المنحجر

ص: 306


1- کذا فی البحار ، وفی الأصل والمقتل : عبدالله
2- فی المقتل : نذود عنه .
3- من المقتل.
4- فی المقتل : قیس
5- فی المقتل : یغدو .

أرجاز عثمان وجعفر ابنا علی علیه السلام من أم البنین،

واستشهادهما رحمة الله علیهما

فلم یزل یقاتل حتی قُیِل.

ثمّ خرج من بعده أخوه عثمان بن علیّ ، وأمّه أمّ البنین بنت حزام بن خالد

من بنی کلاب ، وهو یقول:

إنّی أنا عثمان ذو المفاخر شیخی علیّ ذو الفعال الظاهر وابن عمّ للنبیّ الطاهر أخی حسین خیرة الأخائر وسیّد الکبار والأصاغر بعد الرسول فالوصی الناصر(1)

فرماه خَوَلیّ بن یزید الأصبحی علی جنبه (2) فسقط عن فرسه ، وحزّ(3)

رأسه رجل من بنی أبان بن حازم فَقَتَله.

ثمّ برز من بعده أخوه جعفر بن علیّ ، وأمّه أمّ البنین أیضاً، وهو یقول : إنّی أناجعفر ذو المعالی ابنها علیّ الخیر ذوالنوالی حسبی بعمّی شرفاً وخالی أحمی حسیناً ذی الندی المفضال(4)

ثمّ قاتل فرماه خولیّ الأصبحی(5)فأصاب شفتیه أو عینه .(6)

ص: 307


1- بدل قوله : «وابن عمّ ... فالوصیّ الناصر» فی المقتل : صنوالنبیّ ذی الرشاد السائر و ما بین کل ّغائب وحاضر
2- فی البحار: جبینه .
3- فی المقتل : نجل .
4- روی هذا الرجز فی المقتل هکذا: أحمی حسینا بالقنا العسال وبالحسام الواضح الصقال
5- ذکر فی تسمیة مَن قتل مع الحسین بن علی علیهما السلام :149رقم 3انّ قاتله هانیء بن بیت الحضرمی .
6- فی «ح» روی سلمان الفارسی قال : کان سیّدنا أمیر المؤمنین علیه السلام یحدّثنا کثیراً بالأشیاء المغیّبات التی تحدث علی مرور السنین والأوقات ، وانه کان یوم الجمعة یخطب علی منبره فی مسجد الکوفة فقال فی خطبته : أیّها الناس ، سلونی قبل أن تفقدونی ، فوالله لا تسألونی عن فئة تضلّ مائة وتهدی مائة إلّأنبّأتکم بناعقها وسائقها إلی یوم القیامة. قال : فقام إلیه رجل فاجر فاسق ، وقال : یا علی ، اخبرنی کم فی رأسی ولحیتی من طاقة شعر؟ فقال له الإمام علیه السلام : لقد أخبرنی بسؤالک هذا ابن عستی رسول الله صلّی الله علیه و آله ونتأنی بما سألت عنه ، وانه علی کلّ طاقة شعر من شعر رأسک ولحیتک شیطان یلعنک ویلعن ولدک ونسلک ، وانّ لک ولداً رجساً ملعوناً یقتل ولدی وفرخی وقرة عینی الحسین علیه السلام ابن بنت رسول الله صلّی الله علیه وآله ، وأنت وولدک بریئان من الایمان ، ولولا انّ الّذی سألتنی عنه یعسر برهانه لأخبرتک به، ولکن حسبک فیما نبأتک به من العنک و رجسک وولدک الملعون الذی یقتل ولدی ومهجة قلبی الحسین علیه السلام. قال : وکان له ولد صغیر فی ذلک الوقت ، فلمّا نشأ وکبر وکان من أمر الحسین علیه السلام ماکان نما الصبیّ وتجبّر و توتی قتل الحسین علیه السلام. وقیل : إنّ ذلک الصبی کان اسمه خولیّ بن یزید الأصبحی، وهو الذی طعن الحسین علیه السلام برمحه فخرج السنان من ظهره فسقط الحسین علیه السلام علی وجهه یخور فی دمه ویشکو إلی ربه . «فخرالدین صاحب مجمع البحرین » [المنتخب 165].

أرجاز عبدالله بن علی علیه السلام، واستشهاده رحمة الله علیه

ثمّ برز أخوه عبدالله بن علیّ ( وأمّه أمّ البنین أیضاً) (1) وهو یقول:. أنا ابن ذی النجدة والإفضال ذاک علی الخیر ذو (2) الفعال س یف رسول الله ذو النکال فی کلّ قوم ظاهر الأهوال (3)

فقتله هانیء بن ثُبَیت الحضرمی(4) وکان العبّاس (5) السقّاء قمر بنی هاشم صاحب لواء الحسین علیه

ص: 308


1- من المقتل.
2- فی المقتل : فی.
3- فی المقتل : وکاشف الخطوب والأهوال.
4- ذکر فی تسمیة مَن قتل مع الحسین بن علی علیهما السلام: 149 رقم 4 : رماه خولیّ بن یزید الأصبحی بسهم، وأجهز علیه رجل من بنی تمیم بن أبان بن دارم.
5- مایتعلّق بمصرع العباس بن علیّ علیه السلام والأرجاز نقله المؤلّف رحمه الله من مناقب ابن شهرآشوب : 108/4.

أرجاز العباس بن علی علیه السلام، واستشهاده رضوان الله علیه

السلام، وهو أکبر الاخوان ، مضی یطلب الماء فحملوا علیه وحمل علیهم ، وجعل یقول : لا أرهب الموت إذا الموت رقی

حتی أُواری فی المصالیت (1)لقی

نفسی لنفس المصطفی الطهر وقا

إنّی أنا العبّاس أغدو بالسقا

*ولا أخاف الشر یوم الملتقی*

ففرّقهم، فکمن له زید بن ورقاء (2)من وراء نخلة ، وعاونه حکیم بن الطفیل السنبسی فضربه علی یمینه ، فأخذ السیف بشماله وحمل ، وهو یرتجز :

والله إن ق طعتم ی مینی إنّی أُحامی أبداً عن دینی وعن إمام صادق الیقین نجل النبیّ الطاهر الأمین

فقاتل حتی ضعف، فکمن له الحکیم (3) بن الطفیل الطائی من وراء نخلة

فضربه علی شماله ، فقال : یانفس لا تخشی من الکفّار وأبشری برحمة الجبار مع النبیّ السیّد المختار قد قطعوا ببغیهم یساری

فأصلهم یا ربَّ حرَّ النار

ص: 309


1- المصلات : الشجاع، الماضی فی الحوائج.
2- الصحیح : زید بن رقاد. انظر : تسمیة من قتل مع الحسین بن علی علیهما السلام : 149رقم 2.
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل والبحار : الحکم.

أبیات للحسین علیه السلام بعد مصرع العباس، وخروج علی الأکبر

علیه السلام للقتال

فضربه ملعون بعمود من حدید فقتله ، فلمّا رآه الحسین علیه السلام

صریعاً علی شاطیء الفرات بکی ، وأنشأ:

تعدَّیتم یاشرَّ قوم ببغیکم

وخالفتموا (1)قول (2)النبیّ محمد

أما کان خیر الرسل أوصاکم بنا؟

أما نحن من نجلِ (3) النبیّ المسدّد؟

[أما کانت الزهراء أمّی دونکم؟

أما کان من خیر البریّة أحمد؟ ](4)

لعنتم وأُخزیتم بما قد جنیتم

فسوف تلاقوا حنار توقیر ولمّا قُتل العبّاس قال الحسین علیه السلام : الآن انکسر ظهری ، وقلّت

حیلتی.

قال : تقدّم علیّ بن الحسین علیه السلام ، وأمّه لیلی بنت أبی مرّة بن عروة بن مسعود الثقفی ، وهو یومئذ ابن ثمانی عشرة سنة، ورفع الحسین سّبابته (5) نحو السماء وقال : اللّهمّ اشهد علی هؤلاء القوم فقد برز إلیهم غلام أشبه الناس خّلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولک صلّی الله علیه و آله ، کنّا إذا اشتقنا إلی نبیک صلّی الله علیه و آله نظرنا إلی وجهه ، اللّهمّ امنعهم برکات الأرض ، وفرّقهم

ص: 310


1- فی المناقب : بفعلکم ... وخالفتم.
2- فی البحار : دین.
3- فی المناقب : نسل .
4- من المناقب والبحار .
5- فی المقتل : شیبته .

أرجاز لعلی الأکبر ، واستشهاده علیه السلام

تفریقاً، ومزّقهم تمزیقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لینصرونا ، ثمّ عدوا علینا یقاتلوننا.

ثمّ صاح الحسین بعمر بن سعد : مالک؟ قطع الله رحمک ، ولا بارک لک فی أمرک، وسلّط علیک من یذبحک بعدی علی فراشک ، کما قطعت رحمی، ولم تحفظ قرابتی من رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ثمّ رفع الحسین علیه السلام صوته وتلا: (إنَّ اللهَ اصطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهِیمَ وَآلَ عِمرَانَ عَلَی العَالَمِینَ ذُرَّیَّةً بَعضُهَا مِن بَعضٍ وَاللهُ سَمِیعُ عَلِیمُ (1)

ثمّ حمل علیّ بن الحسین علی القوم، وهو یقول :

انا علیّ بن الحسین بن علیّ

من عصبةٍ جدّ أبیهم النبیّ(2)

والله لا ی حکم ف ینا ابن الدعیّ

أطعنکم بالرمح حتی ینشنی

أضربکم بالسیف أحمی عن أبی(3)

ضرب غلام هاشمیّ علویّ فلم یزل یقاتل حتی ضجّ الناس من کثرة من قَتَل منهم ، وروی أنّه قتل علی عطشه مائة وعشرین رجلاً، ثمّ رجع إلی أبیه وقد أصابته جراحات کثیرة ، فقال : یا أبیة ، العطش قد قتلنی ، وثقل الحدید أجهدنی ، فهل إلی شربة من ماء سبیل أتقوی بها علی الأعداء؟

ص: 311


1- سورة آل عمران: 33 و 34.
2- فی المقتل : نحن و بیت الله أولی بالنبی .
3- فی المقتل : حتی یلتوی .

فبکی الحسین علیه السلام، وقال : یا بنیّ ، یعزّ علی محمد صلّی الله علیه و آله ، وعلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام، وعلیَّ (1)أن تدعوهم فلا یجیبوک ، وتستغیث بهم فلا یغیثوک.

یا بنیّ ، هات لسانک ، فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إلیه خاتمه ، وقال : أمسکه فی فیک وارجع إلی قتال عدوّک فإنّی أرجو أنّک لا تمسی حتی یسقیک جدّک بکأسه الأوفی شربة لا تظمأ بعدها أبداً، فرجع علیه السلام إلی القتال ، وهو یقول: الحرب قد قامت (2) لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربّ العرش لانفارق

ج موعکم أو تُغمد البوارق فلم یزل یقاتل حتی قَتَل تمام المائتین ، ثمّ ضربه مرّة بن مُنقِذ(3) العبدی لعنه الله علی مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسیافهم، ثمّ اعتنق علیه السلام فرسه ، فاحتمله الفرس إلی عسکر الأعداء فقطّعوه بسیوفهم إرباً إرباً.

فلمّا بلغت الروح (4) التراقی قال رافعاً صوته: یا أبتاه ، هذا جدّی رسول

ص: 312


1- فی المقتل : وعلی أبیک.
2- فی المقتل والبحار : بانت .
3- کذا الصحیح ، و فی الأصل والمقتل والبحار : مُنقِذ بن مرّة. . وهو مرّة بن مُنقِذ بن النعمان الکندی . انظر : تسمیة من قتل مع الحسین بن علی علیهما السلام : 150 رقم 8.
4- فی المقتل : روحه.

الله صلّی الله علیه و آله قد سقانی بکأسه الأوفی شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو یقول [لک] (1). العجل العجل ، فإنّ لک کأساً مذخورة حتی تشربها الساعة.

فصاح الحسین علیه السلام وقال : قتل الله قوماً قتلوک ، ما أجرأهم علی

الله(2) وعلی رسوله ، وعلی انتهاک حرمة الرسول ؟! علی الدنیا بعدک العَفا.

قال حمید بن مسلم : فکأنّی أنظر إلی امرأة خرجت مسرعة کأنّها الشمس الطالعة تنادی بالویل والثبور، وتقول : یا حبیباه، یا ثمرة فؤاداه ، ویا نور عیناه ، فسألت عنها ، فقیل : هی زینب بنت علیّ علیه السلام، وجاءت وانکبت علیه ، فجاء [إلیها ](3) الحسین فأخذ بیدها فردّها إلی الفسطاط ، وأقبل علیه السلام بفتیانه وقال : احملوا أخاکم ، فحملوه من مصرعه ، فجاءوا به حتی وضعوه عند الفسطاط الّذی کانوا یقاتلون أمامه.(4)

قال : وخرج غلام من تلک الأبنیة وفی أُذنیه درّتان (5) ، وهو مذعور فجعل یلتفت یمیناً وشمالاً، فحمل علیه هانیء بن ثُبَیت لعنه الله ، فقتله ، فصارت شهربانو تنظر إلیه ولا تتکلّم کالمدهوشة.

ثمّ التفت الحسین عن یمینه فلم یر أحداً من الرجال ، والتفت [عن ](6)

ص: 313


1- من المقتل.
2- فی البحار : الرحمن.
3- من المقتل.
4- فی «ح»: فنظر الحسین بطرفه إلی السماء وقال : اللّهمّ أنت الشاهد علی القوم الذین قتلوا أشبه الخلق بنبیک. والله مالی أنیس بعد فرقتکم إلا البکاء وقرع الست من ندمی ولا ذکرت الذی أبد الزمان لکم إلا جرت أدمعی ممزوجة بدم
5- فی المقتل : قرطان .
6- من البحار .

خروج الإمام الحسین علیه السلام للقتال

یساره فلم یر أحداً، فخرج علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السلام، وکان مریضاً لا یقدر أن یقلّ سیفه ، وأمّ کلثوم تنادی خلفه: یا بنیّ ، ارجع.

فقال : یا عمّتاه ، ذرینی أقاتل بین یدی ابن رسول الله . .

وقال الحسین علیه السلام: یا أمّ کلثوم، خذیه لئلّا تبقی الأرض خالیة

من نسل آل محمد صلّی الله علیه و آله .

ولمّا فجع الحسین علیه السلام بأهل بیته وولده ، ولم یبق غیره وغیر النساء والذراری نادی : هل من ذابّ یذبّ عن حرم رسول الله صلّی الله علیه وآله ؟ هل من موحّد یخاف الله فینا؟ هل من مغیث یرجو الله فی إغاثتنا ؟ [هل من معین یرجو ما عند الله فی إعانتنا] (1)؟ وارتفعت أصوات النساء بالعویل ، فتقدّم صلوات الله علیه إلی باب الخیمة ، فقال : ناولونی علیّاً ابنی الطفل حتی أودعه ، فناولوه الصبی ، فجعل یقتله وهو یقول : ویل لهؤلاء القوم إذا کان جدّک محمد صلّی الله علیه و آله خصمهم، والصبیّ فی حجره، إذ رماه حرملة بن کاهل الأسدی لعنه الله بسهم فذبحه فی حجر الحسین ، فتلقّی الحسین دمه حتی امتلأت کفّه ، ثمّ رمی به إلی السماء فما رجع منه شیء ، ثمّ قال : لا یکون أهون علیک من فصیل ، اللّهمّ إن کنتَ حبستَ عنّا النصر فاجعل ذلک لما هو

خیر لنا(2)

ص: 314


1- من المقتل.
2- فی «ح»: ونقل انّه لمّا قتل العباس تدافعوا الرجال علی الحسین علیه السلام وأصحابه ، فلمّا نظر ذلک منهم نادی بالقوم : أما من مجیر یجیرنا ؟ أما من مغیبٍ یغیثنا؟ أما من طالب حقّ ینصرنا؟ أما من خائف من النار یذب عنّا؟ أما من أحدٍ یأتینا بشربة من الماء لهذا الطفل الصغیر فإنّه لا یطیق الظمأ ؟ فقام إلیه ولده الأکبر شبیه الرسول ، فقال : أنا آتیک بالماء یا سیّدی : فقال : امض بارک الله فیک . قال : فأخذ الرکوة بیده واقتحم الشریعة وملأ الرکوة فأقبل بها نحو أبیه علیه السلام وقال : الماء طلبت، یا أبی ، اسق أخی الصغیر فإنّه لا یطیق العطش، فإن بقی شیء فصّبه علی ، فإنّی والله عطشان. فبکی الحسین علیه السلام من قوله وأجلس ولده الصغیر علی فخذه وأخذ الرکوة وقرّبها إلی فمه ، فلمّا همَ وأراد أن یشرب الطفل الماء أتاه سهم مسموم فوقع فی حلقه فذبحه قبل أن یشرب من الماء شیئاً، فبکی الحسین علیه السلام ورمی الرکوة من یده، الفخری مؤلف مجمع البحرین. [ المنتخب : 443 ].

أبیات للإمام الحسین علیه السلام

ثمّ قام الحسین علیه السلام ورکب فرسه و تقدّم إلی القتال ، وهو یقول :

ک فر القوم وقدماً رغبوا عن ثواب الله ربّ الثقلین قتل(1) القوم علیّاً وابنه حسن الخیر کریم الأبوین حنقاً منهم وقالوا أجمعوا واحشروا الناس إلی حرب الحسین [یالقوم من أناس رُذّل جمع الجمع لأهل الحرمین](2) ثمّ ساروا وتواصوا کلّهم باجتیاحی لرضاء الملحدینِ لم یخافوا الله فی سفک دمی لعبید الله نسل الکافرین وابن سعد قد رمانی عنوة بجنود کوکوف الهاطلین (3) لا لشیء کان منّی قبل ذا غیر فخری بضیاء النیرین بعلیّ الخیر من بعد النبیّ والنبیّ القرشیّ الوالدین خیرة الله من الخلق أبی ثمّ أمّی فأنا ابن الخیرین فضّة قد خلصت من ذهبٍ فأنا الفضّة وابن الذهبین من له جدّکجدّی فی الوری أو کشیخی فأنا ابن العلمینِ

ص: 315


1- فی البحار : قتلوا
2- من البحار.
3- یقال : وکف البیت بالمطر : تقاطر وسال قلیلا ، والهطل : تتابع المطر والدمع وسیلانه

فاطم الزهراء أمّی وأبی قاصم الکفر ببدر و حنین

عَبَدَ الله

غلاماً یافعاًوقریش یعبدون الوثنین یعبدون اللات والعزّی معاً وعلیّ کان صلّی القبلتین وأبی شمس وأمّی قمر فأنا الکوکب وابن القمرین وله

فی یوم أُحد وقعةٍ شفت الغلّ بفض العسکرین ثمّ فی الأحزاب والفتح معاً کان فیها حتف أهل الفیلقینِ فی سبیل الله ماذا صَنَعَت أمّة السوء معاً بالعترتین عترة البرّ النبیّ المصطفی وعلیّ القرم(1) یوم الجحفلین(2)

ثمّ وقف صلوات الله علیه قبالة القوم وسیفه مُصلت فی یده آیساً من

الحیاة ، عازماً علی الموت ، وهو یقول : أنا ابن علیّ الطهر(3) من آل هاشم

کفانی بهذا مفخراًحین أفخر

وجدّی رسول الله أکرم من مضی

ونحن سراج الله فی الأرض (4)نزهر

وفاطم أمّی من سلالة أحمد(5)

وعمّی یدعی ذو الجناحین جعفر

ص: 316


1- فی البحار : الورد
2- انظر الأبیات أیضاًفی : الاحتجاج: 301، الفتوح لابن اعثم : 210/5، مطالب السؤول : 29/2کشف الغمة : 27/2 ، عبرات المصطفین : 93/2 .
3- فی المقتل : الخیر .
4- فی البحار : الخلق.
5- فی المقتل : وفاطمة أمی ابنة الطهر أحمد

إلی العراق وفینا کتاب الله أنزل صادقاً(1)

وفینا الهدی والوحی بالخیر یذکر

ونحن أمان الله للناس(2) کلّهم

نسرّ بهذا فی الأنام ونجهرّ

ونحن ولاة الحوض نسقی ولاتنا

بکأس رسول الله ما لیس ینکرُ (3)

وشیعتنا فی الناس أکرم شیعة(4)

ومبغضنا

یوم القیامة یخسر وذکر أبو علیّ السلامیّ فی تاریخه أنّ هذه الأبیات للحسین علیه السلام

من إنشائه ، وقال : ولیس لأحد مثلها: وإن تکن الدنیا

تعدّ نفیسة

فإنّ ثواب الله أعلی وأنبلُ

وإن تکن الأبدان للموت أُنشئت

فقتل امریء بالسیف فی الله أفضل

وإن تکن الأرزاق قسم مقدّراً

فقلّة سعی المرء فی الکسب أجملُ

وإن تکن الأموال للترک جمعها

فما بال متروک به المرؤ یبخلُ؟

ص: 317


1- فی المقتل : صادعاً.
2- فی المقتل : فی الخلق
3- فی المقتل : نسقی محبنا .. بکأس وذاک الحوض للسقی کوثر.
4- فی المقتل : فیسعد فینا فی القیام محبنا.

أرجاز للإمام الحسین علیه السلام

[سأمضی وما بالقتل عار علی الفتی

إذا

فی سبیل الله یمضی ویقتل (1)

ثمّ إنّه علیه السلام دعا الناس إلی البراز ، فلم یزل یقتل کلّ من دنا منه من

عیون الرجال ، حتی قتل منهم مقتلة عظیمة.

ثمّ (2)حمل علیه السلام علی المیمنة وقال : الموت خیر من رکوب العار [والعار أولی من دخول النار] (3)

ثمّ علی المیسرة ، وهو یقول: أنا الحسین بن علی آلیت ألا أن ث

نی أحمی عیالات أبی أمضی علیّ دین النبیّ

ولم یزل یقاتِل حتی قَتَل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسین رجلاً

سوی المجروحین.

فقال عمر بن سعد لقومه : الویل لکم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطین ، هذا أبن قتّال العرب ، فاحملوا علیه من کل جانب ، وکانت الرماة أربعة آلاف ترمیه بالسهام فحالوا بینه وبین رحله .

فصاح بهم : ویحکم یا شیعة آل أبی سفیان ، إن لم یکن لکم دین ، وکنتم لا تخافون المعاد، فکونوا أحراراً فی دنیاکم ، وارجعوا إلی أحسابکم إن کنتم

أعراباً .

ص: 318


1- من المقتل]
2- من هنا إلی قوله : «من کلّ جانب» نقله المؤلّف رحمه الله من مناقب ابن شهرآشوب:110/4.
3- من المناقب .

فناداه شمر ، فقال : ما تقول ، یا ابن فاطمة ؟

قال : أقول : أنا الّذی أُقاتلکم وتقاتلونی ، والنساء لیس علیهن جناح ،

فامنعوا عُتاتکم عن التعرض لحرمی ما دمت حیّاً.

فقال شمر : لک هذا ، ثمّ صاح شمر : إلیکم عن حرم الرجل ، فاقصدوه فی

نفسه ، فلعمری لهو کفو کریم

قال : فقصدوه القوم وهو فی ضمن ذلک یطلب شربة ماء، فکلّما حمل بفرسه علی الفرات حملوا علیه بأجمعهم حتی أحالو(1) عنه ، ثمّ رماه رجل من القوم یکنی أبا الحتوف الجعفی لعنه الله بسهم، فوقع السهم فی جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء علی وجهه ولحیته ، فقال صلوات الله علیه : اللّهمّ إنّک تری ما أنا فیه من عبادک هؤلاء العصاة ، اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً ، ولا تذر علی وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.

ثمّ حمل علیهم کاللیث المغضب، فجعل لا یلحق منهم أحد إلا بعجه بسیفه فقتله ، والسهام آخذة له من کلّ ناحیة وهو یتقّیها بنحره وصدره ، ویقول : یا أمة السوء، بئسما خلفتم محمدأ فی عترته ، أمّا إنکم لن تقتلوا بعدی عبداً من عباد الله فتها بوا قتله ، بل یهون علیکم عند قتلکم إیّای ، وأیم الله إنّی لأرجو أن یکرمنی ربّی بالشهادة بهوانکم، ثمّ ینتقم لی منکم من حیث لا تشعرون.

قال : فصاح به الحصین بن مالک السکونی ، فقال : وبماذا ینتقم لک منّا؟ قال : یلقی بأسکم بینکم، ویسفک دماءکم، ثمّ یصبّ علیکم العذاب

ص: 319


1- فی المقتل : أجلوه .

کثرة الجراحات التی أصابته علیه السلام

ثمّ لم یزل یقاتل حتی أصابته جراحات عظیمة .

وروی عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام ، قال : وجد بالحسین علیه

السلام ثلاث وثلاثون طعنة و أربع وثلاثون ضربة.

وقال الباقر علیه السلام : أُصیب الحسین علیه السلام ووجد به ثلاثمائة

وبضعة وعشرون طعنة برمح، وضربة بسیف ، ورمیة بسهم.

وفی روایة : ألف وتسعمائة جراحة ، وکانت السهام فی درعه کالشوک

فی جلد القُنفذ، وروی أنّها کانت کلّها فی مقدمته.

وهذه الروایات رواها الشیخ الثقة رشید الدین بن شهرآشوب

المازندرانی رضی الله عنه فی کتابه المناقب(1)

فوقف صلوات الله علیه یستریح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبینا هو وأقف إذ أتاه حجر فوقع علی جبهته ، فأخذ الثوب (2) لیمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدّد مسموم، له ثلاث شعب ، فوقع السهم فی صدره(3) فقال الحسین علیه السلام : بسم الله ، وبالله ، وعلی ملّة رسول الله ، ورفع رأسه إلی السماء وقال : إلهی إنک تعلم أنّهم یقتلون رجلاً لیس علی وجه الأرض ابن نبیّ غیره، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم کالمیزاب ، فوضع یده علی

ص: 320


1- مناقب ابن شهرآشوب : 110/4 - 111، عنه البحار : 52/45 ، وعوالم العلوم :295/17.
2- کذا فی المقتل والبحار ، وهو الصحیح ، و فی الأصل : التراب .
3- فی المقتل : قلبه .

جمیع

الجرح، فلما امتلأت [ دماً ](1) رمی به إلی السماء، فما رجع من ذلک الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة فی السماء حتی رمی الحسین علیه السلام بدمه إلی السماء، ثمّ وضع یده ثانیاً ، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحیته ، وقال : هکذا أکون حتی ألقی جدّی رسول الله صلّی الله علیه و آله وأنا مخضوب بدمی،

وأقول : یا رسول الله ، قتلنی فلان وفلان.

ثمّ ضعف علیه السلام عن القتال فوقف ، فکلّما أتاه رجل من الناس وانتهی إلیه انصرف عنه [وکره أن یلقی الله بدمه](2)حتی جاء رجل من کندة یقال له مالک بن النُّسَیر (3) لعنه الله فضربه بالسیف علی رأسه ، وعلیه برس(4) فقطع البرنس فامتلأ دما.

فقال له الحسین علیه السلام : لا أکلت بها ولا شربت (5)، وحشرک الله مع الظالمین ، ثم ألقی البرنس ولبس قلنسوة واعتم علیها وقد أعین، وجاء الکندی و أخذ البرنس ، وکان من خز، فلمّا قدم ( به )(6)بعد الوقعة علی امرأته فجعل یغسل الدم عنه ، فقالت له امرأته : أتدخل بیتی سلب ابن رسول الله؟ اخرج عتی حشی الله قبرک ناراً ، فلم یزل بعد ذلک فقیراً بأسوء حال ویبست یداه ، وکانتا فی الشتاء ینضحان دماً، وفی الصیف یصیران یا بستین کأنّهما

ص: 321


1- من المقتل.
2- من المقتل.
3- کذا ضبطه فی الکامل فی التاریخ : 75/4 ، لکنّه عاد وسمّاه مالک بن بَشیر البدّی ، وذلک فی ص 239 حینما أحضره المختار رحمه الله فأمر بقطع یدیه ورجلیه و تُرک یضطرب حتی مات. وفی المقتل والملهوف : النسر ، وفی الأصل : البشیر ، وفی البحار : الیسر .
4- البرنس : القلنسوة الطویلة
5- فی المقتل : لا أکلت بیمینک ولا شربت بها .
6- من المقتل.

استشهاد الإمام الحسین علیه السلام

ولمّا ضعف علیه السلام نادی شمر لعنه الله : ما وقوفکم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ قد أثخنته الجراح و السهام، احملوا علیه ثکلتکم أُمّهاتکم، فحملوا علیه من کلّ جانب ، فرماه الحصین بن تمیم فی فیه ، وأبو ایّوب الغنویّ بسهم فی حلقه ، وضربه زرعة بن شریک التمیمی علی کتفه الیسری ، وعمر بن خلیفة الجعفی علی حبل عاتقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنی فی جنبه ، وکان قد طعنه سنان(1) بن أنس النخعی فی صدره ، فوقع صلوات الله علیه علی الأرض علی خده الأیمن ، ثمّ استوی جالساً ونزع السهم من حلقه (2)

ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسین علیه السلام.

قال حمید: وخرجت زینب بنت علیِّ علیه السلام و قُرطاها یجولان بین أُذنیها، وهی تقول : لیت السماء انطبقت علی الأرض، یا عمر بن سعد : أیقُتل أبو عبد الله وأنت تنظر إلیه؟ ودموع عمر تسیل علی خدّیه ولحیته ، وهو یصرف وجهه عنها ، والحسین علیه السلام جالس و علیه جبّة خزّ، وقد تحاماه الناس ، فنادی شمر : ویلکم ما تنتظرون به ؟ اقتلوه ثکلتکم أمّهاتکم، فضربه زُرعة بن شریک فأبان کفّه الیسری ، ثمّ ضربه علی عاتقه ، ثمّ انصرفوا عنه ، وهو یکبو مرّة ویقوم آخری.

فحمل علیه سنان فی تلک الحال فطعنه بالرمح فصرعه، وقال لخولیّ بن یزید: اجتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت یده ، فقال له سنان : جبّ(3) الله عضدک ،

ص: 322


1- کذا فی المقتل والبحار ، و فی الأصل : سفیان ، وهو تصحیف
2- فی المقتل : نحره.
3- فی المقتل والبحار : فت.

ما سلب منه علیه السلام

المجلس السابع : فی مسیر الحسین ع إلی العراق وأبان یدک، فنزل إلیه شمر (1) لعنه الله ، وکان اللعین أبرص ، فضربه برجله فألقاه علی قفاه ، ثمّ أخذ بلحیته ، فقال الحسین علیه السلام : أنت [ الکلب (2) الأبقع الذی رأیتک فی منامی.

فقال : أتشبهنی بالکلاب؟ ثمّ جعل یضرب بسیفه مذبح الحسین علیه

السلام .(3)

وقیل : لمّا جاء شمر والحسین علیه السلام بأخر رمق یلوک لسانه من العطش ، فطلب الماء فرفسه شمر لعنه الله برجلیه ، وقال : یا ابن أبی تراب ، ألست تزعم أنّ أباک علی حوض النبیّ یسقی من أحبّه ؟ فاصبر حتی تأخذ الماء من یده، ثمّ جلس علی صدره .

فقال له الحسین علیه السلام : أتقتلنی ولا تعلم من أنا ؟

فقال : أعرفک حقّ المعرفة مک فاطمة الزهراء ، وأبوک علیّ المرتضی ، وجدّک محمد المصطفی ، وخصمک العلیّ الأعلی ، أقتلک ولا أبالی ، فضربه بسیفه اثنتا عشرة ضربة ، ثمّ جزّ رأسه صلوات الله وسلامه علیه ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرین إلیه بجموعهم.

ثمّ سلبوه (4) علیه السلام لباسه وجمیع ما کان علیه ؛ فأخذ عمامته جابر ابن یزید الأزدی ، وقمیصه إسحاق بن حیوة (5)، وثوبه جعونة بن حوبة

ص: 323


1- فی المقتل : فنزل إلیه نصر بن خرشة الضبابی ، وقیل : بل شمر .
2- من المقتل. وفیه: «رأیته» بدل «رأیتک».
3- من قوله : «ولمّا قتل أصحاب الحسین» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار 32/45 - 56 عن کتابنا هذا.
4- انظر فی أسماء من سلبه علیه السلام : مناقب این شهر اشوب : 111/4 .
5- کذا فی الکامل : 80/4ووقعة الطفّ : 255، وفی الأصل غیر مقروءة ، وفی الملهوف: حوبة ، وفی البحار : ځویة.

الحضرمی ، وقطیفته من خزّ قیس بن الأشعث الکندی ، وسراویله بحیر بن عمرو الجرمی.(1)

وکان علیه السلام قد قال لأهله : ائتونی بثوب لا یرغب فیه لئلّا أُسلبه ، فأتوه بتبان ، فقال : هذا من لباس أهل الذمّة ، فأتوه بسراویل أوسع منه فسلبوه إیّاها ، سلبها [ بحیر بن](2) عمرو المذکور؛ وقیل : أخذها بحر بن کعب التمیمی، وأخذ القوس والحلل الرحیل بن خیثمة الجعفی وهانیء بن ثُبیت الحضرمی و جریر بن مسعود الحضرمی ، ونعلیه الأسود الأوسی، وسیفه رجل من بنی نهشل بن دارم(3) وقیل : الأسود بن حنظلة ، فأحرقهم المختار رضی الله عنه بالنار، ثمّ مال الناس علی الورس والأمتعة والإبل فانتهبوها، ثم تسابقوا علی نهب بیوت آل الرسول حتی کانوا ینزعون ملحفة المرأة عن رأسها وظهرها.

وعن فاطمة بنت الحسین قالت : لمّا دخلت العامّة علینا بالنهب دخل رجل وانا صغیرة وفی رجلیّ خلخالان فنزعهما من رجلیَّ وهو یبکی ، فقلت : ما یبکیک ؟

فقال : وکیف لا أبکی وأنا أسلب ابنة رسول الله ؟! فقلت : لا تسلبنی. فقال : أخاف أن یأخذه غیری .

ص: 324


1- فی الکامل : 77/4 و 78 ووقعة الطف : 255 والملهوف : بحر بن کعب التیمی ، وفی البحار : أبجر بن کعب التیمی.
2- أثبتناه للضرورة.
3- فی المقتل : نهشل من بنی دارم .

حرق الخیام

وقال حمید بن مسلم : انتهیت إلی علیّ بن الحسین علیه السلام وهو مضطجع علی فراش له وهو مریض ، وإذا شمر معه رجل یقول : ألا نقتل هذا الصبی ؟

سبحان الله ! ما معنی قتل الصبیان ؟ فما زال دأبی کذلک أدفع عنه حتی جاء عمر بن سعد ، فقال : لا یدخلنّ أحد بیوت هذه النسوة، ولا یتعرّض لهذا الغلام أحد، ومن أخذ من متاعهم شیئاً فلیرده، فوالله ما ردّ أحد شیئاً غیر انّهم کفّوا.

فقال لی علیّ بن الحسین علیه السلام : جزیت خیراً فقد دفع الله عنّا

- بمقالتک - أشرار الناس(1)

ولمّا دخل الناس بعد قتل الحسین الفسطاط - فسطاط النساء - للنهب أقبلت امرأة من عسکر ابن سعد کانت مع زوجها ، فلمّا اقتحم الناس الفسطاط وأقبلوا یسلبون النساء أخذت سیفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، ونادت: یا آل بکر ابن وائل ، أتسلب بنات رسول الله ؟ یا لثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردّها إلی رحله .

ثمّ أمر ابن سعد بإخراج النساء من الخیمة وأضرموا فیها النار ، فخرجن

حواسر مستبات حافیات باکیات ، یمشین سبایا فی أسر الذلّة .

قال بعض من شهد الوقعة : ما رأیت مکثوراً (2) قط قتل ولده وإخوته وبنو عمه وأهل بیته وأنصاره أربط جأشاً، ولا أمضی جناناً ما رأیت قبله ولا بعده

ص: 325


1- فی المقتل : شر هؤلاء.
2- المکثور : المغلوب .

أن الخیل وطأت الحسین علیه السلام

مثله - أعنی الحسین علیه السلام - لقد رأیت الرجال تنکشف عنه انکشاف المعزی إذا عاث(1)فیها الذئب.

ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله نادی : من ینتدب للحسین فیطأه بفرسه(2)

فانتدب له عشرة نفر، منهم : أخنس بن مرثد الحضرمی، وهو القائل (3)نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بکلّ یعبوب شدید الأسر [حتی عصینا الله رب الأمر بصنعنا مع الحسین الطهر](4)

وقال عمر بن سعد لعنه الله : بهذا أمر الأمیر عبیدالله .

قال الراوی (5)فنظرنا فی هؤلاء العشرة فوجدناهم أولاد زنا، وهؤلاء أخذهم المختار رضی الله عنه وشدّ أیدیهم وأرجلهم بسکک من حدید ، ثمّ أوطأهم الخیل حتی ماتوا.(6)

وأقام عمر بن سعد یومه ذاک بعد الواقعة إلی الغد، فجمع قتلاه فصلّی علیهم ودفنهم ، وترک الحسین وأصحابه منبوذین بالعراء، فلما ارتحلوا إلی الکوفة وترکوهم علی تلک الحال عمد أهل الغاضریّة من بنی أسد فصلّوا علیهم ودفنوهم (7)

ص: 326


1- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : غارت .
2- فی المقتل فیوطه فرسه
3- نسب الرجز فی الملهوف: 183 إلی أسید بن مالک .
4- من المقتل.
5- فی المقتل : فیوطئه فرسه.
6- هو أبو عمرو الزاهد. انظر فی ترجمته : وفیات الأعیان: 500/1 ، تاریخ بغداد :356/2 ، الأعلام للزرکلی : 254/2.
7- من قوله : «وأقام عمر بن سعد یومه» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :62/45 عن کتابنا هذا. وکذا البحرانی فی عوالم العلوم : 306/17 .

بلاء الله تعالی النازل فیمن سلب الحسین علیه السلام

وابتلی الله سبحانه الّذین أخذوا سلب الحسین علیه السلام کلّ واحد منهم ببلاء، فالّذی أخذ سراویله بحیر بن عمرو الجرمی فلبسها فصار زمناً مقعداً، والّذی أخذ عمامته وهو جابر بن یزید فصار مجذوماً، والّذی أخذ درعه مالک بن نسیر صار معتوهاً، والّذی أخذ خاتمه وهو بجدل بن سلیم الکلبی وقطع اصبعه علیه السلام مع الخاتم أخذه المختار وقطع یدیه ورجلیه وترکه یتشحّط بدمه حتی مات.(1)

وارتفعت فی السماء - فی تلک الساعة الّتی قتل فیها صلوات الله علیه - غبرة شدیدة سوداء مظلمة، فیها ریح حمراء، لا یری فیها عین ولا أثر، حتی ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم.

وقتل صلوات الله علیه(2) یوم عاشوراء عاشر المحرّم الحرام سنة إحدی

وستّین من الهجرة، وهو ابن أربع وخمسین سنة وستّة أشهر ونصف.

قال : وأقبل فرس الحسین علیه السلام وقد عدا من بین أیدیهم أنّ لا یؤخذ، فوضع ناصیته فی دم الحسین علیه السلام، ثمّ أقبل یرکض نحو خیمة النساء، وهو یصهل ویضرب الأرض برأسه عند الخیمة حتی مات.(3)

والسیف الّذی کان مع الحسین صلوات الله علیه حین قُتل لیس هو بذی الفقار ، وإنّما هو غیره، لأنّ ذا الفقار [کان مذخوراًو مصوناً مع أمثاله](4) من

ص: 327


1- انظر ذوب النضار : 123.
2- زاد فی المقتل : باتفاق الرواة ، وفی البحار : باتفاق الروایات .
3- من قوله : «وقتل صلوات الله علیه یوم عاشوراء» إلی هنا نقله المجلسی رحمه الله فی البحار :60/45 عن کتابنا هذا. وکذا البحرانی فی عوالم العلوم :304/17.
4- من الملهوف.

فی عدة المقتولین من أصحاب وأهل بیت الحسین علیه السلام

ذخائر النبوّة والامامة لا یطّلع علیه أحد.

وکان عدّة القتلی من أصحاب الحسین علیه السلام الّذین قتلوا معه

اثنین وسبعین رجلاً رضوان الله علیهم ورحمته وسلامه هؤلاء الّذین قتلوا قبل أهل بیته .

وأمّا عدّة المقتولین من أهل بیته فالأکثرون علی أنّهم کانوا سبعة

وعشرین:

سبعة من بنی مسلم ومن بنی عقیل (1) مسلم المقتول بالکوفة ، وجعفر، وعبدالرحمان [ابنا عقیل ](2) ومحمد بن مسلم، وعبدالله بن مسلم، وجعفر بن محمد بن عقیل ، ومحمد بن أبی سعید بن عقیل.

وثلاثة من ولد جعفر: محمد بن عبدالله بن جعفر، وعون الأکبر بن

عبدالله ، وعبید الله بن عبدالله .

وتسعة (3) من ولد أمیر المؤمنین علیه السلام: الحسین علیه السلام،

والعباس ؛ ویقال : وابنه محمد بن العبّاس(4)

ذکر صاحب مقاتل الطالبیّین أنّ العبّاس بن علیّ بن أبی طالب، وعثمان ابن علیّ بن أبی طالب ، وجعفر بن علیّ بن أبی طالب ، وعبدالله بن علیّ بن أبی طالب هؤلاء الأربعة صلّوا مع الحسین علیه السلام وکانت أمّهم أمّ البنین بنت

ص: 328


1- فی البحار : سبعة من بنی عقیل ، وفی مناقب ابن شهرآشوب: 112/4 : «تسعة» بدل سبعة» وزاد فی الأسماء : عون بن عقیل فقط.
2- من البحار .
3- کذا فی المناقب والبحار ، وفی الأصل : سبعة.
4- مقاتل الطالبیین : 53 - 56، عنه البحار : 39/45.

مراثی فی العباس علیه السلام

حزام بن خالد بن ربیعة بن الوحیل،(1) وهو عامر بن کلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة ، وکان العبّاس أکبرهم، وهو آخر من قتل من إخوته لأمّه وأبیه.

وفی العبّاس علیه السلام یقول الشاعر: أحقّ الناس أن یبکی علیه فتی أبکی الحسین بکربلاء أخوه وابن والده علیّ أبو الفضل المضرّج بالدماء ومن واسساه لا یثنیه شیء فجادله علی عطش بسماء

وفیه یقول الکمیت بن زید : وأبو الفضل إنّ ذکرهم الحلو ش فاء النفوس من أسقام ق تل الأدعیاء إذا ق تلوه أکرم الشاربین صوب الغمام

وکان العبّاس رجلأً جسیماً وسیماً جمیلاً، وکان یرکب الفرس المطَهَّمُ (2)ورجلاه تخطّان الأرض ، وکان یقال له قمر بنی هاشم ، وکان لواء الحسین علیه السلام معه یوم قُتل.

وکانت أمّ البنین أمّ هؤلاء الإخوة الأربعة تخرج إلی البقیع فتندب بنیها أشجی ندبة وأحرقها ، فیجتمع الناس إلیها یسمعون منها ، وکان مروان یجیء فیمن یجیء فیسمع ندبتها ویبکی.

وعبدالله الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبو بکر ، یشکّ فی قتله . وأربعة من بنی الحسن علیه السلام : أبو بکر ، وعبدالله ، والقاسم ؛ وقیل :

ص: 329


1- کذا فی مقاتل الطالبیین ، وفی الأصل : بنت حزام بن خویلد بن الوحیل.
2- المُطَهَّمُ من الناس والخیل : الحَسَنَ التامُّ کلّ شیء منه علی حدته ، فهو بارع الجمال . «لسان العرب : 372/12- طهم - ».

المقتولون فی الحملة الأولی من أصحاب الحسین علیه السلام

وبشر ؛ وقیل : عمر وکان صغیراً.

وستّة من أولاد الحسین علیه السلام مع اختلاف فیهم : علیّ الأکبر ،[ وإبراهیم] ، (1)وعبدالله ، وعلیّ الأصغر، وجعفر، ومحمد، وذبح (2) عبدالله فی

حجره.

وأسّروا الحسن بن الحسن مقطوعة یده ؛ وقیل : لم یقتل محمد الأصغر

ابن الحسین (3) لمرضه ؛ ویقال : رماه رجل من بنی دارم فقتله.

والمقتولون فی الحملة الأُولی من أصحاب الحسین: نُعیم بن عَجلان ، وعمران بن کعب ، وأنس بن حارث(4)الأشجعی ، وحنظلة بن عمرو الشیبانی (5)، وقاسط بن زهیر ، وکنانة بن عتیق ، وعمرو بن مشیعة(6)، وضرغامة ابن مالک ، وعامر بن مسلم، وسیف بن مالک النمیری، وعبدالرحمان الأرحبی، ومجمع العائذی ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندعی، والحلاس ابن عمرو الراسبی، وسوَار بن حمیر (7)، الفهمی، وعمّار بن سلامة(8) الدالانی،

ص: 330


1- من المناقب والبحار .
2- فی المناقب : عبدالله ومحمد وحمزة وعلی وجعفر وعمر وزید، وذبح ..
3- فی المناقب : محمد الأصغر بن علی بن أبی طالب علیه السلام.
4- فی المناقب والبحار : عمران بن کعب بن حارث . وما فی المتن یوافقه مافی تسمیة من قتل مع الحسین بن علی علیه السلام : 152 رقم 27 و ص153 رقم 53.
5- ذُکر فیما مرّ حنظلة بن سعد الشبامی.
6- کذا فی المناقب والبحار ، وفی الأصل : عمر بن شیبة. وسماه فی تسمیة من قتل مع الحسین بن علی علیه السلام : 153 رقم42: عمرو بن ضبیعة .
7- فی المناقب : سوار بن أبی عمیر ، وفی البحار : سوار بن أبی حمیر ، وسمّاه فی تسمیة من قُتل مع الحسین علیه السلام : 156 رقم 103 : سوّار بن حمیر الجابری .
8- فی المناقب والبحار : عمّار بن أبی سلامة .

إرسال رأس الحسین علیه السلام إلی ابن زیاد لعنه الله

والنعمان ابن عمرو الراسبی ، وزاهر بن عمرو مولی ابن الحمق ، وجبلة بن علیّ ، ومسعود بن الحجّاج، وعبدالله بن عروة الغفاری، وزهیر بن بشر الخثعمی، وعمّار بن حسّان، وعبدالله بن عمیر ، ومسلم بن کثیر، وزهیر بن سلیم(1)، وعبدالله وعبید الله ابنا زید البصری، وعشرة من موالی الحسین علیه السلام ، ومولیان من موالی أمیر المؤمنین علیه السلام.

هؤلاء المقتولون فی الحملة الأُولی إلی تمام الخمسین ، والباقون قتلوا بعد هؤلاء، وهم : الحر، وبریر، وعمرو بن خالد الأسدی ، وحبیب بن مظاهر، وزهیر بن القین ، وغیرهم ممّن ذکرنا أوّلاً رضی الله عنهم أجمعین ، ولعن الله قاتلهم إلی یوم الدین.

قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله سرح (2) برأس الحسین علیه السلام یوم

عاشوراء - یوم قتل فیه علیه السلام - مع خولی بن یزید الأصبحی وحمید بن مسلم الأسدی إلی ابن زیاد لعنه الله ، ثمّ أمر برؤوس الباقین من أهل بیته وأصحابه فقطّعت وسرّح بها مع شمر بن ذی الجوشن (وقیس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج (3) إلی الکوفة ، وأقام أبن سعد یومه ذلک و غده إلی الزوال - کما أشرنا أوّلاً ..

وروی أنّ رؤوس أصحاب الحسین علیه السلام وأهل بیته کانت ثمانیة

وسبعین رأساً، واقتسمتها القبائل لتتقرب بذلک إلی عبید الله وإلی یزید :

فجاءت کندة بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قیس بن الأشعث.

ص: 331


1- کذا فی المناقب والبحار ، وفی الأصل : مسلم.
2- فی الملهوف : بعث.
3- من الملهوف.

إقتسام القبائل رؤوس أصحاب وأهل بیت الحسین علیه السلام،

وإرسال السبایا إلی الکوفة، وندیة زینب أخاها الحسین

علیه السلام

وجاءت هوازن باثنی عشر رأساً ، وصاحبهم شمر. وجاءت تمیم بسبعة عشر رأساً. (1)وجاءت بنو أسد بستّة عشر رأساً . وجاءت مذحج بسبعة رؤوس. وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأساً

ثمّ أذن ابن سعد بالرحیل إلی الکوفة ، وحمل بنات الحسین وأخواته وعلی بن الحسین وذراریهم، فأُخرجوا حافیات کاسرات مستبات باکیات یمشین سبایا فی أسر الذلّة ، فقلن : بحقّ الله ما نروح معکم ولو قتلتمونا إلا ما مررتم بنا علی مصرع الحسین ، فأمر ابن سعد لعنه الله لیمرّوا بهم من المقتل حتی رأین إخوانهنِّ، وأبناءهنّ، وودّعنهم، فذهبوا بهنّ إلی المعرکة ، فلمّا نظر النسوة إلی القتلی صحن وضربن وجوههنّ.

قال : فوالله ما أنسی زینب بنت علیّ وهی تندب الحسین و تنادی بصوت حزین : یا محمداه ، صلّی علیک ملیک السماء ، هذا حسین مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء، وبناتک سبایا ، إلی الله المشتکی ، وإلی محمد المصطفی ، وإلی علی المرتضی، وإلی حمزة سیّد الشهداء.

وا محمداه هذا حسین بالعراء ، تسفی علیه الصبا، قتیل أولاد البغایا ، یا حزناه واکرباه ، الیوم مات جدی رسول الله ، یا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرّیّة

ص: 332


1- تقل هذه القطعة المجلسی رحمه الله فی البحار :62/45 عن کتابنا هذا. وکذا البحرانی فی عوالم العلوم :306/17 .

کلام للمؤلف رحمه الله

المصطفی یساقون سوق السبایا .

وفی بعض الروایات : یا محمداه ، بناتک سبایا ، وذرّیتّک قتلی ، تسفی علیهم الصبا، هذا ابنک مجزوز (1)الرأس من القفا، لا هو غائب فیرجی، ولا جریح فیُداوی ، فما زالت [تقول هذا القول ](2)حتی أبکت والله کل صدیق وعدو، حتی رأینا دموع الخیل تنحدر علی حوافرها، ثمّ إنّ سکینة اعتنقت جسد الحسین فاجتمع عدّة من الناس حتی جرّوها(3)- (4)

قلت : ولمّا قرعت هذه الأخبار الشنیعة بقوارعها سمعی ، وأحرقت هذه

الآثار الفضیعة فؤادی ، وأجرت دمعی بصورته علیه السلام صریعا بین یدی الأعادی بعین بصیرتی، ومثلته طریحاً فی سری وفکرتی، ونقشت صورة ذاته الشریفة فی لوح حیاتی ، وأجریت ذکره قتیلاً فی خاطری وبالی ، وأوقفت فی عالم الخیال نحیل بدنی بین یدیه ، ومزّقت بید فکری جیب صبری جزعاً علیه، ونادیت صارخاً بانّه ینبیء عن عظیم مصیبتی ، وندبت جازعاً بزفرة

ص: 333


1- فی الملهوف : محزوز
2- من المقتل.
3- فی «ح» : لمحرّره الحقیر : أخی یابن أمّی لیتک الیوم غائب فلم أرک قطّ قبل یوم وفاة فأرضی علی نیران هجرک أحرق بشرط حیاتک یاذا الجود والحسنات فیرجو وصالک قلبی وقلب من اهواک من الأحباب حال حیاة ویا لیت أمّی لم تلدنی ولم أعش ولم أر جسمک مجروحاً بسیف طغاة أخی نور عینی أنت أمی ووالدی فأیتمتنی والله والأخوات تنوح سکینة بالحزن والأسی تقول أبی وأین صاحب الحملات أبی ما... یا أنیسی وکافلی ا لحزن طویل منتهاه حیاتی
4- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی:4/2- 39، الملهوف علی قتلی الطفوف :156-190.

تجبر فی جنبه رزیّتی ، قائلاً : یا حزنی ، موضع انقضاک مماتی ، ویا وجدی خذ منتهاک وفاتی، ویا عبرتی موضع جمودک حفرتی ، ویا زفرتی وقت جمودک منیتی ، ویا مهجتی تصاعدی دماً بنار أحزانی من مقلتی ، ویا کبدی ذوبی بضرام أشجانی ونفسی، فلأیّ فقید أدخر دمعی بعد مصابی بأحبّائی ؟ وعلی أی شهید أبذل جهدی بنحیبی وبکائی.

فیا من خدّت واقعته أخادید فی خدودی من ماء جفونی، وأذابت رزیّته أحشائی فأسالتها دما من شؤون عیونی، أعلی أیّ قانت سواک أشق ثوب صبری؟ أم علی أی هالک غیرک أهتک مصون ستری؟ وحبّک دینی و معتقدی، وولاؤک روحی فی جسدی ، وذکرک أنیس وحدتی، ومدحک جلیس خلوتی ، وخیالک فی سواد مقلتی ، وجمالک فی سویداء مهجتی ، أیلیق البکاء إلا علی مصیبتک ؟ أم یحسن العزاء إلّا لرزیتّک ؟ هل لنبیی سبط غیرک شهیداً فأبکیه ؟ أم لولیّی قرّة عین سواک فأرثیه ؟ أم للزهراء ثمرة قلب إلّا جمال بهجتک؟ وهل لأئمّة الهدی شرف إلّا من شریف حضرتک ؟

واقعتک أرخصت فی سوق الأحزان عقیق عبرتی ، و مصیبتک هدّت بمعاول الأشجان قواعد تثبّتی ، وأحرقت بقوادح الأسقام مهجتی ، وأغرقت أسفاً بتناثر العبرات وجنتی ، وبدّلت برقادی سهادی ، وصیرت الأوصاب دثاری ومهادی ، فجسمی سقیم ، وصبری عدیم ، وقلبی حریق، وطرفی غریق ، الشیبک الخضیب ، وخدک التریب، ونسوتک الأساری ، وذرّیتک الحیاری ، وأطفالک الّذین سقوا من ثدی الحمام قبل الفطام، وجرعوا کؤوس الممات بمقابل الطعام ، ذکر ظعنک یطیف الأحزان بقلبی ، وتفور حتفک یهیج نیران الأسی غمومی وکربی، ومصرع شبّانک یذهل عقلی ولبّی ، ومقتل فتیانک

ص: 334

یجعل من دموعی شربی ، لغمتک شجرة الغموم بقلبی نبتت ، ولکربتک قواعد الهموم بلتی ثبتت ، سحقاً لأیّامی إن استمسکت بغیر عسروتکم یدی ، وبُعداً المقامی إن جعلت سواکم معتقدی ، وخرساً للهاتی إن فاهت بغیر مدحتکم ، وعم لطرفی إن نظر جمیلاً سوی بهجتکم، لا قرّت عینی إن نثرت علی غیر عروس مجدکم فائق نثری ، ولا راف معینی إن أطافت بسوی کعبة جودکم رائق شعری.

أنتم وسیلتی إلی خالقی ، وبکم وضحت فی الحقّ طرائقی ، وإلی نحوکم منطق شکری صرفته، وعلی مدحکم بدیع نظامی وقفته ، إن رضیتم خدّی موطئاً لأقدامکم، ووجهی موضعاً لنعالکم، وأثبتم اسمی فی جرائد عبیدکم، ووفرتم قسمی من عنایتکم وجودکم ، فیا زلفتی من ربّی ، ویا وصولی وقربی ، وإن طردتمونی عن أبواب کرمکم، ومحوتمونی من دفاتر خدمتکم، فیا خسارة صفقتی ویا سوء عاقبتی ، فیا سعادةً أنفساً بذلت فی طاعتکم أرواحاً وأبداناً ، ویا فرحةً طائفة بلغت فی نصرتکم بوجوهها و صدورها حساماًوسناناً.

فلعمری لقد حازوا بجمیل صبرهم ثواباً جسیماً، فیا لیتنی کنت معهم فأفوزاً فوزا عظیماً، جلت ریاض الجنّة عرائس أزهارها علی زهیرهم، وأعلت علی منازل أبرارها درجة حُرّهم وبربرهم، وجعلت حبیبهم حبیب حور عینها ، وصیّرت لمنثور لؤلؤها لون جونها ، ووهبت وهبتها من غرفاتها أعلاها ، ویسّرت لمسلمها من قداح لذّاتها معلّاها، کانت دار النعیم أشدّ شوقاً إلیهم، وأشد أبتهاجاً بمقدمهم منهم علیها ، وفوا لله سعیهم فوفی لهم بما عاهدهم، وصدقوا ما عاهدوه علیه فأنالهم الحسنی وزیادة علی ما وعدهم.

هه

ص: 335

فواأسفا إذ لم أکن معهم شهیداً ، و واحزناه إذ لم أکن فی زمرتهم عدیداً ، تلقّی عن سیّدی رماح الأعداء کما تلقّوا بقلوبهم وصدورهم، وأُقابل صفاح الأشقیاء کما قابلوا بوجوههم ونحورهم، وأجعل خدّی جنّة لجَنتّی فی حشری ، ووجهی وقایة لمعادی یوم نشری، ویرانی سیّدی لأمره سمیعاً مطیعاً، وبین یدیه شهیداً صریعاً، قد قطّعت فی نصره أعضائی ، وأریقت فی جنبه دمائی ، مجاهداً عنه بقولی وفعلی ، مجالداً بسیفی ونبلی، قائلاً:

یا أمّة کفرت بأنعم ربّها، واستوجبت سوء العذاب بحربها ، وقطعت رحم رسولها ، وانتهکت حرمة بتولها ، وهدمت بنیة إسلامها ، ونکثت بیعة إمامها ، تبّاً لک من أمّة شرت ضلالها بهداها، ودنیاها بأُخراها ، ونکصت علی أعقابها ، بلامع سرابها .

ویلکم أتدرون علی من جرّدتم سیوفکم ، ورتبّتم صفوفکم ؟ هذا سبط خاتم الرسل، وریحانة موضح السبل، أشرف من مشی علی وجه الغبراء، وأفضل من تأزّر بالمجد وارتدی ، وأفخر من قامت سیّدة النساء ، وأجمل من کفلته البضعة الزهراء ، حجرها مهده، وفرعها ولده ، و ثدیها مشربه، وکتف والدها مرکبه ، عنه سماء صلب نبیکم انفطرت ، ومنه ینابیع ذریة ولیکم تفجرت، خادم مهده جبرائیل ، وبشیر مولده میکائیل ، وولیّ عقد نکاح أمّه الملک الجلیل ، وخطیب عرس والده راجیل.

سفهت أحلامکم، ونکست أعلامکم، وأحاطت أطواق العار بأعناقکم، واستوجبت أطباق النار بنفاقکم، یا عباد الجبت والطاغوت ، ویا کفّاراً بصاحب العزّة والجبروت، یا جند الشیطان، ویا أعداء الرحمان، ألیس

ص: 336

قصیدة للمؤلف رحمه الله

هذا ابن نبیّکم وهادیکم ؟ ألیس أبوه بنصّ الغدیر والیکم؟ نقضتم حبل إسلامکم، وعکفتم علی أصنامکم، أهذا کان جزاء من أرسل إلیکم رحمة، وعلیکم نعمة ، أن تقتلوا ذرّیتّه ، وتهتکوا أسرته ، وتذبحوا أطفاله ، وتقتلوا رجاله ، تبا لکم یا قتلة أولاد النبیین ، وبعداً لکم یا خذلة أوصیاء المرسلین.

ثمّ أزدلف لقتالهم بقالبی وقلبی ، مشتاقاً بجهدی إلی لقاء ربی ، طالبة درجة الشهادة بین یدی ولیّی وابن ولیتی، راغباً فی منازل السعادة بمرافقة رسولی و نبیّی ، أُورد حسامی من نحورهم ، واصدر عاملی من صدورهم ، آتلقی سیوفهم بسواعدی ومناکبی ، واردّ سهامهم بوجهی و ترائبی، لاضارع ولا ناکل ، ولا خاضع ولا متواکل ، بل عزمی أمضی من ذی شفرتین، وحدّی أقطع من ذی حدّین ، أقذف بعزیز نسبی فی جموعهم ، وأبالغ بعروفی عصبی فی تقطیعهم، مبالغاً فی النصیحة لولی أمری ، سمحاً فی جهاد أعدائه بالبقیّة من عمری ، متلقّیاً من سهام القوم ما یصل إلیه ، مقطّعة أوصالی بسیوفهم بین یدیه .

فیالها حسرة فی قلبی مدّتها لا تنقضی ، وغصّة فی نفسی جمرتها لا تنطفی ، إذ لم أرق بقدم الشهادة إلی منازل الأبرار ، ولم اطر بقوادم السعادة إلی مواطن الأخیار، بل قعد بی جسدی ، وکَلَّ عن ذلک جدّی ، و تأخّر زمن وجودی ، وغابت انجم سعودی ، قبل بلوغ مجهودی ، ونیل مقصودی.

فها أنذا أنشد من قلب بسهام المصائب مصاب ، وأروی عن فؤاد بضرام النوائب مذاب ، مرتدیة ببردة حزنی علی ولد البتول، و معارضاً برائق نظمی ببرداة أشرف نبیّ ورسول: الصبر والحزن مسقطوع وموصول

والنوم والدمع ممنوع ومبذولُ

ص: 337

والجسم منسقم والطرف منسجم

والوجد م حتکم والقلب متبولُ

وفی فؤادی من فرط الأسی حرق

و منها الحشا بضرام الحزن مشعولُ

من ما جری بعد خیر الرسل من عصبٍ

و فی الدین من سعیها نقص و تبدیلُ

خانت عهودة وأیماناً مؤکّدة

فالحق من جهلها فی الناس مجهولُ

ممّا جنت سفهاً یوم السقیف دم

و الوصیّ

صنو رسول الله مطلولُ

وسبطه بوجی السمّ مخترم

و شِلؤُه فی صعید الطفّ مقتولُ

خانوه إذ وعدوه حفظ أسرته

فالعقد منهم بکفّ الغدر محلولُ

وفی الغدیر أقرّوا باللسان وفی ال

فؤاد عهدهم بالنقض مفلولُ

یا أمّة کفرت بالله إذ مکرت

بعقد خمّ وغرّتها الأباطیلُ

وضیّعوا مابه أوصی النبی وما

یوم القیامة عنه المرء مسؤولُ

ص: 338

من صدق ودّ أولی قربی النبیّ ومَن

فهم أتانا من الرحمن تنزیلُ

قوم ولاؤهم فرض وحبّهم

حبل بحبل إله العرش موصولُ

سل عنهم «هل أتی» تلقی بها شرفاً

فی ذکره لهم مدح و تفضیلُ

وفی العقود وفی النجوی مدیحهم

و یزینه من سلیم القلب ترتیلُ

وإن تلاه زنیم الأصل حل به

او من خبث باطنه بالجهل تأویلُ

فکل فخر علی أبواب مجدهم

او له سجود وإذعان وتقبیل

البحر علمهم والطود حلمهم

بفضلهم کامل الإفضال مفضول

أختی الزمان علیهم فانشنوا ولهم

بأس لمجمله بالصبر تفصیلُ

فی کربلاء أصبحوا یروی مناقبهم

و حتی القیامة جیل بعده جیلُ

طافت علیهم بکأس الموت طائفة

فکلّهم لعقاب الحتف مغلولُ

ص: 339

فاستشعروا حبّنا من حسن صبرهم

بها رضا الله

مطلوب ومأمولُ

مضوا کراماً بأرض الطفّ یشملهم

من ذی المعارج توقیر وتبجیلُ

نالوا بقتلهم فی الله ماقصرت

عن وصفه من بنی الدنیا الأقاویلُ

حازوا السعادة من بذل النفوس ففی

دار الخلود لهم فضل وتفضیلُ

لم ینسخ الظلّ منها ضوء مشرقه

فیا لهم بجمیل الصبر تنویلُ

راقت مشاربها فاقت ع جائبها

و فسعی طالبها مافیه تضلیلُ

أشباحهم فی الثری منبوذة ولهم

أرواح ص دق لها بالصفو تکمیلُ

قوم لأوجههم یوم القراع وفی

بذل المکارم تقطیب وتهلیلُ

قوم تراهم وسوق الحرب قائمة

والرمح والسیف منصوب و مسلولُ

اسد الشری فی ظلام النقع ترفل فی

سرد الحدید لها سمر القناغیلُ

ص: 340

أجسادهم بعروض الموت قطعها

م ن الصوارم فی الهیجاء تفاعیلُ

الهاثری کربلاء مغنی وللملأ ال

أعلی لدی تریها حمداً وتهلیلُ

فی الله مذبذلوا الأرواح قیل لهم

فی جنّة طاب مثواها لکم قیلُ

معارج العالم العلویّ منزلهم له علیه بأمر

الله

تنزیلُ

یا من مصابهم أوهی قوای فما

نزن عن قلبی المکرِوب تحویلُ

قضیّة الصبر فی أحشائی مهملة

والکرب والغمّ موضوع ومحمولُ

لهفی لنسوتکم عنفاً تساق علی

کور المطی لها بالسیر تعجیلُ

وفی الرماح بدور من وجوهکم

لها بشمس الضحی بالحسن تمثیلُ

یا أمّة قتلت آل الرسول وفی

عفو الإله لها بالظنّ تأمیلُ

ضلّت مساعیکم خابت ظنونکم

فما لکم غیر خزی الله محصولُ

ص: 341

قدهیّئت لکم فی الحشر أربعة

ناز و عارُ وأغلالُ وتنکیلُ

یعود أهل لظی منکم ویلعنکم

أهل الضلال وفرعون وقابیلُ

قتلتم عترة خیر الأنام لهم

جدُّ وسادسهم فی العدَّ جبریلُ

ومَن بفضلهم فی الذکر قد شهدت

من غافر الذنب فی القرآن تنزیلُ

ومن لهم بفؤادی منزل رحب

ب خالص الودّ معمور ومأهولُ

ی اعاذلی لا تلمنی إن بکیت دماً

لما عراهم فما ذو الحزن معذولُ

من سفح عینی فی سفح الطفوف جری

عقیق دمع بکفّ الوجد معمول

ویامعاشر لوّامی علی جزعی

الما أصابهم ماشئتم قولوا

اسناد وجدی صحیح لا خلاف به

لکن أحادیث سلوانی مراسیلُ

دعوای صدق ولاءهم لا یدنّسه

شکّ بوسوسة الشیطان مغلولُ

ص: 342

المرسل الدمع من عینی معجزة

فیها دلیل علی صدق ومدلولُ

صرفت نحوهم من منطقی در راً

بیانهامن معانی الحبّ منقولُ

إذا تلاها ولی طاب مولده

له فؤاد علی الاخلاص مجبولُ

هذه طرباً موصول نعمتها

ومن بلاغتها وصل وتذییلُ

یا سادتی پسابنی طه الهداة ومن

بحبّهم عملی فی الحشر مقبولُ

ومن إذا خابت الآمال کان بهم

لی فی المعاد إذا حوسبت مأمولُ

کم شانیء صدّه الله العلیّ بکم

عنّی فردّ بغیض وهو مخذولُ

یصدّ عنّی بوجه کالح وله

طرفُ بمرود مایجفیه مکحولُ

رام انتقاصی برأی قائل فلذا

لک الحدّ منه بعون الله مغلولُ

إذا تصوّرت ما أبداه من حمق

ف یه لقلبی تخویف وتهویلُ

ص: 343

جعلتکم جُنتّی من ینل فتنته

فتنثنی وهو بالتوبیخ مرذولُ

یامن هم عصمتی فی النائبات ومَن

أمری إلیهم مدی الأیّام موکولُ

لا تطردونی عن أبواب جودکم

فأنتم غایتی والقصد والسؤلُ

حسّاد رائق شعری فی مدیحکم

إلیَّ ترمق منهم أعین حُولُ

مددت کفّ سؤالی نحو سیبکم

إذ لیس لی غیرکم فی الناس مسؤولُ

سجلّ دعوای فی صدق الولاء له

من حاکم العسقل أبیات و تسجیلُ

ولی شهود علی إثبات معتقدی

لها من الله بالتصدیق تعدیلُ

الدر فائق نظمی فی محبّتکم

بالدرّ من ناقد الألفاظ تعدیل

متی عسلیکم سلام لیس یحصره

من طالب عدّه جدّولا قیلُ

مالاح صبح به للناظرین هدی

أو فاح روض بماء المزن مبلولُ

ص: 344

المجلس الثامن: فی الحوال التی جرت بعد قتل الحسین علیه السلام

اشارة

فی الحوال التی جرت بعد قتل الحسین علیه السلام

من سبی ذراریه ونسائه، وحملهم إلی اللعین ابن مرجانة لعنه الله، ثمّ منه إلی یزید بن معاویة علیهما

لعنة الله والملائکة والناس أجمعین

خطبة للمؤلف رحمه الله

الخطبة : الحمد للِهِ الّذی أشرقت بنور عنایته قلوب العارفین ، وتعلّقت بأذیال رحمته أرواح السالکین ، وغرقت فی بحار ربوبّیته عقول العالمین، واحترقت بشعاع سحاب بهجته أفئدة العالمین ، وأطلعت علی أسرار حکمته نفوس المخلصین، وتاهت فی بیداء إلهیّته أفکار الطالبین ، فانقلبت أبصار بصائرهم حیرة عن إدراک کمال عظمته ، ورجعت أنفسهم خاسئة عن تصوّر جلال عزّته ،

وقعد بهم جدّهم عن الوصول إلی کعبة عرفانه، وطال عهدهم فی طلب المحجوب من أسرار عظیم شأنه، فعلموا أنّ جلاله جلّ عن الاحاطة بفکر وضمیر ، ومجده عزّ عن الشبیه والنظیر، فعزفت أنفسهم عن مشارکة أولی الأنفس الناقصة لکمالها وتمامها، وعرجت إلی الرفیق الأعلی بأقدام عزمها وإقدامها، وشربت من عین الحیاة الباقیة الّتی لا انقطاع لمعینها ، وطلبت درجة السعادة العالیة التی لا انقضاء لنعیمها، فأطلعها مبدعها علی أسرار ملکوته ،

ص: 345

ونفعها صانعها بحلل عرفان صفات جبروته ، فأشرقت أنوار توفیقه علی مرایا أفئدتها ، فانطبع مثال العالم العلویّ والسفلیّ فی ألواح معرفتها.

ولمّا أفرغ سبحانه حلل العنایة علی أعطافها، ومنحها من کنوز العصمة ذخائر ألطافها ، أنزلها إلی عالم الفناء لاستنقاذ عباده من ورطة جهالتهم ، وتخلیص أنامه من لجّة حیرتهم ، وأن یسلکوا بهم سبیل النجاة إلی نعیم جتته ، ولورودهم معین الحیاة من زلال رحمته ، ویحکوا لهم ما شاهدوا من عجائب حکمته ، ویصفوا ما عاینوا من غرائب صنعته ، وما أطلعهم علیه سبحانه من خواص قدرته ، وما أعدّ للمتقّین من نعیم لا تفنی أیّامه ، ولا تنقضی أعوامه ، ولا تبلی ثیابه ، ولا یتسنّ طعامه وشرابه .

فهد وهم النجدین ، وأوضحوا لهم السبیلین، وأروهم ما توعّد به من أرخی لامارته عنان شهوتها ، وأجری جواد معصیته فی میدان لذّتها ، من نار فضیع عقابها، وجیع عذابها ، ساطع لهبها ، شدید کلبها ، حامیة قدورها، فضیعة شرورها ، سلاسلها طوال ، ومقامعها ثقال، وأهلها فی بلاء شامل ، وعناء متواصل ، لا ینظر إلیهم، ولا یعطف علیهم ، قد أغلقت أبواب الرحمة عنهم وانقطعت الآمال منهم ، حتّی إذا أوضحوا لهم الدلیل ، وهدوهم السبیل، ونقعوا غلیلهم من عین صافیة ، بکأس وافیة ، فلبّی دعوتهم ، واتّبع شرعتهم، واقتفی

أثرهم، وأطاع أمرهم. .

رجال صدقت عهودهم، ووفت وعودهم، وخلص یقینهم، وصفی معینهم، لم یلبسوا الظلم إیمانهم ، ولم یشوبوا بشکّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد فی طاعتهم، وجادوا بالأرواح فی نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه فی دیوان خواصّه،

وشرّفهم بتشریفه واختصاصه ، والحقهم بدرجة سادتهم، ورقی بهم إلی منزل

ص: 346

قادتهم ، لما بذلوا الأرواح والأجساد فی جهاد الأعداء طاعة لربّهم، وتلقّوا الصفاح والصعاد(1)من أکفّ الأشقیاء فی حربهم ، وقویت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، یجاهدون فی سبیل الله ولا یخافون لومة لائم، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبیاء والمرسلین، وسادة الشهداء من الأولین والآخرین.

وکان أعظم من اختصّ بهذه الصفات السنیة ، والمقامات العلیّة ، وجعل نفسهُ جُنّة لولیّ أمره، ووقایة الإمام عصره ، لمّا کفر من کفر، وأنکر من أنکر ، أصحاب کربلاء الّذین أشرقت أنوار العنایة علی سرائرهم ، وبرقت بوارق الکرامة من ضمائرهم ، فشاهدوا ما أُلقی إلیهم من غیوب البرزخ بأبصار بصائرهم، ولاحظوا قیام الخلق شتاتاً حین مصادرهم ، ورأوا سبط نبیهم ، ورهط ولیّهم، قد حقت بساحته کتائب الطغیان، وأحدقت بسعرصه مواکب البهتان ، قد خلعوا أربقة الایمان من أعناقهم ، وقادهم الشیطان بزمام نفاقهم ، فاعتقدوه رباً وخالقاً ومدبّراً ورازقاً فآثروا طاعته علی طاعة ربّهم، وامتثلوا أوامره بقالبهم وقلبهم، وارتدّوا علی أدبارهم خاسرین، وأصبحوا بأنعم ربّهم کافرین، قد حقّت علیهم کلمة العذاب ، واستوجبوا سوء العقاب ، یریدون أن یطفئوا نور الله بأفواههم ، ویهدموا منار الاسلام باعتامهم وسفهائهم ، وخذلوا الأطهار من ذرّیّة رسولهم ، ونصروا الأشرار بفعلهم وقولهم، فاستحبّوا العمی علی الهدی، وباعوا الآخرة بالأولی ، وکحلوا بمرود الوقاحة أحداقهم، ولووا عن سماع الموعظة أعناقهم ، وکفروا بعد إسلامهم ، وجعلواسیّد شباب أهل الجنّة غرضاً لسهامهم، وأشرکوا و ألحدوا، وأخلفوا ما أوعدوا، وصبّوا شآبیب نبالهم

ص: 347


1- الغدة : .... قیل : هی نحو من الألة ، والألة أصغر من التربة . لسان العرب:255/3 - صعد - .

علی شریف خدّه ، وأوردوا معابل انتقامهم من ورید ولده ، وجعلوا عیاله یندبن صارخات ، ویتوسّلن متصرّخات.

فعندها بعث روح القدس فی عقولهم، وهزّتهم أریحیة الایمان لما شاهدوا من بنات رسولهم ، وجعلوا نحورهم موارد الصفاح ، وصدورهم مصادر الرماح، ووجوههم وقایة لولیّ أمرهم، وجباههم جنة لوسیلتهم إلی ربهم فی حشرهم.

ولمّا صدقوا ما عاهدوا الله علیه ، وأصبحوا صرعی بین یدیه ، قد تحمّلوا

الأذی واللأواء، وسبقتهم أعضاؤهم إلی جنّة المأوی ، واطلع سبحانه علی أسرارهم وإعلانهم، فوجدهم لا یزید علی إخلاصهم وإیمانهم ، نقلهم إلی جوار حضرته ، ونعیم جنّته ، فی قصور عالیة ، وقطوف دانیة ، وأنهار جاریة ، و ریاض زاهیة ، قد تفجّرت عیونها ، وراق معینها، وابتسمت أزهارها، وأینعت ثمارها، نعیمها لا یبرح ، وساکنها لا ینزح، وظلّها مدید ، وعیشها رغید، وأزواجها أطهار، وحورها أبکار ، لا یذوقون الموت ، ولا یخشون الفوت، سقفها عرش الرحمن، وصعیدها رضا المنّان.

ولمّا فارقت الأرواح منهم الأشباح، وتکاملت بالسعادة الأبدیّة لهم

الأفراح، وسیقوا إلی الجنّة زمراً، واستنشقوا ریاح الرحمة نشراً، أقیموا علی أعتابها ، وأوقفوا بأبوابها ، منتظرین قائدهم ، وورود رائدهم ، حتّی إذا شرب صلوات الله علیه من کأس المنّیة ما شربوا، ورغب من جوار الله بما فیه رغبوا، أقبلت صفوف الملائکة بین یدی حضرته قائمین ، بشرائط خدمته قائلین : أبشر بلقاء جدک وأبیک ، وجوار أمّک وأخیک ، فهم إلی رؤیتک مشوّقون ، ولمقدمک متشوّفون

ص: 348

ولمّا شاهد صلوات الله علیه شهداءه قد سبقوا، وبفناء الجنّة أحدقوا، قد حمدوا مشاربهم ، وبلغوا مناهم ، وشکروا مسعاهم ، قد أزلفهم مولاهم ، وأتحفهم وحیّاهم، وقربهم وأدناهم، واطمأنّت بهم الدار ، وطاب لهم القرار، وزالت المتاعب، وأمنت المصائب ، وجمع شملهم بحبیب قلوبهم ، وأنیلوا من النعیم المقیم زیادة علی مطلوبهم ، وفتحت لهم أبواب الجنة بأمر رب العالمین ، وقیل لهم : (اذخُلُوها بِسَلام آمنِینَ) (1). فاستوطنوا من غرفها أعلاها ، واستشعروا من حللها أضفاها ، وسقوا من کؤوسها أصفاها، وعانقوا من حورها أسناها ، تجری من تحت أبنیتهم الأنهار، والملائکة یدخلون علیهم من کل باب (سَلَامُ عَلَیکُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَی الدَّار)(2)

ولمّا أحلّهم سبحانه دار المقامة ، وأنزلهم منازل الکرامة، وأزارهم ملائکته المقربین ، ورافق بهم أنبیاء و المرسلین ( وَقَالُوا الحَمدُ لِلِه الَّذی صَدقَنَا وَعدَهُ و أَورَثَنَا الأَرضَ نَتَبَواُ مِنَ الجَنَّةِ حَیثُ نَشَاءُ فَنِعمَ أجرَ العَامِلِینُ) (3) فأقاموا فی نعمة لا حصر لعدها ، وداموا فی سعادة لا انتهاء الحدها ، ( یَطُوفُ عَلَیهِم وِلدَانُ مُخَلَّدُونَ بِأکوَابٍ وَأبَارِیقَ وَکَأسٍ مِن مَعِین لَا یُصَدَّعَونَ عَنَهَا وَلَا یُنزِفُونَ وَفَاکِهَةٍ مِمَّا یَتَخَیَّرُون وَلَحم ِخم طَیر مِمَّا یَشتَهُونَ وَحُورُ عِینُ کَاَمثَالِ اللُّؤلُؤِ المَکنُونِ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعمَلَونَ) (4)

فیا حسرتی إذ لم أکن من السابقین فی حلبتهم ، أو المصلّین فی سبقتهم ، المحسوبین فی زمرتهم ، المعدودین من جملتهم ، أتمتّع برؤیة أولیائی کما

ص: 349


1- سورة الحجر : 46.
2- سورة الرعد: 24.
3- سورة الزمر : 74.
4- سورة الواقعیة : 17 - 24.

مناجاة للمؤلف رحمه الله

تمتّعوا، وانقَع غلیلة أشواقی بمشاهدة ساداتی کما نقعوا ، إذا بارک الجلیل علیهم من فوق عرشه عمّتنی برکته ، وإذا أرسل جوده إلیهم غمرتنی رحمته ، وإذا علم سبحانه ذلک من خالص نیّتی ، وصادق طویّتی، فالمرجوّ من فیضه العمیم ، وفضله الجسیم، أن یلحقنی بدرجتهم ، ویرقی بی إلی منزلتهم، وأن یبلغ فؤادی بهذه النیة الخالصة غایة أمله ، فإنّ نیّة المرء خیر من عمله.

المناجاة

یا حلیماً لا یعجل فی حکمه ، ویا علیماً لا یخرج شیء عن علمه ، ویا قاهر لا یعجزه شیء من مخلوقاته ، ویا قادراً علی کلّ من عداه من مصنوعاته ، ویا مبدع کلّ صورة لا من مادة وصورة ، ویا من کلّ نفس فی قبضة قهره مأسورة ، ویا من أحیی قلوب أولیائه بزلال محبّته ، ویا من فطر نفوس أحبائه علی مراقبته وطاعته ، واستخلصهم لنفسه واصطفاهم، وأیّدهم بروح قدسه واجتباهم ، وتجلّی لهم فی ذکره الصادر عن حضرة عزته ، فظهر لبصائرهم فی بدائع ما اخترع من لطیف صنعته ، فشاهدوا کلّ ما سواه حقیراً فی جنب عظمته ، أسیراً فی قبضة مننه ، معدوماً بالنسبة إلی وجوب وجوده ، موسوماً بسمة الافتقار إلی فیضان جوده .

ولمّا ارتوت أنفسهم القدسیّة من معین عرفانه ، واطّلعت أرواحهم العلویّة علی جلال عظیم سلطانه ، بذلوا تلک النفوس الطاهرة فی حبّه ، وطلبوا بهممهم العالیة منازل قربه، ووالوا أولیاءه بقلوب لا یشوبها شکّ ، وجاهدوا أعداءه بأبدان لا یشیبها شرک ، یرون القتل فی حبّه عزّ الآخرة والأولی، والموت فی طاعته وسیلة إلی السعادة الکبری، کشف لهم الحجاب فشاهدوا ما ستر عن

ص: 350

غیرهم ، وحثّوا الرکاب فنالوا المنی بسیرهم .

ولمّا علموا أنّهم لا یمنعهم من حصول المطلوب بوصال المحبوب ، ولا یحجبهم عن السرّ المحجوب فی سترات الغیوب، إلّا خلع ملابس الحیاة الفانیة ، والتجرّد عن خیالات النفس الواهیة ، والاتّصال بالمبدع الأکمل، والترقّی إلی المقام الأفضل.

بذلوا الأجساد والأموال لتخلیص أنفسهم من کدورات ظلمات أبدانها، و بالغوا فی إخراجها عن محلّ متاعها وحوادث أزمانها ، وباعوها من ربّها بالثمن الأوفی ، وبذلوها لمالکها بالعوض الأعلی ، وجاهدوا أعداءه إعلاءً الکلمته ، ونصروا أولیاءه إخلاصاً بطاعته حتّی خلصت أنفسهم من سجون أحسادها، وبلغت أرواحهم من السعادة الأبدیّة أقصی مرادها، فأصبحوا فی عرصة کربلاء بین مخذول قد فقدت منه الأنصار ، و مقتول تسفی علیه عواصف الأعصار ، وظمآن سقی نهلته بکؤوس الحتوف ، ولهفان لم تنقع غلّته إلّا غروب السیوف.

أسألک بحقّ تلک الأرواح المبذولة فی محبّتک ، والأشباح المنبوذة فی نصرتک، والأوداج المقطّعة فی إعلاء کلمتک ، والأشباح المبضّعة لتأیید حجّتک ، وبحقّ تلک النفوس الّتی قواعد إیمانها علی التقوی مؤسّسة ، وبحق تلک الأبدان التی أصول مجاریها بطهور العصمة مقدسة ، وبحق تلک الضرائح التی هی مهابط متقرّبی ملائکتک ، وبحقّ تلک المشاهد الّتی شرفت ثراها بأجساد أولیائک وخاصتک أن تصلّی علی محمد و آل محمد ، وأن تجعلنا ممّن جلّ مصابه المصیبتهم ، وعظم بلاؤه لبلیّتهم، وأضرمت نیران الأحزان شواظها فی فؤاده ، وأوردته موارد الأشجان فی إصداره و إیراده، وأغرقت فی لجّة العبرات إنسان

ص: 351

مقلته ، وأحرقت بتصاعد الزفرات لهفان مهجته ، وأن یکشف کربنا بقیام قائمهم الداعی إلیک ، وأن تدفع غمّنا بظهور عالمهم الدلیل علیک ، وأن تجعلهم شفعاءنا إلیک فی حشرنا ، ووسائلنا لدیک یوم نشرنا ، إنّک سمیع قریب ، رحیم مجیب .

ص: 352

فصل سوق السبایا إلی الکوفة، وخطبة زینب علیها السلام فی

أهل الکوفة

ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنة الله علیه ارتحل فی الیوم الثانی عشر من مقتل الحسین علیه السلام وساق حرم رسول الله صلّی الله علیه و آله کما یساق الأساری، حافیات حارات مستبات باکیات یمشین فی أسر الذلّ ، حتّی إذا وصل الکوفة خرج الناس لاستقباله ، فجعلوا یبکون ویتوجّعون ، وعلی بن الحسین علیه السلام مریض قد نهکته العلّة ، فجعل یقول : إنّ هؤلاء یبکون ویتوجّعون من أجلنا، فمن قتلنا؟!

قال بشیر بن خزیم(1) الأسدی : نظرت إلی زینب بنت علی علیه السلام فلم أر خفرة قطّ أنطق منها کأنّما تفرغ من (2)لسان أمیر المؤمنین علیه السلام، فأومت إلی الناس أن اسکتوا، فسکتت الأصوات، فقالت:

الحمد للِهِ، والصلاة علی محمد(3) رسول الله وعلی آله الطیبّین الأخیار .

یا أهل الکوفة ، یا أهل الختل والخذل ، أتبکون؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، فإنّما مثلکم کمثل الّتی نقضت غزلها من بعد قوّة أنکاثاً، تتّخذون أیمانکم دخلاً بینکم.

ص: 353


1- فی المقتل : حذیم ، وفی مستدرکات علم الرجال : 37/2 : جزیم .
2- فی المقتل : کأنما تنطق عن
3- فی المقتل : أبی محمد ، وفی الملهوف : جدی محمد.

ألا وهل فیکم إلّا الصلف النطف ، والصدر الشنف ، وملق(1) الاماء، وغمز

الأعداء؟ أو کمرعی علی دمنة ، أو کقصّة(2) [ علی] (3)ملحودة.

ألا ساء ما قدّمت لکم أنفسکم أن سخط الله علیکم وفی العذاب أنتم

خالدون.

أتبکون وتنتحبون ؟ إی والله فابکوا کثیراً، واضحکوا قلیلاً،[ فلقد](4)

ذهبتم بعارها وشنارها، ولم ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّی ترحضون قتل سلیل [خاتم] (5) الأنبیاء ، و سیّد شباب أهل الجنّة غداً ، وملاذ خیرتکم ، ومفزع نازلتکم ، ومنار حجّتکم، ومدرة ألسنتکم.

ألا ساء ما تزرون ، فبعداً لکم وسحقاً، فلقد خاب السعی، و تبّت الأیدی ،

وخسرت الصفقة ، وبونتم بغضب من الله ، وضربت علیکم الذلّة والمسکنة.

ویلکم یا أهل الکوفة ، أتدرون أیّ کبد لرسول الله صلّی الله علیه وآله فریتم ؟! وأی دم له سفکتم ؟ [ وأیّ کریمة له أبرزتم؟! ](6)وأی حریم له أصبتم ؟! وأی حرمة له انتهکتم ؟!( لَقَد جِئتُم شَیئاً إدّاً تَکَادُ السَّموَاتُ یَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقُّ الأَرضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدّاً)(7)

إن [ما](8) جئتم بها [لصلعاء عنقاء سوداء فقماء](9)خرقاء شوهاء کطلاع الأرض أو ملء السماء .

ص: 354


1- کذا فی المقتل والملهوف ، وفی الأصل : قلق. والصلف : الوقاحة. النطف : التلطخ بالعیب . الشنف : الکراهة والبغض.
2- کذا فی المقتل ، وهو الصحیح ، و فی الأصل والملهوف : کفضة. والقصة : الجصة بلغة أهل الحجاز .
3- من المقتل
4- من المقتل
5- من المقتل
6- من المقتل
7- سورة مریم: 89 و 90.
8- من المقتل
9- من المقتل

خطبة فاطمة الصغری

أعجبتم أن مطرت(1)السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة [أشدّ و ](2)أخزی وأنتم لا تنصرون ، فلا یستخفنّکم المهل ، فإنّه لا یحفزه البدار ، ولا یخاف فوت الثار ، کلّا وإنّ ربّکم لبالمرصاد، فترقّبوا أوّل النحل و آخر صاد(3)

قال بشیر : فوالله (4) لقد رأیت الناس حیاری یومئذ یبکون وقد وضعوا

أیدیهم (5) فی أفواههم ، ورأیت شیخاً من قدماء أهل الکوفة وقد بکی حتی اخضلت لحیته بدموعه وهو یقول : صدقت المرأة ، کهولهم خیر کهول ، وشبانهم

خیر شبّان ، ونساؤهم إذا نطقن أنطق النسوان [ ونسلکم خیر نسل لا یخزی ولا

یبزی] (6)

و روی زید بن موسی ، قال : حدّثنی أبی ، عن جدّی علیه السلام ، قال :(7) فی الملهوف: وردت.(8)

خطبت فاطمة الصغری بعد أن ردت من کربلاء، فقالت:

الحمد لله عدد الرمل والحصی ، وزنة العرش إلی الثری ، أحمده واؤمن به

ص: 355


1- فی المقتل : قطرت .
2- من المقتل.
3- أی قوله تعالی فی سورة النحل: 1: (أتَی أمرُ اللهِ فَلَا تَستَعجِلُوهُ...)، وقوله تعالی فی سورة ص: 88: (وَلَتَعلَمُنَّ نَبأهُ بَعدَ حِینٍ) .
4- کذا فی المقتل ، وفی الأصل: فوت الثار ، وإن ربک لبالمرصاد. قال : فوالله .
5- کذا فی المقتل، و فی الأصل : وقد ردوا أبدانهم.
6- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 40/2 - 42، الملهوف: 190 - 194 . ومابین المعقوفین أثبتناه من المقتل.
7- هو زید بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام، توفی نحو سنة «250» ه. انظر فی ترجمته ، مقاتل الطالبیین : 534، جمهرة الأنساب : 55. الکامل فی التاریخ :
8- 104/6 ، الأعلام للزرکلی :61/3 .

وأتوکّل علیه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله صلّی الله علیه و آله ، وأن ذبحوا آله بشطّ (1)الفرات بغیر ذحل (2)ولا ترات.

اللّهمّ إنّی أعوذ بک أن أفتری علیک الکذب ، وأن أقول علیک خلاف ما أنزلت علیه من أخذ العهود لوصه علیّ بن أبی طالب علیه السلام، المسلوب حقّه ، المقتول من غیر ذنب کما قتل والده بالأمس فی بیت من بیوت الله ، فیه معشر مسلمة ألسنتهم، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضیماً فی حیاته ولا عند مماته، حتّی قبضته إلیک محمود النقیبة ، طیب العریکة ، معروف المناقب، مشهور المذاهب ، لم تأخذه [اللّهمّ ](3) فیک لومة لائم، ولا عذل عاذل ، هدیته یا رب بالاسلام صغیراً، وحمدتَ مناقبه کبیراً، لم یزل ناصحاً لک ولرسولک صلّی الله علیه و آله حتی قبضته إلیک ، زاهداً فی الدنیا ، غیر حریص علیها ، راغباً فی الآخرة ، مجاهداً [لک ](4) فی سبیلک ، رضیته فهدیته(5) إلی صراط مستقیم.

أمّا بعد: یا أهل الکوفة، یا أهل المکر والغدر والخیلاء، إنّا أهل بیت ابتلانا الله بکم، وابتلاکم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدینا، فنحن عیبة علمه، ووعاء فهمه وحکمته ، وحجّته علی الأرض فی بلاده لعباده ، أکرمنا الله بکرامته ، وفضّلنا بنبیّه محمد صلّی الله علیه و آله علی کثیر ممن خلق تفضیلاً بیّناً.

ص: 356


1- فی الملهوف : وأنّ ذرّیتّه ذبحوا بشطّ
2- النحل : الحقد والعداوة ؛ یقال : طلب بذحله أی بثأره . «الصحاح : 1701/4 - ذحل -»
3- من الملهوف.
4- من الملهوف.
5- فی الملهوف: رضیته فاخترته وهدیته .

فکذّبتمونا وکفّرتمونا ، ورأیتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً ، کأنّا أولاد ترک و کابل ، کما قتلتم جدّنا بالأمس، وسیوفکم تقطر من دمائنا أهل البیت لحقد متقدّم، قرّت بذلک عیونکم ، وفرحت قلوبکم ، افتراء علی الله ومکراً مکرتم، والله خیر الماکرین.

فلا تدعونّکم أنفسکم إلی الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أیدیکم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجلیلة والرزء العظیم فی کتاب من قبل أن نبرأها ، إنّ ذلک علی الله یسیر ، لکیلا تأسوا علی ما فاتکم ، ولا تفرحوا بما أتاکم والله لا یحبّ کلّ مختال فخور، أمثالکم(1)، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فکأن قد حلّ بکم، وتواترت من السماء نقمات فیسحتکم بما کسبتم ، ویذیق (2)بعضکم بأس بعض ، ثمّ تخلّدون فی العذاب الألیم یوم القیامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله علی الظالمین.

ویلکم ، أتدرون أیّ أید طاعنتنا منکم؟ وأیّ (3)نفس نزعت إلی قتالنا؟ أم بأیّة رجل مشیتم إلینا تبغون محاربتنا؟ قست و الله(4)قلوبکم ، وغلظت أکبادکم ، وطبع علی أفئدتکم، وختم علی سمعکم وبصرکم(5) وسول لکم الشیطان وأملی لکم، وجعل علی بصرکم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبّاً لکم یا أهل الکوفة، [أیّ] (6)ترات لرسول الله صلّی الله علیه و آله

ص: 357


1- فی الملهوف: تبا لکم.
2- فی الملهوف : فیسحتکم بعذاب ویذیق .
3- فی الملهوف : أیّة بدٍ... وأیّة.
4- لفظ الجلالة أثبتناه من الملهوف.
5- فی الملهوف : أسماعکم وابصارکم.
6- من الملهوف.

قبلکم، وذحول له لدیکم بما عنّتم(1) بأخیه علیّ بن أبی طالب علیه السلام جدّی و بنیه عترة النبیّ الطاهرین الأخیار.

وافتخر بذلک مفتخرکم (2)، فقال : نحن قتلنا علیّاً وبنی علیّ(3) بسیوف هندیّة ورماح وسبینا نساءهم سبی ترک ونطحناهم فأیّ نطاح

بفیک أیّها القائل الأثلب والکثکث(4) افتخرت بقتل قوم زاهم الله وطهرهم تطهیرة، وأذهب عنهم الرجس ، فاکظم واقع کما أقعَی أبوک ، وإنّما لکلّ امریء ما اکتسب وما قدّمت أوائله(5) حسدتمونا - ویلاً لکم علی ما فضّلنا الله به. فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورُنا

وبحرُک ساج ما یواری الدَّعامصا(6)(ذَلِکَ فَضلُ اللهِ یُؤتِیِه مَن یَشَاء وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِیمِ)(7) ، (وَمَن لَم

یَجعَلِ اللهُ لَهُ نُوراًفَمَا لَهُ مِن نُورٍ) (8)

قال : فارتفعت الأصوات بالبکاء ، وقالوا: حسبک یا ابنة الطیّبین ، فقد

ص: 358


1- فی الملهوف: عند تم.
2- کذا فی الملهوف ، و فی الأصل : وافتخر مفتخر
3- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : قد قتلنا علی وابن علی .
4- فی «ح»: الأثلب والکثکث - بکسر الهمزة فی الأول والکافین فی الثانی - : لفظان مترادفان یعنی دقاق التراب والحجر یستعملان فی الحقارة والذمّ. .
5- فی الملهوف : یداه
6- الدعموص : دویبة تغوص فی الماء. «الصحاح: 1040/3 - دعمص -» .
7- سورة الحدید: 21.
8- سورة النور:40.

خطبة أم کلثوم بنت علی علیه السلام

أحرقت قلوبنا، وأنضجت(1) نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسکتت .

قال : وخطبت امّ کلثوم بنت علی علیه السلام فی ذلک الیوم من وراء

کلّتها، رافعة صوتها بالبکاء ، وقالت:

یا أهل الکوفة ، شوّه(2) لکم ، ما لکم خذلتم حسیناً [ وقتلتموه، وانتهبتم

أمواله وورثتموه ، وسبیتم نساءه](3) ونکثتموه ؟ فتبّاً لکم وسحقاً.

ویلکم أتدرون أیّ دواهٍ دهتکم؟ وأیّ وزر علی ظهورکم حملتم ؟ وأیّ دماء سفکتموها؟ [ وأیّ کریمة اهتضمتموها؟ وأیّ صبیة سلبتموها؟ وأیّ أموال نهبتموها؟ ](4) قتلتم خیر رجالات بعد النبیّ صلّی الله علیه و آله ، ونُزعت الرحمة من قلوبکم ، ألا إنّ حزب الله هم الغالبون وحزب الشیطان هم الخاسرون.

ثمّ قالت: قتلتم أخی صبراً فویل لأمّکم

ستُجزَون نار اًحرّها یتوقّدُ(5)

س فکتم دماءُ حرّم الله سفکَها

وحرّمها القرآنُ ثمّ محمدُ

ألا فابشروا بالنار إنکم غداً

الفی سقرٍ حقّاًیقیناً تخلّدوا

ص: 359


1- فی الملهوف : وأنضحت .
2- فی الملهوف : سوء.
3- من الملهوف. وفیه : «و نکبتموه» بدل «ونکتموه»
4- من الملهوف.
5- فی الملهوف : لفی قعر نار حرها یتصعد

خطبة زین العابدین علیه السلام

وإنّی لأبکی فی حیاتی علی أخی

علی خیر مَن بعد النبیّ سیوجد(1)

بدمعٍ غزیرٍ مستهلٍ مکفکفٍ

علی الخدّمنّی دائماً (2) لیس یحمدُ قال : فضج الناس بالبکاء والحنین (3) والنوح، ونشرت النساء شعورها، ووضعن التراب علی رؤوسها ، وخمشن الوجوه، وضربن الخدود(4) ودعون بالویل والثبور، وبکی الرجال [ونتفوا لحاهم] (5)، فلم یُر باکیاً ولا باکیة أکثر من ذلک الیوم.

ثمّ إنّ زین العابدین علیه السلام أومأ إلی الناس أن اسکتوا [ فسکتوا] (6) فقام قائماً، فحمد الله وأثنی علیه ، وذکر النبی [بما هو أهله](7)فصلّی علیه ، ثمّ قال :

أیّها الناس، من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فأنا [أعرّفه بنفسی : أنا] (8) علیّ بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غیر ذحل ولا ترات، أنا ابن مَن انتُهک حریمه، واستُلب نعیمه ، وانتُهب ماله ، وسُبی عیاله ، أنا ابن مَن قُتل صبراً، وکفی بذلک فخراً.

أیّها الناس ، ناشدتکم بالله هل تعلمون أنّکم کتبتم إلی أبی وخدعتموه

ص: 360


1- فی الملهوف: سیولد .
2- فی الملهوف : دائب.
3- فی الملهوف : قال الراوی : فضجّ الناس بالبکاء والنحیب
4- فی الملهوف: ونشرت النساء شعورهن، وحثین التراب علی رؤوسهن، وخمشن وجوههن، ولطمن خدو دهن .
5- من الملهوف .
6- من الملهوف .
7- من الملهوف .
8- من الملهوف .

وأعطیتموه من أنفسکم العهد والمیثاق والبیعة وقاتلتموه وخذلتموه ؟! فتبّاً لِما قدّمتم لأنفسکم، وشوهاً(1)لرأیکم، بأیة عین تنظرون إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله غداً إذ یقول لکم: قتلتم عترتی ، وانتهکتم حرمتی، فلستم من امّتی؟!

قال [ الراوی ](2) فارتفعت أصوات الناس بالنحیب من کلّ ناحیة ، ویقول

بعضهم لبعض: هلکتم وما تعلمون .

فقال صلوات الله علیه : رحم الله امرءً قبل نصیحتی ، وحفِظ و صیّتی فی الله وفی رسوله وأهل بیته ، فإنّ لنا فی رسول الله صلّی الله علیه و آله أسوة حسنة.

فقال الناس کلّهم بأجمعهم: نحن کلّنا یا ابن رسول الله سامعون مطیعون ، حافظون لذمامکم،(3) غیر زاهدین فیک ، ولا راغبین عنک، فمرنا بأمرک یرحمک الله ، فإنّا حرب لحربک، وسلم لسلمک ، لنأخذنّ یزید و نبرأ ممّن ظلمک وظلمنا.

فقال علیه السلام : هیهات هیهات، أیّها الغدرة المکرة ، حیل بینکم وبین ما تشتهی أنفسکم،(4) أتریدون أن تأتوا إلی کما أتیتم إلیّ آبائی (5) من قبل؟! کلا وربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا یندمل، قُتِل أبی صلوات الله علیه بالأمس وأهل بیته معه ، ولم یُنسی ثکل رسول الله صلّی الله علیه و آله و ثکل أبی وبنی

ص: 361


1- فی الملهوف : وسوءأ .
2- من المهوف
3- فی الملهوف: لذمامک
4- فی الملهوف : وبین شهوات أنفسکم.
5- فی الملهوف : أبی.

إحضار السبایا فی مجلس ابن زیاد، وما دار بینه لعنه الله وبین زینب

بنت علی علیهما السلام

آبی ، ووجده بین لهواتی(1)، ومرارته بین حناجری وحلقی ، وغصصة تجری فی فراش صدری، ومسألتی ألّا تکونوا لنا ولا علینا.

ثمّ قال صلوات الله علیه: لاغرو إن قُتلِ الحسین فشیخه

قد کان خیراً من حسین وأکرما

فإن تفرحوا یا أهل کوفان بالذی

أصاب حسیناً کان ذلک أعظما

قتیلُ بشطّ النهر روحی فداؤه

وانّ الّذی أرداه یجزی جهنّما (2) ثمّ قال علیه السلام : رضینا منکم رأساً برأس، فلا یوم لنا ولا یوم

علینا (3)

قال [الراوی] (4): ثمّ إنّ ابن زیاد جلس فی القصر للناس، وأذن للناس إذناً عامّاً، وجیء برأس الحسین علیه السلام فوضع بین یدیه، وأدخل نساء الحسین وبناته وأخواته وصبیانه [إلیه](5)

فجلست زینب بنت علیّ سلام الله علیها متنکّرة، فسأل عنها ، فقیل : هذه

زینب بنت علیّ

فأقبل علیها ، فقال لعنة الله علیه : الحمد لله الّذی فضحکم وأکذب

ص: 362


1- کذا فی الملهوف، وفی الأصل : لهاتی .
2- فی الملهوف : جزاء الذی أرداه نار جهتما .
3- فی الأصل - خ ل -: فلا الیوم لنا والیوم علینا، وفی الملهوف : فلا یوم لنا ولا علینا .
4- من الملهوف .
5- من الملهوف .

أحدوثتکم !!

فقالت : إنّما یفتضح الفاسق ویکذب الفاجر ، وهو غیرنا. فقال ابن زیاد :کیف رأیتِ صُنع الله بأخیک وأهل بیتک ؟

فقالت : ما رأیت إلّا جمیلاً ، وهؤلاء قوم کُتِب(1)علیهم القتل ، فبرزوا إلی مضاجعهم، وسیجمع الله بینک وبینهم - یا ابن زیاد - فیحاجون ویخاصمون(2) فانظر لمن الفلج یومئذ(3)، هبلتک أمّک یا ابن مرجانة.

[قال الراوی] (4) فغضب ابن زیاد فکأنّه همّ بها ، فقال عمرو بن حریث :

إنّها إمرأة(5) والمرأة لا تؤاخذ بشیء من منطقها.

فقال ابن زیاد : یا زینب ، شفیت نفسی من طاغیتک(6)الحسین والعصاة

المردة من أهل بیتک.

فقالت زینب : لعمری لقد قتلتَ کهلی ، وقطعتَ فرعی ، واجتثثتَ أصلّی ،

فإن کان هذا شفاک فقد اشتفیت.

فقال ابن زیاد لعنه الله : هذه سجّاعة ، ولقد کان أبوها شاعراً سجّاعاً.

ص: 363


1- فی الملهوف: کتب الله .
2- فی الملهوف: فتحاج و تخاصم.
3- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : فانظر یومئذ الفلج.
4- من الملهوف.
5- فی الملهوف : فقال له عمرو بن حریث : أیّها الأمیر إنّها امرأة . وعمرو هذا هو: عمرو بن حریث بن عمرو بن عثمان المخزومی ، کانت داره مأوی الأعداء أهل البیت علیهم السلام، ولی الکوفة لزیاد بن أبیه ولابنه عبیدالله ، مات سنة «88» ه. «سیر أعلام النبلاء : 417/3- 419 ، الأعلام : 76/5 » .
6- فی الملهوف : فقال لها ابن زیاد : لقد شفی الله قلبی من طاغیتک .

ما دار بین ابن زیاد لعنه الله و بین زین العابدین علیه السلام

فقالت: یا ابن زیاد، ما للمرأة والسجاعة ؟ إن لی عن السجاعة

الشغلاً.

فالتفت ابن زیاد إلی علیّ بن الحسین ، فقال : مَن أنتَ؟ فقال: أنا علی بن الحسین. فقال : ألم یقتل الله(1) علیّ بن الحسین ؟ فسکت . فقال : مالک لا تتکلّم؟

فقال : کان لی أخ یقال له علیّ (2)، قتله الناس - أو قال : قتلتموه - وان له

منکم مطلبأ یوم القیامة.

فقال الملعون : بل الله قتله .

فقال علیّ بن الحسین علیه السلام : (واللهُ یَتَوَفَّی الأَنفُسَ حِینَ مَؤتِهَا)(3)

(وَمَا کانَ لِنَفسٍ أَن تَمَوتَ إلَّا بِإذنِ اللهِ کِتَاباً مُؤَجاً(4)

فقال الملعون: أنت والله منهم، وبک جرأة علیّ جوابی ، اذهبوا به،

فاضربوا عنقه.

فسمعت عمّته زینب ، فقالت : یا أبن زیاد، إنّک لم تبقِ منّا أحداً، فإن کنتَ

قد عزمتَ علی قتله فاقتلنی معه.

فقال علیّ بن الحسین : اسکتی یا عمّة حتی أُکلّمه .

ص: 364


1- فی الملهوف: ألیس قد قتل الله ؟
2- فی الملهوف : کان لی أخ یسمی علی بن الحسین .
3- سورة الزمر: 42.
4- سورة آل عمران : 145.

ما دار بین ابن زیاد لعنه الله وبین أبی برزة صاحب رسول الله صلّی

الله علیه و آله

ثمّ أقبل علیه ،(1) فقال : أبالقتل تهدّدنی یا ابن زیاد ؟ أما علمتَ أن القتل

لنا عادة وکرامتنا الشهادة ؟

فقال ابن زیاد : دعوه ینطلق مع نسائه ، أخرجوهم عنّی ، فأخرجوهم إلی دار فی جنب المسجد الأعظم، فقالت زینب : لا یدخلنّ علینا عربیّة إلّا أمّ ولد أو مملوکة ، فإنّهنّ سبین وقد (2) سبینا (3)

ثمّ أمر ابن زیاد برأس الحسین علیه السلام فوضع فی طشت بین یدیه فجعل ینکت بقضیب فی وجهه وقال : ما رأیت مثل حسن هذا الوجه قطّ ، وکان یشبه (4)وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله .

وقیل : إنّ ابن زیاد أرسل إلی أبی برزة صاحب رسول الله صلّی الله علیه

وآله ، فقال : کیف شأنی وشأن الحسین؟

قال أبو برزة : الله أعلم ، فما علمی بذلک ؟ فقال : إنّما أسألک عن علمک.

قال : أمّا إذا سألتنی فإنّ الحسین یشفع فیه رسول الله جدّه صلّی الله علیه

وآله ویشفع لک زیاد.

فقال : اخرج، لولا ما جعلت لک لضربت عنقک. وروی(5)[محمد بن] خالد الضبی ، عن إبراهیم ؛ قال : لو انّی کنت ممّن

ص: 365


1- فی الملهوف : إلیه.
2- فی الملهوف: کما .
3- الملهوف علی قتلی الطفوف: 194 - 202.
4- فی المقتل : فقلت : أمّا إنّه کان یشبه .
5- من المقتل.

ما دار بین ابن زیاد لعنه الله وبین. زید بن أرقم

قاتل الحسین ثم أتیت بالمغفرة من ربّی فأُدخلت الجنّة لاستحییت من محمد صلّی الله علیه و آله أن أمرّ علیه فیرانی.

وعن زید بن أرقم : قال : کنت جالساً عند عبید الله بن زیاد إذ أُتی برأس الحسین صلوات الله علیه فوضعٍ بین یدیه فأخذ قضیبه فوضعه بین شفتیه ، فقلت : إنّک تضع قضیبک فی موضع طالما لثمه رسول الله صلّی الله علیه و آله!

فقال : قم إنّک شیخ قد ذهب عقلک.

ثمّ رفع زید صوته یبکی وخرج وهو یقول : ملک عبد حرّاً، أنتم یا معشر العرب - العبید بعد الیوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرّتم ابن مرجانة حتّی یقتل خیارکم ، ویستعبد شرارکم، رضیتم بالذلّ فبعداً لمن رضی.(1)

وعن شهر بن حوشب : قال : لما جاء نعی الحسین علیه السلام لعنت أمّ سلمة رضی الله عنها أهل العراق ، وقالت: قتلوه قتلهم الله تعالی ، غرّوه وأذلّوه لعنهم الله.

قیل : إنّ أوّل ذلّ دخل علی العرب قتل الحسین وادّعاء زیاد.(2)

ذکر سیّدنا السیّد الجلیل فخر آل الرسول علیّ بن موسی بن محمد الطاوس الحسنی رضی الله عنه أنّ ابن زیاد لعنه الله أمر برأس الحسین علیه السلام فطیف به فی سکک الکوفة.

ثمّ قال رضی الله عنه : ویحقّ أنّ أتمثّل بأبیات لبعض ذوی العقول یرثی

ص: 366


1- من قوله : «ثم رفع زید» إلی هنا أخرجه المجلسی رحمه الله فی البحار : 117/45 عن کتابنا هذا. وکذا البحرانی فی عوالم العلوم : 384/17 .
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 41/2 -46.

أبیات فی رثاء الحسین علیه السلام، وخطبة ابن زیاد فی المسجد،

وما دار بینه وبین عبد الله بن عفیف الأزدی

بها قتیل آل الرسول:

رأس ابن بنت محمد ووصیّه للناظرین علی قناة یرفعُ و المسلمون بمنظر وبمسمع لامنکر منهم ولا متفجّعُ کحلت بمنظرک العیون عمایةً وأصمّ رزؤک کلّ أذنٍ تسمعُ أیقظت أجفاناً وکنتَ لها کرئً وأنمتَ عیناً لم تکن بک تهجعُ ما روضة إلّا تمنّت أنّها لک حفرة ولخطّ قبرک موضعُ (1)

قال : ثمّ خرج ابن زیاد لعنه الله ودخل المسجد ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : الحمد لله الذی أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمیر المؤمنین یزید وأشیاعه ، وقتل الکذّاب ابن الکذّاب !!

قال : فما زاد علی هذا الکلام شیئاً حتّی وثب إلیه عبدالله بن عفیف الأزدی ، وکان من رؤساء الشیعة وخیارهم ، وکانت عینه الیسری قد ذهبت یوم الجمل ، والأخری یوم صفّین ، وکان لا یکاد أن یفارق المسجد (2)الأعظم یصلّی فیه إلی اللیل ، ثمّ ینصرف إلی منزله ، فلمّا سمع مقالة اللعین وثب إلیه قائمة وقال : یا ابن مرجانة ، إنّ الکذّاب وابن الکذّاب أنتَ وأبوک ، ومن استعملک وأبوه ، یا عدوّ الله ، أتقتلون أبناء خیر النبیّین(3)وتتکلّمون بهذا الکلام علی منابر المسلمین ؟

فغضب ابن زیاد، ثمّ قال : مَن المتکلّم؟ فقال : أنا المتکلّم، یا عدو الله ، أتقتل الذرّیّة الطاهرة الّتی أذهب الله عنها

ص: 367


1- فی الملهوف: مضجع .
2- فی الملهوف : وکان یلازم المسجد .
3- فی الملهوف: أتقتلون أولاد النبیین .

الرجس فی کتابه وتزعم أنّک علی دین الاسلام ؟ واغوثاه ، أین أبناء المهاجرین والأنصار، [ینتقمون منک و](1) من طاغیتک اللعین بن اللعین علی لسان محمد نبیّ ربّ العالمین؟

قال : فازداد غضب عدوّ الله ، ثمّ قال : علیَّ به ، فوثب إلیه الجلاوزة فأخذوه فنادی بشعار الأزد وعبدالرحمان بن مخنف الأزدی فی المسجد ، فقال : ویحک أهلکت نفسک وقومک ، وکان فی الکوفة یومئذ سبعمائة

[مقاتل] (2) من الأزد، فوثبوا إلیه وانتزعوه منهم ، وانطلقوا به إلی منزله ، ونزل ابن زیاد عن المنبر ودخل القصر، ودخل علیه أشراف الناس ، فقال : أرأیتم ما صنع هؤلاء القوم؟

فقالوا: قد رأینا أصلح الله الأمیر ، وإنّما الأزد فعلت ذلک فشدّ یدک علی ساداتهم فهم الّذین استنقذوه من یدک ، فأرسل ابن زیاد إلی عبد الرحمان بن مخنف الأزدی فأخذه ، وأخذ معه جماعة من [أشراف](3) الأزد فحبسهم ، وقال : لاخرجتم من یدی أو تأتونی بعبدالله بن عفیف ، ثمّ دعا بعمرو بن الحجاج الزبیدی ومحمد بن الأشعث وشبث بن ربعی وجماعة من أصحابه ، وقال لهم : اذهبوا إلی هذا الأعمی الّذی أعمی الله قلبه کما أعمی بصره فائتونی به.

وانطلقت رسل اللعین یریدون ابن عفیف ، وبلغ ذلک الأزد فاجتمعوا،

واجتمع معهم قبائل الیمن لیمنعوا صاحبهم عبدالله بن عفیف.

وبلغ ذلک ابن زیاد فجمع قبائل مضر وضمهمّ إلی محمد بن الأشعث

ص: 368


1- من الملهوف.
2- من المقتل .
3- من المقتل .

أرجاز لعبدالله بن عفیف الأزدی رحمه الله

وأمره(1) بقتال القوم.

قال : فأقبلت قبائل مضر نحو قبائل الیمن فاقتتلوا قتالاً شدیداً، وبلغ ذلک ابن زیاد فأرسل إلی أصحابه یوبهم ویضعفهم، فأرسل إلیه عمرو بن الحجّاج یخبره باجتماع الیمن علیهم ، وبعث إلیه شبث بن ربعی : أیّها الأمیر ، إنک أرسلتنا إلی أسود(2) الآجام فلا تعجل.

قال : واشتدّ قتال القوم حتّی قتل بینهم جماعة من العرب.

ووصل القوم إلی دار عبدالله بن عفیف ، فکسروا الباب واقتحموا علیه ،

وصاحت ابنته : یا أباه، أتاک القوم من حیث تحذر .

فقال : لا علیک یا ابنتی ناولینی سیفی ، فناولته السیف ، فأخذه وجعل

یذبّ عن یمینه وشماله بسیفه (3) ویقول : أنا ابن ذی الفضل عفیف الطاهر

عفیف شیخی وابن أمّ عامر

کم دارع من جمعکم وحاسر

وبطل جندلته مغاور؟

وجعلت ابنته تقول : القوم عن یمینک ، القوم عن یسارک ، یا لیتنی کنت

رجلاً فأقاتل بین یدیک هؤلاء الفجرة ، قاتلی العترة البررة.

وجعل القوم یدورون حوله عن یمینه وشماله ومن ورائه وهو یذبّ عن

ص: 369


1- فی الملهوف : وأمرهم.
2- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : سواد .
3- فی المقتل والملهوف : وجعل یذب عن نفسه .

إحضار جندب بن عبدالله وعبدالله بن عفیف الأزدیان عند ابن زیاد

العنه الله

نفسه بسیفه ولیس أحد یقدم علیه ، ثمّ تکاثروا علیه من کلّ ناحیة حتّی أخذوه .

فقال جندب بن عبدالله الأزدی صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله : إنا لله وإنّا للِهِ راجعون ، أُخذ والله عبدالله بن عفیف ، فقبح العیش(1) من بعده ، وقام ثمّ قاتل من دونه فأخذ أیضاً، وانطلق بهما إلی ابن زیاد لعنه الله وعبدالله یقول : أُقسم لو یکشف(2) لی عن بصری

ضاق علیکم موردی ومصدری

فلمّا أُدخلا علی ابن زیاد قال لعبدالله : الحمد للِهِ الّذی أخزاک .

قال عبدالله : وبما أخزانی ، یا عدوّ الله ؟ والله لو یکشف لی عن بصری ضاق علیکم موردی ومصدری

فقال له ابن زیاد : یا عدوّ نفسه ، ما تقول فی عثمان؟

فقال : یا ابن مرجانة ، و یا ابن سمیّة الزانیة(3)، ما أنت وعثمان أساء أمّ أحسن ، أصلح أمّ أفسد ؟ والله تعالی ولیّ خلقه ، یقضی بینهم وبین عثمان بالعدل ، ولکن سلنی عنک ، وعن أبیک ، وعن یزید و أبیه.

فقال ابن زیاد : لا أسألک عن شیء إلّا أن تذوق الموت.

فقال ابن عفیف : الحمد لله ربّ العالمین ، أما إنّی کنت أسأل ربّی أن یرزقنی الشهادة قبل أن تلدک مرجانة، وسألته أن یجعل ذلک علی ید ألعن خلق

ص: 370


1- فی المقتل : أخذوا والله .. فقبح الله العیش
2- فی الملهوف : یفسح
3- فی المقتل : یابن سمیة ، یا عبد بنی علاج .

إستشهاد عبدالله بن عفیف الأزدی، وما دار بین جندب بن عبدالله

وعبدالرحمان بن مخنف الأزدیان وبین ابن زیاد لعنه الله

الله وأبغضه إلیه ، فلما ذهب بصری أیست من الشهادة ، والآن الحمد لله الّذی رزقنیها بعد الیأس منها ، وعرّفنی الإجابة منه لی فی قدیم دعائی.

فقال ابن زیاد لعنه الله : اضربوا عنقه ، فضربت وصلب رحمه الله(1)

ثمّ دعا ابن زیاد بجندب بن عبدالله رضی الله عنه ، فقال : یا عدوّ الله ،

ألست صاحب علیّ بن أبی طالب یوم صفّین ؟

قال : نعم ، وما زلت له ولیّاً ، ولکم عدوّاً، ولا أبرأ من ذلک إلیک ولا أعتذر

ولا أتنصل.

فقال ابن زیاد: أما إنّی أتقرّب إلی الله بدمک.

فقال جندب : والله ما یقرّبک دمی إلی الله تعالی ، ولکن یباعدک منه ، وبعد

فلم (2)یبق من عمری إلّا أقلّه ، وما أکره أن یکرمنی الله بهوانک.

فقال لعنه الله : أخرجوه عنّی فإنّه شیخ قد خرف وذهب عقله ، فأُخرج

وخلّی سبیله.

ثمّ دعا بعبد الرحمان بن مخنف الأزدی ، فقال : ما هذه الجماعة علی

بابک ؟

فقال : لیس علی بابی جماعة وقد قتلت صاحبنا، وأنا لک سامع مطیع

وإخوتی جمیعاً، فسکت ابن زیاد، وخلی سبیله وسبیل أصحابه (3)

ص: 371


1- زاد فی الملهوف: فی السبخة .
2- فی المقتل : وبعد فإنی لم.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 52/2 - 55، الملهوف علی قتلی الطفوف :.203-207.

ندبة زینب أخاها الحسین علیه السلام

وکان ابن زیاد حین قتل الحسین علیه السلام أرسل یخبر یزید بذلک ، وکتب أیضاً إلی عمرو بن سعید بن العاص ابن أخ عمرو بن العاص أمیر المدینة بمثل ذلک.

فأمّا عمرو بن سعید فحیث(1)وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلک ، فعظمت واعیة بنی هاشم ، وأقاموا سنن المصائب والمآتم، وکانت زینب بنت عقیل تندب الحسین علیه السلام و تقول : ماذا تقولون إذ قال النبیّ لکم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتی وبأهلی بعد مفتقدی

منهم أُساری ومنهم ضُرّجوا بدم

ما کان هذا جزائی إذ نصحتُ لکم

أن تخلفونی بسوء فی ذوی رحمی

قال : فلمّا جاء اللیل سمع أهل المدینة هاتفاً یقول :

أیّها القاتلون جهلاً(2) حسیناً

أبشروا بالعذاب والتنکیل

کلّ مَن فی السماء یدعو علیکم

من نبیٍّ ومرسل وقبیلِ(3)

ص: 372


1- فی الملهوف : فحین .
2- فی الملهوف : ظلمة .
3- فی الملهوف : یبکی علیه ... من نبی وشاهد ورسول .

إرسال السبایا ورؤوس الشهداء إلی الشام بأمر یزید لعنه الله

نزول آدم ونوح وإبراهیم وإسماعیل وإسحاق ونبینا وجبریل

قد لُعنتم علی لسان ابن داود

وموسی(1) وصاحب الإنجیلِ وأمّا یزید فلمّا قرأ کتاب ابن زیاد أرسل إلیه یأمره بحمل رأس الحسین علیه السلام ورؤوس أصحابه ومن قتل معه ، وأمره بحمل أثقاله ونسائه وعیاله وأطفاله ، فاستدعی ابن زیاد بمحَفَّر بن ثعلبة العائذی(2) وسلّم إلیه الرؤوس والأساری والنساء ومعهم علیّ بن الحسین وأخواته وعمّاته وجمیع نسائه إلی یزید ، فسار بهم محَفَّر حتّی دخل الشام کما یسار بسبایا الکفّار، ویتصفّح وجوههم أهل الأقطار .(3)

وروی سیّدنا فخر العترة وجمال الأسرة علیّ بن موسی بن جعفر بن طاوس الحسنی رضی الله عنه عن ابن لهیعة وغیره حدیثاً أخذنا منه موضع الحاجة ، قال : کنت أطوف بالبیت وإذا أنا برجل یقول : اللّهمّ اغفر لی وما أراک فاع.

فقلت : یا عبدالله ، اتّق الله ولا تقل مثل هذا، فلو أنّ ذنوبک مثل قطر

الأمطار (4)وورق الأشجار واستغفرت الله لغفر لک ، فإنّه غفور رحیم

ص: 373


1- کذا فی الملهوف ، وفی الأصل : عیسی.
2- کذا فی الملهوف ، و فی الأصل : مخفر بن ثعلبة العابدی . وهو محقر بن ثعلبة بن مرّة بن خالد، من بنی عائذة ، من خزیمة بن لؤی ، من رجال بنی أمیّة فی صدر دولتهم. انظر فی ترجمته : نسب قریش : 441، جمهرة الأنساب : 165 ، أعلام الزرکلی :219/5
3- الملهوف علی قتلی الطفوف : 207 - 208.
4- فی الملهوف : الأمصار .

علیهم السلام و تقبیلهم الرأس الشریف والبکاء علیه فی

مسیر السبایا إلی الشام

فقال : تعال حتّی أخبرک بقصّتی فأتیته ، فقال : اعلم أنّا کنّا خمسین نفراً ممن سار برأس الحسین إلی الشام ، وکنّا إذا أمسینا وضعنا الرأس فی تابوت وشربنا الخمر حوله ، فشرب أصحابی لیلة حتّی إذا سکروا ولم أشرب معهم وجنّ علینا اللیل سمعت رعداً أو رأیت برقاً وإذا بأبواب السماء قد فتحت، ونزل آدم ونوح وإبراهیم وإسماعیل وإسحاق ونبیّنا محمد صلّی الله علیه و آله ومعهم جبریل وخلق کثیر من الملائکة ، فدنا جبرئیل من التابوت ، فأخرج الرأس فضمه إلی نفسه وبکی وقبّله ، ثمّ فعل الأنبیاء کذلک والملائکة کلّهم ، وبکی النبی صلّی الله علیه و آله علی رأس الحسین علیه السلام وعزاه الأنبیاء.

وقال جبرئیل للنبیّ صلّی الله علیه و آله : یا محمد ، إنّ الله تعالی أمرنی أن أطیعک فی أمّتک ، فإن أمرتنی زلزلتُ بهم الأرض ، وجعلت عالیها سافلها کما فعلت بقوم لوط.

فقال النبیّ صلّی الله علیه و آله : لا یا جبرئیل ، فإنّ لی معهم (1)موقفاً بین یدی الله یوم القیامة ، ثمّ جاء الملائکة نحونا لیقتلونا ، فقلت : الأمان یا رسول

فقال : اذهب لا غفر الله (2) لک .(3)

ص: 374


1- فی الملهوف: فإن لهم معی .
2- لفظ الجلالة أثبتناه من الملهوف.
3- الملهوف علی قتلی الطفوف: 208 - 209، عنه عوالم العلوم :425/17.

فصل فی ذکر حمل سبایا رسول الله صلّی الله علیه وآله

کلام للمؤلف رحمه الله

وبناته وأحفاده إلی الشام

قلت : ولمّا مرّ بفکری ، وخطر فی سرّی ، و تصوّر قلبی ، وانتعش فی لبّی، مسیر بنات المصطفی والمرتضی، وحمل ولد الزهراء علی الأقتاب قسراً، قد غاب الشفیق عنهنّ، وبعد الشقیق منه ، صرخت بصوت ینبی عن عظیم أحزانی ، وصرخت بلسانی عمّا حوی جنانی ، ونثرت دمعی لدیهنّ، وأشرت بنشری إلیهنّ، قائلاً:

یا خفرات المصطفی ، ویا بنات المرتضی، ویا مخدّرات الزهراء ، ویا سیّدات نساء أهل الدنیا والأخری ، عجباً للسماء لما أصابکنّ لا تنفطر ، وللکواکب لمصابکنّ لم تنتثر ، وللشمس لم تکوّر ، وللبحار لم تفجّر ، وللجبال لم تسیر ، وللأرض لم تفطّر اذکر أسرکنّ أسَرَ قلبی، وأطلق عبرتی ، وذبح طفلک هیج و جدی ، وأحرق مهجتی ، وذکر مسیر کن علی الأقتاب قرح جفنی ، وخبر ورودکن علی اللعین بغیر نقاب ولا جلباب أثار حزنی ، ورؤوس رجالکنّ المرفعة علی الرماح هیّج بلبالی ، وتفوس فتیاتکنّ المنتزعة بحدود الصفاح

أشغل بالی.

فیا عیونی لغربتهنّ أذرفی ، ویا نار حزنی لکربتهنّ لا تنطفی ، ویا سعیر

ص: 375

قصیدة للمؤلف رحمه الله

وجدی علیهنّ لا تخمدی ، ویا زفراتی لما نالهنّ لا تبردی ، فلو أنّی نظرت بعینی مسیر رواحلهنّ ، وشاهدت عدید سبائهنّ لوضعت أکفّی لأکفّ مطایاهنّ موطئاً، بل خدّی ، ولبذلت فی خلاصهنّ غایة جهدی وجدّی، ولجاهدت القائد والسائق ، وللعنت الناظر والرامق، ولاستغثت بصوت یفصح عمّا ضمت علیه جوانحی من غصّتی ، ولنادیت بأنّه ینبیء عن عظیم رزیّتی و مصیبتی ، ولحثوت التراب علی ترائبی ورأسی، ولأضرمت الخافقین بتصاعد زفراتی وأنفاسی، ولشققت قلبی بعویلی إلی جیبی ، ولصدعت الصمّ الرواسخ بندیبی و تحریبی، منشداً بلسان حالی ، موضحاً عمّا فی بالی : یاطول حزنی ویانحیبی

حزناً علی النازح الغریب

علی أجلّ الوری نجارا

دمعی کالعارض السکوب

تضرم نار الأسی بقلبی

مأتم فی یومه العصیب

فیا أحشائی بنار حزنی

ووجد قلبی علیه ذوبې

ویاعیونی سخی بدمع من

ا ی بفیض الدماء مشوب

وابنته بین العدی تنادی

هل من مغیثٍ هل من مجیب؟

ص: 376

وأُسرة من ذویه أمسوا

فوتاً لذی مخلبٍ و ذیب

أکرم بهم عصبة کراماً

وأسوة مسن فتیة وشسیب

باعت من الله أنفساً

و لم تهن لدی الروع فی الحروب

من أصبحوا فی الطفوف صرعی

فی الخلد أمسوا قبل المغیب

یا أمّة فارقت هداها

واحنتقبت أشنع الذنوب

لیس لکم بالّذی فعلتم

فی عفو ذی العرش من نصیب

قتلتم سبط من إلیکم

اُرسل من عالم الغیوب

لهفی علی شلوه صریعاً

لهفی علی خدّه التریب

لهفی علی رأسه المعلّی

لهفی علی شیبه الخضیب

لهفی علی رهطه أُساری

ی علن بالویل والنحیب

یسقن عنفاً بین الأعا

دی بلا کفیل ولا حسیب

ص: 377

إذا تذکّرتهم حیاری

یخفق قلبی من الوجیب

واغرق الصدر من دموعی

واحرق القلب باللهیب

لهفی علی صحبه صراعاً

ا لهفی علی ثقله النهیب

لهفی علی ثغره المفدّی

پ نکته الرجس بالقضیب

یاخیر مسولی من خیر قوم

و بسهم نجاتی من الخطوب

ومَن هُم فی العباد أولی

بالجود والصنیع من سحوب(1)

أنتم معاذی أنتم مدیر عیاذی من الکروب

وجّهت باللطف من نسیبی

إلی

فناجودکم مدیحی تمیس حسناً فی برد نظم

ینسخ أوصافکم فشیب

بکلّ معنیً فی اللطف أضحی

یدقّ عن فکره اللبیب

ص: 378


1- کلمة «سحوب» غیر مقروءة فی الأصل ، و أضفناها لإتمام البیت

دخول سهل بن سعد الساعدی دمشق

یمجّه سمع ذی نفاقٍ

قد ضلّ فی شکّه المریب

تبادل الصفو فی حضوری

ویأکل العرض فی مغیب

إذا تذکّرت ماعرانی

من حمقة قلت یامجیبی

خذلی بحقّی ولا تدعنی

ف ریسة الغادر الکذوب

فأنت حسبی من کلّ سوء

وساتر فی الملاعیوبی

قال : ولم یزل القوم سائرین بحرم رسول الله صلّی الله علیه و آله من الکوفة إلی الشام علی محامل بغیر وطاء من بلد إلی بلد ، و من منزل إلی منزل کما تساق أُساری الترک والدیلم (1)

روی عن سهل بن سعد الساعدی ، قال : خرجت إلی بیت المقدس حتّی أتیت دمشق فرأیت أهلها قد علّقوا الستور والحجب والدیباج ، وهم فرحون مستبشرون ، و عندهم نساء یلعبن بالدفوف، فقلت فی نفسی : الأهل الشام عید لا نعرفه؟ فرأیت قوماً یتحدّثون ، فقلت : یا قوم، ألکم فی الشام عبید لا نعرفه ؟

قالوا: یا شیخ ، نراک غریباً؟ قلت : أنا سهل بن سعد ، رأیت رسول الله صلّی الله علیه و آله [ وحملت

ص: 379


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 55/2 .

تسلیة المجالس وزینة المجالس - ج 2

حدیثه (1)

قالوا: یا سهل، ما أعجب (2) السماء لا تمطر دما، والأرض لمَ تنخسف

بأهلها؟

قلت : ولم ذاک؟

قالوا: هذا رأس الحسین عترة محمد صلّی الله علیه و آله یهدی من

العراق.

فقلت : واعجبا! یهدی رأس الحسین والناس یفرحون ! قلت : من أی

باب یدخل؟ فأشاروا الی باب یقال له باب الساعات.

قال سهل : فبینا أنا کذلک إذ أقبلت الرایات یتلو بعضها بعضاً، وإذا بفارس بیده رمح منزوع السنان ، علیه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله ، وإذا من ورائه نسوة علی جمال بغیر وطاء ، فدنوت من أولاهنّ فقلت لجاریة منه (3) : یا جاریة ، من أنت؟

قالت : أنا سکینة بنت الحسین علیه السلام.

فقلت : ألک حاجة ، فأنا سهل بن سعد الساعدی ، وقد رأیت جدّک

وسمعت حدیثه؟

قالت: یا سهل ، قل لصاحب الرأس أن یقدّم الرأس أمامنا حتّی یشتغل

الناس بالنظر إلیه ولا ینظروا إلی حرم رسول الله صلّی الله علیه وآله .

ص: 380


1- من المقتل.
2- فی المقتل : ما أعجبک ؟
3- فی المقتل : فدنوت من إحداه فقلت لها .

أرجاز حامل رأس الحسین علیه السلام، وأمر یزید بقتله

قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس، فقلت : هل لک أن تقضی لی

حاجة وتأخذ منّی أربعمائة درهم؟

قال : ما هی؟

قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلک ، فسلّمت إلیه الدراهم ، ووضع الرأس فی طشت و أدخل علی یزید ، فدخلت مع الناس ، وکان یزید جالساً علی السریر ، وعلی رأسه تاج مکلّل ، وحوله کثیر من مشایخ قریش ، فلمّا دخل صاحب الرأس جعل یقول:

أوقر رکابی فضّة وذهبا أناقتلت السید المهذّبا(1) قتلت خیر الناس أمّاً وأبا وخیرهم إذ ینسبون (2) النسبا

فقال یزید : إذا علمت أنّه خیر الناس فلمَ قَتلتَه ؟ قال : رجوت الجائزة. فقیل : إنّ یزید أمر بقتله .(3)

وروی سیّدنا السند علیّ بن طاوس رضی الله عنه ، قال : لمّا قرب القوم بالرؤوس والأساری من دمشق دنت أمّ کلثوم من شمر لعنه الله ، وکان فی جملتهم ، فقالت: لی إلیک حاجة.

قال : وما حاجتک ؟ قالت : إذا دخلت البلد فأدخلنا فی درب قلیل النظارة، وتقدّم إلی

ص: 381


1- فی المقتل : المحجباً .
2- فی المقتل : یذکرون.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 60/2- 11، عنه عوالم العلوم: 427/17.

أبیات فی رثاء الحسین علیه السلام، وما دار بین زین العابدین علیه

السلام و شیخ من أهل الشام

أصحابک أن یخرجوا الرؤوس من بین المحامل وینحّونا عنها فقد خزینا من کثرة النظر إلینا ونحن فی هذا الحال ، فأمر فی جواب سؤالها أن یجعلوا الرؤوس علی الرماح فی أوساط المحامل بغیاً منه وکفراً، وسلک بهم علی تلک الحال بین النظّارة حتّی أتی بهم باب دمشق فأُقیموا علی درج باب المسجد الجامع حیث یقام السبی، فروی أنّ بعض الفضلاء التابعین لمّا شاهد رأس الحسین علیه السلام أخفی نفسه شهراً من جمیع أصحابه ، فلمّا وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلک ، فقال : أما ترون مانزل بنا؟ ثمّ أنشأ یقول :

جاءوا برأسک یا ابن بنت محمد مترملاً بدمائه ترمیلا فکأنّما بک یا ابن بنت محمد قتلوا جهاراً عامدین رسولا قتلوک عطشاناً ولمّا یرقبوا فی قتلک التأویل والتنزیلا ویکبّرون بأن قُتلتَ وإنّما قتلوا بک التکبیر والتهلیلا یا من إذا حسن العزاء عن أمریء کان البکاء حسناً علیه جمیلا فبکتک أرواح السحائب غدوة وبکتک أرواح الریاح أصیلا(1)

وروی أنّهم لمّا دخلوا دمشق وأقیموا علی درج المسجد منتظرین الإذن من یزید حیث یقام السبی أقبل شیخ من أهل الشام حتّی دنا منهم ، فقال : الحمد الله الّذی قتلکم وأهلکم ، وأراح العباد من رجالکم، وأمکن أمیر المؤمنین منکم.

فقال له علیّ بن الحسین علیه السلام: یا شیخ ، هل قرأت القرآن ؟

ص: 382


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 125/2 -126. الملهوف علی قتلی الطفوف:210، وفیهما الأبیات الأربعة الأولی فقط .

قال : نعم.

قال : قرأت هذه الآیة[قل لَا أسألُکُم عَلَیهِ أجراً إلَّا المَوَدَّةَ فِی

القُربیَ) (1)؟

قال الشیخ: قرأت ذلک.

فقال علیّ بن الحسین علیه السلام : فنحن القربی ، یا شیخ ، هل قرأت (وَاعلَمُوا أنَّمَا غَنِمتُم مِن شَیءٍ؛ فَأنَّ لی خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی القُربَی)(2)؟

قال : نعم

قال : فنحن القربی، یا شیخ ، هل قرأت (إنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ

الرَّجسَ أهلَ البَیتِ وَیُطَهَّرَکُم تَطهِیراً (3)؟

قال : نعم. قال : فنحن أهل البیت الّذی خصصنا به .

قال : فبقی الشیخ مبهوتاً ساعة ساکتاً نادماً علی ما تکلّم به ، ثمّ رفع رأسه

إلی السماء ، فقال : اللّهمّ إنّی أتوب إلیک من بغض هؤلاء القوم ، ثمّ التفت إلی علیّ بن الحسین ، فقال : باله أنتم هم؟

فقال علیّ بن الحسین علیه السلام : تالله إنّا لنحن هم من غیر شکّ ، وحقّ

جدّنا رسول الله صلّی الله علیه و آله.

قال : فبکی الشیخ ورمی عمامته ، ثمّ رفع رأسه إلی السماء ، فقال : اللّهمّ

ص: 383


1- سورة الشوری : 23 .
2- سورة الأنفال : 41.
3- سورة الأحزاب : 33.

دخول السبایا علی یزید، وما دار بینهم وبینه لعنه الله

إنّی أبرأ إلیک من عدة آل محمد من جنّ أو إنس ، ثمّ قال : هل من توبة ، یا ابن رسول الله ؟

قال : نعم، إن تبت تاب الله علیک ، وأنت معنا. فقال : وأنا تائب ، فبلغ یزید مقالته ، فأمر بقتله.

قال : ثمّ أدخلوا علی یزید وهم مقرّنون بالحبال ، وکان أوّل من دخل شمر بن ذی الجوشن علی یزید بعلیّ بن الحسین علیه السلام مغلولة یده إلی عنقه ، فلمّا وقفوا بین یدیه علی تلک الحال قال له علیّ بن الحسین علیه السلام : أنشدک (1) بالله یا یزید، ما ظنّک برسول الله صلّی الله علیه و آله لو رآنا علی هذا الحال ما کان یصنع؟ فأمر یزید بالحبال فقطعت(2)، ثمّ وضع رأس الحسین فی طشت بین یدیه ، وأجلس النساء خلفه کیلا ینظرن إلیه ، وأمّا زینب فإنّها لمّا رأته أهوت إلی جیبها فشقّته (3)، ثمّ نادت بصوت حزین یقرح (4) القلوب: یا حسیناه ، یا حبیب رسول الله ، یا این مکّة ومنی ، ویا ابن فاطمة الزهراء سیّدة النساء، یا ابن بنت المصطفی.

قال : فوالله لقد أبکت کلّ من فی المجلس ویزید ساکت.

ثمّ جعلت امرأة من بنی هاشم کانت فی دار یزید تندب الحسین علیه السلام وتنادی : واحسیناه ، واسیّداه ، یا ابن محمداه ، یا ربیع الأرامل والیتامی ، یا قتیل أولاد الأدعیاء

ص: 384


1- أقسمک - خ ل -
2- بقطع الحبال - خ ل - .
3- فشقت وجهه - خل -
4- کذا فی الملهوف، و فی الأصل : یفزع .

قال : فأبکت کلّ من سمعها (1)

قال (2): وقام رجل من أهل الشام أحمر ، فقال : یا أمیر المؤمنین ، هب لی

هذه الجاریة تعنینی.

قالت : وکنت(3) جاریة وضیئة ، فارتعدت وفرقت و ظننت أنه یفعل ذلک،

فأخذت بثیاب أختی زینب فقالت: کذبت والله ولؤمت ما ذلک لک ولا له.

فغضب یزید ، فقال : بل أنت کذب إن ذلک لی، ولو شئت فعلته .

فقالت : کلّا والله ما جعل الله ذلک لک إلّا أن تخرج من ملّتنا و تدین بغیر

دیننا.

فقال یزید: إیّای تستقبلین بهذا؟ إنّما خرج من الدین أبوک

وأخوک .

فقالت : بدین الله ودین أبی وجدّی اهتدیت . قال : کذبت یا عدوة الله.

قالت زینب : أمیر متسلّط یشتم ظلماً، ویقهر بسلطانه ، اللّهمّ إلیک أشکو

دون غیرک ، فاستحیا یزید وندم وسکت مطرقاً.

ص: 385


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی:61/2-62، الملهوف علی قتلی الطفوف: 211. 214 .
2- فی المقتل : وروی عن فاطمة بنت الحسین أنّها قالت: لما أدخلنا علی یزید ساءه ما رای من سوء حالنا، وظهر ذلک فی وجهه ، فقال : لعن الله ابن مرجانة، وابن سمیة ، لو کان بینه وبینکم قرابة ما صنع بکم هذا، وما بعث بکن هکذا، قالت، فقام إلیه رجل من أهل الشام ....
3- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : قال : وکانت.

وأعاد الشامی فقال : یا أمیر المؤمنین ، هب لی هذه الجاریة .

فقال یزید: اعزب لعنک الله ، ووهب لک حتفاً قاضیاً، ویلک لا تقل ذلک ،

فهذه بنت علیّ وفاطمة ، وهم أهل بیت لم یزالوا مبغضین لنا منذ کانوا.(1)

قال الشامی : الحسین بن فاطمة وابن علی بن أبی طالب !!

قال : نعم.

فقال الشامی : لعنک الله یا یزید، تقتل عترة نبیّک و تسبی ذرّیّته ، والله ما

توقمت إلّا أنّهم سبی الروم

فقال یزید: والله لألحقنّک بهم ، ثمّ أمر به فضربت عنقه . (2)

قال : ثمّ تقدّم علیّ بن الحسین بین یدی یزید وقال : لا تطمعوا أن تهینونا ونکرمکم وأن نکفّ الأذی عنکم وتؤذونا الله ی علم أنا لانحبّکم ولا نلومکم إذ(3)لم تحبّونا

فقال یزید : صدقت ولکن أراد أبوک وجدک أن یکونا أمیرین ، فالحمد لله الذی قتلهما ، وسفک دمهما ، ثمّ قال : یا علیّ ، إنّ أباک قطع رحمی ، وجهل حقّی، ونازعنی سلطانی ، فصنع الله به ما قد رأیت.

فقال علیّ بن الحسین علیه السلام : (مَا أصَابَ مِن مُصیبَةٍ فِی الأَرض وَلاَ فِی أنفُسِکُم إلا فی کِتَابٍ مِن قَبلِ أن نَبرَأَهَا إنَّ ذِلکَ عَلَی اللهِ یَسِرُ) (4)

ص: 386


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی : 62/2.
2- الملهوف علی قتل الطفوف : 218-219.
3- فی المقتل : فالله یعلم ... إن .
4- سورة الحدید: 22.

الا

فقال یزید لابنه [خالد ](1): اردد علیه ، فلم یدر ما یقول، فقال یزید :

(ومَا أصَابَکُم منِ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَت أیدِیکُم وَیَعفوا عَن کَثِیر) (2)

ثمّ قال علیّ بن الحسین علیه السلام: یا ابن معاویة وهند وصخر، إنّ النبوّة والإمرة لم تزل لآبائی وأجدادی من قبل أن تولد ، ولقد کان جدّی علیّ بن أبی طالب یوم بدر وأحد والأحزاب فی یده رایة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وأبوک وجدّک فی أیدیهما رایات الکفّار.

ثمّ جعل صلوات الله علیه یقول: ماذا تقولون إذ قال النبیّ لکم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

ثمّ قال علیّ بن الحسین علیه السلام : ویلک یا یزید لو تدری ما صنعت ، وما الّذی ارتکبت من أبی وأهل بیتی وأخی وعمومتی إذاً لهربت فی الجبال ، وافترشت الرماد، ودعوت بالویل والثبور أن یکون رأس الحسین بن فاطمة وعلی ولده منصوبان (3)علی باب مدینتکم ، وهو ودیعة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، [فیکم] (4)فابشر بالخزی والندامة غداً إذا جمع الناس لیوم القیامة .(5)

ووجدت روایة أحببت إیرادها هنا بحذف الأسانید ، قال : لمّا أدخل رأس الحسین علیه السلام وحرمه علی یزید وکان رأس الحسین بین یدیه فی طشت جعل ینکت ثنایاه بمخصرة فی یده ویقول :

ص: 387


1- من المقتل .
2- سورة الشوری : 30
3- فی المقتل : أیکون رأس أبی الحسین بن علی وفاطمة منصوباً .
4- من المقتل.
5- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی :63/2 .

خطبة زینب علیها السلام

لیت أشیاخی ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل الأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا یا یزید لا تشل لست من خندف إن لم أنتقم من بنی أحمد ماکان فعل

فقامت زینب بنت علیّ فقالت : الحمد لله ربّ العالمین، وصلّی الله علی سیّد المرسلین صدق الله کذلک یقول : (ثمَ کَانَ عَاقِبَةُ الّذِینَ أساءُوا السّؤی أن کَذَّبُوا بِآیاتِ اللهِ وَکَانُوا بِهَا یَستَهزِوئُونَ)(1) أظنت یا یزید حین أخذت علینا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق کما تساق الأسری أنّ بنا هواناً علی الله ، وبک علیه کرامة؟ وان ذلک لعظیم خطرک عنده ، وشمخت بأنفک ، ونظرت إلی عطفک جذلان سروراً حین رأیت الدنیا مستوسقة ، والأمور متّسقة ، وحین صفا لک ملکنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً أنسیت قول الله سبحانه : (وَلاَ

یَحسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أنَّمَا نُمِلی لَهُم خَیرُ لِأنفُسِهِم إنَّمَا نُمِلی لَهُم لِیَزدَادُوا إثماً وَلَهُم عَذَابُ مُهِینُ) (2) أمن العدل - یا ابن الطلقاء - تخدیرک حرائرک وإمائک ، وسوقک بنات المصطفی رسول الله کسبایا قد هتکت ستورهنّ، وأبدیت وجوههنّ من بلد إلی بلد یستشرفهنّ أهل المناهل، ویتصفّح وجوههنّ القریب والبعید ، والدنیّ والشریف ، ولیس معهن من رجالهنّ ولی ، ولا من حماتهنّ حمیّ، وکیف [ترتجی](3) مراقبة من لفظ فوه أکباد السعداء(4)، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟!

وکیف یستبطأ فی بغضنا أهل البیت من نظر إلینا بالشنف و الشنآن والإحن

ص: 388


1- سورة الروم : 10.
2- سورة آل عمران : 178.
3- من الملهوف.
4- فی الملهوف : الأذکیاء .

والأضغان ، ثمّ تقول غیر متأثّم ولا مستعظم الأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا یا یزید لاتشل

منحنیاً علی ثنایا أبی عبدالله سیّد شباب أهل الجنّة تنکتها بمخصرتک .

وکیف لا تقول ذلک وقد نکأت القرحة، واستأصلت الشأفة ، بإراقتک دماء آل محمد ، و تهتف بأشیاخک زعمت تنادیهم ؟ ولتردّن و شیکاً موردهم ، ولتودنّ أنّک شللت وبکمت ولم تکن قلتَ ما قلتَ.

وقالت : اللّهمّ خذ بحقّنا، وانتقم ممّن ظلمنا، واحلُل غضبک بمن سفک دماءنا وقتل حماتنا، فوالله ما فریتَ إلّا جلدک ، ولا حززت إلّا لحمک ، وسترد علی رسول الله صلّی الله علیه و آله بما تحمّلت من سفک دماء ذرّیّته ، وانتهکت من عترته وحرمته ولحمته ، ولیخاصمنّک حیث یجمع الله تعالی شملهم ، ویلمّ شعثهم ویأخذ لهم بحقّهم، (وَلاَ تَحسَبَنَ الَّذینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أموَاتاً بَل أحیَاءُ عِندَ رَبَّهِم یُرزَقُونَ)(1)

وحسبک بالله حاکماً، وبمحمبر صلّی الله علیه و آله خصیماً ، وبجبرئیل ظهیراً، وسیعلم من سوّل لک هذا ومکّنک من رقاب المسلمین أن بئس للظالمین بدلاً ، وأیّکم شرّ مکاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرت علیَّ الدواهی مخاطبتک ، أنّی لأستصغر قدرک ، وأستعظم

تقریعک ، وأستکثر توبیخک ، لکن العیون عبری ، والصدور حرّی.

الا فالعجب کلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشیطان الطلقاء،

ص: 389


1- سورة آل عمران : 169.

فهذه الأیدی تنطف(1)من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلک الجثث الطواهر الزواکی تنتابها(2) العواسل، وتعفوها أمّهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنّا وشیکاً مغرماً، حین لا تجد إلّا ما قدمت [یداک](3)(وَمَا رَبَّک بِظَلّام لِلعَبِیِد) (4) فإلی الله المشتکی وعلیه المعوّل.

فکد کیدک ، واسعَ سعیک ، وناصب جهدک، فوالله لا تمحو ذکرنا، ولا تمیت و حینا، ولا تدرک أمدنا ، ولا ترحض عنک عارها، وهل رأیک إلّا فند، وأیّامک إلّا عدد ، وجمعک إلا بدد ؟ ویوم ینادی المناد : ألّا لعنة الله علی الظالمین .

والحمد للِهِ الذی ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله (5)أن یکمل لهم الثواب ، ویوجب لهم المزید، ویسحسن علینا الخلف (6)، إنّه رحیم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوکیل.

فقال یزید لعنه الله : یا صیحةً تعلن من صوائح ما أهون (7)الحزن علی النوائح(8)

قال : ودعا یزید الخاطب وأمره أن یصعد المنبر ویذّم الحسین وأباه

ص: 390


1- فی الملهوف : تنضح .
2- فی الملهوف : تتناهبها .
3- من المقتل والملهوف
4- سورة فصلت: 46.
5- لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل والملهوف.
6- فی الملهوف: الخلافة.
7- یا صیحة تحمد... الموت.
8- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 64/2 - 66، الملهوف علی قتلی الطفوف:214 - 218، البحار : 133/45 .

علیهما السلام، فصعد وبالغ فی سبّ أمیر المؤمنین والحسین علیهما السلام، والمدح لمعاویة ویزید.

فصاح به علیّ بن الحسین علیه السلام: ویلک أیّها الخاطب ، اشتریتَ

مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوَّء مقعدک من النار.

ولقد أحسن من قال : أعلی المنابر تعلنون بسبّه وبسیفه نُصبت لکم أعوادها؟(1)

وروی : أنّ علیّ بن الحسین علیه السلام لمّا سمع ما سمع من الخاطب العنه الله قال لیزید: أُرید أنّ تأذن لی أن أصعد المنبر فأتکلّم بکلمات فیهنّ لله رضاً ولهؤلاء الجلساء أجر، فأبی یزید.

فقال الناس: یا أمیر المؤمنین ائذن فلیصعد ، فلعلّنا نسمع منه شیئاً. فقال : إنّه إن صعد لم ینزل إلّا بفضیحتی وبفضیحة آل أبی سفیان. فقیل له : وما قدر ما یحسن هذا؟ فقال : إنّه من أهل بیت قد زقوا العلم زقّاً. قال : فلم یزالوا به حتّی آذن له ، فصعد المنبر(2)، فحمد الله وأثنی علیه، ثمّ

ص: 391


1- الملهوف علی قتلی الطفوف: 219.
2- فی «ح»: حکی عن الشعبی الحافظ لکتاب الله عزّ وجلّ أنّه قال : استدعانی الحجاج بن یوسف یوم الأضحی فقال لی : أیّها الشیخ أیّ یوم هذا؟ فقلت : هذا یوم الأضحی، قال : بم یتقرب به الناس فی مثل هذا الیوم؟ فقلت : بالأضحیة والصدقة وأفعال البر والخیر. فقال : اعلم أنّی قد عزمت الیوم أنّ أضحی برجل حسینی. قال الشعبی: فبینما هو یخاطبنی إذ سمعت من خلفی صوت لسلسلة وحدید فخشیت أن ألتفت فیستخفتی ، وإذا قد مثل بین یدیه رجل علوی وفی عنقه سلسلة وفی رجلیه قید من حدید، فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان؟قال : نعم. فقال له : أنت القائل إن الحسن والحسین من ذرّیّة رسول الله؟ قال : ما قلت وما أقول، ولکنّی قلت وأقول : إنّ الحسن والحسین ولدا رسول الله وفرخاه وإنّهما دخلا فی ظهره وخرجا من صلبه علی رغم أنفک یا حجّاج. قال : وکان الملعون مستنداً فصار جالساً وقد اشتدّ غیضه وغضبه وانتفخت أوداجه حتی تقطعت أزرار بردته فدعا ببردة غیرها فلبسها، ثمّ قال للعلوی: یا ویلک إن لم تأتنی بدلیل من القرآن یدلّ علی انّ الحسن والحسین ولدا رسول الله دخلا فی ظهره وخرجا من صلبه وإلّا لأصلبتّک ولأقتلنّک فی هذا الحین أشرّقتلة ، وإن أتیتنی بدلیل یدلّ علی ذلک أعطیتک هذه البدرة التی بیدی وخلّیت سبیلک. قال الشعبی: وکنت حافظاً لکتاب الله تعالی کلّه وأعرف وعده و وعیده ، وناسخه ومنسوخه، فلم تخطر علی بالی آیة تدلّ علی ذلک ، فحزنت فی نفسی یعزّ والله علیّ ذهاب هذا الرجل العلوی. قال : فابتدأ الرجل یقرأ الآیة فقال : بسم الله الرحمن الرحیم، فقطع علیه الحجاج قراءته وقال : لعلک ترید أن تحتج علی بآیة المباهلة . [وهی قوله تعالی :(قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم ) سورة آل عمران : 61]. فقال العلوی: هی والله حجة مؤکدة معتمدة ، ولکنی آتیک بغیرها، ثم ابتدأ یقرأ : (بسم الله الرحمن الرحیم ومن ذرّیّته داود وسلیمان وأیّوب ویوسف وموسی وهارون وکذلک نجزی المحسنین - وزکریّا و یحیی) [سورة الأنعام: 84-85] وسکت فقال له الحجاج: فلم لاقلت وعیسی أنسیت عیسی؟ فقال : نعم صدقت یا حجّاج، فبأیّ شیء دخل عیسی فی صلب نوح علیه السلام (ولیس له أب؟ فقال له الحجاج : انّه دخل فی صلب نوح من حیث أنّه، فقال العلوی: وکذلک الحسن والحسین دخلاً فی صلب رسول الله من أمّهما فاطمة الزهراء. قال : فبقی الحجاج کأنما ألقی حجر فی فیه. فقال له الحجاج: ما الدلیل علی أن الحسن والحسین إمامان؟ فقال العلوی: یا حجاج، لقد ثبتت لهما الامامة بشهادة الرسول فی حقّهما لأنّه قال فی حقهما: «ولدای هذان إمامان فاضلان إنّ قاما وإن قعدا، تمیل علیهما الأعداء فیسفکون دماءهما ویسبون حرمهما» ولقد شهد لهم النبیّ بالإمامة أیضاً فقال : «ابنی هذا - یعنی الحسین - امام ابن إمام أخر إمام أبو أئمّة تسعة»

ص: 392

خطب خطبة أبکی بها العیون، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال : أیّها الناس ، أعطینا ستّاً ، وفضَّلنا ، بسبع أعطینا : العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة فی قلوب المؤمنین ، وفضّلنا بأنّ منّا النبیّ المختار محمد صلّی الله علیه وآله ، ومنّا الصدّیق، ومنّا الطیار ، ومنّا أسد الله وأسد رسوله ، ومنّا خیرة (1)نساء العالمین ، وما سبطا هذه الأمّة [وسیّدا شباب أهل الجنّة ](2)، من عرفنی فقد

ص: 393


1- فی المقتل : سیدة
2- من المقتل.

عرفنی ، ومن لم یعرفنی أنبأته بحسبی ونسبی.

أیّها الناس ، أنا این مکّة ومنی، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الرکن بأطراف الرداء، أنا ابن خیر من اتّزر وارتدی ، أنا ابن خیر من أنتعل واحتفی، أنا ابن خیر من طاف وسعی، أنا ابن خیر من حجّ ولبّی ، أنا ابن من حمل علی البراق فی الهواء ، أنا ابن من أسری به من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی، أنا ابن من بلغ به جبرئیل إلی سدرة المنتهی، أنا ابن من دنا فتدلّی فکان من ربه کقاب قوسین أو أدنّی، أنا ابن من صلّی بملائکة السماء ، أنا ابن من أوحی إلیه الجلیل ما أوحی ، أنا ابن محمد المصطفی، أنا ابن علیّ المرتضی ، أنا ابن من ضرب خراطیم الخلق حتی قالوا: لا إله إلا الله ، أنا ابن من ضرب بین یدی رسول الله صلّی الله علیه و آله بسیفین ، وطعن برمحین ، وهاجر الهجرتین ، وبایع البیعتین ، وقاتل ببدر وحنین ، ولم یکفر بالله طرفة عین .

أنا ابن صالح المؤمنین، ووارث النبیّین ، وقامع الملحدین ، ویعسوب المسلمین ، ونور المجاهدین ، وزین العابدین ، وتاج البکائین ، وأصبر الصابرین ، وأفضل العالمین ، وأفضل القائمین ، من آل طه ویاسین ، أنا ابن المؤّید بجبرئیل ، المنصور بمیکّائیل ، أنا ابن المحامی عن حرم المسلمین ، وقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین ، والمجاهد أعداءه الناصبین ، وأفضل من مشی من قریش أجمعین ، وأوّل من استجاب الله ولرسوله من المؤمنین ، وأوّل السابقین ، وقاصم المعتدین ، ومبید المشرکین ، وسهم مرامی الله علی المنافقین ، ولسان حکمة العابدین ، وناصر دین الله ، وولیّ أمر الله ، وبستان حکمة الله ، وعیبة علمه.

سمح سخّی ، بهلول زکیّ، مقدم همام ، صبّار صوّام ، مهذّب قوام ، قاطع

ص: 394

المجلس الثامن: فی الأحوال التی جرت بعد قتل الحسین لا الأصلاب ، ومفرق الأحزاب ، أربطهم عناناً ، وأثبتهم جنانا ، وأمضاهم عزیمة ، وأشدّهم شکیمة ، أسد باسل یطحنهم فی الحروب إذا از دلفت الأسنّة ، وقویت الأعنّة طحن الرحا، ویذروهم فیها ذری الریح الهشیم.(1)

لیث الحجاز ، وکبش العراق ، مکّیّ مدنیّ، [أبطحی تهامی،] خیفی عقبی ، بدریّ أحدیّ ، شجریّ مهاجری، من العرب سیّدها، وفی الوغا لیثها، وارث المشعرین ، وأبو السبطین ، الحسن والحسین [مظهر العجائب ، ومفرق الکتائب ، والشهاب الثاقب، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب کلّ طالب] (2) ، ذاک جدّی علیّ بن أبی طالب.

ثمّ قال : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سیّدة النساء.

فلم یزل یقول أنا أنا حتّی ضجّ الناس بالبکاء والنحیب والأنین ، وخشی

یزید اللعین أن تکون فتنة فأمر المؤذّن ، فقال : اقطع علیه الکلام.

فلمّا قال المؤذّن : الله أکبر الله أکبر ، قال علیه السلام : الله أکبر من کلّ شیء.

فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال علیّ بن الحسین علیه السلام : شهد

بها شعری وبشری ولحمی ودمی.

فلمّا قال المؤذن : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، التفت علیّ علیه السلام من فوق المنبر إلی یزید ، فقال : محمد هذا جدّی أمّ جدّک ، یا یزید؟ فإن زعمت أنّه جدّک فقد کذبتَ وکفرتَ، وإن زعمتَ أنّه جدّی فلمَ قتلتَ عترته ؟

ص: 395


1- من المقتل .
2- من المقتل .

قال : وفرغ المؤذّن من الأذان والاقامة ، وتقدّم یزید وصلّی صلاة الظهر . قال : وروی أنّه کان فی مجلس یزید حبر من أحبار الیهود ، فقال : من هذا الغلام، یا أمیر المؤمنین ؟ قال : هو علیّ بن الحسین . قال : فمن الحسین؟ قال : ابن علیّ بن أبی طالب. قال : فمن أمّه؟ قال : فاطمة بنت محمد.

فقال الحبر: یا سبحان الله ! فهذا ابن بنت نبیّکم قتلتموه فی هذه السرعة ، بئسما خلفتموه فی ذرّیّته ، لو ترک فینا موسی بن عمران سبطاً من صلبه لظننّا أنّا کتانعبده من دون ربنّا، وأنتم فارقتم نبیّکم بالأمس فوثبتم علی ابنه فقتلتموه، سوءة لکم من أمّة.

قال : فأمر به یزید فوجیء فی حلقه ثلاثاً ، فقام وهو یقول : إن شئتم فاقتلونی ، وإن شئتم فذرونی(1)، فإنّی أجد فی التوراة أنّ من قتل ذرّیّة نبیّ لا یزال ملعوناً أبداً ما بقی ، فإذا مات أصلاه الله جهنّم وساءت مصیراً .(2)

قال : ثمّ أمر یزید بهم فأُنزلوا منزلاً لا یکتمهم(3) من حرٍّ ولا من برد، فأقاموا فیه حتی تقشّرت وجوههم، وکانوا مدة مقامهم فی البلد المشار إلیه

ص: 396


1- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : إن شئتم فاضربونی ، وإن شئتم فاقتلونی و تذرونی
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 69/2 - 71.
3- فی الملهوف : ولا یکتهم

ینوحون علی الحسین علیه السلام (1)

وروی عن زید بن علیّ ، [ و ](2) عن محمد بن الحنفیّة رضی الله عنه ، عن علیّ بن الحسین علیه السلام أنّه لمّا أتی برأس الحسین إلی یزید لعنه الله کان یتّخذ مجالس الشرب ویأتی برأس الحسین ویضعه بین یدیه ویشرب علیه ، فحضر ذات یوم فی مجلس یزید رسول ملک الروم وکان من عظمائهم ، فقال : یا ملک العرب ، هذا رأس مَن؟

فقال یزید: مالکَ ولهذا الرأس؟

فقال : إنّی إذا رجعت إلی ملکنا یسألنی عن کلّ شیء رأیته فأحببت أن

أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتّی نشارکک فی السرور والفرح.

قال یزید لعنه الله : هذا رأس الحسین بن علیّ بن أبی طالب. فقال : ومن کانت أمّه؟

قال : فاطمة الزهراء. قال : بنت مَن؟ قال : بنت رسول الله .

فقال النصرانی : أفّ لک ولدینک ، ما من دین أخسّ من دینک ، (اعلم)(3)

إنی من أحفاد(4) داود ، وبینی وبینه آباء کثیرة والنصاری یعظّمونی ویأخذون

ص: 397


1- الملهوف علی قتلی الطفوف: 219.
2- من المقتل
3- من المقتل
4- کذا فی المقتل ، وفی الأصل : حوافد، وکذا فی الموضع الآتی

التراب من تحت قدمّی تبرّکاً به لأنّی من أحفاد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت نبیّکم وما بینه وبین نبیّکم إلاّ أنّ واحدة ، فأیّ دین دینکم؟ ثمّ قال (1): هل سمعت بحدیث کنیسة الحافر؟

فقال یزید: قل حتّی أسمع.

قال : إنّ بین عمان والصین بحر مسیرة سنة ، لیس فیه عامر إلّا بلدة واحدة فی وسط الماء، طولها ثمانون فرسخاً فی ثمانین ، ما علی [وجه](2)الأرض بلدة أکبر منها ، ومنها یحمل الکافور والیاقوت، أشجارهم العود ومنهم یحمل العنبر ، وهی فی أیدی النصاری ، لا ملک لأحد فیها من الملوک ، وفی تلک البلدة کنائس کثیرة أعظمها کنیسة الحافر، فی محرابها حقّة من ذهب معلّقة فیها حافر یقولون إنّه حافر حمار کان یرکبه عیسی علیه السلام ، وقد زیّنوا حول الحقّة من الذهب والدیباج ما لا یوصف، فی کلّ عام یقصدونها العلماء من النصاری ، یطوفون بتلک الحقّة ویقبّلونها ، ویرفعون حوائجهم إلی الله سبحانه ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار یزعمون أنّه حافر حمار عیسی، وأنتم تقتلون ابن بنت نبیّکم، فلا بارک الله فیکم، ولا فی دینکم.

فقال یزید [لأصحابه] (3) اقتلوا هذا النصرانیّ ، فإنّه یفضحنی إن رجع إلی بلاده فیشنّع علیَّ ، فلمّا أحس النصرانیّ بالقتل قال : یا یزید ، ترید أن تقتلنی؟

قال : نعم.

قال : اعلم أنّی رأیت البارحة نبیّکم فی المنام (4)[وهو ]یقول لی: یا نصرانّی، أنت من أهل الجنّة ، فتعجّبت من کلامه، وها أنا أشهد أن لا إله إلّا

ص: 398


1- فی المقتل : عمران
2- من المقتل.
3- من المقتل.
4- من المقتل.

الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، ثمّ وثب إلی رأس الحسین علیه السلام وضمّه إلی صدره ، وجعل یقبّله ویبکی حتّی قتل رحمه الله.

وفی روایة أنّ النصرانیّ اخترط سیفه وحمل علی یزید ، فحال الخدم

بینهما، ثمّ قتل علی المکان وهو یقول : الشهادة الشهادة .

وذکر أبو مخنف أنّ یزید أمر بأن یصلب رأس الحسین علیه السلام علی باب داره، وأمر بالنسوة أن یدخلوا داره ، فلمّا دخلت النسوة دار یزید لم تبق امرأة من آل أبی سفیان ومعاویة(1) إلا استقبلتهنّ بالبکاء والصراخ والنیاحة علی الحسین علیه السلام، وألقین ما علیهنّ من الثیاب والحلل والحلق ، وأقمن المأتم ثلاثة أیام، وخرجت هند بنت عبدالله بن [عامر بن] (2)کریز امرأة یزید مکشوفة الرأس، وکانت قبل ذلک تحت الحسین علیه السلام حتی شقت الستر وهی حاسرة ، فوثبت إلی یزید وهو فی مجلس عامّ فغطّاها، ثمّ قال : نعم ، فاعولی علیه - یا هند - وابکی علی ابن بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله وصریخة قریش ، عجّل علیه ابن زیاد فقتله قتله الله.

ثمّ إنّ یزید أنزلهم فی داره الخاصّة، فما کان یتغدّی ولا یتعشّی حتّی

یحضر علیّ بن الحسین علیه السلام معه.

وروی أنّه عرض علیهم المقام بدمشق، فأبوا ذلک ، فقالوا: بل ردّنا إلی

المدینة لأنّها مهاجر جدّنا.

فقال للنعمان بن بشیر : جهّز لهؤلاء بما یصلحهم ، وابعث معهم رجلاً أمیناً صالحاً، وابعث معهم خیلاً وأعواناً ، ثمّ کساهم وحباهم وفرض لهم الأرزاق

ص: 399


1- کذا فی المقتل ، و فی الأصل : لم یبق من آل أبی سفیان ومعاویة أحد.
2- من المقتل .

والأنزال ، ثمّ دعا بعلیّ بن الحسین فقال له : لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو کنت صاحبه ما سألنی خطة إلّا أعطیته إیاها ، ولدفعت عنه الحتف بکلّ ما قدرت ولو بهلاک بعض ولدی ، ولکن قضی الله ما رأیت، فکاتبنی بکل حاجة تکون لک(1)ثمّ أوصی بهم الرسول، فخرج بهم الرسول یسایرهم فیکونون أمامه حیث لا یفوتوا بطرفه ، فإذا نزلوا تنحّی عنهم وتفرّق هو وأصحابه کهیئة الحرس ، ثمّ ینزل بهم حیث أراد واحدهم الوضوء، ویعرض علیهم حوائجهم ویتلطّف بهم حتّی دخلوا المدینة.

قال الحارث بن کعب : قالت [لی] (2) فاطمة بنت علیّ: قلت لأُختی

زینب : قد وجب علینا حقّ هذا لحسن صحبته لنا، فهل لکِ أن نصله؟

قالت : والله ما لنا ما نصل به إلّا أن نعطیه حلیّنا، فأخذت سواری ودملجی و سوار أختی و دملجها فبعثنا بها إلی الرسول واعتذرنا من قلّته ، وقلنا: هذا بعض جزائک لحسن صحبتک إیانا.

فقال : لو کان الذی فعلته للدنیا لکان فی بعض هذارضای ، ولکن والله ما

فعلته إلّا الله ولقرابتکم من رسول الله صلّی الله علیه و آله (3)

وأقول : لعن الله یزید وأباه، وجدّیه وأخاه ، ومن تابعه وولّاه ، بینا هو ینکت ثنایا الحسین بالقضیب ویتمثّل بشعر ابن الزبعری : یا غراب البین ما شئت فقل، إلی آخره ، وإغلاظه لزینب بنت علیّ بالکلام السیّء لمّا سأله الشامیّ ، وقال : هب لی هذه الجاریة - یعنی فاطمة بنت الحسین علیه السلام -،

ص: 400


1- ذا فی المقتل ، وفی الأصل: فکاتبنی وأته إلی کل حاجة تکون لک
2- من المقتل.
3- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی:72/2 - 75، عنه البحار : 142/45 - 145.

وقوله لعلیّ بن الحسین علیه السلام: أراد أبوک وجدّک أن یکونا أمیرین ، فالحمد لله الّذی قتلهما وسفک دماءهما، وإنّ أباک قطع رحمی ، وجهل حقّی ، و نازعنی سلطانی ، إلی آخر کلامه کما أشرنا إلیه من قبل ، ونصب رأس الحسین علیه السلام علی باب القریة الظالم أهلها - أعنی بلدة دمشق - وإیقافه ذرّیّة الرسول علی درج المسجد کسبایا الترک والخزرج، ثمّ إنزاله إیاهم فی دار لا یکتهم من حرّ ولا قرّ حتّی تقشّرت وجوههم، وتغیّرت ألوانهم، وأمر خطیبه أن یرقی المنبر ویخبر الناس بمساویء أمیر المؤمنین ومساویء الحسین علیهما السلام وأمثال ذلک ، ثمّ هو یلعن ابن زیاد ویتبرّی من فعله وینتصل من صنعه ، وهل فعل اللعین ما فعل إلّا بأمره وتحذیره من مخالفته ؟ وهل سفک اللعین دماء أهل البیت إلا بإرغابه وإرهابه له بقوله ، ومراسلته بالکتاب الذی ولآه فیه الکوفة وجمع له بینها وبین البصرة الّذی ذکرنا لما وصل إلیه الخبر بتوجه مسلم بن عقیل إلی الکوفة وحثّه فیه علی قتله ، وأمره له بإقامة الأرصاد وحفظ المسالک علی الحسین ، وقوله لابن زیاد فی کتابه : إنّه قد ابتلی زمانک بالحسین من بین الأزمان، وفی هذه الکرة یعتق أو یکون رقّاً عبداً کما تعبد العبید فاحبس علی التهمة واقتل علی الظنّة ، الوحا الوحا العجل العجل - کما ذکرنا أوّلاً ..(1)

وإنّما أظهر اللعین التبرّی من فعل ابن زیاد لعنه الله خوفاً من الفتنة و تمویها علی العامّة لأنّ أکثر الناس فی جمیع الآفاق والأصقاع أنکروا فعله الشنیع وصنعه الفضیع ، ولم یکونوا راضین بفعله وما صدر عنه خصوصاً من کان حیّاً من الصحابة والتابعین فی زمنه کسهل بن سعد الساعدی والمنهال بن عمرو

ص: 401


1- لا یصونهم - خ ل ..

أبیات لعبدالرحمان بن الحکم فی هجاء ابن زیاد، وما دار بین یزید

لعنه الله وبین أبی برزة صاحب رسول الله صلّی الله علیه

والنعمان بن بشیر وأبی برزة الأسلمی ممّن سمع ورأی إکرام الرسول صلّی الله علیه و آله له ولأخیه ، وکذلک جمیع أرباب الملل المختلفة من الیهود والنصاری ، وناهیک مقال حبر الیهود ورسول ملک الروم لما شاهداه وهو ینکت ثنایا الحسین علیه السلام بالقضیب - کما ذکر ولم یکن أحد من المسلمین فی جمیع البلاد راض بفعله إلّا من استحکم النفاق فی قلبه من شیعة آل أبی سفیان ، بل کان أکثر أهل بیته ونسائه وبنی عمّه غیر راضین بذلک.

روی أنّ عبدالرحمان بن الحکم أخو مروان بن الحکم کان حاضراً عند یزید لمّا وضع رأس الحسین علیه السلام بین یدیه وعرضت علیه سبایا رسول الله صلّی الله علیه و آله فجعل عبد الرحمان یقول : الهام بجنب الطفّ أدنی قرابة

من ابن زیاد العبد ذی النسب(1) الوغل

سمیّة أمسی نسلها عدد الحصی

وبنت رسول الله لیست بذی نسل(2) فقال له یزید: سبحان الله! أفی مثل هذا الموضع تتکلّم بهذا؟ أما یسعک

السکوت؟(3)

وروی أنّه لمّا وضع رأس الحسین بین یدی یزید فجعل ینکت ثنایا الحسین بالقضیب ویقول: لقد کان أبو عبدالله حسن المضحک ، فأقبل إلیه أبو برزة صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله وکان حاضراً فی مجلسه ، وقال :

ص: 402


1- فی المناقب : الحسب .
2- فی المناقب : أمست بلا نسل
3- مناقب ابن شهر آشوب: 114/4، وفیه : یحیی بن الحکم .

ما دار بین یزید لعنه الله وبین سمرة بن جندب صاحب رسول الله

صلّی الله علیه و آله

ویحک یا یزید ، أتنکت بقضیبک ثغر الحسین؟ لقد أخذ قضیبک هذا من ثغره مأخذاً، أشهد لقد رأیت رسول الله صلّی الله علیه و آله یرشف ثنایاه و ثنایا أخیه الحسن ، ویقول : إنّهما سیّدا شباب أهل الجنّة ، قتل الله قاتلکما ولعنه وأعدّ له جهنم وساءت مصیراً، أمّا أنت یا یزید لتجیء یوم القیامة وعبید الله بن زیاد شفیقک ، ویجیء هذا وشفیقه محمد رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فغضب یزید وأمر بإخراجه ، فأخُرج سحباً

وقیل : إنّ سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله لمّا رأی یزید یقلّب ثنایا الحسین علیه السلام قال: یا یزید ، قطع الله یدک ارفع قضیبک ، فطال ما رأیت رسول الله صلّی الله علیه و آله یلثم هاتین الشفتین ، ولم یکن أحد من أکثر الناس فی جمیع الآفاق راضیاً بفعله فلذلک أبدی الاعتذار ، ورکن إلی الانکار، خوفاً أن یفتق علیه فتق لا یرتق ، وأن ینفتح علیه باب من الشرّ لا یغلق ، فاعتذر وأنّی له الاعتذار، ولم یکن له موافقاً علی فعله وکفره إلا أهل القریة الظالم أهلها - أعنی شبیهة سدوم المؤتفکة ، والطائفة الجاهلة المشرکة أهل بلدة دمشق الشام فإنّهم ارتضعوا ثدی النفاق (1)

أخلاف أسلافهم،

ص: 403


1- فی «ح»:من روی أنّ أمّ الحجاج بن یوسف قاتل السادات والحجّاج ولدته مشوّهاً لا دبر له فاثقب له دبر ، وأبی أن یقبل الثدی من أمّه وغیرها فأعیاهم أمره. وفی الحدیث أن إبلیس تصور لهم بصورة حارث بن کلدة زوج امّه الأوّل ، فقال : اذبحوا له تیساً والعقوه من دمه ، واطلوا به وجهه و بدنه کله . ففعلوا به ذلک فقبل الثدی، فلهذا لا یقدر یصبر عن سفک الدماء، وکان ... لذاته سفک الدم وارتکاب أمور لا یقدر علیها غیره، واحصر من قتل بأمره سوی من قتل فی حروبه فکانوا مائة ألف وعشرین ألفاً. ووجد فی سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة لم یجب علی أحد منهم حد ولا قطع، وکان یحبس الرجال والنساء فی موضع واحد؛ وقیل : لو جاءت کلّ أمّة بفاسقها وخبیثها وجیء بالحجاج وحده لزاد علیهم کفراً وتفاقاً. انتهی . .

کلام للمؤلف رحمه الله

وجبلت علی بعض أهل البیت طینتهم.

ولقد ألقی علی لسانی من فیض فکری وجنانی کلمات قصدتهم فیها بلعنی وزجری، ووجّهت إلیهم مطایا ذمّی فی نثری، وأشرت إلیهم بتعنیفی، وخاطبتهم بتأفیفی ، أبعدهم الله من رحمته ، وأحل بسهم ألیم عقوبته.

أیّها الأمّة المغرورة برتبة دنیاها ، الکفورة بنعمة مولاها ، المنکرة معادها

ومبدأها ، المنهمکة بطغواها فی غیّها ، المارقة بسعیها وبغیها ، الجاحدة نصّ نبیّها ، المنکرة فضل ولیّها ، السالکة نهج شرکها ، الحائرة فی ظلمة شکّها.

یا أتباع أحزاب الشیطان، ویا نصّاب أنصاب الأوثان، ویا شیعة آل أبی سفیان ، ویا صحبة الشجرة الملعونة فی القرآن ، یا من لم یؤمنوا منذ کفروا، ولم یؤتمنوا منذ غدروا، ألمع لهم شراب الباطل فوردوه، وظنوه شراباً فلم یجدوه ، ونعق بهم ناعق الظلم فأطاعوه ، وبرق لهم بارق البغی فاتبعوه، ولمع لهم عسلم الضلالة فأتموه ، وبدا لهم طریق الجهالة فسلکوه ، لما کذبهم رائدهم، وأضلّهم قائدهم، أردتهم آراؤهم، وقادتهم أهواؤهم، إلی النار الموصدة ، والعمد الممتدة، لاجرم من کان ابن الباغیة دلیله ، ونجل النابغة قبیله ، کان جزاؤه من عذاب الله جزاء موفوراً ، وأعدّ له جهنّم وساءت مصیراً.

ویلکم ألم یأتکم نبأ الّذین راموا محق شمس الاسلام فی أُحدهم وبدرهم، وإطفاء مصابیح الایمان بأحزابهم وقهرهم؟ ألم یکونوا لقائدکم آباء ولنبیکم أعداء؟ ألیست أنه آکلة أکباد الصدّیقین؟ ألیس أبوه قائد أحزاب المشرکین؟ الذی لعنه وأباه وابنه الرسول الصادق فی قوله صلّی الله علیه و آله : اللّهمّ العن الراکب والقائد والسائق؟ ألیست عمّته حمّالة الحطب الّتی تبَّ الله یدها وید بعلها أبی لهب ؟ یا ویلکم أضلّکم الشیطان فأزلّکم، وزین لکم بغروره

ص: 404

سوء عملکم، توادّون من حادّ الله ورسوله، و تتّبعون من کان الشیطان قائده ودلیله، لا یشکّ فی کفرکم إلّا کافر ، ولا یرتاب فی فجورکم إلّا فاجر ، أیصلب رأس ابن نبیّکم علی باب جامعکم، ویسبّ صنو رسولکم فی مجامعکم ، وتساق نساؤه وبناته إلی یزیدکم، ویقمن مقام الخزرج والترک علی باب یزیدکم؟

لا منکر منکم ینکر بلسانه وقلبه ، ولا متقرّب یتقرّب بسترهم إلی ربّه ، فأنتم قبل الفتح خیر منکم بعده ، و آباؤکم الهالکون علی الکفر أفضل منکم یا أهل الردّة، أزنی من قوم لوط أمتکم، وأشأم من سدوم قریتکم ، زنوة الفسوق، وجبهة العقوق، ومنزل الشیطان، ومعدن البهتان ، تأتون الذکران من رجالکم، وتذرون ما خلق لکم ربّکم من أزواجکم، الابنة فاشیة فی أبنائکم ، والغلمة ناشئة فی نسائکم ، أورثکم ذلک بغض وصیّ نبیّکم، وسبّکم له علی منابرکم بکفرکم وغیّکم ، آه لو أنّ لی بکم قوّة یا بنی الزوانی، أو آوی إلی رکن شدید من أشباهی وإخوانی ، لأصلّینّکم فی الدنیا قبل الآخرة ناراً، ولغادرتکم رماداً مستطاراً، ولمحوت آثارکم، ولقطعت أخبارکم، ولعجلت بوارکم، ولهتکت أستارکم، ولقضیت بصلب قضاتکم، وحرب عتاتکم، وسبی نسائکم، وذبح أبنائکم ، وقطع غراسکم، وقلع أساسکم

یا أهل المؤتفکة ، یا أتباع الطائفة المشرکة ، والله ما نظرتم حیث نظر الله ،

ولا اخترتم من اختار الله ، ولا والیتم من والی الله ، ولم تزالوا أتباع العصابة المفتونة ، والشجرة الملعونة ، تدحضون الحقّ بأیدیکم وألسنتکم، وتنصرون الباطل فی سرکم وعلانیتکم، کم زینتّم صفوفکم بصفّین ؟ وکم قتلتم أعلام المهاجرین الأوّلین ؟ لما جبیت علی بعض الوصی جوانح أضلاعکم، وأعلنتم

ص: 405

بسبّه فی جوامعکم ومجامعکم، قامت سوق النقاق فی الآفاق ، وعلت کلمة الشقاق علی الاطلاق ، وصار ولیّ أمرکم وسبیل کفرکم یزید القرود، ویزید الیهود ، ویزید الخمور ، ویزید الفجور.

یا ویلکم أیقرع ثغر ابن النبیّ بمرأی منکم؟ أیطاف ببناته ونسائه فی شوارعکم ؟ فأبعد بکم وبما صدر عنکم ، رماکم الله بذلّ شامل ، وعدؤًّ قاتل ، وسیف قاطع ، وعذاب واقع ، لیس له من الله من دافع.

ویحکم أتتّخذون یوم مصاب نبیّکم بولده عیداً، وانّ بوار رهطه موسماً جدیداً، وتظهرون فیه تمام زینتکم، وتعدّونه رأس سنتکم؟ فأقسم بالله الّذی جعل لکم الأرض قراراً، والسماء بناءً، لأنتم أشرّ من الیهود والنصاری ، أسأل الله أن یرمی دمشق شامکم، ومحلّ طغاتکم ، وبیت أصنامکم ، ومقرّ أنصابکم وأزلامکم، بالموت الذریع ، والأخذ السریع، والقحط الفضیع ، والظلم الشنیع ، حتّی تصیروا حصیداً خامدین ، ومواتاً جامدین ، وعبادید فی الأقطار، و متفرّقین فی الأمصار، أن یطمس علی أموالکم، ویشدد علی قلوبکم، فلا تؤمنوا حتّی تروا العذاب الألیم تریدون أن تخرجوا من النار وما أنتم بخارجین ولکم عذاب مقیم .

وسأختم هذا المجلس بقصیدة تنبیء عن خالص ودادی ، ومُصاص اعتقادی، وطویل أحزانی، ومدید أشجانی ، ومحتث منامی ، ووافر کربی وهیامی ، فی مدح من هدّت مصیبته أرکان أفراحی ومسرّاتی ، وشیّدت واقعته قواعد أحزانی وکرباتی ، وقلّدت جند خدّی عقیقاً من عبراتی، وأضرمت فی أحشائی حریقاً من زفراتی ، أعنی من جعل الله قلبی لحبّه وحبّ أهل بیته مسکناً، ولولائه وولاء آبائه وأبنائه موطناً، ولسانی علی مدحهم موقوفاً ،

ص: 406

قصیدة للمؤلف رحمه الله

وشکری إلی کعبة جودهم مصروفاً.

سیّدی وابن سادتی، وقائدی وابن قادتی، أشرف من ارتدی بالمجد

وأنور، وأفضل من عرف بالفخر واشتهر، سبط نبیّی ، ورهط ولی ، ونجل سیّدتی، ووالد سادتی، وغنای یوم فقری وحاجتی، وغیائی إذا انقطعت من الدنیا وصلتی ، سیّد الکونین وابن سادة الکونین ، وإمام الثقلین وأب أئمّة الثقلین ، المنزّه عن کلّ رجس و دین ، مولای وسیّدی أبی عبدالله الحسین ، علیه من صلواتی مانما وزکا، ومن تحیّاتی ما صفا وضفا ، جعلها الله حجاباً من ألیم عذابه ، وستراً من وخیم عقابه ، وهی هذه : الفت فؤادی بعدکم أحزانی لما جفاطیب الکری أجفانی یامن لهم منّی بقلبی منزل ضمّت علیه جوانحی وجنانی أنا واحد فی حبّکم لم یثن حتی مماتی عن هواکم ثانی أوقفت مدحی خالصاً لجلالکم وعلی مراثیکم وقفت لسانی هدّت مصیبتکم وما فیکم جرا ممّن جرا فی کفره أرکانی

ف لأبکینّکم بدمع فیضه بزری بصور العارض الهتّان والأضربنّ بمهجتی لمصابکم ناراً تذیب الطود من أشجانی الامُ إن أرسلت نحو جمالکم من منطقی نظماً جناه بیانی أو أرسلت عینی لفرط صبابتی دمع یمازجه نجیع قانی وبکم معادی إن عرتنی أزمة بقوارع من طارق الحدثان وبکم أرجّی فرحة یوماً به اهمیت أُلفُّ فی أکفانی وکذاک فی قبری إذا أُجلست فی ظلماته وسئلت عن إیمانی وبیوم حشری لا أری لی منقذاً إلا ولاءکم

لدی الرحمن

ص: 407

وصفاءَ ودًّ لا یشاب بشبهةٍ مقرونة بوساوس الشیطان وأراکم مسن بعد أفضل مرسل خ یر الوری من نازح أو دان وأباکم ذا المجد أشرف من مشی فوق الثری من إنسها والجان

قصّام أبطال الحروب وکاسر ال أصنام یوم الفتح والأوثان وأخ الرسول وصنوه ووصیّه وندیده فی الفضل والإحسان ما من نبیّ مرسل کلّا ولا ملک رقی بالقرب خیر مکان ألا وفضل أبیکم من فضلهم ما آن له یوم التفاضل ثانی یا خیر من فّی الله وقی مخلصاً بجهاده فی السرّ والاعلان یا من عناه المصطفی و المرتضی والطهر فاطم خیرة النسوان یا ابن الأباطح والمشاعر والصفا والبیت ذی الأستار والأرکان یا خامساً لذوی الکسا فصبغ ما لاقیته ثوب السقام کسانی ومشیر رأسک بالدما مخضّباً منه المشیب علی سنان سنان وأذاب قلبی ثمّ صَعّده دماً من مقلتی کالسیل فی الجریان النسائک اللاتی یسقن حواسراً یسترن أوجههنّ بالأردان ولقتل أسرتک الّتی جادت بأن فسها علیک کمسلم مع هانی وکذاک من جعلوا وجوههم وقی لک من سهام عصابة البهتان أضحوا بعرصة کربلاء صرعی وأما سوا فی نعیم دائم وأمان فی جنّة یسقون من بعد الظما فیها کؤوساً من ید الولدان من سلسبیل فی منازل جنّة محفوفة

بالرَّوح والریحان یا راکباً یطوی الفلاة بجسرة کالدالّ فی بیدٍ بغیر توان عج بالطفوف مقبلاً از کی تری من حبه فرض علی الأعیان سبط النبیّ وخامس الأشباح واله مخصوص بالتطهیر فی الفرقان

ص: 408

هدموا بمقتله الطغاة قواعد ال اسلام والأحکام والإیمان أبلغه عنّی من سلامی مازکا واخبره عمّا ساءنی ودهانی من فرط أحزانی لما لاقاه من عصب الضلالة من بنی سفیان قوم بأنعم ربّهم کفروا فکم قصدوا

نبیّ الله بالشنان؟ فی حرب خیر المرسلین ورهطه بذلوا عناداً غایة الامکان وعلیه فی بدرٍ وأُحد اجلبوا ب مضمر ومهنّد وسنان وجرت صفوفهم بصفّین علی نهج الألی سلفوا أولی الطغیان حتّی إذا أکلتهم الحرب الّتی یروی مواقعها مدی الأزمانِ وعلیهم زأرت اسود هریرها لمّا التقی فی جنحها الجمعان داموا فراراً حین صاروا طعمة فیها لکلّ مهنّد ویمانِ ورأوا دماء حماتهم مذ أصبحوا فوق الصعید کمفعم الغدران رفعوا المصاحف حیلة وخدیعة م ذ آل أمرهم إلی الخسران کفروا بأنعم ربّهم فغدوا لما فعلوه بغیاً حمة النیرانِ وعلی ابن هند عجلهم عکفوه ک قوم السامریّ الغادر الخوّانِ ترکوا أخصّ العالمین برتبة ال هادی البشیر بشاهد القرآنِ وبنصّ أفضل مرسل ومبلّغ وبحجّة من ساطع البرهان وبنوا معالم دینهم جهلاً علی ابن قحّافهم ثمّ العتلّ الثانی فأضلّ أمّة أحمد بریائه واسامها فی مرتع البهتانِ وأشار بالشوری فعاد الجور منه

مکمّلاً والعدل فی نقصان حتّی إذا ماقام ثالثهم وحا نثهم وناکثهم فتی عفّان جعل العتل زمامه بید العتید

ابن الطرید حمیمه مروان وغدا لمال الله یفرس جاهداًکالذئب عاث بثلّة من ضأن

ص: 409

حّتی إذا غمر الأنام بظلمه وتبرّمت من حکمه الثقلان أردته بطنته فأصبح جارعاًکأس المنیّة واهی الأرکان حتی إذا قام الوصی بعهده الله لا نکس ولا م توان

قصد ته راکبة البعیر بفتنة یذکی ضرام سعیرها رجسان حتّی إذا الحرب العوان تحکّمت بوقودها من أنفس الشجعان صارا طعام عوامل ومناصل للعکس قد نأیا عن الأوطان جاءا لنصر عصابة الشیطان فاخ ترما ببطش عصابة الرحمن یا فرقة نکت عهود نبیّها وأتت بکلّ منافق فستان یا جند راکبة البعیر ومن عصت بالبغی أمر الحاکم الدیان وأتت من البلد الحرام وقلبها یغلی بنار الحقد والأضغان حتی إذا صارت حماة بعیرها قوتاً لزائرها من السیدان أبدت خضوعاً واستقالت عثرة واستسلمت بالذلّ والإذعان صفح الکریم بحلمه عنها وأفر

شها مهاد تحنّنٍ وأمانِ وأعادها کرماً فعادت وهی ذو عقل لفادح هولها ولهانِ لمّا اطمأنّت دارها قفلت إلی نحو ابن هند ذا حشماً ملآن واستنفرته فسار بالجیش الّذی رایاته نصبت علی البهتان فهی الّتی جعلت ضرام وقودها أجساد قادتها من الفرسانِ لما أتت بقمیص عثمان علیه

نجیعه کالأرجوان القانی دارت رحاء الحرب واشتبک القنا من سعیها واستقتل الجیشانِ والله ماخذل الوصیّ وقتله متبتّلاً فی طاعة المنّانِ إلّا لهافیه نصیب وافر ولسان باغ غادر ویدان وکذاک قتل ابن الرسول ورهطه دوح الفخار وأشرف الأفنانِ

ص: 410

لم أنسها یوم الزکی وقد غدت ب القول تنفث نفثة الثعبان الیت ألّا تدفنوا فی منزلی من لستُ أهواه ولا یهوانی یا بنت أرذل تیم مرّة خادم ال تیمی نجل زعیمهم جدعان هذی الشجاعة من أبیک بخیبر جساء تک ترقل رقلة الفحلان یا آل أحمد إن جزعت الثابت فی الناس غیرکم فما أشقانی حزنی علیکم سرمداً لا ینقضی ماشبّه فی القلب بالسلوان کم ناصب علم الأذیّة لی بکم أمسی للعن عدوّکم یلحانی ویلسمنی وقراً إذا ما ضلّ عن لعن الطواغیت الألی ینهانی عن جاحدی نص الغدیر وغاصبی فدکاً من الزهراء ذات الشانِ ستّ النساء وبنت أکرم مرسل ش رفت برفعته بنو عدنان یا من مصابهم جمیع مصائب ال دنیا وفادح خطبها أنسانی أنتم عیاذی والذی أرجوهم حصناً إذا الخطب الجسیم دهانی وبکم اُرجیّ یوم حشری زلفة م ن

خالقی بالعفو والغفران وإلیه أفزع من عدؤًّ کاشح بالبغی یقصدنی وبالعدوان إن بعدنی عدوا علیه یری لها متسربلاً بالخزی ثوب هوان ویصدّه عنّی بذلّ شامل لیکون معتبراً لمن ناوانی أو أن تصبّرنی علی ما حلّ بی من حمقه وأضرّبی ودهانی ثمّ الصلاة علیکم ما غرّدت ورقاء فی دوح علی الأغصانِ أو حرّکت ریح الصباء صاعداً ناءٍ عن الأوطان والخلّانِ

ص: 411

ص: 412

المجلس التاسع : التعزیة الموسومة

اشارة

ب- «مجریة العبرة ومحزنة العترة»

خطبة للمؤلف رحمه الله

مفتتحاً بالتعزیة الّتی رسمتها با «مجریة العبرة ومحزنة العترة» قلتها بإذن الله، وتلوتها یوم التاسع فی شهر المحرّم الحرام علی المنبر فی جمع لا یحصی کثرة أجریت بها عیون المؤمنین ، وأحزنت قلوب المتقّین ، وأخزیت من رام هظمی من الشانئین تجاه ضریحه الشریف، ومقامه المنیف ، متقرّباً بذلک إلی الله ربّ العالمین ، ونبیّه الأمین،

وولیّه سیّد الوصیّین، و آلهم الأئمّة الطاهرین.

الخطبة

الحمد للّهِ الّذی نوّر قلوب أولیائه بأنوار معرفته ، وأظهر نفوس أصفیائه علی أسرار حکمته ، واختبرهم بالتکالیف الشاقّة من حکمه لینالوا الزلفی من رحمته ، وامتحنهم بالمحن السابقة فی علمه ، لیصلوا بها إلی جوار حضرته ، و ابتلی عباده یفرض مودّتهم وجعلها ثمن جنّته ، وألزمهم بالتزام عروة عصمتهم وقرن طاعتهم بطاعته ، فمن امتثل أمر الله بإخلاص ودّه لهم فی سرّه وعلانیته ، واستمسک بحبل ولائهم واعتقده سبباً منجیاً فی دنیاه وآخرته، فقد استمسک بالعروة الوثقی من عفو ربّه ومغفرته ، وفاز بالسعادة العظمی یوم فقره و فاقته ، ومن أخذ ذات الیمین وذات الشمال فی معتقده ونحلته ، واتّبع غیر سبیل

ص: 413

المؤمنین فیما ینظر من خبث سریرته ، ولّاه الله ما تولّی وأحلّ به نکال عقوبته .

نحمده علی ما وفّقنا له من عرفان حقّهم، والإقرار بفضلهم وصدقهم ، والاستمساک بعروة عصمتهم، والالتزام بحبل مودّتهم، وتضلیل من خالفهم بقوله وفعله ، وتکفیر من أجلب علیهم بخیله ورجله ، والبراءة ممن تقدمهم غاصباً، وتحلّی بغیر اسمه کاذباً ، ولعن من نصب لهم العداوة والبغضاء علانیة وسرّاً، وتخطئة من ردّ مقالهم خفیةً وجهراً.

ونشکره إذ جعلنا من فضل طینتهم، وغذانا بلبان مودتهم، وجعلنا من ورق شجرتهم، وأسکن قلوبنا لذّة معرفتهم ، حبّنا إیّاهم دلیل علی طهارة مولدنا، وبغضنا أعداءهم سبیل إلی إخلاص ودنّا فی معتقدنا.

نحمده علی هذه النعمة الجسیمة ، والمنّة الوسیمة، اللاتی جهل الأشقیاء عرفان قدرها ، وقصر البلغاء عن تأدیة شکرها، ونشهد أن لا إله إلّا الله شهادة توافق بها قلوبنا ألسنتنا ، ویوافق بها سرّنا علانیتنا، ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الأمین، وحبله المتین ، وصراطه المستقیم ، ونهجه القویم ، صدع بالحقّ ناطقاً ، وخبّر عن الله صادقاً ، تمّم الله به الرسالة ، وأیّد بالمعجز مقاله ، واختاره حاکماً بأمره، و موضعاً لسرّه، وشرّفه بالاسراء إلی حضیرة قدسه ، وجعل خطابه إیّاه لیلة المعراج أنساً وشرفاً لنفسه ، فهو أصل الشرف وفرعه ، وبصر المجد وسمعه.

سرّة البطحاء مغرس أصله ، ومنکب الجوزاء مرکب فضله ، أروقة المفاخر علی هامة عظمته مضروبة ، وألویة المأثر علی رفعة حضرته منصوبة ، وظلال الشرف تنفیّؤ علی جلال نبؤتّه ، وحلال الکرم وقف علی رتبته.

سلالة طود العلم فمنه تفجرّت عیونه ، ودوح المجد فعلیه تهدّلت

ص: 414

غصونه، أعرض عن الدنیا صفحاً، وطوی عنها کشحاً، وشتر عنها ذیلاً ، ولم پرزء منها کثیراً ولا قلیلاً ، تحببت إلیه فأبغض ، وتشوّقت نحوه فرفض، وتعرّضت به فأعرض ، وعلی نفسه وخاصّته ترکها أوجب وفرض، ولأدلّتها نقض ، ولحججها أدحض ، ولم یزل صلوات الله علیه یحذّر غرورها، ویخوّف زورها، حتی نصبت له الغوائل ، وأصمّت منه المقاتل ، وآذته فی أهله وأسرته ، وأغرت سفهاءها بنیه وعترته ، وغادرتهم بین قتیل ومطلول، وأسیر مخذول، وطرید مشرّد، ومسجون مصفّد، تساق نساؤهم أساری ، علی الأقتاب حیاری ، بغیر نقاب ولا جلباب ، یطاف بهنّ فی البلاد، ویتشرّفهنّ الحاضر والباد ، فلو أنّ عیناً بعدها کفت لعظیم ما وکفت ، و نفساً تلفت لفرط ما تلقفت ، وقلب انقطع بسیوف الحزن غمّاً، وروحاً فارقت جسدها کرباً وهمّاً، لم یکونوا فی شرح الحقیقة ملومین ، ولا بین أرباب الطریقة مذمومین ؟

فتفکّروا فی نبیّکم وولیکم، وانّهما الذین هم الوسیلة لکم إلی ربکم، کیف تجرّأت لقتالهم بقایا الأحزاب، وتکالبت علی استئصالهم أبناء الکلاب ، وجرّدت علیهم من مناصلها وعواملها، وفوّقت نحوهم سهامها ومعابلها ، هذا خاتم النبیّین وسیّد المرسلین إمام الدین ، وقائد الخیر ونبیّ الرحمة، وشفیع الأمّة ، صاحب الحوض والکوثر، والتاج والمغفر، والخطبة والمنبر ، والرکن والمشعر ، والوجه الأنور، والجبین الأزهر، والدین الأظهر، والنسب الأطهر، محمد سیّد البشر، الّذی لا یسامی فی الفضل ، ولا یساوی فی المسجد، ولا یجاری فی حلبة الفخر، ولا یضاهی فی رفعة القدر .

السبع الطباق میدان سباقه، وسدرة المنتهی غایة براقه،و( «سَبحَانَ

ص: 415

الَّذی أسَری)(1)حظو الرهان، (فَأوحَی إلَی عَبدِهِ ما أوحَی) (2) خلعة الملیک السلطان، ووضع له کرسیّ الکرامة فی عالم الملکوت الأعلی، ونصب الأخمصه منبر الزعامة فوق طرائق السبع العلی ، حتی رقی بقدم الصدق إلی أعلی مراقی الشرف ، ونطق بلسان الحق فی ذلک المقام المشرّف ، فخوطب فی سرائره، ونودی فی ضمائره: یا من أطلعته علی سرّی المصون، وأیدته بکلامی المخزون (قُل یَا أیُّهَا النَّاسُ إنَّی رَسُولُ اللهِ إَلَیکُم جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلکُ السَّموَاتِ وَالأَرضِ لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ یُحیی وَیُمِیت فَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِیَّ الأُمَّیَّ الَّذی یُؤمِنُ بِاللهِ وُکَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُم تهتَدُون )(3)فصدع بها ناطقا، وأعلن بها صادقاً، فعندها جری قلم القدرة علی لوح المشیئة بید المشیئة لرقم منشور نبوّته، وأثبت أرباب دیوان الصفیح الأعلی علی قرطاس الشرف مسطور عموم ولایته.

الابتداء : (کَتَبَ اللهُ لَأَغلِبَنَّ أنَا و َرُسُلی إنَّ اللهَ قَوِیُّ عَزِیزُ) (4)الانتهاء :

(ادعُ إلَی سَبِیِل رَبَّکَ بِالحِکَمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ) (5)

باللفظ الوجیز .

لمّا علم قیّوم الملکوت تسدّده فی ذاته وإخلاصه ختم بسید العظمة والقدرة مرقوم ولایته بمهر الخاصّة ، وأشهد علی ذلک رهبان صوامع العالم الأقدس، وأمرهم بالتمسّک فی مقام الخدمة فی ذلک المقام المقدّس، جبرئیل عن یمینه یعضده، و میکائیل عن یساره یمجدّه.

ص: 416


1- سورة الاسراء: 1.
2- سورة النجم: 10.
3- سورة الأعراف : 108.
4- سورة المجادلة : 21.
5- سورة النحل : 125.

ولمّا وضع تاج الکرامة علی همته ، وأُفرغت خلع العصمة علی أعطاف نبوّته، أثبت الکرام الکاتبون نسخة المیسور فی رقّ منشور، متّصل الثبوت إلی یوم النشور ، یفخر اللوح المحفوظ بتقریره ، ویزهر الکتاب المسطور بمسطوره، وتشرق السموات السبع بنوره، ویخضع کلّ أمیر الشرف أمیره ، أعید إلی قراره من البلد الحرام، بعد أخذ میثاق ولایته علی الخاصّ والعامّ، الروحانیون یتألّمون لفراقه، والکرّوبیّون مکتنفوا براقه، وجبرائیل آخذ برکابه ، ومیکائیل غاشیه دار جنابه ، قد نشرت أعلام الفخر علیه ، وسلّمت مقالید الجنّة والنار إلیه ، وجعل مدار أمر الدنیا والآخرة فی قبضة حکمه ، وعلوم الأوّلین والآخرین کالقطرة فی بحر علمه.

فما عسی أن أقول فی وصف من «لولاک لما خلقت الأفلاک» حلّة نبوّته، والسفرة الکرام البررة من الأملاک ملازموا حضرته ، وسموّه بمعزل السماک الأعزل سموّ عن مقام رفعته ، وعلوه یتبدّل انباک المجرّة علو بعالی همّته ، به قوام العالم، وله مقام السلطنة علی بنی آدم، ناقل کل مجد رفیع مجده ، ویخضع کلّ شریف لشرف جدّه ، ویفخر الخلیل ببنوّته ، وتشمّخ جبریل بنبوته، وتفضّل إسماعیل علی إسرائیل بوصلته ، ویمنّ اللطیف الخبیر علی الجمّ الغفیر من خلقه ببعثته.

البائع نفسه من خالقه ، الواضع سیفه علی عاتقه ، تلوذ الأبطال بجانبه إذا حمی الوطیس ، وتعوذ الرجال بشجاعته إذا التقی الخمیس بالخمیس، سل عنه بدراً وأحداً إذ أنزلت الملائکة المتوّجون له جنداً.

لمّا قام داعیاً إلی الله علی بصیرة من أمره ، مخلصاً فی جهاد أعداء الله فی علانیته و سرّه، قاطعة فی الله الأقربین من أولی أرحامه ، واصلاً للأبعدین بالائه

ص: 417

وإنعامه ، تألّیت علی قتاله أحزاب الشیطان، وتکتّبت لاستئصاله کتائب البهتان، وخلعت العرب أعنّة الطاعة لأمره، ورامت خفض ما رفع إلیه من قدره ، وهدّ ما شدّ من أرکانه ، وهدم ما أسّس من بنیانه ، وإدحاض ما أوضح من حجّته ، وإخفاء ما بیّن من أدلّته ، وأبی الله إلا أن ینصر دینه ، ویؤیّد نبیّه وأمینه .

ولم یزل صلّی الله علیه و آله مجاهداً صابراً یتلقّی حدود الصفاح بشریف طلعته ، ویقابل رؤوس الرماح بزاهر بهجته ، ویذلّ بشدّة بأسه کلّ متکبّر جبّار ، ویفلّ بشباء سیفه کلّ متغلّب ختّار ، یباشر بنفسه الحتوف ، ویتلقی بوجهه السیوف ، حتی کسرت فی أحد رباعیته ، وشجت لمناوشته القتال جبهته ، وقتل فی بدر وأحد وحنین أهله وأسرته ، لم یثنه ثانٍ عن نصرة دین الله ، ولم یکن له فی الخلق ثان فی جهاد أعداء الله .

قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : کنّا إذا احمرّ البأس اتّقینا برسول الله

صلّی الله علیه و آله ، فلم یکن أحد منّا أقرب إلی العدوّ منه (1)

ولم یزل صلّی الله علیه و آله یقاسی الأهوال فی حروبه وغزواته ، ویقطّع الآجال بتواصل صولاته وعزماته ، حتی قبضه الله إلیه سعیداً، ودعاه إلی جواره شهیداً ، موفیاً ببیعته ، موضحاً سبیل الحقّ بدعوته ، ولمّا نقله الله إلی جواره وقبضه إلیه واختاره اشتدّ البلاء علی ذرّیّته ، وضاق الفضاء بعترته ، ورمتهم عصب الباطل بسهام نفاقها، وأصمت منهم المقاتل بمعابل شقاقها ، وجحدت نصّ الغدیر ولم یطل العهد، وضللت الهادی البشیر ولم تخلف المعتمدة (2)،

ص: 418


1- انظر : بحار الأنوار : 117/ 19 و 121 و 232 و 254 و 340، و ج 191/19 ح 44، و ج 5/72.
2- کذا فی الأصل .

ووضعت الحقّ فی غیر محلّه، ونکثت ما عاهدت علیه الرسول فی أهله، وأظهرت فیهم الأجناد ، ورمتهم عن قوس واحدة دون العباد ، ومنعت الزهراء نحلتها من والدها، وردّت شهادة شاهدها ، ولطموا خدّها وخلّوا جدّها، حتی ماتت بغصّتها من قولهم وفعلهم ، وأوصت أن تدفن لیلاً من أجلهم.

یا ویلهم ممّا ارتکبوا من ظلم آل نبیّهم، واحتقبوا من غصب حقّ ولیّهم ،

جعلوا الضریر یقود مبصرهم، والضلیل الشرّیر حبرهم وخیّرهم، والکذوب علی الله ورسوله زعیمهم وصدّیقهم ، الظلوم لآل ولیهم وفاروقهم، فضلّوا وأضلّوا، وزلّوا وازلّوا، وسلکوا منهاج الشرک ، وأظهروا کلمة الکِبر ، وارتدّوا عن الدین الحنیف، وباعوا الآخرة بالنزر الطفیف.

فأبعدهم الله کما بعدت ثمود ، وأوردهم النار وبئس الورد المورود، ذلک بأنهم اتخذوا آیات الله هزواً ولعباً، وافتروا علی الله کذباً ، فأبواشرّ مآب ، ونکصوا علی الأعقاب ، حتی إذا أکملت العدّة ، وانقضت المدّة، وأرهقتهم سعور وقدموا علی ما قدموا من موبقات الذنوب وتکدّر من دار غرورهم ما راق وصفا ، ورأوا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم یجدوا عنها مصرفا .

قد تهیّأت ملائکة العذاب لعذابهم، وسجّرت درکات النیران لعقاقهم، وحاق بهم ما کانوا بهم یستهزئون ، وردّوا إلی الله مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما کانوا یفترون ، وشاهدوا کتاب عملهم قد أحصی ما اقترفوه حساباً وعدواً قالوا: یا ویلتنا ما لهذا الکتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلّا أحصاها ؟! ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا یظلم ربّک أحداً هنالک تشتمل أعناقهم الأغلال بجوامعها، وتنتابهم الزبانیة بمقامعها ، ویلقون فی شرّ سجن یشرف علیهم إبلیس فیلعنهم ، وتطلع إلیهم عبدة الأوثان فتوبخهم، لا فترة من ریحة عقابها ، ولا یقضی علیهم

ص: 419

فیموتوا ولا یخفّف عنهم من عذابها .

لم یرض ولیّهم وفاروقهم ، بل جبتهم وطاغوتهم بتقلّد عارها فی دار الفناء، حتی احتقبه وزرها إلی دار البقاء ، وأفضی بوصیّته إلی من ضارعه من أهل النفاق، وتابعه من أولی الشقاق، بقتل ذرّیّة نبیّهم، والانتقام من عترة ولیهم ، وألّا یقتلواعترتهم، ولا یرحموا عبرتهم، فنسجوا علی منواله ، واقتدوا بأفعاله وأقواله ، وقتلوهم تحت کلّ کوکب ، وذهبوا بهم کلّ مذهب.

فلا أنس وإن نسیت ، ولا یعزب عن علمی ماحییت ، قائدة الفتنة ، وقاعدة المحنة، ابنة رأس الظلمة ، وأساس الآثمة ، أوّل باغ بغی فی هذه الأمّة ، وأخبث طاغ طغی وأحل بال الرسول ظلمه ، یخب بها جملها من البلد الحرام، قد أجلبت بخیلها ورجلها علی علمة الإسلام ، وإمام الأنام، أفضل من صلّی وصام، وأجمل من نام وقام ، وأکمل من دقّ و درج ، وأتقی من ولج وخرج، قام الأصلاب إذ تضرم الوقائع نارها، وقسّام الأسلاب حین تضع الحرب

أوزارها.

شقیق النبیّ فی المجانسة، ورفیقه فی المجالسة ، ومساویه فی الحقیقة ، وموالیه فی الطریقة، ونفسه فی المباهلة، وسیفه فی المصاولة ، و علیّه الأعلی ، وولیّه الأدنی.

أعبد العبّاد، وأزهد الزهّاد، وبدل الأبدال ، ومنکّس الأبطال ، یقطّ الأصلاب إن بارز، ویجزّ الرقاب إن ناجز ، یمشی إلی الحتوف مشیاًسجحاً، ویبدی للضرب وجهاً سمحاً، یخطر فی الحرب والمنایا ألیفة سیوفه ، ویشمّر للضرب والبلایا طلائع صفوفه.

کم قصم قفاراً یدی قفاره ؟ وکم جندل مغواراً بشباء غراره؟ وکم افترس

ص: 420

أبیات للمؤلف رحمه الله

أسداً بثعلب رمحه ؟ وکم فلَّ عدداً بمبین فتحه ؟ وکم أغنی عائلاً بعد سوء

حاله ؟ وکم آثر سائلاً بقوته و قوت عیاله ؟

کالبدر المنیر وجهه عند السؤال ، وکالبحر الغزیر کفّه عند النوال، وکالشمس الطالعة عند حلّ المشکلات، وکالهضبة المانعة عند حلول المعضلات ، وحلة إمامته (إنَّما وَلِیُّکُم) (1)و حلیة زعامته (قُل لَا أسأَلکُم)(2) وجبریل فی وقائعه مکتب کتائبه ، و میکائیل فی حروبه یعجب من ضرائبه .

فهو علم الإسلام ، وعالم الأنام، وحبر الزمان ، و حبوة المنّان، من تسمّی بإمرة المؤمنین سواه فالتراب بل الکِثکِث بفیه ، ومن انتمی فی الشرف إلی غیر علاه فالوبال والنکال له وفیه ، فما عسی أن أقول فی وصف سیدّ نفسه نفس سیّد الأنبیاء، وعرسه سیّدة النساء، وغرسه أئمّة الهدی ، وشجرته من دوحة الأصفیاء ، راهب اللیل ، ومجاری السیل، ومدوّخ کلّ عنید ، ومشدخ کلّ صندید ، صاحب بدر و اُحد وقاتل عمرو بن ودّ، ضربته یوم الأحزاب تعادل

عمل الأمّة إلی یوم الحساب. هو الإمام الذی ماشانه نجل

ولا نبیّ قلبه عن قرنه فشل

من وجهه قمر فی لحظه قدر

فی سخه أجل من عفوه أمل

إذا مشی الحین والسیف فی یده

حسبت بدر الدجی فی کفّه زحل

ص: 421


1- سورة المائدة : 25.
2- سورة الشوری: 23 .

ما زال فی الأرض أبطال فمنذ نشأ ال

وصیّ أبطلها یوم الوغی بسطل

ینبی ببدر فقال المبصرون له

جلاله ملک ذا الشخص أو رجل

سلسلّة البیض من سلّ النفو

س بها من تخطّت به الخطیّة الذبل

ت راه یقطع آجال الکماة إذا

ما واصل السیف ضربُ منه متّصل

حسامه ینثنی من عند هرته

کأنّه من طلی أعداءه ثمل

للسیف فی یده ضحک ولیس فم

وللرؤوس بکاء منه ولا مقل

سائل به فی الوغی والموت یقذفه

والرعب م قتبل والضرب م ختبال

والبیض إن واصلت بیض الرؤوس تری

لها الرؤوس عن الأجساد تنتقل

والمشرفیة عند الضرب مشرفة

والسمهریّة عند الطعن تشتعل

والخیل رائعة فی النسقع ساجدة

لها من الدم ثوب مسبل خظل

واللیل نقع وهاتیک الأسنّة قد

یلمعن فیه

نجوم ثمّ أو شعل

ص: 422

خطبة للمؤلف رحمه الله مشتملة علی السور القرآنیة

هناک تلقی به سیفاً بمضربه

جهل علی معشر للحقّ قد جهلوا

خطبة مشتملة علی السور القرآنیة : ذاک صدّیق النبی الأکبر ، ووصیه الأطهر ، أبی شبّر و شبر، المسمّی بحیدر، وما أدراک ما حیدر؟ هو الکوکب الأزهر ، بل القمر الأنور، الذی فضائله فی فاتحة الذکر مذکورة ، ومناقبه فی أمّ الکتاب مسطورة.

(وَمِنَ النَّاس مَن یَشرِی نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ) (1) فی سورة البقرة بفضله قاطعة، وفی آل عمران رجالاً ونساء الشرف رجاله ونسائه خاضعة ، ووجوه المحامد مصروفة إلی مائدة إنعامه ، وأعراف أنفاله ، والبراءة من النار لا تکتب إلا للمخلص بولائه وولاء آله، ویونس فی الظلمات دعی ربّه بجاهه وحقه ، وهود یوم الطاغیة توسل بإخلاصه وصدقه ، ونجّی به یوسف من کید إخوته لما أرعدوا وأبرقوا، (وألقُوهُ فِی غَیَاب-ِ الجُبّ) (2)وبینه وبین أبیه فرّقوا، وصارت النار برداً وسلاماً علی إبراهیم لکونه فی صلبه ، ولا جلس من حجر إلّا من حرّها ، و(أتَی أمرُ اللهِ) (3) إلیه بوجوب حبّه .

وکشف الجلیل سبحانه لیلة الإسراء لنبیه الحجب من الملکوت الأعلی حتی شاهد من وراء الحجب جلال بهجته ، وأنزل علیه الکتاب (وَلَم یَجعَل لَهُ عِوَجاً قَیَّماً) (4)بفرض إمامته ، وضربه مثلاً کابن مریم فأذعن من أذعن ، وصدّ

ص: 423


1- سورة البقرة : 207.
2- سورة یوسف: 10.
3- سورة النحل: 1.
4- سورة الکهف : 1.

من صدّ، وفضّله نبیّنا طه علی سائر الأنبیاء ، فقبل من قبل ، وردّ من ردّ، وأئتمنه صلّی الله علیه وآله علی تأدیة براءة یوم الحجّ الأکبر وأن یفید إلی المشرکین عهدهم، فأقرّ الله عیون المؤمنین فی ذلک الیوم بنور فرقانه ، وأعلی مجده وأثنی علیه فی محکم تنزیله. .

فما عسی أن یقول البلغاء والشعراء فی وصفه ، وآتاه ملکاً یفوق ملک صاحب النمل وأیّده بلطفه ، قصص الذکر فی بدر وأحد بذکر شجاعته ناطقة ، وأحادیث مصیر دین الشرک کالعنکبوت یوم کسره الأصنام صادقة ، وللذکر موافقة ، بطلت أبطال فارس والروم عند ذکر شدّته وقوّته ، وغدت حکمة لقمان کالقطرة فی الیمّ فی جنب حکمته ، وأمرت أحکام البلاغة بالسجدة الکعبة بلاغته.

کم سبا بفاطر حسامه فی حروبه من المشرکین ذرّیّة ونساء؟ وکم أباح الله للفقراء والمساکین من فیض أکفّه ثراء وغناء ، (وَکُلَّ شَیءٍ أخصَینَاهُ فِی إمَام مُبِینٍ)(1) رایة مجده ، ( وَقِفُوهُم إنَّهُم مَسؤُولُونَ) (2) فی سورة الصافّات آیة عهده .

کم صاد بثعلب رمحه فی حروبه أسداً، وفرق زمراً ؟ وکم أغنی بطوله عائلاً، وآثر فیه من صنائعه أثر؟ فی الذکر الحکیم آیات مناقبه فصّلت ، وفی سورة الشوری تفاصیل مراتبه أجملت ، زخرف حجّ أعدائه کالدخان یعلو ثمّ یذهب جفاء، وأعلام شریعته تسمو إذ غیرها تصیر هباء.

لمّا جعله سبحانه صاحب أحقاف الأعراف فی الأخری ، وأیّده فی قتاله

ص: 424


1- سورة یس : 12.
2- سورة الصافات: 26.

بالفتح، وأسکنه حجرات الرئاسة الکبری، صار ملکه شاملاً بسیط بساط الأرض من قاف إلی قاف ، وسلطان أعدائه کرماد اشتدّت به الذاریات بشدة الأعصاف، فضلَّ صاحب طور سیناء فی جنب فضله کفضل النجم بالنسبة إلی القمر، وواقعة سیفه إلی الإیمان بالرحمن أشهر من أن تشهر ، کالحدید قلبه فی مجادلة عُصب الضلال ، وکالبحر کفّه لکن فیضه بالعذب الزلال.

شفیعنا إلی ربّنا فی حشرنا، ومعاذنا یوم معادنا ونشرنا ، قلوبنا ممتحنة بحبّه إذ أوقفنا کصفّ الجمعة بین یدی إلهنا، وصار المنافقون فی تغابن إذ نری مقام إخلاصنا، لما التزم صلوات الله علیه بطلاق الدنیا و تجرّعها علی نفسه ، آتاه الله ملکاً عظیماً وأیّده بروح قدسه ، وأجری قلم القدرة علی لوح المشیّة بدوامه إلی حین حلول الحاقّة الکبری ، وزاده ذو المعارج بسطة فی العلم والجسم فما أحقه بالمجد وأحری ، سال نوح ربّه بحقّه فنجی من الطوفان والغرق ، وإلیه یفزع الجنّ والإنس إذا حسرت الأنام وألجم الخلق العرق ، جعل المزّمّل المدّثّر بأمر الله الرئاسة العامة فیه وفی نجله إلی حین حلول القیامة الطامّة، یوم ینظر الانسان ما قدّمت یداه (1) من ولائه وحبّه ، وتری مرسلات العذاب آخذة أعداءه إلی النار بإذن ربّه، فهو النبأ العظیم الذی هم فیه مختلفون(2) والعهد المأخوذ فی عالم الذّر فهم عنه مسؤولون.

فیا حاسد صیّرت مدائحی له روحه فی النازعات وقلبه أعمی ، وکوّرت إنسان بصره فصار عن ضوء شمس الحقّ أعشی ، بلت کبدک إذا السماء انفطرت من رائق شعری، وعیناک إذا النجوم انکدرت من فائق نثری ، رمتَ تطفیف

ص: 425


1- إشارة إلی الآیة :40 من سورة النبأ .
2- إشارة إلی الآیة : 2 و 3 من سورة النبأ .

مکیال فصلّی فانشقّت هامة فؤادک ، و تبرّجتَ فی بروج تیهک فهوی طارق مرادک ، رمتَ أن تکون الأعلی علی جواد فصاحتی فصرت حامل الغاشیة ، وأردت إخفاء فجر بلاغتی فصارت حمقتک فی البلد فاشیة.

لمّا أشرقت شمس فضلی کاشفة لیل الضلال بضحاها ، انشرحت صدور المؤمنین فما أحلاها فی قلوبهم وأجلاها، وما عسی أن أقول فی وصف من التین والزیتون بفضله نطقت، والدنیا والآخرة لذرّیّته خلقت ؟ نادانی ربی فی سرائری : (اقرَأ بِاسمِ رَبَّک الَّذِی خَلَقَ) (1) وانطق بمدح ولیّک فما أعلی قدر من یمدحه نطق ، بیّنة دعواک جنّة لذی معدلة ، وأقدام أعدائک عن طریق الحقّ مزلزلة ، لا تخف عادیات قارعتهم فهم الّذین ألهاهم التکاثر وحبّ الرئاسة ، وفتنتهم عصر الدنیا وطلب النفاسة ، حتی صار کلّ منهم همزة لمزة قد جمع مالاً وعدّده، یحسب أن ماله أخلده(2) (ألَم یَرَوا کَیفَ فَعَلَ رَبَّک بِأَصحَابِ الفِیلِ) (3)

لمّا علی ربّهم تکبّر وا؟ أما سمعوا ما حلّ بقریش لمّا علی نبیّهم تجبّروا ؟ صار ماعون شرکهم مکفو فی بدر بکفّ صاحب الکوثر، وناداهم الحقّ سبحانه : سحقّاً لمن أصر علی الجحد بصاحب الفتح فی الأحزاب وخیبر ، و تبّاً المن نازع من فضله مَن أهل التوحید وفضله من فلق الصبح أشهر، وأضحی مقدّماً علیه فی الناس من لا یعادل شسع نعل عبده قنبر.

هذه الّذی أوردت ذرّة من طود دلائله، وصببت قطرة من بحر فضائله ،

ص: 426


1- سورة العلق : 1.
2- إشارة إلی الآیات: 1-3 من سورة الهمزة .
3- سورة الفیل : 1.

إخبار النبی صلّی الله علیه و آله باستشهاد أمیر المؤمنین

و علیه السلام

وذکرت قلیلاً من کثیر من حلائل مناقبه ، وأسمعت نزراً من غزیر من فواضل مراتبه ، هو الّذی أجلبت المدعّوة بأمّکم علی حربه ، وکشفت عن ساق عداوته و ثلبه ، ونکثت بیعته ، وقتلت شیعته، و خالفت أمر ربّها وبعلها ، وأجلبت علی هدم الإسلام بخیلها ورجلها ، فلعنة الله علی فرعها وأصلها وقومها وأهلها ، أجلبت علی حرب أشرف العالمین قبیلاً وأقومهم قیلاً ، الّذی من استمسک بحبل ولائه فقد ابتغی إلی ذی العرش سبیلاً(1)، الذی أنزل الله فیه وفی أهل بیته (رِجَالُ صَدقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَیِه فَمِنهُم مَن قَضَی نَحبَهُ وَمِنهُم مَن یَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلَوا تَبدِیلاً.(2)

عن رسول الله صلّی الله علیه و آله : یا علیّ، ما ینتظر أشقی هذه الأمّة

فیضربک علی هامتک ضربة یخضب منها لحیتک ؟

وروی أیضاً عنه صلّی الله علیه و آله : یا علیّ ، کأنّی بک وأنت قائم تصلّی الربّک وقد انبعث أشقی الأولین وأشقی الآخرین، شقیق عاقر ناقة ثمود، فضربک علی هامتک ضربة خضب منها لحیتک.

قال أمیر المؤمنین : فقلت : یا رسول الله ، أفی سلامةٍ من دینی؟ قال : نعم ، فی سلامةٍ من دینک.

یا علیّ، من قتلک فقد قتلنی ، ومن أبغضک فقد أبغضنی ، ومن سبک فقد سبنی ، لأنّک متی وأنا منک ، طینتک طینتی ، أنت أبو ولدی ، وخلیفتی علی أمّتی فی حیاتی وبعد موتی ، أُقسم بالله إنّک أمیر المؤمنین وحجّة الله علی

ص: 427


1- إشارة إلی الآیة : 42 من سورة الاسراء .
2- سورة الأحزاب : 23.

أبیات للحسن بن علی علیه السلام فی رثاء أبیه أمیر المؤمنین

علیه السلام

الخلق أجمعین(1)

روی أنّ أمیر المؤمنین قال لابنته أمّ کلثوم لیلة ضرب: یا بنیّة ، إنّی أرانی

قلّ ما أصحبکم.

قالت : وکیف یا أبتاه؟

قال : رأیت رسول الله صلّی الله علیه و آله وهو یمسح الغبار عن وجهی

ویقول : یا علیّ ، لا علیک لا علیک ، قضیت ما علیک.

قالت : فما مکثنا حتی ضرب تلک اللیلة.

وفی روایة أنّه قال : رأیت رسول الله صلّی الله علیه و آله یشیر إلیّ بکفّه :

یا علی إلینا إلینا، فما عندنا خیر لک(2)

ولمّا فاز صلوات الله علیه بدرجة الشهادة ، وحاز دوحة السعادة ، قال

مولانا وسیّدنا السبط التابع لمرضاة الله :

أین من کان لعلم ال | مصطفی فی الناس بابا؟ أین من کان إذا ما أقحط الناس سحابا؟ أین من کان إذا نو دی فی الحرب أجابا؟ أین من کان دعاء مستجاباً ومجابا(3)

غیره: قام فی المحراب الله یناجی فانبری أشقی الوری نجل الزیوف

ص: 428


1- انظر : الأحادیث الغیبیة :53/1 ح 23 . وقد تقدّم مثل هذا الحدیث فی المجلّد الأوّل .
2- انظر : الأحادیث الغیبة : 137/2 ح 431.
3- مناقب ابن شهر آشوب :313/3 .

أبیات للزاهی، وأخری لابن حماد العبدی

فلق الهامة من خیر وصیّ فاز بالزلفة فی الشهر الشریف وأذاقوا الفتی السم عسمدة لعنة الله علی الرجس المدیف

یا آل أحمد ماذا کان جرمکم فکلّ أرواحکم بالسیف تنتزع تلقی جموعکم صرعی مشتّتة دون الأنام(1)وشمل الناس مجتمع وتستباحون أقماراً منکسة تهوی وأنفسها(2) بالسمر تنتزع ماللحوادث لا تعنو بظالمکم؟ ما للمصائب عنکم لیس ترتدع؟ منکم طرید و مقتول علی ظمأ ومنکم دنسف بالسمّ منصرع ومن محرق جسم لا یزار له قبر ولا مشهد یأتیه مرتدع (3)

یا آل بیت محمد وجدی بکم

قد قلّ عنه تصبّری وتجلّدی

ماللمصائب أنشبت أظفارها

فیکم فبین مطرّد ومشرّد؟

من کلّ ناحیة علیکم نائح

ینعاکم فی مأتم متجدّد

من ذا أنوح له ومن أبکی تری

تبعاً لکم یا آل بیت محمد

ص: 429


1- فی المناقب : بین العباد .
2- فی المناقب : وأرؤسها
3- الأبیات للزاهی، المتوفّی سنة 352 ه، أخرجها المحمودی فی زفرات الثقلین : 42/2ابن شهرآشوب :214/2 .

أعلی قتیل الملجمی وقد ثوی

متخضّباً بدمائه فی المسجد

أم للّذی للسمّ

اسقی عامداً

أم للغریب النازح المتفرّد؟

أم للعطاش مجندلین علی الثری

من کسل کهل سید ومسود؟

أم للرؤوس السائرات علی القنا

مثل البدور إذا سرت فی الأسعد؟

أم للسبایا من بنات محمد

تسبی مهتّکة کسبی الأعبد(1)

وثنّ بابنة آکلة الأکباد الزنیم الطاغی ، وابن هند الأثیم الباغی ، رأس العصابة الأمویّة ، وابن الفاجرة البغیّة ، کیف أجلب علی حرب أمیر المؤمنین ، وقتل أعلام المهاجرین الأوّلین ، ووسم غیر إبله ، وخالف الله ورسوله بقوله وعمله ، ثمّ دبر فی قتل سبط المصطفی ، وقرّة عین سیّدة النسا، وأداف له قواتل سمومه ، ولم یحسن الله فی حدیثه وقدیمه ، بعد أن فرّق جموعه بتدبیره ومکره، وأفسد جنوده بذهابه وغدره؟

وأعانه علی ذلک قوم ظاهرهم الوفاق، وباطنهم النفاق ، غرّتهم الدنیا بزینتها، واستهوتهم بزهرتها، فباعوا الآجلة بالعاجلة ، والعالیة بالسافلة ، ونکثوا عهده، وأخلفوا وعده ، ولم یحفظوا النبیّ فی عترته ، ولم یراعوا الوصیّ فی أسرته ، وانتهبوا ثقله ، وراموا قتله ، وأظهروا ما کان من غدرهم مصوناً ،

ص: 430


1- مناقب ابن شهرآشوب: 216/2 . والأبیات لابن حماد العبدی .

أبیات للصقر البصری

ومن حقدهم مکنوناً، وأطلع الله ولیه علی ما دبّروا، وحاق بهم سیّئات ما مکروا، فمال صلوات الله علیه إلی إظهار الهدنة ، وإطفاء الفتنة، لعدم الناصح ، وقلّة المناصح، وحقناً لدماء ذرّیّته وذویه، وظنّاً بالمخلصین من شیعته وشیعة أبیه ، وعاد إلی حرم جدّه وقد حصّل ما حصّل، وعاد بدار الهجرة وهو أعلم بما فعل ، کلّ ذلک وابن هند یدبّر فی إهلاکه ، وینصب له أشراک کفره وإشراکه، حتی قضی صلوات الله علیه شهیداً سعیداً ، مظلوماً مسموماً، قد انتهکت حرمة الرسول بانتهاک حرمته، وعظمت مصیبة البتول

العظم مصیبته. یاخیر مبعوث وأکرم مرسل

أضحی الدین الحقّ فینا شارعا

لو أنّ عینک عاینت بعض الذی

ببنیک حلّ لقد رأیت فظائعا

أمّا ابنک الحسن الزکیّ فإنّه

و لما مضیت سقوه سمّاً ناقعا

ففروا به کبداً لدیک کریمة

مسنه وأحشاءً له وأضالع

وسقوا حسیناً فی الطفوف علی الظما

کأس المنیّة ف احتساها جارعا

قتلوه عطشاناً

بعرصة کربلا

وسبوا حلائله وخلف ضائعا

ص: 431

کلام للمؤلف رحمه الله

جسداً بلا رأس تمدّ علی الثری

رجلا به وتکف أُخری نازعا(1)

قیل : لمّا بلغ معاویة موت الحسن علیه السلام سجد وسجد من حوله ، وکبر وکبروا معه ، فدخل علیه ابن عباس بعدها ، فقال معاویة : یا ابن عبّاس ، أمات الحسن أبو محمد؟

قال : نعم ، رحمة الله وبرکاته علیه وعلی روحه وبدنه ، وبلغنی تکبیرک وسجودک ، أما والله لا یسد جثمانه حفرتک ، ولا یزید انقضاء أجله فی عمرک .

قال : أحسبه ترک صبیة صغاراً ولم یترک علیهم کثیر معاش . فقال : إن ّالّذی وکلّهم إلیه غیرک ، وکلّنا کنّا صغاراً فکبرنا . قال معاویة : فأنت تکون سیّد القوم بعده ؟

فقال : أما وأبو عبدالله الحسین حی، فلا(2) یا ابن بنت المصطفی وابن الوصیّ المرتضی بک حزنی ماله حتی مسماتی انقضا کان ودّی لو أکن منک بروحی عوضا فیمّن الله علی رمسک برد ورضا

وإذا ما مرّ ذکر الواقعة العظمی ، والمصیبة الکبری ، وما مرّ بعرصة کربلاء بذرّیّة المصطفی ، ففرغ نفسک - أیّها المؤمن - لقیام المآتم، واستفرغ غرب

ص: 432


1- مناقب ابن شهرآشوب : 43/4، زفرات الثقلین : 7/2 ، ولیس فیهما البیت الأول. والأبیات للصقر البصری
2- مناقب ابن شهرآشوب :43/4 .

عیونک بالدموع السواجم، وطّلق النوم إلّا غراراً(1) واذرف الدموع من العیون مدراراً، بمصیبة من هدمت مصیبته الایمان هدماً، وتهظمت واقعته الإسلام هظماً، وأکسبت قلوب المؤمنین حزناً وغمّاً، وألبست ألباب العارفین حیرة وهمّاً.

یا لها مصیبة شقّت لها من المؤمنین قلوبهم لا جیوبهم ، وتجافت لعظیمها عن المضاجع جنوبهم، وأبکت السماء دماً و تراباً، وحیّرت من أولی العرفان أفکاراً والباباً ، واضطربت لهولها السبع العلی ، واهتز لها عرش الملیک الأعلی ، النبیّ والوصیّ فیها أهل العزاء، وسیدة النساء تودّ لو تکون له الفداء ! أنسی کل مصیبة مصابها، وأمر کلّ طعم صابها ، وأدارت بکؤوس الأحزان علی قلوب المؤمنین ، وجدّدت معاهد الأشجان فی نفوس المخلصین ، سعرها لا ینسی وإن تقادمت الأیام، وذکرها لا یستقصی وإن تعاقبت الأعوام ، کست السماء بحمرة نجیع شهدائها شفقاً، وأذکت فی قلوب المؤمنین بقادح زنادها حرقاً وأنفدت بتراکم أحزانها ماء الشؤوب ، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب ، فأسالتها دمة من العیون ، فإنّا لله وإنا إلیه راجعون ، أی مصیبة طمت وعمت ، وأشجت قلوب المؤمنین وأغمت؟

فیا إخوانی الّذین نور الله قلوبهم بأنوار الایمان، وأظهر نفوسهم علی أسرار العرفان ، وسلک بهم سبیل نبیّه وعترته ، وألزمهم التمسّک بحبل ولیه وذریته ، وجعل حبّ آل محمد شعارهم ودثارهم ، وقربهم زلفی من رضوانه باتباعهم آثارهم، جددوا فی هذا الیوم معاهد الأحزان، وأفیضوا الدموع المقرحة للأجفان ، واستشعروا شعار الأسف فهذا زمانه، وأظهروا شعار الجزع

ص: 433


1- أی قلیلاً.

فهذا أوانه، وعزّوا نبیّکم المصطفی فی هذا الیوم بسبطه ، وأسعدوا ولیکم المرتضی علی مصابه برهطه ، فإنّ البکاء فی هذا الیوم لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أکمل القربات.

روی مسمع بن عبدالملک کردین البصری(1) عن سیدنا ابی عبدالله الصادق علیه السلام قال : یا مسمع ، إن السماوات والأرض لم تزل تبکی مذ قتل أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، ومن یبکی لمصابنا من الملائکة أکثر من ذلک ، وما من عبد بکی رحمة لنا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عینه ، فإذا سالت علی خدّه فلو أنّ قطرة منها سقطت فی جهنّم لأطفأت حرها حتی لا یوجد لها حرارة.

وما من ذی قلب یتوجّع لمصیبتنا إلا أعطاه الله فرحة عند موته لا تزال معه حتی یرد علینا الحوض ، وإنّ الکوثر لیفرح بالمؤمن یقدم علیه فیسقی منه شربة لا یظمأ بعدها أبدأ، ولا سقی بعدها أبداً، وإنّه لفی طعم الزنجبیل ، ورائحة المسک ، أحلی من العسل، وأبرد من الثلج، وأصفی من الدمع ، وأذکسی من العنبر ، یخرج من معین تسنیم، فیمر فی أنهار الجنّة علی رضراض (2)الدر والیاقوت ، وإنّ رائحته لتشمّ من مسیرة ألف عام وعلیه قدحان من الدر والیاقوت أکثر عدد من نجوم السماء ، وعلی حافّته أمیر المؤمنین علیه السلام قائم وبیده عصا من عوسج یذود بها أعداءنا ، وإنّ الرجل منهم لیأتی فیقول : یا أمیر المؤمنین ، اسقنی شربة فإنّی کنت فی دار الدنیا مقرّاً بالشهادتین.

فیقول له أمیر المؤمنین : ارجع إلی إمامک الّذی کنت تتولّاه فی دار الدنیا

ص: 434


1- کذا فی الکامل ، وفی الأصل : مسمع بن عبدالکریم البصری.
2- کذا فی الکامل ، وفی الأصل : رضاض . والرضراض : الحصا أو صغارها .

أبیات للمؤلف رحمه الله

وتقدّمه علی إمام الحقّ فاسأله فلیشفع لک.

فیقول : یا مولای ، إن إمامی الذی ذکرت شرّ منّی.

فیقول له أمیر المؤمنین : ارجع وراءک لا سقاک الله أبداً(1)

رزءُ سبط النبیّ خیر شهید

بفؤادی أحل ّنار الوقود

وأذاب الفؤاد منّی فأجراه د

ماًفی محاجری فی خدودی

حزن قلبی وإن تقادم عهدی

بی جدید فی کلّ یوم جدید

لیس لی م ونس إذا جن لیلی

غیر وجدی وحرقتی وسهودی

سقم جسمی علی عظیم مصابی

واصفراری أدلّتی و شهودی

وإذا رمت أن أکفکف دمعی

و قال حزنی فی القلب هل من مزید؟

ما تذکّرت ماجری یوم عاشورا

ء علی سبط أحمد المحمود

من بنی العاهرات آل زیاد

وأعقّ الوری وشرّ العبید

ص: 435


1- کامل الزیارات: 101ح،6 عنه البحار : 290/44 ح 31.

وابن سعد إلّا ونضد وجسدی

و من دموعی قلائد فی جیدی

ویزید الغرام فی مهجتی إن

مرّ تذکار ما جری من یزید

إذ بنو المصطفی تساق إلیه

فی وثاق وذلّة وقیود

وکریم عملی سَنانِ سَنانِ

یخجل البدر فی لیالی السعود

لهف قلبی وحرّ صدری علی

أشرف مولی نمته خیر جدود

فی صعید الطفوف ثاوٍ به شرَف أکرم بتربة من صعید

منعوه شرب المباح ولکن

جعلوا ورده

نجیع الورید

یابنی المصطفی وحقّ الّذی

أنزل فیکم من الملیک المجید

وبما فی جوانحی وفؤادی

من وفاءٍ لکم وصدق عهود

إنّ فی مهجتی لعظم مصابی

بکم مسایذیب صلد الحدید یا إخوانی الّذین ارتضاهم الله لدینه ، وسقاهم من زلال الاخلاص أصفی

ص: 436

کلام للمؤلف رحمه الله ..

معینه ، وألزمهم کلمة التقوی ، وأمرهم بالتمسّک بالسبب الأقوی ، اعلموا أن هذا الیوم یوم کسف فیه بدر الایمان بل شمسه ، وذوی غصن الإیمان بل غرسه ، وفتحت أبواب الجنان لأرواح بذلت وسعها فی طاعة ربّها وولیّها، وسجّرت درکات النیران لأنفسٍ قادهاً الشقاء إلی متابعة شیطانها وغویّها.

هذه تتلقّاها الملائکة الکرام بالبشری بالنعیم المقیم، وهذه یتولّاها الزبانیة الغلاظ الشداد بالعذاب الألیم، هیّء لهذه نزلُ من غفور رحیم ، ولهذه نزل من حمیم وتصلّیة جحیم، هذه تعانق الحور العین ، وهذه تقرن مع الشیاطین فی سجین ، هذه ربحت تجارتها ، وهذه خسرت صفقتها ، کم بین من تجاوز النبیّ والوصیّ فی درجته ، وبین من یقرن مع الشیطان الغویّ فی جامعته؟ کم بین من آریق دمه فی نصرة ولیه وابن رسوله ، وبین من باع دینه بدنیا شیطانه وضلیله؟

فیا إخوانی أذیبوا القلوب فی هذا الیوم بشدّة حزنکم ، وصعّدوها دماً من شؤون جفونکم بنار جزعکم، وأطفئوا غضب ربّکم بمعین دمعکم، ووجّهوا إلی قتلة أولاد النبیّین مطایا لعنکم وسبّکم ، واذکرواسیّدکم ، وقرّة عین نبیّکم وإمامکم، وثمرة قلب ولیّکم، وقد ضاقت به المسالک والمذاهب ، وأحدقت به الأعداء من کلّ جانب ، ومنعوه من شرب المباح، وجعلوا ورده نجیع الجراح .

تری الأطهار من ذرّیّته ، والأبرار من شیعته ، قد سقوا کؤوس الحتوف بعد الظما ، وبلغوا من حدود السیوف حدّ الردی ، ذوی أطراف مقطّعة ، وأشلاء مبضّعة ، تسفی علیهم الأعاصیر بذیولها ، و تطأهم الأعداء بخیولها.

ص: 437

أسأَلَکُم عَلَیهِ أجراً إلّا المَودَةَ فِی القُربَی)(1) یلذن به صارخات، ویتوسلن به ضارعات، قد قتلت رجالهنّ ، وذبحت أطفالهنّ، وهو یدافع عنهن صابراً ، ویمانع دونهن ثائراً ، کالأسد الهاصر، أو النمر الجاسر، یبری بسیفه المعاصم، ویجزّ الغلاصم، ویقط الأصلاب ، ویقصّ الرقاب ، ویندر الأکفّ مع الأعضاد، ویفرّق بین الرؤوس والأجساد، إن قصد قصد البطل القمه حصیصاً، وإن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حریصاً ، باع من الله روحه وجسده ، وبذل فی الله ماله وولده ، لا یزیده قلّة الأنصار إلّا بصیرة من أمره، ولا یکسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصاً فی علانیته وسرّه .

وأعانه علی امتثال أمر الله عصابة من ذویه وأسرته ، و متابعیه من شیعته ، باعوا أنفسهم من الله بنعیم جنّته ، فربحوا الزلفی من عظیم رحمته ، فلو تراهم وقد أظلم لیل نقع الحرب، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، والأعداء محدقة بهم من کل جانب ، والأسنّة فی الدروع کالنجوم فی ظلم الغیاهب ، والسیوف لاختلاف المضارب کالبروق فی کهول من ثقال السحائب ، والخیل راکعة ساجدة من دفع القنا فی صدورها، والرجال متلقیة حدود الصفاح ورؤوس الرماح بقلوبها ونحورها ، والولدان المخلّدون قد أترعت الأکواب والأباریق للعطاش من ذرّیّة المصطفی ، والحور العین قد هیّأت فرشاً من سندس بطائنها من استبرق لأجسادهم المرملة بالدماء، والملائکة الکرام تعجب من صولة سطوتهم بتصمیم عزیمتهم وشدّة جردهم مع قلة عددهم لرأیت وجوهاً کالبدور فی ظلم النقع مشرقة ، وأسداً فی غاب الرماح مطرقة ، یرون الموت فی طاعة ربّهم أحلی من العسل المشار،

ص: 438


1- سورة الشوری : 23.

وارتکاب الأخطار أولی من رکوب العار.

أصبحوا فی عرصة کربلاء مصرّعین بین الزوابی والدکادک ، وأمسوا فی جنّة المأوی متّکین علی الأرائک ، لقوا الله فوفی لهم بماعاهدهم، وأنالهم الحسنی وزیادة علی ما وعدهم، أجلسهم علی بساط آنسه فی ظلّ جنابه ، وسقاهم من رحیق قدسه أصفی شرابه ، وناداهم فی سرائرهم ، وخاطبهم فی ضمائرهم: یا من بذلوا أنفسهم فی طاعة ولیی وابن أولیائی ، وأریقت دماؤهم ذابین عن صفیّی ونجل أصفیائی ، تبوّءوا من النعیم المقیم ما لا عین رأت، ولا أذن سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر ، وهذا سیّدکم أبو عبدالله الحسین علی

قنا

ولمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا، وأرواحهم منعّمة فی الرفیق الأعلی ، ورؤوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا، ونفوسهم تتلقّاها الملائکة الکرام بالبشری ، صاروا فرطاًلسبط المصطفی و قرّة عین الزهراء ، ومقدّمة بسید الشهداء إلی جنة المأوی ، ناداهم : علی الدنیا بعدکم العفا، ثم از دلف لقتال الظلمة بقالبه وقلبه ، وبرز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه ، کم جدّل جلیداً، وأباد صندیداً، وأزهق منافقاً، وأوبق مسابقاً، وافترس أسداً، وفلّ عدداً، وأرغم وأزهق أنفسا ؟ قائلاً:

أنا الحسین بن علیّ آلیت ألّا أن ثنی أحمی عیالات أبی أذبّ عن دین النبیّ

حتی قَتَل صلوات الله علیه مبارزة ومطاردة ألفاً وتسعمائة وخمسین راجلاً وفارساً ، کذا ذکره الشیخ الثقة رشید الدین بن شهرآشوب المازندرانی

ص: 439

کثرة الجراحات التی وجدت بالحسین علیه السلام

فی کتابه مطالب السؤول فی مناقب آل الرسول(1)

ولمّا رآی ابن سعد تواصل صولاته ، وتتابع حملاته، نادی فی بقیّة الأحزاب من أحزابه ، وکفرة الکتاب من کتائبه وصحابه : ویلکم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا أبن الأنزع البطین ، هذا ابن قتّال العرب ، فضیّقوا علیه المسالک والمذاهب، وأحدقوا به من کلّ جانب، ضرباً بالصفاح ، وشجرأ بالرماح

عن أبی جعفر الباقر علیه السلام ، قال : وجد بالحسین علیه السلام ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة ما بین ضربة بسیف ، أو طعنة برمح ، وکانت أکثرها فی مقدّمته.

وعن ابن جریر الطبری ، قال : وجد بالحسین ألف وتسعمائة جراحة ما بین ضربة بسیف ، أو طعنة برمح، أو رمیة بسهم، وکانت السهام فی درعه کالشوک فی جلد القنفذ.(2)

فیا إخوانی، ما للعیون لهذا الرزء العظیم لا تدمع ؟ وما للقلوب لهذا الخطب الجسیم لا تنجع؟ وما للأکباد بسیوف الأحزان لا تتقطّع؟ فعمّی بطرف لا یسحّ دماً لغربتهم ، وسحقا لقلب لا یتضعضع أسفا لمحنتهم ، أفلا تبکون علی من بکت السماء دماً علیهم؟ أفلا تأسفون علی من سجدت جباه الفجر لدیهم؟ أفلا تجزعون لمصاب المصطفی والمرتضی والزهراء؟ أفلا تحزنون الأجسادهم مرمّلة بالدماء؟ أفلا تقرحون الأجفان لبدور غیّبت فی کربلاء؟ أفلا تجدّدون الأحزان لمصاب أشرف أهل الأرض والسماء؟ کم سیّد لی بکربلاء خضّب من نحره المشیب؟

ص: 440


1- مناقب ابن شهرآشوب : 110/4 .
2- مناقب ابن شهرآشوب :110/4

أبیات فی رثاء الحسین علیه السلام، وأخری للعونی

کم سیّد لی بکربلاء عسکره بالعراء نهیب؟ کم سیّد لی بکربلاء لیس لما یشتکی طبیب؟ کم سیّد لی بکربلاء خاتمه والرداء سلیب؟ (1)کم سیّد لی بکربلاء یسمع صوتی ولا یجیب؟کم

سیّد لی بکربلاء ینکت فی ثغره القضیب؟(2)

عن ابن عبّاس رضی الله عنه قال : رؤی رسول الله صلّی الله علیه وآله فی المنام بعد واقعة الحسین علیه السلام وهو مغبّر الوجه ، حافی القدمین ، وقد ضمّ ذیل(3)قمیصه إلی نفسه وهو یتلو هذه الآیة (4)(وَلَا تَحسَبَنَ اللُ غَافِلاً عَمَّا یَعمَلُ الظَّالِمُونَ) ، ویقول : إنّی مضیت إلی کربلاء فالتقطت دم الحسین من الأرض ، وها هو فی حجری ، وأنا غداً أخاصمهم بین یدی ربّی یاقمراً غاب حین لاحا أکسبنی فَقدُکَ النیاحا یانسوب الدهر لم تدع لی صرفک من حادث صلاحا

أبعد یوم الحسین ویحی أستَعذِبُ اللهو والمزاح(5)

ب آبائی س ادة ظماة ماتوا ولم یشربوا المسباحا (6)بابائی سادة کراماً غادرهم حتفهم صباحا یاسادتی یا بنی علیّ بکی الهدی فقدکم وناحا

ص: 441


1- فی المناقب : ینقر.
2- مناقب ابن شهرآشوب:126/4 .
3- فی المناقب : حجز.
4- سورة إبراهیم: 42.
5- فی المنائب: ماض
6- مناقب ابن شهرآشوب: 84/4.

إخبار الحسن باستشهاد أخیه الحسین علیهما السلام، و أبیات

للمؤلف رحمه الله

یاسادتی یا بنی إمامی أقولها عنوة

صراحا أوحشتم الحجر والمساعی أنستم القفر والبطاحا أوحشتم الذکر والمثانی والسور النزلّ الفصاحا(1)

عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام، قال : دخل الحسین علی أخیه

الحسن علیهما السلام ، فلما بصر به یکی ، فقال : ما یبکیک ، یا أبا عبدالله ؟

قال : أبکی لما یفعل بک.

قال : وما یفعل بی هل هو إلّا سمّ یلقی إلیّ فأُقتل ؟ ولکن لا یوم کیومک ، یا أبا عبدالله ، یزدلف إلیک ثلاثون ألفاً، ینتحلون دین الإسلام، ویزعمون أنّهم من أمّة جدّک فیجتمعون علی قتلک، وسفک دمک ، وانتهاک حرمتک، وسبی ذراریک ونسائک ، فعندها تحلّ اللعنة ببنی أمیّة ، وتمطر السماء دماً وتراباً أحمر، ویبکی علیک کلّ شیء حتی الوحوش فی الفلوات ، والحیتان فی البحار ، والطیر فی جوّ السماء.(2) کربلاء کم فیک من شیب خضیب

بدم النحر وکم هام نقیف؟

وسعید بصعید الطف ثاو

رأسه یعلی علی رمح ثقیف

ص: 442


1- مناقب ابن شهرآشوب: 119/4 ، مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی: 155/2 ، عوالم العلوم :550/17 ، زفرات الثقلین :37/2 . والأبیات للعونی.
2- مناقب ابن شهرآشوب:86/4 . وانظر : أمالی الصدوق: 101ح3، مثیر الأحزان : 23، الملهوف: 99، إثبات الهداة : 556/2 ح 7، البحار :218/45 ح 44.

حدیث یوم عاشوراء

البنی الزهراء أرباب المساعی

والمعالی والعوالی والسیوف

زلفت نحوهم عصبة سوءٍ

و لیس فیهم غیر زندیق وکوفی

لعن الله بنی الکوفة لم

و یکُ فیهم مَن بعهد الله یوفی

سل یزیداً؛ قائماً بالقسط

من حاز المعالی من تلید وطریف

صلبوا من بعد خذل ثمّ قتل

آه ممّا حلّ بالبدن الشریف(1)

[حدیث یوم عاشوراء ]

عن سیّدنا ومولانا أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : إن شهر المحرّم کان أهل الجاهلیة(2) یحرّمون فیه القتال فاستحلّت فیه دماؤنا، وهتکت فیه

حرمنا، وسبی فیه ذرارینا ونساؤنا، وأُضرمت النیران فی مضاربنا ، ولم یترک الرسول الله صلّی الله علیه و آله حرمة فینا، إنّ یوم عاشوراء (3) أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزیزنا ، أرض کربلاء أورثتنا الکرب والبلاء، إلی یوم الانقضاء ، فعلی مثل الحسین فلیبک الباکون ، فإنّ البکاء فیه محط الذنوب.

ثمّ قال صلوات الله علیه : إنّ أبی علیه السلام کان إذا هلّ المحرم لم یر

ص: 443


1- تقدمت هذه الأبیات ضمن قصیدة طویلة للمؤلف فی ص208.
2- کذا فی الأمالی ، وفی الأصل : کانت الجاهلیة .
3- فی الأمالی : الحسین

ضاحکاً، وکانت الکآبة والحزن غالبین علیه ، فإذا کان یوم عاشوراء کان یوم جزعه وبکائه ، ویقول: فی هذا الیوم قتل جدّی الحسین علیه السلام(1)

وعن ابن فضّال ، عن أبیه، عن الرضا علیّ بن موسی علیه السلام ، قال : من ترک السعی فی حوائجه یوم عاشوراء قضی الله له حوائج الدنیا والآخرة ،

[ومن کان یوم عاشوراء یوم مصیبته وحزنه وبکائه جعل الله عزّ وجلّ یوم القیامة یوم فرحه وسروره وقت بنا فی الجنان عینه] (2) ومن سمّی یوم عاشوراء یوم برکة أو الدّخر بمنزله فیه شیئاً لم یبارک له فیه ، وحشره الله یوم القیامة فی زمرة یزید وعبیدالله وعمر بن سعد فی أسفل درک من النار .(3)

وعن جبلّة المکّیّة قالت: سمعت میثم التمّار رضی الله عنه یقول : لتقتلنّ هذه الأمّة ابن نبیّها فی الیوم العاشر من المحرّم ، ویتّخذون أعداء الله ذلک الیوم یوم سرور وبرکة ، أعلم ذلک بعهد عهده إلیّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، وأعلمنی انّه یبکی علیه کلّ شیء حتی الوحوش فی الفلوات، والحیتان فی البحار، والطیر فی جوّ السماء ، وتبکی علیه الشمس والقمر والنجوم والعرش والکرسیّ وحملة العرش.

قالت جبلة : فقلت: یا میثم ، کیف یتخذ الناس الیوم الّذی یقتل فیه ابن

رسول الله صلّی الله علیه و آله یوم سرور وعید وبرکة ؟

قال : بحدیث یضعونه ، ویزعمون أنّه الیوم الّذی تاب الله فیه علی آدم

ص: 444


1- أمالی الصدوق: 111ح 2 ، مناقب این شهر اشوب :86/4 .وأخرجه فی البحار : 283/44 ح 17 عن الأمالی.
2- من الأمالی
3- أمالی الصدوق: 112ح، مناقب ابن شهرآشوب: 86/4 .وأخرجه فی البحار : 284/44 ح 18 عن الأمالی .

علیه السلام، وإنّما کان ذلک فی ذی الحجّة.

ویزعمون أنّه الیوم الّذی قبل الله فیه توبة داود ، وإنّما کان ذلک فی ذی

الحجّة أیضاً.

ویزعمون أنّه الیوم الّذی أخرج الله فیه یونس من بطن الحوت، وإنّما

کان ذلک فی ذی القعدة .

ویزعمون أنّه الیوم الذی استقرّت فیه سفینة نوح علی الجودیّ، وإنّما

کان ذلک یوم الثامن عشر من ذی الحجّة.

ویزعمون أنّه الیوم الذی فرق الله فیه البحر لموسی، وإنّما کان ذلک فی

ربیع الأوّل.

ثمّ قال : یا جبلة ، إنّ الحسین سیّد الشهداء عند الله ولأصحابه درجة عند

الله .

یا جبلة ، إذا رأیتِ الشمس قد طلعت حمراء کالدم العبیط فاعلمی أنّ

سیّدک الحسین قد قُتل.

قالت جبلة : فلمّا مضی صلوات الله علیه إلی العراق خرجت ذات یوم فرأیت الشمس علی الحیطان کالملاحف المعصفرة، فصحت وبکیت، وقلت : قُتل والله سیّدی ومولای أبو عبدالله

وعن الریّان بن شبیب قال : قال لی مولای الرضا علیه السلام : یا ابن شبیب ، اعلم أنّ الجاهلیّة فیما مضی کانت تعظّم هذا الشهر وتحرّم الظلم

ص: 445

والقتال فیه ، فما عرفت هذه الأمّة حرمة شهرها ولا حرمة نبیّها صلّی الله علیه وآله ، لقد قتَلوا والله فی هذا الشهر ذرّیتّه ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم.

یا ابن شبیب ، إن کنت باکیاً من شیء فابک للحسین علیه السلام، فإنّه ذبح فی هذا الشهر کما یذبح الکبش، وقُتِل معه ثمانیة عشر رجلاً من أهل بیته لیس لهم شبیه فی الخلق.

ولقد حدّثنی أبی ، عن جدّی أنّه لمّا قُتِل جدّی الحسین علیه السلام أمطرت السماء دماً و تراباً أحمر ، وهبط إلی الأرض أربعة آلاف ملک لینصروه فوجدوه قد قُیِل ، فهم عند قبره مقیمون یبکونه شعثاً غبرة إلی أن یقوم القائم من آل محمد فیکونون معه ، وشعارهم : « یا لثارات الحسین». .

یا ابن شبیب ، إن بکیت علی الحسین علیه السلام حتی تسیل دموعک

علی خدّیک غفر الله لک کلّ ذنب أذنبته ، صغیراً کان أو کبیراً ، دقیقاً أو جلیلاً.

یا ابن شبیب ، إن یسرّک أن تلقی الله عزّ وجلّ ولا ذنب علیک فزر

الحسین علیه السلام.

یا ابن شبیب ، إن سرّک أن تکون معنا فی الغرف المبنیّة فالعن قَتَلة

الحسین .

یا ابن شبیب ، إن سرّک أن یکون لک من الأجر مثل ما لمن قُتِل مع الحسین علیه السلام فقل متی ما ذکرتهم : یا لیتنی کنت معهم فأفوز فوزاً عظیماً.

یا ابن شبیب ، إن سرّک أن تکون معنا فی الرفیق الأعلی فافرح لفرحنا،

ص: 446

کلام للمؤلف رحمه الله

واحزن لحزننا، وعلیک بولایتنا، فلو أنّ أحداً أحب حجراً لحشر معه یوم القیامة (1)

فیا إخوانی، أفی غفلةٍ أنتم من هذا الیوم المعکوس الّذی ابتلی به العالم المرکوس بذرّیّة نبیّهم الأطهار ، وعترته الأبرار، الّذین أوجب الله مودّتهم، وألزم محبّتهم ؟ کیف اقتطفوا ببیض الظبا رؤوسهم، واختطفوا بسمر القنا نفوسهم ، و ترکوا تلک الوجوه الّتی طال ما قبّلها الرسول ، وأکرمتها البتول، وناغاها جبریل ، وأوجب حقّها الجلیل، یسار بها علی أطراف الرماح، مخضّباً شیبها بدم الجراح ، والنسوة اللاتی یعدوّن الوصیّ والزهراء أباً وأمّاً، والنبیّ والطیّار جدّاً وعمّاً ، علی أقتاب الجمال أُساری ، وبین الأعداء حیاری، لا شفیق یجیب دعوتهنّ ، ولا رفیق یسکنّ روعتهنّ.

فهذا کان جزاء فضل نبیّهم علیهم ، ورأفته لدیهم أن یبدّلوا نعمة الله کفراً ،

وأن یحتلّوا بنبیّه حسداً وغدراً .

فاستشعروا وتنبّهوا رحمکم الله فی هذا الیوم شعار الأحزان، وأفیضوا الدموع المقرحة للأجفان ، فإنّه یوم المصیبة الکبری، والواقعة العظمی، وعزّوا نبیّکم المصطفی ، وإمامکم المرتضی ، وسیّدتکم الزهراء، بهذا الرزء الّذی أبکی ملائکة السماء ، واهتزّ له عرش الملیک الأعلی ، قائلین : یا سیّد الأنبیاء، ویا خاتم الأصفیاء، هذا سبطک منبوذ بالعراء، هذا سبطک محزوز الرأس من القفا، هؤلاء بناتک أساری یسار بها إلی الأعداء.

یا خیر من لبس النبو وة من جمیع الأنبیاء

ص: 447


1- أمالی الصدوق: 112 ح 5، عیون أخبار الرضا علیه السلام: 299/1 ، عنهما البحار :285/44 ح 23.

أبیات للصنوبری

وجدی علی سبطیک وجدٍلیس یسوذن بانقضاء هذا قتیل الأدعیا ، ءوذا قتیل الأشقیاء یوم الحسین ارقت دمع الأرض بل دمع السماء یوم الحسین ترکت با ب الصبر مهجور الفناء یا کربلاء خلقت من کرب علا ومن بلاء کم فیک من وجهٍ تشر رب ماؤه ماء البهاء نفسی الفداء لمصطلی نار الوغا أیّ اصطلاء حیث الأسنّة فی الجوا شن کالکواکب فی السماء

ف اختار درع الصبر ان

ان الصبر من لبس الثناء(1) وأبی إباء الأسد إن ن الأُسدصادقة الإباء مسنعوه طعم الماء لا ذاقوا لماءٍ طعم ماء وقضی کریماً إذ قضی ظمأن فی نفر ظماء

من ذا لمعفور الجوا د مال أعواد الخباء من للسطریح الشلو عر یاناً مخلّی بالعراء؟ من للمحنّط بالترا ا ب وللمغسّل بالدماء؟ من لابن فاطمة المغیب عن عیون الأولیاء ؟(2)

إخوانی لولا أن الجزع عند تجدّد المصائب العظام دفعه غیر مقدور، والأسف علی من سلف من السادة الکرام صرفه غیر منشور ، وإنّا مندوبون إلی تجدید هذه العزیّة فی کلّ عامٍ، وإظهار الجزع لهذه الرزیّة علی ممرّ الأیّام، وإنّ

ص: 448


1- فی المناقب : السناء.
2- مناقب ابن شهرآشوب: 124/4 . والأبیات للصنوبری.

فی فضیلة الشهادة وثوابها وأجرها

لنا فی ذلک قرّة العین ، فکأنّا لعظیم مصابها ممّن استشهد بین یدی الحسین، لکان اللائق إظهار شعار السرور، وإبداء تمام الحبور، إذ سادتنا حضوا من السعادة الأبدیّة بأعظم السعادات ، وحضوا من الشهادة العلیّة بأرفع الدرجات ، إذ لم یسمع بأحدٍ جاهد فی الله جهادهم ، ولم یجتهد لإقامة دین الحقّ اجتهادهم، باعوا أنفسهم من الله بالثمن الأوفر، فربحوا أحسن الثناء فی الدنیا والفوز فی الأخری لعظیم هذا المتجر، أحلّهم الله بذلک علی منازل رضوانه، ومنحهم حیاة باقیة ببقائه فی جنانه، وغرفاً صاروا إلیها فی کتابه المکنون بقوله سبحانه : (وَلَا تَحسَبَنَ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أموَاتاً بَل أحیَاءُ عِندَ رَبَّهِم

یُرزَقُونَ»(1)

[فی فضیلة الشهادة وثوابها وأجرها]

عن رسول الله صلّی الله علیه و آله : کلّ برّ فوقه برّ حتی یخرج الرجل

شاهراً سیفه فی سبیل الله فیقتل فلیس فوقه برّ(2)

وروی عن إمام الهدی علیّ بن موسی الرضا علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام، عن أبی عبدالله الحسین علیه السلام ، قال : بینا أمیر المؤمنین علیه السلام یخطب الناس ویحضّهم علی الجهاد إذ قام إلیه شابُ فقال : یا أمیر المؤمنین ، اخبرنی عن فضل الجهاد والغزو فی سبیل الله.

فقال صلوات الله علیه : کنت ردیف رسول الله صلّی الله علیه و آله علی ناقته العضباء ونحن منقلبون(3) من غزاة ذات السلاسل، فسألته عمّا سألتنی

ص: 449


1- سورة آل عمران: 169.
2- الخصال : 9 ح 31، الکافی :53/5 ح2، التهذیب :122/6ح209. .
3- کذا فی المجمع ، وفی الأصل : منتقلون .

ص:450

ص:451

ص:452

ص:453

ص:454

ص:455

ص:456

ص:457

ص:458

ص:459

ص:460

ص:461

ص:462

ص:463

ص:464

ص:465

ص:466

ص:467

ص:468

ص:469

ص:470

ص:471

ص:472

ص:473

ص:474

ص:475

ص:476

ص:477

ص:478

ص:479

ص:480

ص:481

ص:482

ص:483

ص:484

ص:485

ص:486

ص:487

ص:488

ص:489

ص:490

ص:491

ص:492

ص:493

ص:494

ص:495

ص:496

ص:497

ص:498

ص:499

ولم تشرکنا فیها ؟ فأعلمته أنّی کنت بمکّة ، وأنّی قد جئتک الآن، وسایرته ونحن نتحدّث حتّی أتی الکناس، فوقف وقوفاً کأنّه منتظر لشیء ، وقد کان أُخبر بمکان حرملة بن کاهلة لعنه الله ، فوجه فی طلبه ، فلم نلبث أن جاء قوم یرکضون وقوم یشدّون حتّی قالوا: أیها الأمیر ، البشارة، قد أخذ حرملة بن

ان جیء به ، فلمّا نظر إلیه المختار قال لحرملة : الحمد لله الّذی مکنّنی منک ، [ثم](1) قال : الجزّار الجزّار، فأتی بجزّار، فقال له : اقطع یدیه ، فقطعتا، ثمّ قال : اقطع رجلیه ، فقطعتا، ثمّ قال : النار النار، فأتی بنار وقصب فالقی علیه فاشتعلت فیه النار.

فقلت : سبحان الله! سبحان الله! فقال : یا منهال ، إنّ التسبیح لحسن ، ففیم سبّحت؟

فقلت : أیّها الأمیر ، دخلت فی سفرتی هذه منصرفی من مکّة علی علی ابن الحسین علیه السلام، فقال : یا منهال ، ما فعل حرملة بن کاهلة؟ قلت: ترکته حیّاً بالکوفة ، فرفع یدیه جمیعاً وقال : اللّهمّ أذقه حرّ الحدید ، اللّهمّ أذقه حرّ الحدید، اللّهمّ أذقه حرّ النار ، اللّهمّ أذقه حرّ النار.

فقال المختار : أسمعت علی بن الحسین علیه السلام یقول هذا؟

فقلت : والله لقد سمعته یقول هذا، فنزل عن دابّته وصلّی رکعتین وأطال السجود ، ثمّ قام ورکب ، وقد احترق حرملة ، ورکبت معه وسرنا، فحاذیت داری ، فقلت : أیّها الأمیر ، إن رأیت أن تشرّفنی و تکرمنی وتنزل عندی و تحرم

ص: 500


1- من الأمالی .

ندبة للمؤلف رحمه الله

فقال : یا منهال ، تعلمنی أنّ علیّ بن الحسین علیه السلام دعا بأربع دعوات فأجابه الله علی یدی ، ثمّ تأمرنی أن آکل ! هذا یوم صوم شکراً لله علی ما فعلته بتوفیقه ، وحرملة هو الّذی حمل رأس الحسین علیه السلام إلی یزید ، وهو الذی رمی علیّ بن الحسین الرضیع بسهم فذبحه(1)

الندبة

یا شهیداً شهد الله له بوفاء حقّه، ویا صدّیقاً أخذ الله میثاقه علی خلقه ، ویا من جاهد فی الله حقّ جهاده، ویا من أخلص لله فی إصداره وإیراده ، ویا دلیل الخلق علی معبودهم، ویا سبیل الرشد إلی مقصودهم، ویا من أیده الله بالعصمة الّتی شرّفه بها علی بنی نوعه، وجعل أعلام الهدی ومصابیح الدجی من فروعه ، ویا حجّة الله البالغة من الله علی عباده ، ویا ربیع الیتامی والأیامی ببرّه وإرفاده ، ویا صاحب الفرع المرجب الّذی شاع وبان فی الآفاق فضله، واتّصل بحبل القرآن حبله ، وعمّ الخافقین نحله ، وأرمض قلوب القاسطین عدله ، وجعل برد الأمن علی الظالمین محرّماً، وأجسادهم بصارمه جماداً، قد

أفاض علیها ملابس من فیض الدماء.

حزنی علیک جلّ عن وصف الواصفین عظیمه ، وجزعی لدیک فات حصر الحاصرین جسیمه، أذرف المدامع فی حضرتک ، وأشنّف المسامع بمرائیک و مدحتک ، إذا تصوّر فکری مصابک ، وخطر بسرّی ما أصابک ، سئمت

ص: 501


1- أمالی الطوسی : 238 - 239ح 15، عنه البحار : 332/45 ح 1 ، وعوالم العلوم : 664/17 ح 2. وأورده فی حکایة المختار فی أخذ الثار بروایة أبی مخنف : 58 مرسلاً. وفی مناقب ابن شهر اشوب : 133/4 ، ذوب النضار : 120 - 122، کشف الغمة : 112/2 .

قصیدة للمؤلف رحمه الله

الحیاة ولذّتها ، وقلوت الدنیا وزهرتها ، فلا ضحکت سنّی إن ضحکت وقد ابتلیتم بصروف الردی ، ولا قرّت عینی إن سررت ونساؤکم أسری یسار بها إلی العدی.

أیقرّ طرفی ورؤوسکم یسار بها إلی الطغاة؟ أم یسکن وجدی وعیالاتکم یساق بها إلی البغاة؟ أم ترقد مقلتی ومنازلکم نافدة لحمالکم(1) أم تبرد غلّتی ومحاریبکم خالیة من صلواتکم ؟

فها أنذا أستنبط بأکفّ لوعتی ینابیع أدمعی، وأستخرج بأیدی حسرتی زفراتی من أضلعی ، وأنظم نثراً من سلیم طبعی ، وأنثر درّاً منقویم صنعی ، ویروی لسانی عن جریح جنانی ، وبیانی عن صحیح إیمانی:

مصابکم فی بحار الحزن ألقانی

وهَدَّرُکُنی وأجری دمعی القانی

وصرت من دهری الجانی حلیف جوی

إلی البکاء بدم الأجفان ألجانی

غریق إنسان عینی بالدموع سوی

جلیل رزئکم فی الخلق انسانی

مررت بالأربع اللاتی بکم شرفت

فعادنی عید أشجان فأبکانی

نادیتها أین من کانوا بحار ندی

ما أن لهم بالسخا والجود من ثان

ص:502


1- کذا فی الأصل .

المجلس العاشر : فی فضل زیارته علیه السلام ، وما صدر فی

فضله من الأحادیث النبویة وإجابة الدعاء لدی تربته الشریفة

خطبة للمؤلف رحمه الله وسمها به «تحفة الزوار ومنحة الأبرار»

المجلس التاسع : التعزیة المسماة «مجریة العبرة ومحزنة العترة»

قصیدة للمؤلف رحمه الله ...

مناجاة للمؤلف رحمه الله ..

کانوا مصابیح ظلماً الضلالة ما

أثناهم عن مقال الحقّ من ثان

کم فیک قد قطعوا طیب المنام

وواصلوا الظلام بستسبیح وقرآن؟

وفی عراک کم أحیوا بجودهم

آمال قوم بإفضالٍ وإحسانِ؟

کانوا بدوردجی لا بل شموش ضحی

یهدی بنور هداهم کلّ حسیران

أعلام حقّ رقوا بالصدق منزلة

و مانالها غیرهم قاص ولا دانی

بحار علم ولا حدّ لساحلها

بحار حلم وإخلاص بإیمان

کانت منازلهم کنز الفقیر وأمان

المستجیر وکهف الخائف العانی

فأصبحت بعدهم قفراء موحشة

یروی لسان الصدی عنها بتحنانی

إن البدور الّتی کانت م طالعها

و م نازلی هدّمتها البعد أرکانی

وصرت خالیة من بعد انسهم

یجاوب البوم منّی نعب غربان

أضحت مدارس ذکر الله دارسة

فی أربعی فلهذا الحزن أوهانی

ص: 503

إلی الحسین شهید الطفّ أندب أم

المسلم حین أذری الدمع أوهانی؟

أوقفت فکری علی الربع الذی ظعنوا

عنه وأخلوه

من أهلٍ وسکّان

والوجد

یقلقنی والشوق یحرقنی

والدمع یغرقنی من فیض أجفانی

وقلت والحزن یطوینی وینشرنی

والکرب یظهر فی سری وإعلانی

یا ربع أین الأولی کانوا حماتک من

اریب الزمان ومن هضمٍ وعدوان

ومن ألفتهم کانت غیوث سخا

یعارضٍ من سماء الجودهتّان

ومن هم فی الندی کالشمس تحیی ما

علی البسیطة من نبت وحیوان

غنا الفقیر وأمن المستجیر ومن

سُمّوا

بمجدٍ وإخلاصٍ وعرفان

أعلام علم علت ما أمّها بشرُ

إلّا

ننزّه عن جهلٍ ونقصان

أجابنی الربع أودانی الزمان بهم

وکلّ شیء سوی ربّ العلی فان

أخنَت علیهم صروف الدهر فانقلبوا

بالبعد نائین عن أهلی وأوطان

ص: 504

ف ی الله أوذوا وباعوا أنفساً طهرت

من ذی الجلال بجنّات ورضوان

واستشعروا حبّنا من حسن صبرهم

فی الله لم یصر عوا من فقد معوانی

قلوبهم جعلوها للدروع وقا

و من وقع حرب بنی حرب وسفیان

کانت مجالس غادانی مکارمهم

وهم محال ساداتی وأعیانی

فشتّت البین شملاً کان مجتمعاً

وهدّنی وبسهم الحزن أصمانی

مأواهم فی سویدا القلب ما بَرَحُوا

وفی سواد عیونی کلّ أحیانی

یهزّنی ذکرهم فی خلوتی حزناً

کما یهزّ الصباغصناً من البانی

فأرسل الطرف لی أطفی ضرام جوی

إطفاؤه

بغزیر الدمع أعیانی

وددت لو کنت ترباًضم أعظمهم

و قد عظّم الله من مثواهم شانی

وصرت أسمو علی البیت الحرام بما

أوتیت إذ خیر أهل الأرض سکّان

فیا لهاغصّة لا تنقضی وجوی

لا ینطفی وقضاءٍ جرّحرمانی

ص: 505

کانوا شموساً وأرجائی مشارقها

وحسن معناهم روحی وریحانی

حتّی إذا غربت عنّی محاسنهم

هّدَّ البعاد بکفّ البین بنیانی

یا لائمی لا تلمنی إن بکیت دماً

علیهم بعویلٍ طولَ أزمانی

أو حرّمت مقلتی طیب المنام أو الفؤاد

منّی لم یسمح بسلوانی

فإنّ من عمروا ربعی بجودهم

وشادنی مجدهم فخراً وأعلانی

آل الرس و ل وأولاد البتول وأبواب

الوصول إلی حورٍ وولدان

نجل الکرام مصابیح الظلام مجا

دیح الأنام وأعلانجل عدنان

بفضلهم صُحُف الله الأولی ن طقت

کما أتی مدحهم فی آی فرقان

أخنی الزمان علیهم فانتنوا وهم

و ما بین مخترم بالقتل ظمانی

وبین معتقل بالأسر پرسف فی

قیوده

بین غدّارٍ وخوان

ما أن له مستجیب ان شکابرحا

من مستشیط بتقریعٍ وعدوان

ص: 506

کم من ولید لهم قبل الفطام سقی

من کأس جستف بکفّ الموت ملآن؟

ونسوة منهم عُنفاً تساق بها

إلی زنیمٍ لفرط البغی جذلان

فکم رؤوس لهم فوق الرماح غدت

تهدی إلی شرّموصوفٍ بطغیان؟

من عصبتةٍ نشأوا فی الکفر کم نصبوا

الوجوه منهم لأنصاب وأوثان؟

أصحاب بدرٍ وأحد والّذی نصروا

وداً ونسراً بإشراکٍ وبهتان

کم ازمعوا حرب خیر المرسلین

واعلا

العالمین بفرسان ورکبان

أولاد آکلة الأکباد أخبث من

ا نشأ علی الکفر من شیبٍ وشبّان

وعترة الطلقاء القاسطین ومن

لم یخلصوا دینهم یوماً بإیمان

کلّا ولا اعتقدوا الاسلام مذکفروا

حقاً ولا اتّخذوه دین دیّان

کلا ولا أسلموا طوعاً بلی قهروا

فاستسلموا حذراًمن فتک سلطان

حتّی إذا وجدوا

عوناً یمدّ لهم

حبل الضلالة من رجسٍ وشیطان

ص: 507

أبدوانفاقاً به ضاقت صدورهم

وأظهروا الغدر مقروناً بشتّان

وأقبلت نحو صفّین صفوفهم بصافنات علیها

شرّفرسان

لیکتموا نعمة الله الّتی ظهرت

ویبدلوا شکرها بغیاً بکفران

بحرب أولی الوری منهم بأنفسهم

بنصّ ذکر وتصدیق ببرهان

ونصّ أکرم مبعوث وأشرف من

سعوت بصدقٍ وتبلیغٍ و تبیان

وأظهروا شبهة منهم مدلّة

فی حربه باخترام الرجس عثمان

وهکذا بوحی من سمومهم

أردوا فتاه فأمسی رهن أکفان

وسادة من ذویه فی الطفوف ثووا

أکرم بهم خیر سادات وفتیان

تجمّلوا بلباس الصبر لم یهنوا

فی الله ما شأنهم فی جدّهم شان

صلّی علیهم إله العرش ماطلعت

شمس وما أودعت روح بجثمان

ومثلها لعنات للذین بغوا

علیهم ماشدّت ورق بأغصان

ص: 508

المجلس العاشر

فی فضل زیار ته صلوات الله علیه ، وماصدر فی فضله من الأحادیث النبوّیة، وإجابة

الدعاء لدی تربته الشریفة

وأصدّر المجلس بالخطبة الموسومة ب (تحفة الزوار ومنحة الأبرار»

قلتها بإذن الله فی المشهد الشریف.

الحمد لله الّذی أظهر دین الاسلام ونشر أعلامه، وأشهر شرع الایمان

وبیّن أحکامه ، وجعل أسباب حججه وبیّناته متّصلة إلی یوم القیامة، وأسّس بنیانه علی عرفان درجتی النبوّة والإمامة ، وأوضح برهانه بمقال سیّد الخلق وکلمة الله التامّة ، محمد سیّد المرسلین وشفیع المذنبین یوم الطاقة.

شیدّ الله به الرسالة ، وأیّد بالمعجز مقاله ، وأعلی علی کلّ جلال جلاله ومقامه ، فهو صلّی الله علیه و آله أکرم وارث وموروث، وأفضل مرسل و مبعوث ، إلی الخاصّة والعامّة.

أیّده الله بوصیّه سیّد الأوصیاء، وصفیه قدوة الأصفیاء، وبعاضده فی الشدّة والرخاء، ربّ الرئاسة العامة. أمیر المؤمنین ، ومبیر الظالمین ، ونصیر المظلومین ، ذی الامامة والزعامة . صاحب الغدیر ، وصائم الهجیر ، وبدر الحقّ

ص: 509

المنیر ، إذا أبدی الباطل ظلامه .

جعل الله سبطی نبیّ الرحمة ولدیه ، وسیدی شباب أهل الجنّة ، وفرعی جمیع الأمّة فرعیه ، وحبّه بداء الإیمان وختامه، الأئمّة الأطهار من ولده ، والعترة الأخیار من عدّه ، والملائکة الأبرار من جنده ، حین أظهر الحقّ ببدر وحنین وأقامه.

نحمد ربّنا إذ جعلنا من المستمسکین بعروة عصمته، السالکین واضح طریقته ، لا نقدّم علیه من لا یعادل عند الله شسع نعله ، ولا نؤخّره عمّن لیس له فضل کفضله ولا أصل کأصله ، بل نعتقده بعد سید المرسلین، أفضل أهل السماوات وأهل الأرضین، ونقدّمه بعد خاتم النبیّین ، علی جمیع الأنبیاء والأولیاء الصدّیقین ، بل وعلی الصافّین الحافّین . وحملة العرش من الملائکة المقرّبین.

حبّه مفاتیح أبواب الجنان ، وبغضه مقالید درکات النیران، لا إیمان إلّا حبه ، ولا قربی إلّا قربه ، ولا عترة إلّا عترته ، ولا ذرّیّة إلا ذرّیّته ، جلّ أن یدرک وصف الواصفین سیّداً البتولة الزهراء عرسه، والأئمة النجباء غرسه ، ونفس سیّد الأنبیاء نفسه ، وسرّة البطحاء فضله وجنسه.

حدّ شجاعته تامّ وما سواه ناقص ، ورسم شهامته فی أعلی مقام إذ غیره ناکص ، فرّوا ولم یفرّ، وغیّروا ولم یغیّر ، وبدّلوا ولم یبدّل ، وخذلوا ولم یخذل ، قیاس من ساماه فی الفخر عقم، وأساس من جاراه فی المجد سقم، یقتطف رؤوس الأبطال اقتطافاً، ویختطف نفوس الشجعان اختطافاً، بدر الدجی فی کفّه زحل إذا مشی بین الصفّین ، وشمس الضحی فی دارة الحمل إذا قضی بین

الخصمین.

ص: 510

علم یهتدی المهتدون بواضح مبادئه ، وعالم یقتدی المقتدون بساطع أنواره، فارس النهار واللیل ، ومنکس الأبطال عن صهوات الخیل ، راهب العرب إذا جنّ الظلام، وکاشف الکرب عن وجه سیّد الأنام، طاهر النسب ، ظاهر الحسب، ضرّاب القلل ، بطل السهل والجبل، حلیف الکتاب ، ألیف المحراب ، خوّاص الغمرات ، شدید العزمات. . خلفاء الله علی عباده ورتبه ، وآمناؤه فی بلاده عترته ، مشاهدهم معارج الدعوات، وضرائحهم مصاعد الحسنات ، تحنّ قلوب المؤمنین إلی زیارتها حنین الطیر إلی أوکارها، وتتشوق نفوس المخلصین إلی وفادتها واعتمادها ، جعلها الله أشرف بقاع الأرض، وسبب النجاة فی الحساب والعرض، والهجرة إلیها أفضل أعمال الثقلین، لا سیّما مرقد أبی عبدالله الحسین ، الّذی هدم رکن الایمان بوفاته ، وقصم حبل الاسلام بفواته ، فهو مهبط ملائکة الله المقرّبین ، ومختلف أرواح الأنبیاء والمرسلین.

مسجده أفضل مسجد أسّس علی التقوی من أوّل یوم، ومشهده أشرف مشهد بنیانه من أولیاء الله أشرف قوم، إن یکن البیت الحرام قبلة للأنام ومعدناً للبرکات، فلکربلاء بحلول سبط المصطفی فی تربتها مرجّحات، شمخت الکعبة فخراً إذ منحت رفعة تعلو علی هامة السماک الأعزل والمشتری ، فخوطبت بلسان التأدیب : قرّی کعبة فلولا أرض یقال لها کربلا لما خلقتک ، فأطیلی وأقصری.

ا شرف الکعبة بمولد سیّد الوصیّین کان مقدار ساعة ، وشرف کربلاء بضریح سبط خاتم النبیین إلی قیام الساعة ، إن یکن الطواف بالکعبة به تمام الحجّ والعمرة، فالطواف بضریحه یعدل ثوابه ثواب ذلک ألف ألف مرّة ، إن تکن

ص: 511

الکعبة قبلة جباه المسلمین ، فکربلاء وجهة قلوب المؤمنین ، إن تکن الصلاة فی المقام عزیمة وفریضة ، فبغیر ولایته وولایة آبائه وأبنائه لا تعادل عند الله جناح بعوضة ، إن یکن البیت العتیق عتیق من الطوفان والغرق، فمقامه صلوات الله علیه لما أجری علیه الماء جار وما انطلق ، إن تکن أفئدة من الناس تهوی الی البیت الحرام، فقلوب المؤمنین تحنّ إلی زیارته علی الدوام.

جعل الله التوفیق زمام عصابة من أولیائه تقودها به إلیه، ومغناطیس نفوس خلاصة من أصفیائه یتهافتون شوقاً علیه ، لا تأخذهم فی وفادته لومة لائم ، ولا تثنی عزائمهم عن زیارته مخافة ناصب ولا غاشم، بذلوا أنفسهم وأموالهم لیستظلّوا بظلال تلک العواطف والمراحم ، وهجروا أبناءهم ودیارهم هجرة إلی الله ورسوله لینالوا الزلفی من تلک الجوائز والمکارم، زجّوا القلوص من کلّ فجّ عمیق، وحثحثوا الرکاب من کلّ مرمی سحیق، ترکوا الأطفال کالیتامی ، والحلائل کالأیامی، تلفح وجوههم الهواجر بسمومها وریاحها، وتهزل أجسامهم المغاور بغدوها ورواحها ، تبسط الملائکة أجنحتها لمواطیء أقدامهم، وتبارک علیهم فی صلواتها فی مسیرهم ومقامهم، لهم معقّبات من بین أیدیهم ومن خلفهم یحفظونهم من أمر الله بالغدو والآصال، ولولا ذلک الاصطلمتهم أکفّ الناصبة أولی الجحود والضلال ، حتّی إذا لاحت لهم من

جانب طور کربلاء أنوار ذلک الجناب ، وأشرقت علیهم شموس العرفان من تلک القباب ، أدیرت کؤوس السرور علی نفوسهم وقلوبهم ، إذ فازوا بنیل المنی من ولیهم ومطلوبهم ومحبوبهم.

لمّا شربوا من شراب حبّه بالکأس الرویة صرفاً، زادتهم العنایة الإلهیّة توفیقاً وعرفاناً ولطفاً، نادی فیهم المنادی لمّا دنا من النادی ، وغنّی لهم الحادی

ص: 512

لمّا ترتم الشادی ، وأنشد بشأن حالهم مفصحاً، وغرّد بیان مقالهم موضحاً

طور جمال حسنکم لمّا بدا لاح لقلب صبکم نور الهدی بدا برق من سجاف مزنه فجدّد العهد بکم وأکّدا وحقّکم لاحلت عن عهدی وإن أتّهم فیکم لائمی وأنسجدا پروم منّی سلوة ولا أری أن یسلونی عن هواکم رشدا کیف سلوی وهواکم مفزعی إذا عری خطب رمانی واعتدی

حبّکم لی جُنّة وجَنّة فی هذه الدنیا وفی الأُخری غدا سعت إلیکم قدمی ولو علی رأسی سعیت کأنّ حظّی أسعدا إن تطردونی فإلی من ألتجی؟ أو تبعدونی فبمن أرمی العدا؟ یاکربلاء سقا ثراک مسبّل یکسو الربا زبرجداً وعسجدا فیک ثوی أشرف من مشی علی وجه الثری سبط النبیّ أحمدا خیر الوری جدّاً وأمّاً وأباً ومنصباً ومنسباً ومحتدا وتربة ومهجعاً ومصرعاً ومعبداً و مسجداً و مشهدا أملاک عرش الله حقّاً علموا بفضله فاتّخذوه مسجدا قد جعل الله لهم من عرشه إلی ث راه مهبطاً ومصعدا تهوی إلیه عصبة ما وجدت من دون آل أحمد متحدا یلومهم فی قصدهم قوم شروا ببغیهم دین الضلال بالهدی حتی إذا ما شاهدوا مشهده ولاح نور الله

منه وبدا وأقبلوا تحفّهم ملائک بإذن ذی العرش یفون العددا قاموا علی الباب فنودوا طبتم بما صبرتم فادخلوه سجّدا وعقفّروا الخدّ علی أعتابه شکراً تنالوا رفعة وسؤددا یا زائری سبط النبیّ دینکم دین الهدی و غیر دینکم سدی

ص: 513

قد هیّأ الله لکم من أمرکم بزورة المقتول ظلماً رشدا

تصافحون الرسل الکرام والأملاک فی حضرته والشهدا صاروا لکم خوان صدق عنده وهم لکم یوم القیامة شهدا أسماؤکم فی صحف المجد غدت م عرفة وخبراً ومبتدا اوبوا بخیر ما یؤوب وافد به من الخلق علی من وفدا وجاهدوا وصابروا ورابطوا من خالق الحقّ عناداً واغندا

فطر بوالنغمة الحادی شکراً، وأظهروا الله حمداً وشکراً، ولمّا أطربهم بلبل ذلک الدوح بشه نغمته ، وحرّکهم محرّک الحیّ بفصیح کلمته ، أقبلت الملائکة الکرام تزفّهم بأنواع التوقیر والتعظیم، وتبشرّهم بمغفرة من ربّهم ورضوان وجنّات لهم فیها نعیم مقیم ، خالدین فیها أبداً إن الله عنده أجر عظیم(1)

حتّی إذا وقفوا بتلک الأعتاب، وقرعوا ببذل الاخلاص ذلک الباب ، وکشف لهم عن وجه الحبیب النقاب ، وارتفع الحجاب عن ذلک الجناب ، ناداهم رب الأرباب ، ومعتق الرقاب : (أنَّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنکُم مِن ذَکَرٍ أو أنثَی بَعضُکُم

مِن بَعض فَالَّذین هَاجَرُوا وَأُخرِجُوا مِن دِیَارِهِم وَأُوذُوا فِی سَبِیِلی وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأکَفَّرَنَّ عَنهُم سَیَّئاتِهِم وَلَاُدخِلَنَّهُم جَنَّاتٍ تَجِرِی مِن تَحتِهَا الأنَهَارُ ثَوَاباً مِن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حَسنُ الثَّوَابِ) (2)وقیل لهم نیابة عن ربّ العالمین : ( ادخُلُوها بِسَلَامٍ آمِنِینَ)(3)

ص: 514


1- إقتباس من الآیتین: 21 و 22 من سورة التوبة
2- سورة آل عمران: 195.
3- سورة الحجر : 46.

الدعاء للزائرین من المؤمنین

فاقبلوا یسافهون مسامع زعام ذلک المقام بشفاههم ، وینفثون ثری مواطیء الأقدام بجفونهم وجباههم، طالبین نظرة من محجوب جماله ، سائلین قطرة من زلال إفضاله ، قد أخضبوا النجاد بواکف عبراتهم، وأشرفوا البلاد بتصاعد زفراتهم ، یعجّون إلی الله من ذنوبهم عجیج الثکلی ، ویضجّون ضجیج شدة البلوی .

ولمّا أحرزوا الأرباح فی متّجر عبادتهم، وفازوا بالنجاح من قبول زیارتهم، وضعت تیجان العرفان علی هامات هممهم، وأفرغت خلع الأعطاف علی أعطاف کرمهم، وأحبروا من جوائز الغفران بما لا عین رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر ، ولا حصر بحد ولا قدر ، وقیل لهم : ارجعوا فقد حمد الله سعیکم وشکر، وغفر لکم ما تقدّم من ذنبکم وما تأخّر.

فأبوا مغفورة ذنوبهم، مستورة عیوبهم ، قد أظلّهم الله بظلّ رحمته ، ونظر إلیهم بعین عنایته ، یباهی بهم ملائکة أرضه وسمائه ، وأرواح أنبیائه وأولیائه ، قد أثبت أسماءهم فی صحف مکرمة مرفوعة مطهّرة ، بأیدی سفرة کرام بررة ، ( ذَلِکَ بأنَّهُم لاَ یُصِیبُهُم ظَمَأ وَلَا نَصَبُ وَلاَ مَخمَصَةُ فِی سَبیِلِ اللهِ وَلاَ یَطَاونَ مَؤطِئاً یَغیظُ الکُفَّارَ وَلاَ یَنَالُونَ مِن عَدّوٍ نَیلاً إلَّا کُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلُ صَالحُ إنَّ اللهَ لَا یُضِیعُ أجرَ المُخسِنِینَ وَلاَ یُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِیرَةً وَلاَ کَبِیرَةً وَلاَ یَقطَعُونَ وَادِیاً إلّا کُتِبَ لَهم لِیَجزیَهُمُ اللهُ أحسَنَ مَا کَانُوا یَعمَلُونَ)(1)

الدعاء للزائرین من المؤمنین اللّهمّ إنّ هذه العصابة الزائرة من أولیائک المؤمنین ، والجماعة الحاضرة

ص: 515


1- سورة التوبة : 121 و 122.

من أصفیائک المخلصین ، قد هجروا أوطانهم هجرة إلیک، وفارقوا بلدانهم اعتماداً علیک ، وأنفقوا أموالهم ثقة بما فی یدیک ، ونادیتهم إلی زیارة سبط نبیّک فأجابوا بلبّیک اللّهمّ لبّیک ، قد نصبوا أنفسهم لاحتمال الأذی من العصابة الناصبة ، ووطنّوا أسماعهم لاستماع الهجر من الطائفة المارقة الکاذبة ، یقاسون فی مسیرهم من أعداء الله ما الموت أیسر من(1)بعضه ، ویتحمّلون الأذی فی ذات الله ممّن خفّ میزانه یوم حسابه و عرضه ، یعیّرهم بنو الزناة بوفادتهم علی ولیّک وابن أولیائک ، ویوبّخهم نجل البغاة بتوجّههم إلی صفیّک وابن أصفیائک ، ویستحلّون أنفسهم وأموالهم، ویغرون بهم سفهاءهم وجهّالهم، قد اعتقدوا أذی المؤمنین من أفضل الطاعات، والوقیعة فی أعراض الصالحین من أکمل القربات، وتکرار غیبتهم فی لهواتهم أحلی من مکرر القند والضرب ، والتجسّس علی عوراتهم أفخر ما یقتنی ویکتسب.

اللّهمّ إن علماءهم وأعلامهم وأمراءهم وحکّامهم ووعّاظهم وخطباءهم قد طغوا فی البلاد، فأکثروا فیها الفساد، فصبّ علیهم من قهرک سوط عذاب ، وکن لهم یا ربّ بالمرصاد.

اللّهمّ العن جبتهم وطاغوتهم، وودّهم وسواعهم ، ولاتهم وعزاهم، وذکرهم وأنثاهم ، ومبدأهم و منتهاهم، وارم بلادهم بالخمیس یتلوه الخمیس ، والعساکر یحقرها العساکر، وسلّط علیهم من لا یرحم صراخهم بتضعهم ، ولا تقبل عشارهم بتوجّههم، فیسومهم الخسف ، ویذیقهم الحتف ، ویفلّ غربهم ، ویذلّ صحبهم ، ویثقل اغلالهم ، ویسلب مالهم ، ویذبح اطفالهم ، ویستبیح نساءهم، ویستعبد أبناءهم ، فإنّهم قد أهانوا أولیاءک، وأغروا أعداءک

ص: 516


1- لفظ «من» أثبتناه لاقتضاء السیاق .

والحدوا فی آیاتک ، وکذبوا بیناتک.

عالمهم منافق ، وواعظهم مارق، وسراجهم غاسق ، وتقیّهم فاسق ، عشاهم من رشاهم، وملبوسهم من تلبیسهم، وحللهم من حلیّهم ، ومزراتهم من مزواریهم(1) وسرابیلهم من أکاریبهم.

ذئاب بل ذباب، وسباع بل کلاب ، یتهافتون علی جمع الحطام

ویتهالکون علی أکل الحرام.

(رَبَّنَا إنَّکَ آتَیتَ فِرعَونَ وَمَلَاَهُ زِینَةً وَأَموَالاً فِی الحَیَاةِ الدُّنیَا رَبَّنَا لِیُضِلُّوا عَن سَبِیِلکَ رَبَنَا اطمِس عَلَی أموَالِهِم وَاشدُد عَلَی قُلُوبِهِم فَلاَ یُؤمِنُوا حَتَّی یَرَوُا العَذَابَ الأَلِیمَ)(2)، (رَبَّ لاَ تَذَر عَلَی الأَرض مِنَ الکَافِرِینَ دَیَّاراً إنَّک إن تَذَرهُم یُضِلُّوا عِبادَکَ وَلَا یَلِدُا إلَّا فَاجِراً کَفَّاراً) (3)

اللّهمّ وأفرغ علی زوّار سبط سیّد الأنبیاء، و قرّة عین سیّدة النساء ، صبراً جمیلاً، وأمنحهم فرجاً قریباً، واخلفهم فیمن خلفوا، واخلف علیهم ما أنفقوا، واجعل البّر والتقوی شعارهم، والسلامة من کلّ الأسواء دثارهم ، واجعل لهم معقّبات من بین أیدیهم ومن خلفهم یحفظونهم من أمرک ، واکبت أعداءهم بشدّة بطشک وقهرک.

اللّهمّ إنّک آتیت لهم بکلّ درهم أنفقوه فی زیارتهم عشرة آلاف مدینة فی جنّتک ، وأعددت لهم ما لا عین رأت ولا أذن سمعت فی جوار رحمتک ، فصلّ علی محمد وآل محمد ، وزدهم من فضلک یا واسع الرحمة، وأتمم علیهم من

ص: 517


1- کذا فی الأصل .
2- سورة یونس : 88.
3- سورة نوح :26 و 27.

جودک هذه النعمة، وأبلغهم مأمنهم، وأوصلهم موطنهم، مغفورة ذنوبهم ، مستورة عیوبهم ، معصومین فی حلّهم وارتحالهم، محفوظین فی عیالهم وأطفالهم.

اللّهمّ ومن أحللت به قضاءک منهم قبل وصول وطنه ، وجرّعته کؤوس المنون قبل ورود عطنه ، فصلّ علی محمد و آل محمد ، وارحم غربته ، وصل وحدته ، و آنس وحشته ، بجوار نبیّک سیّد المرسلین، وأخیه علیّ أمیر المؤمنین ، و آلهما الأئمّة الطاهرین ، برحمتک یا أرحم الراحمین.

اللّهمّ وأنا عبدک المسکین ، الضارع المستکین ، حططت رحلی بفنائک، وألقیت کَلّی علی ولیک وابن أولیائک ، متّخداً حضرته الشریفة موطناً ومنزلاً ، لا أرید منها بدلاً ، ولا ألقی عنها حولاً، حین ذرفت السنّ علی السبعین ، وخلّفت الاخوان والأهلین.

اللّهمّ فکما ختمت عمری بمجاورته، وألتنی للکون فی حضرته ، وجعلت لی عندک قدم صدق بملازمته ، وأثبتّ اسمی فی جرائد الموسومین بخدمته ، والمخلصین فی محبّته ، ازیّن المنابر بذکر مناقبه و مناقب آبائه ، وأسرّ المحاضر بنشر مراتبه و مراتب أبنائه ، فصلّ علی محمد وآل محمد، واجعل حضرته الشریفة موطن حیاتی ومماتی ، وکفّر بملازمتها سیّئاتی، وضاعف بمجاورتها حسناتی، واجعل ثراها موضعاً لقبری بعد وفاتی، وأحینی فیها سعیداً، وأمتنی شهیداً ، لا مغیّراً ولا مبدّلاً ، ولا ضالاً ولا مضلّاً ، بل مستمسکاً بعروتک الوثقی ، سالکاً طریقة نبیّک المصطفی، وأخیه ولیّک المرتضی ، و الهما الأئمّة النجباء ، إنّک علی کلّ شیء قدیر ، وبالإجابة جدیر.

ص: 518

فصل فی فضل زیارته ، والهجرة إلی بقعته ، والاستشفاء بتربته ،

وإجابة الدعاء تحت قبته علیه السلام

وأمّا فضل زیارته علیه السلام، والهجرة إلی بقعته ، والاستشفاء بتربته ، وإجابة الدعاء تحت قبّته ، فلا یحصرها حدّ، ولا یستوفیها عدّ، وقد صنّف الشیخ الجلیل أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولویه(1)القتی رضی الله عنه فی ذلک خاصّة کتاباً سمّاه با «کامل الزیارات»، مشتملاً علی فضل زیارته علیه السلام ، وفضل الصلاة عنده .

وروی رضی الله عنه فی ذلک روایات وأخباراً وکرامات کثیرة ، وکذلک غیره من فقهاء الشیعة وأبرارهم ، کالشیخ الفقیه أبی جعفر الطوسی رضی الله عنه ، والشیخ عماد الدین أبی جعفر محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی رضی الله عنهم أجمعین .(2)

وسأُورد نبذة ممّا رووه رضی الله عنهم وأوردوه فی فضل زیارته، من

ص: 519


1- کذا الصحیح ، وفی الأصل : أبو جعفر محمد بن قولویه
2- فی «ح»: وعن علی علیه السلام : إذا تصدق المرء بنیة المیت أمر الله تعالی جبرئیل علیه السلام أن یحمل إلی قبره سبعین ألف ملک ، بید کل ملک طبق من نور ، فیحملون إلی قبره، ویقولون : السلام علیک یا ولی الله ، هذه هدیة فلان بن فلان إلیک ، فتلألأ قبره وأعطاه الله ألف مدینة فی الجنة . وزوجه ألف حوراء ، وألبسه ألف حلة ، وقضی له ألف حاجة. وقال علیه السلام : إذا قرأ المؤمن آیة الکرسی وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله له بکلّ حرف ملکاً یسبّح له إلی یوم القیامة. [إرشاد القلوب للدیلمی : 175 -176]

الأحادیث الصحیحة، والروایات الصریحة ، التقطتها من کتبهم.

ذلک ما رواه الشیخ أبو جعفر بن بابویه(1)رضی الله عنه: (أبی رحمه الله )(2) قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن محمد بن إسماعیل ، عن الخیبری،(3) عن الحسین بن محمد القمّی، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : من زار قبر الحسین أبی عبدالله علیه السلام بشاطیء الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه (4) (5)

قال شیخنا الشیخ الشهید محمد بن مکّی رضی الله عنه فی دروسه - عند ذکر هذا الحدیث : هو کنایة عن کثرة الثواب والإجلال ، بمثابة من رفعه الله إلی سمائه ، وأدناه من عرشه، وأراه من خاصّة ملکه ما یکون به توکید کرامته .(6)

وروی أیضاً رضی الله عنه فی دروسه أن زیارته فرض علی کلّ مؤمن ،

وأنّ ترکها ترک حقّ لله ولرسوله ، وأنّ ترکها عقوق رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وإنقاص فی الإیمان والدین ، وأنّه حقّ علی الغنیّ زیارته فی السنة مرّتین ، والفقیر فی السنة مرّة ، وأنّه من أتی علیه حول ولم یأت قبره نقص من عمره حول ، وأنّها تطیل العمر، وأنّ أیّام زیارته لا تعدّ من الأجل، و تفرّج الغمّ،

ص: 520


1- کذا الصحیح ، وفی الأصل : قولویه
2- من الثواب .
3- کذا فی الثواب ، وفی الأصل : الحریری.
4- قال المجلسی أی عبد الله هناک ، أو لاقی الأنبیاء والأوصیاء هناک فإن زیارتهم کزیارة الله ، أو یحصل له مرتبة من القرب کمن صعد عرش ملک و زاره.
5- کامل الزیارات : 147ح 2، ثواب الأعمال : 110ح 1 ، عنهما البحار : 101/69 ح3 و 4.
6- الدروس الشرعیة : 10/2 .

وتمحّص الذنوب ، وبکلّ خطوة حجّة مبرورة ، وله بزیارته عتق ألف نسمة، وحمل علی ألف فرس فی سبیل الله ، وله بکلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم ، وأن من أتی قبره عارفا بحقه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

وأنّ زیارته یوم عرفاً مع المعرفة بحقّه بألف ألف حجّة وألف ألف عمرة

متقبلات، وألف غزوة مع نبی أو إمام.

وزیارته أوّل رجب مغفرة للذنب ألبتّة ، ونصف شعبان یصافحه مائة(1)ألف نبیّ وعشرون ألف نبیّ ، ولیلة القدر مغفرة للذنب ، وأنّ الجمع بین زیارته فی سنة واحدة لیلة عرفة والفطر ولیلة النصف من شعبان بثواب ألف حجّة مبرورة ، وألف عمرة متقبّلة ، وقضاء ألف حاجة للدنیا والآخرة.

وزیارته فی العشرین من صفر من علامات المؤمن، وزیارته فی کلّ

شهر ثوابها ثواب مائة ألف شهید من شهداء بدر (2)

وقال رضی الله عنه أیضاً فی دروسه : روی المفضّل بن عمر ، عن الصادق علیه السلام فی الصلاة عنده کلّ رکعة بألف حجّة، وألف عمرة ، وعتق ألف رقبة ، وألف وقفة فی سبیل الله مع نبیّ مرسل. (3)

وعن مولانا موسی بن جعفر الکاظم علیه السلام : أدنی ما یثاب به زائر أبی عبد الله علیه السلام بشطّ الفرات إذا عرف حقه وحرمته وولایته أن یغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. (4)

ص: 521


1- فی الدروس : مائتا.
2- الدروس الشرعیة : 9/2 - 10.
3- الدروس الشرعیة : 11/2 .
4- کامل الزیارات : 138ح3 و ص153ح، ثواب الأعمال: 111حة، عنهما البحار : 24/101ح 19 و 20.

روی الشیخ جعفر بن محمد بن قولویه،(1) بحذف الأسانید قال : سأل

رجل أبا عبدالله علیه السلام : ما لمن زار قبر الحسین علیه السلام؟

فقال : إنّ الحسین علیه السلام (2) وکلّ الله به أربعة آلاف ملک شعثاً غبراً یبکونه إلی یوم القیامة ، رئیسهم ملک یقال له منصور، فلا یزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا یودّعه مودّع إلّا شیّعوه، ولا یمرض إلّا عادوه ، ولا یموت إلّا صلّوا علی جنازته واستغفروا له بعد موته .(3)

وبحذف الاسناد، عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام ، قال : وکلّ الله بقبر الحسین علیه السلام سبعین ألف ملک یصلّون علیه ، ویدعون لمن زاره ، ویقولون : یا ربّنا، هؤلاء زوار الحسین افعل بهم وافعل .(4)

وبالاسناد عن صالح ، عن الحارث بن المغیرة، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : إنّ لله تبارک و تعالی ملائکة موکّلین بقبر الحسین علیه السلام، فإذا همّ الرجل بزیارته أعطاهم الله ذنوبه ، فإذا خطا محوها، ثمّ إذا خطا ضاعفوا له حسناته ، فما تزال حسناته تضاعف حتّی یوجب له الجنّة ، ثمّ اکتنفوه وقدّسوه ، وینادون ملائکة السماوات : قدسوا زوّار حبیب حبیب الله ، فإذا اغتسلوا ناداهم محمد صلّی الله علیه و آله : یا وفد الله ، أبشروا بمرافقتی فی الجنّة ، ثمّ ناداهم ](5) أمیر المؤمنین علیه السلام : أنا ضامن

ص: 522


1- کذا الصحیح ، وفی الأصل : أبو جعفر محمد بن قولویه . ویحتمل أیضا أن یکون: أبو جعفر محمد بن بابویه.
2- فی المصادر : إن عند قبر الحسین علیه السلام.
3- کامل الزیارات : 119 ح 1 و ص 191ح8، ثواب الأعمال : 113 ح 15، البحار : 63/101 ح42.
4- کامل الزیارات : 119ح 2 و 4 ، التهذیب : 47/6ح 104، عنهما البحار: 54/101 ح 12 و 13.
5- من الکامل .

الحوائجکم(1) ودفع البلاء عنکم فی الدنیا والآخرة ، ثمّ اکتنفوهم (2) عن أیمانهم وعن شمائلهم حتّیی ینصرفوا إلی أهالیهم .(3)

وبالاسناد عن الأعمش ، قال : کنت نازلا بالکوفة وکان لی جار کثیراً ما کنت أقعد إلیه ، وکان لیلة جمعة فقلت له : ما تقول فی زیارة الحسین علیه السلام؟

فقال لی : بدعة، وکلّ بدعة ضلالة، وکلّ ضلالة فی النار .

فقمت من بین یدیه وأنا أمتلیء غیظاً وقلت : إذا کان فی السحر أتیته

فحدّثته من فضائل أمیر المؤمنین ما یسخن الله به عینه.

قال : فأتیته وقرعت علیه الباب ، فإذا أنا بصوت من وراء الباب : إنه قد قصد الزیارة فی أول اللیل ، فخرجت مسرعاً، فأتیت الحائر، فإذا أنا بالشیخ ساجد لا یملّ من السجود والرکوع، فقلت له : بالأمس تقول لی بدعة، وکلّ بدعة ضلالة، وکلّ ضلالة فی النار، والیوم تزوره ؟؟

فقال لی : یا سلیمان، لا تلمنی فإنّی ما کنت أثبت لأهل هذا البیت إمامة

حتّی کانت لیلتی هذه فرأیت رؤیا أرعبتنی.

فقلت : ما رأیتَ أیّها الشیخ؟

قال : رأیتَ رجلاً لا بالطویل الشاهق، ولا بالقصیر اللاصق، لا أُحسن أصفه من حسنه وبهائه ، معه أقوام یحفّون به حفیفاً، ویزفّونه زفّاً، بین یدیه

ص: 523


1- فی الکامل : لقضاء حوائجکم.
2- فی الکامل : التقاهم - اکتنفهم خ ل -
3- کامل الزیارات: 132 ج3 ص 152 ح 3، ثواب الأعمال : 117 ح 33 ، عنهما البحار: 64/101و65 ح 50- 52.

فارس علی فرس له ذنوب ، علی رأسه تاج ، للتاج أربعة أرکان ، فی کلّ رکن جوهرة تضیء مسیرة ثلاثة أیّام ، فقلت : من هذا؟

فقالوا : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلّب صلّی الله علیه و آله . فقلت : والآخر؟ فقالوا : وصیه علیّ بن أبی طالب علیه السلام.

ثمّ مددت عینی فإذا أنا بناقة من نور ، علیها هودج من نور ، تطیر بین

السماء والأرض.

فقلت : لمن الناقة؟ قالوا: لخدیجة بنت خویلد وفاطمة بنت محمد علیها السلام. فقلت : والغلام؟ | قالوا: الحسن بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام. قلت : فأین یریدون؟

قالوا: یمضون بأجمعهم إلی زیارة المقتول ظلماً الشهید بکربلاء الحسین بن علیّ ، ثمّ قصدت الهودج فإذا أنا برقاع تساقط من السماء أماناًمن الله عزّ وجلّ لزوارّ الحسین بن علی لیلة الجمعة ، ثم هتف بنا هاتف : ألا إنّنا وشیعتنا فی الدرجة العلیا من الجنّة.

والله یا سلیمان، لا أفارق هذا المکان حتّی تفارق روحی جسدی .(1) وبالاسناد قال : حدثنی محمد بن الحسن ، قال : حدّثنی أحمد بن

ص: 524


1- المزار الکبیر : 461(مخطوط)، عنه البحار : 58/101 ح 26.

إدریس ، عن محمد بن أحمد ،[عن محمد](1) بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل ، [عن الخیبری ، ](2) عن موسی بن القاسم الحضرمی ، قال : ورد أبو عبدالله الصادق علیه السلام فی أوّل ولایة أبی جعفر فنزل النجف ، ثمّ قال : یا موسی، اذهب إلی الطریق الأعظم فقف علی الطریق وانظر فإنه سیجیئک رجل من ناحیة القادسیّة ، فإذا دنا منک فقل : هنا رجل من ولد رسول الله صلّی الله علیه و آله یدعوک ، فإنّه سیجیء معک.

قال : فذهبت حتّی قمت علی الطریق والحرّ شدید ، فلم أزل قائماً حتّی کدت أعصی وأنصرف وأدعه ، إذ نظرت إلی شیء مقبل شبه رجل علی بعیر .

قال : فلم أزل أنظر إلیه حتّی دنا منّی ، فقلت : یا هذا، هنا رجل من ولد

رسول الله صلّی الله علیه و آله یدعوک ، وقد وصفک لی.

فقال : اذهب بنا إلیه.

قال : فجاء حتّی أناخ بعیره ناحیة قریباً من الخیمة ، قال : فدعا به، فدخل الأعرابیّ إلیه ، ودنوت أنا فصرت علی باب الخیمة أسمع الکلام ولا أراهما ، فقال له أبو عبدالله علیه السلام : من أین أقبلت ؟

قال : من أقصی الیمن. قال : أنت من موضع کذا وکذا؟ قال : نعم . قال : فیم جئت إلی هاهنا؟ قال : جئت زائراً للحسین علیه السلام.

ص: 525


1- من الثواب .
2- من الثواب .

فقال أبو عبدالله علیه السلام : فجئت من غیر حاجة لیس إلّا للزیارة؟

قال : نعم ، جئت من غیر حاجة إلّا أن أصلّی عنده وأزوره و أسلّم علیه

وأرجع إلی أهلی.

قال له أبو عبدالله علیه السلام : وما ترون من زیارته؟

قال : إنّا نری فی زیارته البرکة فی أنفسنا وأهالینا وأولادنا وأموالنا

ومعایشنا وقضاء حوائجنا.

قال : فقال له أبو عبدالله علیه السلام : أفلا أزیدک من فضله [فضلاً] (1)، یا

أخا الیمن؟

قال : زدنی ، یا ابن رسول الله .

قال : إنّ زیارة أبی عبدالله علیه السلام تعدل حجّة مبرورة مقبولة زاکیة مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فتعجّب الرجل من ذلک ، فقال : إی والله وحجتین مبرور تین مقبولتین زاکیتین مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ، فتعجب ، فلم یزل أبو عبدالله علیه السلام یزیده حتّی قال : ثلاثین حجّة مبرورة متقبلة زاکیة مع رسول الله صلّی الله علیه و آله .(2)

وبالاسناد قال :[أبی رحمه الله ، قال :](3) حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل، عن صالح بن عقبة ، عن یزید بن عبدالملک ، قال : کنت مع أبی عبدالله علیه السلام فمرّ بنا قوم علی حمیر ،

ص: 526


1- من الثواب
2- کامل الزیارات : 162ح7، ثواب الأعمال : 118 ح40، عنهما البحار : 37/101 ح 52 و 53.
3- من الثواب

فقال : أین یریدون هؤلاء؟

فقلت: قبور الشهداء . قال : فما یمنعهم من زیارة قبر الغریب؟ فقال له رجل من أهل العراق : زیارته واجبة؟

قال : نعم ، زیارته واجبة ، ثمّ قال : زیارته خیر من حجّة وعمرة ، وعمرة

وحجة، حتّی عدَّعشرین حجّة وعمرة ، ثمّ قال : مبرورات متقبّلات.

قال : فوالله ما قمت حتّی أتاه رجل فقال : إنّی قد حججت تسع عشرة

حجّة فادع الله أن یرزقنی تمام العشرین.

قال : فهل زرت قبر الحسین علیه السلام؟ قال : لا.

قال : لزیارته خیر من عشرین حجّة(1)

وبالاسناد عن سعد بن عبدالله ، عن یعقوب بن یزید، عن محمد بن أبی عمیر ، عن معاویة بن وهب ، قال : دخلت علی أبی عبدالله علیه السلام وهو فی مصلاه ، فجلست حتی قضی صلاته فسمعته وهو یناجی ربه فیقول : یا من خصّنا بالکرامة، ووعدنا الشفاعة ، وحملنا الرسالة ، وجعلنا ورثة الأنبیاء، وختم بنا الأمم السالفة ، وخصّنا بالوصیّة ، وأعطانا علم ما مضی ومابقی، وجعل أفئدة من الناس تهوی إلینا، اغفر لی ولاخوانی وزوّار قبر أبی عبدالله علیه السلام الّذین أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبةً فی برّنا، ورجاءّ لما

ص: 527


1- کامل الزیارات : 160 ح 15 وص163ح8، ثواب الأعمال : 119 ح 41. عنهما البحار : 40/101ح 62- 64.

عندک فی صلتنا، وسرورا أدخلوه علی نبیک محمد صلّی الله علیه و آله ، وإجابة منهم لأمرنا، وغیظاً أدخلوه علی عدوّنا ، أرادوا بذلک رضوانک ، فکافهم عنّا بالرضوان ، واکلأهم باللیل والنهار ، واخلف علی أهالیهم وأولادهم الذین خلفوا بأحسن الخلف ، وأصحبهم و اکفهم شرّ کلّ جبّار عنید ، وکلّ ضعیف من خلقک وشدید ، وشرّ شیاطین الجنّ والإنس، وأعطهم أفضل ما أملوا منک من(1) غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا علی أبنائهم وأهالیهم وقراباتهم.

اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا علیهم خروجهم فلم ینههم ذلک عن النهوض

والشخوص إلینا خلافاً منهم علی من خالفنا.

اللّهمّ فارحم تلک الوجوه التی غیرّتها الشمس ، وارحم تلک الخدود الّتی تقلّبت علی قبر أبی عبدالله علیه السلام، وارحم تلک الأعین الّتی جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلک القلوب الّتی جزعت واحترقت لنا، وارحم تلک الصرخة التی کانت لنا.

اللّهمّ إنّی أستودعک تلک الأنفس وتلک الأبدان حتّی ترویهم من

الحوض یوم العطش.

قال : فما زال صلوات الله علیه یدعو بهذا الدعاء وهو ساجد ، فلمّا انصرف قلت: جعلت فداک لو أنّ الدعاء الّذی سمعته منک کان لمن لا یعرف الله الظننت أنّ النار لا تطعم منه شیئاً أبداً ، والله لقد تمنیّت أنّی کنت زرته ولم أحجّ، فقال : ما أقربک من ذلک؟! فما الّذی یمنعک من زیارته یا معاویة ؟ ولِمَ

ص: 528


1- فی الثواب : فی .

تدع ذلک؟

قلت : جعلت فداک ، لم أدر أنّ الأمر یبلغ هذا کله.

فقال : یا معاویة ، من یدعو لزواره فی السماء أکثر ممّن یدعو لهم فی الأرض، لا تدعه لخوف من أحد ، فمن ترکه لخوف رأی من الحسرة ما یتمنّی أن قبره کان عنده(1) ، أمّا تحبّ أن تری(2) شخصک و سوادک ممّن یدعو له رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ أما تحبّ أن تکون غداً فیمن رؤی(3) ولیس علیه ذنب فیتبع به؟ أما تحبّ أن تکون غداً فیمن تصافحه الملائکة؟ أما تحبّ أن تکون غداً فیمن یصافح رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟(4)

و بالاسناد عن الحسن بن محبوب ، عن داود الرقّی ، قال : سمعنا(5) أبا عبدالله علیه السلام یقول : ما خلق الله خلقاً أکثر من الملائکة، وإنّه لینزل من السماء فی کل مساء سبعون ألف ملک یطوفون بالبیت لیلتهم حتی إذا طلع الفجر انصرفوا إلی قبر النبیّ صلّی الله علیه و آله فسلموا علیه ، ثمّ یأتون قبر أمیر المؤمنین علیه السلام فیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون قبر الحسین علیه السلام فیسلّمون علیه ، ثم یعرجون(6) إلی السماء قبل أنّ تطلع الشمس ، ثم تنزل

ص: 529


1- فی الثواب : بیده . والمراد : أی یتمنی أنّ یکون قتل لزیارته علیه السلام و قبر عنده .
2- فی الثواب : أن یری الله .
3- فی الثواب: یأتی
4- ثواب الأعمال : 120 ح 44. ورواه فی کامل الزیارات :116ح 1 و 2 و ص 117ح 2 ص 126ح3، عنه البحار : 8/101-10ح30 - 37.
5- فی الثواب : سمعت .
6- کذا فی الثواب ، وفی الأصل : یرجعون .

ملائکة النهار سبعون ألف ملک فیطوفون بالبیت الحرام نهارهم حتّی إذا غابت الشمس(1) انصرفوا إلی قبر رسول الله صلّی الله علیه و آله فیسلّمون علیه ، ثمّ یأتون قبر أمیر المؤمنین علیه السلام فیسلّمون [علیه] ،(2) ثمّ یأتون قبر الحسین علیه السلام فیسلمون علیه ، ثمّ یعرجون إلی السماء قبل أن تغیب الشمس(3)

وبالاسناد: [ أبی رحمه الله ]،(4) قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن محمد ابن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل ، عن حنّان بن سدیر ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام : زوروه - یعنی [قبر] (5)الحسین علیه السلام - ولا تجفوه ، فإنّه سیّد[ الشهداء وسیّد] (6) شباب أهل الجنّة . (7)

ص: 530


1- فی الثواب : حتی إذا دنت الشمس للغروب .
2- من الثواب.
3- کامل الزیارات : 114 ح 2، ثواب الأعمال : 121ح 46. ورواه الطوسی فی أمالیه :214/1 ح 22، عنه البحار : 176/59 ح8، وج 57/100 ح 1، ومدیهالمعاجز : 201/4 ح274. وأخرجه فی البحار : 117/100ح8 عن الثواب
4- من الثواب.
5- من الثواب.
6- من الثواب.
7- کامل الزیارات : 109ح 1 ، ثواب الأعمال : 122 ح 48. وأخرجه فی البحار : 1/101ح 2 عن الکامل ، وفی ص 74 ح 23عن الثواب.

فصل فی ذکر فضل کربلاء

بالاسناد عن محمد بن جعفر القرشی الرزّار ، عن محمد بن الحسین ابن أبی الخطّاب(1)[عن أبی سعید ، عن بعض رجاله ، عن أبی الجارود] (2)، قال. قال علی بن الحسین علیه السلام : اتّخذ الله کربلاء(3) حرماً آمنا مبارکاً قبل أن یخلق أرض الکعبة ویتّخذها حرماً بأربعة وعشرین ألف عام، وانه إذا زلزل الله تبارک وتعالی الأرض وسیّرها رفعت کما هی تربتها صافیة (4) فجعلت فی أفضل(5) مسکن فی الجنة لا یسکنها إلّا النبیّون والمرسلون - أو قال : وأولوا العزم من الرسل - وانّها لتزهر (6)بین ریاض الجنّة کما یزهر الکوکب الدرّیّ بین الکواکب لأهل الأرض یغشی نورها أصحاب الجنّة (7)، وهی تنادی : أنا أرض الله المقدّسة الطیّبة المبارکة الّتی تضمّنت سیّد الشهداء وسیّد شباب أهل

ص: 531


1- ذا الصحیح ، و فی الأصل : بالاسناد المتقدم عن أبی القاسم جعفر القرشی ، وهو تصحیف
2- من الکامل.
3- فی الکامل : أرض کربلاء
4- فی الکامل : نورانیة صافیة
5- فی الکامل : أفضل روضة من ریاض الجنة ، وأفضل مسکن ......
6- کذا فی الکامل ، وفی الأصل : لتزهو ، وکذا فی الموضع الآتی .
7- فی الکامل : یغشی نورها أبصار أهل الجنّة جمیعاً.

الجنّة .(1)

وبالاسناد قال : حدّثنا محمد بن جعفر الرزّاز ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول : إن لموضع قبر الحسین علیه السلام حرمة معروفة ، من عرفها واستجار بها أُجیر.

قلت : قصف [لی](2) موضعها، جعلت فداک .

فقال : امسح من موضع قبره الیوم خمساً وعشرین ذراعاً من ناحیة رجلیه ،

[ وخمساً وعشرین ذراعاً ممّا یلی وجهه ، ](3) وخمساً وعشرین ذراعاً من خلفه ، وخمساً وعشرین ذراعاً من ناحیة رأسه ، وموضع قبره منذ [یوم] (4) دفن روضة من ریاض الجنّة ، ومنه معراج یعرج فیه بأعمال زواره إلی السماء ، فلیس ملک (ولا نبی(5)فی السماوات ولا فی الأرض إلّا وهم یسألون الله عزّ وجلّ [أن یأذن لهم](6) فی زیارة قبر الحسین علیه السلام، ففوج ینزل وفوج یعرج .(7)

وقال الصادق علیه السلام: حریم قبر الحسین علیه السلام خمس

فراسخ من أربعة جوانب القبر .(8)

ص: 532


1- کامل الزیارات : 268ح 5، کتاب عبّاد العصفری : 17 (ضمن کتاب الأصول الستّة عشر)، عنهما البحار :108/101ح10-12.
2- من الکامل
3- من الکامل
4- من الکامل
5- من الکامل
6- من الکامل
7- کامل الزیارات : 272 ح ، عنه البحار: 110/101 ح 19 - 22 وعن مصباح المتهجد: 731،ومصباح الکفعمی : 508، والکافی :588/4 ح 6، وثواب الأعمال: 120ح 42.
8- کامل الزیارات : 272ح3. وأخرجه فی البحار : 111/101 ح 25 - 28 عن ثواب الأعمال : 120ح 43، ومصباح المتهجّد:731، والکامل .

وروی الحسن بن محبوب ، عن الحسین بن بنت أبی حمزة الثمالی قال (1): خرجت من الکوفة قاصداً زیارة الحسین علیه السلام فی آخر زمان بنی مروان وقد أقاموا مشایخ من أهل الشام علی الطرقات یقتلون من ظفروا به من زوّاره ، فأتیت إلی القریة الّتی عند حائره علیه السلام فأخفیت نفسی إلی اللیل ، ثمّ أتیت إلی الحائر الشریف ، فخرج منه علیَّ رجل فقال : یا هذا ، ارجع من حیث أتیت ، عافاک الله ، فإنک لا تقدر علی الزیارة فی هذه الساعة ، فرجعت إلی مکانی ، فلما ذهب من اللیل شطره أقبلت لزیارته علیه السلام، فخرج علیَّ ذلک الرجل وقال : یا هذا، ألم أقل لک إنّک لا تقدر علی زیارة الحسین هذه اللیلة ؟

فقلت : وما یمنعنی من ذلک وأنا قد أقبلت من الکوفة علی خوفٍ من

أهل الشام أنّ یقتلونی.

فقال : یا هذا، اعلم أنّ إبراهیم خلیل الله و موسی کلیم الله و محمد حبیب الله علیهم السلام استأذنوا الله فی هذه اللیلة أن یزوروا قبر الحسین علیه السلام فأذن لهم، فهم عنده من أوّل اللیل فی جمع من الملائکة لا یحصی عددهم یسبحون الله ویقدّسونه إلی الصباح.

فقلت له : وأنت من تکون، عافاک الله ؟

قال : أنا من الملائکة الموکّلین بقبره صلوات الله علیه ، فکاد یطیر عقلی ممّا دخلنی من الرعب ، ورجعت إلی مکانی متفکّراً فی ذلک حتّی انفجر عمود الصبح فأتیت فلم أر أحداً، فصلّیت وزرت وانصرفت علی خوف من أهل

ص: 533


1- کذا فی الکامل ، و فی الأصل : وروی الحسین بن بنت الحسن بن محبوب قال ، وهو تصحیف .

الشام .(1)

وبالاسناد المتقدّم عن الحسین بن عبید الله ، عن الحسن بن علیّ [بن أبی عثمان ، عن عبد الجبّار النهاوندی ، عن أبی سعید ، عن الحسین](2)بن ثویر بن أبی فاختة ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام : یا حسین، من خرج من منزله یرید زیارة الحسین علیه السلام إن کان ماشیاً کتبت له بکلّ خطوة حسنة . وحط بها عنه سیّئة ، حتّی إذا صار فی الحائر کتبه الله من المفلحین المنجحین حتّی إذا قضی مناسکه کتبه الله من الفائزین، حتّی إذا أراد الانصراف ناداه (3) ملک فقال : إن رسول الله صلّی الله علیه و آله [ یقرئک السلام و] (4) یقول لک : استأنف العمل فقد غفر الله لک ما مضی.(5)

وبالاسناد عن الحسن بن علی الکوفی ، عن علیّ بن حسّان الهاشمی ، عن عبد الرحمان بن کثیر مولی أبی جعفر علیه السلام ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام : لو أنّ أحدکم حج دهره ثمّ لم یزر الحسین علیه السلام لکان تارکاً حقّاً من حقوق رسول الله صلّی الله علیه و آله [لأنّ حقّ الحسین علیه السلام فریضة من الله واجبة علی کلّ مسلم] (6)- (7)

و بالاسناد عن محمد بن إسماعیل ، عن صالح بن عقبة ، عن بشیر الدهان ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال : إن الرجل لیخرج إلی قبر الحسین

ص: 534


1- کامل الزیارات : 111ح 2 باختلاف ، عنه البحار : 59/101 ح 29.
2- من الکامل والثواب .
3- فی الکامل والثواب : أتاه .
4- من الکامل والثواب .
5- کامل الزیارات : 132 ح 1، ثواب الأعمال : 116ح 31، تهذیب الأحکام : 43/6 ح 89.
6- من الکامل .
7- کامل الزیارات : 122 ح 4، تهذیب الأحکام : 42/6 ح 87، عنهما البحار : 3/101- 10و11.

علیه السلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثمّ لم یزل یقدّس [بکلّ خطوة ](1) حتّی یأتیه ، فإذا أتاه ناجاه الله فقال : عبدی سلنی أعطک ،

أدعنی أجیبک ، اطلب منّی أُعطک، سلنی حاجة أُقضیها لک.

قال أبو عبد الله علیه السلام : وحقّ علی الله أن یعطی ما بذل .(2)

وبالاسناد عن سیف بن عمیرة و منصور بن حازم قالا : سمعناه صلوات الله علیه یقول : من أتی علیه حول ولم یزر قبر الحسین علیه السلام نقص من عمره حول ، ولو قلت : إنّ أحدکم لیموت قبل أجله بثلاثین سنة لکنت صادقاً، وذلک لأنکم تترکون زیارته علیه السلام، فلا تترکوها یمد الله فی أعمارکم وأرزاقکم، فتنافسوا فی زیارته ولا تدعوا ذلک، فإنّ الحسین بن علیّ شاهد لکم عند الله وعند رسوله وعند أمیر المؤمنین وفاطمة علیهم السلام.(3)

وبالاسناد عن سلمة بن الخطّاب ، عن إبراهیم بن محمد ، عن علیّ بن المعلی ، عن إسحاق بن زیاد(4)، قال : أتی رجل أبا عبد الله علیه السلام فقال : إنی قد ضربت علی کلّ شیء لی ذهباً وفضّة ، وبعت ضیاعی ، فقلت أنزل مکّة .

فقال : لا تفعل ، فإنّ أهل مکّة یکفرون بالله جهرة.

ص: 535


1- من الکامل والثواب
2- کامل الزیارات: 132 ج 2 ص 12ح 2، ثواب الأعمال : 117ح 32، عنهما البحار : 101/24ح 21 - 23
3- کامل الزیارات : 151ح 2، عنه البحار:47/101 ح 11.ورواه فی تهذیب الأحکام: 43/6ح 91، وفیه : سیف بن عمیرة ، عن منصور بن حاز
4- کذا فی الکامل ، وفیه : یزداد - خ ل - ، وفی الأصل والتهذیب : داود ، وفی التهذیب : إبراهیم بن محمد بن علی بن المعلّی .

من کرامات الامام الحسین علیه السلام

قال (1): ففی حرم رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ قال : هم شرّ منهم. قال (2): فأین أنزل؟

قال : علیک بالعراق الکوفة ، فإنّ البرکة منها علی اثنی عشر میلاً هکذا

وهکذا(3) وإلی جانبها قبر ما أتاه مکروب قطّ ولا ملهوف إلّا فرّج الله عنه . (4)

وبالاسناد عن هشام بن الحکم، عن الفضیل بن یسار، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام: إلی جانبکم لقبرأ ما أتاه مکروب إلا نفس الله کربته ، وقضی حاجته (5) - یعنی قبر الحسین علیه السلام -.(6)

ولو أردنا الاستقصاء فی فضل زیارته لضاق الوقت وعزت الطوامیر .

وأمّا کرامته صلوات الله علیه وما یظهر علی تعاقب الزمان من العجائب والغرائب لدی ضریحه الشریف إلی یوم الناس هذا ماهو مشهور بتجدّد الأعوام والأیّام، ویظهر للخاصّ والعامّ، من إجابة الدعاء، وشفاء المرضی والزمنی قد بلغ حدّ التواتر وطار فی الآفاق ذکره، وشاع علی الاطلاق أمره.

ص: 536


1- کذا فی الکامل ، وفی الأصل : فقلت .
2- کذا فی الکامل ، وفی الأصل : قلت .
3- قال المجلسی رحمه الله : یحتمل أن یکون علیه السلام أشار إلی جانبی الغری وکربلاء لا إلی جمیع الجوانب ، ویحتمل أن یکون أشار إلی جمیع الجوانب ، وإنما ذکر الراوی مرتین أختصار .
4- کامل الزیارات : 169 ح 9، عنه البحار : 377/99ح 9، وج 404/100 ح 60. ورواه فی تهذیب الأحکام: 44/6ح 92.
5- قال المجلسی رحمه الله : یحتمل أنّ یکون المراد به قبر أمیر المؤمنین علیه السلام. وعبارة «یعنی قبر الحسین علیه السلام» لیست فی الکامل والبحار .
6- کامل الزیارات: 167ح 1، عنه البحار : 45/101 ح 1.

وسأذکر من ذلک نازلةً نزلت بی وعظم لواقعتها خطبی ، و تزلزل لقارعتها

قلبی ، وذلک أنّ الله سبحانه کان قد منّ علیَّ فی سنة تسعمائة من الهجرة بکتاب

تذکرة الفقهاء» فی فقه الخاصّة ، من مصنّفات الشیخ الکامل العالم العامل أبی منصور الحسن جمال الدین بن یوسف بن المطّهر الحلّیّ أفاض الله علی ضریحه شآبیب رحمته ، وحشره فی زمرة نبیّه وعترته ، وکنت کلفاً به ، ملازماً له، مثابرة علی حصر فوائده، أستأنس به فی خلوتی ، وأستکشف بمطالعته غمتی، إلی أن تقلّبت الأمور ، و تغیّرت الدهور، واستبدل الله بقومٍ قوماً ، وبرجالٍ رجالاً، وقضی الله لی وأحسن القضاء بجوار سیّد الشهداء ، إمام التقلین ، وسبط سیّد الکونین ، أبی عبدالله الحسین، وملازمة حضرته الشریفة لیلاً ونهاراً، إلی أن دخلت سنة ثمانی عشرة وتسعمائة حضر فی المشهد الشریف رجل من بلدة شیراز یدعی بالسیّد شریف ، وکان له قرب من السلطان، ثمّ نقم علیه وعزله.

وکان المذکور یظهر التشیّع ویدّعی الاحاطة بأکثر العلوم، وفی الباطن زندیقاً یتدّین بمذهب الحکیم، وإنّما أظهر التشیّع تقرّباً إلی السلطان ریاء وسمعة ، فلمّا حضر فی المشهد الشریف وکان قد أنهی إلیه أمر الکتاب فطلب من الفقیر شراءه منه وبذل له عنه ثمناً، فأبی الفقیر علیه ، فأغلظ للفقیر فی الکلام لأنّه کان من السفاهة والوقاحة والکبر والغلظة علی جانب عظیم ، فأجابه الفقیر بأعظم من جوابه وأعان الله علیه .

فمضی المذکور ثانیاً إلی باب السلطان ، فوثب صدر الدولة وفوّض إلیه أمر الحضرات والأوقاف والأمور الشرعیّة فی سائر البلاد ، فأظهر من الظلم والعسف والعدوان ما لا مزید علیه ، وولّی علی الحضرات الشریفة فی بلاد

ص: 537

العراق نائباً من قبله مشابهاً له فی الکبر والغلظة والظلم، وفوّض إلیه أمر بلدة الحلّة وغیرها من البلاد المتعلّقة بالحضرات الشریفة - حضرات الأئمّة علیهم السلام -، وأمره أن لا یجعل له بعد وصوله دأباً ولا همّة إلا أخذ الکتاب قهراً ، وکتب علی یده رسالة تتضمّن التهدید والاغلاض فی الکلام.

فحین وصل إلی المشهد الشریف أوصل الرسالة إلی العبد وأمره بإحضار الکتاب بسرعة من غیر تعلّل، فرأی الفقیر انّ الامتناع لا یجدی نفعا، فسلم الکتاب جمیعه وعدّته سبع مجلّدات إلی النائب المذکور، وفوّض الأمر إلی الله سبحانه ، ورأی أن لیس لکربته و غمّته وظلامته کاشفاً إلا الله والتوسّل إلیه بولیّه أبی عبدالله الحسین علیه السلام وآبائه الطاهرین وذرّیّته الأکرمین.

وألقی الله علی لسان الفقیر کلمات - نثراً و شعراً - سمّاها با «استغاثة المظلوم اللهیف علی الظلوم المسمّی بشریف» فکتبها الفقیر وحفظها ، ثمّ صلّی صلاة الحاجة عند رأس الضریح المقدّس، ثمّ دعا بالاستغاثة المذکورة بعد أن تلا ما تیسر من کتاب الله، ووضع الاستغاثة المذکورة علی الضریح و توسّل إلی الله بأبی عبدالله الحسین - بعد تلاوتها - وبأبیه وجدّه وأخیه وبالأئمّة التسعة من بنیه .

فرأی تلک اللیلة فی المنام إبراهیم بن سلیمان الخطّی القطیفی (1) المجاور بمشهد سیّدنا ومولانا أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه کأنّ الفقیر قد حظر تحت القبة الشریفة ووضع أوراقه علی الضریح المقدّس، وألح فی المسألة والتضرّع إلی الله وإلی أبی عبدالله علیه السلام، فبینا هو یتوسّل إذا

ص: 538


1- هو الشیخ أبی إسماعیل إبراهیم بن سلیمان، المتوفی بالغری، المعاصر للمحقق الکرکی ، صاحب کتاب «الفرقة الناجیة» . انظر فی ترجمته : أمل الآمل: 8/2، ریاض العلماء: 15/1.

بیبر قد خرجت من الضریح الشریف مشیرة إلی الفقیر بثلاث أصابع ، وإذا بقائل یقول : لا تجزع قد بقی من عمر ظالمک ثلاثة.

فأخبر الشیخ المذکور حفدته صبیحة ذلک الیوم بذلک.

فبعد مدّة اجتمعتُ بالمذکور، فسألته عن ذلک ، فأخبرنی بصحّته ، فقلت : یمکن أن الثلاثة ثلاثة أعوام، أو ثلاثة أشهر، وفوضت الأمر إلی الله ، واستشعرت لباس الصبر ، و تأشیت بالنبیّ ووصیّه وأهل بیتهما.

فما مضت مدّة یسیرة إلّا أقبلت عساکر الروم کالجراد المنتشر، فکان المذکور زعیم الرایة العظمی، فحین التقی الجمعان وولی المذکور دبره لا متحرّفاً لقتال ولا متحیّزاً إلی فئة ، بل فراراً وجبناً، واقتدی بالتیمی وابن صهّاک فی الهزیمة یوم خیبر ، فلم یغن عنه الفرار من الله شیئاً، وأتاه الموت من کلّ مکان ، فصار قتیلاً بدار غربة ، طریحاً فی منزل وحشة ، مخضّباً بدم الورید قوتاً الکلّ خامعة وسید(1)، وکان بین الدعاء وقتله ثلاثة أشهر لا ینقص ولا یزید.

وکان النائب المذکور قد تأخّر فی إرسال الکتاب إلیه رجاء أن یمضی هو بنفسه مستصحباً للکتاب لینال الزلفی عنده بذلک ، وکان مقیماً ببلدة بغداد منتظراًللأخبار، فأتاه خبر سیّده فصار بعد العزّ ذلیلاً ، وبعد الامارة مأموراً ، فمضی ولدی طاهر إلی الغاصب المذکور وأخذ الکتاب منه قهراً، وأتی به.

فالحمد لله الّذی جبر کسری ، واستجاب دعائی ، ولم یشمت بی أعدائی ، وإنّما أوردت هذه الاستغاثة فی کتابی هذا تیمّناً وتبرّکاً بها، وإظهار الفضیلة للإمام الشهید أبی عبدالله الحسین، مضافة إلی مناقبه السالفة فی حیاته

والید : الذنب .

ص: 539


1- الخامعة ، جمعها خوامع : وهی الضبع لأنها تخمع أی تضلع فی مشیها .

استعاذة

وبعد موته صلوات الله وسلامه علیه وعلی آبائه الطاهرین، وأبنائه المعصومین، صلاة زاکیة نامیة إلی یوم الدین.

[الاستعاذة]

وهذه الاستغاثة التی تولت واستعنت إلی الله بها .

اللّهمّ یا من عرشه مجید ، وبطشه شدید ، و أخذه مبید ، وعدله مدید ، ویا قاصم کل جبّار عنید، وهاضم کلّ ختّار مرید، ویا ناصراً من استنصر بعزیز سلطانه ، ویا قاهراً من تجبر ..(1)وعدوانه ، ویا جابر قلوبا کسرتها عوامل المسرفین من أعدائه ، و یا رافعاً نفوساً خفضتها مواضع المتجبّرین علی أولیائه ، ویا من فتح باب الدعاء لمن وجّه مطایا حوائجه إلیه ، ویا من تکفّل بإجابة من توکّل فی کشف حوائجه علیه ، أو یضام أولیاؤک ولک الخلق والأمر؟ أم یهظم أصفیاؤک وبیدک الحکم والقهر؟ أم تتجرّی کفرة کتابک علی المنقطعین إلیک؟ أم تتجڑی فجرة عبادک أذی من ألقی کّلّه علیک؟

حاشا مجدک الّذی لا یضام، وجدّک الذی لا یرام، وبطشک الذی لا یطاق، وملکک الّذی لا یُحاق ، أن تغلق أبواب فضلک عمّن أمّ ذراک ، أو تقطع أسباب عدلک ممّن لم یجد له سواک ، أو أن تفکّک أنامل رجاء من استمسک بمتین حبلک ، أو أن تخیب دعاء من التزم بوثیق عدلک ، وأن تجبه بالودّ من بذل ماء وجهه لمسألتک ، وأن تقنط بالمنع من وصف ظلامته لعالی حضرتک .

سبحانک خلقتَ طاغوتة من عبادک (2)، ومددّت له مدّاً، وآتیته من کلّ

ص: 540


1- حذف من الأصل مقدار کلمة واحدة نتیجة ترمیم للنسخة ، و تقدیرها : یبطشه ، أو ببغیه ، أو ...
2- وردّت فی «ح» هذه الأبیات :قام الخلیفة من بنی العباس ضاهی بهتک حریم آل محمد والله مافعلت أمیّة فیهم ما قتلهم عندی بأعظم مأثمة وهذه الأفراد لهبة الله الشاعر. بخلاف أمر إلهه فی الناس سفهأفعال أمیّة الأرجاس معشار ما فعلوه بنو العباس من حرقهم من بعد فی الأرماس

شیء ، وعددت له عدّاً، لم تؤته ما أتیته لیکفر نعماک ، ولم تعطه ما أعطیته لیغبط آلاءک ، بل لیقیم شعائر شریعة دینک القویم ، ویحیی معالم سنّة رسولک الکریم وأن یحفظ نبیک فی ذرّیتّه ، ویخفض جناحه لأمتّه.

فغرّته الحیاة الدنیا بزینتها ، وفتنته الدار الفانیة بزهرتها، فنسی میثاقک المأخوذ علیه ، ونبذ کتابک المنزل إلیه ، و تقوّی برزقک علی ظلم عبادک ، واستعان ببرّک علی الافساد فی بلادک ، واتّخذ أموالک دولاً ، وعبادک خولاً، وأباح الأموال المحرّمة ، وأراق الدماء المحترمة ، ولم یترک لنبیّک رحماً إلا قطعها ، ولا وصیّة إلا ضیّعها ، ولا مؤمناً إلا آذاه ، ولا مجرماً إلا آواه.

یتنمس بالاسلام والالحاد دینه ، ویندلس بالایمان والنفاق قرینه ، ...(1)الأسفار بین یدیه ریاءً وسمعة، قد أعمی الله بصره ..(2)، یزعم أنّه علّامة زمانه بالکتاب والسنّة، وهو عند التحقیق أضلّ من الحقّة والمسنّة ، إذ لو عضَّ علی العلم بضرس قاطع ، واستضاء من الحقّ بشهاب ساطع ، لم یتّخذ ظلم المؤمنین شعاراً ، ولا أذی المتقین دثاراً ، ولا الکبر جلباباً ، ولا العجب نقاباً، ولا الفجرة أصحابة ، ولا الغدرة أبواباً ، بل کانت الدنیا فی عینه أهون من قمامة، وأحقر من قلامة.

1

ص: 541


1- فی الأصل بیاض ، وتقدیره : یجعل .
2- فی الأصل بیاض، وتقدیره: وأصم سمعه .

لکن نفخ الشیطان فی أنفه فصعر خده ، ونفث علی لسانه من قبل أن یبلغ أشده، وتلاعبت به دنیاه کتلاعب الولید بکرته ، والسنور بفویسقته ، لفرط جهله لا یخشی إله السماء ، ( إنَّمَا یَخشَی اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) (1)

فهو علویّ لکن جدّه غیر هاشمیّ، وفاطمیّ لکن أمّه لیست سیّدة الفواطم ، سفیه حلمه ، قلیل علمه ، شدید مکره ، عتید غدره ، کثیر طیشه ، خبیث عیشه ، قلبه بین فکّیه ، وعجبه رداء عطفیه ، یزهو ببزّته ، ویتهادی فی مشیته ، ویصول علی آل الرسول بظلمه، ویجور علیهم بحکمه ، فهم منه بین خائف یترقّب ، وعازم بعد الهجرة أن یتعرّب، خوفاً من فتنته، وفرقاً من بادرته ، إذ هو إلی الشرّ أسرع من النجم الثاقب ، أو السهم الصائب ، ینسلخ من آیات الله کانسلاخ الحیّة من قشرها، ویخرج عن دین الله کخروج الفویسقة من حجرها، فهو بلعم زمانه ، وطاغوت أوانه ، قد اتبعه الشیطان فکان من الغاوین، و(فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الکَلبِ إن تَحمِل عَلَیهِ یَلهَث أو تَترُکهُ یَلهَث ذِلکَ مَثَلُ القَومِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعلَّهُم یَتَفَکَّرُونَ)(2)

اللّهمّ إنه قد جعلنا هدفاً لانتقامه ، ونصبنا غرضاً لسهامه ، واستحلّ ما حرمتَ من أموالنا ، واستباح ما حظرت من أعراضنا ، فنحن علی وجل من بطشه ، وخوفٍ من طیشه ، إذا هون سعیه فی البغی الوجیف ، وأطیب لفظه أنتن من الکنیف.

اللّهمّ فکما آتیته زینة وأمواله فی الحیاة الدنیا لیضلّ عن سبیلک ، ومهدّت

ص: 542


1- سورة فاطر : 28.
2- سورة الأعراف: 176.

اله تمهیداً فصدف عن طریق رسولک ، وفتحت علیه أبواب کلّ شیء بما أوتی ، و تقوِّی علی ضعفنا ثقة بما أُعطی ، فجعله الشیطان عبداً له من دونک ، وزیّن له سوء عمله فعدل عن دینک ، وأرخی له عنان فجوره فجری فی میدان کفره ، وحمله علی مطایا غروره فتاه فی بیداء کبره ، فهو عجز البغیّ وصدره ، وید الغی ونحره، فصلّ علی محمد و آل محمد ، واقطع دابره، واقمع سائره ، واخسف بدره، واخفض قدره ، واهدم بنیانه ، وهدّ أرکانه ، واجعله عبرة لمن اعتبر ، و تذکرة لمن یتذکرّ.

اللّهمّ إنا قد ألجأتنا ظلم ظلمهُ إلی الاستضاءة بعدلک ، وساقنا سوط بغیه إلی الاعتصام بحبلک ، وأجاءنا طوفان عدوانه إلی هضبة إنصافک ، وفررنا من صولة سطوته إلی عزّة أکنافک ، فلا تغلق دوننا أبواب رجائک ، ولا تمدّ منّا

الأیدی إلی سواک.

اللّهمّ إنّا قد استظللنا من هواجر ظلمه بأروقة منعک ، واعتصمنا من عواصف هضمه بمعاقد دفعک ، فصلّ علی محمد و آل محمد ، وأرکل ریاحه، وأطف مصباحه ، واشغله بنفسه، وغیّبه فی رمسه ، واجعل دائرة السوء علیه دائرة، وکواکب التحوس فی أفق مطالعه سائرة ، وشمس دولته بأیدی الطوارق مکورة ، وقضّیة وجوده بأداة المهالک مسورة، والعکوس إلی قضایا حکمه موّجهة ، والنحوس بذکر معایبه مفوّهة ، وخبث عقیدته لقبح سریرته بین الناس مشهورة ، وصحائف ذنوبه برذائل عیوبه علی مرّ الزمان منشورة ، حتّی تکون لعنة اللاعنین کالقلادة فی جیده ، وذم الذامیّن کالعلاوة من فوق حبل وریده .

اللّهمّ أیّم عیاله ، وأیتم أطفاله ، وکدّر زلاله ، وخیّب آماله ، واقمع هامته ،

ص: 543

واستأصل شأفته(1)

اللّهمّ إنّک حمدت نفسک علی هلاک الظالمین ، ووعدت نصرک من انتصر بک من المظلومین ، ولم تکن سبحانک لتحمد نفسک علی ذلک إلّا لأنّه نعمة لا یحصی شکرها، ولا یستقصی ذکرها ، فصلّ علی محمد و آل محمد ، واقض نعمتک علی عبادک بإنزال عقابک بساحته ، واکشف غمّة أنام وبلادک بصبّ سوط عذابک علی هامته .

اللّهمّ اشف صدورنا بمماته ، وأذهب غیظ قلوبنا بوفاته ، ولا تخرجنا من

دار الفناء إلا بأفئدة مسرورة بهلکه ، وأنفس مطمئنّة من فتکه.

اللّهمّ إنّه قد اقتدی فی غصبنا و تکذیب صدقنا بعدوّک الزنیم الأکبر ، نجل صهّاک الدلام الأفجر، إذ اغتصب ابنة نبیّک تراثها ، وحاز دونها میراثها ، ورفع علیها صوته ، وقنعها سوطه.

اللّهمّ فکما استجبت دعاءها علیه وخیّبت ظنّه، وأتحت له من بقر بمدینه بطنه ، ونقلته إلی دار نکالک ، وقری وبالک ، وأصلّیته نارک الحامیة ، وعجّلت بروحه إلی جحیمک الهاویة ، وصببت علی هامته مقامع الزبانیة ، ولعنته وشیعته الناصبة الغاویة ، فصلّ علی محمدٍ و آل محمدٍ، وأذقه ما أذقته

ص: 544


1- وردت فی «ح» هذه الأبیات : عین تروم فراق شخصک ساعة نفس للحظک لم تکن مشتاقة کحلت بأمیال العمر أماقها ضربت بأسیاف العدی أعناقها علیک ابن خیر المرسلین تأسَفی وحزنی وإن طال الزمان طویل جللت فجلّ الرزءفیک علی الوری کذا کلّ رزء فی الجلیل جلیل

من عذاب الدنیا والآخرة ، بحقّ محمدٍ و آل محمدٍ العترة الطاهرة. عبد لعزّ جلال مجدک یخضع

بید التذلّل باب جودک یقرع

لولا زفیر سعیر لوعة وجده

ممّا عراه لأغرقته المسدمع

ضاقت به الدنیا فلا تهمله یا

من جوده من کلّ شیء أوسع

إن تطرد العانی فمن ذا یرتجی؟

أو تمنح الراجی فمن ذا یمنع؟

أشکو إلیک ظلامة من ظالم

اللبغی منه لدی الخلائق منبع

أضمی الحشامنّی بأسهم ظلمه

وأحلّ بی مالم أکن أتوقّع

فمن الّذی أرجوه بعدک ناصراً؟

ومن الّذی منه إلیه أفزع؟

ومن الّذی أدعوه فی غسق الدجی

فیری مقامی فی الظلام ویسمع؟

وبمن ألوذ من الردی وبمن أعوذ

من العدی وبمجد من أتشفّع؟

وبمن أرجی ناصراً ولکسر قلبی

جابراً وبحقّ من أتضرّع؟

ص: 545

یا من علی العرش استوی یا من

علی الملک احتوی یا من یذلّ ویرفع

یاغافراً یاساتراً یا جابراً یا

کاسراً یافاطراً یامبدع

یاعالماً یا دائماً یا قائماً

یاحاکماً یاقاهراً لا یدفع

یا من علیه توکّلی وبه علیه

توسّلی وبلطفه لی مطمع

خذلی بحقّی من ظلوم لم یزل

قلبی بسهم عِنِادِهِ یتقطّع

کم لیلة من بغیه أمسیت ذا

کبد علی جمر الغضا یتلوّع؟

والفکر منّی حائر والطرف ساوهٍ

ساهرُ وحشای وجداً ینجع

من یحر وافر ظلمه ومدیده

لیلی طویل فجره لا یطلع

فظّ غلیظ أحمق متجبّر

و متکبّر نذل دعیّ ألکع

الانت أسافله

فقلّ حیاؤه

وغدت وقاحته علیه تشنع

ص: 546

قصیدة للمؤلف رحمه الله

یا أیّها المهدار والمنقار

والختّار والرجس اللئیم المبدع

بُؤخاسئاً من کلّ فضل

عاریاًوعلیک من نسج الملامة أدرع

وعلی جبینک إن قبلت نصیحتی

بدل العمامة للاءمة برقع

وعلیک ألف ألف ألفی لعنة

من ذی المعارج وصلها لا یقطع

مافاه مظلوم بلعنة ظالم

متهجدّ فی لیله متضرّع(1)

المناجاة

اللّهمّ لک الحمد إذ جعلت قلوبنا مجالس عرفانک ، ومنحت نفوسنا نفائس رضوانک ، وألهمتنا شکر فضلک وامتنانک ، و وفّقتنا له من عرفان عظیم شأنک ، وأطلقت ألسنتنا بحسن الثناء علی مجدک ، وجبلت أفئدتنا بزلال صدق الوفاء لعهدک ، وأفضت من شآبیب الایمان علی قلوبنا ما ینقع غلیلها ، وأرسلت من سحائب الایقان علی نفوسنا ما شفا غلیلها، وفضّلتنا علی کثیر ممن خلقتَ بالبیان الموضح، وشرفتنا علی الجمّ الغفیر باللسان المفصح،

ص: 547


1- وردت فی «ح» هذه الأبیات : تأدَب إن قدمتَ علی أُناس فإن رفعوک کان الفضل منهم واجلس جلسة الرجل الأقلَ وإن وضعوک قل هذا محلّی

مناجاة للمؤلف رحمه الله

مروّق المجالس فیصحّ لفظنا، و بشوّق المجالس صحیح وعظنا، ویشنّف الأسماع بلالیء نثرنا، ویضرب الأمثال (1)

وقد تمّ الفراغ من تحقیق هذا السفر الثمین فی الحادی عشر من شهر ذی القعدة سنة 1417 ه. ق ، سائلیه تعالی أن یوفّقنا لمرضاته، ویستقبّل عملنا هذا بأحسن قبوله، إنّه نعم المولی ونعم النصیر.

فارس حسّون کریم

قم المقدّسة

ص: 548


1- إلی هنا تنتهی النسخة الخطّیّة المعتمدة ، ویبدو أنّ صفحة واحدة قد سقطت .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.