حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام : دراسة و تحلیل

هوية الكتاب

المؤلف: باقر شريف القرشي

الناشر: دار البلاغة

المطبعة: دار البلاغة

الطبعة: 1

الموضوع : سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)

تاريخ النشر : 1413 ه.ق

الصفحات: 374

المكتبة الإسلامية

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام

الجزء الأول

دارالبلاغة

بطاقة تعريف: قریشی ، باقر شریف ، - 1926

عنوان المؤلف واسمه: حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل/ باقر شریف القریشي

تفاصيل النشر: بیروت : دارالبلاغة ، م 1993 = .ق 1413 = .1372.

مواصفات المظهر: ج 2

حالة الاستماع: القائمة السابقة

ملحوظة: فهرس

موضوع : محمد بن علی (عليهماالسلام)، امام پنجم ، ق 114 - 57

تصنيف الكونجرس: BP44/ق 4ح 9

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 81-20426

محرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ

ص: 3

ص: 4

الإهداء

اليك ... يا مفجر العلم والنور فى الارض

اليك ... يا رسول الانسانية ...

اليك ... يا خاتم النبيين ...

أرفع الى مقامك العظيم هذا البحث المتواضع عن سيرة سبطك الامام محمد الباقر الذي سميته باسمك ولقبته بباقر العلم ...

فكان المجدد لدينك والمحيي لسنتك فليس احد هو اولى بهذا الاهداء منك فتقبل هذه البضاعة المزجاة

وتلطف علي برضاك ليكون ذخراً لي يوم القى اللّه

ص: 5

ص: 6

المقدمة

اشارة

ص: 7

ص: 8

(1)

الامام محمد الباقر (عليه السلام) من أفذاذ العترة الطاهرة ، ومن أعلام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومن ابرز رجال الفكر والعلم في الاسلام فقد قام - فيما اجمع عليه المؤرخون - بدور إيجابي وفعال في تكوين الثقافة الاسلامية وتأسيس الحركة العلمية في الاسلام ، فقد تفرغ لبسط العلم واشاعته بين المسلمين في وقت كان الجمود الفكري قد ضرب نطاقه على جميع انحاء العالم الاسلامي ، ولم تعد هناك أية نهضة فكرية أو علمية ، فقد منيت الامة بثورات متلاحقة ، وانتفاضات شعبية كان مبعثها تارة التخلص من جور الحكم الاموي واضطهاده ، واخرى الطمع بالحكم ، واهملت من جراء ذلك الحياة العلمية اهمالا تاما فلم يعدلها أي ظل على مسرح الحياة.

وقد ابتعد الامام الباقر (عليه السلام) عن تلك التيارات السياسية ابتعادا مطلقا فلم يشترك بأي عمل سياسي يتصادم مع الحكم القائم آنذاك ، واتجه صوب العلم فرفع مناره ، وأسس قواعده وأرسى اصوله ، فكان الرائد والمعلم والقائد لهذه الأمة في مسيرتها الثقافية ، وقد سار بها خطوات واسعة في ميادين البحوث العلمية مما يعتبر عاملا جوهريا في ازدهار الحياة الاسلامية وتكوين حضارتها المشرقة في الاجيال التي جاءت بعده.

وكان من أهم ما عنى به الامام أبو جعفر (عليه السلام) نشر الفقه الاسلامي الذي يحمل روح الاسلام وجوهره وتفاعله مع الحياة فسهر على احيائه فاقام

ص: 9

مدرسته الكبرى التي زخرت بكبار الفقهاء كأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم ، وبريد وأبي بصير الاسدي والفضل بن يسار ، ومعروف بن خربوذ وزرارة ابن اعين ، وهؤلاء الاعلام ممن اجمعت الصحابة على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه ، وإليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ولو لا هم لضاعت تلك الثروة الفكرية الهائلة التي يعتز بها العالم الاسلامي وهي احدى المدارك الاساسية لفقهاء الشيعة في استنباطهم للأحكام الشرعية.

والشيء الذي يدعو الى الاعتزاز بسيرة الامام هو انه قد تبنى هؤلاء الفقهاء فاشاد بهم ، وعزز مركزهم ، وارجع الأمة الى فتواهم يقول (عليه السلام) لأبان بن تغلب :

« اجلس في مسجد المدينة ، وافت الناس فاني أحب أن يرى في شيعتي مثلك » (1).

وقد قام بتسديد نفقاتهم وما يحتاجون إليه في حياتهم المعاشية ليتفرغوا الى تحصيل العلم وضبط قواعده وتدوينه ، وعهد من بعده الى ولده الامام الصادق (عليه السلام) القيام برعايتهم والانفاق عليهم حتى لا تشغلهم الحياة الاقتصادية عن القيام بأداء مهماتهم ... وقد قاموا بدور بناء في تدوين الحديث الذي سمعوه منه ، كما أخذوا يلقون على البعثات الدينية ما رووه عنه ، وقد روى عنه تلميذه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث (2). كما روى عنه أبان بن تغلب مجموعة كبيرة عنه ، وقد حفلت الموسوعات الفقهية بحشد كبير من رواياتهم عنه فجميع أبواب الفقه من العبادات وسائر العقود والايقاعات مدعمة بالروايات عنه فكان المؤسس والناشر لفقه أهل البيت الذي يحتل الصدارة في الفقه الاسلامي.

ص: 10


1- النجاشي ص 28 جامع الرواة 1 / 9.
2- ميزان الاعتدال 1 / 383.

(2)

ولم يقتصر الامام في محاضراته وبحوثه على الفقه الاسلامي وإنما خاض جميع الوان العلوم من الفلسفة وعلم الكلام والطب ، أما تفسير القرآن الكريم فقد استوعب اهتمامه ، فقد خصص وقتا له ، وقد دون أكثر المفسرين ما يذهب إليه وما يرويه عن آبائه في تفسير الآيات الكريمة ، وقد الف كتابا في التفسير رواه عنه زياد بن المنذر الزعيم الروحي للفرقة الجارودية (1).

ويعرض هذا الكتاب إلى بيان ذلك ، وتقديم برامج من تفسيره لبعض الآيات ، ومما تجدر الاشارة إليه ان الامام (عليه السلام) قد تحدث عن أحوال الأنبياء وما لاقوه من الاضطهاد من فراعنة زمانهم ، كما عرض لبعض حكمهم وآدابهم وعنه أخذ اكثر الباحثين في أحوال الأنبياء ... وتحدث (عليه السلام) بصورة موضوعية وشاملة عن السيرة النبوية وشرح أحوال الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومغازيه وحروبه.

وقد رواها عنه ابن هشام والواقدي والحلبي وغيرهم من المدونين للسيرة النبوية كما روى (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسنده عن آبائه مجموعة كبيرة من الاحاديث تتعلق بآداب السلوك وحسن الاخلاق وما ينبغي ان يتصف به المسلم من الصفات الرفيعة التي تجعله قدوة لغيره ... وروى بصورة شاملة الأحداث التأريخية التي جرت في العصر الاسلامي الاول ، وقد نقلها عنه الطبري في تأريخه والبلاذري في انسابه.

وناظر (عليه السلام) مع بعض علماء المسيحيين ، والازارقة ، وجادل الملحدين ، وقاوم الغلاة ، وقد خرج من مناظراته وهو ظافر قد اعترف الخصم

ص: 11


1- فهرست الشيخ الطوسي ( ص 98 ).

بقدراته العلمية والعجز عن مجاراته ، ويعرض هذا الكتاب الى ذكر ذلك.

لقد ترك الامام (عليه السلام) ثروة فكرية هائلة تعد من ذخائر الفكر الاسلامي ومن مناجم الثروات العلمية في الارض وليس من المستطاع تسجيل جميع ما أثر عنه من العلوم والمعارف فان ذلك يستدعي وضع عدة مجلدات ، وانما أشرنا الى بعضها ، وتركنا الباب مفتوحا لمن يريد أن يبحث بصورة شاملة عن ثرواته العلمية.

وعلى أي حال فان التأريخ لم يعرف أماما كمحمد الباقر (عليه السلام) قد وقف حياته كلها لنشر العلم واذاعته بين الناس ، فكان - فيما يقول الرواة - قد أقام في يثرب سادنا أمينا كالجبل أو كالبحر وهو يغذي رجال الفكر ورواد العلم بفقهه وعلمه التي تحمل عناصر التقدم ، وعناصر الحياة لا لهذه الامة فحسب ، وإنما للناس جميعا.

(3)

وكما كان الامام الباقر (عليه السلام) من عمالقة الفكر والعلم في الاسلام فقد كان من أبرز أئمة المسلمين فيما أوتي من عظيم الاخلاق والتجرد من كل نزعة مادية أو أنانية ، فكان في سلوكه يمثل روح الاسلام وفكره وانطلاقه في هداية الناس وتهذيب أخلاقهم.

ويجمع المؤرخون انه كان مشغولا في أكثر اوقاته بذكر اللّه ، وانه كان ينفق لياليه ساهرا في الصلاة لله ومناجاته شأنه شأن آبائه الذين هم مصابيح الهداية والتقوى في الارض ، وقد تحرج الامام في حياته كأشد ما يكون التحرج ، فزهد في الدنيا ، وابتعد عن جميع زخارفها ، واتجه بقلبه وعواطفه نحو اللّه فآثر طاعته على كل شيء ، وعلى كل ما يقربه إليه زلفى ، فلم ينقاد لأية نزعة من نزعات الهوى ، وانما تحرر منها تحررا كاملا ، ولم يعد لها أي سلطان عليه.

ص: 12

لقد كانت سيرة الامام تحاكي سيرة جده الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في جميع مكوناتها وذاتياتها ، ولا يكاد يقرأها أحد إلا ويذهب به الاعجاب كل مذهب ، ويمضي به الاكبار الى غير حد.

(4)

وامتحن الامام الباقر (عليه السلام) وهو في غضارة الصبا امتحانا شاقا وعسيرا ، فقد شاهد رزايا كربلا وما جرى على العترة الطاهرة من صنوف القتل والتنكيل ، فقد جرت امامه عملية القتل الجماعي بوحشية قاسية لعترة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يتأثم الجيش الاموي في قتل الاطفال الابرياء والنساء والشيوخ ، والتمثيل الآثم بجثمان الامام العظيم ، وغير ذلك من الكوارث التي تذوب من هولها القلوب ، وقد حمل أسيرا مع أسارى أهل البيت الى ابن مرجانة فبالغ في اذلالهم واحتقارهم ، واظهر الشماتة والحقد بقتله لعترة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وذريته ، وحملهم الى الطاغية الفاجر يزيد بن معاوية فقابلهم بمزيد من الاحتقار والتوهين.

وقد وعى الامام الباقر (عليه السلام) تلك الاحداث المؤلمة فملئت قلبه ألما عاصفا وطبعت في نفسه اللوعة والحزن ، وظلت ملازمة له طول حياته فلم يهنىء بعيش ولم تطب له الحياة ، قد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير.

ومن الكوارث التي دهمته وهو في غضون الصبا واقعة الحرة التي انتهك فيها جيش يزيد حرمة مدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاستباح الاعراض والاموال وازهاق النفوس ، ولم تبق حرمة لله إلا انتهكها ، ولم ينج من أهوال تلك الكارثة الأليمة الا الامام زين العابدين (عليه السلام) لوصية عهد بها يزيد الى جلاده المسرف الأثيم مسلم بن عقبة ، وتركت هذه الصور الحزينة في نفس الامام شعورا انبعاثيا طافحا بالاسى والحزن.

ص: 13

(5)

وكان عصر الامام من أدق العصور في الاسلام فقد كانت الحياة فيه بشعة شديدة الظلام ومرهقة كأشد ما يكون الارهاق ، فقد تفجرت البلاد الاسلامية ببركان من الثورات كانت نتيجة لسوء السياسة الاموية التي لم تضع نصب أعينها مصلحة الشعوب الاسلامية ، وانما راحت تتصرف بوحي من رغباتها الخاصة من دون أن تولي أي اهتمام بصالح الأمة ، فقد وضعت عليها الضرائب الثقيلة ، وشددت في أمر الخراج وسلبت ثروات الامة ، وانفقتها على شهواتها وملاذها ، واستبدت كأشر ما يكون الاستبداد في جميع شئونها.

ولا بد لنا أن نذكر الحكومات التي عاصرها الامام ، ونعرض الاحداث السياسية التي جرت في ذلك العصر ، ويجب أن نلاحظها بدقة وامعان فهي مما تمس الحياة الاجتماعية والفكرية في ذلك العصر الذي نشأ فيه الامام ، ومن الطبيعي أن الباحث الذي يهمل ذلك فانه من غير الممكن أن يتوصل الى دراسة الشخصية التي يبحث عنها أو يهتدي الى فهمها حسب الدراسات الحديثة.

ان من الامانة للعلم والرغبة في الحق اظهار تلك الاحداث والتدليل على مصادرها ، ومناقشة المصادر التي لم تخضع للحق وانما كانت خاضعة للأهواء التي هي أبعد ما تكون عن الواقع ، فان الدراسة بهذا اللون - فيما نحسب - تعود على القراء بمزيد من الفائدة.

(6)

ولم تحظ المكتبة العربية بدراسة عن هذا الامام العظيم الذي هو من عناصر الثقافة والتكوين الحضاري لهذه الامة ، فانه ليس من الوفاء في شيء ان نهمل حياة عظمائنا في حين أن الأمم الحية قد عنت بتخليد

ص: 14

عظمائها والاشادة بهم وابراز مآثرهم الى العالم للتدليل على مدى اصالتها وما تملكه من القيم الكريمة يقول العقاد : « ان الاوربيين قد وجدوا من علمائهم من يشيد بعظمائهم ويستقصي نواحي مجدهم بل قد دعتهم العصبية أحيانا أن يتزايدوا في نواحي هذه العظمة ، ويعملوا الخيال في تبرير العيب وتكميل النقص تحميسا للنفس واثارة لطلب الكمال ، أما نحن فقد كان بيننا وبين عظمائنا سدود وحواجز حالت بين شبابنا والاستفادة منهم ».

ومن هو أحق بالاشادة من الامام محمد الباقر (عليه السلام) الذي هو من ابرز القادة الطليعيين لهذه الامة ، وأحد عباقرة هذه الدنيا ، والذي كان من بعض مآثره وخدماته تحرير النقد العربي والاسلامي من السيطرة الخارجية ، وجعله مستقلا بنفسه غير مرتبط بالامبراطورية الرومانية بما سنذكره تفصيلا في غضون هذا الكتاب.

وقد عنى القدامى بالبحث عن سيرة الامام أبي جعفر فألف الجلودي عبد العزيز بن يحيى المتوفى سنة ( 304 ه ) كتابا اسماه « اخبار أبي جعفر الباقر » (1) ذكر فيه أحواله وشئونه الا أنا لم نعثر عليه في خزانة المخطوطات التي حفلت بها مكتباتنا العامة. ولعله يوجد في خزائن المخطوطات الاخرى في العالم أو انه قد ضاع في ضمن المخطوطات الكثيرة التي خسرها العالم العربي والاسلامي.

(7)

وقد ساعدني التوفيق - والحمد لله - فتشرفت بالبحث عن سيرة هذا الامام العظيم ومن الحق اني لم أر صورة أروع ولا أنظر منه ، فهو يمثل

ص: 15


1- الذريعة 1 / 315 ، الاعلام 7 / 153.

جميع القيم الانسانية التي يعتز بها كل انسان.

وقد عكفت على مراجعة جملة كبيرة من المصادر المخطوطة والمطبوعة التي عرضت لترجمته وتدوين بعض مآثره وحكمه ، وأنا واثق كل الوثوق أن الباحث المتتبع يجد اضعاف ما كتبته عن حياته مما قد خفي عليّ ، ولا ازعم أني احطت بترجمته أو دونت جميع ما أثر عنه ، وانما القيت اضواء على شخصيته ، وتركت الباب مفتوحا لغيري من البحاث للكشف عن حياته.

وقبل أن انهي هذا التقديم أود أن اذكر بمزيد من الشكر ما قام به ولدنا السيد الجليل السيد عبد الرسول بن السيد رضا الحسيني الصائغ من المساهمة في الانفاق على طبع هذا الكتاب سائلا منه تعالى أن يوفقه لكل مسعى نبيل وما التوفيق الا بيد اللّه يهبه لمن يشاء من عباده.

6 / 11 / 1977 م - 1397 ه

باقر شريف القرشي

ص: 16

الوليد العظيم

اشارة

ص: 17

ص: 18

واستقبل أهل البيت (عليهم السلام) بمزيد من الفرح والسرور الوليد المبارك الذي ازدهرت به الحياة الفكرية والعلمية في الاسلام ، وكان ابتهاجهم به كأعظم ما يكون الابتهاج لانه أول مولود التقت به عناصر السبطين والنيرين الحسن والحسين ، وامتزجت به تلك الاصول الكريمة التي أعز اللّه بها العرب والمسلمين ، أما الاصلاب ، الكريمة والارحام المطهرة التي تفرع منها فهي :

الام :

أما أمه فهي السيدة الزكية الطاهرة فاطمة بنت الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة ، وتكنى أم عبد اللّه (1) وكانت من سيدات نساء بني هاشم ، وكان الامام زين العابدين (عليه السلام) يسميها الصديقة (2) ويقول فيها الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) : « كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها » (3) وحسبها سموا أنها بضعة من ريحانة رسول اللّه ، وأنها نشأت في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه وتربى الامام الباقر (عليه السلام) في حجرها الطاهر ، فأفرغت عليه اشعة من روحها الزكية ، وغذته بمثلها الكريمة ، حتى صارت من خصائصه وذاتياته.

ولم تتوفر لنا أية معلومات عن المدة التي عاشها مع أمه فقد أهملت المصادر التي بأيدينا ذلك ، ولم تشر إليه بقليل ولا بكثير ، كما لم تتوفر

ص: 19


1- تهذيب اللغات والاسماء 1 / 87 ، وفيات الاعيان 3 / 384 ، المحبر ( ص 57 ) تأريخ اليعقوبي 2 / 60 ، اعيان الشيعة 1 / 4 / 464.
2- ضياء العالمين الجزء الثاني من مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية تأليف أبي الحسن العاملي ، الدر النظيم من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين تسلسل (2879).
3- أصول الكافي 1 / 469.

لنا أية معلومات عن سائر شئونها.

الاب :

أما الأب فهو سيد الساجدين وزين العابدين ، ومن المع سادات المسلمين فقها وعلما وتحرجا في الدين ، وسنذكر عرضا موجزا لشؤونه في البحوث الآتية.

الوليد العظيم :

واشرقت الدنيا بمولد الامام الزكي محمد الباقر الذي بشر به النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل ولادته ، وكان أهل البيت (عليهم السلام) ينتظرونه بفارغ الصبر لانه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعلهم قادة لأمته ، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في يثرب في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 ه ) (1) وقيل سنة ( 57 ه ) في غرة رجب يوم الجمعة (2) وقد ولد قبل قتل جده الامام الحسين (عليه السلام) بثلاث سنين (3) وقيل بأربع سنين كما أدلى (عليه السلام) بذلك (4) وقيل بسنتين. وأشهر (5) وهو قول شاذ لا يعنى به.

ص: 20


1- وفيات الاعيان 3 / 314 ، تذكرة الحفاظ 1 / 124 ، نزهة الجليس 2 / 36.
2- دلائل الامامة ( ص 94 ) دائرة المعارف لفريد وجدي 3 / 563.
3- تأريخ ابن الوردي 1 / 184 ، أخبار الدول ( ص 111 ) وفيات الاعيان 3 / 314.
4- تأريخ اليعقوبي 2 / 60.
5- عيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب من مخطوطات مكتبة الامام الحكيم تسلسل (975).

وقد أجريت له فور ولادته المراسيم الشرعية من الاذان والاقامة في اذنه كما أجريت له بعض المراسيم الاخرى في اليوم السابع من ولادته من حلق رأسه والتصدق بزنة شعره فضة على المساكين ، والعق عنه بكبش والتصدق به على الفقراء.

وكانت ولادته في عهد معاوية والبلاد الاسلامية تعج بالظلم ، وتموج بالكوارث والخطوب من ظلم معاوية وجور ولاته الذين نشروا الارهاب وأشاعوا الظلم في البلاد ، وقد تحدث الامام الباقر عن تلك المظالم الرهيبة ، وسنذكر حديثه في غضون هذا الكتاب.

تسميته :

وسماه جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمحمد ، وكناه بالباقر قبل أن يخلق بعشرات السنين ، وكان ذلك من أعلام نبوته كما يقول بعض المحققين ، وقد استشف (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم واذاعته بين الناس فبشر به أمته ، كما حمل له تحياته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الانصاري وسنلمع الى ذلك فيما يأتي.

كنيته :

أما كنيته فهي : « أبو جعفر » (1) ولا كنية له غيرها ، لقد كني بولده الامام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي بعث الروح والحياة في هذه الامة وفجر ينابيع الحكمة في الارض.

ألقابه :

أما القابه الشريفة فقد دلت على ملامح شخصيته العظيمة ونزعاته الرفيعة وهي :

ص: 21


1- دلائل الامامة ( ص 94 ).

1 - الأمين :

2 - الشبيه : لأنه كان يشبه جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).

3 - الشاكر :

4 - الهادي :

5 - الصابر :

6 - الشاهد : (2)

7 - الباقر : (3) وهذا من اكثر ألقابه ذيوعا وانتشارا ، وقد لقب هو وولده الامام الصادق ( بالباقرين ) كما لقبا ( بالصادقين ) من باب التغليب (4).

ويكاد مجمع المؤرخون والمترجمون للإمام على أنه انما لقب بالباقر لانه بقر العلم أي شقه ، وتوسع فيه فعرف أصله وعلم خفيه (5) ، وفيه يقول الامام الرضى :

يا باقر العلم لاهل التقى

وخير من لبى على الاجبل (6)

وكأنهم نظروا في ذلك الى ما أثر عنه من سعة العلوم والمعارف فجعلوا هذا اللقب مشعرا بها ، وقيل انما لقب به لكثرة سجوده فقد بقر جبهته

ص: 22


1- الدر النظيم في مناقب الائمة من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين ضياء العالمين الجزء الثاني مخطوط ، اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 464.
2- جنات الخلود ، وناسخ التواريخ.
3- تذكرة الحفاظ 1 / 124 ، نزهة الجليس 2 / 36 ، مرآة الجنان 1 / 247 ، دائرة معارف وجدي 3 / 563.
4- جامع المقال للشيخ الطريحي من مصورات مكتبة الامام الحكيم.
5- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 213 ) عمدة الطالب ( ص 183 ).
6- جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 133 ).

أي فتحها ووسعها (1) وقيل انما لقب بذلك لقوله : « استصرخي الحق وقد حواه الباطل في جوفه ، فبقرت عن خاصرته ، واطلعت الحق من حجبه حتى ظهر وانتشر بعد ما خفى » (2) ولكن المشهور والذائع بين المؤرخين هو المعنى الاول دون غيره.

تحيات النبي الى الباقر :

ويجمع المؤرخون والرواة على أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حمّل الصحابي العظيم جابر بن عبد اللّه الانصاري تحياته ، الى سبطه الامام الباقر ، وكان جابر ينتظر ولادته بفارغ الصبر ليؤدي إليه رسالة جده ، فلما ولد الامام وصار صبيا يافعا التقى به جابر فأدى إليه تحيات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد روى المؤرخون ذلك بصور متعددة وهذه بعضها :

1 - ما رواه آبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : ان جابر ابن عبد اللّه الانصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت ، وكان يقعد في مجلس رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو معتجر (3) بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : واللّه ما أهجر ، ولكني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول : إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني الى ما أقول : قال : فبينما جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال : يا غلام اقبل فأقبل ،

ص: 23


1- مرآة الزمان في تواريخ الاعيان 5 / 78 من مصورات مكتبة الامام الحكيم.
2- مرآة الزمان في تواريخ الاعيان الجزء الخامس مخطوط.
3- معتجر : وهو وضع العمامة على الرأس.

ثم قال له : ادبر فادبر ، ثم قال : شمائل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك؟ قال : اسمي محمد بن علي بن الحسين فجعل يقبل رأسه ، ويقول : بأبي أنت وأمي أبوك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام ... قال : فرجع محمد بن علي الى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر ، فقال له : يا بني قد فعلها جابر قال : نعم قال : ألزم بيتك يا بني .. » (1).

أما محتويات هذه الرواية فهي.

أ - أن شمائل الامام الباقر (عليه السلام) وملامحه كانت تضارع شمائل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم).

ب - ان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو الذي سمى سبطه بمحمد ، واضفى عليه لقب الباقر ، وأنه يبقر العلم بقرا.

ج - ان الامام زين العابدين (عليه السلام) قد خاف على ولده مما أخبر به جابر عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في شأنه ، ويعود السبب في ذلك الى أن الحكومة الاموية قد فرضت الرقابة الشديدة على الامام زين العابدين فكانت تحصي عليه انفاسه ، وتتعرف على من يخلفه ويقوم مقامه من بعده لتنكل به فخشى (عليه السلام) على ولده من أن يناله الامويون بسوء أو مكروه.

2 - ما رواه ابن عساكر ان الامام زين العابدين (عليه السلام) ومعه ولده الباقر دخل على جابر بن عبد اللّه الانصاري ، فقال له جابر : من معك يا ابن رسول اللّه؟ قال : معي ابني محمد فاخذه جابر وضمه إليه وبكى ثم قال : اقترب اجلي ، يا محمد ، رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام فسئل وما ذاك؟ فقال : سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول : للحسين بن علي يولد لابنى هذا ابن يقال له علي بن الحسين ، وهو سيد العابدين إذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين ، ويولد

ص: 24


1- أصول الكافي « 1 / 469 - 470 » رجال الكشي ( ص 27 - 28 ).

لعلي بن الحسين ابن يقال له محمد اذا رأيته يا جابر فاقرأه منى السلام ، يا جابر اعلم أن المهدي من ولده ، واعلم يا جابر ان بقاءك بعده قليل .. » (1)

3 - ما رواه تاج الدين بن محمد نقيب حلب بسنده عن الامام الباقر علیه السلام قال : دخلت على جابر بن عبد اللّه فسلمت عليه. فقال لي من أنت؟ وذلك بعد ما كف بصره ، فقلت له : محمد بن علي بن الحسين ، فقال : بأبي أنت وأمي ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم اهوى الى رجلي فاجتذبتها منه ، ثم قال : إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام ، فقلت وعلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السلام ورحمة اللّه وبركاته ، وكيف ذلك يا جابر؟ قال : كنت معه ذات يوم فقال : لي يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب له اللّه النور والحكمة فاقرأه مني السلام ... » (2).

4 - ما ذكره صلاح الدين الصفدي قال : « كان جابر يمشي بالمدينة ويقول يا باقر متى القاك؟ فمر يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا في حجرها فقال لها : من هذا؟ فقالت : محمد بن علي بن الحسين فضمه الى صدره ، وقبل رأسه ويديه ، وقال : يا بني جدك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام ثم قال : يا باقر نعيت الى نفسي فمات في تلك الليلة. » (3)

5 - ما ذكره بعض الاسماعيلية أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : لجابر إنك ستلحق ولد ولدي هذا وأشار الى الحسين فاذا أدركته فاقرأه عنى السلام ، وقل : له يا باقر العلم ابقره. ففعل ذلك .. » (4).

ص: 25


1- تاريخ ابن عساكر 51 / 41 من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام
2- غاية الاختصار ( ص 64 ).
3- الوافي بالوفيات 4 / 102.
4- مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والاسرار السامية ( ص 99 ) لمؤلف مجهول.

6 - ما رواه الحافظ نور الدين الهيثمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أتاني جابر بن عبد اللّه وأنا في الكتاب فقال : اكشف عن بطنك فكشفت عن بطني فقبله ثم قال : ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمرني أن اقرأ عليك السلام. » (1)

هذه بعض الروايات وهي قد اتفقت على أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حمل جابر ابن عبد اللّه الانصاري تحياته الى الامام الباقر (عليه السلام) وقد استشف (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم واذاعته بين الناس وانه من جملة اوصيائه الذين يفجرون الحكمة والنور في الارض.

ملامحه :

أما ملامحه الشريفة فهي حسب ما يقول جابر بن عبد اللّه الانصاري كانت كملامح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشمائله (2) وكما شابه جده النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في هذه الظاهرة فقد شابهه في معالي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين.

ووصفه بعض المعاصرين له فقال : إنه كان معتدل القامة اسمر اللون (3) رقيق البشرة له خال ، ضامر الكشح ، حسن الصوت مطرق الرأس (4).

ذكاؤه المبكر :

وكان (عليه السلام) في طفولته آية من آيات النبوغ والذكاء ، ويقول الرواة إن جابر بن عبد اللّه الانصاري على شيخوخته كان يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه ... وقد بهر جابر من سعة علوم الامام ومعارفه وطفق يقول :

ص: 26


1- مجمع الزوائد 1 / 22.
2- أصول الكافي 1 / 469.
3- اخبار الدول ( ص 111 ) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 132 ).
4- اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 471.

« يا باقر لقد أوتيت الحكم صبيا ... » (1)

وقد عرف الصحابة ما يتمتع به الامام منذ نعومة اظفاره من سعة الفضل والعلم الغزير فكانوا يرجعون إليه في المسائل التي لا يهتدون إليها ويقول المؤرخون ان رجلا سأل عبد اللّه بن عمر عن مسألة فلم يقف على جوابها فقال للرجل : اذهب إلى ذلك الغلام - وأشار الى الامام الباقر - فاسأله ، وأعلمني بما يجيبك فبادر نحوه وسأله فاجابه (عليه السلام) عن مسألته وخف الى ابن عمر فاخبره بجواب الامام ، وراح ابن عمر يبدي اعجابه بالامام قائلا : « انهم أهل بيت مفهمون » (2).

لقد خص اللّه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بالعلم والفضل ، ووهبهم الكمال المطلق الذي يهبه لأنبيائه ورسله ، فكان كل فرد منهم لا تخفى عليه أية مسألة تعرض عليه ، ويقول المؤرخون ان الامام كان عمره تسع سنين وقد سئل عن أدق المسائل فأجاب عنها.

هيبته ووقاره :

وبدت على ملامح الامام (عليه السلام) هيبة الأنبياء ووقارهم ، فما جلس معه أحد إلا هابه وأكبره وقد تشرف قتادة وهو فقيه أهل البصرة بمقابلته فاضطرب قلبه من هيبته وأخذ يقول له :

« لقد جلست بين يدي الفقهاء وأمام ابن عباس فما اضطرب قلبي من أي أحد منهم مثل ما اضطرب قلبي منك. » (3).

لقد كان الامام بقية اللّه في أرضه ، وتجلت في شخصيته سمات اوليائه واحبائه الذين اضفى عليهم الهيبة والوقار ، وممن غمرتهم هيبة الامام الشاعر

ص: 27


1- علل الشرائع ( ص 234 ).
2- المناقب 4 / 147.
3- اثبات الهداة 5 / 176.

المغربي يقول في وصفه له :

يا ابن الذي بلسانه وبيانه *** هدي الانام ونزل التنزيل

عن فضله نطق الكتاب وبشرت *** بقدومه التوراة والانجيل

لو لا انقطاع الوحي بعد محمد *** قلنا : محمد من أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلا إنه *** لم يأته برسالة جبريل (1)

وروى المؤرخون أن الامام (عليه السلام) لم ير ضاحكا ، وإذا ضحك يقول : « اللّهم لا تمقتني » (2) لقد ابتعد عن كل ما ينافي الوقار وسمو الشخصية ، وكان البارز من صفاته ذكر اللّه ، ففي جميع أوقاته كان لسانه مشغولا بذكر اللّه ، وسنذكر ذلك عند البحث عن مظاهر شخصيته.

نقش خاتمه :

أما نقش خاتمه فهو : « العزة لله جميعا » (3) وكان يتختم بخاتم جده الامام الحسين (عليه السلام) وكان نقشه « إن اللّه بالغ أمره » (4) وذلك مما يدل على انقطاعه التام إلى اللّه وشدة تعلقه به.

إقامته :

وأقام الامام (عليه السلام) طيلة حياته في يثرب دار الهجرة ، فلم يبرحها إلى بلد آخر ، وقد كان فيها المعلم الاول ، والرائد الاكبر للحركات العلمية والثقافية ، وقد اتخذ الجامع النبوي مدرسة له فكان فيه يلقي بحوثه على تلاميذه.

ص: 28


1- المناقب 4 / 181.
2- صفة الصفوة 2 / 62 ، تذكرة الخواص ( ص 349 ).
3- حيلة الاولياء 3 / 189.
4- أعيان الشيعة ق 1 / 4 / 169.

فى ظلال الحسين وعلي

اشارة

ص: 29

ص: 30

نشأ الامام أبو جعفر (عليه السلام) في بيت الرسالة ومهبط الوحي ، ومصدر الاشعاع في دنيا الاسلام ، وكان جده الامام الحسين (عليه السلام) وأبوه الامام زين العابدين يغذيانه بالمثل الكريمة ، ويفيضان عليه ما استقر في نفسيهما من الخير والهدى ، ويعلمانه السلوك النير والاتجاه السليم ليكون قدوة لهذه الأمة ... وفيما يلي عرض لنشأته في ظلال جده وأبيه.

فى ظلال جده :

وعنى الامام الحسين (عليه السلام) بتربية حفيده فأفرغ عليه أشعة من روحه المقدسة التي أضاءت آفاق هذا الكون ، وكان فيما يرويه المؤرخون - يجلسه في حجره ، ويوسعه تقبيلا ، ويقول له :

« إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرؤك السلام ... » (1).

وهو اشعار من الجد لحفيده بأن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ينتظر منه القيام بدوره القيادي لأمته أن يفجر في ربوعها ينابيع الحكمة ، ويذيع فيها العلم ، ويهديها إلى سواء السبيل وشاهد الامام الباقر (عليه السلام) وهو في غضون الصبا جده الامام الحسين (عليه السلام) أيام المحنة الكبرى التي طافت به حينما أبتلي بطاغية زمانه ، وفرعون هذه الأمة يزيد بن معاوية الذي كان يشكل أعظم خطر على الاسلام ، وقد دعاه لبيعته ، والخنوع لحكمه ، فصرخ (عليه السلام) في وجهه ، وانطلق في مسيرته الخالدة ، ليرفع كلمة اللّه عالية في الارض ، ويؤدي رسالته الاسلامية بأمانة واخلاص ، فضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه بتلك التضحية المشرقة التي أقام بها مجد الاسلام ، وقضى بها على خصومه واعدائه ، وقد زخرت بالقيم الكريمة والمثل العليا ، وتفاعلت مع عواطف

ص: 31


1- تاريخ دمشق 51 / 38 ، سير اعلام النبلاء 4 / 241 من مصورات مكتبة الحكيم.

الناس ومشاعرهم وهي تفيض بالعطاء السمح ، وتقدم أروع الدروس عن التضحية في سبيل الحق والواجب وستبقى ندية عاطرة في جميع الاحقاب والآباد وهي تمثل شرف الانسان وسمو قصده.

وقد جرت فصول تلك المأساة الخالدة أمام الباقر وهو في غضون الصبا ، يقول (عليه السلام) : « قتل جدي الحسين ولي أربع سنين ، واني لأذكر مقتله ، وما نالنا في ذلك الوقت » (1)

وقد روى (عليه السلام) الكثير من فصولها ، وروى الطبري بسنده عنه بعض صورها ، كما الف جماعة من أعلام أصحابه كتبا اسموها ( مقتل الحسين ) دونوا فيها ما سمعوه منه ، ومن غيره أهوال كارثة كربلا ، ذكر الكثير منها ابن النديم في فهرسته وعلى أي حال فان تلك المأساة الخالدة قد تركت - من دون شك - في نفسه اعظم اللوعة والحزن ، وظلت مآسيها واشجانها ملازمة له طوال حياته.

فى ظلال ابيه :

عاش الامام أبو جعفر (عليه السلام) في كنف أبيه الامام زين العابدين (عليه السلام) ما يزيد على ( 34 عاما ) وقد لازمه وصاحبه طيلة هذه المدة فلم يفارقه ، وقد تأثر بهديه المشرق الذي يمثل هدي الأنبياء والمرسلين ، فما رأى الناس مثل الامام زين العابدين (عليه السلام) في تقواه وورعه وزهده ، وشدة انقطاعه واقباله على اللّه ... ونلمع الى بعض أحواله وشئونه لأن سيرته قد انطبعت في قرارة نفس الامام الباقر وارتسمت في اعماق ذاته ، وفيما يلي ذلك :

ص: 32


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 61.

اكبار وتعظيم :

واجمع رجال الفكر والعلم في عصر الامام زين العابدين على تعظيمه واكباره وتقديمه بالفضل على غيره وهذه بعض كلماتهم.

1 - سعيد بن المسيب.

وغمرت هيبة الامام وعظمته سعيد بن المسيب فراح يقول : « ما رأيت قط افضل من علي بن الحسين ، وما رأيته قط إلا مقت نفسي ، ما رأيته يوما ضاحكا .. » (1).

2 - الزهري :

وهام الزهري بحب الامام يقول : « ما رأيت قرشيا أفضل منه » (2) وقال : « ما رأيت أفقه من علي بن الحسين » (3).

3 - زيد بن اسلم :

يقول زيد بن اسلم : « ما رأيت مثل علي بن الحسين » (4).

4 - عمر بن عبد العزيز :

وقال عمر بن عبد العزيز لما أتاه نعي الامام : « ذهب سراج الدنيا ، وجمال الاسلام ، وزين العابدين » (5).

5 - أبو حازم :

يقول أبو حازم : « ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين » (6).

ص: 33


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 46.
2- تهذيب التهذيب 7 / 305 ، وفي الحلية ( ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ).
3- حلية الاولياء 3 / 309.
4- طبقات الفقهاء ( ص 34 ).
5- تأريخ اليعقوبي 2 / 48.
6- حلية الاولياء 3 / 141.

6 - مالك :

يقول مالك : « لم يكن في أهل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مثل علي بن الحسين » (1).

7 - جابر بن عبد اللّه :

وممن هام بحب الامام الصحابي العظيم جابر بن عبد اللّه الانصاري يقول : « ما رؤي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين. » (2)

8 - الواقدي :

يقول الواقدي : « كان علي بن الحسين من أورع الناس وأعبدهم واتقاهم لله عز وجل .. » (3)

وحكت هذه الكلمات انطباعات هؤلاء الاعلام من الامام ، فقد اقروا جميعا على تقديمه بالفضل والعلم على غيره من ابناء الأسرة النبوية - في عصره - التي تمثل الكمال المطلق للإنسان.

سمو اخلاقه :

أما معالي أخلاقه فانها نفحة من روح اللّه يهتدي بها الحائر ويسترشد بها الضال وقد حاكى بهذه الظاهرة جده الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي امتاز على سائر النبيين بسمو اخلاقه.

وكان (عليه السلام) - فيما أجمع عليه المؤرخون - يقابل كل من اساء إليه بالعفو والصفح الجميل ، ويغدق عليه ببره ومعروفه ، ليقلع من نفسه جذور البغي والاعتداء على الغير ، وهذه بعض البوادر التي أثرت عنه.

ص: 34


1- تهذيب التهذيب 7 / 305.
2- الامام زين العابدين ( ص 73 ).
3- البداية والنهاية 9 / 104.

أ - يقول المؤرخون : إن اسماعيل بن هشام المخزومي كان واليا على يثرب ، وكان من أعظم المبغضين والحاقدين على آل البيت (عليهم السلام) وكان يبالغ في إيذاء الامام زين العابدين ، ويشتم آباءه على المنابر ، تقربا الى حكام دمشق ، ولما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة بادر الى عزله والوقيعة به لهنات كانت بينه وبينه قبل أن يلي الملك والسلطان ، وقد أوعز بايقافه للناس لاستيفاء حقوقهم منه ، وفزع هشام كأشد ما يكون الفزع من الامام (عليه السلام) لكثرة إساءته له ، وقال : ما أخاف إلا من علي بن الحسين فانه رجل صالح يسمع قوله فيّ ، ولكن الامام عهد إلى أصحابه ومواليه ان لا يتعرضوا له بمكروه ، وخف إليه فقابله ببسمات فياضة بالبشر ، وعرض عليه القيام بما يحتاج إليه في محنته قائلا له :

« يا ابن العم عافاك اللّه لقد ساءني ما صنع بك فادعنا إلى ما احببت .. »

وذهل هشام ، وراح يقول بإعجاب :

( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) فيمن يشاء .. » (1)

ب - ومن معالي اخلاقه هذه البادرة التي ترفعه الى مستوى لم يبلغه أي مصلح كان عدا آبائه ، كما تدلل على امامته.

لقد روى المؤرخون أنه كان في كل يوم من شهر رمضان يذبح شاة ويطبخها ويوزعها على الفقراء والمحرومين ، وفي يوم حمل غلامه اناء فيه شيء من المرق وكان يغلى من شدة الحرارة فعثر الغلام باحد اطفال الامام ، فتوفي الطفل في الوقت ، فارتفعت الصيحة من العلويات ، وكان الامام يصلي فلما انفلت من صلاته أخبر بوفاة ولده فاسرع (عليه السلام) الى الغلام فرآه يوعد من شدة الخوف ، فقابله بلطف وحنان ، وقال له :

« لقد ظننت بعلي بن الحسين الظنون ، ظننت أنه يعاقبك ويقتص

ص: 35


1- وسيلة المآل في عد مناقب الآل ( ص 208 ).

منك .. اذهب فأنت حر لوجه اللّه ، وهذه أربعة آلاف دينار هدية إليك ، واجعلني في حل من الخوف الذي داخلك من أجلي ... » (1).

أي نفس ملائكية هذه النفس ، إنها لتفوق نفوس عباد اللّه الصالحين الذين امتحن اللّه قلوبهم بالايمان ... لقد ورث هذه الاخلاق العظيمة من جده الرسول العظيم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي أسس مكارم الاخلاق في الارض.

ج - ومن معالي اخلاقه أنه كان خارجا من المسجد فالتقى به رجل من شانئيه فقابل الامام بالسب والشتم فثار في وجهه بعض موالي الامام وأصحابه فنهرهم (عليهم السلام) وأقبل على الرجل بلطف قائلا :

« ما ستر عليك من أمرنا أكثر ... الك حاجة نعينك عليها .. »

واستحيا الرجل وودّ أن الارض قد وارته ، وبان عليه الانكسار والندم ، وبادر نحوه الامام (عليه السلام) فالقى عليه خميصة ، وأمر له بألف درهم ، وطفق الرجل يقول :

« اشهد أنك من بني الرسل!! » (2).

هذه بعض البوادر من معالي اخلاقه التي تفيض بالرحمة والحلم ، ونكران الذات ... والحق ان اخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مدرسة تقوم على الشرف والنبل وعلى كل ما يسمو به الانسان.

نشره للعلم :

وانصرف الامام زين العابدين (عليه السلام) بعد كارثة كربلا الى نشر العلم واذاعته بين الناس ولم يقتصر على علم الحديث والفقه ، وإنما عنى بالأخلاق والآداب والفلسفة والحكمة.

وقد أمد الفكر الاسلامي بطاقات هائلة من العلم والحكمة وآداب

ص: 36


1- صفة الصفوة.
2- وسيلة المآل فى عد مناقب الآل ( ص 208 ).

السلوك حفلت بها صحيفته ، ورسالته في الحقوق ، وغيرهما من موسوعات الحديث وكتب الاخلاق ، وقد قام بدور إيجابي وبناء في ابراز مثل الاسلام وقيمه وتعاليمه.

حثه على طلب العلم :

وكان (عليه السلام) يحث المسلمين على طلب العلم ، ويدعوهم الى المبادرة في تحصيله لأنه الاداة الخلاقة لتطورهم وازدهار حياتهم يقول (عليه السلام) : « لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج ، وخوض اللجج ».

وأوصى (عليه السلام) بعض أصحابه ببسط العلم ونشره ، وأن لا يتجبر على من يعلمه ، يقول (عليه السلام) :

« فان أنت احسنت في تعليم الناس ، ولم تتجبر عليهم زادك اللّه من فضله ، وإن أنت منعت علمك ، وأخرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على اللّه عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك. » (1)

تكريمه لطلاب العلوم :

وكان (عليه السلام) يعتني بطلاب العلوم ويرفع مكانتهم ، فاذا رأى أحدا منهم رحب به وقال له : « مرحبا بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) » ويقول الامام الباقر (عليه السلام) كان أبي زين العابدين اذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم إليه ، وقال : مرحبا بكم أنتم ودايع العلم ، ويوشك اذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين (2).

ص: 37


1- مكارم الاخلاق ( ص 143 ) لرضي الدين الطبرسي.
2- الدر النظيم ( ص 181 ) الانوار البهية ( ص 103 ).

احتفاف القراء به :

واحتف القراء بالامام زين العابدين ، وكانوا لا يفارقونه فقد كانوا يكتسبون منه العلوم والمعارف والآداب ، وتحدث سعيد بن المسيب عن مدى ملازمتهم للإمام يقول : إن القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين ، فخرج وخرجنا معه الف راكب (1).

عتقه للموالى :

وكان الامام زين العابدين (عليه السلام) يعطف على الموالي كأشد ما يكون العطف ، فكان يشتريهم ، ويشتري نساءهم ، ويعتقهم جميعا لينعموا بالحرية والكرامة ، وإذا اعتقهم منحهم الأموال الطائلة ، والثراء العريض ليستغنوا عما في أيدي الناس.

وقد تبنى طائفة من الموالي فجعل يغذيهم بأنواع العلوم والمعارف ، وقد تخرج على يده مجموعة منهم كانوا من كبار العلماء في ذلك العصر ، وكان ذلك هو السبب في تزعم الموالي للحركة العلمية في تلك العصور ، كما ان ذلك هو السبب في انتشار الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) عندهم ، وانضمامهم لكل حركة سياسية تدعو الى التخلص من الحكم الاموي ، وارجاع الخلافة لاهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا الملجأ لكل بائس ومحروم.

عبادته وتقواه :

وكان الامام زين العابدين من رهبان هذه الامة في عبادته وتقواه. وقد لقب بذي الثفنات لكثرة سجوده ، كما لقب بالمتهجد ، وزين العابدين ، وسيد العابدين (2) والسجاد وهي تشير الى كثرة عبادته ، وعظيم اقباله على اللّه ، وقد روى المؤرخون أنه إذا توضأ اصفر لونه ، فيقول له

ص: 38


1- البحار 2 / 83.
2- الدر النظيم ( ص 179 ).

أهله : ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول لهم : أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ (1) وقد دخل عليه ولده الباقر فرآه قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فقد اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء ودبرت جبهته من كثرة السجود ، وورمت ساقاه من القيام في الصلاة ، فلم يملك ولده نفسه من البكاء ، وكان الامام زين العابدين في شغل عنه ، فلما بصر بولده أمره ان يناوله بعض الصحف التي فيها عبادة جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فناوله تلك الصحف فجعل يتأمل فيها ، ثم تركها ضجرا وراح يقول :

« من يقوى على عبادة علي ابن أبي طالب » :

(2) وكان (عليه السلام) إذا قام للصلاة بين يدي اللّه توجه بقلبه ومشاعره نحو الخالق العظيم ، فلا يشغله أي شأن من هذه الحياة ، ويقول الامام الباقر (عليه السلام) : كان أبي اذا وقف للصلاة لم يشتغل بغيرها ، ولم يسمع شيئا لشغله بها وقد سقط بعض ولده فانكسرت يده ، فصاح أهله وجيء بالمجبر فجبر يده والصبي يصرخ من شدة الالم ، والامام لم يسمع فلما اصبح ورأى الصبي قد شدت يده فسأل عن ذلك فأخبره أهله بذلك (3).

وقد أجهدته العبادة أي اجهاد ، فقد حمل نفسه من أمرها رهقا ، وقد خاف عليه أهله ، فراحوا يتوسلون إليه ليخفف من عبادته ، وهو يأبى ذلك ، يقول الامام الباقر (عليه السلام) : لما رأت فاطمة بنت الامام أمير

ص: 39


1- درر الابكار في وصف الصفوة الاخيار من مصورات مكتبة الامام الحكيم.
2- أعلام الورى ( ص 360 ) عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 151 - 152 ) الدر النظيم ( ص 180).
3- الدر النظيم ( ص 179 ).

المؤمنين ما يفعل ابن أخيها علي بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة اقبلت الى جابر بن عبد اللّه الانصاري فقالت له :

« يا صاحب رسول اللّه إن لنا عليكم حقوقا ، ومن حقنا عليكم ان إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه اللّه وتدعوه الى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه ، ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه مما دأب على نفسه في العبادة .. »

وانطلق جابر الى الامام زين العابدين فوجده في محرابه قد أضنّته العبادة ، واجهدته الطاعة ونهض الامام فاستقبل جابر ، واجلسه إلى جنبه ، وسأله سؤالا حفيا عن حاله ، واقبل جابر عليه قائلا :

« يا ابن رسول اللّه أما علمت أن اللّه تعالى إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم ، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ .. »

فاجابه الامام بلطف وحنان قائلا :

« يا صاحب رسول اللّه ، أما علمت أن جدي رسول اللّه قد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، فلم يدع الاجتهاد له وتعبد - بأبي وأمي - حتى انتفخ ساقه ، وورم قدمه ، وقد قيل له : أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا ... »

ولما نظر جابر الى الامام لا يغنى معه قول يميل به من الجهد والتعب ، طفق يقول له : « يا ابن رسول اللّه ، البقيا على نفسك ، فانك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، وبهم تستكشف الادواء ، وبهم تستمطر السماء ... »

فاجابه الامام بصوت خافت :

ص: 40

« لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى القاهما ... »

وبهر جابر ، وأقبل على من حوله قائلا :

« ما رؤي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب ، واللّه لذرية الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب!! إن منهم لمن يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا ... » (1)

لقد كان الامام زين العابدين امام المتقين والمنيبين فقد اجتهد في عبادته وأخلص في طاعته ، ولم يؤثر عن القديسين مثل ما أثر عنه من الاقبال على اللّه.

صدقاته وبره :

وكان الامام زين العابدين من أبر الناس بالضعفاء ، وأرفقهم بالمساكين ، وأرحمهم للبائسين ، وكان يؤثر اصحاب الفاقة على نفسه وأهله ، وقد اجمع المؤرخون انه كان يحمل جراب الخبز على ظهره فيتصدق به ، ويقول : إن صدقة السر تطفئ غضب الرب (2) وكان يعول بمائة بيت في المدينة (3) وكان اذا ناول الفقير الصدقة قبله ثم ناوله (4) وإنما كان يفعل ذلك لئلا يبدو على الفقير أثر الذل والانكسار ، ويقول المؤرخون : ان الامام أبا جعفر (عليه السلام) لما غسل أباه نظر بعض من كان حاظرا تغسيله الى مواضع المساجد من ركبتيه ، وظاهر قدميه كأنهما مبارك البعير من كثرة

ص: 41


1- الامام زين العابدين ( ص 72 - 73 ) لاحمد فهمي ، مناقب ابن شهرآشوب 4 / 148.
2- حلية الاولياء 3 / 136.
3- حلية الاولياء 3 / 136.
4- حلية الاولياء 3 / 136.

سجوده إلا انهم نظروا الى عاتقه فوجدوا مثل ذلك الاثر عليه فسألوه عن ذلك فقال (عليه السلام) :

« اما انه لو كان حيا ما حدثتكم عنه ، كان لا يمر به يوم من الايام إلا اشبع فيه مسكينا فصاعدا ما أمكنه ، فاذا كان الليل نظر الى ما فضل عن قوت عياله يومهم ذلك فجعله في جراب فاذا هدأ الناس وضعه على عاتقه ، وتخلل المدينة وقصد قوما لا يسألون الناس الحافا فوصلهم من حيث لا يعلمون من هو ، ولا يعلم بذلك أحد من أهله غيري ، فانى كنت أطلعت على ذلك منه يرجو بذلك فضل اعطاء الصدقة بيده ، ودفعها سرا ، وكان يقول : صدقة السر تطفئ غضب الرب (1).

ويروي الامام الباقر (عليه السلام) بعض مبرات أبيه فيقول : كان أبي ربما يشتري مطرف الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ، ويدخل به المسجد فاذا كان الصيف أمر فيتصدق به ، أو بيع فيتصدق بثمنه (2).

لقد كان الامام زين العابدين (عليه السلام) نسخة لا ثاني لها في تأريخ الانسانية ، فان مقايسه الخلقية ، وفضائله النفسية لترفعه الى مستوى لم يبلغه أي انسان عدا آبائه.

رائعة الفرزدق :

وحج الامام زين العابدين (عليه السلام) بيت اللّه الحرام ، وكان قد حج هشام بن عبد الملك ، وقد جهد هشام على استلام الحجر فلم يستطع لزحام الناس على الحجر ، ونصب له منبر فجلس عليه ، وجعل ينظر الى طواف الناس ، واقبل الامام زين العابدين ليؤدي طوافه ، فلما بصر به الحجاج غمرتهم هيبته التي تحكي هيبة جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتعالت الاصوات

ص: 42


1- دعائم الاسلام 2 / 188.
2- دعائم الاسلام 2 / 156.

بالتهليل والتكبير ، وانفرج الناس له سماطين ، وكان السعيد من يراه ، والسعيد من يقبل يده ، ويلمس كتفه ، فانه بقية اللّه في ارضه ، وذهل اهل الشام ، وبهروا ، وتطلعت إليه أعناقهم وأبصارهم فان هشام المرشح للخلافة بعد أبيه مع ما احيط به من هالة التكريم من أهل الشام واحتفاف الشرطة به ، فانه لم ينل أي لون من الوان الحفاوة من الحجاج ، وبادر أحد اصحابه فقال له :

« من هذا الذي هابه الناس هذه المهابة؟ »

وتميز هشام من الغيظ ، وانتفخت أوداجه فصاح بالرجل « لا اعرفه .. »

وإنما انكر معرفته للإمام مخافة أن يرغب فيه الناس ، وكان الفرزدق حاظرا ، فلم يملك أهابه فقال لاهل الشام :

« أنا اعرفه »

« من هو يا أبا فراس؟ »

وصاح هشام بالفرزدق قائلا :

« أنا لا أعرفه » « بلى تعرفه »

ونهض فانشد هذه الرائعة التي كانت أشد وقعا على هشام من ضرب السيوف وطعن الرماح قائلا :

هذا سليل حسين وابن فاطمة *** بنت الرسول الذي انجابت به الظلم

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

اذا رأته قريش قال قائلها : *** الى مكارم هذا ينتهي الكرم

يرقى الى ذروة العز الذي قصرت *** عن نيلها عرب الاسلام والعجم

ص: 43

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته *** فلا يكلم إلا حين يبتسم

بكفه خيزران ريحها عبق *** من كف أروع في عرينينه شمم

من جده دان فضل الأنبياء له *** وفضل أمته دانت له الامم

ينشق نور الهدى عن نور غرته *** كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلم

مشتقة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصرها والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله *** بجده انبياء اللّه قد ختموا

اللّه شرفه قدما وفضله *** جرى بذاك له في لوحه القلم

فليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من انكرت والعجم

كلتا يديه غياث عم نفعهما *** يستو كفان ولا يعروهما عدم

حمال اثقال أقوام اذا فدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفناء أريب حسين يعتزم

من معشر حبهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الارض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** ولا يداينهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما ازمة ازمت *** والاسد أسد الشرى والبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من اكفهم *** سيان ذلك ان أثروا وان عدموا

يستدفع السوء والبلوى بحبهم *** ويسترد به الاحسان والنعم

مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كل أمر ومختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذل ساحتهم *** خيم كريم وأيد بالندى هضم

أي الخلائق ليست في رقابهم *** لاولية هذا أولا نعم

من يشكر اللّه يشكر أولية ذا *** فالدين من بيت هذا بابه الامم

وثار هشام وود أن الارض قد خاست به ، ولا يسمع هذه القصيدة

ص: 44

العصماء التي دللت على واقع الامام العظيم ، وعرفته لاهل الشام الذين جهلوه وجهلوا آباءه ، وأمر بالوقت باعتقال الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة ، وبلغ ذلك الامام زين العابدين فبعث إليه باثني عشر الف درهم فردها الفرزدق ، واعتذر من قبولها ، وقال : إنما قلت فيكم غضبا لله ورسوله فردها الامام عليه فقبلها ، وجعل الفرزدق يهجو هشاما وكان مما هجاه به :

أيحبسني بين المدينة والتي *** إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد *** وعين له حولاء باد عيوبها (1)

الحزن العميق :

ولم ينكب أحد في هذه الدنيا بمثل ما نكب به الامام زين العابدين علیه السلام فقد عانى أهوال كارثة كربلا ، وشاهد فصول تلك المأساة الخالدة في دنيا الاحزان ، وكان مريضا قد ألمت به العلل والامراض ، وقد ادمت قلبه تلك المشاهد الحزينة فكانت تبعثه على الاستمرار فى البكاء واللوعة ، وكان حزنه يزداد تحرقا وتأججا كلما تقدمت الايام حتى براه الحزن ، وبلغ من عظيم حزنه انه ما قدم له طعام ولا شراب إلا مزجه بدموع عينيه حزنا على أبيه (28) وألح عليه بعض مواليه ان يخلد الى الصبر ويخفف لوعة المصاب فقال له : اني اخاف عليك أن تكون من الهالكين ، فاجابه الامام برفق ولطف قائلا :

« يا هذا إنما اشكو بثي وحزني الى اللّه ، واعلم ما لا تعلمون ، ان يعقوب كان نبيا فغيب اللّه عنه واحدا من اولاده وعنده اثنا عشر ولدا ، وهو يعلم أنه حي فبكى عليه حتى أبيضت عيناه من الحزن ، وأني نظرت

ص: 45


1- حياة الامام الحسين 3 / 327.

إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟! واني لا أذكر مصرع ابن فاطمة إلا خنقتني العبرة ، واذا نظرت الى عماتي وأخواتي ذكرت فرارهن يوم الطف من خيمة الى خيمة ، ومنادي القوم ينادي أحرقوا بيوت الظالمين .. »

لقد كانت تلك المشاهد المفجعة التي تم تمثيلها على صعيد كربلا تبعثه على الحزن والأسى حتى عد من البكائين الخمسة الذين مثلوا الحزن والبكاء على مسرح الحياة في جميع الاحقاب والآباد.

وكان الامام الباقر (عليه السلام) ينظر الى هذا الحزن المرهق الذي حل بأبيه فيجزع كأشد ما يكون الجزع وربما شاركه في بكائه ولوعته.

وصاياه لولده الباقر :

وزود الامام العظيم ولده الباقر وسائر ابنائه بوصايا تربوية حفلت بالآداب العالية والقيم الكريمة التي تضمن لمن عمل بها السلامة والراحة ، وتهيئ له جوا من الطمأنينة ، والبعد عن مشاكل هذه الحياة .. وهذه بعضها :

1 - قال (عليه السلام) لولده الباقر : « يا بني لا تصحبن خمسة ، ولا تحادثهم ، لا تصحبن الفاسق فانه يبيعك بأكلة فما دونها ، قلت : يا أبت وما دونها؟ قال : يطمع فيها ثم لا ينالها ، ولا تصحب البخيل فانه يقطع بك أحوج ما تكون إليه ، ولا تصحب الكذاب فانه بمنزلة السراب يبعد عنك القريب ، ويقرب منك البعيد ، ولا تصحب الاحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرك ، وقد قيل : عدو عاقل خير من صديق أحمق ، ولا تصحب قاطع رحم فانه ملعون في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع : في سورة محمد قال تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ

ص: 46

لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (1) وفي سورة الرعد حيث يقول تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) . (2)

وفي سورة الأحزاب حيث يقول اللّه تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. ) (3) .. » (4)

وقد حذر الامام (عليه السلام) في هذه الوصية من مزاملة هؤلاء الاشخاص المصابين في اخلاقهم خوفا من انتقال أمراضهم النفسية الى من يصحبهم فان للصحبة أثرا فعالا في تكوين السلوك الشخصي للفرد.

2 - وأوصى (عليه السلام) ولده الامام الباقر بهذه الوصية القيمة قال له : « افعل الخير الى كل من طلبه منك فان كان أهلا فقد أصبت موضعه ، وإن لم يكن باهل كنت أنت اهله ، وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره ... » (5).

وحفلت هذه الوصية بمكارم الاخلاق التي طبعت عليها نفوس أهل البيت (عليهم السلام) فان الحث على فعل الخير ، والصفح عن المسيء كل ذلك من ذاتياتهم ومن أبرز ما عرفوا به.

3 - قال الامام الباقر (عليه السلام) : كان أبي علي بن الحسين يقول لولده :

« اتقوا الكذب الصغير منه ، والكبير في كل جد وهزل لأن الرجل اذا

ص: 47


1- سورة محمد : آية 22 و 23.
2- سورة الرعد : آية 25.
3- سورة الأحزاب : آية 57.
4- الاتحاف بحب الأشراف ( ص 50 ).
5- تحف العقول ( ص 282 ).

كذب في الصغير اجترأ على الكبير ... » (1).

لقد ربى الامام (عليه السلام) ولده بمحاسن الاعمال وغرس في نفوسهم النزعات الشريفة ، ونهاهم عن كل ما يوجب انحطاط الانسان في سلوكه.

4 - وأوصى (عليه السلام) ولده الامام الباقر بهذه الوصية الرفيعة قال (عليه السلام) :

« يا بني العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ، واعلم أن العلم ابقى ، اللسان أكثر هذرا ، وان اصلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين بهما اصلاح شأن المعايش ملء مكتال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل (2) لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن له ، واعلم أن الساعات تذهب عمرك ، وأنت لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى وإياك والأمل الطويل فكم من مؤمل لا يبلغه ، وجامع مال لا يأكله ، ومانع مال سوف يتركه ، ولعله من باطل جمعه ، ومن حق منعه اصابه حراما وورثه واحتمل اصره ، وباء بوزره وذلك هو الخسران المبين. » (3)

هذه بعض وصاياه وقد حفلت بالآداب الرفيعة والحكم القيمة والتوجيه السليم ، ولم يضعها لأبنائه فقط ، وإنما وضعها للناس جميعا على اختلاف قومياتهم وأديانهم.

أدعيته لولده :

أما أدعية الامام على وجه العموم فانها تمثل جانبا أصيلا ومشرقا من جوانب التربية الاسلامية ، وهي من افضل الوسائل لتهذيب النفوس ، وتقويم الاخلاق.

لقد رأى الامام العظيم الأمة - في عصره - قد غمرتها سحب قاتمة من التدهور الديني والخلقي والاجتماعي فوضع أدعيته التي عرفت

ص: 48


1- وسائل الشيعة 3 / 232.
2- أثرت هذه الكلمة الذهبية في كثير من المصادر الى الامام الباقر.
3- كفاية الأثر ( ص 319 ) للخزاز.

با ( السجادية ) ليعالج بها الأمراض النفسية ، ويعيد للأمة ما فقدته من أرصدتها الروحية والفكرية ، وهي من اثمن الثروات الاسلامية بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة.

ان ادعية الامام (عليه السلام) تتفجر بالعلم والحكمة ، وتفيض بروح الايمان والاسلام ، وتمد الأمة بما تحتاجه من التعليم لضمان توازنها الاجتماعي والفردي ، .. وكان من بين ادعيته الشريفة هذا الدعاء الذي خص به ولده يقول (عليه السلام) : « اللّهم ومنّ علي ببقاء ولدي ، وباصلاحهم لي ، وبامتاعي بهم ، الهي : امدد لي في اعمارهم ، وزد في آجالهم ، ورب لي صغيرهم ، وقولي ضعيفهم ، واصح لي أبدانهم واديانهم ، واخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كل ما عنيت به من أمرهم ، وادرر لي وعلى يدي ارزاقهم ، واجعلهم ابرارا اتقياء ، بصراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك محبين مناصحين ولجميع اعدائك معاندين ومبغضين آمين.

اللّهم أشدد بهم عضدي ، وأقم بهم أودي ، وكثر بهم عددي ، وزين بهم محضري ، واحي بهم ذكري ، واكفني بهم في غيبتي ، واعني بهم على حاجتي ، وأجعلهم لي محبين ، وعلى حدبين مقبلين ، مستقيمين لي مطيعين غير عاصين ، ولا عاقين ولا مخالفين ، ولا خاطئين ، واعني على تربيتهم وتأديبهم ، وهب لي من لدنك معهم أولادا ذكورا ، واجعل ذلك خيرا لي ، واجعلهم لي عونا على ما سألتك ، واعذني وذريتي من الشيطان الرجيم ، فانك خلقتنا وأمرتنا ونهيتنا ، ورغبتنا في ثواب ما أمرتنا ورهبتنا عقابه ، وجعلت لنا عدوا يكيدنا سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه منه اسكنته صدورنا ، واجريته مجاري دمائنا ، لا يغفل ان غفلنا ، ولا ينسى ان نسينا ، يؤمننا عقابك ، ويخوفنا بغيرك ، إن هممنا بفاحشة شجعنا عليها ،

ص: 49

وان هممنا بصالح ثبطنا عنه ، يتعرض لنا بالشهوات ، وينصب لنا بالشبهات ... إن وعدنا كذبنا ، وإن منانا اخلفنا ، وإلا تصرف عنا كيده يضلنا وإلا تقنا خباله يستزلنا.

اللّهم : فاقهر سلطانه عنا بسلطانك حتى تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك فنصبح من كيده في المعصومين بك ... اللّهم فاعطني كل سؤلي ، واقض لي حوائجي ، ولا تمنعني الاجابة ، وقد ضمنتها لي ، ولا تحجب دعائي عنك وقد امرتني به ... وامنن عليّ بكل ما يصلحني في دنياي وآخرتي ما ذكرت منه وما نسيت ، أو أظهرت او اخفيت ، أو اعلنت أو اسررت ، واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي اياك ، المنجحين بالطلب إليك غير الممنوعين بالتوكل عليك ، المعوذين بالتعوذ بك ، والراغبين في التجارة عليك ، المجارين بعزك ، الموسع عليهم الرزق الحلال من فضلك ، الواسع بجودك وكرمك ، المعزين من الذل بك ، والمجارين من الظلم بعد لك ، والمعافين من البلاء برحمتك ، والمغنين من الفقر بغناك ، والمعصومين من الذنوب والزلل والخطأ بتقواك ، والموفقين للخير والرشد والصواب بطاعتك ، والمحال بينهم وبين الذنوب بقدرتك ، التاركين لكل معصيتك ، الساكنين في جوارك.

اللّهم : اعطنا جميع ذلك بتوفيقك ورحمتك واعذنا من عذاب السعير واعط جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات مثل الذي سألتك لنفسي ولولدي في عاجل الدنيا وآجل الآخرة انك قريب مجيب ، سميع عليم ، عفو ، غفور ، رءوف رحيم ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار .. » (1)

ص: 50


1- الصحيفة السجادية دعاء (25).

لقد وضع الامام العظيم مناهج التربية ، واخلاق الاسلام بهذا الدعاء الشريف الذي هو من نفحات النبوة ، ومن عبقات الامامة ، ومن الصفحات المشرقة من تراث أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد عنى فيه الامام بتربية ابنائه تربية تقوم على تهذيب الاخلاق ، وتطهير النفوس من الزيغ والآثام ... لقد دعا لهم بالصحة في الأديان ، والمعافاة من اقتراف ما حرمه اللّه ، ودعا لهم بالاستقامة والتوازن في سلوكهم ليكونوا قرة عين له ، وعونا له على شئون هذه الحياة ، ومن الطبيعي أن الأب إنما يسعد بولده فيما إذا استقامت اخلاقه وكان صالحا في هديه وسلوكه ، وأما إذا شذ عن ذلك فانه يحول حياة أبويه الى جحيم لا تطاق.

فى ذمة الخلود :

واجهد الامام العظيم نفسه في العبادة ، واخلص فى طاعته لله كأعظم ما يكون الاخلاص ، فلم ير الناس مثله في تقواه وورعه ، وشدة تحرجه في الدين ... لقد كانت حياته مدرسة للتقوى ومدرسة للأيمان ، ومنطلقا للتهذيب والاصلاح ، وقد اكبره الناس أي اكبار لأنه بقية النبوة ، وبقية اللّه فى أرضه ، فكان السعيد من يراه ، والسعيد من يحظى بمجالسته ، والحديث معه ، وشق ذلك على الامويين الذين كانوا من أحقد الناس على الأسرة النبوية ، فقد هالهم واقض مضجعهم اجماع الناس على اكباره وتحدثهم عن سعة علومه ومعارفه ، وذيوع مثله التي تعنو لها الجباه ، وكان من اعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك فقد روى الزهري ان الوليد قال له : لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا (1) واجمع رأي

ص: 51


1- حياة الامام علي بن الحسين ( ص 426 ).

هذا الخبيث الدنس على اغتيال الامام حينما آل إليه الملك والسلطان ، ونعرض فيما يلي الى ذلك مع ذكر الاحداث التي رافقت سم الامام.

سمه :

وقام الوليد بن عبد الملك بأخطر جريمة فى الاسلام ، فقد بعث سما قاتلا الى عامله على يثرب ، وأمره ان يدسه الى الامام (1) ونفذ عامله ذلك ، وحينما سقى السم أخذ يعاني اقسى الآلام وأشدها ، وبقي حفنة من الايام على فراش المرض يبث شكواه الى اللّه ، وتزاحم الناس على عيادته ، وهو (عليه السلام) يحمد اللّه ويشكره على ما رزقه من الشهادة على يد شرار بريته.

نصه على امامة الباقر :

وعبد (عليه السلام) بالامامة الى ولده الباقر ونص عليه يقول الزهري دخلت إليه عائدا فقلت له :

« إن وقع من أمر اللّه ما لا بد منه ، فالى من نختلف بعدك؟ » فنظر الامام إليه برفق وقال له :

« الى ابني هذا - واشار الى ولده الباقر - فانه وصي ووارثي وعيبة علمي ، هو معدن العلم وباقره .. »

« هلا أوصيت الى أكبر ولدك؟ .. »

« يا أبا عبد اللّه ليست الامامة بالكبر والصغر ، هكذا عهد إلينا

ص: 52


1- نور الابصار ( ص 129 ) الفصول المهمة لابن الصباغ ( ص 233 ) الاتحاف بحب الاشراف ( ص 52 ) الصواعق المحرقة ( ص 53 ) جدول مصباح الكفعمي ( ص 276 ).

رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهكذا وجدناه مكتوبا فى اللوح والصحيفة .. »

« يا ابن رسول اللّه عهد إليكم نبيكم أن تكونوا الأوصياء بعده؟ .. »

« وجدنا في الصحيفة واللوح اثنى عشر اسما مكتوبة في اللوح امامتهم واسماء آبائهم وامهاتهم ، ثم قال : ويخرج من صلب محمد ابني سبعة من الاوصياء منهم المهدي .. » (1)

ودخل عليه جماعة من اعلام شيعته فدلهم على أمامة ولده الباقر ، ونصبه مرجعا وعلما لأمة جده ، ثم دفع إليه سفطا وصندوقا فيه مواريث الأنبياء ، وكان فيه سلاح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكتبه (2).

وصيته لولده الباقر :

وعهد الامام زين العابدين (عليه السلام) الى وصيه وسيد ولده الامام الباقر (عليه السلام) بما أهمه وكان من جملة ما أوصى به.

1 - إنه قال له : اني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط ، فاذا نفقت فادفنها ، لا تأكل لحمها السباع ، فان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله اللّه من نعم الجنة ، وبارك في نسله ، ونفذ الامام الباقر ذلك (3).

2 - إنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له : « يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، فقد قال لي : يا بني إياك وظلم من لا يجد

ص: 53


1- كفاية الأثر للخزّاز ، اثبات الهداة 5 / 264.
2- بصائر الدرجات ( ص 146 ) اثبات الهداة 5 / 268.
3- محاسن البرقي 2 / 635.

عليك ناصرا إلا اللّه » (1).

3 - إنه عهد إليه ان يتولى غسله وتكفينه (2) وسائر شئونه حتى يواريه في مقره الأخير.

الى الرفيق الأعلى :

وثقل حال الامام ، واشتد به النزع ، وقد أخبر أهل بيته أنه في غلس الليل سوف ينتقل الى جنة المأوى ، وقد اغمي عليه ثلاث مرات فلما أفاق قرأ سورة ( الواقعة ) وسورة ( إنا فتحنا ) ثم قال (عليه السلام) : « الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين .. » (3).

ثم ارتفعت تلك الروح العظيمة الى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين ، تحفها ملائكة الرحمن ، وتحفها الطاف اللّه وتحياته ورضوانه.

لقد سمت روحه الى جنة المأوى بعد أن أضاءت آفاق هذا الكون ، وأشرقت بها عوالم الدنيا ، وذلك بما تركته من سيرة ندية يهتدى بها الحائر ، ويرشد بها الضال.

تجهيزه :

وقام الامام أبو جعفر بتجهيز جثمان أبيه فغسل جسده الطاهر ، وقد رأى الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الأبل من كثرة سجوده لخالقه ، ونظروا الى عاتقه كأنه مبارك الأبل أيضا ، فسألوا الباقر عن ذلك فأخبرهم

ص: 54


1- الخصال ( ص 185 ) الامالي ( ص 161 ).
2- الخرائج ( ص 20 ).
3- روضة الكافي.

أنه من أثر الجراب الذي كان يحمله على عاتقه ويضع فيه الطعام ويوزعه على الفقراء والمحرومين.

وبعد الفراغ من غسله أدرجه في اكفانه ، وصلى عليه الصلاة المكتوبة.

تشييعه :

وشيع الامام بتشييع حافل لم تشهد له يثرب نظيرا ، فقد شيعه البر والفاجر وبكاه الناس جميعا ، فقد فقدوا بموته الخير الكثير ، وفقدوا تلك الروحانية التي لم يخلق لها مثيل ، وقد ازدحم الناس على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى برفعه ، ومن الغريب ان سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الامام والصلاة عليه ، وانكر عليه حشرم مولى اشجع ، فقال له سعيد : أصلي ركعتين في المسجد أحب الى من ان اصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح (1) وقد حرم سعيد من الفوز بتشييع الامام الذي هو اتقى انسان خلقه اللّه بعد آبائه الطاهرين.

فى مقره الأخير :

وجيء بالجثمان العظيم في وسط هالة من التكبير والتحميد الى بقيع الغرقد فحفروا له قبرا بجوار قبر عمه الزكي الامام الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة ، وأنزل الامام الباقر جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير ، وقد وارى معه البر والتقوى والحلم ، ووارى روحانية الأنبياء والمتقين.

وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الامام الباقر (عليه السلام) وهم يرفعون له تعازيهم الحارة ويشاركونه في لوعته واساه ، والامام مع أخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على ذلك.

وانصرف الامام أبو جعفر (عليه السلام) إلى بيته بعد أن وارى أباه في بقيع

ص: 55


1- رجال الكشي ( ص 76 ).

الغرقد وهو غارق في البكاء ، وقد احتف به بنو هاشم ، وابناء الصحابة ، وسائر وجوه المسلمين وهم يذرفون الدموع على الامام زين العابدين ، ويعددون مزاياه ومآثره ، ويذكرون بمزيد من الأسى الخسارة العظمى التي منى بها المسلمون بفقده.

وقد تسلم الامام الباقر (عليه السلام) بعد وفاة أبيه القيادة الروحية والمرجعية العامة للعالم الاسلامي ، فقد انتقلت إليه الامامة ، والزعامة الدينية عند الشيعة (1) ، وأخذ منذ تلك اللحظة ينشر العلم ، ويلقى على العلماء الدروس الخاصة في شئون الشريعة الاسلامية واحكام الدين.

وقد عاش الامام الباقر (عليه السلام) في كنف أبيه ( 39 سنة ) حسبما ذكره أكثر المؤرخين (2) وقد وهم المستشرق روايت م. رونلدس حيث ذكر ان عمره حينما انتقلت إليه الامامة كان ( 19 سنة ) (3) فان ذلك نشأ من قلة التتبع وعدم التثبت في شئون التأريخ الاسلامي.

اسطورة :

من الموضوعات ما رواه ابن عساكر في تأريخه بأسناده عن محمد بن جعفر السامري قال ما نصه : سمعت أبا موسى المؤدب يقول : قال قيس ابن النعمان : خرجت يوما الى بعض مقابر المدينة فاذا أنا بصبي جالس عند قبر يبكي بكاء شديدا ، وإن وجهه ليلقي شعاعا من نور فأقبلت

ص: 56


1- العقد الفريد 5 / 204.
2- جاء في تأريخ الأئمة ( ص 5 ) لابن أبي الثلج البغدادي انه اقام مع أبيه ( 35 سنة ) إلا شهرين.
3- عقيدة الشيعة ( ص 123 ).

عليه ، فقلت : أيها الصبي ما الذي اعقلت له من الحزن حتى افردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلاء ، وأنت بغرارة (1) الحداثة مشغول عن اختلاف الأزمان ، وحنين الأحزان؟!! فرفع الصبي رأسه ، وطأطأه واطرق ساعة لا يحيد جوابا ثم رفع رأسه وهو يقول :

ان الصبي صبي العقل لا صغر *** ازرى بذي العقل فينا لا ولا كبر

ثم قال لي : يا هذا إنك خلي الذرع من الفكر ، سليم الاحشاء من الحرقة ، آمنت تقارب الأجل بطول الأمل ، ان الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلاء يذكرني قول اللّه عز وجل « إذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون » فقلت : بأبي أنت وأمي من أنت؟ فاني لأسمع كلاما حسنا ، فقال : إن من شقاوة أهل البله قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء ، أنا محمد بن علي بن الحسين ، وهذا قبر ابي فأي انس أنس من قربه؟ وأي وحشة تكون معه؟ ثم أنشأ يقول :

ما غاض دمعي عند نازلة *** إلا جعلت لها البكا سببا

إني احل ثرى حللت به *** من أن أرى بسواك مكتئبا

فاذا ذكرتك سانحتك به *** من الدموع اذا ما فاض فأنسكبا

قال قيس : فانصرفت ، وما تركت زيارة القبور منذ ذاك (2) والذي يدلل على وضع هذه الرواية انها ذكرت ان الامام كان صبيا بعد وفاة أبيه ، ومما اجمع عليه المؤرخون ان عمره الشريف في ذلك الوقت كان تسعا وثلاثين سنة مع أن التأمل في فصولها يوحي بانها من الموضوعات.

ص: 57


1- الغرارة : هي الحداثة في السن.
2- تأريخ ابن عساكر 51 / 44 - 45.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الامام محمد الباقر في ظلال جده وأبيه ، وقد ورث منهما أجل ما تورثه الاصول للفروع ، فقد ورث منهما العلم والحكمة وفصل الخطاب.

ص: 58

اخوته وابناؤه

اشارة

ص: 59

ص: 60

أما البحث عن شئون السادة من أخوان الامام الباقر وابنائه ، ومدى علاقتهم معه فانه ضروري حسب الدراسات الحديثة لأنه يكشف جانبا من جوانب حياته في ظلال أسرته التي تعد من المكونات التربوية للشخص - حسبما يقول علماء التربية - وفيما يلي ذلك.

أخوته :

أما علاقة الامام بأخوته فقد كانت وثيقة للغاية تسودها المحبة والألفة واجتناب هجر الكلام ومره ، وقد قيل له :

« أي اخوانك أحب إليك؟ »

فأجاب (عليه السلام) أنه لا يفرق بينهم ، وأنه يكن لهم جميعا اعظم المودة والاخلاص قائلا :

« أما عبد اللّه فيدي التي ابطش بها (1) واما عمر فبصري الذي ابصر به ، وأما زيد فلساني الذي انطق به ، وأما الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاما .. » (2).

لقد توفرت في اخوان الامام (عليه السلام) جميع النزعات الكريمة من الورع والتقوى ، والصلاح ، قد غذاهم أبوهم الامام زين العابدين (عليه السلام) بهديه ، وأفاض عليهم أشعة من روحه فأنارت قلوبهم بجوهر الاسلام وواقع الايمان ، ونقدم عرضا موجزا لبعض شئونهم :

زيد الشهيد :

أما زيد الشهيد فهو ملئ فم الدنيا في فضله وعلمه وشممه وإبائه ،

ص: 61


1- عبد اللّه : هو أخو الامام الباقر لأمه وأبيه.
2- سفينة البحار 2 / 273.

وهو أحد أعلام الأسرة النبوية الذين رفعوا كلمة اللّه عالية في الأرض ، وقدموا أرواحهم قرابين خالصة لوجه اللّه ليحققوا العدالة الاسلامية ، ويعيدوا بين الناس حكم القرآن ، ويقضوا على معالم الظلم الاجتماعي التي أوجدها الحكم الاموي بين الناس ، ونلمع الى بعض سيرته وشئونه.

ولادته :

كانت ولادة زيد الشهيد سنة ( 78 ه ) (1) وقيل سنة ( 75 ه ) (2) ولما بشر به أبوه الامام زين العابدين (عليه السلام) أخذ القرآن الكريم وفتحه متفائلا به فخرجت الآية الكريمة ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) (3) فطبقه وفتحه ثانيا فخرجت الآية ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (4) وطبق المصحف ثم فتحه فخرجت الآية ( وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ ) (5) وبهر الامام وراح يقول :

« عزيت عن هذا المولود وانه لمن الشهداء .. » (6)

لقد تنبأ الامام (عليه السلام) بشهادة ولده واحاط أصحابه علما بها ، فلم يخامرهم شك في ذلك.

ص: 62


1- تهذيب ابن عساكر 6 / 18.
2- الحدائق الوردية 1 / 143.
3- سورة التوبة : آية 111.
4- سورة آل عمران : آية 169.
5- سورة النساء : آية 95.
6- الروض النضير 1 / 52.

نشأته :

نشأ زيد في بيوت النبوة والامامة ، وتغذى بلباب الحكمة ، فكان أبوه الامام زين العابدين الذي هو أفضل انسان في عصره يتعاهده بالآداب ، ويرسم له طرق الهداية والخير ، فتأثر بسلوكه ، وانطبعت في دخائل نفسه نزعاته المشرقة ، فكان البارز من صفاته - فيما يقول المؤرخون - الزهد والورع ، والتحرج في الدين ، فلم يتبع قيادة نفسه وإنما آثر رضا اللّه وطاعته على كل شيء.

وقد لازم منذ نعومة اظفاره أخاه الامام الباقر الذي هو خليفة أبيه ووصيه ، ووارث علومه ، ومن الطبيعي ان لهذه الصحبة أثرا فعالا في سلوكه وتكوين شخصيته ، فقد كان في هديه يضارع هدي آبائه الذين طهرهم اللّه من الرجس والزيغ وأبعدهم عن مآثم هذه الحياة.

عبادته وتقواه :

وأخلص زيد في العبادة والانابة لله ، فكان من أبرز المتقين في عصره يقول عاصم بن عبيد العمري : « رأيته وهو شاب بالمدينة يذكر اللّه فيغشى عليه ، حتى يقول القائل ما يرجع الى الدنيا » (1) وكان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن (2) وقد أثر السجود بوجهه (3) لكثرة صلاته طوال الليل (4) لقد اتجه بعواطفه ومشاعره نحو اللّه ، وسلك

ص: 63


1- مقاتل الطالبين ( ص 128 ).
2- مقاتل الطالبين ( ص 130 ).
3- مقاتل الطالبين ( ص 128 ).
4- الخرائج والجرائح ( ص 328 ).

كل ما يقربه إليه زلفى.

علمه وأدبه :

وكان زيد من علماء عصره البارزين ، وكان موسوعة في الحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب ، وعلم الكلام ، وقد سأل جابر الامام الباقر (عليه السلام) عن زيد فأجابه (عليه السلام) « سألتني عن رجل ملئ ايمانا وعلما من أطراف شعره الى قدمه. » (1).

وقال (عليه السلام) فيه : « ان زيدا أعطي من العلم بسطة » (2) وقد تحدث زيد عن سعة علومه ومعارفه حينما أعد نفسه لقيادة الأمة ، والثورة على الحكم الأموي ، يقول :

« واللّه ما خرجت ، ولا قمت مقامي ، هذا ، حتى قرأت القرآن ، وأتقنت الفرائض واحكمت السنة والآداب ، وعرفت التأويل كما عرفت التنزيل ، وفهمت الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، والخاص والعام ، وما تحتاج إليه الأمة في دينها مما لا بد لها منه ، ولا غنى عنه وأني لعلى بينة من ربي ... » (3).

لقد كان زيد من اعلام الفقهاء ومن كبار رواة الحديث ، وقد أخذ علومه من أبيه الامام زين العابدين (عليه السلام) ومن أخيه الامام الباقر (عليه السلام) الذي بقر العلم حسبما أخبر عنه جده الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد غذياه بانواع العلوم وأخذ عنهما أصول الاعتقاد والفروع والتفسير ، فكان من الطراز الأول في فضله وعلمه ...

ص: 64


1- مقدمة مسند الامام زيد ( ص 8 ).
2- مقدمة مسند الامام زيد ( ص 7 ).
3- الخطط والآثار للمقريزي 2 / 440.

وإن من أوهى الاقوال ما ذهب إليه الشهرستاني من انه تتلمذ لواصل بن عطاء واخذ عنه الاعتزال يقول : « أراد - يعني زيدا - أن يحصل الاصول والفروع حتى يتحلى بالعلم فتتلمذ في الاصول لواصل بن عطاء رأس المعتزلة مع اعتقاد واصل بأن جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأصحاب الشام ما كان على يقين من الصواب ، وان أحد الفريقين منهما كان على خطأ لا بعينه فاقتبس منه الاعتزال .. » (1)

أما هذا الرأي فلا يحمل أي طابع من التوازن والتحقيق فان زيدا لم يقتبس علومه من واصل ، وإنما أخذها من أبيه وأخيه اللذين أضاءا الحياة الفكرية والعلمية في الاسلام.

وقد استمد الفقهاء ورؤساء المذاهب الاسلامية علومهم مما أخذوه من أئمة اهل البيت (عليهم السلام) أما مباشرة او من أحد تلامذتهم ، فكيف يذهب زيد الى واصل (2) لأخذ العلم عنه؟ ويذهب الشيخ أبو زهرة الى ان التقاء زيد بواصل كان التقاء مذاكرة وليس التقاء تلميذ عن استاذ فان السن متقاربة ، وزيد كان ناضجا ... واضاف قائلا : إنه تلقى فروع .

ص: 65


1- الملل والنحل المطبوع على هامش الفصل 2 / 208.
2- كان واصل بن عطاء الثغ قبيح اللثغة في الراء ، فكان يخلص كلامه من الراء وفيه يقول الشاعر : ويجعل البر قمحا في تصرفه *** وخالف الراء حتى احتال للشعر ولم يطق مطرا والقول يعجله *** فعاد بالغيث اشفاقا من المطر جاء ذلك في وفيات الاعيان 5 / 60.

الاحكام من أسرته ، وفي المدينة مهد علم الفروع (1).

لقد أخذ زيد علومه من أبيه وأخيه ، وكان من اعلام الفقهاء في عصره وقد روى عنه أبو خالد الواسطي مجموعة في الفقه تتناول العبادات والمعاملات اسماها ( مسند الامام زيد ) وقد ذكرنا ما يواجه هذا الكتاب من المؤخذات في درستنا عن عقائد الزيدية (2).

أما مكانة زيد الأدبية فقد كان من الطراز الأول في الأدب والبلاغة وكان يشبه جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في فصاحته وبلاغته (3) ويقول المؤرخون : إنه جرت بين زيد وبين جعفر بن الحسن منازعة في وصية فكانا إذا تنازعا انثال الناس عليهما ليسمعوا محاورتهما فكان الرجل يحفظ على صاحبه اللفظة من كلام جعفر ويحفظ الآخر اللفظة من كلام زيد فاذا انفصلا وتفرق الناس فيكتبون ما قالاه : ثم يتعلمونه كما يتعلم الواجب من الفرض والنادر من الشعر والسائر من المثل وكانا أعجوبة دهرهما واحدوثة عصرهما (4) وكان سيبويه يحتج بما أثر عن زيد من الشعر ، ويستشهد به فيما يذهب إليه واعترف خصمه الطاغية هشام بقدراته الأدبية ، وبراعته في الكلام فقال : « إنه حلو اللسان ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام » (5) وقد حفلت مصادر الأدب والتأريخ

ص: 66


1- الامام زيد ( ص 225 ) لمحمد أبو زهرة.
2- طبع بعض هذا الكتاب في المسائل الدينية التي تصدر في كربلا والبعض الآخر لا يزال مخطوطا.
3- الحدائق الوردية 1 / 144.
4- زهر الآداب 1 / 87.
5- تأريخ اليعقوبي 2 / 390.

بالشيء الكثير من روائع حكمه وهي من غرر الكلام العربي.

اكبار الامام الباقر لزيد :

وكان الامام الباقر (عليه السلام) يجل أخاه زيدا ويكبره ، ويحمل له في دخائل نفسه أعمق الود ، وخالص الحب لأنه من افذاذ الرجال ، وصورة حية للبطولات النادرة ، وقد روى المؤرخون صورا من ألوان ذلك الود والاكبار ، وهذه بعضها :

1 - إنه قال له : « لقد انجبت أم ولدتك يا زيد ، اللّهم اشدد ازري بزيد » (1) وهذا يدل على مدى إكبار الامام وتعظيمه لزيد.

2 - روى سدير الصيرفي قال : كنت عند أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فدخل زيد بن علي فضرب أبو جعفر على كتفه وقال له : « هذا سيد بني هاشم إذا دعاكم فأجيبوه وإذا استنصركم فانصروه » (2) ودل ذلك على دعوة الامام الى نصرته والذب عنه ، والحكم بشرعية ثورته.

3 - روى المؤرخون عن رجل من بني هاشم قال : كنا عند محمد بن علي بن الحسين وأخوه زيد جالس فدخل رجل من أهل الكوفة فقال له محمد بن علي : إنك لتروى طرائف من نوادر الشعر فكيف قال الانصاري لأخيه؟ فانشده :

لعمرك ما أن أبو مالك *** بوان ولا بضعيف قواه

ولا بألد له نازع *** يعادي أخاه اذا ما نهاه

ص: 67


1- عمدة الطالب 2 / 127 من مصورات مكتبة الامام الحكيم تسلسل 42.
2- عمدة الطالب 2 / 127 ، غاية الاختصار ( ص 30 ).

ولكنه غير مخلافة *** كريم الطبائع حلو ثناه (1)

وإن سدته سدت مطواعة *** ومهما وكلت إليه كفاه

فوضع أبو جعفر يده على كتف زيد وقال له :

« هذه صفتك يا أخي واعيذك باللّه أن تكون قتيل العراق » (2).

ومعنى هذه الأبيات التي وصف بها الامام أخاه أنه كان قوي الشكيمة صلب الارادة ، ماضي العزيمة ، وانه منقاد لأخيه ، كريم في طبائعه ، وإنه مهما وكل إليه من أمر عظيم فانه اهل للقيام به ، ولا يتصف بهذه الصفات إلا أفذاذ الناس ، وعمالقة الدهر.

لقد اضفى الامام (عليه السلام) على أخيه اسمى النعوت ، ومنحه وده الخالص ، ولم يكن بذلك مدفوعا بدافع الأخوة فان مقامه الروحي بعيد كل البعد من الاندفاع وراء العواطف والرغبات ، وإنما رأى أخاه من أروع صور التكامل الانساني فمنحه هذا اللون من الود والتكريم.

مع هشام بن عبد الملك :

وعرف هشام بن عبد الملك بالحقد على الأسرة النبوية ، والبغض لها ، وقد عهد للمباحث ورجال الأمن بمراقبة العلويين والتعرف على تحركاتهم والوقوف على نشاطاتهم السياسية ، وقد احاطته استخباراته علما بسمو مكانة زيد ، وأهمية مركزه الاجتماعي ، وما يتمتع به من القابليات الفذة التي اوجبت احتفاف الجماهير حوله ، وتطلعهم الى حكمه ، وأخذ هشام يبغي له الغوائل ويكيد له في غلس الليل وفي وضح النهار ، وعهد الى عامله على يثرب بأشخاصه إليه ، ولما شخص الى دمشق حجبه عنه

ص: 68


1- وفي رواية ( حلو نثاه ).
2- زهر الآداب 1 / 118.

مبالغة في توهينه والاستهانة به ، وقد احتف به أهل الشام لما رأوا ما اتصف به من سمو الخلق ، وبليغ النطق وقوة الحجة ، والتحرج في الدين ، وبلغ ذلك هشاما فتميز من الغيظ فاستشار بعض مواليه ، وطلب منه الرأي للحط من شأنه وتوهينه أمام أهل الشام فأشار عليه أن يأذن للناس اذنا عاما ، ويحجب زيدا ثم يأذن له في آخر الناس فاذا دخل عليه وسلم فلا يرد عليه سلامه ولا يأمره بالجلوس ، وحسب أن ذلك موجب للحط من شأنه والتوهين بشخصيته وفعل هشام ذلك ، فلما دخل زيد وسلم لم يرد عليه سلامه فثار زيد في وجهه - فيما يقول بعض المؤرخين - وخاطبه بعنف قائلا :

« السلام عليك يا أحول فانك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم ... » (1) ونسفت هذه الكلمات جبروت الطاغية ، واطاحت بغلوائه ، فصاح بزيد : « بلغني أنك تذكر الخلافة ، وتتمناها ، ولست أهلا لها ، وأنت ابن أمة .. »

وانبرى زيد يسخر منه ، ويدلي بحجته في تفنيد قول هشام قائلا : « ان الامهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم اسماعيل أمة لأم اسحاق فلم يمنعه ذلك أن بعثه اللّه نبيا ، وجعله أبا للعرب ، وأخرج من صلبه خير الأنبياء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... » (2).

وفقد هشام توازنه امام هذا المنطق الفياض ، وسرت الرعدة في أوصاله فراح يتهجم على الامام محمد الباقر (عليه السلام) فقال له :

« ما يصنع أخوك البقرة؟ .. »

ص: 69


1- تهذيب ابن عساكر 6 / 22.
2- الكامل لابن الأثير 5 / 84.

ولا يلجأ الى هذا المنطق الرخيص إلا كل جاهل يعوزه الدليل ، والبرهان وشعر زيد بألم حينما سب أخاه فالتفت الى الطاغية قائلا :

« سماه رسول اللّه الباقر ، وتسميه البقرة ، لشد ما اختلفتما لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار .. » (1)

وزعزعت هذه الكلمات عرش الطاغية وابرزته امام أهل الشام كأقذر مخلوق لا يستحق أن يكون شرطيا فكيف يكون خليفة على المسلمين؟ مع مخالفته لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)؟ وفقد هشام صوابه فصاح بجلاوزته ان يخرجوا زيدا من مجلسه (2) وخرج زيد وقد ملئ قلب هشام غيظا والما ، وراح الطاغية يقول لأسرته :

« ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ، لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم ... » (3)

وخرج زيد وقد امتلأت نفسه حماسا وعزما على اعلان الثورة على الحكم الأموي الذي كفر بجميع القيم الانسانية واستهان بكرامة الناس ، وقد أعلن زيد شرارة الثورة بكلمته الخالدة التي اصبحت شعارا للثوار ونشيدا لهم على الخوض في ميادين الكفاح والنضال قائلا :

« ما كره قوم حر السيوف إلا ذلوا .. »

وقد جرت هذه المقابلة بين زيد وبين هشام في حياة الامام الباقر (عليه السلام) ولم تشر المصادر التي بايدينا الى السنة التي وقعت فيها وعلى أي حال فمنذ تلك اللحظة عزم زيد على الثورة ، والقيام بمناهضة الحكم الأموي ،

ص: 70


1- شرح النهج 1 / 315 ، عمدة الطالب ( ص 83 ).
2- الكامل 5 / 84.
3- عمدة الطالب.

يقول بعض شيعته دخلت عليه فسمعته يتمثل بقول الشاعر :

ومن يطلب المجد للمنع بالقنا *** يعش ماجدا أو تخترمه المخارم

متى تجمع القلب الذكي وصارما *** وآنفا حميا تجتنبك المظالم

وكنت اذا قوم غزوني غزوتهم *** فهل أنا في ذا يا آل همدان ظالم (1)

ودل هذا الشعر على تصميمه على الثورة ، والخوض في ميدان الكفاح المسلح ليعش ماجدا كريما تجتنبه المظالم ، ويصد عنه كيد المعتدين ... لست أيها الثائر العظيم ظالما ولا باغيا وإنما أنت منقذ ومحرر للأمة العربية والاسلامية من الظلم والجور والاستبداد.

مشروعية الثورة :

والشيء المحقق ان زيدا لم يفجر ثورته الكبرى أشرا ولا بطرا ، ولا ظالما ، ولا مفسدا ، وإنما كان يبغي وجه اللّه ، ويلتمس الدار الآخرة ، فقد رأى ظلما شائعا ، وجورا شاملا ، ورأى حكام بني أمية لم يبقوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فخرج داعيا الى اللّه ، وطالبا بالحق ، يقول الرواة : إنه لما ازمع على الخروج جاءه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إني سمعت أخاك أبا جعفر يقول : إن أخي زيد بن علي خارج ومقتول ، وهو على الحق ، فالويل لمن خذله ، والويل لمن حاربه ، والويل لمن يقتله ، فقال له زيد :

« يا جابر لم يسعن أن أسكت ، وقد خولف كتاب اللّه تعالى ، وتحوكم بالجبت والطاغوت ، وذلك اني شاهدت هشاما ، ورجل عنده يسب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلت : للساب ، ويلك يا كافر اما اني لو تمكنت منك

ص: 71


1- مقاتل الطالبين ( ص 129 ).

لاختطفت روحك وعجلتك الى النار ، فقال لي هشام : مه جليسنا يا زيد ، فو اللّه لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه ، وجاهدته حتى افنى .. » (1)

وأثنى الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) على عمه ثناء عاطرا ، ومجّد ثورته الاصلاحية فكان فيما يقول الرواة : قد قال لاصحابه : لا تقولوا : خرج زيد ، فان زيدا كان عالما ، وكان صدوقا ، ولم يدعكم الى نفسه ، إنما دعاكم الى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه انما خرج الى سلطان مجتمع لينقضه (2) وقد دفع (عليه السلام) الى عبد الرحمن بن سيابة ألف دينار وأمره أن يقسمها في عيال من أصيب مع زيد (3).

ولو كانت الثورة غير مشروعة لما صنع ذلك فان شأنه أسمى من أن يندفع وراء التيارات العاطفية.

وشجبت بعض الروايات ثورة زيد ، ووسمتها بأنها غير مشروعة إلا ان سيدنا الاستاذ الامام الخوئي قد عرض (4) إليها فأثبت ان سندها ضعيف لا يمكن التعويل عليها في الطعن بشخصية زيد وثورته.

وعلى أي حال فقد أحدثت ثورة زيد تحولا اجتماعيا وفكريا في المجتمع الاسلامي وهيأته الى الثورة على الحكم الأموي فلم تمر إلا سنين يسيرة

ص: 72


1- تيسير المطالب ( ص 108 - 109 ).
2- روضة الكافي.
3- الأمالي للمجلسي 54.
4- معجم رجال الحديث 7 / 350 - 358.

وإذا بالرايات السود تخفق في خراسان ، وهي تزحف الى احتلال الاقاليم الاسلامية ، وتطهرها من عملاء السلطة الاموية حتى اطاحت بالعرش الأموي ، وقضت على معالم زهوه وجبروته.

الثورة الكبرى :

وثار زيد على الحكم الأموي بوحي من عقيدته التي تمثل روح الاسلام وهديه ، فقد رأى باطلا يحيى ، وصادقا يكذب ، وأثرة بغير تقى ، ورأى جورا شاملا ، واستبدادا في أمور المسلمين فلم يسعه السكوت ، يقول بعض شيعته : خرجت معه الى مكة فلما كان نصف الليل ، واستوت الثريا قال لي :

« أما ترى هذه الثريا؟ أترى أحدا ينالها؟ ... »

« لا ».

« واللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فاقع الى الارض أو حيث أقع فاتقطع قطعة قطعة ، وان اللّه يصلح بين أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... » (1)

ودل حديثه على مدى نزعته الاصلاحية واخلاصه العظيم لأمة جده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتفانيه في سبيل الاصلاح العام.

وروى عيسى بن عبد اللّه عن جده محمد بن عمر بن علي (عليه السلام) قال : كنت مع زيد بن علي حين بعث بنا هشام الى يوسف بن عمر ، فلما خرجنا من عنده ، وسرنا حتى كنا بالقادسية قال زيد : اعزلوا متاعي عن أمتعتكم ، فقال له ابنه : ما تريد أن تصنع؟ قال : أريد أن ارجع الى الكوفة ، فو اللّه لو علمت أن رضى اللّه عز وجل عني في أن أقدح نارا

ص: 73


1- مقاتل الطالبيين ( ص 129 ).

بيدي حتى اذا اضطرمت رميت نفسي فيها لفعلت!! ولكن ما أعلم شيئا ارضى لله عز وجل عني من جهاد بني أمية (1).

إنه لم يفجر ثورته الكبرى طمعا بالخلافة والملك ، وإنما كان يبغي وجه اللّه والدار الآخرة ، وقد رأى أن مناهضة اولئك الظالمين من اعظم ما يقربه الى اللّه.

ويمم زيد وجهه نحو الكوفة لأنها المركز العام للشيعة ، وان أهلها طلبوا منه القدوم إليهم ليأخذ منهم البيعة على مناهضة الحكم الاموي والاطاحة به ، ويقول المؤرخون إن جماعة من المخلصين لزيد حذروه من القدوم الى الكوفة ، وعذلوه من الوثوق بالكوفيين لما عرفوا به من الغدر ونقض العهود إلا انه لم يعن بذلك فانه لم يجد موطنا تتوفر فيه الإستراتجية للثورة سوى الكوفة ، وجعل زيد يتمثل بقول عنترة العبسي :

بكرت تخوفني المنون كأنني

اصبحت عن عرض الحياة بمعزل

فأجبتها أن المنية منهل

لا بد أن أسقى بكأس المنهل (2)

ودل هذا الشعر على عزمه وتصميمه على الخوض في ميادين الكفاح المسلح ، وانه يسعى بكل جرأة واقدام ليحتسي كأس المنية ولا يعيش ذليلا مضاما شأنه شأن جده الامام الحسين سيد الاحرار والأباة في الاسلام.

ولما انتهى زيد الى الكوفة بادر أهلها إليه فرحبوا به ترحيبا حارا ، وأسرعوا إليه يبايعونه حتى بلغ عدد المبايعين خمسة عشر الفا ، وقيل اكثر من ذلك وبايعه الفقهاء والقضاة واعلام الفكر والأدب كالاعمش ، وسعد

ص: 74


1- تيسير المطالب ( ص 108 - 109 ).
2- الروض النضير 1 / 75.

ابن كدام ، وقيس بن الربيع والحسن بن عمارة وغيرهم (1) وسئل ابو حنيفة عن خروج زيد فقال : « ضاهى خروج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر » وقال : « لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدت معه لأنه أمام بحق ، ولكن اعينه بمال » (2).

أما صيغة البيعة التي أخذها زيد على من بايعه فهي : « إنا ندعوكم الى كتاب اللّه ، وسنة نبيه ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفيء بين أهله ، ورد المظالم ، ونصرة أهل الحق ... » (3).

وتعطي هذه الصيغة صورة عن المبادئ الاصلية التي ثار من أجلها زيد وهي :

1 - الدعوة الى احياء كتاب اللّه ، وسنة نبيه ، فقد اقصتهما السياسة الأموية عن واقع الحياة.

2 - جهاد الظالمين من حكام بني أمية الذين ساسوا المسلمين بالظلم والجور وارغموهم على ما يكرهون.

3 - الدفاع عن حقوق المستضعفين ، وتوفير العطاء للمحرومين ، فقد حرموا من جميع حقوقهم الشرعية طيلة الحكم الأموي.

4 - قسمة الفيء ، وسائر الحقوق المالية على المسلمين بالسواء ، فقد نهبها الامويون ، وانفقوها على ملاذهم ورغباتهم الخاصة.

5 - نصرة دعاة الحق الذين يعنون بشئون الأمة ، ويسهرون على

ص: 75


1- مقاتل الطالبيين.
2- الكامل 5 / 56.
3- مقاتل الطالبيين.

صالحها ، وهم الهداة من أهل البيت (عليهم السلام).

لقد ثار زيد من أجل أن يحقق هذه الاهداف العظيمة في ربوع الوطن الاسلامي الكبير ، وينقذ الأمة من عسف الامويين وظلمهم وبطشهم.

وبعد ما توفرت لزيد القوة العسكرية الهائلة التي يبلغ عددها - فيما يقول بعض المؤرخين - أربعين الفا ، رأى أن يفجر الثورة ، ويزحف بجيوشه الى احتلال الكوفة والاطاحة بالحكم الأموي.

وانطلقت جيوشه من جبانة سالم (1) وهي تهتف بجياة زعيمها العظيم زيد وسقوط الحكم الاموي ، وتنادي بشعار الشيعة « يا منصور امت » (2) ولما رأى زيد الرايات تخفق على رأسه قال : « الحمد لله الذي هداني واللّه اني كنت استحي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن أرد الحوض ولم آمر بمعروف » (3) وخطب في جيوشه فقال لهم : « عليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بالبصرة والشام لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ، ولا تفتحوا مغلقا ، واللّه على ما نقول وكيل. » (4).

وبدأت الحرب في ليلة شديدة البرد (5) لسبع بقين من المحرم سنة ( 122 ه ) وجرت مناوشات واصطدام مسلح بين اتباع زيد وبين الجيوش الاموية تحت قيادة والي الكوفة يوسف بن عمر.

ص: 76


1- انساب الاشراف 3 / 203.
2- الطبري 8 / 273.
3- عمدة الطالب 2 / ورقة 127 من مصورات مكتبة الحكيم.
4- الحدائق الوردية 1 / 148.
5- انساب الاشراف 3 / 202.

الخيانة والغدر :

وخان أهل الكوفة بزيد وغدروا به بعد ما عاهدوا اللّه على نصرته والذب عنه فقد اسلموه عند الوثبة ، وتركوه مع القلة من اصحابه في ميدان الجهاد ، ولما رأى زيد تخاذلهم راح يقول :

« فعلوها حسينية ».

لقد غدروا به كما غدروا بجده الحسين من قبل ، وايقن زيد بفشل ثورته ، واستبان له ان لا ذمة لأهل الكوفة ، ولا وفاء لهم ، وقد خاض مع اصحابه الحرب في شوارع الكوفة وازقتها ، وابلى في المعركة بلاء حسنا ، وما رأى الناس قط فارسا اشجع منه (1).

فى ذمة الخلود :

وأبدى زيد من البسالة والبطولة ما يفوق حد الوصف ، فقد اخذ يلاحق الجيوش وينزل بها أفدح الخسائر ، ولم يستطع الجيش الاموي أن يصمد أمام الضربات المتلاحقة التي يصبها عليهم زيد ، وكان يحمل عليهم ويتمثل بقول الشاعر :

أذل الحياة وعز الممات *** وكلا أراه طعاما وبيلا

فان كان لا بد من واحد *** فسيري الى الموت سيرا جميلا

لقد آثر زيد عز الممات على ذل الحياة كما أثر ذلك آباؤه فلم يخضع للذل والعبودية ومات عزيزا تحت ظلال السيوف والرماح.

ولما جنح الليل رمي زيد بسهم غادر فأصاب جبهته (2) ووصل الى

ص: 77


1- انساب الاشراف 3 / 202.
2- يراجع في تفصيل الحادث المؤلم الى زيد الشهيد للمقرم ، وثورة زيد بن علي لناجي حسن ، والى عقائد الزيدية للمؤلف.

دماغه الشريف الذي ما فكر إلا في صالح الانسان وسعادته.

وحلت الكارثة بأصحابه ، وهاموا في تيارات مذهلة من الأسى والحزن ، وطلبوا له طبيبا فانتزع منه السهم فتوفى من فوره ، وقد انطفئت بذلك الشعلة الوهاجة التي كانت تضيء الطريق وتوضح القصد للمسلمين.

لقد استشهد زيد من أجل أن يحقق العدالة الاجتماعية في الارض ، ويحقق للمسلمين الفرص المتكافئة ، ويوزع خيرات الارض على الفقراء والمحرومين الذين كفرت السلطة الأموية بجميع حقوقهم.

ويقول المؤرخون : إن أصحاب زيد حاروا في مواراة جثمانه خوفا عليه من السلطة التي لا تتورع من التمثيل الآثم به ، وبعد المداولة صمموا على مواراته في نهر هناك فانطلقوا الى النهر فقطعوا ماءه وحفروا فيه قبرا وواروا الجسد الطاهر فيه ، ثم أجروا الماء ، وانصرفوا وهم يذرفون الدموع على القائد العظيم الذي تبنى حقوق المظلومين والمضطهدين.

وكان مع أصحاب زيد أحد عيون السلطة يراقب تحركاتهم فبادر مسرعا الى الكوفة واخبر حاكمها بموضع الدفن ، فأمر بنبش القبر واخراجه منه فاخرج ، وحمل الى قصر الكوفة ، وأمر بصلبه منكوسا في سوق الكناسة وعمدوا الى احتزاز رأسه الشريف ، وارسل هدية الى طاغية الشام هشام ابن عبد الملك ، وأمر الرجس بوضع الرأس في مجلسه ، وأمر جميع من يدخل عليه أن يطأه بحذائه (1) مبالغة في توهينه ، وجعلت الدجاج تنقر دماغه وفي ذلك يقول الشاعر :

أطردوا الديك عن ذؤابة زيد *** طال ما كان لا تطأه الدجاج (2)

ص: 78


1- شرح ابن أبي الحديث.
2- النزاع والتخاصم ( ص 7 ).

ابن بنت النبي اكرم خل *** ق اللّه زين الوفود والحجاج

حملوا رأسه الى الشام ركضا *** بالسرى والبكور والادلاج (1)

وأمر الطاغية بنصب الرأس الشريف على باب دمشق ، ثم أرسل الى المدينة (2) فنصب عند قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوما وليلة (3) ثم أرسله الى مصر كل ذلك لاذاعة الخوف والارهاب بين الناس ، واعلامهم على قدرة السلطة على سحق أية معارضة تقوم ضدها.

وكتب طاغية دمشق الى السفاك يوسف بن عمر حاكم الكوفة بان يبقى زيدا مصلوبا ، ولا ينزله عن خشبته قاصدا بذلك اذلال العلويين والاستهانة بشيعتهم ، وقد فاته ان ذلك قد أوقد نار الثورة في نفوسهم ، وزادهم عزما وتصميما على التضحية في سبيل مبادئهم.

وقد افتخر الامويون بابقاء جثة زيد مصلوبة ، وقد اعتز بذلك وغد من عملائهم وهو الحكيم بن عياش يقول :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة *** ولم نر مهديا على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليا سفاهة *** وعثمان خير من علي وأطيب

حفنة من التراب في فيه فان زيدا إنما صلب دفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، وصلب من أجل أن يحقق العدالة الاجتماعية في الارض ، ويقضي على الغبن الاجتماعي والتلاعب بمقدرات الأمة وخيراتها.

ولما بلغ هذا الشعر الامام أبا عبد اللّه الصادق تألم كأشد ما يكون التألم ورفع يديه بالدعاء قائلا : « اللّهم ان كان عبدك كاذبا فسلط

ص: 79


1- أنساب الاشراف 3 / 292.
2- الطبري 8 / 77.
3- عمدة الطالب ( ص 258 ).

عليه كلبك » واستجاب اللّه دعاء الامام فافترسه أسد وهو يدور في سكك الكوفة ولما انتهى خبره الى الامام سجد لله شاكرا وهو يقول : الحمد لله الذي أنجزنا وعده (1).

التنكيل بأنصار زيد :

وامعنت السلطة الاموية بعد ما قضت على ثورة زيد في اشاعة الذعر والخوف في الكوفة ، فأخذت البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، وعمدت الى التنكيل القاسي بانصار زيد فاشاعت فيهم القتل والاعدام ، واسرفت في ذلك الى حد بعيد ، وتعدى التنكيل من الرجال الى النساء ، وكان ذلك محظورا حتى في العرف الجاهلي إلا ان الامويين قد استباحوا ذلك في سبيل أهدافهم السياسية ، ويقول المؤرخون : ان الطاغية السفاك يوسف ابن عمر أمر بالقاء القبض على امرأة كانت قد اعانت زيدا ، ولما مثلت عنده أمر بقطع يدها ورجلها ، فطلبت قطع رجلها أولا حتى تجمع عليها ثيابها فما استجابوا لها فقطعوا يدها ورجلها ، وأخذ ينزف دمها حتى ماتت ، ثم انه أمر باحضار زوجها وضرب عنقه ، فنفذ فيه ذلك (2) كما أوعز بالقاء القبض على امرأة كانت قد زوجت بنتها الى زيد ، فأمر بشق ثيابها ، وجلدها بالسياط ، فجلدت وتوفيت تحت السياط ، ورموا بجثتها في الصحراء ، فأخذها قومها ودفنوها في مقابرهم (3).

واقترف الطاغية كثيرا من أمثال هذه الجرائم التي تنم عن انسان ممسوخ ، ميت الضمير والاحساس.

ص: 80


1- السيرة الحلبية 1 / 327.
2- انساب الاشراف 3 / 255.
3- أنساب الاشراف 3 / 255.

سخط المسلمين :

وسخط المسلمون لمقتل الشهيد العظيم زيد ، ونقموا على بني أمية كأشد ما تكون النقمة فقد انتهكوا في قتله حرمة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التي هي أولى بالرعاية والعطف من كل شيء.

فلم تمض حفنة من السنين على اقتراف الامويين لمجزرة كربلا الرهيبة ، وإذا بهم قد عمدوا الى قتل زيد الذي هو من أعلام الأسرة النبوية ، ولم يكتفوا بقتله ، وانما نبشوا قبره وصلبوه على الجذع ، ولم يسمحوا بمواراته لاظهار التشفي الآثم باهل البيت (عليهم السلام) وقد خالفوا بذلك ما أمر به النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من المودة لأهل بيته ، كما خالفوا ما أمر به الاسلام من احترام الاموات وتحريم المثلة بهم.

لقد كانت فاجعة زيد المروعة من الاحداث الجسام التي ذعر منها المسلمون ، واستعظموها وقد اندفع شعراؤهم الى رثائه بما صور مدى الحزن واللوعة التي مني بها المسلمون يقول الفضل بن العباس :

إلا يا عين لا ترقى وجودي *** بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي أبو حسين *** صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم ويمسي *** بنفسي اعظم فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه *** فأخرجه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون أبا حسين *** خضيبا بينهم بدم جسيد

فطال به تلعبهم عتوا *** وما قدروا على الروح الصعيد

وجاور في الجنان بني أبيه *** واجدادا هم خير الجدود

فكم من والد لأبي حسين *** من الشهداء أو عم شهيد

ومن ابناء اعمام سيلقى *** هم أولى به عند الورود

ص: 81

دماء معشر نكثوا أباه *** حسينا بعد توكيد العهود

فسار إليهم حتى أتاهم *** فما أرعوا على تلك العقود (1)

هذه بعض القصيدة وقد صور فيها الشاعر حزنه العميق على الشهيد العظيم الذي ثكل به المسلمون فهو يطلب من عينيه أن يجودا بالدموع ، ولا يضنا عليه ، وذلك لعظم الخطب الفادح ، ثم هو يستعظم كأشد ما يكون الاستعظام على اخراج زيد من قبره وصلبه ، ولكن مما يهون عليه الخطب انهم وان تلاعبوا بجسد الثائر العظيم إلا انهم لم يقدروا على ارغام روحه الطاهرة التي صارعت الباطل وقاومت المنكر والجور ، وانها قد أقامت في الجنان مع أرواح الشهداء الخالدين الذين صرعوا في كربلا دفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، ثم انه بعد ذلك ينعى على أهل الكوفة غدرهم بزيد ، كما غدروا من قبل بجده الحسين (عليه السلام) فكان الغدر من خصائص الكوفيين وذاتياتهم ، وقد قيل :

« الكوفي لا يوفى »

وممن رثى زيدا بذوب روحه أبو ثميلة الأبار يقول :

أبا الحسين أعار فقدك لوعة *** من يلق ما لاقيت منها يكمد

فغدا السهاد ولو سواك رمت به *** الأقدار حيث رمت به لم يشهد

ونقول : لا تبعد وبعدك دلؤنا *** وكذلك من يلق المنية يبعد

كنت المؤمل للعظائم والنهى *** ترجى لأمر الامة المتأود

فقتلت حين رضيت كل مناضل *** وصعدت في العلياء كل مصعد

فطلبت غاية سابقين فنلتها *** باللّه في سير كريم المورد

وابى إلهك أن تموت ولم تسر *** فيهم بسيرة صادق مستنجد

ص: 82


1- مقاتل الطالبين ( ص 148 - 149 ).

والقتل في ذات الاله سجية *** منكم وأحرى بالفعال الامجد

والناس قد أمنوا وآل محمد *** من بين مقتول وبين مشرد

نصب اذا القى الظلام ستوره *** رقد الحمام وليلهم لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة *** أسباب موردها وما لم يورد

ما حجة المستبشرين بقتله *** بالامس أو ما عذر أهل المسجد (1)

وقد رسم الشاعر في هذه الابيات شجونه واحزانه المرهقة على زيد الثائر العظيم ، وذكر الخسارة العظمى التي منيت بها الامة بفقدها لزيد ، فقد كان المؤمل لشدائدها وازماتها ، واضاف إنه بشهادته قد أنار الطريق للمناضلين والاحرار ، وملأ قلوبهم رضا ومسرة بنهضته الجبارة التي استهدفت القضايا المصيرية لامته ، وقد نال زيد بشهادته الغاية القصوى التي نالها الشهداء الممجدون من آبائه الذين رفعوا راية الحق ملطخة بدمائهم الزكية ... واضاف ان اللّه أبى لزيد أن يموت ، ولا يسير بين الناس بسيرة المنقذين والمحررين لامتهم وأوطانهم ، فان القتل في سبيل اللّه كانت سجية العلويين وقد أثر عن بعضهم أنه قال : « القتل لنا عادة وكرامتنا من اللّه الشهادة ».

وعرض أبو ثميلة في ابياته الاخيرة الى المحن القاسية التي عانها العلويون من حكام بني أمية والتي كان منها انهم قد حرموا من الأمن فانهم بين مقتول ومشرد يطارده الرعب والفزع والخوف ، في حين أن الطير ترقد في ليلها آمنة مطمئنة وآل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يرقدوا في ليلهم خوفا من بني أمية ، وندد بالمستبشرين بقتل زيد الذي ثار لتحقيق العدالة الاجتماعية في الارض ، كما ندد بالذين بايعوه ، وخذلوه ، فدخلوا جامع الكوفة ، وقد طلب منهم

ص: 83


1- مقاتل الطالبين ( ص 150 ).

أن يقوموا بنجدته وحماية ثورته ، فلم يستجيبوا له.

حرق الجثمان العظيم :

وبقي جثمان زيد مرفوعا على أعواد المشانق ، وهو يضيء للناس طريق الحرية والكرامة ، ويدفعهم الى التمرد على الذل والخنوع ، ويبعث في نفوسهم روح الثورة على الظلم والجور ، وقد وضعت عليه السلطة الحرس ، وعددهم اربعمائة ، وجعلت الرقابة في كل ليلة لمائة رجل ، وبنيت للحرس حول الجذع بناية خوفا من أن يختلس الجثمان العظيم ، ويوارى في التراب (1).

ولما هلك الطاغية هشام ، وولي الحكم من بعده الوليد بن يزيد فاجر بني أمية كتب الى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمره بأن ينزل الجثمان المقدس من الخشبة ويحرقه بالنار (2) وقام السفاك بتنفيذ ما عهد إليه ، فأحرق الجسد الطاهر الذي ثار ليطهر الارض من الظالمين ويعيد للإنسان كرامته ، وحقه في الحياة.

وبعد ما أحرق الجثمان العظيم عمد الباغي يوسف بن عمر فذره في الفرات وهو يقول « واللّه يا أهل الكوفة لادعنكم تأكلونه في طعامكم ، وتشربونه في مائكم .. » (3)

لقد كان جزاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي حرر أمته من حياة التيه في الصحراء ، ان عمد الامويون الى قتل ذريته وعترته ، والتمثيل بهم تمثيلا آثما لا مبرر له سوى انهم كانوا يطالبون بحقوق الأمة ، وامنها ورخائها.

ص: 84


1- انساب الاشراف 3 / 256.
2- مقاتل الطالبين ( ص 147 ).
3- تأريخ اليعقوبي 2 / 391.

مع المسعودي :

بقى هنا شيء ، وهو ان المؤرخ الكبير المسعودي ذكر أن زيدا شاور أخاه أبا جعفر فى الخروج الى العراق لأعلان الثورة على الأمويين ، فاشار عليه الامام بأن لا يركن لأهل الكوفة لأنهم أهل غدر ومكر ، فقد قتلوا جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وطعنوا عمه الحسن ، وقتلوا جده الحسين ، فأبى زيد الا ما عزم عليه من المطالبة بالحق ، فقال له أبو جعفر : اني أخاف أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة ، وودعه أبو جعفر واعلمه أنهما لا يلتقيان (1) ويشعر كلامه بأن الامام الباقر (عليه السلام) كان حيا حال خروج زيد ، كما فهم ذلك بعض من كتب عن زيد ، وهذا لا واقع له فان الامام أبا جعفر توفي سنة ( 114 ه ) (2) واستشهد زيد سنة ( 122 ه ) ولعل المسعودي أراد أن زيدا في ذلك الوقت حدثته نفسه بالخروج على بني أمية ، وهذا له مجال من الصحة ... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حياة زيد وثورته التي هي من ألمع الثورات في ذلك العصر واكثرها عطاء للمجتمع.

الحسين الأصغر :

الحسين الاصغر بن الامام زين العابدين ، أمه أم ولد (3) وكان من مفاخر الأسرة النبوية في فضله وتقواه ، وسائر مواهبه ، وفيما يلي بعض شئونه :

ص: 85


1- مروج الذهب 3 / 139.
2- تأريخ ابن الاثير 4 / 217 البستان الجامع لعماد الدين الاصفهاني مصور في مكتبة الحكيم.
3- عمدة الطالب 2 / 29 من مصورات مكتبة الحكيم.

علمه :

كان من العلماء البارزين في عصره ، وقد روى حديثا كثيرا عن ابيه ، وعمته السيدة فاطمة بنت الامام الحسين (عليه السلام) ، وأخيه الامام أبي جعفر (عليه السلام) (1) وروى عنه محمد ابنه الحديث الوارد عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الاخبار عن قتل ولده الامام الحسين (عليه السلام) (2).

حلمه ووقاره :

وكان الحسين حليما وقورا تمثلت فيه هيبة المتقين والصالحين ، وعلت وجهه اسارير النور ، ووصفه الامام أبو جعفر فقال : « وأما الحسين فحليم يمشي على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاما. » (3)

تقواه وورعه :

كان ورعا تقيا شديد الخوف من اللّه يقول سعيد صاحب الحسن بن صالح : لم أر أحدا اخوف من اللّه من الحسن بن صالح حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين فلم أر أشد خوفا منه ، كأنما أدخل النار ثم أخرج منها لشدة خوفه (4).

وروى احمد بن عيسى عن أبيه قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو فكنت أقول : لا يضع يده حتى يستجاب له في الخلق اجمعين (5)

ص: 86


1- الارشاد ( ص 302 ).
2- معجم رجال الحديث 6 / 44.
3- سفينة البحار 2 / 273.
4- الارشاد ( ص 302 ).
5- عمدة الطالب 2 / 29.

لقد نشأ الحسين في مركز الورع والتقوى ، ومعدن الحكمة والفضيلة في الاسلام ، وقد غذاه أبوه الامام زين العابدين بمثله وكمالاته النفسية ، فكان كأبيه في اقباله على اللّه ، وزهده في الدنيا ، وتحرجه في الدين.

وفاته :

توفى في يثرب عن عمر يناهز ( 57 عاما ) (1) وقيل ( 74 عاما ) (2) ودفن ببقيع الغرقد مجاورا لأبيه زين العابدين وأخيه الباقر.

عبد اللّه الباهر :

ابن الامام زين العابدين (عليه السلام) وهو أخو الامام الباقر لأمه وأبيه ، وهو من مفاخر ابناء الأئمة الطاهرين في علمه وورعه وتقواه ، ونعرض - بايجاز - لبعض شئونه.

لقبه :

لقب بالباهر لجماله وحسنه ، ويقول المؤرخون إنه ما جلس مجلسا إلا بصر جماله (3) وما رآه أحد إلا هابه ، واكبره.

علمه :

كان من العلماء البارزين فقد عني بتربيته أبوه زين العابدين فغذاه بعلومه وفضله ، ويقول المؤرخون : إنه كان من فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وروى عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أخبارا كثيرة ، وحدث الناس ،

ص: 87


1- معجم رجال الحديث 6 / 44.
2- عمدة الطالب 2 / 29.
3- عمدة الطالب 2 / ورقة 127.

وحملوا عنه الآثار (1) كما روى مرسلا عن جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن جده لامه الامام الحسن (عليه السلام) وروى عنه عمارة بن غزية ، وموسى ابن عقبة ، وعيسى بن دينار ، ويزيد بن أبي زياد ، وعده ابن حيان في الثقات ، وصحح الترمذي والحاكم حديثه (2).

ولايته على صدقات النبي :

وتولى عبد اللّه بالنيابة عن إخوانه صدقات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصدقات الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) وتوزيع وارداتهما على حسب ما جاء في وصية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والامام أمير المؤمنين.

وفاته :

انتقل الى حظيرة القدس ، وعمره سبع وخمسون سنة (4) ولم تعين المصادر التي بايدينا السنة التي توفى فيها والمكان الذي دفن فيه.

عمر الاشرف :

ابن الامام زين العابدين (عليه السلام) وأمه أمة اشتراها المختار بمائة الف درهم ، وبعث بها الى الامام زين العابدين فأولدت له عمرا وزيدا وعليا (5) وكان عمر الاشرف من أفاضل الناس وخيارهم ، أما اخباره وشئونه فهي :

ص: 88


1- الارشاد ( ص 300 ) وذكر بعض الاحاديث التي رويت عنه.
2- تهذيب التهذيب 5 / 324.
3- الارشاد ( ص 300 ).
4- عمدة الطالب 2 / ورقة 127.
5- عمدة الطالب 2 / ورقة 127.

كنيته :

يكنى أبا علي ، وقيل أبا جعفر (1) وقال الشيخ يكنى أبا حفص.

لقبه :

لقب بالأشرف بالنسبة الى عمر الأطرف عم أبيه وذلك لما ناله من شرف وفضيلة بالنسبة لولادة جده الحسين (عليه السلام) من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) بخلاف عمر الاطراف فانه نال الشرف من طرف أبيه الامام أمير المؤمنين ، هذا ما قاله السيد المهنا ، وعلق عليه سيدنا الامام الخوئي بقوله : « اقول : وهو أشرف من الاطرف بحسبه وفضله وورعه أيضا .. » (2)

علمه :

وكان عالما فاضلا عده الشيخ من أصحاب أخيه الامام الباقر ، وقد روى عن أبيه ، وروى عنه فطر بن خليفة (3).

ولايته على صدقات النبي :

تولى صدقات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصدقات جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول الحسين بن زيد : رأيت عمر عمي يشترط على من ابتاع صدقات علي أن يثلم في الحائط كذا وكذا ، لا يمنع من دخله أن يأكل (4) ودل

ص: 89


1- معجم رجال الحديث 13 / 54.
2- معجم رجال الحديث 13 / 54.
3- معجم رجال الحديث 13 / 54.
4- سفينة البحار 2 / 273.

ذلك على سخائه ونبله ، وسمو انسانيته.

وفاته :

انتقل الى الرفيق الأعلى وعمره خمس وستون سنة (1) ولم تشر المصادر التي عثرنا عليها الى السنة التي توفى فيها والمكان الذي دفن فيه فقد اهملت ذلك.

علي :

ابن الامام زين العابدين ، توفي بينبع (2) ودفن بها ، وعمره ثلاثون سنة (3) ولم نعثر على ترجمة ملمة بحياته ، فقد اهملت مصادر التراجم والنسب البحث عنه ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن السادة الابرار من أخوان الامام.

ابناء الامام الباقر :

اشارة

اما ابناء الامام الباقر فكانوا من حسنات الأسرة النبوية ، ومن مفاخر ابناء المسلمين في هديهم وصلاحهم وابتعادهم عن مآثم هذه الحياة ، قد رباهم الامام بمكارم اخلاقه ، وغرس فى نفوسهم نزعاته الكريمة ، ومثله العليا فكانوا امتدادا مشرقا لذاته العظيمة التي طبق شذاها العالم ...

ص: 90


1- عمدة الطالب 2 / ورقة 127.
2- ينبع : يقع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة الى البحر ، وهي لبنى الامام الحسن ، فيها عيون عذاب غزيرة ، وقال بعضهم إنه حصن به نخيل ، وماء وزرع ، وبها وقوف للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يتولاها ولده ، معجم البلدان 5 / 450.
3- عمدة الطالب 2 / ورقة 129.

أما ذريته الطاهرة من الذكور فهم :

1 - ابراهيم

ابن الامام الباقر (عليه السلام) وأمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الاخنس الثقفي (1) ولم نقف على أية معلومات عنه.

2 - الامام جعفر

هو سيد ولد أبيه ، ووصيه ، والامام القائم من بعده ، وكان من مفاخر هذه الدنيا ، وفي طليعة عباقرة العالم ، وذلك بما حققه على الصعيد الفكري والعلمي من التطور الهائل في الميادين العلمية والتي كان منها الابداع في علم الكيمياء الذي القى بحوثه على جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي ، ويعتبر هذا العلم الأداة الخلاقة للتقدم التكنلوجي في العالم ، ولا تزال الكثير من النظريات التي أدلى بها الامام في هذا الفن لم تكتشفها العلوم الحديثة وما توصل لمعرفتها الاختصاصيون (2).

أما البحوث الفلسفية والكلامية فيعتبر الامام الصادق من الرواد الاوائل فيها وقد تخرج على يده فيها هشام بن الحكم الذي يعتبر الانموذج الرائع في هذه البحوث.

أما الفقه الاسلامي فانه المؤسس له والواضع لقواعده وأصوله بعد آبائه الطاهرين ، وقد عنى بهذا العلم عناية بالغة ، فوجه جل اهتمامه نحوه

ص: 91


1- مرآة الزمان فى تواريخ الاعيان 5 / 78 ، طبقات ابن سعد 5 / 320.
2- أعلن ذلك الدكتور محمد يحيى الهاشمي في كتابه الامام الصادق ملهم الكيمياء.

وقد حفلت الموسوعات الفقهية بما أثر عنه بحيث يعد معظم أبواب الفقه وفروعه قد روي عنه.

وإذا نظرنا الى سائر العلوم الاسلامية الاخرى كعلم الحديث والتفسير والاخلاق وغيرها فنجد اكثرها قد أخذ عنه ... ولا يعرف التأريخ الانساني من هو اعظم منه علما وفضلا عدا آبائه (عليهم السلام) أما الحديث عن نواحي شخصيته مفصلا فانه يستدعى موسوعة كبيرة.

3 - عبد اللّه

ابن الامام الباقر (عليه السلام) وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر (1) قام بتربيته أبوه وعنى بتهذيبه فكان من افاضل العلويين ، وانبههم ، وقد توفى شهيدا سقاه السم رجس من أرجاس بني أمية ، يقول المؤرخون إنه دخل عليه ، فاوجس منه عبد اللّه خيفة فقال له : « لا تقتلني اكن لله عليك عينا ، واكن لك على اللّه عونا » (2).

فلم يعن به الاموي واجبره على تناول السم ، فلما سقي تقطعت امعاؤه ، ولم يلبث إلا قليلا حتى فارق الحياة (3) لقد مضى الى اللّه شهيدا شأنه شأن آبائه الذين أجهزت عليهم القوى الشريرة والنفوس الآثمة الحاقدة على ذوي الاحساب الاصيلة التي رفعت منار الكرامة الانسانية.

ص: 92


1- الارشاد ( ص 303 ).
2- المراد بقوله : « اكن لك على اللّه عونا » أي اكن لك شفيعا عند اللّه.
3- غاية الاختصار ( ص 64 ) سفينة البحار 1 / 309.
4 - علي

ابن الامام الباقر (عليه السلام) عاش في كنف أبيه ، وتربى على هديه ، وسلوكه فنشأ مثالا للفضل والكمال ، لقب بالطاهر لطهارة نفسه وعظيم شأنه توفى بالقرب من بغداد في قرية من اعمال الخالص ، أدلى بذلك محب الدين ابن النجار في تأريخه قال : « مشهد الطاهر يقع في قرية من اعمال الخالص قريبة من بغداد ظهر فيها قبر قديم عليه صخرة فيها مكتوب : « بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ضريح الطاهر علي بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) » وقد انقطع باقي الصخرة فبنى عليه قبة من لبن ، ثم عمره بعد ذلك شيخ من الكتاب يقال له : علي بن نعيم كان يتولى كتابة ديوان الخالص ، فزوقه وزخرفه ، وعلق فيه قناديل من الصفر ، وبنى حوله رحبة واسعة ، وصار من المشاهد التي تزار. » (1)

ونقل عن صاحب رياض العلماء أن قبره في ( كاشان ) وعليه قبة رفيعة عظيمة وله كرامات ظاهرة (2).

5 - عبد اللّه

وأمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية (3) توفي في حياة أبيه (4)

ص: 93


1- غاية الاختصار ( ص 63 ).
2- سفينة البحار 1 / 309.
3- الارشاد ( ص 303 ) النفحة العنبرية للسيد كاظم يماني من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة ، ولم يذكر عبد اللّه في جمهرة انساب العرب ، ولا في عمدة الطالب ولا في مرآة الزمان فقد خلت هذه المصادر من ذكره.
4- الصراط السوي ( ص 194 ).

ولم نعثر له على ترجمة وافية في المصادر التي بأيدينا.

السيدات من بناته :

أما السيدات من بناته فهن : السيدة زينب ، وأمها أم ولد ، والسيدة أم سلمة (1) وأمها أم ولد ، وهي أم اسماعيل بن الأرقط ، وقد مرض ولدها اسماعيل فهرعت الى الامام الصادق فزعة ، فأمرها أن تصعد فوق البيت ، وتصلي ركعتين ، وتدعو اللّه بهذا الدعاء : « اللّهم انك وهبته لي ، ولم يك شيئا ، اللّهم واني استوهبكه فاعرنيه ... » (2)

ففعلت ذلك فعافاه اللّه.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن السادة الابرار من ابناء الامام (عليه السلام).

ص: 94


1- مرآة الزمان في تواريخ الاعيان 5 / 78 ، طبقات ابن سعد 5 / 230 ، وفي النفحة العنبرية بناته : زينب الكبرى وزينب الصغرى ، وأم كلثوم.
2- سفينة البحار 1 / 309.

اكبار وتعظيم

اشارة

ص: 95

ص: 96

واجمع رجال الفكر والعلم من المعاصرين للإمام وغيرهم من البحاث والمؤلفين على تعظيم الامام الباقر (عليه السلام) والاعتراف له بالفضل والتفوق العلمي على غيره وقد اتفقت كلماتهم على أنه أسمى شخصية علمية عرفها العالم العربي والاسلامي ، وهذه بعض كلماتهم التي تحمل انطباعاتهم عنه.

1 - الامام الصادق :

قال الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) : « كان أبي خير محمدي يومئذ على وجه الارض .. » (1)

ومعنى ذلك ان الامام الباقر (عليه السلام) كان أفضل مسلم - في عصره - في علمه وتقواه ، وتحرجه في الدين ، وغير ذلك مما يسمو به الانسان المسلم.

2 - محمد بن المنكدر :

وكان محمد بن المنكدر ممن عاصر الامام زين العابدين وولده الامام الباقر علیهماالسلام ، وقد أدلى بانطباعاته عنه يقول : « ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله وغزارة علمه وحلمه حتى رأيت ابنه محمدا .. » (2)

3 - سديف المكي :

وسديف المكي من أصحاب الامام أبي جعفر ، وقد اتصل به ، وهو ممن أبدى اكباره واعجابه به يقول : « ما رأيت محمديا قط

ص: 97


1- البداية والنهاية 9 / 309.
2- روضة الكافي ، وقريب منه في الاتحاف بحب الاشراف ( ص 53 ) وتهذيب التهذيب 9 / 352.

يعدله » (1).

4 - هشام بن عبد الملك :

أما هشام بن عبد الملك فكان من اعظم الحاقدين على الامام ومن ألد أعدائه إلا انه اعترف بسمو مكانة الامام ، وعظيم شأنه فقد خاطبه قائلا : « يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك .. » (2)

5 - المنصور الدوانيقي :

وتحدث الامام الباقر (عليه السلام) عن قائم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومهدي هذه الأمة وكان في المجلس المنصور الدوانيقي فبهر من ذلك ، وراح يحدث سيف بن عمير بما سمعه من الامام قائلا : « لو حدثني أهل الارض كلهم ما قبلت منهم ، ولكنه محمد بن علي .. » (3) ودل هذا الكلام على مدى اكباره وتعظيمه للإمام ، فلو حدثه أهل الارض جميعا بمقالة الامام لما قبل منهم وصدقهم ، ولكن الامام حدثه بذلك وهو - حسب اعترافه - يفوق الناس جميعا في صدقه ووثاقته.

6 - عبد اللّه بن عطاء :

وتحدث عبد اللّه بن عطاء عن اكبار العلماء وتعظيمهم للامام (عليه السلام) وتواضعهم أمامه يقول : « ما رأيت العلماء عند أحد اصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له ، ومعرفتهم بحقه ، وعلمه ، واقتباسهم

ص: 98


1- أمالي الصدوق ( ص 297 ).
2- ضياء العالمين الجزء الثاني في ترجمة الامام الباقر.
3- الفرائد الغوالي 6 / 143.

منه ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة على جلالته وسنه ، وهو بين يديه يتعلم منه ، ويأخذ عنه كالصبي بين يدي المتعلم .. » (1) وأدلى مرة أخرى عن مشاهدته للحكم عند الامام قال : « رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب على أمره .. » (2)

ولا بد لنا من وقفة قصيرة عند الحكم بن عتيبة لنرى مكانته ومنزلته العلمية ليتبين لنا مدى سعة علوم الامام (عليه السلام) وسمو مكانته عند العلماء ... لقد كان الحكم - فيما يقول الرواة - من أجل علماء عصره وانبههم شأنا يقول مجاهد بن رومي : رأيت الحكم في مسجد الخيف ، وعلماء الناس عيال عليه ، ونقل جرير عن المغيرة ان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصلي إليها (3) وقال : ابن سعد : كان ثقة ثقة فقيها عالما رفيعا كثير الحديث.

واذا كان الحكم وهو بهذه المنزلة من سعة العلم وجلالة القدر كأنه الصبي المغلوب على أمره بين يدي الامام فلا بد أن يكون اعلم أهل عصره واكثرهم احاطة في جميع العلوم ، وهذا ما تذهب إليه الشيعة وتدلل عليه من سعة علوم الامام.

7 - جابر بن يزيد :

وجابر بن يزيد الجعفي من أشهر علماء المسلمين ، ومن أجل رواة

ص: 99


1- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 14 ) وقريب منه جاء في كل من حلية الأولياء 3 / 186 ، شذرات الذهب 1 / 149 ، تاريخ ابن عساكر 51 / 43 مرآة الجنان 1 / 248.
2- تهذيب التهذيب 2 / 133.
3- تهذيب التهذيب 2 / 134.

الحديث ، وهو ممن تتلمذ عند الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه سبعين ألف حديث - حسبما يقول الذهبي - وكان ممن عرف مقام الامام ووقف على مكانته فكان إذا حدث عنه يقول : « حدثني وصي الاوصياء ، ووارث علم الأنبياء » (1).

8 - جابر بن عبد اللّه :

واشتهر الصحابي العظيم جابر بن عبد اللّه الانصاري بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والتفاني بحبهم ، وهو الذي حمل تحيات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى الامام أبي جعفر (عليه السلام) - كما ذكرنا ذلك - وهو ممن وعى مكانة الامام (عليه السلام) فكان يجله ويعظمه والامام صبي يافع فكان اذا خاطبه قال له : « أنت ابن خير البرية ، وجدك سيد شباب أهل الجنة .. » (2).

9 - ابن حجر الهيثمي :

قال شهاب الدين احمد بن حجر الهيثمي : « أبو جعفر محمد الباقر ، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها ، وأنار مخبآتها ومكامنها ، فلذلك هو اظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطوية والسريرة ، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه ، صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة .. » (3)

ص: 100


1- مناقب ابن شهرآشوب 4 / 180.
2- بحار الانوار 11 / 64.
3- الصواعق المحرقة ( ص 120 ).

وحددت هذه الكلمات بعض الجوانب المشرقة من حياة الامام أبي جعفر (عليه السلام) والتي كان منها قيامه بابراز كنوز المعارف ، وحقائق الاحكام بعد أن خفى أمرها على الناس ، وهذا ما سنتحدث عنه في البحوث الآتية.

10 - ابن كثير :

وترجم ابو الفداء الحافظ ابن كثير الامام الباقر وقال فيه : « هو تابعي جليل القدر كثير ، أحد أعلام هذه الأمة علما وعملا وسيادة وشرفا ... سمي الباقر لبقره العلوم ، واستنباطه الحكم ، وكان ذاكرا خاشعا ، صابرا ، وكان من سلالة النبوة ، رفيع النسب ، عالي الحسب ، وكان عارفا بالخطرات ، كثير البكاء والعبرات ، معرضا عن الجدال والخصومات ... » (1)

وتحدث ابن كثير عن سعة علوم الامام ، وعبادته وصبره ، وسمو حسبه ونسبه ، وكثرة بكائه من خشية اللّه ، واعراضه عن الجدل والخصومات ونال الامام (عليه السلام) بهذه الصفات اعجاب العلماء واكبارهم وتقديرهم.

11 - عبد الحميد الحنبلي :

قال عبد الحميد بن العماد الحنبلي في ترجمته للامام : « كان من فقهاء المدينة وقيل : له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه وتوسع فيه ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية .. » (2).

12 - النبهاني :

قال الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني : « محمد الباقر بن علي زين

ص: 101


1- البداية والنهاية 9 / 309.
2- شذرات الذهب.

العابدين بن الحسين أحد أئمة ساداتنا آل البيت الكرام ، وأحد أعيان العلماء الاعلام ... » (1)

13 - القرماني :

وترجم احمد بن يوسف القرماني الامام قال : « إنما سمي الباقر لأنه بقر العلم ... وكان خليفة أبيه من بين أخوته ووصيه ، والقائم بالامامة من بعده ، ولم يظهر عن أحد من أولاد الحسن والحسين من علم الدين والسنن وعلم القرآن ، والسير وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، روى عند معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين .. » (2)

14 - الذهبي :

وترجم الذهبي في كثير من مؤلفاته الامام (عليه السلام) الا إنه شذ في بعض أقواله ، وفيما يلي ذلك :

أ - قال : « كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه فضلا وعلما وسؤددا » (3)

ب - قال : « كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر من قولهم : « بقر العلم » يعني شقه فعلم اصلا وخفيه ... » (4)

ج - قال : « كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل ، والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان أهلا للخلافة ، وهو أحد الأئمة الاثني

ص: 102


1- جامع كرامات الأولياء 1 / 97.
2- أخبار الدول ( ص 111 ).
3- تذهيب الكمال 3 / ق 4 / 262 مخطوط.
4- تذكرة الحفاظ 1 / 124.

عشر الذين تبجلهم الشيعة الامامية ، وتقول : بعصمتهم ، وبمعرفتهم بجميع الدين.

ولقد كان أبو جعفر اماما مجتهدا ، تاليا لكتاب اللّه ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجة أبي الزناد وربيعة ، ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب. » (1) وانحرف الذهبي عن الحق في تقديمه لابن كثير ، وأبي الزناد وربيعة وقتادة وابن شهاب على الامام فان هؤلاء الاعلام لا يقاسون بتلاميذه كزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وجابر بن يزيد الجعفي فان ما أثر عنهم من الفضل والعلم يفوق بكثير مما أثر عن ابن كثير وجماعته ، وقد كان قتادة قد خاصمه الامام واحتج عليه فولى منهزما لا يعرف ما يقول ، ولا يدري كيف يتخلص مما هو فيه ... ولكن الذهبي كان يملك ضميرا متحجرا مترعا بالكراهية والحقد على آل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشيعتهم كما أعلن ذلك في كثير من بحوثه ، وما أبدع ما قيل فيه :

سميت بالذهبي اليوم تسمية

مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب

15 - محمد بن أبي بكر :

قال محمد بن أبي بكر : المعروف بابن حماد دكين المتوفى سنة ( 700 ه ) : « سيدنا الامام محمد بن الامام زين العابدين (عليه السلام) برز بالفضل في العلم والزهد ، والسؤدد ، وكان نبيه الذكر ، عظيم القدر ، جليل الشأن ، لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (عليهماالسلام) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، روى عنه علماء الدين وبقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار

ص: 103


1- سير اعلام النبلاء 4 / 241 من مصورات مكتبة الامام الحكيم.

بالفضل علما تضرب به الامثال ، وتسير بوصفه الآثار والاشعار ... » (1)

16 - محمد الجزري :

قال محمد بن محمد الجزري : « محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ، لأنه بقر العلم - أي شقة - وعرف ظاهره وخفيه ، وكان سيد بني هاشم علما وفضله وسنة ... » (2).

17 - كمال الدين الشافعي :

قال كمال الدين الشافعي : « هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه ومتوفق دره وراضعه ، صفا قلبه ، وزكا عمله ، وطهرت نفسه ، وشرفت اخلاقه ، وعمرت بطاعة اللّه أوقاته ، ورسخت في مقام التقوى قدمه وظهرت عليه سيمات الازدلاف ، وطهارة الاحتباب فالمناقب تسبق إليه ، والصفات تشرف به ... » (3)

18 - ادريس القرشي :

قال الداعي إدريس القرشي : « محمد بن علي أول من حاز شرف الأصلين واجتمعت له ولادة الحسن والحسين ، ونشأ على الفضل والطهارة والرئاسة والسيادة والعلم. واحتذى سيرة آبائه الطاهرين ، ولم يزل في درجات الفضائل منتقلا ، وللمفاخر السامية متوغلا ... » (4)

ص: 104


1- روضة الاعيان في مشاهير اخبار الزمان من مصورات مكتبة الحكيم.
2- غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 202.
3- مطالب السئول في مناقب آل الرسول.
4- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 212 ).

19 - جمال الدين :

قال جمال الدين يوسف بن تغري بردي الأتابكي : « أبو جعفر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي سيد بني هاشم في زمانه ، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم ... » (1)

20 - محمد الصبان :

قال محمد الصبان : « وأما محمد الباقر فهو صاحب المعارف ، وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته ، وكثرت في السلوك اشاراته ، ولقب بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف اصله وخفيه .. » (2)

21 - ابن أبي الحديد :

قال عبد الحميد بن أبي الحديد : « كان محمد بن علي الباقر سيد فقهاء الحجاز ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه ، وهو الملقب بالباقر لقبه به رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يخلق بعد ، وبشر به ، ووعد جابر برؤيته .. » (3)

22 - الشيخ المفيد :

قال الشيخ المفيد : « كان الباقر محمد بن علي بن الحسين من بين أخوته خليفة أبيه ووصيه ، والقائم بالامامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد ، والسؤدد ، وكان أنبههم ذكرا وأجلهم في العامة

ص: 105


1- النجوم الزاهرة 1 / 273.
2- اسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الابصار ( ص 316 ).
3- شرح ابن أبي الحديد.

والخاصة ، وأعظمهم قدرا ، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (عليهماالسلام) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة ، وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار بالفضل به علما لأهله ، تضرب به الأمثال ، وتسمو بوصفه الآثار والاشعار ... » (1)

23 - أبو الحسن الطبرسي :

قال الشيخ أبو الحسن الطبرسي : « قد اشتهر الباقر في العالم تبرزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من علم القرآن والآثار والسنن ، وأنواع العلم والحكم والآداب ما أثر عنه واختلف إليه كبار الصحابة ووجوه التابعين ، وفقهاء المسلمين ، وعرفه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) باقر العلم على ما رواه نقلة الآثار ... » (2)

24 - تاج الدين :

قال تاج الدين بن محمد نقيب حلب : « أبو جعفر باقر العلم هو أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين ، كان واسع العلم ، وافر الحلم ، روي عنه حديث كثير ، ونقل عنه علم جم .. » (3)

25 - محمود بن وهيب :

قال محمود بن وهيب البغدادي : « سمي بالباقر من بقر الارض أي شقها ، وأنار مخبئاتها ، ومكامنها ، فلذلك هو اظهر من مخبآت كنوز المعارف ،

ص: 106


1- الارشاد ( ص 293 ).
2- اعلام الورى بأعلام الهدى ( ص 268 ).
3- غاية الاختصار ( ص 401 ).

وحقائق الاحكام والحكمة واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة ، ومن ثم قيل باقر العلم وجامعه ورافعه ، صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة مولاه وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين .. » (1)

26 - عباس المكي :

قال السيد عباس بن علي المكي : « الباقر أحد الأئمة الاثني عشر عند الامامية ، وكان عالما سيدا كبيرا ، وما سمي الباقر إلا لأنه تبقر في العلم أي توسع فيه ... » (2)

27 - السيد كاظم اليماني :

قال السيد كاظم اليماني : « الامام الباقر : هو ثاني سبط ، وخامس امام معصوم على رأي من رأى ذلك ، ورابع تقي على رأي الاجماع ، وهو المكنى أبا جعفر .. » (3)

28 - ابن تيمية :

قال ابن تيمية : « كان محمد الباقر أعظم الناس زهدا وعبادة بقر للسجود جبهته ، وكان اعلم اهل وقته ، سماه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الباقر ، وذكر حديث جابر » (4) إلا انه بعد ذلك عدل عما قاله : وأنكر تسمية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للامام الباقر بهذا الاسم وقال : « لا اصل له عند

ص: 107


1- جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 132 ).
2- نزهة الجليس 2 / 36.
3- النفحة العنبرية من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء.
4- منهاج السنة 2 / 114 - 115.

أهل العلم بل هو من الاحاديث الموضوعة » (1) لقد عرف ابن تيمية بالبغض لأهل البيت (عليهم السلام) والحقد على شيعتهم فقد الصق بهم - بدون تورع - كل احدوثة وخرافة ، وحسابه في ذلك على اللّه وعلى العلم والتأريخ ، ولعل اعظم عقاب ناله فقدان الثقة بما كتبه فلا ينظر إليه المؤرخون إلا نظرة ريبة وشك في جميع ما كتبه.

29 - الشيخاني :

قال عبد القادر الشيخاني : « محمد الباقر كان اشهر أهل زمانه ، واكملهم فضلا ، واعظمهم نبلا ، ولم يظهر في زمنه عند أحد من علم الدين والسنن ، وعلم القرآن والسير وفنون الآداب مثل ما ظهر منه .. » (2)

30 - المجلسي :

قال الشيخ المجلسي : « لم يظهر عن أحد من أولاد الحسن والحسين من العلوم ما ظهر منه « أي الباقر » من التفسير والكلام والفتيا ، والحلال والحرام ... وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، فمن الصحابة جابر بن عبد اللّه الانصاري ، ومن التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختياني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء نحو ابن المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد بن المنذر ، والنهدي ، ومن المصنفين نحو الطبري ، والبلاذري ، والخطيب في تواريخهم ، وفي الموطأ ، وشرف

ص: 108


1- منهاج السنة 2 / 123.
2- الصراط السوي ( ص 194 ) من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام).

المصطفى ، والابانة وحلية الأولياء ، وسنن أبي داود ، ومسند أبي حنيفة ، وترغيب الاصفهاني وبسيط الواحدي ، وتفسير العياشي ، والزمخشري ، ومعرفة اصول السمعاني وكانوا يقولون : محمد بن علي ، وربما قالوا : محمد الباقر .. » (1)

وألمّ كلام المجلسي بالناحية العلمية من شخصية الامام العظيم التي استوعبت جميع المعارف ، وقد انتهل من نمير علمه علماء المسلمين فأخذوا عنه الفقه والتأريخ والتفسير وعلم الكلام ، وفنون الحكم والآداب ، مما يعتبر عاملا جوهريا في نشأة التطور والابداع في الفكر الاسلامي.

31 - النووي :

قال النووي : « الباقر تابعي جليل ، امام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم ... » (2)

32 - أبو زرعة :

قال أبو زرعة : « إن أبا جعفر لمن اكبر العلماء .. » (3)

33 - ابن عنبة :

قال جمال الدين احمد بن علي بن الحسين بن المهنا بن عنبة : « كان محمد الباقر واسع العلم ، وافر الحلم ، وجلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها. » (4)

ص: 109


1- بحار الانوار 11 / 84.
2- تهذيب اللغات والاسماء 1 / 87.
3- أعيان الشيعة ق 1 / 4 / 485.
4- عمدة الطالب 2 / 29.

34 - علي بن عيسى الأربلى :

وتحدث الوزير علي بن عيسى الاربلي عن معالي سيرة أبي جعفر (عليه السلام) وختم حديثه بقوله : إن مناقبه اكثر من أن يأتي الحصر عليها ، ومزاياه أعلى من أن تتوجه الاحاطة بها ، ومفاخره إذا عددت خرت المفاخر والمحامد لديها لأن شرفه تجاوز الحد ، وبلغ النهاية ، وجلال قدره استولى على الأمن وادرك الغاية ، ومحله من العلم والعمل رفع له ألف راية ، وكم له من علامات سؤدد ، وسيما رئاسة ، وآية سماحة وحماسة ، وشرف منصب ، وعلو نسب وفخر حسب ، وطهارة أم واب ، والأخذ من الكرم والطهارة بأقوى سبب لو طاول السماء لطالها ، أورام الكواكب في أوجها لنالها .. » (1)

35 - احمد فهمى :

قال الشيخ احمد فهمي : « الامام الباقر : هو خامس الأئمة عند الامامية وكان رضی اللّه عنه اصدق الناس ، واحسنهم بهجة ، وأبدعهم لهجة .. » (2)

36 - فريد وجدي :

قال فريد وجدي : « كان الباقر عالما نبيلا ، وسيدا جليلا ، وسمى الباقر لأنه بقلم العلم أي توسع فيه .. » (3)

37 - أبو زهرة :

قال الشيخ أبو زهرة : « وكان محمد ابنه - أي ابن الامام زين

ص: 110


1- كشف الغمة 2 / 363.
2- الامام زين العابدين ( ص 18 ).
3- دائرة معارف وجدي 3 / 563.

العابدين - وريثه في امامة العلم ، ونيل الهداية ، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الاسلامية ، وما زار أحد المدينة إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه .. » (1)

38 - التلمسانى :

قال التلمساني : « محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ، وهو والد جعفر الصادق يقال له الباقر ، سمي باقرا لتبحره في العلم ، وهو الشق والتوسعة تابعي عدل ثقة ، وامام مشهور .. » (2)

39 - عبد القادر الحلبي :

قال عبد القادر الحلبي : « الباقر أول علوي ولد بين علويين تابعي جليل القدر ، امام بارع مجمع على امامته ، وجلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم .. » (3)

هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار العلماء والبحاث في حق الامام وهي كما سجلت اكبارهم لشخصية الامام كذلك كشفت عن بعض الجوانب من حياته المشرقة ، والتي كان منها :

أولا - : تقدم الامام في الفضل والعلم على جميع علماء عصره ، وإنه لم يكن هناك أحد يدانيه في مواهبه وملكاته العلمية ، وإنه يفوق في فضله وعلمه اخوانه ، وابناء عمومته وسائر ابناء الأسرة النبوية التي هي

ص: 111


1- الامام الصادق ( ص 22 ).
2- شرح الشفاء للخفاجي 1 / 292.
3- الحديث المفحص عن شرف نسل الامام علي ( ص 139 ) من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة.

مصدر النور والوعي في الارض.

ثانيا - : تصاغر علماء عصره أمامه اعترافا منهم بسمو مقامه العلمي والروحي وإنه المرجع الأعلى للعالم الاسلامي.

ثالثا - : سعة علوم الامام ومعارفه لا في الفقه الاسلامي فحسب ، وإنما كان ملما بجميع العلوم من علم الكلام والفلسفة ، والتفسير والتأريخ والحكم والآداب وغير ذلك مما اصبح به المنار المشرق للعلوم الاسلامية.

رابعا - : انه اظهر مخبآت بعض العلوم ، وكشف النقاب عن كنوز المعارف التي كانت خافية على الناس.

خامسا - : انه كان الرائد الاول للحركة العلمية في عصره ، فمن نمير علمه اقتبس العلماء ، ومن افاضاته استمد البحاث والمؤلفون والكتاب.

سادسا - : تحرج الامام في الدين كأشد ما يكون التحرج ، وشدة ورعه وخوفه من اللّه مما جعله من أئمة المتقين والمنيبين.

ص: 112

مظاهر شخصيته

اشارة

ص: 113

ص: 114

وتوفرت في شخصية الامام أبي جعفر (عليه السلام) جميع الصفات الكريمة التي تؤهله لزعامة هذه الأمة ، وقيادتها الروحية والزمنية ، فكل صفة من صفاته ترفعه الى القمة التي لا يبلغها إلا افذاذ الناس وعمالقة الدهر ، فهو كما قال الشاعر :

من هاشم في ذراها وهي صاعدة *** الى السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى اللّه إلا أن تكون لهم *** مكارم الدين والدنيا بلا أمد

لقد كان الامام العظيم بمواهبه وعبقرياته صورة متميزة من بين صور العظماء والمصلحين ، فقد تميز بفضائله النفسية ومآثره الخالدة ، وتميز بحسبه الوضاح ، وتميز بكل ما يسمو به هذا الانسان ، ومن بين ما تميز به.

إمامته :

وحباه اللّه بالامامة ، وخصه بالنيابة العامة عن جده الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهو أحد خلفائه ، وأوصيائه الاثنى عشر ، الذين جعلهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سفن النجاة ، وأمن العباد ، وقرنهم بمحكم التنزيل ، ونصبهم اعلاما لأمته صيانة لها من الفرقة ووقاية لها من الفتن والازمات.

لقد احتاط النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كأشد ما يكون الاحتياط في شأن أمته ، وأهاب بها من أن تكون في ذيل قافلة الأمم والشعوب ، فقد أراد لها العزة والكرامة ، وأراد أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، فأولى الخلافة والامامة المزيد من اهتمامه ، ونادى بها اكثر مما نادى بأي فرض من الفروض الدينية لأنها القاعدة الصلبة لتطور أمته في مجالاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ، وقد خصها بالأئمة الطاهرين من أهل بيته الذين لم يخضعوا بأي حال من الاحوال لأية نزعة مادية ، وإنما آثروا طاعة

ص: 115

اللّه ومصلحة الأمة على كل شيء.

وقد تحدث الامام الباقر (عليه السلام) عن الامامة بصورة موضوعية وشاملة سنعرض لها عند البحث عن تراثه الفكري والعلمي ... اما امامته فقد دلت عليها النصوص العامة والخاصة ، والتي كان منها نص الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) على امامته ، وامامة الأئمة الطاهرين من بعده (1) وغير ذلك من النصوص التي سنعرض لها في البحوث الآتية :

العصمة :

ومن اسمى مظاهر ذاتيات الامام أبي جعفر (عليه السلام) العصمة من الذنوب والآثام ، وطهارته من الزيغ والرجس.

أن العصمة لطف من اللّه تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ممن امتحن قلوبهم بالايمان ، وزكاهم ، واختارهم لاداء رسالته واصلاح عباده ، وهي من أهم العقائد الراسخة عند الشيعة ، واحدى المبادي ، الاساسية للامامة عندهم ، ونتحدث - بايجاز - عنها.

تعريف العصمة :

وعرف المتكلمون من الشيعة العصمة بتعاريف متعددة ، كان من بينها تعريف الشيخ المفيد ، فقد عرفها بأنها الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من اللّه تعالى في حقه وهو لطف يمتنع من يختص به من فعل المعصية ، وترك الطاعة مع القدرة عليهما (2) ويقول العلامة الحلي : فى تعريفها بأنها لطف من اللّه تعالى يفيضه على المكلف

ص: 116


1- بصائر الدرجات ( ص 108 ) للصفار.
2- شرح عقائد الصدوق ( ص 114 ).

لا يكون له مع ذلك داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك (1) وعرفها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي بأنها ما يمتنع المكلف من المعصية في حال تمكنه منها.

والعصمة على ضوء هذه التعاريف عبارة عن الكمال المطلق للنفس ، وتحررها التام من كل نزعة من نزعات الهوى والغرور والطيش ، والامتناع من اقتراف أية جريمة أو ذنب سواء أكان على سبيل العمد أم السهو ، ومن الطبيعي أنه لا يتصف بذلك إلا من اختاره اللّه لاداء رسالته وهداية عباده نبيا كان أم اماما.

الاستدلال عليها :

واستدلت الشيعة على ما ذهبوا إليه من اعتبار العصمة في الامام بأدلة كثيرة مقنعة لا مجال للشك فيها ، ولعل من أروع من أستدل عليها من متكلميهم هشام بن الحكم قال : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص ، الحسد ، الغضب ، الشهوة ، وهذه الصفات كلها منفية عن الامام ، فلا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا ، وهي تحت خاتمه ، فهو خازن أموال المسلمين فعلى ما ذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسودا لأن الانسان إنما يحسد من فوقه ، وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من دونه ، ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل ، قد فرض عليه اقامة حدوده ، ولا يجوز أن يتبع الشهوات ، ويؤثر الدنيا على الآخرة لأن اللّه حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا ، فهو ينظر الى الآخرة كما ننظر الى الدنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها

ص: 117


1- توفيق التطبيق ( ص 16 ).

حسنا لوجه قبيح ، وطعاما طيبا لطعام مر ، وثيابا لينة لثوب خشن ، ونعمة دانية باقية لدينا زائلة فانية (1).

واقامت الشيعة على ضرورة العصمة للأئمة مجموعة كبير من الادلة الوثيقة العقلية والنقلية حفلت بها كتبهم الكلامية (2) ويرى « دونالد سن » ان فكرة العصمة عند الشيعة قد أدت الى تطور علم الكلام وازدهاره في الاسلام ... كما ان لهم الفضل في بحث هذا الموضوع لا في الاسلام فحسب بل في جميع الديانات الاخرى (3) فقد كانوا أول من فتق باب الجدل والحوار العلمي المبني على الادلة العقلية المثبتة لشؤون مبادئهم الاساسية في الامامة.

شكوك وأوهام :

وأثير حول العصمة كثير من الشكوك والأوهام ، وأاهمت الشيعة بالجمود والغلو ، وقال الناقدون لهم : إن الأئمة كبقية الناس يطيعون اللّه ، ويعصونه ، وتصدر المعصية عنهم عمدا أو سهوا من دون أن يكون هناك أي فرق بينهم ، وبين سائر الناس.

وأكبر الظن أن الحملات المسعورة التي واجهتها الشيعة في التزامهم بعصمة أئمتهم إنما كانت لتبرير ملوك بني أمية وبني العباس الذين أضفوا عليهم النعوت العظيمة والالقاب الكريمة فادعوا أنهم سدنة الشريعة ،

ص: 118


1- عقيدة الشيعة ( ص 317 ).
2- يراجع الالفين للعلامة الحلي ، وأوائل المقالات في المذاهب المختارة للشيخ المفيد ، ومنهاج الكرامة للعلامة الحلي.
3- نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية ( ص 134 ).

وخلفاء اللّه في أرضه ، ولا مانع مع ذلك أن تصدر عنهم المعاصي والذنوب ، فليست العصمة اذن شرطا فيمن يتولى شئون المسلمين ، وقد انكرت الشيعة ذلك أشد الانكار ، وذهبت الى أن خلافة أولئك الملوك لا تحمل أي طابع من الشرعية ، وذلك لما أثر عنهم من الاعمال التي لا تتفق مع ابسط قواعد الدين الاسلامي ، فقد أسرفوا إلى حد بعيد في الدعارة واللّهو والمجون ، وتحولت قصورهم الى مسارح للهو والرقص والفساد ، وفي ذلك يقول الشاعر في المهدي العباسي :

بنو أمية هبوا طال نومكم *** ان الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم *** فالتمسوا خليفة اللّه بين الناي والعود

وإذا كان الخليفة قد صرعه الهوى فصار حليفا للناي والعود ، كيف يكون اماما للمسلمين ، وخليفة لله في أرضه؟

لقد احتاط الاسلام كأشد ما يكون الاحتياط في شأن الخلافة الاسلامية باعتبارها المركز الحساس لسعادة المسلمين ، وتقدمهم وتطور حياتهم فليس من المنطق في شيء أن يضفى على اولئك الملوك خلفاء اللّه في ارضه ، وامنائه على عباده ، وان يقال بشرعية خلافتهم.

لقد قالت الشيعة : بعصمة أئمتهم لأنهم الا نموذج الاعلى للتكامل الانساني ، ولم يؤثر عن احد منهم - فيما اجمع عليه المؤرخون - انه قد شذ في سلوكه عن الطريق القويم أو خالف اللّه فيما أوجب أو نهى ، ألم يقل الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) : « واللّه لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على أن اعصي اللّه في جلب شعيرة اسلبها من فم جرادة ما فعلت » وهذه هي العصمة التي تدعيها الشيعة لأئمتهم (عليهم السلام) فليس فيها غلو ولا جمود ، وإنما

ص: 119

كانت مطابقة للواقع المحكي عن سيرة أئمة اهل البيت (عليهم السلام) الذين تحرجوا كأشد ما يكون التحرج في أمور دينهم ، وآثروا طاعة اللّه على كل شيء ، وقد اعلن الكتاب الكريم عصمتهم وطهارتهم من الزيغ والأثم قال تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) و قرنهم الرسول الاعظم بمحكم التنزيل قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خلفت فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا » فكما ان الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كذلك العترة الطاهرة وإلا لما صحت المقارنة بينهما.

حلمه

أما الحلم فقد كان من ابرز صفات الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقد اجمع المؤرخون على أنه لم يسىء الى من ظلمه واعتدى عليه ، وانما كان يغدق عليه بالبر والمعروف ، ويقابله بالصفح والاحسان ، وقد روى المؤرخون صورا كثيرة من عظيم حلمه ، كان منها :

1 - أن رجلا كتابيا هاجم الامام ، واعتدى عليه ، وخاطبه بمر القول :

« أنت بقر. »

فلطف به الامام ، وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا :

« لا .. أنا باقر .. »

وراح الكتابي يهاجم الامام قائلا :

« أنت ابن الطباخة. »

فتبسم الامام ، ولم يثره هذا الاعتداء وقال له :

« ذاك حرفتها .. »

ولم ينته الكتابي عن غيه ، وإنما راح يهاجم الامام قائلا :

« أنت ابن السوداء الزغنة الندية .. »

ص: 120

ولم يغضب الامام ، وإنما قابله باللطف قائلا :

« إن كنت صدقت غفر اللّه لك ، وان كنت كذبت غفر اللّه لك .. »

وبهت الكتابي ، وبهر من معالي اخلاق الامام التي تضارع اخلاق الأنبياء ، فاعلن اسلامه (1) ورجع الى حظيرة الحق.

2 - ومن تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه أن شاميا كان يختلف الى مجلسه ، ويستمع الى محاضراته ، وقد أعجب بها ، فأقبل يشتد نحو الامام وقال له :

« يا محمد إنما أخشى مجلسك لا حبا منى إليك ، ولا أقول : إن أحدا أبغض إلي منكم أهل البيت ، واعلم ان طاعة اللّه ، وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكني أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فانما أختلف إليك لحسن ادبك!! »

ونظر إليه الامام بعطف وحنان ، واخذ يغدق عليه ببره ومعروفه حتى استقام الرجل وتبين له الحق ، فتبدلت حالته من البغض الى الولاء للإمام ، وظل ملازما له حتى حضرته الوفاة فأوصى ان يصلي عليه (2).

وحاكى الامام بهذه الاخلاق الرفيعة جده الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي استطاع بسمو اخلاقه أن يؤلف ما بين القلوب ، ويوحد ما بين المشاعر والعواطف ويجمع الناس على كلمة التوحيد بعد ما كانوا فرقا واحزابا ( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )

الصبر :

لقد كان الصبر من الصفات الذاتية للأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام)

ص: 121


1- اعيان الشيعة 4 / ق 1 / 504.
2- بحار الانوار 11 / 66.

ففد صبروا على مكاره الدهر ، ونوائب الأيام ، وصبروا على تجرع الخطوب التي تعجز عنها الكائنات ، فقد كان الامام الحسين (عليه السلام) على صعيد كربلا يستقبل المحن الشاقة التي تذهل كل كائن حي ، وهو يقول : « صبرا على قضائك يا رب لا معبود سواك. » وصبر الامام الباقر (عليه السلام) كآبائه على تحمل المحن والخطوب ، وقد كان منها ما يلي :

1 - انتقاص السلطة لآبائه الطاهرين ، واعلان سبهم على المنابر والمآذن ، وهو (عليه السلام) يسمع ذلك ، ولا يتمكن أن ينبس ببنت شفة فصبر على كظم الغيظ ، وأوكل الأمر الى اللّه الحاكم بين عباده بالحق.

2 - ومن بين المحن الشاقة التي صبر عليها التنكيل الهائل بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) وقتلهم تحت كل حجر ومدر بأيدي الجلادين من عملاء السلطة الاموية ، وهو لا يتمكن أن يحرك ساكنا ، قد فرضت عليه السلطة الرقابة الشديدة ، واحاطته بمباحثها ، ولم تستجب لأي طلب له في شأن شيعته.

3 - وروى المؤرخون عن عظيم صبره انه كان جالسا مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره ، فاسرع إليه بعض مواليه فأسره فقال (عليه السلام) :

« الحمد لله على ما اعطى ، وله ما أخذ انههم عن البكاء ، وخذوا في جهازه ، واطلبوا السكينة ، وقولوا لها : لا ضير عليك أنت حرة لوجه اللّه لما تداخلك من الروع .. »

ورجع الى حديثه ، فتهيب القوم سؤاله ، ثم اقبل غلامه فقال له : قد جهزناه ، فأمر اصحابه بالقيام معه للصلاة على ولده ودفنه ، واخبر اصحابه بشأنه فقال لهم : انه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات (1)

ص: 122


1- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 218 ).

تدول الدول ، وتفنى الحضارات ، وهذه الاخلاق العلوية أحق بالبقاء ، وأجدر بالخلود من كل شيء لأنها تمثل شرف الانسانية وقيمها الكريمة.

4 - ويقول المؤرخون : إنه كان للإمام ولد وكان أثيرا عليه فمرض فخشي على الامام لشدة حبه له ، وتوفي الولد فسكن صبر الامام ، فقيل له : خشينا عليك يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأجاب بالاطمئنان والرضا بقضاء اللّه قائلا :

« انا ندعو اللّه فيما يحب فاذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما يحب .. » (1)

لقد تسلح الامام بالصبر وقابل نوائب الدنيا وكوارث الدهر بارادة صلبة ، وايمان راسخ ، وتحمل الخطوب في غير ضجر ولا سأم محتسبا في ذلك الأجر عند اللّه.

تكريمه للفقراء :

ومن معالي أخلاقه أنه كان يبجل الفقراء ، ويرفع من شأنهم لئلا يرى عليهم ذل الحاجة ، ويقول المؤرخون : انه عهد لأهله اذا قصدهم سائل ان لا يقولوا له : يا سائل خذ هذا ، وإنما يقولون له : يا عبد اللّه بورك فيك (2) وقال : سموهم باحسن اسمائهم (3).

انها اخلاق النبوة التي جاءت لتسمو بالانسان ، وتغذيه بالعزة والكرامة وتنفي عنه الخنوع والذل.

ص: 123


1- تأريخ دمشق 51 / 52 ، عيون الاخبار لابن قتيبة 3 / 57.
2- عيون الاخبار 3 / 208.
3- البيان والتبيين ( ص 158 ) اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 472.

عتقه للعبيد :

وكان الامام العظيم شغوفا بعتق العبيد ، وانقاذهم من رق العبودية ، فقد اعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكا (1) وكان عنده ستون مملوكا فأعتق ثلثهم عند موته (2).

صلته لأصحابه :

وكان أحب شيء للإمام في هذه الدنيا صلته لإخوانه فكان لا يمل من صلتهم وصلة قاصديه وراجيه ومؤمليه (3) وقد عهد لابنه الامام الصادق ان ينفق من بعده على اصحابه وتلاميذه ليتفرغوا الى نشر العلم واذاعته بين الناس.

صدقاته على فقراء المدينة :

وكان الامام (عليه السلام) كثير البر والمعروف على فقراء يثرب ، وقد أحصيت صدقاته عليهم فبلغت ثمانية آلاف دينار (4) وكان يتصدق عليهم في كل يوم جمعة بدينار ويقول : « الصدقة يوم الجمعة تضاعف الفضل على غيره من الايام » (5).

ص: 124


1- شرح شافية ابي فراس 2 / 176 من مصورات مكتبة الحكيم.
2- شرح شافية أبي فراس 2 / 176.
3- شرح شافية أبي فراس 2 / 176.
4- شرح شافية أبي فراس 2 / 176.
5- اعيان الشيعة 4 / ق 1 / 471.

كرمه وسخاؤه :

أما الكرم فهو من العناصر الاولية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد بسطوا أيديهم بسخاء نادر الى الفقراء والسائلين ، وفيهم يقول الشاعر :

لو كان يوجد عرف مجد قبلهم *** لوجدته منهم على اميال

إن جئتهم أبصرت بين بيوتهم *** كرما يقيك مواقف التسآل

نور النبوة والمكارم فيهم *** متوقد في الشيب والاطفال (1)

ويقول فيهم الكميت :

والغيوث الليوث إن أمحل *** الناس فمأوى حواضن الايتام

ويقول الكميت :

إذا انشأت منهم بارض سحابة *** فلا النبت محظور ولا البرق خلب

وما ابدع ما قيل مما ينطبق عليهم :

كرموا وجاد قبيلهم من قبلهم *** وبنوهم من بعدهم كرماء

فالناس ارض في السماحة والندى *** وهم إذا عد الكرام سماء

لقد فطر الامام على حب الخير وصلة الناس وادخال السرور عليهم يقول ابن الصباغ : « كان محمد بن علي بن الحسين مع ما هو عليه من العلم والفضل والرئاسة والامامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة ، مشهور بالكرم في الكافة معروف بالفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله » (2).

ويقول المؤرخون : انه كان اقل أهل بيته مالا وأعظمهم مئونة (3)

ص: 125


1- زهر الآداب 1 / 94.
2- الفصول المهمة ( ص 227 ).
3- اعيان الشيعة 4 / ق 1 / 176.

ومع ذلك فكان يجود بما عنده لانعاش الفقراء والمحرومين ، وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من كرمه ومن بينها :

1 - حدث كل من عبد اللّه بن عبيد وعمرو بن دينار قالا : ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي إلا وحمل إلينا النفقة والكسوة ، ويقول : هذه معدة لكم قبل أن تلقوني (1).

2 - روى سليمان بن قرم قال : كان أبو جعفر يجيزنا الخمسمائة درهم الى الستمائة درهم الى الألف ، وكان لا يمل من صلة الأخوان وقاصديه وراجيه (2).

3 - قال الحسن بن كثير : شكوت الى أبي جعفر محمد بن علي الحاجة وجفاء الاخوان فتأثر (عليه السلام) وقال : بئس الأخ يرعاك غنيا ، ويقطعك فقيرا ، ثم أمر غلامه فاخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، وقال : استنفق هذه فاذا نفذت فاعلمني .. (3)

4 - وكان (عليه السلام) يحبو قوما يغشون مجلسه من المائة الى الالف ، وكان يحب مجالستهم منهم عمرو بن دينار ، وعبد اللّه بن عبيد ، وكان يحمل إليهم الصلة والكسوة ، ويقول : هيأناها لكم من أول السنة (4).

5 - روت مولاته سلمى قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ، ويلبسهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدراهم وقد عذلته سلمى عن ذلك فقال لها : يا سلمى ما يؤمل في

ص: 126


1- الارشاد ( ص 299 ).
2- الارشاد ( ص 299 ).
3- صفة الصفوة 2 / 63.
4- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 217 ).

الدنيا بعد المعارف والاخوان .. (1) وكان يقول : « ما حسنت الدنيا إلا صلة الاخوان والمعارف (2) هذه بعض البوادر التي أثرت عن كرمه وسخائه ، وهي تكشف عن أن الاحسان والبر كانا من عناصره ومن مقوماته.

عبادته :

اشارة

كان الامام ابو جعفر (عليه السلام) من أئمة المتقين في الاسلام ، فقد عرف اللّه معرفة استوعبت دخائل نفسه ، فاقبل على ربه بقلب منيب ، واخلص في طاعته كاعظم ما يكون الاخلاص ، اما مظاهر عبادته.

أ - خشوعه فى صلاته :

وروى المؤرخون أنه اذا اقبل على الصلاة اصفر لونه (3) خوفا من اللّه وخشية منه ، فقد عرف عظمة اللّه تعالى ، خالق الكون وواهب الحياة فعبده عبادة المتقين والمنيبين.

ب - كثرة صلاته :

وكان كثير الصلاة فكان - فيما يقول الرواة - يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة (4) ولم تشغله شئونه العلمية ، ومرجعيته العامة للأمة عن كثرة الصلاة ، فقد كانت اعز شيء عنده لانها الصلة بينه

ص: 127


1- اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 506 ، صفة الصفوة 2 / 63.
2- صفة الصفوة 2 / 63 ، اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 506.
3- تاريخ ابن عساكر 51 / 44.
4- تذكرة الحفاظ 1 / 125 ، تأريخ ابن عساكر 51 / 44 ، حلية الاولياء 3 / 182.

وبين اللّه.

ج - دعاؤه فى سجوده :

جاء في الحديث أقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد ، فكان الامام (عليه السلام) في سجوده يتجه بقلبه وعواطفه نحو اللّه ويناجيه بانقطاع واخلاص ، وقد أثرت عنه بعض الادعية وهذه بعضها.

1 - ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال :

كنت أمهد لأبي فراشه فانتظره حتى يأتي ، فاذا آوى الى فراشه ونام قمت الى فراشي ، وقد ابطأ علي ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه وذلك بعد ما هدأ الناس ، فاذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره فسمعت حنينه وهو يقول :

« سبحانك اللّهم ، أنت ربي حقا حقا ، سجدت لك يا ربي تعبدا ورقا ، اللّهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي .. اللّهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب عليّ انك أنت التواب الرحيم .. » (1)

2 - ما رواه أبو عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر يقول : وهو ساجد.

« أسألك بحق حبيبك محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا بدلت سيئاتي حسنات ، وحاسبني حسابا يسيرا. »

ثم قال : في السجدة الثانية.

« اسألك بحق حبيبك محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا ما كفيتني مؤونة الدنيا ، وكل

ص: 128


1- فروع الكافي 3 / 323.

هول دون الجنة ».

ثم قال في الثالثة :

« اسألك بحق حبيبك محمد لما غفرت الكثير من ذنوبي والقليل ، وقبلت مني العمل اليسير ».

ثم قال في الرابعة :

« اسألك بحق حبيبك محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لما ادخلتني الجنة ، وجعلتني من سكانها ، ولما نجيتني من سفعات النار » (1) برحمتك ، وصلى اللّه على محمد وآله .. » (2)

وكشفت هذه الادعية عن شدة تعلقه باللّه ، وعظيم انابته إليه ، وتمسكه بطاعته.

د - دعاؤه فى قنوته :

وأثرت عنه بعض الأدعية التي كان يدعو بها فى قنوته وهي :

1 - « اللّهم ان عدوي قد استسن في غلوانه ، واستمر في عدوانه ، وأمن بما شمله من الحلم عاقبة جرأته عليك ، وتمرد في مباينتك ، ولك اللّهم لحظات سخط بياتا وهم نائمون ، ونهارا وهم غافلون ، وجهرة وهم يلعبون ، وبغتة وهم ساهون ، وان الخناق قد اشتد ، والوثاق قد احتد ، والقلوب قد محيت ، والعقول قد تنكرت ، والصبر قد أودى ، وكادت تنقطع حبائله ، فانك لبالمرصاد من الظالم ، ومشاهدة من الكاظم ، لا يعجلك فوت درك ، ولا يعجزك احتجاز محتجز ، وانما مهل استثباتا ، وحجتك على الاحوال البالغة الدامغة ، وبعبيدك ضعف البشرية وعجز الانسانية ، ولك سلطان الإلهية وملكة البرية ، وبطشة الاناة ، وعقوبة التأبيد.

ص: 129


1- سفعات النار : هي لفحات السعير التي تغير بشرة الانسان لشدة حرارتها.
2- فروع الكافي 3 / 322.

اللّهم ان كان في المصابرة لحرارة المعان من الظالمين ، وكمد من يشاهد من المبدلين لك ، ومثوبة منك فهب لي مزيدا من التأييد ، وعونا من التسديد الى حين نفوذ مشيئتك فيمن اسعدته واشقيته من بريتك ، وامنن علي بالتسليم لمحتومات أقضيتك ، والتجرع لصادرات اقدارك ، وهب لي محبة لما احببت في متقدم ومتأخر ، ومتعجل ومتأجل ، والايثار لما اخترت في مستقرب ومستبعد ، ولا تخلنا مع ذلك من عواطف رحمتك ... وحسن كلائتك .. » (1)

لا اكاد أعرف وثيقة سياسية حفلت بتحديد الاوضاع الراهنة في البلاد في ذلك العصر ، كهذا الدعاء الذي تحدث فيه الامام عن الازمات السياسية التي عاناها المسلمون أيام الحكم الاموي المعاصر له خصوصا عهد الطاغية عبد الملك بن مروان الذي جهد على اذلال المسلمين ، وارغامهم على ما يكرهون ، وقد سلط عليهم الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي الذي عاث في دينهم ودنياهم ، وسعى في الارض فسادا ، فلم يترك لونا من الوان الظلم إلا صبه على المسلمين حتى طاشت الاحلام ، وبلغت القلوب الحناجر ، وأودى الصبر ، وانقطعت حبائله ، والامام يطلب من اللّه ان ينقذ المسلمين من محنتهم ، وينزل عقابه الصارم بالمردة الظالمين.

2 - كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء في قنوته « بمنك وكرمك يا من يعلم هواجس السرائر ومكامن الضمائر ، وحقائق الخواطر ، يا من هو لكل غيب حاضر ، ولكل منس ذاكر ، وعلى كل شيء قادر ، والى الكل ناظر ، بعد المهل وقرب الاجل ، وضعف العمل ، وأراب الامل.

وأنت يا اللّه الآخر كما أنت الاول مبيد ما أنشأت ، ومصيرهم الى

ص: 130


1- مهج الدعوات ( ص 51 ).

البلى ، وتقلدهم أعمالهم ، ومحملها ظهورهم الى وقت نشورهم من بعثة قبورهم عند نفخة الصور ، وانشقاق السماء بالنور ، والخروج بالمنشر الى ساحة المحشر ، لا ترتد إليهم أبصارهم وافئدتهم هواء ، متراطمين في غمة مما أسلفوا ، ومطالبين بما احتقبوا ، ومحاسبين هناك على ما ارتكبوا ، الصحائف في الاعناق منشورة ، والاوزار على الظهور مأزورة ، لا انفكاك ولا مناص ولا محيص عن القصاص قد اقحمتهم الحجة وحلوا في حيرة المحجة وهمس الضجة ، معدول بهم عن المحجة ، الا من سبقت له من اللّه الحسنى فنجا من هول المشهد وعظيم المورد ، ولم يكن ممن في الدنيا تمرد ، ولا على أولياء اللّه تعند ، ولهم استعبد ، وعنهم بحقوقهم تفرد.

اللّهم : فان القلوب قد بلغت الحناجر ، والنفوس قد علت التراقي والاعمار قد نفذت بالانتظار لا عن نقص استبصار ، ولا عن اتهام مقدار ، ولكن لما تعاني من ركوب معاصيك ، والخلاف عليك في أوامرك ونهيك ، والتلعب باوليائك ، ومظاهرة اعدائك.

اللّهم : فقرب ما قد قرب ، وأورد ما قد دنى ، وحقق ظنون الموقنين وبلغ المؤمنين تأميلهم من اقامة حقك ونصر دينك واظهار حجتك .. » (1)

وحفل هذا الدعاء الشريف باعطاء صورة عن سعة علم اللّه ، واحاطته بكل شيء الظاهر والخفي ، كما حفل بذكر المعاد ، وحشر الناس جميعا يوم القيامة لعرضهم للحساب أمام اللّه ، وهم يحملون على ظهورهم وزر ما عملوه في دار الدنيا ، وانهم مطالبون بما اقترفوه ، ومحاسبون على ما عملوه ، ولا ينجو من أهوال ذلك المشهد الرهيب إلا من سبقت له من اللّه الحسنى ، ولم يكن من المتمردين في دار الدنيا ، ولا من المستعبدين لعباد اللّه ،

ص: 131


1- مهج الدعوات ( ص 52 ).

وفيه تعريض بحكام الامويين الذين اتخذوا مال اللّه دولا ، وعباد اللّه خولا ، وان القلوب قد بلغت الحناجر ، من ظلمهم وجورهم حسبما يقول (عليه السلام).

حجه :

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) اذا حج البيت الحرام انقطع الى اللّه واناب إليه وتظهر عليه آثار الخشوع والطاعة ، وقد روى مولاه أفلح قال : حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل الى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له :

« بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلا. »

فلم يعن به الامام وراح يقول له :

« ويحك يا أفلح اني ارفع صوتي بالبكاء لعل اللّه ينظر إلي برحمة فافوز بها غدا .. »

ثم انه طاف بالبيت ، وجاء حتى ركع خلف المقام ، فلما فرغ واذا بموضع سجوده قد ابتل من دموع عينيه (1) وحج (عليه السلام) مرة وقد احتف به الحجاج ، وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم ، والامام يجيبهم ، وبهر الناس من سعة علومه ، وأخذ بعضهم يسأل بعضا عنه فأنبرى إليهم شخص من اصحابه فعرفه لهم قائلا :

« إلا ان هذا باقر علم الرسل ، وهذا مبين السبل ، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغراء العذراء الزهراء ، هذا بقية اللّه في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمد وخديجة

ص: 132


1- صفة الصفوة 2 / 63 ، تأريخ ابن عساكر 51 / 44 ، مرآة الزمان 5 / 79 نور الابصار ( ص 130 ).

وعلي وفاطمة ، هذا منار الدين القائمة .. » (1).

ولم تذكر المصادر التي بأيدينا عدد حجه الى بيت اللّه الحرام ، فقد أهملت ذلك.

مناجاته مع اللّه :

كان الامام (عليه السلام) يناجي اللّه تعالى في غلس الليل البهيم ، وكان مما قاله في مناجاته :

« أمرتني فلم آتمر ، وزجرتني فلم انزجر ، ها أنا ذا عبدك بين يديك. » (2)

ذكره لله :

ويقول المؤرخون : إنه كان دائم الذكر لله ، وكان لسانه يلهج بذكر اللّه في أكثر أوقاته ، فكان يمشي ويذكر اللّه ، ويحدث القوم ، وما يشغله ذلك عن ذكره تعالى ، وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر اللّه حتى تطلع الشمس كما كان يأمرهم بقراءة القرآن ، ومن لا يقرأ منهم أمره بذكر اللّه (3).

زهده في الدنيا :

وزهد الامام أبو جعفر (عليه السلام) في جميع مباهج الحياة وأعرض عن زينتها فلم يتخذ الرياش في داره ، وإنما كان يفرش في مجلسه حصيرا (4)

ص: 133


1- مناقب ابن شهرآشوب 4 / 183.
2- حلية الاولياء 3 / 182 ، صفة الصفوة 2 / 63 ، نور الابصار ( ص 130 ).
3- اعيان الشيعة 4 / ق 1 / 471.
4- دعائم الاسلام 2 / 158.

لقد نظر الى الحياة بعمق وتبصر فى جميع شئونها فزهد في ملاذها ، واتجه نحو اللّه تعالى بقلب منيب ، يقول جابر بن يزيد الجعفي : قال لي محمد ابن علي :

« يا جابر إني لمحزون ، واني لمشتغل القلب .. »

فأنبرى إليه جابر قائلا :

« ما حزنك ، وما شغل قلبك؟ » فاجابه (عليه السلام) بما احزنه وزهده في هذه الحياة قائلا :

« يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين اللّه عز وجل شغله عما سواه ، يا جابر ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون ، هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها .. » (1)

وأثرت عنه كلمات كثيرة في الحث على الزهد ، والاقبال على اللّه ، والتحذير من غرور الدنيا ، وآثامها يعرض لها هذا الكتاب ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض مظاهر شخصيته المشرقة.

ص: 134


1- البداية والنهاية 9 / 310.

مواهبه وعبقريّاته

اشارة

ص: 135

ص: 136

وتفجرت مواهب الامام أبي جعفر (عليه السلام) وعبقرياته بطاقات هائلة من العلم شملت جميع أنواع العلوم والمعارف من الحديث والفلسفة وعلم الكلام والفقه والحكم العالية والآداب السامية مضافا الى الملاحم وهي الاحداث التي اخبر عنها قبل وقوعها ، ثم تحققت بعد ذلك على مسرح الحياة ... والذي يدلل على مدى سعة علومه أنه مع كثرة ما انتهل العلماء من نمير علومه فانه كان يجد في نفسه ضيقا وحرجا لكثرة ما عنده من العلوم التي لم يجد لبثها ونشرها سبيلا فكان - فيما يقول الرواة - يصعد آهاته ، ويقول بحسرات :

« لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّه عز وجل. لنشرت التوحيد والاسلام والدين والشرائع ... وكيف لي بذلك ، ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ، ويقول على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني فان بين الجوانح علما جما ... » (1)

واجمع المؤرخون والرواة على أنه كان من أثرى رجال الفكر والعلم في عصره في مواهبه وقدراته العلمية ، وانه ممن رفع منار العلم ، وأبرز حقائقه واظهر كنوزه حسبما أدلى به المترجمون له ، كما ألمعنا الى ذلك في البحوث السابقة ... وقبل البحث عن العلوم التي خاضها نتعرض الى بعض النقاط التي ترتبط بالموضوع :

الحياة العلمية فى عصره :

ومنيت الحركة العلمية - في عصر الامام - بكثير من الجمود والخمول فلم يعد لها أي ظل على واقع الحياة ، فقد جرفت الناس التيارات السياسية ، وتهالكت البيوتات الرفيعة على الظفر بالحكم ، فزجت بطاقاتها البشرية

ص: 137


1- سفينة البحار 2 /

والمالية في حروب طاحنة مريعة ومذهلة منيت الأمة فيها بأفدح الخسائر وافظع النكبات.

لقد اتجهت الأمة اتجاها عسكريا مدمرا فيما بينها ، ولم يكن فيها أي بصيص لنور العلم والفكر ، فقد خبأ ذلك النور الذي فجره الاسلام في العالم ، وأراد للبشرية أن تسير على ضوئه لتحقق أهدافها من الأمن والرخاء والتطور ...

الدور المشرق للامام :

أطل الامام أبو جعفر (عليه السلام) على عالم ملئ بالفتن والاضطراب والاحداث ، ورأى الأمة الاسلامية قد فقدت جميع مقوماتها ، ولم تعد كما يريدها اللّه في وحدتها وتكاملها ، وتطورها في ميادين العلم والانتاج .. ووجه الامام بحكم قيادته الروحية جهده لإعادة مجد الأمة ، وبناء كيانها الحضاري ، فرفع منار العلم ، واقام صروح الفكر ، وقد انصرف عن كل تحرك سياسي ، واتجه صوب العلم وحده متفرغا له يقول المستشرق « روايت م. رونلدس » « وعاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة ، وكان الناس يأتونه فيسألونه عن الامامة » (1).

وقد خف إليه زمرة من اعيان الأمة لتلقي العلوم منه ، وكان ممن وفد عليه العالم الكبير جابر بن يزيد الجعفي فقد قال له الامام في أول التقائه به :

- من أين أنت؟

- من اهل الكوفة.

- ممن؟

ص: 138


1- عقيدة الشيعة ( ص 123 ).

- من جعف.

- ما أقدمك هنا؟

- طلب العلم.

- ممن؟

- منك (1).

وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف ، يقول الشيخ ابو زهرة : « وما قصد أحد من العلماء مدينة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا عرج عليه ليأخذ عنه معالم الدين » (2) وقد أخذ عنه أهل الفقه ظاهر الحلال والحرام (3).

وعلى أي حال فقد استمد العالم الاسلامي من الامام جميع مقومات نهوضه وارتقائه ، ولم يقتصر المد الثقافي الذي يستند إليه على عصره وإنما امتد الى سائر العصور التي تلت بعده ، فقد تبلورت الحياة العلمية ، وتطورت العلوم تطورا هائلا مما ازدهرت به الحياة العلمية في الاسلام.

إن الحياة الثقافية في الاسلام مدينة لهذا الامام العظيم فهو الباعث والقائد لها على امتداد التأريخ.

العلوم التي بحثها :

وخاض الامام عدة علوم في بحوثه التي القاها على العلماء في الجامع النبوي أو في بهو بيته ، وكان من بينها.

ص: 139


1- المناقب 3 / 331.
2- الامام زيد ( ص 22 ).
3- عيون الاخبار وفنون الآثار (213).

الحديث :

وأولى الامام أبو جعفر (عليه السلام) المزيد من اهتمامه في الحديث الوارد عن جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعن آبائه الأئمة الطيبين (عليهم السلام) فهو المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد القرآن الكريم وله الاهمية البالغة في الشريعة الاسلامية فهو يتولى تخصيص عمومات الكتاب ، وتقييد مطلقاته ، وبيان ناسخه من منسوخه ، ومجمله من مبينه ، كما يعرض لاحكام الفقه من العبادات والمعاملات ، واعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء في استنباطهم للحكم الشرعي ، وبالاضافة الى ذلك كله فان فيه بنودا مشرقة لآداب السلوك ، وقواعد الاجتماع ، وتنظيم الأسرة ، وصيانتها من التلوث بجرائم الآثام ، الى غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية. فلذلك عنى به الامام أبو جعفر (عليه السلام) ، وتبناه بصورة إيجابية ، وقد روى عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين الف حديث ، وأبان بن تغلب مجموعة كبيرة ، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الاخبار.

والشيء المهم ان الامام أبا جعفر (عليه السلام) قد اهتم بفهم الحديث ، والوقوف على معطياته ، وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه ، فقد روى يزيد الرزاز عن أبيه عن أبي عبد اللّه عن أبيه انه قال له :

« اعرف منازل الشيعة على قد رواياتهم ، ومعرفتهم ، فان المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدراية للرواية يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان .. إني نظرت في كتاب لعلي فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته ان اللّه تعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من

ص: 140

العقول في دار الدنيا .. » (1)

إن وعي الراوي للحديث ووقوفه على معناه مما يستدل به على سمو منزلته ، وعظيم مكانته العلمية.

ولشدة اهتمام الامام وعنايته بالحديث فقد وضع بعض القواعد لتميز الصحيح من غيره عند تعارض الاخبار سنذكرها عند البحث عن علم الاصول الذي خاضه الامام.

روايات الأئمة :

أما روايات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) التي أثرت عنهم في عالم التشريع والاحكام فهي لا تحكي آرائهم الخاصة وانما هي امتداد لقول الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورأيه ولذا الحقت بالسنة - عند الشيعة - وقد ألمع الى ذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) في حديثين له مع جابر بن يزيد الجعفي.

1 - قال (عليه السلام) لجابر : « إنا لو كنا نحدثكم برأينا لكنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم .. » (2)

2 - قال (عليه السلام) لجابر : « واللّه يا جابر لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين ، ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم .. » (3)

اذن فلم تستند احاديث أئمة اهل البيت (عليهم السلام) لهم ، وانما تستند الى

ص: 141


1- ناسخ التواريخ 2 / 219.
2- ناسخ التواريخ 2 / 217.
3- ناسخ التواريخ 2 / 217.

جدهم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهم الذين حافظوا على تراثه العلمي فكنزوه كما يكنز الناس الذهب والفضة.

أحاديث الامام الباقر :

أما احاديث الامام أبي جعفر (عليه السلام) عن جديه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهي على قسمين :

الأولى : - مرسلة وهي التي لم يذكر فيها رجال السند ، وينسب الامام الحديث رأسا الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سئل علیه السلام عن سنده في ذلك فقال : « إذا حدثت بالحديث فلم اسنده فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن جبرائيل عن اللّه عز وجل .. » (1)

الثانية : - المسندة ، وهي التي يذكر فيها سنده عن آبائه الطاهرين عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم).

وسواء أكانت روايته مرسلة أم مسندة فهي حجة بلا خلاف عند الشيعة إن صح طريق سندها إليه والا فتعامل معاملة بقية الاخبار التي فيها الضعيف والموثق والحسن.

رواياته عن النبي :

أما احاديثه عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فهي تتعلق تارة بالفقه الاسلامي ، وقد عرضت لها موسوعات الفقه والحديث ، واخرى بآداب السلوك والاخلاق ، كما عرضت بعضها لفضل العترة الطاهرة ولزوم مودتها ، وفيما يلي ذلك :

1 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « فضل

ص: 142


1- أعلام الورى ( ص 270 ).

العلم أحب الى اللّه من فضل العبادة ، وأفضل دينكم الورع .. » (1)

وفي هذا الحديث دعوة الى طلب العلم والحث عليه فهو أفضل من العبادة التي لا ينتفع بها الا صاحبها ، كما فيه الحث على الورع عن محارم اللّه والاجتناب عن المآثم التي تؤدي الى سقوط الشخص وانحرافه عن الطريق القويم.

2 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « ما جمع شيء الى شيء أفضل من حلم الى علم .. » (2)

ان الانصاف بالعلم والحلم مما يرفعان مستوى الشخص ، ويميزانه عن غيره فليس هناك شيء أفضل من هاتين الخصلتين.

3 - روى (عليه السلام) بسنده عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « فوق كل بر بر ، فاذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه بر ، وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل أحد والديه فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق .. » (3) ان منتهى البر وغايته هي الشهادة في سبيل اللّه فاذا استشهد الشخص من اجل ذلك فقد انتهى الى غاية البر ، كما ان منتهى الاثم والعقوق هي قتل الرجل احد والديه فاذا فعل ذلك فقد سقط في حضيض من الأثم ليس له من قرار.

4 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من المروءة استصلاح المال. » (4)

ص: 143


1- الخصال : ( ص 4 ).
2- الخصال ( ص 5 ).
3- الخصال ( ص 10 ).
4- الخصال ( ص 11 ).

وحث الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أصحاب رءوس الاموال على استثمار أموالهم في الوجوه المشروعة لازدهار الاقتصاد العام وزيادة الدخل الفردي ، ونفي الحاجة من البلاد ، ونهاهم عن التبذير او حبس الاموال وعدم تشغيلها فان ذلك مما يعود بأضرار بالغة على اقتصاد البلاد.

5 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إن اللّه تبارك وتعالى اهدى إلي والى أمتي هدية لم يهدها الى أحد من الأمم كرامة من اللّه لنا ، فقال أصحابه : وما ذاك يا رسول اللّه؟ قال : الافطار في السفر والتقصير في الصلاة .. » (1)

حقا ان تقصير الصلاة والافطار في السفر من ألطاف اللّه تعالى على هذه الأمة فان المسافر في عناء وجهد فاذا وجب عليه الصوم واتمام الصلاة فقد اضاف الى عنائه عناء والى مشقته مشقة أخرى.

6 - قال (عليه السلام) : أتى رجل الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له : مالي لا أحب الموت؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الك مال؟ قال : نعم ، قال : فقدمته؟ قال : لا. قال : فمن ثم لا تحب الموت .. » (2)

ان هذا الانسان لو قدم لآخرته وسعى لها لأحب الدار الآخرة ليستوفي اجر ما عمله ، ولكنه لم يفعل شيئا مما يقربه الى اللّه زلفى فلذاكره الموت ، وكره ملاقاة اللّه تعالى.

7 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إلا ان شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم ، إلا وان من اكرمه الناس اتقاء شره فليس مني .. » (3)

ص: 144


1- الخصال ( ص 14 ).
2- الخصال ( ص 14 ).
3- الخصال ( ص 15 ).

إن شرار هذه الأمة الذين يكرمون ويعظمون لا لفضيلة فيهم أو احسان اسدوه الى الناس ، وانما لاتقاء شرورهم ومخافة ظلمهم فان هؤلاء ليسوا من الاسلام الذي جاء بالرحمة والاحسان الى الناس.

8 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « رأس العقل بعد الايمان باللّه عز وجل التحبب الى الناس .. » (1)

ما أروع هذه الحكمة وما اجلها!! فان التحبب الى الناس اما بقضاء حوائجهم أو جلب الخير لهم ، ودفع الظلم عنهم أو مقابلتهم بالاخلاق الرفيعة مما يوجب شيوع المحبة بين الناس وربط الهيئة الاجتماعية بعضها ببعض ، وهذا ما يحرص عليه الاسلام ، ومما اقام مجتمعه عليه.

9 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « يا معاشر قراء القرآن اتقوا اللّه عز وجل فيما حملكم من كتابه ، فاني مسئول ، وإنكم مسئولون ، اني مسئول عن تبليغ الرسالة ، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب اللّه وسنتي. » (2)

وفي هذا الحديث دعوة الى القراء والى سائر رجال الدين للقيام بدورهم في تحمل المسئولية بارشاد الناس وهدايتهم ، وتبليغهم بما أمر اللّه به وعما نهى عنه.

10 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « خلقت أنا وعلي من نور واحد .. » (3)

ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعليا (عليه السلام) خلقا من نور واحد اضاءا آفاق

ص: 145


1- الخصال ( ص 17 ).
2- اصول الكافي 2 / 616.
3- الخصال ( ص 31 ).

هذا الكون ، فهما مصدر الفكر والوعي لهذه الأمة ، وهما رائدا الانسانية لكل ما تسمو به.

11 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « اشتد غضب اللّه وغضبي على من اهراق دمي وآذاني في عترتي .. » (1)

الويل كل الويل للزمرة الخائنة التي لم تحفظ وصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في عترته وأهل بيته فأبادتهم وقطعت أوصالهم ، وسبت ذراريهم وانتهكت حرمتهم.

12 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « يحشر أبي ابراهيم وعلي وينادي مناد يا محمد نعم الأب أبوك ، ونعم الأخ أخوك .. » (2)

إلا بوركت تلك الابوة الزاكية لإبراهيم خليل الرحمن ، وتلك الاخوة الصادقة للإمام أمير المؤمنين الى الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وينادي بهما يوم حشر الناس على صعيد الحق والعدل لاظهار فضلهما وسمو مكانتهما عند اللّه.

13 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي : « لولاك ما عرف المؤمنون بعدي .. » (3)

لقد كان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المقياس للأيمان ، والمقياس للحق والعدل فما آمن به إلا كل من آمن بربه ووطنه وأمته ، وما جحده إلا كل من تنكر للعدل ، وتنكر لصالح أمته ، واعرض عن ذكر اللّه واتخذ آياته هزوا.

ص: 146


1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ( ص 40 ).
2- كفاية الطالب ( ص 185 ) مناقب علي بن أبي طالب ( ص 42 ).
3- مناقب علي بن أبي طالب ( ص 44 ).

14 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « تحشر ابنتي فاطمة ، ومعها ثياب مصبوغة فتعلق بقائمة العرش ، وتقول : يا جبار احكم بيني ، وبين قاتل ولدي - يعني الحسين - فيحكم لابنتي ورب الكعبة .. » (1)

لقد أذاع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين المسلمين في كثير من مواقفه عن مقتل سبطه العظيم الامام الحسين (عليه السلام) واعلن - في هذا الحديث - ان بضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) سترفع يوم القيامة قميص ولدها الملطخ بدمائه الزكية وتطالب الحاكم العدل أن يحكم بينها وبين قاتله ، فالويل كل الويل لمن كانت العترة الطاهرة خصما له في ذلك اليوم الذي يخسر فيه المبطلون.

15 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ان اللّه جعل ذرية محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من صلب علي .. » (2)

إلا بوركت تلك الذرية الطاهرة التي اعز اللّه بها كلمة الحق ، واضاء بها الطريق ، وأوضح بها القصد ، وجعلها الأدلاء على طاعته والقادة الى سبيله.

16 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من اسبغ وضوءه ، واحسن صلاته ، وادى زكاة ماله ، وكف غضبه ، وسجن لسانه ، وبذل معروفه واستغفر لذنبه ، وأدى النصيحة لأهل بيتي فقد استكمل حقائق الايمان وأبواب الجنة له مفتحة .. » (3)

ان هذه الاعمال مما تقرب العبد الى خالقه ، ويصل بها الانسان الى حقيقة الايمان ، ويستوجب بها الجنان.

ص: 147


1- مناقب علي بن أبي طالب ( ص 64 ) مقتل الخوارزمي ( ص 52 ).
2- ينابيع المودة ( ص 266 ) مجمع الزوائد 9 / 272.
3- مناقب علي بن أبي طالب ( ص 40 ).

17 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « غريبتان فاحتملوهما كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فأغفروها .. » (1)

ان صدور الحكمة من السفيه لغريب ، ولو صدرت منه للزم الأخذ بها ولا يعنى بقائلها ، كما أن صدور السفه من الحكيم لغريب باعتبار كماله وحكمته فاذا نطق بذلك فينبغي أن لا يؤاخذ عليه.

18 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « نعمتان مكفورتان الأمن والعافية .. » (2)

لقد كفر الناس بهاتين النعمتين اللتين لا تطيب الحياة من دونهما ، وإنهم لم يؤدوا لله شكرا عليهما.

19 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « صنفان من امتي اذا صلحا صلحت أمتي ، وإذا فسدا فسدت أمتي ، قيل يا رسول اللّه ومن هما؟ قال : الفقهاء والامراء .. » (3)

ان الاصلاح الاجتماعي يتوقف على صلاح هذين الصنفين فاذا صلحا فقد سعدت الأمة ، وحققت ما تصبو إليه ، واذا شذا عن سنن الحق وانحرفا عن العدل أصيبت الامة بتدهور سريع في جميع مجالاتها.

20 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إن الجنة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ، ولا يجدها عاق ، ولا ديوث ، قيل يا رسول اللّه وما الديوث؟ قال : الذي تزني امرأته وهو يعلم .. » (4)

ص: 148


1- الخصال ( ص 34 ).
2- الخصال ( ص 35 ).
3- الخصال ( ص 36 ).
4- الخصال ( ص 37 ).

ان العاق لأبويه ، والديوث الذي لا شرف له لا يستحقان أن ينعما بالفردوس الأعلى الذي هو مقر الأنبياء والصالحين ، بل لا يليق بهما إلا أن يكونا مقرنين بالاصفاد في النار.

21 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « لا خير في العيش إلا لرجلين : عالم مطاع أو مستمع واع ... » (1)

ان الخير في هذه الحياة انما هو للعالم الذي يطاع فيما يأمر به من القيم الكريمة والمثل الرفيعة ، فاذا تم له ذلك فقد نجح في اداء رسالته وحقق ما يصبو إليه ، وكذلك الخير في الحياة إنما هو للمستمع الواعي الذي يعي الاهداف النبيلة في رسالة المصلحين ويعمل بها.

22 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من واسى الفقير ، وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقا .. » (2)

إن مواساة الفقراء ماديا ومعنويا دليل على قوة الايمان وتكامله ، كما ان انصاف الناس آية على سمو الشخص وتجرده من الانانية وسائر الامراض النفسية ، وهذا هو واقع الايمان وجوهر الاسلام.

23 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « يلزم الوالدين من العقوق لولدهما اذا كان الولد صالحا ما يلزم الولد لهما .. » (3)

ان العقوق لا يقتصر على الولد تجاه أبويه ، وإنما يشملهما فيما اذا اساءا إليه على غير وجه مشروع فانهما يتحملان اثم ما اقترفاه تجاهه.

24 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ما انفق مؤمن نفقة

ص: 149


1- الخصال ( ص 41 ).
2- الخصال ( ص 47 ).
3- الخصال ( ص 58 ).

هي أحب الى اللّه عز وجل من قول الحق في الرضا والغضب .. » (1)

ما أروع هذه الحكمة انها دستور الاسلام الذي يؤثر الحق والعدل بين الناس على كل شيء.

25 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الاسلام الغلاة والقدرية .. » (2)

أما الغلاة فهم الذين يزعمون أن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو اللّه تعالى أو انه ابن اللّه فهؤلاء ليسوا من فرق الاسلام - عند الشيعة - وإنما هم من الكفار ويعاملون معاملتهم ، قال السيد الحميري في هجائهم :

قوم غلوا في علي لا أبا لهم *** وأجشموا أنفسا في حبه تعبا

قالوا : هو ابن الاله جل خالقنا *** من أن يكون له ابن أو يكون أبا (3)

أما القدرية : فهم القائلون : بأن الخير والشر كله من اللّه وبتقديره ومشيئته (4) وهؤلاء ليس لهم نصيب من الاسلام.

26 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش اللّه عز وجل ( يوم القيامة ) يوم لا ظل إلا ظله : رجل اعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها ، ورجل لم يقدم رجلا ، ولم يؤخر أخرى حتى يعلم ان ذلك لله فيه رضى

ص: 150


1- الخصال ( ص 60 ).
2- الخصال ( ص 71 ).
3- العقد الفريد 5 / 227.
4- سفينة البحار 2 / 409 ، وذكر الشيخ ابو زهرة في المذاهب الاسلامية ( ص 185 ) ان القدرية هم الذين غالوا في قدرة الانسان ، وقالوا : ان كل فعل للانسان يستند الى ارادته المستقلة عن إرادة اللّه.

أو سخط ، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب من نفسه ، فانه لا ينفي منها عيبا إلا بدأ له عيب وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس .. » (1)

وفي هذا الحديث دعوة الى مكارم الاخلاق ، وحسن السلوك مع الناس ، والتحذير من ذكر مساوئ الناس.

27 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ثلاث يحسن فيهن الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والاصلاح بين الناس ، وثلاث يقبح فيهن الصدق النميمة ، واخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه ، وتكذيبك الرجل عن الخير ، وثلاثة مجالستهم تميت القلب مجالسة الانذال ، والحديث مع النساء ، ومجالسة الاغنياء .. » (2)

وسوغ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الكذب في تلك المواضع نظرا للمصالح التي تترتب عليها ، وقد قال العلماء : ان الكذب ليس علة تامة للقبح ، وانما هو مقتض له فاذا وجد ما يرفع قبحه من المصالح جاز للمكلف فعله ، وكذلك يقبح الصدق في تلك المواضع نظرا للمفاسد التي تترتب عليه.

28 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه : « كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين : عين بكت من خشية اللّه ، وعين غضت عن محارم اللّه ، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه .. » (3)

29 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إن أسرع الخير ثوابا

ص: 151


1- الخصال ( ص 78 ).
2- الخصال ( ص 84 ).
3- الخصال ( ص 94 ).

البر وان أسرع الشر عقابا البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر من الناس الى ما يعمى عنه من نفسه ، ويعير الناس بما لا يستطيع تركه ، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه .. » (1)

وفي هذا الحديث الحث على فعل الخير ، والتحذير من الشر والبغي على الناس ، والتنديد بمن ينظر الى عيوب الناس ، ولا ينظر الى ما فيه من نقص.

30 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « لا سهر إلا في ثلاث : متهجد بالقرآن أو في طلب العلم ، أو عروس تهدى الى زوجها .. » (2)

31 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ثلاث من لم تكن فيه فليس مني ، ولا من اللّه عز وجل ، قيل : يا رسول اللّه وما هن قال : حلم يرد به جهل الجاهل وحسن خلق يعيش به في الناس ، وورع يحجزه عن معاصى اللّه عز وجل .. » (3). ويدعو هذا الحديث الى تكوين شخصية المسلم ، على أسس رفيعة من الحلم وحسن الاخلاق ، والورع عن محارم اللّه.

32 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « ثلاثة يشفعون الى اللّه عز وجل فيشفعون : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء .. » (4)

33 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « الايمان معرفة بالقلب ، واقرار باللسان ، وعمل بالاركان » (5).

ص: 152


1- الخصال ( ص 106 ).
2- الخصال ( ص 108 ).
3- الخصال ( ص 138 ).
4- الخصال ( ص 147 ).
5- الخصال ( ص 164 ).

ليس الايمان لفظا تلوكه الألسن ، وانما هو امر مستقر في اعماق القلب ، ودخائل النفس ، ويدفع الانسان الى العمل عن يقين واخلاص

34 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لابي ذر « يا ابا ذر إياك والسؤال فانه ذل حاضر وفقر تتعجله ، وفيه حساب طويل يوم القيامة يا أبا ذر تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك ، يا أبا ذر لا تسأل بكفك ، وان أتاك شيء فاقبله ... ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاصحابه « الا اخبركم بشراركم؟ » « بلى يا رسول اللّه .. »

« المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الاحبة الباغون للبرآء العيب » (1) لقد اوصى النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبا ذر بالعفة والإباء ، واستشف (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من وراء الغيب عما يعانيه هذا المصلح العظيم من التنكيل والارهاق في سبيل اداء رسالته الاصلاحية الخالدة ، فقد اعلن ابو ذر سخطه على الامويين الذين تنكروا لحقوق الامة واستبدوا بثرواتها فاتخذوا مال اللّه دولا ، وعباد اللّه خولا فكان ابو ذر اللسان الناطق بحقوق المظلومين والمضطهدين والمترجم لآلامهم ، وقد ضاق الامويون منه ذرعا فنفوه الى الربذة وفرضت عليه الاقامة الجبرية في تلك البقعة الجرداء التي انعدمت فيها جميع وسائل الحياة ، وتوفى هذا الثائر العظيم جائعا منفيا عن وطن اللّه ووطن رسوله ، لقد توفى أبو ذر جائعا وفي أيدي الامويين ذهب الارض وثروات الأمة ، ينفقونها على شهواتهم وملاذهم.

لقد مات أبو ذر من اجل أن يحقق العدالة الاجتماعية ، ويحقق

ص: 153


1- الخصال ( ص 167 ).

الفرص المتكافئة بين الناس ، وينفي عنهم شبح الفقر وكابوس الظلم ، ويعيد فيهم حكم القرآن وعدالة الاسلام.

35 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي : « يا علي أربعة لا ترد لهم دعوة : إمام عادل ، ووالد لولده ، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب ، والمظلوم يقول له اللّه عز وجل وعزتي وجلالي لانتصرن لك ولو بعد حين ... » (1)

36 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي : « يا علي ان اللّه عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني فيها على رجال العالمين ، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي ، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين ، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين .. » (2)

لقد اختار اللّه تعالى نبيه العظيم وأوصيائه الأئمة الطاهرين من بين خلقه فجعلهم خزنة لعلمه ، ومستودعا لحكمته ، وأركانا لتوحيده ، ومنارا في بلاده وأدلاء ، على مرضاته وطاعته ، فصلوات اللّه عليهم.

37 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « اربع من كن فيه كان في نور اللّه الاعظم من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا اللّه واني رسول اللّه ومن اذا اصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ومن اذا اصاب خيرا قال : الحمد لله رب العالمين ، ومن اذا أصاب خطيئة قال : استغفر اللّه وأتوب إليه .. » (3)

ص: 154


1- الخصال ( ص 180 ).
2- الخصال ( ص 188 ).
3- الخصال ( ص 203 ).

38 - روى (عليه السلام) بسنده عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « أربع من كن فيه نشر اللّه عليه كنفه ، وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك .. » (1)

وفي هذا الحديث دعوة الى مكارم الاخلاق ، وحسن السلوك بين الناس والرفق والرحمة بالمعذبين والمنكوبين.

39 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « اربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء - يعني محادثتهن - ومماراة الاحمق ، تقول : ويقول : ولا يرجع الى خير أبدا ، ومجالسة الموتى ، فقيل له : يا رسول اللّه وما الموتى؟ قال : كل مترف .. » (2)

وحذر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن هذه الامور لأنها تميت الضمير ، ويقسو بها القلب وقد حرص الاسلام كل الحرص على ضمير الانسان فأراده أن يكون واعيا متفتحا متنورا رحيما.

40 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : في وصيته الى الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) : « يا علي بادر باربع : بشبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل موتك .. » (3)

ودعا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى المبادرة لفعل الخير ، واغتنام الفرص للعمل الى ما يقرب العبد الى خالقه ، قبل أن يفوت الأوان ، فيخسر الانسان ما

ص: 155


1- الخصال ( ص 205 ).
2- الخصال ( ص 208 ).
3- الخصال ( ص 217 ).

اعده اللّه له من النعم في دار الآخرة.

41 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) انه قال : « من علامات الشقاء جمود العين ، وقسوة القلب ، وشدة الحرص في طلب الرزق ، والاصرار على الذنب .. » (1)

وحذر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من هذه الأمور التي تبعد الانسان عن ربه ، وتلقيه في شر عظيم.

42 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال على منبره : « ألا ان خير الاسماء عبد اللّه ، وعبد الرحمن ، وحارثة ، وهمام وشر الاسماء ضرار ، ومرة وحرب وظالم .. » (2)

واحب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للمسلمين أن يسموا ابناءهم بتلك الاسماء الكريمة وكره لهم ان يسموهم بتلك الاسماء الكريهة التي تحمل طابع الشر والسوء.

43 - روى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه ، وعن حبنا أهل البيت .. » (3)

ان اللّه تعالى ليسأل هذا الانسان في يوم حشره عن كل شأن من شئون حياته في الدنيا فيسأله عن عمره هل انفقه في طاعته ورضاه ليجزل له الثواب أو انه صرفه في اقتراف الأثم وظلم العباد ليعاقبه عليه ، وكذلك يسأله بصورة خاصة عن شبابه فيما ابلاه كما يحاسبه على امواله هل

ص: 156


1- الخصال ( ص 221 ).
2- الخصال ( ص 228 ).
3- الخصال ( ص 231 ).

اكتسبها بصورة مشروعة حتى لا يؤاخذ عليها أو أنه اكتسبها من الحرام ليعاقب عليها ، وكذلك يسأله عن الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) الذين هم مصدر النور والخير في الارض فان كان متمسكا بولائهم فقد فاز ونجا وإن كان منحرفا عنهم فقد ظل وغوى.

44 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خطب الناس في آخر جمعة من شهر شعبان فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

« أيها الناس انه قد اظلكم شهر فيه ليلة خير من الف شهر ، وهو شهر رمضان ، فرض اللّه صيامه ، وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور ، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض اللّه ومن أدى فيه فريضة من فرائض اللّه كان كمن ادى فيه سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، وإن الصبر ثوابه الجنة ، وهو شهر المواساة ، وهو شهر يزيد اللّه فيه في رزق المؤمن ، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند اللّه عز وجل عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى.

فقيل له : يا رسول اللّه ليس كلنا يقدر أن يفطر صائما؟ فقال : ان اللّه تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما ، أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك ، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف عنه حسابه وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة ، وآخره اجابة والعتق من النار ، ولا غنى لكم فيه عن اربع خصال : خصلتين ترضون اللّه بهما ، وخصلتين لا غنى بكم عنهما ، اما اللتان ترضون اللّه بهما فشهادة أن لا إله إلا اللّه واني رسول اللّه ، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون اللّه فيه حوائجكم والجنة ،

ص: 157

وتسألون اللّه فيه العافية ، وتتعوذن به من النار .. » (1)

ان لشهر رمضان قداسة وحرمة عند اللّه ففضله على سائر الشهور ودعا فيه الرسول الى الطاعة والبر والاحسان على الفقراء ، وخصه بكثير من المميزات على بقية الشهور.

45 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال في وصيته للإمام أمير المؤمنين : « يا علي أربعة يذهبن ضياعا الأكل بعد الشبع ، والسراج في القمر ، والزرع في السبخة ، والصنعة عند غير أهلها .. » (2)

46 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « خمس لا ادعهن حتى الممات الأكل على الحضيض (3) مع العبيد ، وركوبي الحمار مؤكفا (4) وحلب العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي .. » (5)

وهذه الأمور من معالي اخلاقه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التي ساد بها على سائر النبيين وجلب بها الناس الى حظيرة الايمان والاسلام.

47 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « من باع واشترى فليجتنب خمس خصال وإلا فلا يبيعن ولا يشتري : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والمدح اذا باع ، والذم اذا اشترى .. » (6)

ص: 158


1- الخصال ( ص 236 ).
2- الخصال ( ص 240 ).
3- الحضيض : القرار من الارض عند اسفل الجبل.
4- المؤكف : وضع البرذعة أو غيرها على الحمار.
5- الخصال (247).
6- الخصال ( ص 260 ).

وعلى ضوء هذا النص افتى الفقهاء في كتاب البيع بما يلي :

1 - ان يتفقه البائع والمشتري في شئون المعاملات ليتجتنبا المعاملات الربوية التي هي من اعظم المحرمات في الاسلام.

2 - ان يتجنبا اليمين في المعاملة فانهما اذا كانا صادقين فيكره لهما ذلك ، واما اذا كانا كاذبين فانهما يقترفان الأثم والحرام.

3 - أن لا يكتما العيب سواء أكان ذلك في الثمن أم في المثمن ، واذا حصل الكتمان وظهر أمره فللمغرور خيار الفسخ ونقض المعاملة.

4 - ان يجتنب البائع مدح سلعته.

5 - ان لا يذم المشتري ما اشتراه إذا كان سليما.

48 - روى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن آبائه ان رجلا جاء الى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال له :

- يا رسول اللّه ما العلم؟

- الانصات.

- ثم مه؟

- الاستماع له.

- ثم مه؟

- الحفظ له.

- ثم مه؟

- العمل به.

- ثم مه؟

- نشره (1)

ص: 159


1- الخصال (262).

49 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لأصحابه : « استحيوا من اللّه حق الحياء ، قالوا : وما نفعل يا رسول اللّه؟ قال :فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا واجلا بين عينيه ، وليحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وليذكر القبر والبلى ، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة الدنيا .. » (1)

ان الحياء إنما يتحقق من الانسان فيما إذا خاف ربه وحفظ لسانه من قول الباطل ، وبصره من النظر الى ما لا يحل له ، وذكر القبر ، وما يجري عليه من الأهوال فيه فان صنع ذلك فهو المستحي من اللّه.

50 - قال (عليه السلام) : سئل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن خيار العباد؟ فقال : « الذين اذا احسنوا استبشروا ، واذا اساؤوا استغفروا ، واذا اعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا غفروا .. » (2)

51 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في وصيته لعلي : « يا علي في الزنا ست خصال : ثلاث منها في الدنيا ، وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ، ويعجل الفناء ، ويقطع الرزق ، واما التي في الآخرة فسوء الحساب ، وسخط الرحمن ، والخلود في النار .. » (3)

ان الزنا آفة اجتماعية ، وكارثة مدمرة للأخلاق ، وقد شدد الاسلام فيه وتوعد من يقترفه بأنواع العذاب في الدار الآخرة.

52 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) انه قال : « الحكرة

ص: 160


1- الخصال (267).
2- الخصال (288).
3- الخصال ( ص 292 ).

في ستة اشياء : في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والسمن ، والزيت .. » (1)

الاحتكار هو أحد العوامل المؤدية الى شل الحركة الاقتصادية في البلاد والى شيوع الفقر والحاجة بين الناس ، وقد حاربه الاسلام وشدد في أمره كأعظم ما يكون التشدد ، والزم ولاة أمر المسلمين بتسعير السلع ، وعدم الاجحاف في حق المواطنين فيها.

53 - روى (عليه السلام) عن آبائه عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر البغي ، والرشوة في الحكم ، وأجرة الكاهن .. » (2)

وحرم الاسلام بذل المال بازاء هذه الأمور ، وجعل التعامل بها من اكل المال بالباطل لأنها تؤدي الى تسيب الاخلاق ، وشيوع الفساد في الأرض.

54 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « ستة لعنهم اللّه وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب اللّه ، والمكذب بقدر اللّه ، والتارك لسنتي ، والمستحل لعترتي ما حرم اللّه ، والمتسلط بالجبروت ليذل من اعزه اللّه ، ويعز من اذله اللّه ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له .. » (3)

55 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لعلي : « يا علي حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والمذاكير ، والمثانة ، والنخاع

ص: 161


1- الخصال ( ص 300 ).
2- الخصال ( ص 300 ).
3- الخصال ( ص 308 ).

والغدد والطحال والمرارة .. » (1)

وفي تحريم الاسلام لهذه الأمور وقاية للصحة العامة ، وضمان للمجتمع من أن يصاب بالأمراض ، وقد ثبت في الطب الحديث أنها مما تضر بالصحة العامة وإن اجتنابها أمر لازم.

56 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في وصيته لعلي : « يا علي ان اللّه تبارك وتعالى اعطاني فيك سبع خصال : أنت أول من ينشق عنه القبر معي ، وأنت أول من يقف على الصراط معي ، وأنت أول من يكسى إذا كسيت ، ويحيى إذا حييت ، وأنت أول من يسكن معي في عليين ، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك .. » (2)

57 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « لم يعبد اللّه عز وجل بشيء افضل من العقل ، ولا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، يستكثر قليل الخير من غيره ، ويستقل كثير الخير من نفسه ، ولا يسأم من طلب العلم طول عمره ، ولا يتبرم بطلاب الحوائج قبله ، الذل احب إليه من العز ، والفقر احب إليه من الغنى ، نصيبه من الدنيا القوت ، والعاشرة وما العاشرة؟ لا يرى أحدا الا قال : هو خير مني وأتقى انما الناس رجلان ، فرجل هو خير منه واتقى ، وآخر هو شر منه وأدنى ، فاذا رأى من هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به ، وإذا رأى الذي هو شر منه وادنى قال : عسى خير هذا باطن وشره ظاهر عسى أن يختم له بخير فاذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد أهل زمانه .. » (3)

ص: 162


1- الخصال ( ص 310 ).
2- الخصال ( ص 311 ).
3- الخصال ( ص 403 ).

وفي هذا الحديث وامثاله من الاحاديث النبوية دعوة الى اصلاح النفس ، وتهذيبها بمكارم الاخلاق ، ومحاسن الاعمال لتكون مصدر هداية للناس.

58 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعن في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها ، وعاصرها ، وشاربها وساقيها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها. » (1)

وشدد الاسلام في أمر الخمر كأعظم ما يكون التشدد فحرم ايجاده وصنعه ، كما حرم تعاطيه ، فان الخمر من أعظم الآفات الاجتماعية التي تضر بالصحة العامة ، وتسبب انتكاسة القيم وتدهور الاخلاق.

59 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « البركة عشرة اجزاء تسعة اعشارها في التجارة ، والعشر الباقي في الجلود - يعني الغنم. » (2)

60 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « بني الاسلام على عشرة أسهم : على شهادة أن لا إله إلا اللّه ، وهي الملة ، والصلاة وهي الفريضة ، والصوم ، وهو الجنة ، والزكاة وهي الطهر ، والحج وهو الشريعة ، والجهاد وهو الغزو ، والأمر بالمعروف وهو الوفاء ، والنهي عن المنكر وهو الحجة ، والجماعة وهي الالفة ، والعصمة وهي الطاعة .. » (3)

61 - روى (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال : « إذا سألتم اللّه فسألوه بباطن الكفين ، وإذا استعذتموه فلا تستعيذوه بظاهرهما .. » (4)

ص: 163


1- الخصال ص 414 ).
2- الخصال ( ص 415 ).
3- الخصال ( ص 416 ).
4- البيان والتبيين 2 / 263.

62 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « اذا فعلت امتي خمس عشرة خصلة : حل بها البلاء ، اذا اكلوا الأموال دولا ، واتخذوا الامانة مغنما ، والزكاة مغرما ، واطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وبر صديقه وجفا أخاه ، وارتفعت الاصوات في المساجد ، وأكرم الرجل مخافة شره وكان زعيم القوم ارذلهم ، واذا لبس الحرير ، وشربت الخمور ، واتخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة اولها فليترقبوا بعد ذلك ثلاث خصال : ريحا حمراء ، ومسخا ، وخسفا .. » (1)

وهذه الأمور التي حذر عنها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هي من مدمرات الأمم ومن محطمات الشعوب ، واذا اقترفتها الأمة الاسلامية فسوف يحل بها عذاب اللّه ، وتجتاحها نقماته.

63 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له .. » (2)

وحث الاسلام على الكسب الحلال ، واعتبره جهادا وشرفا لصاحبه ، وإن من سعى لعياله ، وهو مكدود متعوب بات مغفورا له.

64 - قال (عليه السلام) : سئل رسول اللّه عن خيار العباد؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « الذين اذا أحسنوا استبشروا ، وإذا اعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، واذا غضبوا غفروا .. » (3)

ان من يتصف بهذه الاخلاق الرفيعة فانه يكون من خيار الناس واشرافهم ، وانه قد ملك زمام نفسه ، وسيطر عقله على هواه.

ص: 164


1- البيان والتبيين 2 / 262.
2- أمالي الصدوق ( ص 257 ).
3- أمالي الصدوق ( ص 9 ).

65 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم .. » (1)

ما اسمى هذه الحكمة التي تجمع الناس على صعيد المحبة والألفة ، وتوحد ما بين مشاعرهم وعواطفهم ، ان سلطان المال لا يمكن أن يحقق ذلك ، ولكن الاخلاق هي اقوى مؤثر في بناء المجتمع واقامته على اسس سليمة.

66 - قال (عليه السلام) : مر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقوم يربعون حجرا فقال :

ما هذا؟ قالوا : نعرف بذلك أشدنا وأقوانا ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إلا أخبركم بأشدكم وأقواكم ، قالوا : بلى ، قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أشدكم وأقواكم الذي اذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، واذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس بحق .. » (2)

ان الاسلام لا يعني إلا بقوة الضمير وصلابته ازاء الحق ، واما الاعتزاز بقوة العضلات فهي من الاعراف الجاهلية التي حاربها الاسلام.

67 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « مجالسة اهل الدين شرف الدنيا والآخرة .. » (3)

لقد ثبت في علم الاجتماع ان الحياة الاجتماعية حياة تأثير وتأثر فكل انسان يتأثر ويؤثر فيمن حوله ، ومن الطبيعي ان مزاملة الاخيار والمتحرجين في دينهم تؤثر فيمن يتصل بهم تأثيرا مباشرا فتصونهم من رذائل الصفات ، وتحبب لهم الخير ، وينالون بذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة.

ص: 165


1- أمالي الصدوق ( ص 11 ).
2- أمالي الصدوق ( ص 18 ).
3- أمالي الصدوق ( ص 54 ).

68 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « إن هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق ، ولا تكرهوا عبادة اللّه الى عباد اللّه .. » (1)

69 - روى (عليه السلام) عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « من أراد التوسل الي ، وان يكون له يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم .. » (2)

70 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لعلي : « يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب وكذب من زعم أنه يصل الى المدينة إلا من الباب .. » (3)

71 - روى (عليه السلام) بسنده عن أم سلمة ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « الحج جهاد كل ضعيف » (4)

72 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من نقله اللّه من ذل المعاصي الى عز التقوى اغناه بلا مال ، واعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا أنيس ، ومن خاف اللّه اخاف اللّه منه كل شيء ، ومن لم يخف اللّه اخافه اللّه من كل شيء ، ومن رضي من مال اللّه باليسير من الرزق فقد رضي منه باليسير من العمل .. » (5)

ص: 166


1- أصول الكافي
2- وسيلة المآل في عد مناقب الآل ( ص 61 ) من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين.
3- المناقب لابن المغازلي ( ص 85 ).
4- سير اعلام النبلاء 4 / 242 من مصورات مكتبة الحكيم العامة.
5- الصراط السوي ( ص 194 ) من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين.

73 - روى (عليه السلام) بسند عن آبائه ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : « اني واثنى عشر من أهل بيتي أولهم علي أوتاد الأرض التي امسكها اللّه بها أن تسيخ بأهلها ، فاذا ذهبت الاثنا عشر من أهل بيتي ساخت الأرض بأهلها .. » (1)

74 - قال (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من أهل بيتي اثنا عشر نقيبا محدثون ، منهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا. » (2)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والمتتبع يجد اضعاف هذه الاحاديث التي يرويها الامام عن جده.

رواياته عن الامام أمير المؤمنين :

روى (عليه السلام) عن آبائه طائفة من حكم جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذه بعضها :

1 - قال (عليه السلام) : قام رجل من أهل البصرة الى الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له :

« يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الاخوان!. »

فأجابه الامام (عليه السلام) :

« الاخوان صنفان : أخوان الثقة ، وأخوان المكاشرة ، فأما اخوان الثقة فهم الكف والجناح ، والأهل والمال ، فان كنت على حد الثقة فأبذل له مالك ، وبدنك ، وصاف من صافاه ، وعاد من عاداه ، واكتم سره ، وعيبه ، واظهر منه الحسن ، واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت

ص: 167


1- الاستنصار في النص على الأئمة الاطهار ( ص 8 ) للكراجكي
2- الاستنصار في النص على الأئمة الاطهار ( ص 8 ).

الأحمر ، واما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولا تطلبن ما وراء ذلك من صغيرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك ، من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان .. » (1)

أما اخوان المكاشرة في هذا العصر فهم الاكثرية الساحقة تسيرهم الاطماع والرغبات ، وتدفعهم المصالح ، والاهواء ، اما مظاهر صداقتهم فهي طلاقة الوجه وعذوبة اللسان - كما قال الامام -.

2 - قال (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « الفتن ثلاث : حب النساء ، وهو سيف الشيطان ، وشرب الخمر ، وهو مخ الشيطان ، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان ، فمن احب النساء لم ينتفع بعيشه ، ومن احب الأشربة حرمت عليه الجنة ، ومن احب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا ، واضاف (عليه السلام) يقول : قال عيسى بن مريم بالدينار داء الدين ، والعالم طبيب الدين فاذا رأيتم الطبيب يجر الداء على نفسه فاتهموه ، واعلموا أنه غير ناصح لغيره .. » (2)

3 - قال (عليه السلام) في كتاب علي ثلاث خصال : لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن ، البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ، وان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وان القوم ليكونوا فجارا فيتواصلون فتنمي أموالهم ، ويبرون فتزداد اعمارهم ، وان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها ، ويثقلان الرحم ، وان تثقل الرحم انقطاع النسل .. » (3)

ص: 168


1- الخصال ( ص 49 ).
2- الخصال ( ص 109 ).
3- الخصال ( ص 119 ).

وحفلت هذه القطعة من كتاب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالوصية بالبر والتقوى ، وبما يعود على الانسان من خير عميم في هذه الحياة.

4 - قال (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « قوام الدين باربعة : بعالم ناطق مستعمل له ، وبغني لا يبخل بفضله على اهل دين اللّه ، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، وبجاهل لا يتكبر عن طلب العلم ، فاذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله ، وباع الفقير آخرته بدنياه ، واستكبر الجاهل عن طلب العلم ، رجعت الدنيا الى ورائها القهقرى ، فلا تغرنكم كثرة المساجد واجساد قوم مختلفة ، قيل : يا أمير المؤمنين كيف العيش في ذلك الزمان! قال (عليه السلام) : خالطوهم بالبرانية - يعني في الظاهر - وخالفوهم في الباطن ، للمرء ما اكتسب ، وهو مع من أحب ، وانتظروا مع ذلك الفرج من اللّه عز وجل ... » (1)

ان صلاح الدنيا وازدهار الحياة بهؤلاء الاصناف فيما اذا قاموا بمسئولياتهم ، وأدوا ما عليهم ، واما اذا انحرفوا عن ذلك فان الحياة العامة تصاب بنكسة وتتدهور فيها جميع القيم العليا.

5 - قال (عليه السلام) : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) كم بين الحق والباطل! فقال (عليه السلام) : اربع اصابع ، ووضع يده على اذنه وعينه فقال : ما رأته عيناك فهو الحق ، وما سمعته أذناك فأكثره الباطل (2).

6 - روى (عليه السلام) عن آبائه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : كان لي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عشر خصال : ما أحب لي بإحداهنّ مما طلعت عليه الشمس ، قال لي : أنت اخي في الدنيا والآخرة وأقرب الخلائق

ص: 169


1- الخصال ( ص 180 ).
2- الخصال ( ص 215 ).

مني في الموقف ، وأنت الوزير والوصي والخليفة في الأهل والمال ، وأنت آخذ لوائي في الدنيا والآخرة ، وليك ولي ، وولي ولي اللّه ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو اللّه .. » (1)

لقد خص اللّه الامام أمير المؤمنين بفضائل كثيرة ، ومنحه المزيد من الطافه والتي كان منها ما ذكره النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في هذا الحديث.

7 - قال (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : « إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها ، صدق الحديث ، واداء الامانة ، والوفاء بالعهد ، وقلة الفخر ، والبخل ، وصلة الأرحام ، ورحمة الضعفاء ، وقلة المواتاة للنساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتباع العلم ، فيما يقرب الى اللّه عز وجل ، طوبى لهم وحسن مآب .. » (2)

8 - قال (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « ان قلوب الجهال تستفزها الاطماع ، وترتهنها المنى ، وتستعلقها الخدائع .. » (3)

وصور هذا الحديث واقع الجهال ، وألمّ باتجاهاتهم والتي كان منها ان الاطماع تسيطر على مشاعرهم وعواطفهم ، وان المنى ترتهن قلوبهم ، والخدائع بسهولة تستولي عليهم وذلك لقلة خبرتهم ومعرفتهم.

9 - قال (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر ، والسكوت ، والكلام ، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، فطوبى لمن كان نظره عبرة ، وسكوته فكرا ،

ص: 170


1- الخصال ( ص 398 ).
2- الخصال ( ص 454 ).
3- اصول الكافي 1 / 23.

وكلامه ذكرا ، وبكى على خطيئته وأمن الناس شره .. » (1)

وهذه صفات العارفين بربهم ، والمنيبين الى خالقهم ، وهي لا تنطبق إلا على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وعلى المهتدين بهديهم.

10 - قال (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « إنا اهل البيت شجرة النبوة وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم .. » (2)

11 - قال (عليه السلام) : كان علي يقول : العامل بالظلم ، والمعين عليه والراضي به شركاء ثلاثة (3).

روايته عن جده الحسين :

روى (عليه السلام) عن أبيه عن جده الامام الحسين (عليه السلام) قال : سمعت جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول لي : « أعمل بفرائض اللّه تكن اتقى الناس ، وارض بقسم اللّه تكن اغنى الناس ، وكف عن محارم اللّه تكن مؤمنا ، واحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما .. » (4)

روايته عن أبيه :

روى عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) انه قال : « ايما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين حتى تسيل على خده بوأه اللّه في الجنة غرفا يسكنها احقابا ، وايما مؤمن دمعت عيناه فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه اللّه منزل صدق ، وأيما مؤمن مسه اذى فينا فدمعت عيناه

ص: 171


1- الخصال ( ص 95 ).
2- أصول الكافي 1 / 220.
3- الخصال ( ص 103 ).
4- أمالي الصدوق ( ص 178 ).

حتى تسيل على خديه من مضاضة ما اوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخط النار .. (1)

روايته عن جابر الأنصاري :

وروى (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه مجموعة من الأخبار والأحداث من بينها.

1 - روى (عليه السلام) عن جابر ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان اذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ، ويقول : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، يصنع ذلك ثلاث مرات ، ويصنع مثل ذلك على المروة (2).

2 - روى (عليه السلام) عن جابر ان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يتختم بيمينه (3).

4 - سأل (عليه السلام) جابرا عما جرى بين علي وعائشة ، فقال جابر : ذهبت يوما الى عائشة وسألتها ما تقولين في حق علي؟ فأطرقت برأسها ثم رفعته وانشدت :

إذا ما التبر حك على محك *** تبين غشه من غير شك

وفينا الغش والذهب المصفى *** علي بيننا شبه المحك (4)

روايته عن عمر :

وروى (عليه السلام) بسنده عن عمر بن الخطاب قال : سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 172


1- كامل الزيارات ( ص 108 ).
2- تأريخ دمشق 51 / 37 - 38.
3- علل الشرائع ( ص 158 ).
4- الصراط السوي ( ص 119 ) نور الابصار ( ص 131 ) الفصول المهمة لابن الصباغ.

يقول : « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سبي ونسبي .. » (1).

روايته عن ابن عباس :

وروى (عليه السلام) بسنده عن عبد اللّه بن عباس انه قال : نظر علي في وجوه الناس فقال : « إني لأخو رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ووزيره ، وقد علمتم أني اولكم إيمانا باللّه ورسوله ، ثم دخلتم بعدي في الاسلام رسلا ، واني لابن عم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واخوه وشريكه في نسبه ، وأبو ولده ، وزوج ابنته سيدة ولده وسيدة نساء أهل الجنة ، ولقد عرفتم أنا ما خرجنا مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مخرجا قط إلا رجعنا وأنا احبكم إليه ، وأوثقكم في نفسه ، واشدكم نكاية للعدو ، وأثر في العدد ، ولقد رأيتم بعثته إياي ببراءة ، ولقد آخى بين المسلمين فما اختار احدا غيري ، ولقد قال لي : أنت أخي وانا أخوك في الدنيا والآخرة ، ولقد اخرج الناس من المسجد وتركني ، ولقد قال لي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي .. » (2)

روايته عن زيد بن أرقم :

وروى (عليه السلام) عن زيد بن أرقم قال : كنا جلوسا بين يدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إلا أدلكم على من اذا استرشدتموه لن تضلوا ، ولن تهلكوا قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : هذا - واشار الى علي بن أبي طالب - ثم قال : واخوه ، ووازروه ، وصدقوه ، وانصحوه ، فان جبرائيل

ص: 173


1- طبقات ابن سعد 8 / 463.
2- المناقب للمغازلي ( ص 111 - 112 ) المناقب للخوارزمي ( ص 226 ).

اخبرني بما قلت لكم (1).

روايته عن أبي ذر :

وروى (عليه السلام) طائفة من كلمات المصلح العظيم الصحابي أبي ذر منها قوله :

« يا مبتغي العلم لا يشغلك اهل ولا مال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ، ثم غدوت عنهم الى غيرهم ... الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه الى غيره ، وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها ، يا مبتغي العلم ان قلبا ليس فيه شيء من العلم كالبيت الخراب .. » (2)

هذه بعض الاحاديث التي اثرت عنه ، وهي تتعلق بآداب السلوك والاخلاق ، وبفضل العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم.

تفسير القرآن الكريم :

من العلوم التي خاضها الامام أبو جعفر (عليه السلام) في محاضراته تفسير القرآن الكريم ، فقد خصص له وقتا من اوقاته ، تناول فيه جميع شئونه ، وقد اخذ عنه علماء التفسير - على اختلاف آرائهم وميولهم - الشيء الكثير ، فكان (عليه السلام) من المع المفسرين في الاسلام ، وكان من جملة ما عرض له اثناء بحوثه عن القرآن ما يلي :

فضل قراءة القرآن :

وحث الامام ابو جعفر (عليه السلام) على تلاوة الكتاب العزيز لأنه المنبع

ص: 174


1- المناقب للمغازلي ( ص 245 ).
2- ناسخ التواريخ 2 / 204.

الفياض لهداية الناس واستقامتهم ، وهو مما يحيى القلوب ، ويمدها بطاقات من النور ، والوعي ، وقد روى (عليه السلام) ما قاله جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فضل تلاوته قال (عليه السلام) :

« قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ الف آية كتب له قنطار من تبر .. » (1)

ووردت اخبار مماثلة لهذا الحديث عن أئمة اهل البيت (عليهم السلام) وهي تحث المسلمين على تلاوة القرآن ، وتحفزهم على الامعان في آياته ، والتأمل في اسراره ، وهي - من دون شك - تنمي العقول ، وتهذب النفوس وتصونها من الانحراف ، وتهديها الى سواء السبيل.

الترجيع بقراءة القرآن :

اما الترجيع بقراءة القرآن ، وتلاوته بالصوت الحسن فانه ينفذ الى اعماق القلب ودخائل النفس ، ويتفاعل مع العواطف ، وذلك لما اشتمل عليه من الحكم والمعارف التي لا غنى للحياة عنها.

وقد عنى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بتلاوة القرآن الكريم ، فكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) من أحسن الناس صوتا بقراءته للقرآن (2).

وروى أبو بصير قال : قلت : لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت

ص: 175


1- البيان في تفسير القرآن ( ص 25 ).
2- أصول الكافي.

صوتي جاءني الشيطان فقال : انما ترائي بهذا أهلك والناس ، فقال (عليه السلام) : يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين ، تسمع أهلك ، ورجّع بالقرآن صوتك فان اللّه يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (1).

تنزيه القرآن من الباطل :

القرآن الكريم هو معجزة الاسلام الكبرى « كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. لا ريب فيه هدى للمتقين » وليس فيه أي تناقض في احكامه ولا تناف في آياته ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) ( وهو يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ( ولا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) وقد فسر هذه الآية الامام ابو جعفر (عليه السلام) قال : « لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ، ولا من قبل الانجيل والزبور ، ولا من خلفه اي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله » وفي رواية عن الصادقين (عليهماالسلام) انه « ليس في أخباره عما مضى باطل ولا في أخباره عما يكون في المستقبل باطل ».

ذم المحرفين للقرآن :

وذم الامام أبو جعفر (عليه السلام) المحرفين لكتاب اللّه ، وهم الذين يؤوّلون آياته حسب اهواءهم ، فقد كتب (عليه السلام) في رسالته الى سعد الخير « وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده ، فهم يرونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية. » (2)

ص: 176


1- البيان في تفسير القرآن ( ص 210 ).
2- الوافي ( ص 274 ) آخر كتاب الصلاة.

الاستعمالات المجازية فى القرآن :

وشاع الاستعمال المجازي في لغة العرب ، وذاع أمره في كثير من أنحاء الاستعمال كالاسناد المجازي ، والمجاز في الكلمة ، ومنه باب الكنايات التي قيل انها أبلغ من التصريح ، ويعتبر ذلك من لطائف هذه اللغة ومحاسنها ، وفي القرآن الكريم طائفة كبيرة من الآيات كان الاستعمال فيها مجازيا منها قوله تعالى : « يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي » فان المنصرف من اليد هو العضو المخصوص ويستحيل ذلك عليه تعالى لاستلزامه التجسيم وهو مما يمتنع عقلا على اللّه تعالى ، وقد سأل محمد ابن مسلم الامام أبا جعفر عن ذلك فأجابه (عليه السلام) :

« اليد في كلام العرب القوة والنعمة قال تعالى : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ) وقال : ( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ) أي بقوة ، وقال : ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ويقال : لفلان عندي اياد كثيرة أي فواضل واحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة » (1).

ومعنى ذلك ان اليد لم تستعمل في معناها المنصرف وإنما استعملت في غيره اما مجازا أو حقيقة بناء على انها مشتركة اشتراكا لفظيا في هذه المعاني التي ذكرها الامام.

البسملة جزء من سور القرآن :

وذهب الامام ابو جعفر (عليه السلام) وسائر أئمة اهل البيت (عليهم السلام) الى ان البسملة جزء من سور القرآن الكريم ، وتبعهم على ذلك جمهور غفير من علماء المسلمين ، وقراؤهم (2) وقد كتب يحيى بن أبي عمران

ص: 177


1- ناسخ التواريخ 1 / 434 نقلا عن توحيد الصدوق.
2- تفسير الآلوسي 1 / 39 ، تفسير الشوكاني 1 / 7.

الهمداني رسالة الى الامام أبي جعفر (عليه السلام) جاء فيها « جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ : ببسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب ، فلما صار الى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي : ليس بذلك بأس » فأجابه (عليه السلام) برسالة جاء فيها « يعيدها مرتين على رغم آنفه - يعني العباسي - » (1) وتظافرت الاخبار من الفريقين بجزئيتها ، وقد شذ من انكر ذلك.

نزول القرآن على سبعة احرف :

وشاع بين المفسرين أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، وقد استندوا في ذلك الى ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) من أنه قال : « ان القرآن نزل على سبعة أحرف » (2) وقد كثرت الأقوال في هذه الجهة حتى أن ابا حاتم ذكر ان الأقوال بلغت خمسا وثلاثين قولا (3).

ولا بد لنا من وقفة قصيرة لننظر الى معاني الأحرف السبعة ومدى صحتها ونسبتها الى الامام الباقر (عليه السلام).

الحروف السبعة :

أما الحروف السبعة ، فقد اختلفت الأقوال في المراد منها وهذه بعضها :

1 - انها الوعد والوعيد ، والأمر والنهي ، والقصص والمجادلة ، والامثال وقد

ص: 178


1- فروع الكافي 3 / 312 ، ومعنى قوله (عليه السلام) : « يعيدها مرتين » يعني انه كرر لفظ الاعادة من باب التأكيد.
2- غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 202 ، القراءات القرآنية ( ص 420 ).
3- تفسير القرطبي 1 / 9.

ضعف هذا الوجه ابن عطية ، وقال : ان هذا لا يسمى احرفا (1).

2 - انها المعاني المتقاربة التي ترد بالفاظ مختلفة نحو اقبل وهلم أو عجل واسرع ، وقد اختار هذا الوجه الطبري (2) إلا ان ذلك لا يحمل أي طابع من التحقيق ، فان للإنسان - على هذا الوجه - ان يقرأ القرآن على أشكال مختلفة ، وذلك يؤدي الى اختلاف كبير من اضافة آية أو حذفها لأن الاختلاف فى الالفاظ يستتبع الاختلاف في الجمل - حسبما يقول القرطبي - (3).

3 - ان المراد بها الابواب السبعة التي نزل بها القرآن وهي : الزجر ، والأمر ، والحلال ، والحرام ، والمحكم ، والمتشابه ، والامثال (4) ويرد عليه أن هذه لا تسمى أحرفا ، مضافا الى أن الزجر والحرام شيء واحد فلا تكون سبعة.

4 - إنها اللغات الفصيحة من لغات العرب ، وهي متفرقة في القرآن فبعضها بلغة قريش ، وبعضها بلغة هذيل ، وبعضها بلغة هوازن وبعضها بلغة اليمن ، وبعضها بلغة كنانة ، وبعضها بلغة تميم ، وبعضها بلغة ثقيف ، ونسب هذا القول الى البيهقي والأبهري وصاحب القاموس ... إلا أن هذا الوجه ينافيه ما ورد عن عمر من أن القرآن نزل بلغة مضر (5).

5 - إنها سبع قراءات ، واشكل على ذلك سيدنا الاستاذ بانه إن

ص: 179


1- نظرة عامة في تاريخ الفقه الاسلامي ( ص 67 ).
2- تفسير الطبري 1 / 15.
3- تفسير القرطبي 1 / 36.
4- البيان في تفسير القرآن ( ص 183 ).
5- البيان في تفسير القرآن ( ص 185 ).

أريد منها السبع المشهورة فهي غير ثابتة حسبما حققه عند البحث عن تواتر القراءات ، وإن أريد بها السبع على اطلاقها فمن الواضح أن عدد القراءات اكثر من ذلك بكثير (1).

هذه بعض الاقوال ، وقد عد سيدنا الاستاذ عشرة أقوال إلا أنه فندها ، وأثبت انها لا ترجع الى محصل ، وقد الف أبو شامة كتابا في هذه المعاني ، وابطل معظمها.

انكار الامام للاحرف السبعة :

وانكر الامام أبو جعفر (عليه السلام) الأحرف السبعة ، ولم يصح ما نسب إليه أنه رواها فقد روى في الصحيح عنه زرارة انه قال : « إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (2) وأثر عن الامام الصادق (عليه السلام) انكار ذلك فقد سأله الفضيل بن يسار فقال له : ان الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة احرف ، فقال علیه السلام : « كذبوا - أعداء اللّه - ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (3).

طرق التفسير :

واختلفت اتجاهات المفسرين للقرآن الكريم ، وقد سلكوا في ذلك طرقا مختلفة منها :

التفسير بالمأثور :

ونعني به تفسير القرآن بما أثر عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأئمة الهدى ، وهذا

ص: 180


1- البيان في تفسير القرآن ( ص 191 ).
2- أصول الكافي كتاب فضل القرآن.
3- أصول الكافي كتاب فضل القرآن.

ما سلكه اغلب مفسري الشيعة كتفسير القمي ، والعسكري ، والبرهان وغيرها وحجتهم في ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) هم المخصوصون بعلم القرآن على واقعه وحقيقته ، وليس لغيرهم في ذلك أي نصيب ، وقد اشار الى ذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) بقوله : « ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء » (1) فالأوصياء هم الذين عندهم علم الكتاب ، ظاهره وباطنه ، وقد تظافرت الأدلة على وجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن ، يقول الشيخ الطوسي : ان تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعن الأئمة الذين قولهم حجة كقول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

التفسير بالرأي :

ويراد به الأخذ بالاعتبارات العقلية الظنية الراجعة الى الاستحسان (3) وقد ذهب الى ذلك المفسرون من المعتزلة والباطنية ، فلم يعنوا بما أثر عن اوصياء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في تفسيرهم ، وإنما استندوا الى ما يرونه من الاستحسانات العقلية ، وقد نهى عن ذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقد دخل عليه قتادة الفقيه المشهور فقال له الامام :

« أنت فقيه أهل البصرة؟ »

« نعم هكذا يزعمون .. »

« بلغني أنك تفسر القرآن .. »

ص: 181


1- الوافي 2 / 130.
2- التبيان 1 / 4.
3- فرائد الاصول للأنصاري.

« نعم .. »

فانكر عليه الامام ذلك قائلا :

« يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك إنما يعرف القرآن من خوطب به .. » (1)

وقد قصر الامام أبو جعفر (عليه السلام) معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت (عليهم السلام) فهم الذين يعرفون المحكم من المتشابه ، والناسخ من المنسوخ وليس عند غيرهم هذا العلم ، وقد أثر عن الأئمة (عليهم السلام) القول : « انه ليس شيء أبعد من عقول الرجل من تفسير القرآن ، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف الى وجوه » (2).

أما الأخذ بظواهر الكتاب فلا يعد من التفسير بالرأي المنهى عنه ، وقد خالف في حجيتها بعض المحدثين ، وتمسكوا بأدلة قد فندت من قبل علماء الاصوليين (3).

تفسير الامام الباقر :

وألف الامام أبو جعفر (عليه السلام) كتابا في تفسير القرآن الكريم نص عليه محمد بن اسحاق النديم في « الفهرست » عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم قال : « كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين

ص: 182


1- البيان في تفسير القرآن ( ص 267 ).
2- فرائد الاصول ( ص 28 ).
3- يراجع في ذلك فرائد الاصول للشيخ الانصاري ، والبيان. في تفسير القرآن.

رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية » وقال السيد حسن الصدر : وقد رواه عنه أيام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي ، وقد اخرجه علي بن ابراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير (1) ويقول الرواة : أن جابر بن يزيد الجعفي ألف كتابا في تفسير القرآن أخذه من الامام (2).

نماذج من تفسيره :

وروى عنه المفسرون الشيء الكثير من تفسير آيات القرآن الكريم ، وهذه بعضها :

1 - قوله تعالى : ( أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ) (3) قال (عليه السلام) : الغرفة : هي الجنة وهي جزاء لهم بما صبروا على الفقر في الدنيا » (4).

2 - قوله تعالى : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) (5) سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن غضب اللّه؟ فقال (عليه السلام) : طرده وعقابه » (6).

3 - قوله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَ

ص: 183


1- تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ( ص 327 ) الفهرست للشيخ الطوسي ( ص 98 ) وحقق هذا التفسير المحامي السيد شاكر الغرباوي إلا انه لم يقدمه للنشر.
2- النجاشي.
3- سورة الفرقان : آية 70.
4- البداية والنهاية 9 / 301.
5- سورة طه : آية 82.
6- الفصول المهمة ( ص 227 ).

اهْتَدى ) (1) فسر (عليه السلام) الهداية بالولاية لأئمة أهل البيت وقال : فو اللّه لو ان رجلا عبد اللّه عمره ما بين الركن والمقام ، ولم يجيء بولايتنا إلا اكبه اللّه في النار على وجهه » (2).

4 - قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (3) قال (عليه السلام) : يعني بذلك تبليغ ما أنزل الى الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في فضل علي (4) وقد روى (عليه السلام) أن اللّه اوحى الى نبيه أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من اصحابه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره اللّه بادائه (5).

5 - قوله تعالى : ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) (6) نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي الذي اتهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالسحر ، وكان الوليد يسمى في قومه الوحيد ، والآية سيقت على وجه التهديد له ، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر انه قال : الوحيد ولد الزنا ، وقال زرارة ذكر لأبي جعفر ان أحد بني هشام قال في خطبته أنا ابن الوحيد فقال : ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها :! فقلنا له : وما هو؟

قال : من لا يعرف له أب (7).

ص: 184


1- سورة طه : آية 83.
2- مجمع البيان 7 / 23 طبع بيروت.
3- سورة المائدة : آية 67.
4- خصائص الوحي المبين ( ص 30 ).
5- مجمع البيان 4 / 223.
6- (*) سورة المدثر : آية 11.
7- مجمع البيان 10 / 387.

6 - قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها. ) (1) قال (عليه السلام) : تنزل الملائكة والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمور ما يصيب العباد ، والأمر عنده موقوف له فيه على المشيئة فيقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب » (2).

7 - قوله تعالى : ( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) (3) المراد من الآية أن الغاوين والقوى الكافرة يجمعون ويطرح بعضهم على بعض في النار قال الامام أبو جعفر (عليه السلام) « انها نزلت في قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه الى غيره » (4).

8 - قوله تعالى : ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (5) قال (عليه السلام) : في تفسيره للآية انه تعالى اعظم واعز واجل وأمنع من أن يظلم ، ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته حيث يقول : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) يعني الأئمة منا ، ثم قال : في موضع آخر ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (6).

9 - قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (7). روى محمد بن مسلم قال : قلت : للإمام أبي جعفر إن من عندنا يزعمون أن المعنيين بالآية هم اليهود والنصارى؟ قال : إذا يدعونكم إلى دينهم ،

ص: 185


1- سورة القدر : آية 4.
2- دعائم الاسلام 1 / 334.
3- سورة الشعراء : آية 94.
4- اصول الكافي 1 / 47.
5- سورة البقرة : آية 57.
6- أصول الكافي 1 / 146.
7- سورة الأنبياء : آية 7.

ثم اشار (عليه السلام) الى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسئولون (1).

10 - قوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (2) .. » قال (عليه السلام) : « نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الالباب » (3).

11 - قوله تعالى : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (4) فسر الامام أبو جعفر ( الذين اوتوا العلم ) بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) (5) وروى أبو بصير أن الامام أبا جعفر قرأ هذه الآية وأومأ بيده الى صدره (6).

12 - قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (7) روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لما نزلت هذه الآية قال المسلمون : يا رسول اللّه ألست امام الناس كلهم أجمعين؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنا رسول اللّه الى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ، ويظلهم أئمة الكفر والضلال واشياعهم ، فمن والاهم واتبعهم ، وصدقهم فهو مني ومعي ، وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ، ولا معي ، وانا منه بريء .. » (8)

ص: 186


1- أصول الكافي 1 / 211.
2- سورة الزمر : آية 9.
3- أصول الكافي 1 / 212.
4- سورة العنكبوت : آية 49.
5- مجمع البيان 7 / 288.
6- أصول الكافي 1 / 212.
7- سورة الاسراء : آية 17.
8- اصول الكافي 1 / 215.

13 - قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ) (1).

وسأل سالم الامام أبا جعفر عن هذه الآية فقال (عليه السلام) : السابق بالخيرات الامام ، والمقتصد العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام (2) وروى زياد بن المنذر عنه (عليه السلام) انه قال : اما الظالم لنفسه فمن عمل صالحا وآخر سيئا ، واما المقتصد فهو المتعبد المجتهد واما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين ومن قتل من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شهيدا (3).

14 - قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (4) قال (عليه السلام) :

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المتوسم ، وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون (5).

15 - قوله تعالى : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (6) قال (عليه السلام) : يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) والاوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا يعني اشربنا قلوبهم الايمان ، والطريقة : هي الايمان بولاية علي والاوصياء (7).

ص: 187


1- سورة فاطر : آية 32.
2- اصول الكافي 1 / 214.
3- مجمع البيان 7 / 409.
4- سورة الحجر : آية 75.
5- أصول الكافي 1 / 219.
6- سورة الجن : آية 16.
7- اصول الكافي 1 / 220.

16 - قوله تعالى : ( قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (1) سأل بريد بن معاوية الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن المعنيين بقوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) ؟ فقال (عليه السلام) : ايانا عنى ، وعلي اولنا ، وافضلنا وخيرنا بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

17 - قوله تعالى : ( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. ) (3) سأل بريد العجلي الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية؟ فقال (عليه السلام) : جعل في آل ابراهيم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرونه في آل ابراهيم ، وينكرونه في آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم)؟ قال بريد : وما المراد ( وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) قال : الملك العظيم ان جعل فيهم أئمة من اطاعهم اطاع اللّه ومن عصاهم عصى اللّه فهو الملك العظيم (4).

18 - قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (5) سئل (عليه السلام) عن الروح فقال : هي القدرة (6).

19 - قوله تعالى : ( لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) (7) قال (عليه السلام) :

ص: 188


1- سورة الرعد : آية 43.
2- أصول الكافي 1 / 229 مجمع البيان 6 / 301 روى عن أبي جعفر أنها نزلت في آل البيت.
3- سورة النساء : آية 54.
4- أصول الكافي 1 / 206.
5- سورة الحجر : آية 29.
6- تفسير البرهان ( ص 558 ).
7- سورة يوسف : آية 24.

لجابر الجعفي ما يقول فقهاء العراق في هذه الآية؟ قال جابر : رأى يعقوب عاضا على ابهامه ، فقال (عليه السلام) : ، حدثني أبي عن جدي علي ابن أبي طالب ان البرهان الذي رآه انها حين همت به ، وهمّ بها أي طمع فيها ، فقامت الى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض خشية أن يراها أو استحياء منه ، فقال لها يوسف : ما هذا؟ فقالت : الهي استحي منه أن يراني على هذه الصورة ، فقال يوسف : تستحي من صنم لا ينفع ولا يضر ، ولا يبصر ، أفلا استحي أنا من الهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ، ثم قال : واللّه لا تنالين مني أبدا ، فهو البرهان (1).

هذه بعض الآيات التي فسرها الامام ابو جعفر (عليه السلام) وبها ينتهي بنا الحديث عن تفسيره للقرآن الكريم.

علم الكلام :

وبحث الامام أبو جعفر في كثير من محاضراته المسائل الكلامية ، وسئل عن أعقد المسائل وادقها في بحوث هذا العلم فأجاب عنها ، ومن الجدير بالذكر أن عصر الامام كان من اشد العصور الاسلامية حساسية فقد امتد فيه الفتح الاسلامي الى اغلب مناطق العالم وشعوب الارض فأثار ذلك موجة من الحقد في نفوس المعادين للإسلام من الشعوب المغلوبة على امرها ، ومن غيرها ، فقاموا بحملة دعائية ضد العقيدة الاسلامية فاذاعوا الشكوك والاوهام بين ابناء المسلمين ، وقد شجعت الحكومات الأموية الافكار المعادية للإسلام ، فلم يؤثر عن أي أحد من ملوك بين أمية انه

ص: 189


1- البداية والنهاية 9 / 310.

قاومها او تصدى لايقافها وعدم نشرها بين المسلمين ولم يكن هناك أحد قد انبرى الى انقاذ المسلمين في ذلك العصر سوى الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقد تصدى الى تزييفها والرد عليها ببالغ الحجة والبرهان ، وسنعرض الى تفصيل ذلك عند البحث عن عصر الامام.

وعلى أي حال فهذه بعض البحوث الكلامية التي خاضها الامام وهي :

التوحيد :

اشارة

وتناول الامام ابو جعفر (عليه السلام) أهم مسائل التوحيد ، فكشف الغطاء عنها وفند ما أثير حولها من أوهام وشكوك ، وكان من بين ما عرض له.

1 - عجز العقول عن ادراك حقيقة اللّه :

والشيء الذي لا جدال فيه ان الانسان بجميع ما يملك من طاقات فكرية فانه عاجز عن معرفة حقيقة اللّه ، لأن العقول في جميع تصوراتها محدودة يقول الشافعي : « ان للعقل حدا ينتهي إليه كما ان للبصر حدا ينتهي إليه ».

ان جميع الاشياء التي يتوصل إليها حس الانسان لا بد ان توجد في مكان ويجري عليها الزمان ، ولا يستطيع العقل ان يتخيل موجودات لا مكان لها أو اشياء لا يجري عليها الزمان ، وذات اللّه تعالى يعجز العقل أن يدرك واقعها لأنه لا يجري عليها الزمان ولا المكان فانه تعالى هو الذي خلقهما ، وبالاضافة الى ذلك فان في السكون أمورا كثيرة قد عجز العقل عن الاحاطة بكنهها ، والتي منها الحقيقة الغيبية فان العقل لم يهتد الى معرفتها.

ان ذات اللّه تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمل من

ص: 190

سعة الخيال فضلا عن ادراكها بالعين الباصرة فان كلا منهما محدود بحسب الزمان والمكان ، وقد أدلى بذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) حيث سئل عن قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (1) فقال (عليه السلام) : « أوهام القلوب ادق من ابصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ، ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف ابصار العيون؟ .. » (2)

ان البصر ينقلب خاسئا وهو حسير في تصوره لذات اللّه تعالى خالق الكون وواهب الحياة ، يقول ابن أبي الحديد :

فيك يا اعجوبة الكون *** غدا الفكر عليلا

كلما أقدم فكري *** فيك شبرا فرّ ميلا

أنت حيرت ذوي *** اللب وبلبلت العقولا (3)

إنه ليس هناك شيء ابعد من ادراك ذات اللّه تعالى فانها تمتنع على العقول وتعجز من ان تلم بأي جانب من جوانبها ، وقد سأل عبد الرحمن ابن أبي النجران الامام أبا جعفر عن اللّه تعالى فقال : إني اتوهم شيئا ، فقال (عليه السلام) له :

« نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، ولا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور ، إنما يتوهم شيء ، غير معقول ولا محدود .. » (4)

ص: 191


1- سورة الانعام : آية 103.
2- نسب هذا الحديث الى الامام الجواد.
3- شرح النهج 13 / 51.
4- أصول الكافي 1 / 82.
2 - ازلية واجب الوجود :

أما ازلية واجب الوجود فهي من ادق البحوث الكلامية ، والفلسفية ، وقد عرضت على أبي جعفر (عليه السلام) فقد سأله رجل فقال له : اخبرني عن ربك متى كان؟ فأجابه الامام :

« ويلك إنما يقال لشيء لم يكن ، متى كان؟!! إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون كيف ، ولا كان له اين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل انشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشيء شيئا ، وملكا جبارا بعد انشائه للكون ، فليس لكونه كيف ولا له اين ، ولا له حد ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق (1) لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلها ، كان حيا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ولا كيف محدود ، ولا اين موقوف عليه ، ولا مكان ، جاور شيئا ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، إنشاء ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحد ولا يبعض ، ولا يفنى ، كان أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا اين ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك اللّه رب العالمين.

ويلك أيها السائل!! ان ربي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ، ولا يجاوزه شيء ، ولا تنزل به الاحداث ، ولا يسأل عن

ص: 192


1- يصعق : أي يهلك ، ويضعف.

شيء ، ولا يندم على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما ، وما تحت الثرى .. » (1)

وألمت هذه القطعة الذهبية من كلام الامام العظيم بأزلية واجب الوجود وتوحيده ، وتنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته التي يحدها الجنس والفصل والتي تخضع في وجودها وعدمها الى العلة ، وتفتقر إلى الزمان والمكان وتعالى اللّه عن جميع ذلك فانه الاول والآخر ، والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ... وقد سئل بعض المحققين عن اللّه ما هو؟ فقال : الأوحد ، فقيل له : كيف هو؟ فقال : ملك قادر ، فقيل له : اين هو؟ فقال : بالمرصاد ، فقال السائل : ليس عن هذا أسألك ، فقال : ما اجبتك به هو صفة الحق فأما غيره فصفة الخلق.

لقد أرادوا أن يتعرفوا على ذات اللّه تعالى حتى كأنه شيء من الاشياء التي تخضع للحواس وسائر المدركات العقلية ، ولم يعلموا أن اللّه تعالى فوق ما يدركه العقل ، وفوق ما تتصوره الأوهام ، لا إله إلا هو الحي القيوم.

وعلى أي حال فان كلام الامام (عليه السلام) قد عرض لأدق المسائل الكلامية التي لم يطرقها أحد من متكلمي المسلمين وفلاسفتهم سوى جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) اما الاحاطة بكلام الامام (عليه السلام) وإيضاحه فانه يحتاج الى دراسة مفصلة ، وقد عنى فلاسفة الاسلام بالاستدلال على النقاط التي وردت في حديث الامام (2).

ص: 193


1- أصول الكافي 1 / 88 - 89.
2- عرض لذلك بصورة موضوعية الفيلسوف الاسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي في كتابه ( الشواهد الربوية ).
3 - النهي عن الكلام في ذات اللّه :

ونهى الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن الحديث والخوض في ذات اللّه تعالى لأن ذلك مبني على فلسفة عميقة لا تتحملها عقول البسطاء الذين لا يملكون رصيدا من العلم ، فانهم يقعون في حبائل الشيطان ، ويخرجون من حضيرة الايمان الى حضيض الشرك ، يقول (عليه السلام) :

« تكلموا في كل شيء ، ولا تتكلموا في ذات اللّه .. » (1)

وقال (عليه السلام) : « تكلموا في خلق اللّه ، ولا تتكلموا في اللّه فانه لا يزداد صاحبه إلا تحيرا .. » (2)

إن الحديث عن ذات اللّه تعالى لا يزيد الانسان إلا تحيرا والقاء في المهالك والشبهات ، اما التفكر في مخلوقات اللّه ، والتأمل في دقائق هذا الكون فانه يدعو الى حتمية الايمان باللّه ، فان كل مخلوق بحسب صنعته وتركيبه يدلل على الخالق العظيم ، يقول دارون : « اني أرى فيما يظهر لي ان الاحياء التي عاشت على هذه الأرض جميعها من صورة واحدة ازلية نفخ الخالق فيها نسمة الحياة » (3) وان من الخرافة القول بأن هذه العوالم وجدت من باب الصدفة ، فان من غير الممكن ان توجد الصدفة نظاما دقيقا قائما على العلم ، فلما ذا لم تخلق الصدفة الطائرة أو الآلات الحديثة التي أوجدها الفكر والعلم؟

4 - علم اللّه :

ان اللّه تعالى احاط بكل شيء علما ، وان علمه بالاشياء قبل تكوينها

ص: 194


1- اصول الكافي 1 / 92.
2- اصول الكافي 1 / 92.
3- النشوء والارتقاء ( ص 47 ).

وبعد تكوينها على حد سواء لأنه الخالق والمكون لها كما أنه العالم بما تنطوي عليه النفوس ، وتضمره القلوب ، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : « كان اللّه عز وجل ولا شيء غيره ، ولم يزل عالما بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه » (1).

5 - واقع التوحيد :

وطلب جابر بن يزيد الجعفي من الامام أبي جعفر (عليه السلام) أن يعلمه شيئا من التوحيد فقال (عليه السلام) :

« ان اللّه تباركت اسماؤه التي يدعا بها ، وتعالى في علو كنهه .. واحد توحد بالتوحيد في توحده ، ثم أجراه على خلقه ، فهو واحد صمد ، قدوس يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء ، ووسع كل شيء علما ... » (2)

6 - صفات اللّه :

ان صفات الخالق الحكيم هي عين ذاته ، وليس بينهما تعدد حسب ما دلل عليه في علم الكلام ، وقد ظل قوم من أهل العراق عن طريق الحق فأشاعوا أنه تعالى يسمع بغير ما يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع شأنه في ذلك شأن مخلوقاته وقد عرض ذلك محمد بن مسلم على الامام أبي جعفر فقال (عليه السلام) :

« كذبوا والحدوا ، وشبهوا ، تعالى اللّه عن ذلك إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع .. »

فقال محمد بن مسلم : يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه ، فرد (عليه السلام)

ص: 195


1- اصول الكافي 1 / 107.
2- اصول الكافي 1 / 123.

مزاعمهم وقال :

« تعالى اللّه ، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه كذلك » (1)

7 - الشك والجحود :

ان الشك في وجود اللّه تعالى فاطر السموات والأرض ، وجحوده له مضاعفاته السيئة ، والتي منها أنه لا يقبل من الشاك والجاحد أي عمل خير ، ولا ينفعه يوم حشره ونشره ، يقول (عليه السلام) :

« لا ينفع مع الشك والجحود عمل .. » (2)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن كلمات الامام أبي جعفر (عليه السلام) في التوحيد

الامامة :

الامامة نفحة من روح اللّه ، ورحمة من رحماته انعم بها على هذا الانسان لتدله على الايمان ، وتلهمه الخير ، وتهديه الى سواء السبيل وهي من اصول الدين ، وأركان الاسلام عند الشيعة الامامية لأنها القاعدة الصلبة التي تتركز عليها العدالة الاجتماعية في الاسلام ، وقد تحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن كثير من جوانب الامامة ، كان من بينها ما يلي :

الحاجة الى الامام :

الامامة ضرورة من ضروريات الحياة الاسلامية ، لا تستقيم شئون المجتمع من دونها وقد اجمع المسلمون على لزومها وضرورتها ، وقد سأل جابر بن يزيد الجعفي الامام (عليه السلام) عن الحاجة الى النبي والامام ، فقال (عليه السلام) :

« لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك ان اللّه عز وجل يرفع العذاب عن

ص: 196


1- اصول الكافي 1 / 108.
2- جامع السعادات 1 / 117.

أهل الأرض اذا كان فيها نبي أو امام ، قال اللّه عز وجل : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) وقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الارض ، فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون » يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن اللّه عز وجل طاعتهم بطاعته ، فقال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ، ولا يعصون ، وهم المؤيدون الموفقون المسددون بهم يرزق اللّه عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، ولا تفارقهم روح القدس ، ولا يفارقونه ، لا يفارقون القرآن ، ولا يفارقهم صلوات اللّه عليهم اجمعين .. » (1)

وحفل حديث الامام (عليه السلام) بضرورة الامامة لأنها تنشد صلاح العالم وتقيم اعوجاج الدين ، كما اشاد بالأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) وانهم أمان لأهل الارض ، وبهم يستدفع البلاء ، وينزل الغيث وتخرج بركات الارض.

وجوب معرفة الامام :

وتظافرت الاحاديث عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعن سدنة علومه الأئمة الطاهرين في لزوم معرفة امام العصر ، وإن من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية - حسب النص النبوي - وقد أثرت عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) أخبار كثيرة بذلك كان منها :

1 - روى جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول :

ص: 197


1- علل الشرائع ( ص 123 - 124 ).

« إنما يعرف اللّه عز وجل ويعبده من عرف امامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف اللّه عز وجل ، ولا يعرف الامام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير اللّه ... » (1)

2 - روى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : « كل من دان اللّه عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، واللّه شانئ لاعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها فهجمت (2) ذاهبة ، وجائية يومها ، فلما جنها الليل بصرت بقطيع من غنم مع راعيها ، فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها ، فلما ان ساق الراعي قطيعه انكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها ويردها ، فبينما هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها ... وكذلك يا محمد من اصبح من هذه الأمة لا امام له من اللّه عز وجل ظاهر عادل اصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.

واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلوا واضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء .. ذلك هو الضلال البعيد .. » (3)

ص: 198


1- اصول الكافي 1 / 181.
2- هجمت : أي تعبت بلا روية ، فهي متحيرة في أمرها.
3- اصول الكافي 1 / 183 - 184.

ان أئمة اهل البيت (عليهم السلام) هم الذين تجب معرفتهم لأنهم سدنة الوحي وأوصياء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخلفاؤه على أمته ، لا ملوك بني أمية ، وملوك بني العباس الذين تمرغوا في الأثم ، واشاعوا الجور والفساد في الارض.

وجوب طاعة الامام :

وطاعة الامام واجب ديني اعلنه القرآن الكريم قال تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) . (1) وتظافرت الاخبار بذلك ، روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال :

« ذروة الأمر وسنامه ، ومفتاحه ، وباب الأشياء ، ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ... ان اللّه تبارك وتعالى يقول :

( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. ) (2)

ان في طاعة أئمة الهدى (عليهم السلام) نظاما للدين واقامة للعدل لأنهم لا يأمرون إلا بالحق وبه يحكمون.

حق الامام على الناس :

ان للإمام على الناس حقا ، كما ان لهم عليه حقا ، وقد تحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن ذلك ، فقد سأله أبو حمزة قائلا :

- ما حق الامام على الناس؟

- حقه عليهم أن يسمعوا ويطيعوا.

- ما حقهم عليه؟

ص: 199


1- سورة النساء : آية 59.
2- أصول الكافي 1 / 185.

يقسم بينهم بالسوية ، ويعدل في الرعية (1).

ان حق الامام على الناس السمع والطاعة لأوامره الهادفة لسعادتهم وصلاحهم ، واما حقهم عليه فهو ان يقسم أموال اللّه بينهم بالسوية فلا يؤثر قوما على آخرين ، وان يبسط فيهم العدل الذي هو ظل اللّه في أرضه.

عظمة الامامة :

ان للإمام كرامة عند اللّه ومنزلة لا يبلغها أي أحد من عباد ، وقد تحدث عنها الامام أبو جعفر (عليه السلام) ، قال (عليه السلام) لجابر بن يزيد الجعفي :

« ان اللّه اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل ان يتخذه اماما ، فلما جمع له هذه الاشياء وقبض يده (2) قال له : يا ابراهيم ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) فمن عظمها في عين ابراهيم قال : يا رب ومن ذريتي ، قال : لا ينال عهدي الظالمين .. (3)

ومعنى هذا الحديث ان الامامة ارقى منزلة عند اللّه لا يصل إليها الأنبياء والمرسلون ، وقد خص اللّه بها خليله ابراهيم ، وجعلها من مكملات ذاتياته المشرقة ، وخص اللّه بها الأئمة الطاهرين من أهل البيت الذين هم سدنة الوحي ، وأبواب الهداية والرحمة لهذه الأمة.

الولاية لأئمة أهل البيت :

أن الولاية للأئمة الطاهرين جزء من الاسلام ، وعنوان للأيمان ،

ص: 200


1- أصول الكافي 1 / 405.
2- قبض يده : الضمير راجع الى الامام أي ضم اصابعه الى الكف
3- اصول الكافي 1 / 175.

وقد اذاع الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بين أمته هذا الفرض الديني المقدس ، والزم الأمة به ، وعنى به اكثر مما عني باي واجب دينى يقول الإمام أبو جعفر علیه السلام :

« بني الاسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -. » (1)

ان الواجب على كل مسلم أن يكن في دخائل نفسه الولاء للأئمة الطيبين الذين هم مصدر النور في الأرض ، ومن أظهر الولاء لهم الأخذ بما أثر عنهم من الاحكام وقواعد الأخلاق والآداب.

الاشادة بالأئمة :

واشاد الامام أبو جعفر (عليه السلام) في كثير من أحاديثه بالأئمة الطيبين وتحدث عن سمو منزلتهم ، وكان من بين أحاديثه ما يلي :

1 - قال (عليه السلام) : « نحن ولاة أمر اللّه ، وخزان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه ، طاعتنا فريضة ، وحبنا إيمان ، وبغضنا كفر ، محبنا في الجنة ، ومبغضنا فى النار .. » (2)

2 - قال (عليه السلام) : « نحن جنب اللّه تعالى ، نحن صفوة اللّه ، نحن امناء اللّه ، نحن مستودع مواريث الأنبياء ، نحن حجج اللّه ، نحن حبل اللّه المتين ، نحن صراط اللّه المستقيم ، قال اللّه تعالى : ( وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ) نحن رحمة اللّه للمؤمنين ، بنا يفتح

ص: 201


1- اصول الكافي 1 / 183.
2- مناقب آل ابي طالب 2 / 336.

اللّه وبنا يختم اللّه ، من تمسك بنا نجا ، ومن تخلف عنا غوى ، نحن القادة الغر المحجلون ... من عرفنا ، وعرف حقنا ، وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا .. » (1)

3 - قال (عليه السلام) : « نحن خزنة علم اللّه ، ونحن ولاة أمر اللّه ، بنا فتح الاسلام وبنا يختمه ومنا تعلموا ، فو اللّه الذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ما علم اللّه في احد إلا فينا وما يدرك ما عند اللّه إلا بنا .. » (2)

4 - قال (عليه السلام) : « نحن أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوة ، ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي .. » (3)

5 - قال (عليه السلام) : « واللّه إنا لخزان اللّه في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه .. » (4)

6 - قال (عليه السلام) : « نحن خزان علم اللّه ، ونحن تراجمة وحي اللّه ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ، ومن فوق الأرض .. » (5)

وتضافرت الاخبار من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهي تحمل هذا الطابع الخاص في فضل الأئمة الطاهرين وما منحهم اللّه من مزيد الفضل. فقد جعلهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ينابيع الحكمة ، وورثة علوم الأنبياء ، وخصهم بكل كرامة ، وهو حق لا شبهة فيه ، فان من راجع سيرتهم ، وما أثر عنهم من الهدي والصلاح وسائر الكمالات النفسية يؤمن بأنهم سادات الخلق ، وأوصياء

ص: 202


1- عيون المعجزات ( ص 34 ).
2- اعلام الورى ( ص 270 ).
3- روضة الواعظين ( ص 275 ).
4- اصول الكافي 1 / 192.
5- اصول الكافي 1 / 192.

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحملة علومه ، وليس في هذا القول أي غلو أو انحراف عن الحق ، فقد وهب اللّه انبياءه العلم والحكمة وفصل الخطاب ، وهم ليسوا بأفضل من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين اخلصوا لله ، وقدموا في سبيل طاعته ودينه من التضحيات ما لم يقدمه أي مصلح في الأرض.

عدد الأئمة :

وأعلن الامام أبو جعفر (عليه السلام) عدد الأئمة الطاهرين الذين هم خلفاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أمته ، وأوصياؤه وحملة علومه ، وفيما يلي بعض ما روى عنه :

1 - روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : « الأئمة اثنا عشر اماما منهم الحسن والحسين ثم الأئمة من ولد الحسين .. » (1)

2 - روى أبو بصير أن الامام أبا جعفر (عليه السلام) قال : « نحن اثنا عشر محدثا » (2).

3 - روى عنه أبو بصير انه قال : « تكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم .. » (3)

وقد اذاع ذلك الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتواترت الاخبار عنه فقد روى سلمان الفارسي قال : كنا مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والحسين بن علي على فخذه اذ تفرس في وجهه وقال له : « يا أبا عبد اللّه أنت سيد من سادتنا ، وأنت إمام ابن إمام أخو امام ، أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم ، أعلمهم ، أحكمهم أفضلهم » (4)

ص: 203


1- الاستنص ار ( ص 17 ) لمحمد بن علي الكراجكي.
2- الاستنصار ( ص 17 ).
3- الخصال ( ص 388 ).
4- مقتضب الأثر لاحمد بن محمد المتوفى سنة ( 401 ه ) من مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية.

وروى عبد اللّه بن عمر قال : سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول : « يكون خلفي اثنا عشر خليفة » (1) وعلق الشيخ ابو عبد اللّه احمد بن عياش على هذا الحديث بقوله : « فاذا كانت هذه العدة المنصوص عليها لم توجد في القائمين بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولا في بني أمية لأن عدة خلفائهم تزيد على اثني عشر ، ولا في القائمين من بعدهم إلا زائدة عليهم ، ولم تدع فرقة من فرق هذه الامة هذه العدة في أئمتها غير الامامية دل ذلك على أن أئمتهم هي المعتدة بها » (2).

وقد عدهم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر اسماءهم واحدا بعد واحد حتى انتهى الى القائم (3) ويقول بعض الشعراء :

ان الأئمة تسعة وثلاثة *** نقلا عن الهادي البشير المنذر

لا زائد فيهم وليس بناقص *** منهم كما قد قيل عد الاشهر

مثل النبوة صيرت في معشر *** وكذا الامامة صيرت في معشر (4)

ويقول الشاعر عبد اللّه بن ايوب الخريبي مخاطبا للامام الجواد بعد وفاة أبيه :

يا ابن الذبيح ويا ابن أعراق الثرى *** طابت ارومته وطاب عروقا

يا ابن الثمانية الأئمة غربوا *** وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا

ان المشارق والمغارب أنتم *** جاء الكتاب بذلكم تصديقا (5)

ص: 204


1- مقتضب الأثر.
2- مقتضب الأثر.
3- بصائر الدرجات ( ص 108 ) للصفار.
4- غاية الاختصار ( ص 131 ).
5- مقتضب الأثر.

والشيء المحقق ان خلفاء النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الاثني عشر الذين تواترت فيهم الاخبار انما هم الأئمة الطيبون من أهل البيت (عليهم السلام) فهم الذين يمثلون هدي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسمته.

محن الائمة :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) مع حمران عن المحن والخطوب التي ألمت بالأئمة الطاهرين من طواغيت زمانهم ، وانهم سلام اللّه عليهم لو سألوا اللّه تعالى أن يكشفها عنهم لاستجاب لهم ، ولكنهم لم يسألوه لينالوا المنزلة الكريمة عنده ، يقول (عليه السلام) :

« ولو انهم - أي الأئمة - يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه عز وجل ، واظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه عز وجل أن يدفع ذلك عنهم والحوافي ازالة تلك الطواغيت ، وذهاب ملكهم اذن لأجابهم ، ورفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم اسرع من رفع سلك منظوم انقطع فتبدد ، ما كان ذلك الذي اصابهم - يا حمران - لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من اللّه أن يبلغوها ، فلا تذهب فيك المذاهب فيهم .. » (1)

حثه على نشر مآثر الأئمة :

وكان (عليه السلام) يحث الرواة والمحدثين على اذاعة مآثر أئمة اهل البيت علیهم السلام ونشر فضائلهم لأنهم القدوة الحسنة لهذه الأمة ، يقول سعد الاسكاف : قلت : لأبي جعفر إني اجلس فأقص ، واذكر حقكم وفضلكم ، فشكر (عليه السلام) مساعيه وقال له :

ص: 205


1- ناسخ التواريخ 2 / 202.

« وددت على كل ثلاثين ذراعا قاصا مثلك » (1).

علم الأئمة :

وآمنت الشيعة منذ فجر تأريخها حتى يوم الناس هذا بأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد وهبهم اللّه العلم والحكمة وفصل الخطاب ، كما وهب انبياءه ورسله ، ( ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) .

وقد اجمع المؤرخون والرواة على أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يملكون طاقات هائلة من العلم لم يملكها أي أحد من الناس ، وانهم قد فاقوا بمواهبهم وعبقرياتهم جميع العلماء الذين عاصروهم وجيرهم ، وليس فى هذا الايمان ، ولا في هذه الدعوى أية مؤاخذة بعد ما توفرت الأدلة على ذلك ، ألم يذع سيد العترة وزعيمها الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من على منبر الكوفة قوله : « سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء فاني اعلم بها من طرق الأرض » ومعنى ذلك أن علومه ومعارفه قد تجاوزت شئون هذا الكوكب الذي يعيش عليه الانسان الى شئون الفضاء والمجرات وسائر الكواكب ، وانه قد احاط علما بأسرار الكون ، ودقائق الطبيعة.

ألم يقل هذا العملاق العظيم : ( لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل الانجيل بانجيلهم ، وأهل الزبور بزبورهم ، وأهل الفرقان بفرقانهم » وهذا يدل - بوضوح - على احاطته التامة بشئون جميع الشرائع والأديان ، ووقوفه على ما في تلك الكتب السماوية من احكام.

ألم يكن علي صاحب نهج البلاغة الذي هو أثرى كتاب عالمي عرفته الانسانية بعد القرآن الكريم ... هذا هو زعيم العترة الطاهرة باب

ص: 206


1- رجال الكشي ( ص 187 ).

مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ووصيه الذي فاق جميع علماء الدنيا في مواهبه وعلومه ، وعلى هذا الطراز من سعة العلم الذي لا يحد سائر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فهذا الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حينما نصبه المأمون ولي عهده ، فاوعز الى جميع علماء الدنيا بالحضور الى خراسان لامتحان الامام واختباره ريثما يظهر عليه العجز فيتخذ ذلك وسيلة الى هدم مذهب التشيع وابطال ما ذهبت إليه الشيعة من أن الامام افضل اهل عصره ، واعلم اهل زمانه ، ولما اجتمع العلماء في خراسان أجزل لهم المأمون بالعطاء وندبهم الى مهمته ، وكان المدون لمسائلهم علي بن عيسى ، يقول وقد سئل الامام عن اربعة وعشرين الف مسألة ، وقد دونتها ، وتناولت علوما مختلفة من علم الفلك والنجوم والطب والفيزياء ، والفلسفة وعلم الكلام وغيرها ، وقد اجاب الامام عنها ، وما التقى به وفد من العلماء ، وخرج إلا وهو يقول بامامة الرضا ، وعقب علي بن عيسى كلامه بقوله : « ومن قال ان اللّه خلق افضل من علي بن موسى فلا تصدقه » (1).

وهذا ولده الامام محمد الجواد (عليه السلام) حينما آلت إليه الامامة بعد وفاة أبيه كان عمره الشريف لا يتجاوز العشر سنين فقربه المأمون وعظمه ، فحسده العباسيون ، وكلموا المأمون في أمره فعرفهم بامامته ، وان اللّه منحه العلم والفضل ، وميزه على الخلق اجمعين ، فانكروا ذلك عليه ، فعهد إليهم باختباره وامتحانه ، فخفوا الى يحيى بن اكتم الذي تقلد رئاسة القضاء ، وهو المع شخصية علمية في بغداد ، وطلبوا منه امتحان الامام (عليه السلام) فاجابهم الى ذلك ، وعقدوا مؤتمرا علميا في البلاط العباسي حضره كبار العلماء ، واقبل يحيى بن اكتم فسأل الامام عن اعقد المسائل واشكلها ،

ص: 207


1- عيون اخبار الرضا.

فأخذ الامام (عليه السلام) يحلل كل مسألة الى عدة فروع ، ويسأل يحيى عن أي فرع اراده ليجيبه عنه ، وذهل يحيى ، وبان عليه العجز ، وطلب من الامام ان يجيبه عن تلك الفروع التي شققها على مسألته ، فاجابه (عليه السلام) عنها ، وانفض المؤتمر ، وقد آمن جميع من حضر فيه بقدراته العلمية التي لا تحد ، وقد روى جميع المؤرخين هذه الباردة حتى ابن حجر ذكرها في صواعقه المحرقة ، فبأي شيء تعلل هذه الطاقات العلمية عند الامام الجواد وهو في سنه المبكرة؟

وعلى أي حال فان علم الأئمة (عليهم السلام) كعلم الأنبياء من دون أن يكون اي فرق بينهما وقد عرض لذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقد قال لبعض شيعته :

- ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى؟

- جعلت فداك عن أي الحالات تسألني؟

- اسألك عن العلم

- هو واللّه اعلم منهما

- أليس يقولون : ان لعلي ما لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من العلم؟

- ولكن لا يقدمون على أولي العزم من الرسل أحدا

- فخاصمهم بكتاب اللّه

- في أي موضع منه

- يقول تعالى لموسى : ( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (1) وقال لعيسى : ( وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (2) بينما

ص: 208


1- سورة الاعراف : آية 145.
2- سورة الزخرف : آية 63.

قال لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ( وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ) (1) كما قال في نفس الآية ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (2).

وقد تظافرت الاخبار ان علم الأئمة مستمد من علم جدهم الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقد ورّث (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علومه الى وصيه وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين علیه السلام وقد ورثها من بعده الأئمة الطاهرون من ابنائه.

الملاحم التي اخبر عنها :

واجمع المؤرخون والرواة على أن أئمة اهل البيت (عليهم السلام) قد أخبروا عن وقوع كثير من الملاحم والاحداث ، وتحققت بعد ذلك على مسرح الحياة ، كما أخبروا عنها ، فقد اخبر الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بما سيجري على الصحابي العظيم حجر بن عدي من صنوف القتل والتنكيل من قبل معاوية ، وجرى عليه ذلك ، واخبر (عليه السلام) عن حكومة مروان ابن الحكم القصيرة الأمد فقال (عليه السلام) : « ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه ، وله امرة كلعقة الكلب أنفه » (3) وأخبر (عليه السلام) عن حكومة بني العباس فقد روى المبرد وغيره قال : لما ولد علي بن عبد اللّه ابن العباس جاء به ابوه الى الامام علي (عليه السلام) فقال له : ما سميته؟ فقال عبد اللّه : أو يجوز لي أن اسميه قبلك؟ فقال (عليه السلام) قد سميته باسمي ، وكنيته بكنيتي ، وهو أبو الاملاك (4) واخبر (عليه السلام) عن مصرع ولده أبي الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) فقد روى الاصبغ قال :

ص: 209


1- سورة النحل : آية 89.
2- نظرية الامامة لدى الاثنى عشرية ( ص 147 ) نقلا عن الكافي.
3- طبقات ابن سعد 5 / 30.
4- تهذيب التهذيب 7 / 358.

أتينا مع علي (عليه السلام) فمررنا بموضع قبر الحسين (عليه السلام) فقال علي : هاهنا مناخ ركابهم ، وهاهنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض (1) كما اخبر (عليه السلام) عن الاحداث التي تجري آخر الزمان ، وما يخترعه الانسان من الآلات والاجهزة الحديثة ، وسائر الوان التقدم التكنلوجي في العالم ، كل ذلك اخبر عنه الامام (عليه السلام).

ولم تقتصر هذه الظاهرة على الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما شملت جميع أئمة اهل البيت (عليهم السلام) فهذا الامام الصادق قد قال : للمنصور الدوانيقي تتلاعب بها - أي الخلافة - الصبيان من ولدك (2) وقال علیه السلام : لابن عمه عبد اللّه بن الحسن انه لا يلي الخلافة وإنما يليها السفاح ، وتحقق جميع ما أخبر به.

وقد اعترف ابن خلدون بهذه الظاهرة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) يقول : « واذا كانت الكرامة تقع لغيرهم ، فما ظنك بهم علما ودينا ، وآثارا من النبوة ، وعناية بالاصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة ، والشريعة قد قررت ان البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه اللّه عليه من عنده في نوم أو ولاية وقد وقع لجعفر وأمثاله من اهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه واللّه اعلم الكشف بما كانوا من الولاية ، فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة » (3).

أما الملاحم التي اخبر عنها الامام أبو جعفر فهذه بعضها.

ص: 210


1- الرياض النضرة 2 / 222.
2- اثبات الوصية ( ص 182 ).
3- المقدمة ( ص 232 - 234 ).

1 - انه تنبأ بدولة بني العباس ، يقول أبو بصير : كنت مع محمد ابن علي إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل ان يفضي الملك لبني العباس فجاء داود الى الامام محمد الباقر فسلم عليه ، فقال (عليه السلام) له :

« ما منع الدوانيقي أن يأتي؟ .. »

فاعتذر داود بن سليمان ، وقال : ان فيه جفاء ، واحاطه الامام (عليه السلام) علما بما يصير إليه المنصور قائلا :

« لا تذهب الأيام حتى يلي هذا الرجل أمر الخلق ، فيطأ اعناق الرجال ، ويملك شرقها وغربها ، ويطول عمره حتى يجمع من كنوز المال ما لا يجمع غيره .. »

وبادر داود نحو المنصور ، وهو يحمل إليه البشرى ، بما قاله الامام ، وخف المنصور مسرعا نحو الامام ليتبين مقالته فيه ، وأبدى للإمام معاذيره في عدم السلام عليه قائلا : ما منعني من الجلوس إليك إلا اجلالا لك ، ثم سأله عما اخبر به داود ، فقال (عليه السلام) :

« هو كائن .. »

وراح المنصور يطلب المزيد من الايضاح قائلا :

« ملكنا قبل ملككم؟. »

« نعم »

« ويملك أحد بعدي من ولدي.؟ »

« نعم »

« فمدة بني أمية أطول أم مدتنا؟. »

« مدتكم أطول ليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعبون بالكرة ، بهذا عهد إلي أبي .. »

ص: 211

وانصرف المنصور وهو جذلان مسرور قد صار على يقين بأن الملك سيؤل إليه ، وظلت مقالة الامام تراوده في جميع أوقاته فلما صارت إليه الخلافة تعجب من تنبأ الامام (1).

ويقول الدوانيقي : كنت هاربا من بني أمية أنا واخي أبو العباس فمررنا بمسجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومحمد بن علي جالس ، فقال (عليه السلام) : لرجل إلى جانبه كأني بهذا الأمر قد صار الى هذين ، وأشار إلينا ، فجاء الرجل وأخبرنا بمقالته ، فملنا إليه وقلنا له : يا ابن رسول اللّه ما الذي قلت؟ فقال (عليه السلام) : هذا الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي ، وعترتي فالويل لكم (2) فكان كما اخبر (عليه السلام) وقد اساء المنصور حينما ولى الخلافة إلى ذرية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعترته ، فنكل بهم كأفظع ما يكون التنكيل وقد قاست عترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في عهد هذا الطاغية من صنوف العذاب ما لم تقاسيه في عهد الامويين فقد كانت أيامه عليهم كلها محنة والما وعذابا.

2 - ومما انبأ عنه الامام أبو جعفر (عليه السلام) أنه أخبر عن الحجر الأسود وانه يعلق في الجامع الأعظم في الكوفة (3) وتحقق ذلك أيام القرامطة فقد اخذوه من الكعبة ، وجعلوه في جامع الكوفة باعتقادهم أن الحج يدور مداره ، وقد أرادوا ان يكون الحج إلى مسجد الكوفة وبقي فيه مدة تقرب من عشرين عاما ثم ارجع إلى مكانه.

3 - ومن الملاحم التي أخبر عنها غزو نافع بن الأزرق إلى يثرب ،

ص: 212


1- جامع كرامات الأولياء 1 / 97 ، الدر المسلوك مخطوط.
2- دلائل الامامة ( ص 96 ).
3- اتعاض الحنفاء للمقريزي ( ص 245 ).

واباحتها لجنوده ، يقول الامام الصادق (عليه السلام) : كان أبي في مجلس عام إذ اطرق برأسه إلى الأرض ثم رفعه وقال : يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم في اربعة آلاف حتى يستعرضكم على السيف ثلاثة ايام متوالية ، فيقتل مقاتلكم ، وتلقون منه بلاء لا تقدرون عليه ولا على دفعه ، وذلك من قابل - أي السنة التي تأتي - فخذوا حذركم ، واعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لا بد منه ، فلم يلتفت أهل المدينة إلى كلامه ، وقالوا : لا يكون هذا أبدا ، فلما كانت السنة المقبلة حمل ابو جعفر عياله ، وصحب معه جماعة من بني هاشم ، وخرجوا من المدينة ، فجاء نافع بن الأزرق فدخلها في اربعة آلاف واستباحها ثلاثة أيام ، وقتل فيها خلقا كثيرا (1) واستبان لأهل المدينة مدى صدق الامام في تنبوئه.

4 - واخبر (عليه السلام) عن شهادة أخيه زيد الشهيد العظيم فقد روى زيد ابن حازم قال : كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) فمر بنا زيد بن علي فقال لي ابو جعفر : أما رأيت هذا؟ ليخرجن بالكوفة ، وليقتلن ، وليطافن برأسه (2) ولم تمض الايام حتى قتل زيد بالكوفة وطيف برأسه في الاقطار والامصار.

5 - ومن الاحداث التي تنبأ عنها انه اخبر بهدم دار هشام بن عبد الملك ، وهي من اضخم الدور في يثرب ، وكان قد بناها باحجار الزيت ، قال

ص: 213


1- نور الابصار ( ص 130 ) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 134 ) الخرائج والجرائح ( ص 80 ) من مخطوطات مكتبة الحكيم.
2- نور الابصار ( ص 131 ).

علیه السلام : اما واللّه لتهدمن ، أما واللّه لتندر احجار الزيت ، يقول

أبو حازم : فلما سمعت هذا تعجبت منه وقلت : من يهدمها وامير المؤمنين هشام قد بناها!! فلما مات هشام وولي الخلافة من بعده الوليد امر بهدمها ، ونقل احجار الزيت منها حتى ندرت في يثرب (1).

6 - ومن الملاحم التي انبأ عنها ما رواه الفضيل قال : سألت أبا جعفر فقلت له : بلغنا أن لآل جعفر راية ، ولآل العباس رايتين فهل انتهى إليك من علم ذلك شيء؟ فقال (عليه السلام) :

« اما آل جعفر فليس لهم شيء ، ولا لأهل بيتي شيء ، واما آل العباس فان لهم ملكا عظيما ، يقربون فيه البعيد ، ويبعدون فيه القريب ، وسلطانهم عسر ليس فيه يسر حتى إذا آمنوا مكر اللّه ، وآمنوا عقابه صيح فيهم صيحة واحدة لا يبقى لهم منزل يجمعهم ، ولا اذن تسمعهم ، وهو قول اللّه عز وجل حتى إذا اخذت الارض زخرفها .. (2)

هذه بعض البوادر من الملاحم التي اخبر عنها الامام (عليه السلام) وهي تلقي الأضواء على مدى سعة علوم الامام (عليه السلام) واحاطته بمثل هذه الأمور التي منحها اللّه تعالى للأنبياء وأوصيائهم ، ومن الطبيعي ان الاقرار للأئمة (عليهم السلام) بهذه الظاهرة يحتاج إلى إيمان راسخ ويقين ثابت ، وقد اشار الامام ابو جعفر (عليه السلام) إلى ذلك بقوله : « ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل او عبد امتحن اللّه قلبه للأيمان » (3).

ص: 214


1- دلائل الامامة ( ص 110 ).
2- اثبات الهداة 5 / 310.
3- اعلام الورى من مخطوطات دار الآثار العراقية.

هذه بعض البحوث الكلامية واخباره عن المغيبات التي خاضها الامام (عليه السلام) وله بحوث أخرى في هذه المجالات سنذكرها عند البحث عن عصره.

علم الفقه :

أما فقه أهل البيت (عليهم السلام) فقد أخذ معظمه من الامامين الباقر وولده الصادق (عليه السلام) وقد حفلت موسوعات الفقه الامامي - كالحدائق والجواهر ومستمسك العروة الوثقى - بالروايات الكثيرة التي أثرت عنهما ، وإليها يرجع فقهاء الامامية في استنباطهم للأحكام الشرعية ، وفي اصدارهم للفتوى ، أما موسوعات الحديث كوسائل الشيعة والتهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه وغيرها فاغلب ما فيها من الاحاديث قد أخذت عنهما ، وقد شكلت تلك الموسوعات دائرة معارف للفقه الاسلامي هي من أروع وأثرى ما قنن في عالم التشريع.

لقد جهد الامام الباقر وولده الصادق (عليه السلام) على نشر الفقه الاسلامي وتبنياه بصورة إيجابية في وقت كان المجتمع الاسلامي غارقا في الأحداث السياسية ، وقد أهملت الحكومات في تلك العصور الشؤون الدينية اهمالا تاما ، فلم تعد الشعوب الاسلامية تفقه من أمور دينها القليل ولا الكثير ، يقول الدكتور علي حسن : « وقد أدى تتبعنا للنصوص التأريخية إلى امثلة كثيرة تدل على هذه الظاهرة - أي اهمال الشؤون الدينية - التي كانت تسود القرن الأول سواء لدى الحكام أو العلماء أو الشعب ، ونعني بها عدم المعرفة بشئون الدين ، والتأرجح وعدم الجزم والقطع فيها حتى في العبادات ، فمن ذلك ما روي أن ابن عباس خطب في آخر رمضان على منبر البصرة فقال : ( اخرجوا صدقة صومكم ) فكان الناس لا يعلمون ، فقال : من هاهنا من أهل المدينة ، فقوموا إلى إخوانكم فعلموهم ، فانهم

ص: 215

لا يعلمون من زكاة الفطرة الواجبة شيئا (1) مما يدل على أن أهل البلاد الاسلامية لم يكونوا يعرفون شئون دينهم معرفة مفصلة ، وقد كان يوجد في بلاد الشام من لا يعرف عدد الصلوات المفروضة ، فراحوا يسألون الصحابة عن ذلك (2) وهذه مسألة أوقات الصلاة لم تكن معروفة عند عمر بن عبد العزيز (3) وبعض أهل العلم ، فكان العلماء يرون سنة مخصوصة في ذلك ، وكانت الحكومة ترى رأيا مخالفا ، وعلى هذا جاء الحديث « سيأتي في آخر الزمان أمراء يميتون الصلاة ، فأدوا الصلاة في وقتها » والمؤرخون المتقدمون إذا لم يعرفوا كيف يشرحون لنا هذه الحالة فانهم لم يجدوا أمامهم إلا سببا مفروضا ، وهو ان الامويين قد غيروا أوقات الصلاة برأيهم.

ولكن الحقيقة هو إنه في اثناء عصر بني أمية الذين كانوا لا يهتمون كثيرا بأمور الدين كان الشعب في الواقع قليل الفهم والمعرفة للفقه ومسائل الدين ، ولم يكن يعرف من هذه الشؤون إلا اهل المدينة وحدهم (4) .. » (5)

ص: 216


1- الاحكام في أصول الاحكام لابن حزم 2 / 131.
2- أبو داود 1 / 142 ، النسائي 1 / 42.
3- ان خفاء أوقات الصلاة على عمر بن عبد العزيز من الموضوعات والمفتريات عليه ، وسنعرض لذلك عند البحث عن سيرته.
4- يراجع في كيفية صلاة عمر بن عبد العزيز طبقات ابن سعد 5 / 47 ، والامامة والسياسة 2 / 143 ، ويراجع إلى عصر عبد الملك ابن مروان إنه لم تكن مسائل الحج قد عرفت تماما ، مصادر ذلك طبقات ابن سعد 5 / 170 ، اليعقوبي 2 / 358.
5- نظرة عامة في تأريخ الفقه الاسلامي ( ص 110 ).

ان الدور المشرق الذي قام به الامام الباقر والصادق في نشر الفقه وبيان احكام شريعة اللّه كان من اعظم الخدمات التي قدمت للعالم الاسلامي ولو لاها لخسر المسلمون اعظم ثروة دينية لهم.

وعلى أي حال فانه لما لم يكن في العالم الاسلامي - في تلك العصور - من هو أدرى بشئون الشريعة واحكام الدين غير الامامين (عليهما السلام) فقد أسرع إلى الأخذ من علومهما ابناء الصحابة والتابعون ، ورؤساء المذاهب الاسلامية كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ، وقد تخرج على يد الامام أبي جعفر جمهرة كبيرة من الفقهاء كزرارة بن اعين ، ومحمد بن مسلم وابان ابن تغلب ، وإليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث الامام (عليه السلام) كما كانوا من مراجع الفتيا بين المسلمين ، وبذلك فقد اعاد الامام أبو جعفر (عليه السلام) للإسلام نضارته وحافظ على ثرواته الدينية من الضياع.

ومن الجدير بالذكر أن الشيعة هي أول من سبق إلى تدوين الفقه يقول مصطفى عبد الرزاق : « ومن المعقول أن يكون النزوع إلى تدوين الفقه كان أسرع إلى الشيعة لأن اعتقادهم العصمة في أئمتهم أو ما يشبه العصمة كان حريا إلى تدوين أقضيتهم وفتاواهم » (1) وبذلك فقد ساهمت الشيعة في بناء الصرح الاسلامي ، وحافظت على أهم ثرواته ... ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في فقه أهل البيت (عليهم السلام) الذي هو مستمد من الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم).

مميزاته :

اشارة

ويمتاز فقه أهل البيت (عليهم السلام) بمميزات رائعة جعلته في قمة الفقه الاسلامي وغيره ، وهذه بعضها :

ص: 217


1- تمهيد لتأريخ الفلسفة الاسلامية ( ص 202 ).
1 - اتصاله بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

والشيء المهم في فقه اهل البيت (عليهم السلام) إنه يتصل اتّصالا مباشرا بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فطريقه إليه أئمة اهل البيت (عليهم السلام) الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وجعلهم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سفن النجاة ، وأمن العباد ، وعدلاء الذكر الحكيم حسبما تواترت الاخبار بذلك.

ومما لا شبهة فيه انهم سلام اللّه عليهم الصق الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وادرى بشئون شريعته وأحكامه من غيرهم فروايتهم عن جدهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ان صح طريق سندها إليهم فهي من أصح الروايات إليهم وأقربها إلى الواقعية وبراءة الذمة ، وهذا مما دعا فقهاء الامامية إلى الاقتصار على روايات الأئمة في استنباطهم للأحكام الشرعية ، باعتبارها قد حازت على وثاقة الدليل واصالته اللذين يعتمد عليهما الفقيه ، وقد عرض الامام أبو جعفر علیه السلام إلى روايات الأئمة (عليهم السلام) وإنها لم تكن منهم وإنما هي مأخوذة عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول (عليه السلام) : « لو إننا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من قبلنا ، ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبينها لنا » (1)

وسئل عن الحديث الذي يرسله ، ولا يسنده فقال (عليه السلام) : « إذا حدثت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن جبرائيل عن اللّه » (2) وهل هناك سند أشرق من هذا السند أو أصح منه؟ وهل يجد المسلم الذي يبتغي وجه اللّه والدار الآخرة طريقا يوصله إلى اللّه اسلم واضمن من هذا الطريق؟

ص: 218


1- اعلام الورى ( ص 270 ).
2- اعلام الورى ( ص 270 ).
2 - مرونته :

وفقه أهل البيت يساير الحياة ، ويواكب التطور ، ولا يشذ عن الفطرة ويتمشى مع جميع متطلبات الحياة ، فليس فيه - والحمد لله - حرج ولا ضيق ، ولا ضرر ، ولا اضرار ، وإنما فيه الصالح العام ، والتوازن في جميع مناحي تشريعاته ، وقد نال اعجاب جميع رجال القانون ، واعترفوا بأنه من أثرى ما قنن في عالم التشريع عمقا واصالة وابداعا.

ان فقه أهل البيت (عليهم السلام) ثبت يضيء للباحثين القوة التشريعية الدافعة المتقدم العلمي والحضاري وهو آية للعدل المطلق ، والحق المحض لأنه نابع من صميم الواقع فقد استعرض خلايا جسم الأمة ، فوضع الحلول الحاسمة لجميع مشاكلها.

3 - فتح باب الاجتهاد :

والشيء الذي تميز به فقه أهل البيت (عليهم السلام) عن بقية الفقه الاسلامي هو فتح باب الاجتهاد ، فقد دلل ذلك على اصالة فقه أهل البيت ، وتفاعله مع الحياة واستمراره في العطاء لجميع شئون الانسان ، وإنه لا يقف مكتوفا أمام الاحداث المستجد ، التي يبتلي بها الناس خصوصا في هذا العصر الذي استجدت فيه كثير من الأحداث التي لم تكن موجودة في العصور السابقة كالتلقيح الصناعي ، وغرس الاعضاء ، وغير ذلك من الأمور التي لا يوجد لها حل على غير مائدة فقه أهل البيت ، وقد أدرك كبار علماء المسلمين من الأزهر مدى الحاجة الملحة إلى فتح باب الاجتهاد ، ومتابعة الشيعة في هذه الظاهرة يقول احمد أمين : « وقد أصيب المسلمون بحكمهم على أنفسهم بالعجز ، وقولهم : بإقفال باب الاجتهاد لأن معناه لم يبق في الناس من تتوفر فيه شروط المجتهد ، ولا يرجى أن يكون ذلك

ص: 219

في المستقبل ، وإنما قال : هذا القول بعض المقلدين : لضعف ثقتهم بأنفسهم ، وسوء ظنهم بالناس .. » (1)

ويقول السيد رشيد رضا :

« ولا نعرف في ترك الاجتهاد منفعة ما ، واما مضاره فكثيرة ، وكلها ترجع إلى إهمال العقل ، وقطع طريق العلم ، والحرمان من استغلال الفكر ، وقد أهمل المسلمون كل علم بترك الاجتهاد ، فصاروا إلى ما نرى .. » (2)

ان الاسلام - والحمد لله - قد نعى على الفكر الجمود ، ودعاه إلى الانطلاق في ميادين الفكر والعلم ، وليس من الحكمة في شيء اقفال باب الاجتهاد وفرض التقليد ، إذ ليس في الاجتهاد استحالة ، ولا فيه خروج على المنطق والدليل ، وأما اقفال بابه فقد كان في وقت خاص فرضته الحكومات القائمة في تلك العصور - حسبما يقوله المحققون -

4 - الرجوع الى حكم العقل :

وانفردت فقهاء الامامية عن بقية المذاهب الاسلامية فاعتبرت العقل أحد المدارك الأربعة لاستنباط الاحكام الشرعية ، وقد اضفت عليه اسمى الوان التقديس فاعتبرته رسول اللّه الباطني ، وإنه مما يعبد به الرحمن ، ويكتسب به الجنان ، ومن الطبيعي ان الرجوع إلى حكم العقل إذا لم يكن في المسألة نص وإلا فهو حاكم عليه ، وان للعقل مسرحا كبيرا في علم الاصول الذي يتوقف عليه الاجتهاد ، إذ اكثر مسائل الفقه يستند فيها الفقهاء إلى ما تقتضيه القواعد الاصولية فيها ، وعلى ضوء حكم العقل

ص: 220


1- يوم الاسلام ( ص 189 ).
2- الوحدة الاسلامية ( ص 99 ).

فقد حكموا بوجوب مقدمة الواجب ، وان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، كما حكموا بحجية الظن المطلق بناء على الحكومة لا على الكشف ، وارجعوا الخبرين المتعارضين إلى حكم العقل فان أيد احدهما فيؤخذ به حسبما دلت عليه الاخبار إلى غير ذلك من المسائل التي يرتبط موضوعها بحكم العقل ، وهذا مما يدعو إلى الاعتزاز والفخر بحيوية الفقه الامامي واصالته.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مميزات الفقه الامامي.

مسائل فقهية :

وليس من المستطاع لي تدوين ما أثر عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) من المسائل الفقهية ، فان ذلك يستدعي تدوين موسوعة فقهية كبيرة ، فان معظم أبواب الفقه وبحوثه قد رويت عنه ، إلا أنا نذكر عرضا موجزا لبعض المسائل التي أثرت عنه ، وهي :

حكم القتال فى الاسلام :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن حكم القتال والحرب في الاسلام حينما سأله رجل من شيعته عن حروب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له :

« بعث اللّه محمدا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بخمسة أسياف : ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، وسيف مكفوف ، وسيف منها مغمود ، سله إلى غيرنا ، وحكمه إلينا.

ص: 221

فأما السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال اللّه عز وجل : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) (1) ( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) (2) هؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ، وأموالهم فيء وذراريهم سبي على ما سن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فانه سبى وعفا ، وقبل الفداء.

والسيف الثاني : على أهل الذمة قال اللّه سبحانه ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (3) نزلت هذه الآية في أهل الذمة ، ونسخها قوله : ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (4) فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل ، ومالهم فيء ، وذراريهم سبي ، فاذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحهم (5) ومن كان منهم في دار الحرب حل لناسبيهم وأموالهم ، ولم تحل لنا مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الاسلام والجزية أو القتل.

والسيف الثالث : على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر ، قال اللّه عز وجل : في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ،

ص: 222


1- سورة التوبة : آية 5.
2- سورة التوبة : آية 11.
3- سورة البقرة : آية 83.
4- سورة التوبة : آية 30.
5- في التهذيب والكافي « مناكحتهم ».

ثم قال : ( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (1).

فأما قوله : ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ) يعني بعد السبي منهم ( وَإِمَّا فِداءً ) يعني المفاداة بينهم ، وبين أهل الاسلام ، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ، ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.

وأما السيف المكفوف : فسيف على أهل البغي والتأويل قال اللّه : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ ) (2) فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ان منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من هو؟ فقال : خاصف النعل - يعني أمير المؤمنين - وقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثا (3) وهذه الرابعة واللّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر (4) لعلمنا أنا على الحق ، وانهم على الباطل ، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل ما كان من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أهل مكة يوم فتحها فانه لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه فهو

ص: 223


1- سورة محمد : آية 4.
2- سورة الحجرات : آية 9.
3- الثلاث : التي قاتل مع تلك الراية الصحابي العظيم عمار بن ياسر هي : يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين ، وكان يتزعم تلك الحروب أبو سفيان عميد الأمويين.
4- هجر : - بالتحريك - بلدة باليمن ، كما إنها اسم لجميع أرض البحرين.

آمن ، ومن القى سلاحه فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرية ، ولا تدففوا على جريح (1) ولا تتبعوا مدبرا ، ومن اغلق بابه والقى سلاحه فهو آمن.

والسيف المغمود : فالسيف الذي يقام به القصاص قال اللّه عز وجل ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (2) فسله إلى اولياء المقتول وحكمه إلينا.

فهذه السيوف التي بعث اللّه بها محمدا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها فقد كفر بما أنزل اللّه تبارك وتعالى على محمد نبيه .. » (3)

واستمد فقهاء المسلمين الاحكام التي رتبوها على قتال أهل البغي من سيرة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل ، كما أخذوا عن أئمة الهدى (عليهم السلام) الكثير من الاحكام في هذه المسألة

المسح على الخفين :

وجوز فقهاء المذاهب الاسلامية المسح على الخفين في الوضوء ، ولم يعتبروا مماسة اليد لظاهر القدمين (4) أما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فاعتبروا المماسة ولم يسوغوا غيرها ، يقول الربيع : سألت أبا اسحاق عن المسح؟ فقال : أدركت الناس يمسحون - يعني على الخفين - حتى لقيت رجلا من بني

ص: 224


1- لا تدففوا على جريح : أي لا تجهزوا عليه.
2- سورة المائدة : آية 47.
3- تحف العقول ( ص 288 - 290 ) ورواه الكليني في فروع الكافي ، والشيخ الصدوق في الخصال ، والشيخ الطوسي في التهذيب.
4- الخلاف 1 / 18.

هاشم لم أر مثله قط يقال له محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح؟ فنهاني عنه ، وقال : لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) يمسح ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين (1).

لقد دل الكتاب العظيم على اعتبار المماسة قال تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) والآية ظاهرة أشد الظهور فيما حكم به أهل البيت علیهم السلام .

مس الفرج لا ينقض الوضوء :

وذهب الشافعي إلى أن مس الفرج من نواقض الوضوء ، وتمسك بذلك بما روى عن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وسعيد ابن المسيب ، وسليمان بن يسار من ان مس الفرج من نواقض الوضوء ، أما الامام ابو جعفر (عليه السلام) وسائر أئمة اهل البيت (عليهم السلام) فانهم لا يرون ذلك ، روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : « ليس في القبلة ولا المباشرة ، ولا مس الفرج وضوء » (2) ويضاف إلى ذلك ثبوت حكم الطهارة وجريان استصحابها ، وان نقضها يحتاج الى دليل.

الجهر فى صلاة الاخفات :

وذهب فقهاء المذاهب الاسلامية إلى أن الجهر في صلاة الاخفات أو الاخفات في صلاة الجهر متعمدا غير مبطل للصلاة ، أما في فقه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فانه مبطل للصلاة فقد روى زرارة عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه أو اخفى فيا لا ينبغي

ص: 225


1- روضة الواعظين ( ص 243 ).
2- الخلاف 1 / 23.

الاخفاء فيه ، فقال (عليه السلام) : ان فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته (1).

الصلاة على آل النبي في التشهد :

وذهب اكثر فقهاء المسلمين الى وجوب الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في التشهد ، وقد روى جابر الجعفي عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : « من صلى صلاة لم يصل فيها علي ، ولا على أهل بيتي لم تقبل منه (2).

هذه بعض المسائل الفقهية التي أدلى بها الامام أبو جعفر (عليه السلام) ومعظم أبواب الفقه اصولا وفروعا قد اخذت عنه ، كما ذكرنا ذلك.

علم الاصول :

من العلوم التي فتق أبوابها الامام الباقر (عليه السلام) علم الاصول ، وهو من أجل العلوم الاسلامية بعد علم الفقه لأن الاجتهاد يتوقف عليه فانه لا يكون المجتهد قد حصل على ملكة الاجتهاد حتى يجتهد في بحوث هذا العلم (3).

وقد اتفق البحاث والعلماء على أن الامام أبا جعفر (عليه السلام) هو اسبق من اسس هذا العلم ، وارسى قواعده ، يقول السيد حسن الصدر : « ان أول من فتح بابه - أي باب علم الاصول - وفتق مسائله هو باقر العلوم الامام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبعده ابنه أبو عبد اللّه

ص: 226


1- الخلاف 1 / 130.
2- الخلاف 1 / 131.
3- كفاية الاصول الجزء الثاني باب الاجتهاد والتقليد.

الصادق (عليه السلام) وقد امليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ككتاب ( اصول آل الرسول ) وكتاب « الفصول المهمة في أصول الأئمة » وكتاب « الاصول الاصيلة » كلها بروايات الثقات مسندة ، متصلة الاسناد إلى أهل البيت علیهم السلام . » (1).

وفيما يلي بعض القواعد الاصولية التي أسسها الامام (عليه السلام) أو نقلها عن اجداده الطاهرين ، وإليها يرجع الفقهاء عند عدم النص على الحكم الشرعي. وان كانت الكثير منها قواعد فقهية إلا ان علماء الاصول ذكروها استطرادا في علم الاصول ونحن نذكرها كذلك.

الاستصحاب :

وهو احد الاصول الأربعة التي يرجع إليها الشاك في مقام العمل ، أما سبب شكه فيرجع اما إلى فقدان النص أو اجماله ، أو الى تعارض النصوص وتساقطها فيما إذا تكافأت ، ولم يكن أحدهما ارجح من الآخر ، ولا يجري الاستصحاب حتى يتوفر في المستصحب اليقين السابق والشك اللاحق ، وقد نص الامام (عليه السلام) على حجية الاستصحاب في كثير من المسائل التي سئل عنها خصوصا في أبواب الشك في الصلاة ، وقد ذكرت تلك الاخبار في ( وسائل الشيعة ) وغيرها من الموسوعات الفقهية.

قاعدة التجاوز :

وتعنى هذه القاعدة الحكم بوجود الشيء المشكوك بعد الدخول في غيره مما هو مترتب عليه (2) كما إذا شك في القراءة وقد ركع ، وقد

ص: 227


1- الشيعة وفنون الاسلام ( ص 95 ).
2- حقائق الاصول 2 / 547.

تظافرت الاخبار عن الامام الباقر (عليه السلام) وولده الامام الصادق (عليه السلام) في عدم العناية بالشك والمضي في الصلاة.

قاعدة الفراغ :

وهي عبارة عن الحكم بصحة الفعل الموجود في ظرف الشك في صحته (1) وقد استفيدت هذه القاعدة من موثق محمد بن مسلم عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » (2) كما دلت على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) جاء فيها « كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمضى ولا تعد » (3) وعلى ضوء الموثقة والصحيحة افتى فقهاء الامامية بعدم الاعتناء بالشك في افعال الصلاة بعد الفراغ منها.

قاعدة نفي الضرر :

من القواعد المهمة في التشريع الاسلامي قاعدة « نفي الضرر » ومفادها نفي الحكم المؤدي إلى الضرر - كما يرى ذلك الشيخ الانصاري - ويترتب عليها كثير من الاحكام ذكرها الفقهاء ، وقد نص الامام أبو جعفر (عليه السلام) على مدرك هذه القاعدة فقد قال (عليه السلام) : لزرارة : إن سمرة بن

ص: 228


1- حقائق الاصول 2 / 547.
2- مستمسك العروة الوثقى 7 / 350.
3- مستمسك العروة الوثقى 7 / 349.

جندب (1) كان له عذق (2) في حائط لرجل من الانصار ، وكان منزل الانصاري بباب البستان ، وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلمه الانصاري أن يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الانصاري إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فشكى إليه ، وأخبره بالخبر ، فأرسل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليه واخبره بقول الانصاري ، وما شكاه ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إذا اردت الدخول فاستأذن فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء اللّه ، فأبى أن يبيعه ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لك بها عذق في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه (3) فانه لا ضرر ولا ضرار (4).

وقد ذكر الاصوليون مفاد هذا الحديث ، وشرحوا مفردات الفاظه ، وما يترتب عليه من الاحكام.

ص: 229


1- سمرة بن جندب الصحابي الكذاب كان من سماسرة معاوية واعوانه على نشر الظلم والارهاب ، استعمله زياد بن أبيه واليا على البصرة فأسرف في قتل الابرياء فقتل - فيما يقول المؤرخون ثمانية آلاف ، وفي تأريخ الطبري 6 / 632 ان أبا سوار العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة واربعين رجلا ممن جمع القرآن ، وقد تحدثنا بصورة مفصلة عن جرائمه في كتابنا « حياة الامام الحسن » 2 / 186 - 191.
2- العذق : - بفتح العين - النخلة ، وبكسرها عنقود التمر.
3- في رواية الحذاء عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) : « ما أراك يا سمرة إلا مضار اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه؟
4- إيضاح الكفاية 3 / 439 مخطوط للمؤلف.

علاج التعارض :

اشارة

ووردت أخبار كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) متعارضة في مدلولها بين النفي والايجاب في موضوع واحد ، ومن المعلوم استحالة هذا اللون من التناقض في احاديث الأئمة ، اما سبب التعارض فلا يخلو من أحد أمرين « الأول » صدور أحدهما للتقية ، فقد ابتلي الأئمة الطاهرون بفراعنة زمانهم الذين جهدوا على ظلمهم ، والتنكيل بهم وبشيعتهم ، وقد احاطوا مجالسهم بمباحثهم لحجبهم عن المسلمين ، فكانت ظروفهم قاسية وحرجة ، فاذا سألوا عن مسألة ، وشكوا في أمر السائل أو كان في المجلس من يخافون منه افتوا بالمسألة على وفق رأي الجمهور حذرا من التنكيل ، وسنتحدث عن هذه الجهة بالتفصيل في البحوث الآتية « الثاني » أن يكون أحد الخبرين من الموضوعات عليهم فان وضع الحديث وافتعاله قد كثر في تلك العصور ، وسنعرض لذلك عند البحث عن مشاكل عصر الامام.

وكانت معرفة الخبر الصحيح وتميزه عن غيره في مجالات التعارض تهم المتحرجين في دينهم من الرواة فخفوا إلى الامام أبي جعفر (عليه السلام) وسألوه عن ذلك فوضع (عليه السلام) البرامج العلاجية لذلك وهي :

1 - الشهرة :

ونعنى بها الشهرة في الرواية لا في الفتوى فاذا كان أحد الخبرين المتعارضين مشهورا بين الرواة فيؤخذ به ، واما الشاذ النادر من الخبرين فيطرح يقول (عليه السلام) : لزرارة « يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ،

ص: 230

ودع الشاذ النادر » (1) ومعنى هذا ان الشاذ النادر من الخبرين يطرح ولا يؤخذ به ، ويعول على الخبر المشهور بين الرواة.

2 - موافقة الكتاب والسنة :

والمقياس الثاني الذي وضعه الامام أبو جعفر لعلاج التعارض هو عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب والسنة فان اتفق أحدهما مع منطوق الكتاب والسنة فيؤخذ به ويطرح الآخر يقول (عليه السلام) لبعض أصحابه : « لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب اللّه وسنة نبيه ».

3 - الترجيح بالصفات :

الطريق الثالث : لمعرفة الخبر الصحيح هو النظر في صفات الراوي من حيث الوثاقة والعدالة ، فتقدم روايته على من لا تتوفر فيه هذه الصفات ، يقول الامام أبو جعفر لزرارة : « خذ بما يقوله أعدلهما عندك ، وأوثقهما ».

ودلت هذه الرواية على أن عدالة الراوي ووثاقته من موجبات الترجيح لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر ... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن القواعد الاصولية التي القاها الامام (عليه السلام) في بحوثه ومحاضراته.

بحوث اقتصادية :

اشارة

وعرض الامام (عليه السلام) في محاضراته وسيرته الى أهم المباحث الاقتصادية ، وهذه بعضها :

ص: 231


1- غوالي اللئالي لأبي جمهور الاحسائي ، رواه عن العلامة مرفوعا إلى زرارة.
1 - ضرورة تحسين المعيشة :

ودعا الامام (عليه السلام) إلى الجد والسعي في طلب المعيشة لينعم الانسان مع عائلته بالرفاه والرخاء ، ويتجنب الفقر والبؤس ، قال (عليه السلام) :

« من تسلح لطلب المعيشة خفت مئونته ، ورخا باله ، ونعم عياله .. »

قال (عليه السلام) : « بسعة الخلق تطيب المعيشة .. »

إن التسلح لطلب المعيشة والجد فيها مما يوفر للإنسان الحياة الاقتصادية الحافلة بالرخاء والنعم ، وهدوء البال والاستقرار ، وان الحياة إنما تطيب وتنعم اذا كانت في ظلال الرخاء لا في ظلال البؤس والشقاء.

2 - التحذير من الكسل :

وحذر الامام أبو جعفر (عليه السلام) من الكسل لأنه موجب لشل الحركة الاقتصادية وتجميد الطاقات الانسانية ، ونشر الفساد في الأرض ، يقول علیه السلام : « الكسل يضر بالدين والدنيا » (1).

أما ان الكسل يضر بالدين فانه يمنع من ذكر اللّه واداء فرائضه وواجباته فان الكسول يتقاعس عن الاتيان بالواجبات الدينية ، وأي ضرر اعظم من هذا الضرر؟ واما إنه يضر بالدنيا فان الكسول - دائما - يميل إلى الخمول ، ويرغب أن يعيش حياة بائسة تسودها الحاجة والفقر ولا يدخل في ميادين العمل التي تضمن له الرخاء والسعادة.

وحذر (عليه السلام) بعض ابنائه من الكسل فقال له : « إياك والكسل والضجر فانهما مفتاح كل شر ، من كسل لم يؤد حقا ، ومن ضجر لم يصبر على حق .. » (2)

ص: 232


1- تحف العقول.
2- تحف العقول.

ان الاسلام - بكل اعتزاز يريد انطلاق الانسان في هذه الحياة يريده ان يعمل وينتج ، كما يريد له أن يؤدي حقوق الناس ، ويرتبط معهم ، ويؤدي ما عليه من الواجبات ، ومن الطبيعي ان الانسان اذا اصيب بداء الكسل فانه يهمل حقوق اللّه وحقوق الناس.

3 - مقت لتارك العمل :

كان الامام أبو جعفر (عليه السلام) يمقت تارك العمل لأنه يؤدي إلى ضعف الانتاج ، وزيادة البطالة ، وانتشار الازمات الاقتصادية في البلاد ، يقول (عليه السلام) : « اني أجدني امقت الرجل يتعذر عليه المكاسب فيستلقي على قفاه ، ويقول : اللّهم ارزقني ، ويدع أن ينتشر في الأرض ، ويلتمس من فضل اللّه والذرة (1) تخرج من جحرها تلتمس رزقها. » (2)

4 - العمل طاعة لله :

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) يرى أن في العمل طاعة لله ، فكان (عليه السلام) يعمل بنفسه في اصلاح ارض له ، يقول محمد بن المنذر : خرجت إلى بعض نواحي المدينة ، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) وكان بادنا ثقيلا ، وهو متّكئ على غلامين أسودين ، وموليين ، فقلت في نفسي : سبحان اللّه شيخ من اشياخ قريش في هذه الحالة ، وفي هذه الساعة يخرج في طلب الدنيا!! أما اني لأعظنه ، فدنوت منه ، فسلمت عليه ، وهو يتصاب عرقا ، فقلت له :

« أصلحك اللّه ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة يخرج لطلب

ص: 233


1- الذرة : النملة الصغيرة.
2- العمل وحقوق العامل في الاسلام الطبعة الثانية ( ص 139 ).

الدنيا؟!! أرأيت لو جاء أجلك على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ .. »

فاجابه الامام بمنطق الاسلام قائلا :

« لو جاءني الموت ، وأنا في طاعة من طاعات اللّه عز وجل اعمل فاكف نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنما كنت اخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي اللّه .. »

فخجل محمد ، ولم يطق جوابا ، وانبرى يقول : « صدقت يرحمك اللّه أردت أن اعظك فوعظتني .. »

ان العمل طاعة من طاعات اللّه - على حد تعبير الامام - لأن به كف النفس ، وكف العيال من الاحتياج عما في أيدي الناس.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض البحوث الاقتصادية التي خاضها الامام (عليه السلام) كما ينتهي بنا الحديث عن العلوم التي عرضها في بحوثه ومحاضراته.

مع العلم والعلماء :

اشارة

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) كثيرا عن أهمية العلم ، وحث على طلبه لأنه الدعامة الأولى الذي ترتكز عليه حياة الأمم والشعوب ، كما اشاد (عليه السلام) بفضل العلماء لأنهم مصدر الوعي والتوجيه للأمة ، وفيما يلي بعض ما أثر عنه في ذلك.

1 - فضل العلم :

ومجد الامام أبو جعفر (عليه السلام) العلم ، ودعا إليه ، وحث على طلبه ، وأثنى على طلابه ، يقول (عليه السلام) :

« تعلموا العلم فان تعلمه جنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ،

ص: 234

والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم منار الجنة ، وانس الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السراء ، وعون على الضراء ، وزين عند الاخلاء ، وسلاح على الاعداء ، يرفع اللّه به قوما ليجعلهم في الخير أئمة ، يقتدى بفعالهم ، وتقتص آثارهم ، ويصلي عليهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وانعامه .. » (1)

لا اعرف كلمة مجدت العلم ، وقيمت أهله ، واحاطت بثمراته وفوائده كهذه الكلمة الذهبية التي من حقها أن ترسم في معاهد العلم وجامعاته.

2 - فضل العالم :

واشاد (عليه السلام) بفضل العالم ، وبين مكانته الاجتماعية ، وما أعد اللّه له من مزيد الأجر ، وفيما يلي بعض ما أثر عنه.

أ - قال (عليه السلام) : « عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد .. » (2)

ب - قال (عليه السلام) : « من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اولئك من أجورهم شيئا ، ومن علم باب ضلالة كان عليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص اولئك من أوزارهم شيئا .. » (3)

ج - قال (عليه السلام) : « ما من عبد يغدو في طلب العلم ويروح إلا خاض الرحمة خوضا .. » (4)

ص: 235


1- تذكرة ابن حمدون ( ص 26 ).
2- جامع بيان العلم وفضله 1 / 32 ، جامع السعادات 1 / 104 ، تحف العقول ( ص 294 ).
3- أصول الكافي 1 / 34.
4- ناسخ التواريخ 2 / 205.
3 - مجالسة العلماء والمتقين :

وحث الامام (عليه السلام) على مجالسة العلماء والمتحرجين في دينهم للاستفادة من هديهم وسلوكهم يقول (عليه السلام) : « لمجلس أجلسه الى من أثق به ، أوثق في نفسي من عمل سنة .. » (1)

4 - مذاكرة العلم :

ودعا (عليه السلام) إلى المذاكرة في العلوم لأنها تفتح آفاقا واسعة في ميادين المعرفة والعلم يقول (عليه السلام) : « تذاكر العلم دراسة ، والدراسة صلاة حسنة. » (2)

5 - آداب المتعلم :

ووضع (عليه السلام) البرامج الرائعة لآداب المتعلمين يقول (عليه السلام) : « إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول : وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه ... » (3)

6 - بذل العلم :

ودعا (عليه السلام) إلى بذل العلم واشاعته بين الناس حتى لا يبقى جاهل يقول (عليه السلام) : « زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّه » (4) وقال (عليه السلام) : « ان الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه ، وله الفضل عليه ،

ص: 236


1- أصول الكافي 1 / 34.
2- أصول الكافي 1 / 41.
3- ناسخ التواريخ 2 / 205.
4- أصول الكافي 1 / 41.

تعلموا العلم من حملة العلم ، وعلموه إخوانكم كما علمكم العلماء » (1).

7 - الحث على التعلم :

وحث الامام على التعلم والسؤال من أهل العلم يقول (عليه السلام) : « العلم خزائن والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم اللّه فانه يؤجر في العلم أربعة السائل والمتكلم ، والمستمع ، والمحب لهم. » (2)

8 - التفقه في الدين :

ودعا (عليه السلام) الى التفقه في الدين ، ومعرفة الحلال والحرام ، قال (عليه السلام) :

« الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة. » (3)

إن التفقه في الدين مما يحفظ توازن الانسان وسلوكه ، ويبعده عن اقتراف أي شذوذ أو انحراف عن الدين.

9 - العمل بالعلم :

وحث (عليه السلام) أهل العلم بتطبيق ما علموه على واقع حياتهم ، يقول علیه السلام : « اذا سمعتم العلم فاستعملوه ، ولتتسع قلوبكم ، فان العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدّر الشيطان عليه ، فاذا خاصمكم الشيطان ، فاقبلوا عليه بما تعرفون ، فان كيد الشيطان كان ضعيفا ، فقال له ابن أبي ليلى : وما الذي نعرفه؟ قال (عليه السلام) : خاصموه بما ظهر

ص: 237


1- ناسخ التواريخ 2 / 205.
2- الخصال ( ص 223 ).
3- أصول الكافي 1 / 32.

لكم من قدرة اللّه عز وجل. » (1)

10 - قبول العمل بالمعرفة :

والمعرفة شرط في قبول العمل ، فمن يعمل من دون معرفة اللّه ولا للواجب الذي يؤديه فلا أثر لعمله قال (عليه السلام) : « لا يقبل عمل إلا بمعرفة ، ولا معرفة إلا بعمل ، ومن عرف دلته معرفته على العمل ، ومن لا يعرف فلا عمل له .. » (2)

11 - ذم المباهاة بطلب العلم :

وحذر الامام أبو جعفر (عليه السلام) من المباهاة والافتخار بطلب العلم ، وحث أهل العلم ان يجهدوا نفوسهم على التقرب به إلى اللّه ، وأن يلتمسوا به الدار الآخرة قال (عليه السلام) : « من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء ، أو يعرف به وجوه الناس فليتبوّأ مقعده من النار ، ان الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها .. » (3)

ان هذه الدواعي الفاسدة ، والاغراض السقيمة لتحبط الأجر الجزيل الذي أعده اللّه لطالب العلم الديني الذي هو داعية اللّه في الأرض ، وعليه ان أراد النجاح في الدنيا والسعادة في الآخرة ان يخلص في نيته لله ، ولا يبتغي غير وجهه.

12 - الفتوى بغير علم :

واثرت عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) عدة احاديث تنهى عن الفتيا

ص: 238


1- أصول الكافي 1 / 45.
2- تحف العقول ( ص 294 ).
3- اصول الكافي 1 / 47 ، جامع السعادات 1 / 106.

بغير علم لأنها مصدر لغواية الناس وضلالهم ، وهذه بعض ما أثر عنه.

أ - قال (عليه السلام) : « من افتى الناس بغير علم ، ولا هدى لعنته ملائكة الرحمن وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه .. » (1)

ب - قال (عليه السلام) : « ما علمتم فقولوا : وما لم تعلموا فقولوا : اللّه اعلم ، ان الرجل ينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض .. » (2)

ج - سأل زرارة الامام أبا جعفر (عليه السلام) فقال له : ما حق اللّه على العباد؟ قال (عليه السلام) : « ان يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون .. » (3)

د - قال (عليه السلام) : « للعالم اذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول : اللّه أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك .. » (4)

13 - صفات العالم :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) في كثير من احاديثه عن صفات العلماء وهذه بعضها :

أ - قال (عليه السلام) : « لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ، ولا محقرا لمن دونه .. » (5)

ان العالم إنما يكون عالما فيما إذا صفت نفسه من الحسد الذي هو من اعظم الآفات النفسية ، فهو الذي يلقي الناس في البلاء ، ويجر لهم

ص: 239


1- اصول الكافي 1 / 42.
2- أصول الكافي 1 / 43.
3- أصول الكافي 1 / 42.
4- تحف العقول ( ص 297 ).
5- تحف العقول ( ص 294 ).

الويلات والخطوب ، كما ان العالم لا يكون عالما فيما إذا احتقر من دونه فانه ينم عن عدم انتفاعه بالعلم الذي يدعو الى تكريم الناس ، ومقابلتهم بالاخلاق الرفيعة ، فان الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إنما بعث ليتمم مكارم الاخلاق ، وإذا تجرد العالم من هذه الظاهرة فقد شذ عن سنن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واخلاقه.

ب - قال (عليه السلام) : « ان الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. » (1)

ج - قال (عليه السلام) : اذا رأيتم القارئ - أي العالم - يحب الاغنياء فهو صاحب دنيا ، واذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص .. » (2)

ان حب العالم للأغنياء إنما هو للطمع في أموالهم ، وما يستفيده منهم وهذا ليس من اخلاق العلماء الذين أمروا أن يرجوا ما عند اللّه ، ولا يرجون غيره ، واما ملازمة السلطان من غير حاجة ، ولا ضرورة فانه ينم عن عدم واقعية ذلك العالم ، وانه لص - على تعبير الامام - وهجأ محمود الوراق العلماء الذين لازموا دوائر السلطان يقول :

ركبوا المراكب واغتدوا *** زمرا الى باب الخليفة

وصلوا البكور الى الرواح *** ليبلغوا الرتب الشريفة

حتى إذا ظفروا بما طلبوا *** من الحال اللطيفة

وغدا الموالي منهم فرحا *** بما تحوى الصحيفة

وتعسفوا من تحتهم *** بالظلم والسير العنيفة

ص: 240


1- أصول الكافي 1 / 70.
2- الامام الصادق ( ص 24 ) لأبي زهرة.

خانوا الخليفة عهده *** بتعسف الطرق المخوفة

باعوا الامانة بالخيانة *** واشتروا بالأمن جيفة

عقدوا الشحوم واهزلوا *** تلك الامانات السخيفة

ضاقت قبور القوم وات *** سعت قصورهم المنيفة

من كل ذي أدب ومع *** رفة وآراء حصيفة

متفقه جمع الحدي *** ث الى قياس أبي حنيفة

فاتاك يصلح للقض *** اء بلحيفة فوق الوظيفة

لم ينتفع بالعلم اذ *** شغفته دنياه الشغوفة

نسي الاله ولاذ في *** الدنيا بأسباب ضعيفة (1)

ويقول أبو العتاهية في هجائهم :

عجبا لأرباب العقول *** والحرص في طلب الفضول

سلاب أكسية الارا *** مل واليتامى والكهول

والجامعين المكثري *** ن من الخيانة والغلول

والمؤثرين لدار رحلتهم *** على دار الحلول

وضعوا عقولهم من الد *** نيا بمدرجة السيول

ولهوا بأطراف الفر *** وع واغفلوا علم الاصول

وتتبعوا جمع الحط *** أم وفارقوا أثر الرسول (2)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عما أثر عن الامام (عليه السلام) في فضل العلم وتكريم حملته ، وما ينبغي أن يتصفوا به من معالي الاخلاق ليكونوا قدوة للأمة.

ص: 241


1- جامع بيان العلم وفضله 1 / 201.
2- جامع بيان العلم وفضله 1 / 201.

فى رحاب الايمان :

اشارة

وحلل الامام أبو جعفر (عليه السلام) في احاديثه حقيقة الايمان ، ومراتبه ، تحدث عن صفات المتقين ، ونعم اللّه عليهم ، وغير ذلك ، وهذا بعض ما أثر عنه.

1 - حقيقة الايمان :

وحدد الامام (عليه السلام) حقيقة الايمان بقوله : « الايمان ثابت في القلوب ، واليقين خطرات ، فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد ، ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية .. » (1)

إن الايمان إذا استقر في اعماق القلوب ودخائل النفوس فانها تكون في صلابتها كزبر الحديد فتتحمل الأهوال ، وتخوض الشدائد في سبيل ما تذهب إليه ، وقد كان ذلك الايمان الراسخ هو السمت البارز في سيرة الأنبياء والعظماء والمصلحين الذين قدموا أرواحهم قرابين لمبادئهم وآرائهم.

وإذا خرج اليقين من القلب فان يكون خرقة بالية قد فقد ارادته واختياره ، وصار خاليا من الشعور والاحساس.

2 - مراتب الايمان :

وتحدث الامام (عليه السلام) عن مراتب الايمان بقوله : « ان المؤمنين على منازل ، منهم على واحدة ، ومنهم على اثنين ، ومنهم على ثلاث ، ومنهم على اربع ، ومنهم على خمس ، ومنهم على ست ، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقو ، وعلى صاحب الاثنتين ثلاثا لم يقو ، وعلى صاحب الثلاث اربعا لم يقو ، وعلى صاحب الاربع خمسا لم يقو ، وعلى

ص: 242


1- حلية الاولياء 3 / 180.

صاحب الخمس ستا لم يقو ، وعلى صاحب الست سبعا لم يقو ، وعلى هذه الدجارت. » (1)

ان مرتب اليقين والمعرفة باللّه متفاوتة كأشد ما يكون التفاوت فقد احاط اللّه تعالى بعض انبيائه علما بأسرار الكون وحقائق الوجود وما يحدث في هذه الدنيا من الاحداث بما لم يحط به غيرهم من الأنبياء لأنهم لا يقوون على حملها ، ومن هذا القبيل كان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو باب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومستودع أسراره وحكمه قد احاط بعض حواريه كميثم التمار علما بما سيجري عليه من الخطوب والكوارث من بني أمية ، واطلعه على كثير من الأسرار ، وعلى ما سيجري في آخر الزمان في حين أنه لم يخبر بذلك عبد اللّه بن عباس وهو حبر الأمة لعلمه (عليه السلام) بعدم قدرته على تحملها.

وعلى مقدار الايمان كانت محن الأنبياء والمصلحين من قبل طواغيت زمانهم متفاوتة وكان أشدهم ايذاء واعظمهم محنة النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقد أوذي من قبل طواغيت قريش وجهالها بما لم يؤذه أي نبي من انبياء اللّه ، وأوذي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من بعد وفاته بعترته فقد عانت من الظلم والتنكيل ما يقصم الاصلاب ويذهل الألباب ، فلم تراع حرمته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في عترته فلم يمض على وفاته إلا خمسون عاما واذا برءوس ابنائه على الحراب ، وبناته سبايا من بلد الى بلد ، فأي محنة وأي بلاء اعظم من هذه المحنة وهذا البلاء؟

3 - صفات المتقين :

وتحدث (عليه السلام) في جملة من أحاديثه عن معالي صفات المتقين ، وهذا

ص: 243


1- أصول الكافي باب درجات الايمان.

بعض ما أثر عنه.

أ - قال (عليه السلام) : « أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة ، واكثرهم معونة ، إن نسيت ذكروك ، وإن ذكرت أعانوك ، قوالين بحق اللّه ، قوامين بأمر اللّه .. » (1)

وهذه صفات الافذاذ الذين هم قوة الانسانية ومثلها الأعلى ، وقادتها الى سبل الرشاد.

ب - قال (عليه السلام) : « إنما المؤمن إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق : والمؤمن إذا قدر لم تخرجه قدرته الى التعدي الى ما ليس بحق .. » (2)

ان من أميز صفات المؤمن بربه ان يكون متماسكا في شخصيته ، ومتميزا في سلوكه مد رائده الحق في جميع حالاته وشئونه.

ج - قال (عليه السلام) : « الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن فاذا وصلا الى مكان فيه التوكل استوطناه .. » (3)

ونظم هذه الحكمة الرائعة اليافعي بقوله :

يجول الغنى والعز في قلب مؤمن *** فان الفيا جوف القلوب توكلا

أقاما فأمسى العبد باللّه ذاعنا *** عزيزا وان لم يلقياه ترحلا (4)

د - الفرق بين الايمان والاسلام :

وتحدث (عليه السلام) عن الفرق بين الايمان والاسلام فقال : « الايمان

ص: 244


1- شذرات الذهب 1 / 149.
2- الخصال ( ص 101 ).
3- صفة الصفوة 2 / 61.
4- مرآة الجنان 1 / 248.

ما كان في القلب ، والاسلام ما عليه التناكح ، والتوارث ، وحقنت به الدماء ، والايمان يشرك الاسلام ، والاسلام لا يشرك الايمان. » (1)

ان الايمان يقيم في ضمائر المتقين والمنيبين الى اللّه تعالي ، به يخشونه ويخافون عقابه ، فلا يتركون واجبا ، ولا يقترفون اثما ، أما الاسلام فهو التلفظ بكلمة التوحيد ، واذا نفذ الى اعماق القلب صار المسلم مؤمنا وإلا فلا ، والى هذا تشير الآية الكريمة ، ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ. ) (2) وصرح (عليه السلام) بكلام آخر عن الفرق بينهما يقول (عليه السلام) : « الايمان اقرار وعمل ، والاسلام اقرار بلا عمل. » (3)

ه - عطاء اللّه للمؤمنين

ومنح اللّه المؤمنين المزيد من الطافه وفضله ، وقد تحدث الامام (عليه السلام) عن العطاء الذي افاضه عليهم بقوله : « ان اللّه اعطى المؤمن ثلاث خصال :العز في الدنيا في دينه ، والفلج في الآخرة ، والمهابة في صدور العالمين .. » (4)

هذه بعض احاديثه عن حقيقة الايمان وواقعه.

مع الشيعة :

اشارة

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) وسائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حريصين كل الحرص على أن تكون شيعتهم مقتدين بهديهم ، ومتميزين في سلوكهم ،

ص: 245


1- تحف العقول ( ص 297 ).
2- سورة الحجرات : آية 14.
3- تحف العقول ( ص 297 ).
4- الخصال ( ص 133 ).

ومتورعين في مكاسبهم ومتحرجين في أمور دينهم كأشد ما يكون التحرج ليكونوا قدوة لبقية المسلمين بما يحملونه من طاقات اسلامية مشرقة ، تضىء الطريق ، وتهدى الحائر ، وتدلل على واقع أهل البيت (عليهم السلام) وقد أثر عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض شيعته بما مضمونه كونوا زينا لنا ، ولا تكونوا شينا علينا ، حتى يقول القائل : رحم اللّه جعفر ابن محمد قد أدب شيعته ، ورأى الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) بعض شيعته قد شذ في سلوكه ، وارتكب ما حرم اللّه ، فوجه (عليه السلام) إليه هذه النصيحة الرائعة قائلا له : « إن الحسن من كل احد حسن ، ومنك أحسن ، والقبيح من كل أحد قبيح ومنك أقبح نظرا لاتصالك بنا أهل البيت » (1).

أما الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقد أهتم كأشد ما يكون الاهتمام في تربية الشيعة وتهذيبهم ، وقد وجه لهم النصائح الرفيعة ، والتعاليم الكريمة التي يجب أن يسيروا عليها ، ويقتدوا بها ، وهذا بعض ما أثر عنه.

1 - وصيته لشيعته :

ان من الواجب على من انتحل مبدأ أهل البيت (عليهم السلام) أن يأخذ بهذه الوصية الخالدة ويعمل بما تضمنته من بنود مشرقة ليكون مثالا للإنسانية ، وانموذجا يقتدى به ، وهذا نص وصيته :

« يا معشر شيعتنا ، اسمعوا وافهموا وصايانا ، وعهدنا الى اوليائنا ، اصدقوا في حديثكم ، وبروا في ايمانكم لأوليائكم واعدائكم ، وتواسوا باموالكم ، وتحابوا بقلوبكم ، وتصدقوا على فقرائكم ، واجتمعوا على امركم ، ولا تدخلوا غشا ولا خيانة على أحد ، ولا تشكوا بعد اليقين ،

ص: 246


1- حياة الامام موسى بن جعفر.

ولا تولوا بعد الاقدام جبنا ، ولا يول أحدكم أهل مودته قفاه ، ولا تكونن شهوتكم في مودة غيركم ، ولا مودتكم في سواكم ، ولا عملكم لغير ربكم ، ولا ايمانكم وقصدكم لغير نبيكم ، واستعينوا باللّه ، واصبروا فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

واضاف (عليه السلام) قائلا :

ان اولياء اللّه واولياء رسوله من شيعتنا من اذا قال : صدق وإذا وعد وفى ، وإذا أوتمن ادى ، واذا حمل احتمل في الحق ، وإذا سئل الواجب اعطى ، وإذا امر بالحق فعل ، شيعتنا من لا يعدو علمه سمعه ، شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا ، ولا يواصل لنا مبغضا ، ولا يجالس لنا خائنا ، ان لقي مؤمنا اكرمه ، وان لقي جاهلا هجره ، شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل أحدا إلا من اخوانه وان مات جوعا ، شيعتنا من قال : بقولنا ، وفارق احبته فينا ، وادنى البعداء في حبنا ، وأبعد الغرباء في بغضنا.

وبهر بعض الجالسين من وصف الامام لشيعته وراح يقول له :

« اين يوجد مثل هؤلاء؟. »

فاجابه الامام :

« في اطراف الارضين ، اولئك الخفيض عيشهم ، القررة أعينهم ، ان شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وان خطبوا لم يزوجوا ، وإن وردوا طريقا تنكبوا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا : سلاما ، ويبيتون لربهم سجدا وقياما.

وراح بعض الجالسين يندد بالشيعة ممن عاصروا الامام قائلا :

« يا ابن رسول اللّه : وكيف بالمتشيعين بالسنتهم وقلوبهم على خلاف

ص: 247

ذلك؟ »

وانبرى الامام فاجابه :

« التمحيص يأتي عليهم بسنين تفنيهم ، وضغائن تبيدهم واختلاف يقتلهم ، اما والذي نصرنا بأيدي ملائكته ، لا يقتلهم اللّه الا بايديهم ، فعليكم بالاقرار اذا حدثتم ، وترك الخصومة فانها تقصيكم ، واياكم أن يبعثكم قبل وقت الأجل فتطل دماؤكم وتذهب أنفسكم ويذمكم من يأتي بعدكم وتصيروا عبرة للناظرين ، وان أحسن الناس فعلا من فارق أهل الدنيا من والد وولي وناصح ، وكافى اخوانه في اللّه وإن كان حبشيا أو زنجيا ، وإن كان لا يبعث من المؤمنين أسود ، بل يرجعون كالبرد قد غسلوا بماء الجنان ، واصابوا النعيم المقيم ، وجالسوا الملائكة المقربين ، ورافقوا الأنبياء المرسلين ، وليس من عبد اكرم على اللّه من عبد شرد وطرد في اللّه حتى يلقى اللّه ، على ذلك شيعتنا المنذرون في الارض سرج وعلامات ، ونور لمن طلب ما طلبوا وقادة لأهل طاعة اللّه ، شهداء على من خالفهم ممن ادعى دعواهم ، سكن لمن اتاهم ، لطفاء بمن والاهم ، سمحاء ، اعفاء ، رحماء ، فذلك صفتهم في التوراة والانجيل والقرآن العظيم.

ان الرجل العالم من شيعتنا اذا حفظ لسانه ، وطاب نفسا بطاعة اوليائه واظهر المكائدة لعدوه بقلبه ، ويغدو حين يغدو وهو عارف بعيوبهم ، ولا يبدي ما في نفسه لهم ، ينظر بعينه الى اعمالهم الردية ، ويسمع بأذنه مساوئهم ، ويدعو بلسانه عليهم ، مبغضوهم اولياءه ، ومحبوهم اعداءه .. »

وانطلق رجل من الحاضرين فقال للامام :

« بأبي أنت وأمي ما ثواب من وصفت اذا كان يمشي آمنا ، ويصبح آمنا ويبيت محفوظا ، فما منزلته وثوابه؟ .. »

فقال (عليه السلام) :

ص: 248

« تؤمر السماء باظلاله ، والأرض باكرامه ، والنور ببرهانه .. »

فقيل للامام :

« فما صفته في الدنيا؟ »

قال (عليه السلام) : « إن سئل أعطى ، وان دعي أجاب ، وان طلب أدرك ، وان نصر مظلوما أعز .. » (1)

لا اكاد اعرف وصية أثرت عن أئمة المتقين مثل هذه الوصية الحافلة بالتعاليم الرفيعة التي تسمو بالانسان ، وترفعه الى أرقى ما يصل إليه الأبرار والمتقون ففيها الدعوة الى التحلي بالأخلاق الكريمة ، والتجنب عن مساوئ الاخلاق والتخلي عن النزعات السيئة ، ولو سار المسلمون على ضوئها لكانوا سادة الأمم ، وقادة الشعوب.

ان هذه الوصية من كنوز الاسلام ، وهي تحمل جوهره وواقعه ، وما ينشده من خير ورحمة وهدى الى الناس ، فمن حق كل مسلم أن يجعلها منهاجا يسير عليها في حياته.

2 - الشيعة الأوائل :

واشاد الامام أبو جعفر (عليه السلام) بالشيعة الأوائل ، وبين معالي اخلاقهم وما اتصفوا به من الصفات الرفيعة والخيرة فقال (عليه السلام) :

« اولياءونا ، وشيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه ، ان كان امام مسجد في الحي كان منهم ، وإن كان مؤذن في القبيلة كان منهم ، وإن كان صاحب وديعة كان منهم ، وإن كان صاحب امانة كان منهم ، وإن كان عالم في الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم .. » (2)

ص: 249


1- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 223 - 225 ).
2- دعائم الاسلام 1 / 71.

وألمت هذه الوصية بما اتصفت به الشيعة الأوائل من النسك والورع والتقوى والحريجة في الدين حتى نالوا ثقة الناس فأتموا بهم في صلاتهم ، وائتمنوهم على اموالهم ودينهم ، وقد عرفوا بهذا السمت من الورع والصلاح ، وذاع عنهم ذلك ، ومن طريف ما ينقل ان شيعيا مثل شاهدا أمام القضاء فرد القاضي عليه شهادته لأنه من الرافضة ، فاغرق فى البكاء فبهر القاضي ، وتوهم ان بكاءه لرد شهادته ، وسأله عن ذلك فاجابه بما مضمونه انك حدت عن الحق فنسبتني الى طائفة لا ينتسب إليها الا الأنبياء والمتقون.

3 - صفات الشيعة :

وأدلى (عليه السلام) في كثير من احاديثه عن الصفات الرفيعة التي ينبغي أن يتحلى بها من انتحل مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا بعض ما أثر عنه.

1 - قال (عليه السلام) : « ما شيعتنا إلا من اتقى اللّه واطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع ، والتخشع ، واداء الامانة ، وكثرة ذكر اللّه ، والصوم والصلاة والبر بالوالدين ، وتعهد الجيران من الفقراء ، وذوي المسكنة ، والغارمين والايتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا امناء عشائرهم فى الاشياء .. » (1)

ولا يتحلى بهذه الصفات إلا الابرار والمتقون الذين يخشون اللّه ، ويخافون عقابه.

2 - قال (عليه السلام) : « إنما شيعة علي (عليه السلام) المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا ، المتزاورون لاحياء أمرنا ، الذين اذا غضبوا لم يظلموا واذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاورهم ، وسلم لمن خالطوا. » (2)

ص: 250


1- تحف العقول ( ص 295 ).
2- تحف العقول ( ص 300 ).

ومن توفرت فيهم هذه الصفات من الشيعة فانهم يكونون بركة ورحمة لمن جاورهم ، وامنا وسلما لمن خالطهم اذ لا تصدر منهم بادرة من بوادر الظلم سوى الخير العميم الى الناس.

3 - وتحدث (عليه السلام) مع أبي المقدام عن شيعة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وما اتصفوا به من معالي الاخلاق قال (عليه السلام) : « يا أبا المقدام إنما شيعة علي الشاحبون ، الناحلون ، الذابلون ، ذابلة شفاهم ، خميصة بطونهم ، متغيرة الوانهم ، مصفرة وجوههم ، اذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشا ، واستقبلوا الارض بجباههم ، كثير سجودهم ، كثيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم ، كثير بكاؤهم ، يفرح الناس وهم يحزنون .. » (1)

وهذه صفات عباد الشيعة ونستاكهم امثال عمار بن ياسر ، وأبي ذر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمار ، ونظراؤهم من هداة هذه الأمة وقادتها.

4 - نصائحه للشيعة :

وزود الامام أبو جعفر الشيعة بكثير من نصائحه الرفيعة وتعاليمه القيمة ومن بينها.

أ - روى جابر بن يزيد الجعفي قال : كنا جماعة فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) بعد ما قضينا مناسكنا فودعناه ، وقلنا له : اوصنا بشيء يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فوجه (عليه السلام) لهم هذه النصيحة القيمة قال (عليه السلام) :

« ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه ، واكتموا اسرارنا ، ولا تحملوا الناس على اعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا ، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردوه ، وإن اشتبه عليكم الأمر فقفوا عنده ، وردوه

ص: 251


1- الخصال ( ص 413 ).

إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا .. » (1)

لقد أوصاهم بمعالي الاخلاق ، ودلهم على ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم ، كما أوصاهم بعرض ما أثر عن الأئمة من الاخبار على كتاب اللّه فما وافقه فيأخذون به ، وما شذ عنه فيطرحونه ، وإنما عهد لهم بذلك لأن كثيرا من الاخبار قد افتعلت عليهم ، فقد وضعها من لا حريجة له في الدين لتشويه واقع أهل البيت (عليهم السلام) وتشويه احكامهم.

ب - قال (عليه السلام) : « عليكم بالورع والاجتهاد ، وصدق الحديث ، واداء الامانة إلى من ائتمنكم برا كان أو فاجرا ، فلو أن قاتل علي بن ابن أبي طالب ائتمنني على امانة لأديتها إليه .. » (2)

وهل هناك اسمى وارفع من هذه النصائح القيمة التي تنشد خير الانسان وتوازنه في سلوكه مع الناس.

ج - وأوفد (عليه السلام) بعض أصحابه إلى جماعة من شيعته ، وأمره أن يبلغهم بما يلي :

قال (عليه السلام) : « بلغ شيعتنا عنا السلام ، وأوصهم بتقوى اللّه العظيم ، وبأن يعود غنيهم على فقيرهم ، ويعود صحيحهم عليلهم ، ويحضر حيهم جنازة ميتهم ويتلاقوا في بيوتهم فان لقاء بعضهم بعضا حياة لأمرنا.

رحم اللّه امرا احيا أمرنا ، وعمل بأحسنه ، وقل لهم : إنا لن نغني عنهم من اللّه شيئا إلا بعمل صالح ، ولن ينالوا ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد ، وان اشد الناس حسرة يوم القيامة لمن وصف عملا ثم

ص: 252


1- ضياء العالمين الجزء الثالث مخطوط.
2- تحف العقول ( ص 299 ).

خالفه الى غيره. » (1)

لقد اوصاهم بالخير بجميع رحابه ومفاهيمه ، وأمرهم بالتماسك ، والتضامن ، وما يصون جماعتهم من الاختلاف والفرقة.

د - قال (عليه السلام) : « رحم اللّه عبدا حببنا إلى الناس ، ولم يبغضنا إليهم ، أما واللّه لو يروون عنا ما نقول : ولا يحرفونه ، ولا يبدلونه علينا برأيهم ما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فينيط إليها عشرا ويتأولها على ما يراه ، فرحم اللّه عبدا سمع من مكنون سرنا فدفنه في قلبه ... واللّه لا يجعل اللّه من عادانا ومن تولانا في دار واحدة. » (2).

وحذر (عليه السلام) بهذا الحديث من تحريف اخبارهم وتبديلها لأنها تعود بالاضرار البالغة على أهل البيت (عليهم السلام) فان فيها تشويها لسيرتهم وواقعهم.

5 - حب أهل البيت :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) في جملة من أحاديثه مع جماعة من شيعته عن حب أهل البيت (عليهم السلام) وما يترتب عليه من مزيد الأجر عند اللّه تعالى ، وفيما يلي ذلك :

1 - وفد عليه جماعة من شيعته من خراسان ، فنظر (عليه السلام) الى رجل منهم ، وقد تشققت رجلاه فقال (عليه السلام) له : ما هذا؟ فقال : بعد المسافة يا ابن رسول اللّه ، واللّه ما جاءنى من حيث جئت إلا محبتكم أهل البيت ، فقال (عليه السلام) :

« ابشر فأنت واللّه معنا تحشر. »

ص: 253


1- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 223 ).
2- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 223 ).

وطار الخرساني فرحا وراح يقول :

« معكم يا ابن رسول اللّه؟ .. »

قال (عليه السلام) : « نعم ما أحبنا عبد إلا حشره اللّه معنا ، وهل الدين إلا الحب ، ان اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (1).

2 - وفد زياد الأسود على الامام أبي جعفر (عليه السلام) وقد قصده من مسافة طويلة ، ومكان بعيد ، وقد جهد في طريقه من كثرة السير حتى تشققت رجلاه فقال له الامام أبو جعفر :

« ما هذا يا زياد؟. »

فقال زياد : يا مولاي أقبلت على بكر لي (2) ضعيف فمشيت عامة الطريق ، وذلك إنه لم يكن عندي ما أشتري به مسنا وانما ضممت شيئا إلى شيء حتى اشتريت هذا البكر.

ورق الامام أبو جعفر (عليه السلام) على حاله ، وجرت دموع عينيه ، وقال له زياد : جعلني اللّه فداك ، اني واللّه كثير الذنوب مسرف على نفسي ، حتى ربما قلت : قد هلكت ، ثم اذكر ولايتي إياكم وحبي لكم أهل البيت فأرجو بذلك المغفرة ، فاقبل عليه الامام بوجهه وقال له بعطف وحنان :

« سبحان اللّه!! وهل الدين إلا الحب ، ان اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (3) وقال :

ص: 254


1- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 226 ).
2- البكر : الفتي من الأبل.
3- سورة الحجرات : آية 7.

( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (1) وقال : ( يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ) (2) ان اعرابيا اتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول اللّه إني احب المصلين ولا أصلي ، وأحب الصائمين ولا اصوم ، يعني لا اصلي ولا أصوم التطوع - أي المندوب - فقال له رسول اللّه : ( أنت مع من احببت ) .. ما الذي تبغون؟ أما واللّه لو وقع أمر يفزع الناس له ما فزعتم إلا إلينا ، ولا فزعنا الا إلى نبينا ، انكم معنا فابشروا ثم ابشروا واللّه ما يساويكم اللّه وغيركم ، لا واللّه ولا كرامة » (3).

3 - قال (عليه السلام) : إن الجنة لتشتاق ويشتد ضوءها لمجىء آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشيعتهم ، ولو ان عبدا عبد اللّه بين الركن والمقام حتى تتقطع أوصاله ، وهو لا يدين بحبنا وولايتنا أهل البيت ما قبل منه .. » (4)

4 - قال (عليه السلام) : لجماعة من شيعته « إنما يغتبط أحدكم اذا بلغت نفسه هاهنا ، - وأومأ بيده الى حلقه - ينزل عليه ملك الموت فيقول له : أما ما كنت ترجوه فقد اعطيته ، وأما ما كنت تخافه فقد أمنت منه ، ويفتح له باب الى منزله من الجنة ، فيقول له : انظر الى مسكنك من الجنة فهذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين (عليهما السلام) هم رفقاؤك .. وهو قول اللّه عز وجل : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) (5) (6) وتواترت الاخبار عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

ص: 255


1- سورة آل عمران : آية 31.
2- سورة الحشر : آية 9.
3- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 226 ).
4- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 227 ).
5- سورة يونس : آية 63 و 64.
6- عيون الاخبار وفنون الآثار ( ص 227 ).

وعن الأئمة الطاهرين بهذا المضمون وقد ذكرتها مصادر الحديث والاخبار.

6 - تسمية الشيعة بالرافضة :

وحدث أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر : جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا واموالنا وعذابنا ، قال (عليه السلام) :

« ما هو؟ »

« الرافضة »

قال (عليه السلام) : بعد حديث له « ان ذلك اسم قد نحلكموه اللّه .. » (1)

لقد اصبح هذا الاسم علما للشيعة الذين هم دعاة الاصلاح الاجتماعي في الأرض ، وقد أخذ يعيبهم به من لاخلاق له ، إن الشيعة لتعتز بهذا الاسم ، وتفخر به ، فقد اصبح لهم وساما لحبهم واخلاصهم لآل البيت (عليهم السلام) ( الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) وقد فخر به الامام الشافعي بقوله :

إن كان حب آل محمد رفضا *** فليشهد الثقلان اني رافض

7 - دعاؤه لشيعته :

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) يخلص لشيعته كأعظم ما يكون الاخلاص ، وكان يدعو لهم بهذا الدعاء :

« يا دان غير متوان ، يا ارحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء لهم ، ولهم عندك رضا ، واغفر ذنوبهم ، ويسر أمورهم ، واقض ديونهم ، واستر عوراتهم ، وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضيم ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، اجعل لي من كل غم فرجا ومخرجا .. » (2)

ص: 256


1- محاسن البرقي ( ص 119 ).
2- مهج الدعوات ( ص 18 ).

وكان (عليه السلام) يدعو لشيعته بهذا الدعاء :

« اللّهم ان كان لي رضوان وود فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي برحمتك يا ارحم الراحمين. » (1)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) مع شيعته.

سنن الأنبياء وحكمهم :

اشارة

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) كثيرا عن حكم الأنبياء وسننهم ، وقد نقل عنه المختصون بهذه البحوث الشيء الكثير ، وفيما يلي بعضها :

1 - من وحي اللّه لآدم :

وعرض الامام (عليه السلام) لأصحابه ما اوحى اللّه به لآدم من الحكم ومعالي الأخلاق قال (عليه السلام) : « اوحى اللّه تبارك وتعالى لآدم اني اجمع لك الخير كله في اربع كلمات : واحدة منهن لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس ، فأما التي لي فتعبدني ، ولا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك فأجازيك بعملك في وقت احوج ما تكون إليه واما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الاجابة ، واما التي بينك وبين الناس فترضي الناس ما ترضى لنفسك .. » (2)

2 - حكمة لسليمان :

وحكى (عليه السلام) لأصحابه حكمة رائعة لنبي اللّه سليمان بن داود قال (عليه السلام) : « قال سليمان بن داود : أوتينا ما أوتي الناس ، وما لم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس ، وما لم يعلموا ، فلم نجد شيئا افضل من

ص: 257


1- مصباح الكفعمي ( ص 161 ).
2- أمالي الصدوق ( ص 544 ).

خشية اللّه في الغيب والمشهد ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة الحق في الرضا والغضب ، والتضرع الى اللّه عز وجل في كل حال .. » (1)

وهذه الحكمة تجمع خصال الخير ، ففيها الدعوة الى خشية اللّه والخوف منه ، والحث على الاقتصاد ، وعدم التبذير والاسراف في الاموال ، كما فيها الدعوة الى قول الحق ، وإيثاره على كل شيء ، والالتجاء الى اللّه تعالى الذي بيده مصير العباد.

3 - حكمة في التوراة :

ونقل (عليه السلام) لأصحابه حكمة مكتوبة في التوراة قال (عليه السلام) : « ان في التوراة مكتوبا يا موسى إني خلقتك ، واصطفيتك ، وقويتك ، وامرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي فان اطعتني اعنتك على طاعتي ، وان عصيتني لم اعنك على معصيتي ، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي ، ولي الحجة عليك في معصيتك لي .. » (2)

4 - تسمية نوح بالعبد الشكور :

روى محمد بن مسلم عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) انه قال : « ان نوحا إنما سمي عبدا شكورا لأنه كان يقول : إذا أمسى واصبح ، اللّهم اني اشهدك أنه ما أمسى واصبح بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر بها عليّ حتى ترضى .. » (3)

ص: 258


1- الخصال ( ص 219 ).
2- أمالي الصدوق ( ص 274 ).
3- علل الشرائع ( ص 29 ).
5 - دعاء نوح على قومه :

سأل سدير الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن دعاء نوح على قومه فقال له : أرأيت نوحا حين دعا على قومه فقال : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) إنه كان عالما بهم؟

فاجابه (عليه السلام) « اوحى اللّه إليه أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعند ذلك دعا عليهم بهذا الدعاء .. » (1)

6 - اسماعيل أول من تكلم بالعربية :

ونقل الامام ابو جعفر (عليه السلام) لأصحابه ان نبي اللّه اسماعيل هو أول من فتق لسانه باللغة العربية ، قال (عليه السلام) : « اول من فتق لسانه بالعربية المبينة اسماعيل ، وهو ابن عشر سنة .. » (2)

7 - مناجاة اللّه مع موسى :

وحكى الامام لأصحابه مناجاة لله تعالى مع نبيه موسى قال (عليه السلام) : « في التوراة مكتوب فيما ناجى اللّه عز وجل به موسى بن عمران ، يا موسى خفني في سر أمرك احفظك من وراء عورتك ، واذكرني في خلواتك ، وعند سرور لذاتك اذكرك عند غفلاتك ، واملك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي ، واكتم مكنون سري في سريرتك ، واظهر في علانيتك المدارة عني لعدوي وعدوك من خلقي ، ولا تستسب لي عندهم باظهارك مكنون سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي .. » (3)

ص: 259


1- علل الشرائع ( ص 31 ).
2- البيان والتبيين 3 / 290.
3- الامالي للصدوق ( ص 226 ).
8 - نفي الأمية عن النبي :

روى علي بن اسباط قال : قلت لأبي جعفر : إن الناس يزعمون ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يكتب ، ولم يقرأ؟ فانكر علیه السلام ذلك وقال :

« انى يكون ذلك؟!! وقد قال اللّه تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) كيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ ويكتب؟. »

وانبرى على بن اسباط فقال للإمام : لم سمي النبي الأمي؟

فاجابه الامام : « لأنه نسب الى مكة ، وذلك قول اللّه عز وجل :

( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) فأم القرى مكة ، فقيل أمي .. » (1)

9 - نوح وابليس :

وحكى الامام أبو جعفر (عليه السلام) محاورة جرت بين نبي اللّه نوح (عليه السلام) حينما دعا على قومه ، وبين ابليس وهي :

ابليس : يا نوح ان لك عندي يدا أريد أن اكافئك عليها.

نوح : واللّه اني لبغيض إلي ان تكون لي عليك يد فما هي؟

ابليس : بلى دعوت اللّه على قومك فاغرقتهم ، فلم يبق أحد فاغويه فأنا مستريح حتى ينشأ قرن آخر فأغويهم.

نوح : ما الذي تريد أن تكافئني به؟

ابليس : اذكرني في ثلاثة مواطن : فاني أقرب ما أكون الى العبد

ص: 260


1- علل الشرائع ( ص 125 ).

اذا كان في احداهن : اذكرني اذا غضبت ، واذكرني اذا حكمت بين اثنين ، واذكرني مع امرأة خاليا ليس معكما أحد .. (1)

وحقا ان ابليس انما يغزو الانسان في هذه المواطن الثلاثة فهي التي تجزه الى اقتراف الأثم والعصيان اعاذنا اللّه من شروره.

10 - موت سليمان :

وروى الامام أبو جعفر (عليه السلام) لأبي بصير موت نبي اللّه سليمان فقال : « أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير ، فبينما هو متّكئ على عصاه في القبة ينظر الى الجن كيف يعملون ، وهم ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فاذا رجل معه في القبة قال : من أنت؟ قال : أنا الذي لا أقبل الرشا ، ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه وهو قائم متّكئ على عصاه في القبة ، والجن ينظرون إليه فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث اللّه عز وجل الارضة فأكلت منسأته وهي العصا ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. » (2)

11 - التقاء يعقوب بيوسف :

وروى الامام أبو جعفر قصة التقاء يعقوب بيوسف قال (عليه السلام) : إن يعقوب قال لولده : تحملوا إلى يوسف من يومكم هذا بأهليكم اجمعين فساروا إليه ، ويعقوب معهم ، وخالة يوسف أم يامين ، فحثوا السير فرحا وسرورا تسعة أيام الى مصر ، فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه وقبله ، وبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ، ثم دخل منزله

ص: 261


1- الخصال (128).
2- علل الشرائع ( ص 74 ).

واكتحل وادهن ، ولبس ثياب العز والملك ، فلما رأوه سجدوا جميعا إعظاما له وشكرا لله عند ذلك ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ، ولا يكتحل ، ولا يتطيب حتى جمع اللّه بينه وبين أبيه واخوته (1).

12 - مدة حياة يعقوب بمصر :

وسأل محمد بن مسلم الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن مدة حياة يعقوب بمصر فقال (عليه السلام) : عاش يعقوب مع يوسف بمصر حولين ، فقال له محمد بن مسلم : فمن كان الحجة لله في الارض يعقوب أم يوسف؟ قال علیه السلام : كان يعقوب الحجة ، وكان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت الى ارض الشام فدفنه في بيت المقدس ، فكان يوسف بعد يعقوب الحجة ، قال محمد : وكان يوسف رسولا نبيا؟ قال علیه السلام : نعم أما تسمع قوله عز وجل : ( لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ ) (2).

هذا بعض ما أثر عنه من الروايات في احوال الأنبياء وسننهم.

مع السيرة النبوية :

اشارة

وروى الامام أبو جعفر (عليه السلام) الشيء الكثير من شئون السيرة النبوية ، وقد أخذ عنه المدونون لها ، وفيما يلي بعض ما رووه عنه.

1 - استعارة النبي السلاح من صفوان :

وروى الطبري بسنده عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال : لما اجمع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السير الى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان

ص: 262


1- مجمع البيان في تفسير القرآن 6 / 264.
2- مجمع البيان 6 / 166.

ابن أمية ادراعا وسلاحا ، فارسل إليه فقال : يا أبا أمية - وهو يومئذ مشرك - اعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا فقال له صفوان : اغصبا يا محمد؟ قال : بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك ، قال : ليس بهذا بأس ، فاعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح ، وزعموا أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سأله أن يكفيه حملها ففعل.

قال الامام ابو جعفر : فمضت السنة ان العارية مضمونة (1) وقد المع الامام الى أن هذه الحادثة قد استفيد منها القاعدة الفقهية وهو ان العارية مضمونة مع التفريط ، فمن استعار شيئا فقد ضمنه حتى يؤديه الى صاحبه.

2 - مسيرة خالد الى بني جذيمة :

وروى ابن هشام بسنده عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة حين فتح مكة داعيا الى اللّه ، ولم يبعثه مقاتلا الا ان خالدا غار عليهم فاوجسوا منه خيفة فبادروا الى اسلحتهم فحملوها ، فلما رأى خالد ذلك قال لهم : ضعوا السلاح ، فان الناس قد اسلموا ، ووثقوا بقوله ، فوضعوا سلاحهم ، إلا إنه غدر بهم ، فأمر بتكتيفهم ثم عرضهم على السيف ، فقتل منهم من قتل ، ولما انتهى خبرهم الى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بلغ به الحزن اقصاه ورفع يديه بالدعاء ، وقال :

« اللّهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد .. »

ودعا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له : ( اخرج الى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ) وخرج علي حتى جاءهم ، ومعه مال ، فودى لهم الدماء ، وما اصيب لهم

ص: 263


1- تأريخ الطبري 3 / 73 طبع دار المعارف.

من الأموال ، حتى انه ليدي ميلغة الكلب (1) حتى اذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، وبقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا : لا. قال : فاني اعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطا لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مما يعلم ولا تعلمون ، فأعطاهم ثم رجع الى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أصبت واحسنت وقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاستقبل القبلة شاهرا يديه ، حتى كان يرى ما تحت منكبيه ، وهو يقول : « اللّهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » وكرر ذلك ثلاث مرات (2).

هذه بعض رواياته عن السيرة النبوية ، أما ذكر جميع ما روي عنه فانه يستدعي الإطالة ، وقد آثرنا الايجاز في امثال هذه البحوث.

سيرة الامام علي :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) في كثير من احاديثه عن سيرة جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) رائد الحق والعدالة في الارض ، وكان من بين ما رواه هذه البادرة.

روى زرارة بن أعين عن أبيه ، عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) إذا صلى الفجر لم يزل معقبا الى أن تطلع الشمس ، فاذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس فيعلمهم الفقه والقرآن ، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك ، فقام يوما ، فمر برجل فرماه بكلمة هجر - ولم يم ابو جعفر ذلك الرجل - فرجع الامام ، وصعد المنبر ، وأمر فنودي الصلاة جامعة ، فلما حضر الناس ،

ص: 264


1- اليلغة : الاناء يلغ فيه الكلب أو يسقى فيه.
2- السيرة النبوية لابن هشام 2 / 429 - 430.

حمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثم قال : أيها الناس انه ليس شيء أحب الى اللّه ، ولا أعم نفعا من حلم إمام وفقهه ، ولا شيء ابغض الى اللّه ، ولا أعم ضررا من جهل إمام وخرقه ، إلا وانه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من اللّه حافظ إلا وانه من انصف من نفسه لم يزده اللّه الا عزا ، إلا وان الذل في طاعة اللّه اقرب الى اللّه من التعزز في معصيته ، ثم قال : اين المتكلم آنفا؟ فلم يستطع الانكار ، فقال : ها أنا ذا يا أمير المؤمنين ، فقال : أما اني لو أشاء لقلت : فقال : إن تعف وتصفح فأنت اهل لذلك فقال : قد عفوت وصفحت (1).

وليس في تأريخ الانسانية على الاطلاق مثل الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عدله ورحمته ، وصفحه عمن اساء إليه ... لقد كان المؤسس الأول بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لمكارم الاخلاق ونكران الذات ، وقد ساس الناس أيام خلافته سياسة قوامها العدل الخالص والحق المحض ، فآثر طاعة اللّه على كل شيء.

أخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين :

وتواترت الاخبار عن الامام أمير المؤمنين بقتل ولده الامام الحسين (عليه السلام) ومن بين تلك الاخبار ما رواه الامام أبو جعفر (عليه السلام) ، فقد قال (عليه السلام) : خطب علي (عليه السلام) في الكوفة فلما قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضل مائة ، وتهدى مائة ، إلا انبأتكم بناعقها وسائقها ، فقام إليه رجل فقال : اخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ، فقال له علي : واللّه لقد حدثني خليلي - يعني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - ان على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك ، وإن على كل طاقة شعر من لحيتك

ص: 265


1- شرح النهج 4 / 109 - 110.

شيطانا يغويك ، وان في بيتك سخلا يقتل ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان ابنه قاتل الحسين يومئذ طفلا يحبو ، وهو سنان بن أنس النخعي (1).

وتحقق ما اخبر به الامام امير المؤمنين (عليه السلام) فلم تمض حفنة من السنين واذا بالخبيث الدنس سنان بن انس كان من القتلة المجرمين لريحانة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسبطه.

صفة الامام أمير المؤمنين :

وسأل اسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة الامام أبا جعفر عن صفة جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال (عليه السلام) : « رجل آدم شديد الأدمة ، ثقيل العينين عظيمهما ، ذو بطن ، اصلع هو الى القصر أقرب (2).

أحداث صفين :

وروى الامام أبو جعفر (عليه السلام) الكثير من أحداث صفين ، وقد نقلها عنه نصر بن مزاحم ، والطبري وابن أبي الحديد ، وغيرهم من المؤرخين. وفيما يلي بعضها :

فك الحصار عن الماء :

وزحف معاوية بجنوده الى صفين قبل أن يقدم إليها جيش الامام ، وقد اجمع رأيه على احتلال الفرات فاحاطه بقوى مكثفة لمنع اصحاب الامام من الاستسقاء منه ، ولما قدمت جيوش الامام رأوا الفرات قد احتلته قوات معاوية ، وهي تمنعهم أشد المنع من الدنو منه ، وقد روى الامام أبو جعفر (عليه السلام) كيفية فك احتلاله من قبل جيش الامام (عليه السلام) قال (عليه السلام) : « ونادى الاشعث عمرو بن العاص ، فقال : ويحك يا ابن العاص! خل

ص: 266


1- شرح النهج 2 / 386.
2- تأريخ الطبري 5 / 153.

بيننا وبين الماء فو اللّه لئن لم تفعل لتأخذنا واياكم السيوف ، فقال عمرو : واللّه لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف واياكم ، فيعلم ربنا أينا اصبر اليوم ، فترجل الاشعث والأشتر وذوو البصائر من اصحاب علي (عليه السلام) وترجل معهما اثنا عشر الفا فحملوا على عمرو وأبى الأعور ، ومن معهما من أهل الشام ، فأزالوهم عن الماء ، حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء » (1) ومن الجدير بالذكر أن جيش الامام لما احتل الفرات أرادوا أن يقابلوا اهل الشام بالمثل فيمنعونهم عنه ، كما صنعوا ذلك معهم ، الا ان الامام لم يسمح لهم بذلك ، وعاملهم معاملة المحسن الكريم فخلى بينهم وبين الماء.

معاوية مع ابن العاص :

وروى الامام أبو جعفر (عليه السلام) حديثا دار بين معاوية وعمرو بن العاص ، قال (عليه السلام) : « طلب معاوية الى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل اللّه ابن أبي طالب ، واستوسقت لك البلاد ، قال : أليس حكمك في مصر؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم ، وهم فيه مبلسون؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد اللّه إن قتل ابن أبي طالب ، رويدا لا يسمع الناس كلامك ، فقال لهم - أي لأهل الشام - عمرو : يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم ، واعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا باللّه إلهكم ، وجاهدوا عدو

ص: 267


1- شرح ابن أبي الحديد 3 / 324.

اللّه وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم اللّه وأبادهم ( وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (1).

وبهذا الخداع والتضليل استطاع معاوية أن يناجز الامام أمير المؤمنين علیه السلام رائد الحكمة والحق في الأرض.

خطبة للامام بصفين :

وروى الامام ابو جعفر (عليه السلام) خطبة لجده الامام امير المؤمنين (عليه السلام) خطبها بصفين ، وقد تحدث فيها عن سمو اخلاق النبي العظيم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومدى الخسارة العظمى التي منيت بها الانسانية بفقده (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما ذكر فيها مكانته ومنزلته عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم دعا فيها الى جهاد عدوه معاوية ابن أبي سفيان ، وهذا نصها :

« الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر ، وعلى حججه البالغة على خلقه من اطاعه فيهم ، ومن عصاه ، إن رحم فبفضله ومنه ، وإن عذب فبما كسبت أيديهم ، وأن اللّه ليس بظلام للعبيد ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وأستعينه على ما نابنا من أمر دنيا أو آخرة ، وأومن به وأتوكل عليه ، وكفى باللّه وكيلا ، وأشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ارتضاه لذلك ، وكان أهله ، واصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته ، وجعله رحمة منه على خلقه ، فكان كعلمه فيه رءوفا رحيما ، اكرم خلق اللّه حسبا ، واجمله منظرا ، واسخاه نفسا وابره بوالد ، وأوصله لرحم ، وافضله علما ، واثقله حلما ، وأوفاه بعهد ،

ص: 268


1- وقعة صفين ( ص 267 ).

وآمنه على عقد ، لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط ، بل كان يظلم فيغفر ، ويقدر فيصفح ، ويعفو حتى مضى صلی اللّه علیه و آله مطيعا لله ، صابرا على ما اصابه ، مجاهدا في اللّه حق جهاده حتى أتاه اليقين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكان ذهابه اعظم المصيبة على جميع اهل الأرض البر والفاجر ، ثم ترك كتاب اللّه فيكم يأمر بطاعة اللّه وينهى عن معصيته ، وقد عهد الي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عهدا فلست أحيد عنه ، وقد حضرتم عدوكم وقد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق ، يدعوهم الى النار ، وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم الى الجنة والى طاعة ربكم ، ويعمل بسنة نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ، لم يسبقني بصلاتي مع رسول اللّه أحد ، وأنا من اهل بدر ، ومعاوية طليق ابن طليق ، واللّه إنكم لعلى حق ، وانهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه ، وتفرقون عن حقكم ، حتى يغلب باطلهم حقكم « قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم ، فان لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم » فاجابه اصحابه قائلين : يا أمير المؤمنين انهض بنا الى عدونا وعدوك اذا شئت ، فو اللّه ما نريد بك بدلا نموت معك ، ونحيا معك ، فقال لهم علي : « والذي نفسي بيده لنظر الي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أضرب قدامه بسيفي ، فقال : « لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى الا علي ، وقال : « يا علي ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وموتك وحياتك يا علي معي » واللّه ما كذبت ، ولا كذبت ، ولا ضللت ولا ضل بي ، وما نسيت ما عهد الي ، واني لعلى بينة من ربي ، واني لعلى الطريق الواضح ، الفظه لفظا (1).

ص: 269


1- وقعة صفين ( ص 354 - 356 ).

يوم الهرير :

وكان من اعظم ايام صفين ، وأشدها محنة يوم الهرير ، وهو اليوم الأعظم - كما يسميه المؤرخون - فقد استعرت فيه نار الحرب ، وأشتد أوارها ، حتى خيم الفزع والموت على الناس وقد تحدث عنه الامام أبو جعفر (عليه السلام) قال : « لما كان اليوم الأعظم ، قال اصحاب معاوية : واللّه لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا ، فبادروا القتال غدوة في يوم من ايام الشعرى (1) طويل شديد الحر ، فتراموا حتى فنيت النبال ، وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ، ثم نزل القوم عن خيولهم ، ومشى بعضهم الى بعض بالسيوف ، حتى كسرت جفونها ، وقام الفرسان في الركب ، ثم اضطربوا بالسيوف ، وبعمد الحديد ، فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم ، وصليل الحديد في الهام ، وتكادم الأفواه ، وكسفت الشمس وثار القتام ، وضلت الألوية والرايات ، ومرت مواقيت اربع صلوات ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا ، ونادت المشيخة فى تلك الغمرات ، يا معشر العرب اللّه ، اللّه في الحرمات من النساء والبنات. »

ولما انتهى ابو جعفر الى هذه الكلمات بكى (2) فقد طافت به تلك الذكريات الحزينة التي تذيب من هولها القلوب ، فقد مثلت أمامه محنة جده الامام امير المؤمنين (عليه السلام) حينما ابتلى بتلك الزمرة الخائنة التي عملت على محو الاسلام ، وأزالة مكاسبه ، واعادة الحياة الجاهلية

ص: 270


1- الشعرى : كوكب نير يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر « اللسان ».
2- شرح النهج 2 / 212 - 213 ، وقعة صفين ( ص 547 ).

في الارض.

ان من ابشع مهازل التأريخ البشري هي مكيدة ابن العاص في رفع المصاحف وقد وصفها ( راوحوست ميلر ) بأنها من اشنع المهازل واسوئها في التأريخ البشري (1) فقد اشرف جيش الامام على الفتح ، وتفللت جميع قوى معاوية وأراد أن يلوذ بالفرار ، ولجأ الى ابن العاص يطلب منه الرأي فأشار عليه برفع المصاحف وهي مكيدة مدبرة قد حيكت أصولها ووضعت مخططاتها بين ابن العاص وبين الاشعث بن قيس الماكر الخبيث في جيش الامام.

وقد تحدث الامام أبو جعفر عن عدد المصاحف التي رفعت ، فقال علیه السلام : استقبلوا عليا بمائة مصحف ووضعوا في كل مجنبة (2) مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف.

وقام فريق من اتباع معاوية ، فنادوا في المعسكر العراقي : « يا معشر العرب ، اللّه اللّه في النساء ، والبنات والابناء من الروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم ، اللّه اللّه في دينكم هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم.

والتاع الامام ، وانبرى قائلا : اللّهم إنك تعلم ما الكتاب يريدون فأحكم بيننا وبينهم انك أنت الحكم الحق المبين (3).

وقد اطاحت هذه المكيدة بالنصر الذي أحرزه جيش الامام ، فقد انقلب على اعقابه وماج في الفتنة ، واضطرب كأشد ما يكون الاضطراب ، وكان من المتوقع أن تمنى حكومة الامام بانقلاب عسكري يتزعمه الأشعث

ص: 271


1- العقيدة والشريعة في الاسلام ( ص 190 ).
2- المجنبة : بكسر النون المشددة ميمنة الجيش وميسرته.
3- شرح النهج 2 / 212 ، وقعة صفين ( ص 546 - 547 ).

ابن قيس ، وقد ادرك الامام هذا الوضع المتفجر فأبدى من الاناة والصبر ما لا يوصف ، فقد استجاب - على كره - الى إيقاف القتال ، وأوعز الى قائد قواته المسلحة الزعيم مالك الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب بعد ان اشرف على الفتح ، وصار أمرا محتوما.

وثيقة التحكيم :

وبعد ان أجبر الامام على التحكيم الذي انقذ حكومة معاوية ، واطاح بحكومة الامام (عليه السلام) فقد تسابق زعماء الفتنة في جيش الامام مع اهل الشام الى تسجيل ما يرومونه من الشروط التي تنهي الحرب مؤقتا حتى يجتمع الحكمان ، وقد روى الامام أبو جعفر (عليه السلام) نص الوثيقة ، وأخذها عنه المؤرخون لهذه الاحداث وهذا نصها بعد البسملة :

« هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، قاضي علي بن أبي طالب على اهل العراق ، ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، وقاضي معاوية بن أبي سفيان على اهل الشام ، ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، اننا ننزل على حكم اللّه تعالى وكتابه ، ولا يجمع بيننا الا إياه ، وان كتاب اللّه سبحانه تعالى بيننا من فاتحته الى خاتمته ، نحيى ما احيا القرآن ، ونميت ما امات القرآن ، فان وجد الحكمان ذلك في كتاب اللّه اتبعاه ، وإن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة ، والحكمان عبد اللّه بن قيس وعمرو بن العاص ، وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين انهما امينان على انفسهما وأموالهما وأهلهما ، والأمة لهما انصار ، وعلى الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد اللّه ان يعملوا بما يقضيان عليه مما وافق الكتاب والسنة ، وان الأمن والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين

ص: 272

الطائفتين الى ان يقع الحكم ، وعلى كل واحد من الحكمين عهد اللّه ليحكمن بالأمة بالحق ، لا بالهوى ، وأجل الموادعة سنة كاملة ، فان احب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه ، وان توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا ، لا يألوا الحق والعدل ، وإن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره الى اصحابه ممن يرضون أمره ، ويحمدون طريقته اللّهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيها إلحادا وظلما .. » (1)

ووقع الفريقان على هذه الوثيقة ، ولم تتعرض الى مطالبة معاوية بدم عثمان ذلك الدم الذي اتخذه شعارا لتمرده وبغيه على حكومة الامام ، ومن المؤكد انه لم يكن يهتم بعثمان فقد استنجد به حينما حاصره الثوار فاعاره اذنا صماء حتى قتل ، فاتخذ قتله وسيلة لنيل اطماعه.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن روايات الامام ابي جعفر لأحداث صفين تلك الأحداث المؤلمة التي جرت للمسلمين اعظم المحن والخطوب ، والقتهم في شر عظيم.

مأساة الامام الحسين :

وفزع المسلمون كأشد ما يكون الفزع من مأساة الامام الحسين (عليه السلام) التي انتهكت فيها حرمة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في ابنائه وعترته ، فقد عمد الجيش الاموي الى استئصال آل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واقترفوا معهم من الفضائع ما لم يمر مثلها في جميع مراحل هذه الحياة.

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) صبيا يافعا قد حضر يوم الطف ، وشاهد المحن الكبرى التي تواكبت على آل البيت (عليهم السلام) وقد وعاها ، وارتسمت فصولها الحزينة في اعماق نفسه ودخائل ذاته ، وظلت مناظرها الرهيبة ملازمة

ص: 273


1- شرح النهج 2 / 233 - 234.

له ولأبيه الامام زين العابدين طوال حياتهما.

واقبل علماء المسلمين ورواتهم على الامام أبي جعفر (عليه السلام) وهم يسألونه عما شاهده وما سمعه من أبيه من رزايا كربلا ، وما جرى على العترة الطاهرة من صنوف القتل والتنكيل ، وكان (عليه السلام) يزودهم بمعلوماته عنها ، وهم يدونونها.

وقد دون العلماء في ذلك العصر وما تلاه حوالي ستين مؤلفا كلها بعنوان « مقتل الحسين ».

رواية عمار الدهني :

ويروي الطبري أن عمار الدهني وفد على الامام أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن مقتل الحسين فأجابه (عليه السلام) وقد روى الطبري الرواية متقطعة غير متصلة ، ونحن نجمع بين فصولها ولنا فيها مواقع للنظر نذكرها في آخر الرواية ، وهذا نصها :

« حدثني زكريا بن يحيى الضرير ، قال : حدثنا أحمد بن جناب المصيصي - ويكنى أبا الوليد - قال : حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد اللّه القسري قال : حدثني عمار الدهني ، قال : قلت لأبي جعفر : حدثني بمقتل الحسين حتى كأنى حضرته.

قال (عليه السلام) : مات معاوية ، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة ، فارسل الى الحسين بن علي فقال له : اخرني ، وارفق فأخره ، فخرج الى مكة ، فأتاه أهل الكوفة ، ورسلهم انا قد حبسنا انفسنا عليك ، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي ، فأقدم علينا ، وكان النعمان بن بشير الانصاري على الكوفة ، قال : فبعث الحسين الى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه ، فقال له : سر الى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي ، فان

ص: 274

كان حقا خرجنا إليهم ، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين ، فمرا به في البرية فأصابهم عطش فمات أحد الدليلين ، وكتب مسلم الى الحسين يستعفيه ، فكتب إليه الحسين : أن امضى الى الكوفة ، فخرج حتى قدمها ، ونزل على رجل من أهلها يقال له ابن عوسجة (1) قال : فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دبوا إليه فبايعوه ، فبايعه اثنا عشر الفا. قال : فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية الى النعمان بن بشير فقال له : إنك ضعيف أو متضعف ، قد فسد البلاد ، فقال له النعمان : أن اكون ضعيفا ، وأنا في طاعة اللّه أحب إلي من أن اكون قويا في معصية وما كنت لأهتك سترا ستره اللّه.

فكتب بقول النعمان الى يزيد فدعا مولى يقال له : سرجون - وكان يستشيره - فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا؟ قال : نعم ، قال : فاقبل مني فانه ليس للكوفة إلا عبيد اللّه بن زياد ، فولها اياه - وكان يزيد عليه ساخطا ، وكان همّ بعزله عن البصرة - فكتب إليه برضائه ، وانه قد ولاه الكوفة مع البصرة ، وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده.

قال : فاقبل عبيد اللّه في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ، ولا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم إلا قالوا : عليك السلام يا ابن بنت رسول اللّه - وهم يظنون انه الحسين بن علي (عليه السلام) - حتى نزل القصر فدعا مولى له فاعطاه ثلاثة آلاف وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع له أهل الكوفة فاعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه إليه ليتقوى ، فلم يزل يتلطف ويرفق به ، حتى

ص: 275


1- المعروف بين المؤرخين ان مسلم أول ما نزل في دار المختار.

دل على شيخ من أهل الكوفة يلي البيعة ، فلقيه فأخبره ، فقال له الشيخ : لقد سرني لقاؤك إياي ، وقد ساءني ، فأما ما سرني من ذلك فما هداك اللّه له ، وأما ما ساءني فان أمرنا لم يستحكم بعد فادخله إليه فأخذ المال وبايعه ورجع الى عبيد اللّه فاخبره.

فتحول مسلم حين قدم عبيد اللّه بن زياد من الدار التي كان فيها الى منزل هانئ بن عروة المرادي ، وكتب مسلم بن عقيل الى الحسين بن علي (عليه السلام) يخبره ببيعة اثنى عشر الفا من أهل الكوفة ، ويأمره بالقدوم ، وقال عبيد اللّه لوجوه أهل الكوفة : مالي أرى هانئ بن عروة لم يأتني فيمن أتاني! قال : فخرج إليه محمد بن الاشعث في ناس من قومه ، وهو على باب داره ، فقالوا : إن الأمير قد ذكرك واستبطاك فانطلق إليه ، فلم يزالوا به حتى ركب معهم ، وسار حتى دخل على عبيد اللّه وعنده شريح القاضي ، فلما نظر إليه قال لشريح : « أتتك بحائن رجلاه » فلما سلم عليه ، قال : يا هانئ اين مسلم؟ قال : ما ادري ، فأمر عبيد اللّه مولاه صاحب الدراهم فخرج إليه ، فلما رآه قطع به ، فقال : أصلح اللّه الأمير ، واللّه ما دعوته الى منزلي ، ولكنه جاء فطرح نفسه علي ، قال ائتني به ، قال : واللّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه ، قال : ادنوه إلي ، فأدني فضربه على حاجبه فشجه ، قال : وأهوى هانئ الى سيف شرطي ليسله ، فدفع عن ذلك ، وقال : قد أحل اللّه دمك ، فأمر به فحبس في جانب القصر (1).

وروى الطبري بعد هذا حديثا فيما يتعلق بتفصيل الحادثة ثم ذكر

ص: 276


1- تأريخ الطبري 5 / 347 - 349 طبع دار المعارف بمصر تحقيق أبو الفضل ابراهيم.

كلام الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال : فبينا هو كذلك اذ خرج الخبر الى مذحج ، فاذا على باب القصر جلبة سمعها عبيد اللّه ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : مذحج ، فقال لشريح : اخرج إليهم فأعلمهم أني انما حبسته لأسأله ، وبعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول ، فمر بهانىء بن عروة ، فقال له هانئ : اتق اللّه يا شريح فانه قاتلي ، فخرج شريح حتى قام على باب القصر ، فقال : لا بأس عليه ، انما حبسه الأمير ليسأله ، فقالوا صدق ، ليس على صاحبكم بأس فتفرقوا ، فاتى مسلما الخبر ، فنادى بشعاره فاجتمع إليه اربعة آلاف من أهل الكوفة ، فقدم مقدمته ، وعبى ميمنته ، وميسرته وصار في القلب الى عبيد اللّه ، وبعث عبيد اللّه الى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر ، فلما سار إليه مسلم فانتهى الى باب القصر أشرفوا على عشائرهم فجعلوا يكلمونهم ، ويردونهم ، فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى امسى في خمسمائة فلما اختلط الظلام ذهب اولئك أيضا.

فلما رأى مسلم انه قد بقي وحده جعل يتردد في الطرق فانى بابا فنزل عليه فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : اسقيني فسقته ، ثم دخلت فمكثت ما شاء اللّه ، ثم خرجت فاذا هو على الباب ، قالت : يا عبد اللّه إن مجلسك مجلس ريبة ، فقم ، قال : إني مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟ قالت : نعم ادخل ، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث ، فلما علم به الغلام انطلق الى محمد فأخبره ، فانطلق محمد الى عبيد اللّه فأخبره ، فبعث عبيد اللّه عمرو بن حريث المخزومي - وكان صاحب شرطه - إليه ومعه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فلم يعلم مسلم حتى احيط بالدار ، فلما رأى ذلك مسلم خرج إليهم بسيفه فقاتلهم ، فاعطاه عبد الرحمن

ص: 277

الامان فأمكن من يده ، فجاء به الى عبيد اللّه ، فأمر به فاصعد الى أعلى القصر فضربت عنقه والقى جثته الى الناس ، وأمر بهانىء فسحب الى الكناسة ، فصلب هنالك وقال شاعرهم في ذلك :

فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** الى هانئ في السوق وابن عقيل

أصابهما أمر الامام (1) فأصبحا *** أحاديث من يسعى بكل سبيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا *** وقد طلبته مذحج بذحول (2)

ثم يذكر الطبري روايات أخرى عن أبي مخنف وغيره في تفصيل الأحداث ثم عقب ذلك بقوله : حدثنا خالد بن يزيد بن عبد اللّه القسرى ، قال : حدثنا عمار الدهني قال : قلت لأبي جعفر : حدثني عن مقتل الحسين حتى كأني حضرته قال :

« فاقبل حسين بن علي بكتاب مسلم بن عقيل كان إليه حتى اذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال ، لقيه الحر بن يزيد التميمي ، فقال له : اين تريد؟ قال : أريد هذا المصر قال له : ارجع فاني لم ادع لك خلفي خيرا أرجوه ، فهم أن يرجع ، وكان معه أخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : واللّه لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقال : لا خير في الحياة بعدكم ، فسار فلقيته أوائل خيل عبيد اللّه ، فلما رأى ذلك عدل الى كربلا فاسند ظهره الى قصباء وخلا كيلا يقاتل الا من وجه واحد ، فنزل وضرب أبنيته وكان اصحابه خمسة واربعين فارسا ، ومائة راجل وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص قد ولاه عبيد اللّه بن زياد الري ، ، وعهد إليه عهده ، فقال : اكفني هذا الرجل ، قال : اعفني فأبى أن

ص: 278


1- في رواية « اصابهما بغي الأمير ».
2- تأريخ الطبري 5 / 349 - 351.

يعفيه ، قال فانظرني الليلة فأخره فنظر في أمره ، فلما اصبح غدا عليه راضيا بما أمر به ، فتوجه إليه عمر بن سعد فلما أتاه قال له الحسين : اختر واحدة من ثلاث : أما أن تدعوني فانصرف من حيث جئت ، وأما أن تدعوني فاذهب الى يزيد وأما أن تدعوني فألحق بالثغور ، فقبل ذلك عمر فكتب إليه عبيد اللّه لا ولا كرامة ، حتى يضع يده في يدي ، فقال له الحسين : عشر شابا من أهل بيته ، وجاء سهم فاصاب ابنا له معه في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : اللّهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا ، ثم أمر بحبرة فشقها ثم لبسها ، وخرج بسيفه ، فقاتل حتى قتل صلوات اللّه عليه قتله رجل من مذحج واحتز رأسه وانطلق به الى عبيد اللّه وقال :

اوقر ركابي فضة وذهبا *** فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا *** وخيرهم اذ ينسبون النسا

وأوفده الى يزيد بن معاوية ، ومعه الرأس فوضع رأسه بين يديه وعنده ابو برزة الأسلمي فجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول :

يفلقن هاما من رجال أعزة *** علينا وهم كانوا أعق وأظلما

فقال له أبو برزة : ارفع قضيبك ، فو اللّه لربما رأيت فاه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على فيه يلثمه ، وسرح عمر بن سعد بحرمه وعياله الى عبيد اللّه ، ولم يكن بقى من أهل بيت الحسين بن علي علیه السلام إلا غلام كان مريضا مع النساء ، فأمر به عبيد اللّه ليقتل فطرحت زينب نفسها عليه ، وقالت : واللّه لا يقتل حتى تقتلوني!! فرق لها فتركه وكف عنه.

قال : فجهزهم ، وحملهم الى يزيد ، فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من أهل الشام ، ثم ادخلوهم فهنئوه بالفتح ، قال رجل منهم

ص: 279

ازرق أحمر ، ونظر الى وصيفة من بناتهم فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقالت زينب : لا واللّه ، ولا كرامة لك ، ولا له إلا أن يخرج من دين اللّه ، قال فأعادها الأزرق ، فقال له يزيد كف عن هذا ، ثم أدخلهم على عياله فجهزهم ، وحملهم الى المدينة ، فلما دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرة شعرها ، واضعة كمها على رأسها تلقاهم ، وهي تبكي وتقول :

ما ذا تقولون : إن قال النبي لكم *** ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي *** منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي (1)

وانتهت بذلك رواية عمار الدهني عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) : ذكر كارثة كربلا.

المؤاخذات :

وتواجه هذه الرواية عدة من المؤاخذات منها ما يلي :

1 - إن عمار الدهني طلب من الامام (عليه السلام) أن يحدثه - بالتفصيل - عن مقتل الامام الحسين (عليه السلام) كأنه قد حضره ، أما الجواب فقد كان موجزا ، ولم يشر الى كثير من الأحداث لا بقليل ولا بكثير ، فقد طويت فيه اكثر فصول تلك المأساة ، ومن الطبيعي أن هذا لا يتناسب مع السؤال الذي يطلب فيه المزيد من المعلومات.

2 - إنه جاء في هذه الرواية ان الامام الحسين (عليه السلام) حينما اجتمع بابن سعد طلب منه أحد هذه الامور :

أ - ان يسمحوا له بالرجوع الى يثرب.

ص: 280


1- تاريخ الطبري 5 / 389 - 390.

ب - ان يذهب الى يزيد.

ج - أن يلحق بالثغور.

ومن المقطوع به عدم صحة الامرين الأخيرين ، فان الامام (عليه السلام) لو فرض أنه ادلى بهما لما قدم الجيش الأموي على قتاله وحربه ، وقد تحدث عن افتعال ذلك عقبة بن سمعان وهو ممن صاحب الامام من المدينة الى مكة ثم الى العراق وظل ملازما له حتى قتل يقول :

« صحبت الحسين من المدينة الى مكة ، ومنها الى العراق ، ولم أفارقه حتى قتل ، وقد سمعت جميع كلامه ، فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس ، من أن يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسير الى ثغر من الثغور ، لا في المدينة ، ولا في مكة ، ولا في العراق ، ولا في عسكره الى حين قتل نعم سمعته يقول : اذهب الى هذه الارض العريضة حتى انظر ما يصير إليه الناس » (1) ونظرا لاشتمال الرواية على هذه البنود فلا تصح نسبتها الى الامام أبي جعفر (عليه السلام) ومن المحتمل أن الرواية بناء على صحتها قد نقص منها الشيء الكثير ، وزيد فيها مما جعلها مضطربة لا يمكن التعويل عليها.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض ما أثر عنه من نقل السيرة النبوية وسائر الاحداث التي جرت في العصر الاسلامي الأول.

وصاياه القيمة :

وأثرت عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وصايا كثيرة ، وجه بعضها لابنائه ، وبعضها لأصحابه وهي حافلة بالقيم الكريمة ، والمثل العليا ، وزاخرة بآداب السلوك ، والتوجيه الصالح الذي يصون الانسان من الانحراف

ص: 281


1- حياة الامام الحسين 3 / 129.

والسلوك في المنعطفات ، وفيما يلي ذلك :

وصاياه لولده الصادق :

وزود الامام أبو جعفر (عليه السلام) ولده الصادق بجمهرة من الوصايا القيمة ، ومن بينها :

1 - قال (عليه السلام) : « يا بني ان اللّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته ، فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاءه فيه ، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه ، وخبأ اولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي ... » (1)

وحفلت هذه الوصية بمعالي الاخلاق ، ففيها الترغيب في طاعة اللّه والحث عليها ، وفيها التحذير من المعصية ، والتشديد في أمرها ، وفيها الحث على تكريم الناس وعدم الاستهانة بأي احد منهم.

2 - حكى الامام الصادق (عليه السلام) احدى وصايا أبيه الى سفيان الثوري فقد قال له : « يا سفيان أمرني أبي بثلاث ، ونهاني عن ثلاث ، فكان فيما قال لي : يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن لا يملك لسانه يندم ، ثم أنشدني :

عود لسانك قول الخير تحظ به *** ان اللسان لما عودت يعتاد

موكل بتقاضي ما سننت له *** في الخير والشر فانظر كيف تعتاد (2)

وهذه الوصايا من روائع الحكم ، ومن خيرة وصايا المصلحين لابنائهم فقد حفلت بجميع مقومات الآداب والفضائل.

ص: 282


1- الفصول المهمة ( ص 29 ) وسيلة المآل في عد مناقب الآل ( ص 208 ).
2- الخصال ( ص 157 ).

وصيته لبعض ابنائه :

وواصى بعض ابنائه بهذه الوصية فقال له : « يا بني اذا انعم اللّه عليك نعمة فقل : الحمد لله ، واذا احزبك (1) أمر فقل : لا حول ولا قوة إلا باللّه ، واذا ابطأ عنك رزقك فقل : استغفر اللّه. » (2)

وصيته لعمرو بن عبد العزيز :

وحينما ولي الخلافة عمرو بن عبد العزيز طلب من الامام أبي جعفر علیه السلام أن يزوده بوصية ينتفع بها ، ويسوس بها دولته ، فقال علیه السلام له :

« أوصيك بتقوى اللّه ، وأن تتخذ صغير المسلمين ولدا ، وأوسطهم أخا ، وكبيرهم أبا ، فارحم ولدك ، وصل أخاك ، وبر أباك ، واذا صنعت معروفا فربه (3). » (4)

وبهر عمرو بهذه الحكمة الجامعة وراح يبدي اعجابه قائلا :

« جمعت واللّه ما ان اخذنا به ، واعاننا اللّه عليه استقام لنا الخير ان شاء اللّه. » (5)

واروع كلمة جامعة لشؤون السياسة العادلة هذه الكلمة القيمة ، فان رئيس الدولة اذا ساس رعيته بسياسة العدل والانصاف ، واعتبر ابناء

ص: 283


1- حزبه الأمر : نابه واشتد عليه.
2- البيان والتبيين 3 / 280 ، الموفقيات ( ص 399 ).
3- ربه : أي ادمه : يقال : ربّ بالمكان أي أقام به.
4- الامالي لأبي على القالي 2 / 308 ، جمهرة خطب العرب 2 / 147.
5- تاريخ دمشق 51 / 38.

الأمة من أفراد أسرته ، وعاملهم كما يعامل الرجل أهله فيشيع فيهم الخير ، ويبسط فيهم العدل فان الحكومة والشعب يسعدان ، ويستقيم لهما الخير.

وصيته لجابر الجعفى :

وزود الامام أبو جعفر (عليه السلام) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي بهذه الوصية الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا التي يسمو بها الانسان فيما لو طبقها على واقع حياته ، وهذا بعض ما جاء فيها :

« أوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وإن ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فان عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين اللّه عز وجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك : فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

واعلم بأنك لن تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب اللّه فان كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فاثبت وابشر ، فانه لا يضرك ما قيل فيك ، وان كنت مبائنا للقرآن ، فما ذا الذي يغرك من نفسك ، إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة اللّه ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه اللّه ، فينتعش ، ويقيل اللّه عثرته فيتذكر ، ويفزع الى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بان اللّه يقول :

ص: 284

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (1).

يا جابر استكثر لنفسك من اللّه قليل الرزق تخلصا الى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس (2) وتعرضا للعفو ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة ، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل ، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بايثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع اسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص الى راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن باجمام (3) القلب ، وتخلص الى اجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرز من ابليس بالخوف الصادق ، وإياك والرجاء الكاذب فانه يوقعك في الخوف الصادق ، وتزين لله عز وجل بالصدق في الاعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال واياك والتسويف فانه بحر يغرق فيه الهلكى ، واياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، واياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فاليه يلجأ النادمون واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم ، وكثرة

ص: 285


1- سورة الاعراف : آية 200.
2- إزراء على النفس : أي احتقارا واستخفافا بها.
3- الجمام : - بالفتح - الراحة.

الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفو اللّه بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء ، والمناجاة في الظلم ، وتخلص الى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق ، واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، والتوسل الى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز باماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة ، وتزود من الدنيا بقصر الأمل ، وبادر بانتهاز البغية عند امكان الفرصة ، ولا امكان كالايام الخالية مع صحة الابدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فان للشر ضراوة كضراوة الغذاء.

واعلم انه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك للدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الأمل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالانصاف ، ولا تعدي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كاداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلة اليقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ، ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذل كذل الطمع ، واياك والتفريط عند امكان الفرصة فانه ميدان يجر لأهله بالخسران .. » (1)

ص: 286


1- تحف العقول ( ص 284 - 286 ).

ودللت هذه الوصية الرائعة الحافلة بجواهر الحكم على امامة الامام أبي جعفر (عليه السلام) واضاءت جانبا كبيرا من مواهبه وعبقرياته ، ولو لم تكن له إلا هذه الوصية لكفت في الاستدلال على عظمته وما يملكه من طاقات علمية لا تحد ، لقد نظر الامام العظيم الى اعماق النفوس ، وسبر اغوارها وحلل ابعادها ، وعرف ما ابتلي به الانسان من الأمراض والآفات لقد ابتلي الانسان بالجهل والغرور والكبرياء والجشع والطمع ، وطول الأمل وغير ذلك مما يدفعه الى الاغراق في المعاصي واقتراف الآثام والانحراف عن طريق الحق ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، درس الامام (عليه السلام) هذه الأمراض فوضع لها العلاج الحاسم ، ووصف لها الدواء السليم الذي يقضي على جراثيمها ، واذا اخذ الانسان بهذه الوصفة فانه يعود انسانا مثاليا مهذبا ، قد صان نفسه ، واتصل بخالقه الذي إليه مرجعه ومآله ، ولو لا خوف الاطالة لشرحنا بنودها شرحا مفصلا ، ودللنا على ما فيها من الحكم والأسرار.

وصيته لرجل :

وفد عليه رجل من المسلمين وطلب منه أن يمنحه بوصية يسير على ضوئها فقال (عليه السلام) له :

« هيئ جهازك ، وقدم زادك ، وكن وصي نفسك. » (1)

لقد دله على ما يقربه الى اللّه زلفى ، وما يضمن له السلامة في دار البقاء والخلود ، ان الانسان اذا هيئ جهازه وقدم زاده كان على سلامة من دينه ، وضمان آخرته.

ص: 287


1- تاريخ دمشق 51 / 38.

وصيته لبعض اصحابه :

وأراد بعض أصحاب الامام (عليه السلام) السفر فزوده (عليه السلام) بهذه الوصية القيمة ، قال له :

« لا تسيرن سيرا وأنت حافي ، ولا تنزلن عن دابتك ليلا لقضاء حاجة إلا ورجلك في خف ، ولا تبولن في نفق ، ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ما هي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه ، وأحذر من تعرف ولا تصحب من لا تعرف .. » (1)

لقد اوصاه الامام (عليه السلام) بالمناهج الصحية ، والدروس الاخلاقية التي تضمن له الصحة والسلامة.

أما ما يتعلق بالصحة والوقاية من الأمراض فهي :

أ - أمره أن لا يسير حافيا ، فان المشي حافيا كثيرا ما يجلب للإنسان بعض الأمراض التي انتشرت جراثيمها في الارض ، وهي مما تنفذ بسرعة الى مسام القدمين مثل البهلرزيا.

ب - اوصاه أن لا ينزل من دابته في الليل حافيا لقضاء حاجته لأنه لا يؤمن أن تلذعه بعض هوام الأرض الكامنة في التراب ، وهو لا يدري.

ج - حذره من أن يبول في التفق لأنه غالبا ما تكمن فيه بعض الحيوانات القاتلة فتنساب إليه ، وتسبب هلاكه.

د - نهاه من تناول أحد البقول المنتشرة في الصحراء ، ما لم يعرفها فانها قد تكون سامة وهو لا يعلم فتسبب تسممه وتؤدي بحياته أو مرضه.

ه- - نهاه عن الشرب من السقاء حتى يعلم ما فيه لأنه قد يكون شرابا فاسدا ومضرا بصحته فيسبب هلاكه أو سقمه ، هذه بعض المناهج

ص: 288


1- تذكرة ابن حمدون ( ص 27 ).

الصحية التي امره بها واما الدروس الاخلاقية فقد اوصاه بأمرين :

1 - ان يحذر من يعرف ، فلا يبيح له بأسراره ، كما ان عليه ان يحسن صحبته خوفا منه ، فان السفر يكشف عن حقيقة الشخص ، ويظهر كوامن سره ، وكم سافر جماعة كانت بينهم اعمق المودة فعادوا وهم اعداء يلعن بعضهم بعضا ، فعلى الانسان المستقيم أن يكون في سفره على حذر ممن يعرفه ، وممن لا يعرفه.

2 - نهاه عن السفر مع من لا يعرف ، فانه قد يسبب له كثيرا من المشاكل التي قد تؤدي الى هلاكه ، وقد وقع ذلك بكثرة للمسافرين مع من لا يعرفونهم ... هذه بعض وصاياه القيمة.

مواعظه :

ووجه الامام أبو جعفر (عليه السلام) الى شيعته المواعظ التي وعظ بها الأوصياء أممهم فحذرهم من غرور الدنيا وفتنها ، وبصرهم صولة الدهر ، وفجائع الأيام ، ودعاهم الى التفكر والتبصر فيما يصيرون إليه من مفارقة الدنيا الى القبور المظلمة ، واللحود الموحشة التي لا ينفع فيها إلا ما ادخره الانسان من العمل الصالح ، وهذه بعض مواعظه :

1 - قال (عليه السلام) : « أيها الناس إنكم في هذه الدار اغراض تنتضل فيكم المنايا ، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله ، فأية اكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟ استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، فان اليوم غنيمة ، وغدا لا تدري لمن هو ، أهل الدنيا فى سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها ، قد خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله.

أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم وأبعد آمالا؟! أتاك يا ابن آدم

ص: 289

ما لا ترده ، وذهب عنك ما لا يعود ، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا ، ما لك منه إلا لذة تزدلف بك الى حمامك ، وتقربك من أجلك؟ فكأنك قد صرت الحبيب المفقود ، والسواد المخترم ، فعليك بذات نفسك ، ودع ما سواها ، واستعن باللّه يعنك .. » (1)

2 - وحضر عنده جماعة من الشيعة فوعظهم ، وحذرهم عقاب اللّه ، فلم يحفلوا بكلامه فغاظه ذلك ، واطرق برأسه مليا الى الارض ، ثم رفع رأسه ، فجعل يعاتبهم ، ويعظهم مرة أخرى قائلا :

« إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا ، الا يا أشباحا بلا أرواح وذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة ، وأصنام مريدة ، ألا تأخذون الذهب من الحجر ، إلا تقتبسون الضياء من النور الأزهر ، ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر ، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وان لم يعمل بها ، فان اللّه يقول : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ ) (2).

ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ، ويعطيك باقيا ، درهم يفنى بعشرة تبقى الى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم آتاك اللّه عند مكافأة هو مطعمك وساقيك ، وكاسيك ، ومعافيك ، وكافيك ، وساترك ممن يراعيك ، من حفظك في ليلك ونهارك ، وأجابك عند اضطرارك ، وعزم لك على الرشد في اختبارك ، كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك ، دعوته فاستجاب لك فاستوجب بجميل صنيعه الشكر فنسيته فيمن ذكر ، وخالفته فيما أمر ، ويلك انما أنت لص من لصوص الذنوب ، كلما

ص: 290


1- تحف العقول ( ص 299 ) الكامل للمبرد 1 / 127.
2- سورة الزمر ، آية 18.

عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه ، وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين اللّه أو كأن اللّه ليس لك بالمرصاد!!!

يا طالب الجنة ما أطول نومك ، وأكل مطيتك ، وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب ، ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها ، وما اكسبك لما يوقعك فيها!!!

انظروا الى هذه القبور سطورا بافناء الدور ، تدانوا في خططهم ، وقربوا في مزارهم ، وبعدوا في لقائهم ، عمروا فخربوا ، وانسوا فأوحشوا وسكنوا فأزعجوا ، وقنطوا فرحلوا ، فمن سمع بدان بعيد وشاحط (1) قريب وعامر مخرب ، وآنس موحش ، وساكن مزعج ، وقاطن مرحل غير أهل القبور!!!

يا ابن الأيام الثلاثة : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ، ويومك الذي تخرج فيه الى ربك ، فيا له من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة (2) مالي ارى اجسامكم عامرة ، وقلوبكم دامرة اما واللّه لو عاينتم ما أنتم ملاقوه ، وما أنتم إليه صائرون لقلتم : ( يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (3) قال جل من قائل : ( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ ) .. ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (4) » (5).

ص: 291


1- الشاحط : البعيد.
2- الهيم : الأبل العطاش ، العاطنة : الأبل التي رويت ثم بركت.
3- سورة الانعام : آية 27.
4- سورة الانعام : آية 28.
5- تحف العقول ( ص 291 - 292 ).

لقد انكر الامام أبو جعفر (عليه السلام) على هؤلاء القوم انصرافهم عن وعظه ، وارشاداته الهادفة الى استقامتهم وحسن سلوكهم ، وظفرهم بخير الدنيا والآخرة ، وقد وجه إليهم هذه الموعظة البالغة فدعاهم الى اللّه ، والتمسك بطاعته ، فانه بيده الخير والحرمان.

لقد وعظهم بهذه المواعظ التي تخشع لها النفوس ، وتتوجل منها القلوب ليرجعهم الى حظيرة الايمان وواقع الاسلام.

3 - ووعظ الامام بعض اصحابه فأحاطه علما بواقع هذه الحياة فقال (عليه السلام) له :

« انزل الدنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت ، وليس معك منه شيء. » (1)

ان الانسان لو نظر الى الدنيا بهذه النظرة الصائبة ، وتعرف على واقعها وحالها لما أصيب بداء الغرور والأنانية ، والجشع والطمع وغير ذلك من الآفات النفسية التي تضله عن طريق الحق.

4 - ومن مواعظه (عليه السلام) أنه قال : « ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه إلا وحرم اللّه وجه صاحبها على النار ، فان سالت على الخدين دموعه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة فان اللّه تعالى يكفر بها بحور الخطايا .. » (2)

لقد دعا (عليه السلام) الى البكاء من خشية اللّه فانه من علامة الايمان ، وهو يكشف عن اتصال العبد بربه وخالقه.

5 - قال (عليه السلام) : « اكثر من ذكر الموت فانه لم يكثر انسان ذكر

ص: 292


1- مرآة الجنان 1 / 248 ، شذرات الذهب 1 / 149.
2- اخبار الدول ( ص 11 ).

الموت إلا زهد في الدنيا. » (1)

ان الانسان متى ذكر الموت ، وجعله أمام عينيه فانه يزهد في هذه الدنيا ، وينصرف عن مباهجها ، وملاذها.

6 - وسئل الامام أبو جعفر عن أشد الناس زهدا؟ فقال (عليه السلام) : من لا يبالي الدنيا في يد من كانت ، فقيل له : من أخسر الناس صفقة؟ فقال (عليه السلام) : من باع الباقي بالفاني ، فقيل له : من اعظم الناس قدرا؟ فقال (عليه السلام) : من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا (2).

7 - ووعظ (عليه السلام) اصحابه فقال لهم : « إن اللّه تعالى يقول : يا ابن آدم تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به اهلك ما داروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت لك نظرة في ثلثك فلم تقدم خيرا. » (3)

هذه بعض النماذج من مواعظه القيمة وقد ساقها (عليه السلام) الى معالجة النفوس وتهذيبها ، وكانت هذه الظاهرة التربوية من ابرز القيم في تعاليم أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

فضل العقل :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن فضل العقل ، وانه من اعظم ما خلق اللّه تعالى قال (عليه السلام) :

« لما خلق اللّه العقل استنطقه ، ثم قال له : اقبل فأقبل ، ثم قال له : ادبر فادبر ، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي

ص: 293


1- جامع السعادات 2 / 61.
2- البيان والتبيين 3 / 161.
3- الخصال ( ص 131 ).

منك ، ولا اكملتك إلا فيمن أحب أما اني إياك آمر ، وإياك انهى ، وإياك أعاقب ، وإياك أثيب .. » (1)

ان بالعقل ترتفع قيمة الانسان ، ولو لاه لما كان هناك أي فرق بينه وبين الحيوان السائم ، وهو من الشرائط الأولية في صحة التكليف - كما يقول الفقهاء -.

الفطنة :

واشاد الامام أبو جعفر (عليه السلام) بالفطنة ، وجعلها المصدر الوحيد لسعادة الانسان ، وصلاح معيشته قال (عليه السلام) : « صلاح جميع التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة ، وثلثه تغافل ، فلم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير ، ولا حظا في الصلاح لأن الانسان لا يتغافل إلا عن شيء قد فطنه وعرفه. » (2)

وما أروع هذه الكلمة ، وقد علق عليها بعض العلماء فقال : انها جمعت صلاح شأن الدنيا بحذافيرها.

اجالة الفكر :

ودعا (عليه السلام) الى اجالة الفكر وانطلاقه قال (عليه السلام) : « باجالة الفكر يستدر الرأي المعشب .. » (3)

وهذه الكلمة من روائع الحكم فان الرأي الأصيل والسديد انما يصل

ص: 294


1- اصول الكافي 1 / 10.
2- الكامل للمبرد 1 / 76 ، زهر الآداب 1 / 116 ، البيان والتبيين 3 / 99.
3- جامع السعادات 1 / 165.

إليه الانسان بعد اجالة فكره في الأمور ، وكذلك الحقائق العلمية والمخترعات انما هي وليدة التفكر والدراسة للأمور ، فانه من غير الممكن ان يتوصل الانسان لذلك من دون اجالة الفكر وامعانه.

مكارم الاخلاق :

اشارة

واهتم الامام أبو جعفر (عليه السلام) بنشر مكارم الاخلاق واذاعتها بين الناس ، لأنها من العناصر الذاتية في بناء المجتمع الاسلامي ، وقد حفلت مصادر الحديث وغيرها بالشيء الكثير من كلماته الحكمية ، وفيما يلي ذلك :

1 - الاحسان :

أما الاحسان الى الناس فانه من اوثق الاسباب الى تماسك المجتمع وترابطه وشيوع المحبة والألفة بين ابنائه ، وقد ندب إليه الاسلام ، وحث عليه قال الامام أبو جعفر (عليه السلام) : « ما تذرع إلي بذريعة ، ولا توسل بوسيلة هي أقرب الي من يد سالفة مني إليه أتبعتها أختها ليحسن حفظها وربها لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج .. » (1)

ان احب الاشياء الى الامام (عليه السلام) مواصلة الاحسان وتكراره ليغرس به المودة والحب في قلوب الناس.

2 - فعل المعروف :

وحث الامام (عليه السلام) على فعل المعروف الى الناس في كثير من احاديثه ، ومن بين ما قاله :

ص: 295


1- تحف العقول ( ص 296 ).

أ - قال (عليه السلام) : « ان اللّه جعل للمعروف أهلا من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ، ويسر إليهم قضاءه كما يسر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحي أهلها ، وان اللّه جعل للمعروف اعداء من خلقه بغض إليهم المعروف ، وبغض إليهم فعاله وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم ، وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ، ويهلك أهلها ، وما يعفو اللّه عنه اكثر .. » (1)

ب - قال (عليه السلام) : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول أهل الجنة دخولا الى الجنة أهل المعروف وان أول أهل النار دخولا الى النار أهل المنكر .. » (2)

3 - مقابلة المعروف بالاحسان :

وأوصى (عليه السلام) اصحابه بمقابلة المعروف بالمزيد من الاحسان قال (عليه السلام) : « من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافاه. ومن أضعف كان شكورا ، ومن شكر كان كريما. ومن علم أنه ما صنع كان الى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ، ولم يستزدهم في مودتهم ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما اتيته الى نفسك ، ووقيت به عرضك ، واعلم ان طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده .. » (3)

وبعد ما أوصى (عليه السلام) بمقابلة المعروف بالاحسان ، دعا الى صنع المعروف

ص: 296


1- تحف العقول ( ص 295 ).
2- أمالي الصدوق ( ص 225 ).
3- تحف العقول ( ص 300 ).

بما هو معروف وان لا يبغي صاحبه جزاء ، فانه قد صنع ذلك لنفسه. ووقى به شرفه وعرضه.

آداب السلوك :

اشارة

وحث الامام (عليه السلام) على آداب السلوك الاجتماعي مع الناس ، وكان من بين ذلك.

1 - طلاقة الوجه :

وأمر (عليه السلام) بمقابلة الناس بطلاقة الوجه والبشرى بهم قال (عليه السلام) :

« البشر الحسن ، وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة ، وقربة من اللّه ، وعبوس الوجه ، وسوء البشر مكسبة للمقت ، وبعد من اللّه .. » (1)

2 - معاملة الناس بالحسنى :

وحث (عليه السلام) على معاملة الناس بالحسنى واجتناب هجر الكلام معهم ، قال (عليه السلام) : « قولوا للناس : أحسن ما تحبون أن يقال : لكم فان اللّه يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين ، الفاحش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيّ الحليم العفيف المتعفف .. » (2)

حقوق المسلم :

وأدلى (عليه السلام) بالحقوق التي شرعها الاسلام للمسلم تجاه أخيه المسلم ، قال (عليه السلام) :

« احبب أخاك المسلم ، واحبب له ما تحب لنفسك ، واكره له ما

ص: 297


1- تحف العقول ( ص 296 ).
2- تحف العقول ( ص 300 ).

تكره لنفسك ، واذا احتجت فسله ، واذا سألك فاعطه ، ولا تدخر عنه خيرا فانه لا يدخره عنك ، كن له ظهرا فانه لك ظهر ، إن غاب فاحفظه في غيبته ، وان شهد فزره ، واجله ، واكرمه فانه منك ، وأنت منه ، وان كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسل سخيمته (1) وما في نفسه ، واذا اصابه خير فاحمد اللّه عليه ، وان ابتلي فاعضده ، وتمحل له .. » (2)

ولو طبق المسلمون هذه التعاليم الحية على واقع حياتهم لصاروا من اقوى شعوب العالم وما تداعت الأمم على غزوهم ، واستعبادهم ، ونهب ثرواتهم ... لقد انحرفوا عن هذه المبادئ الاصيلة فهانوا وذلوا ، وتفرقوا شيعا واحزابا ( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) .

قضاء حاجة المسلم :

وندب الامام أبو جعفر المسلمين الى قضاء حوائج اخوانهم ، وحذر من تركها ، قال (عليه السلام) : « ما من عبد يمتنع عن معونة أخيه الملم ، - والسعي له في حاجته قضيت له أو لم تقض إلا ابتلي في حاجة فيما يأثم عليه ، ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي اللّه إلا أبتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط اللّه .. » (3)

صلة الارحام :

وعنى الاسلام بصلة الارحام ، وندب إليها لأنها توجب تماسك الأسرة وارتباطها ، وتعود على الأمة باروع الثمرات ، وقد حث عليها الامام أبو جعفر (عليه السلام) قال (عليه السلام) : « صلة الأرحام تزكي الاعمال ، وتنمي الأموال ،

ص: 298


1- السخيمة : الضغينة
2- أمالي الصدوق ( ص 288 ).
3- تحف العقول ( ص 292 ).

وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب ، وتنسىء في الأجل .. » (1)

الصدقة :

وأكد الامام (عليه السلام) على الصدقة ، وذكر الفوائد التي يظفر بها المتصدق ، وقد أدلى بذلك امام اصحابه قال (عليه السلام) : « إلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه يبعد السلطان ، والشيطان منكم » فقال له أبو حمزة :

« بلى اخبرنا حتى نفعله. »

قال (عليه السلام) : « عليكم بالصدقة فبكروا بها ، فانها تسود وجه ابليس ، وتكسر شره السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك ، وعليكم بالحب لله والتودد والموازرة على العمل الصالح فانه يقطع دابرهما - يعني الشيطان والسلطان - وألحوا في الاستغفار فانه ممحاة للذنوب .. » (2)

العطف على اليتيم :

ودعا الامام (عليه السلام) الى العطف على اليتيم والبر بالضعيف قال (عليه السلام) :

« اربع من كن فيه بنى له اللّه بيتا في الجنة من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه .. » (3)

محاسن الصفات :

وتحدث الامام أبو جعفر (عليه السلام) عن محاسن الصفات التي تقرب الانسان من اللّه ، وتبعده عن سخطه وعذابه قال (عليه السلام) : « أربع من كن فيه كمل إسلامه ، وأعين على ايمانه ، ومحصت ذنوبه ، ولقى اللّه عز وجل ،

ص: 299


1- تحف العقول ( ص 298 ).
2- تحف العقول ( ص 298 ).
3- الخصال ( ص 204 ).

وهو عنه راض ، ولو كان فيما بين قرنه الى قدميه ذنوب حطها اللّه عنه ، وهي : الوفاء بما يجعل اللّه على نفسه ، وصدق اللسان مع الناس ، والحياء مما يقبح عند اللّه ، وعند الناس ، وحسن الخلق مع الأهل والناس ، وأربع من كن فيه من المؤمنين اسكنه اللّه تعالى في أعلى عليين في غرف فوق الغرف : من آوى اليتيم ، ونظر له ، وكان له أبا ، ومن رحم الضعيف ، واعانه وكفاه ، ومن انفق على والديه ، وترفق بهما ، وسرهما ولم يحزنهما ، ومن لم يخرق مملوكه فاعانه على ما يكلفه .. » (1)

لقد أمر الامام (عليه السلام) بكل ما يقرب الانسان من ربه ، وقد ارشده الى محاسن الاعمال التي يحبها اللّه ، ويجزل عليها ثوابه ، وتستوجب المزيد من الطافه.

الصمت :

ودعا (عليه السلام) الى الصمت وعدم الخوض فيما لا يكسب فيه الانسان فائدة أو خيرا قال (عليه السلام) : « إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر ، فينبغي للمؤمن أن يختم لسانه كما يختم على ذهبه وفضته ، فان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : ( رحم اللّه مؤمنا أمسك لسانه من كل شر فان ذلك صدقة منه على نفسه ) لا يسلم أحد من الذنوب حتى يحزن لسانه .. » (2)

مساوئ الصفات والأعمال :

وحذر الامام (عليه السلام) من الاتصاف بالصفات السيئة ، والاعمال المنكرة ، وهذا بعض ما أثر عنه :

ص: 300


1- الدر النظيم ( ص 191 ).
2- تحف العقول ( ص 298 ).

1 - قال (عليه السلام) : « ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل ذلك أو كثر .. » (1)

وقال (عليه السلام) : « المتكبر ينازع اللّه رداءه » (2).

ان الكبرياء ينم عن الجهل ونقصان العقل ، فان الانسان لو عرف مآله وما يصير إليه من مفارقة هذه الحياة ، ونسيان ذكره ، واستحالة جسمه الذي يزهو به الى كتلة من التراب المهين ، لو ادرك ذلك وتبصر فيه لما تكبر على خلق اللّه.

2 - وذم الامام (عليه السلام) الانسان المنافق الذي يكون ذا وجهين ولسانين قال (عليه السلام) : « بئس العبد عبد يكون ذا وجهين ، وذا لسانين يطري أخاه شاهدا ، ويأكله غائبا ، ان أعطي حسده ، وان أبتلي خذله .. » (3)

ان هذا الانحراف يكشف عن خبث السريرة ، وسوء الطوية ، وان صاحبه لا خلق له ، ولا ايمان له بربه.

3 - وحذر الامام من الاتصاف بالصفات التالية قال (عليه السلام) : « ما أقبح الأسر عند الظفر ، والكآبة عند النائبة ، والغلظة على الفقير ، والقسوة على الجار ، ومشاحة القريب ، والخلاف على الصاحب ، وسوء الخلق على الاهل ، والاستطالة بالقدرة ، والجشع مع الفقر ، والغيبة للجليس ، والكذب في الحديث ، والسعي بالمنكر ، والغدر من السلطان ، والخلق من ذوي المروءة ، من سأل فوق قدره استحق الحرمان ، صلاح من جهل الكرامة في هوانه ، المسترسل مرقي ، والمحترس ملقى .. » (4)

ص: 301


1- صفة الصفوة 2 / 61 ، حلية الاولياء 3 / 180.
2- تحف العقول
3- أمالي الصدوق ( ص 30 ).
4- تذكرة ابن حمدون ( ص 60 ).

ومن تجنب هذه الصفات فقد تحلى بمعالي الاخلاق الرفيعة وصار من أفذاذ الناس وخيارهم.

4 - ونهى الامام (عليه السلام) عن ارتكاب ما يلي قال (عليه السلام) : « ثلاث خصال : لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن ، البغي وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها ، وان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم ، وان القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ، ويثرون ، وان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها .. » (1)

5 - وكره الامام (عليه السلام) اتصاف الانسان بما يلي من الصفات قال علیه السلام : « أربعة اسرع شيء عقوبة : رجل أحسنت إليه ، ويكافيك بالاحسان إليه اساءة ، ورجل لا تبغي عليه ، ويبغي عليك ، ورجل عاهدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ، ومن أمره الغدر بك ، ورجل يصل قرابته ويقطعونه .. » (2)

6 - وحذر الامام (عليه السلام) من شرب الخمر الذي هو من أعظم المحرمات قال (عليه السلام) : « إن مدمن الخمر كعابد وثن ، ويورثه الارتعاش ، ويهدم مروءته ، ويحمله على التجسر على المحرمات من سفك الدماء ، وركوب الزنا .. » (3)

إن الخمر مصدر لكل رذيلة وموبقة ، وهو من الآفات الاجتماعية ، التي تسبب فقدان الشرف ، والوقوع في جميع المحرمات ، اما اضراره الجسمية فقد تحدثنا عنها في بعض مؤلفاتنا.

ص: 302


1- تحف العقول ( ص 294 ).
2- الخصال ( ص 210 ).
3- البحار 16 / 771.

7 - وذم الامام (عليه السلام) الفاحش بقوله : « ان اللّه يبغض الفاحش المتفحش » (1).

الغيبة والبهتان :

وفرق الامام (عليه السلام) بين الغيبة والبهتان بقوله : « من الغيبة أن تقول : في أخيك ما ستره اللّه عليه ، فاما الأمر الظاهر منه مثل الحدة والعجلة فلا بأس أن تقوله ، وان البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه .. » (2)

الغضب وعلاجه :

وحذر الامام (عليه السلام) من الغضب ووضع له علاجا قال (عليه السلام) : « ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم ، وان أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ، ودخل الشيطان فيه ، فاذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض ، فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك. » (3)

وقد شدد الامام أبو جعفر في أمر الغضب ، وحذر من عواقبه قال الامام الصادق (عليه السلام) : كان أبي يقول : أي شيء اشد من الغضب ، ان الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم اللّه ، ويقذف المحصنة (415).

وقال الامام ابو جعفر (عليه السلام) : « إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار .. » (416)

ص: 303


1- تحف العقول ( ص 296 ).
2- تحف العقول (298).
3- 414 و 415 و 416 جامع السعادات 1 / 289.

العجب :

قال (عليه السلام) : « عجبا للمختال الفخور ، انما خلق من نطفة ثم يعود جيفة ، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به ».

أدعيته :

وفي أدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تراث رائع ، ومناجم اخاذة تكمن فيها جواهر الحكم والآداب وهي تمثل مدى اتجاه الأئمة (عليهم السلام) نحو اللّه ، واتّصالهم به ، وانقطاعهم إليه ، كما تمثل الرصيد الروحي الذي يملكونه من النسك والتقوى والحريجة فى الدين ، وبالاضافة لذلك فانها من الثروات الكبرى للاخلاق والفلسفة وعلم الكلام ، .. وقد اثرت عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) كثير من الادعية ، وهذه بعضها :

1 - روى هذا الدعاء أبو حمزة الثمالي عن الامام أبي جعفر ، وكان يسميه ( بالجامع ) وقد جاء فيه بعد البسملة « أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، آمنت باللّه وبجميع رسول اللّه وبجميع ما أنزل به رسل اللّه ، وإن وعد اللّه حق ، ولقاءه حق ، وصدق اللّه ، وبلغ المرسلون ، والحمد لله رب العالمين ، وسبحان اللّه كلما سبح اللّه شيء ، وكما يحب اللّه أن يسبح ، والحمد لله كلما حمد اللّه شيء ، وكما يحب اللّه أن يحمد ، ولا إله إلا اللّه كلما هلل اللّه شيء ، وكما يحب اللّه أن يهلل ، واللّه أكبر كلما كبر اللّه شيء ، وكما يحب اللّه أن يكبر.

اللّهم : اني اسألك مفاتيح الخير ، وخواتمه ، وشرائعه وسوابقه ، وفوائده وبركاته ، وما بلغ علمه علي ، وما تصر عن احصائه حفظي ، اللّهم انهج لي أسباب معرفته ، وأفتح لي أبوابه ، وغشني بركات رحمتك ،

ص: 304

ومنّ عليّ بعصمة من الشيطان الرجيم وما يريدني عن الازالة عن دينك ، وطهر قلبي من الشك ، ولا تشغل قلبي بدنياي ، وعاجل معاشي عن أجل ثواب آخرتي واشغل قلبي بحفظ ما لا تقبل مني جهله ، وذلل لكل خير لساني وطهر قلبي من الرياء ، ولا تجره في مفاصلي ، واجعل عملي خالصا لك.

اللّهم : إني اعوذ بك من الشر وأنواع الفواحش كلها ظاهرها وباطنها وغفلاتها وجميع ما يريدني به السلطان العنيد مما أحطت بعلمه وأنت القادر على صرفه عني ... اللّهم إني أعوذ بك من طوارق الجن والانس وزوابعهم وتوابعهم ، وبوائقهم ، ومكايدهم ، ومشاهد الفسقة من الجن والأنس وان استزل عن ديني فتفسد علي آخرتي ، ويكون ذلك منهم ضررا عليّ في معاشي ، أو بعرض بلاء يصيبني منهم لا قوة لي به ، ولا صبر لي على احتماله ، فلا تبتلني يا الهي بمقاساته فيمنعني ذلك من ذكرك ، ويشغلني عن عبادتك ، أنت العاصم المانع ، والدافع الواقي من ذلك كله ، واسألك اللّهم الرفاهية في معيشتي ما أبقيتني في معيشة أقوى بها على طاعتك ، وأبلغ بها رضوانك ، وأصير بها منك الى دار الحيوان غدا ، ولا ترزقني رزقا يطغيني ، ولا تبتلني بفقر اشقى به مضيقا علي اعطني حظا وافرا في آخرتي ، ومعاشا واسعا هنيئا مريئا في دنياي ، ولا تجعل الدنيا عليّ سجنا ، ولا تجعل فراقها علي حزنا ، اخرجني من فتنها مرضيا عني ، واجعل عملي فيها مقبولا ، وسعي فيها مشكورا.

اللّهم من أرادني بسوء فارده بمثله ومن كادني فيها فكده ، واصرف عني همّ من ادخل عليّ همه ، وامكر بمن مكر بي فانك خير الماكرين ، وافقا عني عيون الكفرة والظلمة ، والطغاة الحسدة ، اللّهم وانزل علي منك

ص: 305

السكينة والوقار ، والبسني درعك الحصينة ، واحفظني بسترك الواقي ، واجعلني في عافيتك النافعة ، وصدق قولي وفعالي ، وبارك لي في ولدي واهلي ، ومالي ، وما قدمت وأخرت ، وما اغفلت ، وما تعمدت ، وما توانيت ، وما اسررت ، فاغفر لي برحمتك يا أرحم الراحمين .. » (1)

ويكشف هذا الدعاء عن مدى انقطاع الامام الى اللّه ، وشدة اتصاله به ، فقد ألجأ جميع أموره إليه ، واستعاذ به من فتن الدنيا ، وغرورها ، خوفا ان تصده عن ذكره تعالى.

2 - روى الربيع عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن الامام أبي جعفر علیه السلام انه قال له :

« إلا أعلمك دعاء لا ندعو به نحن أهل البيت اذا اكربنا أمر ، وتخوفنا من شر السلطان إلا قبل لنا به .. »

« بلى بأبي أنت وأمي .. »

« قل : يا كائنا قبل كل شيء ، ويا مكون كل شيء ، ويا باقي بعد كل شيء صل على محمد واهل بيته .. ثم تذكر حاجتك .. » (2)

وذكرت له ادعية أخرى ، وهي تدلل على مدى روحانيته ، وعظيم اتصاله بخالقه.

الحث على الدعاء :

وحث الامام (عليه السلام) على الدعاء الى اللّه ، قال (عليه السلام) : « ان اللّه كره الحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، واحب ذلك لنفسه جل ذكره

ص: 306


1- مهج الدعوات ( ص 213 - 215 ).
2- مهج الدعوات ( ص 215 ).

ان يسأل ، ويطلب ما عنده .. » (1)

روائع الحكم :

وأثرت عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) روائع الحكم القصار الحافلة بالقيم الكريمة والحكم الصائبة والتجارب النافعة ، وهذه بعضها :

1 - قال (عليه السلام) : « إن استطعت أن لا تعامل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل .. »

2 - قال (عليه السلام) : « صانع المنافق بلسانك ، واخلص مودتك للمؤمن ، وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته .. »

3 - قال (عليه السلام) : « ما شيب شيء بشيء احسن من حلم بعلم .. »

4 - قال (عليه السلام) : « قم بالحق ، واعتزل ما لا يعنيك ، وتجنب عدوك ، واحذر صديقك من الاقوام ، إلا الأمين من خشي اللّه ، ولا تصحب الفاجر ، ولا تطلعه على سرك ، واستشر في أمرك الذين يخشون اللّه .. »

5 - قال (عليه السلام) : « صحبة عشرين سنة قرابة .. »

6 - قال (عليه السلام) : « في كل قضاء اللّه خير للمؤمن .. »

7 - قال (عليه السلام) : « من لم يجعل اللّه له من نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا .. »

8 - قال (عليه السلام) : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه. »

9 - قال (عليه السلام) : « كم من رجل لقى رجلا فقال له : اكب اللّه عدوك ، وماله من عدو الا اللّه. »

10 - قال (عليه السلام) : « ما عرف اللّه من عصاه ، وانشد.

تعصي الاله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمرك في الفعال بديع

ص: 307


1- تحف العقول.

لو كان حبك صادقا لأطعته *** ان المحب لمن أحب مطيع

11 - قال (عليه السلام) : « إنما مثل الحاجة الى من اصاب مالا حديثا - يعني به مستحدث النعمة - كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج ، وأنت منها على خطر .. »

12 - قال (عليه السلام) : « اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك .. »

13 - قال (عليه السلام) : « الايمان حب وبغض .. »

14 - قال (عليه السلام) : « أربع من كنوز البر كتمان الحاجة ، وكتمان الصدقة ، وكتمان الوجع ، وكتمان المصيبة .. »

15 - قال (عليه السلام) : « من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن بره في أهله زيد في عمره. »

16 - قال (عليه السلام) : « من استفاد اخا في اللّه على ايمان باللّه ووفاء باخائه طلبا لمرضات اللّه فقد استفاد شعاعا من نور اللّه ، وامانا من عذاب اللّه وحجة يفلج بها يوم القيامة ، وعزا باقيا ، وذكرا ناميا لأن المؤمن من اللّه عز وجل لا موصول ، ولا مفصول ، قيل له : ما معنى لا موصول ، ولا مفصول؟ قال (عليه السلام) : لا موصول به انه هو ، ولا مفصول منه ، انه من غيره .. »

17 - قال (عليه السلام) : « كفى بالمرء غشا لنفسه ان يبصر من الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب غيره بما لا يستطيع تركه ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه .. »

18 - قال (عليه السلام) : « التواضع : الرضا بالمجلس دون شرفه ، وان تسلم على من لقيته ، وان تترك المراء ، وان كنت محقا .. »

19 - قال (عليه السلام) : « إن المؤمن اخو المؤمن ، لا يشتمه ، ولا يحرمه ،

ص: 308

ولا يسيء به الظن .. »

20 - قال (عليه السلام) : « من قسم له الخرق (1) حجب عنه الايمان .. »

21 - قال (عليه السلام) : « ان لله عقوبات في القلوب ، والابدان ، ضنك في المعيشة ، ووهن في العبادة ، وما ضرب عبد بعقوبة اعظم من قسوة القلب .. »

22 - قال (عليه السلام) : « اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الصابرون؟ فيقوم فئام (2) من الناس ، ثم ينادي مناد اين المتصبرون؟ فيقوم فئام من الناس ، فقيل له :

« ما الصابرون والمتصبرون؟ »

قال (عليه السلام) : الصابرون على اداء الفرائض ، والمتصبرون على ترك المحارم .. »

23 - قال (عليه السلام) : « يقول اللّه : يا ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس .. »

24 - قال (عليه السلام) : « أفضل العبادة عفة البطن والفرج .. »

25 - قال (عليه السلام) : « الحياء والايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه .. »

26 - قال (عليه السلام) : « ان هذه الدنيا تعاطاها البر والفاجر ، وان هذا الدين لا يعطيه اللّه إلا أهل خاصته .. »

27 - قال (عليه السلام) : « إن اللّه يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي دينه إلا من يحب .. »

ص: 309


1- الخرق : ضعف العقل.
2- الفئام : الجماعة من الناس.

28 - قال (عليه السلام) : « لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ، ولو يعلم المسئول ما في المنع ما منع أحد أحدا .. »

29 - قال (عليه السلام) : « إن لله عبادا ميامين مياسير يعيشون ، ويعيش الناس في اكنافهم وهم في عباده مثل القطر ، ولله عباد ملاعين مناكيد لا يعيشون ، ولا يعيش الناس في أكنافهم ، وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .. »

30 - قال (عليه السلام) : « ان اللّه يحب افشاء السلام .. » (1)

31 - قال (عليه السلام) : « لكل شيء آفة ، وآفة العلم النسيان .. » (2)

32 - قال (عليه السلام) : « اللّهم اعني على الدنيا بالغنى ، وعلى الآخرة بالتقوى » (3).

33 - قال (عليه السلام) : « لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن استشاره .. » (4)

34 - قال (عليه السلام) : « سلاح اللئام قبيح الكلام .. » (5) ونظم بعض الشعراء هذه الحكمة الرائعة بقوله :

لقد صدق الباقر المرتضى *** سليل الامام علیه السلام

بما قال : في بعض الفاظه *** قبيح الكلام سلاح اللئام (6)

ص: 310


1- هذه الحكم القيمة أخذت من تحف العقول ( ص 292 - 300 ).
2- البداية والنهاية 9 / 310.
3- البيان والتبيين 3 / 222.
4- عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 300.
5- حلية الأولياء 3 / 184 ، صفة الصفوة 2 / 61.
6- الاتحاف بحب الاشراف ( ص 53 ).

35 - قال (عليه السلام) : « الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ، ولا تصيب الذاكر. » (1)

36 - قال (عليه السلام) : « اشد الاعمال ثلاثة ذكر اللّه على كل حال ، وانصافك من نفسك ، ومواساة الأخ في المال .. » (2)

37 - قال (عليه السلام) : « لا يكون المعروف معروفا إلا باستصغاره وتعجيله وكتمانه » (3).

38 - قال (عليه السلام) : « ان من الصدق في السنة التجافي في الدين لأهل المروءات » (4).

39 - قال (عليه السلام) : « ما احسن الحسنات بعد السيئات ، وما اقبح السيئات بعد الحسنات .. » (5)

40 - قال (عليه السلام) : « من اصاب مالا من أربع لم يقبل منه في أربع ، من أصاب مالا من غلول أوربا أو خيانة أو سرقة ، لم يقبل منه في زكاة ، ولا في صدقة ولا في حج ، ولا في عمرة .. » (6)

41 - قال (عليه السلام) : « لا يقبل اللّه عز وجل حجا ولا عمرة من مال

ص: 311


1- حلية الأولياء 3 / 181 ، صفة الصفوة 2 / 60 ، سير اعلام النبلاء 4 / 242 ، مرآة الزمان 5 / 78.
2- حلية الاولياء 3 / 183.
3- الاخبار الموفقيات ( ص 400 ).
4- المردة للمرزباني 2 / ب ، من مصورات مكتبة العلامة السيد مهدي الخرسان.
5- أمالي الصدوق ( ص 224 ).
6- أمالي الصدوق ( ص 296 ).

حرام .. » (1)

42 - قال (عليه السلام) : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه. » (2)

43 - قال (عليه السلام) : « ان الكذب هو حراب الايمان .. » (3)

44 - قال (عليه السلام) : « كان لي أخ في عيني عظيما ، وكان الذي عظمه صغر الدنيا في عينيه .. » (4)

45 - قال (عليه السلام) : لأصحابه يدخل احدكم يده في كيس صاحبه فيأخذ ما يريد؟ فقالوا له : لا ، فقال (عليه السلام) : لستم اخوانا كما تزعمون. (5)

46 - قال (عليه السلام) : « شر الآباء من دعاه البر الى الافراط ، وشر الأبناء من دعاه التقصير الى العقوق .. » (6)

47 - قال (عليه السلام) : « عظموا أصحابكم ، ووقروهم ، ولا يتهجم بعضكم على بعض .. » (7)

48 - قال (عليه السلام) : « ما من نكبة تصيب العبد الا بذنب .. » (8)

ص: 312


1- أمالي الصدوق ( ص 296 ).
2- أمالي الصدوق ( ص 296 ).
3- اصول الكافي 2 / 339.
4- مرآة الجنان 1 / 248.
5- صفة الصفوة 2 / 63.
6- تأريخ اليعقوبي 2 / 53.
7- اصول الكافي 2 / 173.
8- اصول الكافي 2 / 269.

49 - قال (عليه السلام) : « إن اللّه قضى قضاء حتما ألا ينعم على العبد نعمة فيسلبها اياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة .. » (1)

50 - قال (عليه السلام) : « لو صمت النهار لا افطر ، وصليت الليل لا أفتر ، وانفقت مالي في سبيل اللّه علقا ، علقا ، ثم لم تكن في قلبي محبة لاوليائه ، ولا بغضة لاعدائه ما نفني ذلك شيئا ... » (2)

51 - سأل زرارة الامام أبا جعفر (عليه السلام) قال له : ما الحنيفية؟ قال علیه السلام : هي الفطرة التي فطر الناس عليها ... فطرهم على معرفته .. » (3)

52 - قيل للامام أبي جعفر (عليه السلام) : أتعرف شيئا خيرا من الذهب؟ قال (عليه السلام) : نعم معطيه (4).

53 - قال (عليه السلام) : بلية الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا .. » (5)

54 - قال (عليه السلام) : « ما عبد اللّه بشيء أفضل من عفة بطن وفرج .. » (6)

55 - قال (عليه السلام) : « اصبر للنوائب ، ولا تتعرض للحقوق ، ولا تعط أحدا من نفسك ما ضره عليك اكثر من نفعه .. » (7)

ص: 313


1- اصول الكافي 2 / 273.
2- تأريخ اليعقوبي 3 / 61.
3- البحار 12 / 87.
4- تأريخ اليعقوبي 3 / 61.
5- اعلام الورى ( ص 27 ).
6- جامع السعادات 2 / 16.
7- تأريخ اليعقوبي 3 / 61.

56 - قال (عليه السلام) : « شيعتنا من أطاع اللّه .. » (1)

57 - قال (عليه السلام) : « بئس الأخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا .. » (2)

58 - قال (عليه السلام) : « ليس في الدنيا شيء أعون من الاحسان الى الاخوان. » (3)

59 - قال (عليه السلام) : « من أعطي الخلق والرفق فقد أعطي الخير والراحة ، وحسن حاله في دنياه وآخرته ، ومن حرمهما كان ذلك سبيلا الى كل شر وبلية الا من عصمه اللّه .. » (4)

60 - قال (عليه السلام) : « ما يضر من عرفه اللّه الحق ان يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يأتيه الموت .. » (5)

61 - قال (عليه السلام) : « اذا دخل أهل الجنة ، الجنة بأعمالهم ، فاين عتقاء اللّه من النار ، ان لله عتقاء من النار .. » (6)

62 - قال (عليه السلام) : « لا خير فيمن لا تقية له .. » (7)

63 - قال (عليه السلام) : « إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر الى قلبك ، فان كان يحب أهل طاعة اللّه عز وجل ، ويبغض أهل معصيته ففيك خير ، واللّه يحبك ، وان كان يبغض أهل طاعة اللّه ، ويحب أهل

ص: 314


1- نور الابصار للشبلنجيّ ( ص 131 ).
2- نور الابصار ( ص 131 ).
3- اسعاف الراغبين ( ص 316 ).
4- البداية والنهاية 9 / 311.
5- التحصين ( ص 225 ) لاحمد بن فهد الحلي.
6- الدر النظيم ( ص 191 ).
7- علل الشرائع ( ص 51 ).

معصيته فليس فيك خير ، واللّه يبغضك ، والمرء مع من أحب .. » (1)

64 - قال (عليه السلام) : « إن من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق ، والنذر في المعاصي وكل يمين بغير اللّه تعالى .. » (2)

65 - قال (عليه السلام) : « إذا شبع البطن طغى .. » (3)

66 - قال (عليه السلام) : « ما من شيء أبغض الى اللّه من بطن مملؤ .. » (4)

67 - قال (عليه السلام) : « من طلب الدنيا استعفافا عن الناس ، وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي اللّه عز وجل يوم القيامة ، ووجهه مثل القمر ليلة البدر » (5).

68 - قال (عليه السلام) : « إن حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن اللّه قلبه للأيمان .. » (6)

69 - قال (عليه السلام) : « اني لأكره أن يكون مقدار لسان الرجل فاضلا على مقدار علمه كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله. » (7)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض كلماته الحكمية التي تمثل اصالة الفكر والابداع.

ص: 315


1- علل الشرائع ( ص 117 ).
2- مجمع البيان 1 / 252.
3- جامع السعادات 2 / 5.
4- جامع السعادات 2 / 5.
5- جامع السعادات 2 / 21.
6- اعلام الورى.
7- شرح النهج 7 / 92.

نظمه للشعر : ولم تنص المصادر المترجمة للإمام أبي جعفر (عليه السلام) على أنه كان ينظم الشعر ، وانما نصت على أنه فتق أبوابا كثيرة من العلوم ، واسس معظم قواعدها ، وانه ممن أوتي الحكمة وفصل الخطاب ، غير أن السيد علي صدر المدني نسب له هذه الأبيات :

عجبت من معجب بصورته *** وكان من قبل نطفة مذرة

وفي غد بعد حسن صورته *** يصير في القبر جيفة قذرة

وهو على عجبه ونخوته *** ما بين جنبيه يحمل العذرة (1)

وسواء أصح أن الامام (عليه السلام) كان ينظم الشعر أم لم يصح فان - من المقطوع به - انه كان في طليعة البلغاء ، وقد دللت على ذلك المجموعة الضخمة من كلماته الحكمية التي هي من الطراز الأول في فصاحتها وبلاغتها.

وقبل أن أطوي الحديث عن مواهب الامام أبي جعفر (عليه السلام) أرى من الحق أن ابين اني لم اذكر الا نماذج يسيرة ، وصورا موجزة من علومه ومعارفه وحكمه ، ولا أزعم أني احطت بها أو الممت ببعضها ، فذلك من غير الممكن لي ، فقد تركت الباب مفتوحا لغيري من البحاث للكشف عنها وعن ، سائر جوانب حياته المشرقة التي هي امتداد ذاتي لحياة آبائه العظام الذين اضاءوا الحياة الفكرية للناس.

ص: 316


1- أنوار الربيع 6 / 300.

مع كثير عزة : والكميت

اشارة

ص: 317

ص: 318

وكانت للشاعرين الشهيرين كثير عزة ، والكميت الأسدي اتصالات وثيقة بالامام أبي جعفر فكلاهما يدينان بإمامته ، ووجوب طاعته ، والانقطاع إليه ، وقد شاع ذلك عنهما ، وعرفا به عند جميع الأوساط ، ونعرض - بايجاز - لبعض شئونهما ، ومدى ارتباطهما بالامام (عليه السلام) :

كثير عزة :

أما كثير عزة فهو أبو حمزة الخزاعي المدني ، أحد عشاق العرب المشهورين هام بحب عزة بنت جميل ، وله معها أخبار كثيرة ، ذكرها المعنيون بترجمته ، وكان في مواهبه الشعرية أشعر أهل الاسلام - كما يقول ابن اسحاق - (1).

ولاؤه لأهل البيت (عليهم السلام) :

كان كثير شديد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) متعصبا لهم ، ولم يخف تشيعه على الامويين ، فقد أقسم عليه عبد الملك بن مروان بحق الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحدثه هل رأى أحدا هو اعشق منه؟ فقال له كثير : لو سألتني بحقك أخبرتك ، فأقسم عليه ، فأخبره عن غرام بعض العشاق (2).

مع الامام الباقر :

كان كثير يكن فى اعماق نفسه خالص الحب والولاء للإمام أبي جعفر علیه السلام ويدين بامامته وفضله ، ويقول المؤرخون : ان رجلا نظر إليه وهو راكب ، والامام أبو جعفر (عليه السلام) يمشي فانكر عليه ذلك

ص: 319


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ( ص 587 ).
2- وفيات الاعيان 3 / 266.

وقال له :

« اتركب وأبو جعفر يمشي؟!! »

فاجابه كثير جواب المؤمن بدينه ، المتبصر في عقيدته قائلا :

« هو أمرني بذلك ، وأنا بطاعته في الركوب أفضل من عصياني اياه بالمشي .. » (1)

ودلت هذه البادرة على حسن أدبه ، وكمال عقيدته ، فان طاعة الامام واجبة ليس الى مخالفتها من سبيل.

مدحه لبني مروان :

واختص كثير ببني مروان فكانوا يعظمونه ويكرمونه (2) ونظم في مدحهم عدة قصائد ذكرت في ( ديوانه ) الا انه لم يكن في مدحه لهم جادا ، ولا مؤمنا بما يقول ، وإنما مدحهم طمعا بأموالهم وهباتهم ، وكان يسخر منهم فكان يشبههم بالحيات والعقارب ، فقد روى المؤرخون أنه وفد على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقال (عليه السلام) له :

« تزعم أنك من شيعتنا ، وتمدح آل مروان؟!! »

فأنبرى كثير قائلا :

« إنما أسخر منهم ، وأجعلهم حيات ، وعقارب ، ألم تسمع الى قولي في عبد العزيز بن مروان :

وكنت عتبت معتبة فلجت *** بي الغلواء في سن العقاب

ويرقيني لك الراقون حتى *** أجابك حية تحت الحجاب

وفهم ذلك عبد الملك فقال لأخيه عبد العزيز : ما مدحك ، انما

ص: 320


1- أمالي المرتضى 1 / 283.
2- الاعلام 6 / 72.

جعلك راقيا للحيات ، ونقل لي ذلك عبد العزيز فقلت له : واللّه لأجعلنه حية ، ثم لا ينكر ذلك فقلت فيه :

يقلب عيني حية بمجارة *** أضاف إليها الساريات سبيلها

يصيد ويغضي وهو ليث خفية *** إذا أمكنته عدوة لا يقيلها

ولما تلوت ذلك على عبد الملك اجزل لي بالعطاء ، وخفي عليه ما قصدته (1) فلم يكن كثير في مديحه لبني مروان جادا ، ولا مؤمنا بما يقول : وانما كان ساخرا وهازء ، فقد خادعهم ليكسب منهم الأموال التي اختلسوها بغير حق ، ولم تكن له مندوحة لأخذ شيء منها الا بهذه الوسيلة.

وفاته :

توفى سنة ( 105 ه ) وقد توفى في اليوم الذي توفى فيه عكرمة وصلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر ، فقال الناس : مات أفقه الناس ، واشعر الناس (2) وقد شيع بتشييع حافل ، وكان من جملة المشيعين لجنازته الامام أبو جعفر (عليه السلام).

رواية موضوعة :

وذكر بعض المؤرخين رواية - فيما نحسب - أنها من الموضوعات فقد رووا عن يزيد بن عروة أنه قال : غلبت النساء على جنازة كثير ، وهن يبكينه ، ويذكرن عزة في ندبتهن ، فقال أبو جعفر محمد بن علي : افرجوا لي عن الجنازة لأدفعها ، قال : فجعلنا ندفع عنها النساء ، وجعل أبو جعفر يضربهن بكمه ، ويقول : تنحين يا صويحبات ، يوسف ، فانتدبت

ص: 321


1- اخبار شعراء الشيعة ( ص 62 ).
2- وفيات الاعيان 3 / 269.

امرأة منهن ، واقبلت على الامام فقالت له : يا ابن رسول اللّه لقد صدقت انا لصويحبات يوسف ، وقد كنا خيرا منكم له ، فقال أبو جعفر لبعض مواليه : احتفظ بها حتى نجيء ، فلما فرغوا من دفن جنازة كثير جيء له بالمرأة فقال (عليه السلام) لها :

« أنت القائلة : إنكن خير منا؟ .. »

« نعم ، تؤمنني غضبك يا ابن رسول اللّه؟ .. »

« أنت آمنة من غضبي فابيني .. »

« نحن يا ابن رسول اللّه دعوناه الى اللذات من المطعم والمشرب ، والتمتع ، وانتم معاشر الرجال القيتموه في الجب ، وبعتموه بأبخس الاثمان ، وحبستموه في السجن ، فأينا كان به لحن ، وعليه ارأف؟ .. »

وابدى الامام اعجابه بها فقال لها :

« لله درك لن تغالب امرأة الا غلبت ، ثم قال لها الك بعل؟ .. »

« لي من الرجال من أنا بعله .. »

« صدقت مثلك من تملك زوجها ، ولا يملكها .. »

وانصرفت المرأة ، فقال رجل من القوم وكان يعرفها : هذه زينب بنت معيقب الانصارية (1).

والذي يواجه هذه الرواية من المؤاخذات ما يلي :

1 - ما معنى تجمهر السيدات من النساء حول جثمان كثير ، واحاطتهن به حتى صعب على الامام الوصول إليه ، فاضطر حتى أمر بكشفهن عنه ، مع العلم أن المرأة لم يعهد انها تشترك في مثل هذه المراسيم ، فقد امرت أن تقر في بيتها.

ص: 322


1- الدرجات الرفيعة ( ص 590 ).

2 - ومما يدعو الى الاطمئنان بوضع الرواية تهجم الامام على السيدات اللاتي ازدحمن على جنازة كثير ، فانه (عليه السلام) كان المثل الأعلى للآداب الرفيعة والاخلاق الفاضلة ، ومن المستحيل أن تصدر منه أية كلمة نابية.

3 - ومما يدعم وضع الرواية هو الحوار الذي دار بين الامام ، وبين السيدة الانصارية وسؤاله منها انها لها زوج وهل يتناسب مع قدسية الامام والحق انها الى الخيال اقرب منه الى الواقع ، .. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن ترجمة كثير (1).

الكميت الاسدي :

الكميت بن زيد بن خنيس ( أبو المستهل ) الأسدي ، شاعر الاولين والآخرين - على حد تعبير الفرزدق - (2) ولو لا شعره لم يكن للغة ترجمان ، ولا للبيان لسان - حسبما يقول عكرمة الضبي - (3).

وهو في طليعة رجال الفكر والأدب في عصره ، وقد ساهم مساهمة ايجابية في تطور الثقافة العربية وازدهار الحركة العلمية في الاسلام ، ونعرض لبعض البنود المشرقة من جوانب حياته.

ولادته ونشأته :

ولد الكميت سنة ( 60 ه ) وهي السنة التي فجعت بها الأمة الاسلامية

ص: 323


1- توجد ترجمة كثير في كل من الاغاني 8 / 25 ، وشذرات الذهب 1 / 131 ، وسير اعلام النبلاء ، وخزانة البغدادي 2 / 381 ، ومعجم الشعراء للمرزباني ( ص 350 ) واخبار الشيعة (62) ووفيات الاعيان 3 / 265 - 270.
2- الاغاني 15 / 115.
3- روضات الجنات 6 / 59.

بقتل سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) (1) وقد انطبعت في نفسه صورة تلك المأساة المروعة وأخذت تتفاعل مع مشاعره وعواطفه ، وظهر أثر ذلك في شعره الحزين الذي يرثي به الامام الحسين (عليه السلام).

أما نشأته فقد نشأ بالكوفة التي هي عاصمة الشيعة ، وينبوع التشيع ، ومنجم الثورات على بني أمية ، وتربى على حب أهل البيت (عليهم السلام) فكان حبهم من عناصره ، ومقوماته.

مواهبه :

كان الكميت من أفذاذ التأريخ ، ومن اعلام الأمة العربية ، وكان يتمتع بمواهب شريفة وصفات رفيعة ، عدها بعضهم بعشر خصال قال : « كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر ، كان خطيب أسد ، وفقيه الشيعة ، حافظ القرآن العظيم ، ثبت الجنان ، وكان كاتبا حسن الخط ، وكان نسابة ، وكان جدلا ، وهو أول من ناظر في التشيع ، وكان راميا لم يكن في بني اسد أرمى منه ، وكان فارسا شجاعا دينا ، وكان مشهورا في التشيع مجاهرا في ذلك .. » (2)

وهذه الصفات قد رفعته الى القمة ، وميزته على جميع ادباء عصره.

شعره :

اما شعره فهو من مناجم الأدب العربي ، ومن أروع ما قاله شعراء العرب على الاطلاق ، فلم يكن في شعره يميل الى الدعابة والمجون ، وبذلك فقد فارق شعراء العصر الاموي والعباسي الذين اتجهوا بمواهبهم الفكرية والادبية الى اللّهو والعبث وفساد الاخلاق.

ص: 324


1- الغدير 2 / 211.
2- خزانة الأدب 1 / 99.

اما الكميت فقد صرف فكره الى ساداته من بني هاشم ، فاخذ ينشر مآثرهم ، ويذيع فضائلهم بأروع ما نظم في الأدب العربي.

ويقول المؤرخون : كان الكميت لا يذيع شعره بين الناس حتى يرضى به ، ويطمئن إليه ، فلذا كان لوحة فنية تحكي الابداع والفن والفكر ، أما هاشمياته ، فقد كبرت عن التحديد والتقييم ، وقد ضمنها الاستدلال على مذهبه الذي لا يقبل الجدل والتشكيك ، وكانت هاشمياته احدى الوسائل الثقافية في تلك العصور لما فيها من الخصب وغزارة الفكر والادب ، وكانت تروى في الاندية ، والمجالس ويحفظها الناس.

الكميت مع الفرزدق :

ويروي المؤرخون أن الكميت لما نظم ( الهاشميات ) سترها ولم يذعها بين الناس ، ورأى أن يعرضها على شاعر العرب الأكبر الفرزدق بن غالب ليرى رأيه فيها ، فقصده ، وبعد أن استقر به المجلس قال له :

- يا أبا فراس ، إنك شيخ مضر ، وشاعرها ، وأنا ابن اخيك الكميت ابن زيد الأسدي.

- صدقت أنت أبن أخي فما حاجتك؟

- نفث على لساني ، فقلت : شعرا فأحببت أن أعرضه عليك ، فان كان حسنا أمرتني باذاعته ، وإن كان قبيحا أمرتني بستره ، وكنت أول من ستره علي

وعجب الفرزدق من حسن أدبه ، فطفق يقول له :

- أما عقلك فحسن ، واني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك ، فانشدني ما قلت : وانبرى الفرزدق يتلو عليه رائعته قائلا :

طربت وما شوقا الى البيض أطرب

ص: 325

وقطع الفرزدق عليه كلامه قائلا : فيم تطرب يا ابن أخى؟! فقال :

ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب؟!

وراح الفرزدق يقول : بلى يا ابن أخي فالعب ، فانك في أوان اللعب ، فقال :

ولم يلهني دار ولا رسم منزل *** ولم يتطربني بنان مخضب

واكبر الفرزدق هذا الشعر ، وانطلق يقول : ما يطربك يا ابن أخي؟ فقال :

ولا السانحات البارحات عشية *** أمر سليم القرن أم مر أعضب

فقال الفرزدق : اجل لا تتطير فقال الكميت :

ولكن الى أهل الفضائل والتقى *** وخير بني حواء والخير يطلب

واهتز الفرزدق من روعة هذا الادب العالي فراح يقول :

« من هؤلاء؟ ويحك. »

قال الكميت :

الى النفر البيض الذين يحبهم *** الى اللّه فيما نابني اتقرب

واستولى الكميت على مشاعر الفرزدق وعواطفه فصاح :

« ارحني ويحك من هؤلاء؟!! » قال الكميت :

بني هاشم رهط النبي فانني *** بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب

خفضت لهم مني جناحي مودة *** الى كنف عطفاه أهل ومرحب

وملك هذا الشعر احاسيس الفرزدق ، وانطلق يقول :

« يا ابن أخي ، اذع ، ثم اذع ، فأنت واللّه اشعر من مضى ، وأشعر من بقي » (1).

ص: 326


1- الاغاني 15 / 124.

مميزات شعره :

ويمتاز شعر الكميت بأنه كان مسرحا للقيم الدينية التي تعبر اصدق التعبير عن عواطفه تجاه ساداته بني هاشم الذين اخلص لهم في مودته وحبه ، وفقد فرضت عليه ذلك الأدلة الشرعية التي لا تقبل الجدل والنقاش أما الظواهر التي امتاز بها شعره ، فمن بينها.

1 - ان شعره في بني هاشم لم يكن عاطفيا ، وانما قام على الجدل والاقناع ، يقول شوقي ضيف : « وهكذا لم يعد الشعر عند الكميت يعبر عن الشعور فحسب ، بل اصبح يعبر أيضا عن الفكر ، وأصبح يشفع بكل ما وصل إليه العقل العربي في هذا العصر من قدرة على الجدال والاقناع » (1) « بل لعل تعبيره عن الفكر أهم من تعبيره عن العواطف » (2) وهذه لوحة من احدى روائعه التي تمثل هذا الاتجاه :

وقالوا : ورثناها أبانا وأمنا *** وما ورثتهم ذاك أم ولا أب

يرون لهم حقا على الناس واجبا *** سفاها وحق الهاشميين أوجب (3)

وشجب الكميت بهذين البيتين دعوى الذين انتحلوا الخلافة ، وفرضوا لهم حقا على الناس لأنهم من قريش أسرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فان هذه الجهة التي توصلوا بها الى الخلافة قد توفرت في آل البيت (عليهم السلام) على اكمل صورها فهم الصق الناس به ، واقربهم إليه ... ويأخذ الكميت بعد هذين البيتين في الثناء على الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم يعرج على ما ذهب إليه من أحقية آل البيت (عليهم السلام) بالخلافة فيقول :

ص: 327


1- التطور والتجديد ( ص 241 ).
2- التطور والتجديد ( ص 240 ).
3- الهاشميات ( ص 41 - 42 ).

يقولون : لم يورث ولو لا تراثه *** لقد شركت فيه بكيل وأرحب

وعك ولخم والسكون وحمير *** وكندة والحيان بكر وتغلب (1)

وقد أراد بهذين البيتين ابطال ما زعموه أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يورث فان كان ذلك حقا فان القبائل المذكورة لها نصيب في الخلافة بل كانت الناس فيها سواء - حسبما يقول شارح الهاشميات - ولا وجه لاختصاص قريش بها ، وهو منطق رصين يقوم على المنطق والفكر ... لقد كان الكميت بهذا الاستدلال فقيها فقد صاغ شعره صياغة العالم الفقيه الذي يعرف كيف يناقش المسائل ، ويثبتها ويدلل عليها - كما يقول الدكتور يوسف خليف - (2).

2 - وأقام الكميت شعره في مدح بني هاشم على الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم تدلل على ما ذهب إليه ، يقول مخاطبا بني هاشم :

وجدنا لكم في آل حاميم آية *** تأولها منا تقي ومعرب

وفي غيرها آيا وآيا تتابعت *** لكم نصب فيها الذي الشك منصب (3)

انه يشير في البيت الأول الى قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (4).

وفي البيت الثاني الى قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (5) وقوله تعالى : ( وَآتِ ذَا

ص: 328


1- الهاشميات ( ص 42 ).
2- حياة الشعر في الكوفة ( ص 713 ).
3- الهاشميات ( ص 40 ).
4- سورة الشورى : آية 23.
5- سورة الأحزاب : آية 33.

الْقُرْبى حَقَّهُ ) (1) وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (2).

لقد دعم الكميت ما ذهب إليه في فضل ساداته بني هاشم بآيات من القرآن الكريم « الذي ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) فهو حجة قاطعة لا ريب فيه.

3 - واتسم شعر الكميت في مدحه لأهل البيت (عليهم السلام) بأنه صادق اللّهجة ، قوي العاطفة ، مبعثه الايمان الخالص الذي لا يشوبه أي عرض من اعراض الدنيا ، فقد كان يبغي فيه وجه اللّه والدار الآخرة ويدلل على ذلك قوله :

الى النفر البيض الذين بحبهم *** الى اللّه فيما نالني أتقرب

لقد اخلص الكميت في هواه وحبه لأهل البيت (عليهم السلام) لأنه لم ير وسيلة تقربه الى اللّه زلفى سوى الاخلاص في المودة لهم.

4 - والظاهرة التي يمتاز بها شعر الكميت في بني هاشم انه لم يستند فيما نظمه فيهم الى ما يسمعه عنهم من المآثر والفضائل ، وإنما يستند الى مشاهداته فقد عاصرهم ، ونظر الى مثلهم العليا التي طبق شذاها العالم بأسره ، فهام بها ، شأنه شأن الأحرار الذين يقدسون الفضيلة ، ويكبرون من اتصف بها ، .. لقد كان شعر الكميت صورة حية يحكي الواقع المشرق لأهل البيت (عليهم السلام) الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

هذه بعض مميزات شعر الكميت ، أما الحديث عن مظاهره الفنية فانه يستدعي الاطالة ، وقد آثرنا الايجاز في اكثر هذه البحوث.

ص: 329


1- سورة الأسراء : آية 26.
2- سورة الانفال : آية 41.

صلابته فى عقيدته :

كان الكميت صلب العقيدة ، راسخ الايمان ، قد أقام عقيدته على الواقع العلمي الذي لا يقبل الجدل والنقاش ، فهو شاعر العقيدة الشيعية ، والمعبر عن آرائها ، ومبادئها ويجمع الرواة على أنه اول من فتق باب الاحتجاج للشيعة في هاشمياته ، وانه كان لسانهم ، والمدافع عنهم ، والمحتج لهم ، وقد صورت هاشمياته الجانب الفكري ، والعقائدي للشيعة ، واحاطت - بوضوح - بشئون الامامة التي تعتبر من العناصر الاساسية في مبادئهم.

مع الامام الباقر :

واختص الكميت بالامام أبي جعفر (عليه السلام) فكان شاعره الخاص ، وقد تلا عليه بعض هاشمياته وقصائده التي نظمها في حق أهل البيت (عليهم السلام) فأخذت موقعها من نفس الامام (عليه السلام) فشكره ودعا له بالمغفرة والرضوان.

وكان الكميت لا يرى أحدا في هذه الدنيا يستحق الولاء والتقدير غير سيده الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقد دخل عليه وهو يقول :

ذهب الذين يعاش في اكنافهم *** لم يبق إلا شامت أو حاسد

وبقي على ظهر البسيطة واحد *** فهو المراد وأنت ذاك الواحد (1)

تعطشه لرؤيا الامام :

كان الكميت مقيما في الكوفة ، فاشتد به الوجد الى رؤيا الامام فسافر الى يثرب ، ولما مثل عند الامام تلا عليه قصيدته التي يذكر فيها تعطشه لرؤياه ، يقول فيها :

كم جزت فيك من احواز وايقاع *** وأوقع الشوق بي قاعا الى قاع

ص: 330


1- روضات الجنات 6 / 56.

يا خير من حملت أنثى ومن وضعت *** به إليك غدى سيري وايضاعي

أما بلغتك فالآمال بالغة *** بنا الى غاية يسعى لها الساعي

من معشر شيعة اللّه ثم لكم *** صور إليكم بابصار واسماعي

دعاة أمر ونهي عن أئمتهم *** يوصي بها منهم واع الى واعي

لا يسأمون دعاء الخير ربهم *** أن يدركوا فيلبوا دعوة الداعي (1)

وصورت هذه الابيات عظيم ولائه للامام ، وما عاناه من جهد الطريق ، وعناء السفر في سبيل رؤيته والالتقاء به.

رثاؤه للحسين :

وكان الكميت قد ولد في السنة التي استشهد بها أبو الأحرار الامام الحسين (عليه السلام) ولما ترعرع ، وفهم الحياة رأى الناس قد ذهلتهم أهوال تلك المأساة الخالدة في دنيا الأحزان ، وهم يرددون في انديتهم ومجالسهم ما عاناه ريحانة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من فوادح المحن والخطوب ، وقد هزت مشاعره وعواطفه ، وملأت نفسه الما عاصفا ، وقد رثاه بذوب روحه في كثير من شعره ، ويقول الرواة انه نظم قصيدة في رثاء الحسين ووفد على الامام أبي جعفر ليتلوها عليه فلما مثل عنده قال له :

- يا ابن رسول اللّه قد قلت فيكم أبياتا من الشعر : أفتأذن لي في انشادها؟

ص: 331


1- تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ( ص 189 ) وفي اعيان الشيعة ق 1 / 4 / 516 ان هذه الابيات قالها اخو الكميت الورد بن زيد الأسدي أمام الامام ابي جعفر ، وليست للكميت ، وذكر ذلك احمد بن محمد عياش في مقتضب الأثر ( ص 132 ).

- انها ايام البيض (1) - التي يكره فيها انشاد الشعر -.

- هي فيكم خاصة.

- هات ما عندك.

فانبرى يقول :

اضحكني الدهر وابكاني *** والدهر ذو صرف والوان

لتسعة بالطف قد غودروا *** صاروا جميعا رهن اكفان

وتألم الامام كأشد ما يكون التألم حينما سمع رثاء جده الامام الحسين ، واغرق في البكاء وبكى معه ولده الامام الصادق (عليه السلام) كما بكت العلويات من وراء الخباء ، ولما بلغ الى قوله :

وستة لا يتجارى بهم *** بنو عقيل خير فرسان

ثم علي الخير مولاهم *** ذكرهم هيج أحزاني

بكى الامام أبو جعفر (عليه السلام) أمرّ البكاء ، وذكر له ما اعد اللّه من الثواب الجزيل لمن يذكر أهل البيت ، ويحزن لحزنهم ، ولما بلغ قوله :

من كان مسرورا بما مسكم *** أو شامتا يوما من الآن

فقد ذللتم بعد عز فما *** ادفع ضيما حين يغشاني

أخذ الامام (عليه السلام) بيد الكميت وأخذ يدعو له قائلا :

« اللّهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر .. »

ولما بلغ قوله :

متى يقوم الحق فيكم متى *** يقوم مهديكم الثاني

ص: 332


1- الايام البيض : يراد بها أيام الليالي البيض ، وهي الثالث عشر والرابع عشر ، والخامس عشر ، وسميت لياليها بيضا لأن القمر يطلع فيها من أولها الى آخرها.

التفت إليه الامام ، وعرفه بأن الامام المهدي (عليه السلام) هو الامام المنتظر الذي يملأ الارض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وسأله الكميت عن زمان خروجه فقال (عليه السلام) : لقد سئل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن ذلك ، فقال : انما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم الا بغتة (1).

الميمية من هاشمياته :

وانشد الكميت بحضرة الامام أبي جعفر (عليه السلام) الميمية من هاشمياته ، وهي من أروع الشعر العربي وارقاه فهي تصور - بوضوح - انطباعاته الخاصة عن أهل البيت (عليهم السلام) تصويرا رائعا يستند الى مشاهداته لمآثرهم الرفيعة ومثلهم العليا ، يقول فيها :

من لقلب متيم مستهام *** غير ما صبوة ولا احلام

طارقات ولا ادكار غوان *** واضحات الخدود كالآرام

بل هواي الذي أجن وابدي *** لبني هاشم فروع الانام

للقريبين من ندى والبعيدين *** من الجور في عرى الاحكام

والمصيبين باب ما اخطأ الناس *** ومرسي قواعد الاسلام

والحماة الكفاة في الحرب ان *** لف ضرام وقوده بضرام

والغيوث الذين أن أمحل الناس *** فمأوى حواضن الأيتام

والولاة الكفاة للأمران طر *** ق يتنا بمجهض أو تمام

والأساة الشفاة للداء ذي *** الريبة والمدركين بالاوغام

والروايا التي يحمل بها النا *** س وسوق المطبعات العظام

والبحور التي بها تكشف الحر *** ة والداء من غليل الأوام

لكثيرين طيبين من النا *** س وبرين صادقين كرام

واضحي أوجه كرام جدود *** واسطي نسبة لهام فهام

ص: 333


1- الغدير 2 / 200.

للذرى فالذرى من الحسب الثا *** قب بين القمقام فالقمقام

راجحي الوزن كاملي العدل في ال *** سيرة طبين بالامور العظام

فضلوا الناس في الحديث حديثا *** وقديما في اول القدام

لقد ذكر في مطلع قصيدته هيامه في الحب ، وانه قد استولى على مشاعره وعواطفه ، فصار اسيرا ، لا يملك من أمر نفسه شيئا. ولكن لمن هذا الحب العارم الذي وقع في شبكه؟ انه ليس للغانيات التي يفتتن الناس بجمالهن ، وانما كان لأرفع الناس شأنا ، واسماهم مكانة ، انهم بنو هاشم الذين التقت بهم جميع عناصر الشرف والمجد ، وفاقوا جميع الناس بمواهبهم وعبقرياتهم ، فقد قصر عليهم اخلاصه وهواه الذي يجنه ويبديه.

ولم يندفع الكميت بحب ساداته بني هاشم وراء العاطفة ، وإنما رآهم صورة رائعة لا ثاني لها في تأريخ البشرية ، فقد رأى ، وشاهد ، ولمس أروع صور الانسانية التي رفعتهم الى القمة السامقة ، قمة الفكر ، والقيادة العليا في الاسلام.

رأى الكميت من صفات اسياده التي هام بها ما يلي :

1 - انهم معدن الجود والكرم والسخاء ، فقد جادوا بجميع ما يملكونه لانعاش المحرومين ، وانقاذ البائسين.

2 - انهم مصدر العدل بين الناس ، فلا يؤثرون قريبا على بعيد ، وانما الناس جميعا عندهم على حد سواء ، فلا يعرفون المحسوبية ، ولا سائر الاعتبارات الأخرى التي يأخذ بها الناس اندفاعا مع العاطفة والهوى.

3 - انهم اشجع من خلق اللّه ، فلم يمر الخوف على نفوسهم ، فقد خاضوا غمرات الحروب ، وأبدوا من صنوف البسالة ، ما لم يشاهد مثله في جميع فترات التأريخ ، فكان الامام امير المؤمنين (عليه السلام) مضرب المثل في

ص: 334

الدنيا في شجاعته وبسالته ، وكذلك الامام الحسين سيد الأباة والاحرار في الارض فقد ابدى يوم عاشوراء من قوة البأس وروعة التصميم ما حير العقول وأذهل الألباب ، وتطعمت بهذه الروح العالية سائر ابناء الأسرة النبوية ، فقد ملكوا من الشجاعة ما لا يملكها أي أحد من الناس.

4 - انهم كانوا الملجأ والمأوى لايتام الناس وسائر الفقراء والمحرومين ان امحل الناس ، ولم يجدبوا فليس هناك من يعطف عليهم سوى أهل البيت علیهم السلام .

5 - انهم ولاة الأمور للناس ان التبست عليهم الأمور أو طرقتهم الازمات والأحداث ، فليس هناك من يستطيع التغلب عليها سواهم ، فهم الذين يملكون العقول النيرة ، والافكار الصائبة التي يحلون بها مشاكل الناس وازماتهم.

6 - انهم الحكماء الماهرون في معالجة أمراض النفوس ، وازالة ما فيها من جراثيم الزيغ والانحراف ، فقد درسوا واقع هذا الانسان ، وسبروا اعماق نفسه ، ودخائل ذاته ، ووقفوا على اندفعاته نحو الحرص والطمع والجشع وايثاره للهوى على الحق ، فوضعوا العلاج الحاسم لجميع أمراضه وآفاته ، وتجد في كلماتهم روائع الحكم والمواعظ الهادفة الى اصلاح الناس وتهذيبهم.

7 - انهم الروايا الذين يحملون الحكمة والحياة الى الناس ، فاليهم يلجأ الضامئ ومن ساحل كرمهم وجودهم ينتهل كل من يريد الحياة.

8 - انهم البحور الذين يرتوي منهم كل من اشرف على الهلاك ، فهم مصدر السعادة والخير لهذا الانسان.

9 - انهم اطيب الناس برا وصدقا ، وكرما ، وأصبح الناس وجوها ،

ص: 335

واكرمهم جدودا ، واعلاهم شأنا ، ونسبا.

10 - انهم ارجح الناس وزنا ، واكملهم في العدل بين الناس ، وأخبرهم بالامور العظام.

11 - انهم فاقوا الناس في جميع مراحل التاريخ فاقوهم في صدق حديثهم واصالة فكرهم ، وخصب رأيهم.

ويسترسل الكميت بعد هذه الأبيات في ذكر مآثر ساداته بني هاشم وفضائلهم التي هام بها فيقول :

مستفيدين متلفين مواهي *** ب مطاعيم غير ما ابرام

مسعفين مفضلين مسامي *** ح مراجيح في الخميس اللّهام

ومداريك للذحول متاري *** ك وان احفظوا لعور الكلام

لا حباهم تحل للمنطق الشغ *** ب ولا للطام يوم اللطام

ابطحيين اريحيين كالانج *** م ذات الرجوم والاعلام

غالبيين هاشميين في العل *** م ربوا من عطية العلام

ومصفين في المناصب محضي *** ن خضمين كالقروم السوام

واذا الحرب أو مضت بسنا الحر *** ب وسار الهمام نحو الهمام

فهم الأسد في الوغى لا اللواتي *** بين خيس العرين والآجام

أسد حرب غيوث جدب بهالي *** ل مقاويل غير ما اقدام

لامها ذير في الندى مكاثي *** ر ولا مصمتين بالافحام

سادة ذادة عن الخرد البي *** ض اذا اليوم صار كالأيام

ومغايير عندهن مغاو *** ير مساعير ليلة الألجام

لا معازيل في الحروب تنا *** بيل ولا رائمين بو اهتضام

وهم الآخذون من ثقة الأ *** مر بتقواهم عرى لا انفصام

ص: 336

والمصيبون والمجيبون للد *** عوة والمحرزون خصل الترامي

ومحلون محرمون مقرو *** ن لحل قراره وحرام

وعرض الكميت في هذه الأبيات الى الصفات الرفيعة الماثلة في أهل البيت (عليهم السلام) وهي :

1 - ان الأموال التي تردهم يبذلونها بسخاء وطيب نفس الى ذوي الحاجة لا يبغون جزاء ولا شكورا.

2 - انهم اذا وتروا فهم غير قاصرين ولا عاجزين من الأخذ بثأرهم ، ولكنهم تركوا ذلك إيثارا لما عند اللّه ، وان نالهم من اعدائهم قبيح الكلام.

3 - ووصف الكميت بقوله : « لا حباهم تحل للمنطق الشغب » سعة حلمهم وانهم لا تطيش احلامهم عند المشاغبة فلا يحلون حباهم ولا يتحركون.

4 - وعرض بقوله : « ابطحيين اريحيين » الى انهم اشراف قريش بما اتصفوا به من الأريحية فهم كالنجوم والاعلام التي يهتدي بها الضال.

5 - وأراد بقوله : « غالبيين هاشميين في العلم » انهم ينتمون الى سيد العرب غالب بن فهر ، ثم الى هاشم ، وانهم نالوا من العلم ما لم ينله أحد ، فقد منحهم بذلك اللّه تعالى الذي بيده الخير.

6 - وعرض بقوله : ومصفين في المناصب الخ » إلى انهم في مناصبهم ومكانتهم قد خلصوا من الدنس ، ونزهوا من كل عيب فرفعوا رءوسهم اعتزازا لأنهم لم يحيدوا عن الحق ، ولم يقترفوا أي باطل أو أثم ،

7 - وعرض بقوله : « وإذا الحرب أو مضت بسنا الحرب » وبالبيتين اللذين بعده الى شجاعة العلويين ، وان الحرب اذا استعرت ، واشتد اوارها ، فانهم يخوضون غمارها ببسالة وصمود وقوة بأس لا يعرفون الفزع ولا

ص: 337

الخوف وانما يستقبلون الموت بثغورهم الباسمة.

8 - وأراد بقوله : « لا مهاذير في الندى » انهم إذا ضمهم النادي فلا يبتذلون بكثرة الكلام ، وإنما يصمتون في مواضع الصمت من غير افحام.

9 - واعرب بقوله : « سادة ذادة عن الخرد » الى انهم الحماة الذين يحمون اهلهم عن الضيم في احلك الايام المشهورة بالحروب والوقائع.

10 - وعرض بقوله : « ومغاير عندهن مغايير » وبالبيت الذي بعده الى انهم اسد الحروب الذين يوقدون نارها ويسعرون لهبها ، ويقذفون بنفوسهم فيها ، وليسوا بمعازيل ولا بتنابيل ، وانما هم الاعلام ، والقادة والرءوس.

11 - واعطى الكميت بقوله : « وهم الآخذون من ثقة الأمر » صورة عن تكامل شخصية أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم يأخذون بأوثق الأمور ، واشدها صلة بالحق ، ولا يأخذون بما التبس عليهم أو شكوا في مشروعيته ، وذلك لشدة تقواهم وورعهم ، وعرض في البيت الذي يليه الى انهم أول من اجاب دعوة الحق التي اعلنها الرسول الاعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقد كان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) سيد العترة الطاهرة هو أول من سبق الى الاسلام كما كان المدافع الاول عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والمحامي عن دعوته.

وعرض الكميت بعد هذا المدح للعلويين الى هجاء خصومهم الأمويين يقول :

ساسة لا كمن يرعي النا *** س سواء ورعية الانعام

لا كعبد المليك أو كوليد *** أو كسليمان بعد أو كهشام

رأيه فيهم كرأي ذوي الثل *** ة في الثائجات جنح الظلام

جز ذي الصوف وانتقاء لذي المخ *** ة نعقا ودعدعا بالبهام

ص: 338

من يمت لا يمت فقيدا وإن يح *** ي فلا ذو إلّ ولا ذو ذمام

لا أكاد أعرف هجاء امض ، ولا اصدق من هذا الهجاء ، فقد كشف النقاب عن سوء السياسة الأموية ، التي ساست الناس سياسة لم يألفوها ، فقد نظرت إليهم كالانعام ، ولم تؤمن بأي حق من حقوقهم ، فصبت عليهم وابلا من العذاب الأليم ، وعرض الى من مات من ملوك الامويين ، وانه لا ذكر لهم ، لأنهم لم يقيموا حقا ، ولم يؤسسوا عدلا فلذا لا يذكرهم الناس بخير ، وإنما يعددون ظلمهم ، ويذكرون جورهم وبطشهم.

ويواصل الكميت مدحه لبني هاشم فيقول :

فهم الأقربون من كل خير *** وهم الأبعدون من كل ذام

وهم الأوفون بالناس في الرأ *** فة والأحلمون في الاحلام

بسطوا أيدي النوال وكفوا *** أيدي البغي عنهم والعرام

أخذوا القصد فاستقاموا عليه *** حين مالت زوامل الآثام

عيرات الفعال والحسب العو *** د إليهم محطوطة الاعكام

أسرة الصادق الحديث أبي القا *** سم فرع القدامس القدام

وصورت هذه الأبيات المثل العليا التي اتصف بها أهل البيت (عليهم السلام) من قربهم الى الخير ، وبعدهم عن كل ما يوجب الذم ، ووفائهم بكل عهد ، ورأفتهم بالناس وسعة حلمهم ، وغير ذلك من الصفات التي جعلتهم مهوى الأفئدة ، وموضع تقديس الناس واكبارهم.

ويأخذ الكميت في رائعته بمدح النبي العظيم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيقول :

خير حي وميت من بني آ *** دم طرا مأمومهم والامام

كان ميتا جنازة خير ميت *** غيبته مقابر الاقوام

وجنينا ومرضعا ساكن المه *** د وبعد الرضاع عند الفطام

ص: 339

خير مسترضع وخير فطيم *** وجنين أقر في الارحام

وغلاما وناشئا ثم كهلا *** خير كهل وناشئ وغلام

انقذ اللّه شلونا من شفى النا *** ر به نعمة من المنعام

لوفدى الحي ميتا قلت نفسي *** وبني الفدا لتلك العظام

طيب الاصل طيب العود في البن *** ية والفرع يثربي تهامي

ابطحي بمكة استثقب الل *** ه ضياء العما به والظلام

والى يثرب التحول عنها *** لمقام من غير دار مقام

هجرة حولت الى الأوس والخز *** رج اهل الفسيل والآطام

غير دنيا محالفا واسم صدق *** باقيا مجده بقاء السلام

وبعد هذا الثناء العاطر على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أخذ في مدح الشهيد العظيم جعفر الطيار ابن عم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومدح عم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الشهيد الخالد حمزة ، يقول :

ذو الجناحين وابن هالة منهم *** أسد اللّه والكمي المحامي

لا ابن عم يرى كهذا ولا ع *** م كهذاك سيد الاعمام

ويعرض الكميت بعد هذا الى مدح سيد الاوصياء ، وباب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول :

والوصي الذي أمال التجوبى *** به عرش أمة لانهدام

كان أهل العفاف والمجد والخي *** ر ونقض الامور والابرام

والوصي الولي والفارس المع *** لم تحت العجاج غير الكهام

كم له ثم كم له من قتيل *** وصريع تحت السنابك دام

وخميس يلفه بخميس *** وفئام حواه بعد فئام

وعميد متوج حل عنه عق *** د التاج بالصنيع الحسام

ص: 340

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه *** حكما لا كغابر الحكام

راعيا كان مسجحا ففقدنا *** ه وفقد المسيم هلك السوام

واشتت بنا مصادر شتى *** بعد نهج السبيل ذي الآرام

جرد السيف تارتين من الده *** ر على حين درة من صرام

في مريدين مخطئين هدى الل *** ه ومستقسمين بالازلام

وانبرى الى ذكر الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال :

ووصي الوصي ذي الخطة الفض *** ل ومردي الخصوم يوم الخصام

وعرج بعد ذلك الى ذكر مأساة الامام الحسين (عليه السلام) تلك المأساة المروعة التي تركت اعظم اللوعة والاسى في النفوس قال :

وقتيل بالطف غودر منه *** بين غوغاء أمة وطغام

وحينما سمع الامام أبو جعفر (عليه السلام) هذا البيت تناثرت دموعه ، وبكى ، وقال له : - كما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت - لا زلت مؤيدا بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت (1).

ويستمر الكميت في تلاوة رثائه للامام الحسين (عليه السلام) يقول :

تركب الطير كالمجاسد منه *** مع هاب من التراب هيام

وتطيل المرزآت المقالي *** ت عليه القعود بعد القيام

يتعرفن حر وجه عليه *** عقبة السرو ظاهرا والوسام

قتل الادعياء إذ قتلوه *** أكرم الشاربين صوب الغمام

وعرض بعد ذلك الى محمد بن الحنفية قال :

وسمي النبي بالشعب ذي الخي *** ف طريد المحل بالاحرام

ص: 341


1- قصص العرب 2 / 269 ، مروج الذهب 2 / 195.

يشير بذلك الى ما تعرض إليه محمد من التنكيل من قبل ابن الزبير لانه امتنع من بيعته ، فحصره بالخيف ، وهدده ومن معه بالحرق ان لم يبايعوه ، وذكر بعد ذلك الشهيد العظيم أبا الفضل العباس بن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) الذي استشهد دفاعا عن أخيه سيد الاحرار الامام الحسين (عليه السلام) يقول :

وأبو الفضل إن ذكرهم الحل *** وبني الشفاء للاسقام (1)

ويعرض بعد ذلك الى مدى ولائه العميق لأهل البيت (عليهم السلام) يقول :

فبهم كنت للبعدين عما *** واتهمت القريب أي اتهام

صدق الناس في حنين بضرب *** شاب منه مفارق القمقام

وتناولت من تناول بالغي *** بة أعراضهم وقل اكتتام

ورأيت الشريف في اعين الن *** اس وضيعا وقل منه احتشامي

معلنا للمعالنين مسرا *** للمسرين غير دحض المقام

مبديا صفحتي على المرقب المع *** لم باللّه عزتي واعتصامي

ما أبالي اذا حفظت أبا القا *** سم فيهم ملامة اللوام

لا أبالي ولن أبالي فيهم *** أبدا رغم ساخطين رغام

فهم شيعتي وقسمي من الا *** مة حسبي من سائر الاقسام

إن أمت لا أمت ونفسي نفسا *** ن من الشك في عمى أو تعامي .

ص: 342


1- في مقاتل الطالبيين ( ص 84 ). وأبو الفضل ان ذكرهم الحلو *** شفاء النفوس من اسقام قتل الادعياء اذ قتلوه *** اكرم الشاربين صوب الغمام وذكر شارح الهاشميات ان المراد بابي الفضل هو العباس عم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو اشتباه محض نشأ من قلة التتبع.

عادلا غيرهم من الناس طرا *** بهم لاهمام بي لاهمام

لم ابع ديني المساوم بالوك *** س ولا مغليا من السوام

وعبر بهذه الابيات عن اصدق الولاء لبني هاشم ، فقد اخلص للبعيد الذي يخلص لهم وعادى القريب الذي يعاديهم ، وكان ذلك منتهى الايمان ، ولما بلغ الكميت الى قوله :

اخلص اللّه لي هواي فما اغ

رق نزعا ولا تطيش سهامي (1)

قال له الامام : قل : « فقد أغرق نزعا ولا تطيش سهامي » التفت الكميت الى النكتة في ذلك ، فقال للإمام : أنت أشعر مني في هذا المعنى ، ولما فرغ الكميت من انشاد رائعته توجه الامام نحو الكعبة ، واخذ يدعو له قائلا :

« اللّهم ارحم الكميت ، واغفر له. »

وكرر الدعاء بالمغفرة له ثلاث مرات ، ثم قال له : يا كميت هذه مائة الف قد جمعتها لك من أهل بيتي ، فابى الكميت من قبولها ، واعتذر بأنه يطلب المكافأة من اللّه تعالى ، وطلب من الامام (عليه السلام) أن يتكرم عليه بقميص من قمصه ، فاعطاه ذلك (2).

وخرج الكميت من الامام فقصد عبد اللّه بن الحسن فانشده رائعته فاعجب بها عبد اللّه وقال له :

ص: 343


1- النزع : جذب الوتر بالسهم ، الاغراق في النزع : مثل يضرب للغلو والافراط ، فقوله : فما اغرق نزعا لا يناسب المقام لان معناه انه لا يبالغ في محبة أهل البيت (عليهم السلام) مع أن المناسب المبالغة فيها فلهذا غير الامام الشعر من النفي الى الايجاب.
2- اعيان الشيعة 1 / 4 / 515 - 516.

« يا أبا المستهل ان لي ضيعة أعطيت فيها اربعة آلاف دينار ، وهذا كتابها ، وقد اشهدت بذلك شهودا .. »

وناوله الكتاب ، فانبرى الكميت قائلا :

« بأبي أنت وأمي اني كنت أقول : الشعر في غيركم أريد به الدنيا ، ولا واللّه ما قلت : فيكم إلا لله ، وما كنت لأخذ على شيء جعلته لله مالا ولا ثمنا .. »

فالح عليه عبد اللّه ، فأخذ الكميت الكتاب ، ومضى أياما ، ثم قصد عبد اللّه فقال له :

« إن لي حاجة »

« ما هي؟ كل حاجة لك مقضية »

« كائنة ما كانت؟ » « نعم »

« هذا الكتاب تقبله ، وترجع الضيعة .. »

وناوله الكتاب فقبله عبد اللّه ، ونهض عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه ابن جعفر فاخذ جلدا ودفعه الى اربعة من غلمانه ، وجعل يدخل دور بني هاشم وهو يرفع عقيرته قائلا :

« يا بني هاشم ، هذا الكميت قال : فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعرض دمه لبني أمية فاثيبوه بما قدرتم .. »

واخذ العلويون يطرحون في الجلد ما يقدرون عليه من الدنانير والدراهم ، وعلمت السيدات من العلويات فكن يبعثن إليه ما يتمكّن عليه حتى كانت العلوية تخلع الحلي من جسدها ، وتدفعه ، واجتمع عنده من المال ما قيمته مائة الف درهم ، فجاء بها الى الكميت ، وقال له :

ص: 344

« يا أبا المستهل اتيناك بجهد المقل ، ونحن في دولة عدونا ، وقد جمعنا هذا المال ، وفيه حلي النساء ، فاستعن به على دهرك .. »

وأبى الكميت من قبوله قائلا :

« بأبي أنتم وأمي قد اكثرتم ، واطيبتم ، وما أردت بمدحي اياكم إلا اللّه ورسوله ، ولم اك لآخذ ثمنا من الدنيا ، فاردده الى اهله .. »

وجهد عبد اللّه ان يقبل الكميت تلك الاموال فأبى وامتنع (1).

اللامية من هاشمياته :

وانشد الكميت اللامية من هاشمياته أمام الامام أبي جعفر (عليه السلام) وقد أخذت منه مأخذا عظيما ، فقد تركت في نفسه اعظم الاثر ، فقد عرض فيها الى الاحداث السياسية المؤلمة في ذلك العصر ، وما حل بأهل البيت (عليهم السلام) من صنوف التنكيل والارهاق يقول في أولها :

ألا هل عم في رأيه متأمل *** وهل مدبر بعد الاساءة مقبل

وهل أمة مستيقظون لرشدهم *** فيكشف عنه النعسة المتزمل

فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى *** مساويهم لو كان ذا الميل يعدل

ودعا الكميت بهذه الابيات المسلمين الى اليقظة من سباتهم ، واهاب بهم من الجمود والخمول ، وقد حفزهم على الثورة للتخلص من ظلم الامويين وجورهم فقد جهدوا على الاستبداد بشئون الناس وارغامهم على ما يكرهون ، ويقول الكميت في هذه الرائعة :

وعطلت الاحكام حتى كأننا *** على ملة غير التي نتنحل

كلام النبيين الهداة كلامنا *** وأفعال أهل الجاهلية نفعل

ص: 345


1- مروج الذهب 2 / 195.

رضينا بدنيا لا نريد فراقها *** على أننا فيها نموت ونقتل

ونحن بها مستمسكون كأنها *** لنا جنة مما نخاف ونعقل

وعرض في البيت الاول الى تعطيل الامويين للاحكام الدينية ، وتجميدهم لمبادئ الاسلام حتى صار المسلمون بشكل مؤسف كأنهم قد انتحلوا دينا غير دين الاسلام.

اما البيت الثاني فقد قدح فيه ولاة الحكم الاموي ، وانهم يقولون : كلام الهداة المصلحين إلا ان اعمالهم تتجافى مع اقوالهم ، فهم يعملون أعمال اهل الجاهلية الاولى اما البيتان الاخيران فانه يعزو فيهما الحالة الراهنة التي منى بها المسلمون الى حبهم للحياة وايثارهم للعافية ، وتمسكهم بالدنيا ، فلم يهبوا للجهاد والثورة على الحكم الاموي ويقول الكميت :

فتلك أمور الناس أضحت كأنها *** امور مضيع آثر النوم بهّل

فباساسة هاتوا لنا من حديثكم *** ففيكم لعمري ذو أفانين مقول

أأهل كتاب نحن فيه وانتم *** على الحق نقضي بالكتاب ونعدل

ويعرض في البيت الاول الى اهمال احكام الامويين لشؤون الرعية حتى غدت كأنها الابل المهملة تسرح ولا راعي لها يحفظها من الضياع ، ويسأل في البيتين الاخيرين اولئك الساسة القابضين على زمام الحكم ، هل انهم اهل كتاب يقضون بالحق ، وعلى ضوئه يسوسون شئون رعيتهم؟ واذا كانوا كذلك فما بالهم قد شذوا في سياستهم عن الدين ، وابتعدوا عن تعاليمه.

ويستمر الكميت في محاسبة الامويين ، وتحميلهم المسئولية عما اصاب الامة من الظلم والجور ، ويعدد مثالبهم ، ويدعو المسلمين الى الانتفاضة على حكمهم ، وبعد ذلك عرج على رثاء أبي الاحرار الامام الحسين علیه السلام قائلا :

ص: 346

كأن حسينا والبهاليل حوله *** لاسيافهم ما يختلي المتبقل

يخضن به من آل احمد في الوغى *** وما ظل منهم كالبهيم المحجل

وغاب نبي اللّه عنهم وفقده *** على الناس رزء ما هناك مجلل

لقد كان الكميت صادق اللّهجة والعاطفة في رثائه للحسين (عليه السلام) ، وقد تركت ابياته اعظم الاثر في نفس الامام أبي جعفر (عليه السلام) ولما انتهى الكميت الى هذا البيت :

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم *** فيا آخرا أسدى له الغي أول

وقد اراد الكميت بهذا البيت ان جميع ما حل بأهل البيت (عليهم السلام) من الرزايا والخطوب فانه يستند الى الصدر الاول فانهم هم الذين سمحوا للأمويين أن يقفزوا الى الحكم ، ومكنوهم من رقاب المسلمين ، ولما سمع الامام (عليه السلام) هذا البيت بلغ به الحزن اقصاه ، ورفع يده الى السماء. وجعل يدعو للكميت قائلا : « اللّهم اغفر للكميت » (1).

الى هنا ينتهي بنا الحديث عن لامية الكميت ، وقد جاء فيها أنه قد رثا الامام ابا جعفر (عليه السلام) حيث يقول :

أ موتا على حق كمن مات منهم *** ابو جعفر دون الذي كنت تأمل

ومن المؤكد انه نظم هذا البيت وما بعده بعد وفاة الامام أبي جعفر علیه السلام والحق ذلك بلاميته.

العينية من هاشمياته :

وهذه رائعة أخرى من هاشمياته ، وقد وفد على الامام أبي جعفر (عليه السلام) ليتلوها عليه فقال له : إني قد قلت شعرا ان اظهرته خفت القتل ، وان كتمته خفت اللّه تعالى ، ثم انشد الامام (عليه السلام) هذه الرائعة :

ص: 347


1- اخبار شعراء الشيعة للمرزباني ( ص 72 ).

نفى عن عينك الارق الهجوعا *** وهم يمتري منها الدموعا

دخيل في الفؤاد يهيج سقما *** وحزنا كان من جذل منوعا

لفقدان الخضارم من قريش *** وخير الشافعين معا شفيعا (1)

ووصف في هذه الابيات ما حل به من هم مقيم ، وآلام عميقة جعلته دائما ارقا لا يألف إلا الحزن والاسى ، وذلك لما حل باسياده العلويين من الرزايا والخطوب ، فقد كوت قلبه ، وجعلته هائما في تيارات مذهلة من الاسى والشجون.

ويقول الكميت في عينيته يصف سيده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

لدى الرحمن يصدع بالمثاني *** وكان له أبو حسن قريعا

حطوطا في مسرته ومولى *** الى مرضاة خالقه سريعا

وأصفاه النبي على اختيار *** بما أعيى الرفوض له المذيعا

ويوم الدوح دوح غدير خم *** أبان له الولاية لو اطيعا

ولكن الرجال تبايعوها *** فلم ار مثلها خطرا مبيعا (2)

فلم ابلغ بها لعنا ولكن *** أساء بذاك أولهم صنيعا

فصار بذاك أقربهم لعدل *** الى جور واحفظهم مضيعا

اضاعوا أمر قائدهم فضلوا *** واقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقه وبغوا عليه *** بلا ترة وكان لهم قريعا (3)

وعرض الكميت في هذه القطعة من قصيدته الى الامام امير المؤمنين علیه السلام فذكر مناصرته للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حينما فجر دعوته المشرقة ،

ص: 348


1- الخضارم : السادة الكرماء.
2- في بعض النسخ ( فلم ار مثلها حقا اضيعا ).
3- القريع : المختار يقال : اقترعه اي اختاره.

فقد كان الامام الى جانبه يحميه ويذب عنه ، ويرد عنه كيد المعتدين والظالمين ، وكان الامام (عليه السلام) في جهاده ودفاعه لا يبتغي إلا وجه اللّه ، ولا يلتمس إلا الدار الآخرة ، ونظرا لما يتمتع به الامام (عليه السلام) من الطاقات الروحية الهائلة فقد اصطفاه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعله وزيرا وخليفة من بعده ، اعلن ذلك في مؤتمره العام الذي عقده في غدير خم ، فقلده وسام الخلافة والامامة ، وقال فيه : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله » (1) ومن المؤسف - حقا - ان هذه البيعة التي عقدها اللّه ورسوله للامام امير المؤمنين القائد الاول للمسيرة الاسلامية لم تتفق مع رغبات القوم وميولهم فعقدوا مؤتمر السقيفة ، وتجاهلوا بيعتهم للإمام وتناسوا مقامه ، وقد حفلت مصادر التأريخ بذكر الحادث المؤلم ، وتفصيل شئونه :

ومضى الكميت في رائعته يقول :

فقل لبني أمية حيث حلوا *** وإن خفت المهند والقطيعا

إلا اف لدهر كنت فيه *** هدانا طائعا لكم مطيعا (2)

اجاع اللّه من اشبعتموه *** واشبع من بجوركم اجيعا

ويلعن فذ أمته جهارا *** اذا ساس البرية والخليعا

بمرضي السياسة هاشمي *** يكون حيا لأمته مريعا

وليثا في المشاهد غير نكس *** لتقويم البرية مستطيعا

ص: 349


1- حديث الغدير متواتر اجمع المسلمون على روايته ، وذكرته الصحاح كافة.
2- الهدان : الجبان.

يقيم أمورها ويذب عنها *** ويترك جدبها أبدا مريعا (1)

وعرض الكميت في هذه الابيات لبني أمية فدعا بالجوع والحرمان على عملائهم واذنابهم الذين اتخمت بطونهم من أموال الامويين وهباتهم ، كما دعا لمن حرمتهم السلطة الأموية من العطاء بالثراء وسعة العيش ، كما عرض لبني هاشم ، وانهم ساسة الأمة ، وانها في ظلال حكمهم تجد الرفاهية ، والعيش الرغيد.

ويقول المؤرخون إن الامام أبا جعفر (عليه السلام) : لما سمع هذه القصيدة العصماء اخذ منه الاعجاب مأخذا عظيما ، وانطلق يقول :

« اللّهم اكف الكميت. »

وكرر الامام هذا الدعاء ثلاث مرات ، وقد انجاه اللّه ببركة دعائه فتخلص من سجن الامويين (2).

نضاله المرير :

اشارة

وناضل الكميت نضالا مريرا في الدفاع عن عقيدته ، والذب عن مبادئه ، وقد انطلق كالمارد الجبار في احلك الظروف ، وأشدها قسوة ومحنة على أهل البيت (عليهم السلام) فأخذ يذيع مآثرهم ، ويشيد بفضائلهم ، ويدعو الناس الى الالتفاف حولهم ، ويدفعهم الى التمرد على الحكم الاموي ، والتخلص من جوره وطغيانه.

لقد قام الكميت بدور ايجابي وفعال في زعزعة الكيان الأموي ، واسقاط هيبته ، وكان من ابرز ما قام به في هذا المجال ما يلي :

ص: 350


1- الهاشميات ( ص 81 - 82 ).
2- اخبار شعراء الشيعة ( ص 72 - 73 ).
1 - مدحه لأهل البيت :

ومدح الكميت أهل البيت (عليهم السلام) مدحا عاطرا ، وعدد مناقبهم ومآثرهم في هاشمياته التي هي من أثمن اللوحات الفنية في الأدب العربي ، وقد لعبت دورا خطيرا في بلورة الوعي العربي والاسلامي ، وأوجدت شعورا عاما يتسم بالكراهية والبغض لبني أمية.

لقد مدح الكميت أهل البيت (عليهم السلام) في وقت كانت الحكومة الأموية قد منعت منعا رسميا الاشادة بهم ، وفرضت سبهم على المنابر والمآذن ، وأوعزت الى معاهد التعليم القيام بتغذية النشىء ببغضهم ، كما عهدت الى لجان الوضاعين بافتعال الحديث للحط من شأنهم ، وفرضت أشد العقوبات واكثرها صرامة على من يذكرهم بخير ، فقيام الكميت بمدحهم يعتبر من ابرز الوان النضال الديني لأنه قد قاوم رغبات السلطة ، وناهض سياستها.

2 - هجاء الأمويين :

وقام الكميت بدور خطير في مناهضة الأمويين ، فقد هجا ملوكهم ، وعدد مثالبهم وابرزهم في شعره كأقذر مخلوق ، وقد حفظ الناس ما قاله فيهم ، فزهدوا في بني أمية ، ونقموا على حكمهم وسلطانهم ، ويعتبر هجاؤه لهم من الاسباب التي اطاحت بملكهم ومن قوله فيهم :

فقل لبني أمية حيث حلوا *** وإن خفت المهند والقطيعا

اجاع اللّه من اشبعتموه *** واشبع من بجوركم اجيعا

وقد قرأ هذه الابيات على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فدعا له بالمغفرة والرضوان (1) وهجا هشام بن عبد الملك بقوله :

ص: 351


1- معجم الشعراء ( ص 348 ).

يصيب على الأعواد يوم ركوبها *** لما قال فيها مخطئ حين ينزل

كلام النبيين الهداة كلامنا *** وافعال أهل الجاهلية نفعل (1)

ولم يقتصر الكميت في هجائه على الأمويين ، وإنما هجا انصارهم واعوانهم فقد هجا الحكيم بن عياش الكلبي ، وقد اعتز الكميت في هجائه ببني أمية ، وكان ذلك موضع دهشة واستغراب.

وقد خف إليه ولده المستهل فانكر عليه اعتزازه ببني أمية قائلا : « يا ابة انك هجوت الكلبي ، وغمزت عليه ، ففخرت ببني أمية ، وأنت تشهد عليهم بالكفر ، فهلا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم؟!! »

فأجابه الكميت جواب العالم الخبير قائلا :

« يا بني أنت تعلم انقطاع الكلبي الى بني أمية ، وهم اعداء علي ، فلو ذكرت عليا لترك ذكري ، واقبل على هجائه فاكون قد عرضت عليا له ، ولا أجد له ناصرا من بني أمية ، ففخرت عليه ببني أمية وقلت : ان نقضها علىّ قتلوه ، وإن امسك قتلته غما وغلبته .. »

وكان كما قال الكميت : فقد امسك الكلبي من جوابه إلا انه ترك الحزن والأسى يحزان في نفسه (2).

3 - اثارة العصبية بين اليمنية والنزارية :

وقام الكميت بدور خطير في تحطيم الدولة الأموية فقد القى الخصومة واجج نار الفتنة بين اليمانية والنزارية ، وهما من أهم القبائل العربية عددا ونفوذا ، وكانتا من اعظم المؤيدين للحكم الأموي ، وقد هجا الكميت في شعره اليمانيين وعدد مثالبهم فلم يترك حيا من احيائهم إلا هجاه بأقسى

ص: 352


1- معجم الشعراء ( ص 348 ).
2- الاغاني 15 / 129.

ألوان الهجاء ، اما سبب هجائه لهم فقد روى المسعودي أنه قصد عبد اللّه ابن الحسن فطلب منه أن ينشىء شعرا يثير به حفائظ النفوس بين العرب لعل فتنة تحدث فتكون سببا الى زوال دولة الامويين فاستجاب الكميت ، وانطلق ينظم قصائد من الشعر الحماسي الرائع يمجد فيها اليمانيين ، ويذكر مناقبهم ، ويهجو القحطانيين ، ومما قاله :

لنا قمر السماء وكل نجم *** تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت اللّه اذ سمى نزارا *** واسكنهم بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات *** وللناس القفا ولنا الجبينا

وأثر شعره فى القلوب تأثيرا عظيما ، حتى ثارت الحفائظ بين القبيلتين ، وشاع البغض والعداء بينهما ، وانتصر للقحطانيين شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي ، واكبر الظن أنه كان بينهما اتفاق سري على ذلك ، فانهما معا من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وكل منهما قد ضرب الرقم القياسي في الولاء لهم ، ومما قاله دعبل في الرد على الكميت :

افيقي من ملامك يا ظعينا *** كفاك اللوم مر الأربعينا

ألم تحزنك أحداث الليالي *** يشيبن الذوائب والقرونا

أحي الغر من سروات قومي *** لقد حييت عنا يا مدينا

فان يك آل اسرائيل منكم *** وكنتم بالاعاجم فاخرينا

الى أن يقول :

وما طلب الكميت طلاب وتر *** ولكنا لنصرتنا هجينا

لقد علمت نزار أن قومي *** الى نصر النبوة فاخرينا

واخذت كل قبيلة تفتخر على الأخرى وتدلي بمناقبها ومكارمها ، وتنتقص القبيلة الأخرى حتى اتسع العداء بينهما وشمل سكان القرى والبادية ،

ص: 353

وقد تخربت القلوب ، وانفصمت عرى الوحدة بين الأسرتين ، ونتج من ذلك ان مروان بن محمد الجعدي آخر ملوك بني أمية قد تعصب للنزاريين ، مما سبب انحراف اليمانيين عن بني أمية ، وانضمامهم الى الدعوة العباسية ، وبذلك فقد انهارت الدولة الأموية (1) ويقول أحمد امين : « وقتلت بعده - اي بعد الكميت - الدولة الأموية بقليل » (2).

اعتقاله :

وشاع هجاء الكميت لليمانيين ، وصار أحدوثة الأندية والمجالس ، وبلغ ذلك حاكم الكوفة خالد بن عبد اللّه القسري ، وكان يتعصب لليمانيين ، فقال : واللّه لأقتلنه ، ويقول المؤرخون : إنه اشترى جارية في نهاية الحسن ، فرواها هاشميات الكميت ، فلما حفظتها أهداها الى هشام ابن عبد الملك ، وكتب إليه باخبار الكميت ، وهجائه لبني أمية ، وانفذ إليه قصيدته التي يقول فيها :

فيا رب هل إلا بك النصر يبتغى *** ويا رب هل إلا عليك المعول

وهي قصيدة طويلة يرثى فيها الشهيد العظيم زيد بن علي ، وابنه الشهيد الخالد الحسين بن زيد ، كما يمدح فيها بني هاشم ، ولما وصلت الى هشام ، وقرئت عليه غضب كأشد ما يكون الغضب ، فكتب الى خالد يأمره بقطع لسان الكميت ويده ، وأوعز خالد القسري الى الشرطة باعتقاله ، فألقت عليه القبض ، وأودع في السجن ، لينفذ فيه حكم الأعدام ، وبقي

ص: 354


1- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 315 - 316 نقلا عن مروج الذهب.
2- ضحى الاسلام 3 / 206.

في السجن حفنة من الأيام وهو يعاني قسوة السجن ومرارته (1).

هربه من السجن ،

وبقي الكميت في السجن وجلا مضطربا قد طافت به الهموم والآلام فلا يدري متى ينفذ فيه حكم الاعدام؟ ويقول المؤرخون : انه كان له صديق حميم هو ابان بن الوليد العجلي ، وكان عاملا على واسط من قبل الأمويين ، فلما انتهت إليه انباء الكميت ارسل بالفور إليه غلامه ، وأمره بالاسراع إليه ، وحمله رسالة عرفه فيها بأن مصيره القتل ، وإنه لاخلاص له منه إلا بأن يحتال فيرسل بأسرع وقت خلف زوجته الى السجن ، ويلبس لباسها ، وتكون مكانه في السجن من حيث لا يعلم السجانون ، ويكون بذلك نجاته ، وفعل الكميت ذلك ، وهرب من السجن بعد أن لبس لباس زوجته وقد ظن السجان أنه زوجة الكميت فلم يفتشه ، وقد نجا بذلك من القتل المحتم وأنشا الكميت بعد هروبه هذين البيتين :

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل *** على الرغم من تلك النوائح والمشل

علي ثياب الغانيات وتحتها *** عزيمة امر أشبهت سلة النصل (2)

العفو عنه :

وبقى الكميت متواريا عن انظار السلطة متخفيا ، وهي تمعن بالتفتيش عنه إلا انها لم تهتد الى معرفته ، وقد عزم الكميت على مدح هشام وبني أمية لينجو مما هو فيه ، وقبل أن ينظم فيهم أرسل وردا ابن أخيه زيد الى الامام أبي جعفر (عليه السلام) يستأذنه فيما عزم عليه ، فاذن له الامام (عليه السلام)

ص: 355


1- الاغاني 15 / 114.
2- مقدمة الهاشميات ( ص 17 ).

وقفل ورد الى عمه فعرفه برضاء الامام (1) واتجه الكميت مع جماعة من بني أسد الى دمشق ، فلما انتهوا إليها ، قصدوا جماعة من أشراف قريش ، واحاطوهم علما بالأمر ، فاجابوهم ، وخفوا جميعا سوى الكميت الى عنبسة بن سعيد بن العاص فقالوا له :

« يا أبا خالد هذه مكرمة أتاك اللّه بها ، هذا الكميت بن زيد لسان مضر ، وكان أمير المؤمنين قد كتب في قتله فنجا حتى تخلص إليك وإلينا .. »

واستجاب لهم عنبسة ، واتجه الى مسلمة بن هشام فقال له : يا أبا شاكر مكرمة أتيتك بها تبلغ بها الثريا ، فقال له مسلمة : ما هي؟ فأخبره بالأمر ، فأجاره مسلمة (2) وشاع ذلك فلما بلغ هشام دعا بولده مسلمة فصاح به :

« اتجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟ »

« كلا ولكني انتظرت سكون غضبه .. »

« احضرنيه الساعة فانه لا جوار لك .. »

وقام مسلمة من مجلس أبيه ، ومضى نحو الكميت ، فقال له : يا أبا المستهل ان أمير المؤمنين قد أمرني باحضارك ، فقال الكميت :

« أتسلمني يا أبا شاكر؟ .. »

« كلا .. »

ومهد مسلمة الطريق الى نجاته فقال له : ان معاوية بن هشام مات قريبا ، وقد جزع عليه جزعا شديدا ، فاذا كان من الليل فاضرب رواقك

ص: 356


1- مقدمة الهاشميات ( ص 17 ).
2- الغدير 2 / 206.

على قبره ، وأنا أبعث لك بنيه يكونون معك في الرواق ، فاذا دعا بك تقدمت عليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ، ويقولون : هذا استجار بقبر ابينا ، ونحن أحق باجارته ، ثم تركه وانصرف ، واتجه الكميت في الليل نحو قبر معاوية فضرب رواقه عليه ، ولما اصبح هشام تطلع من قصره إلى قبر ولده ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : له لعله مستجير بالقبر ، فقال : يجار كل من كان إلا الكميت فانه لا جوار له ، فقيل له : إنه الكميت ، فأمر باحضاره ، فاحضر وقد ربط صبيان معاوية ثيابهم بثيابه ، فلما نظر إليهم هشام اغرق في البكاء ، وقد رفعت الصبية أصواتهم قائلين له : يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا ، وقد مات ، ومات حظه من الدنيا ، فاجعله هبة له ولنا ، ولا تفضحنا فيمن استجار به ، فبكى هشام ، ثم اقبل على الكميت ، فقال له : أنت القائل؟

وإلا فقولوا : غيرها تتعرفوا *** نواصيها تروى بنا وهي شزب

واعتذر الكميت ، فصاح به هشام فقال له :

- ايه يا كميت الست القائل :؟

فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها *** ويا حاطبا في غير حبلك تحطب

- بل أنا القائل :

الى آل بيت أبي مالك *** مناخ هو الأرحب الأسهل

نمت بارحامنا الداخلا *** ت من حيث لا ينكر المدخل

بمرة والنضر والمالكين *** رهط هم الأنبل الأنبل

وجدنا قريشا قريش البطاح *** على ما بنى الأول الأول

- وأنت القائل :

لا كعبد المليك أو كوليد *** او سليمان بعد أو كهشام

ص: 357

من يمت لا يمت فقيدا ومن يح *** ي فلا ذو إلّ ولا ذو ذمام

« ويلك يا كميت!! جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة .. »

قال الكميت : بل أنا القائل :

فالآن صرت الى أمية والأمور الى المصائر

والآن صرت بها الى المصيب كمهتد بالأمس حائر

قال هشام : الست القائل :؟

فقل لبني أمية حيث حلوا *** وإن خفت المهند والقطيعا

أجاع اللّه من اشبعتموه *** واشبع من بجوركم اجيعا

بمرضي السياسة هاشمي *** يكون حيا لأمته ربيعا

قال الكميت : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تمحو عني قولي الكاذب؟

- بما ذا؟

- بقولي الصادق :

اورثته الحصان أم هشام *** حسبا ثاقبا ووجها نضيرا

وتعاطى به ابن عائشة البد *** ر فامسى له رقيبا نظيرا

وكساه ابو الخلايف مروا *** ن سناء المكارم المأثورا

لم تجهم له البطاح ولكن *** وجدتها له معانا ودورا

وغزت هذه الأبيات قلب هشام ، وازالت عنه الغيظ فاستوى جالسا واخذ يبدي إعجابه بهذه الأبيات ، قائلا :

« هكذا فليكن الشعر!! قد رضيت عنك يا كميت. »

وشكره الكميت ، وطلب منه أن لا يجعل لخالد بن عبد اللّه القسري امارة عليه فأجابه الى ذلك ، وأمر له باربعين الف درهم ، وثلاثين ثوبا هشامية ، وكتب الى خالد ان يخلي سبيل امرأته ، ويعطيها عشرين الف درهم ،

ص: 358

وثلاثين ثوبا ، ففعل خالد (1).

لقد استطاع الكميت أن يتغلب على الأحداث بلباقته ، وقوة بيانه ، وبليغ منطقه ، وتماسك شخصيته ، فلم ينهار أمام الطاغية هشام ، ولم يراوده الخوف والفزع ، وإنما كان كالجبل في صلابة إرادته ، وقوة عزيمته ، ولم يكتف بما ظفر به من السلامة والنجاة ، وإنما طلب من هشام أن لا يجعل لحاكم الكوفة عليه سلطانا وسبيلا ، ويتركه وحريته فيما يقول ويعمل.

عتاب واعتذار :

ووفد الكميت على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فرحب به ، وقرب مجلسه ، وتبسم في وجهه وعاتبه عتابا رقيقا قال له :

يا كميت أنت القائل :؟

فالآن صرت الى أمي *** ة والأمور الى المصائر

واعتذر الكميت ، وأجاب جواب العالم الفقيه قائلا :

« نعم قد قلت : ذلك ، ولا واللّه ما أردت به الا الدنيا ، لقد عرفت فضلكم .. »

ومنحه الامام الباقر الرضا والقبول ، وقال له : اما ان قلت : ذلك تقية ان التقية لتحل (2) وهذا إنما يتم بناء على عدم استئذانه من الامام في مدح الأمويين لقد كان الكميت صادق المودة والولاء لأهل البيت علیه السلام وقد امتحن في سبيلهم كأعظم ما يكون الامتحان فتعرض لسخط الامويين ونقمتهم ، وقضى شطرا من حياته في السجن ، يلاحقه الفزع والرعب ،

ص: 359


1- الاغاني 15 / 115 - 119 ، العقد الفريد 1 / 189.
2- الاغاني 15 / 126.

وهو لم يبتغ بذلك إلا وجه اللّه والدار الآخرة.

الى جنة المأوى :

وشاء اللّه لهذا العملاق العظيم الذي نافح عن حقوق أهل البيت (عليهم السلام) أن يرزق الشهادة على يد شرار بريته ، فقد دخل على والي العراق يوسف ابن عمر بعد عزل خالد القسري الذي نكل به ، فانشده قصيدة يثني فيها عليه ، ويعرّض بالقسرى جاء فيها :

خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن *** كمن حصنه فيه الرتاج المضبب

وما خالد يستطعم الماء فاغرا *** بعدلك والداعي الى الموت ينعب

وكان الحرس الذين على رأس يوسف متعصبين لخالد ، فوضعوا سيوفهم في بطنه وقالوا : أتنشد الأمير ، ولم تستأمره ، فأخذه نزيف الدم (1) وأخرج وهو يجود بنفسه ، وأغمي عليه ، ثم أفاق وهو يقول :

« اللّهم آل محمد ، اللّهم آل محمد .. » (2)

ثم فاضت نفسه الزكية ، وارتفعت الى بارئها كما ترتفع أرواح الأولياء تحفها ملائكة اللّه ورضوانه.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذا العملاق العظيم الذي وهب مشاعره وعواطفه لآل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصاغ فكره ، وعقيدته فيهم على أساس العلم والمنطق فلم يندفع في ولائه لهم وراء العاطفة وانما استند في ذلك الى الأدلة الحاسمة من القرآن والسنة حسب ما أشار إليها في هاشمياته التي هي من أثمن الثروات الفكرية والعلمية في الأدب العربي والاسلامي.

ص: 360


1- الاغاني 15 / 121.
2- الاغاني 15 / 130.

وقبل أن أطوي الصفحة الأخيرة من الحلقة الأولى من هذا الكتاب أرى من الحق علي أن أشيد بالملاحظات الفنية والعلمية ، التي تكرم بها علي سماحة الحجة الأخ الشيخ هادي القرشي في هذا الكتاب سائلا من اللّه تعالى أن يجزيه عني خير ما يجزي أخا عن أخيه ، وبهذا ينتهي بنا المطاف عن الجزء الأول من هذا الكتاب.

أما الجزء الثاني فأود أن أبين أن من بين ما يعرض له البحث عن ملوك الأمويين الذين عاصرهم الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقد بسطنا الحديث عنهم ، وذكرنا ما أثر عنهم من الاعمال التي لا تتفق مع قواعد هذا الدين واصوله ، والتي كان منها ما عاناه الناس من الظلم الهائل وعدم الاعتراف بأي حق من حقوقهم الفردية والاجتماعية ، فقد حولوا البلد الى مزرعة خاصة لهم يصيبون منها ما شاءوا فالسواد - على حد تعبير ابن العاص - بستان قريش ، وقد اجحفوا في جباية الخراج ، وساموا الناس سوء العذاب.

وكان من الضروري جدا عرض ذلك لأنه بصور الحياة الاجتماعية والسياسية التي عاشها الامام ، وقد اصبحت دراسة مثل هذه البحوث مما لا بد منها في الدراسات الحديثة.

كما عرضنا الى عصر الامام (عليه السلام) ذلك العصر الذي هو أكثر العصور الاسلامية حساسية ، فقد نشأت فيه الفرق الاسلامية التي كانت من اخطر الظواهر الفكرية والاجتماعية في ذلك العصر ، كما تصاعدت فيه عمليات الصراع الفكري والعقائدي بين الاحزاب التي تصارعت بصورة مذهلة على الوصول الى الحكم ، وكان من نتائج ذلك الصراع إيقاف المسيرة الاسلامية ، ووضع السدود والحواجز أمام الزحف الاسلامي ، المقدس ، هذا بعض ما سيجده القارئ في الحلقة الثانية من هذا الكتاب.

ص: 361

محتوى الكتاب

ص: 362

محتويات الكتاب

آيات من الذكر الحكيم... 5

الاهداء... 7

تقديم... 9

الوليد العظيم

الأم... 19

الأب... 20

الوليد العظيم... 20

تسميته ، كنيته ، القابه... 21

تحيات النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى الباقر... 23

ملامحه... 26

ذكاؤه المبكر... 26

هيبته ووقاره ... 27

نقش خاتمه... 28

اقامته... 28

فى ظلال الحسين وعلي

في ظلال جده... 31

في ظلال أبيه ، شئون الامام زين العابدين واحواله... 32

اكبار العلماء وتعظيمهم له... 33

سمو أخلاقه... 34

نشره للعلم... 36

حثه على طلب العلم ... 37

ص: 363

تكريمه لطلاب العلوم ... 37

احتفاف القراء به... 38

عتقه للموالي... 38

عبادته وتقواه... 38

صدقاته وبره ... 41

رائعة الفرزدق... 42

الحزن العميق ... 45

وصاياه لولده الباقر... 46

ادعيته لولده... 48

في ذمة الخلود ... 51

سمه... 52

نصه على امامة الباقر... 52

وصيته لولده الباقر... 53

الى الرفيق الأعلى... 54

تجهيزه ... 54

تشييعه... 55

في مقره الأخير... 55

اسطورة... 56

اخوته وابناؤه 59

اخوته... 61

زيد الشهيد... 61

ص: 364

ولادته... 62

نشأته... 63

عبادته وتقواه... 63

علمه وأدبه... 64

اكبار الامام الباقر لزيد... 67

مع هشام بن عبد الملك... 68

مشروعية الثورة... 71

الثورة الكبرى... 73

الخيانة والغدر... 77

في ذمة الخلود... 77

التنكيل بانصار زيد... 80

سخط المسلمين... 81

حرق الجثمان العظيم... 84

مع المسعودي... 85

الحسين الأصغر... 85

علمه ، حلمه ، وقاره ، تقواه ، ورعه ، وفاته ،... 86

عبد اللّه الباهر : لقبه ، علمه ، ولايته على صدقات النبي ، وفاته... 87

عمر الأشرف :... 88

كنيته ، لقبه ، علمه ، ولايته على صدقات

النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفاته

علي... 90

ص: 365

ابناء الامام الباقر... 90

1 - ابراهيم... 91

2 - الامام جعفر... 91

3 - عبد الل... ه 92

4 - علي... 93

5 - عبد اللّه ... 93

السيدات من بناته ... 94

السيدة زينب ، السيدة أم سلمة... 94

اكبار وتعظيم

عرض لكلمات العلماء والمؤلفين التي تقيم... 97

الامام وتشيد بملكاته ومواهبه

مظاهر شخصيته

امامته... 115

العصمة ... 116

تعريف العصمة ... 116

الاستدلال عليها... 117

شكوك وأوهام... 118

حلمه... 120

صبره... 121

تكريمه للفقراء ... 123

عتقه للعبيد... 124

ص: 366

صلته لاصحابه ، صدقاته على فقراء المدينة ... 124

كرمه وسخاؤه... 125

عبادته... 127

( أ ) خشوعه في صلاته ( ب ) كثرة صلاته

( ج ) دعاؤه في سجوده ( د ) دعاؤه في قنوته

حجه... 132

مناجاته مع اللّه ، ذكره لله... 133

زهده في الدنيا... 133

مواهبه وعبقرياته

الحياة العلمية في عصره... 137

الدور المشرق للإمام... 138

العلوم التي بحثها... 139

الحديث ... 140

روايات الأئمة ... 141

احاديث الامام الباقر... 142

رواياته عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 142

رواياته عن الامام أمير المؤمنين... 167

روايته عن جده الحسين... 171

روايته عن أبيه... 171

روايته عن جابر الانصاري... 172

روايته عن عمر... 172

ص: 367

روايته عن ابن عباس... 173

روايته عن زيد بن أرقم ... 173

روايته عن أبي ذر... 174

تفسير القرآن الكريم ، فضل قراءة القرآن... 174

الترجيع بقراءة القرآن... 175

تنزيه القرآن من الباطل... 176

ذم المحرفين للقرآن... 176

الاستعمالات المجازية في القرآن... 177

البسملة جزء من سور القرآن... 177

نزول القرآن على سبعة أحرف... 178

الحروف السبعة... 178

انكار الامام للأحرف السبعة... 180

طرق التفسير... 180

التفسير بالمأثور ، التفسير بالرأي

تفسير الامام الباقر... 182

نماذج من تفسيره... 183

علم الكلام... 189

التوحيد ... 190

1 - عجز العقول عن إدراك حقيقة اللّه... 190

2 - ازلية واجب الوجود... 192

3 - النهي عن الكلام في ذات اللّه... 194

ص: 368

4 - علم اللّه ... 194

5 - واقع التوحيد... 195

6 - صفات الل... ه 195

7 - الشك والجحود... 196

الامامة ، الحاجة الى الامام... 196

وجوب معرفة الامام... 197

وجوب طاعة الامام ، حق الامام على الناس ... 199

عظمة الامامة ... 200

الولاية لأئمة أهل البيت... 200

الاشادة بالأئمة... 201

عدد الأئمة... 203

محن الأئمة... 205

حثه على نشر مآثر الأئمة... 205

علم الأئمة... 206

الملاحم التي أخبر عنها... 209

علم الفقه... 215

مميزاته... 217

(1) اتّصاله بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2) مرونته (3) فتح باب الاجتهاد

(4) الرجوع إلى حكم العقل...

مسائل فقهية ... 221

حكم القتال في الاسلام ، المسح على الخفين ، مس الفرج

ص: 369

لا ينقض الوضوء ، الجهر في صلاة الاخفات ، الصلاة على

آل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في التشهد...

علم الاصول... 226

الاستصحاب... 227

قاعدة التجاوز... 227

قاعدة الفراغ... 228

قاعدة نفى الضرر... 228

علاج التعارض... 230

(1) الشهرة (2) موافقة الكتاب والسنة (3) الترجيح

بالصفات...

بحوث اقتصادية... 231

1 - ضرورة تحسين المعيشة ... 232

2 - التحذير من الكسل... 232

3 - مقته لتارك العمل... 233

4 - العمل طاعة لله... 233

مع العلم والعلماء... 234

(1) فضل العلم (2) فضل العالم (3) مجالسة العلماء والمتقين

(4) مذاكرة العلم (5) آداب المتعلم (6) بذل العلم (7) الحث

على التعلم (8) التفقه في الدين (9) العمل بالعلم (10) قبول

العمل بالمعرفة (11) ذم المباهاة بطلب العلم (12) الفتوى

بغير علم (13) صفات العالم...

ص: 370

في رحاب الايمان... 242

(1) حقيقة الايمان (2) مراتب الايمان (3) صفات المتقين

مع الشيعة ... 245

1 - وصيته لشيعته... 246

2 - الشيعة الأوائل... 249

3 - صفات الشيعة... 250

4 - نصائحه للشيعة ... 251

5 - حب أهل البيت... 253

6 - تسمية الشيعة بالرافضة... 256

7 - دعاؤه لشيعته... 256

سنن الأنبياء وحكمهم ... 257

(1) من وحي اللّه لآدم (2) حكمة لسليمان (3) حكمة

في التوراة (4) تسمية نوح بالعبد الشكور (5) دعاء نوح

على قومه (6) اسماعيل أول من تكلم بالعربية (7) مناجاة

اللّه مع موسى (8) نفي الأمية عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (9) محاورة

بين نوح وابليس (10) موت سليمان (11) التقاء يعقوب

بيوسف (12) مدة حياة يعقوب بمصر...

مع السيرة النبوية... 262

(1) استعارة النبي السلاح من صفوان

(2) مسيرة خالد الى بني جذيمة

سيرة الامام علي (عليه السلام)... 264

ص: 371

اخبار الامام بقتل الحسين... 265

صفة الامام أمير المؤمنين ... 266

احداث صفين... 266

فك الحصار عن الماء ، معاوية مع ابن العاص ، خطبة

للامام بصفين ، يوم الهرير ، وثيقة التحكيم

مأساة الامام الحسين ... 273

رواية عمار الدهنى... 274

المؤاخذات ... 280

وصاياه ، القيمة... 281

وصاياه لولده الصادق... 282

وصيته لبعض ابنائه... 283

وصيته لعمرو بن عبد العزيز... 283

وصيته لجابر الجعفي... 284

وصيته لرجل ... 287

وصيته لبعض اصحابه... 288

مواعظه... 289

فضل العقل... 293

الفطنة... 294

اجالة الفكر... 294

مكارم الاخلاق... 295

(1) الاحسان (2) فعل المعروف (3) مقابلة المعروف

ص: 372

بالإحسان...

آداب السلوك... 297

(1) طلاقة الوجه (2) معاملة الناس بالحسنى

حقوق المسلم... 297

قضاء حاجة المسلم... 298

صلة الارحام... 298

الصدقة ، العطف على اليتيم... 299

محاسن الصفات... 299

الصمت... 300

مساوئ الصفات والأعمال... 300

الغيبة والبهتان... 303

الغضب وعلاجه... 303

العجب... 304

ادعيته ... 304

الحث على الدعاء ... 306

روائع الحكم ... 307

نظمه للشعر... 316

مع كثير عزة والكميت

كثير عزة ... 319

ولاؤه لأهل البيت (عليهم السلام) مع الامام الباقر (عليه السلام) مدحه

لبني مروان ، وفاته ، رواية موضوعة

ص: 373

الكميت الأسدي ، ولادته ونشأته... 323

مواهبه ، شعره ... 324

الكميت مع الفرزدق... 325

مميزات شعره... 327

صلابته في عقيدته ... 330

مع الامام الباقر (عليه السلام) تعطشه لرؤيا الامام ... 330

رثاؤه للحسين ... 331

الميمية من هاشمياته... 333

اللامية من هاشمياته... 345

العينية من هاشمياته... 347

نضاله المرير ... 350

1 - مدحه لأهل البيت... 351

2 - هجاء الأمويين... 351

3 - اثارة العصبية بين اليمنية والنزارية... 352

اعتقاله... 354

هربه من السجن ... 355

العفو عنه... 355

عتاب واعتذار... 359

الى جنة المأوى ... 360

محتويات الكتاب... 362

ص: 374

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: باقر شريف القرشي

الناشر: دار البلاغة

المطبعة: دار البلاغة

الطبعة: 1

الموضوع : سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)

تاريخ النشر : 1413 ه.ق

الصفحات: 406

المكتبة الإسلامية

باقر شريف القرشي

حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام

دراسة وتحليل

الجزء الثاني

دارالبلاغة

سرشناسه : قریشی ، باقر شریف ، - 1926

عنوان و نام پدیدآور : حیاة الامام محمد الباقر: دراسة و تحلیل / باقر شریف القریشی

مشخصات نشر : بیروت : دارالبلاغة ، م 1993 = .ق 1413 = .1372.

مشخصات ظاهری : ج 2

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

یادداشت : كتابنامه

موضوع : محمد بن علی (عليهماالسلام)، امام پنجم ، ق 114 - 57

رده بندی كنگره : BP44/ق 4ح 9

شماره كتابشناسی ملی : م 81-20426

محرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

المقدمة

اشارة

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تقديم

[1]

وليس من نافلة القول ، ولا من الغلو في شيء إن قلنا إن الامام أبا جعفر كان من أبرز رجال الفكر ، ومن ألمع أئمة المسلمين ، فقد كان الرائد والقائد للحركة الثقافية والعلمية التي عملت على تنمية العقل العربي والاسلامي وأضاءت الجوانب الكثيرة من التشريعات الاسلامية الواعية التي تمثل الابداع والأصالة والتطور في عالم التشريع ... أما ما يدعم ذلك فقد ألمحنا إليه في الحلقة الأولى من هذا الكتاب من المعارف والعلوم التي فتق أبوابها ، وسائر الحكم والآداب التي أثرت عنه وهي مما يهتدي بها الحيران ، ويأوي إليها الظمآن ، ويسترشد بها كل من يفيء إلى كلمة اللّه ... لقد كانت حكمه وآدابه الخالدة من أبرز ما أثر عن أئمة المسلمين في هذا المجال فهي مما تملأ الفكر وعيا ، والقلب إيمانا والنفس ثقة وصفاء.

[2]

والشيء المحقق ان هذه البحوث على ما فيها من استيعاب وشمول لم تلم بجميع جوانب حياة الامام أبي جعفر (عليه السلام) ولا تحكي واقعه المشرق فان هذه الدعوى لا تتفق مع الواقع الذي نخلص إليه ، وإنما تلقي أضواء أو مؤشرات على بعض معالم شخصيته ، فقد كان هذا الامام العظيم باقر علوم الأولين والآخرين وانه أثرى شخصية في سعة علومه ومعارفه ، وقد

ص: 5

كان باجماع المؤرخين ممن خطط لهذه الأمة مسيرتها الثقافية الواعية وقد ذاع ذلك بين الناس ، وضربت به الأمثال ، يقول السيد الرفاعي : « وكانت مدة إمامته يختلف إليه الخاص والعام ، يأخذون عنه معالم دينهم حتى صار في الناس تضرب به الأمثال » (1).

لقد كان هذا الامام العظيم من أهم المراكز العليا للوعي الثقافي والعلمي بين المسلمين وكانت داره جامعة للعلوم والمعارف ، فتتلمذ على يده كبار فقهاء المسلمين وعلمائهم مما يعتبر عاملا جوهريا في ازدهار الحركة العلمية ، وتطور الفكر الاسلامي في عالم الابداع والانتاج.

واني أقول : - بالتأكيد - إن هذا الكتاب بجزئيه لا يعطي إلا صورة موجزة عن حياة الامام أبي جعفر (عليه السلام) الملهم الأول لقضايا الفكر والعلم في الاسلام.

[3]

أما بحوث هذا الكتاب فقد ألمحنا إليها في تقديم الجزء الأول منه ، ولا ضرورة في إعادة القول فيها لأن ذلك من التكرار الممل الذي لا نريده للقراء ... وإني في نهاية هذا التقديم أرى من الحق علي أن أذكر بالوفاء والعرفان ما تفضل به سماحة الاستاذ حجة الاسلام الشيخ حسين الخليفة من المساهمة في الانفاق على هذا الكتاب ، كما أكرر الشكر إلى ولدنا الفاضل السيد عبد الرسول السيد رضا الصائغ على ما تفضل به من المساهمة في طبع هذا الكتاب ، سائلا منه تعالى أن يتولى جزاءهم جميعا أنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.

النجف الأشرف

باقر شريف القرشي

ص: 6


1- صحاح الأخبار ( ص 41 ).

ملوك تافهون

اشارة

ص: 7

ص: 8

أما البحث عن ملوك الأمويين الذين عاصرهم الامام فيعد من ضروريات البحث المنهجي حسب الدراسات الحديثة لأنه يصور الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية في ذلك العصر الذي هو من أشد العصور الاسلامية حساسية ، فقد ابتلي فيه المؤمنون وارهقوا ارهاقا شديدا.

لقد كان الامام أبو جعفر (عليه السلام) في غضون الصبا ، فانقرضت دولة بني سفيان التي أسسها معاوية ، وانتهت بهلاك ولده يزيد الذي جهد على إذلال المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون ، وقد كانت أيامه من أحلك الليالي التي مرت على العالم الاسلامي فقد عانوا ألوانا مرهقة من الأحداث والخطوب أغرقتهم في المآسي والآلام.

وقد تشكلت بعد سقوط دولة بني سفيان دولة بني مروان ونحن نلمح إلى ذكر سيرة ملوكهم الذين عاصرهم الامام وما أثر عنهم من صنوف السياسة من دون أن نتحيز أو نشذ عن الحق الذي أخلصنا له ، وكان أول ملوك بني مروان هو :

مروان بن الحكم :

اشارة

وآلت الخلافة الاسلامية التي هي مركز العدل في الاسلام إلى الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم صاحب الأحداث والموبقات في الاسلام ، ويجمع الرواة على أنه لم تكن فيه أية نزعة كريمة ، أو صفة فاضلة حتى يستحق هذا المنصب العظيم ، وإنما كان عدوا لله ، وعدوا لرسوله ، وعدوا للمسلمين ونلمح - بايجاز - إلى بعض شئونه وأحواله.

ص: 9

1 - لعن النبي له :

ولعن النبي (صلی اللّه عليه وآله) مروان بن الحكم وهو في صلب أبيه حسب رواية عائشة فقد قالت بعد حديث لها : « ولكن رسول اللّه لعن أبا مروان ، ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة اللّه » (1) وقال عبد اللّه بن الزبير وهو يطوف بالكعبة : « ورب هذه البنية للعن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الحكم وما ولد » (2)

ويقول الرواة : انه كان لا يولد لأحد ولد في يثرب إلا أتى به إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله) فلما ولد مروان جيء به إليه ، فقال (صلی اللّه عليه وآله) : هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون (3) ومر الحكم بن أبي العاص على النبي (صلی اللّه عليه وآله) فقال : « ويل لأمتي مما في صلب هذا » (4) لقد استشف النبي (صلی اللّه عليه وآله) من وراء الغيب أن مروان مصدر خطر على أمته فلعنه ، وحذر المسلمين من قربه والاتصال به.

2 - نفي أبيه من يثرب :

وكان الحكم بن أبي العاص من أحقد الناس على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله)

ص: 10


1- تفسير القرطبي 16 / 197 ، تفسير الرازي 7 / 491 ، اسد الغابة 2 / 34.
2- كنز العمال 6 / 90.
3- مستدرك الحاكم 4 / 479.
4- اسد الغابة 2 / 34 ، الاصابة 1 / 346 ، السيرة الحلبية 1 / 337.

وأكثرهم عداوة وايذاءا له شأنه شأن أبي لهب (1) وكان يسخر من النبي (صلی اللّه عليه وآله) فكان يمر خلفه فيغمز به ، ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه فأشار بأصابعه (2) وبصر به النبي (صلی اللّه عليه وآله) ، فدعا عليه وقال : اللّهم اجعل به وزغا (3) فرجف مكانه ، وارتعش (4) وبلغ من تأثر النبي (صلی اللّه عليه وآله) منه أن أمر بنفيه من يثرب ، وقال : من غذيري من هذا الوزغ اللعين ، لا يساكنني ولا ولده ، ونزح إلى الطائف ، وبقي مع أفراد عائلته فيه قابعين في زوايا الذل والخمول ، قد نهشهم الجوع والفقر ، وبقي منفيا في الطائف فلما توفي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) خف عثمان إلى أبي بكر فسأله ردهم فأبى وقال : ما كنت لآوي طرداء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ، ولما استخلف عمر كلمه عثمان في شأنهم فقال : مثل قول أبي بكر ، ولما آلت الخلافة إلى عثمان أرجعهم إلى يثرب (5) ووهبهم الثراء العريض وجعلهم وزراءه وحاشيته.

3 - في أيام عثمان :

وحينما ولي عثمان أمور المسلمين قرب مروان بن الحكم فجعله وزيره ومستشاره الخاص ، وكانت أمور الدولة كلها بيد مروان وكان عثمان بيده

ص: 11


1- سيرة ابن هشام 2 / 25.
2- انساب الأشراف 5 / 27.
3- الوزغ : الارتعاش والرعدة.
4- الفائق 2 / 305 ، السيرة الحلبية 1 / 337.
5- انساب الأشراف 5 / 67.

كالميت بيد الغاسل ، لا إرادة له ولا اختيار.

وقد وهبه الأموال الكثيرة حتى أنكر عليه خازن بيت المال زيد بن أرقم فألقى عليه المفاتيح وبكى فقال له عثمان أتبكي ان وصلت رحمي فقال له ابن أرقم : لا ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت انفقته في سبيل اللّه في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا ، فقال : الق المفاتيح يا ابن أرقم فانا سنجد غيرك (1) ووهب عثمان إلى مروان مائة ألف وخمسين أوقية (2) لا نعلم أنها ذهب أو فضة.

وهذه إلهيات مما أوغرت صدور المسلمين على عثمان ، وأطاحت بحكومته.

نزعاته وصفاته :

أما نزعات مروان وصفاته فهي كما يلي :

أ - إنه كان حسودا ، يقول مالك بن هبيرة السكوني : إلى الحصين ابن نمير واللّه لئن استخلف مروان ليحسدك على سوطك وشراك نعلك ، وظل شجرة تستظل بها (3).

ب - ومن صفاته التي عرف بها الضحالة في الفكر والرأي فهو الذي أجهز على عثمان ويقول المؤرخون : انه حينما أحاط بعثمان الثوار طالبين

ص: 12


1- شرح النهج 1 / 67.
2- السيرة الحلبية 2 / 87.
3- تاريخ ابن الأثير 3 / 337.

منه الاستقالة من الحكم أو ابعاد الأمويين عنه ، فخرج إليهم مروان ، وقال لهم : شاهت الوجوه ذلا جئتم لنهبنا ، فأثارت هذه الكلمات العواطف واشعلت نار الحرب ، وأودت بحياة عثمان ولو كانت عنده صبابة من الفكر والرأي لما كلم الثوار بذلك.

ج - من ذاتيات مروان التنكر للمعروف والاحسان فقد أسدى عليه الامامان الحسن والحسين (عليهماالسلام) معروفا كبيرا ، وأنقذاه من الموت في حرب الجمل ، فقد تشفعا به عند الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فشفعهما فيه إلا أنه قابل إحسانهما بالاساءة إليهما فقد منع جنازة الامام الحسن (عليه السلام) أن توارى بجوار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ولما دعا الوليد الامام الحسين (عليه السلام) إلى بيعة يزيد أشار عليه مروان بقتله إن امتنع عن البيعة ويقول المؤرخون انه أظهر الشماتة والحقد حينما قتل الامام الحسين (عليه السلام).

د - ومن مظاهر صفات مروان الغدر ، ونكث العهد ، فقد بايع الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم غدر ونكث بيعته ، وخرج عليه يقول (عليه السلام) فيه لما قال له الحسنان (عليهما السلام) : في مبايعته : « لا حاجة في بيعته انها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبابته ».

ه - ومن صفاته البارزة اندفاعه في الباطل وانطلاقه في كل دعوة ضلال ، فقد انضم إلى حزب عائشة ، وانهزم إلى معاوية وبايعه وقد لقب « خيط باطل » لدقته وطوله شبه بالخيط ، وفيه يقول الشاعر :

لعمرك ما أدري واني لسائل *** حليلة مضروب القفا كيف يصنع

لحى اللّه قوما أمروا خيط باطل *** على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

(1) وظل هذا اللقب سمة عار على أبنائه ، وفي ذلك يقول يحيى بن سعيد

ص: 13


1- أسد الغابة 4 / 348.

يهجو عبد الملك الذي قتل عمرو بن سعيد الأشرق :

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل *** ومثلكم يبني البيوت على الغدر

(1) هذه بعض صفاته ونزعاته ، وهي تصور لنا انسانا ممسوخا لم يعرف الخير ، ولا المعروف ، ولم يصنع في حياته سوى الباطل وما يضر الناس.

ولعه بسب أمير المؤمنين :

وكان مروان ولعا بسب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان يسبه على المنبر في كل جمعة حينما كان واليا على المدينة ، وكان الامام الحسن (عليه السلام) يعلم ذلك فيسكت ولا يدخل المسجد إلا عند الاقامة ، فلم يرض بذلك مروان فأرسل إلى الحسن في بيته بالسب له ولأبيه ، وكان من جملة ما قاله : ما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها : من أبوك فتقول : أبي الفرس ، فقال الامام الحسن (عليه السلام) لرسوله « ارجع إليه فقل له : واللّه لا أمحو عنك شيئا مما قلت : بأني أسبك ، ولكن موعدي وموعدك اللّه ، فان كنت كاذبا فاللّه أشد نقمة ، وقد أكرم جدي أن يكون مثلي مثل البغلة » (2).

وليس غريبا أن يعلن مروان سب الامام أمير المؤمنين رائد الحق والحكمة في الأرض ، فانه لا يسبه ولا يبغضه إلا أمثال مروان من الذين لا عهد لهم بالشرف والانسانية.

ص: 14


1- أنساب الاشراف 5 / 144.
2- تطهير الجنان المطبوع على هامش الصواعق ص 142.

خلافته :

وتقلد الخلافة سنة ( 64 ه ) (1) بعد أن تنازل عنها رسميا معاوية ابن يزيد فارا بدينه عن حكم ورثه عن أبيه بغير حق ، لقد فر من ذلك الحكم الذي لم يقم إلا بحد السيف ، والتبذير بأموال المسلمين ، والنكاية بهم وقد فضح جده وأباه في خطابه الرائع الذي أعلن فيه استقالته من الحكم وقد جاء فيه :

« إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به لقرابته من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقديمه وسابقته أعظم المهاجرين قدرا ، وأولهم إيمانا ، ابن عم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وزوج ابنته ، جعله لها بعلا باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له ، فهما بقية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) خاتم النبيين ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون (2) الأمر فكان غير أهل لذلك ، وركب هواه ، وأخلفه الأمل ، وقصر عنه الأجل ، وصار في قبره بذنوبه ، وأسيرا بجرمه.

ثم بكى وقال : إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئس منقلبه وقد قتل عترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وأباح الحرم وخرب الكعبة » (3).

وقد تهدم بذلك ملك آل أبي سفيان على يد معاوية بن يزيد الذي

ص: 15


1- تاريخ ابن الأثير 3 / 328.
2- جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب ( ص 133 ).
3- النجوم الزاهرة 1 / 164.

هو أنبل أموي عرفه التأريخ.

ويقول المؤرخون : إنه تبرأ من أبيه ، ونظم ذلك في بيتين من الشعر وهما :

يا ليت لي بيزيد حين أنتسب *** أبا سواه وان أزرى بي النسب

برئت من فعله واللّه يشهد لي *** إني برئت وذا في اللّه قد يجب

وعلى أي حال فان مروان لم يكن يحلم بالخلافة ، وقد كان عازما ومصمما على البيعة لابن الزبير إلا أن عبيد اللّه بن زياد منعه عن ذلك (1) وقد رشحه للخلافة الحصين فقد زعم أنه رأى في منامه أن قنديلا معلق في السماء وان من يلي الخلافة يتناوله فلم يتناوله أحد إلا مروان (2) وقص ذلك على أهل الشام فاستجابوا له وانبرى روح بن زنباع فخطب في أهل الشام قائلا :

« يا أهل الشام هذا مروان بن الحكم شيخ قريش ، والطالب بدم عثمان ، والمقاتل لعلي بن أبي طالب يوم الجمل ، ويوم صفين ، فبايعوا الكبير ... » (3).

وتسابق الغوغاء إلى مبايعة مروان ، وهو أول خليفة للدولة المروانية التي عانى المسلمون في ظلالها الجور والفقر والحرمان.

وفاته :

ولم تطل خلافة مروان ، فقد كانت كلعقة الكلب أنفه - على حد تعبير

ص: 16


1- مروج الذهب 3 / 31.
2- تاريخ ابن الأثير 3 / 327.
3- تأريخ اليعقوبي 3 / 3.

الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) - (1) أما سبب وفاته فتعزوه بعض المصادر إلى زوجته أم خالد بن يزيد بن معاوية لأنه عيره بها حسبما يقول بعض المؤرخين (2) وقد انطوت بموته صفحة من صفحات الخيانة والباطل والاثم.

عبد الملك بن مروان :

بويع له بالخلافة في حياة أبيه ، ولما هلك أبوه جددت له البيعة بدمشق ومصر (3) ويقول المؤرخون : إنه كان قبل أن يتقلد الخلافة يظهر النسك والعبادة ، فلما بشر بالملك كان بيده المصحف الكريم فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك ، أو قال : هذا فراق بيني وبينك (4) وصدق فيما قال : فقد فارق كتاب اللّه وسنة نبيه منذ اللحظة الأولى التي تقلد فيها الحكم ، فقد أثرت عنه من الأعمال ما باعدت بينه وبين الاسلام والقرآن ونلمح إلى بعض شئونه وأحواله.

صفاته :

اشارة

ولم تتوفر في عبد الملك أية نزعة شريفة أو صفة كريمة كأبيه مروان فقد كان - فيما أجمع عليه المؤرخون - قد اتصف بأخس الصفات وأحطها ومن بينها :

ص: 17


1- شرح ابن أبي الحديد 2 / 53.
2- تأريخ اليعقوبي 3 / 4.
3- تأريخ ابن كثير 8 / 260.
4- تأريخ ابن كثير 8 / 260.
1 - الجبروت :

كان عبد الملك طاغية جبارا ، ويقول فيه المنصور : كان عبد الملك جبارا لا يبالي ما صنع (1) وكان فاتكا لا يعرف الرحمة والعدل ، وقد قال : في خطبته بعد قتله لابن الزبير : لا يأمرني أحد بتقوى اللّه بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه (2) لقد تخلى عن ذكر اللّه ، وأمن مكره ، وعقابه ، وهو أول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء (3).

2 - الغدر :

وظاهرة اخرى من صفاته التي عرف بها وهي الغدر ، ونكث العهد فقد أعطى الأمان لعمرو بن سعيد الأشدق على أن تكون الخلافة له من بعده إلا أنه خان بعهده فغدر به ، وقتله ورمى برأسه إلى أصحابه (4) ولم يرع وشيجة النسب التي تربطه مع عمرو ، فلم يعن بها ودفعه حب الملك والسلطان إلى الغدر به ويقول بعض الشعراء في ذلك :

يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد *** جربتم الغدر من أبناء مروانا

أمسوا وقد قتلوا عمروا وما رشدوا *** يدعون غدرا بعهد اللّه كيسانا

ص: 18


1- النزاع والتخاصم للمقريزي ( ص 8 ).
2- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 219 ).
3- تأريخ الخلفاء ( ص 218 ).
4- تأريخ اليعقوبي 3 / 16.

ويقتلون الرجال الذل ضاحية *** لكي يولوا أمور الناس ولدانا

تلاعبوا بكتاب اللّه فاتخذوا *** هواهم في معاصي اللّه قرآنا (1)

لقد خاف عبد الملك من الأشدق ، ولو كان حيا لأتخذ التدابير في القضاء على حكم بني مروان ولكن اللّه قد انتقم منه لأنه كان جبارا قد أسرف في اراقة دماء المسلمين وأشاع فيهم الخوف والرعب.

3 - القسوة والجفاء :

من الصفات البارزة في عبد الملك القسوة والجفاء فقد انعدمت من نفسه الرحمة والرأفة ، فكان فيما يقول المؤرخون : قد بالغ باراقة الدماء وسفكها بغير حق ، وقد اعترف بذلك ، فقد قالت له أم الدرداء : بلغني أنك شربت الطلى - يعني الخمر - بعد العبادة والنسك ، فقال لها غير متأثم :

« اي واللّه والدماء شربتها » (2).

وقد نشر الشكل والحزن والحداد في بيوت المسلمين أيام حكمه الرهيب فقد خطب في يثرب بعد قتله لابن الزبير خطابا قاسيا أعرب فيه عما يحمله في قرارة نفسه من القسوة والسوء قائلا :

« إني لا اداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم .. » (3).

ص: 19


1- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 218 ).
2- تأريخ الطبري
3- تأريخ ابن كثير 9 / 64.

وما كان مثل ذلك الضمير المتحجر الذي ران عليه الباطل أن يعي الرحمة والرفق بالمسلمين ، وإنما كان يعي القتل وسفك الدماء ، والتنكيل بالناس بغير حق.

4 - البخل :

ومن ذاتيات عبد الملك البخل فكان يسمى ( رشح الحجارة ) لشدة شحه وبخله (1) وقد عانت الأمة في أيام حكمه الجوع والفقر والحرمان هذه بعض صفات عبد الملك ، وذاتياته ، وهي تنم عن انسان لا عهد له بالمثل والقيم الكريمة.

نقله الحج إلى بيت المقدس :

وخاف عبد الملك أن يتصل ابن الزبير بأهل الشام فيفسدهم عليه فمنعهم من الحج ، فقالوا له : أتمنعنا من الحج وهو فريضة فرضها اللّه ، فقال قال ابن شهاب الزهري يروى عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) انه قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد بيت المقدس.

وصرفهم بذلك عن الحج إلى بيت اللّه الحرام ، وصيره إلى بيت المقدس وقد استغل الصخرة التي فيه ، وقد روى فيها أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) قد وضع قدمه عليها حين صعوده إلى السماء فأقامها لهم مقام الكعبة فبنى

ص: 20


1- تأريخ القضاعي ( ص 72 ).

عليها قبة وعلى فوقها ستور الديباج ، وأقام لها سدنة ، وأمر الناس أن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة (1).

انتقاصه لسلفه

وانتقص عبد الملك سلفه من حكام بني أمية ، وقد أدلى بذلك في خطابه الذي ألقاه في يثرب ، فقد جاء فيه : « إني واللّه ما أنا بالخليفة ، المستضعف - يعني عثمان - ولا بالخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا بالخليفة المأفون (2) - يعني يزيد - » وعلق ابن أبي الحديد على هذه الكلمات بقوله « وهؤلاء سلفه وأئمته ، وبشفعتهم قام ذلك المقام ، وبتقدمهم وتأسيسهم نال تلك الرئاسة ، ولو لا العادة المتقدمة ، والأجناد المجندة والصنائع القائمة ، لكان أبعد خلق اللّه من ذلك المقام ، وأقربهم إلى المهلكة إن رام ذلك الشرف ... » (3).

ولايته لحجاج

وأخطر عمل قام به عبد الملك ولايته للحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد عهد بأمور المسلمين إلى هذا الانسان الممسوخ الذي هو من أقذر من عرفته البشرية في جميع مراحل التأريخ ... لقد منحه عبد الملك صلاحيات

ص: 21


1- اليعقوبي 2 / 311.
2- المأفون : الضعيف الرأي.
3- شرح ابن أبي الحديد 15 / 257.

واسعة النطاق ، فجعله يتصرف في امور الدولة حسب رغباته وميوله التي لم تكن تخضع إلا إلى منطق البطش والاستبداد ، وقد أمعن هذا المجرم الأثيم في النكاية بالناس ، وقهرهم واذلالهم ، واخضاعهم للظلم والجور ،

وقد خلق في البلاد الخاضعة لنفوذه جوا من الأزمات السياسة التي لا عهد للناس بمثلها ... ونعرض إلى ما قيل فيه ، وإلى بعض صفاته وأعماله التي سود فيها وجه التأريخ ، وفيما يلي ذلك.

تنبؤ النبي عنه

واستشف النبي (صلی اللّه عليه وآله) من وراء الغيب ما يجري على امته من الظلم والجور ، على يد الحجاج ، فقد روت أسماء بنت أبي بكر قالت : إني سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) يقول : « منافق ثقيف يملأ اللّه به زاوية من زوايا جهنم ، يبيد الخلق ، ويقذف الكعبة بأحجارها إلا لعنة اللّه عليه ... » (1).

أخبار الامام أمير المؤمنين عنه

وأخبر الامام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله) عن الحجاج وما يعانيه المسلمون في عهده من الظلم ما لا يوصف لفضاعته وقسوته ، ويقول المؤرخون ان الامام (عليه السلام) دعا على أهل الكوفة حينما خذلوه ، وتمردوا عليه قال (عليه السلام) : « اللّهم اني ائتمنتهم فخانوني ، ونصحتهم فغشوني اللّهم

ص: 22


1- الامامة والسياسة 2 / 45.

فسلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهلية ... » (1).

لقد سلط اللّه عليهم الحجاج فصب عليهم وابلا من العذاب ، وسقاهم كأسا مصبرة ، وأرغمهم على الذل والعبودية.

وروى حبيب بن أبي ثابت : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لرجل :

لا تموت حتى تدرك فتى ثقيف ، قيل يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف؟ قال علیه السلام : ليقالن له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنم ، رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين ، فلا يدع لله معصية إلا ارتكبها حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وبينها وبينه باب مغلق لكسره حتى يرتكبها يقتل من أطاعه (2) بمن عصاه ... » (3).

الناقمون على الحجاج :

ونقم علماء المسلمين وخيارهم على الحجاج ، وهذه بعض كلماتهم :

1 - عمر بن عبد العزيز :

وكان عمر بن عبد العزيز من الناقمين على الحجاج ، والساخطين عليه ، قال فيه : « لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم » (4).

2 - عاصم :

قال عاصم : « ما بقيت لله عز وجل حرمة إلا وقد ارتكبها

ص: 23


1- نهاية الأرب 21 / 334.
2- نهاية الأرب 21 / 334.
3- جاء في الكامل : يقتل بمن أطاعه من عصاه.
4- نهاية الأرب : 21 / 334.

الحجاج » (1).

3 - القاسم :

قال القاسم بن مخيمرة : « كان الحجاج ينقض عرى الاسلام عروة عروة » (2).

4 - زاذان :

وكان زاذان من الناقمين على الحجاج ، وقد قال : « كان الحجاج مفلسا من دينه » (3).

5 - طاوس :

قال طاوس : « عجبت لمن يسمي الحجاج مؤمنا » (4).

إلى غير ذلك من الكلمات التي أعربت عن خبثه وانه من سوءات التأريخ.

من صفاته :

واتصف الحجاج بجميع الصفات الكريهة والنزعات الشريرة فقد انطوت نفسه على الخبث والشر ، والحقد على الناس ، ومن مظاهر صفاته ما يلي :

أ - كان الحجاج قد خلق للجريمة والإساءة إلى الناس ، فلم يعرف الاحسان والمعروف ، ولما أراد الحج ولى على العراق شخصا اسمه محمد ، وقد خطب بين الناس فقال لهم : إني قد استعملت عليكم محمدا ، وقد أوصيته فيكم خلاف وصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) بالأنصار فانه قد أوصى أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، وقد أوصيته أن لا يقبل من

ص: 24


1- تأريخ ابن كثير 9 / 132.
2- تهذيب التهذيب 2 / 311.
3- تهذيب التهذيب 2 / 311.
4- تهذيب التهذيب 2 / 311.

محسنكم ، ولا يتجاوز عن مسيئكم ... » (1).

وخليق بهذا الانسان الممسوخ أن يخالف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ويشذ عن سيرته وسنته.

ب - ومن أبرز صفات هذا الطاغية سفكه للدماء ، يقول الدميري : « كان الحجاج لا يصبر عن سفك الدماء ، وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته اراقته للدماء ، وارتكاب امور لا يقدر عليها غيره » (2) وقد بالغ في قتل الناس بغير حق ، فقد كان عدد من قتلهم صبرا - سوى من قتل في حروبه - مائة وعشرين ألفا (3) وقيل مائة وثلاثون ألفا (4) وقد أعترف رسميا بسفكه للدماء بغير حق يقول : « واللّه ما أعلم اليوم رجلا على ظهر الأرض هو أجرا على دم مني » (5) وقد أنكر عليه عبد الملك اسرافه في ذلك إلا أنه لم يعن به (6). وقد وضع سيفه في رقاب القراء والعباد لأنهم أيدوا ثورة ابن الأشعث ، ومن جملة من قتلهم سعيد بن جبير من علماء الكوفة وزهادها ، وأحد أعلام الشيعة في ذلك العصر ، ولما بلغ الحسن البصري قتله قال : واللّه لقد مات سعيد بن جبير يوم

ص: 25


1- مروج الذهب 3 / 86.
2- حياة الحيوان للدميري 1 / 167.
3- تهذيب التهذيب 2 / 211 ، تيسير الوصول 4 / 31 ، التنبيه والاشراف ( ص 318 ) معجم البلدان 5 / 349.
4- حياة الحيوان 1 / 170 ، تأريخ الطبري.
5- طبقات ابن سعد 6 / 66.
6- مروج الذهب 3 / 74.

مات وأهل الأرض من مشرقها إلى مغربها محتاجون لعلمه (1).

ج - ومن صفاته أنه كان عبوسا سيئ الخلق ، لم يظهر منه لندمائه بشاشة ، ولا سماحة في الخلق (2) لقد كان فظا غليظا تنفر منه النفوس فقد غرق في الجريمة والاثم ... هذه بعض مظاهر شخصيته وصفاته.

كفره والحاده :

وحكم جماعة من أعلام المسلمين بكفره وإلحاده ، منهم سعيد بن جبير والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي وغيرهم (3) أما ما يدلل على كفره فاراقته لدماء المسلمين بغير حق ، واشاعته للخوف والارهاب بين الناس ، ولو كان مسلما لما فعل ذلك ، كما أثرت عنه بعض التصريحات التي أدلى بها وهي تدل على كفره ، ومن بينها ما يلي : الاستهانة بالنبي :

واستهان الحجاج بالنبي العظيم (صلی اللّه عليه وآله) ففضل عبد الملك بن مروان عليه فقد خاطب اللّه تعالى أمام الناس قائلا : « ارسلوك أفضل - يعني النبي - أم خليفتك - يعني عبد الملك - » (4) وكان ينقم ويسخر من الذين يزورون قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله) ويقول : « تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية ، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ، ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من

ص: 26


1- حياة الحيوان 1 / 171.
2- مروج الذهب 3 / 81.
3- تهذيب التهذيب 2 / 211.
4- النزاع والتخاصم للمقريزي ( ص 27 ) رسائل الجاحظ ( ص 297 ).

رسوله » (1) وعلق الدينوري على كلامه هذا بقوله : إنما كفروه - يعني الحجاج - بهذا لأن في هذا الكلام تكذيبا لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) .. فانه صح عنه (صلی اللّه عليه وآله) ان اللّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (2).

لقد دلت تصريحاته ، وأعماله على كفره ، ومروقه من الدين ، وانه لا علاقة له باللّه ، ولو كان يرجو لله وقارا ، ويؤمن باليوم الآخر لما أقترف تلك الاعمال التي باعدت بينه وبين اللّه ، وبقيت سمة عار وخزي عليه وعلى الحكم الاموي.

من جرائمه :

وحفل حكم هذا الخبيث بالجرائم والموبقات ، ومن بينها :

التنكيل بالشيعة :

ونكل الطاغية الفاجر بشيعة آل البيت (عليهم السلام) فأذاع فيهم القتل ، وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد ، وقد كان عبد الملك قد كتب إليه « جنبني دماء بني عبد المطلب فليس فيها شفاء من الحرب ، وإني رأيت آل بني حرب قد سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين بن علي » (3).

ص: 27


1- شرح النهج 15 / 242.
2- حياة الحيوان للدميري 1 / 170.
3- العقد الفريد 3 / 149.

ولكن الحجاج قد تعرض إلى شيعة العلويين فانطلقت يده في الفتك بهم وسفك دمائهم حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له من شيعة علي (1) ويقول المؤرخون إن خير وسيلة للتقرب إلى الحجاج هي انتقاص الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد أقبل إليه بعض المرتزقة من أوغاد الناس وأجلافهم وهو رافع عقيرته قائلا :

« أيها الامير ، ان أهلي عقوني فسموني عليا ، وإني فقير بائس ، وأنا إلى صلة الامير محتاج ... ».

فسر الحجاج بذلك وقال : « للطف ما توسلت به ، فقد وليتك موضع كذا » (2).

وعلى أي حال فقد ذهبت الشيعة في عهد هذا الجلاد طعمة للسيوف والرماح ، فقد نكل بهم وقتلهم تحت كل حجر ومدر وأودع الكثيرين منهم في ظلمات السجون ... لقد أثار الحجاج في صفوف الشيعة جوا من الارهاب ، لم تشهد له الشيعة مثيلا حتى في أيام الطاغية زياد ، وابنه عبيد اللّه.

محنة الكوفة :

وامتحنت الكوفة في أيام هذا الجبار كأشد ما تكون المحنة ، فقد أخذ يقتل على الظنة والتهمة ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر وقد خطب في الكوفة خطابا قاسيا ، لم يحمد اللّه ، ولم يثن عليه ، ولم

ص: 28


1- شرح النهج
2- حياة الامام الحسن بن علي 2 / 336.

يصل على النبي (صلی اللّه عليه وآله) وكان من جملة ما قاله فيه :

« يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق ، والنفاق ، والمراق ، ومساوئ الاخلاق ان أمير المؤمنين - يعني عبد الملك - فتل كنانته فعجمها عودا عودا ، فوجدني من أمرها عودا ، وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وأنه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقى السيف (1) ثم قال : اني واللّه لارى أبصارا طامحة ، وأعناقا متطاولة ، ورءوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإني أنا صاحبها كأني أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى (2) ثم أنشد :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

ومضى الجلاد فشهر السيف وأطاح بالرؤوس ، ونشر من الرعب والارهاب ما لا يوصف حتى قال له أبو وائل الاسدي : « وأيم اللّه ما أعلم الناس هابوا أميرا قط هيبتهم إياك » (3) وبلغ من عظيم خوف الناس انه لم يبق أحد في مجلسه إلا اهمته نفسه ، وارتعدت فرائصه كما يقول بعضهم (4).

لقد امتحن العراقيون امتحانا عسيرا في زمن الحجاج ، فقد صب عليهم وابلا من العذاب الاليم.

ص: 29


1- تأريخ اليعقوبي 3 / 68.
2- مروج الذهب 3 / 68.
3- طبقات ابن سعد 6 / 66.
4- طبقات ابن سعد 6 / 66.

رمي الكعبة بالمنجنيق

ومن جرائم هذا الطاغية انه قاد جيشا مكثفا إلى مكة لمحاربة ابن الزبير ، وقد حاصر البيت الحرام ستة أشهر وسبع عشر ليلة ، وقد امر برمي الكعبة المشرفة فرميت من جبل أبي قبيس بالمنجنيق ، وكان قومه يرمون الكعبة ويرتجزون.

خطارة مثل الفنيق المزيد *** نرمي بها اعواد هذا المسجد

(1) ودام الحصار حتى قتل عبد اللّه بن الزبير ، وصلب منكوسا وبعث برأسه الى عبد الملك فأمر ان يطاف به في البلاد (2) ولم يرجو وقارا لبيت اللّه الحرام الذي من دخله كان آمنا فقد انتهك حرمته ، وقبله يزيد بن معاوية لم يقم له اي حرمة.

سجونه :

واتخذ الطاغية سجونا لا تقي من حر ولا برد ، وكان يعذب المساجين بأقسى الوان العذاب ، فكان يشد على بدن السجين القصب الفارسي الشقوق ويجر عليه حتى يسيل دمه ، ويقول المؤرخون انه مات في حبسه خمسون الف رجل ، وثلاثون الف امرأة منهن ستة عشر الفا مجردات كان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد (3) واحصي في محبسه ثلاث وثلاثون

ص: 30


1- تهذيب ابن عساكر 4 / 50.
2- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 84 ) تأريخ ابن كثير 9 / 63.
3- حياة الحيوان للدميري 1 / 170.

الف سجين لم يحبسوا في دين ولا تبعة (1) وكان يقول لاهل السجن : ( اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ ) (2) شبههم بأهل النار ، وشبه نفسه بالخالق تعالى ، عتوا وتكبرا منه.

ومن طريف ما يذكر ان بعض القراء روى ان الحجاج قرأ في سورة هود ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) فلم يدر أهي عمل أم عمل ، فقال : ائتوني بقارئ ، فأتوا بي وقد قام من مجلسه فحبست ، ونسيني الحجاج حتى عرض السجن بعد ستة أشهر فلما ان انتهى إلي قال : فيم حبست؟ قلت : في ابن نوح أصلح اللّه الامير فضحك وأطلقني.

هلاكه :

وأهلك اللّه هذا المجرم الخبيث الذي أغرق البلاد بالمحن والخطوب فقد أصابته الاكلة في بطنه ، وسلط اللّه عليه الزمهرير فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة نارا ، وتدنى منه حتى تحرق جلده ، وهو لا يحس بها وأخذت منه الآلام مأخذا عظيما فشكا ما هو فيه إلى الحسن البصري فقال له : قد كنت نهيتك أن تتعرض للصالحين ، فلججت ، فقال له : يا حسن لا أسألك أن تسأل اللّه أن يفرج عني ، ولكن أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ، ولا يطيل عذابي (3) وظل الجلاد يعاني آلام الموت وشدة

ص: 31


1- معجم البلدان 5 / 349.
2- تهذيب التهذيب 2 / 212.
3- وفيات الاعيان 6 / 347.

النزع حتى هلك (1) ومضت روحه الخبيثة إلى جهنم مقرنة بالاصفاد وقد انكسر بموته باب الجور ، وانحسرت روح الظلم ، فاهون به هالكا ومفقودا ولما بلغ هلاكه الحسن البصري قال اللّهم أنت أمته ، فأمت سنته أتانا أخيفش اعيمش قصير البنان ، واللّه ما عرق له عذار في سبيل اللّه قط فمن كفا كبره ، فقال : بايعوني وإلا ضربت أعناقكم (2).

وتلقى المسلمون نبأ وفاته بمزيد من السرور والافراح ، وكانت الشتائم تلاحقه من يوم وفاته حتى يرث اللّه الارض ومن عليها.

عبد الملك مع الأخطل :

كان الاخطل شاعر بني أميّة ولسانهم الناطق ، وكان أثيرا عند عبد الملك فقد دخل عليه وهو ثمل يترنح فأنشده البيتين.

إذا ما نديمي علني ثم علني *** ثلاث زجاجات لهن هدير

خرجت أجر الذيل تيها كأنني *** عليك أمير المؤمنين أمير

ولم يتخذ معه أي أجراء حاسم.

وقد قال لعبد الملك حينما عرض عليه الاسلام إن آمنت احللت لي الخمر ، ووضعت عني صوم رمضان اسلمت ، فقال له عبد الملك : إن أنت أسلمت ثم قصرت في شيء من الاسلام ضربت عنقك.

فقال الاخطل :

ولست بصائم رمضان عمري *** ولست بآكل لحم الاضاحي

ص: 32


1- كان هلاكه في شهر رمضان وقيل في شوال سنة ( 95 ه ) وكان عمره ثلاثا أو أربعا وخمسين سنة ، وفيات الاعيان 1 / 437.
2- تهذيب التهذيب 2 / 213.

ولست بزاجر عنسا بكورا *** إلى بطحاء مكة للنجاح

ولست بقائم كالعير يدعو *** قبيل الصبح حي على الفلاح

ولكني سأشربها شمولا *** وأسجد عند منبلج الصباح

وكان يخرج من بلاط عبد الملك ولحيته تقطر من الخمر ، وكان عبد الملك يغدق عليه بالاموال لانه قد استخدمه في مدحه ، ومما قال فيه :

إلى إمام تغادينا فواضله *** أظفره اللّه فليهنأ له الظفر

الخائض الغمر والميمون طائره *** خليفة اللّه يستسقى به المطر

والمستمر به أمر الجميع فما *** يغره بعد توكيد له غرر (1)

نفسي فداء أمير المؤمنين إذا *** أبدى النواجذ يوما عارم ذكر (2)

لقد أشاد الأخطل بعبد الملك ، ومدحه في كثير من المناسبات ، وقد شكره عبد الملك فكان يدخل عليه بغير اذن وفي عنقه سلسلة من ذهب وصليب وكان عبد الملك يسميه مرة شاعر أمير المؤمنين ، ومرة شاعر بني أمية ، وثالثة شاعر العرب (3).

الامام مع عبد الملك :

وابتلي المسلمون في ذلك العصر برجل من القدرية أفسد عليهم دينهم ولم يهتدوا إلى رد شبهه وابطال مزاعمه ، ورأى عبد الملك انه لا طريق لافحامه إلا الامام محمد الباقر (عليه السلام) فكتب إلى عامله على يثرب رسالة

ص: 33


1- الغرر : الهلاك.
2- ديوان الأخطل ( ص 98 ).
3- الأغاني 8 / 287.

يطلب فيها احضار الامام إلى دمشق ، والتلطف معه ، وعرض حاكم يثرب على الامام رسالة عبد الملك ، فاعتذر الامام (عليه السلام) عن السفر لأنه شيخ لا طاقة له على عناء السفر ولكنه أناب عنه ولده جعفر الصادق للقيام بهذه المهمة ، وسافر الامام الصادق إلى دمشق فلما حضر عند عبد الملك قال له : قد أعيانا هذا القدري ، وإني أحب أن أجمع بينك وبينه ، فانه لم يدع أحدا إلا خصمه ، وأمر باحضاره فلما حضر عنده أمره الامام بقراءة الفاتحة ، فبهر القدري ، وأخذ بقراءتها ، فلما بلغ قوله تعالى : « ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) » قال له الامام.

« من نستعين؟ وما حاجتك إلى المعرفة إن كان الأمر إليك ... »

وبان العجز على القدري ، ولم يطق جوابا (1) وواصل الامام حديثه في لبطال مزاعمه ورد شبهه.

الايعاز باعتقال الامام :

وأوعز عبد الملك إلى عامله على يثرب باعتقال الامام (عليه السلام) وارساله إليه مخفورا ، وتردد عامله في اجابته ورأى أن من الحكمة اغلاق ما أمر به فأجابه بما يلي :

« ليس كتابي هذا خلافا عليك ، ولا ردا لأمرك ، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة وشفقة عليك ، فان الرجل الذي أردته ليس على وجه الأرض اليوم أعف منه ، ولا أزهد ، ولا أورع منه ، وانه ليقرأ في محرابه فيجتمع الطير والسباع إليه تعجبا لصوته ، وإن قراءته

ص: 34


1- تفسير العياشي 1 / 23.

لتشبه مزامير أل داود ، وإنه لمن أعلم الناس ، وأرأف الناس ، وأشد الناس اجتهادا وعبادة ، فكرهت لأمير المؤمنين التعرض له ، فان اللّه لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم ... » وكشفت هذه الرسالة عن صفحات مشرقة من صفات الامام أبي جعفر (عليه السلام) والتي كان منها :

1 - إنه أعف أهل الأرض فليس أحد يدانيه أو يساويه في هذه الظاهرة التي هي من أميز الصفات.

2 - إنه أزهد أهل الدنيا وانه قد بنى واقع حياته على الزهد ، والابتعاد عن زخارف الحياة.

3 - إنه أورع الناس عن محارم اللّه.

4 - إنه كان وحيدا في قراءته للقرآن الكريم فكانت قراءته له كمزامير آل داود.

5 - إنه أعلم الناس بأحكام الدين وشئون الشريعة وغيرها من سائر العلوم.

6 - إنه أرأف الناس بالناس ، وأشدهم عطفا وحنانا على الفقراء والمحرومين.

7 - إنه كان أكثر الناس اجتهادا في الطاعة ، والاقبال على اللّه والاتصال به.

وهذه الصفات هي التي تقول بها الشيعة في الامام ، وليس بها غلو أو خروج عن منطق الحق.

وعلى أي حال فان هذه الرسالة لما وافت عبد الملك عدل عن رأيه في اعتقال الامام (عليه السلام) ورأى أن الصواب فيما قاله عامله (1).

ص: 35


1- الدر النظيم ( ص 188 ) ضياء العالمين الجزء الثاني في أحوال الامام الباقر (عليه السلام).

الامام وتحرير النقد الاسلامي :

وقام الامام أبو جعفر (عليه السلام) بأسمى خدمة للعالم الاسلامي ، فقد حرر النقد من التبعية إلى الامبراطورية الرومية ، حيث كان يصنع هناك ويحمل شعار الروم ، وقد جعله الامام (عليه السلام) مستقلا بنفسه يحمل الشعار الاسلامي ، وقطع الصلة بينه وبين الروم ، أما السبب في ذلك فهو ان عبد الملك بن مروان نظر إلى قرطاس قد طرز بمصر فأمر بترجمته إلى العربية ، فترجم له ، وقد كتب عليه الشعار المسيحي الأب والابن والروح فأنكر ذلك ، وكتب إلى عامله على مصر عبد العزيز بن مروان بابطال ذلك وأن يحمل المطرزين للثياب والقراطيس وغيرها على أن يطرزوها بشعار التوحيد ، ويكتبوا عليها ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) وكتب إلى عماله في جميع الآفاق بابطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم ، ومعاقبة من وجد عنده شيء بعد هذا النهي ، وقام المطرزون بكتابة ذلك ، فانتشرت في الآفاق ، وحملت إلى الروم ولما علم ملك الروم بذلك انتفخت أوداجه ، واستشاط غيظا وغضبا فكتب إلى عبد الملك أن عمل القراطيس بمصر ، وسائر ما يطرز إنما يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته ، فان كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت ، وإن كنت قد أصبت فقد أخطئوا ، فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت ، وقد بعثت إليك بهدية تشبه محلك ، وأحببت أن تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الاعلاق حالة أشكرك عليها وتأمر بقبض الهدية.

ص: 36

ولما قرأ عبد الملك الرسالة أعلم الرسول أنه لا جواب له عنده كما رد الهدية ، وقفل الرسول إلى ملك الروم فأخبره الخبر ، فضاعف الهدية وكتب إليه ثانيا يطلب باعادة ما نسخه من الشعار ، ولما انتهى الرسول إلى عبد الملك رده ، مع هديته ، وظل مصمما على فكرته ، فمضى الرسول إلى ملك الروم وعرفه بالأمر ، فكتب إلى عبد الملك يتهدده ويتوعده وقد جاء في رسالته :

« انك قد استخففت بجوابي وهديتي ، ولم تسعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها ، فجريت على سبيلك الأول وقد أضعفتها ثالثة وأنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما كان عليه أو لآمرن بنقش الدنانير والدراهم ، فانك تعلم أنه لا ينقش شيء منها إلا ما ينقش في بلادي ، ولم تكن الدراهم والدنانير نقشت في الاسلام ، فينقش عليها شتم نبيك ، فاذا قرأته أرفض جبينك عرقا ، فأحب أن تقبل هديتي ، وترد الطراز إلى ما كان عليه ، ويكون فعل ذلك هدية تودني بها ، وتبقى الحال بيني وبينك ... ».

ولما قرأ عبد الملك كتابه ضاقت عليه الأرض ، وحار كيف يصنع ، وراح يقول : احسبني أشأم مولود في الاسلام ، لأني جنيت على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من شتم هذا الكافر ، وسيبقى علي هذا العار إلى آخر الدنيا فان النقد الذي توعدني به ملك الروم إذا طبع سوف يتناول في جميع أنحاء العالم.

وجمع عبد الملك الناس ، وعرض عليهم الأمر فلم يجد عند أحد رأيا حاسما ، وأشار عليه روح بن زنباع ، فقال له : إنك لتعلم المخرج من هذا الأمر ، ولكنك تتعمد تركه ، فأنكر عليه عبد الملك وقال له :

ص: 37

« ويحك من؟ ».

« عليك بالباقر من أهل بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله) ».

فأذعن عبد الملك ، وصدقه على رأيه ، وعرفه أنه غاب عليه الأمر ، وكتب من فوره إلى عامله على يثرب يأمره باشخاص الامام وأن يقوم برعايته والاحتفاء به ، وأن يجهزه بمائة ألف درهم ، وثلاثمائة ألف درهم لنفقته ، ولما انتهى الكتاب إلى العامل قام بما عهد إليه ، وخرج الامام من يثرب إلى دمشق فلما سار إليها استقبله عبد الملك ، واحتفى به ، وعرض عليه الأمر فقال (عليه السلام) :

« لا يعظم هذا عليك فانه ليس بشيء من جهتين : إحداهما ان اللّه عز وجل لم يكن؟؟؟ ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) والأخرى وجود الحيلة فيه ... ».

وطفق عبد الملك قائلا :

« ما هي؟ ».

قال (عليه السلام) : تدعو في هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير ، وتجعل النقش صورة التوحيد وذكر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) احدهما في وجه الدرهم ، والآخر في الوجه الثاني ، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي يضرب فيها ، وتعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة إلى العشرة منها وزن عشرة مثاقيل ، وعشرة منها وزن ستة مثاقيل ، وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل ، فتكون أوزانها جميعا واحدا وعشرين مثقالا ، فتجزئها من الثلاثين فيصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل ، وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان ، فتضرب الدراهم على وزن

ص: 38

عشرة ، والدنانير على وزن سبعة مثاقيل ... وأمره بضرب السكة على هذا اللون في جميع مناطق العالم الاسلامي ، وأن يكون التعامل بها ، وتلغى السكة الأولى ، ويعاقب بأشد العقوبة من يتعامل بها ، وترجع إلى المعامل الاسلامية لتصب ثانيا على الوجه الاسلامي.

وامتثل عبد الملك ذلك ، فضرب السكة حسبما رآه الامام (عليه السلام) ولما فهم ملك الروم ذلك سقط ما في يده ، وخاب سعيه ، وظل التعامل بالسكة التي صممها الامام (عليه السلام) حتى في زمان العباسيين (1).

وذكر ابن كثير ان الذي قام بهذه العملية الامام زين العابدين علیه السلام (2)

وعلى أي حال فان العالم الاسلامي مدين للامام أبي جعفر بما أسداه إليه من الفضل بانقاذ نقده من تبعية الروم ، وجعله مستقلا بنفسه يصنع في بلد المسلمين ، ويحمل الشعار الاسلامي.

وفاة عبد الملك :

ومرض عبد الملك مرضه الذي هلك فيه ، وكان غير آمن ولا مطمئن فقد أخذت تراوده أعماله المنكرة وما اقترفه من الظلم والجور وسفك الدماء بغير حق في سبيل الملك والسلطان ، وأخذ يضرب بيده على رأسه ويقول : « وددت أني اكتسبت قوتي يوما بيوم ، واشتغلت بعبادة ربي

ص: 39


1- حياة الحيوان للدميري 1 / 63 - 64 ، المحاسن والأضداد للبيهقي ، المطالعة العربية 1 / 31.
2- البداية والنهاية 9 / 68.

عز وجل ، وطاعته » (1).

وعهد بالخلافة من بعده إلى ولده الوليد ، وأوصاه بالحجاج خيرا ، وقال له : وانظر الحجاج فأكرمه ، فانه هو الذي وطأ لكم المنابر ، وهو سيفك يا وليد ، ويدك على من ناواك ، فلا تسمعن فيه قول أحد ، وأنت إليه أحوج منه إليك ، وادع الناس إذا مت إلى البيعة ، فمن قال برأسه هكذا ، فقل : بسيفك هكذا ... » (2).

ومثلت هذه الوصية اندفاعاته نحو الشر حتى في الساعة الأخيرة من حياته ، فقد أوصى ولي عهده بالجلاد الحجاج الذي أغرق البلاد في الثكل والحزن والحداد ، كما أوصى بالقتل لكل من تحدثه نفسه بعدم الرضا بالحكم الأموي ، ولم يبق بعد هذه الوصية إلا لحظات ثم توفى ، وكانت وفاته في يوم الأربعاء في النصف من شوال سنة ( 86 ه ) (3) وقد سئل عنه الحسن البصري فقال : ما أقول في رجل كان الحجاج سيئة من سيئاته (4).

الوليد بن عبد الملك :

وولي الوليد الخلافة بعد هلاك أبيه ، ويقول المؤرخون : انه لم تكن فيه أية صفة من صفات النبل تؤهله إلى الخلافة ، وإنما كان جبارا

ص: 40


1- البداية والنهاية 9 / 68.
2- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 220 ).
3- البداية والنهاية 9 / 68.
4- تأريخ أبي الفداء 1 / 209.

ظالما (1) وكان يغلب عليه اللحن ، وقد خطب في المسجد النبوي. فقال : يا أهل المدينة - بالضم - مع أن القاعدة تقتضي نصبه لأنه منادى مضاف.

وخطب يوما فقال : يا ليتها كانت القاضية ، وضم التاء فقال عمر بن عبد العزيز : عليك وأراحتنا منك (2) وعاتبه أبوه على إلحانه ، وقال : إنه لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم ، فجمع أهل النحو ودخل بيتا فلم يخرج منه ستة اشهر ، ثم خرج منه ، وهو أجهل منه يوم دخل (3).

وطعن عمر بن عبد العزيز في حكومته فقال : إنه ممن امتلأت الأرض به جورا (4) ويقول المؤرخون : إنه كان كثير النكاح والطلاق يقال إنه تزوج ثلاثا وستين امرأة (5) غير الإماء.

وهو الذي بنى مسجد دمشق الكبير المعروف بالجامع الأموي أنفق عليه نحو ستة ملايين دينار ذهبي من نقود زماننا (6) ، كما زاد في مسجد النبي (صلی اللّه عليه وآله) وزخرفه ، ونمقه ورصعه بالفسيفساء ، وأدخل فيه حجر أزواج النبي (صلی اللّه عليه وآله) وسائر المنازل التي حوله (7).

وفي عهد الوليد قتل الحجاج سعيد بن جبير صبرا وكان قتله من الأحداث الجسام التي روع بها العالم الاسلامي.

ص: 41


1- تأريخ الخلفاء ( ص 223 ).
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 138.
3- تأريخ ابن الأثير 4 / 138.
4- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 223 ).
5- الانافة في مآثر الخلافة 1 / 133.
6- الاعلام للزركلي 9 / 141.
7- الانافة في مآثر الخلافة 1 / 133.

وكانت مدة خلافته تسع سنين وسبعة أشهر ، توفى بدير مروان سنة ( 96 ه ) وكان عمره خمسا وأربعين سنة (1).

سليمان بن عبد الملك :

بويع له بعهد من أبيه بعد هلاك أخيه في جمادى الآخرة سنة ( 96 ه ) وقد نكل بآل الحجاج تنكيلا فظيعا ، وقد عهد بتعذيبهم إلى عبد الملك ابن المهلب (2) وعزل جميع عمال الحجاج واطلق في يوم واحد من سجنه واحدا وثمانين ألفا ، وأمرهم أن يلحقوا بأهاليهم ، ووجد في السجن ثلاثين ألفا ممن لا ذنب لهم وثلاثين ألف امرأة (3) وكانت هذه من مآثره وألطافه على الناس.

وكان مجحفا أشد الاجحاف في جباية الخراج فقد كتب إلى عامله على مصر اسامة بن زيد التنوخي رسالة جاء فيها « احلب الدر حتى ينقطع ، واحلب الدم حتى ينصرم » وقدم عليه اسامة بما جباه من الخراج ، وقال له : إني ما جئتك حتى نهكت الرعية ، وجهدت فان رأيت أن ترفق بها وترفه عليها ، وتخفف من خراجها ما تقوى به على عمارة بلادها فافعل فانه يستدرك ذلك في العام المقبل فصاح به سليمان :

« هبلتك أمك احلب الدر ، فاذا انقطع فاحلب الدم » (4).

ص: 42


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 138.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 138.
3- تأريخ ابن عساكر 5 / 80.
4- الجهشياري ( ص 32 ).

ودلت هذه البادرة على تجرده من الرحمة والرأفة على رعيته ، فقد أمات الحركة الاقتصادية ، وأشاع الفقر والبؤس في البلاد.

وفاته :

ويقول المؤرخون : إنه كان شديد الاعجاب بنفسه ، وقد لبس أفخر ثيابه وراح يقول : أنا الملك الشاب المهاب ، الكريم ، الوهاب ، وتمثلت أمامه احدى جواريه فقال لها :

« كيف ترين أمير المؤمنين؟!! ».

« أراه منى النفس ، وقرة العين ، لو لا ما قال الشاعر .. ».

« ما قال :؟ ».

« إنه قال : ».

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى *** غير أن لا بقاء للانسان

أنت من لا يريبنا منك شيء *** علم اللّه غير أنك فان

ليس فيما بدا لنا منك عيب *** يا سليمان غير أنك فان

فكانت هذه الأبيات كالصاعقة على رأسه ، فقد تبدد جبروته واعجابه بنفسه ، ويقول المؤرخون : انه لم يمكث إلا زمنا يسيرا حتى هلك (1) وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام ، وتوفى يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة ( 99 ه ) (2).

ص: 43


1- مروج الذهب 3 / 113.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 151.

عمر بن عبد العزيز :

هو مفخرة البيت الأموي ، وسيد ملوكهم ، ونجيب بني أمية - كما يقول الامام أبو جعفر - (1) تقلد الخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك وذلك في يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة ( 99 ه ) (2) ولمس الناس في عهده القصير الأمن ، والرفاه ، فقد أزال عنهم جور بني مروان وطغيانهم ، وكان محنكا ، وقد هذبته التجارب ، وقام على تكوينه عقل متزن ، وقد ساس المسلمين سياسة رشيدة لم يألفوها من قبله ، وكانت له ألطاف ، وأياد بيضاء على العلويين تذكر له بالخير على امتداد التأريخ ومن بينها :

رفع السب عن الامام علي :

وكانت الحكومة الأموية منذ تأسيسها قد تبنت بصورة ايجابية سب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وانتقاصه ، وقد رأوا أن ذاك هو السبب في بقاء دولتهم وبقاء سلطانهم ، لأن مبادئ الامام (عليه السلام) وما أثر عنه من روائع صور العدل السياسي والاجتماعي تطاردهم وتفتح أبواب النضال الشعبي ضد سياستهم القائمة على الظلم والجور والطغيان.

وقد أدرك عمر بن عبد العزيز بوعيه ، وأصالة تفكيره أن السياسة

ص: 44


1- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 230 ).
2- نهاية الأرب 21 / 355.

التي انتهجها آباؤه ضد الامام (عليه السلام) لم تكن حكيمة ولا رشيدة ، فقد جرت للأمويين الكثير من المصاعب والمشاكل ، وألقتهم في شر عظيم ، فعزم على أن يمحو هذه الخطيئة ، فأصدر أوامره الحاسمة والمشرفة إلى جميع أنحاء العالم الاسلامي برفع السب عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأن يقرأ عوض السب ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ) وقد علل هو السبب في تركه لما سنه آباؤه من انتقاص الامام يقول : كان أبي إذا خطب فنال من علي تلجلج ، فقلت : يا أبت إنك تمضي في خطبتك فاذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا ، قال : أو فطنت لذلك؟ قلت : نعم ، فقال : يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم تفرقوا عنا إلى أولاده ، فلما ولي الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا مثل أبطال سب الامام (1) وقد أثارت هذه المكرمة إعجاب الجميع ، وأخذ الناس يتحدثون عنه بأطيب الذكر ويذكرون شجاعته النادرة في مخالفته لسلفه ، وقد وفد عليه الشاعر الكبير كثير عزة ، فتلا عليه هذه الأبيات :

وليت فلم تشتم عليا ولم تخف *** بريا ولم تتبع مقالة مجرم

تكلمت بالحق المبين وإنما *** تبين آيات الهدى بالتكلم

وصدقت معروف الذي قلت بالذي *** فعلت فأضحى راضيا كل مسلم

ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه *** من الأود الباقي ثقاف المقوم

لقد لبست لبس الملوك ببابها *** وأبدت لك الدنيا بكف ومعصم

وتومض أحيانا بعين مريضة *** وتبسم عن مثل الجمان المنظم

فأعرضت عنها مشمئزا كأنما *** سقتك مدوفا من سمام وعلقم

ص: 45


1- تأريخ ابن الأثير 44 / 154.

وقد كنت من أجيالها في ممنع *** ومن بحرها في مزبد الموج منهم

وما زلت سباقا إلى كل غاية *** صعدت بها أعلى البناء المقدم

فلما رآك الملك عفوا ولم يكن *** لطالب دنيا بعده من تكلم

تركت الذي يفنى وان كان مونقا *** وآثرت ما يبقى برأي مصمم

فاضررت بالفاني وشمرت للذي *** أمامك في يوم من الهول مظلم

ومالك ان كنت الخليفة مانع *** سوى اللّه من مال رغيب ولا دم

سما لك هم في الفؤاد مؤرق *** صعدت به أعلى المعالي بسلم

فما بين شرق الأرض والغرب كلها *** مناد ينادي من فصيح وأعجم

يقول أمير المؤمنين : ظلمتني *** بأخذ لدينار ولا أخذ درهم

ولا بسط كف لامرئ ظالم له *** ولا الفك منه ظالما ملء محجم

فلو يستطيع المسلمون تقسموا *** لك الشطر من أعمارهم غير ندم

فعشت به ما حج لله راكب *** مغذ مطيف بالمقام وزمزم

فاربح بها من صفقة لمبايع *** واعظم بها ثم اعظم (1)

ولم يمدح أحد من ملوك بني أمية بمثل هذه الرائعة ، فقد رفعته إلى أفذاذ الخالدين ، وقد افتتحها بمكرمته في منع السب عن الامام أمير المؤمنين علیه السلام ثم صور سياسته القائمة على الزهد والاحسان إلى الرعية ، وقد أحب المسلمون سياسته حتى انهم يتمنون أن يفدوه بأعمارهم ليطول عمره وتمتد حياته.

وعقب عمر على هذه الأبيات بقوله : أفلحنا اذن (2) لقد أفلح لأنه أرضى ضميره ، ولم يخن الأمة في سبه لقائد مسيرتها ، وعملاقها العظيم

ص: 46


1- الأغاني 8 / 148.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 654.

الامام أمير المؤمنين (عليه السلام).

وأثنى عليه ومدحه بعاطر المدح الشريف الرضي يقول :

يا بن عبد العزيز لو بكت الع *** ين فتى من أمية لبكيتك

غير أني أقول : إنك قد طب *** ت وان لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب والقذ *** ف فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولو اني رأيت قبرك لاستحيي *** ت من أن أرى وما حييتك

وقليل أن لو بذلت دماء الب *** دن ضربا على الذرى وسقيتك

دير سمعان فيك مأوى أبي حفص*** فبودي لو انني آويتك

دير سمعان لا أغبك غيث *** خير ميت من آل مروان ميتك (1)

لقد قدم الشريف الرضي إلى عمر آيات الشكر والولاء ، وأعرب عن عميق وده بهذه الأبيات فهو لا ينسى فضله ولطفه على العلويين بما أسداء عليهم من رفع السب عن سيدهم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام).

صلته للعلويين :

وجهدت الحكومة الأموية منذ تأسيسها على حرمان أهل البيت (عليهم السلام) من حقوقهم واشاعة الفاقة في بيوتهم ، وقد عانوا الفقر والحرمان ، ولكن لما ولي الحكم عمر بن عبد العزيز أجزل لهم العطاء فقد كتب إلى عامله على يثرب أن يقسم فيهم عشرة آلاف دينار ، فأجابه عامله : ان عليا قد ولد له في عدة قبائل من قريش ففي أي ولده؟ فكتب إليه : إذا أتاك كتابي هذا ، فاقسم في ولد علي من فاطمة رضوان اللّه عليهم عشرة

ص: 47


1- شرح ابن أبي الحديد 1 / 357.

ألاف دينار ، فطالما تخطتهم حقوقهم » (1) وكانت هذه أول صلة تصلهم أيام الحكم الأموي.

رد فدك :

والبادرة الكريمة التي قام بها عمر بن عبد العزيز أنه رد فدكا إلى العلويين بعد أن صودرت منهم ، وأخذت تتعاقب عليها الأيدي ، وتتناهب الرجال وارداتها ، وآل النبي (صلی اللّه عليه وآله) قد حرموا منها ، وقد روى رده لها بصور متعددة منها :

1 - إن عمر بن عبد العزيز زار مدينة النبي (صلی اللّه عليه وآله) وأمر مناديه أن ينادي من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر ، فقصده الامام أبو جعفر علیه السلام فقام إليه عمر تكريما واحتفى به فقال الامام (عليه السلام) له : « إنما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرهم ، فلم يصبحوا حتى آتاهم للموت فخرجوا من الدنيا ملومين ، لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن واللّه حقيقيون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها ، فنكف عنها ، واتق اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين ، انظر إلى ما تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك ، وانظر إلى ما تكره معك إذا قدمت على ربك فارمه وراءك ، ولا ترغبن في سلعة بادرت على من كان قبلك ، فترجو أن يجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصف المظلوم ، ورد الظالم ،

ص: 48


1- المناقب 4 / 207 - 208.

ثلاثة من كن فيه استكمل الايمان باللّه من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له ... » وقد وعظه الامام بهذه الكلمات القيمة ، وأوصاه بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، إلا أنه (عليه السلام) لم يذكر فيها ظلامة أهل البيت في فدك ، وغيرها.

ولما سمع عمر كلام الامام (عليه السلام) أمر بدواة وبياض ، وكتب بعد البسملة : « هذا ما رد عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب بفدك ».

2 - إنه لما ولي الخلافة أحضر قريشا ووجوه الناس ، فقال لهم : إن فدكا كانت بيد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ، فكان يضعها حيث أراه اللّه ، ثم وليها أبو بكر كذلك ، ثم عمر كذلك ، ثم اقطعها مروان (1) ثم انها صارت إلى ، ولم تكن من مالي أعود منها علي ، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) (2).

وليس في هذه الرواية أنه ردها إلى العلويين ، وإنما وضعها حيث كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) يضعها ومن المعلوم أن رسول اللّه أقطعها إلى بضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) وتصرفت (عليهاالسلام) بها في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ولكن القوم رغبوا في مصادرتها لمصالح سياسية دعتهم إلى ذلك.

3 - إن عمر بن عبد العزيز لما أعلن رد فدك إلى العلويين نقم عليه بنو أمية فقالوا له : نقمت على الشيخين - يعني أبا بكر وعمر - فعلهما

ص: 49


1- هكذا في الأصل والصحيح ثم اقطعها عثمان مروان.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 164.

وطعنت عليهما ، ونسبتهما إلى الظلم ، والغصب ، فقال : قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ادعت فدكا ، وكانت في يدها ، وما كانت لتكذب على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) مع شهادة علي ، وأم أيمن وأم سلمة ، وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي ، وإن لم تقم البينة وهي سيدة نساء الجنة ، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي يوم القيامة ، ولو كنت بدل أبي بكر وادعت فاطمة (عليه السلام) كنت أصدقها على دعوتها ، ثم سلمها إلى الامام الباقر (عليه السلام) (1).

هذه بعض الأقوال التي ذكرت في رد عمر فدكا للعلويين ، وبذلك فقد خالف سلفه الحاقدين على أهل البيت (عليهم السلام) والمبغضين لهم.

مع الامام الباقر :

اشارة

وكانت بين الامام أبي جعفر (عليه السلام) وعمر بن عبد العزيز عدة التقاءات واتصالات كان من بينها :

1 - تنبؤ الامام بخلافة عمر :

وأخبر الامام (عليه السلام) بخلافة عمر بن عبد العزيز وذلك قبل أن تصير إليه الخلافة ، يقول أبو بصير : كنت مع الامام أبي جعفر (عليه السلام) في المسجد إذ دخل عمر بن عبد العزيز ، وعليه ثوبان ممصران ، فقال (عليه السلام) :

ص: 50


1- سفينة البحار 2 / 272.

ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، إلا أنه قدح في ولايته من جهة وجود من هو أولى منه بالحكم (1).

2 - تكريم عمر للامام :

ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كرم الامام أبا جعفر (عليه السلام) وعظمه وقد أرسل خلفه فنون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ، وكان من عباد أهل الكوفة ، فاستجاب له الامام (عليه السلام) وسافر إلى دمشق ، فاستقبله عمر استقبالا رائعا ، واحتفى به ، وجرت بينهما أحاديث ، وبقي الامام أياما في ضيافته ولما أراد الامام الانصراف إلى يثرب خف إلى توديعه فجاء إلى البلاط الأموي وعرف الحاجب بأمره فأخبر عمر بذلك ، فخرج رسوله فنادى أين أبو جعفر ليدخل فاشفق الامام أن يدخل خشية أن لا يكون هو ، فقفل الحاجب إلى عمر وأخبره بعدم حضور الامام ، فقال له : كيف قلت؟ قال : قلت : أين أبو جعفر؟ فقال له : اخرج وقل أين محمد بن علي؟ ففعل ذلك ، فقام الامام ، ودخل عليه وحدثه ثم قال له : إني أريد الوداع ، فقال له عمر : أوصني.

قال (عليه السلام) : « أوصيك بتقوى اللّه ، وأن نتخذ الكبير أبا ، والصغير ولدا والرجل أخا ... ».

وبهر عمر من وصية الامام وراح يقول باعجاب :

« جمعت واللّه لنا ، ما ان أخذنا به ، وأعاننا اللّه عليه استقام لنا الخير ان شاء اللّه ... ».

ص: 51


1- سفينة البحار 2 / 127 ، الخرائج والجرائح مخطوط.

وخرج الامام من عنده ، ولما أراد الرحيل بادره رسول عمر فقال له : إن عمر يريد أن يأتيك ، فانتظره الامام حتى أقبل فجلس بين يدي الامام مبالغة في تكريمه وتعظيمه ، ثم انصرف عنه (1).

3 - مراسلة عمر للامام :

ونقلت مباحث الأمويين إلى عمر أن الامام أبا جعفر (عليه السلام) هو بقية أهله العظماء الذين رفعوا راية الحق والعدل في الأرض ، وقد أراد عمر أن يختبره فكتب إليه فأجابه الامام برسالة فيها موعظة ونصيحة له ، فقال عمر : اخرجوا كتابه إلى سليمان ، فاخرج له فاذا فيه تقريظ ومدح له ، فانفذه إلى عامله على يثرب ، وأمره أن يعرضه عليه مع كتابه إلى عمر ، ويسجل ما يقوله الامام (عليه السلام) : وعرضه العامل على الامام فقال (عليه السلام) : إن سليمان كان جبارا كتبت إليه ما يكتب إلى الجبارين ، وان صاحبك أظهر أمرا ، وكتبت إليه بما شاكله ، وكتب العامل هذه الكلمات إلى عمر فلما قرأها أبدى اعجابه بالامام ، وراح يقول :

« إن أهل هذا البيت لا يخليهم اللّه من فضل ... » (2).

هذه بعض التقاءات الامام بعمر بن عبد العزيز ، وهي تكشف عن أصالة رأي عمر ، وأصالة تفكيره في تقديره للامام ، وتعظيمه له.

ص: 52


1- تأريخ دمشق 51 / 38.
2- تأريخ اليعقوبي 2 / 48.

اتهام رخيص :

واتهم عمر بن عبد العزيز باتّهام رخيص لم يكن له أساس من الصحة والواقع فقد اتهم بأنه لم يكن يعرف أوقات الصلاة المفروضة وقد نقل ذلك الدكتور علي حسن عن بعض المصادر (1) وهو بعيد كل البعد عن الواقع وعن سيرة هذا الرجل العظيم الذي عرف بالتقوى ومجالسة العلماء والفقهاء فكيف تخفى عليه أوقات الصلاة التي هي من أعظم الواجبات الاسلامية.

مؤاخذات :

ووجهت لعمر بن عبد العزيز بعض المؤخذات ومن بينها :

1 - إنه أقر القطائع التي أقطعها الخلفاء والسابقون من أهل بيته ، وهي من دون شك كانت بغير وجه مشروع.

2 - إن عماله وولاته على الأقطار والأقاليم الاسلامية قد جهدوا في ظلم الناس وابتزاز أموالهم يقول كعب الأشعري مخاطبا له :

إن كنت تحفظ ما يليك فانما *** عمال أرضك بالبلاد ذئاب

لن يستجيبوا للذي تدعو له *** حتى تجلد بالسيوف رقاب

بأكف منصلتين أهل بصائر *** في وقعهن مزاجر وعقاب (2)

ص: 53


1- نظرة عامة في تأريخ الفقه الاسلامي ( ص 110 ).
2- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 305.

وكان عمر يخطب على المنبر فانبرى إليه رجل فقطع عليه خطابه ، وقال له :

إن الذين بعثت في أقطارها *** نبذوا كتابك واستحل المحرم

طلس الثياب على منابر أرضنا *** كل يجور وكلهم يتظلم

وأردت أن يلي الأمانة منهم *** عدل وهيهات الأمين المسلم

(1) 3 - إنه أقر العطاء الذي كان للأشراف ، فلم يغيره في حين أنه يتنافى مع المبادئ الاسلامية التي ألزمت بالمساواة بين المسلمين ، وألغت التمايز بينهم.

4 - إنه زاد في عطاء أهل الشام عشرة دنانير ، ولم يفعل مثل ذلك في أهل العراق (2). ولا وجه لهذا التمييز الذي يتصادم مع روح الاسلام وواقعه.

هذه بعض المؤاخذات التي تواجه سياسة عمر بن عبد العزيز وهي بالنسبة إليه كثيرة لأن الرجل - كما يقول مترجموه - قد تبنى العدل في سياسته.

وفاته :

وألمت الأمراض بعمر بن عبد العزيز ، ويقول المؤرخون : إنه امتنع من التداوي فقيل له : لو تداويت؟ قال : لو كان دوائي في مسح أذني

ص: 54


1- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 305.
2- تأريخ اليعقوبي 2 / 48.

ما مسحتها ، نعم المذهوب إليه ربي (1) وتنص بعض المصادر إنه سقي السم من قبل الأمويين لأنهم علموا أنه إن امتدت أيامه فسوف يخرج الأمر منهم ، ولا يعهد بالخلافة إلا لمن يصلح لها فعاجلوه (2).

توفي في دير سمعان سنة ( 101 ه ) في شهر رجب (3) وقد ترك الرجل سيرة حسنة كانت من مواضع الاعتزاز والفخر.

يزيد بن عبد الملك :

ولي الخلافة يزيد بن عبد الملك بعهد من أخيه سليمان ، وأقام أربعين يوما يسير بين الناس بسياسة عمر بن عبد العزيز ، فشق ذلك على بني أمية ، فأتوه باربعين شيخا فشهدوا عنده بأنه ليس على الخلفاء حساب ، ولا عقاب (4) فعدل عن سياسة عمر ، وساس الناس سياسة عنف وجبروت وعمد إلى عزل جميع ولاة عمر ، وكتب مرسوما إلى عماله جاء فيه : « أما بعد فان عمر بن عبد العزيز كان مغرورا ، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده ، واعيدوا الناس إلى طبقتهم الأولى أخصبوا أم أجدبوا ، أحبوا أم كرهوا ، حيوا أم ماتوا ... » (5) وعاد الظلم على الناس بأبشع صوره وألوانه ، وانتشر الجور ، وعم الطغيان جميع أنحاء البلاد.

ص: 55


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 161.
2- الانافة في مآثر الخلافة 1 / 142.
3- تأريخ ابن الأثير 4 / 161.
4- تأريخ ابن كثير 9 / 232.
5- العقد الفريد 3 / 180.

ومما تجدر الاشارة إليه أن يزيد بن عبد الملك كان جاهلا ، وحقودا على أهل العلم ، فكان يحتقر العلماء ، ويسمي الحسن البصري بالشيخ الجاهل (1) كما كان مسرفا في اللّهو والمجون هام بحب حبابة ، وقد ثمل يوما ، فقال : دعوني أطير ، فقالت حبابة : على من تدع الأمة؟ قال : عليك (2) وخرجت معه إلى الأردن يتنزهان فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ، ومرضت ، وماتت فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى انتنت ، وهو يشمها ، ويقبلها ، وينظر إليها ويبكي ، فكلم في أمرها حتى أذن في دفنها ، وعاد إلى مقره كئيبا حزينا (3) ويقول المسعودي : إنه أقام على قبرها ، وهو يقول :

فان تسل عنك النفس أو تدع الهوى *** فباليأس تسلو النفس لا بالتجلد

(4) وقيل انه نبشها بعد الدفن حتى شاهدها (5) وله أخبار كثيرة مخزية

في الدعارة واللّهو أعرضنا عن ذكرها ، هلك سنة ( 105 ه ).

هشام بن عبد الملك :

بويع هشام بن عبد الملك في اليوم الذي هلك فيه أخوه يزيد وهو يوم الجمعة لخمس بقين من شوال سنة ( 105 ه ) وهو أحول بني أمية

ص: 56


1- الطبقات الكبرى 5 / 95.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 191.
3- تأريخ ابن الأثير 4 / 191.
4- مروج الذهب 3 / 139 ، البدء والتأريخ 3 / 48.
5- الانافة في مآثر الخلافة 1 / 146

وكان حقودا على ذوي الاحساب العريقة ، ومبغضا لكل شريف ، وفيه يقول الشاعر :

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد *** وعين له حولاء باد عيوبها

ومن مظاهر ذاته البخل فكان يقول : ضع الدرهم على الدرهم يكون مالا (1) وقد جمع من المال ما لم يجمعه خليفة قبله (2) وقال : ما ندمت على شيء ندامتي على ما أهب أن الخلافة تحتاج إلى الأموال كاحتياج المريض إلى الدواء (3) ودخل إلى بستان له فيها فاكهة فجعل أصحابه يأكلون من ثمرها ، فأوعز إلى غلامه بقلع الأشجار وزراعة الزيتون لئلا يأكل منه أحد (4) وكان له قباء أخضر كان يلبسه أميرا وخليفة (5) ووصفه اليعقوبي بانه بخيل فظ ظلوم شديد القسوة ، بعيد الرحمة ، طويل اللسان (6) ، وكان شديد البغض للعلويين ، وهو الذي قتل زيد بن علي ، وتعرض الامام أبو جعفر (عليه السلام) في عهده إلى ضروب من المحن والآلام كان من بينها ما يلي :

الامام في دمشق :

وأمر الطاغية هشام عامله على يثرب بحمل الامام إلى دمشق وقد روى

ص: 57


1- البخلاء ( ص 150 ).
2- اخبار الدول 2 / 200.
3- انساب الأشراف.
4- البخلاء ( ص 105 ).
5- الآداب السلطانية.
6- تأريخ اليعقوبي 2 / 393.

المؤرخون في ذلك بروايتين :

الرواية الاولى إن الامام (عليه السلام) لما انتهى إلى دمشق ، وعلم هشام بقدومه أو عز إلى حاشيته إنه ان دخل عليه الامام قابلوه بمزيد من التوهين والتوبيخ عند ما ينتهي حديثه معه ، ودخل الامام (عليه السلام) على هشام فسلم على القوم ولم يسلم عليه بالخلافة ، فاستشاط غضبا ، وأقبل على الامام (عليه السلام) فقال له :

« يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الامام سفها وقلة علم .. ».

وسكت هشام فانبرى عملاؤه فجعلوا ينالون من الامام ويسخرون منه ووثب (عليه السلام) فقال :

« أيها الناس : أين تذهبون؟ وأين يراد بكم؟ بنا هدى اللّه أولكم وبنا يختم آخركم ، فان يكن لكم ملك معجل ، فان لنا ملكا مؤجلا ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة ، والعاقبة للمتقين .. » (1).

وخرج (عليه السلام) وقد ملأ نفوسهم حزنا وأسى ، ولم يستطيعوا الرد على منطقه الفياض.

خطاب الامام في دمشق :

وازدحم أهل الشام على الامام. وهم يقولون : هذا ابن أبي تراب! وكانوا ينظرون إليه نظرة حقد وعداء ، فرأى (عليه السلام) أن يهديهم الى سواء السبيل ، ويعرفهم بحقيقة أهل البيت ، فقام فيهم خطيبا ، فحمد اللّه واثنى عليه ، وصلى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ثم قال :

ص: 58


1- بحار الانوار 11 / 75.

اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرية النفاق ، وحشو النار ، وحصب جهنم عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت ، وكان أمر اللّه مفعولا .... ثم قال بعد كلام له :

أبصنو رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) - يعني الامام امير المؤمنين - تستهزئون أم بيعسوب الدين تلمزون؟ وأي سبل بعده تسلكون؟ وأي حزن بعده تدفعون ، هيهات برز - واللّه - بالسبق وفاز بالخصل واستولى على الغاية ، واحرز على الختار (1) فانحسرت عنه الابصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وفرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي ، واعياه الطلب ، فانى لهم التناوش (2) من مكان بعيد ، وأنشد :

اقلوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

اولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا *** وان عاهدوا أوفوا وان عقدوا شدوا

فأنى يسد ثلمة أخي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) إذ شفعوا ، وشقيقه إذ نسبوا ونديده إذ قتلوا ، وذي قرنى كنزها إذ فتحوا ، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا ، والمشهود له بالايمان إذ كفروا ، وللمدعي لبذ عهد المشركين إذ نكلوا والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع الاسرار ساعة الوداع .. » (3).

ص: 59


1- الختار : الغدر.
2- التناوش : التناول.
3- المناقب 4 / 203 - 204.

وأكبر الظن ان هذه الفقرات مقتطفات من خطابه ، وهي وإن كانت متقطعة إلا أنها قد عنت بنشر مآثر أهل البيت ، والتدليل على فضائلهم أمام ذلك المجتمع الذي تربى على عدائهم وبغضهم.

اعتقال الامام :

ولما ذاع فضل الامام بين أهل الشام ، أمر الطاغية باعتقاله في السجن وقد احتف به السجناء وهم يتلقون من علومه وآدابه ، وخشي مدير السجن من الفتنة فبادر إلى هشام فأخبره بذلك فامره باخراجه من السجن ، وارجاعه إلى بلده (1).

هذا ما ورد في الرواية الأولى في مجيء الامام (عليه السلام) إلى دمشق وما جرى له مع هشام.

الرواية الثانية : رواها لوط بن يحيى الاسدي عن عمارة بن زيد الواقدي قال : حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حج فيها الامام محمد بن علي الباقر وابنه الامام جعفر الصادق (عليه السلام) فقال جعفر أمام حشد من الناس فيهم مسلمة بن عبد الملك :

« الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ، واكرمنا به ، فنحن صفوة اللّه على خلقه ، وخيرته من عباده ، فالسعيد من تبعنا ، والشقي من عادانا وخالفنا .. ».

وبادر مسلمة بن عبد الملك إلى أخيه هشام فأخبره بمقالة الامام الصادق فأسرها هشام في نفسه ، ولم يتعرض للإمامين بسوء في الحجاز إلا أنه لما قفل راجعا إلى دمشق أمر عامله على يثرب باشخاصهما إليه

ص: 60


1- بحار الأنوار : 11 / 75.

ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام ، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما ، وفي اليوم الرابع أذن لهما في مقابلته ، وكان مجلسه مكتظا بالأمويين وسائر حاشيته ، وقد نصب ندماؤه برحاصا وأشياخ بني أمية يرمونه ، يقول الامام الصادق (عليه السلام) : فلما دخلنا ، كان أبي أمامي وأنا خلفه فنادى هشام :

« يا محمد ارم مع أشياخ قومك .. ».

فقال أبي : « قد كبرت عن الرمي ، فان رأيت أن تعفيني .. ». فصاح هشام : « وحق من أعزنا بدينه ، ونبيه محمد (صلی اللّه عليه وآله) لا أعفيك .. » وظن الطاغية أن الامام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام ، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الامام (عليه السلام) قوسه ، فناوله ، وتناول معه سهما فوضعه في كبد القوس ، ورمى به الغرض فأصاب وسطه ، ثم تناول سهما فرمى به فشق السهم الأول الى نصله ، وتابع الامام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، ولم يحصل بعض ذلك إلى أعظم رام في العالم ، وجعل هشام ، يضطرب من الغيظ وورم أنفه ، فلم يتمالك أن صاح :

« يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم!! وزعمت أنك قد كبرت!! » ثم أدركته الندامة على تقريظه للامام ، فأطرق برأسه إلى الأرض والامام واقف ، ولما طال وقوفه غضب (عليه السلام) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف وكان إذا غضب نظر إلى السماء ، ولما بصر هشام غضب الامام قام إليه واعتنقه ، وأجلسه عن يمينه ، وأقبل عليه بوجهه قائلا :

« يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ، ما دام فيها مثلك لله درك!! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر

ص: 61

مثل رميك؟ .. ».

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : « إنا لحن نتوارث الكمال ».

وثار الطاغية ، واحمر وجهه ، وهو يتميز من الغيظ. وأطرق برأسه إلى الأرض ، ثم رفع رأسه ، وراح يقول :

« ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ .. ».

ورد عليه الامام مزاعمه قائلا :

« نحن كذلك ، ولكن اللّه اختصنا من مكنون سره ، وخالص علمه بما لم يخص به أحدا غيرنا .. ».

وطفق هشام قائلا :

أليس اللّه بعث محمدا (صلی اللّه عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول اللّه مبعوث إلى الناس كافة ، وذلك قول اللّه عز وجل : ( وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فمن أين ورثتم هذا العلم؟ وليس بعد محمد نبي ، ولا أنتم أنبياء .. ».

ورد عليه الامام ببالغ الحجة قائلا :

« من قوله تعالى لنبيه : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فالذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره اللّه تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه ، وأنزل اللّه به قرآنا في قوله : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : سألت اللّه أن يجعلها أذنك يا علي ، فلذلك قال علي : علمني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ، خصه به النبي (صلی اللّه عليه وآله) من مكنون سره ، كما خص اللّه نبيه ، وعلمه ما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى

ص: 62

صار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا .. » والتاع هشام ، فالتفت إلى الامام وهو غضبان قائلا :

« إن عليا كان يدري علم الغيب؟ واللّه لم يطلع على غيبه أحدا ، فمن أين ادعى ذلك؟ .. ».

وأجابه الامام (عليه السلام) بالواقع المشرق من جوانب حياة الامام أمير المؤمنين علیه السلام قائلا :

« إن اللّه أنزل على نبيه كتابا بين دفتيه فيه ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) وفي قوله تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) وفي قوله تعالى : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) وفي قوله : « وما من آية في السماء والأرض آية إلا في كتاب مبين » وأوحى اللّه إلى نبيه أن لا يبقي في عيبة سره ، ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ، ويتولى غسله وتحنيطه من دون قومه ، وقال لاصحابه : حرام على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فانه مني ، وأنا منه ، له ما لي ، وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني ، ومنجز موعدي ، ثم قال لاصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وعامه إلا عند علي ، ولذلك قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : « أقضاكم علي » أي هو قاضيكم ، وقال عمر بن الخطاب : لو لا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره .. ».

وأطرق هشام برأسه إلى الأرض ، ولم يجد منفذا يسلك فيه للرد على الامام ، فقال له :

« سل حاجتك .. ».

ص: 63

قال الامام (عليه السلام) : « خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي .. ».

قال هشام : آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم ، فلا تقم وسر من يومك .. » (1).

وهذه الرواية لم تشر إلى ما جرى على الامام من الاعتقال في دمشق ، كما أن الرواية الأولى قد أهملت جميع ما جاء في الرواية الثانية.

الامام مع قسيس :

ولما كان الامام أبو جعفر (عليه السلام) في الشام التقى مع قسيس من كبار علماء النصارى وجرت بينهما مناظرة اعترف القسيس بعجزه ، وعدم استطاعته على محاججة الامام ومناظرته ، وهذا نصها : قال أبو بصير : قال أبو جعفر (عليه السلام) : مررت بالشام ، وأنا متوجه إلى بعض خلفاء بني أمية فاذا قوم يمرون ، فقلت : أين تريدون؟ قالوا : إلى عالم لم نر مثله ، يخبرنا بمصلحة شأننا ، قال (عليه السلام) : فتبعتهم حتى دخلوا بهوا عظيما فيه خلق كثير ، فلم ألبث أن خرج شيخ كبير متوكّئ على رجلين ، قد سقطت حاجباه على عينيه ، وقد شدهما فلما استقر به المجلس نظر إلي وقال :

- منا أنت أم من الامة المرحومة؟

- من الأمة المرحومة.

- أمن علمائها أم من جهالها؟

- لست من جهالها.

ص: 64


1- ضياء العالمين الجزء الثاني ، دلائل الامامة ( ص 104 - 106 ).

- أنتم الذين تزعمون أنكم تذهبون إلى الجنة فتأكلون وتشربون ، ولا تحدثون؟!

- نعم.

- هات على هذا برهانا.

- نعم الجنين يأكل في بطن أمه من طعامها ، ويشرب من شرابها ، ولا يحدث.

- ألست زعمت أنك لست من علمائها؟

- قلت : لست من جهالها.

- اخبرني عن ساعة ليست من النهار ، ولا من الليل؟

- هذه ساعة من طلوع الشمس ، لا نعدها من ليلها ، ولا من نهارنا وفيها تفيق المرضى.

وبهر القسيس ، وراح يقول للامام :

- ألست زعمت أنك لست من علمائها.

- إنما قلت : لست من جهالها.

- واللّه لأسألنك عن مسألة ترتطم فيها.

- هات ما عندك.

- اخبرني عن رجلين ولدا في ساعة واحدة ، وماتا في ساعة واحدة؟

عاش أحدهما مائة وخمسين سنة ، وعاش الآخر خمسين سنة؟

- ذاك عزير وعزيرة ، عاش أحدهما خمسين عاما ، ثم أماته اللّه مائة عام ، فقيل له كم لبثت؟ قال : يوما أو بعض يوم ، وعاش الآخر مائة وخمسين عاما ، ثم ماتا جميعا.

وصاح القسيس بأصحابه ، واللّه لا أكلمكم ، ولا ترون لي وجها اثنى عشر شهرا (1) ، فقد توهم أنهم عمدوا إلى ادخال الامام أبي جعفر (عليه السلام)

ص: 65


1- الدر النظيم ( ص 190 ) دلائل الامامة (106).

عليه لافحامه وفضيحته ، ونهض الامام أبو جعفر (عليه السلام) وأخذت أندية الشام تتحدث عن وفور فضله ، وقدراته العلمية.

اغلاق الحوانيت بوجه الامام :

وأمر الطاغية بمغادرة الامام أبي جعفر (عليه السلام) دمشق خوفا أن يفتتن الناس به ، ويتبلور الرأي العام ضد بني أمية ، وقد أوعز إلى أسواق المدن والمحلات التجارية الواقعة في الطريق أن تغلق محلاتها بوجهه ، ولا تبيع عليه أية بضاعة ، وقد أراد بذلك هلاك الامام (عليه السلام) والقضاء عليه ، وسارت قافلة الامام (عليه السلام) وقد أضناها الجوع والعطش فاجتازت على بعض المدن فبادر أهلها إلى اغلاق محلاتهم بوجه الامام ، ولما رأى الامام ذلك صعد على جبل هناك ، ورفع صوته قائلا :

« يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية اللّه ، يقول اللّه تعالى : بقية اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين ، وما أنا عليكم بحفيظ » وما أنهى الامام هذه الكلمات حتى بادر شيخ من شيوخ المدينة فنادى أهل قريته قائلا :

« يا قوم هذه واللّه دعوة شعيب ، واللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة ، وأطيعوني ، وكذبوني فيما تستأنفون فاني ناصح لكم .. ».

وفزع أهل القرية فاستجابوا لدعوة الشيخ الذي نصحهم ، ففتحوا حوانيتهم واشترى الامام ما يريده من المتاع (1) وفسدت مكيدة الطاغية وما دبره للامام (عليه السلام) وقد انتهت إليه الأنباء بفشل مؤامرته ولم يقف عند هذا الحد فقد أخذ يبغي له الغوائل حتى دس إليه السم ، كما سنذكر ذلك في نهاية البحث عن الامام (عليه السلام) وبهذا ينتهي بنا المطاف عن الملوك الذين عاصرهم الامام أبو جعفر.

ص: 66


1- المناقب 4 / 690 ، البحار 11 / 75.

عصر الإمام

اشارة

ص: 67

ص: 68

أما الحديث عن عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) وذكر الأحداث البارزة التي جرت فيه ، فانه - حسب الدراسات الحديثة - يعد من البحوث المنهجية التي لا غنى للباحث عنها ، فان دراسة العصر لها أشد التأثير في الكشف عن سلوك الشخص الذي يبحث عنه ، والوقوف على مكوناته الفكرية والاجتماعية ، فلم تكن اذن هذه الدراسة مما لا صلة لها بالموضوع وإنما هي داخلة في صميمه ، وجزء لا يتجزا منه.

لقد كان عصر الامام (عليه السلام) من أدق العصور الاسلامية ، وأكثرها حساسية فقد نشأت فيه الكثير من الفرق الاسلامية التي كانت من أخطر الظواهر الفكرية والاجتماعية في ذلك العصر ، كما تصارعت فيه الأحزاب السياسية كأشد ما يكون التصارع مما أدى إلى وقف المد الاسلامي ، والانحراف عن مجراه إلى مجرى آخر ليس فيه أي بصيص من النور والوعي.

وعلى أي حال فانا نبحث عن جميع مظاهر الحياة في ذلك العصر ، ولا نترك أي جانب منها ، وفيما يلي ذلك :

الفرق الاسلامية :

ونشأت في ذلك العصر كثير من الفرق الاسلامية ، وقد كان بعضها - فيما يقول المحققون - قد أنشئ بايعاز من الدولة الأموية أو بمساندتها لأسباب كان من أهمها مساندة الحكم الأموي ، وتبرير مواقفه واتجاهاته ، ونعرض - بايجاز - لدراسة بعض تلك الفرق رائدنا الاخلاص للحق مهما استطعنا إليه سبيلا.

ص: 69

المعتزلة :

ولعبت المعتزلة دورا خطيرا في تاريخ الحياة الفكرية والاجتماعية في ذلك العصر ، وتركت آثارا بعيدة المدى في الحياة العقلية الاسلامية ، كان منها تأسيس القواعد الفكرية التي قام عليها - فيما بعد - علم الكلام السني (1) ويرى ( كولد زيهر ) أن رجال المعتزلة هم أول من أدخلوا النزعة العقلية في الاسلام وصانوها (2). ولا بد لنا من وقفة قصيرة للبحث عن تأسيس الاعتزال ، ومبادئه ، وموقف الامام (عليه السلام) من قادته ، وغير ذلك فيما يتعلق بالموضوع.

تأسيس الاعتزال :

ويرى زهدي جار اللّه أن الاعتزال تأسس في بداية القرن الهجري الثاني في مدينة البصرة التي كانت مجمعا للعلم والأدب في الدولة الاسلامية (3) ولكن التحقيق أن الاعتزال كفكرة سياسية كانت أسبق من ذلك الوقت فقد تأسست حينما بويع الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فاعتزل جماعة بيعته كسعد بن أبي وقاص ، وعبد اللّه بن عمر ، واسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري ، فأطلق عليهم اسم المعتزلة ، كما أنهم لم يناصروا عليا

ص: 70


1- الفلسفة الاسلامية ( ص 170 ).
2- العقيدة والشريعة في الاسلام ( ص 102 ).
3- المعتزلة ( ص 1 ).

في معركة الجمل وصفين واعتزل الحرب الأحنف بن قيس فقال لقومه : « اعتزلوا الفتنة اصلح لكم » (1) فالاعتزال كفكرة سياسية ظهرت في ذلك الوقت ، أما أنها كمدرسة كلامية فقد ظهرت في أواخر القرن الأول الهجري.

الاعتزال والسياسة

إن الاعتزال بما يحمل من نزعات دينية ، ومناهج كلامية قد كان مساندا للحكم القائم في تلك العصور ، وقد عمل زعماؤه وأقطابه على مساندة السلطة وتبرير تصرفاتها السياسية ، فبالرغم مما كان يتظاهر به قادة الاعتزال من التقشف والزهد ، والنسك والعبادة فانهم كانوا من أجهزة الحكم القائم في تلك العصور ، أما ما يدعم ذلك فاقرارهم لامامة المفضول وجواز تقديمه على الفاضل ، وقد اتخذوا ذلك للقول بمشروعية خلافة الأمويين وغيرهم ممن تسلموا قيادة الحكم مع وجود من هو أعلم منهم بشئون الدين وأحكام الشريعة ، وقد نالوا بذلك التأييد المطلق من الأمويين واحترامهم وبعد انقلاب الحكم الأموي انضموا إلى الحكم العباسي فكانوا من أجهزته وأدواته ، وقد كان المنصور الدوانيقي على ما فيه من جفوة وقسوة ومعاداة للعلم والعلماء كان يكبر عمرو بن عبيد الزعيم الروحي للمعتزلة ، كما أن أحمد بن أبي دؤاد الزعيم الآخر للمعتزلة قد حظي بالاحترام والتبجيل من قبل ملوك بني العباس ، فقد قال فيه المعتصم : « هذا واللّه الذي يتزين بمثله ، ويبتهج بقربه ، ويعدل الوفا

ص: 71


1- فرق الشيعة ( ص 5 ).

من جنسه » (1) ومرض أحمد فعاده المعتصم ، وكان لا يعود أحدا من اخوته واجلاء أهله ، ولما قيل في ذلك أجاب « كيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق لي أجرا ، وأوجب إلي شكرا ، وأفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي » (2).

ويميل كل من المستشرق الايطالي « نلينو » والمستشرق « نيسبوح » إلى أن منشأ الاعتزال كان من أصل سياسي (3).

أما أحمد أمين فيقول : « إن جرأة المعتزلة في نقد الرجال هو بمثابة تأييد قوي للأمويين لأن نقد الخصوم ، ووضعهم موضع التحليل وتحكم العقل في الحكم لهم أو عليهم يزيل - على الأقل - فكرة تقديس علي التي كانت شائعة عند جماهير الناس » (4).

وعلى أي حال فان الاعتزال قد حظي بتكريم الحكم الأموي والعباسي ولو كان بمعزل عن تأييد السياسة القائمة في ذلك الوقت لما ظفر قادته بذلك التكريم من ملوك الأمويين والعباسيين.

الاعتزال والمسيحية

وليس من المنطق في شيء اتّهام المعتزلة بأنهم قد تأثروا فكريا بالمسيحية وأن هناك تشابها قويا بين آراء المعتزلة التي غرس بذورها الحسن البصري

ص: 72


1- مروج الذهب.
2- تأريخ بغداد 4 / 148 - 150.
3- دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية ( ص 106 ).
4- فجر الاسلام ( ص 295 ).

وبين آراء النساطرة الدينية المتأثرة بالفلسفة الاغريقية ، كما ذهب إلى ذلك ( دي بو ) يقول : إن هناك دلائل متفرقة على أن طائفة من المسلمين الأولين الذين قالوا : بالاختيار تتلمذوا لاساتذة مسيحين (1) وقد مال إلى ذلك الدكتور نعمان القاضي قال : وقد يعزو هذا ما قيل أن أول من تكلم في القدر نصراني من العراق وأسلم ثم عاد إلى نصرانيته وأخذ عنه معبد الجهني وعيلان الدمشقي ، وهما من مرجئة القدرية (2) وليس فيما ذكره الدكتور القاضي حجة على ما ذهب إليه فان أول من تكلم في القدر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقد أوضحوه ودللوا على ما ذهبوا إليه ، وعلى تقدير أن أول من تكلم بالقدر نصراني من العراق فليس معناه أن المعتزلة قد تأثرت بآرائه ، فالحق ان الاعتزال بما يحمل من أفكار دينية وفلسفية فانه غير متأثر مطلقا بالمسيحية ولا هو عيال عليها.

الاصول الاعتقادية :

اشارة

أما الأصول الاعتقادية العامة التي دانت بها للمعتزلة فهي خمسة مبادئ أساسية فمن اعتنقها ودان بها كان معتزليا ، ومن أنكر واحدا منها أو زاد عليها فقد فارق الاعتزال (3) وهي :

1 - التوحيد :

وأقوى المبادئ الخمسة التي تجمع عليها المعتزلة هي التوحيد ، وقد

ص: 73


1- تأريخ الفلسفة في الاسلام ( ص 49 ).
2- الفرق الاسلامية في العصر الاموي ( ص 290 ).
3- الفصل 2 / 113.

فسروه بتنزيه اللّه تعالى عن مشابهة المخلوقين ، فهو ليس جسما ، ولا عرضا ولا جوهرا ، ولا يحويه زمان ولا مكان ، وردوا كل ما يتعارض مع وحدانية اللّه تعالى وأزليته فأنكروا أن يكون لله صفات غير ذاته (1) فقد قالوا : إن وجود صفات قديمة خارجة عن الذات يؤدي إلى أن يكون هناك شيء قديم أزلي غير ذاته وهذا يقتضي التعدد ، وهو مستحيل بالنسبة إليه تعالى (2) وأولو الآيات التي تدل بظاهرها على التجسيم ، مثل قوله تعالى : ( يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) وقد بسطوا القول في هذه الجهة ، واستدلوا عليها بأروع الأدلة وأوثقها.

2 - العدل

وهذا هو الأصل الثاني من الأصول الأساسية لمذهبهم وهو العدل الالهي فليس اللّه بظلام للعبيد ، ولا بجائر عليهم ، وقد تشعب بحثهم في عدل اللّه تعالى إلى عدة بحوث كلامية ، منها نفي القدر ، واثبات حرية الانسان وارادته واختياره ، وان الانسان هو الذي يوجد أفعاله بمقتضى حريته واختياره وذلك نتيجة لعدالة اللّه وتنزهه عن الظلم ، فان اللّه تعالى لا يعاقب إنسانا على عمل أجبره عليه ووجهه إليه لأن من أعان فاعلا على فعله ثم عاقبه عليه كان جائرا وظالما له ، والظلم منفي عنه تعالى ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) وقوله تعالى : ( فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) .

فالثواب والعقاب تابعان للعمل ، وليسا خاضعين إلى شيء آخر ، وقد

ص: 74


1- الملل والنحل 1 / 58.
2- الملل والنحل 1 / 58.

بحثوا في قضية عدل اللّه عن الحسن والقبح العقليين ، فانهم لما آمنوا بعدالة اللّه ، وانه تعالى لا يفعل إلا ما فيه الخير العام لعباده ، فقد دعاهم ذلك إلى النظر في الأعمال فهل هي حسنة لذاتها ، أم أنها تكتسب حسنها وقبحها بتوجيه من الشرع المقدس؟ وقد ذهبوا إلى أن الحسن والقبح في الأشياء ذاتيان ، وان الشرع لا يحسن الشيء بأمره ، وإنما يأمر به لحسنه ، وكذلك لا يقبح الشيء بنهيه ، وإنما ينهى عنه لقبحه وقد مجدوا بذلك العقل ، وفتحوا الطريق أمام نضجه وارتقائه - كما يقول بعض الباحثين (1).

3 - الوعد والوعيد

هذا هو الأصل الثالث من أصولهم العقائدية ، ويراد به أن اللّه صادق في وعده ووعيده في يوم القيامة ، لا مبدل لكلماته ، وإن أهل الجنة يزفون إلى الجنة بأعمالهم ، وأهل النار يساقون إلى النار بأعمالهم ، ورتبوا على ذلك إنكار الشفاعة لأي أحد يوم القيامة (2) وتجاهلوا الآيات والأخبار الواردة في ثبوتها.

4 - المنزلة بين المنزلتين :

ويراد بهذا الأصل أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ، ولا كافر بل هو

ص: 75


1- الفرق الاسلامية في الشعر الأموي ( ص 312 ).
2- المعتزلة ( ص 51 - 52 ).

فاسق ، فجعلوا الفسق منزلة ثالثة مستقلة عن الايمان والكفر واعتبروه وسطا بينهما ، وقد قرر ذلك واصل بقوله : « إن الايمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمي المرء مؤمنا ، وهو اسم مدح ، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ، ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمنا ، وليس هو بكافر مطلق أيضا لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لانكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالدا فيها » (1) وتابع عمرو بن عبيد واصلا في ذلك ، كما أن الحسن البصري قد تابعهما في هذا الرأي بعد أن كان مصرا على أن مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق (2).

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهو الأصل الخامس من الأصول الاعتقادية ، ويرون أن الواجب على كل مسلم العمل على إقامة المعروف وتحطيم المنكر فان استطاعوا فبالسيف ويسمى جهادا ، وإن لم يستطيعوا بالسيف فبما دونه فلا فرق عندهم بين مقاومة الكافرين والفاسقين (3) إلا أن هذا المبدأ لم يستعملوه لمقاومة الحكم الأموي الذي تنكر للاسلام ، وعمل على إذلال المسلمين وارغامهم على ما يكرهون.

ص: 76


1- الملل والنحل 1 / 59. وجاء فيه أن عقاب الفاسق أخف من عقاب الكافر.
2- أمالي المرتضى 1 / 115 - 116.
3- المقالات 1 / 278.

هذه هي الأصول العامة للمعتزلة ، ويتفرغ عليها فروع كثيرة ذات أهمية علمية بالغة ، ذكرت في الكتب الكلامية.

الشيعة والمعتزلة

وذهب بعض المستشرقين إلى أن الشيعة اقتبست الكثير من مسائلها الكلامية من المعتزلة ، وإنهما معا يشكلان وحدة في الفكر ، والعقيدة وقد ذهب إلى ذلك ( كولدزيهر ) يقول : « استقر الاعتزال في مؤلفات الشيعة حتى في يومنا هذا ، ولذا فان من الخطأ الجسيم سواء من ناحية التأريخ الديني أو التأريخ الأدبي أن نزعم بأنه لم يبق للاعتزال أثر محسوس بعد الفوز الحاسم الذي نالته العقائد الأشعرية وعند الشيعة مؤلفات اعتقادية كثيرة يرجعون إليها وينسجون على منوالها ، وهي حجة قائمة تدحض هذا الزعم ، وتفنده ، ويمكن أن تعتبر كتب العقائد الشيعية كأنها مؤلفات المعتزلة » (1).

وممن ذهب إلى ذلك ( آدم متز ) يقول : « إن الشيعة في القرن الرابع الهجري لم يكن لهم مذهب كلامي خاص بهم ، فاقتبسوا من المعتزلة اصول الكلام وأساليبه حتى أن ابن بابويه القمي أكبر علماء الشيعة في القرن الرابع الهجري اتبع في كتابه « علل الشرائع » طريقة المعتزلة الذين كانوا يبحثون عن علل كل شيء ... إن الشيعة من حيث العقيدة والمذهب هم ورثة المعتزلة » (2) وليس لهذا الرأي أية أصالة علمية فان الشيعة لم تكن بأي حال عيالا على أية فرقة اسلامية ، فقد أمدها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بطاقات ثرية من البحوث الكلامية وغيرها ، فهم أول من فتق باب هذا العلم ، كما أنهم الرواد الأوائل للخوض في بحوث

ص: 77


1- العقيدة والشريعة في الاسلام ( ص 223 ).
2- دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية ( ص 115 ).

التوحيد وغيره من المسائل الكلامية ، فنهج البلاغة للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ملئ بالخطب الرائعة التي أشادت بعظمة الخالق ونزهته عن صفات المخلوقين والصحيفة السجادية للامام الأعظم زين العابدين (عليه السلام) ثرية بهذه البحوث كما ان مما أثر عن أئمة الهدى (عليهم السلام) من الاحتجاج في الرد على الدهريين وغيرهم من الملاحدة مما يثبت - بوضوح - سبق الشيعة في هذه البحوث ، فكيف تكون عيالا على المعتزلة؟ يقول الشيخ المفيد : « لسنا نعرف للشيعة فقيها متكلما على ما حكيت عنه من أخذ الكلام من المعتزلة وتلقينه الاحتجاج » (1).

ويقول الدكتور عرفان عبد الحميد :

« أما علماء الشيعة قديما وحديثا فقد أنكروا دعوى الاقتباس والتقليد وردوا على القائلين به ، وذلك في نظرنا أمر طبيعي منطقي لا بد منه ممن يعتنق مذهب الامامية القاضي بأن الهيكل العام للتعاليم الشيعية إنما قام على ما روي من أحاديث وأخبار عن الامام المعصوم ، فمنطوق المذهب يقضي بطرد كل احتمال للتأثير الخارجي لا بل وانكاره باعتبار أن المذهب الشيعي وحدة فكرية قائمة بذاتها مستمدة من تعاليم الامام » (2).

المسائل المنفق عليها

واتفقت الشيعة والمعتزلة في بعض المسائل من الأصول الاعتقادية الخمسة

ص: 78


1- أجوبة المسائل الصاغانية ( ورقة 14 ) من مخطوطات مكتبة السيد الحكيم العامة.
2- دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية ( ص 115 ).

كالعدل الالهي ، يقول الامام كاشف الغطاء : « والذي يجمعها - أي المعتزلة - مع الشيعة قولهم : بأن من صفاته تعالى العدل الذي ينكره الاشاعرة وعلى هذا تبتنى مسألة الحسن والقبح العقليين التي تقول بها الامامية والمعتزلة وتنكرها الاشاعرة أيضا ، وبهذا الملاك يطلق على الفريقين اسم العدلية (1) هذه بعض المسائل التي اتفق عليها الشيعة والمعتزلة.

المسائل الخلافية

اشارة

واختلفت الشيعة والمعتزلة اختلافا جوهريا في كثير من المسائل ومن بينها ما يلي :

1 - إمامة المفضول :

وذهبت المعتزلة إلى جواز إمامة المفضول ، وتقديمه على الفاضل في حين أن الشيعة قد أنكرت ذلك أشد الانكار ، واعتبرته خروجا عن المنطق وانحرافا عن القرآن الكريم الذي أعلن استنكاره للتساوي بينهما قال تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) وترى الشيعة أن جميع الأزمات التي عانتها الأمة الاسلامية إنما كانت من جراء تقديم المفضول على الفاضل ، فان النبي (صلی اللّه عليه وآله) قد رشح للخلافة أفضل أهل بيته وأصحابه الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ له البيعة في غدير خم ، ولكن الاطماع السياسية قد حدت بالقوم إلى اقصائه عن الخلافة وترشيح

ص: 79


1- جنة المأوى (232).

غيره لها ، فكان لذلك من المضاعفات السيئة التي عانتها الأمة في جميع مراحل تأريخها.

وعلى أي حال فان هذه النقطة الحساسة هي من جملة الفوارق الجوهرية بين الشيعة والمعتزلة.

2 - الشفاعة :

وأنكرت المعتزلة الشفاعة لأي أحد من أولياء اللّه ، وإن الانسان إنما يجازى بأعماله إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، ولا تنفعه شفاعة أي أحد وخالفت الشيعة في ذلك ، وذهبت إلى أن أولياء اللّه العظام كالأئمة الطاهرين لهم الشفاعة يوم القيامة ، وذلك لاظهار فضلهم وعظيم منزلتهم ومكانتهم عند اللّه ، وإذا لم تكن لهم الشفاعة فما هي الميزة لهم على غيرهم من الناس في ذلك اليوم.

هذه بعض الفوارق بين الشيعة والمعتزلة ، وقد جرت بين أعلام الشيعة وأعلام المعتزلة كثير من المناظرات الحادة ، وقد ذكرت فيها الفوارق الأساسية بين الطائفتين.

الامام الباقر مع قادة الاعتزال :

اشارة

والتقى كبار قادة الاعتزال بالامام أبي جعفر ، وجرت بينهما مناظرات وفيما يلي بعضها :

ص: 80

1 - مع الحسن البصري

ووفد الحسن البصري إلى يثرب فتشرف بمقابلة الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقال للامام :

- جئت لأسألك عن أشياء من كتاب اللّه؟

- ألست فقيه أهل البصرة؟

- قد يقال ذلك.

- هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟

- لا

- فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟

- نعم

- لقد تقلدت عظيما من الأمر ، بلغني عنك أمر فما أدري أكذلك أنت أم يكذب عليك؟

- ما هو؟

- زعموا أنك تقول : إن اللّه خلق العباد ففوض إليهم أمورهم.

وأطرق الحسن البصري برأسه إلى الأرض وحار في الجواب ، فبادره الامام قائلا :

- أرأيت من قال له اللّه في كتابه : إنك آمن هل عليه خوف بعد القول منه؟

- لا

- إني أعرض عليك آية ، وأنهي إليك خطابا ، ولا أحسبك إلا وقد فسرته على غير وجهه ، فان كنت فعلت ذلك فقد هلكت ، وأهلكت.

ص: 81

- ما هو؟

- أرأيت حيث يقول اللّه : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ ، سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) (1) بلغني أنك أفتيت الناس فقلت : هي مكة.

قال الحسن البصري : بلى.

وأخذ الامام يستدل على ما ذهب إليه في تفسير الآية حتى بهت الحسن البصري وحار في الجواب ، ثم نهاه عن القول بالتفويض وبين فساده (2).

2 - الرد على الحسن البصري

ودخل عثمان الأعمى على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فعرض عليه رأيا للحسن البصري زعم فيه أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم النار فأنكر عليه الامام (عليه السلام) وقال : فهلك إذن مؤمن آل فرعون ، واللّه مدحه بذلك ، وما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّه عز وجل نوحا ، فليذهب الحسن يمينا وشمالا ، فو اللّه ما يوجد العلم إلا هاهنا - وأومأ إلى صدره الشريف - (3).

3 - مع عمرو بن عبيد

وعمرو بن عبيد هو شيخ المعتزلة وزعيمها الروحي الكبير الذي حظي

ص: 82


1- سورة سبأ : آية 19
2- الاحتجاج 2 / 62 - 63
3- التفسير والمفسرون 2 / 33 ، احتجاج الطبرسي 2 / 6

باكبار المنصور الدوانيقي وتعظيمه له (1) ، التقى بالامام أبي جعفر (عليه السلام) وكان قد قصد امتحانه واختباره فوجه له السؤال التالي :

جعلت فداك ، ما معنى قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) (2).

قال (عليه السلام) : كانت السماء رتقا لا تنزل القطر ، وكانت الأرض فتقا لا تخرج النبات ».

وأفحم عمرو ولم يطق جوابا وخرج من المجلس ثم عاد إليه ، وقال للامام :

جعلت فداك ، أخبرني عن قوله تعالى : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) (3) ما معنى غضب اللّه؟

قال (عليه السلام) : غضب اللّه عقابه ، ومن قال : إن اللّه يغيره شيء فقد كفر (4) المرجئة :

وظهرت المرجئة على الصعيد الاسلامي في العصر الأموي ، وقد لعبت 4

ص: 83


1- من مظاهر اكبار المنصور لعمرو أنه مر على قبره فصلى عليه ودعا له وأنشد : صلى الاله عليك من متوسد *** قبرا مررت به على مران قبرا تضمن مؤمنا متخشعا *** عبد الاله ودان بالقرآن وإذا الرجال تنازعوا في شبهة *** فصل الحديث بحجة وبيان ولو أن هذا الدهر أبقى صالحا *** أبقى لنا عمروا أبا عثمان ويقول ابن خلكان : إنه لم يسمع بخليفة يرثي من دونه سواه ، جاء ذلك في وفيات الأعيان 1 / 548 ، وفي المنية والأمل ( ص 24 )
2- سورة الأنبياء : آية 30
3- سورة طه : آية 81
4- روضة الواعظين 1 / 144

دورا خطيرا في مسرح الأحداث السياسية في تلك العصور ، وساهمت مساهمة إيجابية في تدعيم الحكم الأموي والدفاع عنه ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في شئونها وبيان موقف الامام أبي جعفر (عليه السلام) منها وفيما يلي ذلك :

1 - معني المرجئة

واختلف البحاث في معنى المرجئة ، وذلك لاختلافهم في فهم المادة التي اشتقّ منها وفيما يلي بعض الأقوال :

أ - ويرى بعضهم أن كلمة المرجئة مأخوذة من ( أرجأ ) بمعنى أمهل وأخر وقد سموا بالمرجئة لأنهم يرجئون أمر الذين اختلفوا وتنازعوا في الخلافة إلى يوم القيامة ، ولا يقضون بحكم على أحد منهم (1).

ب - وذهب بعضهم إلى أن المرجئة اشتقت من « أرجأ » بمعنى بعث الرجاء وذلك لأنهم لم يقضوا على مرتكب الكبيرة بأنه من أهل النار أو من أهل الجنة وإنما أخروا الحكم عليه إلى يوم القيامة ، فهم بهذا يعطون الرجاء في المغفرة ، ويرجون لكل مسلم المغفرة من اللّه (2).

ج - وقيل إنهم إنما سموا بذلك لأنهم ذهبوا إلى أن الايمان تصديق بالقلب واللسان ، ويؤخرون العمل فان المؤمنين - في اعتقادهم - وإن لم يصلوا ويصوموا ينجيهم اللّه بايمانهم القلبي ، فهم بهذا يقدمون القول ويرجئون العمل (3).

ص: 84


1- الفرق الاسلامية في العصر الأموي ( ص 264 )
2- نقد العلم والعلماء ( ص 102 )
3- تاج العروس مادة رجا

ويرجح أحمد أمين الرأي الأول (1) ويذهب ينكلسون إلى الرأي الثاني (2)

نشاة المرجئة :

وأكبر الظن أن المرجئة قد نشأت بايعاز ودعم من الحكم الأموي فهو الذي جهد على نشر أفكارها وإذاعتها بين الناس لأنها حكمت بمشروعية خلافتهم ، وتركت الحكم فيما اقترفوه من الاحداث الجسام إلى اللّه فهو الذي يحكم بين عباده بالحق يوم القيامة ، وليس لأحد أن يلج أو يخوض في أعمالهم أو يحكم عليهم بشيء.

لقد نشأت المرجئة نشأة سياسية ، وكان اعلامها أداة طيعة بأيدي الحكام والملوك سواء أكانوا من بني أمية أم من بني العباس ، يقول المأمون : الأرجاء دين الملوك (3) ولم يقفوا موقف المعارضة أمام الأحداث الهائلة التي صدرت من ملوك الأمويين ، وهي لا تتفق مع واقع الاسلام وجوهره يقول شوقي ضيف :

« إن أفكار المرجئة تخدم البيت الأموي الذي كان في رأي الشيعة وكثير من الأتقياء منحرفا عن الجادة الدينية ، وينبغي أن يغيره المسلمون ويضعوا مكانه البيت العلوي ، والمرجئة لم يكونوا يوافقونهم على هذا الرأي ، لأنهم لا يريدون المفاضلة بين المسلمين ، ولا الحكم على أحد بتقوى وغير تقوى ، فالمسلم يكفي أن يكون مسلما ، وليس من شأن

ص: 85


1- فجر الاسلام ( ص 279 )
2- الفرق الاسلامية في العصر الأموي ( ص 265 )
3- تأريخ بغداد لطيفور ( ص 86 )

أحد أن يحكم على عمله .. » (1).

ويرى خدابخش « أن أصل المرجئة يرجع إلى ما كان من ضرورة استنباط وسيلة للعيش في وفاق مع الحكم الأموي » (2).

لقد كانت المرجئة من أعوان السلطة الحاكمة في ذلك العصر وإحدى أجهزتها ، وقد قامت بدور إيجابي في دعم الحكم الأموي وتبرير سياسته القائمة على الظلم والجور.

الشيعة والمرجئة :

وكانت هناك منافرة شديدة بين الشيعة والمرجئة ، وسبب ذلك يرجع إلى اختلافهما في الخلافة فالشيعة ترى أن الامام بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله) مباشرة هو الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وترى أن الحكم الأموي غير شرعي ، ويجب القضاء عليه بينما ترى المرجئة أن حكومة الأمويين مشروعة ، ولا يدينون بالثورة عليهم ، وكان بين الطائفتين صراع حاد ، فكانت الشيعة تغيظ المرجئة بذكرها لعلي (عليه السلام) في أنديتها ومجالسها ، وفي ذلك يقول أحد شعراء الشيعة :

إذا المرجي سرك أن تراه *** يموت بدائه من قبل موته

فجدد عنده ذكرى علي *** وصل على النبي وآل بيته (3)

وقد عابت الشيعة على المرجئة حكمها بتقديم الخلفاء على الامام أمير

ص: 86


1- التطور والتجديد في الشعر الأموي ( ص 50 )
2- مقدمة لكريمر الحضارة الاسلامية ( ص 19 )
3- البيان والتبيين ( 2 / 149 )

المؤمنين (عليه السلام) واعتبرت ذلك من ضحالة الفكر ، وقد رد على الشيعة محارب بن دثار الذهلي أحد أعلام المرجئة وأئمتهم بقوله :

يعيب علي أقوام سفاها *** بأن أرجو أبا حسن عليا

وارجائي أبا حسن صواب *** عن العمران برا أو شقيا

فان قدمت قوما قال قوم : *** أسأت وكنت كذابا رديا

إذا أيقنت أن اللّه ربي *** وأرسل أحمدا حقا نبيا

وان الرسل قد بعثوا بحق *** وان اللّه كان لهم وليا

فليس علي في الأرجاء بأس *** ولا لبس ولست أخاف شيا (1)

وقد رد منصور النمري شاعر الشيعة ولسانهم على محارب بأبيات هجاء ، وقد عاب عليه أن يرجئ عليا لأنه بذلك إنما يرجئ نبيا من أنبياء اللّه ، يقول :

يود محارب لو قد رآها *** وأبصرهم حواليها جثيا

وان لسانه من ناب أفعى *** وما أرجى أبا حسن عليا

وان عجوزه مصعت بكلب *** وكان دماء ساقيها جريا

متى ترجى أبا حسن عليا *** فقد أرجيت يا لكع نبيا (2)

وتعرضت المرجئة لنقد الشيعة وسخريتها ، فقد هزأت من حكم المرجئة بارجاء الامام أمير المؤمنين والتسوية بينه وبين عثمان ومعاوية والخوارج يقول السيد الحميري :

خليلي لا ترجيا واعلما *** بأن الهدى غير ما تزعمان

وان عمى الشك بعد اليقين *** وضعف البصيرة بعد العيان

ص: 87


1- الأغاني 7 / 10
2- الأغاني 7 / 10 - 11

ضلال فلا تلججا فيهما *** فبئست لعمر كما الخصلتان

أ يرجى على إمام الهدى *** وعثمان ما أعند المرجيان

ويرجى ابن حرب وأشياعه *** وهوج الخوارج بالنهروان

يكون إمامهم في المعاد *** خبيث الهوى مؤمن الشيصان (1)

لقد فندت الشيعة أفكار المرجئة التي فيها خروج عن المنطق والدليل

مزاعم كريمر :

وذهب كريمر إلى أن هناك صلة بين مبادئ المرجئة وبين تعاليم الكنيسة الشرقية ، ويدلل على ذلك بما تذهب إليه المرجئة من عدم تخليد العصاة في النار ، وهذا ما تقول به آباء الكنيسة الشرقية مخالفين بذلك الكنيسة الغربية ، كما يرى أن إيمان المرجئة الهادئ الذي يغلب عليه الانشراح وتعزية النفس يتفق كل الاتفاق مع تعاليم يوحنا الدمشقي الذي كان وقت ظهور هذه الطائفة يشتغل بالأبحاث الدينية ، ويتمتع بشهرة كبيرة في عاصمة الخلفاء الأمويين ويؤكد في النهاية أن آراء المرجئة ترجع في أصلها وشكلها إلى فلسفة الكنيسة الإغريقية الدينية (2).

أما هذا الرأي فضعيف جدا لأن البحوث الكلامية قد ازدهرت في وقت مبكر في الاسلام وليس أي بحث منها قد أخذ من المسيحية أو غيرها ، يقول الدكتور يوسف خليف : « والرأي عندي أن الارجاء كالزهد ليس مسيحي النشأة والنزعة ، وإنما نشأ نشأة إسلامية ، واتجه

ص: 88


1- الأغاني 7 / 15.
2- الحضارة الاسلامية / 65.

اتّجاها إسلاميا ، وليس في هذا ما يمنع أنه تأثر بالمسيحية ، وأخذ عنها بعض اتّجاهاتها ، ولكنه صبغته صبغة إسلامية واضحة متميزة » (1).

تحديد الايمان :

وذهبت المرجئة إلى أن الايمان هو التصديق بالقلب ولا عبرة بالاقرار بالقول ولا بالعمل ، فان آمن الانسان بقلبه فهو مؤمن مسلم ، ولا يتوقف ذلك على صلاته وصومه وحجه ، فلا عبرة بهذه الطقوس الدينية ، وقد خالفوا بذلك المعتزلة الذين يرون أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا وإنما هو في منزلة بين المنزلتين ، كما خالفوا الخوارج الذين يرون أن مرتكب الكبيرة كافر ، وقد اشتهرت كلمتهم أنه لا تضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة (2) وقد نتج من هذا أنهم لا يحكمون بالكفر على النصارى واليهود مراعاة لهم ومجاراة لعواطفهم فقد امتلأ بهم البلاط الأموي ، وشغلوا المناصب العالية في الدولة الأموية (3)

الامام مع عمرو الماصر :

وكان عمرو بن قيس الماصر ممن يذهب إلى الأرجاء ، وقد قصد مع

ص: 89


1- حياة الشعر في الكوفة ( ص 312 ).
2- خطط المقريزي 4 / 171.
3- الفرق الاسلامية في العصر الأموي ( ص 305 ).

زميل له ، الامام أبا جعفر (عليه السلام) فانبرى عمرو إلى الامام قائلا :

« إنا لا نخرج أهل دعوتنا ، وأهل ملتنا من الايمان في المعاصي والذنوب » فرد عليه الامام مزاعمه الفاسدة قائلا :

( يا ابن قيس أما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) فقد قال ، « لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن » فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت ) (1)

إن ما ذهبت إليه المرجئة في تحديد الايمان يتنافى مع ما أثر عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) من أن الزاني لا يقترف جريمة الزنا ، وهو مؤمن بربه ودينه ، وإنما تصدر هذه الجريمة ممن لا عهد له بالايمان ، وكذلك السارق لا يسرق وهو مؤمن باللّه واليوم الآخر ، وإنما يقدم عليها من انسلخت عن نفسه جميع أفانين التقوى .. إن الايمان قوة رادعة للنفس تصونها من ارتكاب الذنوب ، وإن من يقترفها لم يكن له أي عهد بواقع الايمان.

ابو حنيفة والارجاء :

وتنص بعض المصادر على أن أبا حنيفة كان ممن يعتنق الارجاء ، وإن مدرسته الدينية كانت تقوم على أساس الارجاء (2) وقال محمد بن عمرو : سمعت أبا مسهر يقول : كان أبو حنيفة رأس المرجئة ، وقال عمر بن سعيد : سمعت جدي يقول : قلت لأبي يوسف : أكان أبو حنيفة مرجئا؟

- نعم

ص: 90


1- تفسير فاتحة الكتاب للأميني ( ص 164 ).
2- مقالات الاسلاميين 1 / 202 ، الملل والنحل 1 / 276 ، الاعلاق النفسية ( ص 220 )

- أكان جهميا؟

- نعم

- فأين أنت منه؟

- إنما كان أبو حنيفة مدرسا ، فما كان من قوله حسنا قبلناه وما كان من قوله قبيحا تركناه (1)

وقد سببت هذه التهمة الكثير من الطعون عليه ، وشنت عليه بعض الأوساط الحاكمة عدة حملات تشهير لاذعة ، ولكن لم يتبين لنا بصورة مؤكدة صحة هذه النسبة.

الخوارج :

الخوارج من أقدم الفرق الثورية التي ظهرت على مسرح الحياة السياسية في الاسلام ، فقد نشأت حينما تفللت قوى معاوية وبان عليه الانكسار ، وهمّ بالهزيمة فالتجأ إلى رفع المصاحف مطالبا تحكيم القرآن ، وانخدعت هذه الزمرة التي لا تملك أي وعي سياسي أو اجتماعي بذلك فخفوا إلى الامام يلحون عليه أن يجيب إلى ما يحكم به الكتاب العظيم فعرفهم الامام أنها خديعة حربية ، وإن القوم لا يدينون بالكتاب ، ولا يرجون لله وقارا ، فلم ينصاعوا لرأيه ، وأجمعوا على خلعه أو إيقاف العمليات الحربية ، وشهروا سيوفهم في وجهه ، في حين أن طلائع جيشه بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر قد أشرفت على الفتح ، ولم يبق لالقاء القبض على الذئب الجاهلي معاوية بن أبي سفيان سوى حلبة شاة أو أقل

ص: 91


1- تأريخ بغداد 13 / 375.

من ذلك حسبما يقول مالك الأشتر وكادت الفتنة أن تقع ويمنى الامام بانقلاب عسكري مدمر يقضى فيه على الاسلام ، فاستجاب (عليه السلام) لإيقاف الحرب ، وكتبت بذلك وثيقة التحكيم التي لم تحو أن عليا أمير المؤمنين واستبان لأولئك الأغبياء أنهم على ضلال مبين وأنهم قد خدعوا برفع المصاحف ، فنفروا من التحكيم ونقموا عليه وانطلقوا إلى الامام يطالبونه بإعلان التوبة ، والمضي في الحرب ، ولم يرتض منهم الامام هذا المنطق الهزيل ، إذ كيف ينقض ما عاهد عليه القوم من إيقاف القتال ، وكيف يتوب عن ذنب لم يقترفه ، وإنما هم الذين اقترفوه ، وأخذوا يضايقونه ، ويشاغبون عليه وهم يهتفون :

« لا حكم إلا لله »

وقد أصبحت هذه الكلمة شعارهم الرسمي ، وكان الامام (عليه السلام) يقول :

إنها كلمة حق أريد بها باطل ، فقد كان الحكم عندهم للسيف لا لله ، فأشاعوا القتل بين المسلمين بغير حق ، ونشروا الفساد في الأرض ، وقد حاججهم الامام وأقام سيلا من الأدلة على فساد ما ذهبوا إليه ، فلم ينفع ذلك معهم وأصروا على الغي والعدوان ، فاضطر الامام إلى مناجزتهم فكانت حرب النهروان التي أبيد فيها معظمهم ، وقد صحبوا معهم العار والخزي ، فقد سفكت دماؤهم ، وهم في ضلال مبين ، وقد نقم عليهم المسلمون وهجاهم الشعراء ، يقول الكميت :

إني أدين بما دان الوصي به *** يوم النخيلة من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهر دنت به *** وشاركت كفه كفي بصفينا

تلك الدماء معا يا رب في عنقي *** ومثلها فاسقني آمين آمينا (1)

ص: 92


1- تهذيب الكامل 1 / 86.

لقد أريقت دماؤهم في محاربة الحق وإحياء الباطل. ومناهضة الاسلام يقول السيد الحميري :

خوارج فارقوه بنهروان *** على تحكيمه الحسن الجميل

على تحكيمه فعموا وصموا *** كتاب اللّه في فم جبرئيل

فمالوا جانبا وبغوا عليه *** فما مالوا هناك إلى مميل

فتاه القوم في ظلم حيارى *** عماة يعمهون بلا دليل

فضلوا كالسوائم يوم عيد *** تنحر بالغداة وبالأصيل

كأن الطير حولهم نصارى *** عكوفا حول صلبان الأصيل (1)

لقد اجتث الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في واقعة النهروان أصولهم ، وقضى على إعلامهم إلا أنه فر منهم جماعة فأخذوا ينشرون مبادئهم التي تدعو إلى العصيان المسلح على الحكم القائم ، وقد شهدت منهم البلاد الاسلامية عدة ثورات دموية أزهقت فيها الأنفس. وسفكت فيها الدماء بغير حق ، ذكرها المؤرخون بالتفصيل.

آراؤهم الدينية :

وانفردت الخوارج عن بقية المسلمين بآرائهم التي شذت عن كتاب اللّه وسنة نبيه ، ومن بين آرائهم :

أولا - الحكم بالكفر على الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية والحكمين عمرو ابن العاص ، وأبي موسى الأشعري ، وأصحاب الجمل من عائشة وطلحة والزبير.

ص: 93


1- مناقب آل أبي طالب 2 / 271 - 372.

ثانيا - تكفير مرتكب الذنوب الكبيرة ، والحكم بتخليده في النار.

ثالثا - جواز أن تكون الخلافة في غير قريش ، وخالفوا بذلك جمهور أهل السنة الذين أجمعوا على أن الخلافة في قريش ، كما قالوا إن الامامة لا تكون بالنص والتعيين وخالفوا بذلك الشيعة الذين قالوا بالنص ، كما ذهبوا إلى جواز أن لا يكون في العالم إمام أصلا وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون عبدا أو حرا أو قبطيا أو غيرهم (1) ولهم آراء أخرى ذكرتها كتب الفرق وغيرها.

الامام الباقر مع نافع :

ووفد نافع الأزرق وهو من أعلام الخوارج على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فأخذ يسأله عن بعض المسائل الدينية ، والامام (عليه السلام) يجيبه عنها ، وبعد ما فرغ من أسئلته قال له الامام :

قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته ، والقربة إلى اللّه في نصرته؟ وسيقولون لك : إنه قد حكم في دين اللّه ، فقل لهم : قد حكم اللّه في شريعة نبيه رجلين من خلقه فقال : ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ ، وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما ) (2) وحكم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) سعد بن معاذ في بني قريضة فحكم فيهم بما أمضاه اللّه عز وجل ، أو ما علمتم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ، ولا يتعديا ،

ص: 94


1- الملل والنحل 1 / 158.
2- سورة النساء : آية 35.

واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال ، وقال : حين قالوا له : قد حكمت على نفسك ، من حكم عليك فقال : ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت كتاب اللّه ، فاين تجد المارقة تضليل من أمر الحكمين بالقرآن واشترط رد ما خالفه لو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان ».

وبهر نافع بهذا الكلام المشرق ، وطفق يقول :

« هذا واللّه كلام ما مر بسمعي قط ، ولا خطر ببالي ، وهو الحق إن شاء اللّه » (1).

وللامام أبي جعفر (عليه السلام) احتجاجات أخرى مع الخوارج تتعلق بالتوحيد سنذكر بعضها عند البحث عن الموجات الالحادية التي غزت المسلمين في ذلك العصر.

الشيعة :

أريد أن أتحدث عن الشيعة حديثا أخلص فيه للحق مهما استطعت إليه سبيلا ، أريد أن ألتزم جانب الحياد فأبرز ما تلتزم به هذه الطائفة في إطارها العقائدي ، فقد أاهمت في غير إنصاف باتهامات رخيصة لا مبرر لها ولا واقع لها بل وتبرأ منها ، وفيما يلي ذلك.

معنى الشيعة :

الشيعة : - في اللغة - هم الاتباع والأنصار ، وغلب هذا الاسم على

ص: 95


1- روضة الواعظين 1 / 245.

كل من يدين للامام علي (عليه السلام) وأهل بيته بالولاية حتى صار هذا الاسم خاصا بهم (1) قال الشيخ المفيد : « التشيع في أصل اللغة : هو الاتباع على وجه التدين والولاء للمتبوع على الاخلاص ، قال اللّه عز وجل : « فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » (2) ففرق بينهما في الولاية والعداوة ، وجعل موجب التشيع لأحدهما هو الولاء بصريح الذكر له في الكلام .. فأما إذا أدخل فيه علامة التعريف بأن يقال : الشيعة - فهو على التخصيص لا محالة لاتباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وآله بلا فصل ، ونفي الامامة عمن تقدمه في مقام الخلافة ، وجعله في الاعتقاد متبوعا له غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء » (3).

لقد أصبح اسم الشيعة علما لكل من قال بالنص على إمامة أمير المؤمنين وخلافته من بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله) مباشرة فقد أجمعوا على أنه (صلی اللّه عليه وآله) قد عهد إليه بالخلافة ، ونصبه علما لامته ، وقائدا لمسيرتها وهاديا لها إلى سواء السبيل.

نشأة التشيع :

والشيء المحقق أن النبي (صلی اللّه عليه وآله) هو الذي غرس بذرة التشيع ، وتعهدها ونماها فقد خاطب عليا فقال له : « يا علي أنت وشيعتك تردون علي

ص: 96


1- تاج العروس 5 / 405.
2- سورة القصص : آية 15.
3- أوائل المقالات ص 2 - 4.

الحوض ظماء مقمحين » (1).

يقول الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء : « إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الاسلام جنبا إلى جنب ، وسواء بسواء » (2) ويقول النوبختي : « فأول الفرق الشيعة ، وهم فرقة علي ابن أبي طالب ، المسمون شيعة علي في زمان النبي (صلی اللّه عليه وآله) وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه ، والقول بامامته » (3) وذهب إلى ذلك الشيخ محمد الحسين المظفر يقول : إن الدعوة إلى التشيع ابتدئت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ الأعظم محمد صلوات اللّه عليه صارخا بكلمة لا إله إلا اللّه ، فانه لما نزل عليه قوله ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع بني هاشم وأنذرهم قائلا : أيكم يؤازرني ليكون أخي ووارثي ووصيي وخليفتي فيكم بعدي؟ فلما لم يجبه إلى ما أراد غير المرتضى قال لهم الرسول : هذا أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ... فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسن من صاحب الرسالة تمشي معه جنبا لجنب مع الدعوة للشهادتين ، ومن ثم كان أبو ذر الغفاري من شيعة علي (عليه السلام) .. وينقل عن محمد كرد علي صاحب خطط الشام (4) قوله : عرف جماعة من كبار الصحابة بمولاة علي في عصر رسول اللّه مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) على النصح للمسلمين ، والائتمام

ص: 97


1- مجمع الزوائد 9 / 131 كنوز الحقائق ( ص 188 ) ، الاستيعاب 2 / 457
2- اصل الشيعة واصولها ( ص 77 ) ط التاسعة المكتبة الحيدرية.
3- فرق الشيعة ( ص 15 ).
4- خطط الشام 5 / 251.

بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري القائل : أمر الناس بخمس فعلوا أربعا ، وتركوا واحدة ، ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان ، والحج ، قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب » (1).

لقد نشأت الشيعة في عهد الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) فهو الذي وضع قواعدها وأسس أصولها ، وذلك في ترشيحه للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة من بعده ، وعلما لأمته ، أما الأدلة على ذلك فهي متوفرة ونلمح إلى بعضها :

أولا - إن النبي (صلی اللّه عليه وآله) صاحب رسالة ودعوة فقد جاء محررا ومنقذا للعالم بأسره ، وقد جاهد كأعظم ما يكون الجهاد في أداء رسالة ربه فخاض الأهوال ، وخاض الحروب ، وعانى من الاضطهاد ما لم يعانه أي مصلح اجتماعي في الأرض ، فكيف يترك الأمر فوضى من بعده ويهمل شئون الخلافة التي تتوقف عليها مصير أمته؟ إن من المؤكد أنه (صلی اللّه عليه وآله) قد أولى هذه الجهة المزيد من اهتمامه ، فأقام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) علما لأمته وذلك حرصا عليها من الاختلاف والفرقة ، وضمانا لمصالحها ، وحفظا على استمرار رسالته في أداء فعالياتها المشرقة إلى الناس.

ثانيا - إن ما تتطلبه القيادة للأمة من النزعات الخيرة ، والصفات الفاضلة قد توفرت على الوجه الأكمل في الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو أعلم الناس بشئون الرسالة الاسلامية ، وأدرى بفلسفتها ودقائقها ومحتوياتها ، فهو باب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله) وأقضى أمته حسبما تواترت النصوص بذلك كما أنه من أزهد الناس فقد زهد في جميع رغبات الحياة ، وطلق دنياه

ص: 98


1- تأريخ الشيعة ( ص 9 ).

ثلاثا ، فلم يضع لبنة على لبنة ، ولم يتخذ من غنائمها وفرا ، كما كان (عليه السلام) من أعدل الناس فالقريب والبعيد عنده سواء ، والعزيز عنده ذليل حتى يأخذ منه الحق ، والذليل عنده عزيز ، وقضايا عدله من الأمور التي يعتز بها الاسلام ، ويفخر بها المسلمون فلم يؤثر عن حاكم مثله في عدله ومساواته بين الرعية.

ومع توفر الصفات الكاملة في الامام ، وعدم توفرها في غيره كيف لا ينتخبه النبي (صلی اللّه عليه وآله) قائدا لأمته يهديها إلى سواء السبيل ويرشدها إلى معالم الحياة الرفيعة.

ثالثا - إنه قد أثرت عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) مجموعة ضخمة من الأخبار قد أجمع المسلمون على روايتها والاعتراف بصحتها في حق الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) كحديث الطائر المشوي ، وحديث المنزلة ، وحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث السفينة ، وغيرها من الأحاديث التي تشيد بفضل أبي الحسين (عليه السلام) وتبرز قيمه ومواهبه ، والمتأمل فيها يطل على الغاية المنشودة للرسول (صلی اللّه عليه وآله) من تعيينه للامام خليفة من بعده وقائدا لمسيرة أمته.

رابعا - امتناع الامام عن بيعة أبي بكر ، وتخلف خيار الصحابة عن بيعته كأبي ذر وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي وخالد بن سعيد وغيرهم من أعلام الاسلام واحتجاجهم على أبي بكر بأن عليا أولى منه بمقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ، يقول خالد بن سعيد للامام : « هلم أبايعك فو اللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك » (1).

ونقمت بضعة الرسول (صلی اللّه عليه وآله) وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء على أبي بكر لاحتلاله مركز الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومقامه ، وقد خطبت

ص: 99


1- تأريخ اليعقوبي 2 / 105.

خطبتها الشهيرة التي دعت فيها إلى الثورة على حكومة أبي بكر ، وهي سلام اللّه عليها لو لم تعلم أن أباها قد عقد الامامة للامام علي (عليه السلام) ونصبه خليفة من بعده لما قامت بذلك ، ويقول المؤرخون إنها أوصت الامام أن يدفنها في غلس الليل البهيم وأن لا يحضر جنازتها أبو بكر وعمر كل ذلك مما يدلل على أن نشأة التشيع كانت في عهد الرسول (صلی اللّه عليه وآله).

خامسا - إن وصاية الامام (عليه السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) كانت شائعة في الأوساط الاسلامية في العصر الأول ، يقول الصحابي العظيم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين في يوم الجمل مخاطبا للامام :

يا وصي النبي قد أجلت الحر *** ب الاعادي وسارت الأظعان

وقال مخاطبا عائشة :

أعائش خلي عن علي وعيبه *** بما ليس فيه إنما أنت والده

وصي رسول اللّه من دون أهله *** وأنت على ما كان من ذاك شاهده

وقال عبد الرحمن بن جعيل حينما بايع الناس أمير المؤمنين بعد مقتل عثمان :

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة *** على الدين معروف العفاف موفقا

عليا وصي المصطفى وابن عمه *** وأول من صلى أخا الدين والتقى

وقال عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب مفتخرا بالامام :

ومنا علي ذاك صاحب خيبر *** وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصي النبي المصطفى وابن عمه *** فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال الشهيد العظيم حجر بن عدي الكندي يوم الجمل :

يا ربنا سلم لنا عليا *** سلم لنا المبارك المضيا

المؤمن الموحد التقيا *** لا خطل الرأي ولا غويا

ص: 100

بل هاديا موفقا مهديا *** واحفظه ربي واحفظ النبيا

فيه فقد كان له وليا *** ثم ارتضاه بعده وصيا

وقال الأشعث بن قيس الكندي :

أتانا الرسول رسول الامام *** فسر بمقدمه المسلمونا

رسول الوصي وصي النبي *** له السبق والفضل في المؤمنينا

وقال النعمان بن العجلان شاعر الأنصار وأحد ساداتهم من قصيدة له يخاطب فيها ابن العاص :

وكان هوانا في علي وأنه *** لأهل لها من حيث تدري ولا تدري

فذاك بعون اللّه يدعو إلى الهدى *** وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر

وصي النبي المصطفى وابن عمه *** وقاتل فرسان الضلالة والكفر

وقال الفضل بن عباس :

ألا إن خير الناس بعد نبيهم *** وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر

وأول من صلى وصنو نبيه *** وأول من أردى الغواة لدى بدر

وقال حسان بن ثابت :

حفظت رسول اللّه فينا وعهده *** إليك ومن أولى به منك من ومن

ألست أخاه في الهدى ووصيه *** واعلم منهم بالكتاب وبالسنن (1)

وتمثل هذه الجمهرة من الأدب ما كان يعتقده المسلمون في عصورهم الأولى من أن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو وصي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وخليفته من بعده.

ص: 101


1- المراجعات للامام شرف الدين ( ص 326 - 221 ) وقد ذكر أمثلة كثيرة من النصوص الأدبية التي أضفت على الامام لقب الوصاية عن النبي (صلی اللّه عليه وآله).

هذه بعض المرجحات للقائلين بأن نشأة التشيع كانت في عهد الرسول (صلی اللّه عليه وآله) وأنه هو الذي وضعها وأقامها ، وذلك بنصبه للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة من بعده يوم غدير خم فقد أمر المسلمين بمبايعته ، وأقامه علما من بعده حسبما ذكره المؤرخون.

الاسطورة السباية :

اشارة

وعزا بعض الحاقدين على الشيعة إلى أن نشأة التشيع تستند إلى عبد اللّه ابن سبأ ، فقالوا : إنه هو الذي أقامها ووضع أصولها وتبنى الدعوة إليها وفيما يلي بعض الذاهبين لذلك :

1 - الملطي :

ومن الذاهبين إلى هذه الاسطورة الملطي فقال : إن منشأ التشيع من ابن سبأ ، وحكم بالحاد جميع فرق الشيعة (1) ولم يدعم ما ذكره بدليل وإنما أرسل ذلك ارسال المسلمات ، وهو من الآراء التي لاوزن لها في ميدان البحوث العلمية.

2 - النشار :

ومن الحاقدين على أهل البيت والمبغضين لشيعتهم الدكتور النشار

ص: 102


1- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ( ص 25 ).

قال : كان اليهود مؤسسي العقيدة الشيعية الغالية الحقيقيين ، فقد دخل بعض أحبارهم أو كهانهم في الاسلام ، وتقدموا إلى العالم الاسلامي ، منتهزين إبعاد علي عن الخلافة بفكرة الامام المعصوم أو خاتم الأوصياء وتكاد تجمع كتب العقائد الاسلامية على أن عبد اللّه بن سبأ - هو أول من دعا إلى فكرة القداسة التي نسبت إلى علي - كان يهوديا قبل الاسلام .. وأضاف يقول : من المؤكد أن هذه الفكرة لم تظهر على عهد أبي بكر وعمر ، ولكنها نشأت في خلافة عثمان على يد عبد اللّه ابن سبأ تيارا باطنيا من التيارات التي كانت تعمل على هدم العالم الاسلامي (1).

3 - الشيخ أبو زهرة :

ومن الذاهبين إلى ذلك الشيخ أبو زهرة قال : « وكان الطاغوت الأكبر عبد اللّه بن سبأ الذي دعا إلى ولاية علي ووصايته وإلى رجعة النبي (صلی اللّه عليه وآله) وأنه في ظل هذه الفتن نشأ المذهب الشيعي » (2).

وهذه الأقوال من مهازل الفكر البشري وهي وصمة عار وخزي على أصحابها فقد طعنت في أعظم طائفة إسلامية تبنت حقوق المظلومين والمضطهدين ، ورفعت منار الكرامة الانسانية ، وسجلت فخرا للاسلام وعزا للمسلمين ، هذه الطائفة التي يتزعمها الامام أمير المؤمنين والسادة الهداة من أبنائه ، والتي تضم أعلام الإسلام أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر وسلمان الفارسي ، وحجر بن عدي ، وأمثالهم ممن أضاءوا الحياة

ص: 103


1- نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام ( ص 18 ).
2- المذاهب الاسلامية ( ص 46 ).

الفكرية في الاسلام ، فكيف تتهم بأن ابن سبأ هو الذي أنشأها على أن بعض المحققين قد ذهب إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية مختلقة لا أصل لها (1)

كما أن بعض المستشرقين ( قد شكك في وجوده فكريا أي من ناحية أثره في منشأ الفكر الشيعي إذ يقول : ولكن التحقيق الحديث قد أظهر أن هذا استباق للحوادث ، وأنه صورة مثل بها في الماضي ، وتخيلها محدثو القرن الثاني للهجرة من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذ ، وقد أظهر فلها وزن فريد ليندر بعد دراسة المصادر دراسة نقدية بأن المؤامرة والدعوة المنسوبتين إلى ابن سبأ من اختلاق المتأخرين ، وبين كايتانى أن مؤامرة مثل هذه بهذا التفكير ، وهذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام ( 35 ه ) بنظامه القبلي القائم على سلطان الأبوة ، وأنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء (2).

وأفاد الدكتور طه حسين إلى أن حديث السبأية كان متكفلا ومنحولا ، قد اخترع حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الاسلامية أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم (3) وعلى أي حال فان الاسطورة السبأية قد انتحلت للحط من شأن الشيعة والنيل منهم ، ولا علاقة للشيعة بابن سبأ وغيره من المنحرفين عن الحق.

ص: 104


1- أنظر الجزء الأول من كتاب عبد اللّه بن سبأ للسيد العسكري ، فقد أثبت فيه وضع هذه الاسطورة.
2- نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية ( ص 37 - 38 ) نقلا عن أصول الاسماعيلية.
3- علي وبنوه ( ص 98 - 99 ).

الشيعة والغلو :

وأاهمت الشيعة بغير إنصاف بالغلو في أئمتهم مع أنهم براء من هذه التهمة ، ولا بد لنا من وقفة قصيرة للتحدث عن ذلك.

حقيقة الغلو

أما حقيقة الغلو فهي نسبة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إلى الألوهية ، وقد زعم بعض الغلاة في علي (عليه السلام) أنه ابن اللّه ، وفي ذلك يقول السيد الحميري في هجائهم.

قوم غلوا في علي لا أبا لهم *** واجشموا أنفسا في حبه تعبا

قالوا : هو ابن الاله جل خالقنا *** من أن يكون له ابن أو يكون أبا

(1) وقال المفيد بن سعيد : للامام أبي جعفر (عليه السلام) أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق ، فنهره الامام (عليه السلام) وطرده ، ثم جاء إلى ابنه جعفر (عليه السلام) فقال له مثل ذلك فقال : أعوذ باللّه (2).

براءة الشيعة من الغلاة

وتبرأ الشيعة من الغلاة ، ولا تعدهم من فرق الاسلام ، ويعاملونهم

ص: 105


1- العقد الفريد
2- تأريخ ابن الأثير 5 / 209.

معاملة الكفار ، فقد أثر عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال : لرزام قل : للغالية توبوا إلى اللّه فانكم فساق كفار مشركون ، وقال (عليه السلام) : في عبد اللّه ابن سبأ لعن اللّه عبد اللّه بن سبأ أنه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين ، وكان واللّه أمير المؤمنين قد عبد اللّه طائعا ، والويل لمن كذب علينا ، إن ذكرت عبد اللّه بن سبأ قامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما ما له لعنه اللّه ، كان علي واللّه عبدا صالحا ، ما نال الكرامة من اللّه إلا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الكرامة من اللّه إلا بطاعة اللّه (1).

قال كثير النواء : سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول برىء اللّه ورسوله من المغيرة بن سعيد ، وبنان بن سمعان فانهما كذبا علينا أهل البيت (2)

وقد أجمع فقهاء الشيعة على الحكم بنجاستهم ، ومعاملتهم معاملة الكفار في عدم جواز زواج المسلمة منهم ، وعدم جواز زواج المسلم منهم إلى غير ذلك من الأحكام التي تترتب على الكفار فقد افتوا بترتبها على الغلاة من دون أن يكون هناك أي فرق بينهما.

يقول الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء : « أما الشيعة فيبرءون من تلك الفرق براءة التحريم على أن تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى ، بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم : إن الامام هو اللّه سبحانه ظهورا واتّحادا أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الاسلام ، ومشاهير مشايخ الطرق ، وقد ينقل عن الحلاج والكيلاني والرفاعي

ص: 106


1- الامام الصادق والمذاهب الأربعة 1 / 235.
2- لسان الميزان 6 / 76.

والبدوي وأمثالهم من الكلمات وإن شئت سمها كما يقولون : شطحات ما يدل بظاهره على أن لهم منزلة فوق الربوبية ، وأن لهم مقاما زائدا عن الالوهيه ( لو كان ثمة موضع لمزيد ) وقريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود.

أما الشيعة الامامية ، وأعني بهم جمهرة العراق وإيران وملايين المسلمين في الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فان جميع تلك المقالات يعدونها من أبشع الكفر والضلالات ، وليس دينهم التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والامكان والتغيير والحدوث وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية إلى غير ذلك من التنزيه ، والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة والكلام من مختصرة أو مطولة ).

نظرة الشيعة للائمة

أما نظرة الشيعة للأئمة (عليهم السلام) فانها تتسم بالاعتدال فليس فيها غلو ولا إفراط في الحب ، فقد ذهبوا إلى أنهم عباد اللّه المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، وأنهم أهل الذكر ، وأولو الأمر ، وبقية اللّه في أرضه ، وخيرته في عباده ، وعيبة علمه ، قد عصمهم اللّه من الفتن ، وطهرهم من الدنس ، وأذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ، ووصفهم سيدهم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله :

« هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ،

ص: 107

ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الاسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل » (1).

ووصفهم شاعر الاسلام الكميت بقوله :

القريبين من ندى والبعيدين *** من الجور في عرى الأحكام

والمصيبين باب ما أخطأ النا *** س ومرسي قواعد الاسلام

والحماة الكفاة في الحرب إن لف *** ضرام وقوده بضرام

والغيوث الذين إن أمحل النا *** س فمأوى حواضن الأيتام

راجحي الوزن كاملي العدل في ال *** سيرة طبين بالأمور الجسام

ساسة لا كمن يرى رعية النا *** س سواء ورعية الأغنام

(2) هذه نظرة الشيعة للائمة الطاهرين ليس فيها غلو ولا خروج عن المنطق ولا انحراف عن الدين.

حب الشيعة للائمة

وامتلأت قلوب الشيعة بالحب والولاء لآل البيت (عليهم السلام) معتقدين أن ذلك من أهم الفروض الدينية ، فقد ألزمتهم النصوص الاسلامية بذلك فآية المودة وحديث الثقلين ، والسفينة وغيرها صريحة في إيجاب مودتهم على عموم المسلمين ، وقد آمنت الشيعة بذلك منذ فجر تأريخها ، فهذا أبو الأسود الدؤلي قد رد على من لامه في حبه لأهل البيت (عليهم السلام) بهذين البيتين :

ص: 108


1- نهج البلاغة محمد عبده 2 / 259.
2- الهاشميات.

أمفندي في حب آل محمد *** حجر بفيك فدع ملامك أو زد

من لم يكن بحبالهم متمسكا *** فليعترف بولاء من لا يرشد

(1) وقد عاب قوم على أبي الأسود تشيعه لآل البيت فرد عليهم بهذه الأبيات :

أحب محمدا حبا شديدا *** وعباسا وحمزة والوصيا

وجعفر إن جعفر خير سبط *** شهيد في الجنان مهاجريا

أحبهم كحب اللّه حتى *** أجئ إذا بعثت على هويا

هوى أعطيته منذ استدارت *** رحى الاسلام لم يعدل سويا

يقول الأرذلون بنو قشير *** طوال الدهر لا تنسى عليا

فقلت لهم : وكيف يكون تركي *** من الأعمال ما يقضي عليا

بنو عم النبي وأقربوه *** أحب الناس كلهم إليا

فان يك حبهم رشدا أصبه *** ولست بمخطئ إن كان غيا

هم أهل النصيحة من لدن *** وأهل مودتي ما دمت حيا

رأيت اللّه خالق كل شيء *** هداهم واجتبى منهم نبيا

هم أسوا رسول اللّه حتى *** تربع أمره أمرا قويا

(2) وهذا عبد اللّه بن كثير السهمي يرد على من يرى أن ولاءه لأهل البيت ذنبا ، بهذه الأبيات :

إن امرأ أمست معايبه *** حب النبي لغير ذي ذنب

وبني أبي حسن ووالدهم *** من طاب في الأرحام والصلب

أيعد ذنبا أن أحبهم *** بل حبهم كفارة الذنب (3)

ص: 109


1- ديوان أبي الأسود ( ص 253 )
2- ديوان أبي الأسود ( ص 176 ).
3- البيان والتبيين 3 / 360

وهذا حرب بن المنذر بن الجارود قد قنع من دنياه باليسير من الطعام ، زهدا في الدنيا وهو يعلن ظفره بولاء أهل البيت (عليهم السلام) يقول :

فحسبي من الدنيا كفاف يقيمني *** وأثواب كتان أزور بها قبري

وحبي ذوي قربى النبي محمد *** فما سألنا إلا المودة من أجر (1)

إن ولاء الشيعة لآل البيت (عليهم السلام) مما يتزودون به ، ويتقربون به إلى اللّه تعالى ويرجون به النجاة من العذاب يوم القيامة يقول السيد الحميري :

إني امرؤ حميري غير مؤتشب *** جدي رعين وأخوالي ذو يزن

ثم الولاء أرجو النجاة به *** يوم القيامة للهادي أبي حسن (2)

وهذا الفرزدق يرى أن حبه لآل البيت (عليهم السلام) دين وبغضهم كفر ومروق من الدين يقول :

من معشر حبهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم منجى ومعتصم

أن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

ويقول الكميت :

إليكم ذوي آل النبي تطلعت *** نوازع من قلبي ظماء وألبب

فطائفة قد كفرتني بحبكم *** وطائفة قالوا مسىء ومذنب

فما ساءني تكفير هاتيك منهم *** ولا عيب هاتيك التي هي أعيب

يعبونني من خبهم وضلالهم *** على حبكم بل يسخرون وأعجب

وقالوا : تر ابي هواه ورأيه *** بذلك أدعى فيهم وألقب (3)

لقد ملك حب أهل البيت قلوب الشيعة وعواطفهم ، ولكن ذلك

ص: 110


1- البيان والتبيين 3 / 365
2- البيان والتبيين 3 / 360
3- الهاشميات ( ص 37 ).

الحب بعيد عن الغلو ، وبعيد عن كل ما عاب عليهم خصومهم.

مظاهر الولاء للائمة

أما مظاهر ولاء الشيعة للأئمة أهل البيت سلام اللّه عليهم فهي :

أولا - إن الشيعة تأخذ معالم الدين أصولا وفروعا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتجمع على لزوم العمل بأقوالهم وأفعالهم ، وأنها من السنة التي يجب العمل بها ، وبذلك فقد بنوا إطارهم العقائدي على ما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولا يتعدون في المجالات التشريعية إلى غيرهم من بقية المذاهب الاسلامية ، ولم يكن عن تحزب أو تعصب ، وإنما النصوص القطعية التي أثرت عن الرسول (صلی اللّه عليه وآله) هي التي قادتهم إلى ذلك ، ودفعتهم إلى الاقتصار على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يقول الامام شرف الدين : « إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري ، وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب ، ولا لريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ولا لعدم عدالتهم ، وأمانتهم ونزاهتهم ، وجلالتهم علما وعملا.

لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذاهب الأئمة من أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة والكتاب وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب ، نزولا على حكم الأدلة والبراهين وتعبدا بسنة سيد النبيين والمرسلين صلی اللّه علیه و آله أجمعين.

ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله) أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لتعقبنا

ص: 111

أثر الجمهور ، وقوفنا إثرهم تأكيدا لعقد الولاء ، وتوثيقا لعرى الإخاء لكنها الأدلة تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم (1).

وأضاف بعد هذا يقول :

« وما أظن أحدا يجرأ على القول بتفضيلهم - أي أئمة المذاهب - في علم أو عمل على أئمتنا ، وهم أئمة العترة الطاهرة ، وسفن نجاة الأمة ، وباب حطتها ، وأمانها من الاختلاف في الدين ، وأعلام هدايتها ، وثقل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وقد قال (صلی اللّه عليه وآله) :

فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، فانهم أعلم منكم ، لكنها السياسة ، وما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام.

وقد أيد شيخ الأزهر هذا الجانب المشرق من حديث الامام شرف الدين ، قال :

« بل قد يقال إن أئمتكم الاثني عشر أولى بالاتباع من الأئمة الأربعة لأن الاثني عشر كلهم على مذهب واحد قد محصوه وقرروه باجماعهم بخلاف الأربعة فان الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها ، فلا تحاط موارده ، ولا تضبط ، ومن المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد ، لا يكافئ في الضبط ما يمحصه اثنا عشر إماما ، هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف ، ولا وجهة لمتعسف » (2).

ومن الطبيعي أن هذه الظاهرة التي تمسكت بها الشيعة ، وأعلنتها في جميع المجالات ليس فيها أي جانب من الغلو أو الافراط في الحب ،

ص: 112


1- المراجعات ( ص 40 - 41 )
2- المراجعات ( ص 44 )

وإنما هي متسمة بالاعتدال والاستقامة (1).

ثانيا - إن من مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة لأئمتها أنها تقوم باحياء ذكراهم ، وتشيد بفضائلهم ، ومآثرهم ، وتنشر مكارم أخلاقهم وتقيم الحفلات التأبينية على ما أصابهم من عظيم الخطب وفادح الرزء ، كما تقوم بزيارة مراقدهم الطاهرة للتبرك بها والتقرب إلى اللّه تعالى فانها من أعظم مظاهر الود الذي فرضه اللّه تعالى في كتابه المجيد للعترة الطاهرة على جميع المسلمين.

هذه بعض مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة للأئمة الطاهرين وليس فيه أي شائبة للغلو ، وعلى هذا الاساس المعتدل أقامت الشيعة إطارها العقائدي في الولاء لأهل البيت (عليهم السلام).

الشيعة والصحابة

وأاهمت الشيعة بتجريح الصحابة ، والقول بعدم عدالتهم ، وهو افتراء محض فان الشيعة تقدس صحابة النبي (صلی اللّه عليه وآله) وتكن لهم أعمق الود ، والحب وترى لهم الحق على كل مسلم ومسلمة ، لأنهم نصروا الاسلام أيام محنته وغربته ، ولو لا جهودهم ، وجهادهم ، لما انتشر الاسلام وقام على سوقه عبل الذراع ، ولا بد لنا من وقفة قصيرة لنتحدث عن الصحابة ، وموقف الشيعة منهم.

ص: 113


1- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 14

تعريف الصحابة :

المراد بالصحابة : هم الذين صحبوا النبي (صلی اللّه عليه وآله) وآمنوا به ، وماتوا على هديه ودينه ، وليس المراد بالصحابي كل من رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله) فان هذا التحديد يوجب دخول الأطفال والكفار الذين رأوا النبي (صلی اللّه عليه وآله) في إطار الصحابة مع أنه لا أشكال في خروجهم عنه ، كما أنه بناء على اعتبار الرؤية تخرج بعض الصحابة عن هذا التعريف ممن فقدوا بصرهم كابن أم مكتوم ونحوه.

حكم الصحابة :

ولصحبة النبي (صلی اللّه عليه وآله) منزلة عظيمة ، وكريمة عند اللّه ، ولكن الصحبة لا توجب العصمة عن الخطأ ولا توجب النجاة من النار إلا بالعمل الصالح الذي هو المقياس الصحيح عند اللّه فمن آمن واهتدى وعمل صالحا فان الجنة هي المأوى ، ومن انحرف عن الحق بعد ما تبين له الهدى فان مصيره إلى النار هذا هو حكم الاسلام في قرآنه يقول اللّه تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) وقال تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) فقد أناط تعالى ثوابه بالعمل الصالح وأناط عقابه بالعمل السيئ ، والصحابة وغيرهم سواء ، وليس لأحد عند اللّه منزلة خاصة فجميع البشر عنده سواء ، وأقربهم عنده المطيع له ، وأبعدهم عنه العاصي له ، وهذه آراء بعض

ص: 114

أعلام الشيعة في الصحابة.

رأي السيد علي خان :

قال سماحة المغفور له السيد علي خان المدني : « حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم ، ولا يتحتم الحكم بالايمان والعدالة بمجرد الصحبة ، ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار إلا أن يكون مع يقين الايمان ، وخلوص الجنان فمن علمنا عدالته وإيمانه ، وحفظه وصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) في أهل بيته ، وانه مات على ذلك كسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار واليناه ، وتقربنا إلى اللّه تعالى بحبه ، ومن علمنا انه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت عاديناه لله تعالى ، وتبرأنا إلى اللّه منه ، ونسكت عن المجهولة حاله » (1).

وهذا الرأي وثيق للغاية فليس الحب لخيار الصحابة والتقدير لهم إلا حبا لله وتقربا إليه ، كما أن بغض المنحرفين منهم عن الحق إنما هو بغض للباطل وتقربا إلى اللّه تعالى الذي أمرنا بالابتعاد عن الباطل.

رأي الامام شرف الدين :

قال الامام شرف الدين : « إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا ، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعا ، فان الكاملية ، ومن

ص: 115


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ( ص 11 ).

كان في الغلو على شاكلتهم ، قالوا : بكفر الصحابة كافة ، وقال أهل السنة : بعدالة كل فرد ممن سمع النبي أو رآه من المسلمين مطلقا ، واحتجوا بحديث ( كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين ).

أما نحن فان الصحبة بمجردها وان كانت عندنا فضيلة جليلة لكنها بما هي من حيث هي غير عاصمة ، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول ، وهم عظماؤهم ، وعلماؤهم ، وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال ، فنحن نحتج بعدولهم ، ونتولاهم في الدنيا والآخرة ، أما البغاة على الوصي وأخي النبي (صلی اللّه عليه وآله) وسائر أهل الجرائم كابن هند ، وابن النابغة ، وابن الزرقاء ، وابن عقبة ، وابن أرطاة ، وأمثالهم فلا كرامة لهم ، ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره ، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة ، والكتاب والسنة بيننا على هذا الرأي ، كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه ، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين ، واقتدوا بكل مسلم سمع من النبي (صلی اللّه عليه وآله) أو رآه اقتداء أعمى ، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلو ، وخرجوا من الانكار على كل حد من الحدود ، وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية ، وبهذا ظنوا بنا الظنون ، فاتهمونا بما اتّهمونا رجما بالغيب ، وتهافتا على الجهل ، ولو ثابت إليهم أحلامهم ورجعوا إلى قواعد العلم ، لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليها ، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا

ص: 116

بذكر المنافقين منهم ، وحسبك منه سورة التوبة والأحزاب » (1).

ويمثل رأي الامام شرف الدين عمق الفكر ، وأصالة الدليل فان الشيعة لم تقف مع الصحابة موقفا عاطفيا ، وإنما نظرت بعمق إلى أعمالهم فأكبرت كل من ساهم في بناء الاسلام وبقي صامدا أمام الاحداث التي أمتحن بها المسلمون كأشد ما يكون الامتحان بعد وفاة نبيهم ، كما لم تقم أي وزن لمن كان متهما في دينه كمروان بن الحكم وأبيه الحكم ، والوليد بن عقبة الذي سماه اللّه فاسقا ، وذي الثدية وثعلبة بن حاطب وأمثالهم من الذين عادوا اللّه ورسوله وانحرفوا عن الاسلام.

موقف الامام من الصحابة :

أما موقف الامام أبي جعفر (عليه السلام) من الصحابة فقد كان يتسم بالولاء والتقدير لخيارهم وصلحائهم ، وبالتوهين والازدراء لمن لا حريجة له في الدين منهم ، وقد روى في تجريحهم عدة أحاديث عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) كما أشار إلى بعض الأخبار الموضوعة التي وردت في الثناء عليهم ، وفيما يلي ذلك :

1 - إنه (عليه السلام) روى عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبي هريرة ، قال قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : « يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون عن الحوض فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى » (2).

ص: 117


1- المراجعات
2- المعرفة والتاريخ 1 / 360 ، وأخرجه البخاري 8 / 150.

وبمضمون هذا الحديث وردت أحاديث كثيرة منها ما رواه أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) أنه قال لأصحابه : « أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواما ثم لاغلبن عليهم فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (1) وأخرج الترمذي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) أنه قال : ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين ، وذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فانهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول : كما قال العبد الصالح : إن تعذبهم فانهم عبادك ... (2).

إلى غير ذلك من الأخبار التي دلت على وجود المنحرفين من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله) وإن الصحبة لا توجب العصمة من الخطأ ، والتحرج في الدين.

2 - إن الامام (عليه السلام) أشار في حديث له مع جماعة من أعلام أصحابه إلى أن أكثر الأحاديث التي وردت في فضل بعض الصحابة كانت من الموضوعات أيام حكم معاوية فقد عهد إلى لجان الوضع بافتعال ذلك للحط من شأن العلويين ، وقد طلب أبان من الامام أن يسمي له بعض تلك الأخبار الموضوعة ، فقال (عليه السلام) : رووا

« إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر » (3)

« إن عمر محدث - بصيغة المفعول أي تحدثه الملائكة - »

ص: 118


1- مسند أحمد 5 / 231
2- صحيح الترمذي 2 / 68
3- وضع الحديث لمعارضة الخبر المتواتر عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) في حق السبطين الحسن والحسين إنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وقد سئل الامام الجواد (عليه السلام) عنه فقال : واللّه ليس في الجنة كهول بل كلهم شباب مرد.

« إن عمر يلقنه الملك »

« إن السكينة تنطق على لسان عمر »

« إن الملائكة لتستحي من عثمان » (1)

واسترسل الامام أبو جعفر في عرض الأخبار المفتعلة حتى عد أكثر من مائة رواية (2) يحسبها الناس أنها حق ، وهي كذب وزور (3).

إن وضع الحديث في فضل الصحابة كان له مضاعفاته السيئة والتي كان منها تقديس الجمهور لعامة الصحابة تقديسا أعمى ، وألغوا النظر في الأعمال التي أثرت عن بعضهم وهي لا تتفق مع روح الاسلام وواقعه.

الفكر السياسي الشيعي :

وتبنت الشيعة منذ فجر تأريخها العدل السياسي ، والعدل الاجتماعي ونادت بحقوق الانسان ، وإلغاء التمايز العنصري بين جميع الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم.

إن الفكر السياسي الذي تبنته الشيعة إنما هو امتداد ذاتي لواقع الاسلام الذي بني على العدل الخالص والحق المحض ، والذي جاء لتطور

ص: 119


1- لا نعلم لما ذا تستحي الملائكة من عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية فهل إنها تعمل المنكر والقبيح حتى تستحي منه أو بالعكس ، إنا لا نتصور وجها لهذا الاستحياء المزعوم.
2- في رواية حتى عد أكثر من مائتي حديث.
3- حياة الامام الحسن ( 2 / 168 - 169 ) نقلا عن سليم بن قيس الكوفي ( ص 45 ).

الحياة ، ورفع مستوى الانسان ، وازدهار حياته ، ونلمح إلى بعض معالمه الرئيسية.

الرخاء الاقتصادي

وآمنت الشيعة بضرورة توفير الرخاء الاقتصادي لجميع الناس ، واعتبرت الفقر كارثة اجتماعية مدمرة يجب القضاء عليها بكافة الوسائل فانه ليس من الاسلام في شيء أن يكون في المجتمع الاسلامي ظل للفقر أو شبح للحرمان ، ومن أجل ذلك ثار الزعيم الاسلامي الكبير أبو ذر على الحكم الأموي الذي بني على الاثرة والاستغلال وإشاعة الفقر بين الناس ، وقد قال أبو ذر : كلمته الخالدة « عجبت لمن لا يجد القوت أن لا يخرج شاهرا سيفه »

وقد ضاقت الحكومة الأموية منه ذرعا ، فقد أخذ هذا المصلح العظيم يوقض المشاعر ، ويلهب العواطف ، ويدفع الناس إلى الثورة والتمرد على الحكم الأموي ، وفرض عليه الأمويون الاقامة الجبرية في الربذة التي هي أقفر بقعة في الحجاز ، وظل أبو ذر يعاني البؤس والجوع حتى توفى مضطهدا جائعا في حين أن ذهب الأرض بيد بني أمية وآل أبي معيط.

وإن من بين الأهداف الأصيلة التي ثار من أجلها الامام العظيم الحسين (عليه السلام) هو إنقاذ الاقتصاد الاسلامي من الطغمة الأموية التي تلاعبت به ، وسخرته لاشباع شهواتها وتدعيم نفوذها وأغراضها ، في حين أن الاسلام قد احتاط كأشد ما يكون الاحتياط في أموال الدولة فألزم ولاة الأمور في إنفاقها على تطوير الحياة العامة ، وازدهار حياة الفرد والمجتمع

ص: 120

وإنعاشهم ، كما حرم على الولاة إنفاق القليل أو الكثير من المال في الأمور التي لا تعود على المسلمين بفائدة.

وعلى أي حال فان ازدهار الاقتصاد العام وتطويره وتنميته جزء من برامج الفكر السياسي الذي آمنت به الشيعة.

الغاء التمايز العنصري

وأعلن الاسلام منذ فجر تأريخه إلغاء التمايز العنصري ، واعتبره ضرورة اجتماعية لا تستغني عنه الحياة ، فان التمايز ينم عن مجتمع متخلف قد فقد عناصر الفكر والوعي.

إن الاسلام - بكل فخر واعتزاز - نظر إلى المجتمع الانساني بعمق وشمول فلم يميز عنصرا على عنصر ، ولا قوما على آخرين ، يقول الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) : « لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأبيض على أسود ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب » على هذا الأساس المتميز بالاصالة والوعي أقام الاسلام مجتمعه الذي أمد العالم بجميع مقومات الارتقاء والنهوض.

وتبنى الفكر الشيعي هذه الظاهرة ، يقول الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) : في عهده السياسي لمالك الأشتر : « الناس صنفان : أما أخ لك في الدين أو شبيه لك في الخلق » وطبق (عليه السلام) ذلك تطبيقا كاملا حينما آل إليه الأمر فساوى في عطائه وصلاته بين العرب والموالي ، ولم يميز قوما على آخرين وهذا هو السبب في اعتناق الموالي للتشيع ، وتفانيهم في الولاء والحب للامام أمير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 121

بسط العدل

أما بسط العدل فهو من أهم ما عني به الاسلام ، فقد نشر الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) العدل بجميع رحابه ومفاهيمه بين الناس ، وكذلك وصيه ، وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين فانه حينما تقلد الحكم سعى جاهدا إلى تطبيق العدل السياسي ، والعدل الاجتماعي ، وكان القريب والبعيد عنده في ذلك سواء ، وقد رأى الناس في عهده من صنوف العدل ما لم يشاهدوه في جميع مراحل التأريخ ، وقد حفل التأريخ الاسلامي بصور رائعة من ذلك العدل الذي نشره الامام (عليه السلام) مما يعتبر عاملا أصيلا في ازدهار الوعي الاجتماعي والسياسي في العالم الاسلامي على امتداد التأريخ.

الثورة على الظلم

من المبادئ الأساسية في الفكر السياسي الشيعي مقاومة الظلم ومناجزة الظالمين فقد انطلق أعلام هذه الطائفة أيام الحكم الأموي والعباسي إلى مقارعة الظلم ومناجزة الطغيان ، وكان أول من انطلق في هذا الميدان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تلميذه الوفي أبو ذر الغفاري صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الذي قاوم الاستبداد الأموي والطغيان الفاجر ، ونادى بالعدالة الاجتماعية وتهيئة الفرص لجميع المواطنين.

ولما آل الأمر إلى الامام أمير المؤمنين تبنت حكومته القضايا المصيرية للأمة ، وتبنت العدل والمساواة وتحقيق الرخاء للأمة.

ص: 122

وقد خلق الامام أيام حكومته القصيرة الأمد وعيا أصيلا في نفوس شيعته يدعوهم إلى الثورة والتمرد على كل ظالم مستبد ، فقد ثار الزعيم العظيم حجر بن عدي مع الثوار من إخوانه في وجه معاوية الذئب الجاهلي الذي حول البلاد الاسلامية إلى مزرعة له ولبني أمية وسائر عملائهم وأذنابهم ، ولم تطق الحكومة المركزية في الكوفة صبرا على الهجمات التي يشنها عليها حجر فألقت القبض عليه وعلى إخوانه وسيرتهم إلى الشام فأعدموا في مرج عذراء وقد استشهدوا من أجل أداء رسالتهم الاسلامية الكبرى الهادفة إلى نشر العدل وتحقيق المساواة بين المسلمين.

ولم تمض الأيام حتى رفع علم الثورة الامام الحسين (عليه السلام) سبط الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) فقد نقم على الظلم السائد في عصره فثار في وجه حفيد أبي سفيان العدو الأول للاسلام.

وقد استشهد الامام العظيم في سبيل الاصلاح الاجتماعي وفي سبيل توزيع خيرات الأرض على الفقراء والمعوزين والمحرومين.

وغير أبو الأحرار بثورته الخالدة وجه التأريخ العربي والاسلامي ، فقد أخرج المسلمين من حياة الذل إلى حياة العز ، وفتح لهم أبواب المجد والكفاح ، فقد انطلقت الثورات المتلاحقة من أحفاد الحسين وأحفاد أخيه الحسن ، قد رفعت شعار العدل والمساواة بين المسلمين.

يقول الوردي : « الشيعة أول من حمل الثورة الفكرية في الاسلام ضد الطغيان ، وفي نظرياتها تكمن روح الثورة ، وإن عقيدة الامامة التي آمن بها الشيعة حملتهم على انتقاد الطبقة الحاكمة ومعارضتها في جميع مراحل تأريخهم ، وجعلتهم يرون كل حكومة غاصبة ظالمة مهما كان نوعها إلا إذا تولى أمرها إمام معصوم ، لذلك كانوا في ثورة مستمرة

ص: 123

لا يهدءون ولا يفترون » (1).

إن الثورات التي فجرتها الشيعة أيام الحكم الأموي والعباسي كانت صدى لفكرتهم التي آمنوا بها وهي تحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض والقضاء على جميع ألوان الظلم وضروب الفساد ، وإزالة الغبن الاجتماعي لقد كانت الشيعة من أعظم الفرق والمذاهب الاجتماعية انطلاقا في ميادين الجهاد دفاعا عن كلمة الحق والعدل في الأرض.

جرأة وإقدام

وملكت قادة الشيعة رصيدا هائلا من الجرأة والاقدام ، فلم يتهيبوا السلطة ، ولم يخضعوا لجور الحكم وجبروته ، وإنما اندفعوا بكل بسالة وشجاعة إلى مقاومة المنكر وشجب الباطل ... فهذا عبد اللّه بن عفيف الأزدي صاحب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ثار في وجه الطاغية ابن مرجانة حينما خطب بعد قتله لسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (عليه السلام) فأظهر الشماتة الآثمة بقتل الامام ، وأعلن سبه أمام تلك الوحوش الكاسرة فرد عليه الشيخ الأزدي وكان أعمى قائلا له :

« إنما الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ، ومن استعملك وأبوه يا عبد بني علاج ، أتقتلون أبناء النبيين ، وتصعدون على منابر المسلمين!! أين أبناء المهاجرين والأنصار؟ لينتقموا منك ، ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين - مشيرا إلى يزيد وأبيه معاوية - على لسان النبي الأمين ».

وترجمت هذه الكلمات المشرقة ما في عواطف الناس من الأمس المرير

ص: 124


1- وعاظ السلاطين ( ص 293 ).

والحزن العميق ، على قتل سيد الشهداء ، كما أبرزت للمجتمع واقع ابن مرجانة ، وإنه أقذر مخلوق ، وأشر إنسان وجد على هذه الأرض.

ومن بين أعلام الشيعة الذين قاموا المنكر ، وناهضوا الجور الكميت ابن زيد الأسدي ، فقد أعلن سخطه على الحكم الأموي بشعره الذي هو لسان الثورة على الأمويين ، وقد قال فيهم :

فقل لبني أمية حيث كانوا *** وإن خفت المهند والقطيعا

إلا أف لدهر كنت فيه *** هدانا طائعا لكم مطيعا

أجاع اللّه من أشبعتموه *** وأشبع من بجوركم أجيعا

ويلعن فذ أمته جهارا *** إذا ساس البرية والخليعا

بمرضي السياسة هاشمي *** يكون حيا لأمته ربيعا

وليثا في المشاهد غير نكس *** لتقويم البرية مستطيعا

يقيم أمورها ويذب عنها *** ويترك جدبها أبدا مريعا

لقد جاهر الكميت بلعن الأمويين وتمنى زوال سلطانهم دون خوف من سلطانهم ، كما تمنى أن يلي أمور المسلمين أحد الهاشميين لتتم به نعمة اللّه على الناس فيقيم أمورهم. ويذب عنهم كوارث الدهر ، ويبسط فيهم العدل حتى يترك جدب الأرض أبدا مريعا.

وهجا الكميت الطاغية هشام بن عبد الملك بقوله :

مصيب على الأعواد يوم ركوبها *** بما قال فيها مخطئ حين ينزل

كلام النبيين الهداة كلامنا *** وأفعال أهل الجاهلية نفعل

واضطهده الأمويون فسجنوه وعذبوه ونكلوا به ، ولكن ذلك لم يثنه عن تصلبه لعقيدته ومبدئه.

ومن الذين انتصروا للحق ، واستهانوا بالأمويين الفرزدق ، وذلك

ص: 125

في مدحه للامام الأعظم زين العابدين (عليه السلام) وانتقاصه لهشام بن عبد الملك الذي تجاهل مكانة الامام وزعم أنه لا يعرفه فقال له :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

وليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم

وتعرض لسخط الأمويين ونقمتهم ، فأودعوه في السجن وقال وهو في السجن يهجو هشاما :

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد *** وعين له حولاء باد عيوبها

أجل لم يكن رأس هشام رأس سيد ، وإنما هو رأس صعلوك قد ولغ في دماء المسلمين ، وهو الذي ألجأ الشهيد العظيم زيد بن علي (عليه السلام) إلى إعلان الثورة عليه وذلك بالاستخفاف به ، مما اضطره إلى التمرد على حكومته.

وظهر في العصر العباسي شاعر من ألمع شعراء العربية وهو دعبل الخزاعي ، فقد وهب حياته لله فأعلن سخطه على الحكم العباسي الذي لا يقل في جوره وطغيانه عن الحكم الأموي ، وقد هجا الرشيد والأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، وابراهيم بن المهدي ، وقد قال في المعتصم :

وقام إمام لم يكن ذا هداية *** فليس له عقل وليس له لب

ملوك بني العباس في الكتب سبعة *** ولم يأتنا عن ثامن لهم كتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة خيار إذا عدوا وثامنهم كلب

واني لأعلي كلبهم عنك رفعة *** لأنك ذو ذنب وليس له ذنب

وقد صور بهذه الأبيات المعتصم بأنه خال من الهداية والرشد وأنه إنسان تافه لا عقل له ولا تفكير ولا يملك قلبا وإن كلب أهل الكهف

ص: 126

خير منه لأنه لم يقترف ذنبا أما المعتصم فقد أغرق بالآثام والموبقات.

وظل دعبل منافحا عن مبادئه وهو مشرد عن وطنه يطارده الرعب والفزع ، وقد قال : « إني أحمل خشبتي على كتفي منذ أربعين سنة ، ولست أجد أحدا يصلبني عليها ».

إن تأريخ الشيعة حافل بالبطولات ، والتمرد على الظلم ، والنقمة على الجور والكفاح عن حقوق المظلومين والمضطهدين (1).

امتحان الشيعة

وامتحنت الشيعة امتحانا عسيرا وشاقا في تلك العصور فقد أمعنت السلطات الحاكمة في التنكيل بهم ، وعاملتهم بجميع ألوان القسوة والعذاب ، وقد اضطهدت اضطهادا رسميا أيام حكومة معاوية ، وقد روى الامام أبو جعفر (عليه السلام) عما جرى على الشيعة من المحن والخطوب في زمان معاوية قال (عليه السلام) « وقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره » (2).

وكانت شيعة الكوفة أشد الناس بلاء وأعظمهم محنة ويصور الشاعر الكبير عبد اللّه بن عامر المعروف بالعبلي الاضطهاد الذي عانه في حبه لأهل البيت بقوله :

شردوا بي عند امتداحي عليا *** ورأوا ذاك في داءا دويا

ص: 127


1- حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 182.
2- حياة الامام الحسن 2 / 357.

فو ربي ما أبرح الدهر حتى *** تختلي مهجتي بحبي عليا

وبنيه لحب أحمد إني *** كنت أحببتهم بحبي النبيا

حب دين لا حب دنيا وشر *** الحب حب يكون دنياويا

صاغني اللّه في الذوابة منهم *** لا ذميما ولا سنيدا دعيا

وسئل الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقيل له :

- كيف أصبحت؟

- أصبحت برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) خائفا وأصبح الناس كلهم برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) أمنين (1).

فقد استعمل عليهم معاوية بعد هلاك المغيرة زياد بن أبيه اللصيق في نسبه ، المرتد عن دينه ، وقد أشاع فيهم القتل والاعدام ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وسمل عيونهم وصلبهم على جذوع النخل (2) وكان من مظاهر ذلك الاضطهاد ما يلي :

1 - هدم دورهم.

2 - عدم قبول شهادتهم.

3 - سجنهم.

4 - قتلهم.

ونسبت أبيات من الشعر إلى بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يذكر فيها المحن الشاقة التي حلت بهم ، يقول :

نحن بنو المصطفى ذوو محن *** يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى وآخرنا

ص: 128


1- ميزان الاعتدال 4 / 160.
2- حياة الامام الحسن 2 / 356.

يفرح هذا الورى بعيدهم *** ونحن أعيادنا مآتمنا

إن الأعياد الاسلامية التي يفرح بها المسلمون كعيد الفطر والأضحى قد جعلها الأئمة مآتما لهم ، وذلك لما حل بهم من الكوارث والخطوب.

وأشار منصور النمري في بعض قصائده إلى الاضطهاد الذي عانته الشيعة لولائها لأهل البيت يقول :

آل النبي ومن بحبهم *** يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم *** عن أمة التوحيد في عزل

وقال الطغرائي :

حب اليهود لآل موسى ظاهر *** وولاؤهم لبني أخيه بادى

وإمامهم من نسل هارون الأولى *** بهم اهتدوا ولكل قوم هاد

وكذا النصارى يكرمون محبة *** لنبيهم نجرا من الأعواد

ومتى تولى آل أحمد مسلم *** قتلوه أو وصموه بالالحاد

هذا هو الداء العضال *** لمثله ضلت عقول حواضر وبواد

لم يحفظوا حق النبي محمد *** في آله واللّه بالمرصاد

وصور شاعر آخر من شعراء الشيعة ما تعانيه الشيعة من صنوف التنكيل بقوله :

إن اليهود بحبها لنبيها *** آمنت معرة دهرها الخوان

وذوو الصليب بحب عيسى أصبحوا *** يمشون زهوا في قرى نجران

والمؤمنون بحب آل محمد *** يرمون في الآفاق بالنيران

ويقول المؤرخون : إن الفضل بن دكين كان يتشيع فجاء إليه ولده ، وهو يبكي فقال له :

- مالك؟

ص: 129

- يا أبتي إن الناس يقولون : إنك تتشيع.

فأنشأ الفضل يقول :

وما زال كتمانيك حتى كأنني *** برجع جواب السائلي لأعجم

لأسلم من قول الوشاة وتسلمي *** سلمت وهل حي على الناس يسلم

(1) لقد كان الاتهام في التشيع في العصر الأموي مما يستوجب البطش والنقمة من المسئولين ، فقد روى المؤرخون أن ابراهيم بن هرثمة دخل المدينة فأتاه رجل من العلويين فسلم عليه فقال له ابراهيم : تنح عني لا تشط بدمي (2) وقد عهدت السلطة الأموية إلى ولاتها بقتل كل مولود يسمى عليا ، ومن طريف ما ينقل أن علي بن رباح لما سمع ذلك خاف من القتل ، وجعل يقول : لا أجعل في حل من سماني عليا فاسمي علي - بضم العين - (3).

لقد كانت محنة الشيعة في العصر الأموي شاقة وعسيرة فقد واجهت أعنف المشاكل السياسية والاجتماعية ، ومنيت بالاضطهاد والحرمان من جميع حقوقها.

الالتجاء الى التقية :

ونظرا لامعان السلطات الحاكمة في قتل الشيعة وإرهاقهم فقد شرع أئمة أهل البيت التقية وهي « كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ،

ص: 130


1- تأريخ بغداد 12 / 351.
2- تأريخ بغداد 6 / 127.
3- تهذيب التهذيب 7 / 319.

ومكاتمة المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا » (1).

لقد شرع الأئمة التقية حفظا على دماء الشيعة التي استحلّها أولئك الجلادون من برابرة البشرية الذين خلقوا للجريمة والإساءة إلى الناس.

لقد اتّخذ الأئمة التقية قاعدة أساسية للسلوك السياسي والاجتماعي للشيعة ، ولو لا هذه القاعدة لما بقي للشيعة اسم ولا رسم نظرا لقسوة العذاب الذي لاقوه في تلك العهود السود التي لم تشهد الانسانية نظيرا لها في ظلمتها ومرارتها وقسوتها.

لقد شدد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على شيعتهم بكتمان عقيدتهم ، وإخفاء المودة لهم خوفا عليهم ، وحفظا لأرواحهم ، وقد قال الامام أبو جعفر (عليه السلام) : « التقية ديني ، ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له » (2).

لقد حفظت هذه الخطة الحكيمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ولولاها لذهب ذكرهم وما بقى لهم اسم على وجه الأرض ، فقد جهدت الحكومة الأموية والعباسية على محو ذكرهم وإزالة آثارهم ، يقول الشيخ الطوسي ، « لم تلق فرقة ولا بلي مذهب بما بليت به الشيعة من التتبع والقصد ، وظهور كلمة أهل الخلاف ، حتى أنا لا نكاد نعرف زمانا - تقدم - سلمت فيه الشيعة من الخوف ولزوم التقية ، ولا حالا عريت فيه من قصد السلطان وعصبته وميله وانحرافه » (3).

إن التجاء الشيعة إلى التقية إنما هو دليل على مدى نضوج الفكر

ص: 131


1- شرح عقائد الصدوق ( ص 66 ) للمفيد.
2- وسائل الشيعة : كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- تلخيص الشافي 1 / 59.

السياسي عندهم ، فقد حفظوا عقيدتهم من خصومهم الأقوياء الذين لا حريجة لهم ، في استحلال دمائهم وأموالهم.

وبهذا العرض الموجز ينتهي بنا الحديث عن بعض برامج الفكر السياسي عند الشيعة.

وحدة الشيعة :

ويرى بعض المؤلفين أن الشيعة قد امتازت بالوحدة الشاملة في عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) فلم يكن هناك أي انقسام مذهبي بين صفوفهم ، وإنما حدث الاختلاف بعد وفاة الامام (1) ولكن في ذلك موضع نظر فان الكيسانية التي ذهبت إلى إمامة محمد بن الحنفية قد ظهرت في أيام الامام أبي جعفر (عليه السلام) نعم الزيدية ، والاسماعيلية ، والواقفية قد ظهرت بعد وفاته.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الشيعة ، وسائر الفرق الاسلامية الأخرى ، أما استيعاب البحث عن الشيعة ، وإبراز قيمهم ، فقد أعددنا له دراسة خاصة ، عسى أن نوفق إلى نشرها في أقرب وقت إن شاء اللّه تعالى.

الحياة العلمية :

عاش العرب قبل الاسلام قبائل متعددة يتبعون مواقع الغيث ، ومنابت الكلاء ، وكانت الأكثرية الساحقة منهم تعيش بائسة فقيرة في الصحراء ، ولما انبثق

ص: 132


1- فرق الشيعة ( ص 84 ).

فجر الاسلام انقلبت حياتهم رأسا على عقب ، فقد انتقلوا من الحياة البدوية إلى الحياة المدنية ، كما تبدلت أكثر أوضاعهم الراهنة آنذاك فقد تبدلت أحاسيسهم بالحياة القبلية إلى الشعور بالأخوة الاسلامية التي لا تعرف التعصب ، ولا تخضع للعادات الجاهلية.

ولما استقر الاسلام كان من أهم ما عنى به نشر الثقافة وتعميم العلم وإشاعته بين الناس ، باعتباره الركيزة الأولى إلى التطور الفكري للمجتمع الاسلامي ، وفي أيام الحكم الأموي لم تعر الأوساط الحاكمة آنذاك أي اهتمام للناحية العلمية ، ولكن في يثرب موطن الفكر الاسلامي قد تأسست مدرستان وهما :

مدرسة التابعين

اشارة

وعنت هذه المؤسسة بعلوم الشريعة ، ولم تتجاوزها أما أعضاؤها فهم : سعيد بن المسيب ، عروة بن الزبير ، القاسم بن محمد بن أبي بكر ، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، سليمان بن يسار ، عبيد اللّه بن عتبة بن مسعود ، خارجة بن زيد ، ونظم بعض الشعراء أسماءهم بقوله :

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر *** روايتهم ليست عن العلم خارجة

فقل : هم عبيد اللّه عروة قاسم *** سعيد أبو بكر سليمان خارجة

وقال فيهم شاعر آخر :

ألا كل من لا يقتدي بأئمة *** فقسمته ضيزى عن العلم خارجة

ص: 133

فخذهم عبيد اللّه عروة قاسم *** سعيد سليمان أبو بكر خارجة (1)

ولا بد لنا من وقفة قصيرة لاعطاء ترجمة موجزة عن هؤلاء الأعلام ، وفيما يلي ذلك :

1 - سعيد بن المصيب :
اشارة

سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي ، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر (2) ونلمح إلى بعض شئونه :

مكانته العلمية :

كان من أجل علماء عصره ، قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه (3) وروى محمد بن إسحاق عن مكحول قال : طفت الأرض كلها في طلب العلم فما لقيت أعلم منه (4) ، وقال ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما من سعيد بن المسيب (5) وروى الليث عن عن يحيى بن سعيد قال : كان ابن المسيب يسمى راوية عمر كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته (6).

ووردت أقوال مماثلة تدل على سمو مكانته العلمية ، وأنه من أفاضل علماء عصره.

ص: 134


1- تأريخ أبي الفداء.
2- تهذيب التهذيب 4 / 87.
3- 3 و 4 و 5 و 6 تهذيب التهذيب 4 /3. 87.

وقد روى عن الامام زين العابدين (عليه السلام) الشيء الكثير ولازمه وأخذ عنه الكثير من مسائل الحلال والحرام.

وثاقته :

واختلف المترجمون له في وثاقته على أقوال ، فذهب بعضهم إلى وثاقته مستندا إلى بعض الأخبار الدالة على ذلك وذهب آخرون إلى تجريحه وعدم وثاقته ، ومال سيدنا الأستاذ الخوئي إلى التوقف في أمره ، وذلك لعدم تمامية سند المدح والقدح فيه (1) وروى عمرو بن ميمون عن أبيه قال : قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهل المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب (2) ومعنى ذلك أن السلطة الأموية قد دفعته إلى السؤال عنه ، وأنها هي التي تبنته.

وقال أبو إسحاق : كنت أرى الرجل في ذلك الزمان ، وأنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا (3) وكان سعيد بن المسيب ولعا بالغزل فكان ينشده في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) (4).

ص: 135


1- معجم رجال الحديث 8 / 140.
2- تهذيب التهذيب 4 / 84.
3- اعلام الموقعين 1 / 18.
4- الاغاني 3 / 93.
وفاته :

توفى في يثرب سنة ( 94 ه ) في خلافة الوليد وهو ابن خمس وسبعين سنة وقيل توفى سنة ( 93 ه ) (1).

2 - عروة بن الزبير :
اشارة

عروة بن الزبير بن العوام المدني أحد فقهاء المدينة السبعة وكان أعلم الناس بحديث عائشة ، وقد وعى جميع أخبارها وأحاديثها (2) فهي خالته وقد حضر مع أبيه الزبير في حرب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان عمره 13 سنة فاستصغره (3) وكان عبد الملك بن مروان يشيد بذكره ومما قاله فيه : « من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير (4).

ومن كلماته قال : إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات ، وإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات (5).

ص: 136


1- تهذيب التهذيب 4 / 86.
2- تهذيب التهذيب 7 / 182.
3- تهذيب التهذيب 7 / 182.
4- شذرات الذهب 1 / 104.
5- تهذيب التهذيب 7 / 183.
وفاته :

توفى سنة ( 91 ه ) أو ( 92 ه ) (1).

3 - عبيد اللّه بن عبد اللّه :

ابن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد اللّه المدني ، قال العجلي : كان أعمى ، وكان أحد فقهاء المدينة تابعي ثقة ، رجل صالح ، جامع للعلم ، وهو معلم عمر بن عبد العزيز (2) تغزل في امرأة من هذيل قدمت مكة ومن غزله فيها :

أحبك حبا لو علمت ببعضه *** لجدت ولم يصعب عليك شديد

وحبك يا أم الصبي مدلهي *** شهيدي أبو بكر فذاك شهيد

ويعلم وجدي القاسم بن محمد *** وعروة ما القى بكم وسعيد

ويعلم ما أضعن سليمان علمه *** وخارجة يبدي لنا ويعيد

متى تسألي عما أقول فتخبري *** فللحب عندي طارق وتليد

فبلغت أبياته سعيد بن المسيب فقال : واللّه لقد أمن أن تسألنا ، وعلم أنها لو أستشهدت بنا لم نشهد لها بالباطل (3) توفى سنة ( 99 ه ) (4).

ص: 137


1- تهذيب التهذيب 7 / 184.
2- تهذيب التهذيب 7 / 23.
3- الاغاني 8 / 16.
4- تهذيب التهذيب 7 / 24.
4 - عبد الرحمن :

ابن الحارث المخزومي أبو الحارث المدني روى عن جماعة منهم زيد ابن علي بن الحسين ، والحسن البصري ، وحكيم بن حكيم وغيرهم ، قال النسائي : ليس بالقوي ، ولكن ابن سعد قال : إنه ثقة ، وقال أحمد : متروك ، وضعفه علي بن المديني ، توفى في أول خلافة أبي جعفر المنصور (1).

5 - سليمان :

ابن يسار الهلالي أبو أيوب المدني ، يقال كان مكاتبا لأم سلمة ، روى عنها وعن عائشة ، وكان من علماء الناس بعد ابن المسيب ، توفى سنة ( 107 ه ) وهو ابن ( 73 سنة ) وقيل غير ذلك (2).

6 - خارجة :

ابن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري أبو زيد المدني روى عن جماعة ، كما روى عنه قوم ، قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث (3) ولم يذكره الذهبي في حفاظ الحديث.

7 - القاسم :

ابن محمد بن أبي بكر أبو محمد ، روى عن أبيه وعمته عائشة وعن

ص: 138


1- تهذيب التهذيب 6 / 155.
2- تهذيب التهذيب 4 / 229.
3- تهذيب التهذيب 8 / 334.

العبادلة وروى عنه قوم آخرون ، قال البخاري : قتل أبوه وبقي يتيما في حجر عائشة وفي رواية البخاري : أنه كان أفضل أهل زمانه ، وقال أبو الزناد : ما رأيت أحدا أعلم بالسنة منه ، ولا أحد ذهنا (1) وقد تزوج الامام الباقر (عليه السلام) بابنته أم فروة فأولدها الامام العظيم أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) وقد عده الشيخ تارة في أصحاب السجاد (عليه السلام) وأخرى في أصحاب الباقر (عليه السلام).

توفى سنة ( 102 ه ) وكانت وفاته بعد وفاة عمر بن عبد العزيز (2) وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الفقهاء السبعة الذين شكلوا مدرسة عرفت بمدرسة التابعين.

مدرسة أهل البيت :

وهي أول مدرسة فكرية أنشأت في الاسلام ، وقد عملت على تقدم المسلمين وتطوير حياتهم ، ولم تقتصر العلوم التي تلقى فيها على ما يخص التشريع الاسلامي ، وإنما تناولت جميع العلوم والمعارف من الفلسفة والحكمة والطب والكيمياء وعلم الكلام والسياسة والادارة والاقتصاد ، وغيرها.

وقد قامت هذه المؤسسة بدور مهم في تدوين العلوم ، وتأسيسها بعد أن منع الخليفة الأول والثاني تدوين الحديث ذاهبين إلى أن ذلك قد يؤثر على كتاب اللّه وهو اعتذار مهلهل لا واقع له.

ويذكر السيد حسن الصدر أن الشيعة هم أول من عنوا بالفقه

ص: 139


1- معجم رجال الحديث 14 / 48.
2- تهذيب التهذيب 8 / 335.

وتدوين بعض مسائله ، وقد ذكر منهم علي بن أبي رافع وهو من أعلام الشيعة وخيارهم في عصر الامام أمير المؤمنين كما كان كاتبا له ، وقد ألف كتابا في فنون الفقه : الوضوء والصلاة وسائر الأبواب.

كما كان من المؤلفين سليم بن قيس الهلالي الكوفي الذي هو من أصحاب الامام وعاش إلى زمن الحجاج في الدولة الأموية ، وقد أراد قتله الجلاد الحجاج فلجأ سليم إلى أبان بن عياش فآواه ، وحينما حضرته الوفاة أعطاه كتابه المشهور باسمه ، وهو أول كتاب ظهر للشيعة رواه أبان بن أبي عياش (1).

وعلى أي حال فان مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) قد عنت بجميع العلوم ولم تقتصر على علم خاص ، وقد كان المؤسس لها الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم من بعده الأئمة الطاهرون من ولده ، وفي عهد الامام الباقر (عليه السلام) قام برعايتها ، وقد التفّ حوله العلماء ينتهلون من نمير علومه وقد روى عنه الثقات مجموعة كبيرة من العلوم لا تختص بعلم واحد من العلوم وسنشير إلى ذلك عند عرض أصحابه ورواة حديثه.

أما البحث عن هذه المؤسسة فقد ذكرناه بالتفصيل في كتابنا حياة الامام موسى بن جعفر (عليهماالسلام) كما نشر في أعيان الشيعة ومجلة الأضواء

الحياة الثقافية العامة

أما الحياة الثقافية العامة في عصر الامام فقد كانت ضحلة للغاية ، فلم تعد هناك مقاييس للأخلاق والمثل التي جاء بها الاسلام ، وإنما عاد الناس إلى

ص: 140


1- تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام.

جاهليتهم الأولى ، فقد أخذ بعضهم يفخر على بعض بالآباء ، والأنساب ، وقد لوحظت هذه الظاهرة في شعر ذلك العصر الذي يمثل انطباعات ذلك المجتمع فقد تسابق الشعراء إلى الافتخار بالأنساب ، وغدا للهجاء سوق كبير ، ويلحظ ذلك بصورة ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير ، فأنك تجد أكثر ما أثر عنهما من الشعر قد كان في هذا الموضوع ، وقد انتهز هذه الفرصة شاعر العلويين الكميت فأشاد بمناقب قومه من مضر وفضلهم على القحطانيين فأثار بذلك الفتنة بين القبائل مما يعتبر عاملا أصيلا في الإطاحة بالحكم الأموي ، وكان مما قاله في مدح قومه وهجاء القحطانيين :

لنا قمر السماء وكل نجم *** تشير إليه أيدي المهتدينا

وجدت اللّه إذ سمى نزارا *** وأسكنهم بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات *** وللناس القفا ولنا الجبينا

وما خربت هجائن من نزار *** فوالح من فحول الاعجمينا (1)

وما حملوا الحمير على عتاق *** مطهمة فيلفوا مبغلينا (2)

وما ولدت بنات بني نزار *** حلائل أسودين وأحمرينا

بنى الأعمام أنكحنا الايامى *** وبالآباء سمينا البنينا (3)

لقد فخر بهذه الأبيات على اليمينة فعيرهم بأنهم يزوجون بناتهم للحبش والفرس فتولد بناتهم السود والحمر ، فكان هذا النسل يشبه تلقيح الحمير للخيل العتاق التي تنتج البغال.

ص: 141


1- الهجائن : الحرات الكريمات ، الفوالخ : جمع فالخ ، ويراد به الزوج.
2- عتاق مطهمة : يراد بها النساء العربيات الشريفات.
3- مروج الذهب 2 / 196.

وقد أثار هذا الشعر حفائظ القحطانيين ، وأجج نار الفتنة بينهم وبين المضريين وقد انبرى للدفاع عنهم دعبل الخزاعي ، وأكاد أعتقد أنه على اتّفاق مع الكميت في ذلك لتأجيج نار الفتنة بين القبائل واضعافها وقد كانت القصيدة التي رد بها على الكميت قد بلغت ستمائة بيت (1) ومما جاء فيها :

أفيقي من ملامك يا ظغينا *** كفاك اللوم مر الأربعينا

ألم تحزنك أحداث الليالي *** يشبن الذوائب والقرونا

أحي الغر من سروات قومي *** لقد حييت عنا يا مدينا

فإن يك آل إسرائيل منكم *** وكنتم بالاعاجم فاخرينا

فلا تنسى الخنازير اللواتي *** مسخن مع القرود الخاسئينا

بأيلة والخليج لهم رسوم *** وآثار قدمن وما محينا

وما طلب الكميت طلاب وتر *** ولكنا لنصرتنا هجينا

لقد علمت نزار أن قومي *** إلى نصر النبوة فاخرينا

وتتابع فخر النزارية على اليمينة ، وفخر اليمنية على النزارية حتى تخربت البلاد وثارت العصبية في البدو والحضر (2).

وعلى أي حال فإن الطابع العام للأدب في ذلك العصر كان هو التفاخر والتنابز ولم يكن يمثل وعيا ولا جدا في الفكر ، ولا فيه دعوة إلى الخير وإنما فيه دعوة إلى ما يضر الناس.

ص: 142


1- مروج الذهب 2 / 197.
2- مروج الذهب 2 / 197.

الحياة السياسية :

أما الحياة السياسية في ذلك العصر فقد كانت بشعة للغاية ، فقد عمت الناس الفتن والاضطرابات وسادت الأحداث الرهيبة التي كان من أبرزها فقدان الأمن وانتشار الخوف ، وكان الناس يعيشون على أعصابهم من جراء الثورات الدامية التي ذهب ضحيتها آلاف من الناس ، وقد كانت من النتائج الحتمية لسوء السياسة الأموية التي لم تضع نصب أعينها مصلحة شعوبها ، وإنما استهدفت تحقيق أهدافها ومآربها ... ونلمح إلى بعض مظاهر الحياة السياسية في ذلك العصر.

الأحزاب السياسية

اشارة

وتشكلت في ذلك العصر عدة أحزاب ، قد سار معظمها في المنعطفات ، واستخدمت جميع الطرق الدبلوماسية للوصول إلى الحكم من دون أن تعني بمصلحة الأمة ، وقد كان الصراع فيما بينها كأشد ما يكون الصراع الحزبي عنفا وقسوة ، وهذه بعض الأحزاب.

1 - الحزب الأموي :

وهو الحزب الحاكم في ذلك الوقت ، وقد توصل إلى الحكم بشتى ألوان الخداع والتضليل ، فقد اتّخذ الأمويون دم عثمان الذي سفكته القوى

ص: 143

الشعبية شعارا لنيل أهدافهم وقد أقاموا الدنيا وأقعدوها على دم عميدهم في حين أنهم هم الذين خذلوه ، وما نصروه حينما أحاط به الثوار مطالبين بتحقيق العدالة الاجتماعية ، وقد بقي أياما محاصرا وهو بمرأى من الأمويين ومسمع فلم يهبوا لنجدته حتى أجهز عليه الثوار ، وقد طبل الأمويون بدم عثمان للاستيلاء على السلطة والظفر بخيرات البلاد ، وحينما جاءهم الملك اعتمدوا في سياستهم على جميع الوسائل التي لا يقرها الدين وكان من بينها.

أ - إنهم خدعوا أهل الشام فأوهموا عليهم أنهم أقرب الناس إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وألصقهم به ، وقد اعتقد الشاميون بذلك ، ولم يستبن لهم الحال إلا بعد انقلاب الحكم الأموي ومجيء الحكم العباسي ، وقد نظم بعض الشعراء ذلك بقوله :

أيها الناس اسمعوا أخبركم *** عجبا زاد على كل العجب

عجبا من عبد شمس أنهم *** فتحوا للناس أبواب الكذب

ورثوا أحمد فيما زعموا *** دون عباس بن عبد المطلب

كذبوا واللّه ما نعلمه *** يحرز الميراث إلا من قرب(1)

ب - إنهم استخدموا لجان الوضع في افتعال الأخبار على لسان الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) من أن بني أمية هم سادة الخلق ، وأقرب الناس منزلة عند اللّه ، وقد بذل الأمويون الأموال الطائلة للوضاع تدعيما لملكهم وسلطانهم.

ج - إنهم استخدموا الشعراء في مدحهم والثناء عليهم ، وقد أجزلوا لهم العطاء ، ووهبوهم الثراء العريض لأن الشعر في ذلك العصر كان

ص: 144


1- مروج الذهب 2 / 73.

من أقوى وسائل الاعلام ، ويقول المؤرخون إن مروان بن محمد وهب شاعره أبا العباس الأعمى من الأموال ما أغنته أن يسأل أحدا من بعده وهو الذي مدحه بهذا الشعر الجزل :

ليت شعري أفاح رائحة المس *** ك وما أخال بالخيف أنسي

حين غابت بنو أمية عنه *** والبهاليل من بني عبد شمس

خطباء على المنابر فرسا *** ن عليها وقالة غير خرس

لا يعابون صامتين وإن قا *** لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس

بحلوم إذا الحلوم تقضت *** ووجوه مثل الدنانير ملس(1)

وممن استخدمه الأمويون بالمال أعشى ربيعة الشيباني ، فقد مدح عبد الملك بن مروان فقال :

وما أنا في أمري ولا في خصومتي *** بمهتضم حقي ولا قارع سني

وفضلني في الشعر واللب أنني *** أقول على علم وأعرف ما أعني

فأصبحت إذ فضلت مروان وابنه *** على الناس قد فضلت خير أب وابن

فأحسن عبد الملك جائزته وقد اشترى منه ضميره فراح يكيل المدح والثناء لبني مروان بلا حساب (2).

وممن أخلص لبني مروان عدي بن الرقاع لأنهم وهبوا له الثراء العريض فقد مدح الوليد بن عبد الملك وقال فيه :

هو الذي جمع الرحمن أمته *** على يديه وكانوا قبله شيعا

إن الوليد أمير المؤمنين له *** ملك عليه أعان اللّه فارتفعا

هو القائل فيه :

ص: 145


1- الأغاني 15 / 59 - 63.
2- الأغاني 11 / 271.

ولقد أراد اللّه إذ ولاكها *** من أمة إصلاحها ورشادها

أعمرت أرض المسلمين فأقبلت *** وكففت عنها من يروم فسادها

وأصبحت في أرض العدو مصيبة *** عمت أقاصي غورها ونجادها

ظفرا ونصرا ما تناول مثله *** أحد من الخلفاء كان أرادها(1)

وقد استخدم يزيد بن معاوية الأحوص فمنحه الأموال الطائلة فراح يقول فيه :

ملك تدين له الملوك مبارك *** كادت لهيبته الجبال تزول

تجي له بلخ ودجلة كلها *** وله الفرات وما سعى والنيل

إن هيبة يزيد التي تزول منها الجبال جاءته من إدمانه على الخمر ومز أملته للقرود والفهود ، وقتله لعترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وإباحته لمدينة الرسول (صلی اللّه عليه وآله).

وعلى أي حال فان الأمويين قد استخدموا الشعراء لدعم سياستهم وفرض حكمهم على الناس.

هذه بعض الوسائل التي استخدمها الحزب الأموي لاقامة سلطانهم.

2 - الحزب الزبيري

ويرى هذا الحزب أن أسرة الزبير وعلى رأسها عبد اللّه بن الزبير هي أولى بالحكم ، وذلك لقربهم من النبي (صلی اللّه عليه وآله) لأن الزبير أمه صفية عمة النبي (صلی اللّه عليه وآله) كما أنه أحد المرشحين الستة للخلافة حسب برنامج الشورى الذي وضعه عمر بن الخطاب ، وأهم دعاة هذا الحزب وأنصاره الشاعر

ص: 146


1- الاغاني 15 / 59 - 63.

الكبير ابن قيس الرقيات ، وهو الذي قال في مصعب بن الزبير :

إنما مصعب شهاب من اللّه تجلت عن وجه الظلماء

ملكه ملك قوة ليس فيه *** جبروت منه ولا كبرياء

يتقي اللّه في الأمور وقد أف *** لح من كان همه الاتقاء(1)

ودعا ابن قيس إلى الثورة العارمة على بني أمية قال :

كيف نومي على الفراش ولما *** تشمل الشام غارة شعواء

تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي *** عن براها العقلية العذراء

أنا عنكم بني أمية مزور *** وأنتم في نفسي الأعداء

إن قتلى بالطف قد أوجعتني *** كان منكم - لئن قتلتم - شفاء(2)

ومن شعرائهم المناضلين عنهم النابغة الجعدي فقد قال في ابن الزبير :

حكيت لنا الصديق لما وليتنا *** وعثمان والفاروق فارتاح معدم

وسويت بين الناس في العدل فاستووا *** فعاد صباحا حالك اللون مظلم

أتاك أبو ليلى يشق به الدجى *** دجى الليل جوّاب الفلا عثمثم(3)

لترفع منه جانبا ذعذعت به *** صروف الليالي والزمان المصمم (4)

لقد أشاد النابغة بعبد اللّه بن الزبير وفخر بعدالته في الحكم وشبهه بأبي بكر وعمر وعثمان ، فهو جدير بالخلافة حسب ما يرى الجعدي وغيره من الدعاة ، ولكن هذا الحزب لم يدم طويلا فانه حينما قضى الحجاج على ابن الزبير تلاشى وذهب أدراج الرياح.

ص: 147


1- ديوان ابن قيس الرقيات ( ص 176 ).
2- الاغاني 5 / 78.
3- عثمثم : الجمل الشديد.
4- ذعذعت : اذهبت ماله ، وفرقت حاله ، المصمم : المؤذي القاطع.
3 - الخوارج

وهم الذين يؤمنون بضرورة الثورة على كل حكم قائم في البلاد الاسلامية إذا لم يحمل مبادئهم وأفكارهم ، وقد أشرنا في البحوث السابقة إلى بعض مبادئهم.

أما دعاتهم فكثيرون منهم الطرماح ، فقد أثنى عليهم ومجدهم كثيرا ومما قاله فيهم :

لله در الشراة إنهم *** إذا الكرى مال بالطلا أرقوا

يرجعون الحسنين آونة *** وإن علا ساعة بهم شهقوا

خوفا تبيت القلوب واجفة *** تكاد عنها الصدور تنفلق

كيف أرجي الحياة بعدهم *** وقد قضى مؤنسي فانطلقوا

قوم شحاح على اعتقادهم *** بالفوز مما يخاف قد وثقوا(1)

ولهم شعراء أخر مجدوا مبادئهم ، ودعوا قومهم إلى الثورة على الحكومات القائمة آنذاك.

4 - الشيعة

وانظم إلى هذا الحزب كبار الصحابة وأعلام الاسلام أمثال سلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر ، وذي الشهادتين وغيرهم من الذين ساهموا في بناء الاسلام ، وإقامة صروحه ، وقد آمن هذا الحزب

ص: 148


1- ديوان الطرماح ( ص 157 ).

إيمانا لا يخامره شك في أن أهل البيت أحق بالخلافة ، وأولى بها من غيرهم لأنهم الثقل الأكبر وسفن النجاة وأمن العباد حسبما يقول الرسول (صلی اللّه عليه وآله) بالاضافة إلى مواهبهم وعبقرياتهم التي لا تحد ، وكان لسانهم والناطق باسمهم في عصر الامام (عليه السلام) الكميت الأسدي فقد نافح عنهم ودافع واحتج وكان احتجاجه يعتمد على القرآن الكريم يقول :

وجدنا لكم في آل حميم آية *** تأولها منا تقي ومعرب

وفي غيرها آيا وآيا تتابعت *** لكم نصب فيها لذي الشك منصب

ويشير بذلك إلى الآيات التي وردت في حق أهل البيت (عليهم السلام) ولكن القوم تأولوها وصرفوها عنهم.

لقد احتج الكميت للشيعة في هاشمياته التي تعتبر الوثيقة الرائعة لاحتجاجهم على ما يذهبون إليه ، وهي من أروع الثروات الفكرية في الاسلام ... وهنا ظاهرة في الشعر السياسي الشيعي وهو أن أصحابه قد مدحوا أهل البيت (عليهم السلام) لا طمعا بالمال وإنما هو الاخلاص للحق.

وبهذا ينتهي الحديث عن الأحزاب السياسية في عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) وكان بينها صراع فكري كأعنف وأشد ما يكون الصراع ، وقد ذكرت مصادر التاريخ والأدب ألوانا كثيرة منه.

الفتن والاضطرابات :

ومنيت البلاد الاسلامية بالفتن والاضطرابات كانت نتيجة لسوء السياسة الأموية ، التي نشرت الفزع والارهاب ، وأذاعت الخوف في جميع أنحاء البلاد ، وقد وصف الشاعر الشهير الحارث بن عبد اللّه ما مني

ص: 149

به المسلمون من الأحداث بقوله :

أبيت أرعى النجوم مرتفقا (1) *** إذا استقلت تجري أوائلها

من فتنة أصبحت مجللة (2) *** قد عم أهل الصلاة شاملها

من بخراسان والعراق ومن *** بالشام كان شجاه (3) شاغلها

فالناس منها في لون مظلمة *** دهماء مثلجة غياطلها

يمسي السفيه الذي يعنف بالجه *** ل سواء فيه وعاقلها

والناس في كربة يكاد لها *** تنبذ أولادها حواملها

يغدون منها في كل مبهمة *** عمياء تمني لها غوائلها

لا ينظر الناس في عواقبها *** إلا التي لا يبين قائلها

كرغوة البكر أو كصيحة ح *** بلى طوقت حولها قوابلها

فجاء فينا أزرى بوجهته *** فيها خطوب حمر زلازلها(4)

وقد جاء هذا الوصف رائعا ودقيقا للحياة العامة التي يعيشها الناس فقد عمتهم الفتن وسادهم الاضطراب ، وأصبحت الأوضاع المؤلمة الحديث الشاغل للناس ، ووصف حالة المجتمع شاعر آخر هو العباس بن الوليد بقوله الذي يخاطب به بني أمية :

إني أعيذكم باللّه من فتن *** مثل الجبال تسامى ثم تندفع

إن البرية قد ملت سياستكم *** فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا

لا تلمحن ذئاب الناس أنفسكم *** إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا

ص: 150


1- المرتفق : الواقف الثابت.
2- مجللة : أي شاملة.
3- الشجا الحزن.
4- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 319 - 320.

لا تبقرن بأيديكم بطونكم *** فثم لا حسرة تغني ولا جزع(1)

لقد كانت الفتن التي انصبت على المجتمع كالجبال - كما يقول ابن الوليد - ومن الطبيعي أنها كانت من جراء السياسة الأموية التي بنيت على الجور والظلم والتنكيل بالمواطنين ، مما أدى إلى انفجار شعبي أطاح بالحكم الأموي ، وقضى على معالم زهوه واستبداده.

حياة اللّهو والترف.

وانغمس ملوك الأمويين باللّهو والترف ، وتهالكوا على اللذة والمجون وأنفقوا خزينة الدولة على شهواتهم وملاذهم ، كما أن ذوي الثراء شايعوا الأمويين في التفنن بأنواع اللذة والمجون ، وانهم لم يتركوا لونا من ألوان الترف إلا استعملوه ، وقد شذوا بذلك عما كان سائدا في حياة المسلمين أيام عصر الرسول (صلی اللّه عليه وآله) فقد كانت الحياة العامة تسودها التقشف والزهد في مباهج الحياة ، وقد سئلت عائشة عن ثوبها أيام الرسول (صلی اللّه عليه وآله) فقالت : أما واللّه ما كان خزا ولا قزا ، ولا ديباجا ، ولا قطنا ولا كتانا ... إنما كان سداء من شعر ، ولحمته من أوبار الأبل (2).

وتغيرت هذه الحياة تغيرا تاما في العصر الأموي ، فكان شباب بني مروان يرفلون في الوشي كأنهم الدنانير الهرقلية (3) وكان مروان بن أبان بن عثمان يلبس سبعة أقمص كأنها درج بعضها أقصر من بعض ،

ص: 151


1- تأريخ ابن الأثير 5 / 105.
2- العقد الفريد 1 / 394.
3- الأغاني 1 / 310 طبع دار الكتب.

وفوقها رداء عدني بألفي درهم (1) وكان عمر بن عبد العزيز أيام ولايته على المدينة يلبس الثوب بأربعمائة فيقول : ما أخشنه وأغلظه (2) ويروي هارون بن صالح عن أبيه أنه قال : « كنا نعطي الغسال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز من كثرة الطيب الذي فيها (3).

وتغيرت ثياب النساء في يثرب فكن يلبسن الديباج والحرير (4) وغيرها كما أن الرجال أخذوا يلبسون المضرجات (5) والممصرات والملونات (6).

المغالات في المهور :

ومن مظاهر الترف في ذلك العصر المغالات في المهور فقد تزوجت السيدة عائشة بنت طلحة بعد وفاة زوجها عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر بمصعب بن الزبير فأمهرها بألف ألف درهم (7) ويقول المؤرخون عن ترفها أنها إذا حجت ذهبت ومعها ستون بغلة عليها الهوادج والرحائل

ص: 152


1- الأغاني 17 / 89.
2- طبقات ابن سعد 5 / 246.
3- الاغاني طبع دار الكتب 9 / 262.
4- طبقات ابن سعد 8 / 352.
5- المضرجة : هي الثياب المصبوغة بالحمرة الغير المشبعة بها وفوق الموردة
6- الاغاني طبع دار الكتب 6 / 13.
7- الاغاني 10 / 60.

فتعرض لها عروة بن الزبير فقال :

عائش يا ذات البغال الستين *** أكل عام هكذا تحجين(1)

وعلى أي حال فان المغالات في المهر كانت أثرا من آثار الترف في ذلك العصر ، ولكنه خاص عند الأمويين ومن سار في ركابهم.

ترف النساء :

وكان من الطبيعي بعد حصول الثراء العريض عند الفئة الحاكمة ومن والاها أن يسود الترف عند النساء فقد روى المؤرخون أن عاتكة بنت يزيد بن معاوية استأذنت عبد الملك في الحج فقال لها : ارفعي حوائجك واستظهري ، فان عائشة بنت طلحة تحج ففعلت فجاءت بهيئة جهدت فيها ، فلما كانت بين مكة والمدينة إذا موكب قد جاء فضغطها ، وفرق جماعتها ، فقالت : أرى هذه عائشة بنت طلحة ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه خازنتها ، ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك فقالوا : عائشة فضغطتهم ، فسألت عنه فقالوا : هذه ماشطتها ثم جاءت مواكب على هذه الهيئة إلى سننها ، ثم أقبلت كوكبة فيها ثلاثمائة راحلة عليها القباب والهوادج ، فقالت عاتكة ما عند اللّه خير وأبقى (2).

وينقل الرواة والمؤرخون صورا كثيرة من ترف النساء في ذلك العصر كان منها أن مصعب أهدى إلى عائشة ثماني حبات من اللؤلؤ قيمتها عشرون ألف دينار ، فلما دخل عليها ليقدم هديته إليها وجدها نائمة

ص: 153


1- الاغاني 10 / 60.
2- الاغاني 10 / 60.

فأيقضها فلما رأت الهذية لم تعن بها ، وقالت : كان النوم أحب إلي (1).

الغناء :

وشاع استعمال الغناء في العصر الأموي ، وكانت يثرب قد عنت بالغناء ، وكان ذلك أمرا مقصودا من قبل الحكم الأموي وذلك لاسقاط مكانة يثرب في نفوس المسلمين.

ويقول أبو الفرج : إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ، ولا يدفعه عابدهم (2) وكان فقيه المدينة مالك بن أنس له معرفة تامة بالغناء فقد روى حسين بن دحمان الأشقر قال : كنت بالمدينة فخلا لي الطريق وسط النهار فجعلت أغني :

ما بال أهلك يا رباب *** خزرا كأنهم غضاب

قال : فاذا خوخة قد فتحت ، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء فقال : يا فاسق أسأت التأدية ، ومنعت القائلة ، وأذعت الفاحشة ، ثم اندفع يغني فظننت أن طويا قد نشر بعينه فقلت له : أصلحك اللّه من أين لك هذا الغناء؟ فقال : نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنين وآخذ عنهم ، فقالت لي أمي : يا بني إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه فانه لا يضر معه قبح الوجه ، فتركت المغنين ، واتبعت الفقهاء ، فقلت له : فأعد جعلت فداك ، فقال لا ، ولا كرامة ، أتريد أن تقول : أخذته عن مالك بن أنس ، وإذا

ص: 154


1- الأغاني 10 / 57.
2- الأغاني 3 / 276.

هو مالك بن أنس ، ولم أعلم (1) ومن طريف ما ينقل أن دحمان المغني شهد عند القاضي لرجل من أهل المدينة على عراقي فأجازه القاضي فقال له العراقي : إنه دحمان فقال القاضي : أعرفه ، ولو لم أعرفه لسألت عنه ، قال العراقي : إنه يغني ويعلم الجواري الغناء! قال القاضي : غفر اللّه لنا ولك ، وأينا لا يغني (2).

وهكذا انتشر الغناء في يثرب التي هي عاصمة الاسلام ، ومما لا شك فيه أن ذلك كان بوحي من الحكومة الأموية وتشجيع منها لاسقاط هيبة المدينة التي هي عاصمة الرسول (صلی اللّه عليه وآله).

وقد شجعت الحكومة الأموية الغناء ووهبت الأموال للمغنين وقد روى المؤرخون أنه وفد على يزيد بن عبد الملك معبد ، ومالك بن أبي السمح وابن عائشة ، فأمر لكل واحد منهم بألف دينار (3) وتوسع الوليد بن يزيد في جوائز المغنين فأعطى معبدا أثني عشر ألف دينار كما استقدم جميع مغني الحجاز وأجازهم جوائز كثيرة (4) وقد راجت هذه الحرفة وأقبل الناس عليها حينما رءوا ملوك بنى أمية قد قربوا المغنين ، ووهبوهم الثراء العريض ومن طريف ما ينقل ما رواه المؤرخون أن الوليد بن يزيد لما ولي الخلافة استدعى عطرد من المدينة ، وكان جميل الوجه ، حسن الغناء طيب الصوت فغناه ، فشق الوليد حلة وشي كانت عليه ، ورمى بنفسه في بركة خمر ، فما زال بها حتى أخرج كالميت سكرا فلما أفاق قال

ص: 155


1- الاغاني 4 / 222.
2- الاغاني 6 / 21.
3- الاغاني 5 / 109.
4- الاغاني 5 / 161.

له : كأني بك الآن قد أتيت المدينة فقمت في مجالسها ومحافلها وقلت : دعاني أمير المؤمنين فدخلت عليه فاقترح علي فغنيته ، وأطربته فشق ثيابه وفعل ، واللّه لئن تحركت شفتاك بشيء مما جرى فبلغني لأضربن عنقك ، ثم أعطاه ألف دينار فأخذها وانصرف إلى المدينة (1) وكثير من أمثال هذه الصور قد رواها المؤرخون وهي تدلل على خلاعة بني أمية واستهتارهم وإنهم قد انحرفوا عما ألزم به الاسلام من ترك حياة اللّهو والعبث والمجون.

وضع الحديث :

وكان من أعظم ما عاناه المسلمون من المشاكل والخطوب هي الأحاديث المفتعلة التي وضعها من لا حريجة له في الدين ، لتشويه الواقع المشرق للاسلام ، وصرف المسلمين عن أحكام دينهم ، وتعاليم نبيهم ، وكان أول من تجرأ على اللّه ورسوله ، وفتح باب الوضع والافتعال هو معاوية ابن أبي سفيان ، فقد عمد إلى ذلك لتركيز أهدافه السياسية فشكل لجانا لوضع الحديث على لسان الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله) وقد ذاعت تلك الأحاديث بين الناس وحفظها الرواة وهم لا يعلمون زيفها وعدم صحتها ، ولو علموا ذلك لنبذوها وطرحوها وقد أشار المدائني إلى ذلك بقوله :

« وظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان أعظم الناس بلية في ذلك القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجلسهم ، ويصيبوا الأموال والضياع والمنازل

ص: 156


1- الاغاني 3 / 307.

حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها » (1).

وكانت من أهم الدوافع لمعاوية وبني أمية في ذلك هو الحط من شأن العترة الطاهرة التي فرض اللّه مودتها في كتابه ، وقد عهدوا إلى لجان الوضع أن تضع الأحاديث في فضل الصحابة لارغام الهاشميين يقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه :

« إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم » (2).

كما عهد معاوية إلى لجان الوضع أن تضع الأحاديث في ذم علي (عليه السلام) وتشويه سيرته قال ابن أبي الحديد :

« وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي أن معاوية وضع قوما من الصحابة ، وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تبتغي الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير » (3).

قال الامام أبو جعفر (عليه السلام) في عرض حديث له عن الأخبار الموضوعة : ويروون عن علي (عليه السلام) أشياء قبيحة ، وعن الحسن والحسين ما يعلم اللّه أنهم

ص: 157


1- النهج 3 / 16.
2- الفصائح الكافية ( ص 74 ).
3- شرح ابن أبي الحديد 4 / 63 ، ط دار احياء الكتب العربية.

قد رووا في ذلك الباطل ، والزور » (1).

وقد انتشر الكذب والافتعال بصورة مؤسفة ، يقول المحدث عاصم بن نبيل : ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث ، ويقول وكيع : إن زياد بن عبد اللّه مع شرفه في الحديث كان كذوبا ، ويقول يزيد بن هارون : إن أهل الحديث بالكوفة كانوا مدلسين حتى السفيانيين (2) وكان من مظاهر ذلك الوضع ما رواه مسلم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله) أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية ، وقد أخبر ابن عمر أن أبا هريرة قد زاد أو كلب زرع فقال : إن له أرضا كان يزرعها (3).

استغلال الزهري :

واستغلّ الأمويون المحدث الزهري فأخذ يضع لهم الحديث تدعيما لسياستهم ومن موضوعاته أنه روى عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) أنه قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مسجدي هذا ، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى » وقد جعل بيت المقدس كالبيت الحرام مما يشد إليه الرحال ، وقد افتعل ذلك حينما حرم الأمويون السفر إلى بيت اللّه الحرام خوفا من الاختلاط بأهل الحجاز حينما كانوا خاضعين لحكومة ابن الزبير ، وقد حج أهل الشام إلى بيت المقدس بدلا من البيت الحرام (4).

ص: 158


1- سليم بن قيس ( ص 45 ).
2- نظرة عامة في تاريخ الفقه الاسلامي ( ص 128 ).
3- صحيح مسلم كتاب الصيد.
4- نظرة عامة في تأريخ الفقه الاسلامي ( ص 129 ).

رواية مفتعلة على أبي جعفر :

ومن الروايات التي افتعلت على الامام أبي جعفر (عليه السلام) ما رواه أبو البختري قال : إن أبا حنيفة دخل على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقال له الامام : كأني بك وأنت تحي سنة جدي ، وقد اندرست ، وتكون معينا لكل ملهوف وغياثا لكل مهموم ، يسلك بك المتحيرون ، تهديهم إلى الواضح من الطريق إذا تحيروا فلك من اللّه العون والتوفيق حتى تشارك الربانيين في الطريق (1).

وهذه الرواية من موضوعات أبي البختري فقد ورد في ترجمته أنه أكذب من في البرية.

الكذابون على أبي جعفر :

اشارة

وامتحن الامام أبو جعفر بجماعة من الخونة والمارقين الذين أخذوا يفتعلون الأحاديث على لسانه ، ويكذبون عليه ، ومن بينهم.

1 - بيان :

بيان بن سمعان النهدي من بني تميم (2) كذاب مفتر على اللّه ورسوله

ص: 159


1- مناقب الامام أبي حنيفة لابن البزاز 1 / 31 ط حيدرآباد.
2- لسان الميزان 2 / 69.

طلب الامام أبو جعفر وولده الامام الصادق (عليه السلام) من الشيعة التبري منه لأنه يكذب على الأئمة (عليهم السلام) (1) روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : « لعن اللّه بنانا - أو بيانا - وأنه لعنه اللّه كان يكذب على أبي أشهد أن أبي علي بن الحسين كان عبدا صالحا « (2) وقد ادعى بيان بعد وفاة أبي هاشم النبوة ، وكتب إلى أبي جعفر يدعوه إلى نفسه والاقرار بنبوته ، ويقول له : أسلم تسلم وترقق في سلم ، وتنح ، وتغنم فانك لا تدري أين جعل النبوة والرسالة وما على الرسول إلا البلاغ المبين ، وقد أعذر من أنذر » (3).

ونسب إليه أنه كان يقول : بالهية علي والحسن والحسين (عليهماالسلام) ومحمد ابن الحنفية آله من بعدهم ، ثم من بعده ابنه أبو هاشم بنوع من التناسخ ومن أباطيله أنه كان يقول : إن اللّه تعالى يفنى جميعه إلا وجهه ، ويحتج بقوله تعالى : ( وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) وزعم أنه المراد بقوله تعالى : ( هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ ) (4) وقد قتل هذا الخبيث على أباطيله وصلب (5).

2 - حمزة البربري :

حمزة بن عمارة البربري كان يكذب على الامام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)

ص: 160


1- رجال الكشي ( ص 223 ).
2- معجم رجال الحديث 3 / 364.
3- فرق الشيعة ( ص 31 ).
4- تأريخ ابن الأثير 4 / 231.
5- فرق الشيعة ( ص 31 ).

وقد أعلن الامام (عليه السلام) براءته منه ، وكان حمزة زنديقا كافرا فمن كفره أنه نكح بنته ، وأحل جميع المحارم ، وقال : من عرف الامام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه (1) وقد ادعى أن محمد بن الحنيفة هو اللّه عز وجل ، وأنه الامام ، وأنه ينزل عليه سبعة أسهاب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها فتبعه ناس من أهل المدينة والكوفة ، فلعنه الامام أبو جعفر وكذبه ، وبرئت منه الشيعة ، وقد تبعه رجلان يقال لأحدهما صائد ، والآخر بيان.

كان تبانا في الكوفة ، ثم ادعى أن محمد بن علي أوصى إليه ، وأخذه خالد بن عبد اللّه القسري مع خمسة عشر رجل من أصحابه فشدهم في أطناب القصب ، وصب عليهم النفط في مسجد الكوفة ، والهب فيهم النار فأفلت منهم رجل فخرج ثم التفت إلى أصحابه فرآهم قد أخذتهم النار فكر راجعا إليهم فألقى نفسه في النار واحترق معهم (2).

3 - المغيرة بن سعيد :

المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي الكذاب صاحب البدع والأحداث في الاسلام ، ونلمح إلى بعض شئونه :

1 - بدعه :

كان المغيرة صاحب بدع ومنكرات ، ومن بدعه ما يلي :

ص: 161


1- فرق الشيعة ( ص 25 ).
2- فرق الشيعة ( ص 25 ).

أ - إنه كان يرى التجسيم فكان يقول : إن اللّه على صوره رجل ، على رأسه تاج ، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء (1) وله جوف ، وقلب ينبع بالحكمة ، وإن حروف أبجد على عدد أعضائه ، فالألف موضع قدمه لاعوجاجها ... ثم أنه ذكر الصاد من الحروف الهجائية ، وقال : لو رأيتم موضع الصاد منه تعالى لرأيتم منه أمرا عظيما ، يعرض لهم بالعورة ، وإنه قد رآها (2) وأنه تعالى لما أراد أن يخلق تكلم باسمه فطار ووقع على تاجه ، ثم كتب باصبعه أعمال العباد ، فلما رأى المعاصي أرفض عرقا ، فاجتمع من عرقه بحران ملح وعذب وخلق الكفار من البحر الملح ومن البحر العذب المؤمنين (3).

ب - كان مشعوذا ، ومن شعوذته أنه كان يخرج إلى المقبرة فيتكلم فيرى أمثال الجراد على القبور (4).

ج - أنه كان ماهرا في دس الأخبار ووضعها في كتب أهل البيت (عليهم السلام) فكان يدس الغلو في كتب الامام محمد الباقر علیه السلام (5) يقول الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) إلى أصحابه : لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة ، وتجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة ابن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها ، فاتقوا اللّه ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا.

ص: 162


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 230.
2- الحور العين ( ص 168 ).
3- ميزان الاعتدال 4 / 162.
4- تأريخ ابن الأثير 4 / 230.
5- الكشي ( ص 224 ).

وروى هشام بن الحكم عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال : كان المغيرة ابن سعيد يتعمد الكذب على أبي ، ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المتسترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب فيدفعونها إلى المغيرة ، فيدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه ، ثم يأمرهم أن يبثوها في الشيعة ، فكل ما كان في كتب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم.

وقد ضاقت الشيعة منه ذرعا ، وقد خف أبو هريرة العجلي إلى الامام أبي جعفر (عليه السلام) يشكو إليه ما ألم بهم من بدع المغيرة ومفتعلاته قائلا :

أبا جعفر أنت الولي أحبه *** وأرضى بما ترضى به وأتابع

أتانا رجال يحملون عليكم *** أحاديث قد ضاقت بهن الاضالع

أحاديث أفشاها المغيرة فيهم *** وشر الأمور المحدثات البدائع(1)

ومعنى هذه الأبيات أن المغيرة أفشى بدعه ومفتعلاته فحفظها أصحابه وأخذوا يذيعونها بين الناس ، وينسبونها إلى الأئمة (عليهم السلام) ، وقد ضاقت من بدعه قلوب الشيعة ونفوسهم.

براءة الامام الباقر منه :

وكان من الطبيعي أن يعلن الامام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) براءته من هذا الانسان الممسوخ الذي لم يؤمن باللّه وتجرد من جميع القيم الانسانية فقد روى كثير النواء قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : برىء اللّه ورسوله من المغيرة بن سعيد وبنان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل

ص: 163


1- عيون الأخبار لابن قتيبة 2 / 151.

البيت (1).

كما أعلن الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) نقمته وسخطه على المغيرة قائلا : « لعن اللّه المغيرة بن سعيد ، ولعن اللّه يهودية كان يختلف إليها ، يتعلم منها السحر ، والشعبذة والمخاريق ، ان المغيرة كذب على أبي فسلبه اللّه الايمان ، وإن قوما كذبوا علي مالهم : أذاقهم اللّه حر الحديد فو اللّه ما نحن إلا عبيد خلقنا واصطفانا ، ما نقدر على ضر ولا نفع ، إن رحمنا فبرحمته ، وإن عذبنا فبذنوبنا ، واللّه ما بنا على اللّه حجة ، ولا معنا من اللّه براءة ، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ، ومبعوثون ، وموقفون ، ومسئولون ، ما لهم لعنهم اللّه فلقد آذوا اللّه ، وآذوا رسول اللّه في قبره ، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ، وها أنا ذا بين أظهركم أبيت على فراشي خائفا وجلا يأمنون وأفزع ، وينامون على فراشهم ، وأنا خائف ساهر وجل ، أبرأ اللّه ما قال في الأجدع ، وعبد بني أسد أبو الخطاب لعنه اللّه ... ».

وأنت ترى مدى انفعال الامام وتأثره من هؤلاء الكاذبين الغلاة الذين مرقوا عن الدين وتلاعبوا بكتاب اللّه واتخذوا آياته هزوا.

ثورة المغيرة :

وثار المغيرة في الكوفة ، وبلغ حاكمها خالد بن عبد اللّه القسري وكان يخطب على المنبر فخاف الجبان ، وقال : أطعموني ماء فعيره يحيى بن نوفل وقال :

ص: 164


1- لسان الميزان 6 / 76.

وكنت لدى المغيرة عبد سوء *** تبول من المخافة للزئير

وقلت : لما أصابك اطعموني *** شربا ثم بلت على السرير

لأعلاج ثمانية وشيخ *** كبير السن ليس بذي نصير(1)

وأرسل خالد كتيبة عسكرية فألقت عليه القبض وعلى جماعته وجيء بهم مخفورين إلى جامع الكوفة فأمر بحرقهم فأحرقوا (2) وانتهت بذلك حياة هذا الخائن الذي خان اللّه ورسوله وصد عن سبيل اللّه واتخذ آياته هزوا.

الكفر والالحاد :

وظهرت موجات من الكفر والالحاد والزندقة في العصر الأموي حملها إلى البلاد الاسلامية بعض العناصر الحاقدة على الاسلام والباغية عليه وقد أعرضت الحكومات الأموية عن ملاحقة دعاتها مما أوجب انتشارها بين المسلمين ، وقد تصدى الامام أبو جعفر (عليه السلام) وولده الامام الصادق (عليه السلام) إلى تزيفها ونقدها ، وكان من بين ما عرض له الامام الباقر (عليه السلام) إلى الرد عليه ما يلي :

إن الامام أبا جعفر (عليه السلام) كان جالسا في فناء الكعبة ، فقصده رجل فقال له :

- هل رأيت اللّه حيث عبدته؟

- ما كنت لأعبد شيئا لم أره

- كيف رأيته؟

ص: 165


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 230.
2- تأريخ ابن الأثير 4 / 230.

- لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضيته ، بان من الأشياء ، وبانت الأشياء منه ، ليس كمثله شيء ذلك اللّه لا إله إلا هو.

وأبطل الامام (عليه السلام) شبهات الرجل وفند أوهامه ، وقد بنى كلامه (عليه السلام) على الواقع المشرق من جوانب التوحيد ، وبهر الرجل من كلام الامام وراح يقول : « ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) فيمن يشاء » (1).

وقد انتشر الحديث عن ذات اللّه تعالى وأنها هل هي بسيطة أو مركبة وقد نهى الامام (عليه السلام) عن الخوض في ذلك ، وله بحوث كثيرة تتعلق في التوحيد ذكرناها في الجزء الأول من هذا الكتاب.

الامام مع عالم شامي :

روى محمد بن عطية أن رجلا من أهل الشام وفد على الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقال له : إن عندي مسألة كلما سألت عنها العلماء عجزوا عن الاجابة عنها ، فقال له الامام :

« ما هي؟ »

الشامي : سؤالي عن أول ما خلق اللّه؟ فأجابني بعض بالقدر ، وبعض بالقلم ، وآخر بالروح.

فقال الامام (عليه السلام) : لم يصل القوم إلى الصواب ، أخبرك أن اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزه ، وذلك

ص: 166


1- تأريخ دمشق 51 / 45 ، زهر الآداب 1 / 116.

قوله تعالى : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) .

وكان الخالق قبل المخلوق ، ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه ، ولكنه كان إذا لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه وخلق الريح من الماء ، ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى صار من الماء زبدا على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ، ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ، ولا شجرة ثم ، فوضعها فوق الماء ، ثم خلق اللّه النار فشققت النار متن الماء حتى صار من الماء دخان على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا نقب ، وذلك قوله : ( أَمِ السَّماءُ بَناها ، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ) .

وأضاف (عليه السلام) قائلا : ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ، ثم نسب الخليقين ... فوضع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) أي بسطها.

قال الشامي : يا أبا جعفر قول اللّه عز وجل ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما. )

قال أبو جعفر : لعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتان ففتقت إحداهما من الأخرى قال الشامي : نعم.

قال أبو جعفر : استغفر ربك ، فان قول اللّه عز وجل ( كانَتا رَتْقاً ) يقول : كانت السماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت

ص: 167

الحب ، فلما خلق اللّه تبارك وتعالى الخلق وبث فيها - أي في الأرض - من كل دابة ففتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب ... »

وبهر الشامي من سعة علوم الامام وإحاطته بكل فن من الفنون ، فراح يقول :

« أشهد أنك من أولاد الأنبياء ، وأن علمك علمهم » (1).

لقد عم النزاع بين المسلمين وغيرهم في المسائل الكلامية وكان من أهمها النزاع في صفات اللّه ، ويقول المؤرخون : إنه تجادل جهم بن صفوان مع بعض السمنية (2) فقالوا له :

« نكلمك فان غلبناك دخلت في ديننا ، وإن غلبتنا دخلنا في دينك »

« ألست تزعم ان لك إلها »

« بلى »

« هل رأيت إلهك؟ »

« لا »

« هل سمعت كلامه؟ »

« لا »

« أشممت له رائحة؟ »

« لا »

« ما يدريك أنه إله؟ »

فأجابهم جهم برائع الحجة قائلا :

« ألستم تزعمون أن فيكم روحا؟ »

« بلى »

ص: 168


1- بحار الأنوار ، ورويت هذه الرواية بصورة موجزة في توحيد الصدوق.
2- السمنية : طائفة من الهند تقول بتناسخ الأرواح.

« هل رأيتم روحكم؟ »

« لا »

« هل سمعتم كلامها؟ »

« لا »

« فكذلك اللّه لا يرى له وجه ، ولا يسمع له صوت ، ولا تشم له رائحة ، وهو غائب عن الأبصار ، ولا يكون في مكان دون مكان » (1).

كما أن هناك جدلا حادا بين المسلمين والنصارى في ذلك العصر ، وكان يوحنا الدمشقي هو الرأس المفكر للعالم المسيحي ، وقد ألف رسالة في الرد على المسلمين ، وكان نديما ليزيد بن معاوية وابنه سرجون مشرفا على الشؤون المالية في دمشق (2) وقد وقفت الحكومة الأموية موقف المتفرج أمام هذا الجدل العقائدي ، ولم تتخذ أي موقف حاسم ضد الذين أثاروا التشكيك في الأصول العقائدية للاسلام.

الثورات العارمة.

وتفجرت السياسة الأموية ببركان مدمر من الظلم والجور عصف باقتصاد الأمة ، وأمنها ورخائها ، ولم يعد على الصعيد الاجتماعي أي ظل لكرامتها وعزتها وحريتها ، فقد أخذت ترزح مثقلة بالقيود تحت وطأة ذلك الحكم الذي كفر بحقوق الانسان ، وانحرف عن كل قصد سليم.

وانطلقت الشعوب الاسلامية كالمارد الجبار بعد أن عانت الأهوال

ص: 169


1- الرد على الجهمية والزندقة ( ص 11 ) لابن حنبل.
2- الفرق الاسلامية في العصر الأموي ( ص 286 ).

والخطوب من الحكم الأموي ، وهي تعلن العصيان المسلح في ثورات رهيبة متلاحقة حتى قضت على جبروت ذلك الحكم ، وطغيانه ، وكان من أهم الثورات التي حدثت في عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) ما يلي :

ثورة المدينة :

وسماها المؤرخون بواقعة « الحرة » وهي أفجع حادثة في الاسلام بعد كارثة كربلا ، فقد انتهكت فيها جميع الحرمات ، واستباح الجيش الآثم نفوس المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، أما سبب هذه الثورة فهو أن خيار المسلمين من بقايا الصحابة وأبنائهم رأوا في عهد يزيد جورا شاملا ، وسلطانا ظالما ، قد اقترف جميع الموبقات ، وقد انتهك حرمة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) بإبادته لعترته ، وسبيه لذراريه ، فرأوا أن الخروج عليه واجب شرعي ، وقد أدلى بذلك أحد زعماء الثورة عبد اللّه بن حنظلة يقول : « واللّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء .. ان رجلا ينكح الأمهات والبنات ويشرب الخمر ويدع الصلاة واللّه لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا .. » (1).

ويقول المنذر بن الزبير أحد قادة الثورة : « إنه - أي يزيد - قد أجازني بمائة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره ، واللّه إنه ليشرب الخمر ، واللّه إنه ليسكر حتى يدع الصلاة » (2).

وأجمع رأي أهل المدينة على خلع بيعة يزيد ، فطردوا حاكمهم وأخذوا

ص: 170


1- طبقات ابن سعد.
2- الطبري 4 / 368.

يطاردون الأمويين ويراقبونهم وخاف الدنس مروان بن الحكم على نسائه من أهل المدينة فخف إلى عبد اللّه بن عمر ليحميها من الثوار ، فاعتذر ابن عمر ، ولم يجبه إلى شيء فخف إلى الامام زين العابدين (عليه السلام) فأجابه (عليه السلام) إلى ذلك وتناسى إساءة مروان لأهل البيت (عليهم السلام) وقام (عليه السلام) بالانفاق عليها وهرب مروان من يثرب فزعا من الثوار (1) وبعث الطاغية يزيد ابن معاوية جيشا مكثفا إلى احتلال يثرب ، وقد أسند قيادته إلى أخطر مجرم لم يعرف التأريخ البشري له نظيرا في قسوته وجفائه وتمرده على الحق ، أما ذلك المجرم فهو مسلم بن عقبة الذي سماه المؤرخون بالمسرف وقد قال إلى يزيد : « واللّه لأدعن المدينة أسفلها أعلاها ».

وعهد إليه يزيد باحتلال المدينة وأن يبيحها إلى جيشه ثلاثة أيام يصنعون بأهلها ما شاءوا وما أحبوا.

وزحف المسرف الأثيم بجنوده إلى يثرب فاحتلها بعد معارك دامية لم يبد فيها أهل المدينة بسالة ولا صمودا ، وراح الجيش الآثم يمعن في قتل الأبرياء والأطفال والعجز ، وقد استباحوا كل ما حرمه اللّه ، وقد فقدت المدينة في هذه الواقعة ثمانين من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) حتى لم يبق بها بدري كما فقدت سبعمائة من قريش والأنصار ، وعشرة آلاف من سائر الناس (2) ، وقد أخذ الطاغية البيعة من أهل المدينة على أنهم خول وعبيد ليزيد يصنع بهم ما أراد ، ومن أبى ضربت عنقه (3) وجرت أحداث مروعة ومذهلة على أهل المدينة فلم يرع الجيش الأموي حرمة

ص: 171


1- تأريخ ابن الأثير 3 / 311.
2- تأريخ الطبري 7 / 5 - 12.
3- تأريخ اليعقوبي 2 / 232 أنساب الأشراف 4 / ق 2 / 38.

الرسول (صلی اللّه عليه وآله) في أنصاره الذين ناظلوا عن الاسلام أيام محنته وغربته.

ويقول بعض المؤرخين : إن الامام زين العابدين كان قد فزع إلى قبر جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) مستجيرا فألقي عليه القبض ، وجيء به إلى الطاغية المسرف في دماء المسلمين ، فلما رأى الامام ارتعدت فرائصه من هيبته (1) وقام إليه تكريما ، وقال له : سلني حوائجك فأخذ يتشفع بمن حكم عليه بالاعدام فأجابه إلى ذلك وخرج الامام من عنده فقيل للطاغية السفاح رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه فلما أتى إليك رفعت منزلته؟ فقال : ما كان ذلك لرأي مني ، ولكن قد ملئ قلبي منه رعبا (2).

وعلى أي حال فقد استسلمت مدينة النبي (صلی اللّه عليه وآله) إلى جيش عات ظلوم قد عاث فيها فسادا ، وتركها واحة موحشة ، قد ملئت بيوتها بالثكل والحزن والحداد.

ولما انتصرت جيوش يزيد في واقعة الحرة تمثل بقول شاعر قريش في معركة أحد وهو عبد اللّه بن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

وزاد عليه قوله :

ص: 172


1- جاء في عيون الأخبار وفنون الآثار ( ص 166 ) أن مروان بن الحكم كان إلى جانب مسلم بن عقبة فلما سمع سبه للامام زين العابدين جعل يغريه به ويحرضه على قتله ، وقد تناسى مروان اليد البيضاء التي أسداها عليه الامام (عليه السلام) من إيواء حرمه ، والانفاق عليهن ، والحفاظ عليهن من أيدي الثوار.
2- مروج الذهب 3 / 18.

لأهلوا واستهلوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل

ثم عاد إلى الاستشهاد بقول ابن الزبعرى :

فجزيناهم ببدر مثلها *** وأقمنا ميل بدر فاعتدل

وتركت تلك الصور في نفس الامام الباقر (عليه السلام) اللوعة والأسى ، وكان عمره الشريف أيام تلك المحنة الحازبة ما يقارب السبع سنين.

ثورة التوابين :

وكان مركزها الكوفة ، فقد ندم الشيعة هناك على ما اقترفوه من عظيم الاثم في خذلانهم لسيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) في حين أنهم هم الذين كاتبوه بالقدوم إلى مصرهم وألحوا عليه برسائلهم ووفودهم ، وقد رأوا أن لا كفارة لهم سوى إعلان الثورة على حكومة يزيد ، والمطالبة بدم الامام الحسين (عليه السلام) واستئصال المجرمين من قتلته ، وكان زعيم التوابين سليمان بن صرد الخزاعي ، فقد أنتخب قائدا عاما للثورة وأناطوا به وضع الخطط السياسية والعسكرية ، ومراسلة المناطق التي تضم الشيعة في العراق وخارجه.

وأخذ التوابون يجمعون الأموال والتبرعات وأحاطوا أمرهم بكثير من السر والكتمان ، ولما هلك الطاغية الفاجر يزيد بن معاوية أعلن التوابون ثورتهم العارمة وذلك في سنة ( 65 ه ) وكان عددهم فيما يقول المؤرخون أربعة آلاف ، وقد نادوا بشعارهم :

« يا لثارات الحسين »

ولأول مرة دوى هذا النداء المؤثر في سماء الكوفة فكان كالصاعقة

ص: 173

على رءوس السفكة المجرمين الذين اقترفوا أفظع جريمة في تأريخ الانسانية.

وزحفت تلك القوى العسكرية إلى عين الوردة فأقامت فيها وانطلقت إليها جنود أهل الشام ، فالتحمت معها التحاما رهيبا ، وجرت بينهما أعنف المعارك ، وأشدها ضراوة وأبدى التوابون من البسالة والصمود ما يعجز عنه الوصف ، واستشهد في تلك المعارك قادة التوابين كسليمان ابن صرد والمسيب بن نجبة وعبد اللّه بن سعد وغيرهم ، ورأى التوابون أن لا قدرة لهم على مناجزة أهل الشام فتركوا ساحة القتال ، ورجعوا في غلس الليل البهيم إلى الكوفة ، ولم تتعقبهم جيوش أهل الشام وقد مضى كل جندي إلى بلده ، وانتهت بذلك معركة التوابين إلا أنها قد ملئت قلوب السفكة المجرمين فزعا ورعبا كما أدخلت السرور والفرح على أهل البيت (عليهم السلام) الذين أثكلهم الخطب بمصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) وهم ينتظرون بفارغ الصبر أن ينتقم اللّه من الظالمين ، ويأخذ بثأرهم من السفكة المجرمين.

ثورة المختار :

المختار ألمع شخصية عرفها التأريخ العربي والاسلامي ، فقد كان من أبرز السياسيين في رسم المخططات ، ووضع المناهج للتغلب على الأحداث ، وقد كان على جانب كبير من الدراية بعلم النفس ، والالمام بوسائل الدعاية والاعلام ، وكان يخاطب عواطف الناس ، كما كان يخاطب عقولهم ، وكان لا يكتفي بوسائل الدعاية المعروفة حينئذ كالخطابة

ص: 174

والشعر بل لجأ إلى وسائل كثيرة للدعاية منها التمثيل والمظاهرات والاشاعات (1).

وهو من أعلام الشيعة وسيف من سيوف آل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ولم يفجر المختار ثورته طمعا في الحكم ، وإنما لأخذ الثأر لآل النبي (صلی اللّه عليه وآله) ويرى بعض المستشرقين ان المختار كان مخلصا في دعوته وانتصاره للشيعة كما ان حركته وما انطوت عليه من مساواة الموالي للعرب قد أتاحت للاسلام أن ينتشر فيما بعد بين الشعوب غير العربية (2) وقد شكك ولها وزن فيما نسب إلى المختار من أنه إنما اتخذ المطالبة بدم الحسين وسيلة للظفر بالحكم (3).

وقد اتهم هذا العملاق العظيم باتهامات رخيصة كادعاء النبوة وغيرها من النسب الباطلة التي هي بعيدة عنه ، وإنما اتهموه بذلك لأنه أخذ بثأر الامام العظيم أبي الأحرار (عليه السلام) وأسقط بثورته هيبة الحكم الأموي ، كما أنه ساوى بين العرب والموالي فلم يميز أحدا على أحد ، وقد رام أن يسلك في سياسته على ضوء سياسة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقتدي بهديه في السياسة الاقتصادية ، والاجتماعية.

وكان على جانب كبير من التقوى والحريجة في الدين ويقول المؤرخون انه كان في أيام حكومته القصيرة الأمد يكثر من الصوم شكرا لله تعالى لأنه وفقه للأخذ بثأر العترة الطاهرة وإبادته للأرجاس من أتباع الأمويين

ص: 175


1- المختار ( ص 43 ).
2- دائرة المعارف الاسلامية 3 / 765 من الطبعة الفرنسية.
3- الخوارج والشيعة ( ص 237 ).

فزع السفكة المجرمين :

وساد الرعب ، وعم الخوف والفزع أولئك المجرمين الذين قتلوا سيد الأحرار والأباة الإمام الحسين ، وقد فر بعضهم إلى عبد الملك بن مروان ليحميه من المختار وقد خاطبه شخص منهم فقال له :

ادنوا لترحمني وترتق خلتي *** وأراك تدفعني فأين المدفع(1)

وانهزم عبد الملك بن الحجاج التغلبي فلجأ إلى عبد الملك فقال له :

« إني هربت إليك من العراق »

فصاح به عبد الملك :

« كذبت ليس لنا هربت ، ولكن هربت من دم الحسين ، وخفت على دمك فلجأت إلينا » (2).

وهرب بعضهم إلى ابن الزبير فانظم إلى جيشه ، وقاتل معه خوفا من المختار.

وعلى أي حال فقد أشاع المختار الفزع والارهاب في بيوت الأوغاد الجبناء من قتلة الامام الحسين (عليه السلام) وملأ قلوبهم رعبا ، وممن ناله الفزع والرعب أسماء بن خارجة أحد الذين اشتركوا في قتل الحسين (عليه السلام).

فقد قال المختار : « لتنزلن من السماء نار دهماء ، فلتحرقن دار أسماء » فنقل قوله إلى أسماء فهرب فزعا وهو يقول : « أوقد سجع بي

ص: 176


1- حياة الامام الحسين 3 / 455.
2- عيون الأخبار لابن قتيبة 1 / 103.

أبو اسحاق هو واللّه محرق داري » فتركه وترك الدار وهرب من الكوفة.

الابادة الشاملة :

وأسرع المختار إلى تنفيذ حكم الاعدام بلا هوادة بكل من اشترك في قتل سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين فقتل المجرم الخبيث ابن مرجانة ، وعمر بن سعد ، مع ولده حفص ، وبعث برءوسهم إلى يثرب هدية لأهل البيت (عليهم السلام) وقد نالت سرورهم ، وحكى لنا الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) مدى فرحهم بقوله : « ما امتشطت فينا هاشمية ، ولا اختضبت حتى بعث المختار إلينا برءوس الذين قتلوا الحسين (1) وأثنى عليه الامام أبو جعفر (عليه السلام) فقد قال للحكم بن المختار : رحم اللّه أباك ما ترك لنا حقا عند أحد.

وبعث المختار بعشرين ألف دينار إلى الامام زين العابدين فقبلها وبنى بها دور بني عقيل التي هدمتها بنو أمية (2).

لقد كان المختار من حسنات عصره ومن مفاخر الأمة الاسلامية بتقواه وحريجته في الدين ، وقد شفى اللّه بثورته صدور المؤمنين فقد قضى على تلك الزمرة الخائنة ، وأذاقها وبال ما جنت أيديها ومما لا شبهة فيه أنه قد استهدف بثورته الخالدة القضايا المصيرية للأمة من نشر المساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس وإعادة سيرة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وسياسته المشرقة بين المسلمين ... وبهذا العرض الموجز ينتهي بنا

ص: 177


1- الكشي.
2- سفينة البحار 1 / 435.

الحديث عن ثورة المختار.

ثورة ابن الزبير :

أما ثورة ابن الزبير فلم تهدف إلى صالح الأمة وإسعادها وإنما جاءت لنقل الخلافة والملك إلى آل الزبير الذين لم يفكروا قط في غير مصلحتهم ويدلل على ذلك ما قاله عبد اللّه بن عمر لزوجته حينما ألحت عليه بمبايعته قال لها : « أما رأيت بغلات معاوية التي كان يحج عليها الشهباء؟ فان ابن الزبير ما يريد غيرهن » (1).

لقد كان ابن الزبير يبغي الملك والسلطان ، ولا يبغي بثورته وجه اللّه ومصلحة الأمة وقد تسلح للاستيلاء على السلطة بكل وسيلة فكان يظهر النسك والعبادة لاغراء السذج والبسطاء يقول الامام أمير المؤمنين فيه : « ينصب حبالة الدين لاصطفاء الدنيا » (2) ونعرض لبعض شئونه :

بخله :

ومن أبرز ذاتياته البخل ، فقد غلت يده إلى عنقه من شدة حرصه وشحه ، وكانت هذه الظاهرة من أهم الأسباب في الاطاحة بحكومته وسلطانه.

وقد روى المؤرخون صورا كثيرة من بخله وشحه كان منها : أن الشاعر عبد اللّه بن الزبير الأسدي ، وفد عليه يطلب منه أن يجود عليه

ص: 178


1- حياة الامام الحسين 2 / 310.
2- شرح النهج 7 / 24.

فقال يستعطفه :

« يا أمير المؤمنين إن بيني وبينك رحما من قبل فلانة ... » وظن أنه بذلك يجلب عطفه فينعم عليه ، فرد عليه ابن الزبير قائلا :

« نعم هذا كما ذكرت ، وإن فكرت في هذا أصبت أن الناس بأسرهم يرجعون إلى أب واحد ، وإلى أم واحدة ... »

ولما رأى الأسدي أن هذا لا يجدي معه قال له :

« يا أمير المؤمنين إن نفقتي نفدت ... »

ولم يخجل ابن الزبير وراح يقول له :

« ما كنت ضمنت لأهلك أنها تكفيك إلى أن ترجع إليهم »

وراح الأسدي يتوسل إليه ويستعطفه قائلا :

« يا أمير المؤمنين ناقتي قد نقبت ... »

فنهره ابن الزبير وقال :

« انجد (1) بها تبرد خفها ، وارفعها بسبت (2) واخفضها بهلب (3) وسر عليها البردين (4) ... »

وضاق الأسدي ذرعا وطفق يقول له :

« يا أمير المؤمنين إنما جئتك مستحملا ، ولم آتك مستوصفا ، لعن اللّه ناقة حملتني إليك ... »

ص: 179


1- انجد بها : أي عد بها إلى بلدك نجد.
2- السبت : الجلد المدبوغ ، ويراد به السوط والمعنى إذا أردت أن تسرع بك فاضربها بسوط.
3- الهلب : الشعر.
4- البردان : الغداة والعشي.

فصاح به ابن الزبير :

« إن وراكبها ... »

وخرج الأسدي وهو يقول :

أرى الحاجات عند أبي خبيب *** نكدن ولا أمية في البلاد(1)

من الأعياص (2) أو من آل حرب *** أغر كغرة الفرس الجواد

وقلت لصحبتي أدنوا ركابي *** أفارق بطن مكة في سواد

ومالي حين أقطع ذات عرق (3) *** إلى ابن الكاهلية (4) من معاد(5)

وعاب عليه مولاه أبو حرة شحه قال :

إن الموالي أمست وهي عاتبة *** على الخليفة تشكو الجوع والحربا

ما ذا علينا وما ذا كان يرزؤنا *** أي الملوك على ما حولنا غلبا

وكان ابن الزبير يقول : إنما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا؟ وأنا العائذ بالبيت ، والمستجير بالرب (6) وقد أثارت عليه هذه الكلمة السخرية من جميع الأوساط ، وقد تهكم به الضحاك بن فيروز الديلمي قال :

تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة *** وبطنك شبر أو أقل من الشبر

وأنت إذا ما نلت شيئا قضمته *** كما قضمت نار الغضا حطب السدر

ص: 180


1- أبو خبيب : كنية عبد اللّه بن الزبير.
2- الاعياص : أولاد أمية بن عبد شمس.
3- ذات عرق : أحد مواقيت الحج وهو ميقات أهل العراق.
4- ابن الكاهلية : هو ابن الزبير ، وقد عيره الشاعر بذلك.
5- تأريخ الخلفاء للسيوطي ( ص 213 ).
6- الأغاني 1 / 22.

فلو كنت تجزى أو تبيت بنعمة *** قريبا لردتك العطوف على عمرو

لقد كان حريصا شديد الحرص حتى قيل انه حينما كان يعطي مال اللّه للفقراء كأنه يعطي ميراث أبيه (1) وقد سبب بخله إخفاقه ، وعدم نجاحه في معركته مع عبد الملك بن مروان وقد قيل أنه كان عظيم الشح فلذلك لم يتم أمره (2).

عداؤه للعلويين :

وأترعت نفس ابن الزبير بالكراهية والبغض لآل النبي (صلی اللّه عليه وآله) فقد كان حاقدا عليهم كأشد ما يكون الحقد ، وبلغ من عظيم حقده أنه ترك الصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله) في خطبته فقيل له في ذلك فقال.

إن له أهل سوء يشرئبّون لذكره ، ويرفعون رءوسهم إذا سمعوا به ... » (3).

لقد تنكر هذا الجلف لعترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الذين هم مصدر الوعي والفكر لهذه الأمة ، وتناسى فضل الرسول الأعظم على قومه فهو الذي أنقذهم من حياة البؤس في الصحراء ، وبنى لهم مجدا وملكا ، وجعلهم سادة الأمم والشعوب.

وطلب ابن الزبير من العلويين البيعة له فامتنعوا ، وقالوا له : لا نبايع حتى تجتمع الأمة فأوعز إلى شرطته باعتقالهم ، فاعتقلوا في ( زمزم )

ص: 181


1- اليعقوبي 3 / 9.
2- الفخري ( ص 105 ).
3- اليعقوبي 3 / 8.

وتوعدهم بالقتل والاحراق إن لم يبايعوا ، وضرب لهم أجلا ، وأشار على ابن الحنفية بعض أتباعه أن يستنجد بالمختار الذي كان حاكما على الكوفة ، فكتب إليه يعلمه بحاله ، وما عزم عليه ابن الزبير في التنكيل بهم فاستجاب له المختار على الفور ، وأرسل مفرزة عسكرية بقيادة أبي عبد اللّه الجدلي ، وخف الجيش إلى مكة فدخلها ، وقد رفعوا الرايات ، وهم ينادون « يا لثارات الحسين » وانتهوا إلى المسجد الحرام ، وقد أعد ابن الزبير الحطب على باب السجن ، وأشعل فيه النار لاحراقهم ، وقد بقي يومان من الأجل الذي ضربه لهم فكسروا باب السجن ، وأخرجوا الهاشميين ، وطلبوا من ابن الحنفية أن يخلي بينهم وبين ابن الزبير ليناجزوه الحرب فأبى وقال لهم : إني لا استحل الحرم ، ومنعهم من الاعتداء عليه (1) وعامله معاملة المحسن الكريم :

وفي نجاة ابن الحنفية من سجن ابن الزبير يقول كثير بن عبد الرحمن :

فمن ير هذا الشيخ بالحنيف من منى *** من الناس يعلم أنه غير ظالم

سمي النبي المصطفى وابن عمه *** وفكاك أغلال ونفاع غارم

أبى فهو لا يشري هدى بضلالة *** ولا يتقي في اللّه لومة لائم

ونحن بحمد اللّه نتلو كتابه *** حلولا بهذا الخيف خيف المحارم

بحيث الحمام آمن الردع ساكن *** وحيث العدو كالصديق المسالم

فما فرح الدنيا بباق لأهلها *** ولا شدة البلوى بضربة لازم

تخبر من لاقيت أنك عائذ *** بل العائذ المظلوم في سجن عارم(2)

لقد كان ابن الزبير من ألد الأعداء لعترة النبي (صلی اللّه عليه وآله) ولو استتبت له الأمور

ص: 182


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 374 - 375.
2- الأغاني 8 / 31.

وصفا له الملك والسلطان لما أبقى أحدا منهم ولكن اللّه تعالى قوض ملكه وأطاح بسلطانه.

اخفاق ثورته :

وكان من الطبيعي أن يخفق ابن الزبير في ثورته بعد أن بلي بالبخل والشح ، والاستبداد بالرأي ، والعجب بنفسه كما يقول عبد الملك بن مروان (1) وقد أخذت جيوش الأمويين بقيادة السفاك الحجاج بن يوسف الثقفي توالي ضرباته عليه وهو معتصم بيت اللّه الحرام يلتمس السلامة والنجاة إلا أن الجيش الأموي لم يرجوا للبيت وقارا ، ولم يرع له حرمة فقد أخذت قذائف النار تتساقط عليه ، وعجز ابن الزبير عن مقاومة الجيوش الأموية ، وخرج أكثر أصحابه إلى الحجاج يطلبون منه الأمان فأمنهم وبقي عبد اللّه في قليل من أنصاره (2).

ويروي بعض المؤرخين أن ابن الزبير لما أيقن بدنو أجله ، وعجزه عن الدفاع عن نفسه ، أخذ يأكل المسك والصبر أياما لعلمه أن الحجاج سوف يصلبه ، فأراد أن يخرج المسك من بدنه ، ولما استولى عليه الحجاج وقتله وصلبه كان المسك يخرج من بدنه ، وفطن لذلك الحجاج فصلب إلى جانبه سنورا أو كلبا حتى تضيع رائحة المسك التي تخرج من

ص: 183


1- الاغاني 8 / 31.
2- ابن الأثير 4 / 29.

جثته ، وبقي ابن الزبير مصلوبا لم يسمح الحجاج بموراته حتى أذن له عبد الملك ، فدفن في مقره الأخير ، وبانتهاء ثورة ابن الزبير دانت لعبد الملك جميع أقاليم الدولة الاسلامية ، ومن المؤكد أن ثورة ابن الزبير لم تستهدف مصلحة الأمة ، وإنما كانت تهدف إلى الاستيلاء على الحكم ، والظفر بخيرات البلاد.

... هذه بعض الثورات العارمة التي تفجرت في ذلك العصر ، مضافا إلى الثورات المحلية كثورات الخوارج وغيرهم ، وهي تكشف عن عدم الاستقرار السياسي في ذلك العصر ، وإن الحياة العامة كانت قلقة ومضطربة إلى حد بعيد ومن الطبيعي أن ذلك كان ناجما عن سوء السياسة الأموية التي لم تع مصلحة شعوبها ، وإنما كانت تسعى جاهدة لتحقيق رغباتها وشئونها فلذا كتب لها الاخفاق وعدم النجاح.

الحياة الاقتصادية :

أما الحياة الاقتصادية في عصر الامام فقد كانت مشلولة ومضطربة فقد انحصرت ثروة البلاد عند الفئة الحاكمة آنذاك ، وعند عملائها وهم ينفقونها بسخاء على شهواتهم وملاذهم ، ويتفنون في أنواع الملذات في حين أن عامة الشعب كانت في حالة شديدة من البؤس والفقر ، فالأسعار قد أرهقت كواهل الناس ، وكلفتهم من أمرهم شططا ، قد خلت أكثر البيوت من حاجات الحياة ، وأصبحت الناس طاوية بطونهم عارية أجسامهم

ص: 184

وقد صور الشاعر الأسدي سوء حياته الاقتصادية بقصيدة يمدح فيها بعض نبلاء الكوفة ويطلب منه أن يمنحه بمعروفه وبره يقول :

يا أبا طلحة الجواد أغثني *** بسجال من سيبك المقسوم

أحيي نفسي - فدتك نفسي - فاني *** مفلس - قد علمت ذاك - عديم

أو تطوع لنا بسلت دقيق *** أجره - إن فعلت ذاك - عظيم

قد علمتم - فلا تعامس عني - *** ما قضى اللّه في طعام اليتيم

ليس لي غير جرة واصيص *** وكتاب ومنمنم كالوشوم

وكساء أبيعه برغيف *** قد رقعنا خروقه باديم

واكاف أعارنيه نشيط *** هو لحاف لكل ضيف كريم(1)

وأنت ترى أن هذا الشاعر قد استعطف هذا الكريم ، وطلب منه أن يسعفه بالطعام فيحي نفسه التي أماتها الجوع : وذكر ما يملكه من أثاث بسيط كان به في منتهى الفقر والبؤس.

وكان عامة الناس على هذا الغرار يعيشون حياة بائسة قد نهشهم الجوع والبؤس فقد تحول اقتصاد الأمة إلى جيوب الأمويين ومن سار في ركابهم من دون أن ينفق أي شيء منه على تطور الحياة العامة وازدهارها وتقدمها.

لقد جهد ولاة الأمويين وعمالهم في ابتزاز أموال الأمة ، وتجريدها من جميع مقوماتها الاقتصادية.

يقول النمري مخاطبا عبد الملك بن مروان بقصيدة يشكو فيها

ص: 185


1- حياة الحيوان للجاحظ 5 / 297 - 298.

اضطهاد العمال لقومه :

أ خليفة الرحمن إنا معشر *** حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

إن السعاة عصوك يوم أمرتهم *** وآتوا دواهي لو علمت وغولا (1)

أخذوا العرين فقطعوا حيزومه *** بالأصبحية قائما مغلولا

حتى إذا لم يتركوا العضامة *** لحما ولا لفؤاده معقولا(2)

جاءوا بصكهم وأحدر أشارت *** منه السياط يراعه أجفيلا (3)

أخذوا حمولته فاصبح قاعدا *** لا يستطيع عن الديار حويلا

يدعو أمير المؤمنين ودونه *** خرق تجر به الرياح ذيولا(4)

كهداهد كسر الرماة جناحها *** تدعو بقارعة الطريق هديلا

أخليفة الرحمن أن عشيرتي *** أمسى سوامهم عزين فلولا (5)

قوم على الاسلام لما يتركوا *** ما عونهم ويضيعوا التهليلا (6)

قطعوا اليمامة يطردون كأنهم *** قوم أصابوا ظالمين فتيلا

شهري ربيع ما تذوق بطونهم *** إلا حموضا وخمسة وذبيلا (7)

ص: 186


1- الحيزوم : وسط الظهر ، الأصبحية - جمع أصبح - السياط.
2- المعقول : الادراك.
3- أسأرت : أي بقيت في الإناء بقية ، الأجفيل : الخائف.
4- الخرق : الصحراء الواسعة.
5- عزين : الجماعات.
6- الماعون : الزكاة.
7- الحموض : المر المالح.

وأتاهم يحيى فشد عليهم *** عقدا يراه المسلمون ثقيلا(1)

كتبا تركن غنيهم ذا عيلة *** بعد الغنى وفقيرهم مهزولا

فتركت قومي يقسمون أمورهم *** إليك أم يتربصون قليلا(2)

وصور النمري بهذه الأبيات الجور الهائل الذي صبه العمال على قومه حتى لم يتركوا عليهم عظما إلا هشومه ، قد ألهبت سياطهم أجسام قومه وتركتهم أشباحا مبهمة خالية من الحياة والروح.

واستمرت المظالم الاقتصادية حتى في دور عمر بن عبد العزيز الشهم النبيل فان عماله لم يألوا جهدا في سلب أموال الرعية واستصفاء ثرواتها بغير حق يقول كعب الأشعري مخاطبا له :

إن كنت تحفظ ما يليك فانما *** عمال أرضك بالبلاد ذئاب

لن يستجيبوا للذي تدعو له *** حتى تجلد بالسيوف رقاب

بأكف منصلتين أهل بصائر *** في وقعهن مزاجر وعقاب

وقد أقر ملوك الأمويين جميع تصرفات عمالهم ، فلم يحاسبوهم على ما اقترفوه من الجور والظلم للرعية ، وهذا مما سبب إشعال الفتن وعدم استقرار الوضع السياسي في البلاد ، مما نجم منه اندلاع نار الثورة في خراسان والتهامها لحكام بني أمية والقضاء على دولتهم.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الامام أبي جعفر (عليه السلام) وفيما أحسب أنا قد ألممنا بالكثير من مظاهره ، وأحداثه وقد كانت هذه الدراسة - على

ص: 187


1- يحيى : أحد السعاة الظالمين.
2- حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 304.

إيجازها - ضرورة لا غنى لنا عنها لأنها تصور لنا بؤس المجتمع الذي نشأ فيه الامام أبو جعفر (عليه السلام).

ومن الطبيعي أن تلك الأوضاع المؤلمة والصور الحزينة قد تركت التياعا مستوعبا لنفس الامام (عليه السلام) لأنه بحكم قيادته الروحية وابوته العامة للمسلمين يعز عليه عنتهم وشقاءهم ، ويسؤه أن يراهم بتلك الحالة الراهنة من البؤس والشقاء.

ص: 188

أصحابه ورواة حديثه

اشارة

ص: 189

ص: 190

وكان من أهم ما عنى به الامام أبو جعفر (عليه السلام) نشر العلم وإذاعته بين الناس ، وقد جهد على تربية جماعة فغذاهم بفقهه وعلومه ، فكانوا من مراجع الفتيا في العالم الاسلامي ، ومن مفاخر هذه الأمة ، وقد عهد إلى ولده الامام الصادق (عليه السلام) القيام بنفقاتهم ليتفرغوا إلى تدوين الحديث الذي سمعوه منه ، وتعد الكوكبة من العلماء التي تخرجت على يده من خيار أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ومن عيون الفقهاء والعلماء وقد أشاد بهم الامام الصادق (عليه السلام) وفضلهم على أصحابه ، فقد خاطب أصحابه قائلا : « كان أصحاب أبي واللّه خيرا منكم ، كان أصحاب أبي ورقا لا شوك فيه ، وأنتم اليوم شوك ، لا ورق فيه » (1).

ونلمح فيما يلي إلى ذكرهم ، واعطاء صورة موجزة عن تراجمهم :

( أ )

1 - أبان بن تغلب :
اشارة

أبان بن تغلب الربعي الكوفي من ألمع علماء الاسلام ، ومن أبرز فقهاء المسلمين ، ونتحدث عن بعض شئونه.

ولادته ونشأنه :

ولد بالكوفة ولم تعين المصادر التي بأيدينا سنة ولادته ، وقد نشأ

ص: 191


1- الكشي.

بالكوفة عاصمة الشيعة وبها ترعرع وقد تغذى بولاء أهل البيت (عليهم السلام) ونشأ على حبهم.

مكانته العلمية :

كان من أبرز علماء عصره وأنبههم ، وقد روى عن الامام علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهم السلام ، وكانت له عندهم حظوة وقدم ، قال له الامام أبو جعفر (عليه السلام) اجلس في مسجد المدينة ، وأفت الناس ، فاني أحب أن أرى في شيعتي مثلك (1).

وكان أبان مقدما في كل فن من العلوم في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو (2).

ولاؤه لأهل البيت :

وأخلص أبان في ولائه لأهل البيت (عليهم السلام) كأعظم ما يكون الولاء فتحمل علومهم وآدابهم وأذاعها بين الناس ، في وقت كان حبهم من أشد المحن وأعظم الخطوب ، فقد جهد الأمويون على التنكيل وإنزال أقسى العقوبات بمن يحبهم ويذيع مآثرهم وفضائلهم ، ولكن أبان قد وطن نفسه على ذلك وتحمل صنوفا من الأذى والمكروه في سبيلهم ، وكان حبه لهم قائما على الفكر والدليل ، وليس عاطفيا ، وكان يرى فضل الصحابة وسمو مكانتهم

ص: 192


1- معجم الآداب 1 / 108.
2- معجم رجال الحديث 1 / 20.

بمدى اتصالهم بأهل البيت (عليهم السلام) فقد روى عبد الرحمن بن الحجاج قال : كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له :

« يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله)؟ .. ».

وأدرك أبان مراده فانبرى قائلا :

« كأنك تريد أن تعرف فضل علي بمن تبعه من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله)؟ »

« هو ذلك .. »

فأجابه أبان جواب العارف بحق الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلا :

« واللّه ما عرفنا فضلهم - أي الصحابة - إلا باتباعهم إياه » (1).

ومر أبان على قوم فأخذوا يعيبون عليه لأنه روى عن الامام جعفر (عليه السلام) فسخر منهم قائلا : كيف تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن شيء إلا قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله).

وثاقته :

وكان أبان على جانب كبير من التقوى والحريجة في الدين ، قال العجلي : إنه ثقة (2) ووثقه أحمد بن حنبل ، وابن معين وأبو حاتم ، ومما يدلل على عظيم وثاقته إشادة الأئمة (عليهم السلام) به ، فقد روى سليم بن أبي حبة قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فلما أردت أن أفارقه ودعته ، وقلت له : أحب أن تزودني ، فقال أنت أبان بن تغلب فانه قد سمع مني

ص: 193


1- معجم رجال الحديث 1 / 21 - 22 ، تنقيح المقال 1 / 4.
2- تهذيب التهذيب 1 / 93.

حديثا كثيرا ، فما روى لك فاروه عني (1).

وروى صفوان بن يحيى عن أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث فاروها عني (2).

وروى أبان بن محمد بن أبان قال : سمعت أبي يقول : دخلت مع أبي على ابي عبد اللّه (عليه السلام) فلما بصر به أمر بوسادة فألقيت له وصافحه ، واعتنقه وساءله ورحب به (3).

وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق ، وأخليت له سارية النبي (صلی اللّه عليه وآله) (4).

وقال الذهبي : إنه شيعي جلد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه ، وعليه بدعته (5) وجرحه جماعة لحبه لأهل البيت (عليهم السلام) فقال الجوزجاني : إنه زائغ مذموم المذهب مجاهر (6) وعند هؤلاء أن حب أهل البيت انحراف عن الحق ومما لا شبهة فيه أن ولاءهم من صميم الاسلام وجزء لا يتجزأ من رسالته الخالدة فمن أنكرهم فقد أنكر الاسلام ومن والاهم فقد آمن بالاسلام.

مؤلفاته :

أما مؤلفاته فهي تدل على مدى سعة علومه ومعارفه وهذه بعضها :

ص: 194


1- معجم رجال الحديث 1 / 23.
2- المعجم 1 / 22.
3- المعجم 1 / 21.
4- المعجم 1 / 21.
5- 5 ميزان الاعتدال 1 / 5.
6- 6 معجم رجال الحديث 1 / 23.

1 - تفسير غريب القرآن ذكر شواهده من الشعر وجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي فجمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب الكلبي وابن رواق بن عطية بن الحرث كتابا واحدا.

2 - الفضائل (1).

3 - الأصول في الرواية على مذهب الشيعة (2) ، هذه بعض مؤلفاته.

وفاته :

توفي سنة ( 264 ه ) (3) وهو اشتباه والصحيح أنه توفي سنة ( 141 ه ) ولما بلغ الامام الصادق (عليه السلام) خبر وفاته حزن عليه حزنا عميقا ، وراح يؤبنه قائلا : « أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان » (4) وقال أبو البلاد : « عض ببظر أم رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناها يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه » (5).

لقد كان أبان من أعظم رجال الاسلام علما وجهادا وتفانيا في خدمة الدين ، وكان موته من أعظم النكبات التي رزه بها الاسلام.

ص: 195


1- فهرست ابن النديم ، فهرست الطوسي ( ص 42 ).
2- فهرست ابن النديم.
3- تهذيب التهذيب 1 / 94 ، وفي معجم رجال الحديث 1 / 23 توفي أبان سنة (141) وكذلك في فهرست الشيخ الطوسي ( ص 42 ).
4- معجم الأدباء 1 / 108.
5- الامام الصادق والمذاهب الأربعة 3 / 57.
2 - أبان بن أبي عياش فيروز :
اشارة

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وقال إنه تابعي ضعيف (1) وقال ابن الغضائري : أبان بن أبي عياش - اسم عياش هارون - تابعي روى عن أنس بن مالك ، وروى عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ضعيف لا يلتفت إليه (2) وقد ضعفه جمهور كبير من المحدثين.

قال يزيد بن هارون : قال شعبة : ردائي وخماري في المساكين صدقة إن لم يكن ابن عياش يكذب في الحديث (3) وقال شعبة : لأن أشرب من بول حماري أحب إلي من أن أقول : حدثني أبان (4).

وهناك كلمات كثيرة من الأعلام في قدحه ورد حديثه.

وفاته :

توفي سنة ( 128 ه ) وقيل غير ذلك (5).

ص: 196


1- فهرست الطوسي.
2- معجم رجال الحديث.
3- تهذيب التهذيب 1 / 99.
4- تهذيب التهذيب 1 / 99.
5- ميزان الاعتدال 1 / 14.
3 - ابراهيم بن الأزرق :

الكوفي بياع الطعام ذكره أبو جعفر الطوسي من رجال الامام أبي جعفر (عليه السلام) (1) وهو إمامي مجهول.

4 - ابراهيم بن أبي البلاد :

قال النجاشي : « ابراهيم بن أبي البلاد ، واسم أبي البلاد يحيى ابن سليم ، وقيل ابن سليمان مولى بني عبد اللّه بن عطفان ، يكنى أبا يحيى كان أبو البلاد ضريرا ، وكان رواية للشعر ، وفيه يقول الفرزدق : « يا لهف نفسي على عينيك من رجل ».

وروى ابراهيم عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه (2).

5 - ابراهيم بن جميل :

أخو طربال الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) وكذلك البرقي (3).

ص: 197


1- الفهرست.
2- معجم رجال الحديث 1 / 58.
3- معجم رجال الحديث 1 / 79.
6 - ابراهيم بن حنان :

الأسدي الكوفي ، نزل واسط من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ والبرقي (1).

7 - ابراهيم بن صالح الانماطي

7 - ابراهيم بن صالح الانماطي (2) :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما نص عليه الشيخ الطوسي في رجاله وقال : له تصانيف على مذهب الامامية (3).

8 - ابراهيم بن عبد اللّه :

الأحمري روى عن الامام الباقر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنه سيف بن عميرة (4) وهو مجهول الحال.

ص: 198


1- فهرست الطوسي.
2- الانماطي : نسبة إلى أنماط جمع نمط وهو ثوب صوف يطرح على الهودج له خمل رقيق وعن الأزهري أن العرب لا يطلقون النمط إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة ، فأما البياض فلا يقال له نمط ، وقيل الأنماط ضرب من البسط ، وعلى كل حال فالنسبة إليها باعتبار بيعه لها.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
9 - ابراهيم بن عبيد :

أبو غرة الأنصاري عده الشيخ من أصحاب الباقر ومن أصحاب الصادق (عليه السلام) (1) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال (2).

10 - ابراهيم بن عمر

الصنعاني اليماني قال النجاشي : إنه شيخ من أصحابنا ثقة روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) ذكر ذلك أبو العباس وغيره ، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره.

وضعفه ابن الغضائري إلا إن سيدنا الاستاذ قال : الرجل يعتمد على روايته لتوثيق النجاشي له ، ولوقوعه في إسناد تفسير القمي (3).

11 - ابراهيم بن محمد :

المدني قال النجاشي : روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) وكان

ص: 199


1- رجال الشيخ ، لسان الميزان 1 / 87.
2- تنقيح المقال 1 / 25.
3- معجم رجال الحديث 1 / 126 وقال الوحيد بما حاصله : إن من تتبع كلمات العلامة في الخلاصة وغيره والنجاشي ظهر له أنهما يقبلان قوله : ويعتمدان عليه جاء ذلك في تنقيح المقال 1 / 28.

خصيصا بهما ، والعامة لهذه العلة تضعفه ،

وحكى بعض أصحابنا عن بعض المخالفين أن كتب الواقدي إنما هي كتب ابراهيم بن محمد بن أبي يحيى نقلها الواقدي وادعاها (1) وقد ذكر ابن حجر سيلا من الكلمات في القدح فيه وتجريحه ، فقد روى عن ابن أبي مريم أنه قال : سمعت يحيى يقول : كان فيه - أي في ابراهيم - ثلاث خصال كان كذابا ، وكان قدريا ، وكان رافضيا (2).

ووثقه الشافعي وروى عنه ، وكان يقول : لأن يخر ابراهيم من بعد أحب إليه من أن يكذب ، وكان ثقة في الحديث (3).

وعلى أي حال فان الطعون التي وجهت إلى الرجل لا واقعية لها وهو ثقة صدوق.

12 - ابراهيم بن مرثد :

الأزدي ، أبو سفيان من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وهو إمامي مجهول الحال.

13 - ابراهيم بن معاذ :

من أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) روى عنه في قوله تعالى : « إلا

ص: 200


1- معجم رجال الحديث 3 / 136.
2- تهذيب التهذيب 1 / 158.
3- تهذيب التهذيب 1 / 159.
4- معجم رجال الحديث 1 / 159.

الذين ارتدوا على أدبارهم » حديث التعاقد بين القوم (1).

14 - ابراهيم بن معرض :

الكوفي ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) روى عنه وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) وروى عنه منصور بن حازم ، وحصين بن مخارق (2).

15 - ابراهيم بن نعيم :

الكناني ، يكنى بأبي الصباح ، من أعلام أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) قال له الامام أبو عبد اللّه الصادق : أنت ميزان ، فقال له : جعلت فداك ان الميزان ربما كان فيه عين ، قال : أنت ميزان لا عين فيه (3).

عده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام الذين لا مطعن عليهم ، ولا طريق لذمهم (4).

16 - أبيض بن ابان :

ذكره يوسف بن عبد الرحمن فيمن روى عن الامام الباقر (عليه السلام)

ص: 201


1- معجم رجال الحديث 1 / 161 ، تنقيح المقال 1 / 34.
2- رجال الطوسي.
3- الكشي.
4- الرسالة العددية ، ورد توثيقه في الوجيزة ، والحاوي والبلغة وغيرها.

ولم نعثر على ترجمة له (1).

17 - أحمد بن عائذ بن حبيب :

الأحمسي البجلي ، مولى ثقة ، وكان خلالا ، له كتاب (2) عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر ، ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

18 - أحمد بن عمران :

الحلبي عده الشيخ الطوسي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وذكر الوحيد أنه من بيت مشهور بالتقوى والصلاح.

19 - اسحاق بن عبد اللّه :

ابن أبي طلحة المدني عده الشيخ من أصحاب الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (5).

ص: 202


1- تهذيب الكمال ج 9 / ق 2 من مصورات مكتبة الحكيم ( تسلسل 379 ).
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.
20 - اسحاق بن بشير :

النبال من أصحاب الامام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) حسب ما ذكره الشيخ الطوسي (1).

21 - اسحاق بن جعفر :

ابن علي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وهو إمامي مجهول الحال.

22 - اسحاق بن نوح :

الشامي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

23 - اسحاق بن الفضل :

ابن يعقوب بن الفضل بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه (عليه السلام) (4).

ص: 203


1- رجال الطوسي وفي تنقيح المقال 1 / 112 إسحاق بن بشر النبال.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
24 - اسحاق بن يسار :

مولى قيس بن مخزمة ( مخرمة ) من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الطوسي (1) والبرقي والظاهر أنه إمامي مجهول الحال.

25 - اسحاق بن يزيد :

الطائي أبو يعقوب مولى ، كوفى ثقة عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (2).

26 - اسحاق بن واصل :

الضبي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

27 - اسحاق القمي :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 204


1- رجال الطوسي ، تنقيح المقال 1 / 122.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الشيخ الطوسي.
4- رجال الطوسي.
28 - اسرائيل بن غياث :

المكي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

29 - اسماعيل بن زياد :

البزار الكوفي الأسدي من أصحاب الامام الباقر روى عنه وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (2).

30 - اسماعيل بن جابر :

الجعفي قال النجاشي : « اسماعيل بن جابر الجعفي روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهماالسلام ، وهو الذي روى حديث الأذان له كتاب » (3) أما روايته عن الامام الباقر والامام الصادق (عليهما السلام) فتبلغ مائة رواية (4).

وقد روى عنه جمهور غفير من الرواة منهم أبو أيوب وابن سنان

ص: 205


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي ، معجم رجال الحديث 3 / 131.
3- معجم رجال الحديث 3 / 112.
4- معجم رجال الحديث 3 / 117.

وابن مسكان ، وأبان بن عبد الملك ، وحريز ، والحسن بن عطية وغيرهم (1)

31 - اسماعيل بن عبد اللّه :

ابن جعفر بن أبي طالب المدني تابعي سمع أباه ، من اصحاب الامام السجاد ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وممن روى عنه (2).

32 - اسماعيل بن عبد الرحمن :

الجعفي الكوفي ، تابعي ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) وكان فقيها ، قال النجاشي : « واسماعيل كان وجها في أصحابنا وأبوه وعمومته ، وكان أوجههم اسماعيل ، وهم بيت في الكوفة من جعف يقال لهم بنو أبي سبرة (3).

33 - اسماعيل بن سلمان :

الأزرق يكنى أبا خالد من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 206


1- معجم رجال الحديث 3 / 119.
2- معجم رجال الحديث 3 / 147.
3- تنقيح المقال 1 / 137.
4- رجال الطوسي.
34 - اسماعيل الكاتب :

أبو أحمد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ابنه أحمد (1).

35 - أسلم بن أيمن :

التميمي ، المنقري ، الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

36 - أسلم القواص :

المكي عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

37 - أسيد بن القاسم :

من أصحاب الامام الباقر ، وعده الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا : أسيد بن القاسم الكناني الكوفي (4).

ص: 207


1- معجم رجال الحديث 3 / 202.
2- معجم رجال الحديث 3 / 87.
3- معجم رجال الحديث 3 / 87.
4- معجم رجال الحديث 3 / 208.
38 - اسماعيل بن عبد الخالق :

قال النجاشي : « اسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه بن أبي ميمونة بن يسار مولى بني أسد ، وجه من وجوه أصحابنا ، وفقيه من فقهائنا ، وهو من بيت الشيعة ، عمومته : شهاب ، وعبد الرحيم ، ووهب وأبوه عبد الخالق كلهم ثقات ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) (1).

39 - اسماعيل بن عبد العزيز :

من أصحاب الامام أبي جعفر الباقر علیه السلام (2) وفد على الامام الصادق (عليه السلام) فقال (عليه السلام) له : ضع لي ماء في المتوضإ فوضعه له ، وأخذ يناجي نفسه في شأن الامام فبصر (عليه السلام) به فقال له : يا اسماعيل لا ترفعونا فوق طاقة فيتهدم ، واجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم.

40 - اسماعيل بن عبد الرحمن :

ابن أبي كريمة السدي (3) الكوفي ذكره الشيخ من أصحاب الامام

ص: 208


1- تنقيح المقال 1 / 136.
2- رجال الطوسي.
3- السدي : بضم السين ، وتشديد الدال ، نسبة إلى سدة مسجد الكوفة لبيعه المقانع والخمر فيها ، سميت سدة لبقائها من الطاق المسدود ، تنقيح المقال 1 / 137.

الباقر (عليه السلام) وكان مفسرا (1).

41 - اسماعيل بن الفضل :

ابن يعقوب بن الفضل بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث ثقة من أهل البصرة من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

42 - أعين الرازي :

يكنى أبا معاذ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وهو إمامي مجهول الحال

43 - أنس بن تغلب :

أبو سعيد البكري الحريري من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 209


1- رجال الطوسي ، تنقيح المقال 1 / 137.
2- رجال الطوسي ، روي عن الامام الصادق (عليه السلام) في حقه أنه قال : ( هو كهل من كهولنا وسيد من ساداتنا ) وكفاه بهذا وثاقة وشرفا ، تنقيح المقال 1 / 141.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 3 / 232.
44 - أنس بن عمرو :

الأزدي من أصحاب الامام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (1) وهو إمامي مجهول الحال (2).

45 - أيوب بن بكر :

ابن أبي علاج الموصلي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وهو إمامي مجهول الحال.

46 - أيوب بن أبي تميمة :

كيسان السجستاني العنبري ( العنزي ) ( الغنوي ) البصري كنيته أبو بكر ، مولى عمار بن ياسر ، وكان عمار مولى فهو مولى مولى ، وكان يحلق شعره في كل سنة مرة فاذا طال فرق ، رأى أنس بن مالك ، ومات بالطاعون بالبصرة سنة ( 131 ه ) من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 210


1- معجم رجال الحديث 3 / 232.
2- تنقيح المقال 1 / 154.
3- رجال الطوسي ، تنقيح المقال 1 / 158.
4- تنقيح المقال 1 / 158.
47 - أيوب بن شهاب :

ابن زيد البارقي الأزدي مولاهم كوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وهو إمامي مجهول الحال.

48 - أيوب وشيكة :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (2).

(ب)

49 - بدر بن الخليل :

الأسدي أبو الخليل الكوفي روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه ثعلبة بن ميمون ، وروى عن الامام الصادق (3).

50 - بره الاسكاف :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وقد روى عنه وعن الامام

ص: 211


1- رجال الطوسي.
2- تنقيح المقال 1 / 160.
3- تنقيح المقال 1 / 161.

أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) (1) وله كتاب (2).

51 - بوه الخياط :

كوفي ذكره الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) والظاهر أنه إمامي وروى عن الامام الصادق (عليه السلام) وقيل لم يرو عنه (4).

52 - بريد الخياط :

ذكره البر في من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (5).

53 - بريد الكناسي :

53 - بريد الكناسي : (6)

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه هشام بن سالم (7).

ص: 212


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.
4- تنقيح المقال 1 / 164.
5- رجال الطوسي.
6- نسبة إلى الكناسة وهي محلة مشهورة بالكوفة.
7- رجال الطوسي.
54 - بريد بن معاوية :

قال النجاشي : « بريد بن معاوية أبو القاسم البجلي عربي روى عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر (عليه السلام) ومات في حياة أبي عبد اللّه (عليه السلام) وجه من وجوه أصحابنا ، وفقيه أيضا له محل عند الأئمة ، قال أحمد بن الحسين : إنه رأى له كتابا يرويه عنه علي بن عقبة بن خالد الأسدي (1).

وهو ممن أجمعت العصابة على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه ، وروى جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين ، وروى دواد بن سرحان قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : إني لأحدث الرجل بحديث وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله ، إني أمرت قوما أن يتكلموا ، ونهيت قوما فكل يتأول لنفسه يريد المعصية لله تعالى ، ولرسوله ، ولو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه ، إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا أعني زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي ، هؤلاء القوامون بالقسط ، هؤلاء القوامون بالصدق ، هؤلاء السابقون أولئك المقربون (2) إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت في الاشادة بالرجل وبيان عظيم منزلته عند أهل البيت [عليهم السلام] ووردت أخبار قادحة فيه إلا إنه قد طعن في سندها سيدنا الأستاذ ، وأثبت أنها من

ص: 213


1- النجاشي.
2- معجم رجال الحديث 3 / 280 - 284.

الموضوعات أو أنها صدرت تقية محافظة على دمه من السلطة الحاكمة (1).

55 - بسام بن عبد اللّه :

الصيرفي مولى بني أسد روى عن الامام أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) له كتاب (2) قتله المنصور لولائه لأهل البيت [عليهم السلام].

56 - بشار الأسلمي :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وهو إمامي مجهول الحال.

57 - بشر بن جعفر :

الجعفي أبو الوليد من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) روى عنه أحمد بن الحارث الأنماطي (4) وهو إمامي مجهول الحال.

58 - بشر بن خثعم :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (5) وهو إمامي مجهول الحال.

ص: 214


1- معجم رجال الحديث 3 / 280 - 284.
2- النجاشي.
3- رجال الشيخ.
4- رجال الشيخ.
5- رجال الطوسي.
59 - بشر بن أبي عقبة :

المدائني ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

60 - بشر بن عبد اللّه :

الخثعمي الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

61 - بشر بن ميمون :

الوابشي ، الهمداني ، النبال الكوفي ، وهو آخر شجرة ، ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

62 - بشر بن يسار :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 215


1- معجم رجال الحديث 3 / 306.
2- رجال الشيخ الطوسي ، تنقيح المقال 1 / 173.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
63 - بشر بياع الزطي :

ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وكذلك ذكره البرقي وظاهره أنه إمامي مجهول الحال.

64 - بشر الرحال :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ (2) وذكره البرقي بعنوان بشير من أصحاب الباقر (عليه السلام) وإنما سمي بالرحال لأنه رحل خمسين رحلة من حج إلى غزوة (3).

65 - بشير الجعفي :

يكنى أبا محمد المستنير الأزرق بياع الطعام ، مجهول من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

66 - بشير أبو عبد الصمد :

ابن بشر الكوفي روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) ذكره علي

ص: 216


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- تنقيح المقال 1 / 172.
4- رجال الطوسي.

ابن الحسن بن فضال من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

67 - بشير بن سليمان :

المدني من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

68 - بكر بن حبيب :

الأحمسي (3) ، البجلي الكوفي روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) يكنى أبا مريم (4).

69 - بكر بن خالد

الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (5)

ص: 217


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي تنقيح المقال 1 / 175.
3- الأحمسي : نسبة إلى بني أحمس ، حي من بني أنمار بن أرش من القحطانية غلب على بنيه اسمه ، فقيل لهم أحمس ، والأحمس في اللغة الشديد ، ويقع على الرجل الشجاع ، جاء ذلك في تنقيح المقال 1 / 177.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.
70 - بكر بن صالح

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال (2).

71 - بكرب بن كرب :

الصيرفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ذكره الشيخ في رجاله ، وذكره أيضا من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

72 - بكرويه الكندي :

الكوفي روى عن الامام الباقر ، وروى عنه أبان بن عثمان ذكره الشيخ في أصحاب الامام الباقر وفي أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (4) والظاهر أنه إمامي مجهول الحال (5).

ص: 218


1- رجال الطوسي.
2- تنقيح المقال 1 / 178.
3- رجال الطوسي ، وفي بصائر الدرجات ان الامام الصادق (عليه السلام) قال له : ما لهم ولكم ، ما يريدون منكم؟ يقولون : الرافضة ، نعم واللّه رفضتم الكذب ، واتبعتم الحق.
4- رجال الطوسي.
5- تنقيح المقال 1 / 181.
73 - بكير بن أعين :

ابن سنسن الشيباني الكوفي ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) يكنى أبا عبد اللّه ، ويقال له : أبو الجهم ، له ستة أولاد ذكور وهم : عبد اللّه ، والجهم ، وعبد الحميد ، وعبد الأعلى ، وعمر وزيد ، كان من عيون الشيعة وثقاتهم ولما توفي قال الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) أما واللّه لقد أنزله اللّه بين رسول اللّه وأمير المؤمنين (1).

74 - بكير بن جندب :

الكوفي روى عن الامام الباقر والصادق (عليه السلام) وهو من أصحاب الباقر (2) والظاهر أنه إمامي مجهول الحال (3).

75 - بكير بن حبيب :

الكوفي روى عن الامام الباقر وأبي عبد اللّه (عليهما السلام) وكان من أصحاب الامام الباقر (4) والظاهر أنه إمامي مجهول الحال.

ص: 219


1- الكشي.
2- رجال الطوسي.
3- تنقيح المقال 1 / 182.
4- رجال الطوسي.

( ت )

76 - نسيم بن زياد :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال (2).

( ث )

77 - ثابت بن أبي ثابت :

عبد اللّه البجلي الكوفي ، يكنى أبا سعيد مولى ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وكان من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

78 - ثابت بن دينار :

يكنى أبا حمزة الثمالي (4) علم من أعلام التقوى ، والصلاح ، لقي

ص: 220


1- رجال الطوسي.
2- تنقيح المقال 1 / 187.
3- رجال الطوسي.
4- الثمالي : نسبة إلى ثمالة بالثاء المضمومة على الأصح ، والمفتوحة حسب ما يرى ابن خلكان ، وهو لقب عوف بن أسلم بن حجر ، ولقب به لأنه أطعم قومه ، وسقاهم لبنا بثمالته أي برغوته ، تنقيح المقال 1 / 189.

الامام علي بن الحسين (عليه السلام) وأبا جعفر ، وأبا عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنهم ، يقول النجاشي : وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث ، وروي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال : أبو حمزة في زمانه ، مثل سلمان في زمانه (1) وكان مستجاب الدعوة (2) وقد استشهد أولاده مع الثائر العظيم زيد بن علي (عليه السلام) (3) ، أما مؤلفاته فهي :

1 - كتاب في تفسير القرآن الكريم.

2 - كتاب النوادر.

3 - كتاب الزهد.

توفى سنة ( 150 ه ) (4).

79 - ثابت بن زائدة :

العكلي (5) من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (6).

ص: 221


1- النجاشي.
2- الكشي.
3- النجاشي.
4- معجم رجال الحديث 3 / 383.
5- العكلي : نسبة إلى أبي قبيلة من العدنانية فيهم غباوة ، وقلة فهم ، ويقال لكل من فيه غفلة وحمق ( عكلي ) تنقيح المقال 1 / 192.
6- رجال الطوسي.
80 - ثابت بن هرمز :

قال النجاشي ، ثابت بن هرمز أبو المقدام الفارسي الكوفي الحداد ، روى نسخة عن علي بن الحسين (عليه السلام) رواها عنه ابنه عمر بن ثابت (1) عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (2) وقد روى عن الامام أبي جعفر فضل زيارة الامام الحسين (3).

قال ثابت للامام أبي جعفر (عليه السلام) : إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كافة رضا لله عز ذكره ، وما كان اللّه ليفتن أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله) من بعده ، فقال (عليه السلام) : أما يقرءون كتاب اللّه؟ أو ليس اللّه يقول : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) قال ثابت : إنهم يفسرون الآية على وجه آخر ، فقال (عليه السلام) : أو ليس اللّه قد أخبر عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال تعالى : ( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (4)

ص: 222


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- كامل الزيارات.
4- سورة البقرة : آية 253.

وفي هذا ما يستدل به على إن أصحاب محمد (صلی اللّه عليه وآله) قد اختلفوا من بعده (1).

وروى ثابت عن أبيه عن الامام أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) قال : « نجوم السماء أمان لأهل السماء فاذا ذهبت نجوم السماء أتى أهل السماء بما يكرهون ، ونجوم من أهل بيتي من ولدي أحد عشر نجما أمان في الأرض لأهل الأرض أن تميد بأهلها فاذا ذهبت نجوم أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يكرهون » (2) وقد اتهم ثابت بأنه زيدي تبرى إلا أنه لم يثبت ذلك.

81 - ثوير بن أبي فاختة :

قال النجاشي : ثوير بن أبي فاختة أبو جهم الكوفي ، واسم أبي فاختة سعيد بن علاقة يروي عن أبيه ، وكان مولى أم هاني بنت أبي طالب (3) عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام علي بن الحسين (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وقد روى ثوير ما يلي : قال : خرجت حاجا فصحبني عمرو بن ذر القاضي ، وابن قيس الماصر ، والصلت بن بهرام ، وكانوا إذا نزلوا قالوا : أنظر الآن فقد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر (عليه السلام) عنها عن ثلاثين كل يوم وقد قلدناك ذلك ،

ص: 223


1- تنقيح المقال 1 / 194.
2- تنقيح المقال 1 / 194.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي.

فقال ثوير : فغمنى ذلك ، حتى إذا دخلنا المدينة فافترقنا ، فنزلت أنا على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له : جعلت فداك إن ابن ذر ، وابن قيس الماصر والصلت صحبوني ، وكنت أسمعهم يقولون : قد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عنها ، فغمنى ذلك فقال أبو جعفر : ما يغمك؟ فاذا جاءوا فأذن لهم ، فلما كان من غد دخل مولى لأبي جعفر (عليه السلام) فقال : جعلت فداك إن بالباب ابن ذر ومعه قوم ، فقال لي أبو جعفر : يا ثوير قم فأذن لهم ، فقمت فأدخلتهم ، فلما دخلوا سلموا وقعدوا ولم يتكلموا فلما طال ذلك أقبل أبو جعفر يستفتيهم الأحاديث ، وأقبلوا لا يتكلمون ، فلما رأى ذلك أبو جعفر قال لجارية له : يقال لها سرحة هاتي الخوان فلما جاءت به فوضعته قال أبو جعفر : الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا ينتهى إليه ، حتى أن لهذا الخوان حدا ينتهي إليه فبادر ابن ذر قائلا :

- ما حده؟

- إذا وضع ذكر اللّه ، وإذا رفع حمد اللّه.

وأمرهم الامام بتناول طعام الغذاء ، وأمر (عليه السلام) الجارية أن تسقيه فجاءته بكوز من أدم ، فقال (عليه السلام) : الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا ينتهى إليه.

قال ابن ذر : ما حده؟

الامام : حده أن يذكر اسم اللّه عليه إذا شرب ، ويحمد اللّه إذا فرغ ولا يشرب من عند عروته ، ولا من كسر إن كان فيه.

ولما فرغوا من تناول الطعام أقبل عليهم الامام (عليه السلام) يستفتيهم الأحاديث وهم صامتون ، ولما رأى ذلك منهم الامام التفت إلى ابن ذر فقال له :

ص: 224

« ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ »

« بلى يا ابن رسول اللّه ، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وأهل بيتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا »

قال الامام أبو جعفر (عليه السلام) : يا ابن ذر فاذا لقيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) فقال ما خلفتني في الثقلين؟ فما ذا تقول له؟.

فبكى ابن ذر وقال : أما الأكبر فمزقناه - يعني الكتاب - وأما الأصغر - يعني العترة الطاهرة - فقتلناه.

فقال أبو جعفر : إذن تصدقه بابن ذر ، لا واللّه لا تزول قدم يوم القيامة حتى تسأل عن ثلاثة : عن عمره فيما أفناه ، ومن ماله من أين اكتسبه ، وفيما انفقه ، وعن حبنا أهل البيت.

وانصرفوا من منزل الامام وأمر (عليه السلام) غلامه بمتابعتهم ليسمع ما يقولون فرجع الغلام وقال له : لقد سمعتهم يقولون لابن ذر على هذا خرجنا معك؟ فقال : ويلكم اسكتوا ما أقول إن رجلا يزعم أن اللّه يسألني عن ولايته ، وكيف أسأل رجلا يعلم حد الخوان ، وحد الكوز .. » (1).

(ج)

82 - جابر بن عبد اللّه :

ابن عمرو بن حزام الأنصاري الخزرجي الصحابي العظيم من

ص: 225


1- معجم رجال الحديث 3 / 410 - 412.

الأصفياء وخيار المسلمين ، وفي طليعة المنقطعين لأهل البيت (عليهم السلام) وهو آخر من بقي من صحابة النبي (صلی اللّه عليه وآله) وقد روى عنه أبو الزبير المكي قال : سألت جابر بن عبد اللّه فقلت له : أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال : فرفع حاجبيه عن عينيه - وقد كانا سقطا على عينيه - فقال : ذلك خير البشر أما واللّه إن كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول اللّه ببغضهم إياه (1).

وبلغ من عظيم ولائه للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه كان يتوكا على عصاه ويدور في سكك المدينة ومجالسها وهو يقول : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر .. يا معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي (2).

ومما يدل على عظيم ولائه لأهل البيت (عليهم السلام) ما رواه الامام الصادق (عليه السلام) عن آبائه ، قال : لما نزلت هذه الآية ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) فقال : أيها الناس قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد منهم فانصرف ، فلما كان من الغد قام فقال : مثل ذلك ، فلم يجبه أحد ، فلما كان اليوم الثالث تلكم بمثل ذلك ، ثم قال : أيها الناس إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ، ولا مشرب ، قالوا : فالقه إذن قال : إن اللّه تبارك أنزل قوله : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقالوا : أما هذه فنعم قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) ، فو اللّه ما وفى بها إلا سبعة نفر سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد اللّه الانصاري ، ومولى لرسول

ص: 226


1- تنقيح المقال 1 / 199.
2- معجم رجال الحديث 4 / 15.

اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وزيد بن أرقم (1).

وشهد جابر مع النبي (صلی اللّه عليه وآله) ثمان عشرة غزوة ، وشهد مع الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) صفين (2) وهو الذي حمل تحيات النبي (صلی اللّه عليه وآله) إلى الامام الباقر وقد تقدمت الأخبار في ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وقد استغفر له النبي (صلی اللّه عليه وآله) ليلة البعير خمسا وعشرين مرة (3) وكانت له حلقة في المسجد يؤخذ عنه العلم (4) توفى وله من العمر 94 سنة (5).

83 - جابر بن يزيد :
اشارة

الجعفي من أعلام العلماء ومن أجل فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وفد على الامام أبي جعفر (عليه السلام) وتلقى منه المزيد من العلوم والمعارف حتى عد في طليعة علماء المسلمين ، وكان إذا حدث أو روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قال : حدثني وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء محمد بن علي علیه السلام (6)

وقد عده ابن شهر اشوب بابا للامام أبي جعفر (عليه السلام) والمراد من الباب بابه في علومه وأسراره.

ص: 227


1- تنقيح المقال 1 / 200.
2- سفينة البحار.
3- تهذيب التهذيب 2 / 43 ، الاصابة 1 / 214.
4- تهذيب التهذيب 2 / 43 ، الاصابة 1 / 214.
5- الاصابة 1 / 215.
6- معجم رجال الحديث 4 / 20.

وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) إنه قال : إنما سمي جابر لأنه جبر المؤمنين بعلمه وهو بحر لا ينزح ، وهو الباب في دهره ، والحجة على الخلق من حجج اللّه أبي جعفر (عليه السلام).

ويقال : انتهى علم الأئمة [عليهم السلام] إلى أربعة نفر : سلمان الفارسي وجابر والسيد الحميري ، ويونس بن عبد الرحمن.

وثاقته :

وقد وثقه شعبة قال : كان جابر إذا قال : حدثنا ، وسمعت فهو من أوثق الناس ، وقال زهير بن معاوية إنه من أصدق الناس (1) وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابر ثقة ، وقال سفيان الثوري لشعبة : لأن تكلمت في جابر لأتكلمن فيك (2) وقال سفيان : (3) ما رأيت في الحديث أورع من جابر الجعفي (4).

مؤلفاته :

ألف مجموعة من الكتب كان من بينها ما يلي :

1 - تفسير القرآن الكريم.

ص: 228


1- تهذيب التهذيب 2 / 47.
2- تهذيب التهذيب 2 / 47.
3- ميزان الاعتدال 1 / 382.
4- معجم رجال الحديث 4 / 18.

2 - كتاب النوادر.

3 - كتاب الجمل.

4 - كتاب صفين.

5 - كتاب النهروان.

6 - كتاب مقتل الامام أمير المؤمنين ع.

7 - كتاب مقتل الحسين ع.

8 - رسالة الامام أبي جعفر إلى أهل البصرة (1).

هذه بعض مؤلفاته ، وقد أخذ معظمها من الامام أبي جعفر (عليه السلام) ومن المؤسف انا لم نعثر على شيء منها في المكتبات العامة في بلدنا.

روايته عن الامام أبى جعفر :

روى جابر عن الامام الباقر (عليه السلام) روايات كثيرة فقد روى عند سبعين ألف حديث (2) وهي تكشف عن مدى اتصاله بالامام (عليه السلام) وانقطاعه إليه.

اختلاطه :

وأصيب جابر بالاختلاط ، وكان ذلك تصنعا خوفا عليه من السلطة فقد أوعز إليه أبو جعفر بذلك وأمره به وقد خرج إلى الناس وعلى رأسه قوصرة فجعل الناس يقولون : جن جابر ، ولم تمض أيام حتى كتب

ص: 229


1- معجم رجال الحديث 4 / 18.
2- ميزان الاعتدال 1 / 383.

هشام إلى عامله على الكوفة يأمره بحمل جابر إليه ، فسأل الأمير عنه فشهد عنده الناس بأنه قد اختلط ، وكتب بذلك إلى هشام فلم يعرض له بسوء ، ثم رجع جابر إلى حاله الأول (1).

وفاته :

توفى جابر سنة [ 167 ه ] (2).

84 - الجارود بن السري :

التميمي السعدي الحماني (3) الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (4).

85 - الجارود بن المنذر :

الكندي النخاس ، كوفي ، ثقة عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام).

ص: 230


1- معجم رجال الحديث 4 / 22.
2- ميزان الاعتدال 1 / 384.
3- الحماني : بالحاء المهملة نسبة إلى حمان محلة بالبصرة أو إلى بني حمان ابن سعد المنسوب إلى تلك المحلة ، تنقيح المقال 1 / 205.
4- رجال الطوسي.

وقال النجاشي : جارود بن المنذر أبو المنذر الكندي النخاس روى عن أبي عبد اللّه ثقة ، ثقة ، ذكره أبو العباس في رجاله له كتاب (1).

86 - الجراح المدائني :

ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (2) قال النجاشي : جراح المدائني روى عن أبي عبد اللّه ، له كتاب (3).

87 - جعفر الأحمسي :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

88 - جعفر بن ابراهيم :

الجعفي الجعفري ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (5) وهو إمامي

ص: 231


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.

مجهول (1).

89 - جعفر بن ابراهيم :

الحضرمي عده البرقي من أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) (2).

90 - جعفر بن الحكيم :

ابن عباد الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

91 - جعفر بن عمرو :

ابن ثابت أبي المقدام بن هرمز الحداد العجلي الكوفي مولاهم من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وهو إمامي مجهول الحال.

ص: 232


1- تنقيح المقال 1 / 211.
2- رجال البر في ، معجم رجال الحديث 4 / 47 ، وفي تنقيح المقال 1 / 211 جعفر بن ابراهيم الحضرمي عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الرضا.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
92 - جعدة :

ابن أبي عبد اللّه عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

( ح )

93 - الحسن بن أبي سارة :

النيلي (2) الأنصاري القرظي مولى محمد بن كعب ، وهو ابن عم معاذ الهراء وله ابن يقال له أبو جعفر الرؤاسي النحوي ، ذكره البرقي من أصحاب الامام الباقر والصادق [عليهماالسلام] (3) ووثقه النجاشي في ترجمة ابنه.

94 - الحسن بن حبيش :

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4) روى زيد الشحام قال :

ص: 233


1- رجال الطوسي.
2- النيلي : بكسر النون ، نسبة أما نيل مصر أحد الأنهار المشهورة في العالم ، أو نسبة إلى النيل قرية بالكوفة ، قرب الحلة ، أو الى بلدة تقع بين بغداد وواسط تسمى بالنيل ، أو إلى بيع النيل وتجارته ، تنقيح المقال 1 / 266.
3- معجم رجال الحديث 4 / 286.
4- البرقي.

كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ومر الحسن بن حبيش ، فقال أبو عبد اللّه : لي : أتحبّ هذا وهذا من أصحاب أبي (1).

95 - الحسن ابن الحسن :

ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المدني التابعي ، وهو أخو عبد اللّه بن الحسن وابراهيم لأبيهما وأمهما وأمهم فاطمة بنت الحسين توفي قبل وفاة أخيه عبد اللّه ، وهو من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (2).

96 - الحسن بن زياد :

الصيقل من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) قال الصدوق : هو كوفي مولى ، وكنيته أبو الوليد ، روى عنه يونس بن عبد الرحمن (3).

97 - الحسن بن السري

الكاتب الكرخي روى هو وأخوه علي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) له كتاب رواه عنه الحسن بن محبوب ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب

ص: 234


1- تنقيح المقال 1 / 271.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 4 / 341.

الامام الباقر (عليه السلام) (1).

98 - الحسن بن شهاب

ابن يزيد البارقي الأزدي الكوفي ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (2).

99 - الحسن بن صالح :

ابن حي الهمداني الثوري ، الكوفي ، صاحب المقالة زيدي إليه تنسب الصالحية ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) ، وتعرض له الكشي عند بيان الفرقة البشرية بعد ترجمة أبي الضبار ، وروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : « لو أن البشرية صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب ما أعز اللّه بهم دينه » قال الكشي : والبشرية هم أصحاب كثير النواء ، والحسن بن صالح بن حي ، وسالم ابن أبي حفصة ، والحكم بن عينية ، وسلمة بن كهيل ، وأبو المقدام ثابت الحداد ، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي (عليه السلام) ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، ويثبتون لهما الإمامة ، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ، ويرون الخروج مع بطون ولد علي (عليه السلام) ويذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي (عليه السلام) عند

ص: 235


1- معجم رجال الحديث 4 / 350 ، رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 4 / 470.

خروجه الإمامة (1).

100 - الحسن بن علي :

الأحمدي الكوفي روى عن الإمامين الباقر والصادق (عليه السلام) وروى عنه عنبسة بن عمرو (2).

101 - الحسن بن عمار :

الدهان من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) روى عن الإمام أبي عبد اللّه ، وروى عنه محمد بن عبد الرحمن بن حماد (3).

102 - الحسن بن عمارة :

الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وعده الشيخ من أصحاب الإمام السجاد (عليه السلام).

ص: 236


1- معجم رجال الحديث 4 / 372.
2- معجم رجال الحديث 5 / 15.
3- معجم رجال الحديث 5 / 77.
4- رجال الطوسي.
103 - الحسن بن كثير :

البجلي الكوفي روى الشيخ المفيد بأسناده عنه أنه قال : شكوت إلى أبي جعفر (عليه السلام) الحاجة وجفاء الأخوان ، فقال (عليه السلام) : بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، فقال : استنفق هذه فإذا نفذت فأعلمني (1).

104 - الحسن بن المنذر :

عده الشيخ مع أخيه الحسين من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (2) وظاهره إنه أمامي مجهول الحال.

105 - الحسن بن يوسف :

عده الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (3) وهو أمامي مجهول الحال.

ص: 237


1- الإرشاد ، تنقيح المقال 1 / 303.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 5 / 158.
106 - الحسن الجعفي :

الكوفي من أصحاب الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) (1).

107 - الحسن الزيات :

البصري ، روى عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وروى عنه عبد اللّه ابن مسكان ، وذكر سيدنا الاستاذ الخوئي عرضا إلى الروايات التي رواها عن الإمام الباقر (عليه السلام) (2).

108 - الحسين بن ابتر :

الكوفي ، من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (3) وهو أمامي مجهول الحال.

109 - الحسين ابن أبي العلاء :

الخفاف الزنجي أبو علي الأعود من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)

ص: 238


1- معجم رجال الحديث 5 / 164.
2- معجم رجال الحديث 5 / 166.
3- رجال الطوسي.

والإمام الصادق (عليه السلام) له كتب ، منها كتاب يعد في الأصول ، روى عن أبي عبد اللّه الصادق وروى عنه صفوان بن يحيى (1).

110 - الحسين بن ثوير :

قال النجاشي الحسين بن ثوير بن أبي فاختة سعيد بن حمران جمهان ( رجهمان ) تولى أم هاني بنت أبي طالب روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) ثقة ذكره أبو العباس في الرجال وغيره .. له كتاب نوادر (2).

111 - الحسين بن حماد :

عده الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (3) وقال النجاشي : الحسين بن حماد ابن ميمون العبدي مولاهم كوفي ، ... له كتاب يرويه داود بن حصين وابراهيم بن مهزم (4).

112 - الحسين بن عبد اللّه :

الرجاني (5) من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وروي عن الإمام

ص: 239


1- معجم رجال الحديث 5 / 185 ، تنقيح المقال 1 / 317.
2- النجاشي ، وفي الفهرست للطوسى وغيره الحسين بن ثوير.
3- رجال الطوسي.
4- النجاشي.
5- الرجانى : نسبة إلى رجان واد بنجد.

أبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنه الهيثم بن راقد (1).

113 - الحسين ابن عبد اللّه

ابن عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) مدني تابعي ، روى عنه قيس بن الربيع (2).

114 - الحسين بن مصعب

الهمدانيّ الكوفي عده الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وله كتاب (3) وهو أمامى.

115 - الحسين بن المنذر

ابن أبى طريفة هو ابن عم محمد بن علي بن النعمان ( مؤمن الطاق ) قال النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن النعمان : روي الحسين بن المنذر عن علي بن الحسين وأبى جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) (4) وروى الحسين ابن المنذر قال : كنت عند أبى عبد اللّه (عليه السلام) فقال لي معتب : خفف

ص: 240


1- معجم رجال الحديث 6 / 13.
2- معجم رجال الحديث 6 / 66 ، تنقيح المقال 1 / 333.
3- معجم رجال الحديث 6 / 93.
4- معجم رجال الحديث 6 / 96.

عن أبي عبد اللّه ، فقال (عليه السلام) دعه فإنه من فراخ الشيعة (1).

116 - صفي الاعور

الكوفي ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

117 - حفص بن غياث :

النخعي الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وقال النجاشي : حفص بن غياث بن طلق ... الكوفي روى عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) وولي القضاء ببغداد الشرقية لهارون ، ثم ولاه قضاء الكوفة ومات بها سنة ( 164 ه ) له كتاب أخبرنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن سعيد قال : سمعت عبد اللّه بن أسامة الكلبي يقول : سمعت عمر بن حفص بن غياث يقول وذكر كتاب أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) وهو سبعون ومائة حديث أو نحوها (4).

ص: 241


1- الكشي.
2- رجال الشيخ الطوسي.
3- رجال الشيخ الطوسي.
4- النجاشي.
118 - الحكم بن الصلت :

الثقفي ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وعده البرقي مع توصيفه بالمدني من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

119 - الحكم بن أبي نعيم :

ذكره البرقي في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه (2).

120 - الحكم بن عبد الرحمن :

ابن أبي نعيم البجلي والد أبي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (3).

121 - الحكم بن عتيبة :
اشارة

أبو محمد الكندي الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وأضاف الشيخ أنه من البترية

ص: 242


1- معجم رجال الحديث 6 / 171.
2- معجم رجال الحديث 6 / 163 ، تنقيح المقال 1 / 256.
3- معجم رجال الحديث 6 / 172.

وقد روى أبو مريم الأنصاري أن الامام أبا جعفر (عليه السلام) قال له : قل لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة شرقا أو غربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.

وروى أبو بصير قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا أتجوز؟ قال (عليه السلام) : لا. قلت : إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز ، فقال : اللّهم لا تغفر ذنبه قال اللّه ( إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) فليذهب الحكم يمينا وشمالا فو اللّه لا يوجد هذا العلم إلى في أهل بيت نزل عليهم جبرئيل ، وروى أبو بصير قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إن الحكم ابن عتيبة وسلمة وكثير النواء وأبا المقدام والتمار « يعني سالما » ضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء ، وإنهم ممن قال اللّه عز وجل : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (1).

ودلت هذه الرواية على زيغ الرجل وانحرافه عن الحق.

وروى زرارة قال : قدمت المدينة ، وأنا شاب أمرد فدخلت سرادقا لأبي جعفر (عليه السلام) فرأيت قوما جلوسا في الفسطاط ، وصدر المجلس ليس فيه أحد ، ورأيت رجلا جالسا ناحية يحتجم ، فعرفت برأي أنه أبو جعفر فقصدت نحوه فسلمت عليه ، فرد السلام علي ، فجلست بين يديه ، والحجام خلفه ، فقال : أمن بني أعين أنت؟ فقلت : نعم أنا زرارة ابن أعين ، فقال : عرفتك بالشبه ، احج حمران؟ قلت : لا ، وهو يقرؤك السلام ، فقال : إنه من المؤمنين حقا ، لا يرجع أبدا - يعني لا يرجع عن الاعتقاد بالامامة - إذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وقل له : لم حدثت الحكم بن عتيبة؟ إن الأوصياء محدثون ، لا تحدثه واشباهه

ص: 243


1- معجم رجال الحديث 6 / 174 - 175.

بمثل هذا الحديث (1).

وكشفت هذه الرواية عن بعده عن أهل البيت (عليهم السلام) وانه كان منحرفا عنهم ، وقد وثقه ابن حجر وأثنى عليه ، وذكر كلمات كثيرة في حقه (2).

وفاته :

توفي سنة ( 113 ه ) (3) وقيل سنة ( 115 ه ) (4).

122 - الحكم بن علياء :

الأسدي كان واليا على البحرين فأصاب مالا كثيرا فحمل خمسه إلى الامام الباقر (عليه السلام) فقبله (5).

123 - الحكم بن القتات :

كوفي عده ابن داود من أصحاب الامامين الباقر والصادق وقال

ص: 244


1- الكشي.
2- تهذيب التهذيب 2 / 433.
3- تهذيب التهذيب 2 / 434.
4- تنقيح المقال 1 / 358.
5- تنقيح المقال 1 / 359.

النجاشي : إنه ثقة قليل الحديث له كتاب (1).

124 - الحكم بن المختار :

ابن أبي عبيدة الثقفي ، كنيته أبو محمد ثقة روى عن الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (2).

125 - حكيم بن حكم :

ابن عباد بن حنيف الأنصاري روى عن الأئمة الطاهرين علي بن الحسين والباقر والصادق علیهم السلام (3).

126 - حكيم بن صهيب :

الصيرفي الكوفي مولى بني ضبة عده الشيخ من أصحاب الامام علي ابن الحسين (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 245


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
127 - حكيم بن معاوية :

النميري عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وهو إمامي مجهول الحال.

128 - حماد بن أبي سليمان :

الأشعري كوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (2) وهو إمامي مجهول الحال.

129 - حماد بن أبي العطارد :

الطائي ، الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

130 - حماد بن بشير :

الطنافسي الكوفي روى عن الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) وكان

ص: 246


1- رجال الطوسي.
2- تنقيح المقال 1 / 362.
3- معجم رجال الحديث 6 / 220.

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

131 - حماد بن راشد :

الأزدي البزاز أبو العلاء الكوفي من أصحاب الامام الباقر والامام الصادق (عليه السلام) توفى سنة ( 156 ه ) (2).

132 - حماد بن المغيرة :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال (3).

133 - حمران بن أعين :
اشارة

الشيباني ، مولاهم يكنى أبا الحسن ، وقيل أبو حمزة تابعي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أعيان العلماء ، واجلاء الرواة ، وكان من العارفين بالحق ، والصادعين بأمر اللّه ، ونلمح إلى بعض شئونه :

مكانتة العلمية :

كان حمران من كبار العلماء الذين حملوا رسالة الاسلام ، ووقفوا

ص: 247


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- تنقيح المقال 1 / 368 ، معجم رجال الحديث 6 / 239.

على دقائقها وواقعها أخذ علومه من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم معدن العلم والحكمة وخزان الوحي ، تتلمذ عند الامام الباقر (عليه السلام) ومن بعده لازم الامام جعفر الصادق (عليه السلام) وأخذ الكثير من علومه ، وكان الامام الصادق (عليه السلام) يدلل على وفور علمه وفضله ، ويقول الرواة إن رجلا من أهل الشام وفد على الامام الصادق (عليه السلام) ليمتحنه ، فقال (عليه السلام) له :

« ما حاجتك؟ »

فقال الشامي : بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه ، فصرت إليك لأناظرك. فتبسم الامام وقال له :

« بما ذا؟ »

« في القرآن ، وقطعه واسكانه ، وخفضه ، ونصبه ورفعه »

والتفت الامام (عليه السلام) إلى حمران فقال له :

« دونك الرجل »

فثار الشامي وقال :

« إنما أريدك أنت لا حمران »

وقابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا :

« إن غلبت حمران فقد غلبتني »

وأقبل الشامي على حمران فجعل يسأله عن مسائله ، وحمران يجيبه ، والتفت الامام إلى الشامي فقال له :

« كيف رأيته؟ »

« رأيته حاذقا ، ما سألته عن شيء إلا أجابني » (1).

وكشفت هذه البادرة عن سعة علومه ومعارفه ، ويقول أبو غالب

ص: 248


1- تنقيح المقال 1 / 370.

الرازي : كان حمران من أكبر مشايخ الشيعة ، المفضلين الذين لا يشك فيهم ، وكان أحد حملة القرآن ومن بعده ، يذكر اسمه في القراء ، وروي أنه قرأ على أبي جعفر (عليه السلام) وكان مع ذلك عالما بالنحو واللغة (1).

لقد كان حمران في طليعة علماء عصره ، وقد ساهم مساهمة إيجابية في نشر الوعي الثقافي والعلمي في ذلك العصر.

منزلته عنه الأئمة :

وكانت لحمران منزلة كريمة عند أئمة الهدى (عليهم السلام) وقد أثرت عنهم كثير من الأحاديث في الاشادة به وفيما يلي بعضها :

1 - روى بكير بن أعين قال : حججت أول حجة فصرت إلى منى فسألت عن فسطاط أبي عبد اللّه فدخلت عليه فرأيت في الفسطاط جماعة فأقبلت أنظر في وجوههم فلم أره فيهم ، وكان في ناحية الفسطاط يحتجم فقال : هلم إلي ، ثم قال : يا غلام أمن بني أعين أنت؟ قلت : نعم جعلني اللّه فداك ، قال : أيهم أنت؟ قلت : أنا بكير بن أعين فقال لي : ما فعل حمران؟ قلت : لم يحج العام على شوق شديد منه إليك ، وهو يقرأ عليك السلام ، فقال : عليك وعليه السلام حمران مؤمن من أهل الجنة لا يرتاب أبدا لا واللّه.

2 - روى زيد الشحام قال : قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) : ما وجدت أحدا أخذ بقولي ، وأطاع أمري وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما اللّه : عبد اللّه بن أبي يعفور وحمران بن أعين إما إنهما مؤمنان

ص: 249


1- تنقيح المقال 1 / 370.

خالصان من شيعتنا أسماؤهما عندنا في كتاب أصحاب اليمين الذي أعطى اللّه محمدا (صلی اللّه عليه وآله).

3 - روى أبو خالد الأخرس عن حمران قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك إني حلفت أن لا أبرح المدينة حتى أعلم ما أنا؟ قال (عليه السلام) : تريد ما ذا يا حمران؟ قال : تخبرني ما أنا؟ قال (عليه السلام) : أنت لنا شيعة في الدنيا والآخرة (1).

وروى الكشي طائفة أخرى من الأخبار تدلل على سمو مكانته ، وعظيم منزلته عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)

شدة ولائه للائمة :

كان حمران يكن في أعماق نفسه أعظم الولاء والحب للأئمة الطاهرين ويقول الرواة : إنه كان إذا جلس مع أصحابه فلا يخوض حديثا لا يتناول فضائل أهل البيت فان خلطوا ذلك بغيره ردهم إليه ، فان أبوا تركهم وانصرف عنهم (2) وكان حقا هذا منتهى الولاء والحب.

134 - حمزة بن حمران :

ابن أعين الشيباني الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام)

ص: 250


1- الكشي.
2- تنقيح المقال 1 / 371.

وعده البرقي من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وقال النجاشي : له كتاب (1).

135 - حمزة بن عطاء :

الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (2).

136 - حمزة بن عمارة :

البربري اليزيدي روى الكشي بسنده عن بريد بن معاوية العجلي قال : كان حمزة بن عمارة اليزيدي لعنه اللّه يقول لأصحابه : إن أبا جعفر يأتيني في كل ليلة ... فقدر لي أني لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثته بما يقول حمزة : فقال : كذب عليه لعنة اللّه ما يقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي : ولا وصي نبي (3) ووردت أخبار مماثلة في ذمه والبراءة منه.

137 - حمزة الطيار :

عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وذكره البرقي في أصحاب

ص: 251


1- معجم رجال الحديث 6 / 272.
2- تنقيح المقال 1 / 376.
3- الكشي.

الامام الصادق (عليه السلام) وروى الكشي بسنده عن حمزة الطيار قال : سألنا أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن قراءة القرآن؟ فقلت : ما أنا بذلك ، فقال : لكن أباك ثم سألني عن الفرائض؟ فقلت : وما أنا بذلك ، فقال : لكن أباك قال : ثم قال : إن رجلا من قريش كان لي صديقا وكان عالما قارئا فاجتمع هو وأبوك عند أبي جعفر (عليه السلام) وقال : ليقبل كل واحد منكما على صاحبه ويسأل كل واحد منكما صاحبه ففعلا ، فقال القرشي لأبي جعفر : قد علمت ما أردت ، أردت أن تعلمني أن في أصحابك مثل هذا قال : هو ذاك ، فكيف رأيت ذلك (1) ودلت هذه الرواية على وفور فضله وسعة علمه ، ويقول الرواة إن الامام الصادق (عليه السلام) نهى بعض شيعته عن الخوض مع الغير في البحوث الكلامية ، وذلك لعدم تخصصهم بها ، ولما سمع ذلك حمزة خف إلى الامام (عليه السلام) فقال له : بلغنى أنك كرهت مناظرة الناس ، وكرهت الخصومة؟ فقال : أما كلام مثلك للناس فلا نكرهه ، إنك ممن إذا طار أحس أن يقع ، وإن وقع يحس أن يطير ، فمن كان هكذا فلا نكره كلامه (2) وكشفت هذه الرواية عن قدراته الكلامية ، وتخصصه فيها ، ويقول المترجمون له : إنه كان شديد الخصومة عن أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عنهم.

وكان حمزة شديد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) فقد دخل على الامام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) فأخذ بيده وجعل (عليه السلام) يعدد له الأئمة الذين فرض اللّه طاعتهم على عباده ، فلما انتهى (عليه السلام) إلى أبيه محمد الباقر أمسك فقال له حمزة : جعلني اللّه فداك لو فلقت رمانة فأحللت بعضها ، وحرمت بعضها

ص: 252


1- معجم رجال الحديث 6 / 278.
2- تنقيح المقال 1 / 375.

لشهدت أن ما حرمت حرام وما أحللت حلال ، فسر الامام بقوله وعرفه انه الامام بعد أبيه قائلا : فحسبك أن تقول بقوله : وما أنا إلا مثلهم لي مالهم ، وعلي ما عليهم ، وإن أردت أن تجيء يوم القيامة مع الذين قال اللّه تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) فقل بقوله (1) لقد كان حمزة رحمه اللّه راسخ العقيدة ، والايمان ، وكان من أصلب المدافعين عن أهل البيت (عليهم السلام) ولما بلغ موته الامام الصادق (عليه السلام) قال : رحمه اللّه ولقاء نضرة وسرورا فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت (2).

( خ )

138 - خازم الأشل :

الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وممن روى عنه ، كما روى عن الامام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) (3) وهو إمامي مجهول الحال.

139 - خالد بن أبي كريمة

قال النجاشي : خالد بن أبي كريمة روى عن الامام الباقر (عليه السلام) ذكره ابن نوح ، روى عنه نسخة أحاديث ... وهي التي رواها عن

ص: 253


1- تنقيح المقال 1 / 374.
2- الكشي.
3- رجال الطوسي.

الامام الباقر (عليه السلام) (1).

140 - خالد بن أوفى :

أبو الربيع العنزي الشامي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ (2).

141 - خالد بن بكار :

أبو العلاء الخفاف الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (3).

142 - خالد بن طهمان :

أبو العلاء الخفاف السلولي ، كان من العامة له نسخة أحاديث رواها عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وعده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4).

ص: 254


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي ، معجم رجال الحديث 7 / 14.
4- رجال الطوسي ، معجم رجال الحديث 7 / 30.
143 - خيثمة بن عبد الرحمن :

الجعفي روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه علي بن عطية كما روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى الخشاب عن بعض أصحابنا عنه (1).

144 - خيثمة بن أبي خيثمة :

روى محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن أبي بصير قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال له سلام : إن خيثمة بن أبي خيثمة محدثنا عنك أنه سألك عن الاسلام فقلت له : إن الاسلام من استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا ، ونسك نسكنا ، وو الى ولينا وعادى عدونا فهو مسلم ، فقال (عليه السلام) : صدق خيثمة ، قلت : وسألك عن الايمان فقلت : الايمان باللّه والتصديق بكتاب اللّه ، وأن لا يعصي اللّه فقال (عليه السلام) : صدق خيثمة (2).

( د )

145 - داود الأبزاري :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وهو إمامي مجهول الحال.

ص: 255


1- معجم رجال الحديث 7 / 82 ، تنقيح المقال 1 / 404.
2- معجم رجال الحديث 7 / 83 ، تنقيح المقال 1 / 404.
3- رجال الطوسي ( ص 120 ).
146 - داود بن أبي هند

القشيري السرخسي يكنى أبا بكر ، واسم أبي هند دينار من أهل سرخس وبها عقبه مات في طريق مكة سنة [ 139 ه ] من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (1).

147 - داود بن حبيب :

أبو غيلان الكوفي روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه علیه السلام (2).

148 - داود بن حرة :

أخو إسحاق بن حرة روى عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وكان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (3).

149 - داود بن زيد :

ص: 256


1- رجال الطوسي ( ص 120 ).
2- رجال الطوسي ( ص 120 ).
3- معجم رجال الحديث 7 / 100.

الهمداني الكوفي عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (1).

150 - داود بن الدجاجي :

الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

151 - دلهم بن صالح :

الكندي الكوفي من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (3).

( ذ )

( ر )

152 - رافع بن مسلمة :

ابن زياد بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم كوفي روى عن الإمام أبي جعفر والإمام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ثقة من بيت النقات وعيونهم له

ص: 257


1- رجال الطوسي ( ص 120 ).
2- رجال الطوسي ( ص 120 ).
3- رجال الطوسي ( ص 120 ).

كتاب (1).

153 - الربيع العبسي :

الكوفي من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (2).

154 - ربيع بن سعد :

الجعفي مولاهم الكوفي ، خزاز روى عن الامام الباقر ، وروى عنه حفيده أحمد بن النضر الخزاز (3).

155 - ربيعة بن أبي عبد الرحمن :

المعروف بربيعة الرأي المدني ، الفقيه ، العامي ، من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (4) وروى الكشي عن زرارة قال : جئت إلى حلقة بالمدينة فيها عبد اللّه بن محمد ، وربيعة الرأي ، فقال عبد اللّه : يا زرارة سل ربيعة عن شيء مما اختلفتم فيه ، فقلت : إن الكلام يورث الضغائن ، فقال لي : ربيعة الرأي سل يا زرارة ، قلت : بم كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله)

ص: 258


1- النجاشي.
2- معجم رجال الحديث 7 / 170.
3- معجم رجال الحديث 7 / 173 ، القسم الثاني من الخلاصة.
4- رجال الطوسي.

يضرب في الخمر؟ قال : بالجريد والنعل فقلت : لو أن رجلا أخذ اليوم شارب خمر وقدمه إلى الحاكم ما كان عليه؟ قال : يضربه بالسوط ، فقال عبد اللّه بن محمد : يا سبحان اللّه!! يضرب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) بالجريد ، ويضرب عمر بالسوط ، نترك ما فعل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ونأخذ ما فعل عمر!!

156 - ربيعة بن ناجذ :

ابن كثير أبو صادق الكوفي روى عن الإمام الباقر (عليه السلام) وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وكان من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (1).

157 - رزي الابزاري :

من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول الحال (2).

158 - رزين الانماطي

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول الحال (3).

ص: 259


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي ، القسم الثاني من رجال ابن داود.
3- رجال الطوسي.
159 - رشد بن سعد

المصري ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وعده البرقي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وقال : إنه عربي (1).

160 - رفيد مولى بني هبيرة

من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وممن روى عنه ، وعن الامام الصادق (عليه السلام) (2) وقد انهزم من مولاه لما أراد قتله فالتجأ الى الإمام الصادق فكتب الإمام (عليه السلام) رسالة إلى مولاه يستشفع به وقال (عليه السلام) لرفيد اذهب برسالتي إلى مولاك وقل له إن جعفر بن محمد يقول لك قد آمنت رفيدا فلا تؤذه فحمل إليه الرسالة فاستجاب له وعفا عنه.

161 - رقبة بن مصقلة

من المفتيين في العراق وقد روي أنه دخل على أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن أشياء ، فقال له الإمام : إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق فقال : نعم ، فقال (عليه السلام) : ممن أنت؟ فقال : ابن عم لصعصعة ، فقال (عليه السلام) : مرحبا بك يا بن عم صعصعة ، فقال له : ما تقول في المسح

ص: 260


1- معجم رجال الحديث 7 / 190.
2- معجم رجال الحديث 7 / 200.

على الخفين ، فقال : كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ، ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر ، وخرج من عند الإمام ، فلما كان على عتبة الباب أمره الإمام بالمجيء إليه ، فأقبل عليه ، فقال (عليه السلام) : إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون ، وكان أبى لا يقول برأيه (1).

( ز )

162 - زائدة بن قدامة

من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وقد روى عن الإمام علي بن الحسين [عليهماالسلام] وروى عنه ابنه قدامة (2).

163 - زحر بن عبد اللّه

الأسدي ثقة روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) والإمام أبي عبد اللّه علیه السلام وله كتاب (3).

164 - زرارة بن أعين
اشارة

ص: 261


1- معجم رجال الحديث 7 / 202.
2- معجم رجال الحديث 7 / 215.
3- النجاشي.

فذ من أفذاذ الإسلام وعلم من أعلام الدين ، ومن كبار الفقهاء والعلماء ، ونتحدث - بإيجاز - عن بعض مظاهر شخصيته العظيمة.

نسبه :

كان زرارة روميا فأبوه أعين بن سنسن عبد رومي لرجل من بني شيبان ، تعلم القرآن ، ثم اعتقه ، فعرض عليه أن يدخل في نسبه ، فأبى أعين أن يفعل ، وقال : اقرني على ولائي ، وكان سنسن جد زرارة راهبا في بلد الروم.

أما زرارة فاسمه عبد ربه ، وزرارة لقب له ، ويكنى أبا الحسن (1).

منزلته العلمية :

وكان زرارة من أشهر علماء المسلمين فضلا وتقوى وحريجة في الدين ، وكان فيما أجمع عليه المؤرخون يملك طاقات هائلة من الفقه لا يملكها أحد من فقهاء عصره ، وهو أحد المؤسسين لفقه أهل البيت [عليهم السلام] فرواياته تحتل الصدارة عند الفقهاء ، وتتميز على غيرها ، وإليها يرجعون في استنباطهم للحكم الشرعي ، ولم تقتصر رواياته على باب واحد من أبواب الفقه وإنما شملت جميع بحوثه من العبادات والمعاملات ، وغيرهما.

ص: 262


1- رجال الطوسي.
روايته عن الإمام الباقر :

وكان زرارة من أبرز تلاميذ الإمام أبي جعفر ، وقد روى عنه ألفا ومائتين وستة وثلاثين موردا ، كما إن روايته عن الامام الصادق (عليه السلام) تبلغ أربعمائة وتسعة وأربعين موردا (1).

من روى عنه :

وروى عنه جمهرة كبيرة من العلماء والفقهاء كان منهم أبو أيوب ، وأبو بصير ، وأبو جميلة ، وأبو زياد النهدي ، وأبو السفاتج وأبو عينية وغيرهم (2).

الإشادة بمواهبه :
اشارة

وكانت مواهب زرارة مما تدعو إلى الاعتزاز والفخر بها ، وقد أشاد بها جمهور من رجال الفكر والعلم كان من بينهم من يلي :

1 - جميل بن دراج

وأشاد جميل بن دراج بمواهب زرارة وعبقرياته ، فقد قيل له : ما أحسن محضرك وازين مجلسك؟ فقال :

ص: 263


1- معجم رجال الحديث 7 / 249.
2- معجم رجال الحديث 7 / 225.

« أي واللّه ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم .. » (1).

وكان جميل من العلماء البارزين ، وأحد الفقهاء المعدودين ، وهو - حسب اعترافه - يعد نفسه أمام زرارة لا شيء ، وإنه أمامه بمنزلة الصبي أمام المعلم.

2 - النجاشي :

قال النجاشي : « زرارة بن أعين بن سنسن مولى لبني عبد اللّه ... شيخ أصحابنا في زمانه ، ومتقدمهم ، وكان قاريا ، فقيها ، متكلما ، شاعرا ، أديبا ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، صادق فيما يرويه .. » (2).

3 - الكشي :

قال الكشي : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام) وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأولين ستة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا : أفقه الستة زرارة (3).

ص: 264


1- معجم رجال الحديث 7 /
2- النجاشي.
3- الكشي.
4 - ابن النديم :

قال ابن النديم : « زرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ، ومعرفة بالكلام والتشيع » (1).

وكشفت هذه الكلمات عما يتمتع به زرارة من القدرات العلمية التي جعلته في القمة من رجال العلم والفكر في الاسلام.

الامام الصادق وزرارة

كان الإمام الصادق (عليه السلام) يبجل زرارة ، ويكبره ، ويعتز به ، لأنه من كبار العلماء ، والفقهاء الذين تتلمذوا على أبيه ، وحافظوا على ثرواته الفكرية والعلمية ، وقد أثرت عنه مجموعة من الأخبار تشيد بفضل زرارة ، وهذه بعضها :

1 - روى الفضل بن عبد الملك قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : « أحب الناس إلي أحياء ، وأمواتا أربعة : بريد بن معاوية العجلي ، وزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والأحول. » (2).

ودلت هذه الرواية على مدى ما يحمله الامام (عليه السلام) من حب عميق لهؤلاء الأعلام الذين رفعوا راية الاسلام ، وأضاءوا حياة المسلمين بعلومهم وآدابهم.

ص: 265


1- فهرست ابن النديم.
2- الكشي.

2 - روى جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : « بشر المخبتين في الجنة ، بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء اللّه على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست » (1).

لقد كان لهؤلاء المجاهدين الفضل العظيم على الاسلام والمسلمين بما حفظوه من أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي تمثل هدي الاسلام وواقعه.

3 - روى داود بن سرحان عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال : « إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، أعني زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ومنهم ليث المرادي ، وبريد العجلي ، هؤلاء القوامون بالقسط ، القوالون بالصدق ، وهؤلاء السابقون أولئك المقربون » (2).

لقد كان هؤلاء الأصفياء في حياتهم زينة لأهل البيت (عليهم السلام) وذلك لما لهم من السيرة الحسنة والسلوك الطيب ، فكانوا قدوة حسنة لمن أراد الاهتداء بهم ، وأما بعد مماتهم فكانوا زينة لأهل البيت (عليهم السلام) وذلك لما تركوه من الآثار العلمية التي هي من مواضع الاعتزاز والفخر.

4 - روى سليمان بن خالد الأقطع قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : « ما أجد أحدا أحيي ذكرنا ، وأحاديث أبي إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين ، وأمناء أبي على حلال اللّه وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا

ص: 266


1- الكشي ..
2- الكشي.

في الآخرة » (1).

إن هؤلاء الفقهاء كانوا حفاظ الدين ، والأمناء والأوفياء على حلال لله وحرامه ، ولولاهم لاندرست آثار النبوة والامامة ، فهم الذين حفظوا أحاديث الأئمة ودونوها ، فما أعظم عائدتهم على الاسلام.

5 - روى جميل بن دراج قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال. لي : لقيت الرجل الخارج من عندي؟ قلت : بلى هو رجل من أصحابنا من أهل الكوفة ، قال (عليه السلام) : لا قدس اللّه روحه ولا قدس مثله ، إنه ذكر أقواما كان أبي ائتمنهم على حلال اللّه وحرامه ، وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم مستودع سري ، أصحاب أبي حقا ، إذا أراد اللّه بأهل الأرض سوء صرف بهم عنهم السوء ، هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا ، يحيون ذكر أبي ، بهم يكشف اللّه كل بدعة ، ينفون عن هذا الدين انتحال المبعللين ، وتأول الغالين.

ثم بكى الامام (عليه السلام) وبهر جميل بن دراج وراح يقول :

« من هم؟ »

قال (عليه السلام) : « من عليهم صلوات اللّه ورحمته أحياء وأمواتا ، بريد العجلي ، وزرارة ، وأبو بصير ، ومحمد بن مسلم ، أما إنه يا جميل سيتبين لك أمر هذا الرجل - وهو الذي انتقص زرارة - ينسب إلى أصحاب أبي الخطاب » (2).

وكشف هذا الحديث عن مدى أهمية زرارة وأصحابه العلماء الذين كانوا مستودع أسرار الامامة ، وأمناء الامام أبي جعفر على حلال اللّه

ص: 267


1- الكشي.
2- الكشي.

وحرامه ، وانهم قادة الأمة إلى ما يقربها إلى اللّه زلفى.

6 - قال الامام أبو عبد اللّه (عليه السلام) : « رحم اللّه زرارة بن أعين ، لو لا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي » (1).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي أشادت بفضل زرارة ، وبينت منزلته ومكانته عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وإنه قائم في قلوبهم ومشاعرهم يكنون له أعظم الود والاخلاص.

أخبار قادحة :

ووردت بعض الأخبار وهي تطعن بشخصية زرارة ، ولكن الشيء المحقق إن قسما منها من الموضوعات ، والقسم الآخر قد صدر من الامام لكن لا بدافع القدح والحط من شخصية زرارة ، وإنما جاءت للحفاظ عليه من السلطة الأموية ، وفيما يلي ذلك :

1 - ما رواه الذهبي بسنده عن أبي السماك قال : حججت فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية فقال : إن لي إليك حاجة عظيمة ، فقلت : ما هي؟ فقال : إذا لقيت جعفر بن محمد فاقرئه مني السلام ، وسله أن يخبرني أنا من أهل النار أم من أهل الجنة؟ فأنكرت ذلك عليه ، فقال لي : إنه يعلم ذلك ، ولم يزل بي حتى أجبته ، فلما لقيت جعفر بن محمد فأخبرته بالذي كان منه ، فقال لي : هو من أهل النار ، فوقع في نفسي مما قال جعفر ، فقلت : ومن أين علمت ذلك؟ فقال : من ادّعى علي علم هذا فهو من أهل النار ، فلما رجعت لقيت زرارة فأخبرته بأنه

ص: 268


1- الكشي.

قال لي : إنك من أهل النار ، فقال : كان لك من جراب النورة (1)؟ قلت : وما جراب النورة؟ قال : عمل معك بالتقية (2) وهذه الرواية ساقطة ، فان زرارة يخالف ابن السماك في فكرته وعقيدته فكيف يكلفه بسؤال الامام إنه من أهل النار أم من أهل الجنة؟ مضافا إلى أن زرارة من أعلام الفكر والعلم في الاسلام ، فكيف يسأل عن هذه المسألة التافهة ، لأن الانسان على نفسه بصير فهو يعرف مصيره بمقتضى عمله في دار الدنيا ومدى إخلاصه وإنابته إلى اللّه تعالى.

2 - روى الكشي بسنده عن مسمع كردين بن سيار قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : « لعن اللّه بريدا ، ولعن اللّه زرارة » (3).

3 - روى الكشي بسنده عن ليث المرادي قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : « لا يموت زرارة إلا تائها » (4) وهذه الرواية كالرواية السابقة إمّا موضوعة أو إنها صدرت للحفاظ على حياة زرارة من السلطة الأموية التي لم تتحرج في سفك دماء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بغير حق ، ويدلل على هذه الجهة ما رواه عبد اللّه بن زرارة قال : قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له : إني إنما أعيبك دفاعا

ص: 269


1- جاء في مجمع البحرين في مادة ( نور ) أن قوله (عليه السلام) : أعطاك من جراب النورة لا من العين الصافية على الاستعارة والأصل فيه أنه سأل سائل محتاج من حاكم قسي القلب شيئا فعلق على رأسه جراب نورة عند فمه وأنفه كلما تنفس دخل في أنفه منها شيء ، فصار مثلا يضرب لكل مكروه من غير رضى.
2- الكشي.
3- الكشي.
4- الكشي.

مني عنك ، فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه ، وحمدنا مكانه لادخال في من نحبه ونقربه ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه نحن ، فانما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا ، وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا ، ولميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك ، يقول اللّه عز وجل : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) هذا التنزيل من عند اللّه صالحة ، لا واللّه ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ، ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مسلغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك اللّه ، فانك واللّه أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي حيا وميتا ، فانك أفضل سفن البحر ، القمقام الزاخر ، وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ، ثم يغصبها وأهلها ، ورحمة اللّه عليك حيا ، ورحمته ورضوانه عليك ميتا ... » (1).

وكشف هذا الحديث عما عانته الشيعة من الخطوب السود في تلك الأدوار المظلمة من حكم الأمويين ، فان من عرف بالانقطاع لأهل البيت (عليهم السلام) والولاء لهم تعرض لنقمة السلطان وغضبه ، وقد التجأ الأئمة الطاهرون إلى سب الأعلام من شيعتهم وانتقاصهم ليصرفوا عنهم السوء والتنكيل.

ص: 270


1- الكشي.
في ذمة الخلود :

ولم يحفل زرارة بما عاناه من المشاكل والخطوب في سبيل عقيدته ومبدئه ، فقد ظل وفيا لأئمة الهدى فدون علومهم وفقههم ، وحدث بها العلماء والفقهاء ، وقد كان عزا لأهل البيت (عليهم السلام) وذلك لما اتصف به من عظيم الفضل ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات.

ويقول المؤرخون : إنه قد ألم به المرض فبقي حفنة من الأيام يعاني آلاما مرهقة حتى وافاه الأجل المحتوم ، ومضى إلى اللّه ، وهو قرير العين بما قدمه للاسلام من خدمات يعجز عنها الوصف والاطراء ، وكانت وفاته سنة ( 150 ه ) أي قبل وفاة الامام الصادق (عليه السلام) بشهر ، وقد خسر المسلمون بموته علما من أعلام الفكر والعلم ، فتحيات من اللّه ورضوان على روحه وسلام عليه يوم ولد ويوم مات ، ويوم يبعث حيا.

165 - زكريا بن عبد اللّه :

الفياض ، أبو يحيى عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وقد روى عنه ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : « إن الناس كانوا بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) بمنزلة هارون وموسى ، ومن اتبعه ، والعجل ومن اتبعه » له كتاب يرويه عنه جماعة (1).

ص: 271


1- رجال الطوسي.
166 - زهير المدائني :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وممن روى عنه وعن الامام الصادق (عليه السلام) وروى عنه حماد بن عثمان (1).

167 - زياد الأحلام :

مولى كوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) روى عنه ، وعن الامام الصادق (عليه السلام) روى في التهذيب أن الامام الباقر (عليه السلام) رآه في مكة وقد تسلخ جلده ، فقال له : من أين أحرمت؟ قال : من الكوفة ، قال (عليه السلام) : لم؟ قال : بلغني عن بعضكم ما بعد من الاحرام فهو أعظم للأجر ، فقال (عليه السلام) : ما بلغك إلا الكذب (2)

168 - زياد الأسود :

البان لقب له - الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) روى عنه وعن الامام الصادق (عليه السلام) (3) وله حديث مع الامام الباقر ذكرناه في الجزء الأول من هذا الكتاب.

ص: 272


1- رجال الطوسي.
2- تنقيح المقال 1 / 454.
3- معجم رجال الحديث 7 / 300.
169 - زياد بن أبي الحلال :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وقال البرقي إنه كوفي ثقة ، وقال النجاشي : له كتاب (1).

170 - زياد بن أبي رجاء :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وممن روى عنه وعن الامام الصادق (عليه السلام) ، وقال النجاشي إنه كوفي ثقة (2).

171 - زياد بن أبي زياد :

المنقري التميمي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

172 - زياد بن الأسود :

النجار من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول الحال (4).

ص: 273


1- معجم رجال الحديث 7 / 302.
2- معجم رجال الحديث 7 / 303.
3- معجم رجال الحديث 7 / 304.
4- معجم رجال الحديث 7 / 306.
173 - زياد بن سوفة :

البجلي الكوفي ، مولى تابعي يكنى أبا الحسن مولى جرير بن عبد اللّه عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وكذلك عده البرقي من أصحابه (عليه السلام) وروى عن الامام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) (1).

174 - زياد بن صالح :

الهمداني الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

175 - زياد بن عيسى :

أبو عبيدة الحذّاء ، كوفي مولى ثقة ، روى عن الامام أبي جعفر وأبي عبد اللّه ، قال العقيقي العلوي : أبو عبيدة الحذّاء كان حسن المنزلة عند آل محمد (صلی اللّه عليه وآله) وكان زامل أبا جعفر إلى مكة له كتاب يرويه علي بن رئاب.

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وروى الكشي في ترجمة سالم بن أبي حفصة عن فضيل الأعور عن أبي عبيدة الحذاء قال : قلت : لأبي جعفر إن سالم بن أبي حفصة يقول لي : ما بلغك أنه

ص: 274


1- معجم رجال الحديث 7 / 308.
2- رجال الطوسي.

من مات وليس له إمام كانت ميتته ميتة جاهلية ، فأقول : بلى ، فيقول من إمامك؟ فأقول : أئمتي آل محمد (صلی اللّه عليه وآله) فيقول : واللّه ما أسمعك عرفت إماما ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : ويح سالم وما يدري ما منزلة الامام إنها أعظم وأفضل مما يذهب إليه والناس أجمعون ، وروى الكشي في ترجمته له أنه لما توفي أبو عبيدة زياد بن عيسى قال الامام أبو عبد اللّه (عليه السلام) : للأرقط انطلق بنا حتى نصلي على أبي عبيدة ، قال : فانطلقنا فلما انتهينا إلى قبره لم يزد على أن دعا له فقال : اللّهم برد على أبي عبيدة اللّهم نور له قبره اللّهم ألحقه بنبيك ، ولم يصل عليه ، فقلت : هل على الميت صلاة بعد الدفن ، قال : لا إنما هو الدعاء.

وروى ابن ادريس في باب النوادر في مستطرفات السرائر عن كتاب أبان أنه روى أن امرأة أبي عبيدة جاءت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) بعد موته ، فقالت : إنما أبكي إنه مات غريبا ، وهو غريب ، فقال (عليه السلام) : ليس هو بغريب إن أبا عبيدة منا أهل البيت (1).

176 - زياد بن عيسى :

الكوفي : بياع السابري ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

177 - زياد بن المنذر :

أبو الجارود الهمداني ، الخارفي ، الأعمى ، قال : ولدت أعمى ،

ص: 275


1- معجم رجال الحديث 7 / 212 - 314
2- رجال الطوسي.

ما رأيت الدنيا قط (1) روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه (عليه السلام) له أصل وله كتاب التفسير أخذه عن الامام الباقر (عليه السلام) وهو زيدي المذهب ، وإليه تنسب الزيدية الجارودية (2) ووردت أخبار كثيرة في ذمه فقد روى ابو أسامة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال : ما فعل أبو الجارود ، أما واللّه لا يموت إلا تائها ، وروى أبو بصير قال : ذكر أبو عبد اللّه (عليه السلام) كثير النواء وسالم بن أبي حفصة وأبا الجارود ، فقال : كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة اللّه ، قال : قلت : جعلت فداك كذابون قد عرفتهم ، فما معنى مكذبون؟ قال : كذابون يأتوننا فيخبرون أنهم يصدقوننا وليس كذلك ، ويسمعون حديثنا فيكذبون به.

وضعف الأستاذ الامام الخوئي هذه الأحاديث وبنى على وثاقة الرجل لأنه ورد في إسناد « كامل الزيارات » وقد شهد مؤلفه جعفر بن محمد ابن قولويه بوثاقة جميع رواة كتابه ، ومضافا لذلك فقد شهد الشيخ المفيد في الرسالة العددية بأنه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.

ولشهادة علي بن ابراهيم في تفسيره بوثاقة كل من وقع في إسناده روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه كثير بن عياش تفسير القمي سورة آل عمران في تفسير قوله تعالى : ( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) .

وأضاف الامام الخوئي يقول : ثم إن الشيخ الصدوق قال : حدثنا

ص: 276


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.

أبي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : دخلت على فاطمة (عليهاالسلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم عجل اللّه تعالى فرجه ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي علیهم السلام (1).

178 - زياد مولى أبي جعفر :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

179 - زياد الهاشمي :

مولاهم ، كوفي من أصحاب الامام الباقر (3).

180 - زيد الأجرى :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (4).

ص: 277


1- معجم رجال الحديث 7 / 322 - 326.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
181 - زيد بن سليط :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (1)

182 - زيد الشحام :

أبو أسامة الأزدي الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر والصادق (عليه السلام) وقال في « الفهرست » له كتاب ، وقال الشيخ المفيد : إنه من فقهاء أصحاب الصادقين (عليهماالسلام) الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا وأحكام الدين ، ولا مطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم.

وروى زيد قال : إني لأطوف حول الكعبة ، وكفي في كف أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، فقال (عليه السلام) لي ودمعه تجري على خديه ، ما رأيت ما صنع ربي إلي؟ ثم بكى ودعا ، وقال لي : يا شحام إني طلبت من إلهي في ساير ، وعبد السلام بن عبد الرحمن ، وكانا في السجن فوهبهما لي ، وخلى سبيلهما ، وتكشف هذه الرواية عن وثاقته وعظيم شأنه ، ووردت أخبار أخرى في وثاقته واتصاله بالأئمة (عليهم السلام) (2).

ص: 278


1- تنقيح المقال 1 / 465.
2- تنقيح المقال 1 / 465 - 466.
183 - زيد بن قدامة :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

( س )

184 - سالم بن أبي حفصة :

مولى بن عجل الكوفي ، روى عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) ومحمد الباقر وجعفر الصادق (عليه السلام) يكنى أبا الحسن ، وأبا يونس ، له كتاب (2) وروى فيه الكشي روايات تدل على ضعفه ، وانحرافه عن الحق ، فقد روى عن زرارة أنه قال : لقيت سالم بن أبي حفصة ، فقال لي : ويحك يا زرارة إن أبا جعفر قال لي : أخبرني عن النخل عندكم بالعراق ينبت قائما ، أو معترضا؟ قال : فاخبرته أنه ينبت قائما ، قال : فأخبرني تمركم هو حلو؟ وسألني عن حمل النخل كيف تحمل؟ فأخبرته ، وسألني عن السفن تسير في الماء أو في البر؟ قال : فوصفت له أنها تسير في البحر ، ويمدونها الرجال بصدورهم ، فأتم بامام لا يعرف هذا؟ قال : فدخلت الطواف وأنا مفتم لما سمعت هذا منه فلقيت أبا جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال لي : فلما جاوزنا الحجر الأسود قال : إله

ص: 279


1- رجال الطوسي [ ص 342 ].
2- النجاشي.

عن ذكره فانه واللّه لا يئول إلى خير أبدا (1).

وقال زيد بن علي (عليه السلام) : لسالم وأصحابه أتتبرءون من فاطمة؟ بترتم أمرنا بتركم اللّه (2) واختفى سالم أيام الحكم الأموي ، وظل قابعا في منزله فلما بويع لأبي العباس السفاح خرج من الكوفة محرما ، وهو يلبي « لبيك قاصم بني أمية لبيك » وظل يلبي بذلك حتى أناخ راحلته توفي سنة [ 138 ه ] في حياة الامام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) (3).

185 - سالم الأشل :

بياع المصاحف من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ (4)

186 - سالم الجعفر :

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (5).

187 - سدير بن حكيم :

ابن مهيب الصيرفي ، يكنى أبا الفضل من أصحاب الامام السجاد (عليه السلام)

ص: 280


1- معجم رجال الحديث 8 / 18.
2- تنقيح المقال 2 / 3.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي [ ص 124 ].
5- رجال الطوسي [ ص 124 ].

والامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (1) وهو الذي دعا له الامام الصادق (عليه السلام) ان ينقذه اللّه من السجن فاستجاب اللّه دعاه الامام ، وفرج عنه وروى الصدوق بسنده الصحيح عن حنان بن سدير عن ابيه قال : قال : دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حماما في المدينة ، وإذا رجل في بيت المسلخ ، فقال لنا : ممن القوم؟ فقلنا : من اهل العراق ، فقال اي العراق؟ فقلنا : الكوفة ، فقال : مرحبا بكم يا اهل الكوفة واهلا ، انتم الشعار دون الدثار ، ثم قال : وما يمنعكم من الأزار؟ فان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام ... فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل في المسلخ فاذا هو علي بن الحسين ، ومعه ابنه محمد بن علي (2) ووردت اخبار في قدحه الا انها ضعيفة السند فلا يلتفت إليها وقد ورد في إسناد كامل الزيارات فقد روى عنه ، عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) في ثواب من زار الحسين (عليه السلام) فهو ثقة حسب ما يرى سيدنا الأستاذ الخوئي.

188 - سديف المكى

ابن اسماعيل المكي مولى بني هاشم ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وروى الشيخ المفيد باسناده عن حنان بن سدير عن سديف المكي قال : حدثني محمد بن علي علیه السلام ، وما رأيت محمديا قط

ص: 281


1- تنقيح المقال 1 / 8.
2- معجم رجال الحديث 8 / 27.
3- رجال الطوسي « ص 124 ».

يعد له ، قال : حدثني جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : نادى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) في المهاجرين والأنصار فحضروا بالسلاح ، فصعد (صلی اللّه عليه وآله) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : يا معشر المسلمين من أبغضنا أهل البيت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا (1).

كان سديف من عظماء الشيعة ، ومن أصلب المدافعين عن أهل البيت (عليهم السلام) وكان شاعرا ملهما ، من كبار شعراء عصره ، وقد نظم الكثير من شعره في مدح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهجاء خصومهم الأمويين وقد تعرض لنقمتهم وسخطهم مما اضطره إلى الاختفاء عنهم ، ولما تم الانقلاب على الحكم الأموي ، وتشكلت الحكومة العباسية برئاسة السفاح ، خف سديف إلى الكوفة لمقابلته ولما انتهى إلى البلاط العباسي طلب منه حاجب السفاح أن يعرفه باسمه ليأذن له بالدخول فأبى ، ومضى الحاجب إلى السفاح فقال له :

« يا أمير المؤمنين رجل حجازي أسود ، راكب على نجيب متلثم يستأذن ، ولا يخبر باسمه ، ويحلف أن لا يحسر اللثام عن وجهه حتى يراك!! ».

فعرفه السفاح ، فقال لحاجبه : هذا مولاي سديف فليدخل ، ودخل سديف فرأى بني أمية قد جلسوا على النمارق والكراسي ، وكانوا قد جاءوا لطلب الأمان من السفاح ، وتميز سديف غضبا وغيظا حينما رآهم فاندفع يخاطب السفاح بحرارة قائلا :

أصبح الملك ثابت الأساس *** بالبهاليل من بني العباس

بالصدور المقدمين قديما *** والرءوس القماقم الرواس

ص: 282


1- أمالي الشيخ المفيد.

يا أمير المطهرين من الذم ويا *** رأس منتهى كل رأس

أنت مهدي هاشم وهداها *** كم أناس رجوك بعد إياس

لا تقيلن عبد شمس عثارا *** واقطعن كل رقلة وغراس

انزلوها بحيث أنزلها اللّه *** بدار الهوان والأتعاس

خوفهم أظهر التودد منهم *** وبهم منكم كحر المواس

واذكروا مصرع الحسين وزيدا *** وقتيلا بجانب المهراس

والامام الذي بحران أمسى *** رهن قبر ذي غربة وتناس

وألهبت هذه الأبيات مشاعر السفاح وعواطفه ، وتغير حاله ، وبدت الانفعالات على سحنات وجهه ، وأحس بالخطر بعض الأمويين ، فاندفع بذعر قائلا « قتلنا واللّه العبد » وأمر السفاح الخراسانيين أن يضربوهم بالدبابيس ، فضربوهم ضربا قاسيا ، فسقطوا على وجوههم صرعى ، وأمر السفاح أن يمد عليهم خوان الطعام ، ففعل غلمانه ذلك وجلس السفاح مع حاشيته يتناولون الطعام ، وهم يسمعون أنينهم حتى هلكوا عن آخرهم والسفاح مسرور ، والتفت إلى حاشيته فقال لهم :

« ما أكلت في عمري أكلة أهنا من هذ الأكلة »

ورفع عنهم ما بقى من الطعام ، وقد هلكوا عن أخرهم ، وسحبت جثثهم فرميت بالطرق فأكلت الكلاب أكثرها (1) وأطل عليهم سديف وهو مثلوج القلب ، قد استوفى ثأره منهم ، وراح يقول :

طمعت أمية أن سيرضى هاشم *** عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلا ورب محمد وإلهه *** حتى يبيد كفورها وخئونها(2)

ص: 283


1- مختصر أخبار الخلفاء [ ص 10 ].
2- العقد الفريد 3 / 207.

وكان سديف يحث السفاح على استئصال الأمويين وقتلهم فقد دخل عليه وكان عنده سليمان بن هشام بن عبد الملك ، فثار سديف وخاطب السفاح :

لا يغرنك ما ترى من رجال *** إن تحت الضلوع داء دويا

فضع السيف وارفع السوط حتى *** لا ترى فوق ظهرها أمويا

وصاح هشام : قتلتني يا شيخ ، وأمر به السفاح فضربت عنقه (1) وواصل سديف جهاده ضد الأمويين لأنهم أبادوا عترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وانتهكوا حرمة الرسول [ص] في أبنائه ، ولما وقف الجلاد المنصور الدوانيقي ضد العلويين ، وأباد أعلامهم أعلن سديف العداء له ، وهجاه ، وعامله معاملة الأمويين ، وأوعز المنصور إلى شرطته بقتله ، فقتل ، فمضى إلى اللّه شهيدا منافحا عن آل النبي [ص] ومدافعا عنهم.

189 - سعد بن أبي عمرو :

الجلاب الكوفي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (2) روى عنه أحمد بن أبي داود فيمن بكى على الامام الحسين (عليه السلام) (3).

ص: 284


1- تأريخ ابن الأثير 4 / 332.
2- رجال الطوسي [ ص 124 ].
3- كامل الزيارات الباب 26.
190 - سعد الحداد :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (1).

191 - سعد بن الحسن :

الكندي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (2).

192 - سعد بن طريف :

الحنظلي الاسكاف مولى بني تميم كوفي ، قال النجاشي : روى عن الأصبغ ابن نباتة ، وروى عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه وكان قاضيا ، له كتاب رسالة أبي جعفر إليه (3) وهو الذي قال للامام أبي جعفر (عليه السلام) : إني أجلس فأقص ، وأذكر حقكم ، وفضلكم ، قال (عليه السلام) : وددت أن على كل ثلاثين ذراعا قاصا مثلك (4) وقد روى عنه أيوب بن عبد الرحمن

ص: 285


1- رجال الطوسي [ ص 124 ].
2- رجال الطوسي [ ص 124 ].
3- النجاشي.
4- معجم رجال الحديث 8 / 70.

وزيد بن الحسن ، وعباد وغيرهم (1).

193 - سعد بن عبد الملك :

الأموي : كان الامام الباقر (عليه السلام) يسميه سعد الخير ، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ، دخل على الامام أبي جعفر (عليه السلام) وهو يبكي بكاء عاليا ، فقال له الامام (عليه السلام) : ما يبكيك يا سعد؟ قال : وكيف لا أبكي ، وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن ، فقال (عليه السلام) له : لست منهم أنت أموي منا أهل البيت ، أما سمعت قول اللّه عز وجل يحكي عن ابراهيم « فمن تبعني فانه مني » (2).

194 - سكين الجعدي :

ذكره البرق في أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

195 - سكين المعدني :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ في رجاله (4).

ص: 286


1- معجم رجال الحديث 8 / 70.
2- معجم رجال الحديث 8 / 70.
3- رجال البرقي.
4- رجال الطوسي [ ص 124 ].
196 - سلام بن أبي عمرة :

الخراساني ، قال النجاشي : إنه ثقة روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) سكن الكوفة له كتاب يرويه عنه عبد اللّه بن جبلة (1).

197 - سلام بن سعد :

الأنصاري من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسبما ذكره الشيخ (2).

198 - سلام بن المستنير :

الجعفي ، الكوفي ، عده الشيخ تارة من أصحاب الامام زين العابدين (عليه السلام) وأخرى من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما عده من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وعده البرقي من أصحاب الامام السجاد (عليه السلام) والامام الباقر (عليه السلام) روى عن الامام أبي جعفر ، وروى عنه أبو جعفر الأحول (3).

ص: 287


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي [124].
3- معجم رجال الحديث 8 / 175.
199 - سلام الجعفي :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وكذلك عده البرقي ، وقد روى عن عبد اللّه بن محمد الصنعاني عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) إن الحسين تقتله أمته من بعده (2).

200 - سلام المكي :

عده البرقي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه (3).

201 - سلم بن بشر :

من أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ (4).

202 - سلمان بن خالد :

طلحي ، قمي ، كان شاعرا ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (5).

ص: 288


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 8 / 176.
3- رجال البرقي.
4- رجال الطوسي [ ص 124 ].
5- معجم رجال الحديث 8 / 182 ، تنقيح المقال 2 / 45.
203 - سلمان الكناني :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه أبو خالد القماط (1).

204 - سلمة بن الاهتم :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (2).

205 - سليمان بن خالد :

أبو الربيع ، الهلالي ، البجلي ، الأقطع ، خرج مع الشهيد العظيم زيد بن علي فقطعت يده معه ، وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه (3) ، قال الشيخ المفيد : سليمان بن خالد من شيوخ أصحاب الامام أبي عبد اللّه ، وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، وقال النجاشي : كان قارئا ، فقيها وجها ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر (عليه السلام) ... توفي في حياة الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) فتوجع لفقده ، ودعا

ص: 289


1- معجم رجال الحديث 8 / 201.
2- رجال الطوسي [ ص 124 ].
3- النجاشي ، وقيل قطع اصبعه لا يده.

لولده ، وأوصى بهم أصحابه ، ولسليمان كتاب رواه عنه عبد اللّه بن مسكان (1) وهو أحد الذين رووا النص من الامام أبي جعفر (عليه السلام) على إمامة ولده أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) (2) وله أحاديث كثيرة تتعلق في الامامة رواها الكشي.

206 - سلمة بن محرز :

القلانسي الكوفي ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) وروى عنه جميل بن دراج : وابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) النص على الامام الكاظم (عليه السلام) واعتبر بعضهم ذلك توثيقا له (3).

207 - سليمان مولى طربال :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وقال النجاشي : سليمان مولى طربال (5) روى عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ذكره ابن نوح له نوادر عنه (عليه السلام) روى عنه عباد بن يعقوب الأسدي (6).

ص: 290


1- النجاشي.
2- الارشاد.
3- تنقيح المقال 2 / 51.
4- رجال الطوسي.
5- في معجم رجال الحديث 8 / 282 سليمان بن مولى طربال.
6- النجاشي.
208 - سليمان بن هارون :

العجلي ، الأزدي ، النخعي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

209 - سنان بن سنان :

أبو عبد اللّه ، مولى قريش ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3) وقد وفد مع ابنه عبد اللّه على الامام الصادق (عليه السلام) فقال (عليه السلام) لعبد اللّه : الزم أباك ، فان أباك لا يزداد على الكبر إلا خيرا (4).

210 - سورة بن كليب :

ابن معاوية الأسدي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (5) وقد قال له زيد الشهيد : يا سورة كيف علمتم أن صاحبكم

ص: 291


1- رجال الطوسي ، وعده البرقي من أصحاب الباقر والصادق (عليه السلام).
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي ، رجال البرقي.
4- معجم رجال الحديث 8 / 311.
5- رجال الطوسي ، رجال البرقي.

- يعني الامام الصادق - على ما تذكرونه؟ قال : قلت : على الخبير سقطت ، قال : هات ، فقلت له : كنا نأتي أخاك محمد بن علي نسأله : فيقول : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : وقال اللّه عز وجل : في كتابه ، حتى مضى أخوك فأتيناكم ، وأنت فيمن أتينا فتخبرونا ببعض ، ولا تخبرونا بكل الذي نسألكم عنه ، حتى أتينا ابن أخيك جعفر ، فقال لنا : كما قال أبوه ، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) : وقال تعالى : فتبسم زيد ، وقال : أما واللّه إن قلت بذا فان كتب علي صلوات اللّه عليه عنده (1) ودلت هذه الرواية على حسن عقيدته وايمانه.

( ش )

211 - شجرة بن ميمون :

ابن أبي أراكة النبال ، ثقة روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه (عليه السلام) (2).

212 - شريس الوابشي :

كوفي ، روى عن الامام الباقر والامام الصادق (عليه السلام) وروى عن جابر

ص: 292


1- معجم رجال الحديث 8 / 323.
2- النجاشي ، رجال الطوسي.

وروى عنه محمد بن الفضيل (1).

213 - شعيب بن بكر :

ابن عبد اللّه بن سعد الأشعري القمي ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق علیه السلام (2).

214 - شعيب الحداد :

ذكره البرقي في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو شعيب بن أعين الحداد (3).

215 - شهاب بن عبد ربه

قال النجاشي : شهاب بن عبد ربه بن أبي ميمونة مولى بني نصر ابن قعين من بني أسد روى عن أبي عبد اللّه ، وعن أبي جعفر (عليه السلام) وكان موسرا ذا حال ، ذكر ابن بطة أن له كتابا حدثه به الصفاء عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عنه (4) وروى الكشي بسنده عنه

ص: 293


1- معجم رجال الحديث 9 / 20.
2- معجم رجال الحديث 9 / 33.
3- رجال البرقي.
4- النجاشي.

أن الامام الصادق (عليه السلام) قال له : كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟ قال : فاني يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان إذ ألقى إلي كتابا ، وقال : عظم اللّه أجرك في جعفر بن محمد ، فذكرت الكلام فخنقتني العبرة (1) وروى الكشي روايات قادحة فيه إلا أنها ضعيفة السند حسبما ذكر ذلك سيدنا الأستاذ (2).

216 - شهر بن حوشب :

روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه أبو حمزة في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) وروى عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام) (3).

(صلی اللّه عليه وآله)

217 - صالح بن سهل :

الهمداني عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) قال ابن الغضائري : صالح بن سهل الهمداني كوفي غال ، كذاب : وضاع

ص: 294


1- الكشي.
2- معجم رجال الحديث 9 / 46.
3- معجم رجال الحديث 9 / 49.
4- رجال الطوسي ( ص 127 ).

للحديث ، روى عن أبي عبد اللّه لا خير فيه ، ولا في سائر ما رواه ، وروى عنه الكشي قال : كنت أقول في أبي عبد اللّه (عليه السلام) بالربوبية فدخلت عليه ، فلما نظر إلى قال : يا صالح إنا واللّه عبيد مخلوقون لنا ربّ نعبده وان لم نعبده عذبنا (1) وقد بنى سيدنا الاستاذ على توثيقه ، ولم يعن بتضعيف ابن الغضائري له (2).

218 - صالح بن عقبة :

ابن خالد الأسدي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وقال النجاشي : له كتاب (4).

219 - صالح بن ميثم :

الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (5) وقد قال له الامام الباقر (عليه السلام) : إني أحبك ، وأحب أباك حبا شديدا (6) روى عن الامام أبي جعفر طائفة من الأحكام (7).

ص: 295


1- الكشي.
2- معجم رجال الحديث 9 / 76.
3- رجال الطوسي.
4- النجاشي.
5- رجال الطوسي.
6- الخلاصة للعلامة.
7- معجم رجال الحديث 9 / 89.
220 - صامت بياع الهروى :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وكذلك ذكره البرقي من أصحاب الامام.

221 - صباح بن يحيى :

المزني ، كوفي ، ثقة ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه (عليه السلام) له كتاب يرويه جماعة منهم أحمد بن النضر (2).

222 - الصلت بن الحجاج :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (3).

( ض )

223 - ضريس بن عبد الملك :

روى عن الامام علي بن الحسين ، وأبي جعفر ، وأبي عبد اللّه علیهم السلام ، وروى عنه أبو جميلة ، وأبو خالد القماط ، وابن بكير ، وابن

ص: 296


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.

رئاب ، وابن مسكان ، وجعفر بن بشير وسيابة وغيرهم (1).

224 - ضريس بياع الغزل :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

225 - ضريس الكناني :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه علي بن رئاب (3).

ط

226 - طاهر مولى أبي جعفر :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره الشيخ والبرقي (4).

227 - طربال بن رجاء :

روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه علي بن رئاب ، وخطاب أبو

ص: 297


1- معجم رجال الحديث 9 / 152.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 9 / 157.
4- رجال الطوسي والبرقي.

محمد الهمداني (1).

ظ

228 - ظريف بن ناصح

بياع الأكفان ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وقال النجاشي : إن أصله كوفي نشأ ببغداد ، كان ثقة في حديثه صدوقا ، له كتب منها كتاب الآيات (3).

ع

229 - عاصم بن عمر :

البجلي ، روى زرارة قال : كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر (عليه السلام) وهو محتب مستقبل الكعبة ، فقال (عليه السلام) أما أن النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر : إن كعب الأحبار كان يقول : إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : فما تقول فيما قال كعب؟ فقال : صدق ، القول ما قال

ص: 298


1- معجم رجال الحديث 9 / 165.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.

كعب ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) كذبت ، وكذب كعب الأحبار معك ، وغضب ، قال زرارة : ما رأيته استقبل أحدا بقول : كذبت غيره (1).

230 - عامر بن أبي الأحوص :

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسبما ذكره الشيخ (2).

231 - عباد البصري :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه نعيم بن ابراهيم ، كما روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنه عبد الرحمن بن الحجاج (3).

232 - عباد بن جريح :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) نسبه ابن داود في القسم الثاني إلى رجال الشيخ إلا إن النسخ بأجمعها خالية عن ذكره ، ونسب إلى النجاشي عند ذكره جماعة من العامة في آخر الكتاب ، وهذا أيضا لم يوجد في كتاب النجاشي (4).

ص: 299


1- معجم رجال الحديث 9 / 191.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 9 / 217.
4- معجم رجال الحديث 9 / 218 - 219.
233 - عباد بن صهيب :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) قائلا : عباد بن صهيب بصري عامي (1).

234 - عبد الجبار بن أعين :

الشيباني ، أخو الفقيه العظيم زرارة بن أعين ، وحمران من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسب ما نص عليه الشيخ (2).

235 - عبد الحميد بن أبي جعفر :

الفراء ، الفزاري ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه القاسم ابن سليمان (3).

236 - عبد الحميد بن أبي الديلم :

روى عن الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق علیه السلام (4).

ص: 300


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
237 - عبد الحميد بن عواض :

الطائي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما عده من أصحاب الامام الصادق والامام الكاظم (عليه السلام) (1).

238 - عبد الحميد الواسطي :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (2).

239 - عبد الخالق بن عبد ربه :

روى عن الامامين الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (3).

240 - عبد الخالق بن عواض :

روى عن الامام الباقر والامام الصادق علیهماالسلام حسبما

ص: 301


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.

ذكره الشيخ (1).

241 - عبد الرحمن

المكنى بأبي خيثمة ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

242 - عبد الرحمن بن أعين :

الشيباني ، أخو العالم الكبير زرارة بن أعين ، روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) وهو قليل الحديث ، له كتاب ، حسبما ذكره النجاشي (3).

243 - عبد الرحمن بن زرعة :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وكذلك عده البرقي ، وهو مجهول (4).

ص: 302


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي ، ورجال البرقي.
244 - عبد الرحمن بن سالم :

الأشل الكوفي ، العطار ، بياع المصاحف (1) روى عن الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) (2).

245 - عبد الرحمن بن سليمان :

الأنصاري من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

246 - عبد الرحمن بن عجلان :

روى عن عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ابن مسكان (4).

247 - عبد الرحيم :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ابن مسكان (5).

ص: 303


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 9 / 343.
4- معجم رجال الحديث 9 / 351.
5- معجم رجال الحديث 10 / 9.
248 - عبد الرحيم بن روح :

القصير الأسدي ، كوفي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (1).

249 - عبد الرحيم بن سليم :

الأنصاري من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما ذكره البرقي (2).

250 - عبد السلام بن كثير :

الكوفي روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام حسبما ذكره الشيخ (3).

251 - عبد العزيز :

روى عن الامام أبي جعفر والامام أبي عبد اللّه علیهماالسلام ، (4)

ص: 304


1- رجال الشيخ.
2- رجال البرقي.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 10 / 30.
252 - عبد الغفار بن القاسم :

ابن قيس ، بن قيس ، بن فهد ، أبو مريم الأنصاري ، روى عن الامام أبي جعفر والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ثقة له كتاب ، يرويه عدة من أصحابنا (1).

253 - عبد الكريم بن أبي يعفور :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه أخوه عبد اللّه بن أبي يعفور (2).

254 - عبد الكريم بن مهران :

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسبما نص عليه الشيخ (3).

255 - عبد اللّه بن بكير :

الهجري ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (عليه السلام) روى عن

ص: 305


1- النجاشي.
2- معجم رجال الحديث 10 / 65.
3- رجال الطوسي.

معلى بن خنيس ، وروى عنه علي بن الحكم (1).

256 - عبد اللّه بن الجارود :

كوفي ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنه ربعي (3).

257 - عبد اللّه بن جريح :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو من العامة (4).

258 - عبد اللّه بن الحسن :

ابن الامام الحسن ، بن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) شيخ الطالبيين عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (5).

ص: 306


1- معجم رجال الحديث 10 / 135.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 10 / 136.
4- معجم رجال الحديث 10 / 141.
5- رجال الطوسي.
259 - عبد اللّه بن ذبيان :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه حنان ابن سدير (1).

260 - عبد اللّه بن زرعة :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول حسبما ذكره الشيخ (2).

261 - عبد اللّه بن سليمان :

الصيرفي ، روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) وعن أبيه ، وحمران بن أعين ، وعبد اللّه بن أبي جعفر ، وروى عنه جماعة من الرواة (3).

262 - عبد اللّه بن سليمان :

الكوفي ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ربيع بن محمد ،

ص: 307


1- معجم رجال الحديث 10 / 192.
2- رجال الشيخ.
3- معجم رجال الحديث 10 / 207.

وروى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) (1).

263 - عبد اللّه بن شريك :

العامري ، روى عن الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) وكان يكنى أبا المحجل ، وكان عندهما وجيها مقدما (2).

264 - عبد بن صالح

الخثعمي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، ومن أصحاب الامام الصادق حسبما ذكره الشيخ (3).

265 - عبد اللّه بن عبد الرحمن :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وعن أبي بصير وابن بكير وابن مسكان وحريز وغيرهم وروى عنه أبو أيوب المدائني ، وابن فضال ، وأحمد بن أبي داود وغيرهم (4).

ص: 308


1- معجم رجال الحديث 10 / 210.
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 10 / 251.
266 - عبد اللّه بن عجلان :

الكوفي ، عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وكذلك البرقي ، ووصفه ابن شهرآشوب بأنه من خواص أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (1) وروى الكشي بسنده عن زرارة عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : رأيت كأني على رأس جبل ، والناس يصعدون عليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء ، وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب ، حتى لم يبق عليه إلا عصابة يسيرة يفعل ذلك خمس مرات فكل ذلك يتساقط الناس عنه ، وتبقى تلك العصابة عليه أما أن ميسرة ابن عبد العزيز ، وعبد اللّه بن عجلان في تلك العصابة (2) ودل هذا الحديث على قوة إيمانه ، وصلابة عقيدته ، وعدم انحرافه عن الحق.

267 - عبد اللّه بن عطاء :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه أبو مالك الجهني ، وجميل ابن دراج وغيرهما (3).

ص: 309


1- المناقب.
2- الكشي.
3- معجم رجال الحديث 10 / 256.
268 - عبد اللّه بن عطاء :

ابن أبي رباح من أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) (1).

269 - عبد اللّه بن عطاء

المكي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وروى الشيخ المفيد بسنده عنه أنه قال : ما رأيت العلماء قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه ، وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي (عليهماالسلام) شيئا ، قال : حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين علیهم السلام (3) وروى الصفار بسنده عنه قال : اشتقت إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا بمكة فقدمت المدينة ، وما قدمتها إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر ، وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل ، فقلت : ما أطرقه هذه الساعة ، وانتظر حتى أصبح ، وإني لمتفكر في ذلك إذ سمعته يقول : يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذى ، قال فجاءت

ص: 310


1- معجم رجال الحديث 10 / 266.
2- رجال الطوسي.
3- الارشاد.

ففتحت الباب فدخلت عليه (1).

270 - عبد اللّه بن عمرو :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول حسب ما ذكره الشيخ (2).

271 - عبد اللّه بن غالب :

قال النجاشي : عبد اللّه بن غالب الأسدي ، الشاعر ، الفقيه ، أبو علي روى عن أبي جعفر ، وأبي عبد اللّه ، وأبي الحسن علیهم السلام . ثقة ثقة ، وأخوه اسحاق بن غالب له كتاب تكثر الرواة عنه (3).

272 - عبد اللّه بن كيسان :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه عثمان بن يوسف ، وروى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) (4).

ص: 311


1- الكشي.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.
4- معجم رجال الحديث 10 / 302.
273 - عبد اللّه بن محرز :

الجعفي ، روى عن الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ذكره النجاشي في ترجمة أخيه عقبة بن محرز (1).

274 - عبد اللّه بن محمد :

أبو بكر الحضرمي ، الكوفي ، تابعي ، روى عن الامام الباقر والامام الصادق علیهماالسلام (2) وروى الكشي بسنده عن عمرو بن الياس قال : دخلت أنا وأبو الياس على أبي بكر الحضرمي وهو يجود بنفسه فقال : يا عمرو ليست هذه بساعة الكذب ، أشهد على جعفر بن محمد أني سمعته يقول : لا تمس النار من مات وهو يقول بهذا الأمر (3).

275 - عبد اللّه بن محمد :

الأسدي ، كوفي يكنى أبا بصير ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما ذكره الشيخ (4) وليس هو أبا بصير الأسدي ليث بن البختري المرادي.

ص: 312


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- الكشي.
4- رجال الطوسي.

كما نص على ذلك الأستاذ الخوئي (1).

276 - عبد اللّه بن محمد :

الجعفي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام زين العابدين ، وولده الامام محمد الباقر علیهماالسلام (2) وعده البرقي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام).

277 - عبد اللّه بن محمد :

الصنعاني ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه سلام الجعفي (3).

278 - عبد اللّه بن المختار :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) نص على ذلك الشيخ وكذلك البرقي (4)

ص: 313


1- معجم رجال الحديث 10 / 315.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 1 / 333.
4- رجال الطوسي ورجال البرقي.
279 - عبد اللّه بن الوليد :

الوصافي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما عدد من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (1).

280 - عبد اللّه الهاشمي :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، وروى عنه ابنه سليمان ، وابنه عيسى (2).

281 - عبد المؤمن الأنصاري :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه أبو أيوب ، كما روى عن أبي عبد اللّه وروى عنه بكار بن كردم (3).

282 - عبد المؤمن بن القاسم :

الأنصاري ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام)

ص: 314


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 10 / 410.
3- معجم رجال الحديث 11 / 10.

ثقة هو وأخوه ، له كتاب ، توفى سنة ( 140 ه ) (1).

283 - عبد المؤمن بن الهيثم :

الأنصاري ، روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام (2).

284 - عبد الملك بن أعين :

الشيباني ، أخو الفقيه العظيم زرارة بن أعين ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وكذلك عده البرقي ، وكان عبد الملك مع أخوته من خيرة أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) فقد روى الكشي بسنده عن ربيعة الرأي قال : قلت لأبي عبد اللّه : ما هؤلاء الأخوة الذين يأتونك من العراق ولم أر في أصحابك خيرا منهم ، ولا أهيأ؟ قال (عليه السلام) : أولئك أصحاب أبي يعنى ولد أعين. (4)

وروى زرارة قال : قدم أبو عبد اللّه (عليه السلام) مكة فسأل عن عبد الملك ابن أعين ، فقلت : مات قال (عليه السلام) : مات؟ ، قلت : نعم ، قال : فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه ، قلت : نعم ، فقال : لا ، ولكن نصلي عليه هنيئة هاهنا ، ورفع يده ، ودعا له ، واجتهد في الدعاء ، وترحم

ص: 315


1- النجاشي.
2- معجم رجال الحديث 11 / 12.
3- رجال الطوسي.
4- الكشي

عليه (1) وكان من دعائه (عليه السلام) له : « اللّهم أبا الضريس كنا عنده خيرتك من خلقك فصيره في ثقل محمد صلواتك عليه يوم القيامة (2).

285 - عبد الملك بن عتبة :

الهاشمي ، اللّهبي روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) حسبما ذكره النجاشي ، وقد نفى ان يكون له الكتاب المنسوب له ، وإنما هو لعبد الملك بن عتبة النخعي الصيرفي (3).

286 - عبد الملك بن عطاء :

الكوفي ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) نص على ذلك الشيخ (4) والبرقي

287 - عبد الملك بن عمرو :

الأحول ، الكوفي روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (5) وروى الكشي بسنده عنه أن الامام الصادق (عليه السلام) قال له :

ص: 316


1- الكشي.
2- الكشي.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.

إني لأدعو اللّه لك حتى اسميك وابنك (1).

288 - عبد الواحد بن المختار :

الأنصاري ، الكوفي من أصحاب الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (2).

289 - عبيد بن كثير :

الكوفي ، روى عن الإمام علي بن الحسين والامام الباقر (عليه السلام) ، وقد ذكروا أنه كان يضع الحديث وإن له كتابا ، بعرف بكتاب التخريج في بني الشيصان ، وأكثره موضوع مزخرف ، والصحيح منه قليل ، قال ابن الغضائري : عبيد بن كثير بن عبد الواحد بن عبد اللّه بن شريك العامري الوحيدي الكلابي أبو سعيد كان يضع الحديث مجاهرة ، ولا يحتشم الكذب الصراح وأمره مشهور (3).

290 - عبيد اللّه بن محمد :

ابن عمر بن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عده الشيخ من أصحاب

ص: 317


1- الكشي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 11 / 62.

الإمام الباقر علیه السلام (1).

291 - عبيد اللّه بن الوليد :

الوصافي ، قال النجاشي : عبيد اللّه بن الوليد الوصافي ، عربي ثقة يكنى أبا سعيد ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهماالسلام ، ذكره أصحاب الرجال له كتاب يرويه عنه جماعة (2).

292 - عبيد اللّه الوصافي

روى عن الإمام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه أبو الحسن البجلي (3).

293 - عبيدة :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه علي بن رئاب (4).

ص: 318


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- معجم رجال الحديث 11 / 99.
4- معجم رجال الحديث 11 / 99.
294 - عبيدة الخثعمي

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام نص على ذلك الشيخ (1).

295 - عبيدة السكسكي :

من أصحاب الإمام أبي جعفر علیه السلام حسب ما نص عليه الشيخ (2).

296 - عثمان بن جبلة

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه اسماعيل بن مهران (3).

297 - عثمان بن زياد :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه زكار بن فرقد ، كما روى عن الامام أبي عبد اللّه علیه السلام (4).

ص: 319


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 11 / 114.
4- معجم رجال الحديث 11 / 116.
298 - عثمان بن زياد :

الأحمسي روى عن الإمامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، ومن أصحاب الإمام الصادق علیه السلام (1).

299 - عذافر :

روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ابنه محمد ، كما روى عن الامام أبي عبد اللّه علیه السلام ، وروى عنه الحسن بن عطية (2).

300 - عذافر بن عبد اللّه :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما نص عليه الشيخ (3).

301 - عروة بن عبد اللّه :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه عمرو بن شمر (4).

ص: 320


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 11 / 145.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 11 / 149.
302 - العطاء :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام وعن الامام الصادق علیه السلام ، وروى عنه زياد ابن محمد ، ومعمر بن عمرو (1).

303 - عطاء بن يسار :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه عنه (2).

304 - عطية :

روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وروى عنه عبد الصمد بن بشير (3).

305 - عطية :

أخو أبي العوام ، روى عن الإمام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه عبد الصمد بن بشير (4).

ص: 321


1- معجم رجال الحديث 11 / 154.
2- معجم رجال الحديث 11 / 156.
3- معجم رجال الحديث 11 / 157.
4- معجم رجال الحديث 11 / 158.
306 - عطية بن ذكران :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (1).

307 - عطية بن مزار

عده البرقي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

308 - عطية العوفي

عده البرقي من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (3).

309 - عقبة

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام وعن الإمام أبي عبد اللّه (عليه السلام) وروى عنه ابنه ، وأبان بن عثمان ، وابنه صالح ، وصالح بن عقبة وغيرهم (4).

ص: 322


1- رجال الطوسي.
2- رجال البرقي.
3- رجال البرقي.
4- معجم رجال الحديث 11 / 161.
310 - عقبة بن شيبة

الأسدي من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (1).

311 - عقبة بن قيس

من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول حسبما نص عليه الشيخ (2).

312 - عكرمة

يكنى أبا إسحاق ، من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) (3).

313 - العلاء بن الحسن

عده البرقي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وعده الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (4).

ص: 323


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال البرقي ، ورجال الطوسي.
314 - العلاء بن الحسين

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام نص على ذلك الشيخ (1).

315 - العلاء بن عبد الكريم

من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام (2).

316 - علباء بن دراع

الأسدي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) كان واليا على البحرين فأفاد سبع مائة ألف دينار ، ودوابا ، ورقيقا ، فحمل ذلك كله إلى الإمام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) وقال له : إني وليت البحرين لبني أمية ، وافدت هذا المال ، وعلمت أن اللّه عز وجل لم يجعل لهم من ذلك شيئا ، وإنه لك ، فقال له الامام : هاته ، فوضع المال بين يديه فقال (عليه السلام) له : قد قبلنا منك ، ووهبناه لك ، وأحللناك منه ، وضمنا لك على اللّه الجنة (4) ومن الطبيعي ان الامام (عليه السلام) إنما ضمن له على

ص: 324


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- الكشي.

اللّه الجنة لعظيم إيمانه ، وانابته إلى اللّه تعالى ، وعدم استحلاله لأموال المسلمين.

317 - علقمة بن محمد

الحضرمي ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) (1) دخل علقمة مع أخيه أبي بكر على زيد بن علي (عليه السلام) وكان قد بلغه أن زيدا قال : ليس الامام منا من أرخى عليه ستره ، إنما الامام من شهر سيفه ، فقال له أبو بكر : يا أبا الحسين اخبرني عن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أكان إماما وهو مرخ عليه ستره أو لم يكن أماما حتى خرج وشهر سيفه؟ فسكت زيد ولم يجبه ، فرد عليه الكلام ثلاث مرات ، فلم يجبه زيد بشيء ، فقال أبو بكر : إن كان علي بن أبي طالب أماما ، فقد يجوز أن يكون بعده امام مرخ عليه ستره ، وإن لم يكن أماما وهو مرخ عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا؟ (2).

ودل هذا الكلام على وعي صاحبه ، وقوة بصيرته ، إلا أن الشهيد العظيم زيدا لم يدع الامامة وإنما ثار دفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، لقد ثار لإقامة حكم القرآن ، واحياء معالم الإسلام الذي أجهزت عليه الحكومة الأموية.

318 - علي بن الاحمسي

كوفي ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه ابن أبي عمير ،

ص: 325


1- رجال الطوسي.
2- الكشي.

وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (1).

319 - علي بن أبي حمزة

الثمالي ، روى ابن شهر اشوب بسنده حديثا عنه يتعلق في علم الإمام أبي جعفر (عليه السلام) (2).

320 - علي بن ابي المغيرة

الزبيدي ، الأزرق عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ، كما عده في أصحاب الامام الصادق علیه السلام (3).

321 - علي بن حنظلة

العجلي الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما عده من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (4).

322 - علي بن سعيد

ابن بكير ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام روى عنه

ص: 326


1- معجم رجال الحديث 11 / 201.
2- معجم رجال الحديث 11 / 246.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.

سماعة (1).

323 - علي بن عبد العزيز

الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، كما عده من أصحاب الامام الصادق علیه السلام (2).

324 - علي بن عبد اللّه

الجرمي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (3).

325 - علي بن عطية

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وعده البرقي من أصحاب الصادق (عليه السلام) (5).

326 - علي بن عقبة

روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد اللّه ، وأبي الحسن الأول

ص: 327


1- معجم رجال الحديث 12 / 43.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال البرقي.

علیهم السلام كما روى عن أبي حمزة وأبى خالد القماط ، وأبى الخطاب وغيرهم (1).

327 - علي بن ميمون

الصائغ عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) قال النجاشي : روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن علیهماالسلام ، له كتاب يرويه عنه جماعة (3) وقد روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) في ثواب من زار الحسين (عليه السلام) راكبا أو ماشيا (4).

328 - عمار بن أبي الأحوص

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما انه من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) حسبما نص على ذلك الشيخ (5).

329 - عمار بن مروان

روى عن الامام أبي جعفر والامام أبي عبد اللّه والامام أبي الحسن

ص: 328


1- معجم رجال الحديث 12 / 103.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.
4- كامل الزيارات.
5- رجال الطوسي.

علیهم السلام كما روى عن أبي بصير ، وجابر وزيد الشحام وغيرهم ، وروى عنه جماعة من الرواة منهم أبو العباس ، وابن أبي عمير ، وابن رئاب وغيرهم (1).

330 - عمر بن أبان

روى عن الامام أبى جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) كما روى عن أبي بصير ، وأبي حمزة ، واسماعيل الجعفي وغيرهم ، وروى عنه ابن فضال ، وثعلبة بن ميمون ، وجعفر بن بشير وغيرهم (2).

331 - عمر بن أبان

الكلبي روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، كما روى عن أبان بن تغلب ، وعبد الواسطي ، وعبد الرحيم القصير ، ومحمد بن مسلم وغيرهم (3) قال النجاشي : له كتاب يرويه جماعة (4).

332 - عمر ابن أبي شيبة

روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه منصور بن يونس (5).

ص: 329


1- معجم رجال الحديث 12 / 278.
2- معجم رجال الحديث 13 / 12.
3- معجم رجال الحديث 13 / 13.
4- النجاشي.
5- معجم رجال الحديث 13 / 68.
333 - عمر بن ثابت

ابن هرمز ، أبو المقدام ، الحداد ، مولى بني عجل ، كوفي ، روى عن الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) والامام أبي جعفر (عليه السلام) والإمام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ضعيف جدا (1).

334 - عمر بن حنظلة

الكوفي ، العجلي ، روى عن الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قال عمر : للامام الصادق (عليه السلام) إني أظن أن لي عندك منزلة؟ قال : أجل (2) وقال له الامام الصادق : « يا عمر لا تحملوا على شيعتنا ، وارفقوا بهم فإن الناس لا يتحلمون ما تحملون » (3)

335 - عمر بن قيس

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه الحسين بن المنذر (4).

336 - عمر بن قيس

الماصر ، روى عن الامام أبى جعفر (عليه السلام) (5) وقد ذكرنا في

ص: 330


1- معجم رجال الحديث 13 / 27.
2- بصائر الدرجات.
3- الروضة.
4- معجم رجال الحديث 13 / 57.
5- معجم رجال الحديث 13 / 57.

البحوث السابقة كلمات الامام معه.

337 - عمر بن معمر

ابن عطاء ، بن وشيكة ، روى عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه محمد بن سماعة (1).

338 - عمر بن هلال

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (2).

339 - عمر بن يحيى

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (3).

340 - عمرو بن أبي

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسبما نص عليه الشيخ (4).

ص: 331


1- معجم رجال الحديث 13 / 65.
2- رجال الطوسي.
3- الخلاصة.
4- رجال الطوسي.
341 - عمرو بن أبي المقدام

قال النجاشي : عمرو بن أبى المقدام ثابت بن هرمز الحداد ، مولى بني عجل روى عن علي بن الحسين ، وأبي جعفر ، وأبي عبد اللّه علیهم السلام له كتاب لطيف (1) روى الكشي بسنده عن رجل من قريش ، قال : كنا بفناء الكعبة وأبو عبد اللّه (عليه السلام) قاعد ، فقيل له ما أكثر الحاج؟ فقال (عليه السلام) ما أقل الحاج ، فمر عمرو بن أبي المقدام فقال (عليه السلام) : هذا من الحاج (2).

342 - عمرو بن جميع

الأزدي ، البصري ، أبو عثمان ، قاضى الري ، ضعيف الحديث ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

343 - عمرو بن خالد

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسب ما ذكره الشيخ (4)

ص: 332


1- النجاشي.
2- الكشي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.

روى عن الامام الباقر (عليه السلام) وعن أبي حمزة الثمالي ، والشهيد زيد ابن علي بن الحسين (عليه السلام) (1).

344 - عمرو بن خالد :

أبو خالد ، الواسطي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وهو من رءوس الزيدية وأعلامهم قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) جالسا إذ أقبل زيد بن علي (عليه السلام) فلما نظر إليه أبو جعفر (عليه السلام) قال : هذا سيد أهل بيتي ، والطالب بأوتارهم (3) وروى عمرو بن خالد عن زيد أنه قال في الامام جعفر الصادق (عليه السلام) : « في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج اللّه به على خلقه ، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد ، لا يضل من تبعه ، ولا يهتدي من خالفه » (4) وكشفت هذه الرواية عن زيغ ما نسب لزيد أنه ادعى الامامة.

345 - عمرو بن دينار :

المكي ، قال الشيخ : عمرو بن دينار المكي ، أحد أئمة التابعين ،

ص: 333


1- معجم رجال الحديث 13 / 101.
2- رجال الطوسي.
3- الكشي.
4- الامالي : المجلس 81.

وكان فاضلا عالما ثقة (1) وروى عنه قتادة ، وأيوب ، وابن جريح وغيرهم ، وقيل لمسعد : من رأيت أشد إتقانا للحديث؟ قال : عمرو ابن دينار (2).

346 - عمرو بن رشيد :

كوفي ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

347 - عمرو بن سعيد :

الثقفي ، من أصحاب الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (4) وقد قال للامام أبي عبد اللّه علیه السلام إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء أخذ به ، قال (عليه السلام) : أوصيك بتقوى اللّه : وصدق الحديث. والورع ، والاجتهاد (5).

348 - عمرو بن شمر

الجعفي ، عربي ، ضعيف الحديث ، له كتاب ، عده الشيخ من

ص: 334


1- رجال الطوسي ، تهذيب الكمال المجلد 9 / ق 2.
2- تهذيب التهذيب.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 113 / 113.
5- الروضة.

أصحاب الامام الباقر علیه السلام (1).

349 - عمرو بن عبد اللّه :

الثقفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

350 - عمرو بن عثمان :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) كما روى عن أبي جميلة ، وأبي شبل وأبي عمرو وغيرهم ، وروى عنه أبو اسحاق وأبو أيوب الخزاز ، وأبو العباس الكوفي وغيرهم (3).

351 - عمرو بن معمر :

ابن أبي وشيكة من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

352 - عمران

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وهو مجهول (5).

ص: 335


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 13 / 126.
4- معجم رجال الحديث 13 / 142.
5- رجال الطوسي.
353 - عمران بن أبي خالد :

الغزاري ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما نص عليه الشيخ (1).

354 - عمران بن أعين

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه بشير النبال (2).

355 - عنبة بن مصعب :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) كما عده من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) (3).

356 - عنبة العابد

روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، (4) وروى عنه ابن

ص: 336


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 13 / 152.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 13 / 182.

محبوب وابراهيم بن مهزم ، وأحمد بن الحسن وغيرهم (1).

357 - عيسى بن أبي منصور :

القرشي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام كما عده من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) ونص الشيخ المفيد على أنه من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم ، وروى الكشي بسنده عن ابراهيم بن علي قال : كان أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا رأى عيسى بن أبي منصور قال : من أحب أن يرى رجلا من أهل الجنة فلينظر إلى هذا (2).

358 - عيسى بن أعين :

الشيباني ، أخو الفقيه العظيم زرارة بن أعين عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

359 - عيسى بن بكر :

ابن عبد اللّه بن سعد الأشعري ، القمي ، روى عن الامامين الباقر

ص: 337


1- معجم رجال الحديث 13 / 182.
2- معجم رجال الحديث 13 / 194.
3- رجال الطوسي.

والصادق علیهماالسلام (1).

360 - عيسى بن الضحاك :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه عثمان بن عيسى (2).

361 - عيسى بن الطحان :

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما نص عليه الشيخ (3).

( غ )

362 - غالب أبو الهذيل :

الشاعر ، الكوفي ، من أصحاب الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه حماد بن عثمان (4).

ص: 338


1- معجم رجال الحديث 13 / 200.
2- معجم رجال الحديث 13 / 212.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث 13 / 240.

( ف )

363 - فائد الجمال :

الكوفي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (1).

364 - فرات بن الأحنف :

العبدي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، وقد رمي بالغلو والتفريط ، وقال ابن الغضائري : غال كذاب لا يرتفع به (2).

365 - فررة :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام وروى عنه فضيل الرسان (3)

366 - الفضل بن الزبير :

الرسان ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

ص: 339


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 13 / 275.
3- معجم رجال الحديث 13 / 283.
4- رجال الطوسي.
367 - الفضل بن عثمان :

الأعور ، المرادي ، الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وعده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم (1).

368 - الفضل النوفلي :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه ابنه عبد اللّه (2).

369 - الفضيل :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه يونس (3).

370 - الفضيل بن خيثم :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه علي بن الحكم (4).

ص: 340


1- معجم رجال الحديث 13 / 333.
2- معجم رجال الحديث 13 / 346.
3- معجم رجال الحديث 13 / 347.
4- معجم رجال الحديث 13 / 352.
371 - الفضيل بن الزبير :

الرسان من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

372 - الفضيل بن سعدان :

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسبما نص عليه الشيخ (2).

373 - الفضيل بن شريح :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

374 - الفضيل بن عثمان :

عده البرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

ص: 341


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال البرقي.
375 - الفضيل بن غياث :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (1).

376 - الفضيل بن يسار :

النهدي ، يكنى أبا القاسم ، عربي ، بصري ، روى عن الامامين أبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهماالسلام ، قال له الامام الصادق : رضاع اليهودية والنصرانية خير من رضاع الناصبية ، له كتاب (2) عده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا ، والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذم واحد منهم روى الكشي بسنده عن ابراهيم بن عبد اللّه قال : كان أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا رأى الفضيل بن يسار قال : بشر المخبتين ، من أحب أن ينظر رجلا من أهل الجنة فلينظر إلى هذا (3).

وروى الكشي بسنده عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا دخل عليه الفضيل بن يسار يقول : بخ بخ بشر المخبتين ، مرحبا بمن تأنس به الأرض (4) ووردت أخبار كثيرة

ص: 342


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- الكشي.
4- الكشي.

في الثناء عليه من الأئمة الطاهرين ، توفى في حياة الامام الصادق علیه السلام .

377 - فطر بن خليفة :

أبو بكر المخزومي ، تابعي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، وروى عنه المثنى ترحم عليه الامام أبو جعفر (عليه السلام) مرتين (1).

378 - فليح بن أبي بكر :

الشيباني من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما نص عليه الشيخ ، وعده البرقي من أصحاب الامام زين العابدين والباقر والصادق علیهم السلام (2).

379 - الفيض بن المختار :

قال النجاشي : الفيض بن المختار الجعفي ، كوفي ، روى عن الامام أبي جعفر ، والامام أبي عبد اللّه ، والامام أبي الحسن عليهم

ص: 343


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.

السلام (1) وقال الشيخ : له كتاب (2) وهو أحد الذين رووا النص على إمامة موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن أبيه.

( ق )

380 - القاسم بن عبد الرحمن :

الأنصاري ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه عبد الرحمن ابن الحجاج (3).

381 - قاسم بن عبد الملك :

عده الشيخ والبرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

382 - قدامة بن زائدة :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام وروى عنه ابن بكير (5).

ص: 344


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 14 / 26.
4- رجال الطوسي ورجال البرقي.
5- رجال الطوسي.
383 - قيس بن أبي مسلم :

الأشعري ، كوفي ، عده البرقي في أصحاب الامام الباقر علیه السلام وروى الكشي بسنده عنه قال : أتيت أبا جعفر علیه السلام فشكوت إليه الدين ، وخفة المال ، فقال : ائت قبر النبي (صلی اللّه عليه وآله) فاشكو إليه ، وعد إلي ، قال : فذهبت ففعلت الذي أمرني ثم رجعت إليه ، فقال لي : ارفع المصلى ، وخذ الذي تحته ، قال : فرفعته ، فاذا تحته دنانير ، فقلت : لا واللّه جعلت فداك ما شكوت إليك لتعطيني شيئا ، قال : فقال لي : خذها ، ولا تخبر أحدا بحاجتك فيستخف بك فأخذتها فاذا هي ثلاث مائة دينار (1).

384 - قيس بن الربيع :

عده الشيخ في أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وقال الكشي : إنه تبري ، وكانت له محبة ، وقد سأل أبا اسحاق السبيعي عن المسح على الخفين ، فقال له : أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين علیهم السلام فسألته عن المسح فنهاني عنه ، وقال : لم يكن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يمسح ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين ، قال أبو اسحاق : فما مسحت منذ نهاني

ص: 345


1- معجم رجال الحديث 14 / 95.

عنه ، قال قيس بن الربيع : وما مسحت أنا منذ سمعت أبا اسحاق (1).

( ك )

385 - كامل بن العلاء :

التمار ، عده البرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

386 - كامل الرصافي :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (3).

387 - كامل صاحب السابري :

كوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

388 - كامل النجار

من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسبما نص عليه الشيخ (5).

ص: 346


1- الكشي.
2- رجال البرقي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.
389 - كثير بن كلثم :

أبو الحرث ، وقيل أبو الفضل ، كوفي ، ثقة روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (1).

390 - كثير النواء

بتري ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام حسب ما يقول الشيخ (2) وكان كثير النواء منحرفا عن الحق ، ومرتطما في الباطل ، وقد تبرأ الامام الصادق (عليه السلام) منه فقال (عليه السلام) : اللّهم إني إليك من كثير النواء أبرأ في الدنيا والآخرة (3) ووردت أخبار كثيرة في ذمه ، وإنه لا علاقة له باللّه.

391 - كليب بن معاوية :

الصيداوي ، الأسدي ، يكنى أبا محمد ، روى عن الامام أبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهماالسلام له كتاب يرويه عنه جماعة (4) وكان محبوبا

ص: 347


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- الكشي.
4- النجاشي.

عند أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال رجل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أيحب الرجل الرجل ولم يره؟ قال (عليه السلام) : ها هو ذا أنا أحب كليبا الصيداوي ولم أره (1) ووردت أخبار مماثلة في الثناء عليه.

392 - الكميت بن زيد :

الأسدي شاعر الشيعة الأكبر ، والمدافع عن حقوق أهل البيت علیهم السلام ، وقد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الكتاب دراسة مفصلة عنه.

393 - كنكر :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، وروى عنه ، يكنى أبا خالد (2) قال ابن شهرآشوب : أبو خالد القماط الكابلي اسمه كنكر ، وقيل وردان .. روى الكشي بسنده عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا ، وما كان يشك في أنه إمام حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إن لي حرمة ومودة ، وانقطاعا فأسألك بحرمة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أخبرتني أنت الامام الذي فرض اللّه طاعته على خلقه؟.

ص: 348


1- معجم رجال الحديث 14 / 127.
2- رجال الطوسي.

قال محمد بن الحنفية : حلفتني بالعظيم ، الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) عليّ وعليك ، وعلى كل مسلم ، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد ، فجاء إلى علي بن الحسين فاستأذن فأذن (عليه السلام) له فلما دخل عليه قال (عليه السلام) له : مرحبا يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى ، ولما رفع رأسه قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له علي بن الحسين : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ فقال : إنك دعوتني باسمي الذي سمتني به أمي ، ثم إني خدمت محمد بن الحنفية دهرا من عمري ، ولا أشك ألا وإنه إمام حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة اللّه وحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك ... فعلمت أنك الامام الذي فرض اللّه طاعته على كل مسلم (1).

( ل )

394 - ليث بن أبي سليم :

عده الشيخ والبرقي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (2).

395 - ليث بن البختري :

المعروف بأبي بصير ، وهو من أجل الرواة علما وفقها وحريجة في

ص: 349


1- معجم رجال الحديث 14 / 135 - 137.
2- رجال الطوسي ، رجال البرقي.

الدين ، وهو أحد الرواة الذين حافظوا على الثروات العلمية للامام أبي جعفر (عليه السلام) فقد روى سليمان بن خالد الأقطع قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا ، وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ، ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين ، وأمناء أبي على حلال اللّه وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة (1) ووردت أخبار مماثلة في الثناء عليه وتعظيمه ذكرنا أكثرها عند الحديث عن زرارة ، وقد وردت أخبار قادحة له إلا أنها إمّا موضوعة أو أنها وردت للحفاظ عليه من السلطة الأموية التي لم تتحرج في سفك دماء الشيعة بغير حق ... لقد كان ليث من أعلام الفكر الاسلامي ، ومن كبار العلماء الذين حافظوا على الثروات العلمية لأهل البيت (عليهم السلام).

( م )

396 - مالك بن أعين :

الجهني ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، والامام الصادق (عليه السلام) وهو الذي مدح الامام الباقر (عليه السلام) بقوله :

إذا طلب الناس علم القرآن *** كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي *** نلت بذلك فروعا طوالا

نجوم تهلل للمدلجين *** جبال تورث علما حبالا(2)

ص: 350


1- الكشي.
2- الارشاد.

وروى الأربلي بسنده عن مالك الجهني إنه قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر (عليه السلام) فنظرت إليه ، وجعلت أفكر في نفسي وأقول لقد عظمك اللّه ، وكرمك ، وجعلك حجة على خلقه ، فالتفت إلى وقال : يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه (1) وله التقائات كثيرة مع الامامين الباقر (عليه السلام) والصادق (عليه السلام) رواها الكشي.

397 - مالك بن عطية :

الأحمسي ، البجلي ، الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام زين العابدين (عليه السلام) ومن أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) روى عن الامام الصادق (عليه السلام) وروى عنه محمد بن صدقة في فضل زيارة الامام الحسين (عليه السلام) قال مالك للامام الصادق (عليه السلام) : إني رجل من بجيلة ، وأنا أدين اللّه عز وجل ، بأنكم موالي ، وقد يسألني بعض من لا يعرفني فيقول : ممن الرجل؟ فأقول له : أنا رجل من العرب ، ثم من بجيلة فعلي في هذا إثم حيث لم أقل إني مولى لبني هاشم؟ فقال (عليه السلام) : لا ، أليس قلبك وهواك منعقدا على أنك من موالينا؟ فقلت : بلى واللّه ، فقال : ليس عليك في أن تقول : أنا من العرب ، إنما أنت من العرب في النسب (2).

ص: 351


1- كشف الغمة.
2- معجم رجال الحديث 14 / 677.
398 - محمد بن ابراهيم

الكوفي الخياط روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (1).

399 - محمد بن أبي سارة :

الكوفي عده الشيخ والبرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2)

400 - محمد بن أبي منصور :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

401 - محمد بن اسحاق :

المدني ، صاحب السير ، عامي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

ص: 352


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي ، رجال البرقي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
402 - محمد بن اسماعيل :

ابن جعفر العلوي ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما نص عليه الشيخ (1).

403 - محمد بن الحسن :

ابن ابي سارة ، ابو جعفر ، مولى الانصاري ، يعرف بالرواسي ، اصله كوفي ، سكن هو وابوه النيل ، روى هو وابوه عن الامامين ابي جعفر وابي عبد اللّه علیهماالسلام ولمحمد عدة مؤلفات منها :

1 - كتاب الوقف.

2 - كتاب الابتلاء.

3 - كتاب الهمز

4 - كتاب اعراب القرآن

نقل هذه المؤلفات النجاشي (2)

404 - محمد بن حميد

عده الشيخ من اصحاب الامام الباقر علیه السلام (3)

ص: 353


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.
405 - محمد بن رستم

عده الشيخ من اصحاب الامام الباقر (عليه السلام) ويروي عن الاصبغ ابن نبانة (1).

406 - محمد بن زيد

من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وهو من البترية (2).

407 - محمد بن سالم :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وعن أبان بن تغلب ، وأحمد بن النظر وغيرهم (3).

408 - محمد بن سليمان :

ابن الفراء ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

ص: 354


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 16 / 113.
4- رجال الطوسي.
409 - محمد بن سوقة :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه أبو أيوب ، كما روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) (1).

410 - محمد بن صاحب :

عده البرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

411 - محمد بن عبد اللّه :

الطيار مولى فزارة ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وكذلك عده البرقي ، روى الكشي بسنده عنه قال : جئت إلى باب أبي جعفر (عليه السلام) استأذن عليه فلم يأذن لي ، وأذن لغيري ، فرجعت إلى منزلي وأنا مغموم فطرحت نفسي على سرير في الدار ، وذهب عني النوم ، فجعلت أفكر وأقول : أليس المرجئة تقول كذا :؟ والقدرية تقول : كذا؟ والحرورية تقول : كذا؟ والزيدية : كذا؟ فتفسد عليهم قولهم ، فأبا افكر في هذه حتى نادى المنادي فاذا بالباب يدق ، فقلت : من هذا؟ فقال : رسول لأبي جعفر (عليه السلام) يقول لك أبو جعفر (عليه السلام) : أجب ، فأخذت ثيابي ، ومضيت معه ، فدخلت عليه ،

ص: 355


1- معجم رجال الحديث 16 / 183.
2- رجال البرقي.

فلما رأني قال لي : يا محمد لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ولا إلى الحرورية ، ولا إلى الزيدية ، ولكن إلينا ، إنما حجبتك لكذا وكذا ، فقبلت قوله (1).

412 - محمد بن عجلان :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) روى عن مالك بن ضمرة الرواسي عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وروى عنه عثمان بن عيسى في فضل الصلاة في مسجد الكوفة (2).

413 - محمد بن عجلان :

المدني ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

414 - محمد بن عطية

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه محمد بن داود ، كما روى عن الامام الصادق (عليه السلام) وعن زرارة (4).

ص: 356


1- معجم رجال الحديث 16 / 287.
2- معجم رجال الحديث 16 / 314.
3- رجال الطوسي.
4- معجم رجال الحديث.
415 - محمد بن علي

ابن أبي شعبة الحلبي ، أبو جعفر وهو - على حد تعبير النجاشي - وجه أصحابنا ، وفقيههم ، والثقة الذي لا يطعن عليه هو وأخوته ، عبيد اللّه ، وعمران ، وعبد الأعلى له كتاب التفسير ، كما أن له كتابا مبوبا في الحلال والحرام (1) عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

416 - محمد بن عون :

النصيبي ، روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) وروى عنه محمد بن الحسين (3).

417 - محمد بن الفرات :

سأل الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ، فأجابه (عليه السلام) : يعني في أصلاب النبيين ، وقال : رأيت عباية بن ربعي ، وهو يحدث قائلا : سمعت أمير المؤمنين يقول : أنا قسيم النار (4).

ص: 357


1- النجاشي.
2- رجال الطوسي.
3- معجم رجال الحديث 16 / 97.
4- معجم رجال الحديث 16 / 140.
418 - محمد بن الفضل :

الهاشمي ، يكنى أبا الربيع عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (1).

419 - محمد بن الفيض :

روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، وروى عنه أبو سليمان الحذاء وغيره (2).

420 - محمد بن قيس :

روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وقد عده الشيخ المفيد من الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم ... روى عنه علي بن رئاب ، وأبو أيوب ، وأبو علي وغيرهم (3).

ص: 358


1- رجال الطوسي.
2- معجم رجال الحديث 16 / 167.
3- معجم رجال الحديث 16 / 187.
421 - محمد بن قيس :

أبو عبد اللّه البجلي ، ثقة ، عين ، كوفي روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام ، له كتاب « القضايا » (1) توفى سنة [ 151 ه ] (2)

422 - محمد بن مروان :

روى عن الامام أبي جعفر (عليه السلام) والامام أبي عبد اللّه علیه السلام ، كما روى عن أبي يحيى وابن أبي يعفور ، وأبان بن عثمان وغيرهم وروى عنه أبو جميلة وابن مسكان وأبان بن عثمان وغيرهم (3).

423 - محمد بن مروان :

البصري ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

424 - محمد بن مروان :

الكلبي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (5) وكذلك عده

ص: 359


1- النجاشي.
2- الكشي.
3- معجم رجال الحديث.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.

البرقي (1).

425 - محمد بن مسلم
اشارة

ابن رياح ، أبو جعفر الأوقصي الطحان ، مولى ثقيف الأعور (2) كان من أعلام الفكر واحد أئمة العلم في الاسلام ، وأحد الفقهاء العظام ، ومن أمناء اللّه على حلاله وحرامه ، اختص بالامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وروى الشيء الكثير من علومها ، وقد قال : ما شجر في رأيي شيء قط إلا سألت عنه أبا جعفر (عليه السلام) حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ستة عشر ألف حديث (3).

تكريم وتعظيم :

وأثرت طائفة كبيرة من الأخبار عن أئمة أهل البيت علیهم السلام وهي تشيد بمحمد بن مسلم وتثني عليه عاطر الثناء ، ومن بينها ما يلي :

1 - روى الكشي بسنده عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنه ليس كل ساعة ألقاك ، ويمكن القدوم عليك ، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني ، وليس عندي كلما يسألني عنه ، قال (عليه السلام) فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي ، فانه قد سمع

ص: 360


1- معجم رجال الحديث
2- رجال البرقي.
3- النجاشي.

من أبي ، وكان عنده وجيها (1) ودل هذا الحديث على مدى ما يتمتع به محمد من القدرات والمواهب العلمية حتى كان مرجعا للفتيا بين المسلمين.

2 - روى الكشي بسنده عن محمد بن خالد الطيالسي قال : كان محمد بن مسلم من أهل الكوفة يدخل على أبي جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر : بشر المخبتين (2) ودل هذا الحديث على أنه من أولياء اللّه المقربين.

3 - روى جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : بشر المخبتين بالجنة ، بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة أربعة نجباء ، أمناء اللّه على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (3).

4 - قال الامام أبو عبد اللّه (عليه السلام) : « أربعة أحب الناس إلي أحياء وأمواتا : بريد بن معاوية العجلي ، وزرارة بن أعين ، ومحمد ابن مسلم ، وأبو جعفر الأحول (4) إلى غير ذلك من الأخبار التي أشادت بفضله وعظيم منزلته عند أهل البيت [عليهم السلام].

ص: 361


1- الكشي.
2- الكشي.
3- الكشي.
4- الكشي.
مكانته العلمية

وكان محمد بن مسلم من ألمع علماء عصره في فضله وفقهه ومعرفته بأحكام الدين ، وقد عده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، وكان الامام أبو عبد اللّه الصادق علیه السلام يرجع إليه العلماء والفضلاء في مسائل الدين ، وقد سأل الامام أبا جعفر (عليه السلام) عن ثلاثين ألف مسألة وسأل الامام أبا عبد اللّه عن ستة عشر ألف مسألة.

محمد مع شريك القاضي :

ويقول المؤرخون إن محمد بن مسلم وأبا كريبة الأزدي شهدا بشهادة عند شريك القاضي وكان منحرفا عن أهل البيت (عليهم السلام) فنظر في وجهيهما مليا ثم قال : جعفريان فاطميان قادحا بذلك في شهادتهما ، ولما سمعا بذلك بكيا ، فبهر شريك وقال : « ما يبكيكما؟ »

فقالا له : نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن نكونا من إخوانهم لما يرون من سخف ورعنا ، ونسبتنا إلى رجل - يعني الامام الصادق علیه السلام - لا يرضى بأمثالنا أن يكونوا من شيعته ، فان تفضل وقبلنا فله المن والفضل.

وأبدى شريك اعجابه بهما فراح يقول : إذا كانت الرجال فليكن أمثالكما وأجاز شهادتهما ، وحج محمد بن مسلم مع أبي كريبة بيت اللّه الحرام

ص: 362

وتشرفا بمقابلة الامام ونقلا له الحديث الذي دار بينهما وبين شريك فتأثر (عليه السلام) من شريك وقال : ما لشريك شركه يوم القيامة بشراكين من نار (1).

بيعة للتمر :

وكان محمد بن مسلم موسرا ومن ذوي الثراء في الكوفة ، وقد عهد إليه الامام أبو جعفر (عليه السلام) ببيع التمر للحفاظ على حياته من السلطة الأموية التي لم تتحرج في سفك دماء الشيعة بغير حق ، وقد أخذ محمد ابن مسلم قوصرة من تمر مع ميزان ، وجلس على باب مسجد الجامع في الكوفة ، وجعل ينادي على التمر ، فخف إليه قومه فقالوا له : فضحتنا فقال لهم : إن مولاي - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - أمرني بأمر فلن أخالفه ، فقالوا له : إذا أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشراء فاقعد مع الطحانيين ، فأجابهم إلى ذلك فهيأ له رحا وجعل يطحن وبذلك فقد حافظ على دمه وحياته (2).

وفاته :

انتقل هذا العملاق العظيم إلى جوار اللّه سنة ( 150 ه ) (3) فواراه أصحابه وقد واروا في التراب الفقه والفضل والورع والتقوى.

ص: 363


1- الكشي.
2- الكشي.
3- الكشي.
426 - محمد بن مسلم :

الثقفي ، روى عن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وروى عنه عمر ابن اذينة (1).

427 - محمد بن المنكدر :

ابن عبد اللّه التيمي ، أبو عبد اللّه أحد الأئمة الأعلام ، قال ابن حيان : كان من سادات القراء (2) وكان يقول : ما كنت أرى أن علي ابن الحسين يدع خلفا أفضل منه ، حتى رأيت ابنه محمد بن علي (عليهما السلام) فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد ابن علي ، وكان رجلا بادنا ، ثقيلا ، وهو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي : سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة على طلب الدنيا أما لأعظنه!!! فسلمت عليه وهو يتصبب عرقا ، فقلت : أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء اجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟.

فقال : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة اللّه

ص: 364


1- معجم رجال الحديث 17 / 288.
2- تهذيب التهذيب 9 / 473.

عز وجل ، أكف بها نفسي وعيالي عنك ، وعن الناس ، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي اللّه.

فقلت : صدقت يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني (1).

428 - المسئهل بن عطاء :

عده الشيخ من أصحاب الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام وروى عنهما (2).

429 - مسعدة بن زياد :

الربعي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وقال النجاشي : إنه ثقة عين ، روي له كتاب في الحلال والحرام مبوب (4).

430 - مسعدة بن صدقة :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وأضاف أنه

ص: 365


1- الكافي الجزء الخامس كتاب المعيشة.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- النجاشي.

عامي (1) وذكر النجاشي أنه روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) له كتب منها كتاب خطب الأمير (عليه السلام) (2).

431 - مسكين :

ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وأضاف أنه ثقة (3).

432 - مسكين بن عبد :

من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام وهو إمامي مجهول الحال (4).

433 - مسمع بن عبد الملك :

يكنى أبا سيار ، كوفي من أصحاب الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام حسبما ذكر الشيخ ، وقال النجاشي : إنه شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها ، وسيد المسامعة.

روى عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية يسيرة وروى عن أبي عبد اللّه وأكثر

ص: 366


1- رجال الطوسي.
2- النجاشي.
3- رجال الطوسي.
4- تنقيح المقال 3 / 214.

واختص به ، وقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : إني لأعدك لأمر عظيم يا أبا سيار (1)

434 - معروف بن خربوذ :

المكي ، من سكان الكوفة ، من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وهو من الفقهاء العظام وأحد أمناء اللّه على حلاله وحرامه ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، وهو من العباد ، وكان يطيل السجود في صلاته ، وقد تتلمذ على يد الامام أبي جعفر وولده الامام الصادق علیهماالسلام ، وقد أخذ الكثير من علومهم ، واقتدى في سلوكه بهديهم وورعهم فكان من أفذاذ المتقين والمنيبين إلى اللّه (2).

435 - معمر بن رشيد :

الكوفي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

436 - معمر بن عطاء :

ابن وشيكة الكوفي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام

ص: 367


1- النجاشي.
2- الكشي ، النجاشي ، رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.

الباقر (عليه السلام) وهو إمامي مجهول الحال (1).

437 - معمر بن يحيى :

ابن بسام عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

438 - معمر بن يحيى :

ابن سالم الخزار عده البرقي من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3)

439 - معمر بن يحيى :

العجلي ، عربي ، ثقة ، متقدم روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام له كتاب يرويه عنه ثعلبة بن ميمون (4).

440 - المغيرة بن سعيد :

مولى بجيلة كذاب مفتر ، تظافرت الأخبار بذمه ولعنه ، وانه كان

ص: 368


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال البرقي.
4- النجاشي.

يكذب على الامام الباقر علیه السلام ، قال الامام الصادق (عليه السلام) : لعن اللّه المغيرة بن سعيد إنه كان يكذب على أبي فأذاقه اللّه حر الحديد (1) وقد تحدثنا في البحوث السابقة عن بدعه وأضاليله.

441 - المفضل بن زيد :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2) وهو مجهول الحال

442 - المفضل بن قيس :

ابن رمانة عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وقد روى الكشي طائفة من الأخبار في مدحه والثناء عليه.

443 - مقاتل بن سليمان :

الخراساني البجلي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وقال البرقي : إنه عامي المذهب (5).

ص: 369


1- الكشي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال البرقي.
444 - مقرن السراج

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وهو مجهول الحال.

445 - منذر بن أبي طريفة :

البجلي ، الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وقال النجاشي : إنه روى عن الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) والامام الباقر والصادق (عليهما السلام).

446 - منصور بن المضمر :

السلمي الكوفي ، تابعي عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وكان من دعاة الشهيد العظيم زيد بن علي (عليه السلام) ولما قتل زيد لم يكن منصور في الكوفة ، ولما بلغه قتله صام سنة يرجو بذلك أن يكفر اللّه عنه ، وخرج مع عبد اللّه بن معاوية ، ثم خرج مع محمد بن عبد اللّه ابن الحسن أيام المنصور الدوانيقي.

ص: 370


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
447 - منصور بن الوليد :

الصيقل عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1).

448 - موسى الأشعري :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2).

449 - موسى بن أشيم :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) رمي بالغلو ، وانه كان من أتباع أبي الخطاب ، فقد روى الكشي بسنده عن حنان بن سدير عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : إني لأنفس على أجساد أصيب معه - يعني مع أبي الخطاب - النار ، وذكر (عليه السلام) ابن الأشيم فقال : كان يأتيني فيدخل علي هو وصاحبه حفص بن ميمون فيسألوني فأخبرهم الحق ، ثم يخرجون من عندي إلى أبي الخطاب فيخبرهم بخلاف قولي فيأخذون بقوله ، ويذرون قولي وقيل إنه رجع عن الغلو (4).

ص: 371


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- تنقيح المقال 3 / 253.
450 - موسى الخياط

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) وهو مجهول الحال.

451 - موسى بن زياد :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (2).

452 - موسى بن عبد اللّه :

الأسدي عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول الحال (3).

453 - مهزم بن أبي بردة :

الأسدي ، كوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) والامام الكاظم (عليه السلام) (4).

ص: 372


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- تنقيح المقال 3 / 356.
4- رجال الطوسي.
454 - ميسر بن عبد العزيز :

النخعي ، المدائني ، من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) حسب ما ذكر الشيخ (1) وقال الكشي : إنه كوفي ثقة ، وروى ميسر عن أحدهما - الباقر أو الصادق (عليهما السلام) - أنه قال له : يا ميسر إني لأظنك وصولا لقرابتك؟ قلت : نعم جعلت فداك لقد كنت في السوق وأنا غلام وأجرتي درهمان ، وكنت أعطي واحدا عمتي ، وواحدا خالتي ، فقال (عليه السلام) : أما واللّه لقد حضر أجلك مرتين ، كل ذلك يؤخر ، وقال ميسر : دخلنا جماعة على أبي جعفر فذكروا صلة الرحم والقرابة ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يا ميسر أما أنه قد حضر أجلك غير مرة ولا مرتين كل ذلك يؤخر اللّه بصلتك قرابتك ، وروى ميسر عن الامام الباقر (عليه السلام) أنه قال له : أتخلون وتتحدثون ، وتقولون ما شئتم؟ فقلت : أي واللّه إنا لنخلوا ونتحدث ، ونقول ما شئنا ، فقال (عليه السلام) : أما واللّه لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن ، أما واللّه إني لأحب ريحكم وأرواحكم وإنكم على دين اللّه ، ودين ملائكته فأعينونا بورع واجتهاد ... وقال الامام أبو جعفر (عليه السلام) : رأيت كأني على رأس جبل ، والناس يصعدون عليه من كل جانب إذا كثروا عليه تطاول بهم السماء ، وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم إلا عصابة يسيرة ، وجعل يفعل ذلك خمس مرات ، وكل ذلك يتساقط الناس عنه ، وتبقى تلك العصابة عليه أما أن ميسر ابن عبد العزيز ، وعبد اللّه بن عجلان في تلك العصابة ، ودلت هذه

ص: 373


1- رجال الطوسي.

الأخبار على عمق إيمانه وشدة ولائه لأهل البيت (عليهم السلام) (1).

455 - ميمون البان

الكوفي ، روى عن الامامين الباقر والصادق علیهماالسلام (2).

456 - ميمون القداح :

مولى بني مخزوم عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

( ن )

457 - نجم بن الحطيم :

العبدي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4).

458 - نجم الطائي

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر وهو إمامي

ص: 374


1- الكشي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.

مجهول الحال (1).

459 - نجح بن مسلم :

ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام وهو مجهول الحال (2)

460 - النضر بن قرواش :

الخزاعي ، الكوفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وكان منحرفا عن أهل البيت (عليهم السلام) ويقول الرواة : إن الامام الباقر (عليه السلام) كان يحدث أصحابه فدخل النضر فاغتم أصحاب الامام منه ، وتحدث الامام ما شاء مع أصحابه ، فلما انتهى المجلس وانصرف النضر ، قال للامام بعض أصحابه : قد سمع منك ما قد سمع ، قال (عليه السلام) : لو سألتموه عما تكلمت به اليوم ما حفظه ، والتقى به بعض أصحاب الامام فسأله عن الأحاديث التي سمعها من الامام (عليه السلام) فقال : لا واللّه ما فهمت منها قليلا ولا كثيرا (3).

461 - نعمان الأحمسي :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (4) وهو إمامي

ص: 375


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- تنقيح المقال 3 / 271.
4- رجال الطوسي.

مجهول الحال.

( و)

462 - الورد بن زيد :

الأسدي ، شقيق الشاعر الكبير الكميت بن زيد ، وقد عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام ، وكان فيما يقول الرواة شديد الولاء والحب لأهل البيت (عليهم السلام) (1).

463 - الوليد بن بشير :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (2).

464 - الوليد بن عروة :

الهجري عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3).

ص: 376


1- تنقيح المقال 3 / 278.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
465 - الوليد بن القاسم :

ذكره الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (1) وهو مجهول الحال.

( ه )

466 - هارون الجبلي :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (2).

467 - هارون بن حمزة :

الغنوي ، الصيرفي ، الكوفي من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3) وقال النجاشي : إنه ثقة عين ، روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) له كتاب يرويه جماعة (4).

ص: 377


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- النجاشي.
468 - هاشم بن أبي هاشم :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (1). 469 - هاشم الرماني :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وقال إنه مجهول (2).

( ي )

470 - يحيى بن أبي العلاء :

الرازي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (3) وفي الفهرست أن له كتابا.

471 - يحيى بن أبي القاسم :

الحذاء ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر

ص: 378


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.

علیه السلام (1).

472 - يحيى بن السابق :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وهو مجهول (2).

473 - يزيد أبو خالد :

الكناسي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

474 - يزيد بن عبد الملك :

الجعفي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال.

475 - يزيد بن عبد الملك :

النوفلي ، عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر علیه السلام (5) وروى

ص: 379


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.

عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقد روى أنه قال له : « تزاوروا فان في زيارتكم إحياء لقلوبكم ، وذكرا لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فان أخذتم بها رشدتم ، ونجوتم ، وأن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم (1).

476 - يزيد بن محمد :

النيشابوري عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وهو مجهول الحال.

477 - يزيد مولى الحكم :

ابن أبي الصلت ، عده الشيخ بهذا العنوان من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (3).

478 - يعقوب بن شعيب :

الأزدي بياع الطعام ، ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الامام

ص: 380


1- أصول الكافي.
2- رجال الطوسي.
3- رجال الطوسي.

الباقر (عليه السلام) (1) وهو مجهول.

479 - يعقوب بن شعيب :

ابن ميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد ، أبو محمد ، ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (2) وقال النجاشي : إنه ثقة روى عن الامام أبي عبد اللّه (عليه السلام) ذكره ابن سعيد وابن نوح ، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا (3).

480 - يونس بن أبي يعفور :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (4) وظاهره أنه إمامي مجهول الحال.

481 - يونس بن خباب :

عده الشيخ من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) وأضاف أنه مجهول (5).

ص: 381


1- رجال الطوسي.
2- رجال الطوسي.
3- النجاشي.
4- رجال الطوسي.
5- رجال الطوسي.
482 - يونس بن المغيرة :

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الباقر (عليه السلام) (1) والظاهر أنه إمامي مجهول الحال ... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن أصحاب الامام أبي جعفر (عليه السلام) ورواة حديثه ، ولا نزعم أننا أحطنا بجميعهم ، وأنما ألمحنا إلى بعضهم ، كما إنا لم نلم بتراجمهم ، وإنما ذكرنا فهرسا لأسمائهم وأعطينا إشارة موجزة لبعض أحوالهم لأن المصادر التي بأيدينا لم تعطنا أكثر من ذلك.

وعلى أي حال فان في هذه المجموعة الكبيرة من أصحاب الامام ورواة حديثة طائفة من كبار العلماء والفقهاء كمحمد بن مسلم وزرارة بن أعين ، وأبي بصير وغيرهم ممن كان لهم الفضل في تشييد صرح فقه أهل البيت وتدوين أحاديثهم التي يرجع إليها الفقهاء في استنباطهم للأحكام الشرعية ، ولولاهم لضاعت تلك الثروات العلمية الهائلة التي هي من ذخائر العلم والفكر في الاسلام.

ص: 382


1- رجال الطوسي.

الى جنّة المأوى

اشارة

ص: 383

ص: 384

وبعد ما أدى الامام أبو جعفر (عليه السلام) رسالته الخالدة من نشر العلم ، وإذاعة قيم الاسلام بين الناس ، اختاره اللّه إلى جواره لينعم في ظلال رحمته وجنانه ، ويسعد بملاقاة آبائه الذين سنوا مناهج الحق والعدل في الأرض ، ونتحدث - بايجاز - عن النهاية المشرقة من حياة الامام التي وقفها على الطاعة لله ، وإشاعة العلم ، والبر بالناس ، وفيما يلي ذلك :

الامام ينعى نفسه :

وشعر الامام العظيم بدنو أجله المحتوم ، وأخذت تراوده هواجس مريرة بين لحظة وأخرى وهي تنذره بمفارقة الحياة ، فخف مسرعا ، وهو مثقل بالهموم نحو عمته السيدة فاطمة بنت الامام الحسين (عليه السلام) وهو ينعى إليها نفسه قائلا :

« لقد أتت عليّ ثمان وخمسون سنة ... » (1).

وعلمت السيدة ما أراد فذاب قلبها أسى وحسرات على ابن أخيها الذي هو بقية أهلها الذين حصدتهم سيوف البغي والضلال ... لقد أتت على الامام ثمان وخمسون سنة وهي مليئة بالخطوب والأحداث ، وقد أشاعت في نفسه الأسى والحزن ، وقد فارق الحياة بما يقارب هذا السن أبوه الامام زين العابدين ، وجده الامام الحسين (عليه السلام) فشعر (عليه السلام) من ذلك بانطواء حياته ، وقرب أجله.

ص: 385


1- تذكرة الخواص ( ص 350 ) وجاء في كشف الغمة 2 / 332 عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) أن أباه محمد الباقر (عليه السلام) قال : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وأنا اليوم ابن ثمان وخمسين سنة.

اغتيال الامام :

ولم يمت الامام أبو جعفر (عليه السلام) حتف أنفه ، وإنما اغتالته بالسم أيد أثيمة لا عهد لها باللّه ، ولا باليوم الآخر ، وقد اختلف المؤرخون في الأثيم الذي قدم على اقتراف هذه الجريمة ، وفيما يلي بعض الأقوال :

1 - إن هشام بن الحكم هو الذي قدم على اغتيال الامام فدس إليه السم (1) والأرجح هو هذا القول لأن هشاما كان حقودا على آل النبي (صلی اللّه عليه وآله) وكانت نفسه مترعة بالبغض والكراهية لهم وهو الذي ألجأ الشهيد العظيم زيد بن علي علیه السلام إلى إعلان الثورة عليه حينما استهان به ، وقابله بمزيد من الجفاء ، والتحقير ، ومن المؤكد أن الامام العظيم أبا جعفر قد اقض مضجع هذا الطاغية ، وذلك لذيوع فضله وانتشار علمه ، وتحدث المسلمين عن مواهبه ، فقدم على اغتياله ليتخلص منه.

2 - إن الذي قدم على سم الامام هو ابراهيم بن الوليد (2) ويرى السيد ابن طاوس ان ابراهيم بن الوليد قد شرك في دم الامام علیه السلام (3) ومعنى ذلك إن ابراهيم لم ينفرد وحده باغتيال الامام (عليه السلام) وإنما كان مع غيره.

وأهملت بعض المصادر اسم الشخص الذي اغتال الامام (عليه السلام)

ص: 386


1- بحار الانوار وغيره.
2- أخبار الدول ( ص 111 ).
3- بحار الأنوار.

واكتفت بالقول إنه مات مسموما (1) هذه بعض الأقوال التي قيلت في سم الامام علیه السلام .

دوافع اغتيال الامام :

أما الأسباب التي أدت الأمويين إلى اغتيالهم للامام (عليه السلام) فهي - فيما نحسب - كما يلي :

1 - سمو شخصية الامام :

لقد كان الامام أبو جعفر (عليه السلام) أسمى شخصية في العالم الاسلامي فقد أجمع المسلمون على تعظيمه ، والاعتراف له بالفضل ، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الاسلامية للانتهال من نمير علومه وفضله التي هي امتداد ذاتي لعلوم جده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله).

لقد ملك الامام (عليه السلام) عواطف الناس واستأثر باكبارهم ، وتقديرهم لأنه العلم البارز في الأسرة النبوية ، وقد أثارت منزلته الاجتماعية غيظ الأمويين وحقدهم فاجمعوا على اغتياله للتخلص منه.

2 - أحداث دمشق :

من الأسباب التي أدت الأمويين إلى اغتياله (عليه السلام) هي الأحداث التي جرت

ص: 387


1- نور الأبصار [ ص 131 ] الأئمة الاثنى عشر لابن طولون [ ص 281 ].

للامام حينما كان في دمشق وهي :

أ - تفوق الامام في الرمي على بني أمية وغيرهم حينما دعاه هشام الى الرمي ظانا أنه سوف يفشل في رمية فلا يصيب الهدف فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه والسخرية به أمام أهل الشام ، ولما رمى الامام ، وأصاب الهدف عدة مرات بصورة مذهلة لم يعهد لها نظير في علميات الرمي في العالم ، فذهل الطاغية هشام ، وأخذ يتميز غيظا ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وصمم منذ ذلك الوقت على اغتياله.

ب - مناظرته مع هشام في شئون الامامة ، وتفوق الامام عليه حتى بان عليه العجز وقد أدت إلى حقده عليه.

ج - مناظرته مع عالم النصارى ، وتغلبه عليه حتى اعترف بالعجز عن مجاراته ، وقد أصبحت الحديث الشاغل لجماهير أهل الشام ، وقد ذكرنا هذه الأمور بمزيد من التفصيل في البحوث السابقة.

هذه هي الأسباب التي دفعت الأمويين إلى اغتيالهم للامام علیه السلام

نصه على الامام الصادق :

ونص الامام أبو جعفر علیه السلام على إمامة الامام الصادق (عليه السلام) مفخرة هذه الدنيا ، ورائد الفكر والعلم في الاسلام ، فعينه خليفة وإماما ، ومرجعا عاما للأمة من بعده ، وأوصى شيعته بلزوم أتباعه وطاعته.

وكان الامام أبو جعفر (عليه السلام) يشيد بولده الامام الصادق (عليه السلام) ويدلل على إمامته ، فقد روى أبو الصباح الكناني ، قال : نظر أبو جعفر إلى أبي

ص: 388

عبد اللّه يمشي ، فقال : ترى هذا؟ هذا من الذين قال اللّه عز وجل : « ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين » (1).

وروى علي بن الحكم عن طاهر قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر : هذا خير البرية (2).

وصاياه :

وعهد الامام محمد الباقر علیه السلام إلى ولده الامام جعفر الصادق علیه السلام بعدة وصايا كان من بينها ما يلي :

1 - إنه قال له : يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا ، فقال له الامام الصادق : جعلت فداك واللّه لأدعنهم ، والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا (3) لقد أوصى (عليه السلام) ولده بأصحابه ليقوم بالانفاق عليهم ، والتعهد بشئونهم ليتفرغوا للعلم ، وتدوين حديثه وإذاعة معارفه ، وآدابه بين الناس.

2 - أوصى (عليه السلام) ولده الصادق (عليه السلام) أن يكفنه في قميصه الذي كان يصلي فيه (4) ليكون شاهد صدق عند اللّه على عظيم عبادته ،

ص: 389


1- أصول الكافي 1 / 306.
2- أصول الكافي 1 / 306.
3- أصول الكافي 1 / 306.
4- صفة الصفوة 2 / 63 ، تأريخ ابن الوردي 1 / 184 ، تأريخ أبي الفداء 1 / 214 ، المنتظم لابن الجوزي الجزء السابع مصور.

وطاعته له.

3 - إنه أوقف بعض أمواله على نوادب تندبه عشر سنين في منى (1) ولعل السبب في ذلك يعود الى أن منى أعظم مركز للتجمع الاسلامي ، ووجود النوادب فيه مما تبعث المسلمين الى السؤال عن سببه ، فيخبرون بما جرى على الامام أبي جعفر (عليه السلام) من صنوف التنكيل من قبل الأمويين واغتيالهم له ، حتى لا يضيع ما جرى عليه منهم ولا تحفيه أجهزة الاعلام الأموي.

أما نص وصيته فقد رواها الامام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال (عليه السلام) : لما حضرت أبي الوفاة قال : أدع لي شهودا فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر ، فقال : اكتب : « هذا ما أوصى به يعقوب بنيه « يا بني إن اللّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون » وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعممه بعمامته ، وأن يربع قبره ، ويرفعه أربع أصابع ، وأن يحل عنه أطماره عند دفنه.

والتفت (عليه السلام) إلى الشهود فأمرهم بالانصراف ، وقال الامام الصادق (عليه السلام) : يا أبة ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟ فقال (عليه السلام) : كرهت أن تغلب ، وأن يقال إنه لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة (2).

الى الفردوس الأعلى :

وتفاعل السم في بدن الامام أبي جعفر علیه السلام ، وأثر به تأثيرا

ص: 390


1- بحار الأنوار 11 / 62.
2- أصول الكافي 1 / 307.

بالغا ، وأخذ يدنو إليه الموت سريعا ، وقد اتجه في ساعاته الأخيرة بمشاعره وعواطفه نحو اللّه تعالى ، فأخذ يقرأ القرآن الكريم ، ويستغفر اللّه ، وبينما لسانه مشغول بذكر اللّه إذ وافاه الاجل المحتوم فارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها ، تلك الروح التي أضاءت الحياة الفكرية والعلمية في الاسلام والتي لم يخلق لها نظير في عصره.

وقد انطوت بموته أروع صفحة من صفحات الرسالة الاسلامية أمدت المجتمع الاسلامي بعناصر الوعي والتطور والازدهار.

تجهيزه

وقام الامام الصادق علیه السلام بتجهيز الجثمان المقدس فغسله وكفنه ، وهو يذرف أحر الدموع على فقد أبيه الذي ما أظلت مثله سماء الدنيا في عصره علما وفضلا وحريجة في الدين.

مواراته

ونقل الجثمان العظيم من الحميمة (1) تحت هالة من التهليل والتكبير قد حفت به الجماهير ، والسعيد من الناس الذي يلمس نعش الامام ... وسارت مواكب التشييع ، وهي تعدد مناقب الامام أبي جعفر (عليه السلام) والطافه

ص: 391


1- الحميمة : بضم الحاء المهملة ، وفتح الميم ، وسكون الياء ، وهي قرية خارج المدينة كانت لعلي بن العباس وأولاده أيام الحكم الأموي ، جاء ذلك في تأريخ الأئمة الاثنى عشر لابن طولون [ ص 281 ].

وعائدته على هذه الأمة ، وأنتهي بالجثمان المقدس إلى بقيع الغرقد ، فحفر له قبر بجوار الامام الأعظم أبيه زين العابدين علیه السلام ، وبجوار عم أبيه الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) وأنزل الامام الصادق أباه في مقره الأخير فواراه فيه ، وقد وارى معه العلم والحلم ، والمعروف والبر بالناس.

لقد كان فقد الامام أبي جعفر علیه السلام من أفجع النكبات التي مني بها المسلمون في ذلك العصر ، فقد خسروا القائد ، والرائد ، والموجه الذي جهد على نشر العلم ، وبلورة الوعي الفكري والثقافي بين المسلمين.

عمره الشريف

أما عمره الشريف حين وفاته فقد اختلف فيه المؤرخون والرواة وهذه بعض الأقوال :

1 - إنه توفي وله من العمر ( 73 سنة ) (1).

2 - كان عمره حين وفاته ( 63 سنة ) (2).

ص: 392


1- صفة الصفوة 2 / 63 ، تأريخ ابن عساكر 51 / 39 من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين المنتظم لابن الجوزي ج 7 من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) تأريخ أبي الفداء 1 / 214 تأريخ ابن الأثير 4 / 217 ، تأريخ ابن الوردي 1 / 184.
2- طبقات الفقهاء لأبي اسحاق الشيرازي [ ص 36 ].

3 - توفي وعمره 61 سنة (1).

4 - توفي وعمره 60 سنة (2).

5 - توفي وعمره 58 سنة (3).

6 - توفي وعمره 56 سنة (4).

7 - توفي وعمره 55 سنة (5).

والمشهور بين الرواة أنه توفي وعمره الشريف 58 سنة وقد دلت على ذلك بعض الروايات التي تقدمت.

سنة وفاته

واختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها الامام ، وفيما يلي بعض ما ذكروه :

1 - إنه توفي سنة [ 127 ه ] (6).

2 - توفي سنة [ 118 ه ] (7).

ص: 393


1- بحار الأنوار 11 / 63.
2- مختصر تأريخ الاسلام للفاخوري [ ص 85 ].
3- الصراط السوي للشيخاني مصور في مكتبة الامام أمير المؤمنين [ ص 94 ] تأريخ الخميس 2 / 319 ، صفة الصفوة 2 / 63.
4- تأريخ الأئمة [ ص 5 ].
5- النفحة العنبرية من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء.
6- مختصر تأريخ الاسلام [ ص 85 ].
7- تأريخ خليفة خياط 2 / 263.

3 - توفي سنة [ 117 ه ] (1).

4 - توفي سنة [ 116 ه ] (2).

5 - توفي سنة [ 114 ه ] (3).

6 - توفي سنة [ 113 ه ] (4).

هذه بعض الأقوال التي ذكرها المؤرخون ، والمشهور أنه توفى سنة [ 114 ه ].

تعزية المسلمين للامام الصادق

وهرع المسلمون وقد نخر الحزن قلوبهم إلى الامام الصادق علیه السلام ، وهم يعزونه بمصابه الأليم ، ويشاركونه اللوعة والأسى بفقيد أبيه ، وممن وفد عليه يعزيه سالم بن أبي حفصة ، قال : لما توفي أبو جعفر محمد بن علي الباقر علیهماالسلام ، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد فأعزيه به ، فدخلت عليه فعزيته ،

ص: 394


1- صفة الصفوة 2 / 63.
2- تأريخ ابن الوردي 1 / 184 ، تأريخ أبي الفداء 1 / 214.
3- البستان الجامع لعماد الدين الأصفهاني من مصورات مكتبة الامام الحكيم ، النفحة العنبرية ، شذرات الذهب 1 / 149 ، تهذيب الكمال المجلد 9 / ق 2 من مصورات مكتبة السيد الحكيم ، تأريخ ابن الأثير 4 / 217 ، طبقات الفقهاء [ ص 36 ] جامع المقال للطريحي من مصورات الامام الحكيم ، تأريخ الأئمة لابن أبي الثلج البغدادي [ ص 5 ].
4- دائرة المعارف لوجدي 3 / 563.

وقلت له إنا لله ، وإنا إليه راجعون ، ذهب واللّه من كان يقول : قال رسول اللّه (صلی الله عليه وآله) : فلا يسأل عمن بينه وبين رسول اللّه (صلی الله عليه وآله) واللّه لا يرى مثله أبدا قال : وسكت الامام أبو عبد اللّه (عليه السلام) ساعة ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : قال اللّه تبارك وتعالى : إن من عبادي من يتصدق بشق من تمرة فاربيها له ، كما يربي أحدكم فلوه (1).

وخرج سالم وهو متبهر فالتفت إلى أصحابه قائلا : ما رأيت أعجب من هذا!! كنا نستعظم قول أبي جعفر علیه السلام قال رسول اللّه (صلی الله عليه وآله) بلا واسطة ، فقال لي أبو عبد اللّه علیه السلام قال اللّه بلا واسطة (2).

إن حديث الامام الصادق علیه السلام مستمد من أحاديث آبائه الذين أخذوا علومهم من جدهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله).

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حياة الامام أبي جعفر علیه السلام ، وقبل أن أطوي هذه الصفحة الأخيرة أود أن أؤكد ما أعلنته غير مرة من أن هذا الكتاب - على ما فيه من جهد وتتبع - لم يلم بحياة هذا الامام العظيم ، وإنما يلقي أضواء أو مؤشرات على بعض معالم شخصيته ، أما الاحاطة بها وتسجيل ما أثر عنه من العلوم وروائع الحكم والآداب فان ذلك - بصورة جازمة - يستدعي وضع موسوعة كبيرة ، وقبل أن أنصرف عن القراء أرى من الحق علي أن أشيد بالجهد المشرق لسماحة الحجة العلامة الكبير الأخ الشيخ هادي القرشي ، فله الفضل مشكورا على ملاحظاته العلمية القيمة في بحوث هذا الكتاب ، كما اشكر ولدنا

ص: 395


1- الفلو بفتح الفاء ، وضم اللام وتشديد الواو - المهر الصغير ، والأنثى فلوة ، والجمع أفلاء.
2- أمالي الشيخ الطوسي [ ص 125 ].

الوجيه عبد الحسين ويسين على تشجيعه لي في الاستمرار في خدمة أهل البيت علیهم السلام ... كما إن من الخير أن أختم كتابي بما ختم به العالم الزاهد الشيخ ورام كتابه القيم المسمى بمجموعة ورام فقد ختمه بوصية الامام أبي جعفر (عليه السلام) إلى تلميذه الفقيه الكبير محمد بن مسلم فقد قال علیه السلام له :

« لا يغرنك الناس من نفسك فان الأمر يصل إليك دونهم ، ولا يقطع النهار عنك كذا وكذا ، فان معك من يحصي عليك ، ولا تستصغرن حسنة تعملها فانك تراها حيث تسرك ، ولا تستصغرن سيئة تعملها فانك تراها حيث تسوءك ، وأحسن فاني لم أر شيئا قط أشد طلبا ولا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم ، وليس بتقوى اللّه طول عبادة ، ولكنما التقوى مجانبة الشبه »

ص: 396

محتويات الكتاب

ص: 397

ص: 398

ملوك تافهون 7

مروان بن الحكم... 9

(1) لعن النبي له (2) نفي أبيه من يثرب (3) في أيام عثمان

نزعاته وصفاته... 12

ولعه بسب أمير المؤمنين... 14

خلافته... 15

وفاته... 16

عبد الملك بن مروان... 17

صفاته... 17

(1) الجبروت (2) الغدر (3) القسوة والجفاء (4) البخل

نقله الحج إلى بيت المقدس... 20

انتقاصه لسلفه... 21

ولايته للحجاج... 21

تنبؤ النبي عنه ، إخبار الامام أمير المؤمنين عنه... 22

الناقمون على الحجاج... 23

(1) عمر بن عبد العزيز (2) عاصم (3) القاسم (4) زادان

(5) طاوس

من صفاته... 24

كفره وإلحاده... 26

ص: 399

من جرائمه... 27

التنكيل بالشيعة ، محنة الكوفة ، رمي الكعبة بالمنجنيق ، سجونه

هلاكه... 31

عبد الملك مع الأخطل... 32

الامام مع عبد الملك... 33

الايعاز باغتيال الامام... 34

الامام وتحرير النقد الاسلامي... 36

وفاة عبد الملك... 39

الوليد بن عبد الملك... 40

سليمان بن عبد الملك... 42

وفاته... 43

عمر بن عبد العزيز... 44

رفعه السب عن الامام علي... 44

صلته للعلويين... 47

رد فدك... 48

مع الامام الباقر... 50

(1) تنبؤ الامام بخلافة عمر (2) تكريم عمر للامام

(3) مراسلة عمر للامام

اتّهام رخيص... 53

مؤخذات... 53

وفاته... 54

ص: 400

يزيد بن عبد الملك... 55

هشام بن عبد الملك... 56

الامام في دمشق... 57

خطاب الامام في دمشق... 58

اعتقال الامام... 60

الامام مع قسيس... 64

إغلاق الحوانيت بوجه الامام... 66

عصر الامام 67

الفرق الاسلامية... 69

المعتزلة... 70

تأسيس الاعتزال ، الاعتزال والسياسة

الاعتزال والمسيحية

الأصول الاعتقادية... 73

(1) التوحيد (2) العدل (3) الوعد والوعيد (4) المنزلة بين

المنزلتين (5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الشيعة والمعتزلة... 77

المسائل المتفق عليها... 78

المسائل الخلافية... 79

(1) إمامة المفضول (2) الشفاعة

الامام الباقر مع قادة الاعتزال... 80

(1) مع الحسن البصري (2) الرد على الحسن البصري

ص: 401

(3) مع عمرو بن عبيد

المرجئة... 83

معنى المرجئة... 84

نشأة المرجئة... 85

الشيعة والمرجئة... 86

مزاعم كريمر... 88

تحديد الايمان... 89

الامام مع عمرو الماصر... 89

أبو حنيفة والارجاء... 90

الخوارج... 91

آراؤهم الدينية ... 93

الامام الباقر مع نافع... 94

الشيعة ... 95

معنى الشيعة... 95

نشأة التشيع... 96

الأسطورة السبأية... 102

الذاهبون إليها (1) الملطي (2) النشار (3) الشيخ أبو زهرة

الشيعة والغلو... 105

حقيقة الغلو ، براءة الشيعة من الغلاة

نظرة الشيعة للأئمة... 107

حب الشيعة للأئمة... 108

ص: 402

مظاهر الولاء للأئمة... 111

الشيعة والصحابة... 113

تعريف الصحابة... 114

حكم الصحابة... 114

رأي أعلام الشيعة في الصحابة... 115

رأي السيد علي خان ، رأي الامام شرف الدين

موقف الامام من الصحابة... 117

الفكر السياسي الشيعي... 119

الرخاء الاقتصادي ، إلغاء التمايز العنصري ، بسط العدل

الثورة على الظلم ، جرأة وإقدام

امتحان الشيعة... 127

الالتجاء إلى التقية... 130

وحدة الشيعة... 132

الحياة العلمية في عصره... 132

مدرسة التابعين... 133

1 - سعيد بن المسيب... 134

مكانته العلمية ، وثاقته ، وفاته

2 - عروة بن الزبير... 136

3 - عبيد اللّه بن عبد اللّه... 137

4 - عبد الرحمن 5 - سليمان 6 - خارجة 7 - القاسم

مدرسة أهل البيت... 139

ص: 403

الحياة الثقافية العامة... 140

الحياة السياسية ، الأحزاب السياسية... 143

الحزب الأموي... 143

الحزب الزبيري... 146

الخوارج... 148

الشيعة... 148

الفتن والاضطرابات... 149

حياة اللّهو والترف... 151

المغالاة في المهور... 152

ترف النساء ... 153

الغناء... 155

وضع الحديث... 156

استغلال الزهري... 158

رواية مفتعلة على أبي جعفر... 159

الكذابون على أبي جعفر ... 159

(1) بيان (2) حمزة البربري (3) المغيرة بن سعيد ، بدعه

براءة الامام الباقر منه ، ثورة المغيرة

الكفر والحاد... 165

الامام مع عالم شامي... 166

الثورات العامة... 169

ثورة المدينة... 170

ص: 404

ثورة التوابين... 173

ثورة المختار... 174

فزع السفكة المجرمين... 176

الابادة الشاملة... 177

ثورة ابن الزبير... 178

بخله... 178

عداؤه للعلويين... 181

إخفاق ثورته... 183

الحياة الاقتصادية... 184

أصحابه ورواة حديثه 189

فيه عرض لتراجم أصحاب الامام ورواة حديثه البالغ عددهم

أربعمائة واثنان وثمانون شخصا

إلى جنة المأوى 383

الامام ينعى نفسه... 385

اغتيال الامام... 385

دوافع اغتيال الامام... 387

(1) سمو شخصيته (2) احداث دمشق... 387

نصه على الامام الصادق... 388

وصاياه ... 389

إلى الفردوس الأعلى ... 390

تجهيزه ، مواراته... 391

ص: 405

عمره الشريف... 392

سنة وفاته... 393

تعزية المسلمين للامام الصادق... 394

محتويات الكتاب... 397

ص: 406

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.